شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة ست وتسعين
وسبعمائة
في أولها سار تمرلنك بنفسه وعساكره إلى تكريت فحاصرها في بقية المحرم
كلّه ودخلها عنوة في آخر الشهر فقتل صاحبها، وبنى من رؤوس القتلى
مأذنتين [1] وثلاث قباب، وخرّب [2] البلد، واستولى على قلعتها، وهدم
على أميرها دارا بعد أن نزل إليه بالأمان فمات تحت الرّدم، ثم أثخن في
قتل الرجال وأسر النساء والأطفال.
ثم نازل الموصل فصالحه صاحبها وسار في خدمته.
ثم نزل رأس العين فملكها.
ونازل الرّها فأخذها بغير قتال، ووقع النّهب والأسر، وانتهى ذلك في آخر
صفر، واتفق هجوم الثلج والبرد، ولما بلغ ذلك صاحب الحصن جمع خواصه وما
عنده من التّحف والذخائر، وقصد تمرلنك ليدخل في طاعته فقبل هديته وأكرم
ملتقاه، ورعى له كونه راسله قبل جميع تلك البلاد، ثم خلع عليه وأذن له
في الرجوع إلى بلاده.
ثم سار إلى ماردين وتملّك [3] البلاد بأسرها، فاستولى على بلاد الجزيرة
والموصل، وسار فيهم سيرة واحدة من القتل والسّبي، والأسر، والنّهب،
والتعذيب.
__________
[1] في «ط» : «مأذنتين» وفي «إنباء الغمر» مصدر المؤلف: «منارتين» .
[2] في «ط» : «وضرب» .
[3] في «ط» : «وتلك» .
(8/588)
ثم أقام على نصيبين في شدة الشتاء، فلما
أتى الرّبيع نازل ماردين [1] في جمادى الآخرة، وبنى قدامها جوسقا
يحاصرها منه ففتحها عن قرب وقتل ما لا يحصى، ثم توجه إلى خلاط ففعل بها
نحو ذلك، ثم رجع عن [2] البلاد الشامية إلى تبريز لما بلغه أن طقتمش
خان صاحب بلاد الدّشت والسراي وغيرهما، مشى على بلاده فصنع في بلاد
الكرج عادته في غيرها من البلاد ثم رجع إلى تبريز فأقام بها قليلا.
ثم توجه إلى قتال صاحب السراي وغيرها، وكان طقتمش خان قد استعدّ لحربه،
فالتقيا جميعا، ودام القتال، فكانت الهزيمة على القفجاق والسّراي
فانهزموا وتبعهم إلى أن ألجأهم إلى داخل بلادهم.
وأرسل اللّنك صاحب سيواس القاضي برهان الدّين أحمد يستدعي منه طاعته
فلم يجبه، وأرسل نسخة كتابه إلى الظّاهر صاحب مصر، وإلى أبي يزيد ملك
الرّوم.
وفيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن عبد الله بن عمر الصّنهاجي المالكي
القاضي [3] .
ولد سنة سبع عشرة، وسمع من الوادياشي وغيره، وتفقه بدمشق على القاضي
بدر الدّين الغماري المالكي، وتزوج بنته بعده، وكان يحفظ «الموطأ» وولي
قضاء دمشق غير مرّة أولها سنة ثلاث وثمانين، فلما جاءه التوقيع لم
يقبل، وصمّم على عدم المباشرة، وامتنع من لبس الخلعة فولّي غيره، ثم
ولّي في ربيع الأول سنة ثمان وثمانين فامتنع أيضا، فلم يزالوا به حتّى
قبل، فباشر ثلاث سنين، ثم صرف، ومات في ربيع الآخر فجأة بعد أن خرج من
الحمّام وقد ناهز الثمانين، وهو صحيح النّقيبة، حسن الوجه واللّحية.
وفيها السلطان أبو العبّاس أحمد بن إبراهيم بن علي بن عثمان بن
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى «مارقين» .
[2] في «ط» : «إلى» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 218) و «الدّرر الكامنة» (1/ 30) .
(8/589)
يعقوب بن عبد الحقّ المريني صاحب فاس، لقبه
المستنصر بالله أمير المسلمين [1] .
تملّك فاس في شوال سنة ثمان وثمانين، وملك طنجة وغيرها من بلاد المغرب.
توفي في المحرم وقام بعده ابنه أبو فارس ولم تطل مدته.
وفيها أبو السّباع وأبو العبّاس أحمد بن محمد بن أبي بكر بن يحيى بن
إبراهيم بن يحيى بن عبد الواحد بن أبي جعفر الحفصي [2] الهنتاتي [3]-
بفتح الهاء، وسكون النون، بعدها مثناة فوقية، وبعد الألف مثناة أخرى،
نسبة إلى هنتاتة قبيلة من البربر بالمغرب- صاحب تونس وإفريقية وغيرهما.
كان يقال له أبو السّباع.
ولي المملكة في ربيع الأول من سنة اثنتين وسبعين، وكل من ذكر [4] في
عمود نسبه ولي السلطنة إلّا أباه وجدّ أبيه.
توفي في شعبان واستقرّ بعده ولده عبد العزيز.
وفيها أحمد بن يعقوب الغماري [5] ، المالكي.
كان فاضلا في مذهبه، درّس وأفتى، وولي قضاء حماة، ثم صرف، فأقام بدمشق
إلى أن مات في ذي القعدة عن نحو من ستين سنة.
وفيها تقي الدّين أبو بكر بن محمد بن الزكي عبد الرحمن المزّي ابن أخي
الحافظ جمال الدّين [6] .
سمع الحجّار، والمزّي، وغيرهما. وحدّث.
وتوفي في المحرم عن خمس وسبعين سنة.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 219) و «الدّرر الكامنة» (1/ 30) و «النجوم
الزاهرة» (12/ 142) و «الدليل الشافي» (1/ 36) .
[2] تحرفت في «ط» إلى «الجعفي» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 223) و «الدّرر الكامنة» (1/ 257) و
«النجوم الزاهرة» (12/ 143) .
[4] لفظة «ذكر» سقطت من «ط» .
[5] انظر «إنباء الغمر» (3/ 224) و «الدّرر الكامنة» (1/ 338) .
[6] انظر «إنباء الغمر» (3/ 224) و «الدّرر الكامنة» (1/ 338) .
(8/590)
وفيها علاء الدّين علي بن نجم الدّين بن
عبد الواحد بن شرف الدّين محمد بن صغير [1] ، رئيس الأطباء بالديار
المصرية.
قال ابن حجر: كان فاضلا، مفنّنا، انتهت إليه المعرفة، وكان ذا حدس صائب
جدا، يحفظ عنه المصريون أشياء كثيرة، وكان حسن الصورة، بهي الشكل، جميل
الشّيبة، أخذ عنه شيخنا ابن جماعة، وكان يثني على فضائله، اجتمعت به
مرارا، وسمعت فوائده، وكان له مال قدر خمسة آلاف دينار قد أفرده للقرض،
فكان يقرض من يحتاج من غير استفضال، بل ابتغاء الثواب.
قرأت بخط الشيخ تقي الدّين المقريزي: كان يصف الدواء للموسر بأربعين
ألفا [2] ويصف الدواء في ذلك الداء بعينه للمعسر بفلس. قال: وكنت عنده،
فدخل عليه شيخ شكا ما به من السّعال، فقال: لعلك تنام بغير سراويل؟
قال: أي والله، قال: لا تفعل، نم بسراويلك، فمضى فصدفت ذلك الشيخ بعد
أيام فسألته عن حاله، فقال: عملت بما قال فبرئت.
قال: وكان لنا جار حدث لابنه رعاف [3] حتّى أفرط، فانحلت قوى الصغير،
فقال له شرّط آذانه [4] فتعجب وتوقف، فقال: توكل على الله وافعل. قال:
ففعل ذلك فبرئ، وله من هذا النمط أشياء عجيبة.
مات بحلب في ذي الحجّة ثم نقلته ابنته إلى مصر فدفنته بتربتهم.
وفيها أبو الفتح محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد
بن علي الحسني [5] الفاسي ثم المكي المالكي، سبط الخطيب بهاء الدّين
محمد بن التّقي عبد الله بن المحبّ الطبري [6] .
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 228) و «الدّرر الكامنة» (3/ 79) و «النجوم
الزاهرة» (12/ 140) و «الدليل الشافي» (1/ 462) .
[2] كذا في «ط» و «إنباء الغمر» : «بأربعين ألفا» وفي «آ» : «بأربعين
فلسا» .
[3] الرّعاف: سيلان الدم من الأنف. انظر «معجم الوسيط» (1/ 367) .
[4] في «إنباء الغمر» : «أذنيه» وانظر التعليق عليه.
[5] تحرفت في «ط» إلى «الحببي» .
[6] انظر «إنباء الغمر» (3/ 229) و «العقد الثمين» (1/ 383) .
(8/591)
ولد بمكة في ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين،
وسمع بها على عثمان بن الصّفي أحمد بن محمد الطّبري وغيره، وبالمدينة
على الزّين بن علي [1] الأسواني، والجمال الطّبري وغيرهما، وأجاز له
جماعة من مصر والشام، وحدّث، وتوفي بمكة المشرّفة في خامس صفر.
وفيها محمد بن علي بن سالم الفرغاني [2] أحد شهود الحكم بدمشق.
اشتغل بالقراءات، وتلا بالسبع على اللبّان، وأقرأ. وتوفي في ذي الحجّة.
وفيها ناصر الدّين محمد بن محمد بن داود بن حمزة [3] .
ولد سنة ثمان وسبعمائة، وسمع على عمّ أبيه التّقي سليمان وغيره، وأجاز
له الكمال إسحاق النحّاس، وأولاد ابن العجمي الثلاثة، وتفرّد بالرواية
عنهم، وتوفي في رجب.
وفيها تاج الدّين محمد بن محمد المليحي، المعروف بصائم الدّهر [4] .
ولي نظر الأحباس والجوالي والحسبة، وخطب بمدرسة السلطان حسن بالقاهرة،
وكان ساكنا، قليل الكلام، جميل السيرة.
توفي في صفر.
وفيها أمين الدّين يحيى بن محمد بن علي الكناني العسقلاني الحنبلي [5]
.
قال ابن حجر: عمّ شيخنا عبد الله بن علاء الدّين.
سمع الميدومي وغيره، وحدّث، رأيته ولم يتفق لي أن أسمع منه.
__________
[1] لفظة «علي» سقطت من «ط» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 231) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 233) و «الدّرر الكامنة» (4/ 176) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 234) و «النجوم الزاهرة» (12/ 141) وفيه
«المليجي» بالجيم، و «الدليل الشافي» (2/ 701) .
[5] انظر «إنباء الغمر» (3/ 237) .
(8/592)
سنة سبع وتسعين
وسبعمائة
فيها كانت الوقعة بين تمرلنك وبين طقتمش خان، فدام القتال ثلاثة أيام،
ثم انكسر طقتمش خان، ودخل بلاد الروس، واستولى تمرلنك على القرم، وحاصر
بلد كافا ثمانية عشر يوما ثم استباحها وخرّبها.
وفيها توفي أبو محمد إبراهيم بن داود الآمدي ثم الدمشقي [1] ، نزيل
القاهرة.
قال ابن حجر في «إنباء الغمر بأنباء الغمر» : أسلم على يد الشيخ تقي
الدّين بن تيميّة وهو دون البلوغ، وصحبه إلى أن مات، وأخذ عن أصحابه،
ثم قدم القاهرة فسمع بطلبه بنفسه من الحسن الإربلي، وابن السرّاج
الكاتب، وإبراهيم بن الخيمي، وأبي الفتح الميدومي ونحوهم، وكان شافعي
الفروع، حنبلي الأصول، ديّنا، خيّرا، متألها. قرأت عليه عدة أجزاء،
وأجازني قبل ذلك. قلت له يوما: رضي الله عنكم وعن والديكم، فنظر إليّ
منكرا ثم قال: ما كان على الإسلام. انتهى.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن علي بن عثمان الفيشي المصري الضّرير المقرئ
[2] .
