شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة إحدى وتسعين
وسبعمائة
توفي شهاب الدّين أبو الخير أحمد بن عمر بن محمد بن أبي الرّضا [1]
قاضي القضاة الحموي الشافعي، نزيل حلب.
اشتغل في الفقه وغيره، وأخذ عن العلّامة شرف الدّين يعقوب خطيب قلعة
حماة، ورحل إلى الشام، وقرأ على أهلها، ورحل إلى القاهرة، واشتغل بها،
وقدم حلب سنة بضع وسبعين قاضي العسكر ومفتي دار العدل، فأقام بها يفتي
ويفيد، ثم تولى قضاء حلب فحمدت سيرته.
ذكره الحافظ برهان الدّين الحلبي سبط ابن العجمي فقال: فريد الشام ذكاء
ومعرفة ودهاء وحفظا، غير أنه كان له أناس يعادونه وما يصنعه يخرجونه في
قوالب رديئة ويتكلمون فيه بأشياء ليست فيه، ولكن الحسد حملهم على ذلك،
وكان أوحد العلماء، متقنا، متفننا، أستاذا في القراءات وتوجيهها،
والتفسير، والمعاني، والبيان، والبديع، والعروض، والنّظم، والنّثر
الفائق، والإنشاء، عالما بالفقه والأصلين، ويحفظ جملة صالحة من الحديث
وصناعته، يكاد يحفظ «شرح مسلم» و «معالم السنن» للخطابي، وكان أستاذا
في معرفة الطبّ والعلاج، وهو رجل غريب في بابه، وكان يحافظ على الجلوس
في المسجد لا يكاد يخرج منه إلّا لحاجته، وعنده حشمة، وله سياسة
وكياسة، يعظّم العلم وأهله، ولا يقدّم عليهم أحدا. لم أر بحلب أحدا
بعده من أهلها أعلم منه ولا من غيرها إلّا ما كان من شيخنا سراج الدّين
البلقيني، إلى أن قال: وله مؤلفات
__________
[1] انظر «الدّرر الكامنة» (1/ 227) و «إنباء الغمر» (2/ 358) و
«النجوم الزاهرة» (11/ 352، 382) و «الأعلام» (1/ 187) .
(8/540)
نفيسة، منها كتاب «الناسخ والمنسوخ» وكتاب
في فنون القراءات [1] مجلد ضخم، ونظم «غريب القرآن» للعزيزي على قافية
«الشّاطبية» ووزنها، وكتاب «مفاخرة بين السيف والقلم» وكتاب ليس فيه
حرف معجم، وغير ذلك. ودخل بين التّرك فأخذ وحبس بالقلعة، ثم حمل مقيّدا
إلى قريب من خان شيخون وقتل هناك في ذي القعدة، ثم نقل إلى حماة إلى
مقبرة والده وأهله.
وقال العيني في «تاريخه» : قتل شرّ قتلة، وكان ذلك أقلّ جزائه، فإن
الظّاهر هو الذي جعله من أعيان الناس وولّاه القضاء من غير بذل ولا
سعي، فجازاه بأن أفتى في حقّه بما أفتى، وقام في نصر أعدائه بما قام،
وشهر السّيف، وركب بنفسه والمنادي بين يديه ينادي [2] : قوموا انصروا
الدولة المنصورية بأنفسكم وأموالكم، فإن الظّاهر من المفسدين العصاة
الخارجين، فإن سلطنته ما صادفت محلا، إلى غير ذلك، وكان عنده بعض شيء
من العلم، ولكنه كان يرى نفسه في مقام عظيم، وكان مولعا بثلب أعراض
الكبار، وكان باطنه رديئا وقلبه خبيثا.
قال: وسمعت أنه كان يقع في حقّ الإمام أبي حنيفة. انتهى كلام العيني
ملخصا.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن زين الدّين عمر بن الشّهاب محمود بن سلمان
[3] بن فهد الحلبي الأصل الدمشقي، المعروف بالقنّبيط [4] .
قال ابن حجر: ولد سنة عشر أو نحوها، وسمع من أمين الدّين محمد بن أبي
بكر بن النّحاس وغيره، ووقع في الدّست، فكان أكبرهم سنا وأقدمهم.
مات في ربيع الأول عن ثمانين سنة وزيادة ولم يحدّث شيئا، وهو الذي أراد
صاحبنا شمس الدّين بن الجزري بقوله:
__________
[1] في «ط» : «القرآن» .
[2] في «ط» : «والمنادي ينادي بين يديه» .
[3] تحرفت في «ط» إلى «سليمان» .
[4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 362) .
(8/541)
باكر إلى دار عدل جلّق يا ... طالب خير
فالخير في البكر
فالدّست قد طاب واستوى وغلا ... بالقرع والقنّبيط والجزر
وأشار بالقنّبيط إلى هذا، وبالجزر إلى نفسه، وبالقرع إلى أبي بكر بن
محمد الآتي ذكره سنة أربع وتسعين. انتهى.
وفيها محبّ الدّين أحمد بن محمد المعروف بالسبتي [1] .
انقطع بمصلى حولان ظاهر مصر، وكان معتقدا ويشار إليه بعلم الحروف
والزايرجا [2] .
ومات في عشري صفر وقد جاوز الثمانين ظنا، وكان حسن السّمت.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن موسى بن علي، المعروف بابن الوكيل [3] .
عني بالفقه والعربية، وقال النظم فأجاد، وكان سمع بمكّة من الجمال بن
عبد المعطي المكّي، وبدمشق من الصّلاح بن أبي عمر. ومن شيوخه في العلم
صلاح الدّين العفيفي، ونجم الدّين بن الجابي، وجمال الدّين الأسيوطي،
وشمس الدّين الكرماني، وكان يتوقد ذكاء.
مات بالقاهرة في صفر.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن ركن الدّين بن أبي يزيد بن محمد السّرائي
الحنفي الشهير بمولانا زاده [4] .
قال [ابن حجر] [5] في «إنباء الغمر» : كان والده كثير المراعاة للعلماء
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 363) و «الدّرر الكامنة» (1/ 315) .
[2] كذا في «آ» و «ط» : «والزايرجا» وفي «إنباء الغمر» : «الزّيجات»
جمع «زيج» . وجاء في كتاب «معجم الألفاظ الفارسية المعرّبة» لأدشير ص
(82) : الزّيج: عند المنجمين كتاب تعرف به أحوال حركات الكواكب مأخوذ
من زيك.
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 363) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 363) .
[5] ما بين القوسين سقط من «آ» .
(8/542)
والتعهد للصالحين، وكان السلاطين من بلاد
سراي قد فوّضوا إليه النظر على أوقافهم، فكانت تحمل إليه الأموال من
أقطار البلاد ولا يتناول لنفسه ولا لعياله شيئا. وكان يقول: أنا أتجنبه
ليرزقني الله ولدا صالحا، ثم مات الشيخ سنة ثلاث وستين وخلّف ولده هذا
ابن تسع سنين، وقد لاحت آثار النّجابة عليه، فلازم الاشتغال حتّى أتقن
كثيرا من العلوم، وتقدم في التدريس والإفادة وهو دون العشرين، ثم رحل
من بلاده فما دخل بلدا [1] إلّا عظّمه أهلها [2] لتقدمه في الفنون ولا
سيما فقه الحنفية، ودقائق العربية، والمعاني، وكانت له مع ذلك يد طولى
في النّظم والنّثر، ثم حبّب إليه السلوك، فبرع في طريق الصّوفية، وحجّ
وجاور، ورزق في الخلوات فتوحات عظيمة، ثم دخل القاهرة، ثم رجع إلى
المدينة فجاور بها، ثم رجع فأقام بخانقاه سعيد السعداء، واستقرّ مدرسا
للمحدّثين بالظّاهرية الجديدة أول ما فتحت بين القصرين، وقرر مدرسا
للصرغتمشية في الحديث أيضا، ثم إن بعض الحسدة دسّ إليه سمّا، فتناوله
فطالت علّته بسببه إلى أن مات في المحرم. انتهى.
وفيها صدر الدّين أبو المعالي عبد الخالق، ويقال له أيضا: محمد بن محمد
بن محمد الشّعيبي- بالمعجمة والموحدة مصغرا- الإسفراييني [3] .
ولد سنة أربع وثلاثين، وكان عارفا بالفقه، وحدّث بكتاب «المناسك» تصنيف
أبيه عنه، وشرح منه قطعة، وجمع هو كتابا في المناسك أيضا كثير الفائدة
[4] ، وكان مشهورا ببغداد.
مات بفيد [5] منصرفا من الحجّ في المحرم.
__________
[1] في «ط» : «ثم رحل من بلاده قلما فما دخل ... » وما جاء في «آ»
موافق لما في «إنباء الغمر» مصدر المؤلف.
[2] في «آ» و «ط» : «أهلوها» وأثبت لفظ «إنباء الغمر» مصدر المؤلف.
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 369- 370) .
[4] في «آ» : «كثير الفوائد» وما جاء في «ط» موافق لما في «إنباء
الغمر» مصدر المؤلّف.
[5] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «بفند» والتصحيح من «إنباء الغمر» وقال
ياقوت في «معجم البلدان» (4/ 282) : وفيد: بليدة في نصف طريق مكة من
الكوفة ... يودع الحاج فيها أزوادهم وما يثقل
(8/543)
وفيها القاضي جمال الدّين عبد الرحمن بن
محمد بن محمد بن سليمان الإسكندراني المالكي، المعروف بابن خير [1] .
سمع من ابن الصّفي، والوادي آشي، وغيرهما، وكان عارفا بالفقه، ديّنا،
خيّرا. ولي الحكم فحمدت سيرته.
قال ابن حجر: قرأت عليه شيئا.
مات في سابع عشر رمضان واستقرّ بعده تاج الدّين بهرام الدّميري في قضاء
المالكية بعناية الخليفة المتوكل. انتهى.
وفيها نجم الدّين عبد الرحيم بن عبد الكريم بن عبد الرحيم بن رزين
الحموي الأصل القاهري [2] .
قال ابن حجر: سمع «الصحيح» من وزيرة، والحجّار، وسمع من غيرهما. وحدّث.
سمعت عليه بمصر.
مات في جمادى الأولى وله إحدى وتسعون سنة. انتهى.
وفيها تقي الدّين عبد الوهاب بن سبع البعلبكي [3] .
عني بالعلم وحصّل ودرّس، وألّف مختصرا في الأحكام، وولي قضاء بعلبك فلم
يحمد في القضاء. مات بدمشق.
وفيها فخر الدّين علي بن أحمد بن محمد بن التّقي سليمان بن حمزة
المقدسي ثم الصّالحي الحنبلي [4] .
ولد سنة أربعين، وسمع الكثير، ولازم ابن مفلح، وتفقه عنده، وخطب
__________
من أمتعتهم عند أهلها فإذا رجعوا أخذوا أزوادهم ووهبوا لمن أودعوها
شيئا من ذلك.
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 370) و «الدّرر الكامنة» (2/ 345) و
«النجوم الزاهرة» (11/ 386) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 371) و «الدّرر الكامنة» (2/ 357) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 371) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 372) و «السحب الوابلة» ص (286) .
(8/544)
بالجامع المظفّري، وكان أديبا، ناظما،
ناثرا، منشئا، له خطب حسان ونظم كثير وتعاليق في فنون، وكان لطيف
الشمائل.
توفي في جمادى الآخرة.
وفيها علي بن الجمال محمد بن عيسى اليافعي [1] .
كان عارفا بالنحو في بلاد اليمن.
مات بعدن في صفر. قاله السيوطي في «طبقات النّحاة» .
وفيها شرف الدّين الأشقر عثمان بن سليمان بن رسول بن يوسف بن خليل بن
نوح الكراديّ الحنفيّ [2] .
أصله من تركمان البلاد الشمالية، واشتغل في بلاده، ثم قدم القاهرة في
دولة الأشرف، فصحب الملك الظّاهر قبل أن يتأمّر. وكانت له به معرفة من
بلاده فلما كبر قرّره إماما عنده، وتقدم في دولته، وولاه قضاء العسكر
ومشيخة الخانقاه البيبرسية. وكان حسن الهيئة، مشاركا في الفضائل، جيد
المحاضرة.
مات في رابع عشري ربيع الآخر عن نحو خمسين سنة.
