شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة ست وسبعين وثمانمائة
فيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن محمد بن محمد بن مفلح الحنبلي [1] الكفل حارسي، الإمام العالم الخطيب المقرئ.
توفي يوم الجمعة ثاني عشر ذي الحجّة بكفل حارس [2] ، ودفن بحرم المسجد الكبير عند قبر جدّه.
وفيها قاضي القضاة عزّ الدّين أبو البركات أحمد بن إبراهيم بن نصر الله بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح بن هاشم بن نصر الله بن أحمد الكناني العسقلاني الأصل، ثم المصري [3] الحنبلي الإمام [4] العالم العامل المفنّن الورع الزّاهد المحقّق المتقن، شيخ عصره وقدوته.
ولد في ذي القعدة سنة ثمانمائة، وتوفي والده وهو رضيع، فنشأ هو واشتغل بالعلم وبرع، ولقي المشايخ، وروى الكثير، ودأب في الصغر، وحصّل أنواعا من العلوم، ثم باشر نيابة الحكم بالدّيار المصرية عن ابن سالم، ثم عن ابن المغلي، ثم عن المحبّ ابن نصر الله، ثم ولي قضاء الدّيار المصرية.
وكان ورعا، زاهدا، باشر بعفّة ونزاهة وصيانة وحرمة، مع لين جانب، وتواضع، وعلت كلمته، وارتفع أمره عند السلاطين وأركان الدولة والرّعية، وكتب
__________
[1] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (505) و «السحب الوابلة» ص (35) .
[2] كفل حارس: قرية تقع في الجنوب الغربي من نابلس على بعد 23 كيلو مترا، وبها عدد كبير من الآثار. انظر «معجم بلدان فلسطين» للأستاذ محمد محمد شرّاب ص (631- 632) .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 205) و «حسن المحاضرة» (1/ 484) و «المنهج الأحمد» الورقة (504) و «السحب الوابلة» ص (42) .
[4] لفظة «الإمام» سقطت من «آ» .

(9/479)


الكثير في علوم شتّى ولكن لم ينتفع بما كتبه لإخماله لذلك، ودرّس وأفتى، وناظر، وله من التصانيف «مختصر المحرّر» في الفقه وتصحيحه ونظمه، ومنظومات متعددة في علوم عديدة، فقها، ونحوا، وأصولا، وتصريفا، وبيانا، وبديعا، وحسابا، وغير ذلك.
وله من غير النظم «توضيح الألفية وشرحها» و «شروح» غالب هذه المنظومات وتوضيحاتها، إلى غير ذلك من التواريخ والمجاميع. واختصر «تصحيح الخلاف المطلق في المقنع» للشيخ شمس الدّين بن عبد القادر النابلسي. وكان ينظم الشّعر الحسن، وكان مرجع الحنابلة في الديار المصرية إليه، ولم يزل كذلك إلى أن توفي ليلة السبت حادي عشر جمادى الأولى، وصلّى عليه السلطان قايتباي والقضاة وأركان الدولة. وكانت جنازته حافلة، ودفن بالصحراء من القاهرة.
وفيها شمس الدّين [1] محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد القلقشندي القاهري الشافعي [2] الإمام العالم.
توفي في ربيع الأول عن نحو ثمانين سنة.
وفيها نجم الدّين محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد الزّرعي ثم الدمشقي [3] الشافعي الإمام العلّامة المفنّن، المعروف بابن قاضي عجلون.
أخذ عن علماء عصره، وبرع، ومهر، وأخذ عنه من لا يحصى.
وتوفي في شوال عن خمس وأربعين سنة.
وفي حدودها أمّ عبد الله نشوان بنت الجمال عبد الله بن علي الكنانية ثم المصرية الحنبلية الرئيسة [4] .
__________
[1] في «الضوء اللامع» و «الذيل التام» : «نجم الدين» .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (6/ 322) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 155) من المنسوخ.
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (8/ 96) و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 154- 155) من المنسوخ و «نظم العقيان» ص (150) و «بدائع الزهور» (3/ 69) .
[4] ترجمتها في «المنهج الأحمد» الورقة (505) و «الضوء اللامع» (12/ 129) و «السحب الوابلة» ص (519) .

