شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة إحدى وخمسين
وأربعمائة
فيها توفي ابن سميق، أبو عمر، أحمد بن يحيى بن أحمد بن سميق القرطبي،
نزيل طليطلة، ومحدّث وقته. روى عن أبي المطرّف بن فطيس، وابن أبي
زمنين، وطبقتهما، وكان قوي المشاركة في عدة علوم، حتّى في الطب، مع
العبادة والجلالة، وعاش ثمانين سنة.
وفيها الأمير المظفّر أبو الحارث أرسلان بن عبد الله البساسيري
التّركي، مقدّم الأتراك ببغداد، يقال: إنه كان مملوك بهاء الدولة بن
بويه، وهو الذي خرج على الإمام القائم بأمر الله ببغداد، وكان قدّمه
على جميع الأتراك، وقلّده الأمور بأسرها، وخطب له على منابر العراق،
وخوزستان، فعظم أمره، وهابته الملوك، ثم خرج على الإمام القائم بأمر
الله من بغداد، وخطب للمستنصر العبيدي صاحب مصر، فراح الإمام القائم
إلى أمير العرب محيي الدّين أبي الحارث مهارش بن المجلّي العقيلي صاحب
الحديثة وأعانه [1] ، فآواه، وقام بجميع ما يحتاج إليه مدة سنة كاملة،
حتّى جاء طغرلبك السلجوقي، وقاتل البساسيري المذكور، وقتله، وعاد
القائم إلى بغداد، وكان دخوله إليها في مثل اليوم الذي خرج منها، بعد
حول كامل، وكان ذلك من غرائب [2] الاتفاق، وقصته مشهورة، قتله عسكر
السلطان
__________
[1] في «وفيات الأعيان» : «وعانه» .
[2] في «آ» و «ط» ، «من غريب» وما أثبته من «وفيات الأعيان» .
(5/221)
طغرلبك السلجوقي ببغداد يوم الخميس، منتصف
ذي الحجة، وطيف برأسه في بغداد، وصلب قبالة باب النوبي.
والبساسيري: بفتح الباء الموحدة والسين المهملة، وبعد الألف سين
مكسورة، ثم ياء ساكنة مثناة من تحتها، وبعدها راء، هذه النسبة إلى بلدة
بفارس يقال لها بسا [1] وبالعربية فسا [1] ، والنسبة إليها بالعربية
فسوي، ومنها الشيخ أبو علي الفارسي النحوي، وأهل فارس يقولون في النسبة
إليها البساسيري، وهي نسبة شاذة على خلاف الأصل، وكان سيد أرسلان
المذكور من بسا، فنسب إليه المملوك، واشتهر بالبساسيري. قاله ابن
خلّكان [2] .
وفيها أبو عثمان النّجيرمي- بفتح النون والراء، وكسر الجيم، نسبة إلى
نجيرم، محلة بالبصرة [3]- سعيد بن محمد بن أحمد بن محمد النيسابوري،
محدّث خراسان ومسندها. روى عن جدّه أبي الحسين، وأبي عمرو بن حمدان
وطبقتهما، ورحل إلى مرو، وإسفرايين، وبغداد، وجرجان، وتوفي في ربيع
الآخر.
وفيها أبو المظفّر عبد الله بن شبيب الضبّي، مقرئ أصبهان، وخطيبها،
وواعظها، وشيخها، وزاهدها، أخذ القراءات عن أبي الفضل الخزاعي، وسمع من
أبي عبد الله بن مندة وغيره، وتوفي في صفر.
وفيها أبو الحسن الزّوزني- بفتح الزايين وسكون الواو، نسبة إلى زوزن،
بلد بين هراة ونيسابور- علي بن محمود بن ماخرة، شيخ الصوفية
__________
[1] قال ياقوت في «معجم البلدان» (1/ 412) : بسا: بالفتح، ويعرّبونها
فيقولون فسا، مدينة بفارس.
[2] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 192- 193) .
[3] وقال ياقوت في «معجم البلدان» (5/ 274) : نجيرم: بليدة مشهورة دون
سيراف مما يلي البصرة على جبل هناك على ساحل البحر.
