شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة ست وأربعين وأربعمائة
فيها توفي أبو علي الأهوازي، الحسن بن علي بن إبراهيم، المقرئ المحدّث، مقرئ أهل الشام، وصاحب التصانيف. ولد سنة اثنتين وستين وثلاثمائة، وعني بالقراءات، ولقي فيها الكبار، كأبي الفرج الشّنبوذي، وعلي بن الحسين الغضائري، وقرأ بالأهواز لقالون، في سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة، وروى الحديث عن نصر المرجى، والمعافي الجريري، وطبقتهما، وهو ضعيف اتّهم في لقي بعض الشيوخ، توفي في ذي الحجّة.
وفيها أبو يعلى الخليلي، الخليل بن عبد الله بن أحمد القزويني الحافظ، أحد أئمة الحديث. روى عن علي بن أحمد بن صالح القزويني، وأبي حفص الكتّاني، وطبقتهما، وكان أحد من رحل وتعب وبرع في الحديث.
قال ابن ناصر الدّين [1] : أبو يعلى القاضي، كان إماما حافظا، من المصنفين، وله كتاب «الإرشاد في معرفة المحدّثين» .
وفيها أبو محمد بن اللّبّان التيمي، عبد الله بن محمد الأصبهاني.
قال الخطيب [2] : كان أحد أوعية العلم. سمع أبا بكر بن المقرئ، وأبا
__________
[1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (148/ ب) .
[2] انظر «تاريخ بغداد» (10/ 144) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 653- 654) .

(5/199)


طاهر المخلص وطبقتهما، وكان ثقة، صحب ابن الباقلاني [1] ، ودرس عليه الأصول، وتفقه على أبي حامد الإسفراييني، وقرأ القراءات [2] ، وله مصنّفات كثيرة. سمعته يقول: حفظت القرآن ولي خمس سنين، مات بأصبهان في جمادى الآخرة.
وفيها محمد بن عبد الرّحمن بن عثمان بن أبي نصر، أبو الحسين التميمي المعدّل الرئيس، مسند دمشق، وابن مسندها. سمع أبا بكر الميانجي، وأبا سليمان بن زبير، وتوفي في رجب.
__________
[1] في «تاريخ بغداد» : «صحب القاضي أبا بكر الأشعري» .
[2] في «تاريخ بغداد» : «وقرأ القرآن» .

(5/200)


سنة سبع وأربعين وأربعمائة
فيها توفي أبو عبد الله القادسي، الحسين بن أحمد بن محمد بن حبيب البغدادي البزّاز. روى عن أبي بكر القطيعي وغيره، ضعّفه الخطيب [1] وفيه أيضا رفض، توفي في ذي القعدة.
وفيها قاضي القضاة، أبو عبد الله بن ماكولا، الحسين بن علي بن جعفر العجلي الجرباذقاني- بفتح الجيم والموحدة والقاف، وسكون الراء والذال المعجمة، نسبة إلى جرباذقان، بلد بين جرجان واستراباذ وأخرى بين أصبهان والكرج لا أدري إلى أيّهما ينسب- كان شافعي المذهب.
قال الإسنوي [2] : هو من ولد الأمير أبي دلف العجلي، ويعرف بابن ماكولا، وهو الأمير أبو نصر، مصنّف «الإكمال في أسماء الرجال» تولى أبو عبد الله المذكور قضاء القضاة ببغداد، سنة عشرين وأربعمائة.
قال الخطيب: كان عارفا بمذهب الشافعي، وسمع من ابن مندة بأصبهان، قال: ولم نر قاضيا أعظم نزاهة منه. ولد سنة ثمان وستين وثلاثمائة، ومات في شوال وهو على قضائه. انتهى ما قاله الإسنوي.
وفيها حكم بن محمد بن حكم، أبو العاص الجذامي- نسبة إلى
__________
[1] انظر «تاريخ بغداد» (8/ 17) .
[2] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 406- 407) .

(5/201)