أخذ القراءات عن الشيخ تقي الدّين البغدادي وغيره، وتوفي في صفر.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 254) و «الدّرر الكامنة» (1/ 25) و «النجوم
الزاهرة» (12/ 143) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 257) و «الدّرر الكامنة» (1/ 217) .
(8/593)
وفيها أبو بكر بن عبد البرّ بن محمد
الموصلي الشافعي [1] .
قال في «ذيل الإعلام» : الشيخ الإمام القدوة الزّاهد العابد الخاشع
العالم النّاسك الرّبّاني بقية مشايخ علمه الصّوفية وجنيد الوقت.
كان في ابتداء أمره حين قدم من الموصل وهو شاب يتعانى الحياكة، وأقام
بالقبيبات عند منزله المعروف زمانا طويلا على هذه الحال، وفي أثناء ذلك
يشتغل بالعلم، ويسلك طريق الصّوفية والنّظر في كلامهم، ولازم الشيخ قطب
الدّين مدة، واجتمع بغيره، وكان يطالع أيضا كتب الحديث، ويحفظ جملة من
الأحاديث ويعزوها إلى رواتها، وله إلمام جيد بالفقه، وكلام الفقهاء،
فاشتهر أمره، وصار له أتباع، وكان شعاره إرخاء عذبة خلف الظّهر، ثم علا
ذكره وبعد صيته، وصار يتردد إليه نوّاب الشام ويمتثلون أوامره، وسافر
بأخرة إلى مصر مستخفيا، وحجّ غير مرّة، ثم عظم قدره عند السلطان، وكان
يكاتبه بما فيه نفع للمسلمين، ثم إن السلطان عام أول اجتمع به في منزله
وصعد إلى علّية كان فيها، وأعطاه مالا فلم يقبله، وكان إذ ذاك بالقدس
الشريف.
وقال في «إنباء الغمر» : وكان يشغل في «التنبيه» و «منازل السائرين»
وكان ولده عبد الملك يذكر عنه أنه قال: كنت في المكتب ابن سبع سنين
فربما لقيت فلسا أو درهما فأنظر أقرب دار فأعطيهم إيّاه وأقول: لقيته
قريب داركم.
توفي بالقدس في شوال وقد جاوز الستين.
وفيها سعيد بن عمر بن علي الشريف البعلي الحنبلي [2] .
قال ابن حجر: كان من قدماء الفقهاء بدمشق، أفاد ودرّس، وأفتى وحدّث.
مات في المحرم عن نيف وستين سنة.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 259) وفيه «ابن عبد الله» و «الدّرر
الكامنة» (1/ 449) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 262) وفيه: «سعيد بن نصر» .
(8/594)
وفيه عبد الرحمن بن عبد الله بن أسعد
اليافعي الشافعي المكي [1] ، ولد الشيخ عفيف الدّين.
اشتغل بفنون من العلم، وحفظ «الحاوي» وكانت تعتريه حدّة، وفيه صلاح،
وله شعر منه قوله:
ألا إن مرآة الشّهود إذا انجلت ... أرتك تلاشي الصدّ والبعد والقرب
وصانت فؤاد الصّبّ عن ألم الأسى ... وعن ذلّة الشكوى وعن منّة الكتب
وله سماع من أبيه، وبالشام من ابن أميلة، وبمصر من البهاء بن خليل،
ولزم السياحة، والتجريد، فمات غريقا بالرّحبة بين الشام والعراق، وله
ست وأربعون سنة.
وفيها عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي الخير الشّماخي- بفتح المعجمة،
وفي آخره خاء معجمة، نسبة إلى الشّماخ جدّ- الزّبيدي [2] ، محدّث زبيد.
أخذ عنه عفيف الدّين العلوي وغيره، وتوفي في شعبان.
وفيها نور الدّين عبد الرحمن بن أفضل الدّين محمد بن عبد الرحمن بن
محمد الإسفراييني الصّوفي الحنفي [3] .
ولد سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة، وكان عارفا بالفقه والتصوف، وله أتباع
ومريدون، وقد حدّث ب «المشارق» [4] ، عن عمر بن علي القزويني، عن محمد
بن عراك الواسطي، عن الصّغّاني إجازة.
وهو القائل:
زعم الّذين تشرّقوا وتغرّبوا ... أنّ الغريب وإن أعزّ ذليل
فأجبتهم إن الغريب إذا اتّقى ... حيث استقلّ به الرّكاب جليل
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 262) و «العقد الثمين» (5/ 364) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 263) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 263) .
[4] يعني «مشارق الأنوار النبوية من صحاح الأخبار المصطفوية» انظر «كشف
الظنون» (2/ 1688) .
(8/595)
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد
القادر بن محيي الدّين عثمان بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة بن
سلطان بن سرور الجعفري النّابلسي الحنبلي [1] المعروف بالجنّة، الإمام
العلّامة.
ولد بنابلس سنة سبع وعشرين تقريبا، وسمع بها من الإمام شمس الدّين أبي
محمد عبد الله بن محمد بن يوسف، وسمع على الحافظ صلاح الدّين العلائي،
والشيخ إبراهيم الزّيتاوي وغيرهم مما لا يحصى كثرة، ورحل إلى دمشق،
فسمع بها، وكان من الفضلاء الأكابر، وكان يلقّب بالجنّة لكثرة ما عنده
من العلوم لأن الجنّة فيها ما تشتهي الأنفس، وكان عنده ما تشتهي أنفس
الطلبة، وانتهت إليه الرحلة في زمانه، ولما مات ولده قاضي القضاة شرف
الدّين عبد القادر المتقدم ذكره حصل له عليه اختلاط وسلب عقله، واستمرّ
على ذلك إلى أن مات ببلده نابلس في شوال. وله مصنّفات حسنة، منها
«مختصر طبقات الحنابلة» ومنها «تصحيح الخلاف المطلق في المقنع» مطولا
ومختصرا و «مختصر كتاب العزلة» لأبي سليمان الخطّابي، وقطعة من «تفسير
القرآن العظيم» من أوله، وشرع في شرح «الوجيز» وصحب ابن قيّم الجوزية،
فقرأ عليه أكثر تصانيفه، وكان خطّه حسنا جدا.
وفيها نور الدّين علي بن عبد الرحمن بن عبد المؤمن الهوريني [2] .
سمع من الزّين الأسواني «الشفاء» للقاضي عياض، وحدّث عنه، وعن الوادي
آشي، وقد ولي أبوه قضاء المدينة، وولي هو مشيخة خانقاه قوصون، وكان
مشكورا، وتزوج ببنت القاضي فخر الدّين القاياتي، وعاش القاياتي بعده
مدة، وناب في الحكم، وكان قد حفظ كتبا منها «الشفاء» و «الإلمام» و
«المقامات» وعرضها. وتوفي في رجب.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 272) و «الدّرر الكامنة» (4/ 20) و «السحب
الوابلة» ص (388) و «غاية النهاية» (2/ 173) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 265) .
(8/596)
وفيها أبو الحسن علي بن عجلان بن رميثة بن
أبي نمي الحسني [1] أمير مكة وابن أميرها.
ولي في أول شعبان سنة تسع وثمانين، وكان في غالب ولايته في الحروب، ولم
يهنأ له عيش إلى أن قتل في شوال، قتله جماعة من آل بيتهم، ودفن
بالمعلاة [2] ، واستقرّ بعده أخوه حسن بن عجلان.
وفيها علي بن محمد القليوبي ثم المصري [3] .
قال ابن حجر: أحد المهرة في مذهب الشافعي. ناب في الشيخونية، وتوفي في
رجب.
وفيها سراج الدّين عمر بن محمد بن أبي بكر الكومي [4] .
قال ابن حجر: سمع من أحمد بن علي الجزري، وعلي بن عبد المؤمن ابن عبد،
وغيرهما، وحدّث، ولم يتهيأ لي السماع منه، مع حرصي على ذلك.
توفي بمصر وقد جاوز الثمانين.
وفيها أبو علي محمد بن أحمد بن علي بن عبد العزيز المهدوي ثم المصري،
البزّاز بسوق الفاضل، المعروف بابن المطرّز [5] .
سمع من الواني، والدبوسي، وغيرهما. وحدّث بالكثير، وأجاز له إسماعيل بن
مكتوم، والمطعم، ووزيرة، وأبو بكر بن عبد الدّائم، وغيرهم من دمشق.
قال ابن حجر: قرأت عليه الكثير، وتوفي في جمادى الأولى.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 266) و «النجوم الزاهرة» (12/ 144) و
«العقد الثمين» (6/ 206) و «الدليل الشافي» (1/ 464) .
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «المعلّى» والتصحيح من «النجوم الزاهرة» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 269) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 269) .
[5] انظر «إنباء الغمر» (3/ 269) و «النجوم الزاهرة» (12/ 150) .
(8/597)
وفيها بدر الدّين أبو عبد الله محمد بن
أحمد بن عيسى بن عبد الكريم بن عساكر بن سعد بن أحمد بن محمد بن سليم
بن مكتوم القيسي السّويدي الأصل.
الدمشقي الشافعي، المعروف بابن مكتوم [1] ، الفقيه المحدّث النّحوي.
ولد في بضع وأربعين وسبعمائة، وسمع من جماعة، وحفظ «التّنبيه» ثم
«الحاوي» وطلب الحديث، وقرأ بنفسه، وكان يقرئ «صحيح البخاري» بالجامع
في رمضان بعد الظهر مدة.
قال ابن حجي: هو رجل فاضل، قرأ في الفقه على والدي، وعلى الحسباني
ولازمه، وقرأ في النحو على أبي العبّاس العنّابي، وبرع فيه، وتصدى
للإشغال بالجامع خمس عشرة سنة، وكان يفتي بأخرة، وأعاد بالنّاصرية
وبالعادلية الصّغرى، وولي مشيخة النحو بالناصرية أيضا، وكان رجلا
خيّرا، عنده ديانة، وله عبادة من صوم وقراءة. انتهى.
وقال ابن قاضي شهبة: كان فيه إحسان إلى طلبة العلم والفقراء، يضيفهم،
ويفطّرهم في رمضان، وعنده برّ وصلة لأقاربه، وتقلّل في ملبسه، ويشتري
حاجته بنفسه ويحملها، وهو قليل الخلطة بالفقهاء وغيرهم.
توفي في جمادى الأولى ودفن بمقبرة باب الصغير عند والده وعمّه عند قبر
الشيخ حمّاد.
وفيها ناصر الدّين محمد بن عبد الدائم بن محمد بن سلامة الشّاذلي ابن
بنت الميلق [2] .
سمع من أحمد بن محمد الحكمي وغيره من أصحاب النّجيب وغيره،
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 270) و «الدّرر الكامنة» (3/ 347) و «طبقات
الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 222) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/
371) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 270) و «الدّرر الكامنة» (3/ 494) و
«النجوم الزاهرة» (12/ 146) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/
230) و «تاريخه» (3/ 568- 569) و «معجم المؤلفين» (10/ 131) .
(8/598)
واعتنى بالعلم، وتعانى طريق التصوف، وفاق
أهل زمانه في حسن الأداء في المواعيد، وأنشأ الخطب البليغة، وقال الشعر
الرائق، والتفت عليه جماعة من الأمراء والعامة، إلى أن ولي القضاء،
فباشره بمهابة وصرامة، ولم يحمد مع ذلك في ولايته، وأهين بعد عزله
بمدة.
وقال ابن القطّان: كان شديد البخل بالوظائف، وكان أيام هو واعظا خيرا
من أيام هو قاضيا.