(5/222)
ببغداد، في رمضان، عن خمس وثمانين سنة.
وكان كثير الأسفار، سمع بدمشق عن عبد الوهاب الكلابي وجماعة.
وفيها أبو طالب العشاري، محمد بن علي بن الفتح الحربي الصالح.
روى عن الدّارقطني وطبقته، وعاش خمسا وثمانين سنة، وكان جسده طويلا،
فلقبوه العشاري، وكان فقيها حنبليا، تخرّج على أبي حامد، وقبله على ابن
بطة، وكان خيّرا، عالما، زاهدا.
قال ابن أبي يعلي في «طبقات الحنابلة» [1] : كان العشاري من الزهّاد،
صحب أبا عبد الله بن بطة، وأبا حفص البرمكي، وأبا عبد الله بن حامد.
وقال ابن الطيوري: قال في بعض أهل البادية: إنا [2] إذا قحطنا [3]
استسقينا بابن العشاري، فنسقى.
وقال: لما قدم عسكر طغرلبك، لقي بعضهم ابن العشاري في يوم الجمعة، فقال
له: أيش معك يا شيخ؟ قال: ما معي شيء، ونسي أن في جيبه نفقة، ثم ذكر،
فنادى بذلك القائل له، وأخرج ما في جيبه وتركه بيده، وقال: هذا معي،
فها به ذلك الشيخ، وعظّمه ولم يأخذه.
وله كرامات كثيرة. مولده سنة ستين وثلاثمائة، وموته يوم الثلاثاء تاسع
عشري جمادى الأولى، سنة إحدى وخمسين وأربعمائة، ودفن في مقبرة إمامنا
بجنب أبي عبد الله بن طاهر، وكان كل واحد منهما، زوجا لأخت الآخر.
انتهى ملخصا.
__________
[1] (2/ 192) .
[2] لفظة «إنّا» لم ترد في «طبقات الحنابلة» الذي بين يدي.
[3] في «طبقات الحنابلة» : «قحطتنا» .
(5/223)
سنة اثنتين وخمسين
وأربعمائة
فيها توفي الماهر، أبو الفتح أحمد بن عبيد الله بن فضال الحلبي
الموازيني [1] الشاعر المفلق بالشام.
وفيها علي بن حميد أبو الحسن الذّهلي إمام جامع همذان، وركن السّنّة
والحديث بها. روى عن أبي بكر بن لال وطبقته، وقبره يزار ويتبرك به.
وفيها القزويني، محمد بن أحمد بن علي المقرئ، شيخ الإقراء بمصر. أخذ عن
طاهر بن غلبون، وسمع من أبي الطيب والد طاهر، وعبد الوهاب الكلابي،
وطائفة، وتوفي في ربيع الآخر.
قال في «حسن المحاضرة» [2] : وقرأ عليه يحيى الخشّاب، وعلي بن بليمة.
انتهى.
وفيها ابن عمروس أبو الفضل، محمد بن عبيد الله البغدادي، الفقيه
المالكي.
قال الخطيب [3] : انتهت إليه الفتوى ببغداد، وكان من القرّاء المجودين.
حدّث عن ابن شاهين وجماعة، وعاش ثمانين سنة.
__________
[1] انظر «مختصر تاريخ دمشق» لابن منظور (3/ 148- 149) .
[2] (1/ 493) .
[3] انظر «تاريخ بغداد» (2/ 339) .
(5/224)
سنة ثلاث وخمسين
وأربعمائة
فيها توفي أبو العبّاس بن نفيس، شيخ القرّاء، أحمد بن سعيد بن أحمد بن
نفيس المصري في رجب، وقد نيّف على التسعين، وهو أكبر شيخ لابن الفحّام.
قرأ على السّامري، وأبي عديّ عبد العزيز، وسمع من أبي القاسم الجوهري
وطائفة، وانتهى إليه علو الإسناد في القراءات، وقصد من الآفاق.