جذام قبيلة باليمن- القرطبي مسند الأندلس، حجّ فسمع من أبي محمد بن أبي زيد، وإبراهيم بن علي التمّار، وأبي بكر بن المهندس، وقرأ على عبد المنعم بن غلبون، وكان صالحا، ثقة، ورعا، صلبا في السّنّة، مقلّا، زاهدا، توفي في ربيع الآخر، عن بضع وتسعين سنة.
وفيها أبو الفتح سليم بن أيوب بن سليم- بالتصغير فيهما- الرّازي الشافعي المفسّر، صاحب التصانيف والتفسير، وتلميذ أبي حامد الإسفراييني. روى عن أحمد بن محمد البصير [1] وطائفة كثيرة، وكان رأسا في العلم والعمل، غرق في بحر القلزم [2] في صفر بعد قضاء حجّه.
قال ابن قاضي شهبة [3] : تفقه وهو كبير، لأنه كان اشتغل في صدر عمره باللغة، والنحو، والتفسير، والمعاني، ثم لازم الشيخ أبا حامد [4] ، وعلّق منه التعليق، ولما توفي الشيخ أبو حامد جلس مكانه، ثم إنه سافر إلى الشام، وأقام بثغر صور مرابطا، ينشر العلم، فتخرّج عليه أئمة، منهم:
الشيخ نصر المقدسي، وكان ورعا زاهدا، يحاسب نفسه على الأوقات، لا يدع وقتا يمضي بغير فائدة.
قال الشيخ أبو إسحاق [5] : إنه كان فقيها أصوليا.
وقال أبو القاسم بن عساكر: بلغني أن سليما تفقه بعد أن جاوز الأربعين، وغرق في بحر القلزم عند ساحل جدّة، بعد الحج في صفر، ومن تصانيفه «كتاب التفسير» سمّاه «ضياء القلوب» وغير ذلك من الكتب النافعة.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «النصير» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» (3/ 215) وانظر «المستفاد من ذيل تاريخ بغداد» لابن النجار ص (248) طبع مؤسسة الرسالة.
[2] المعروف الآن ب- «البحر الأحمر» .
[3] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 233- 234) .
[4] يعني الإسفراييني.
[5] انظر «طبقات الفقهاء» للشيرازي ص (132) .

(5/202)


وسئل ما الفرق بين مصنفاتك ومصنفات رفيقك المحاملي؟ يعرّض السائل بأن تلك أشهر، فقال: الفرق أن تلك صنّفت بالعراق ومصنفاتي صنّفت بالشام.
انتهى.
وفيها أبو سعيد إسماعيل بن علي بن الحسين بن زنجويه الرّازي.
كان حافظا علّامة تاريخ الزمان، وهو معتزلي المذهب، وهو إمام في عدّة علوم، ومن كلامه: من لم يكتب الحديث لم يتغرغر بحلاوة الإسلام. قاله ابن ناصر الدّين، وجزم أنه توفي في هذه السنة [1] ، وقد تقدم الكلام عليه في سنة خمس وأربعين قريبا [2] .
وفيها عبد الوهاب بن الحسين بن برهان، أبو الفرج البغدادي الغزّال. روى عن أبي عبد الله العسكري، وإسحاق بن سعد، وخلق، وسكن صور، وبها مات في شوال، عن خمس وثمانين سنة.
وفيها أبو أحمد الغندجاني- بضم الغين المعجمة، وسكون النون وفتح المهملة، وجيم، نسبة إلى غندجان، مدينة بالأهواز- عبد الوهاب بن علي بن محمد بن موسى. روى «تاريخ البخاري» عن أحمد بن عبدان الشيرازي.
وفيها أبو القاسم التّنوخي، علي بن أبي علي المحسّن بن علي البغدادي. روى عن علي بن محمد بن كيسان، والحسين بن محمد العسكري وخلق كثير، وأول سماعه في سنة سبعين.
قال الخطيب [3] : صدوق متحفّظ في الشهادة، ولي قضاء المدائن ونحوها.
__________
[1] انظر «التبيان شرح بديعة البيان» لابن ناصر الدّين (148/ ب) .
[2] انظر ص (198) .
[3] انظر «تاريخ بغداد» (12/ 115) .

(5/203)


وقال ابن خيرون [1] قيل: كان راية [2] الرفض والاعتزال، مات في ثاني المحرم. قاله في «العبر» [3] .
وفيها ذخيرة الدّين، ولي العهد، محمد بن القائم بأمر الله عبد الله بن القادر بأمر الله أحمد، توفي في ذي القعدة، وله ست عشرة سنة، وكان قد ختم القرآن، وحفظ الفقه، والنحو، والفرائض، وخلّف سرية حاملا، فولدت ولدا سمّاه جدّه عبد الله، فهو المقتدي الذي ولي الخلافة بعد جده.
وفيها محمد بن علي بن يحيى بن سلوان المازني، ما عنده سوى نسخة أبي مسهر وما معها، توفي في ذي الحجة، وهو ثقة. قاله في «العبر» [4] .
__________
[1] هو الحافظ أبو الفضل محمد بن الحسن بن خيرون. انظر «تبصير المنتبه» (2/ 545) .
[2] في «العبر» و «سير أعلام النبلاء» (17/ 650) : «رأيه» .
[3] (3/ 216) .
[4] (3/ 217) .

(5/204)


