شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة إحدى وثمانين وسبعمائة
فيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن شرف الدّين عبد الله بن محمد بن عسكر بن مظفّر بن بحر بن سادن [1] بن هلال الطّائي القيراطي [2] ، الشاعر المشهور.
ولد في صفر سنة ست وعشرين وسبعمائة، وتفقه، واشتغل، وتعانى النّظم، ففاق فيه، وله ديوان جمعه لنفسه يشتمل على نثر ونظم في غاية الإجادة، واشتهرت مرثيته في الشيخ تقي الدّين السّبكي، وطارحه الصّفديّ بأبيات طائية أجاد القيراطيّ فيها غاية الإجادة. وله في محبّ الدّين ناظر الجيش، وفي تاج الدّين السّبكي غرر المدائح، ورسالته التي كتبها للشيخ جمال الدّين بن نباتة في غاية الحسن والطّول، وكان مع تعانيه النّظم والنثر، عابدا فاضلا، درّس بالفارسية. وكان مشهورا بالوسوسة في الطهارة، وقد حدّث عن ابن شاهد الجيش بالصحيح، وعن ابن ملوك، وأحمد بن علي بن أيوب المستولي، والحسن بن السّديد الإربلي، وشمس الدّين بن السّراج، وحدّث عنه من نظمه القاضي عزّ الدّين بن جماعة، والقاضي تقي الدّين بن رافع، وغيرهما ممن مات قبله، وسمع منه جماعة.
ومن شعره:
كأنّ خدّيه ديناران قد وزنا ... فحرّر الصّيرفيّ الوزن واحتاطا
__________
[1] في «الدّرر الكامنة» و «النجوم الزاهرة» : «ابن شادي» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 312- 313) و «الدّرر الكامنة» (1/ 31) و «الدليل الشافي» (1/ 18) و «النجوم الزاهرة» (11/ 196- 200) .

(8/465)


فشحّ بعضهما عن وزن صاحبه ... فزاده من فتيت المسك قيراطا
توفي بمكة مجاورا في ربيع الآخر، وله خمس وخمسون سنة إلّا شهرا.
وفيها شرف الدّين أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عسكر البغدادي المالكي [1] نزيل القاهرة.
كان فاضلا، قدم دمشق، فولي قضاء المالكية بها، ثم قدم القاهرة في دولة يلبغا فعظّمه وولاه قضاء العسكر ونظر خزانة الخاص، وقد ولي قضاء دمياط مدة، وحدّث عن أبيه، وابن الحبّال وغيرهما، ولم يكن بيده وظيفة إلّا نظر الخزانة، فانتزعها منه علاء الدّين بن عرب محتسب القاهرة، فتألم من ذلك ولزم بيته إلى أن كفّ بصره، فكان جماعة من تجار بغداد يقومون بأمره إلى أن مات في سادس عشر شعبان وله أربع وثمانون سنة.
قال ابن حجر: سمع منه من شيوخنا جماعة، ومن آخر من كان يروي عنه شمس الدّين محمد بن البيطار، الذي مات سنة خمس وعشرين وثمانمائة [2] .
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن عبد الله بن سالم العجلوني العرجاني ابن خطيب بيت لهيا [3] .
ولد في رمضان سنة سبع وسبعمائة، وسمع من الضّياء إسماعيل بن عمر الحموي، وابن الشّحنة، وحدّث، وكان من الرؤساء.
مات في المحرم.
وفيها عماد الدّين أبو بكر بن محمد بن أحمد بن أبي غانم بن أبي الفتح [4] ، الشيخ الجليل، الحلبي الأصل، الدمشقي المولد، الصّالحي المنشأ، المعروف بابن الحبّال، الحنبلي، وكان والده يعرف بابن الصّايغ.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 313- 314) .
[2] سترد ترجمته في المجلد التاسع إن شاء الله.
[3] انظر «إنباء الغمر» (1/ 314) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (1/ 315) .

(8/466)


حضر على هدية بنت عسكر، وسمع من القاضي تقي الدّين سليمان، وعيسى المطعم، وكان له ثروة، ووقف أوقاف برّ على جماعة الحنابلة، وعنده فضيلة، وقسّم ماله قبل موته بين ورثته، وانقطع لإسماع الحديث في بستانه بالزّعيفرية، وتوفي ليلة الثلاثاء ثالث ربيع الآخر، ودفن بالرّوضة عند والده.
وفيها تقي الدّين عبد الرحمن بن أحمد بن علي الواسطي [1] نزيل مصر، البغدادي، شيخ القراء.
قدم القاهرة، وتلا على التّقي الصائغ، وسمع من حسن سبط زيادة، ووزيرة، وتاج الدّين بن دقيق العيد، وجماعة. خرّج له عنهم أبو زرعة ابن العراقي «مشيخة» وهو آخر من حدّث عن سبط زيادة، وتصدّر للإقراء مدة، وانتفع الناس به، ودرّس القراءات بجامع ابن طولون.
قال ابن حجر: وقرأ عليه شيخنا العراقي بعض القراءات، وشرح «الشاطبية» ونظم «غاية الإحسان» لشيخه أبي حيّان أرجوزة وقرضها شيخه.
وتوفي في تاسع صفر عن تسع وسبعين سنة.
وفيها أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن مرزوق التّلمساني المالكي العجيسي- بفتح العين المهملة، وكسر الجيم، وتحتية، ومهملة، نسبة إلى عجيس، قبيلة من البربر [2]-.
ولد بتلمسان سنة إحدى عشرة وسبعمائة، وتقدم في بلاده، وتمهر في العربية والأصول والأدب، وسمع من منصور المشدّائي [3] ، وإبراهيم بن عبد الرفيع، وأبي زيد بن الإمام، وأخيه موسى، ورحل إلى المشرق في كنف وحشمة، فسمع بمكّة من عيسى الحجي وغيره، وبمصر من أبي الفتح بن سيّد
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 317) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (1/ 320) و «النجوم الزاهرة» (11/ 196) و «الدّيباج المذهب» ص (305) طبع دار الكتب العلمية ببيروت، و «النجوم الزاهرة» (11/ 196) و «الإحاطة» (3/ 103- 130) .
[3] تحرفت في «ط» إلى «الشدائي» .

(8/467)


النّاس، وأبي حيّان، وغيرهما. وبدمشق من ابن الفركاح وغيره، وبالمدينة من الحسن بن علي الواسطي خطيب المدينة وغيره، واعتنى بذلك، فبلغت شيوخه ألفي شيخ، وكتب خطا حسنا، وشرح «الشفاء» و «العمدة» .
قال في «تاريخ غرناطة» : وكان مليح التّرسل، حسن اللقاء والحطّ [1] ، كثير التودّد، ممزوج الدّعابة بالوقار، والفكاهة بالتنسك [2] ، غاصّ المنزل بالطلبة، مشارك في الفنون، اشتمل عليه [3] السلطان أبو الحسن، وأقبل عليه إقبالا عظيما، فلما مات أفلت من النكبة في وسط سنة اثنتين وخمسين، ودخل الأندلس، فاشتمل عليه سلطانها، وقلّده الخطابة، ثم وقعت له كائنة بسبب قتيل اتّهم بمصاحبته، فانتهبت أمواله، وأقطعت رباعه، واصطفيت أمّ أولاده، وتمادى به الاعتقال إلى أن وجد الفرصة، فركب البحر إلى المشرق، وتقدّمه أهله وأولاده، فوصل إلى تونس، فأكرم إكراما عظيما، وفوضت إليه الخطابة بجامع السلطان، وتدريس أكثر المدارس، ثم قدم القاهرة، وأكرمه الأشرف شعبان، ودرّس بالشيخونية، والصّرغتمشية، والنجمية، وكان حسن الشكل، جليل القدر، وأجاز للجمال ابن ظهيرة، وذكره في «معجمه» .
ومن شعره:
أنظر إلى النّوّار في أغصانه ... يحكي النّجوم إذا تبدّت في الحلك
حيّا أمير المسلمين وقال قد ... عميت بصيرة من بغيرك مثّلك
يا يوسفا حزت الجمال بأسره ... فمحاسن الأيام تومئ هيت لك
أنت الذي صعدت به أوصافه ... فيقال فيه ذا [4] مليك أو ملك
توفي- رحمه الله تعالى- في ربيع الأول.
__________
[1] تصحفت في «آ» إلى «والحظ» .
[2] في «الإحاطة» : «بالنّسك» .
[3] في «آ» : «على» وهو خطأ.
[4] في «آ» و «ط» : «إذا» والتصحيح من «الإحاطة» .