وفيها محبّ الدّين محمد بن بدر الدّين عبد الله بن محمد بن فرحون
اليعمري المغربي ثم المدني المالكي [3] .
كانت له عناية بالعلم، وولي قضاء بلده ولم يجاوز الخمسين.
وفيها تقي الدّين محمد بن عبد القادر بن علي بن سبع البعلي [4] .
قال ابن حجر: اشتغل ودرّس مكان عمّه أحمد في الأمينية وغيرها، وأفتى،
ودرّس، وولي قضاء بعلبك وطرابلس، ولم يكن مرضيا في سيرته،
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 373) و «بغية الوعاة» (2/ 198) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 373) و «الدّرر الكامنة» (2/ 440) و
«النجوم الزاهرة» (11/ 387) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 375) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 375) و «الدّرر الكامنة» (4/ 20) .
(8/545)
وجمع كتابا في الفقه مع قصور في [1] فهمه.
وكان يكتب خطا حسنا، ويقرأ في المحراب قراءة جيدة، ويخطب بجامع رأس
العين.
مات في المحرم. انتهى.
وفيها بدر الدّين أبو اليمن محمد بن سراج الدّين عمر بن رسلان بن نصير
الكناني المصري البلقيني الشافعي، سبط بهاء الدّين بن عقيل [2] .
قال ابن قاضي شهبة في «طبقاته» : ولد في صفر سنة ست، وقيل سنة سبع
وخمسين، وقدم دمشق مع والده سنة تسع وستين وهو مراهق، وقد حفظ عدة كتب
فعرضها على مشايخ الشام إذ ذاك، وأجاز له جماعة [3] من أصحاب البخاري،
وابن القوّاس، وغيرهم، وأخذ عن والده وعن غيره من علماء عصره، منهم:
جدّه الشيخ بهاء الدّين، وجمال الدّين الإسنوي، وتقدم وتميّز، وفاق
أقرانه باجتهاده وجودة ذهنه، ودرّس واشتغل وأفتى، ونزل له والده عن
قضاء العسكر في شعبان سنة تسع وسبعين، وكان حسن الذات، مليح الصّفات،
وكان يكثر البحث مع والده ويعارضه، وكان والده يسرّ بذلك كثيرا.
وقد ذكر له الأديب زين الدّين طاهر بن حبيب ترجمة حسنة، وقال: كان كلفا
بالجود لا متكلفا، مطبوعا على مكارم الأخلاق لا متطبعا، وأخذ الفقه عن
والده شيخ الإسلام، وبرع فيه، إلى أن روت عنه أفواه المحابر وألسنة
الأقلام، وشارك أهل العلوم. فكان لهم منه أوفى نصيب، وجامل أرباب
الفنون فظهر لهم بكل معنى غريب، ثم دوّن العلم الشريف، وكرّس، وباشر
الوظائف الجليلة، وأفتى [4] ودرّس، وتولى قضاء العسكر بالدّيار
المصرية، واستمرّ إلى أن تطاولت إليه يد القضاء
__________
[1] لفظة «في» سقطت من «ط» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 376) و «الدّرر الكامنة» (4/ 105) و
«النجوم الزاهرة» (11/ 389) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/
233) وقد تصحفت «الكناني» فيه إلى «الكتاني» بالتاء و «معجم المؤلفين»
(11/ 82) .
[3] لفظة «جماعة» سقطت من «ط» .
[4] لفظة «وأفتى» سقطت من «آ» .
(8/546)
القسرية، فتوفي في شعبان بالقاهرة، ودفن
بمدرسة والده التي أنشأها بقرب جامع الحاكم وتألم والده عليه كثيرا،
وتوفي عن نيف وثلاثين سنة.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمود بن عبد الله النيسابوري [1] ، ابن أخي
جار الله الحنفي. قدم القاهرة، ولازم عمّه وغيره في الاشتغال، وولي
إفتاء دار العدل، ومشيخة سعيد السّعداء، وكان بشوشا، حسن الأخلاق،
عالما بكثير من المعاني والبيان والتصوف.
ومات في ربيع الآخر ولم يكمل الخمسين.
وفيها سعد الدّين مسعود بن عمر بن عبد الله [2] هكذا أثبته السيوطي في
«طبقات النحاة» بلفظ مسعود وهو المشهور، والذي أثبته ابن حجر في كتابيه
«الدّرر الكامنة» و «إنباء الغمر» بلفظ محمود بن عمر بن عبد الله
التّفتازاني الإمام العلّامة، عالم النحو، والتصريف، والمعاني،
والبيان، والأصلين، والمنطق، وغيرهما.
قال ابن حجر: ولد سنة اثنتي عشرة وسبعمائة بتفتازان- بفتح الفوقيتين
والزاي، وسكون الفاء، وبالنون، قرية بنواحي نسا [3]- وأخذ عن القطب
والعضد، وتقدم في الفنون، واشتهر ذكره، وطار صيته، وانتفع الناس
بتصانيفه، وكان في لسانه لكنة، وانتهت إليه معرفة العلم بالمشرق. انتهى
ملخصا.
وقال غيره: فرغ من تأليف «شرح الزّنجاني» حين بلغ ست عشرة سنة، ومن
«شرح تلخيص المفتاح» في صفر سنة ثمان وأربعين بهراة، ومن اختصاره سنة
ست وخمسين، ومن «شرح الرسالة الشّمسية» في جمادى الآخرة سنة سبع وخمسين
بمزارجام، ومن «شرح التلويح» في ذي القعدة سنة ثمان وخمسين
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 377) و «النجوم الزاهرة» (11/ 389) وفيه:
«محمود بن عبد الله» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 377) و «الدّرر الكامنة» (4/ 350) و «بغية
الوعاة» (2/ 285) .
[3] انظر «معجم البلدان» (2/ 35) .
(8/547)
بكلستان تركستان، ومن «شرح العقائد» في
شعبان سنة ثمان وستين، ومن «حاشية شرح مختصر الأصول» في ذي الحجّة سنة
سبعين، ومن «رسالة الإرشاد» سنة أربع وسبعين كلّها بخوارزم، ومن «مقاصد
الكلام» وشرحه في ذي القعدة سنة أربع وثمانين بسمرقند، ومن «تهذيب
الكلام» في رجب، ومن شرح «القسم الثالث من المفتاح» في شوال كلها في
سنة تسع وثمانين بظاهر سمرقند.
وشرع في تأليف «فتاوى الحنفية» يوم التاسع من ذي القعدة سنة تسع وستين.
ومن تأليفه «مفتاح الفقه» سنة اثنتين وسبعين، ومن «شرح تلخيص الجامع»
سنة ست وثمانين كلها بسرخس، ومن «شرح الكشّاف» في الثاني من ربيع الآخر
سنة تسع وثمانين بظاهر سمرقند.
ومن شعره:
إذا خاض في بحر التفكّر خاطري ... على درّة من معضلات المطالب
حقرت ملوك الأرض في نيل ما حووا ... ونلت المنى بالكتب لا بالكتائب
ومنه أيضا:
فرق فرق الدّرس وحصل مالا ... فالعمر مضى ولم تنل آمالا
ولا ينفعك القياس والعكس ولا ... افعنلل يفعنلل افعنلالا
ومنه:
طويت بإحراز العلوم وكسبها ... رداء شبابي والجنون فنون
فلمّا تحصّلت العلوم ونلتها ... تبيّن لي أن الفنون جنون
وحكي بعض الأفاضل أن الشيخ سعد الدّين كان في ابتداء طلبه بعيد الفهم
جدا، ولم يكن في جماعة العضد أبلد منه ومع ذلك فكان كثير الاجتهاد ولم
يؤيسه جمود فهمه من الطلب، وكان العضد يضرب به المثل بين جماعته في
البلاد، فاتفق أن أتاه إلى خلوته رجل لا يعرفه فقال له: قم يا سعد
الدّين لنذهب إلى السير، فقال: ما للسير خلقت أنا، لا أفهم شيئا مع
المطالعة فكيف إذا ذهبت
(8/548)
إلى السير ولم أطالع، فذهب وعاد، وقال له:
قم بنا إلى السير، فأجابه بالجواب الأول ولم يذهب معه، فذهب الرجل
وعاد، وقال له مثل ما قال أولا، فقال:
ما رأيت أبلد منك، ألم أقل لك ما للسير خلقت فقال له: رسول الله- صلّى
الله عليه وسلّم- يدعوك فقام منزعجا ولم ينتعل بل خرج حافيا حتّى وصل
به إلى مكان خارج البلد به شجيرات، فرأى النّبيّ- صلّى الله عليه
وسلّم- في نفر من أصحابه تحت تلك الشجيرات فتبسم له، وقال: «نرسل إليك
المرّة بعد المرّة ولم تأت» . فقال: يا رسول الله ما علمت أنك المرسل
وأنت أعلم بما اعتذرت به من سوء فهمي وقلة حفظي، وأشكو إليك ذلك. فقال
له رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم-: «افتح فمك» وتفل له فيه ودعا له،
ثم أمره بالعود إلى منزله وبشّره بالفتح، فعاد وقد تضلّع علما ونورا.
فلما كان من الغد أتى إلى مجلس العضد وجلس مكانه فأورد في أثناء جلوسه
أشياء ظنّ رفقته من الطلبة أنها لا معنى لها لما يعهدون منه فلما سمعها
العضد بكى وقال:
أمرك يا سعد الدّين إليّ فإنك اليوم غيرك فيما مضى، ثم قام من مجلسه
وأجلسه فيه وفخّم أمره من يومئذ. انتهى.
وتوفي- رحمه الله- بسمرقند، وكان سبب موته ما ذكره في «شقائق النّعمان»
في ترجمة ابن الجزري أن تيمورلنك جمع بينه وبين السيد الشّريف فأمر
التّيمور بتقديم السّيد على السّعد، وقال: لو فرضنا أنكما سيّان في
الفضل فله شرف النّسب، فاغتم لذلك العلّامة التّفتازاني وحزن حزنا
شديدا فما لبث حتّى مات- رحمه الله تعالى-، وقد وقع ذلك بعد مباحثتهما
عنده، وكان الحكم بينهما نعمان الدّين الخوارزمي المعتزلي فرجح كلام
السيد الشريف على كلام العلّامة التّفتازاني. انتهى.
وفيها منهاج الدّين الرّومي الحنفي [1] .
كان أعجوبة في قلّة العلم والتلبيس على التّرك في ذلك.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 379) .
(8/549)
قدم القاهرة فولي تدريس الحنفية [بمدرسة أم
الأشرف. قاله ابن حجر.
وقال: قال شيخنا ناصر الدّين بن الفرات: حضرت درسه] [1] مرارا، فكان لا
ينطق في شيء من العلم بكلمة، بل إذا قرأ القارئ شيئا استحسنه، وربما
تكلّم بكلام لا يفهم منه شيء.
مات في رابع عشري ربيع الأول.
__________
[1] ما بين القوسين سقط من «آ» .
(8/550)
سنة اثنتين وتسعين
وسبعمائة
في صفرها أخرج برقوق الملك الظّاهر من السّجن وعاد إلى ملكه، فاستمرّ
إلى أن مات سنة إحدى وثمانمائة في شوالها كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وفيها توفي القاضي شهاب الدّين أحمد بن ظهيرة بن أحمد بن عطية بن ظهيرة
بن محمد بن علي بن عليّان بن هاشم بن مرزوق المخزومي المكّي الشافعي
القرشي [1] .
قال ابن أخيه القاضي جمال الدّين في معجم شيوخه الذي سمّاه «إرشاد
الطالبين إلى شيوخ ابن ظهيرة جمال الدّين» ما لفظه: أبو العبّاس شهاب
الدّين أحمد بن ظهير الدّين ظهيرة عمّي الإمام الفقيه المفتي.
ولد بمكة في شهور سنة ثماني عشرة وسبعمائة، وسمع بها من القاضي نجم
الدّين محمد [بن الجمال] [2] بن المحبّ الطّبري، وأخيه الزّين محمد،
وأحمد بن الرّضي الطّبري، والأمين الأقشهري، والجمال محمد بن أحمد بن
خلف المطري، وعيسى بن عبد العزيز الحجي. سمع منه «صحيح البخاري» في
آخرين، وتفقه على جماعة، منهم: العلّامة نجم الدّين الأصفوني وبه
تخرّج، وأخذ الحساب والفرائض، وأخذ الأصول عن العلّامة جمال الدّين
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 53) و «الدّرر الكامنة» (1/ 143) و «العقد
الثمين» (3/ 52) .