سنة ثمان وأربعين وأربعمائة
فيها تزوج القائم بأمر الله، بأخت طغرلبك، وتمكّن القائم، وعظمت الخلافة بسلطنة طغرلبك.
وفيها كان القحط الشديد بديار مصر والوباء المفرط، وكانت العراق تموج بالفتن والخوف والنهب، من جماعة طغرلبك، ومن الأعراب، ومن البساسيري.
قال ابن الجوزي في «الشذور» : ثم وقع الغلاء والوباء في الناس، وفسد الهواء، وكثر الذباب، واشتد الجوع، حتّى أكلوا الميتة، وبلغ المكوك من بزر البقلة سبعة دنانير، والسفرجلة والرّمانة دينارا، والخيارة واللينوفرة دينارا، وعمّ الغلاء والوباء جميع البلاد، وورد كتاب من مصر أن ثلاثة من اللصوص نقبوا دارا فوجدوا عند الصباح موتى، أحدهم على باب البيت، والثاني على رأس الدرجة، والثالث على الثياب المكورة. انتهى.
وفيها توفي عبد الله بن الوليد بن سعيد أبو محمد الأنصاري الأندلسي، الفقيه المالكي. حمل عن أبي محمد بن أبي زيد، وخلق، وعاش ثمانيا وثمانين سنة، وسكن مصر، وتوفي بالشام في رمضان.
وفيها أبو الحسين، عبد الغافر بن محمد بن عبد الغافر الفارسي، ثم النيسابوري راوي «صحيح مسلم» عن ابن عمرويه، و «غريب» الخطابي، عن

(5/205)


المؤلّف [1] كمّل خمسا وتسعين سنة، ومات في خامس شوال، وكان عدلا جليل القدر.
وفيها أبو الحسن [2] القالي- نسبة إلى قاليقلا من ديار بكر [3]- علي بن أحمد بن علي المؤدّب الثقة. روى عن أبي عمر الهاشمي وطبقته.
وفيها أبو الحسن الباقلاني، علي بن إبراهيم بن عيسى البغدادي.
روى عن القطيعي وغيره.
قال الخطيب [4] : لا بأس به.
وفيها أبو حفص بن مسرور، عمر بن أحمد بن عمر النيسابوري الزاهد. روى عن ابن نجيد [5] ، وبشر الإسفراييني، وأبي سهل الصّعلوكي، وطائفة.
قال عبد الغافر: هو أبو حفص الفاميّ [6] الماوردي، الزاهد الفقيه.
كان كثير العبادة والمجاهدة، كانوا يتبركون بدعائه، وعاش تسعين سنة، ومات في ذي القعدة.
وفيها ابن الطفّال، أبو الحسن محمد بن الحسين بن محمد النيسابوري، ثم المصري المقرئ البزاز التاج، ولد سنة تسع وخمسين وثلاثمائة، وروى عن ابن حيّويه، وابن رشيق وطبقتهما.
__________
[1] يعني عن مؤلّفه الإمام أبي سليمان الخطّابي. انظر «سير أعلام النبلاء» (17/ 19- 20) .
[2] كذا في «آ» و «ط» : «أبو الحسن» وفي «معجم المؤلفين» (7/ 20) و «كشف الظنون» (2/ 1389) : «أبو الحسين» .
[3] تنبيه: هكذا ضبطه المؤلف «القالي» وهو خطأ، والصواب «الفالي» كما جاء في «العبر» (3/ 218) وهو مصدر المؤلف في نقله، وجاء في «الأنساب» (9/ 233) و «معجم البلدان» (4/ 232) : أنه منسوب إلى «فالة» بلدة قريبة من «أيذخ» من بلاد خوزستان. وانظر «سير أعلام النبلاء» (18/ 54) .
[4] أنظر «تاريخ بغداد» (11/ 342) .
[5] في «آ» : «عن أبي نجيد» وهو خطأ وأثبت لفظ «ط» وهو الصواب.
[6] تحرّف في «ط» إلى «القاص» وانظر «سير أعلام النبلاء» (18/ 10) و «العبر» (3/ 219) .

(5/206)


وفيها ابن التّرجمان، محمد بن الحسين بن علي الغزّي، شيخ الصوفية بديار مصر. روى عن محمد بن أحمد الحندري، وعبد الوهاب الكلابي وطائفة، ومات في جمادى الأولى بمصر، وله خمس وتسعون سنة، وكان صدوقا. قاله في «العبر» [1] .
وفيها أبو بكر محمد بن عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن بشران الأموي البغدادي، راوي «السنن» عن الدّارقطني، توفي في جمادى الأولى، وكان ثقة حسن الأصول.
وفيها أبو الحسين هلال بن المحسّن بن أبي إسحاق إبراهيم بن زهرون بن حيّون الصابئ الحرّاني الكاتب، وهو حفيد أبي إسحاق الصابئ صاحب الرسائل المشهورة. سمع هلال المذكور أبا علي الفارسي النحوي، وعلي بن عيسى الرّماني وغيرهم، وذكره الخطيب في «تاريخ بغداد» [2] وقال:
كتبنا عنه وكان صدوقا، وكان أبوه المحسّن صابئا على دين جدّه إبراهيم، وأسلم هلال المذكور في آخر عمره، وسمع العلماء في حال كفره، لأنه كان يطلب الأدب، وله كتاب «الأماثل والأعيان ومنتدى العواطف والإحسان» وهو مجلد، وكان ولده غرس النّعمة، أبو الحسن محمد بن هلال ذا فواضل [3] وتواليف نافعة، منها «التاريخ الكبير» ومنها الكتاب الذي سمّاه «الهفوات النادرة من المغفّلين الملحوظين، والسقطات البادرة من المغفّلين المحظوظين» وكانت ولادة هلال المذكور في شوال، سنة تسع وخمسين وثلاثمائة، وتوفي ليلة الخمسين سابع عشر رمضان، رحمه الله.
__________
[1] (3/ 219) وقد تصحفت «الغزّي» في «سير أعلام النبلاء» (18/ 50) إلى «العزّي» فتصحح.
[2] (14/ 76) .
[3] في «ط» : «فضائل» وكلاهما بمعنى.