(9/480)


روت عن العفيف النشاوري وغيره، وروى عنها جماعة من الأعيان، منهم القاضي كمال الدّين الجعفري النابلسي وغيره، وكانت خيّرة صالحة، وتقدم ذكر والدها جمال الدّين، المعروف بالجندي، وهي من أقارب القاضي عزّ الدّين الكناني، وكانت على طريقته في العفّة والزّهد، حتى في قبول الهدية [1] وتوفيت بالقاهرة [1] .
__________
[1، 1] ما بين الرقمين سقط من «آ» .

(9/481)


سنة سبع وسبعين وثمانمائة
فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أحمد بن منصور العامري الرّملي الشافعي [1] الإمام العالم العلّامة.
توفي ليلة نصف شعبان عن بضع وسبعين سنة.
وفيها علي بن أحمد بن عثمان بن محمد بن إسحاق السّلمي [2] المناوي الأصل القاهري [3] الإمام العالم.
توفي يوم الجمعة سلخ ربيع الأول عن أربع وستين سنة.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» و «الذيل التام على دول الإسلام» (2/ 161) من المنسوخ و «نظم العقيان» ص (43) .
[2] تحرفت نسبته في «ط» إلى «السّالمي» .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 169) .

(9/482)


سنة ثمان وسبعين وثمانمائة
فيها توفي إبراهيم بن عبد ربّه الصّوفي [1] .
قال المناوي في «طبقاته» : زاهد مشهور بالصّلاح، معدود من ذوي الفلاح.
أخذ عن الشيخ محمد الغمري، والشيخ مدين، وغيرهما. وكان مقيما في خلوة بجامع الزاهد، وللناس فيه اعتقادا، وربما لقّن الذكر، وسلك، بل كان من أرباب الأحوال، دخل مرّة بيت الشيخ مدين في مولده، فأكل الطعام المولد كله، وأكل مرّة لحم بقرة كاملة، ثم طوي بعدها سنة.
ومن كراماته ما حكاه الشيخ أمين الدّين إمام جامع الغمري أنه قال له: بعدك نسأل في مهماتنا من؟ قال: من بينه وبين أخيه ذراع من تراب فاسألني أجيبك، فمرضت بنته، فالتمسوا لها بطيخة فما وجدت، فجاء إلى قبره وقال: الوعد، ثم رجع بعد العشاء فوجد في سلّم بيته بطيخة لم يعلم من أين جاءت [2] . ومناقبه كثيرة.
وتوفي في صفر ودفن بباب جامع الزاهد.
وفيها بدر الدّين حسن بن أحمد [بن حسن بن أحمد] بن عبد الهادي، المشهور بابن المبرد [3] الحنبلي، الإمام العالم القاضي.
__________
[1] كتاب «طبقات الأولياء» للمناوي، مخطوط لم يطبع بعد وغير متوفر بين أيدينا.
[2] هذه إحدى المبالغات والشطحات الكثيرات التي يتداولها المتصفون بالصوفية وما لها من دليل أو رصيد، فمن أين لميت أن يتصرف من قبره أيا كانت منزلته، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل ولد آدم وأعظمهم منزلة عنده في الدنيا والآخرة انتهت صلته الجسمية والتصرفية فيما يتصل بعالم الأحياء بموته صلى الله عليه وسلم، والله نسأل أن يلهمنا الاعتقاد السليم والتطبيق السّليم لدينه دون زيادة أو نقصان.
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 92) وما بين الحاصرتين زيادة منه.

(9/483)


باشر نيابة الحكم بدمشق مدة، وتوفي بها في رجب.
وفيها خطّاب بن عمر بن مهنّا الغزّاوي العجلوني الدمشقي الشافعي [1] الإمام العالم.
توفي بدمشق في رمضان وقد قارب السبعين.
وفيها زين الدّين عبد القادر بن عبد الله بن العفيف الحنبلي [2] الشيخ الإمام العالم.
توفي بنابلس في ذي الحجّة.
وفيها نور الدّين علي بن إبراهيم بن البدرشي المالكي القاهري الأصل [3] القاضي الإمام العالم.
توفي ببيت المقدس في مستهل جمادى الأولى قاضيا بها.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 181) .
[2] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (505) و «السحب الوابلة» ص (226) .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 160) .

