شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة إحدى وثمانين
وثمانمائة
فيها توفي كما قال في «ذيل الدول» [1]- شيخ فضلاء العصر أبو بكر بن
محمد بن شادي الحصني الشافعي [2] الإمام العلامة توفي في ربيع الأول عن
خمس وستين سنة.
وفيها القاضي شهاب الدّين أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن محمد
النّويري الغزّي المالكي [3] قاضي المالكية الإمام العالم.
توفي بغزّة في جمادى الآخرة.
وفيها تقريبا الشيخ جمال الدّين بير جمال الشّيرازي العجمي [4] الشافعي
الصّوفي الإمام القدوة المسلّك العارف.
قال المناوي: كان من كبار العابدين المسلّكين، ومن أهل العلم والدّين
المتين.
قدم مكّة ثم القاهرة، وصحبته نحوا من أربعين [5] من مريديه ما بين
علماء أكابر، وصوفية أماثل، وأبناء رؤساء، منهم الإمام عميد الدّين
قاضي شيراز، ترك
__________
[1] قلت: ترجمته في القسم الساقط من النسخة التي اعتمدنا عليها في
مراجعة «الذيل التام على دول الإسلام» للسخاوي، وقد استدركنا هذه
الترجمة في الكتاب المذكور نقلا عن «الشذرات» .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (11/ 76) وفيه: «ابن شاذي» بالذال، و
«البدر الطالع» (1/ 166) .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 188) .
[4] ترجمته في «جامع كرامات الأولياء» (1/ 370) .
[5] في «ط» : «وصحبته نحو أربعين» .
(9/495)
الدنيا وتبعه، وكان أتباعه على قلب واحد في
طاعته والانقياد التام [1] إليه، وكلّهم على طهر دائما، وكان طريقه
مداومة الذكر القلبي لا اللساني، وإدامة الطهارة، ولبس المسوح من وبر
الإبل، وملازمة كل إنسان حرفته. وكانت جماعته على أقسام، فالعلماء
والطلبة يشغلهم بالكتابة، ومن دونهم كلّ بحرفته ما بين غزل، ونسج،
وخياطة، وتجليد كتب، وغيرها.
وكان دائم النصيحة والتسليك، موصلا إلى الله تعالى من أراده. وله
كرامات منها أن السيد علي بن عفيف الشّيرازي عارضه وأنكر عليه، فأصابه
خرّاج في جنبه. فمات فورا.
وتوفي صاحب الترجمة ببيت المقدس. انتهى.
وفيها داود بن بدر الحسني الصّوفي [2] .
قال المناوي: كان من الأولياء المشهورين، وأكابر العارفين.
نشأ بشرافات قرية بقرب بيت المقدس [3] ، وله كرامات، منها أن القرية
التي كان بها أهلها كلهم نصارى ليس فيهم مسلم إلّا الشيخ وأهل بيته،
وكانت حرفة أهل القرية عصر العنب وبيعه، فشق ذلك عليه، فتوجه بسببهم،
فصار كل شيء عملوه خلّا وماء، وعجزوا، فارتحلوا منها، ولم يبق فيها إلا
الشيخ وجماعته، فشق على مقطعها، فاستأجرها منه، وبنى بها زاوية
لفقرائه.
ومنها أنه لما عقد القبة التي على القبر الذي أعدّه ليدفن فيه أتي طائر
فأشار إليها فسقطت، فأمر الشيخ بإعادتها، ففعل كذلك، فأمر ببنائها
ثالثا، وحضر الشيخ، فلما انتهت أتى الطائر ليفعل فعله، فأشار إليه
الشيخ فسقط ميتا، فنظروا إليه فإذا هو رجل عليه أبّهة وشعر رأسه مسدول
طويل، فغسّله وكفّنه، وصلى عليه
__________
[1] لفظة «التام» سقطت من «آ» .
[2] لم أعثر على ترجمته فيما بين يدي من المصادر باستثناء «جامع كرامات
الأولياء» (2/ 7) وقد ذكر بأن وفاته كانت سنة (701) نقلا عن «الأنس
الجليل» .
[3] وقال في «معجم بلدان فلسطين» ص (467) : شرفات: قرية تطل على مدينة
القدس من بعد نحو خمسة أكيال.
(9/496)
ودفنه، وقال: بعث لحتفه، وهو ابن عمي، اسمه
أحمد الطير، غارت همته من همتنا، وأراد طفي الشهرة بهدم القبة، ويأبى
الله إلّا ما أراده، فكان أول من دفن بها [1] .
وتوفي المترجم في هذه السنة ودفن بالقبة أيضا. انتهى.
وفيها سيف الدّين محمد بن محمد بن عمر بن قطلوبغا البكتمريّ القاهري
الحنفي النحوي [2] .
قال السيوطي في كتابيه «حسن المحاضرة» و «طبقات النّحاة» : شيخنا
الإمام العلّامة سيف الدّين الحنفي.