[2] ما بين سقط من «آ» .
(8/551)
عبد الرحيم الإسنوي، وقرأ بالروايات على
أبي إسحاق إبراهيم بن مسعود المروزي وغيره، وأذن له الحافظ أبو سعيد بن
العلائي وغيره بالإفتاء، وتصدّر للاشتغال بالمسجد الحرام فانتفع به
جماعة، وناب في الحكم عن القاضيين تقي الدّين وكمال الدّين، ثم ولي
قضاء مكّة وخطابتها بعد موت شيخنا القاضي أبي الفضل، ثم عزل عن ذلك سنة
ثمان وثمانين، فلازم شغل الطلبة بالحرم الشريف إلى أن توفي ليلة السبت
ثالث عشري ربيع الأول وصلّي عليه من الغد بالمسجد الحرام ودفن
بالمعلاة.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن موسى بن علي بن الحداد الزّبيدي [1] الحنفي
الفرضي [2] .
كان عارفا بالفرائض فاضلا.
مات بزبيد في ذي الحجة. قاله ابن حجر.
وفيها شرف الدّين إسماعيل بن حاجي الفروي [3]- بفتح الفاء وسكون الراء
نسبة إلى فروة جد- الفقيه الشافعي [4] .
كان أحد علماء بغداد، ثم قدم دمشق في حدود السبعين فأفاد بها في الجامع
وغيره، ودرّس بالعينية وغيرها، وكان ديّنا، خيّرا، تصدّق بما يملكه في
مرض موته، ومات في صفر.
وفيها سرحان بن عبد الله الفقيه المالكي [5] .
قال ابن حجر: كان عارفا بمذهبه.
مات في ذي الحجّة بالقاهرة، وكان أكولا مشهورا بذلك.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 37) و «الدّرر الكامنة» (1/ 322) .
[2] اللفظة مستدركة من هامش «آ» .
[3] بعدا في هامش «آ» الشافعي وسترد بعد.
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 38) و «الدّرر الكامنة» (1/ 365) .
[5] انظر «إنباء الغمر» (3/ 39) .
(8/552)
وفيها عبد المؤمن بن أحمد بن عثمان
المارداني ثم الدمشقي الشافعي [1] .
قدم دمشق، فاشتغل ومهر، واستنابه التاج السّبكي في إمامة الجامع
والخطابة، واستمرّ ينوب في ذلك إلى أن مات.
وكان ديّنا، خيّرا، ملازما للجامع، يشغل الطلبة.
مات في ربيع الآخر.
وفيها علاء الدّين علي بن خلف بن خليل بن عطاء الله الشافعي الغزّي [2]
، قاضي غزّة.
مولده سنة اثنتي عشرة وسبعمائة، وهو أخو القاضي شمس الدّين الغزّي،
وأسنّ منه.
قال الحافظ ابن حجي: كان له قديم اشتغال بدمشق، وسمع من ابن الشّحنة،
وجماعة، أجاز لي ولم أسمع منه. انتهى.
وقال ابن قاضي شهبة: بلغني أن أخاه والشيخ عماد الدّين الحسباني قرءا
عليه في أول أمرهما وأنه اجتمع بالشّيخ سراج الدّين البلقيني فسأله عن
شيء يمتحنه به، فقال: تمتحنني وأنا لي تلميذان أفتخر بهما على الناس
أخي والحسباني [3] .
وولي قضاء غزّة مدة، ثم عزل بسبب سوء سيرة أولاده، وأقام مدة بقرن
الحارة منقطعا إلى العبادة ورأيت آخرا بخطّه «مختصر تاريخ الإسلام»
للذهبي، وبلغني أنه اختصر «التاريخ» جميعه.
توفي في ربيع الآخر أو جمادى الأولى بغزّة. انتهى.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 39) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 40) و «الدّرر الكامنة» (3/ 46) و «طبقات
ابن قاضي شهبة» (3/ 211) و «معجم المؤلفين» (7/ 86) .
[3] في «ط» : «الحسباني وأخر» .
(8/553)
وفيها زين الدّين أبو حفص عمر بن مسلم بن
سعيد بن عمر بن بدر بن مسلم الكتّاني [1]- بتشديد الفوقية وبالنون-
القرشي الملحي الدمشقي الإمام الفقيه الشافعي المحدّث المفسّر الواعظ.
قال ابن قاضي شهبة: ولد في شعبان سنة أربع وعشرين وسبعمائة، وورد دمشق
بعد الأربعين، واشتغل بالفقه [2] على خطيب جامع جرّاح شرف الدّين قاسم،
وأخذ عن الشيخ علاء الدّين حجّي [3] ، وأخذ الأصول عن البهاء الإخميمي،
واشتغل في الحديث، وشرع في عمل المواعيد، وكان يعمل مواعيد نافعة تفيد
الخاصة والعامة، وانتفع به خلق كثير من العوام، وصار لديهم فضيلة،
وأفتى، وتصدّر للإفادة، ودرّس بالمسرورية ثم بالناصرية، ووقع بينه وبين
ابن جماعة بسببها وحصل له محنة، ثم عوض عنها بالأتابكيّة، ثم أخذت عنه
فلما ولي ولده قضاء دمشق في سنة إحدى وتسعين ترك له الخطابة وتدريس
النّاصرية والأتابكية، ثم فوض إليه دار الحديث الأشرفية، فلما عادت
دولة الظاهر أخذ واعتقل مع ابنه بالقلعة، وجرت لهما محن، وطلب منهما
أموال، فرهن الشيخ كثيرا من كتبه على المبلغ الذي طلب منهما.
قال الحافظ ابن حجّي: برع في علم التفسير، وأما علم الحديث، فكان حافظا
للمتون، عارفا بالرجال، وكان سمع الكثير من شيوخنا، وله مشاركة في
العربية. انتهى.
وكان مشهورا بقوة الحفظ ودوامه، إذا حفظ شيئا لا ينساه، شجاعا مقداما،
كثير المساعدة لطلبة العلم، يقول الحقّ على من كان من غير مداراة في
الحق ولا محاباة، وملك من نفائس الكتب شيئا كثيرا، وكان كثير العمل
والاشتغال لا يملّ، ولم يزل حاله على أحسن نظام إلى أن قدّر الله عليه
ما قدّر
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 42) و «الدّرر الكامنة» (3/ 194) وفيهما:
«عمر بن مسلّم» و «تاريخ ابن قاضي شهبة» (3/ 359- 360) .
[2] في «ط» : «في الفقه» .
[3] في «ط» : «علاء الدّين بن حجي» .
(8/554)
فتوفي معتقلا بقلعة دمشق في ذي الحجّة ودفن
بالقبيبات وحضر جنازته من لا يحصى كثرة.
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن علي المصري [1] ، المعروف بالرفاء.
قال ابن حجر: عني بالعلم قليلا، وسمع الحديث فأكثر، وسمع العالي
والنازل، وجاور كثيرا فكان يلقّب حمامة الحرم، وكان يسكن الناصرية بين
القصرين، صحبته قليلا، ومات في جمادى الأولى.
وفيها فخر الدّين محمد بن مجد الدّين أحمد بن عمر بن عبد الكريم بن
محبوب سبط شرف الدّين ابن الحافظ [2] .
سمع من يحيى بن سعيد، وابن الشّحنة، والتقيّ ابن تيميّة، وغيرهم.
وكان مكثرا من الحديث، وقد تفقّه على جدّه وأذن له في الإفتاء، وكان
فاضلا، ذكيا، يتعانى كل شيء يراه حتّى الخياطة والنجارة والبناء
والموسيقى، مع حسن الشكالة ولطف المعاشرة، ورقّة النّظم.
مات في ربيع الأول عن ثمان وثمانين سنة.
وفيها محمد بن إسماعيل الأفلاقي [3]- نسبة إلى أفلاق قرية بالقرب من
دمنهور- المالكي. كان فاضلا ينظم الشعر نظما وسطا.
توفي في سادس جمادى الأولى.
وفيها جمال الدّين محمد بن عبد الله بن عبد الله بن أبي بكر الحثيثي-
بمهملة ومثلثتين مصغرا- الصّرد في الرّيمي- بفتح الراء بعدها تحتانية
ساكنة نسبة إلى ريمة ناحية باليمن- الشافعي [4] . اشتغل في العلم [5] ،
وتقدم في الفقه،
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 45) و «الدّرر الكامنة» (3/ 341) و «النجوم
الزاهرة» (12/ 122) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 45) و «الدّرر الكامنة» (3/ 345) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 46) و «النجوم الزاهرة» (12/ 122) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 47) و «الدّرر الكامنة» (3/ 486) و
«الأعلام» (6/ 236) .
[5] في «ط» : «بالعلم» .
(8/555)
فكانت إليه الرحلة في زمانه. وصنّف
التصانيف النافعة منها «شرح التّنبيه» في أربعة وعشرين سفرا، أثابه
الملك الأشرف على إهدائه إليه أربعة وعشرين ألف دينار ببلادهم، يكون
قدرها ببلادنا أربعة آلاف دينار، وله «المعاني الشريفة» و «بغية الناسك
في المناسك» و «خلاصة الخواطر» وغير ذلك.
ولّي قضاء الأقضية بزبيد دهرا.
قال ابن حجر: قال لي الجمال المصري: كان الرّيمي كثير الازدراء
بالنّووي، فرأيت لسانه في مرض موته قد اندلع [1] واسودّ، فجاءت هرة
فخطفته فكان ذلك آية للناظرين. انتهى. توفي في أوائل المحرم، وقيل: في
أول صفر بزبيد قاضيا بها.
وفيها شمس الدّين أبو [2] عبد الله محمد بن سليمان الصّرخدي [3]
الشافعي الإمام العلّامة المصنّف الجامع بين أشتات العلوم.
أخذ [4] العلوم عن مشايخها، وممن أخذ عنه شمس الدّين بن قاضي شهبة،
والعماد الحسباني. وكان أجمع أهل البلد لفنون العلم. أفتى ودرّس، وأشغل
وصنّف، غير أن لسانه كان قاصرا، وقلمه أحسن من لسانه، وكان حظّه من
الدنيا قليلا، لم يحصل له شيء من المناصب، وإنما درّس بالتقوية
والكلّاسة نيابة له، وتصدّر بالجامع، وكان ينصر مذهب الأشعري كثيرا
ويعادي الحنابلة، وصنّف «شرح المختصر» ثلاثة أجزاء، واختصر «إعراب»
السفاقسي. واعترض عليه [5] في مواضع، واختصر «قواعد العلائي» و
«التمهيد» للإسنوي واعترض عليهما في مواضع، واختصر «المهمات» وله غير
ذلك. وكتب الكثير بخطّه
__________
[1] في «ط» : «انزلع» وهو تحريف. واندلع اللسان: خرج. «القاموس المحيط»
(دلع) .
[2] في «آ» : «ابن» وهو تحريف.
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 48) وفيه: «محمد بن عبد الله» ، و «الدّرر
الكامنة» (3/ 449) .
[4] لفظة «أخذ» سقطت من «آ» .
[5] في «ط» : «عليهما» وهو تحريف.
(8/556)
واحترق غالب مصنّفاته في الفتنة قبل
تبييضها. وكان فقيرا ذا عيال.
توفي في ذي القعدة ودفن بباب الصغير بالقرب من معاوية رضي الله تعالى
عنه.
وفيها صدر الدّين محمد بن علاء الدّين علي بن محمد بن محمد بن أبي
العزّ الحنفي الصالحي [1] .
اشتغل قديما، ومهر، ودرّس، وأفتى، وخطب بحسبان مدة، ثم ولي قضاء دمشق
في المحرم سنة تسع وسبعين، ثم ولّي قضاء مصر بعد ابن عمّه، فأقام شهرا،
ثم استعفى ورجع إلى دمشق على وظائفه، ثم بدت منه هفوة فاعتقل بسببها،
وأقام مدة مقترا خاملا إلى أن جاء النّاصري فرفع إليه أمره فأمر بردّ
وظائفه فلم تطل مدته بعد ذلك، وتوفي في ذي القعدة.