(8/468)


وفيها زين الدّين محمد بن أبي بكر بن علي بن محمود الجعفري الأسيوطي الشافعي [1] .
تفقه على الدمنهوري، وكتب الخط الحسن، وشارك في الفضائل، وولي قضاء بلده، وكان صارما في أحكامه، وبنى بأسيوط مدرسة تنسب إليه.
وفيها أبو عبد الله محمد بن أبي مروان عبد الملك بن عبد الله بن محمد ابن محمد المرجاني [2] التّونسي الأصل الإسكندراني الدار، نزيل مكة.
ولد سنة أربع وعشرين، وكان خيّرا، صالحا، صاحب عبادة وانجماع ومعرفة بالفقه وعناية بالتفسير، وكان يعرف علم الحرف.
توفي في شوال.
وفيها ناصر الدّين محمد بن يوسف بن علي بن إدريس الحرازيّ [3] الطّبردار، سبط العماد الدمياطي [4] .
ولد بدمياط سنة ست وتسعين وستمائة، وسمع «كتاب الخيل» تأليف الدّمياطي منه، وسمع عليه «كتاب العلم» للذهبي أيضا، وتفرّد بالرواية عنه بالسماع، وحدّث، فرحلت الناس إليه.
مات في ربيع الأول أو رجب.
وفيها شرف الدّين محمود [بن محمد] [5] بن أحمد بن صالح الصّرخدي [6] ، الفقيه الشافعي.
أخذ عن الشيخ فخر الدّين المصري، وسمع الحديث.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 323) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (1/ 324) .
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الحراوي» والتصحيح من «إنباء الغمر» و «النجوم الزاهرة» .
[4] انظر «إنباء الغمر» (1/ 325) و «النجوم الزاهرة» (11/ 200) .
[5] ما بين الرقمين سقط من «آ» و «ط» و «إنباء الغمر» مصدر المؤلف، واستدركته من «الدّرر الكامنة» .
[6] انظر «إنباء الغمر» (1/ 305) و «الدّرر الكامنة» (4/ 333) .

(8/469)


قال الحافظ شهاب الدّين ابن حجي: كان أحد الفقهاء الأخيار، وكان يجلس بالجامع يقرئ الطلبة شرحا وتصحيحا، وعنده تبتّل وخشوع، وله أوراد، وكان يصفر بالحناء، نحيفا، وانقطع بأخرة عن حضور المدارس لضعف بصره.
قال لي والدي: قدم علينا- وهو شاب- الشامية، فكنا نشبّه طريقته بطريقة النّووي.
توفي في ذي القعدة وقد جاوز الخمسين.

(8/470)


سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة
فيها كما قال السيوطي [1] ورد كتاب من حلب يتضمن أن إماما قام يصلي، وأن شخصا عبث به في صلاته، فلم يقطع الإمام الصّلاة حتّى فرغ، وحين سلّم انقلب وجه العابث وجه خنزير، وهرب إلى غابة هناك، فعجب الناس من هذا الأمر، وكتب بذلك محضر.
وفيها أمر برقوق ببناء جسر الشريعة بطريق الشام، وجاء طوله مائة وعشرين ذراعا، وانتفع الناس به.
وفيها توفي أحمد بن إبراهيم بن سالم بن داود بن محمد المنبجي بن الطحّان [2] [وكان الطحان] [3] الذي نسب إليه زوج أمّه، فإن أباه كان إسكافا، ومات وهو صغير، فربّاه زوج أمّه فنسب إليه.
ولد أحمد هذا في محرم سنة ثلاث وسبعمائة، وسمع البرزالي، وابن السّلعوس [4] وغيرهما، وأخذ القراءات عن الذّهبي وغيره، وكان حسن الصوت بالقرآن، وكان الناس يقصدونه لسماع صوته بالتنكزية، وكان إمامها.
وتوفي بدمشق في صفر.
__________
[1] انظر «تاريخ الخلفاء» للسيوطي ص (503) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 19) .
[3] ما بين القوسين سقط من «ط» .
[4] تحرفت في «ط» إلى «السعلوس» .

(8/471)


ومن نظمه:
طالب الدّنيا كظام ... لم يجد إلّا أجاجا
فإذا أمعن فيه ... زاده وردا وهاجا
وفيها شرف الدّين أحمد بن علي بن منصور بن ناصر الحنفي الدمشقي، المعروف بابن منصور [1] .
ولد سنة سبع عشرة، واشتغل إلى أن ولي قضاء دمشق عوضا عن صدر الدّين ابن العزّ. وكان طلب إلى مصر ليولّى القضاء بعد موت ابن التركماني، فقدمها، فاتفق أن تولّى نجم الدّين ابن العزّ، فأقام بمصر مدة يدرّس، ثم ولي قضاءها في رمضان سنة سبع وسبعين إلى رجب سنة ثمان وسبعين، فتركه ورجع إلى دمشق، واختصر «المختار» في الفقه وسمّاه «التحرير» ثم شرحه.
وكان عارفا بالأصول والفروع، حسن الطريقة، جميل السيرة، له صيانة وتصمم في الأمور، وكان سمع من محمد بن دوالة، وعبد الرحمن بن تيميّة، وابنه، والمزّي، والبرزالي، وحبيبة بنت العزّ، وغيرهم.
وتوفي في شعبان وله خمس وستون سنة، وهو أصغر سنا من أخيه صدر الدّين وأفقه.
وفيها عماد الدّين أبو بكر بن أحمد بن أبي الفتح بن إدريس الدمشقي الشافعي [2] الزاهد بن السراج.
ولد سنة عشر وسبعمائة، وسمع الحجّار، والمزّي، وغيرهما. وتفقه بالشّرف البارزي، وأذن له بالإفتاء، وأثنى عليه الذهبي في «المعجم المختص بالمحدّثين» وهو آخر من ترجم له في هذا «المعجم» . وكان يعمل المواعيد
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 21) و «الدّرر الكامنة» (1/ 221) و «النجوم الزاهرة» (11/ 205) .
[2] انظر «المعجم المختص» ص (304) و «إنباء الغمر» (2/ 23) و «الدّرر الكامنة» (1/ 437) .

(8/472)


ويجيد الخط ويقرأ «البخاري» في كل سنة بالجامع في رمضان، ويجتمع عنده الجمّ الغفير، وللناس فيه اعتقاد زائد.
توفي في شوال عن سبع وسبعين سنة.
وفيها علاء الدّين حجّي بن موسى بن أحمد بن سعد بن غشم بن غزوان بن علي بن مشرّف بن تركي السّعدي الحسباني [1] الشافعي، فقيه الشام وحافظ المذهب.
ولد سنة إحدى وعشرين وسبعمائة، واشتغل في صغره بالقدس، وحفظ كتبا، وأخذ عن الشيخ تقي الدّين القلقشندي، ثم قدم الشام في سنة أربع وثلاثين، فقرأ على شيوخها، وسمع الحديث من البرزالي، [وأبي العبّاس الجزري] [2] وشيخه الذي أنهاه بالشامية البرّانية شمس الدّين ابن النّقيب، وغيرهم [3] ، وحدّث وأفتى، وأعاد [بالشاميّة البرّانية] [2] .
وقال ولده حافظ العصر: أحد من اعتنى بالفقه وتحصيله وتقريره وحفظه وتحقيقه وتحريره، كان كثير الاطلاع، صحيح النقل، عارفا بالدقائق والغوامض، معروفا بحلّ المشكلات، مع فهم صحيح، وسرعة إدراك [4] ، وقدرة على المناظرة برياضة وحسن خلق، وانتهت إليه رئاسة المذهب، وكان يقال فقهاء المذهب ثلاثة، هو أحدهم وخاتمتهم.
وكان فارغا عن طلب الرئاسة في الدنيا، ليس له شغل إلّا الاشتغال في العلم والمطالعة، ولا يتردد إلى أهل الدولة، ولا يجمع مالا ولا يدّخره، وكان مع فهمه وذكائه لا يعرف صنجة عشرة من عشرين، ولا درهم من درهمين، ولا يحسن براية قلم، ولا تكوير عمامة.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 25) و «الدّرر الكامنة» (2/ 6) و «النجوم الزاهرة» (11/ 206) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 203- 204) .
[2] ما بين القوسين سقط من «آ» و «ط» واستدركته من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة مصدر المؤلّف.
[3] في «آ» و «ط» : «وغيرهما» وما أثبته من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة.
[4] تحرفت في «ط» إلى «أدرك» .