ولد تقريبا على رأس ثمانمائة، وأخذ عن السّراج قارئ الهداية، والزّين
التّفهني، ولزم العلّامة كمال الدّين ابن الهمام وانتفع به، وبرع في
الفقه، والأصول، والنحو، وغير ذلك. وكان شيخه ابن الهمام يقول عنه: هو
محقّق الدّيار المصرية، مع ما هو عليه من سلوك طريق السّلف، والعبادة،
والخير، وعدم التردّد إلى أبناء الدنيا، والانقباض عليهم. لازم
التدريس، ولم يفت، واستنابه ابن الهمام في مشيخة الشيخونية لمّا حجّ
أول مرة. وولي مشيخة مدرسة زين الدّين الأستادار، ثم تركها، ودرّس
التفسير بالمنصورية، والفقه بالأشرفية العتيقة.
وسئل تدريس الحديث في مدرسة العيني لما رتّبت فيها الدروس في سنة
سبعين، فامتنع مع الإلحاح عليه. وله «حاشية» مطوّلة على «توضيح ابن
هشام» كثيرة الفوائد.
وتوفي يوم الثلاثاء ثاني عشري ذي القعدة، وهو آخر شيوخي موتا، لم يتأخر
بعده أحد ممن أخذت عنه العلم إلّا رجل قرأت عليه ورقات «المنهاج» وقلت
أرثيه:
__________
[1] في «ط» : «فيها» .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 173) و «حسن المحاضرة» (1/ 478) وما
بين الحاصرتين مستدرك منه و «بغية الوعاة» (1/ 231) .
(9/497)
مات سيف الدّين منفردا ... وغدا في اللّحد
منغمدا
عالم الدّنيا وصالحها ... لم تزل أحواله رشدا
[يبكيه دين النّبيّ إذا ... مات أتاه ملحد كمدا]
إنّما يبكى على رجل ... قد غدا في الخير معتمدا
لم يكن في دينه وهن ... لا ولا للكبر منه ردا
عمره أفناه في نصب ... لإله العرش مجتهدا
من صلاة أو مطالعة ... أو كتاب الله مقتصدا
لا يوافيه لمظلمة ... بشر [1] أو مدّع فندا
في الّذي قد كان من ورع ... لم يخلّف بعده أحدا
دانت الدّنيا لمنصرم ... ورحيل النّاس قد أفدا
ليت شعري من نؤمّله ... بعد هذا الحبر ملتحدا
ثلمة في الدّين موتته ... ما لها من جابر أبدا
قد روينا ذاك في خبر ... وهو موصول لنا سندا
فعليه هامعات رضا ... ومن الغفران سحب ندى
وبعثنا ضمن زمرته ... مع أهل الصّدق والشّهدا
انتهى.
وفيها القاضي شمس الدّين محمد بن محمود بن خليل الحلبي الحنفي، المعروف
بابن أجا [2] الإمام العالم.
توفي بحلب في جمادى الآخرة عن ستين سنة.
وفيها محمد بن يعقوب بن المتوكل العبّاسي [3] أخو أمير المؤمنين.
__________
[1] في «ط» : «بشره» .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 43) .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 86) .
(9/498)
توفي في جمادى الثانية عن أربع وستين سنة.
وفيها قاضي القضاة بدر الدّين أبو عبد الله محمد بن قاضي القضاة شرف
الدّين عبد القادر بن العلّامة المحقّق شمس الدّين أبي عبد الله محمد
الجعفري النابلسي [1] الحنبلي.
تقدم ذكر والده وجدّه.
ولد سنة اثنتين، وقيل: إحدى وتسعين وسبعمائة، ونشأ على طريقة حسنة، وهو
من بيت علم ورئاسة، وسمع من جدّه، وابن العلائي، وجماعة، وباشر القضاء
بنابلس نيابة عن ابن عمّه القاضي تاج الدّين عبد الوهاب المتقدم ذكره.
ثم وليها استقلالا بعد الأربعين والثمانمائة عوضا عن القاضي شمس الدّين
بن الإمام المتقدم ذكره. ثم أضيف إليه قضاء القدس مدة، ثم عزل من
القدس، واستمرّ قاضيا بنابلس. وولي أيضا قضاء الرّملة، ونيابة الحكم
بالديار المصرية. وكان حسن السيرة، عفيفا في مباشرة القضاء، له هيبة
عند الناس، حسن الشكل، عليه أبّهة ووقار. رزق الأولاد، وألحق الأحفاد
بالأجداد، ومتّع بدنياه، وعزل عن القضاء في أواخر عمره، واستمر معزولا
إلى أن توفي بنابلس يوم الخميس سادس عشر شهر رمضان وله نحو التسعين
سنة.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 69) و «المنهج الأحمد» الورقة (505-
506) و «السحب الوابلة» ص (390) .