توفي في أحد الجمادين وقد جاوز الستين.
وفيها محمد بن علي بن صلاح الحريري الحنفي [1] ، إمام الصرغتمشية. سمع
من الوادي آشي، ومحمد بن غالي في آخرين [2] واعتنى بالقراءات والفقه،
وأخذ عن قوام الدّين الأتقاني وغيره، وله إلمام بالحديث، وناب في
الحكم، وسمع منه ابن حجر وغيره، وتوفي في رجب.
وفيها غياث الدّين أبو المكارم محمد بن صدر الدّين محمد بن محيي الدّين
عبد الله بن أبي الفضل محمد بن علي بن حمّاد بن ثابت الواسطي ثم
البغدادي الشافعي، المعروف بابن العاقولي [3] .
قال ابن قاضي شهبة في «طبقاته» : صدر العراق، ومدرّس بغداد وعالمها،
ورئيس العلماء بالمشرق.
مولده في رجب سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة ببغداد، ونشأ بها، وسمع من
والده وجماعة، وأجاز له جماعة.
قال الحافظ شهاب الدّين بن حجي: كان مدرس المستنصرية ببغداد كأبيه
وجده، ودرّس أيضا بالنظامية كأبيه، ودرّس هو بغيرهما، وكان هو وأبوه
وجدّه كبراء بغداد، وانتهت إليه الرئاسة بها في مشيخة العلم والتدريس،
وصار المشار
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 273) و «الدّرر الكامنة» (4/ 66) و «النجوم
الزاهرة» (12/ 148) .
[2] في «ط» : «وآخرين» وما جاء في «آ» موافق لما في «إنباء الغمر» مصدر
المؤلف.
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 275) و «الدّرر الكامنة» (4/ 194) و «طبقات
الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 241) و «بغية الوعاة» (1/ 225) و
«الأعلام» (7/ 43) .
(8/599)
إليه والمعول عليه، تهرع القضاة والوزراء
إلى بابه والسلطان يخافه، وكان بارعا في الحديث، والمعاني، والبيان،
وشرح «مصابيح البغوي» وخرّج لنفسه «أربعين حديثا» ، وفيها أوهام وسقوط
رجال في الأسانيد [1] ، وكانت نفسه قوية وفهمه جيدا، وكان بالغا في
الكرم، حتّى ينسب إلى الإسراف، ولما دخل تمرلنك بغداد هرب منها مع
السلطان أحمد، فنهبت أمواله، وسبيت حريمه، وقدم الشام، واجتمعنا به،
وأنشدنا من نظمه، فلما رجع السلطان إلى بغداد رجع معه، فأقام دون خمسة
أشهر.
وقال الحافظ برهان الدّين الحلبي: كان إماما علّامة، متبحرا في العلوم،
غاية في الذكاء، مشارا إليه، وكان يدخله كل سنة زيادة على مائة ألف
درهم وكلّها ينفقها، وصنّف في الردّ على الرافضة في مجلد.
توفي في صفر ودفن بالقرب من معروف الكرخي بوصية منه.
قال ابن حجر: شرح «منهاج البيضاوي» و «الغاية القصوى» له، وحدّث بمكّة
وبيت المقدس، وأنشد لنفسه بالمدينة:
يا دار خير المرسلين ومن بها ... شغفي وسالف صبوتي وغرامي
نذر عليّ لئن رأيتك ثانيا ... من قبل أن أسقى كؤوس حمامي
لأعفّرنّ على ثراك محاجري ... وأقول هذا غاية الإنعام
وفيها محمد بن أبي محمد الأقصرائي، نزيل القاهرة الحنفي [2] .
قال ابن حجر: درّس بمدرسة ايتمش للحنفية، وهو والد صاحبنا بدر الدّين
محمود وأخيه أمين الدّين يحيى. وتوفي في جمادى الأولى.
__________
[1] قلت: وله كتاب «الرّصف لما روي عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من
الفعل والوصف» وقد طبع سنة (1393) هـ بدمشق أول مرة، وقام بتحقيقه
وتدقيقه وتخريج أحاديثه الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط وشاركه العمل في
تحقيقه وتخريج أحاديثه شقيقه السيد إبراهيم الأرناؤوط، وأسهم بقراءته
وتدقيقه والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط حفظه الله، ثم صورت
طبعته في مصر سنة (1406) هـ.
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 278) و «النجوم الزاهرة» (11/ 149) .
(8/600)
سنة ثمان وتسعين
وسبعمائة
فيها رجع اللنك بعساكره من بلاد الدّشت بعد أن أثخن فيهم، فوصل إلى
السلطانية في شعبان، ثم توجّه إلى همذان، وأمر بالإفراج عن الظّاهر
صاحب ماردين، فوصل إليه في رمضان، فتلقاه واعتذر إليه، وأضافه أياما ثم
خلع عليه وأعطاه مائة فرس وجمالا وبغالا وخلعا كثيرة، وعقد له لواء،
وكتب له ستة وخمسين منشورا كل منشور بتولية بلد من البلاد التي كان
تيمور افتتحها في سنة ست وتسعين ما بين أذربيجان إلى الرّها وشرط عليه
أنه [1] يلبي دعوته كلّما طلبه.
وفيها توفي شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن أبي بكر بن أحمد بن عبد
الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة الحنبلي، المعروف بابن
العزّ [2] ، الشيخ الإمام الفقيه المفتي.
سمع من عيسى المطعم، وابن عبد الدائم، والحجّار، وأكثر عن القاضي تقي
الدّين سليمان، ويحيى بن سعد، وحدّث عن المعمار، وهو آخر من حدّث عنه،
وعن القاضي [3] بالسماع، وكان شيخا طوالا عليه أبّهة. أقعد في آخر
عمره، وسمع «جزء ابن عرفة» على نحو من ثمانين شيخا، و «جزء ابن الفرات»
على نحو من خمسين شيخا.
__________
[1] كذا في «آ» و «إنباء الغمر» (3/ 291) مصدر المؤلف: «أنه» وفي «ط» :
«أن» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 297) و «الدّرر الكامنة» (1/ 109) و
«المقصد الأرشد» (1/ 78) و «السحب الوابلة» ص (50) .
[3] يعني القاضي تقي الدّين سليمان المتقدم ذكره في الترجمة.
(8/601)
توفي ليلة الاثنين العشرين من شهر ربيع
الأول ودفن بمقبرة الشيخ موفق الدّين وقد كمل له إحدى وتسعون سنة إلّا
خمسة أيام.
وفيها أحمد بن علي بن أيوب بن رافع الحنفي [1] إمام القلعة بدمشق.
قال ابن حجر: سمع من أبي بكر بن الرّضي وغيره، وحدّث، وأجاز لي غير
مرة.
وتوفي في شوال وله ثمانون سنة.
وفيها أبو سعد أحمد بن شمس الدّين محمد بن موسى بن سند [2] .
ولد سنة سبع وأربعين، وأحضره أبوه على ابن الخبّاز، وابن الحموي،
وغيرهما. وأسمعه من ابن القيّم وغيره، واشتغل في العربية وغيرها، ووعظ
الناس، ومات في شعبان.
وفيها عماد الدّين إسماعيل بن أحمد بن علي الباريني الحلبي [3] الفقيه
الشافعي.
ولد سنة تسع عشرة، وقدم من حلب إلى دمشق وهو طالب علم، فقرأ على الشيخ
ولي الدّين المنفلوطي، وولاه البلقيني قضاء بعلبك، ثم ولي خطابة القدس،
[ثم توجه إلى مصر، وكان ممن قام على التّاج السّبكي مع البلقيني، ثم
ولي قضاء الشّوبك، ثم قضاء القدس] [4] ، وحدّث، وأفتى، ودرّس.
وتوفي في ربيع الأول ببيت المقدس وقد جاوز الثمانين.
وفيها بدر الدّين خليل بن محمد بن عبد الله النّاسخ الحلبي [5] .
ولد بدمشق بعد العشرين، وأحضره أبوه عند ابن تيميّة فمسح رأسه ودعا له،
واشتغل فمهر في عدة فنون، ثم سكن حلب، ووقّع في الحكم، واشتهر،
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 296) و «الدّرر الكامنة» (1/ 206) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 297) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 299) و «الدّرر الكامنة» (1/ 365) .
[4] ما بين القوسين سقط من «آ» .
[5] انظر «إنباء الغمر» (3/ 302) و «الدّرر الكامنة» (2/ 93) .
(8/602)
وكان يذكر أنه سمع من الوادي آشي، وابن
النّقيب الشافعي.
توفي في ربيع الأول.
وفيها ستّ الرّكب بنت علي بن محمد بن محمد بن حجر [1] ، أخت كاتبه [2]
.
قال ابن حجر: ولدت في رجب سنة سبعين [3] في طريق الحجّ، وكانت قارئة
كاتبة أعجوبة في الذكاء، وهي أمي بعد أمي، أصبت بها في جمادى الآخرة من
هذه السنة.
وفيها سعد بن إبراهيم الطّائي الحنبلي البغدادي [4] .
قال في «إنباء الغمر» : كان فاضلا، وله نظم فمنه:
خانني ناظري وهذا دليل ... لرحيلي [5] من بعده عن قليل
وكذا الرّكب إن أرادوا قفولا ... قدّموا ضوءهم أمام الحمول
وفيها سفر شاه بن عبد الله الرّومي الحنفي [6] .
تقدم في العلم ببلاده، وتقدم عند أبي يزيد بن عثمان، وقدم القاهرة
رسولا من صاحب الرّوم فأخذ عن فضلائها، وأكرمه السلطان، وحصل له وعك،
واستمرّ إلى أن بغته الأجل بالقاهرة، فمات في جمادى الآخرة.
وفيها طقتمش خان التّركي صاحب بلاد الدّشت [7] .
قتل في هذه السنة بعد أن انكسر من اللّنك، قتله أمير من أمراء التتار،
يقال له تمرقطلو.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 302) و «أعلام النساء» (2/ 154) .
[2] يعني أخت الحافظ ابن حجر كاتب ومؤلف «إنباء الغمر» مصدر المؤلف.
[3] يعني وسبعمائة.
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 302) و «السحب الوابلة» ص (171) وفيه «سعيد
بن إبراهيم القطان» وهو تحريف.
[5] تحرفت في «ط» إلى «لرحيل» .
[6] انظر «إنباء الغمر» (3/ 304) .
[7] انظر «إنباء الغمر» (3/ 304) .
(8/603)
وفيها عبد الله بن عمر بن محلى بن عبد
الحافظ البيتليدي- بفتح الموحدة، وسكون المثناة التحتية [1] ، وفتح
المثناة الفوقية، بعدها لام مكسورة خفيفة، ثم مثناة تحتانية ساكنة-
الورّاق الدمشقي [2] .
قال ابن حجر: سمع من أبي بكر بن الرّضي، وشرف الدّين بن الحافظ، ومحمد
بن علي الجزري، وغيرهم. أجاز لي غير مرة، ومات في ذي القعدة.
وفيها فخر الدّين عثمان بن عبد الله العامري [3] أخو تقي الدّين.
كان شافعيا بارعا في الفقه، وهو منسوب إلى كفر عامر قرية من ناحية
الزّبداني، فربما قيل فيه الكفر العامري.
أخذ عن الشّرف الشّريشي، وأثنى عليه ابن حجي بحسن الفهم وصحة الذّهن،
وهو ممن أذن له البلقيني في الإفتاء.
توفي في ذي الحجّة كهلا دون الأربعين.
وفيها موفق الدّين علي بن عبد الله الشّاوري الزّبيدي اليمني الشّافعي
[4] .
كان بارعا في الفقه والصّلاح، مع الدّين والتواضع، وعرض عليه القضاء
فامتنع. توفي في صفر.