(5/207)


سنة تسع وأربعين وأربعمائة
فيها كما قال في «الشذور» بلغت كارة الخشكار- أي النخالة- عشرة دنانير، ومات من الجوع خلق كثير، وأكلت الكلاب، وورد كتاب من بخارى أنه وقع في تلك الدّيار وباء، حتّى أخرج في يوم ثمانية عشر ألف جنازة، وأحصي من مات إلى تاريخ هذا الكتاب ألف ألف وستمائة وخمسون ألفا، وبقيت الأسواق فارغة والبيوت خالية، ووقع الوباء بأذربيجان وأعمالها، والأهواز وأعمالها، وواسط، والكوفة، وطبق الأرض، حتّى كان يحفر للعشرين والثلاثين زبية [1] فيلقون فيها، وكان سببه الجوع، وباع رجل أرضا له بخمسة أرطال خبز فأكلها ومات في الحال، وتاب الناس كلّهم، وأراقوا الخمور، وكسروا المعازف، وتصدقوا بمعظم أموالهم، ولزموا المساجد، وكان كلّ من اجتمع بامرأة حراما ماتا من ساعتهما، ودخلوا على مريض قد طال نزعه سبعة أيام، فأشار بإصبعه إلى بيت في الدّار، فإذا بجانبه خمر فقلبوها، فمات، وتوفي رجل كان مقيما بمسجد، فخلّف خمسين ألف درهم، فلم يقبلها أحد ورميت في المسجد، فدخل أربعة أنفس ليلا إلى المسجد فماتوا، ودخل رجل على ميت سجي [2] بلحاف فاجتذبه عنه، فمات، وطرفه في يده. انتهى.
__________
[1] جاء في «مختار الصحاح» (زبا) : الزبية: الرّابية لا يعلوها الماء.
[2] في «ط» : «مسجى» .

(5/208)


وفيها توفي أبو العلاء المعرّي، أحمد بن عبد الله بن سليمان التّنوخي، اللّغوي. الشاعر، صاحب التصانيف المشهورة، والزندقة المأثورة، والذكاء المفرط، والزهد الفلسفي، وله ست وثمانون سنة. جدر [1] وهو ابن ثلاث سنين، فذهب بصره، ولعله مات على الإسلام، وتاب من كفرياته، وزال عنه الشك. قاله في «العبر» [2] .
وقال ابن خلّكان [3] : الشاعر اللغوي، كان متضلعا من فنون الأدب، قرأ النحو واللغة على أبيه بالمعرّة، وعلى محمد بن عبد الله بن سعد النحوي بحلب، وله التصانيف الكثيرة المشهورة، والرسائل المأثورة، وله من النظم «لزوم ما لا يلزم» وهو كبير، يقع في خمس مجلدات أو ما يقاربها، وله «سقط الزّند» أيضا وشرحه بنفسه، وسمّاه «ضوء السقط» وله كتاب «الهمزة والردف» أكثر من مائة مجلد، وله غير ذلك.
أخذ عنه أبو القاسم بن المحسّن التّنوخي، والخطيب أبو زكريا التّبريزي، وغيرهما.
وكانت ولادته يوم الجمعة عند مغيب الشمس، سابع عشري شهر ربيع الأول، سنة ثلاث وستين وثلاثمائة بالمعرّة، وعمي من الجدري أول سنة سبع وستين، غشي يمنى عينيه بياض، وذهبت اليسرى جملة.
قال الحافظ السّلفي: أخبرني أبو محمد بن عبد الله بن الوليد بن غريب الإيادي، أنه دخل مع عمّه على أبي العلاء يزوره، فرآه قاعدا على سجّادة لبد، وهو شيخ، قال: فدعا لي ومسح على رأسي، وكان [4] صبيا، قال:
__________
[1] يعني أصيب بمرض الجدري.
[2] (3/ 220) .
[3] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 113- 116) .
[4] يعني الإيادي.