(9/499)
سنة اثنتين وثمانين
وثمانمائة
فيها توفي تقي الدّين أبو الصّدق أبو بكر بن محمد الحمصي المنبجي
الحنبلي [1] .
قال العليمي: قرأ «العمدة» للشيخ الموفق، والنظم للصرصري، ثم قرأ
«المقنع» و «أصول الطوفي» و «ألفية ابن مالك» . وحفظ القرآن، واشتغل
بالمنطق والمعاني والبيان، وأتقن الفرائض، والجبر، والمقابلة، وتفقّه
على ابن قندس، وأذن له في الإفتاء، وكان مشتغلا بالعلم، ويسافر
للتجارة، وصحب القاضي عزّ الدّين الكناني بالدّيار المصرية.
وتوفي بالقاهرة في رجب عن نحو ثلاث وستين سنة، ودفن بالقرب من محب
الدّين بن نصر الله [2] البغدادي.
وفيها حسن بك بن علي بك بن قرابلوك [3] متملك العراقين، وأذربيجان،
وديار بكر.
توفي في جمادى الآخرة أو رجب.
وفيها العلمي شاكر بن عبد الغني [4] بن شاكر بن ماجد بن عبد الوهاب
القاهري، الشهير بابن الجيعان [5] .
__________
[1] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (506) و «السحب الوابلة» ص (137)
وفيه: «المنيحي» .
[2] لفظ الجلالة سقط من «آ» .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 112) .
[4] في «ط» : «شاكر بك عبد الغني» .
[5] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 291) .
(9/500)
توفي في ربيع الآخر وقد جاوز التسعين.
وفيها عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عمر العقيلي الحنفي، المعروف بابن
العديم [1] الإمام العالم العلّامة [2] .
توفي في ذي الحجّة وقد جاوز السبعين.
وفيها قاضي القضاة علاء الدّين أبو الحسن علي بن قاضي القضاة صدر
الدّين أبي بكر بن قاضي القضاة تقي الدّين إبراهيم بن محمد بن مفلح
الحنبلي [3] الإمام العلّامة، شيخ الإسلام.
ولد سنة خمس عشرة وثمانمائة، وكان من أهل العلم والرئاسة. ولي قضاء حلب
وباشره مدة طويلة، ثم قضاء الشام، وأضيف إليه كتابة السرّ بها، ثم أعيد
إلى قضاء حلب، ثم عزل، واستمرّ معزولا إلى الموت، ولم يكن له حظّ من
الدنيا. وكان موصوفا بالسّخاء، والشهامة.
وتوفي بحلب في صفر.
وفيها علاء الدّين علي بن محمد بن عبد الله بن الزّكي الغزّي الحنبلي
[4] الإمام العالم.
توفي بنابلس في جمادى الآخرة في حياة والده، ودفن بمقبرة القلاس.
وفيها القاضي علاء الدّين علي بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد بن عبد
العزيز النّويري المكّي [5] قاضي المالكية بها، وابن قاضي الشافعية
بها.
كان إماما، عالما.
توفي في ربيع الأول عن ست وستين سنة.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 218) .
[2] لفظة «العلّامة» سقطت من «ط» .
[3] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (506) و «الضوء اللامع» (5/ 198)
و «السحب الوابلة» ص (290) .
[4] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (506) و «السحب الوابلة» ص (307)
.
[5] ترجمته في «الضوء اللامع» (6/ 12) .
(9/501)
وفيها أبو المواهب محمد بن أحمد بن محمد بن
الحاج التّونسي ثم القاهري المالكي الصوفي، ويعرف بابن زغدان- بمعجمتين
ونون آخره- البرلسي [1] ، نسبة لقبيلة.
قال المناوي: صوفيّ، حبر، كلامه، مسموع، وحديث قدره مرفوع، إمام
الورعين، كنز العارفين، علّم الزّاهدين.
ولد سنة عشرين وثمانمائة بتونس، فحفظ القرآن، وكتبا، وأخذ العربية عن
أبي عبد الله الرّملي وغيره، والفقه عن البرزالي وغيره، والمنطق عن
الموصلي، والأصلين والفقه عن إبراهيم الأخضري، ثم قدم مصر، فأخذ الحديث
عن ابن حجر، والتصوف عن يحيى بن أبي وفاء، وصار آية في فهم كلام
الصوفية. وكان له اقتدار تام على التقرير، وبلاغة في التعبير، وكان
جميل الصورة والملبس والتعطر، وأغلب أوقاته مستغرق في الله ومع الله،
وكان له خلوة بسطح جامع الأزهر، مكان المنارة التي عملها الغوري، وكان
يغلب عليه سكر الحال، فيتمايل في صحن الجامع، فيتكلّم الناس فيه بحسب
ما في أوعيتهم حسنا وقبحا.