(8/473)


توفي في صفر ودفن بمقبرة الصّوفية بطرفها الغربي إلى جانب ابن الصّلاح بينه وبين السّهروردي مدرس القيمرية. انتهى ملخصا.
وفيها شرف الدّين عبّاس بن حسين بن بدر التّميمي الشافعي [1] .
كان ينفع الطلبة في الفقه والقراءات، ودرّس بالسابقية بالقاهرة، وخطب بجامع أصلم.
مات في ذي الحجّة، وكان برجله داء الفيل. قاله ابن حجر.
وفيها أمين الدّين عبد الوهاب بن يوسف بن إبراهيم بن بيرم بن بهرام بن السلّار الدمشقي العلّامة [2] .
ولد في شوال سنة ثمان وتسعين وستمائة، وسمع من الحجّار، والمزّي، والتّقي الصائغ، وأيوب الكحّال، وخلق بالشام، ومصر، وبغداد، والبصرة، وغيرها، وتفرّد بدمشق، وأتقن الفرائض، والعربية، والقراءات، وله فيها مؤلّفات حسنة مفيدة، وخرّج له السّرمريني «مشيخة» قرئت عليه، وأخذ عنه جماعات، منهم شمس الدّين بن الجزري، واستقرّ بعده في الإقراء بتربة أمّ الصّالح.
قال ابن حجر: وكان ثقة، صحيح النقل، وله نظم، وألّف مؤلفات محرّرة.
ومات في ثامن عشري شعبان وعمره ثمانون سنة. انتهى.
وفيها نور الدّين علي بن أحمد بن إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم بن محمد بن مهدي الفوّي ثم المدني ثم المدلجي [3] .
عني بالحديث، وجال في البلاد، وسمع بالشام والعراق ومصر من ابن شاهد الجيش، وأبي حيّان، وابن عالي، والميدومي، وخلق. وحدّث بالإجازة عن
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 27) و «الدّرر الكامنة» (2/ 239) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 211) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 29) و «الدّرر الكامنة» (2/ 413) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 30) و «الدّرر الكامنة» (3/ 10) .

(8/474)


الرّضي الطّبري، والحجّار، ومهر في العربية والحديث، واتفق له وهو ببلاد العجم أن شخصا حدّثه بحديث عن آخر عنه، فقال له: أنا الفوّي، أسمعه مني يعلو سندك، وهو نظير ما اتفق للطبراني مع الجعابي، وحدّث ببغداد، وأقام بالمدينة النّبوية مدة، ودرّس بها.
وتوفي بالقاهرة في ربيع الآخر، وسمع منه أبو حامد بن ظهيرة.
وفيها علاء الدّين علي بن زيادة بن عبد الرحمن الحبكي [1]- بحاء مهملة وباء موحدة وكاف، نسبة إلى قرية من قرى حوران- الشّافعي الإمام الجليل.
قدم دمشق، فاشتغل على ابن سلام، وحجي، ولازمه، وتفقه به، وحضر عند شيخ الشافعية ابن قاضي شهبة وغيره، وقرأ في الأصول والعربية، وكان الغالب عليه الفقه، وكان يفتي بأجرة، وعنده ديانة، وتورع، وملازمة لمباشرة وظائفه، لا يترك الحضور بها وإن بطّل المدرسون، وعنده وسواس في الطهارة.
مات في ذي القعدة، ودفن بمقبرة الصّوفية بتربة القاضي شهاب الدّين الزّهري، وكان صاحبه.
وفيها نور الدّين علي بن عبد الصّمد الحلاوي [2] المالكي الفرائضي.
انتهت إليه رئاسة الفقه، وكان مشاركا في الفنون، عارفا بالمعاني، والبيان، والحساب، والهندسة، وكان يدرّس بغير مطالعة، مع جودة القريحة، وسيلان الذهن، وانتفع به خلق.
وتوفي في العشر الأخير من ذي الحجّة.
وفيها عمر بن عمرو بن يونس بن حمزة بن عبّاس العدوي الإربلي ثم الصالحي ابن القطان [3] ، نزيل صفد.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 31) و «الدّرر الكامنة» (3/ 50) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 212) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 32) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 32) .

(8/475)


سمع من التّقي سليمان، والفخر عبد الدائم، وابن الزرّاد، وغيرهم.
وكان فاضلا، مقرئا للسبع، طلب الحديث، وكتب الكثير، وحدّث، وسمع منه ابن رافع، وكتب عنه في «معجمه» ومات قبله بمدة، وخرّج له الياسوفي جزءا، وعاش ستا وثمانين سنة سواء. قاله ابن حجر.
وفيها جمال الدّين محمد بن أبي بكر بن أحمد الدوالي الزّبيدي الشافعي [1] .
كان عارفا بالأدب، مشاركا في غيره، مع الصّلاح والعبادة، وآثاره سائرة باليمن. قاله ابن حجر.
وفيها شمس الدّين محمد بن نجم الدّين عمر بن شرف الدّين محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن ذؤيب بن قاضي شهبة الدمشقي الأسدي الشافعي، جدّ الشيخ تقي الدّين ابن قاضي شهبة صاحب «طبقات الشافعية» [2] .
قال تقي الدّين المذكور في «الطبقات» المذكورة: هو جدي مولده في ربيع الأول سنة إحدى وتسعين وستمائة، وتفقه بعمّه الشيخ كمال الدّين، والشيخ برهان الدّين الفزاري، وأخذ النّحو عن عمّه المذكور، ولما توفي عمّه سنة ست وعشرين جلس مكانه، يشغل إلى أن ضعف، وانقطع بعد السبعين، كل ذلك وهو منجمع عن الناس، مقبل على العبادة وعدم الالتفات إلى أمور الدنيا، راضيا بالعيش الخشن، يخدم نفسه، ويشتري الحاجة ويحملها، وقد أخذ الناس عنه العلم طبقة بعد طبقة، وممن أخذ عنه من كبار العلماء: ابن خطيب يبرود، وابن كثير، والأذرعي. وولي في آخره تدريس الشامية البرانية بغير سؤال، فباشرها
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 33) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 35) و «الدّرر الكامنة» (4/ 110) و «النجوم الزاهرة» (11/ 206) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 236- 241) .

(8/476)


سنة وثلاثة أشهر، ثم نزل عنها لضعفه، وقد سمع من ابن الموازيني وغيره، وحدّث، فسمع منه خلق من الحفّاظ والمحدّثين، منهم: العراقي، والهيثمي، والقرشي، وابن سند، وابن حجي، والحسباني، والياسوفي، وغيرهم.
قال ابن رافع: كان ابن قاضي شهبة بالشام مثل مجد الدّين الزّنكلوني بالقاهرة، وجميع الجماعة طلبته.
وقال ابن حجي: كان عنده انجماع عن الناس، وعدم معرفة بأمور الدنيا، بمعزل عن طلب الرئاسة والدخول في المناصب، على أنه قد ولي نيابة الحكم بإشارة الشيخ تقي الدّين السّبكي، وكان لا يتصدى لذلك، وكان علماء البلد والمشار إليهم فيها غالبهم تلاميذه وتلاميذ تلاميذه.
وتوفي في المحرم ودفن بباب الصغير إلى جانب عمّه الشيخ كمال الدّين.
وفيها جلال الدّين محمد بن محمد بن عبد الله بن محمود قاضي الحنفية، يلقّب جار الله، ويقال له الجار [1] .
تقدم عند الأشرف بالطبّ، وكان نائبا في الحكم عن صهره السراج الهندي، وكان بارعا في العلوم العقلية، كالطب وغيره، وولي مشيخة سعيد السعداء، ودرّس في المنصورية وجامع ابن طولون، وولي قضاء الحنفية استقلالا إلى أن مات في رجب وقد جاوز الثمانين.
وفيها شمس الدّين محمد الحكري المقرئ [2] .
قرأ على البرهان الحكري، وناب في الحكم بجامع الصالح، وولي قضاء القدس وغزة.
قال ابن حجر: ذكر لي الشيخ برهان الدّين بن رفاعة الغزّي أنه قرأ عليه القراءات وأذن له في الإقراء. توفي في ذي الحجّة.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 38) و «النجوم الزاهرة» (11/ 203) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 40) و «النجوم الزاهرة» (11/ 206) .

(8/477)


وفيها محيى الدّين يحيى بن يوسف بن محمد بن يحيى المكّي الشاعر الشافعي المعروف بالمبشّر [1] .
مدح أمراء مكة، وكتب لهم الإنشاء، وكان غاية في الذكاء ويسّر عليه الحفظ. حفظ «التنبيه» في أربعة أشهر، وكان سمع من نجم الدّين الطّبري، وعيسى الحجّي، وغيرهما، وعاش سبعين سنة.
وفيها أبو القاسم بن أحمد بن عبد الصمد اليماني المقرئ [2] ، نزيل مكة.
تصدّى للقراءات وأتقنها، وأقرأ الناس، حتّى يقال: إن الجنّ كانوا يقرؤون عليه. قاله ابن حجر.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 41) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 42) .