(5/209)


وكأني أنظر إليه الآن، وإلى عينيه، إحداهما نادرة والأخرى غائرة جدا، وهو مجدّر الوجه، نحيف الجسم.
وكان يقول: كأنما نظر المتنبي إليّ بلحظ الغيب حيث يقول:
أنا الّذي نظر الأعمى إلى أدبي ... وأسمعت كلماتي من به صمم [1]
وشرح «ديوان أبي تمام» وسمّاه «ذكرى حبيب» و «ديوان البحتري» وسمّاه «عبث الوليد» و «ديوان المتنبي» وسمّاه «معجز أحمد» وتكلم على غريب أشعارهم ومعانيها ومآخذهم من غيرهم وما أخذ عليهم، وتولى الانتصار لهم والنقد في بعض المواضع عليهم والتوجيه في أماكن لخطئهم.
ودخل بغداد سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة، ودخلها ثانيا [2] ، سنة تسع وتسعين، وأقام بها سنة وسبعة أشهر، ثم رجع إلى المعرّة ولزم منزله، وشرع في التصنيف، وأخذ عنه الناس، وسار إليه الطلبة من الآفاق، وكاتبه العلماء والوزراء، وأهل الأقدار، وسمى نفسه رهن المحبسين [3] ، للزومه منزله ولذهاب عينيه، ومكث مدة خمس وأربعين سنة لا يأكل اللحم تدينا، لأنه كان يرى رأي الحكماء المتقدمين، وهم لا يأكلونه، كيلا يذبحوا [4] الحيوان، ففيه تعذيب له، وهم لا يرون إيلام جميع الحيوانات.
وعمل الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة، ومن شعره في «اللزوم» :
لا تطلبنّ بآلة لك رفعة [5] ... قلم البليغ بغير جدّ مغزل
سكن السما كان السماء كلاهما ... هذا له رمح وهذا أعزل
__________
[1] البيت في «ديوان المتنبي» بشرح العكبري (3/ 367) .
[2] في «وفيات الأعيان» : «ثانية» .
[3] في «آ» و «ط» : «رهن الحبسين» وهو خطأ والتصحيح من «وفيات الأعيان» وانظر «سير أعلام النبلاء» (18/ 26) .
[4] في «آ» و «ط» : «كيلا يذبحون» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
[5] في «وفيات الأعيان» : «رتبة» .

(5/210)


وتوفي ليلة الجمعة ثالث، وقيل: ثاني شهر ربيع الأول، وقيل: ثالث عشرة، وبلغني أنه أوصى أن يكتب على قبره:
هذا جناه أبي عليّ ... وما جنيت على أحد
وهو أيضا متعلق باعتقاد الحكماء، فإنهم يقولون إيجاد الولد وإخراجه إلى هذا العالم جناية عليه، لأنه يتعرّض للحوادث والآفات.
وكان مرضه ثلاثة أيام، ومات في اليوم الرابع، ولم يكن عنده غير بني عمه، فقال لهم في اليوم الثالث: اكتبوا عنّي، فتناولوا الدّواة [1] والأقلام، فأملى عليهم غير الصواب، فقال القاضي أبو محمد [2] التّنوخي: أحسن الله عزاءكم في الشيخ، فإنه ميت، فمات ثاني يوم.
والمعرّيّ: نسبة إلى معرّة النّعمان، بلدة صغيرة بالشام، بالقرب من حماة، وشيزر، وهي منسوبة إلى النّعمان بن بشير الأنصاري رضي الله عنه.
انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا.
وقال ابن الأهدل: حضر مرة مجلس الشريف المرتضى ببغداد، وكان الشريف يغضّ من المتنبي، والمعرّي يثني عليه، فقال المعرّيّ: لو لم يكن من شعره إلّا قوله:
لك يا منازل في القلوب منازل [3]
لكفاه، فأمر الشريف بإخراجه، وقال: ما أراد القصيدة، فإنها ليست من غرر قصائده، وإنما أراد البيت فيها وهو قوله:
__________
[1] في «وفيات الأعيان» : «الدّويّ» وهي جمع «الدواة» .
[2] في «آ» : «القاضي محمد» وهو خطأ، وأثبت لفظ «ط» وهو الصواب.
[3] صدر بيت في «ديوان المتنبي» بشرح العكبري (3/ 249) من قصيدة مدح بها القاضي أحمد بن عبد الله الأنطاكي، وعجزه:
............ أقفرت أنت وهنّ منك أواهل

(5/211)


وإذا أتتك مذمتي من ناقص ... فهي الشهادة لي بأنّي كامل [1]
انتهى.
وقال غيره: قيل: ولد أعمى، وترك أكل البيض، واللّبن، واللّحم، وحرّم إتلاف الحيوان، وكان فاسد العقيدة، يظهر الكفر، ويزعم أن له باطنا وأنه مسلم في الباطن، وأشعاره الدالّة على كفره كثيرة منها:
أتى عيسى فأبطل شرع موسى ... وجاء محمد بصلاة خمس
وقالوا: لا نبيّ بعد هذا ... فضلّ القوم بين غد وأمس
ومهما عشت في دنياك هذي ... فما يخليك من قمر وشمس
إذا قلت المحال رفعت صوتي ... وإن قلت الصّحيح أطلت همسي
وقال:
تاه النّصارى والحنيفية ما اهتدت ... ويهود بطرى والمجوس مضلّلة
قسم الورى قسمين هذا عاقل ... لا دين فيه وديّن لا عقل له
انتهى.
وفيها أبو مسعود البجلي، أحمد بن محمد بن عبد الله بن عبد العزيز الرّازي الحافظ، وله سبع وثمانون سنة. توفي في المحرم ببخارى، وكان كثير الترحال، طوّف، وجمع، وصنّف الأبواب، وروى عن أبي عمرو بن حمدون، وحسينك التميمي، وطبقتهما. وهو ثقة.
قال ابن ناصر الدّين [2] : كان حافظا صدوقا بين الأصحاب تاجرا تقيا، صنّف على الأبواب.
وفيها أبو عثمان الصّابوني، شيخ الإسلام، إسماعيل بن عبد الرحمن
__________
[1] البيت في «ديوان المتنبي» بشرح العكبري (3/ 260) .
[2] في «التبيان شرح بديعة البيان» (148/ ب) .