وله تصانيف، منها «مراتب الكمال» في التصوف، و «شرح الحكم» [2] لم يتم
ولا نظير له في شروحها، و «مواهب المعارف» وكتاب «فوائد حكم الإشراق
إلى صوفية جميع الآفاق» قال الشعراني [3] : ولم يؤلّف في الطريق مثله،
وكان داعية إلى ابن عربي، شديدا في المناضلة عنه والانتصار له، وله
مؤلّف في حلّ سماع العود.
ومن كلامه: ما اعترض أحد على أهل الطريق فأفلح.
ومنه: إنما نزلت سورة أَلَمْ نَشْرَحْ 94: 1 [الانشراح: 1] عقب
وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ 93: 11 [الضّحى: 11] إشارة إلى
من حدّث بالنعمة، فقد شرح الله صدره كأنه
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (7/ 66) .
[2] أي «شرح الحكم العطائية» .
[3] في «آ» و «ط» : «الشعراوي» والصواب ما أثبته.
(9/502)
قال: إذا حدّثت بنعمتي ونشرتها، شرحت لك
[1] صدرك. قال: فاعقلوه فإنه لا يسمع إلّا من ربّاني.
وقال: حكم الملك القدّوس أن لا يدخل حضرته أحدا من أهل النّفوس.
توفي بالقاهرة ودفن بمقبرة الشّاذلية مع أصحاب الشيخ أبي الحسن
الشّاذلي. انتهى ملخصا.
وفيها الكمالي أبو البركات قاضي جدّة محمد بن علي بن محمد بن محمد بن
حسين القرشي المكّي الشافعي، المعروف بابن ظهيرة [2] الإمام العالم
الأصيل.
توفي سلخ ربيع الآخر عن ستين سنة.
وفيها جمال الدّين يوسف بن محمد المرداوي السّعدي الحنبلي، المعروف
بابن التنبالي [3] الإمام الفقيه العلّامة.
قال العليمي: كان من أهل العلم والدّين، اختصر كتاب «الفروع» للعلّامة
شمس الدّين بن مفلح، وكان يحفظ «الفروع» [أو غالبه] ، و «جمع الجوامع»
وغيرهما. ويكتب على الفتوى، وتلمذ له جماعات من الأفاضل.
وتوفي بدمشق. انتهى.
__________
[1] لفظة «لك» سقطت من «آ» .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 208) .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 332) و «المنهج الأحمد» الورقة (507)
وما بين الحاصرتين مستدرك منه.
(9/503)
سنة ثلاث وثمانين
وثمانمائة
فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن إسماعيل بن أبي بكر بن عمر بن خالد
الإبشيطي [1]- بكسر الهمزة، وسكون الموحدة، وكسر المعجمة، آخره طاء
مهملة- الشافعي ثم الحنبلي الصّوفي الإمام العلّامة البارع المفنّن.
قال العليمي: مولده بإبشيط [2] في سنة اثنتين وثمانمائة، وكان من أهل
العلم، والدّين، والصّلاح، مقتصدا، في مأكله وملبسه، وكان يلبس قميصا
خشنا، ويلبس فوقه في الشتاء فروة كبّاشية، وإذا اتسخ قميصه يغسله في
بركة المؤيدية بماء فقط، وكان بيده خلوة له بقعة منها فيها برش خوص،
وتحت رأسه طوبتان، وإلى جانبه قطعة خشب عليها بعض كتب له، وبقية الخلوة
فيها حبال السّاقية والعليق، بحيث لا يختص من الخلوة إلّا بقدر حاجته.
وكان له كل يوم ثلاثة أرغفة يأكل رغيفا واحدا ويتصدق بالرغيفين.
وكان معلومه [3] في كل شهر نحو أشرفي، يقتات منه في كل شهر بنحو خمسة
أنصاف فضة، وهي عشرة دراهم شامية أو أقلّ، والباقي من الأشرفي يتصدّق
به. وكان هذا شأنه دائما، لا يدّخر شيئا، يفضل عن كفايته، مع الزّهد،
ووقع له مكاشفات وأحوال تدلّ على أنه من كبار الأولياء، وانقطع في آخر
عمره بالمدينة الشريفة أكثر من عشرين سنة، وتواتر القول بأنه كان يقرئ
الجان.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 235- 237) و «المنهج الأحمد» الورقة
(507) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 181) من المنسوخ.
[2] ابشيط من أعمال الغربية في مصر. انظر «التحفة السّنية» ص (71) .
[3] أي راتبه.
(9/504)
وتوفي بالمدينة المشرّفة في شهر رمضان.
وفيها تقي الدّين أبو بكر بن زيد الجراعي [1] الحنبلي الإمام العلّامة
الفقيه القاضي.
كان من أهل العلم والدّين، وهو رفيق الشيخ علاء الدّين المرداوي في
الاشتغال على الشيخ تقي الدّين بن قندس، وباشر نيابة القضاء بدمشق،
وتوجه إلى الدّيار المصرية، فاستخلفه القاضي عزّ الدّين الكناني في
الحكم، وباشر عنه بالمدرسة الصالحية، وله «غاية المطلب في معرفة
المذهب» و «تصحيح الخلاف المطلق» مجلد لطيف. و «الألغاز الفقهية» مجلد
لطيف. و «شرح أصول ابن اللحّام» مجلد.