وفيها صاحب ميّافارقين، وديار بكر، نصر الدولة أحمد بن مروان بن دوستك
الكردي، أبو نصر، كان عاقلا، حازما، عادلا، لم يفته الصبح، مع انهماكه
على اللّذات، وكان له ثلاثمائة وستون سرّية، يخلو كل ليلة بواحدة،
وكانت دولته إحدى وخمسين سنة، وعاش سبعا وسبعين سنة، وقام بعده ولده
نصر.
وقال ابن خلّكان [1] : ملك البلاد بعد أن قتل أخوه أبو سعيد منصور بن
مروان في قلعة الهتّاخ [2] ليلة الخميس، خامس جمادى الأولى، سنة إحدى
وأربعمائة، وكان رجلا مسعودا، عالي الهمّة، حسن السياسة، كثير الحزم،
قضى من اللذات وبلغ من السعادة ما يقصر الوصف عن شرحه. وكان قد قسم
أوقاته، فمنها ما ينظر فيه في مصالح دولته، ومنها ما يتوفر فيه على
لذّاته والاجتماع بأهله، وخلّف أولادا كثيرة، وقصده شعراء عصره، ومدحوه
وخلّدوا مدائحه في دواوينهم.
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 177- 178) .
[2] قال ياقوت: الهتّاخ: قلعة حصينة في ديار بكر قرب ميّافارقين. انظر
«معجم البلدان» (5/ 392) .
(5/225)
ومن جملة سعاداته أنه وزر له وزيران كانا
وزيري خليفتين، أحدهما أبو القاسم الحسين بن علي، المعروف بابن
المغربي، صاحب «الديوان» - الشعر، والرسائل- والتصانيف، المشهورة. كان
وزير خليفة مصر وانفصل عنه، وقدم على الأمير أبي نصر المذكور فوزر له
مرتين، والآخر فخر الدولة أبو نصر بن جهير، كان وزير، ثم انتقل إلى
وزارة بغداد.
ولم يزل على سعادته وقضاء أوطاره إلى أن توفي تاسع عشري شوال.
انتهى ملخصا.
وفيها أبو مسلم، عبد الرحمن بن غزو النّهاوندي العطّار. حدّث عن أحمد
بن فراس العبقسي وخلق، وكان ثقة صدوقا.
وفيها أبو أحمد المعلّم عبد الواحد بن أحمد الأصبهاني، راوي مسند أحمد
بن منيع، عن عبيد الله بن جميل، وروى عن جماعة، وتوفي في صفر.
وفيها علي بن رضوان أبو الحسن المصري الفيلسوف، صاحب التصانيف. كان
رأسا في الطب وفي التنجيم، من أذكياء زمانه بديار مصر.
وفيها أبو القاسم السّميساطي، واقف الخانكاه قرب جامع بني أمية بدمشق-
وسميساط: بضم السين المهملة الأولى وفتح الميم والسين الثانية، بينهما
مثناة تحتية، وآخره طاء مهملة، بلد بالشام- علي بن محمد بن يحيى
السّلمي الدمشقي. روى عن عبد الوهاب الكلابي وغيره، وكان بارعا في
الهندسة، والهيئة، صاحب حشمة وثروة واسعة، عاش ثمانين سنة.
قال في «القاموس» [1] : سميساط، كطريبال بسينين، بلد [2] بشاطئ
__________
[1] انظر «القاموس المحيط» ص (867) طبع مؤسسة الرسالة، وانظر «معجم
البلدان» (3/ 258) .
[2] في «آ» : «بلدة» .
(5/226)
الفرات، منه الشيخ أبو القاسم علي بن محمد
بن يحيى السّلمي الدّمشقي السّميساطي، من أكابر الرؤساء والمحدّثين
بدمشق، وواقف الخانقاه بها.
انتهى.
وفيها قريش [1] بن بدران بن مقلّد بن المسيّب العقيلي أبو المعالي،
صاحب الموصل، وليها عشر سنين، وذبح عمّه قرواش بن مقلّد صبرا، ومات
بالطاعون عن إحدى وخمسين سنة، وقام بعده ابنه شرف الدولة مسلم، الذي
استولى على ديار ربيعة ومضر [2] ، وحلب، وحاصر دمشق، فكاد أن يملكها،
وأخذ الحمل من بلاد الرّوم.