(5/212)


النيسابوري الشافعي، الواعظ المفسّر المصنّف، أحد الأعلام. روى عن زاهر السّرخسي وطبقته، وتوفي في صفر، وله سبع وسبعون سنة، وأول ما جلس للوعظ وله عشر سنين.
قال ابن ناصر الدّين [1] : كان إماما حافظا، عمدة، مقدّما في الوعظ والأدب وغيرهما من العلوم، وحفظه للحديث وتفسير القرآن معلوم، ومن مصنفاته كتاب «الفصول في الأصول» .
وقال الذهبي [2] : كان شيخ خراسان في زمانه.
وقال ابن قاضي شهبة [3] : [كان أبوه من أئمة الوعظ بنيسابور] فتوفي [4] ولولده هذا تسع سنين، فأجلس مكانه، وحضر أول مجلس أئمة الوقت في بلده، كالشيخ أبي الطيب الصّعلوكي، والأستاذ أبي بكر بن فورك، والأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني، ثم كانوا يلازمون مجلسه، ويتعجبون من فصاحته، وكمال ذكائه، وحسن إيراده.
قال عبد الغافر الفارسي: كان أوحد وقته في طريقته [5] ، وعظ المسلمين سبعين سنة، وخطب، وصلّى في الجامع نحوا من عشرين سنة، وكان حافظا كثير السماع والتصنيف، حريصا على العلم. سمع الكثير، ورحل ورزق العزّة والجاه في الدّين والدّنيا، وكان جمالا في البلد، مقبولا عند الموافق والمخالف، مجمعا على أنه عديم النظير، وكان سيف السنّة،
__________
[1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (149/ آ) .
[2] انظر «العبر» (3/ 221) .
[3] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 231) .
[4] في «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة: «فقتل» وما بين حاصرتين زيادة منه لتوضيح الكلام.
[5] في «آ» و «ط» : «في طريقه» ، وما أثبته من «طبقات ابن قاضي شهبة» .

(5/213)


ودافع [1] أهل البدعة، وقد طوّل عبد الغافر في ترجمته، وأطنب في وصفه.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: شيخ الإسلام صدقا وإمام المسلمين حقا، أبو عثمان الصّابوني. انتهى ملخصا.
وفيها ابن بطّال، مؤلف «شرح البخاري» أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك بن البطّال القرطبي. روى عن أبي المطرّف القنازعي، ويونس بن عبد الله القاضي، وتوفي في صفر.
وفيها أبو عبد الله الخبّازي، محمد بن علي بن محمد النيسابوري المقرئ، عن سبع وسبعين سنة. روى عن أبيه القراءات، وتصدّر وصنّف فيها، وحدّث عن أبي محمد الخلدي وطبقته، وكان كبير الشأن، وافر الحرمة، مجاب الدعوة، آخر من روى عنه الفراوي.
وفيها أبو الفتح الكراجكي- أي الخيمي- رأس الشيعة، وصاحب التصانيف، محمد بن علي، مات بصور في ربيع الآخر، وكان نحويا لغويا، منجما، طبيبا، متكلّما، متفنّنا، من كبار أصحاب الشريف المرتضى، وهو مؤلّف كتاب «تلقين أولاد المؤمنين» .
__________
[1] في «آ» و «ط» : «وأفعى» وهو خطأ، والتصحيح من «طبقات ابن قاضي شهبة» ولفظة «أهل» سقطت من «آ» وأثبتها من «ط» .

(5/214)


سنة خمسين وأربعمائة
فيها توفي الونّي، صاحب الفرائض، استشهد في فتنة البساسيري، وهو أبو عبد الله [الحسين بن محمد بن عبد الواحد البغدادي.
وأبو الطيب الطبري] [1] طاهر بن عبد الله بن طاهر القاضي الشافعي، أحد الأعلام. روى عن أبي أحمد الغطريقي وجماعة، وتفقّه بنيسابور على أبي الحسن الماسرجسي، وسكن بغداد، وعمّر مائة وسنتين.
قال الخطيب [2] : كان عارفا بالأصول والفروع، محقّقا، صحيح المذهب.
قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في «الطبقات» [3] :
ومنهم: شيخنا وأستاذنا أبو الطيب الطبري، توفي عن مائة وسنتين، ولم يختلّ عقله، ولا تغيّر فهمه، يفتي مع الفقهاء، ويستدرك عليهم الخطأ، ويقضي ويشهد، ويحضر المواكب، إلى أن مات. تفقه بآمل على الزجاجي [4] ، صاحب ابن القاص، وقرأ على أبي سعد الإسماعيلي، وأبي القاسم بن كجّ
__________
[1] ما بين حاصرتين سقط من «آ» و «ط» واستدركته من «العبر» (3/ 224) مصدر المؤلف في نقله.
[2] انظر «تاريخ بغداد» (9/ 359) .
[3] انظر «طبقات الفقهاء» للشيرازي ص (127- 128) .
[4] تحرّف في «آ» إلى «الزجّاج» وأثبت ما في «ط» وهو الصواب.