وكان يحدّ السكران بمجرد وجود الرائحة على إحدى الروايتين، وسئل عن دير
قائم البناء تهدّم من حيطانه المحيطة به هدما صارت الحيطان منه قريبة
من الأرض فطلع لأهله حرامية لصوص وقتلوا راهبا، فهل للرّهبان رفع
الحيطان كما كانت تحرّزا من اللصوص، وهل لهم أن يبنوا على باب الدّير
فرنا وطاحونا؟
والحالة أن هذا الدّير بعيد من المدينة غير مشرف على عمارة أحد من
المسلمين، فما الحكم في ذلك؟، فأجاب بالجواز في بناء الحائط المتهدّم.
قال: وأما بناء الفرن والطاحون، فإن كانت الأرض مقرة في أيديهم فلهم
البناء لأنهم إنما يمنعون من إحداث المتعبدات لا من غيرها، والله أعلم.
توفي بدمشق.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن أبي بكر بن العماد الحموي الحنبلي [2] .
رحل في ابتداء أمره إلى القاهرة، واشتغل بالعلم على القاضي جمال الدّين
بن هشام، ثم اشتغل بدمشق على الشيخ جمال الدّين يوسف
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (6/ 32- 33) و «المنهج الأحمد» الورقة
(507) و «السحب الوابلة» ص (127) و «تاريخ البصروي» بتحقيق العلبي ص
(86) وقد تحرفت «الجراعي» فيه إلى «الخزاعي» فلتصحح.
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 260) و «المنهج الأحمد» الورقة (508)
.
(9/505)
المرداوي، وتفقه على ابن قندس، وأذن له
بالإفتاء، وباشر نيابة الحكم بحلب، ثم قدم القاهرة، وأقام بها مدة
يحترف بالشهادة، ثم أتى مدينة حماة فتوفي بها في شعبان.
وفيها علاء الدّين علي بن محمد بن عبد الرحمن بن عمر البلقيني القاهري
[1] الشافعي الإمام العالم.
توفي في شعبان وقد زاحم الثمانين.
وفيها ملك اليمن علي بن طاهر بن تاج الدّين [2] .
توفي في ربيع الثاني عن بضع وسبعين سنة.
وفيها قاضي القضاة شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد
بن الزّكي الغزّي الحنبلي [3] .
ولي قضاء الحنابلة بغزّة في دولة الملك الظّاهر جقمق، فباشر مباشرة
حسنة.
وكان شكلا حسنا، عليه أبّهة ووقار، واستمر في الولاية إلى أن توفي
بغزّة في شوال.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 310) و «الذيل التام على دول
الإسلام» (2/ 182) من المنسوخ.
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 233) و «الذيل التام على دول
الإسلام» (2/ 183) من المنسوخ.
[3] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (508) .
(9/506)
سنة أربع وثمانين
وثمانمائة
فيها توفي أقضى القضاة برهان الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن عبد
الله بن محمد بن مفلح الحنبلي [1] الشيخ الإمام البحر الهمام العلّامة
القدوة الرّحلة الحافظ المجتهد الأمة، شيخ الإسلام، سيّد العلماء
والحكّام، ذو الدّين المتين والورع واليقين، شيخ العصر وبركته.
اشتغل وحصّل، ودأب، وجمع، وسلّم إليه القول والفعل من أرباب المذاهب
كلّها، وصار مرجع الفقهاء والناس، والمعوّل عليه في الأمور. وباشر قضاء
دمشق مرارا، مع الدّين، والورع، ونفوذ الكلمة، وصنّف «شرح المقنع» في
الفقه [2] و «طبقات الأصحاب» مرتبة على حروف المعجم، سمّاه «المقصد
الأرشد في ترجمة أصحاب الإمام أحمد» [3] . وصنّف كتابا في الأصول [4] ،
وغير ذلك.
__________
[1] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (508- 509) و «الضوء اللامع» (1/
152) و «الدارس في تاريخ المدارس» (2/ 59- 61) و «السحب الوابلة» ص
(33- 34) و «منادمة الأطلال» ص (232- 233) .
[2] قلت: واسمه «المبدع شرح المقنع» وهو من خيرة مراجع الفقه الحنبلي،
وقد قام بتحقيقه والتعليق عليه والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر
الأرناؤوط حفظه الله بالاشتراك مع الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط، وأسهم
في تصحيح تجارب طبعه الأستاذ أحمد القطيفاني، وصدر عن المكتب الإسلامي
بدمشق وبيروت في تسعة مجلدات قبل فترة طويلة.
[3] وهو من خير مصادر تراجم الحنابلة وقد قام بتحقيقه وتوثيقه والتعليق
عليه الأستاذ الدكتور عبد الرحمن بن سليمان العثيمين حفظه الله، ونشرته
مكتبة الرشد في الرياض في ثلاث مجلدات سنة (1410 هـ) .