وفيها أبو سعيد الكنجرودي- بفتح الكاف والجيم بينهما نون ساكنة وآخره
دال مهملة نسبة إلى كنجرود قرية بنيسابور ويقال لها جنزرود [3]- محمد
بن عبد الرحمن بن محمد النيسابوري الفقيه النحوي، الطبيب الفارس.
قال عبد الغافر: له قدم في الطب، والفروسية، وأدب السلاح، وكان بارع
وقته لاستجماعه فنون العلم. حدّث عن أبي عمرو بن حمدان وطبقته، وكان
مسند خراسان في عصره، وتوفي في صفر.
__________
[1] تحرّف في «آ» إلى «قرويش» .
[2] في «آ» و «ط» : «ومصر» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» (3/ 232) .
[3] تنبيه: كذا قال المؤلف رحمه الله وهو خطأ، والصواب: «الكنجرودي»
نسبة إلى «كنجروذ» وهي قرية على باب نيسابور، في ربضها، وتعرّب، فيقال
لها: «جنزروذ» . قاله السمعاني في «الأنساب» (10/ 479) وانظر «معجم
البلدان» (4/ 481- 482) و «سير أعلام النبلاء» (18/ 101) .
(5/227)
سنة أربع وخمسين
وأربعمائة
فيها زادت [1] دجلة إحدى وعشرين ذراعا، وغرقت بغداد وبلاد.
وفيها التقى صاحب حلب، معز الدولة ثمال بن صالح الكلابي، وملك الرّوم
على أرتاح [2] من أعمال حلب، وانتصر المسلمون، وغنموا، وسبوا، حتى بيعت
السّرّية الحسناء بمائة درهم، وبعدها بيسير، توفي ثمال بحلب.
وفيها توفي أبو سعد بن أبي شمس النيسابوري أحمد بن إبراهيم بن موسى،
المقرئ المجود، الرئيس الكامل، توفي في شعبان، وهو في عشر التسعين. روى
عن أبي محمد المخلدي وجماعة، وروى «الغاية في القراءات» عن ابن مهران
المصنف [3] .
وفيها أبو محمد الجوهري، الحسن بن علي الشيرازي، ثم البغدادي المقنّعي،
لأنه كان يتطيلس ويلفّها من تحت حنكه. انتهى إليه علو الرواية في
الدّنيا، وأملى مجالس كثيرة، وكان صاحب حديث. روى عن أبي بكر القطيعي،
وأبي عبد الله العسكري، وعلي بن لؤلؤ، وطبقتهم، وعاش نيّفا وتسعين سنة،
وتوفي في سابع ذي القعدة.
__________
[1] في «العبر» : «بلغت» . (ع) .
[2] قال ياقوت في «معجم البلدان» (1/ 140) : أرتاح: اسم حصن منيع، كان
من العواصم من أعمال حلب.
[3] في «آ» و «ط» : «المص» والتصحيح من «العبر» (3/ 233) مصدر المؤلّف.
(5/228)
وفيها أبو نصر، زهير بن الحسن السرخسي،
الفقيه الشافعي، مفتي خراسان. أخذ ببغداد عن أبي حامد الإسفراييني
ولزمه، وعلّق عنه تعليقة مليحة، وروى عن زاهر السرخسي، والمخلّص
وجماعة، وتوفي بسرخس، وقيل: توفي سنة خمس وخمسين. قاله في «العبر» [1]
.
وقال الإسنوي [2] : ولد بسرخس، بعد السبعين وثلاثمائة، وتفقه على الشيخ
أبي حامد، وبرع في الفقه، وسمع الكثير من جماعة، منهم: زاهر السرخسي،
ورجع إلى سرخس، ودرّس بها، وأسمع إلى أن مات [3] سنة خمس وخمسين
وأربعمائة. انتهى.