وفيها فرج بن عبد الله الشّرفي الحافظي الدمشقي [5] ، مولى شرف الدّين
بن الحافظ.
قال ابن حجر: سمع من يحيى بن سعد، وابن الزّرّاد وغيرهما، وأجاز لي غير
مرّة. وتوفي في شوال وقد قارب التسعين.
__________
[1] في «آ» : «التحتانية» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 304) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 305) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 306) .
[5] انظر «إنباء الغمر» (3/ 307) و «الدّرر الكامنة» (3/ 230) .
(8/604)
وفيها محبّ الدّين محمد بن أحمد بن محمد بن
عماد المصري ثم المقدسي الشّافعي ابن الهايم [1] .
قال ابن حجر في «إنباء الغمر» : ولد سنة ثمانين أو إحدى وثمانين، وحفظ
القرآن. وهو صغير جدا، وكان من آيات الله في سرعة الحفظ وجودة القريحة،
واشتغل في الفقه، والعربية، والقراءات، والحديث، ومهر في الجميع في
أسرع مدة، ثم صنّف، وخرّج لنفسه ولغيره، رافقني في سماع الحديث كثيرا،
وسمعت بقراءته «المنهاج» عن شيخنا برهان الدّين وهو أذكى من رأيت من
البشر، مع الدّين، والتواضع، ولطف الذات، وحسن الخلق، والصّيانة.
مات في رمضان وأصيب به أبوه وأسف عليه كثيرا، عوّضه الله الجنّة، انتهى
بحروفه.
وفيها عزّ الدّين محمد بن محمد بن محمد بن عثمان الأماسي- بهمزة وميم
مفتوحتين وبعد الألف سين مهملة- الدمشقي [2] .
قال ابن حجر: سمع من الحجّار «صحيح البخاري» ، وحدّث. أجاز لي، وكان
ناظر الأيتام بدمشق، ويتكسب بالشهادة تحت السّاعات، ويوقّع على
الحكّام، أقام على ذلك أكثر من ستين سنة. مات في ربيع الآخر وقد ناهز
الثمانين.
وفيها محمد بن محمد بن موسى بن عبد الله الشنشي [3]- بمعجمتين وبينهما
نون مفتوحتان [4]- الحنفي.
ناب في الحكم، وكان أحد طلبة الصّرغتمشية، وكان فاضلا. جاور بمكة سنة
ثلاث وثمانين، ومات في جمادى الأولى.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 308) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 310) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 310) و «النجوم الزاهرة» (12/ 154) .
[4] في «ط» : «مفتوحات» .
(8/605)
وفيها مقبل بن عبد الله الصّرغتمشي [1] .
تفقه وتقدم في العلم، وصنّف وشرح، وشارك في العربية، ومات في رمضان.
وأنجب ولده محمدا [2] فشارك في الفضائل، ومهر في الحساب، وكان قصير
القامة، أحدب مات قبل أبيه بشهرين. قاله ابن حجر.
وفيها ميكائيل بن حسين بن إسرائيل التّركماني الحنفي [3] ، نزيل عنتاب،
قدمها فأخذ عن الشيخ فخر الدّين إياس وغيره، وباشر بها بعض المدارس،
ولازم الإفادة. أخذ عنه القاضي بدر الدّين العيني، وهو الذي ترجمه،
وقال: إنه عاش أكثر من سبعين سنة.
مات في سابع عشر ذي الحجّة.
وفيها جمال الدّين أبو المحاسن يوسف بن تقي الدّين أحمد بن العزّ
إبراهيم ابن الخطيب شرف الدّين عبد الله بن الشيخ أبي عمر المقدسي
الحنبلي [4] ، أخو مسند عصره صلاح الدّين الصّالحي إمام مدرسة جدّه
الشيخ أبي عمر.
سمع من الحجّار وغيره، ومهر في مذهبه، وكان فاضلا، جيد الذّهن، صحيح
الفهم، معروفا بذلك. أثنى عليه ابن حجي بذلك.
وقال ابن حجر: مهر في مذهبه، وكان يعاب بفتواه بمسألة الطلاق البتة.
أجاز لي. انتهى.
توفي يوم الأحد ثامن عشر رمضان وصلّي عليه من الغد، ودفن بمقبرة جدّه
أبي عمر.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 312) و «النجوم الزاهرة» (12/ 154) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 310) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 312) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 312) و «الدّرر الكامنة» (4/ 445) و
«المقصد الأرشد» (3/ 129) و «الجوهر المنضد» ص (173) .
(8/606)
سنة تسع وتسعين
وسبعمائة
فيها وصلت كتب من جهة تمرلنك فعوقبت [1] رسله بالشام وأرسلت الكتب التي
معهم إلى القاهرة ومضمونها التحريض على إرسال قريبه أطلمش الذي أسره
قرا يوسف، فأمر السلطان أطلمش المذكور أن يكتب إلى قريبه كتابا، يعرّفه
فيه ما هو عليه من الخير والإحسان بالدّيار المصرية، وأرسل السلطان ذلك
مع أجوبته. ومضمونها: أنك إذا أطلقت الذين عندك من جهتي أطلقت من عندي
من جهتك، والسلام.
وفيها توفي إبراهيم بن عبد الله الحلبي الصّوفي الملقّن [2] .
قدم دمشق وهو كبير، وأقرأ القرآن بالجامع، وصارت له جماعة مشهورة،
ويقال: إنه قرأ عليه أكثر من ألف نفس اسمه محمد خاصة، وكان الفتوح
يأتيه فيفرّقه في أهل حلقته، وكان أول من يدخل الجامع وآخر من يخرج
منه، واستسقوا به مرّة بدمشق، وكان شيخا طوالا، كامل البنية، وافر
الهمّة، كثير الأكل.
مات في شعبان عن مائة وعشرين سنة، وكانت جنازته حافلة جدا.
وفيها إبراهيم بن عبد الله، وسمّاه الغسّاني في «تاريخه» حسن بن عبد
الله [3] .
قال الغسّاني المذكور: حسن بن عبد الله الأخلاطي الحسيني.
كان منقطعا في منزله، ويقال: إنه كان يصنع اللازورد، ويعرف الكيمياء،
__________
[1] في «ط» : «فعوقب» وتحرفت في «إنباء الغمر» إلى «فعوقت» فلتصحح.
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 335- 336) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 336) و «الدّرر الكامنة» (1/ 32) .
(8/607)
واشتهر بذلك، وكان يعيش عيش الملوك ولا
يتردد لأحد، وكان ينسب إلى الرفض لأنه كان لا يصلي الجمعة، ويدّعي من
يتبعه أنه المهدي، وكان في [1] أول أمره قدم حلب- أي من بلاد العجم
التي نشأ بها- فنزل بجامعها منقطعا عن الناس، فذكر للظّاهر أنه يعرف
الطب معرفة جيدة، فأحضره إلى القاهرة ليداوي ولده فلم ينجع، فاستمر
مقيما بمنزله على شاطئ النيل إلى أن مات في جمادى الآخرة وقد جاوز
الثمانين، وخلّف موجودا كثيرا ولم يوص بشيء، فنزل قلمطاي الدويدار
الكبير فاحتاط على موجودة فوجد عنده جام ذهب وقوارير فيها خمر وزنانير
للرّهبان ونسخة من الإنجيل، وكتبا تتعلق بالحكمة والنّجوم والرّمل،
وصندوق فيه فصوص مثمنة على ما قيل.
وفيها برهان الدّين أبو الوفا إبراهيم بن نور الدّين أبي الحسن علي بن
محمد بن أبي القاسم فرحون بن محمد بن فرحون اليعمري المدني المالكي [2]
.
ولد بالمدينة الشريفة، ونشأ بها، وسمع من الحافظ جمال الدّين المطري،
والوادياشي. سمع منه «الموطأ» ، وغيرهما.
وتفقه وبرع، وصنّف، وجمع، وحدّث، وولي قضاء المالكية بالمدينة المنورة،
وكانت وفاته بها في ذي الحجّة ودفن بالبقيع وقد جاوز التسعين.
وفيها نجم الدّين أحمد [بن إسماعيل] [3] بن محمد بن أبي العزّ [بن صالح
بن أبي العزّ] [4] وهيب [5] الأذرعي ثم الدمشقي الحنفي، المعروف بابن
الكشك [6] .
__________
[1] لفظة «في» سقطت من «ط» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 338) و «الدّرر الكامنة» (1/ 48) و «التحفة
اللطيفة» (1/ 132) .
[3] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» .
[4] ما بين القوسين سقط من «ط» .
[5] كذا في «إنباء الغمر» و «الدّرر» : «وهيب» وفي «آ» و «ط» : «وهب» .
[6] انظر «إنباء الغمر» (3/ 339) و «الدّرر الكامنة» (1/ 107) و
«النجوم الزاهرة» (12/ 160) و «الطبقات السنية» (1/ 284) .
(8/608)
ولد سنة عشرين، وسمع من الحجّار وحدّث عنه،
وتفقه وولي قضاء مصر سنة سبع وسبعين فلم تطب له، فرجع، وولي قضاء دمشق
مرارا آخرها سنة اثنتين وتسعين، ثم لزم داره، وكان خبيرا بالمذهب. درّس
بأمكان وهو أقدم المدرسين والقضاة، وكان عارفا صارما، وأجاز له سنة
مولده وبعدها القاسم بن عساكر، ويحيى بن سعد، وابن الرزّاز، وابن شرف،
وزينب بنت سكّر، وغيرهم.
وأجاز هو للحافظ ابن حجر، وضربه أخ له مختل بسكين فقتله، رحمه الله.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن إبراهيم الصّفدي [1] ، نزيل مصر،
المعروف بابن شيخ الوضوء.
قال ابن حجر: كانت له عناية بالعلم، وعرف والده بشيخ الوضوء لأنه كان
يتعاهد المطاهر فيعلّم العوام الوضوء، وهو والد الشيخ شهاب الدّين،
وتوفي المترجم في ربيع الأول.
وفيها محبّ الدّين أحمد بن أبي الفضل محمد بن أحمد بن عبد العزيز
النّويري الشافعي [2] ، قاضي مكّة وابن قاضيها.
ولد سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، وأسمعه أبوه على البدر بن جماعة وغيره،
وتفقه بأبيه وغيره، وناب عن أبيه، وولي قضاء المدينة في حياته، ثم
تحوّل إلى قضاء مكّة سنة سبع وثمانين فمات بها. وكان عارفا بالأحكام
مشكورا.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن أسد بن قطليشا العطّار [3] .
ولد سنة بضع وعشرين وسبعمائة، وحدّث عن زينب بنت الكمال، وأبي بكر بن
الرّضي، وغيرهما.
قال ابن حجر: أجاز لي، ومات في ربيع الأول وقد جاوز السبعين.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 340) و «الدّرر الكامنة» (1/ 242) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 341) و «الدّرر الكامنة» (1/ 244) و «العقد
الثمين» (3/ 123) و «التحفة اللطيفة» (1/ 221) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 341) و «الدّرر الكامنة» (1/ 262) .
(8/609)
وفيها أبو بكر بن أحمد بن عبد الهادي
المقدسي ثم الصّالحي الحنبلي [1] .
قال في «إنباء الغمر» : سمع من الحجّار، وحدّث، وكان به صمم.
مات في المحرّم وقد جاوز الثمانين. أجاز لي. انتهى.
وفيها عماد الدّين أبو الفداء إسماعيل بن الشيخ زين الدّين عبد الرحمن
ابن أبي بكر بن أيوب الزّرعي الأصل ثم الدمشقي الحنبلي، المعروف بابن
قيم الجوزية [2] .
كان من الأفاضل، واقتنى كتبا نفيسة، وهي كتب عمّه الشيخ شمس الدّين ابن
القيم، وكان لا يبخل بعاريتها.
توفي يوم السبت خامس عشري رجب.