(8/478)


سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة
فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن حمدان بن أحمد بن عبد القادر بن عبد الغني بن محمد بن أحمد بن سالم بن داود الأذرعي [1]- بفتح أوله والراء وسكون الذال المعجمة، نسبة إلى أذرعات بكسر الراء ناحية بالشام [2]- الشافعي، نزيل حلب.
ولد سنة سبع وسبعمائة، وتفقه بدمشق قليلا، وناب في بعض النّواحي في الحكم، ثم تحوّل إلى حلب فقطنها، وناب في الحكم بها، ثم ترك ذلك، وأقبل على الاشتغال، والتّصنيف، والفتوى، والتدريس، وجمع الكتب. حتّى اجتمع عنده منها ما لم يحصل [عند غيره، وظفر من النقول بما لم يحصل] [3] لأهل عصره، وذلك بيّن في تصانيفه، وهو ثبت في النقل وبسيط في التصرفات، قاصر في غير الفقه. وسمع من طائفة وأجاز له القاسم بن عساكر، والحجّار، وغيرهما. وكان اشتغاله على كبر. وسبب همته في الاشتغال أنه رأى في المنام رجلا واقفا أمامه، وهو ينشد:
كيف نرجو [4] استجابة لدعاء ... قد سددنا طريقه بالذّنوب
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (1/ 61- 63) و «الدّرر الكامنة» (1/ 125- 128) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 190- 194) .
[2] قال ياقوت في «معجم البلدان» (1/ 130) : أذرعات: جمع أذرعة، جمع ذراع، جمع قلّة.
وهو بلد في أطراف الشام، يجاور أرض البلقاء وعمّان.
[3] ما بين القوسين سقط من «ط» .
[4] في «ط» : «كيف ترجو» .

(8/479)


قال: فأنشدته:
كيف لا يستجيب ربّي دعائي ... وهو سبحانه دعاني إليه
مع رجائي لفضله وابتهالي ... واتّكالي في كلّ خطب عليه
قال: وانتبهت وأنا أحفظ لأبيات الثلاثة.
قال الحافظ ابن حجر: اشتهرت فتاويه في البلاد الحلبية، وكان سريع الكتابة، صادق اللهجة، شديد الخوف من الله تعالى، وقدم القاهرة بعد موت الإسنوي، وأخذ عنه بعض أهلها، ثم رجع، ورحل إليه فضلاء المصريين، كالشيخ بدر الدّين الزّركشي، والشيخ برهان الدّين البيجوري، وأذن بالإفتاء لشرف الدّين الأنصاري، وشرف الدّين الدّاديخي، وقد بالغ ابن حبيب في الثناء عليه في «ذيله» على تاريخ والده [1] .
ومن تصانيفه: «القوت على المنهاج» في عشر مجلدات، و «الغنية» أصغر من «القوت» و «المتوسط» ، و «الفتح بين الروضة والشرح» في نحو عشرين مجلدا، وغير ذلك. وضعف بصره في آخر عمره، وثقل سمعه جدا، وسقط من سلّم فانكسرت [2] رجله، فصار ضعيف المشي، وانتهت إليه رئاسة العلم بحلب، وتوفي بها في جمادى الآخرة، ودفن خارج باب المقام تجاه تربة ابن الصّاحب.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن إبراهيم بن غانم بن كتامة [3] المحدّث ابن المحدّث. سمع من القاسم بن عساكر، وأبي نصر بن الشّيرازي، وغيرهما. وحدّث، وولي. نيابة الحكم، وتوفي بدمشق في رجب.
وفيها ركن الدّين أحمد بن محمد بن عبد المؤمن الحنفي القرميّ، ويقال له أيضا: قاضي قرم [4] .
__________
[1] في «آ» و «ط» : «ولده» وما أثبته هو الصواب.
[2] تحرفت في «ط» إلى «فالكسرت» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 63) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 64) و «النجوم الزاهرة» (11/ 217) و «الطبقات السنية» (2/ 65) .

(8/480)


قدم القاهرة بعد أن حكم بقرم ثلاثين سنة، فناب في الحكم، وولي إفتاء دار العدل، ودرّس بالجامع الأزهر وغيره، وجمع شرحا على «البخاري» استمدّ فيه من شرح ابن الملقّن.
قال العزّ بن جماعة: ولما ولي ركن الدّين التدريس قال: لأذكرنّ لكم ما لم تسمعوه، فعمل درسا حافلا، فاتفق أنه وقع منه شيء، فبادر جماعة وتعصبوا عليه وكفّروه، فبادر إلى الشيخ سراج الدّين الهندي، وكان قد استنابه في الحكم، فادعى عليه عنده، وحكم بإسلامه، فاتفق أنّه حضر درس السّراج الهندي بعد ذلك، ووقع من السّراج شيء، فبادر الرّكن وقال: هذا كفر، فضحك السّراج حتّى استلقى على قفاه، وقال: يا شيخ ركن الدّين تكفّر من حكم بإسلامك، فأخجله. توفي الرّكن في رجب.
وفيها جمال الدّين إسماعيل بن أبي البركات بن أبي العزّ بن صالح الحنفي، المعروف بابن الكشك [1] ، قاضي دمشق، وليها بعد القاضي جمال الدّين بن السّراج، فباشر دون السنة، وتركه لولده نجم الدّين، ودرّس بعدة مدارس بدمشق، وكان جامعا بين العلم والعمل، وكان مصمما في الأمور، حسن السيرة.
توفي في شوال أو بعده بدمشق وقد جاوز التسعين.
وفيها أنس [2] بن عبد الله الشّركسي [3] ، والد برقوق الملك.
كان كثير البرّ والشفقة، لا يمرّ به مقيّد إلّا ويطلقه، ولا سيما إذا رأى الذين يعمرون في المدرسة التي ابتدأ بعمارتها.
توفي في شوال ودفن بتربة يونس، ثم نقل إلى المدرسة، وأعطى ولده جلال الدّين التباني ألف مثقال وستمائة مثقال ذهبا ليحج عنه، ويقال: إنه جاوز التسعين، وكان مستقرا في خدمة قطلوبغا.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 65- 66) .
[2] كذا في «آ» و «ط» و «إنباء الغمر» مصدر المؤلف: «أنس» وفي «النجوم الزاهرة» : «آنص» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 66) و «النجوم الزاهرة» (11/ 218) .

(8/481)


وفيها عماد الدّين أبو بكر بن يوسف بن عبد القادر الخليلي ثم الصالحي الحنبلي [1] ، الشيخ الإمام. أحد أعيان شهود الحكم العزيز بدمشق.
ولد بعد السبعمائة، وسمع من الحجّار، وجماعة، وحدّث عن ابن الشّحنة وغيره، وكان من فضلاء المقادسة، مليح الكتابة، حسن الفهم، له إلمام بالحديث.
سمع من جماعة، وقرأ بنفسه قليلا، وتوفي بدمشق يوم الثلاثاء ثامن جمادى الأولى، ودفن بسفح قاسيون.
وفيها أم الهنا جويرية [2] بنت أحمد بن أحمد بن الحسن بن موسك الهكّاري [3] .
سمعت من ابن الصّوّاف مسموعه من النسائي، و «مسند الحميدي» ومن علي ابن القيّم ما عنده من «صحيح الإسماعيلي» . وكانت خيّرة، دينة، أكثر الطلبة عنها.
توفيت في صفر.
وفيها جمال الدّين عبد الله بن علي بن أحمد بن عبد الرحمن بن حسن الأنصاري بن حديدة [4] .
ولد سنة إحدى وعشرين وسبعمائة، وسمع من ابن شاهد الجيش، وإسماعيل التفليسي، وابن الإخوة، وغيرهم، وعني بالحديث، وكتب الأجزاء والطّباق. وسمع كتابا سمّاه «المصباح المضيء» . وكان خازن الكتب بالخانقاه الصّلاحية بالقاهرة، وربما سمّي محمدا. وكان يذكر أنه سمع من الحجّار، ولم يظفروا له بذلك، مع أنه حدّث عنه بالثلاثيات. توفي في شعبان.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 68) و «القلائد الجوهرية» (2/ 572) .
[2] مختلف في اسمها وكنيتها، ففي «الدّرر الكامنة» اسمها «جويرية» وكنيتها «أمّ أبيها» وفي «النجوم الزاهرة» : اسمها «جويرية» ولم يذكر كنية لها.
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 68) و «الدّرر الكامنة» (1/ 544) و «النجوم الزاهرة» (11/ 221) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 71) و «الدّرر الكامنة» (2/ 273) و «الأعلام» (6/ 286) .