[4] منها «مرقاة الوصول إلى علم الأصول» ذكر الدكتور العثيمين في مقدمة
«المقصد الأرشد» وأطال الكلام عليه فليراجع.
(9/507)
وتوفي بدمشق في خامس شعبان بمنزله
بالصالحية، ودفن بالرّوضة عند أسلافه.
وفيها موفق الدّين أحمد بن إبراهيم بن محمد بن خليل الطّرابلسي [1]
الشافعي الإمام العالم.
توفي في ذي القعدة عن ست وستين سنة.
وفيها شرف الدّين عبد القادر بن قاضي القضاة بدر الدّين محمد بن عبد
القادر الجعفري النابلسي الحنبلي [2] الإمام العالم الصّوفي.
كان أكبر أولاد أبيه، وشيخ الفقراء الصمادية، وكان يحترف بالشهادة
بمجلس والده بنابلس، وبمجلس أخيه القاضي كمال الدّين بالقدس.
وكان رجلا خيّرا، على طريقة حسنة.
توفي بنابلس في شوال.
وفيها أمير المؤمنين المستنجد بالله أبو المظفّر يوسف بن المتوكل على
الله أبي بكر بن سليمان الهاشمي العبّاسي [3] آخر الإخوة الخمسة
المستقرّين في الخلافة.
توفي في المحرّم عن ست وثمانين سنة، وبويع بالخلافة ولد أخيه العزي عبد
العزيز بن الشرفي يعقوب بن المتوكل.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 198) وفيه: «أحمد بن إبراهيم بن
محمود ... » .
[2] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (509) و «السحب الوابلة» ص (236)
.
[3] ترجمته في «تاريخ الخلفاء» ص (513) .
(9/508)
سنة خمس وثمانين
وثمانمائة
فيها توفي الإمام برهان الدّين إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط [1]
البقاعي [2] الشافعي المحدّث المفسّر الإمام العلّامة المؤرّخ.
ولد سنة تسع وثمانمائة- قال هو:- في ليلة الأحد تاسع شعبان سنة إحدى
وعشرين وثمانمائة أوقع ناس من قريتنا خربة روحا [3] من البقاع يقال
لهم: بنو مزاحم بأقاربي بني حسن من القرية المذكورة، فقتلوا تسعة أنفس،
منهم أبي عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر، وأخواه محمد سويد شقيقه
[4] ، وعلي أخوهما لأبيهما، وضربت أنا بالسيف ثلاث ضربات إحداها في
رأسي فجرحتني، وكنت إذ ذاك ابن اثنتين عشرة سنة، فخرجنا من القرية
المذكورة، واستمرينا نتنقل في قرى وادي التيم، والعرقوب، وغيرهما، إلى
أن أراد الله تعالى بإقبال السعادتين الدنيوية والأخروية فنقلني جدّي
لأمي [5] علي بن محمد السّليمي إلى دمشق، فجوّدت [6] القرآن، وجدّدت
حفظه، وأفردت القراآت وجمعتها على بعض المشايخ، ثم على الشّمس ابن
الجزري لما قدم إلى دمشق سنة سبع وعشرين وثمانمائة، واشتغلت بالنحو،
والفقه، وغيرهما من العلوم، وكان ما أراد الله تعالى
__________
[1] قال العلّامة الزركلي في «الأعلام» : الرباط: بضم الراء وتخفيف
الباء.
[2] ترجمته في «نظم العقيان» ص (24) و «البدر الطالع» (1/ 19) و «الضوء
اللامع» (1/ 101- 111) و «الأعلام» (1/ 56) و «الذيل التام» (2/ 192)
من المنسوخ.
[3] انظر «قاموس لبنان» ص (95) .
[4] لفظة «شقيقه» سقطت من «ط» .
[5] في «آ» : «جدّي لأبي» .
[6] تحرفت في «آ» إلى «فجردت» .
(9/509)
من التنقّل في البلاد والفوز بالغزو
والحجّ- أدام الله نعمه آمين-.
ومن ثمرات ذلك أيضا الإراحة من الحروب والوقائع التي أعقبتها هذه
الواقعة، فإنها استمرت أكثر من ثلاثين سنة، ولعلها زادت على مائة وقعة،
كان فيها ما قاربت القتلى فيه ألفا. انتهى بحروفه.
وأخذ المترجم عن أساطين عصره، كابن ناصر الدّين، وابن حجر، وبرع،
وتميّز، وناظر وانتقد حتى على شيوخه، وصنّف تصانيف عديدة، من أجلّها
«المناسبات القرآنية» [1] و «عنوان الزمان بتراجم الشيوخ والأقران» [2]
و «تنبيه الغبي بتكفير عمر بن الفارض وابن عربي» وانتقد عليه بسبب هذا
التأليف، وتناولته الألسن، وكثر الردّ عليه، فممن ردّ عليه العلّامة
السيوطي بكتابه «تنبيه الغبي بتبرئة ابن العربي» .