وفيها زينب بنت عبد الله بن عبد الحليم ابن تيميّة الحنبلية [3] بنت
أخي الشيخ تقي الدّين.
قال ابن حجر: سمعت من الحجّار وغيره، وحدّثت، وأجازت لي.
وفيها زينب بنت محمد بن عثمان بن عبد الرحمن الدمشقية [4] ، يعرف أبوها
بابن العصيدة.
حدّثت بالإجازة العامة عن الفخر بن البخاري وغيره، وأجازت لابن حجر،
وزاد عمرها على المائة وعشر سنين.
وفيها سعد بن عبد الله البهائي السّبكي الشافعي [5] مولى أبي البقاء.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 343) و «الدّرر الكامنة» (1/ 438) و
«السّحب الوابلة» ص (125) .
[2] انظر «الجوهر المنضد» ص (21) و «المقصد الأرشد» (1/ 265) و «تاريخ
ابن قاضي شهبة» (3/ 629- 630) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 345) و «أعلام النساء» (2/ 74) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 345) .
[5] انظر «إنباء الغمر» (3/ 346) .
(8/610)
سمع من زينب بنت الكمال، والجزري بدمشق،
ومن العلّامة شمس الدّين بن القمّاح، وإسماعيل بن عبد ربّه بالقاهرة،
ومن غيرهم. وأجاز للحافظ ابن حجر العسقلاني، وتوفي في رمضان.
وفيها عبد الله بن علي بن عمر السّنجاري الحنفي [1] ، قاضي صور.
ولد سنة اثنتين وعشرين، وتفقه بسنجار، وماردين، والموصل، وإربل.
وحمل عن علماء تلك البلاد، وحدّث عن الصّفي الحلّي بشيء من شعره، وقدم
دمشق أخذ بها عن القونوي الحنفي، ثم قدم مصر فأخذ عن شمس الدّين
الأصبهاني، وأفتى ودرّس، وتقدم، ونظم [2] «المختار» في فقه الحنفية،
وغير ذلك. وكان يصحب أمير [3] علي المارداني، فأقام معه بمصر مدة، وناب
في الحكم، ثم ولي وكالة بيت المال بدمشق، ودرّس بالصالحية، وكان حسن
الأخلاق، لطيف الذات، لين الجانب.
ومن شعره:
لكلّ امرئ منّا من الدّهر شاغل ... وما شغلي ما عشت إلّا المسائل
وكان يحفظ كثيرا من الحكايات والنّوادر، وعنده سكون وتواضع.
توفي بدمشق في ربيع الآخر.
وفيها أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن مبارك بن حمّاد بن تركي بن عبد
الله المعرّي [4] ، نزيل القاهرة الشافعي.
ولد سنة أربع أو خمس عشرة [5] ، وسمع من الدّبوسي، والواني، وابن
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 346) و «الدّرر الكامنة» (2/ 277) و
«الطبقات السنية» (4/ 175- 176) و «الفوائد البهية» ص (103) .
[2] في «ط» و «نظر» وهو تحريف.
[3] لفظة «أمير» سقطت من «آ» .
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 347) و «الدّرر الكامنة» (2/ 324) و
«النجوم الزاهرة» (12/ 157) .
[5] يعني وسبعمائة.
(8/611)
سيّد النّاس، وخلق كثير. وأجاز له ابن
الشّيرازي، والقاسم بن عساكر، والحجّار، وخلق كثير أيضا. وطلب بنفسه،
وتيقظ، وأخذ الفقه عن السبكي وغيره.
وكان يقظا نبيها، مستحضرا، عابدا، قانتا. وكان يتسبب في حانوت بزّاز
ظاهر باب الفتوح، ثم ترك ذلك.
قال ابن حجر: وكان بينه وبين أبي مودّة وصحبة، فكان يزورنا بعد موت أبي
وأنا صغير، ثم اجتمعت به لما طلبت الحديث، فأكرمني، وكان يديم الصبر لي
على القراءة إلى أن أخذت عنه [1] أكثر مروياته، وقد تفرّد برواية
«المستخرج على صحيح مسلم» لأبي نعيم، قرأته عليه كلّه، وحدّثت بالكثير
من مسموعاته.
وقال لي شيخنا العراقي مرارا: عزمت على أن أسمع عليه شيئا.
وقد تغيّر قليلا في أول هذه السنة، واتفق له لمّا كان في الحانوت أن
أودع عنده شخص مائتي دينار فوضعها في صندوق بالحانوت، فنقب اللّصوص
الحانوت وأخذوا ما فيه، فطابت نفس صاحب الذّهب ولم يكذّب الشيخ ولا
اتهمه، فاتفق أن الشيخ رأى في النّوم بعد نحو [2] ستة أشهر من يقول له:
إن الذهب الوديعة في الحانوت وأنه وقع من اللّص لما أخذ الصندوق في
الدّروند، فأصبح فجاء إلى الحانوت فوجد الصّرّة كما هي قد غطّاها
التّراب، فأخذها وجاء إلى صاحب الذهب، فقال: خذ ذهبك، فقال: ما علمت
منك إلّا الصّدق والأمانة وقد نقب حانوتك وسرق الذهب فلم كلّفت نفسك
واقترضت هذا الذهب، فحدّثه بالخبر، فقال: لا آخذ منه شيئا وأنت في حلّ
منه، فعالجه حتّى أعياه، فامتنع من أخذه، فحجّ الشيخ وجاور مدة حتّى
أنفق الذهب.
وتوفي بمصر في تاسع عشري ربيع الآخر.
__________
[1] لفظة «عنه» سقطت من «ط» .
[2] لفظة «نحو» سقطت من «ط» .
(8/612)
وفيها أبو هريرة عبد الرحمن بن الحافظ أبي
عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي [1] الشافعي مسند
الشام في عصره.
أحضره أبوه على وزيرة بنت المنجّى، والقاضي سليمان، وإسماعيل بن مكتوم،
وابن عبد الدائم، وأسمعه من عيسى المطعم، وابن الشيرازي، وابن مشرف،
والقاسم بن عساكر، وأهل عصره، فأكثر عنهم.
قال في «إنباء الغمر» : وخرّج له «أربعين حديثا» ، وحدّث بها في حياة
أبيه سنة سبع وأربعين وسبعمائة، وحدّث في غالب عمره، وكان صبورا على
الإسماع، محبا لأهل الحديث والروايات، ويذاكر بأشياء حسنة، وأمّ بجامع
كفر بطنا عدة سنين، وأضر بأخرة، وتفرّد بكثير من الشيوخ والروايات،
وأجاز لي غير مرة.
مات في ربيع الأول بقرية كفر بطنا وله إحدى وثمانون سنة.
وفيها عبد القادر بن محمد بن علي بن حمزة العمري المدني، المعروف
بالحجار [2] .
قال ابن حجر: روى عن جدّه، وسمع من أصحاب الفخر، وعني بالعلم، وتفقه
قليلا.
مات في عيد الأضحى. وذكر لنا السّكّري أنه رأى سماعه «الموطأ» على
الوادياشي. انتهى.
وفيها عثمان بن محمد بن وجيه الشّيشيني [3]- بمعجمتين مكسورتين بعد كل
منهما تحتانية ساكنة، ثم نون قبل ياء النّسب-.
سمع «جامع الترمذي» من العرضي، ومظفّر الدّين العسقلاني بسندهما
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 350) و «الدّرر الكامنة» (2/ 341) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 351) و «التحفة اللطيفة» (3/ 56) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 351) .
(8/613)
المعروف، وكان يباشر في الشهادات وينوب في
الحكم ببعض البلاد، وكان ذا مروءة ومواساة لأصحابه، وأجاز للحافظ ابن
حجر.
وتوفي يوم نصف ربيع الآخر.
وفيها علي بن أحمد بن عبد العزيز النّويري ثم المكّي المالكي [1] .
ولد سنة أربع وعشرين، وسمع من عيسى الحجّي، والزّين بن علي،
والوادياشي، وغيرهم. وتفقه، وباشر إمامة مقام المالكية بمكة خمسا
وثلاثين سنة، وناب في الحكم عن أبيه أبي الفضل، ثم عن ابن أخيه، وكان
ذا مروءة وعصبية، وتصلب في الأحكام، مع المهابة.
وفيها شرف الدّين عيسى بن عثمان بن عيسى بن غازي الغزّي الشافعي [2] .
ولد سنة تسع وخمسين، وقدم دمشق وهو كبير، فأخذ عن ابن حجي، والحسباني،
وابن قاضي شهبة، وغيرهم. وعني بالفقه والتدريس، وناب في الحكم، وولي
قضاء داريّا، وأخذ عن ابن الخابوري الفقه بطرابلس، وأذن له في الفتوى،
وكان بطيء الفهم، متشاغلا في الأحكام، مع المعرفة التّامة. وله تصنيف
في أدب القضاء جوّده، وهو حسن في بابه، وكان في أول أمره فقيرا، ثم
تزوج فماتت الزوجة فحصل له منها مال له صورة، ثم تزوج أخرى كذلك، ثم
أخرى، إلى أن أثرى وكثر ماله.
قال ابن حجي: كان أكثر الناس يمقتونه.
مات في رمضان. قاله ابن حجر.
وفيها زين الدّين قاسم بن محمد بن إبراهيم بن علي النّويري المالكي [3]
.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 352) و «الدّرر الكامنة» (3/ 17) و «العقد
الثمين» (6/ 132) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 355) و «الدّرر الكامنة» (3/ 205) و «طبقات
الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 216) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/
273) و «البدر الطالع» (1/ 515) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 357- 358) .
(8/614)
تفقه، وقرأ المواعيد، وأعاد للمالكية
بأماكن، وتصدّر بالجامع الأزهر وغيره، وكان صالحا، خيّرا، ديّنا،
متواضعا.
مات في المحرم عن نحو ستين سنة.
وفيها القاضي شمس الدّين محمد بن أحمد بن أبي بكر الطّرابلسي الحنفي
[1] .
تفقه ببلده على شمس الدّين بن إيمان التركماني وغيره، وبدمشق على صدر
الدّين بن منصور، وقدم القاهرة فتقرّر من طلبة الصرغتمشية، وأخذ عن
السّراج الهندي، وناب عنه في الحكم، وسمع على الشيخ جمال الدّين
الأسيوطي بمكّة. وولي القضاء بالقاهرة مرتين استقلالا، وكان خبيرا
بالأقضية، عارفا بالوثائق.
قال العثماني في «تاريخه» : كان شيخا مهابا، مليح الشّيبة، فقيها،
مشاركا في الفنون، عارفا بالشعر، وطرق أحوال الأحكام. انتهى.
توفي في ذي الحجّة قبل انسلاخ الشهر بيوم، وقد زاد على السبعين.
وفيها محمد بن أحمد بن سليمان الكفرسوسي اللّبّان المعمّر [2] .
قال ابن حجر: زاد على المائة يقرؤون عليه بإجازته العامة من الأبرقوهي
ونحوه، وأجاز لي. انتهى.
وفيها محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن سلامة بن المسلم بن البهاء
الحرّاني ثم الصّالحي [3] المؤذن، المعروف بابن البهاء.
سمع من القاسم بن عساكر، والحجّار، وغيرهما. وحدّث في سنة ست وثمانين
بالصحيح، قرأه عليه بدر الدّين بن مكتوم، ومات في هذه السنة.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 357) و «النجوم الزاهرة» (12/ 157) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 358) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 359) .
(8/615)
وفيها محبّ الدّين محمد بن العلّامة جمال
الدّين عبد الله بن يوسف بن هشام [1] .
حضر على الميدومي وغيره، وسمع من بعده، وقرأ العربية على أبيه وغيره،
وشارك في غيرها قليلا، وكان إليه المنتهى في حسن التعليم، مع الدّين
المتين.
مات في رجب عن نحو خمسين سنة.