(9/484)


سنة تسع وسبعين وثمانمائة
فيها تقريبا توفي المولى حسن جلبي بن محمد شاه الفناري الحنفي [1] الإمام العلّامة.
قال في «الشقائق» : كان عالما، فاضلا، قسّم أيّامه بين العلم والعبادة، وكان يلبس الثياب الخشنة، ولا يركب دابة للتواضع، وكان يحبّ الفقراء والمساكين، ويعاشر الصّوفية. وكان مدرّسا بالمدرسة الحلبية بأدرنة، وكان ابن عمّه المولى علي الفناري قاضيا بالعسكر في أيام السلطان محمد خان، فدخل عليه، وقال:
استأذن من السلطان إني أريد أن أذهب إلى مصر لقراءة كتاب [2] «مغني اللبيب» في النحو على رجل مغربي سمعته بمصر يعرف ذلك الكتاب غاية المعرفة، فعرضه على السلطان فأذن له، وقال: قد اختل دماغ ذلك المرء، وكان السلطان محمد لا يحبه لأجل أنه صنّف «حواشيه على التلويح» باسم السلطان بايزيد في حياة والده، ثم إنه دخل إلى مصر، وكتب كتاب «مغني اللبيب» بتمامه، وقرأه على ذلك المغربي قراءة تحقيق وإتقان، وكتب ذلك المغربي بخطّه على ظهر كتابه إجازة له في ذلك الكتاب، وقرأ هناك «صحيح البخاري» على بعض تلامذة ابن حجر، وحصل له منه إجازة في ذلك الكتاب، وفي رواية الحديث عنه، ثم إنه حجّ، وأتى بلاد الرّوم، وأرسل كتاب «مغني اللبيب» إلى السلطان محمد، فلما نظر فيه زال عنه تكدر خاطره عليه، وأعطاه مدرسة أزنيق، ثم إحدى الثمان، وكان يذهب بعد الدرس إلى زيارة قاضي زادة، وفي الغد يزوره قاضي زاده، ثم عيّن له في كل يوم
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 127) وفيه وفاته سنة (886) و «الشقائق النعمانية» ص (114- 115) والبدر الطالع» (1/ 208) وفيه وفاته سنة (886) و «الأعلام» (2/ 216- 217) وفيه أيضا وفاته سنة (886) .
[2] لفظة «كتاب» سقطت من «ط» .

(9/485)