(8/482)


وفيها فاطمة بنت الشّهاب أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن بن أبي بكر الحرازي المكية [1] ، المدينة.
سمعت على جدّها لأبيها الرّضي الطّبري الكثير، وسمعت على أخيه الصّفي حضورا، وأجاز لها الفخر التّوزري، والعفيف الدلاصي، وأبو بكر الدّشتي، والمطعم وآخرون، وكانت خيّرة.
ماتت في شوال عن ثلاث وسبعين سنة.
وفيها أبو سعيد فرج بن قاسم بن أحمد بن لبّ، وقيل: ليث، الثعلبي الغرناطي [2] .
قال في «تاريخ غرناطة» : كان عارفا بالعربية واللغة، مبرزا في التفسير قائما على القراءات، مشاركا في الأصلين، والفرائض، والأدب، جيد الحفظ والنظم، والنثر، قعد للتدريس ببلده على وفور الشيوخ، وولي الخطابة بالجامع، وكان معظّما عند الخاصة والعامة. قرأ على أبي الحسن القيجاطي، والعربية على أبي عبد الله بن الفخّار. وروى عن محمد بن جابر الوادياشي.
قال ابن حجر: وصنّف كتابا في الباء الموحدة، وأخذ عنه شيخنا بالإجازة قاسم بن علي المالقي.
وفيها أمين الدّين محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الدمشقي ابن الشّماع الشّافعي [3] .
ولد سنة ثمان وتسعين وستمائة، وسمع من وزيره «مسند الشافعي» بفوت يسير، و «صحيح البخاري» . وسمع على التّقي محمد بن عمر الحريري «تفسير الكواشي» بروايته عنه. ودرّس بالفقه، وأذن له الشرف البارزي في الإفتاء، وناب عن عزّ الدّين بن جماعة. وولي قضاء القدس عن السّبكي الكبير،
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 77) و «الدّرر الكامنة» (3/ 221) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 77) و «الإحاطة» (4/ 253- 255) و «بغية الوعاة» (2/ 243) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 78) و «الدّرر الكامنة» (3/ 285) .

(8/483)


ثم ترك ذلك، وجاور بمكّة، فمات بها في نصف صفر.
وفيها فخر الدّين محمد بن عبد الله بن العماد إبراهيم بن النّجم أحمد بن محمد بن خلف الحنبلي الحاسب [1] .
سمع من التّقي سليمان، والحجّار، وطبقتهما، واشتغل بالفقه والفرائض والعربية، وأفتى ودرّس، وكان حسن الخلق تامّ الخلق، فيه دين، ومروءة ولطف، وسلامة باطن. مهر في الفرائض والعربية، وكان عارفا بالحساب، وذكر لقضاء الحنابلة فلم يتم له [2] ذلك.
مات راجعا من القدس بدمشق.
وفيها محمد بن عثمان بن حسن بن علي الرّقّي ثم الصالحي المؤذن [3] .
ولد سنة اثنتي أو ثلاث عشرة وسبعمائة، وسمع «صحيح البخاري» على عيسى المطعم، وأبي بكر بن عبد الدائم، وغيرهما، وحضر على التّقي سليمان، وسمع وهو كبير من المزّي، والجزري، والسّلاوي، وغيرهم. وأجاز له الدشتي وطبقته من دمشق، وابن مخلوق، وحسن الكردي، وعلي بن عبد العظيم، وابن المهتار، والوداعي، وابن مكتوم، وغيرهم من مصر والإسكندرية. وخرّج له ابن حجي «مشيخة» . وكان على طريقة السّلف من السّكون، والتواضع، والعفّة، وكفّ اللّسان، وكان عارفا بعلم الميقات، ويقرئ الناس متبرعا [4] . مات في شعبان.
وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن محمد بن نبهان بن عمر بن نبهان [5] ، شيخ زاوية قرية جبرين [6] . سمع من عمّ أبيه صافي بن نبهان،
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 79) .
[2] لفظة «له» سقطت من «آ» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 79) و «الدّرر الكامنة» (4/ 41) .
[4] في «ط» : «تبرعا» .
[5] انظر «إنباء الغمر» (2/ 80) و «الدّرر الكامنة» (4/ 86) .
[6] قال ياقوت: جبرين قورسطايا: بضم القاف، وسكون الواو، وفتح الراء، وسكون السين

(8/484)


وحدّث، فسمع منه البرهان سبط ابن العجمي، وأثنى عليه القاضي علاء الدين في «تاريخ حلب» . وتوفي في صفر.
وفيها محمد بن علي بن يوسف بن الحسن بن محمد بن محمود بن عبد الله الزّريدي [1] ، الحنفي، قاضي المدينة بعد أبيه.
كان فاضلا، متواضعا، يكنى أبا الفتح، وهو بها أشهر.
وفيها محمد بن عمر بن مشرف الأنصاري الشّيرازي، الملقب طقطق [2] .
ولد سنة سبع عشرة وسبعمائة، وسمع من المزّي وغيره، وحدّث، وكان شيخا ظريفا يحفظ أشعارا ويذاكر بأشياء، ويتردد إلى مدارس الشافعية.
مات في جمادى الآخرة. قاله ابن حجر.
وفيها أبو حامد، وأبو المجد، وأبو الفيّاض، محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن علي بن رشيد الجمال السّرائي الأصل الدمشقي [3] .
ولد بسراي في الثاني والعشرين من جمادى الأولى، سنة سبع وسبعمائة، وقدم الشام كبيرا، وعني بالحديث على كبر، وطلبه، فسمع من الميدومي وغيره، [وكتب بخطّه الحسن، ونظم الشعر المقبول، وكتب عنه ابن سند، وسبط ابن العجمي، وغيرهما] [4] ، وكان ديّنا، خيّرا، يكنى أبا حامد، وأبا المجد، وأبا الفيّاض، وكان له ورع زائد، ولم يكن يملك شيئا إلّا ما هو
__________
المهملة، وطاء مهملة، وألف وياء وألف: من قرى حلب من ناحية عزاز، ويعرف أيضا بجبرين الشمالي. وينسبون إليها جبراني على غير قياس. انظر «معجم البلدان» (2/ 101- 102) .
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 81) وفيه «الزرندي» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 81) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 81) و «الدّرر الكامنة» (4/ 230) .
[4] ما بين القوسين سقط من «آ» .

(8/485)


لابسه، وكان تارة يمشي بطاقية ولا يتكلّف هيئة، مع التواضع، والبشاشة، وحسن الخلق والخلق، وكان العلماء يترددون إليه ولا يقوم لأحد.
وفيها يعقوب بن عبد الله المغربي المالكي [1] .
قال ابن حجر: كان عارفا بالفقه، والأصول، والعربية، وانتفع الناس به، ومات في صفر.
وفيها ولي الدّين يوسف بن ماجد بن أبي المجد بن عبد الخالق المرداوي الحنبلي [2] .
كان فاضلا، فقيها، وامتحن مرارا بسبب فتياه بمسألة ابن تيميّة في الطّلاق، وكذا في عدة مسائل، وحدّث عن الحجّار، وابن الرّضي، والشّرف بن الحافظ، وغيرهم، وكان شديد التعصب لمسائل ابن تيمية، وسجن بسبب ذلك، ولا يرجع حتّى إنه بلغه أن الشيخ شهاب الدّين بن المصري يحطّ في درسه على ابن تيميّة في الجامع، فجاء إليه وضربه بيده وأهانه.
مات في تاسع عشر صفر. قاله ابن حجر.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 83) .
[2] انظر «المقصد الأرشد» (3/ 147- 148) و «الجوهر المنضد» ص (179) و «السحب الوابلة» ص (493) .