وفيها عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن بن بندار العجلي، أبو الفضل
الرّازي، الإمام المقرئ الزاهد، أحد العلماء العاملين.
قال أبو سعد السمعاني [4] : كان مقرئا [فاضلا] كثير التصانيف، زاهدا،
[متعبّدا] ، خشن العيش، قانعا، منفردا عن الناس، يسافر وحده ويدخل
البراري.
سمع بمكّة من ابن فراس، وبالرّيّ من جعفر بن فنّاكي، وبنيسابور من
السّلمي، وبنسإ من محمد بن زهير النّسوي، وبجرجان من أبي نصر بن
الإسماعيلي، وبأصبهان من ابن مندة الحافظ، وببغداد، والبصرة، والكوفة،
وحرّان، وفارس، ودمشق، ومصر، وكان من أفراد الدّهر. قاله في «العبر»
[5] .
__________
[1] (3/ 234) .
[2] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 42) .
[3] في «آ» و «ط» : «إلى زمان» والتصحيح من «طبقات الشافعية» للإسنوي.
[4] انظر «سير أعلام النبلاء» (18/ 137- 138) وما بين حاصرتين مستدرك
منه وقد عزا الذهبي النقل إلى «الذيل» للسمعاني.
[5] (3/ 234) .
(5/229)
وفيها أبو حفص الزّهراوي، عمر بن عبيد الله
الذّهلي القرطبي، محدّث الأندلس، مع ابن عبد البرّ، توفي في صفر، عن
ثلاث وتسعين سنة. روى عن عبد الوارث بن سفيان، وأبي محمد بن أسد،
والكبار، ولحقته في آخر عمره فاقة، فكان يستعطي، وتغيّر ذهنه.
وفيها القضاعي، القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر بن علي بن
حكمون المصري، الفقيه الشافعي، قاضي الدّيار المصرية، ومصنّف كتاب
«الشهاب» [1] وكتاب «مناقب الإمام الشافعي وأخباره» وكتاب «الإنباء عن
الأنبياء» و «تواريخ الخلفاء» وكتاب «خطط مصر» .
قال ابن ماكولا [2] : كان متفنّنا في عدة علوم، لم أر بمصر من يجري
مجراه.
وقال في «العبر» [3] : روى عن أبي مسلم الكاتب فمن بعده، وذكر السمعاني
في «الذيل» في ترجمة الخطيب البغدادي، أنه حجّ سنة خمس وأربعين
وأربعمائة، وحجّ تلك السنة القضاعي المذكور، وسمع منه الحديث. انتهى،
وتوفي بمصر في ذي الحجة، وصلّي عليه يوم جمعة بعد العصر.
وفيها المعزّ بن باديس بن منصور بن بلكّين الحميري الصنهاجي، صاحب
المغرب، وكان الحاكم العبيدي قد لقّبه شرف الدولة، وأرسل له الخلعة
والتقليد، في سنة سبع وأربعمائة، وله تسعة أعوام، وكان ملكا جليلا
__________
[1] واسمه كما في «كشف الظنون» (2/ 1067) «شهاب الأخبار في الحكم
والأمثال والآداب» وقد نشر في مؤسسة الرسالة ببيروت عام (1405 هـ) باسم
«مسند الشهاب» في مجلدين وقام بتحقيقه وتخريج أحاديثه الأستاذ الشيخ
حمدي عبد المجيد السّلفي.
[2] انظر «الإكمال» (7/ 147) وقد نقل المؤلف كلامه عن «العبر» للذهبي
الذي نقله عنه باختصار.
[3] (3/ 235) .
(5/230)
عالي الهمّة، محبّا للعلماء، جوادا،
ممدّحا، أصيلا في الإمرة، حسن الديانة، حمل أهل مملكته على الاشتغال
بمذهب مالك، وخلع طاعة العبيديين في أثناء أيامه، وخطب لخليفة العراق،
فجهز المستنصر لحربه جيشا، وطال حربهم له، وخربوا حصون برقة، وإفريقية،
وتوفي في شعبان بالبرص، وله ست وخمسون سنة. قاله في «العبر» [1] .