وبالجملة فقد كان من أعاجيب الدّهر وحسناته.
وتوفي بدمشق في رجب عن ست وسبعين سنة.
وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن سليمان بن أحمد بن محمد المرداوي
السّعدي ثم الصّالحي الحنبلي [3] الشيخ الإمام العلّامة المحقّق
المفنّن أعجوبة الدّهر، شيخ المذهب وإمامه ومصححه ومنقّحه، بل شيخ
الإسلام على الإطلاق ومحرّر العلوم بالاتفاق.
ولد سنة سبع عشرة وثمانمائة، وخرج من بلده مردا في حال الشبيبة، فأقام
بمدينة سيدنا الخليل- عليه الصلاة والسلام- بزاوية الشيخ عمر المجرّد
رحمه الله، وقرأ بها القرآن، ثم قدم إلى دمشق، ونزل بمدرسة شيخ الإسلام
أبي عمر بالصّالحية، واشتغل بالعلم، فلاحظته العناية الرّبانية، واجتمع
بالمشايخ، وجدّ في
__________
[1] واسمه- كما في الأعلام- «نظم الدّرر في تناسب الآيات والسور» وهو
مطبوع في سبع مجلدات، ويعرف ب «مناسبات البقاعي» أو «تفسير البقاعي» .
[2] ذكر العلّامة الزركلي بأنه في أربع مجلدات، وأن له مختصرا اسمه
«عنوان العنوان» .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 225- 227) و «المنهج الأحمد» الورقة
(509- 514) و «الجوهر المنضد» ص (99- 101) و «السحب الوابلة» ص (296-
297) و «البدر الطالع» (1/ 446) .
(9/510)
الاشتغال، وتفقّه على الشيخ تقي الدّين بن
قندس البعلي شيخ الحنابلة في وقته، فبرع وفضل في فنون من العلوم،
وانتهت إليه رئاسة المذهب، وباشر نيابة الحكم دهرا طويلا، فحسنت سيرته،
وعظم أمره، ثم فتح عليه في التصنيف، فصنّف كتبا كثيرة في أنواع العلوم،
أعظمها «الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف» أربع مجلدات ضخمة جعله على
«المقنع» وهو من كتب الإسلام، فإنه سلك فيه مسلكا لم يسبق إليه، بيّن
فيه الصحيح من المذهب، وأطال فيه الكلام، وذكر في كل مسألة ما نقل فيها
من الكتب وكلام الأصحاب، فهو دليل على تبحر مصنّفه، وسعة علمه، وقوة
فهمه، وكثرة اطلاعه، ومنها «التنقيح المشبع في تحريم المقنع» وهو مختصر
«الإنصاف» و «التحرير في أصول الفقه» ذكر فيه المذاهب الأربعة، وغيرها
وشرحه، وجزء في الأدعية والأوراد سمّاه «الحصون المعدّة الواقية من كل
شدّة» و «تصحيح كتاب الفروع» لابن مفلح، و «شرح الآداب» . وغير ذلك.
وانتفع الناس بمصنّفاته، وانتشرت في حياته وبعد وفاته، وكانت كتابته
على الفتوى غاية، وخطه حسن، وتنزه عن مباشرة القضاء في أواخر عمره،
وصار قوله حجّة في المذهب يعوّل عليه في الفتوى والأحكام في جميع مملكة
الإسلام. ومن تلامذته قاضي القضاة بدر الدّين السّعدي قاضي الديار
المصرية، وغالب من في المملكة من الفقهاء والعلماء وقضاة الإسلام، وما
صحبه أحد إلّا وحصل له الخير، وكان لا يتردد إلى أحد من أهل الدنيا،
ولا يتكلم فيما لا يعنيه، وكان الأكابر والأعيان يقصدونه لزيارته
والاستفادة منه، وحجّ، وزار بيت المقدس مرارا، ومحاسنه أكثر من أن
تحصر، وأشهر من أن تذكر.
وتوفي بالصالحية دمشق يوم الجمعة سادس جمادى الأولى، ودفن بسفح قاسيون
قرب الرّوضة.
وفيها سراج الدّين عمر بن حسين بن حسن بن علي العبّادي القاهري [1]
الشافعي الأزهري الإمام العلّامة، شيخ الشافعية في عصره.
توفي في ربيع الأول وقد جاوز الثمانين سنة.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (6/ 81) و «الذيل التام» (2/ 191) من
المنسوخ.
(9/511)
وفيها تقريبا المولى عزّ الدّين عبد اللطيف
[بن عبد العزيز] بن الملك الحنفي الشهير بابن قرشته [1] .