(8/486)


سنة أربع وثمانين وسبعمائة
فيها كان ابتداء دولة الجراكسة، فإنه خلع الصالح القلاووني، وتسلطن برقوق، ولقّب الظّاهر، وهو أول من تسلطن من الجراكسة، وسيأتي في ترجمته إن شاء الله تعالى.
وفيها وقع الطّاعون بدمشق وتزايد في صفر ثم تناقص.
وفيها وقع الغلاء الشديد بمصر ثم فرّج الله تعالى.
وفيها توفي شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن عبد الله بن أحمد بن عبد الرحمن بن نجم بن عبد الوهاب الصّالحي الحنبلي، المعروف بابن النّاصح [1] ، الإمام العلّامة.
ولد سنة اثنتين وسبعمائة، وسمع من القاضي تقي الدّين سليمان، وأبي بكر بن عبد الدائم، وست الوزراء بنت منجّى.
قال الشيخ شهاب الدّين بن حجي: حدّث وسمعنا منه، وكان يباشر في أوقاف الحنابلة، وهو رجل جيد، وبه صمم كأبيه.
توفي يوم الأربعاء ثالث المحرم ودفن بسفح قاسيون.
وفيها همام الدّين أمير غالب بن قوام الدّين أمير كاتب بن أمير عمر بن العميد بن أمير غالب القلاني الإتقاني [2] .
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 105) و «الدّرر الكامنة» (1/ 179) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 108) و «النجوم الزاهرة» (11/ 294) و «الدّرر الكامنة» (1/ 416) .

(8/487)


كان بزيّ الجند، وله أقطاع، ثم ولي الحسبة فبدت منه عجائب، ثم ولي قضاء الحنفية سنة ثمانين، وانتزع التدريس [1] من علماء الحنفية، وكان مع فرط جهله وقلّة دينه، سليم الصّدر، جوادا، ويحكى عنه في أحكامه أشياء ما تحكى عن قراقوش وأطمّ، حتّى أنه حلّف امرأة ادعت وحكم على المدعي عليه أن يدفع لها ما حلفت عليه، وحكى ابن جماعة أنه قدمت إليه قصة فيها فلان له دعوى شرعية على شخص يسمّى أسد، فكتب إن كان وحشيا فلا يحضر.
مات في جمادى الأولى عن خمسين سنة. قاله ابن حجر.
وفيها تقي الدّين صالح بن إبراهيم بن صالح بن عبد الوهاب بن أحمد بن أبي الفتح بن سحنون التّنوخي الحنفي بن خطيب النّيرب [2] .
ولد سنة عشرين أو قبلها، وحضر على زينب بنت عبد السلام «مسند أنس» ثم سمعه عليها، وعلى أبي بكر بن عسر من لفظ البرزالي وغيرهم، وحدّث، وكان يشهد عنه جامع تنكز، وفيه انجماع وسكون.
مات مطعونا في جمادى الأولى.
وفيها عبّاس بن عبد المؤمن بن عبّاس الكفرماوي الحازمي الشافعي [3] ، قاضي جبة عسال.
ولد قبل العشرين، وحضر عند الشيخ برهان الدّين بن الفركاح، واشتغل قديما، وولاه السّبكي الكبير قضاء الخليل، وسمع من الجزري، وابن النّقيب، وحدّث، وتولّى عدة بلاد، ثم ناب بدمشق عن ولي الدّين بن أبي البقاء، ثم ولي قضاء صفد سنة ثمانين، ومات في رجب.
وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن حمدان العينتاوي [4] .
__________
[1] في «آ» و «إنباء الغمر» مصدر المؤلّف: «التداريس» وفي «ط» : التدريس» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 111) و «الدّرر الكامنة» (2/ 202) وفيه «صالح بن عبد الوهاب» منسوبا إلى جدّه.
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 111) وفيه «الحارميّ» بالراء.
[4] في «آ» و «ط» : «العيفناوي» والتصحيح من «إنباء الغمر» (2/ 112) مصدر المؤلف.

(8/488)


ولد بعينتا [1] من نابلس، وكان حنبليا، فقدم الشام لطلب العلم، وتفقه بابن مفلح وغيره، وسمع من جماعة، وتميّز في الفقه، واختصر «الأحكام» للمرداوي، مع الدّين والتعفف. قاله ابن حجر.
وفيها عزّ الدّين عبد العزيز بن عبد المحيي بن عبد الخالق الأسيوطي المصري الشافعي [2] .
سمع على الدّبوسي وغيره، وعني بالفقه، ودرّس في حياة ابن غيلان، ويقال: إن الشيخ سراج الدّين قرأ عليه في بداية أمره، وتفقه به جماعة، ومات في ذي الحجّة وقد جاوز الثمانين.
وفيها بدر الدّين عبد الوهاب بن كمال الدّين أحمد بن علم الدّين محمد بن أبي بكر الأخنائي الشافعي ثم المالكي [3] .
ولي القضاء، وحدّث عن صالح الأشنهي [4] ، وعبد الغفار السّعدي وغيرهما، وعزل سنة تسع وسبعين بالبساطي، فأقام معزولا، ثم حجّ وجاور في الرّحبية سنة ثلاث وثمانين، ثم رجع فتوعك إلى أن مات في سادس عشر رجب.
وفيها زين الدّين عمر بن علي بن أبي بكر بن الفوي [5] ، خطيب طرابلس.
ولد سنة نيف وعشرين، وكان يقرأ «الصحيح» قراءة حسنة، ويفهم الحديث، وله عناية بضبط رجاله.
مات في المحرم بحماة.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «بعيفنا» والتصحيح من «إنباء الغمر» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 113) و «الدّرر الكامنة» (2/ 377) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 113) و «النجوم الزاهرة» (11/ 294) واسم جدّه فيه: «علم الدّين محمود» .
[4] في «ط» : «الأشمني» وفي «إنباء الغمر» : «الأشهي» .
[5] انظر «إنباء الغمر» (2/ 115) .

(8/489)


وفيها قيس بن يمن بن قيس الصّالحي [1] . سمع من أبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم. ويحيى بن سعيد وجماعة، وحدث، ومات في ذي الحجة.
وفيها شمس الدّين محمد بن إبراهيم بن راضي الصّلتي [2] .
ولد سنة عشر، واشتغل، وقرأ كتبا، وقدم دمشق فاشتغل بالشامية، ثم دخل مصر بعد السبعين، وولى القضاء بقوص وغيرها، ثم رجع فمات بمصر في المحرم.
وفيها محمد بن إبراهيم الجرماني ثم الدمشقي الحنبلي [3] .
ولد قبل الأربعين، وسمع الحديث من جماعة، وتفقه بابن مفلح وغيره، حتّى برع وأفتى، وكان إماما في العربية، مع العفّة والصّيانة والذكاء وحسن الإقراء، ومات بدمشق. قاله ابن حجر في «إنباء الغمر» .
وفيها شرف الدّين محمد بن عبد الله الأرزكياني [4]- بالفتح، فالسكون، ففتح الزاي، وكسر الكاف، فتحتية، فنون، نسبة إلى أرزكيان، رجل من بخارى، أسلم على يد علي بن أبي طالب- رضي الله عنه-.
قال ابن حجر: كان أحد فضلاء العجم. شرح «المشارق» و «الكشّاف» وانتفع به أهل تلك البلاد، وكان قدم الشام قبل الثمانين أيام أبي البقاء، وقرئ عليه «الكشّاف» وغيره، وقد نقل عنه الشيخ شمس الدّين بن الصّايغ في شرحه للمشارق شيئا كثيرا. انتهى.
وفيها موفق الدّين محمد بن محمد بن عبد الله بن الحاسب الحنبلي [5] ، الإمام العالم تفقه في المذهب وحفظ «المقنع» حفظا جيدا، وكان يستحضره، وله
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 115) و «الدّرر الكامنة» (3/ 259) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 115) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 116) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 117) .
[5] انظر «إنباء الغمر» (2/ 118) و «المقصد الأرشد» (2/ 516) .

(8/490)


فضيلة، وكان من النّجباء الأخيار عنده حياء وتواضع، وهو سبط الشّيخ صلاح الدّين بن أبي عمر، وكان يؤمّ بمدرسة شيخ الإسلام أبي عمر.
توفي يوم الأحد ثاني عشري صفر ولعله بلغ الثلاثين [1] سنة.
وفيها جمال الدّين محمد بن محمد بن علي بن يوسف النيسابوري [2] الخطيب الشافعي القاضي الإسنوي.
قدم مصر سنة إحدى وعشرين، وسمع على الحجّار، وتفقه على القطب السّنباطي، وابن القمّاح، وابن عدلان، وغيرهم. وأخذ العربية عن والد سراج الدّين ابن الملقن، ودرّس، وأفتى، وشرح «التعجيز» في الفقه، وناب في الحكم، وكان عالما، خيّرا، ذا مهابة وصيانة وعفاف، قائما بالحقّ، حتّى إنه كتب على قصة سئل فيها أن يحضر يلبغا- وهو إذ ذاك صاحب المملكة- يحضر هو [3] أو وكيله، فلما وقف عليها يلبغا عظم قدره عنده، ويقال: إن ذلك كان بطريق الامتحان من يلبغا، وإنه لما جاءه الرسول قال له: قل له: إني أصالح غريمي، فقال له الرسول: والله ما أقدر أن أروح إلّا ومعي وكيل أو الغريم، يقول: قد رضيت فأعجبه ذلك ودفع للرسول ألف درهم، وأرسل للقاضي ذهبا وبغلة، فردّ ذلك، فاشتد اغتباطه به واعتقاده فيه، وكان في سمعه ثقل في كبره، ولذلك يقال له: الأطروش.
مات في ثامن ربيع الأول.
وفيها محمد بن محمد بن ناصر بن أبي الفضل الفرّاء الحمصي ثم الحلبي، المعروف بابن رياح، ويعرف أيضا بالقيّم وبالفقيه [4] .
__________
[1] في «المنهج الأحمد» : «ولعله بلغ الثمانين» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 118) و «الدّرر الكامنة» (4/ 98) و «النجوم الزاهرة» (11/ 295) وفيه «الأسواني» .
[3] لفظة «هو» سقطت من «آ» .
[4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 119) و «الدّرر الكامنة» (4/ 241) .