وفيها شمس الدّين محمد بن شرف الدّين محمد بن أحمد بن إبراهيم بن فلاح
الإسكندراني [2] ثم الدمشقي.
سمع الحجّار، وحدّث، وكان ينسب إلى غفلة. قاله ابن حجر.
وفيها صلاح الدّين محمد بن محمد بن عمر الأنصاري البلبيسيّ [3] نزيل
مصر.
سمع «صحيح مسلم» على الشريف الموسوي موسى بن علي بن أبي طالب، والعزّ
محمد بن عبد الحميد، وتفرّد عنهما بالسماع، وقد تأخر بعده رفيقه محمد
بن يس لكنه كان حاضرا.
توفي في رمضان عن سبع وثمانين سنة.
وفيها الحافظ شمس الدّين أبو العبّاس محمد بن موسى بن محمد بن
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 50) و «الدّرر الكامنة» (3/ 118) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 50) .
[3] في «آ» و «ط» : «البلقيني» وهو خطأ والتصحيح من «إنباء الغمر» (3/
50) و «الدّرر الكامنة» (4/ 205) .
(8/557)
سند بن تميم، الإمام العالم الحافظ اللّخمي
المصري الأصل الدمشقي الشافعي، المعروف بابن سند [1] .
ولد في ربيع الآخر سنة تسع وعشرين وسبعمائة، وطلب الحديث في حدود
الخمسين، وسمع من جماعة بدمشق ومصر، وقرأ الفقه على شرف الدين بن قاسم
خطيب جامع جرّاح، وقرأ الأصول بالديار المصرية على الجمال الإسنوي،
وأخذ العربية عن التاج المراكشي، وأذن له في إقرائها، وأخذ في القدس عن
الحافظ صلاح الدّين العلائي وأجازه بالفتوى والتدريس، وصحب القاضي تاج
الدّين ولازمه وناب في الحكم عن القاضي سري الدّين المالكي، ثم عن
القاضي ولي الدّين.
ذكره الذهبي في «المعجم المختص» [2] وهو آخر من ذكرهم فيه وفاة.
وقال الحافظ شهاب الدّين بن حجّي: كان من أحسن الناس قراءة للحديث كان
يرجح على كل أحد لحسن فصاحته، وخرّج لنفسه أربعين متباينة المتن
والإسناد، وخرّج لغيره، وتعين في الفنّ. سمعنا بقراءته كثيرا وله
محفوظات في الفقه، والأصول، والعربية، وأجازه بالفتيا ابن كثير،
والقاضي تاج الدّين.
وقال في «إنباء الغمر» : ناب عن بعض القضاة الشافعية، كالتاج السّبكي،
وكان شديد اللزوم له وقارئا لتصانيفه، وناب عنه في مشيخة دار الحديث
الأشرفية وغيرها [3] ، ثم تحول مالكيا فناب عن بعض المالكية، ثم رجع
فناب عن أبي البقاء، ومات شافعيا عاشر صفر بدمشق، ودفن بمقبرة الصوفية
وهو القائل:
الحافظ الفرد إن أحببت رؤيته ... فانظر إليّ تجدني ذاك منفردا
كفى لهذا دليل أنّني رجل ... لولاي أضحى الورى لم يعرفوا سندا
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 51) و «الدّرر الكامنة» (4/ 270) .
[2] لم أقف على ترجمته في المطبوع منه الموجود بين أيدينا.
[3] كذا في «آ» : «وغيرها» وهو موافق لما في «إنباء الغمر» مصدر المؤلف
وفي «ط» :
«وغيرهما» .
(8/558)
وقرأت بخطّ البرهان المحدّث أنه اختلط قبل
موته بسنة بسبب مرض طال به اختلاطا فاحشا.
وقرأت بخط ابن حجي: أنه تغير في أخرة تغيّرا شديدا، ونسي بعض القرآن،
فكان يقال: إن ذلك لكثرة وقيعته في الناس. انتهى ملخصا.
وفيها شرف الدّين يعقوب بن عيسى الأقصرائي ثم الدمشقي [1] .
ولد سنة عشرين، وسمع من الحجار والمزّي وغيرهما. وحدّث وخطب ودرّس،
وناب في الحكم، وكان رجلا خيرا.
مات في ذي الحجة.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 54) .
(8/559)
سنة ثلاث وتسعين
وسبعمائة
فيها توفي أحمد بن زيد التّميمي الفقيه الشافعي [1] أحد المعلّمين في
بلاد المخلاف [2] . سخط عليه الإمام صلاح الدّين بن علي في قضية جرت
له، فأمر بقتله، فحمل المصحف مستجيرا به على رأسه فلم يغن ذلك عنه،
وقتل في تلك الحالة، ثم أصيب الإمام بعد قليل، فقيل كان ذلك سببه.
وفيها ولي الدّين أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن خير المالكي [3] قاضي
القضاة.
قرّر في بعض وظائفه ابنه بعد موته، منها درس الحديث بالشيخونية، ومات
شابا في جمادى الآخرة.
وفيها أحمد بن قطلوبغا العلائي الحلبي [4] .
سمع من إبراهيم بن صالح بن العجمي شيئا من «عشرة الحداد» [5] .
وحدّث.
مات في شعبان وقد جاوز السبعين.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 84) و «الدّرر الكامنة» (1/ 134) .
[2] في «آ» و «ط» : «في بلاد المحلا» والتصحيح من «إنباء الغمر» مصدر
المؤلف، وأراد بذلك «مخلاف صعدة» وانظر «معجم البلدان» (5/ 70) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 85) و «الدّرر الكامنة» (1/ 168) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 86) و «الدّرر الكامنة» (1/ 238) .
[5] انظر «كشف الظنون» (2/ 1141) .
(8/560)
وفيها جلال بن أحمد بن يوسف بن طوع رسلان
الثّيري [1]- بكسر المثلثة وسكون التحتية [2] بعدها راء- الشيخ
العلّامة جلال الدّين التبّاني الحنفي، وقيل:
اسمه رسول.
قدم القاهرة في آخر دولة الناصر، فأقام بمسجد بالتبّانة فغلب عليه
نسبته إليها، وكان يذكر أنه سمع «صحيح البخاري» على علاء الدّين
التركماني، وتلمذ للشيخين جمال الدّين بن هشام، وبهاء الدّين بن عقيل،
فبرع في العربية، وصنف فيها وتفقّه على القوام الأتقاني، والقوام
الكاسي، وانتصب للإفادة مدة وشرح «المنار» ، ونظم في الفقه «منظومة»
وشرحها في أربع مجلدات، وعلّق على البزدوي، واختصر «شرح البخاري»
لمغلطاي، وعلّق على «المشارق» و «التلخيص» ، وصنّف في منع تجدد الجمعة
وفي أن الإيمان يزيد وينقص، وانتهت إليه رئاسة الحنفية وعرض عليه
القضاء مرارا فامتنع وأصرّ على الامتناع.
ومات بالقاهرة في ثالث رجب.
وفيها صلاح بن علي بن محمد بن علي العلويّ الزّيديّ [3] الإمام.
ولي الإمامة بصعدة، وحارب صاحب اليمن مرارا وكاد يتغلّب على المملكة
كلّها، فإنه ملك لحج وأبين، وحاصر عدن وهدم أكثر سورها، وحاصر زبيد
فكاد أن يملكها ورحل عنها، ثم هاداه الأشرف، وصار يهاديه، وكان مهابا
فاضلا عالما عادلا، سقط عن بغلته بسبب نفورها من طائر طار فتعلّل حتّى
مات بعد ثلاثة أشهر في ذي القعدة. قاله ابن حجر.
وفيها عائشة بنت السّيف أبي بكر بن عيسى بن منصور بن قواليج [4]
الدمشقيّة [5] بنت عمّ بدر الدّين بن قواليج.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 87) و «النجوم الزاهرة» (12/ 123) .
[2] في «ط» : «التحتانية» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 89) و «الأعلام» (3/ 207) و «فيه وفاته سنة
849 هـ» .
[4] في «ط» : «قوالج» .
[5] انظر «إنباء الغمر» (3/ 90) و «الدّرر الكامنة» (2/ 236) و «أعلام
النساء» (3/ 126) .
(8/561)
روت عن القاسم بن مظفّر والحجّار، وغيرهما،
وحدّثت، وماتت في شوال.
وفيها عبد الله بن محمد بن محمد بن محمد بن بهرام السّروجي [1] ، حفيد
القاضي شمس الدّين محمد بن بهرام.
قال في «إنباء الغمر» : ولد سنة اثنتي عشرة وسبعمائة. واشتغل وتفقه [2]
، وتعانى الشروط، وصنّف فيه، وولي قضاء عين تاب، وكان حسن الخطّ، قدوة
في فنّه.
وفيها شرف الدّين أبو حاتم عبد القادر بن شمس الدّين أبي عبد الله محمد
الآتي ذكره ابن عبد القادر الجعفري النابلسي الحنبلي [3] قاضي القضاة
العلّامة.
كان من أهل العلم وبيته ورئاسته، تولّى قضاء دمشق في حياة والده، ولمّا
دخل متواليا إليها في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة.
سلّم له الموافق والمخالف في كثرة علومه، وكان في مبدإ أمره يقف الصفان
له في صغره، يتأمّلون حسنه وحسن شكله.
توفي مسموما بدمشق في شهر رمضان ومات سائر من أكل معه، وهو والد القاضي
بدر الدين قاضي نابلس الآتي ذكره أيضا إن شاء الله تعالى، ولما بلغ
والده موته انزعج لذلك كثيرا واختلط عقله، وما زال مختلطا إلى أن مات.
وفيها صدر الدّين عمر بن عبد المحسن بن عبد اللطيف بن رزين [4] .
سمع الدّبوسي، والقطب الحلبي، وغيرهما، وأجاز له الحجّار، وابن
الزرّاد، وطائفة، وحدّث، وناب في الحكم بصلابة ومهابة، ودرّس بأماكن
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 90) .
[2] في «ط» : «وتفقه واشتغل» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 91) و «النجوم الزاهرة» (12/ 125) و
«السّحب الوابلة» ص (235) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 92) و «الدّرر الكامنة» (3/ 173) .
(8/562)
وكان [1] بيده تدريس الحديث بالظّاهرية
البيبرسية وبالفاضلية، واستقرّ فيهما بعده العراقي، وتوفي في المحرم.
وفيها فاطمة بنت عمر بن يحيى المدنيّة [2] ، وتعرف ببنت الأعمى.
أجاز لها الدّشتي، والقاضي، والمطعم، وحدّثت بمصر مدة، وماتت في آخر
السنة.
وفيها فتح الدّين أبو بكر محمد بن إبراهيم بن محمد القاضي، العالم
المتفنّن الأديب الكاتب الفقيه الشافعي النابلسي الأصل ثم الدمشقي،
المعروف بابن الشهيد [3] .
كان كاتب السّرّ بدمشق.
ولد سنة ثمان وعشرين، واشتغل في العلوم، وتفنّن، وفاق أقرانه في النّظم
والنّثر والكتابة.
وولي كتابة السر، ومشيخة الشيوخ في ذي القعدة سنة أربع وستين، فباشر
مدة ثلاث سنين ونصف، ثم عزل ثم أعيد إلى الوظيفتين بعد أشهر، واستمرّ
أكثر من سبع سنين، ثم عزل من كتابة السرّ، وأعيد غير مرّة ومدة ولايته
خمس عشرة سنة وأشهر، ودرّس بالناصرية الجوانية والظّاهرية الجوّانية،
وولاه منطاش الخطابة.
وكان يخطب خطبا فصيحة بليغة لكن لم يكن عليها قبول، وكان بينه وبين
الأمر سيف الدّين نائب الشام عداوة شديدة عند ما يلي نيابة الشام يعزل
المذكور ويصادر ويؤذى، وتارة يختفي، وفي بعض النّوب في اختفائه منه نظم
«السيرة النّبوية» من عدة كتب ثلاث مجلدات في خمسة وعشرين ألف بيت
وسمّاه «الفتح
__________
[1] في «ط» : (وكانت) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 93) و «أعلام النساء» (4/ 89) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 93) و «الدّرر الكامنة» (3/ 296) و «طبقات
ابن قاضي شهبة» (3/ 218) و «معجم المؤلفين» (8/ 218) .