(5/215)


بجرجان، ثم ارتحال إلى نيسابور، وأدرك أبا الحسن الماسرجسي، وصحبه أربع سنين، ثم ارتحل إلى بغداد، وعلّق على أبي محمد البافي [الخوارزمي] صاحب الداركي، وحضر مجلس أبي حامد [الإسفراييني] . ولم أر ممّن رأيت أكمل اجتهادا، وأشد تحقيقا، وأجود نظرا منه. شرح «مختصر المزني» وصنّف في الخلاف، والمهذب، والأصول، والجدل، كتبا كثيرة، ليس لأحد مثلها، ولازمت مجلسه بضع عشرة سنة، ودرّست أصحابه في مجلسه بإذنه، ورتبني في حلقته، وسألني أن أجلس في مجلسه [1] للتدريس، ففعلت في سنة ثلاثين وأربعمائة، أحسن الله عني جزاءه ورضي عنه.
وقال الخطيب البغدادي [2] : كان أبو الطيب ورعا، عارفا بالأصول والفروع، محقّقا، حسن الخلق، صحيح المذهب، اختلفت إليه، وعلّقت عنه الفقه سنين.
وقال: سمعت أبا بكر محمد بن محمد المؤدّب، سمعت أبا محمد البافي يقول: أبو الطيب أفقه من أبي حامد الإسفراييني، وسمعت أبا حامد [الإسفراييني] يقول: أبو الطيب أفقه من أبي محمد البافي.
وعن القاضي أبي الطيب أنّه رأى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في المنام، وقال له:
«يا فقيه» وأنّه كان يفرح بذلك ويقول: سمّاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقيها.
وقال القاضي أبو بكر الشامي: قلت للقاضي أبي الطيب- وقد عمّر-: لقد متّعت بجوارحك أيّها الشيخ، فقال: ولم لا؟ وما عصيت الله بواحدة منها قطّ، أو كمال قال.
وقال ابن الأهدل: بلغ أبو الطيب مبلغا في العلم، والدّيانة، وسلامة الصدر، وحسن السمت والخلق، وعليه تفقّه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، وولي القضاء ببغداد بربع الكرخ دهرا طويلا، وعاش مائة وسنتين، ويقال:
__________
[1] في «طبقات الفقهاء» : «في مسجد» .
[2] انظر «تاريخ بغداد» (9/ 358- 360) .

(5/216)


وعشرين، ولم يضعف جسده ولا عقله، حتّى حكي أنّه اجتاز بنهر يحتاج إلى وثبة عظيمة، فوثب وقال، أعظما حفظها الله في صغرها، فقوّاها في كبرها، وكان يحضر المواكب في دار الخلافة، ويقول الشعر، ومن شعره من ألغز به على أبي العلاء المعرّي:
وما ذالت درّ لا يحلّ لحالب ... تناولها واللّحم منها محلل
في أبيات في هذا المعنى، فأجابه المعرّي ارتجالا:
جوابان عن هذا السؤال كلاهما ... صواب وبعض القائلين مضلّل
فمن ظنّه كرما فليس بكاذب ... ومن ظنّه نخلا فليس يجهّل
يكلّفني القاضي الجليل مسائلا [1] ... هي البحر قدرا بل أعزّ وأطول
فأجابه القاضي يثني عليه وعلى علمه وبديهته، فأجابه المعرّيّ أيضا:
فؤادك معمور من العلم آهل ... وجدّك في كل المسائل مقبل
فإن كنت بين النّاس غير مموّل ... فأنت من الفهم المصون مموّل
كأنّك من في الشّافعيّ مخاطب ... ومن قلبه تملي فما تتمهّل
وكيف يرى علم ابن إدريس دارسا ... وأنت بإيضاح الهدى متكفّل
تجمّلت الدّنيا بأنّك فوقها ... ومثلك حقّا من به يتجمّل
وفيها أبو الفتح بن شيطا، مقرئ العراق، ومصنّف «التذكار في القراءات العشر» عبد الواحد بن الحسين بن أحمد. أخذ عن الحمامي وطائفة، وحدّث عن محمد بن إسماعيل الورّاق [2] وجماعة، وتوفي في صفر، وله ثمانون سنة.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «انحلال مسائل» وما أثبته من «مرآة الجنان» (3/ 70) أصل كتاب ابن الأهدل.
[2] في «آ» و «ط» : «البراق» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (3/ 225) وانظر «معرفة القرّاء الكبار» (1/ 415) .