قال في «الشقائق» : كان عالما فاضلا ماهرا في جميع العلوم الشرعية، شرح
«مجمع البحرين» شرحا حسنا جامعا للفوائد، [وهو] مقبول في بلادنا، وشرح
أيضا «مشارق الأنوار» للإمام الصاغاني شرحا لطيفا، وشرح «كتاب المنار
في الأصول» وله رسالة في علم التصوف تدل على أن له حظّا عظيما من معارف
الصوفية. انتهى ملخصا.
وفيها نجم الدّين عمر بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد الهاشمي المكّي
الشافعي، المعروف بابن فهد [2] الإمام العالم العريق.
توفي في رمضان عن ثلاث وسبعين سنة.
وفيها المولى خسرو محمد بن قرامرز [3] الرّومي الحنفي [4] الإمام
العلّامة.
كان والده روميا من أمراء الفراسخة، تشرّف بالإسلام، وكان له بنت
زوّجها من أمير آخر مسمى بخسرو، فلما مات كان صاحب الترجمة في حجره،
فاشتهر بخسرو، وأخذ العلوم عن برهان الدّين حيدر الرّومي المفتي في
البلاد الرّومية، ثم صار مدرسا بمدينة أدرنة بمدرسة شاه ملك، وكان له
أخ مدرّس بالمدرسة الحلبية، وتقيد المولى خسرو بأدرنة على المولى يوسف
بالي بن شمس الدّين الفناري مدرّس السلطان محمد بمدينة برسا، وكتب
المولي خسرو «حواشيه على المطول»
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 329) وما بين الحاصرتين زيادة منه و
«الشقائق النعمانية» ص (30) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (6/ 126) و «الذيل التام» (2/ 191) من
المنسوخ، و «البدر الطالع» (1/ 512) .
[3] كتبت هذه اللفظة هكذا في «آ» : «قرامرز» وكتبت في «ط» : «قراموز»
وتعددت أشكال كتابتها في مصادر الترجمة.
[4] ترجمته في «الضوء اللامع» (8/ 279) و «الفوائد البهية» ص (184) .
(9/512)
في المدرسة المذكورة، ثم صار مدرّسا بمدرسة
أخيه بعد وفاته، ثم صار قاضيا بالعسكر المنصور. ولما جلس السلطان محمد
خان على سرير السلطنة ثانيا جعل له كل يوم مائة درهم، ولما فتح
قسطنطينية جعل المترجم قاضيا بها بعد وفاة المولى خضر بك، وضم إليه
قضاء غلطة، وأسكدار، وتدريس آيا صوفيا. وكان مربوع القامة، عظيم
اللّحية، يلبس الثياب الدّنية، وعلى رأسه عمامة صغيرة.
وكان السلطان محمد يجلّه كثيرا ويفتخر به، ويقول لوزرائه: هذا أبو
حنيفة زمانه.
وكان متخشعا متواضعا، صاحب أخلاق حميدة، وسكينة ووقار، يخدم بنفسه، مع
ماله من العبيد والخدم الذين لا يحصون كثرة.
وكان مع اشتغاله بالمناصب والتداريس يكتب كل يوم ورقتين من كتب السّلف
بخط حسن.
وآل به الأمر إلى أن صار مفتيا بالتخت السلطاني، وعظم أمره، وطار ذكره،
وعمر عدة مساجد بقسطنطينية.
ومن مصنّفاته «حواش على المطول» و «حواشي التلويح» و «حواش على أول
تفسير البيضاوي» و «مرقاة الوصول في علم الأصول» وشرحه، و «الدّرر
والغرر» ورسالة في الولاء، و «رسالة متعلقة بتفسير سورة الأنعام» وغير
ذلك.
وتوفي بقسطنطينية وحمل إلى مدينة برسا فدفن بها في مدرسته، رحمه الله
تعالى.
وفيها المولى محمد بن قطب الدّين الأزنيقي [1] الحنفي الإمام العالم
العامل.
قرأ العلوم الشرعية والعقلية على المولى الفناري، وتمهر، وفاق أقرانه،
ثم سلك مسلك التصوف، فجمع بين الشريعة والطريقة والحقيقة، وصنّف «شرحا
لمفتاح الغيب» للشيخ صدر الدّين القونوي وهو في غاية الحسن، وشرح أيضا
«فصوص الصدر القونوي» رحمهما الله تعالى.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» ص (185) وقال فيه: نسبته إلى أزنيق مدينة
رومية قديمة.
(9/513)
وفي حدودها المولى سنان الدّين يوسف
المشهور بقراسنان الحنفي [1] الإمام العلّامة.
قال في «الشقائق» : كانت له مهارة في العلوم العربية [والفنون]
الأدبية.
صنّف شرحا ل- «مراح الأرواح» في الصرف، وشرحا ل- «الشافية» في الصرف
أيضا.
وله «شرح الملخص» للجغميني في علم الهيئة، و «حواش على شرح الوقاية»
لصدر الشريعة. انتهى ملخصا.
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (129- 130) وما بين الحاصرتين
مستدرك منه.
(9/514)
|