(8/563)
القريب من سيرة الحبيب» وضمّ إلى ذلك فوائد
«الرّوض» [1] مع زيادات وإشكالات تدلّ على طول باعه في العلم، وحدّث
بها بدمشق، وممن سمع ذلك الحافظ شهاب الدّين بن حجّي، وحدّث بها
بالقاهرة أيضا وشرح مجلدة منها في اثنتي عشرة مجلدة، وهو الثلث من
المنظومة.
وكان الشيخ سراج الدّين البلقيني يثني على فضائله.
توفي قتيلا بظاهر القاهرة لقيامه على الظّاهر في شعبان.
قال ابن حجر: لما آل الأمر إلى برقوق حقد عليه فأمر بالقبض عليه- أي من
الشام- فحمل إلى القاهرة مقيّدا وأودع السّجن مع أهل الجرائم، ثم أمر
به فأخرج إلى ظاهر القاهرة فضربت عنقه بالقرب من القلعة وذلك قبل رمضان
بيوم، ودفن إلى جانب أخيه شمس الدّين محمد بن إبراهيم [1] لأنه كان
مقيما بالقاهرة ومات قبل قتل أخيه في هذه السنة.
وإلى جانب أخيه الآخر نجم الدّين محمود بن إبراهيم [2] أخو اللذين
قبله.
تنقّل في البلاد، وولي كتابة السرّ بتنّيس عشرين سنة، ثم قدم [3]
القاهرة، فمات بها بعد أخويه في ذي القعدة، واتّفق أن دفن الثلاثة في
قبر واحد بعد الشتات الطّويل.
وفيها تقي الدّين محمد [بن أحمد] [4] بن عبد الرحمن الدمشقي ابن
الظّاهري [5] .
سمع من الحجّار ومحمد بن محمد بن عرب شاه وتفقه، وتوفي في صفر.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 95) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 95) «وسمّاه محمدا» .
[3] في «آ» : «أقدم» .
[4] ليس ما بين القوسين من «ط» .
[5] انظر «إنباء الغمر» (3/ 95) .
(8/564)
وفيها تقي الدّين محمد بن أحمد بن محمد بن
أحمد بن حاتم المصري [1] ابن إمام جامع ابن الرّفعة.
قال ابن حجر: ولد سنة سبع عشرة، وسمع علي الحجّار، والواني، والدّبوسي
وغيرهم، وكان عالما بالفقه، درّس بالشريفية ودرّس للمحدّثين بقبة
بيبرس، وحدّث، وأفاد، ومات في ذي القعدة.
وفيها فتح الدّين أبو الفتح محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد العسقلاني
[2] المقرئ، إمام جامع طولون.
ولد سنة أربع وسبعمائة، وتلا بالسبع على التّقي الصّائغ، وسمع عليه
«الشاطبية» فكان خاتمة أصحابه بالسماع، وأقرأ الناس بأخرة فتكاثروا
عليه.
مات في المحرم.
وفيها أبو الوليد محمد بن أحمد بن أبي الوليد محمد بن أبي محمد القرطبي
ثم الغرناطي [3] ، نزيل دمشق.
أمّ بالجامع، وكان فاضلا.
توفي في ذي الحجّة.
وفيها بدر الدّين محمد بن أحمد بن محمد بن مزهر الشافعي الدمشقي [4] ،
كاتب السرّ، وليها مرتين قدر عشر سنين [5] ، وكان قد تفقه على ابن قاضي
شهبة، وهو الذي قام معه في تدريس الشّامية البرّانية، ونشأ على طريقة
مثلي، وباشر بعفة ونزاهة.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 96) و «الدّرر الكامنة» (3/ 349) و «تاريخ
ابن قاضي شهبة» (3/ 408- 409) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 96) و «الدّرر الكامنة» (3/ 352) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 97) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 97) و «تاريخ ابن قاضي شهبة» (3/ 410) .
[5] في «ط» : «سنوات» .
(8/565)
وفيها أبو الحسن محمد بن أحمد بن موسى بن
عيسى البطرقي الأنصاري [1] .
سمع من والده كثيرا، وأجاز له أبو جعفر بن الزّين، وقاضي فاس أبو بكر
محمد بن محمد بن عيسى بن منتصر، وتفرّد بذلك، وكان آخر المسندين ببلاد
إفريقية، وكان زاهدا، مقبلا على القراءات والخير.
مات بتونس في ذي القعدة عن تسعين سنة وأشهر.
وفيها محمد بن إسماعيل بن سراج الكفربطناوي [2] .
حدّث بالصحيح عن الحجّار بمصر وغيرها، وكان من فقهاء المدارس بدمشق،
وأذن له ابن النّقيب، وتوفي في إحدى الجمادين ببيسان راجعا من القاهرة.
وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن أحمد بن محمد اليونيني البعلي
الحنبلي، المعروف بابن اليّونانية [3] .
ولد سنة سبع وسبعمائة، وسمع من الحجّار، وتفقه فصار شيخ الحنابلة على
الإطلاق، وسمع الكثير، وتميّز، وولي قضاء بعلبك سنة تسع وثمانين عوضا
عن ابن النّجيب، وسمع عليه ببعلبك القاضي تقي الدّين بن الصّدر قاضي
طرابلس، ولخص «تفسير ابن كثير» في أربع مجلدات وانتفع به.
وتوفي في شوال.
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن يوسف الرّكراكي المالكي [4] .
قال ابن حجر: كان عالما بالأصول والمعقول وينسب لسوء الاعتقاد وسجن
بسبب ذلك ونفي إلى الشام ثم تقدم عند الظاهر وولاه القضاء وسافر معه في
هذه
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 98) وفيه: «البطرني» ، و «الدّرر الكامنة»
(3/ 370) و «تاريخ ابن قاضي شهبة» (3/ 409) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 98) و «الدّرر الكامنة» (4/ 56) و «السّحب
الوابلة» (3/ 4) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 102) و «النجوم الزاهرة» (12/ 124) و
«تاريخ ابن قاضي شهبة» (3/ 413- 414) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 102) و «النجوم الزاهرة» (12/ 124) .
(8/566)
السنة فمات بحمص في رابع شوال ورثاه حجّاج
بن عيسى بقوله:
لهفي على قاضي القضاة محمّد ... إلف العلوم الفارس الرّكراكي
قد كان رأسا في القضا فلأجل ذا ... أسفت عليه عصابة الأتراك
ولما سمع شيخنا سراج الدّين بموته قال: لله درّ عقارب حمص، وكانت هذه
تعدّ من [1] نوادر شيخنا، إلى أن وجد في «ربيع الأبرار» أن أرض حمص [2]
لا تعيش فيها عقارب [2] وإن أدخل فيها عقرب غريبة [3] ماتت من ساعتها.
وفيها مراد بن أورخان ثالث ملوك بني عثمان [4] .
ولي السلطنة بعد موت أبيه سنة إحدى وستين [5] وسبعمائة، وكان شديد
البطش والفتك في الكفّار، وافتتح كثيرا من البلاد منها أدرنة، ولما ضاق
الكفّار به ذرعا أظهر واحد من ملوكهم الطّاعة له، وقدم ليقبّل يده فضرب
السلطان بخنجر كان بيده، فاستشهد رحمه الله تعالى.
وفيها شرف الدّين موسى بن عمر [بن منصور] [6] اللّوبياني الشّامي [7] .
ولد بعد سنة عشرين، وسمع من الحجّار، وكان فقيها نبيها، أذن له ابن
النّقيب في الإفتاء، وكان يدرّس ويفتي ويرتزق من الشهادة.
توفي في ربيع الأول.
__________
[1] رواية «ط» : «في» .
[2] رواية «ط» : «لا يعيش فيها عقرب» .
[3] في «ط» : «غريب» .
[4] انظر «تاريخ الدولة العلية العثمانية» ص (129- 136) بتحقيق الدكتور
إحسان حقي، طبع دار النفائس.
[5] لفظة «وستين» سقطت من «آ» .
[6] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» .
[7] انظر «إنباء الغمر» (3/ 103) .
(8/567)
سنة أربع وتسعين
وسبعمائة
في شعبانها كان الحريق العظيم بدمشق، فاحترقت المئذنة الشرقية وسقطت،
واحترقت الصّاغة والدهشة، وتلف من الأموال ما لا يحصى، وعمل في ذلك تقي
الدّين ابن حجّة الحموي «مقامة» في نحو عشرة أوراق من رائق النثر وفائق
النظم، وهي أعجوبة في فنّها. قاله ابن حجر.
وفيها ثار الغلاء المفرط بدمشق.
وفيها رجع تمرلنك إلى بلاد العراق في جمع عظيم، فملك أصبهان، وكرمان،
وشيراز، وفعل بها الأفاعيل المنكرة، ثم قصد شيراز، فتهيأ منصور شاه
لحربه، فبلغ تمرلنك اختلاف من في سمرقند فرجع إليها فلم يأمن منصور من
ذلك، بل استمرّ على حذره، ثم تحقق رجوع تمرلنك، فأمن، فبغته تمرلنك،
فجمع أمواله وتوجه إلى هرمز، ثم انثنى عزمه، وعزم على لقاء تمرلنك،
فالتقى بعسكره وصبروا صبر الأحرار، لكن الكثرة غلبت الشّجاعة، فقتل
منصور في المعركة ثم استدعى ملوك البلاد فأتوه طائعين، فجمعهم في دعوة
وقتلهم أجمعين.
وفيها توفي ناصر الدّين إبراهيم بن أبي بكر بن عمر بن أبي بكر بن
إسماعيل بن عمر بن بختيار [1] الصالحي، المعروف بابن السلّار [2] .
ولد سنة أربع وسبعمائة، وسمع من عبد الله بن أحمد بن تمّام، وابن
الزرّاد، وست الفقهاء بنت الواسطي، وهو آخر من روى عن الدّمياطي
بالإجازة، وكان له نظم ونباهة ونوادر ومجاميع مشتملة على غرائب
مستحسنة.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «ابن مختار» والتصحيح من مصدري الترجمة.
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 124) و «الدّرر الكامنة» (1/ 21) .
(8/568)
توفي في شعبان عن تسعين سنة، وكان موت
والده سنة ست عشرة وسبعمائة.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن علي الدّنيسريّ بن العطّار القاهري
الشافعي [1] .
ولد سنة ست وأربعين، وقرأ القرآن، واشتغل بالفقه، ثم تولع بالأدب، ونظم
فأكثر، وأجاد المقاطيع في الوقائع، ومدح [2] الأكابر بالقصائد، ونظم
«بديعية» ولم يكن ماهرا في العربية فيوجد في شعره اللّحن، وقد تهاجى هو
وعيسى بن حجّاج، وله «نزهة الناظر في المثل السائر» .
وكان حادّ البادرة، وله ديوان قصائد نبوية نظمها بمكّة، سمّاها «فتوح
مكة» وديوان مدائح في ابن جماعة سمّاه «قطع المناظر بالبرهان الحاضر» و
«الدرر الثمين في التضمين» .
وهو القائل:
أتى بعد الصّبا شيبي وظهري ... رمي بعد اعتدال باعوجاج
كفى أن كان لي بصر حديد ... وقد صارت عيوني من زجاج
توفي في ربيع الآخر.
وفيها عبد الله بن خليل بن عبد الرحمن بن جلال الدّين البسطامي [3]
نزيل بيت المقدس، صاحب الأتباع.
كان للناس فيه اعتقاد كثير، وله زاوية في القدس معروفة، وكان نشأ
ببغداد، وتفقه بمذهب الشافعي، إلى أن أعاد [4] بالنظامية، فاتفق قدوم
الشيخ علاء الدّين العشقي البسطامي فلازمه وانتفع به، وصار من مريديه،
فسلّكه
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 125) و «النجوم الزاهرة» (12/ 128) .
[2] في «ط» : «ومدائح» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 130) و «الدّرر الكامنة» (2/ 259) و
«الدليل الشافي» (1/ 385) .
[4] في «ط» : «عاد» .
(8/569)
وهذّبه، وتوجه معه لزيارة بيت المقدس فطاب
للشيخ المقام بها فأقام وكثر أتباعه، واستمر يتعانى المجاهدات وأنواع
الرياضات إلى أن حضرت شيخه الوفاة، فعهد إليه أن يقوم مقامه، فقام [1]
أتم قيام، ورزقه الله تعالى القبول، وكثرت أتباعه، وكان كثير التواضع،
مهيبا.