وفيها ناصر الدّين محمد بن الشيخ عزّ الدّين محمد بن الشيخ ناصر الدّين
داود بن حمزة بن أحمد بن عمر بن أبي عمر الحنبلي، المسند الأصيل المقرئ
[2] .
أجاز له إسحاق النحّاس وجماعة، وسمع من القاضي سليمان، وكان إمام
المسجد المعروف بأبيه عزّ الدّين، وقد أضرّ في آخر عمره.
انقطع ثلاثة أيام مطعونا، وتوفي في ليلة ثامن رجب ودفن بتربة جدّه
الشيخ أبي عمر على والده.
وفيها شرف الدّين أبو الخطّاب محمد بن القاضي جمال الدّين محمد بن عبد
الرحمن بن علي بن عبد الملك الدمشقي سبط التّقي السّبكي [3] .
ولد في رمضان سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، وأحضر على ابن الخبّاز وغيره،
وأجاز له ابن الملوك وجماعة من المصريين، وكان أبوه قاضي المالكية، ثم
تحوّل هو شافعيا مع أخواله السّبكية، ونشأ بينهم، فسلك طريقهم، وولي
إفتاء دار العدل، وناب في الحكم عن برهان الدّين بن جماعة نحو سنة بعد
أن صاهره على ابنته فصرف عن قريب، ثم استقلّ بالحكم بعده، وولي خطابة
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 359) و «بغية الوعاة» (1/ 148) .
[2] انظر «الدّرر الكامنة» (4/ 176) و «المقصد الأرشد» (2/ 512) و
«الجوهر المنضد» ص (127) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 360) و «النجوم الزاهرة» (12/ 160) .
(8/616)
المسجد الأقصى بعد وفاة ولد البرهان بن
جماعة، ثم طلب للقاهرة ليولّى القضاء فأدركه أجله بها في شهر رجب، وكان
عفيفا، صارما، مع لين جانب، شريف النّفس، حسن المباشرة للأوقاف، مقتصدا
في مأكله وملبسه.
وفيها جمال الدّين محمود بن علي القيصري الرّومي الحنفي، المعروف
بالعجمي [1] .
قدم القاهرة قديما [واشتغل بالفنون، ومهر، وولي الحسبة مرارا، ثم نظر
الأوقاف، ودرّس بالمنصورية في التفسير] [2] وولي مشيخة الشيخونية،
وقضاء الحنفية، ونظر الجيش. وكان بحالة إملاق، ثم وصل إلى ما وصل إليه،
حتّى قال: هذا الذي حصل لي- أي من الغنى- غلطة من غلطات الدهر، وكان
عنده دهاء، مع حشمة زائدة وسخاء، وكان فصيحا بالعربية والتركية
والفارسية، كثير التأنق في ملبسه ومأكله. مات في سابع ربيع الأول.
وفيها يوسف بن أمين الدّين عبد الوهاب بن يوسف بن السّلّار الشّمّاع
[3] .
حضر على الحجّار وغيره، وحدّث، وأجاز لابن حجر.
وتوفي في المحرم عن سبعين سنة، والله تعالى أعلم.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 362) و «النجوم الزاهرة» (12/ 158) .
[2] ما بين القوسين سقط من «آ» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 366) .
(8/617)
سنة ثمانمائة
فيها نازل تمرلنك الهند فغلب على ولي كرسي المملكة، وفتك على عادته،
وخرّب، وكان توجّه إليها على طريق غريبة على البرّ ووصل زحفه [1] إلى
اليمن، وكان السبب المحرّك له على ذلك أن فيروز شاه ملك الهند مات
فبلغه ذلك فسمت نفسه إلى الاستيلاء على أمواله، فتوجه في عساكره، وكان
فيروز شاه لما مات قام بالأمر بعده يلوا [2] الوزير، واستقر في
المملكة، فقصده اللّنك فاستقبله يلوا بجد وصدّر أمام عسكره الفيلة
عليها المقاتلة، فلما استقبلتها خيل اللّنك هربت منها، فبادر اللّنك
وأمر باستعمال قطع من الحديد على صفة الشّوك وألقاها في المنزلة التي
كان بها، فلما أصبحوا واصطفوا للقتال أمر عساكره بالتقهقر إلى خلف،
فظنوا أنهم انهزموا، فتبعوهم، فاجتازت الفيلة على ذلك الشوك الكائن في
الأرض فجفلت منه أعظم من جفل الخيل منها، ورجعت القهقرى من ألم الحديد،
فكانت أشدّ عليهم من عدوهم، بحيث طحنت المقاتلة الرجّالة [3] والفرسان،
فانهزموا بغير قتال.
وفيها في شوال كان الحريق العظيم بدمشق عمّ الحريريين والقواسين
والسّيوفيين [4] وبعض النحاسين [5] ، ووصلت النّار إلى حائط الجامع،
وإلى قرب
__________
[1] في «إنباء الغمر» : (رجيفه) وانظر التعليق عليه.
[2] في «إنباء الغمر» : (ملّو) وانظر التعليق عليه.
[3] في «آ» و «ط» : «الرجال» وهو خطأ والتصحيح من «إنباء الغمر» (3/
375) مصدر المؤلف.
[4] في «ط» : «السوفيين» وهو خطأ.
[5] تصحفت في «ط» إلى «النخاسين» .
(8/618)
النّورية، واحترقت الجوزية، وحمّام نور
الدّين، وغير ذلك. وأقام من يوم السبت العشرين من شوال إلى يوم
الثلاثاء ثالث عشرينه [1] .
وفيها برهان الدّين إبراهيم بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن
عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة الحنبلي، المعروف بالقاضي [2]
الشيخ الإمام الصّالح، أخو الحافظ شمس الدّين.
حضر على الحجّار، وسمع من أحمد بن علي الحريري، وعائشة بنت المسلّم،
وزينب بنت الكمال، وحدّث، فسمع منه الحافظ ابن حجر، وتوفي في شوال.
وفيها إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد [بن عبد المؤمن بن سعيد] [3] بن
علوان بن كامل التّنوخي البعلي ثم الشّامي [4] ، نزيل القاهرة الشافعي،
شيخ الإقراء، ومسند القاهرة.
ولد سنة تسع أو عشر وسبعمائة، وأجاز له إسماعيل بن مكتوم، وابن عبد
الدائم، والقاسم بن عساكر، وجمع كثير يزيدون على الثلاثمائة، ثم طلب
الحديث بنفسه، فسمع الكثير من أبي العبّاس الحجّار، والبرزالي،
والمزّي، وخلق كثير يزيدون [5] على المائتين، وعني بالقراءات فأخذ عن
البرهان الجعبري، والبرقي، وغيرهما. ثم رحل فأخذ عن أبي حيّان، وابن
السّرّاج وغيرهما، ومهر في القراءات، وكتب مشايخه له خطوطهم بها، وتفقه
على المازري بحماة، وابن النّقيب بدمشق، وابن القمّاح بالقاهرة،
وغيرهم، وأذنوا له، وأفاد، وحدّث قديما.
قال ابن حجر: قرأت عليه الكثير، ولازمته طويلا، وخرّجت له عشاريات
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 382) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 398) و «الدّرر الكامنة» (1/ 10) و «السّحب
الوابلة» ص (22) .
[3] ما بين القوسين سقط من «آ» .
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 398) .
[5] في «ط» : «يزيد» .
(8/619)
مائة [1] ، ثم خرّجت له «المعجم الكبير» في
أربعة وعشرين جزءا، فصار يتذكر به مشايخه وعهده القديم، فانبسط للسماع،
وحبّب إليه، فأخذ عنه أهل البلد والرّحّالة فأكثروا عنه، وكان قد أضرّ
بأخرة، وحصل له خلط ثقل منه لسانه، فصار كلامه قد يخفى بعضه بعد أن كان
لسانه كما يقال كالمبرد.
ومات فجأة من غير علّة في جمادى الأولى. انتهى.
وفيها تاج الدّين أحمد بن القاضي فتح الدّين محمد بن أبي بكر إبراهيم
بن أبي الكرم محمد بن الشهيد الشامي [2] الفقيه الشافعي.
شارك في الفنون، والنّظم، والنّثر، ودرّس في عدة أماكن، وباشر قضاء
العسكر، وكان محبوبا إلى النّاس.
توفي في ذي القعدة.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن موسى الدمشقي الشّوبكي [3] ، نزيل
مكة.
قال ابن حجر: كان عارفا بالفقه والعربية، مع الدّين والورع، وأتقن
القراءات، وجاور بمكة نحو عشر سنين، فقرءوا عليه ومات بها في ربيع
الأول، وهو في عشر الخمسين، وكانت جنازته حافلة جدا.
وفيها بدر الدّين حسن بن علي بن سرور بن سليمان البرماوي الشافعي [4]
ابن خطيب الحديثة.
قال ابن حجي: اشتغل وحصّل، وذكر في النّبهاء من [5] بعد
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى «غاية» وانظر «الرسالة المستطرفة» ص (101) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 402) و «الدّرر الكامنة» (1/ 242) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 403) و «الدّرر الكامنة» (1/ 304) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 403) و «الدّرر الكامنة» (2/ 24) و «طبقات
الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 206) .
[5] لفظة «من» سقطت من «ط» .
(8/620)
الخمسين [1] . وقرّر في عدة وظائف، ثم
تركها، وأقبل على العبادة والمواظبة على الأوراد الشاقة، ولم يغيّر زي
الفقهاء، وكان شكلا حسنا، نيّر الوجه، منبسطا، ولا يكون في الخلوة إلّا
مصليا أو تاليا، أو ذاكرا، أو مطالعا في كتاب، وكان يبدي مسائل ومشكلات
ويحسن الجواب، ولم يكن في عصره من الفقهاء أعبد منه، وكان أخوه القاضي
شرف الدّين قد كفاه همّ الدنيا.
مات في سلخ رمضان. انتهى.
وفيها زينب بنت عثمان بن محمد بن لؤلؤ الدمشقية [2] .
سمعت الحجّار، وأجازت للحافظ ابن حجر.
وفيها أبو عامر عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن علي بن عثمان بن يعقوب
بن عبد الحقّ المريني [3] ، صاحب فاس وبلاد المغرب.
توفي في جمادى الآخرة واستقرّ بعده أخوه أبو سعيد عثمان ودبّر أمر
المملكة أحمد بن علي القبائلي على عادته في أيام أخيه.
وفيها تاج الدّين أبو محمد عبد الله بن علي بن عمر السّنّجاري الحنفي
[4] المعروف بقاضي صور- بفتح الصاد المهملة بلدة بين حصن كيفا وبين
ماردين بديار بكر [5]-.
ولد بسنجار سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة، وتفقه بها وبالموصل وماردين،
وكان إماما عالما بارعا مفننا في الفقه، والأصلين، والعربية، واللغة.
أفتى ودرّس سنين، وقدم إلى دمشق ثم إلى القاهرة، وأخذ عن علماء
المصريين، وألّف عدة كتب، منها: «البحر الحاوي» في الفتاوى، و «نظم
المختار» في الفقه، و «نظم السّراجية» في الفرائض، و «نظم سلوان المطاع
لابن ظفر» .
__________
[1] يعني وسبعمائة.
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 404) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 404) .
[4] لفظة «الحنفي» سقطت من «آ» وانظر «إنباء الغمر» (3/ 405) و «النجوم
الزاهرة» (12/ 162) .
[5] تنبيه: كذا قيّدها المؤلّف بفتح الصاد المهملة، والذي في «معجم
البلدان» (3/ 434) «صوّر» بالضم ثم التشديد والفتح، وقال: هي قرية على
شاطئ الخابور، بينها وبين الفدين نحو أربعة فراسخ. وانظر «المسالك
والممالك» ص (74) .
(8/621)
وناب في الحكم بالقاهرة ودمشق وولي وكالة
بيت المال بدمشق، وكان من محاسن الدنيا.