وقال ابن خلّكان [2] : كان واسطة عقد أهل [3] بيته، وكانت حضرته محط
الآمال، وكان مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه بإفريقية أظهر المذاهب، فحمل
المعزّ المذكور جميع أهل إفريقية [4] والمغرب على التمسك بمذهب مالك بن
أنس رضي الله عنه، وحسم مادة الخلاف في المذاهب، واستمر الحال في ذلك
إلى الآن.
وكان المعزّ يوما جالسا في مجلسه وعنده جماعة من الأدباء، وبين يديه
أترجة ذات أصابع، فأمرهم المعز أن يعملوا فيها شيئا، فعمل أبو الحسن بن
رشيق القيرواني الشاعر المشهور بيتين:
أترجة سبطة الأطراف ناعمة ... تلقى العيون بحسن غير منحوس
كأنما بسطت كفّا لخالقها ... تدعو بطول بقاء لابن باديس
انتهى ملخصا.
__________
[1] (3/ 236) .
[2] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 233) .
[3] لفظة «أهل» لم ترد في «وفيات الأعيان» .
[4] لفظة «إفريقية» هذه لم ترد في «ط» و «وفيات الأعيان» .
(5/231)
سنة خمس وخمسين
وأربعمائة
فيها دخل السلطان أبو طالب محمد بن ميكال [1] ، سلطان الغزّ، المعروف
بطغرلبك بغداد، فنزلوا في دور الناس، وتعرّضوا لحرمهم، حتّى إن قوما من
الأتراك صعدوا إلى جامات الحمامات، ففتحوها، ثم نزلوا، فهجموا عليهنّ،
وأخذوا من أرادوا منهنّ، وخرج الباقيات عراة.
ثم في ليلة الاثنين خامس عشر صفر، زفّت ابنة القائم بأمر الله إلى
طغرلبك، وضربت لها سرادق من دجلة إلى الدّار، وضربت البوقات عند دخولها
إلى الدّار، فجلست على سرير ملبّس بالذهب، ودخل السلطان، فقبّل الأرض،
وخرج من غير أن يجلس، ولم تقم له، ولا كشفت برقعها، ولا أبصرته، وأنفذ
لها عقدين فاخرين وقطعة ياقوت حمراء، ودخل من الغد، فقبّل الأرض أيضا
وجلس على سرير ملبّس بالفضة بإزائها ساعدة، ثم خرج وأنفذ لها جواهر
كثيرة وفرجية مكلّلة بالحب، ثم أخرجها معه من بغداد على كره إلى
الرّيّ.
قال في «العبر» [2] : وهو أول ملوك السلجوقية، وأصلهم من أعمال
__________
[1] كذا في «آ» و «ط» و «غربال الزمان» ص (364) : «محمد بن ميكال» وفي
معظم المصادر الأخرى «محمد بن ميكائيل» فتنبّه.
[2] (3/ 237- 238) .
(5/232)
بخارى وهم أهل عمود. أول ما ملك هذا
الرّيّ، ثم نيسابور، ثم أخذ أخوه داود بلخ وغيرها، واقتسما الممالك،
وملك طغرلبك العراق، وقمع الرافضة، وزال به شعارهم، وكان عادلا في
الجملة، حليما، كريما، محافظا على الصلوات، يصوم الخميس والاثنين،
ويعمر المساجد.
ودخل بابنة القائم وله سبعون سنة، وعاش عقيما ما بشّر بولد، ومات
بالرّيّ، وحملوا تابوته، فدفنوه بمرو، عند قبر أخيه داود بن جغريبك [1]
.
انتهى.
وقال السيوطي في «تاريخ الخلفاء» [2] : وفي سنة أربع وخمسين، زوّج
الخليفة ابنته لطغرلبك [3] ، بعد أن دافع بكل ممكن، وانزعج واستعفى، ثم
لان لذلك [4] برغم منه، وهذا أمر لم ينله أحد من ملوك بني بويه، مع
قهرهم للخلفاء وتحكّمهم فيهم [5] .