توفي بالقدس في المحرم.
وفيها عبد الله بن ظهيرة بن أحمد بن عطية بن ظهيرة المخزومي المكّي
الشافعي [2] ، والد قاضي مكّة وأخو قاضيها.
ولد سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، وسمع من عيسى الحجي، وعيسى بن الملوك،
وغيرهما، وكان ديّنا، خيّرا، له نظم وعبادة.
توفي في ربيع الآخر وحدّث عنه ولده.
وفيها عبد الخالق بن علي بن الحسين بن الفرات المالكي [3] ، موقّع
الحكم. برع في الفقه، وشرح «مختصر الشيخ خليل» وحمل عن الشيخ جمال
الدّين بن هشام، وكتب الخط المنسوب، ودرّس، ووقّع على القضاة راتبة
مرارا، وكان سمع من أبي الفتح الميدومي، وحدّث، وتوفي في جمادى الآخرة.
وفيها فخر الدّين عبد الرحمن بن عبد الرزاق بن إبراهيم بن مكانس الحنفي
[4] ، الكاتب النّاظم النّاثر المشهور.
ولي نظر الدولة مرارا، وتنقل في الولايات، وولي وزارة دمشق أخيرا، ثم
استدعي أخيرا إلى القاهرة ليستقرّ وزيرا بها فاغتيل بالسمّ في الطريق
فدخل القاهرة
__________
[1] لفظة «فقام» سقطت من «آ» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 131) و «الدّرر الكامنة» (2/ 264) و «العقد
الثمين» (5/ 183) و «الدليل الشافي» (1/ 385) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 132) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 132) و «الدّرر الكامنة» (2/ 230) و
«النجوم الزاهرة» (12/ 131) و «الدليل الشافي» (1/ 400) .
(8/570)
ميتا، وكان ماهرا في الكتابة، عارفا بصناعة
الحساب، أعجوبة في الذكاء، له الشعر الفائق والنّظم الرائق.
قال ابن حجر: ما طرق سمعي أحسن من قوله في الرسالة التي كتبها للبشتكي
لما صاد السمكة، وهي الرسالة الطويلة، منها: وقعد لصيد السمك بالمرصاد،
وأطاعه حرف النصر، فكلما تلا لسان البحر نون تلا لسان العزم صاد.
وهو القائل:
علقتها معشوقة خالها ... قد عمّها بالحسن بل خصّصا
ما وصلها [1] الغالي وما جسمها ... لله ما أغلى وما أرخصا
سمعت من لفظه شيئا من الشعر، وكانت بيننا مودة.
قال المقريزي- بعد أن أثنى على أدبه وفضله-: إلّا أنه كان لعراقة آبائه
في النّصرانية يستخف بالإسلام وأهله، ويخرج ذلك في أساليب من سخفه
وهزله، من ذلك أنه سمع المؤذّن يقول: وأشهد أن محمدا رسول الله، فقال:
هذا محضر له ثمانمائة سنة تؤدى فيه الشهادة وما ثبت.
ومات وله عدة بنات نصارى، عامله الله بما يستحقه. انتهى كلام المقريزي.
ومات في خامس عشر ذي الحجّة.
وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن بهاء الدّين عبد الرحمن بن قاضي
القضاة عزّ الدّين محمد بن قاضي القضاة تقي الدّين سليمان بن حمزة
المقدسي الأصل ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي [2] .
حضر على جدّ والده التّقي سليمان وغيره.
__________
[1] في «إنباء الغمر» : «يا وصلها» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 135) و «الدّرر الكامنة» (3/ 60) و «المقصد
الأرشد» (2/ 236) .
(8/571)
قال الشيخ شهاب الدّين [1] بن حجي: سمعت
منه قديما، وكان رجلا حسنا، وقد بقي صدر بيت الشيخ أبي عمر، وكان عنده
كرم وسماحة، كثير الضافية للناس.
توفي ليلة السبت حادي عشري شعبان.
وفيها علاء الدّين علي [بن مجاهد] [2] الجدلي [3] .
اشتغل ببلده، ثم قدم القدس، فلازم التّقي القلقشندي، ثم قدم دمشق،
فاشتغل، وقدم مصر سنة ثمانين، فأخذ عن الضّياء القرمي، وعاد إلى دمشق،
وتصدّر بالجامع، وأشغل الناس، واختصّ بالقاضي سري الدّين، وأضاف إليه
قضاء المجدل، ثم وقع بينهما، فأخذت وظائفه، ثم غرم مالا حتّى استعادها،
وولي مشيخة النّجيبية بأخرة، وسكنها، وكان جيدا متوسطا في الفقه.
توفي في شهر رمضان. قاله ابن حجر.
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن عبد الله الحلبي بن مهاجر الحنفي [4]
.
ولد سنة ثمان وعشرين، وكان فاضلا، ورأس في الحنفية حتّى كان يقصد
للفتوى، ثم ولي كتابة السرّ بحلب مدة، ثم صرف سنة سبع وثمانين، فدخل
القاهرة، وتحوّل، فصار شافعيا، وولي قضاء حماة، ثم حلب، ثم عزل بابن
أبي الرّضي، وكان ذا فضيلة في النّظم والنّثر، خيّرا، مهيبا، حسن
الخطّ، أثنى عليه فتح الدّين بن الشهيد، وتوفي في ربيع الأول.
وفيها بدر الدّين أبو عبد الله محمد بن بهادر بن عبد الله المصري
الزّركشي الشافعي، الإمام العلّامة المصنّف المحرّر [5] .
__________
[1] في «ط» : «الشهاب» .
[2] ما بين القوسين سقط من «آ» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 137) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 138) و «الدّرر الكامنة» (3/ 328) .
[5] انظر «إنباء الغمر» (3/ 138) و «الدّرر الكامنة» (3/ 397) و
«النجوم الزاهرة» (12/ 134)
(8/572)
ولد سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وأخذ عن
الشيخين جمال الدّين الإسنوي، وسراج الدّين البلقيني، ورحل إلى حلب إلى
الشيخ شهاب الدّين الأذرعي، وسمع الحديث بدمشق وغيرها، وكان فقيها،
أصوليا، أديبا، فاضلا في جميع ذلك، ودرّس وأفتى، وولي مشيخة خانقاه
كريم الدّين بالقرافة الصّغرى.
قال البرماوي: كان منقطعا إلى الاشتغال لا يشتغل عنه بشيء، وله أقارب
يكفونه أمر دنياه، ومن تصانيفه «تكملة شرح المنهاج» للإسنوي، ثم أكمله
لنفسه، و «خادم الشرح» و «الروضة» وهو كتاب كبير فيه فوائد جليلة، و
«النكت على البخاري» و «البحر» في الأصول في ثلاثة أجزاء، جمع فيه جمعا
كثيرا لم يسبق إليه، وشرح «جمع الجوامع» للسبكي في مجلدين، و «لقطة
العجلان وبلّة الظمآن» ، وله غير ذلك. وكان خطّه ضعيفا جدا قلّ من يحسن
استخراجه.
توفي بمصر في رجب ودفن بالقرافة الصّغرى بالقرب من تربة بكتمر السّاقي.
وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الحميد بن محمد بن عبد الرحمن بن بركات
اللّخمي، الملقّب بالقاضي ابن الشّيرازي [1] .
ولد في جمادى الأولى سنة سبعمائة، وسمع من جدّته ست الفخر ابنة عبد
الرحمن بن أبي نصر «مشيخة كريمة» بسماعها منها، وتفرّد بذلك، وكان يذكر
أنه سمع «البخاري» من ابن الشّحنة بحضور ابن تيمية، وكان من الرؤساء
المعتبرين، وله مال جزيل وثروة، ووقف متسع، وأنفق ذلك على نفسه ومن
يلوذ به قبل موته، وتوفي في جمادى الآخرة في عشر المائة.
__________
و «الدليل الشافي» (2/ 609) .
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 141) و «الدّرر الكامنة» (3/ 493) .
(8/573)
وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الرحمن بن
محمد بن أحمد بن عمر بن أبي عمر الحنبلي الرّشيد [1] .
سمع القاضي، والمطعم، وابن سعد، وغيرهم. وحدّث وتوفي في شوال عن أربع
وثمانين سنة.
وفيها محمد بن قاسم بن محمد بن مخلوف الصّقلي [2] ، نزيل الحرمين.
كان خيّرا. سمع من الزّيادي، وابن أميلة وغيرهما [3] ، ولازم قراءة
الحديث بمكّة. توفي في شوال.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن إسماعيل بن أمين الدولة الحلبي
الحنفي المرغياني [4] .
ذكره ابن حبيب، وقال: سكن القاهرة، وكان من فضلاء الحنفية، وناب في
الحكم، وولي مشيخة خانقاه طقز دمر بالقرافة، وتوفي في شوال.
وفيها جمال الدّين محمد بن محمد بن النّجيب نصر الله بن إسماعيل
الأنصاري بن النّحاس [5] .
ولد سنة سبع عشرة وسبعمائة سنة موت أبيه، وسمع من ابن الشّيرازي، وابن
عساكر، والحجّار، وغيرهم، وأحضر على والده من مشيخة قريبه العماد ابن
النّحاس، واعتنى به أخوه، فأسمعه الكثير، وخرّج له ابن الشّرائحي
«مشيخة» فمات قبل أن يحدّث بها، وتوفي في شوال.
وفيها بدر الدّين محمد بن نصر الله بن بصاقة الدّمشقي [6] .
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 142) و «الدّرر الكامنة» (4/ 6) و «السحب
الوابلة» ص (383) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 143) و «العقد الثمين» (2/ 257) .
[3] في «ط» : «وغيرهم» .
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 143) .
[5] انظر «إنباء الغمر» (3/ 144) و «الدّرر الكامنة» (4/ 241) .
[6] انظر «إنباء الغمر» (3/ 145) .
(8/574)
سمع على أسماء بنت صصرى، ولازم العنّابي،
وابن هشام، ومهر في العربية، وأحسن الخطّ، وتوفي في رمضان.
وفيها شرف الدّين موسى بن ناصر بن خليفة الباعوني [1] ، أخو القاضي
شهاب الدّين.
قدم دمشق، ونزل بالبادرائية، وقرأ بالسبع على ابن اللّبّان، وسمع من
ابن أميلة وغيره، وطلب بنفسه، وكان أسنّ من أخيه، فأسمع أخاه معه [2]
قليلا، ولما ولي أخوه استنابه، وقرّر له بعض جهات. مات غريبا في رمضان.
وفيها محيي الدّين يحيى بن يوسف بن يعقوب بن يحيى بن زعب [3] الرّحبي
[4] .
ولد سنة خمس عشرة، وسمع «الصحيح» من الحجّار، والمزّي، وحدّث به، وكان
معتنيا بالعلم، وله رئاسة وحشمة، وكان البرهان بن جماعة قد صاهره، فكان
له بذلك جاه كبير، وقد أكثر عن الجزري وغيره، ولازم ابن كثير، وأخذ عنه
فوائد حديثية، وأخذ عن كثير من أصحاب ابن تيميّة، وكان تاجرا، فلما كبر
دفع ماله لولده محمد، وأقبل على الإسماع، وكان يقصد لسماع «الصحيح» وله
به نسخة قد أتقنها، وحجّ مرارا، وأصيب في رجليه بالمفاصل، وتوفي في شهر
ربيع الأول، والله أعلم.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 147) .
[2] في «ط» : «منه» وهو تحريف.
[3] في «إنباء الغمر» : «ابن زعيب» .
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 148) و «الدّرر الكامنة» (4/ 430) .
(8/575)
سنة خمس وتسعين
وسبعمائة
فيها عاث تمرلنك بالعراق، وخرّب بغداد، وتبريز، وشيراز، وغيرها، واتصل
شرر فتنته إلى الشام، ووصل خبر ضرره إلى مصر، فارتاع كلّ قلب لما يحكى
عنه، فإنه أوسع القتل والنّهب والأسر ببغداد وما حولها وما داناها،
وعاد إلى البصرة والحلّة وغيرها، وأكثر النّهب والتعذيب، ثم توجه نحو
الشمال، فوصل إلى ديار بكر، وعضت عليه قلعة تكريت فحاصرها من ذي الحجّة
إلى أن أخذها بالأمان في صفر سنة ست وتسعين.