توفي في [1] آخر هذه السنة، رحمه الله تعالى.
وفيها عبد الرحمن بن أحمد بن المقداد بن أبي الوسم بن هبة الله بن
المقداد القيسي الصّقلي الأصل ثم الدمشقي [2] .
قال ابن حجر: سمع من الحجّار، وحفيد العماد، والمزّي، وهلال بن أحمد
البصراوي، وأيوب بن نعمة الكحّال، وغيرهم. وحدّث، وهو رجل جيد أجاز لي
غير مرّة. وكان قد انفرد بسماع «مسند الحميدي» . انتهى.
وفيها مجد الدّين عبد الرحمن بن مكّي الأقفهسي [3] المالكي.
تفقه وناب في الحكم، وتوفي في جمادى الأولى.
وفيها علاء الدّين علي بن صلاح الدّين محمد بن زين الدّين محمد بن
المنجّى بن محمد بن عثمان الحنبلي التّنوخي [4] قاضي الشام.
تقدم في العلم إلى أن صار أمثل فقهاء الحنابلة في عصره، مع الفضل
والصّيانة والدّيانة والأمانة، وناب عن ابن قاضي الجبل، ثم استقلّ
بالقضاء سنة ثمان وثمانين بعد موت ابن التّقي، ثم صرف مرارا، وأعيد،
إلى أن مات في رجب بالطّاعون بمنزله بصالحية دمشق.
وفيها علي بن محمد بن محمد بن أبي المجد بن علي الدمشقي [5] المحدّث
سبط القاضي نجم الدّين الدمشقي، ويعرف بابن الصّايغ وبابن خطيب عين
ترما، وبالجوزي لأن أباه كان إمام مسجد الجوزة بدمشق.
__________
[1] لفظة «في» سقطت من «ط» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 406) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 407) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (3/ 407) و «السحب الوابلة» ص (311) .
[5] انظر «إنباء الغمر» (3/ 407) .
(8/622)
ولد في ربيع الأول سنة سبع وسبعمائة، وسمع
من ابن تيميّة، والقاسم بن عساكر، ووزيرة، والحجّار، وخلق، وتفرّد
بالسماع منهم، وخرّجت له عنهم «مشيخة» وأجاز له سنة ثلاث عشرة التّقي
سليمان، والمطعم، والدّبوسي، وابن سعد، وابن الشّيرازي، وظهر سماعه
للصحيح من ست الوزراء بأخرة، فقرءوا عليه بدمشق، ثم قدم القاهرة فحدّث
به مرارا.
قال ابن حجر: سمعت عليه «سنن ابن ماجة» و «مسند الشافعي» و «تاريخ
أصبهان» وغير ذلك من الكتب الكبار والأجزاء الصغار، فأكثرت عنه، وكان
صبورا على التسميع، ثابت الذهن، ذاكرا، ينسخ بخطّه وقد جاوز التسعين.
صحيح السمع والبصر، رجع إلى بلده فأقام بمنزله إلى أن مات في ربيع
الأول.
وفيها شمس الدّين محمد بن يسير البعلبكي، المعروف بابن الأقرع الحنبلي
الأعجوبة [1] .
قال في «إنباء الغمر» : اشتغل كثيرا، وتمهر، وكان جيد الذهن، قوي
الحفظ، يعمل المواعيد عن ظهر قلب، وله عند العامة بدمشق قبول زائد،
وكان طلق اللّسان، حلو الإيراد.
مات في شهر رمضان مطعونا. انتهى.
وفيها بهاء الدّين أبو البقاء محمد بن حجي الحسباني الشافعي [2] ، أخو
قاضي الشام الآن نجم الدّين عمر، والشيخ شهاب الدّين.
ولد سنة ثلاث وستين وسبعمائة، وعني بالعلم، وشارك في عدة فنون، وكان
حسن الصّوت بالقرآن جدا.
توفي في شوال شابا.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 411) وفيه: «محمد بن بشير» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 411) .
(8/623)
وفيها أبو عبد الله محمد بن سلامة التّوزري
المغربي الكركي [1] نزيل القاهرة.
قال ابن حجر: كان فاضلا، مستحضرا لكثير من الأصول والفقه، صحب السلطان
في الكرك فارتبط عليه واعتقده، ثم قدم عليه فعظمه جدا، وكان يسكن في
مخزن في اسطبل الأمير قلمطاي الدويدار، وإذا ركب إلى القلعة ركب على
فرس بسرج ذهب، وكبنوش مزركش من مراكب السلطان، وكان داعية إلى مقالة
ابن العربي الصّوفي يناضل عنها ويناظر عليها، ووقع له مع شيخنا الشيخ
سراج الدّين البلقيني مقامات. اجتمعت به وسمعت كلامه، وكنت أبغضه في
الله تعالى، وكان قد حجّ في السنة الماضية، ووقع بينه وبين ابن النقّاش
وغيره ممن حجّ من أهل الدّين وقائع وكتبوا عليه محضرا بأمور صدرت منه
فيها ما يقتضي الكفر، ولم يتمكنوا من القيام عليه لميل السلطان إليه.
مات في الرابع والعشرين من ربيع الأول، ولمّا مات أمر السلطان ليبلغا
السالمي بمائتي دينار ليجهزه بها، فتولى غسله وتجهيزه، وأقام على قبره
خمسة أيام بالمقرءين على العادة. انتهى كلام ابن حجر.
وفيها جمال الدّين محمد بن عبد اللطيف بن محمد بن يوسف الزّرندي المدني
الحنفي [2] .
عني بالفقه والحديث، وبرع في مذهب الإمام الأعظم.
توفي بين مكة والمدينة.
وفيها أمين الدّين محمد بن محمد بن علي الأنصاري الحمصي الدمشقي الحنفي
[3] .
تقدم في الأدب، وأخذ الفقه عن رمضان الحنفي، والعربية عن تقي الدّين
ابن الحمصية، وولي كتابة السرّ بحمص، ثم بدمشق.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 411) و «النجوم الزاهرة» (12/ 165) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (3/ 413) و «التحفة اللطيفة» (3/ 654) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 414) و «النجوم الزاهرة» (12/ 163) .
(8/624)
قال ابن حجر: قدم القاهرة مع نائبها تنم
فاجتمعت به، وسمعت عليه قطعة من نظمه، وأجاز لي، وكان شكلا حسنا، مع
التواضع والأدب، وكان له في النظم والنثر اليد البيضاء طارح فتح الدّين
بن الشهيد، وعلاء الدّين التّبريزي، وفخر الدّين بن مكانس وغيرهم،
وأثنى عليه طاهر بن حبيب، وقال: كانت له مشاركة في الفنون، وكتابة
فائقة، وعبارة رائقة.
توفي في ربيع الأول ولم يكمل الخمسين.
ومن شعره:
كلّما قلت قد نصرت عليه ... لاح من عسكر اللّحاظ كمينا
خنت فيه مع التشويق صبري ... ليت شعري فكيف أدعى أمينا
وفيها شمس الدّين محمد بن المبارك بن عثمان الحلبي الرّومي الأصل
الحنفي [1] .
أصله من قرية يقال لها فنرى [2] . قرأ ببلاده «الهداية» على التاج بن
البرهان، ثم قدم حلب، فأخذ عن الشيخ شمس الدّين بن الأقرب وقطبها، وكان
صالحا، خيّرا، متعبدا، وهو آخر فقهاء حلب المتعبدين العاملين، كثير
التلاوة والخير والعبادة والإيثار.
قدم القاهرة فأخذ عن العراقي، وابن الملقن، والجلال التباني، وحجّ،
وجاور، ومات في ثامن عشر شهر رمضان.
وفيها بدر الدّين محمد بن يوسف بن أحمد بن الرّضي عبد الرحمن الدمشقي
الحنفي [3] .
اشتغل، وبرع، وسمع من ابن الخبّاز، وابن عبد الكريم، وكان أعرف
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 415) و «الدّرر الكامنة» (4/ 153) .
[2] في «آ» و «ط» : «يرى» من غير تنقيط وما أثبته من «إنباء الغمر»
مصدر المؤلّف.
[3] انظر «إنباء الغمر» (3/ 416) .
(8/625)
من بقي من الحنفية بنقل الفقه، مع جودة
النباهة، ودرّس بأماكن وأفتى، وناب في الحكم، وكان هو المعتمد عليه في
المكاتيب بدمشق، وتوفي في ذي الحجّة.
وفيها شمس الدّين محمد بن يوسف بن أبي المجد الحكّار [1] .
سمع من الميدومي، وابن عبد الهادي، وغيرهما، وأجاز له جماعة من
المصريين والشاميين، وحدّث، وسمع منه الحافظ ابن حجر، وتوفي في رجب،
والله تعالى أعلم.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (3/ 416) .
(8/626)
تمّ بعون الله تعالى وتوفيقه تحقيقنا
للمجلد الثامن من «شذرات الذهب في أخبار من ذهب» للإمام ابن العماد
الحنبلي في اليوم الثاني من شهر ربيع الثاني الأغر لعام 1412 هـ،
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وأسأل الله عزّ وجلّ أن يعيننا
على الانتهاء من تحقيق بقية الكتاب بحوله وقوته، إنه تعالى خير مسؤول،
وأسرع مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين محمود الأرناؤوط
(8/627)
[المجلد التاسع]
تقديم [1] للأستاذ الدكتور شاكر الفحّام نائب رئيس مجمع اللّغة
العربيّة بدمشق المدير العام لهيئة الموسوعة العربيّة
- 1- أبو الفلاح عبد الحي بن أحمد بن محمد العكري الصالحي الحنبلي
المعروف بابن العماد (1032- 1089 هـ) من أبرز من أنجبته دمشق من
المؤرخين في القرن الحادي عشر الهجري.
وصفه تلميذه المحبي في (خلاصة الأثر) فأضفى عليه حلل الثناء تقديرا
لمكانته العلمية، وتحدّث بإعجاب بالغ عن سعة معرفته بالعلوم المختلفة،
وعدد تآليفه، وأشاد بمهارته في تعليم طلابه والآخذين عنه.
شهر ابن العماد بكتابه العظيم: (شذرات الذهب) الذي لخص فيه أحداث ألف
عام (سنة 1- 1000 هـ) ، وعني فيه بتراجم العلماء والأعلام.
وقد فرغ من تأليفه في يوم الاثنين التاسع عشر من شهر رمضان المعظم من
شهور سنة ثمانين وألف [2] وكان في نحو الثامنة والأربعين من عمره.
__________
[1] تفضل الأستاذ الكبير الدكتور شاكر الفحّام بكتابة هذا التقديم بعد
اطلاعه على المجلدات السبعة الأولى الصادرة من الكتاب، وعلى تجربة
الطبع الأولى للمجلد الثامن منه، فجزاه الله تعالى خير الجزاء وحفظه
ذخرا لطلبة العلم في هذه الدّيار. (المحقق) .
[2] شذرات الذهب (مكتبة القدسي) 8: 443.
(9/1)
ودلّ هذا الكتاب على سعة اطلاع ابن العماد،
وكثرة الكتب التي نقل عنها. وقد ذكر طائفة من تلك الكتب في مقدمة كتابه
[2] ، ونثر الكثير منها في متن الكتاب، وأغفل ذكر جملة منها فقال:
«وربما لم أعز ما أنقله إلى كتاب لظهور ما أثبته ولطلب الاختصار» [3] .
وعني الخالفون بكتاب (الشذرات) ووألوا إليه، ومما يدل على تلك العناية
ما انتهى إلينا من اختصار ابن شقدة الدمشقي (ت. 116 هـ) له في كتابه:
(منتخب شذرات الذهب) [4] .
- 2- طبع كتاب (شذرات الذهب) طبعته الأولى سنة (1350- 1351 هـ) .