(8/491)


ولد بحمص سنة ست وسبعمائة، وكان يحفظ القرآن ويتعانى التجارة في الفراء، وكان مشكورا في صناعته، وحدّث ب «صحيح البخاري» عن ابن الشّحنة، وكان سماعه منه سنة سبع عشرة بحمص، ومات في جمادى الآخرة.
وفيها شرف الدّين محمد بن محمد بن يوسف المرداوي الحنبلي [1] ، سبط القاضي جمال الدّين.
ولد قبل الأربعين، وأخد عن جدّه، وتخرّج بابن مفلح، وسمع الحديث من جماعة ولم يكن بالصّين. مات في ربيع الآخر. قاله ابن حجر.
وفيها جلال الدّين محمد بن النّظام محمود الشّافعي [2] ، إمام منكلي بغا.
كان عارفا بالفقه والأصول والعربية والنظم، أخذ عن بهاء الدّين الإخميمي، وأبي البقاء، وتصدّر بالجامع، وكان بزي الجند، وكان يعرف قديما بابن صاحب شيراز، وحفظ «الحاوي الصغير» وغير ذلك، وتوفي في رمضان.
وفيها مفتاح الزّيني السّبكي، مولى زين الدّين عبد الكافي، والد تقي الدّين السّبكي [3] . وكان تقي الدّين يركن إليه وكلمته نافذة عنده، وسمع من أولاده، ومن زينب بنت الكمال، وغيرها، وحدّث.
توفي في جمادى الآخرة.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 120) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 120) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 121) .

(8/492)


سنة خمس وثمانين وسبعمائة
فيها أحدث المؤذنون عقب الأذان الصّلاة والتّسليم على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وذلك بأمر نجم الدّين الطّنبذي المحتسب [1] .
وفيها قبض برقوق على الخليفة المتوكل وخلعه وحبسه بقلعة الجبل، وبويع بالخلافة محمد بن إبراهيم بن المستمسك بالله بن الحاكم العبّاسي ولقّب الواثق بالله.
وفي جمادى الآخرة منها أعيد الصّالح حاجي إلى السلطنة وغيّر لقبه بالمنصور، وحبس برقوق بالكرك ثم خرج من الحبس وعاد إلى ملكه.
وفيها توفي شهاب الدّين أحمد بن عبد الله التّهامي [2] قاضي الشرع بزبيد. قضى بها نيفا وخمسين سنة، وتوفي في جمادى الآخرة.
__________
[1] قلت: إن كانت الصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من القربات إلى الله تعالى، ومما حضّ عليه التنزيل العزيز في قوله تعالى: إِنَّ الله وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً 33: 56 (الأحزاب: 56) . وحضت عليه السّنّة المطهّرة في أحاديث كثيرة كحديث «البخيل من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ» وهو حديث صحيح انظر تخريجه في «جلاء الأفهام» ص (90) ، إلّا أن ذلك لا يعني التساهل في الجهر بالصلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الأذان الذي علّمه الملك للصحابي الجليل عبد الله بن زيد الأنصاري ونقله إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما علّمه إيّاه فبدأ ب «الله أكبر» ، وانتهى ب «لا إله إلّا الله» وما زاد على ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا، وما زاد عليه الخلفاء الأربعة رضوان الله عليهم، ولا التابعون ولا أتباع التابعين ومن بعدهم، حتى كانت هذه السنة (785) هـ التي أحدثت فيها هذه الصلاة بأمر نجم الدّين الطّنبذي هذا، ثم أخذ بها المقلدون من المشايخ والعوام وزادوا فيها الكثير الكثير إلى أن بلغت الصلاة على النّبيّ في بعض المساجد عندنا في الشام أطول ألفاظا من الأذان أو هي قريبة منه ولا حول ولا قوة إلا باللَّه، ونسأله تعالى أن يوفقنا إلى النهج السليم والعمل الصالح واتباع النصوص، وإن خالفت هوى المخالفين وأسخطتهم.
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 141) .

(8/493)


وفيها أبو بكر أحمد بن أبي القاسم بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله الكلبي ابن جزيّ [1] .
أجاز له أبو عبد الله بن رشيد، وابن الرّبيع، وابن برطال، ومن مصر الحجّار وابن جماعة، وسمع من الوادياشي وخلق، وكان عالما بالفقه، والفرائض، والعربية، والنظم، وشرح «الألفية» وغيرها، وولي الخطابة بغرناطة والقضاء [2] بها، ونظمه سائر كأبيه.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن عمر بن الخضر بن مسلم الدمشقي الحنفي المعروف بابن خضر [3] .
ولد سنة ست وسبعمائة، وكان يدري الفقه والأصول، ودرّس بأماكن، وسمع من عيسى المطعم والحجّار، وغيرهما، وكان فاضلا. حدّث بدمشق وولي إفتاء دار العدل بها، وكان جلدا قويا، وشرح «الدّرر» للقونوي في مجلدات، وتوفي بدمشق في رابع عشر رجب.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن يحيى بن مخلوف بن سري بن فضل الله بن سعد بن ساعد الأعرج السّعدي [4] .
اشتغل بالعلم، وتعانى بالأدب، ونظم الشعر وهو صغير، وأدّب الأطفال.
ومن شعره:
وكيف يروم الرّزق في مصر عاقل ... ومن دونه الأتراك بالسّيف والتّرس
وقد جمعته القبط من كلّ وجهه ... لأنفسهم بالرّبع والثّمن والخمس
فللتّرك والسّلطان ثلث خراجها ... وللقبط نصف والخلائق في السّدس
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 141) و «الدّرر الكامنة» (1/ 293) .
[2] تحرفت في «ط» إلى و «والقضاة» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 142) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 143) وفيه: «ابن مري» مكان «ابن سري» وانظر التعليق عليه.

(8/494)


وفيها عماد الدّين أبو الفداء إسماعيل بن محمد بن قيس بن نصر بن بردس بن رسلان البعلي [1] الحنبلي الحافظ الإمام.
ولد سنة عشرين وسبعمائة، وسمع من والده قطب الدّين اليونيني وطائفة، وعني بالحديث، ورحل في طلبه إلى دمشق، فأخذ عن مشايخها، وقرأ بنفسه، وكتب الكثير، ونظم «النهاية» لابن الأثير في غريب الحديث، ونظم «طبقات الحفّاظ» للذهبي. وخرّج وألقى المواعيد، وحدّث، وتخرّج به جماعة، وسمع منه ابنه الشيخ تاج الدّين، ومحمد بن نعمة الخطيب وغيرهما، وكان أحد الحفّاظ المكثرين المصنّفين المفيدين، حسن الخلق، كثير الدّيانة، لطيف البشرة.
توفي في العشر الآخر من شوال.
وفيها أمة العزيز بنت الحافظ شمس الدّين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي [2] .
حضرت على عيسى المطعم وغيره، وسمعت من الحجّار وغيره، وحدّثت.
وفيها بدر الدّين حسن بن منصور بن ناصر الزّرعي الشافعي [3] .
ناب في الحكم عن تاج الدّين السّبكي، ومن بعده، وكان أبوه قاضي نابلس، فأرسله إلى القدس ليشتغل، فأخذ عن تقي الدّين القلقشندي وغيره، ثم تنبّه، وولي القضاء في بعض البلاد، ثم استوطن دمشق، وناب في الحكم، وكان عنده تصميم [4] وقوة نفس، بحيث كان يعزل نفسه أحيانا. وباشر الأوقاف مباشرة حسنة، وعيّن مرّة لقضاء حلب، وتوفي في صفر.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 144) وفيه «ابن بردس» مكان «قيس» و «الدّرر الكامنة» (1/ 378) و «المقصد الأرشد» (1/ 273- 274) و «الأعلام» (1/ 324) ووفاته فيهما سنة (786 هـ) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 145) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 146) .
[4] تحرفت في «ط» إلى «تصمم» .