قلت [6] : والآن زوّج خليفة عصرنا ابنته من واحد من مماليك السلطان،
فضلاء عن السلطان، ف إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. 2:
156 ثم قدم طغرلبك في سنة خمس [وخمسين] فدخل بابنة الخليفة، وأعاد
المواريث والمكوس، وضمن بغداد بمائة وخمسين ألف دينار، ثم رجع إلى
الرّيّ فمات بها في رمضان، فلا عفا الله عنه! وأقيم في السلطنة بعده
ابن أخيه عضد الدولة ألب أرسلان صاحب خراسان، وبعث إليه القائم بالخلع
والتقليد.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «جعفر بيك» وما أثبته من «العبر» و «سير أعلام
النبلاء» (18/ 106) .
[2] انظر «تاريخ الخلفاء» للسيوطي ص (420) .
[3] في «آ» و «ط» : «بنته بطغرلبك» وما أثبته من «تاريخ الخلفاء» .
[4] في «آ» و «ط» : «لان الملك» وما أثبته من «تاريخ الخلفاء» .
[5] في «آ» و «ط» : «فيه» والتصحيح من «تاريخ الخلفاء» .
[6] القائل الحافظ السيوطي.
(5/233)
قال الذهبي: وهو أول من ذكر بالسلطان على
منابر بغداد، وبلغ ما لم يبلغه أحد من الملوك، وافتتح بلادا كثيرة من
بلاد النصارى، واستوزر نظام الملك، فأبطل ما كان عليه الوزير قبله عميد
الملك من سبّ الأشعرية، وانتصر [1] للشافعية، وأكرم إمام الحرمين، وأبا
القاسم القشيري، وبنى النّظامية، قيل: وهي أوّل مدرسة بنيت للفقهاء.
انتهى كلام السيوطي.
وطغرلبك: بضم الطاء المهملة، وسكون الغين المعجمة، وضم الراء، وسكون
اللام، وفتح الموحدة، وبعدها كاف، هو اسم تركي مركب من طغرل: وهو بلغة
التّرك [اسم] علم لطائر معروف عندهم، وبه سمي الرجل، وبك: معناه أمير
[2] .
وفيها أحمد بن محمود أبو طاهر الثّقفي الأصبهاني المؤدّب [3] . سمع
كتاب «العظمة» من أبي الشيخ، وما ظهر سماعة منه إلّا بعد موته، وكان
صالحا ثقة سنّيا، كثير الحديث، توفي في ربيع الأول، وله خمس وتسعون
سنة. روى عن أبي بكر بن المقرئ وجماعة.
وفيها سبط بحرويه، أبو القاسم إبراهيم بن منصور السّلمي الكرّاني [4]
الأصبهاني. صالح، ثقة، عفيف. روى «مسند أبي يعلى» عن ابن المقرئ، ومات
في ربيع الأول، وله ثلاث وتسعون سنة.
وفيها أبو يعلى الصّابوني إسحاق بن عبد الرحمن النيسابوري [5] ، أخو
شيخ الإسلام أبي عثمان. روى عن عبد الله بن محمد بن عبد الوهّاب
الرّازي،
__________
[1] في «آ» و «ط» : «فانتصر» وأثبت لفظ «تاريخ الخلفاء» .
[2] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 68) .
[3] انظر «سير أعلام النبلاء» (18/ 123- 124) .
[4] تحرّفت في «آ» إلى «الكيرواني» وفي «ط» إلى «الكيراني» والتصحيح من
«الأنساب» (10/ 378) و «سير أعلام النبلاء» (18/ 73) .
[5] انظر «سير أعلام النبلاء» (18/ 75- 76) .
(5/234)
وأبي محمد المخلدي، وطبقتهما، وكان صوفيا
مطبوعا، ينوب عن أخيه في الوعظ، توفي في ربيع الآخر وقد جاوز الثمانين.
وفيها محمد بن محمد بن حمدون السّلمي، أبو بكر النيسابوري، آخر من روى
عن أبي عمرو بن حمدان، توفي في المحرم.
(5/235)
|