وفيها في ربيع الآخر حصل بحلب سيل عظيم، فساق جملة كثيرة من الوحوش
والأفاعي، فوجد ثعبان فمه يسع ابن آدم إذا بلعه، وكان طوله أكثر من
سبعة أذرع.
وفيها وقع الفناء بالإسكندرية، فيقال: مات في مدة يسيرة عشرة آلاف.
وفيها كان الطّاعون الشّديد بحلب بلغت عدة الموتى كلّ يوم خمسمائة نفس
وأكثر.
وفيها اجتمع بالقدس أربعة من الرّهبان ودعوا الفقهاء لمناظرتهم، فلما
اجتمعوا جهروا بالسوء من القول، وصرحوا بذمّ الإسلام، فثار الناس عليهم
فأحرقوهم.
وفيها توفي أحمد بن إبراهيم الكتبي الصّالحي الحنفي [1] .
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 168) و «الدّرر الكامنة» (1/ 97) .
(8/576)
كان من فضلاء الحنفية، مشاركا في الفنون،
أفتى وناظر، ولازم أبا البقاء السّبكي مدة، وقرأ عليه «الكشّاف» ، وهو
المشار إليه في كتابة «السجلات» .
توفي في رجب.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن صالح بن أحمد بن الخطّاب بن رقم البقاعي
الدمشقي المعروف بالزّهري [1] ، الفقيه الشافعي.
ولد سنة اثنتين أو ثلاث وعشرين، وأخذ عن النّور الأردبيلي، والفخر
المصري، وابن قاضي شهبة، وأبي البقاء السّبكي، والبهاء الإخميمي، ومهر
في الفقه وغيره، وسمع الحديث من البرزالي وغيره، ودرّس كثيرا، وأفتى،
وتخرّج به البهاء، وناب في الحكم عن البلقيني وغيره، ودرّس بالشامية
والعادلية وغيرهما، وولي إفتاء دار العدل، واستقلّ بالقضاء في ولاية
منطاش وأوذي بسبب ذلك، وكانت مدة ولايته شهرا ونصفا، وعدّ ذلك من زلّات
العقلاء.
قال ابن حجي: كان مشهورا بحلّ «المختصر» في الأصول، و «التمييز» في
الفقه، وله نظم. وكان مشهورا [2] ، له حظ من عبادة، مع حفظ لسانه من
الوقيعة في الناس، مهيبا مقتصدا في معاشه، كثير التّلاوة، وقد انتهت
إليه رئاسة الشافعية بدمشق.
وقال ابن قاضي شهبة: ومن تصانيفه «العمدة» أخذ «التنبيه» وزاده
التصحيح، وشرح «التنبيه» في مجلدات، ومصنفاته ليست على قدر علمه، وكان
شكلا حسنا مهيبا، كأنما خلق للقضاء.
توفي في المحرم ودفن بمقبرة الصّوفية.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن عمر بن هلال الإسكندراني ثم الدمشقي [3] ،
الفقيه المالكي.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 168) و «الدّرر الكامنة» (1/ 140) و «طبقات
ابن قاضي شهبة» (3/ 194) .
[2] لفظة «مشهورا» سقطت من «آ» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 171) و «الدّرر الكامنة» (1/ 232) .
(8/577)
أخذ عن الأصفهاني وغيره، وشرح «ابن الحاجب»
[1] في الفقه، وأخذ عن أبي حيّان وكان حسن الخط والعبارة، ماهرا في
الأصول، فاضلا، إلّا أنه عيب عليه أنه كان يرتشي على الإذن في الإفتاء
ويأذن لمن ليس بأهل، وشاع عنه أنه قال في النزع: قولوا لابن الشّريشي
يلبس ثيابه ويلاقينا إلى الدرس، فمات ابن الشريشي عقب ذلك.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن الضّياء محمد بن إبراهيم بن إسحاق المناوي
[2] الشافعي ابن عمّ القاضي صدر الدّين.
ناب في الحكم، وولي مشيخة الخانقاه الجاولية، ومات في ربيع الأول.
وفيها ولي الدّين أبو حامد أحمد بن الحافظ ناصر الدّين محمد بن علي بن
محمد بن عشاير [3] ، خطيب حلب وابن خطيبها.
أسمعه أبوه الكثير بحلب وغيرها [4] ، ورحل به إلى القاهرة، واشتغل
ومهر، ونظم الشعر، وخطب بعد أبيه مدة، ومات بحلب [5] في ذي الحجّة
بالطّاعون شابا.
وفيها سليمان بن داود بن سليمان المزّي- بالزاي- المعروف بالعاشق [6] .
حضر على ابن الشّيرازي وغيره، وحدّث، وكان كثير الحجّ.
توفي مستهل صفر.
وفيها الحافظ زين الدّين وجمال الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن الشيخ
الإمام المقرئ المحدّث شهاب الدّين أحمد بن الشيخ الإمام المحدّث أبي
أحمد
__________
[1] يعني «مختصر ابن الحاجب» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 172) و «الدّرر الكامنة» (1/ 240) و
«النجوم الزاهرة» (12/ 138) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 172) و «الدّرر الكامنة» (1/ 238) .
[4] في «ط» : «وغيره» .
[5] لفظة «بحلب» سقطت من «ط» .
[6] انظر «إنباء الغمر» (3/ 174) .
(8/578)
رجب عبد الرحمن البغدادي ثم الدمشقي
الحنبلي الشهير بابن رجب [1] لقب جدّه عبد الرحمن، الشيخ الإمام العالم
العلّامة، الزاهد القدوة، البركة، الحافظ، العمدة، الثقة، الحجّة،
الحنبلي المذهب.
قدم من بغداد مع والده إلى دمشق وهو صغير سنة أربع أربعين وسبعمائة،
وأجازه ابن النّقيب، والنّووي [2] ، وسمع بمكّة على الفخر عثمان بن
يوسف، واشتغل بسماع الحديث باعتناء والده، وحدّث عن محمد بن الخبّاز،
وإبراهيم بن داود العطّار، وأبي الحرم محمد بن القلانسي، وسمع بمصر من
صدر الدين أبي الفتح الميدومي، ومن جماعة من أصحاب ابن البخاري، ومن
خلق من رواة الآثار، وكانت مجالس تذكيره للقلوب صارعة وللناس عامة
مباركة نافعة، اجتمعت الفرق عليه، ومالت القلوب بالمحبة إليه، وله
مصنّفات مفيدة، ومؤلّفات عديدة، منها «شرح جامع أبي عيسى الترمذي» و
«شرح أربعين النّواوي» [3] ، وشرع في شرح «البخاري» فوصل إلى الجنائز،
سمّاه «فتح الباري في شرح البخاري» ينقل فيه كثيرا من كلام المتقدمين
[4] ، وكتاب «اللطائف» [5] في الوعظ وأهوال القيامة، و «القواعد
الفقهية» تدل على معرفة
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 175) و «الدّرر الكامنة» (2/ 321) و «الردّ
الوافر» ص (106- 107) و «المقصد الأرشد» (2/ 81- 82) و «تاريخ ابن قاضي
شهبة» (3/ 488- 489) و «الجوهر المنضد» ص (46) .
[2] هو أحمد بن عبد المؤمن السبكي النووي. تقدمت ترجمته في ص (272) من
هذا المجلد.
[3] وقد طبع عدة مرات أفضلها التي صدرت في العام الماضي (1411 هـ) عن
مؤسسة الرسالة ببيروت بتحقيق الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط، والأستاذ
إبراهيم باجس عبد المجيد.
[4] وهو جدير بالنشر على ما به من النقص لاحتوائه على فوائد كثيرة
متنوعة. انظر «كشف الظنون» (1/ 550) و «هدية العارفين» (1/ 527) .
[5] واسمه الكامل «لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف» وقد
طبع قديما في مصر سنة (1343) هـ دون تحقيق، وكنت قد شرعت بتحقيقه قبل
أربع سنوات بالاشتراك مع الأستاذ ياسين محمد السواس، وأفردنا من القسم
الذي أنجزنا تحقيقه منه- وهو في حدود ربعه- كتابا صغيرا سميناه «مجالس
في سيرة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم» تولى مراجعته والحكم على
أحاديثه والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط حفظه الله، ونشرته
دار ابن كثير بدمشق سنة (1408) هـ، ثم تخليت عن مشاركة
(8/579)
تامة بالمذهب [1] ، وتراجم أصحاب مذهبه
رتّبه على الوفيات ذيّل بها على «طبقات ابن أبي يعلى» [2] . وله غير
ذلك من المصنّفات.
وكان لا يعرف شيئا من أمور الناس ولا يتردد إلى أحد من ذوي الولايات،
وكان يسكن بالمدرسة السّكرية بالقصّاعين.
قال ابن حجي: أتقن الفنّ- أي فنّ الحديث- وصار أعرف أهل عصره بالعلل،
وتتبع الطرق، وتخرّج به غالب أصحابنا الحنابلة بدمشق.
توفي- رحمه الله- ليلة الاثنين رابع شهر رمضان بأرض الخميرية ببستان
كان استأجره وصلّي عليه من الغد، ودفن بالباب الصغير جوار قبر الشيخ
الفقيه أبي الفرج عبد الواحد بن محمد الشّيرازي ثم المقدسي الدمشقي
المتوفى في ذي الحجّة سنة ست وثمانين وأربعمائة.
قال ابن ناصر الدّين [3] : ولقد حدّثني من حفر لحد ابن رجب أن الشيخ
زين الدّين ابن رجب جاءه قبل أن يموت بأيام، قال [4] : فقال لي: احفر
لي هاهنا لحدا، وأشار إلى البقعة التي دفن فيها، قال: فحفرت له، فلما
فرغ نزل في القبر واضطجع فيه فأعجبه، وقال: هذا جيد، ثم خرج.
قال: فو الله ما شعرت بعد أيام إلّا وقد أتي به ميتا محمولا في نعشه
فوضعته في ذلك اللّحد.
وفيها زين الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن بن أبي
عمر المقدسي الحنبلي [5] الإمام المفتي الزّاهد.
__________
الأستاذ السواس في تحقيق «اللطائف» لأمر لا مجال لذكره هنا، غفر الله
لي وله ولسائر المسلمين وألهمنا العمل بما يرضيه على النحو الذي يرضيه.
[1] وهو مطبوع طبعة جيدة في مصر منذ سنوات طويلة.
[2] واسمه «الذيل على طبقات الحنابلة» وهو مطبوع طبعة قديمة في مصر
بعناية الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله تعالى.
[3] انظر «الردّ الوافر» ص (107) .
[4] لفظة «قال» سقطت من «ط» .
[5] انظر «الدّرر الكامنة» (2/ 336) و «السّحب الوابلة» ص (209) .
(8/580)
سمع من إسماعيل بن الفرّاء وغيره، وحدّث،
وكان فاضلا، متعبدا.
توفي في ثامن المحرم.
وفيها عبد الرحيم بن أحمد بن عثمان بن إبراهيم بن الفصيح الهمداني
الأصل ثم الكوفي ثم الدمشقي الحنفي [1] .
قدم أبوه وعمّه دمشق، فأقام بها، وأسمع أحمد [2] أولاده من شيوخ العصر
بعد الأربعين، وقدم عبد الرحيم هذا القاهرة في هذه السنة، فحدّث عن أبي
عمرو بن المرابط ب «السنن الكبرى» للنسائي بسماعه منه في «ثبت» كان
معه، وحدّث عن محمد بن إسماعيل بن الخبّاز ب «مسند الإمام أحمد» كلّه،
واعتماده على «ثبته» أيضا.
قال ابن حجر: وسمع منه غالب أصحابنا، ثم رجع إلى دمشق فمات بها في شوال
هذه السنة، وهو والد صاحبنا شهاب الدّين بن الفصيح. انتهى.
وفيها علي بن أيدغدي التركي الأصل الدمشقي الحنبلي البعلي [3] .
كان يلقب حنبل. سمع الكثير، وطلب بنفسه، وجمع «معجم شيوخه» وترجم لهم.