(8/495)


وفيها قطب الدّين حيدر بن علي بن أبي بكر بن عمر الدّهقلي الشّيرازي [1] ، نزيل دمشق.
قال ابن حجر: سمع الكثير، وأسمع أولاده، وكتب الطّباق بخطّه، وأخذ عن أصحاب الفخر وغيرهم، وسكن الهند، ثم مات غريقا، وهو والد شيخنا عبد الرحمن. انتهى.
وفيها علم الدّين سليمان بن أحمد بن سليمان بن عبد الرحمن القاضي الحنبلي الكناني [2] العسقلاني المصري [3] .
قدم من بلده نابلس صغيرا، واشتغل بالقاهرة في المذهب وبرع فيه، وصار من أعيان الجماعة، وأفتى، وتزوج بابنة قاضي القضاة موفق الدّين [وولي إعادات لدروس الحنابلة، وولي نيابة الحكم بمصر، وارتقى إلى أن صار أكبر النّواب، وتوفي يوم الاثنين ثالث عشري جمادى الآخرة بالقاهرة، ودفن بتربة القاضي موفق الدّين] [4] خارج باب النّصر.
وفيها ولي الدّين أبو ذرّ عبد الله ابن أبي البقاء بهاء الدّين محمد بن عبد البرّ السّبكي الشافعي [5] .
ولد سنة خمس وعشرين بالقاهرة، وأحضر على يحيى بن فضل الله، ومحمد بن علي، وأبي نعيم الإسعردي، وغيرهم، ثم سمع بدمشق من الجزري، والمزّي، وبنت الكمال، وغيرهم، واشتغل بالعلم، ومهر في الآداب، وناب في الحكم عن أبيه بالقاهرة ودمشق، وعن تاج الدّين السّبكي، ثم استقلّ بالقضاء بعد أبيه، وكان ينظم جيدا، ويحفظ «الحاوي» ويذاكر به، ويدرّس منه، كان يدرّس في «الكشاف» وله مشاركة جيدة في العربية، وكان
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 146) .
[2] لفظة «الكناني» سقطت من «آ» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 147) و «النجوم الزاهرة» (11/ 298) .
[4] ما بين القوسين سقط من «آ» .
[5] انظر «إنباء الغمر» (2/ 147) و «النجوم الزاهرة» (11/ 298) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 209) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 39) .

(8/496)


قد باشر توقيع الدّست، وحج سنة ثلاث وخمسين، وسنة ثلاث وستين [1] ، وكان جيد الفهم، فطنا، عارفا بالأمور، كثير المداراة، لين العريكة، بعيدا من الشرّ، صبورا على الأذى، كثير الإحسان للفقراء سرّا، وتوفي في شوال بدمشق، ودفن عند أبيه بتربة السّبكيين.
وفيها فخر الدّين عثمان بن محمد بن محمد بن الحسن بن الحافظ عبد الغني [2] .
سمع من الحجّار، واشتغل في الفقه، وقرأ على التاج المرّاكشي، وسمع من ابن الرّضي، وبنت الكمال، وحفظ «التّسهيل» وحدّث وأفاد.
وتوفي في رجب.
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن صقر الغسّاني [3] الشافعي [4] ، قاضي الأقضية بزبيد، وليها في زمن المجاهد، واستمر بضعا وثلاثين سنة.
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن عثمان الشّشتري [5] ثم المدني [6] .
سمع «الشفاء» على محمد بن محمد بن حريث، وتفرّد عنه به.
وتوفي في شعبان وله خمس وسبعون سنة.
وفيها محمد بن أحمد بن محمد بن أبي الحسن المزّي الصّحراوي المعروف بابن قطليشا [7] .
__________
[1] يعني وسبعمائة.
[2] انظر «السحب الوابلة» ص (285) .
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «العنتابي» والتصحيح من مصدري الترجمة، وتصحفت لفظة «صقر» في «آ» و «ط» و «إنباء الغمر» إلى «صفر» والتصحيح من «العقود اللؤلؤية» .
[4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 149) و «العقود اللؤلؤية» (2/ 177) .
[5] في «إنباء الغمر» : «التشتري» وفي «الدّرر الكامنة» : «التستري» وفي «التحفة اللطيفة» :
«الشستري» .
[6] انظر «إنباء الغمر» (2/ 150) و «الدّرر الكامنة» (3/ 338) و «التحفة اللطيفة» (3/ 477- 478) .
[7] انظر «إنباء الغمر» (2/ 151) .

(8/497)


ولد سنة أربع عشرة، وسمع من ابن الشّيرازي وغيره، وكان يشهد قسم الغلّات بالمزّة، وحدّث فروى عنه الياسوفي، وابن حجي، وابن الشرائحي، وآخرون، وتوفي في شعبان عن ثلاث وسبعين سنة.
وفيها محمد بن صالح بن إسماعيل الكناني المدني [1] .
سمع من أبي عبد الله القصري [2] ، وتلا عليه بالسبع، وناب في الخطابة بالمدينة، وكان خيّرا، وتوفي في تاسع المحرم عن اثنتين وثمانين سنة.
وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الله بن داود بن أحمد [3] بن يوسف المرداوي الحنبلي [4] .
كان ذا عناية بالفرائض، وقرأ الفقه، ولازم ابن مفلح، حتّى فضل، ودرّس، وتفقه أيضا بقاضي القضاة جمال الدّين المرداوي.
قال ابن حجي: كان يحفظ فروعا كثيرة وغرائب، وله ميل إلى الشافعية، وكان بشع الشّكل جدا.
توفي في ذي القعدة.
وفيها محمد بن محمد بن محمد بن محمود الصّالحي المنبجي [5] .
قال ابن حجر: كان من فضلاء الحنابلة، سمع الحديث، وحفظ
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 151) و «الدّرر الكامنة» (3/ 457) .
[2] في «آ» و «ط» : «الصّصري» وهو خطأ والتصحيح من «إنباء الغمر» وانظر «غاية النهاية» (2/ 47) .
[3] تنبيه: كذا في «آ» و «ط» و «المنهج الأحمد» الورقة (468) من القسم المخطوط وهو مصدر المؤلف: «محمد بن عبد الله بن داود بن أحمد» وفي «إنباء الغمر» : «محمد بن عبيد بن داود بن أحمد ... » . وفي «المقصد الأرشد» و «الجوهر المنضد» : «محمد بن عبيد بن أحمد» .
[4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 152) و «المقصد الأرشد» (2/ 434) و «الجوهر المنضد» ص (129) .
[5] تحرفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «المنيحي» والتصحيح من «إنباء الغمر» (2/ 152) مصدر المؤلف، و «السحب الوابلة» ص (448) .

(8/498)


«المقنع» وأفتى ودرّس، وكان يكتسب من حانوت له على طريق السّلف، مع الدّين، والتقشف، والتّعبّد.
مات في رمضان، وهو صاحب «الجزء» المشهور في الطاعون، ذكر فيه فوائد كثيرة، عمله في سنة أربع وستين. انتهى.
وفيها محمود بن الصّفدي الغرّابي [1]- نسبة إلى غرّابة بفتح المعجمة، وتشديد الراء، ثم موحدة من قرى صفد- الشّافعي. اشتغل بدمشق على الشيخين تاج الدّين المرّاكشي، وفخر المصري، وفضل وتنزل بالمدارس بدمشق، ثم رجع إلى صفد، فأقام بها يدرّس إلى أن مات بها في صفر.
وفيها شرف الدّين أبو البركات موسى بن محمد [بن محمد] [2] بن الشّهاب محمود [3] . أحد الفضلا في الأدب والكتابة.
كتب في الإنشاء، وفاق في حسن الخطّ والنّثر والنّظم، وناب في الحكم، وهو القائل وكتبها على مجموع:
ومجموع كعقد الدّر نظما ... على تفضيله الإجماع يعقد
يطابق كلّ معنى فيه حسنا ... فمجموعا تراه وهو مفرد
توفي بالرّملة عن ثلاث وأربعين سنة.
وفيها جمال الدّين يوسف بن محمد بن عبد الرحمن بن سندي بن المصري العطّار الرّسام [4] .
سمع من ابن الجزري، والمزّي، وحدّث، وتوفي في المحرم.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 153) .
[2] ما بين القوسين سقط من «آ» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 153) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 154) .

(8/499)