أصدرته مكتبة القدسي بالقاهرة في ثمانية أجزاء، وأثبتت على صفحته
الأولى أنه طبع عن نسخة المصنّف المحفوظة في دار الكتب المصرية، مع
مقابلة بعضها بنسختين في الدار أيضا، وبعضها بنسخة الأمير عبد القادر
الجزائري.
ونشرت في مطلع الجزء الأول من الكتاب صورة الصفحة الأولى من مخطوط
(الشذرات) وقد ظهر فيها: «انتقل، ولله الحمد والمنّة، إلى ملك جامعه
الفقير أبي الفلاح عبد الحي بن أحمد بن محمد ابن العماد، غفر الله
تعالى ذنوبه، آمين» ، وتحت هذا التملك ختمه. ثم ظهر في أسفل الصفحة:
«دخل، ولله الحمد والمنة، وفي ... وأحوجهم إلى وجود ربه ... ابن عبد
الحي بن ... العماد، غفر ... لهم أجمعين، آمين» .
ثم جاء في ختام الجزء الرابع المطبوع: «نجز الجزء الأول [أي من تجزئة
الأصل] من (شذرات الذهب في أخبار من ذهب) في منتصف جمادى الثانية الذي
هو من شهور سنة إحدى وثمانين وألف على يد أفقر عباد الله محمد بن أحمد
بن شيخ المحيا ... وهذه نسخة نقلت من خط المصنّف حفظه الله تعالى.
وهي ثاني نسخة، ولله الحمد» [5] .
__________
[2] شذرات الذهب (دار ابن كثير) 1: 111- 112.
[3] شذرات الذهب (مكتبة القدسي) 8: 443.
[4] شذرات الذهب (دار ابن كثير) 6: المقدمة (1- 2) .
[5] شذرات الذهب (مكتبة القدسي) 4: 348.
(9/2)
وقال الناسخ في آخر الكتاب: «وكان الفراغ
من نسخه يوم الخميس خامس عشر شهر رجب الفرد الذي هو من شهور سنة أربعة
وثمانين وألف على يد الفقير الحقير محمد بن أحمد المحيوي الصالحي ...
وهي أول نسخة نقلت من خط المصنّف حفظه الله تعالى» . [6] وذكر الناشر
في مطلع الكتاب ترجمة ابن العماد مقتبسة من (النعت الأكمل) و (السحب
الوابلة) ، و (خلاصة الأثر) . ثم ذكر جملة من مصادر ابن العماد [7] .
ووعد بإضافة تعليقات للسيد أحمد رافع الطهطاوي، ولكنه لم يستطع الوفاء
بما وعد [8] .
وقد يسرت مكتبة القدسي بطبعتها الاطلاع على كتاب نفيس، كانت تتشوق إليه
النّفوس.
- 3- لم يلق الكتاب آنذاك ما يستحق من التحقيق والتدقيق والمراجعة،
فوقع فيه التصحيف والتحريف والسقط. ومرّت على طبعته تلك خمس وخمسون
سنة، وهي الطبعة الوحيدة التي تصورها المطابع، وتتداولها الأيدي، حتى
انتدب الأستاذ محمود الأرناؤوط لتحقيق الكتاب تحقيقا علميا، فأعد للأمر
عدته، وشدّ له حيازيمه، واعتمد مخطوطة الظاهرية (رقم 3465 عام) أصلا
[9] . وهي نسخة فرغ شعبان بن عبد الله الشافعي المخزومي من كتابتها
صبيحة يوم الجمعة رابع عشر شهر شوال من شهور سنة خمس وثمانين وألف.
ونقلت من خط مؤلّفها. وهي ثالث نسخة تمت. كما عاد في تحقيقه إلى النسخة
المطبوعة [10] .
__________
[6] شذرات الذهب (مكتبة القدسي) 8: 443.
[7] شذرات الذهب (مكتبة القدسي) 1: 363- 364، 8: 487.
[8] شذرات الذهب (مكتبة القدسي) 1: 362.
[9] انظر وصف المخطوطة في فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية- التاريخ
وملحقاته للأستاذ يوسف العش ص 11، فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية-
التاريخ وملحقاته للأستاذ خالد الريان ص 656.
[10] شذرات الذهب (دار ابن كثير) 1: 97- 98، 105.
(9/3)
ثم أفاد في التحقيق من كتاب: (منتخب شذرات
الذهب) لابن شقدة [11] .
وعني بتخريج النصوص والأشعار من مظانها، ونسبة ما أغفله ابن العماد فلم
يعزه، مستدركا تارة من المصادر، ومصححا تارة أخرى. وقد ضبط الألفاظ
وفسّر المشكل.
وقد تولى والد المحقق الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، وهو العالم
المحدّث الثقة، تخريج الأحاديث النبوية والإشراف على التحقيق فحظي
الكتاب بمزيّة لا تضاهى [12] .
وقدّم الأستاذ محمود للكتاب بمقدمة أطال فيها عنان القول متحدثا عن
مشهوري المؤرخين الذين سبقوا ابن العماد، ثم ترجم لابن العماد، وكشف عن
قيمة كتاب (الشذرات) بين كتب المؤرخين، وبيّن النهج الذي سلك في تحقيق
الكتاب [13] .
وقد كلّفته هذه الخطة العلمية التي انتهجها العودة إلى مصادر كثيرة
تطالعك بوجوهها في حواشي الكتاب، وتكشف لك عن هذا الجهد الجاهد الذي
أخذ به نفسه ليقدّم الكتاب في أبهى حلّة، وقد استكمل حقّه في التحقيق.
وزيّن المحقّق الكتاب بتعليقات ضافية تلوح كالدرر، فبدا الكتاب
بتعليقاته ومصادره مجمع فوائد، تأخذ بيد قارئه لتهديه إلى مراده بأيسر
سبيل.
ولا أزعم أن الكتاب قد خلا من الغلط والسهو فذلك فوق الوسع، وقد سأل
الأستاذ المحقّق ألا يبخل أحد عليه باستدراك وقع له، فالكتاب إرث
الأمة، يتعاون الناصحون المخلصون ليبلغوا بالكتاب المحقّق ما يرجون له
من الإتقان [14] .
__________
[11] شذرات الذهب (دار ابن كثير) 5: 6، 6: المقدمة (1- 2) .
[12] شذرات الذهب (دار ابن كثير) 1: 10 و 95- 101.
[13] شذرات الذهب (دار ابن كثير) 1: 7- 105.
[14] شذرات الذهب (دار ابن كثير) 1: 99.
(9/4)
ولئن كان المحقّق قد وفق التوفيق كله في
تحقيق متن الكتاب، إنه قد أخذ نفسه من بعد، بتهيئة فهارس ضافية، تفتح
مغاليق هذا الكتاب الضخم، لتجعله لقارئه على طرف الثّمام.
لا أملك إلا أن أهنئ الأستاذ محمود الأرناؤوط على ما بذل من جهد حتى
أظهر كتاب (شذرات الذهب) بحلّته القشيبة، ميسرا للواردين.
جزاه الله الجزاء الأوفى على ما بذل وقدم وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ
خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلًا 18: 46.
دمشق في 8 ربيع الأول 1413 هـ.
5 أيلول 1992 م الدكتور شاكر الفحّام
(9/5)
نسخة أخرى من منتخب شذرات الذّهب بين
أيدينا
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم أنعمت فتمم، ويسرت السّبيل فسدّد الخطا،
يا أرحم الراحمين.
وبعد: فقد من الله تعالى علينا بمصورة نسخة خطية أخرى من «منتخب شذرات
الذهب» للعلّامة المؤرخ البارع الشيخ عبد الرحيم بن مصطفى بن أحمد بن
محمد الشهير بابن شقدة الدّمشقي الصّالحي [1] ، وهذه النسخة الجديدة هي
في الأصل من محفوظات مكتبة الرئيس الشيخ محمد تاج الدّين الحسنيّ
الدّمشقي [2] ، وهي نسخة خزائنية نفيسة وخطها جميل جدا، وتقع في (1489)
صفحة، وقد وقفت عليها في مكتب البحث العلمي العائد للشركة المتحدة
للتوزيع بدمشق في بداية عام (1412) هـ، واستأذنت القائمين عليه
بالاستفادة منها وتصوير نسخة عنها فأذنوا لي بذلك، جزاهم الله تعالى
خير الجزاء [3] .
__________
[1] هكذا ورد اسمه في صدر «المنتخب» بنسختيه، وقد سبق التعريف به
وبكتابه في صدر المجلد السادس عند الكلام على مصورة النسخة الخطية
الأخرى من «المنتخب» التي توفرت لنا واستعنا بها في التحقيق ابتداء من
أول المجلد المذكور.
[2] انظر ترجمته في «الأعلام» للعلّامة الأستاذ خير الدّين الزركلي (7/
82- 83) الطبعة السادسة، و «معالم وأعلام» للأستاذ أحمد قدامة (1/ 304)
و «أعلام دمشق في القرن الرابع عشر» للدكتور محمد عبد اللطيف صالح
الفرفورص (252) و «تاريخ علماء دمشق في القرن الرابع عشر الهجري»
للأستاذين محمد مطيع الحافظ ونزار أباظة (2/ 576- 578) .
[3] ومن حسنات هذه النسخة القيّمة من «المنتخب» أنها نسخت عن نسخة بخط
العالم الكبير الشيخ حسن بن عمر الشّطّي البغدادي الأثري الحنبلي
السّلفي المتوفى سنة (1274 هـ) كما هو مبين في صورة الصفحة الأخيرة
منها المرفقة مع هذه الكلمة.
(9/5)
وقد استفدت من المراجعة في نسخة «المنتخب»
هذه ابتداء من أول المجلد التاسع من الكتاب وإلى نهاية المجلد العاشر
والأخير منه.
وأرى من المفيد أن أشير هنا إلى أن القيمة الحقيقة لكتاب «شذرات الذهب»
إنما تكمن في العدد الكبير جدا من التراجم المختلفة المنوعة التي احتوت
عليها مجلداته العشر، والتي لا يجاريه في عددها وتنوعها أي مصدر آخر من
المصادر الموثوقة الأخرى لفنّي التأريخ والسّير مما خلّفه الأسلاف من
علماء هذه الأمّة العظيمة، أحسن الله إليهم.
وأضرع إلى الله عزّ وجل أن يعينني ويعين والدي- المشرف على تحقيق
الكتاب- على الانتهاء من إخراج ما بقي من مجلدات هذا السّفر الجليل على
أحسن صورة ترضي الله تعالى، وتسعد فؤاد كل محبّ للتراث العربي الإسلامي
إن شاء الله تعالى.
وختاما اكرر ما قلته في آخر مقدمتي للمجلد الأول من هذا الكتاب [1] وفي
الكلمة التي كتبتها بين يدي المجلد الخامس منه: إن هذا الكتاب هو في
نهاية الأمر إرث لأفراد الأمة جميعهم، والنصح للقائمين على تحقيقه
وإخراجه هو نصح للناطقين بالعربية في مشارق الأرض ومغاربها. راجيا من
جميع العالمين في فنّ التحقيق وسواهم أن لا يبخلوا عليّ بملاحظاتهم
وتصويباتهم، ولسوف أذكر أصحابها بالجميل في آخر الكتاب إن شاء الله
تعالى [2] .
اللهم إني أسألك أن تسدّد خطاي لما فيه الخير والفلاح في الدّنيا
والآخرة، وأن تجعلني ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وممن يعملون
أضعاف ما يتكلمون، والحمد لله أولا وآخرا، وظاهرا وباطنا.
دمشق 29 من شهر رمضان المبارك لعام 1412 هـ.
محمود الأرناؤوط
__________
[1] ص (99) .
[2] عنواني الدائم هو: (ص. ب/ 6000/ دمشق- الجمهورية العربية السورية)
.
(9/6)
|