قال ابن حجي: علّقت من «معجمه» تراجم وفوائد. قال: ولا يعتمد على نقله.
مات في رجب.
وفيها علاء الدّين علي بن محمد بن عبد المعطي بن سالم، المعروف بابن
السّبع [4]- بفتح المهملة وسكون الموحدة وبالعين المهملة-.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 177) و «الدّرر الكامنة» (2/ 353) وفيه:
«عبد الرحيم بن أحمد بن علي» .
[2] في «آ» : «أحد» وما جاء في «ط» موافق لما في «إنباء الغمر» مصدر
المؤلّف.
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 177) و «السحب الوابلة» ص (292) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 178) و «الدّرر الكامنة» (3/ 111) .
(8/581)
قال ابن حجر: حضر بعض «البخاري» على وزيره،
والحجّار، وسمع من يحيى بن فضل الله، والقاضي، ومحمد بن غالي، وغيرهم،
وكان ممن يخشى لسانه، وكان أبوه قاضي المدينة.
مات هو في رمضان وقد اختلط عقله. انتهى.
وفيها علاء الدّين علي بن محمود بن علي بن محمود بن علي بن محمود-
ثلاثة على نسق- ابن العطّار الحرّاني [1] ، سبط الشيخ زين الدّين
الباريني.
ولد بعد الستين وسبعمائة، وتفقه للشافعي بالشيخ أبي البركات الأنصاري
وغيره، وبرع في النحو والفرائض، وتصدى لنفع الناس، وتصدر بأماكن، وكانت
دروسه فائقة، وكان يتوقّد ذكاء.
ذكر القاضي علاء الدّين في «تاريخ حلب» أنه حفظ ربع «ألفية العراقي» في
يوم واحد ولو عمّر لفاق الأقران، لكن مات عن نيف وثلاثين سنة في شهر
رمضان.
وفيها علاء الدّين علي بن محمد بن عبد الرحيم الأفقهسي المقبري [2] .
قدم من بلده سنة إحدى وثلاثين، وهو كبير، فاشتغل، وأخذ عن ابن عدلان،
والكمال النسائي، وغيرهما. ومهر في الفقه، وشارك في غيره، وكان ديّنا،
مع فكاهة فيه، ودرّس بأماكن بالقاهرة، وأفاد، وولي مشيخة خانقاه بشتك،
وناب في الحكم، وتوفي في شوال، وانتفع به جمع كثير.
وفيها محبّ الدّين أبو البركات محمد بن أحمد بن الرّضي إبراهيم بن محمد
بن أبي بكر الطّبري المكّي [3] .
قال ابن حجر: ولد سنة بضع وعشرين، وسمع من عيسى الحجي، وطائفة من
الوادي آشي، والأمين الأقشهري، وأجاز له الحجّار وآخرون، ومات في ذي
القعدة.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 179) و «الدّرر الكامنة» (3/ 126) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 179) و «النجوم الزاهرة» (12/ 138) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 182) و «الدّرر الكامنة» (3/ 306) .
(8/582)
اجتمعت به وصلّيت خلفه مرارا، وكان أعرج
لأنه سقط فانكسرت رجله، وباشر العقود، وعمّر بعده أخوه أبو اليمن دهرا.
انتهى.
وفيها صلاح الدّين أبو عبد الله محمد بن محمد بن سالم بن عبد الرحمن
ابن الأعمى الحنبلي [1] ، الشيخ الإمام العالم الجيلي ثم المصري.
اشتغل وحصّل وأشغل، وأعاد ودرّس، وأفتى، ودرّس بالظّاهرية الجديدة،
وبمدرسة السلطان حسن.
وتوفي بالقاهرة ليلة الأربعاء سادس ربيع الأول ودفن من الغد بحوش
الصّوفية.
وفيها أمين الدّين محمد بن محمد بن أحمد بن علي بن أحمد الدمشقي الحنفي
الآدمي [2] .
ولد سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، وأخذ عن زوج ابنته الفخر بن الفصيح،
وسمع من ابن الخبّاز، وابن تبّع [3] وغيرهما، وعني بالعربية، وأخذ عن
الصّلاح الصّفدي وغيره، وكانت له وجاهة بدمشق، وباشر بها أماكن، وهو
والد القاضي صدر الدّين.
قال ابن حجي: لم يكن محمودا بالنسبة إلى الوقيعة في الناس، ومع ذلك
فكان أحد أوصياء تاج الدّين السّبكي، ثم صار من أخصاء البرهان بن
جماعة، ودرّس بالإينالية، وحصل دنيا واسعة وأموالا جمّة، وعرض عليه بعض
الحكّام نيابته [4] فلم يقبل.
وتوفي في جمادى الأولى فجأة.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 185) و «النجوم الزاهرة» (12/ 138) و
«المقصد الأرشد» (2/ 512) و «الجوهر المنضد» ص (125) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 183) .
[3] تحرفت في «ط» إلى «سبع» .
[4] في «ط» : «نيابة» .
(8/583)
وفيها جمال الدّين محمد بن يحيى بن سليمان
السّكوني المغربي المالكي [1] .
قال في «إنباء الغمر» : كان عارفا بالمعقولات إلّا أنه طائش العقل، ولي
قضاء حماة وطرابلس. فلم يحمد، ثم ولي قضاء دمشق شهرين بعد غلبة
الظّاهر، فبدا منه طيش أهين بسببه، وذلك أنه تصدّى لأذى الكبار وتغريم
بعضهم، فكوتب فيه السلطان، وعرّفوه ثبوت فسقه، فقدم مصر، ثم نفي إلى
الرّملة فمات بها في أوائل هذه السنة.
وقال ابن حجي: كان كثير الدّعوي، ولما عزل عن القضاء وقف للسلطان بمصر
وشكا من غرمائه، فقال له: أنا ما عزلتك هم حكموا بعزلك، فأخذ يعرّض
ببعض الأكابر، فعملوا عليه حتّى أخرجوه.
وفيها شرف الدّين أبو البقاء محمود بن العلّامة جمال الدّين محمد بن
الإمام كمال الدّين أحمد بن محمد بن أحمد المعروف بابن الشريشي [2]
الشافعي، العلّامة الورع، بقية السّلف، مفتي المسلمين وأقدم المدرسين
وأقضى القضاة، البكري الوائلي.
ولد سنة تسع وعشرين وسبعمائة بحمص، وأخذ العلم عن والده، والشيخ شمس
الدّين بن قاضي شهبة، وأضرابهما، وقرأ في الأصول والنحو والمعاني
والبيان، وشارك في ذلك كلّه [3] ، مشاركة قوية، ونشأ في عبادة وتقشف
وسكون وأدب وانجماع عن الناس، ودرس بالبادرائية، نزل بها والده عنها،
واستمرّ يدرّس بها إلى حين وفاته من سنة خمسين، وناب للقاضي تاج الدّين
في آخر عمره فمن بعده، ولازم الاشتغال والإفتاء، واشتهر بذلك، وصار هو
المقصود بالفتاوى من سائر الجهات، وكان يكتب على الفتاوى كتابة حسنة.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 186) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 186) و «الدّرر الكامنة» (4/ 334) و «طبقات
الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 248) .
[3] لفظة «كلّه» سقطت من «آ» .
(8/584)
وقال الشيخ زين الدّين القرشي: يقبح علينا
أن نفتي مع وجود ابن الشّريشي، وتخرّج به خلق كثير، وكتب بخطّه أشياء
كثيرة، وكان محببا إلى الناس، كلّه خير، ليس فيه شيء من الشرّ، وانتهت
إليه وإلى رفيقه الشيخ شهاب الدّين الزّهري رئاسة الشافعية، وكان
مباركا له في رزقه، ليس له سوى البادرائية وتصدير على الجامع، ولا يزال
[1] يضيف الطلبة ويحسن إليهم ويكثر الحجّ.
وقال ابن قاضي شهبة في «طبقاته» : لم أر في مشايخي أحسن من طريقته، ولا
أجمع لخصال الخير منه، وكان يلعب بالشطرنج، وكان رأسا فيه.
توفي في صفر ودفن بتربتهم بالصالحية مقابل الجامع الأفرم بالسفح.
وفيها موسى بن أحمد بن منصور العبدوسي المالكي [2] .
كان عالما، صالحا، عابدا، على طريقة السّلف.
نزل دمشق، وعيّن للقضاء فامتنع، ودرّس وأفاد، ثم تحوّل إلى القدس، وله
أسئلة مفيدة واعتراضات واستنباطات حسنة.
توفي ببلد الخليل- صلوات الله عليه- بزاوية الشيخ عمر المجرّد [3] في
أحد الجمادين.
وفيها ناصر الدّين أبو الفتح نصر الله بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح بن
هاشم بن نصر الله بن أحمد الكناني العسقلاني ثم المصري [4] الشيخ
الإمام علّامة الزّمان، قاضي قضاة الحنابلة بنابلس.
ولد سنة ثماني عشرة وسبعمائة، وسمع من الميدومي وجماعة، واشتغل
__________
[1] كذا في «آ» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة مصدر المؤلف: «ولا
يزال» وفي «ط» : «ولا زال» وهو أصوب وأوجه.
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 189) .
[3] في «ط» : «المجود» وما جاء في «آ» موافق لما في «إنباء الغمر» مصدر
المؤلف.
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 189) و «الدّرر الكامنة» (4/ 390) و
«النجوم الزاهرة» (12/ 137) و «المقصد الأرشد» (3/ 60) و «الجوهر
المنضد» ص (169) .
(8/585)
في العلوم، وتفنّن، وأفتى، ودرّس، وناب في
القضاء عن حموه قاضي القضاة موفق الدّين مدة طويلة، ثم استقلّ بالقضاء
بعد وفاته سنة تسع وستين، وكانت مباشرته للقضاء نيابة واستقلالا ما
يزيد على ست وأربعين سنة، وكان من القضاة العدول، مثابرا على التهجد
بالليل، ودرّس بالشيخونية، وحدّث.
قال ابن حجر: كان دينا [1] ، عفيفا، مصونا، صارما، مهيبا، محبا في
الطّاعة والعبادة. وحدّث ودرّس وأفاد، وأجاز لي بعد أن قرأت عليه شيئا.
انتهى.
توفي ليلة الأربعاء حادي عشري شعبان بالقاهرة ودفن عند حموه قاضي
القضاة موفق الدّين خارج باب النصر، وحضر جنازته نائب السلطنة سودون
والحجّاب والقضاة والأعيان، وغيرهم.
وفيها أبو تاشفين بن أبي حمو موسى يوسف [2] التّلمساني [3] آخر بني عبد
الواد.
خرج على أبيه وحاربه، وجرت له معه خطوب وحروب، إلى أن قتل أبوه في محرم
سنة اثنتين وتسعين، وأسر أخوه أبو عمر فقتله [4] هو، وملك تلمسان، وصار
[5] يخطب لصاحب فاس لكونه نصره على أبيه ويقوم له كل سنة بمال، إلى أن
قام أبو زبّان بن أبي حمو، فجمع جموعا، ونزل على تلمسان فحصرها، فكاده
أخوه، وفرّق جمعه، ووفد على صاحب فاس فجهّز معه عسكرا، فمات أبو تاشفين
صاحب الترجمة في شهر رمضان، فأقام وزيره أحمد بن العزّ ولده، فسار
إليهم يوسف بن أبي حمو فقتل الصّبي والوزير، فخرج صاحب فاس إلى تلمسان
__________
[1] لفظة «ديّنا» سقطت من «آ» .
[2] في «آ» و «ط» : «أبو تاشفين موسى بن أبي حمد يوسف» وأثبت ما في
«إنباء الغمر» مصدر المؤلف.
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 192- 193) .
[4] في «ط» : «فقتل» .
[5] في «ط» : «فصار» .
(8/586)
فملكها، وانقضت دولة بني عبد الواد
بتلمسان، وصارت لصاحب فاس، والله تعالى أعلم.
وفيها أمّة الرحيم، ويقال أمة العزيز بنت الحافظ صلاح الدّين العلائي
[1] .
أسمعها [أبوها] من الحجّار وغيره، وحدّثت، وتوفيت في رابع شوال.
وكذلك أسماء أختها [2] ، وماتت في العشرين منه.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 193) وما بين الحاصرتين زيادة يقتضيها
السياق.
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 193) .
(8/587)
|