(5/217)


وفيها أبو الحسن [1] علي بن بقا المصري الورّاق الناسخ، محدّث ديار مصر. روى عن القاضي أبي الحسن الحلبي وطائفة، وكتب الكثير.
وفيها الماوردي أقضى القضاة، أبو الحسن، علي بن محمد بن حبيب البصري الشافعي، مصنّف «الحاوي» و «الإقناع» و «أدب الدّنيا والدّين» وكان إماما في الفقه، والأصول، والتفسير، بصيرا بالعربية، ولي قضاء بلاد كثيرة، ثم سكن بغداد، وعاش ستا وثمانين سنة. تفقه على أبي القاسم الصّيمري بالبصرة، وعلى أبي حامد ببغداد، وحدّث عن الحسن الجيلي صاحب أبي خليفة الجمحي وجماعة، وآخر من روى عنه أبو العزّ بن كادش.
قال ابن قاضي شهبة [2] : هو أحد أئمة أصحاب الوجوه.
قال الخطيب [3] : كان ثقة، من وجوه الفقهاء الشافعيين، وله تصانيف عدّة في أصول الفقه وفروعه، وفي غير ذلك. وكان ثقة، ولي قضاء بلدان شتى، ثم سكن بغداد.
وقال ابن خيرون: كان رجلا عظيم القدر، متقدما عند السلطان، أحد الأئمة، له التصانيف الحسان في كل فن من العلم، وذكره ابن الصلاح في «طبقاته» وأتّهم بالاعتزال في بعض المسائل بحسب ما فهم عنه في «تفسيره» في موافقة المعتزلة فيها، ولا يوافقهم في جميع أصولهم، ومما خالفهم فيه، أن الجنة مخلوقة. نعم يوافقهم في القول في القدر، وهي بلية غلبت [4] على البصريين. توفي في ربيع الأول، سنة خمسين، بعد موت أبي الطيب بأحد عشر يوما عن ست وثمانين سنة.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «أبو الحسين» والتصحيح من «العبر» (3/ 225) و «حسن المحاضرة» (1/ 374) .
[2] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 240) .
[3] انظر «تاريخ بغداد» (12/ 102) .
[4] لفظة «غلبت» سقطت من «ط» .

(5/218)


وذكر ابن خلّكان في «الوفيات» [1] أنه لم يكن أبرز شيئا من مصنفاته في حياته، وإنما أوصى رجلا من أصحابه إذا حضره الموت أن يضع يده في يده، فإن رآه قبض على يده فلا يخرج من مصنفاته شيئا وإن رآه بسط يده أي علامة قبولها، فليخرجها.
ومن تصانيفه «الحاوي» .
قال الإسنوي [2] : ولم يصنّف مثله، وكتاب «الأحكام السلطانية» وهو تصنيف عجيب مجلد، و «الإقناع» مختصر، يشتمل على غرائب، و «التفسير» ثلاث مجلدات، و «أدب الدّين والدّنيا» وغير ذلك. انتهى ما ذكره ابن شهبة ملخصا.
وقال ابن الأهدل: لما خرج المارودي من بغداد إلى البصرة أنشد أبيات ابن الأحنف:
أقمنا كارهين لها فلما ... ألفناها خرجنا مكرهينا
وما حب البلاد بنا ولكن ... أمرّ العيش فرقة من هوينا
خرجت أقرّ ما كانت لعيني ... وخلّفت الفؤاد بها رهينا
وهو منسوب إلى بيع الماورد. انتهى.
وفيها أبو القاسم الخفّاف، عمر بن الحسين البغدادي، صاحب المشيخة. روى عن ابن المظفر وطبقته.
وفيها أبو منصور السّمعاني، محمد بن عبد الجبّار القاضي المروزي الحنفي، والد العلّامة أبي المظفر السّمعاني، مات بمرو في شوال، وكان إماما، ورعا، نحويا، لغويا، علّامة، له مصنفات.
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 282- 284) .
[2] قلت: لم يرد ما ذكره ابن قاضي شهبة في «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 387- 388) .

(5/219)


وفيها منصور بن الحسين التّانئ- بالنون، نسبة إلى التنائية [1] وهي الدهقنة، ويقال لصاحب الضياع والعقار- أبو الفتح الأصبهاني المحدّث، صاحب ابن المقرئ. كان من أروى الناس عنه، توفي في ذي الحجّة، وكان ثقة.
وفيها الملك الرحيم، أبو نصر بن الملك أبي كاليجار بن الملك سلطان الدولة بن بهاء الدولة بن عضد الدولة بن ركن الدولة الحسن بن بويه الدّيلمي، آخر ملوك الدّيلم، مات محبوسا بقلعة الرّيّ في اعتقال طغرلبك.
__________
[1] انظر التعليق الذي كتبه حول هذه النسبة العلّامة الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني رحمه الله تعالى على «الأنساب» (3/ 13) .

(5/220)