ثمانين درهما. وسكن ببرسا إلى أن مات، وله «حواش على المطول» و «حواش على شرح المواقف» للسيد الشريف، و «حواش على التلويح» للعلّامة التفتازاني، وكلها مقبولة متداولة.
وفيها المولى خير الدّين خليل بن قاسم بن حاجي صفارح الحنفي [1] .
قال في «الشقائق» : وهو جدّي لوالدي، كان جدّه الأعلى أتى من بلاد العجم إلى بلاد الرّوم هاربا من فتنة جنكز خان، وتوطن في نواحي قصطموني، وكان صاحب كرامات يستجاب الدّعاء عند قبره [2] ، وولد له ولد اسمه محمود، حصّل شيئا من الفقه والعربية، ولم يترق إلى درجة الفضيلة، وولد له ولد اسمه أحمد، وهو أيضا كان عارفا بالعربية والفقه، ولم يبلغ مبلغ الفضيلة، وولد له ولد اسمه حاج صفا، كان فقيها، عابدا، صالحا، ولم تكن له فضيلة زائدة، وولد له ولد اسمه قاسم، مات وهو شاب في طلب العلم، وولد له صاحب الترجمة، وقد بلغ مبلغ الفضيلة. قرأ في بلاده مباني العلوم، ثم سافر إلى مدينة برسا، وقرأ هناك على ابن البشير، ثم سافر إلى أدرنة، وقرأ هناك على أخي مولانا خسرو، وقرأ الحديث والتفسير على المولى خير الدّين العجمي، ثم أتى مدينة برسا، وقرأ على المولى يوسف بالي بن المولى شمس الدّين الفناري، ثم وصل إلى خدمة المولى بيكان [3] ، واشتهر عنده بالفضيلة التامة، وأرسله إلى مدرسة مظفر الدّين الواقعة في بلدة طاش كبري من نواحي قسطموني [4] ، وعيّن له كل يوم ثلاثون درهما لوظيفة التدريس، وخمسون درهما من محصول كرة النحاس، وعاش هناك في نعمة وافرة وعزّة متكاثرة، ثم عزله السلطان محمد لما أخذ تلك البلاد من يد إسماعيل بك،
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (72- 74) .
[2] أقول: وهذه أيضا من الشطحات، فإنه لا يجوز الدعاء عند قبره. (ع) .
[3] في «آ» و «ط» : «بكان» والتصحيح من «الشقائق النعمانية» .
[4] في «آ» و «ط» : «قصطموني» بالصاد، وما أثبته من «الشقائق النعمانية» مصدر المؤلف.
وجاء في حاشية الدكتور إحسان حقي على «تاريخ الدولة العلية العثمانية» ص (139) ما نصه:
قسطموني: في شمال الأناضول على بعد نحو مائة كم عن البحر الأسود.
قلت: وتعرف الآن ب «قسطمونة» .

(9/486)


فذهب إلى كرة النحاس، فكان يعظ الناس هناك في كل جمعة. وتوفي هناك.
انتهى ملخصا.
وفيها زين الدّين قاسم بن قطلوبغا [1] بن عبد الله الجمالي [2] المصري [3] نزيل الأشرفية الحنفي العلّامة المفنّن.
قال البرهان البقاعي في «عنوان الزمان» : ولد سنة اثنتين وثمانمائة تقريبا بالقاهرة، ونشأ بها، وحفظ القرآن العظيم، ثم أخذ في الجدّ، حتّى شاع ذكره، وانتشر صيته، وأثنى عليه مشايخه، وصنّف التصانيف المفيدة، فمن تصانيفه «شرح درر البحار» و «تخريج أحاديث الاختيار» بيض في جزءين، و «رجال شرح معاني الآثار للطحاوي» بيض في مجلد، و «تخريج أحاديث البزدوي» في الأصول مجلد لطيف، و «أحاديث الفرائض» كذلك، و «تخريج أحاديث شرح القدوري» للأقطع، مجلد لطيف. «وثقات الرجال» كمل في أربع مجلدات، و «تصحيح على مجمع البحرين» لابن الساعاتي، و «شرح فرائض المجمع» و «حاشية على التلويح» وصل فيها إلى أثناء بحث السنة في مجلد، و «شرح منظومة ابن الجزري» في علم الحديث المسماة ب «الهداية» ، وغير ذلك [4] مما غالبه في المسودات إلى الآن [5] . انتهى ملخصا.
وأخذ عن ابن الهمام وغيره [4] من علماء عصره، وأخذ عنه من لا يحصى كثرة.
__________
[1] قال صديقي الفاضل الأستاذ إبراهيم صالح التركماني، نفع الله به، في مقدمته لكتاب المترجم «تاج التراجم» ص (3) : قطلوبغا: اسم مركّب من كلمتين، هما «قطلو» بمعنى المبارك أو الميمون.
و (بغا) بمعنى الفحل. والاسم يعني بجملته: الفحل المبارك، أو الفحل الميمون.
[2] في «ط» : «الجمال» .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (6/ 184) و «البدر الطالع» (2/ 45) و «الفوائد البهية» ص (99) و «هدية العارفين» (1/ 830) و «الفتح المبين في طبقات الأصوليين» (3/ 48) وقد استوفى ترجمته صديقي الفاضل الأستاذ إبراهيم صالح في مقدمته لكتاب المترجم «تاج التراجم» ص (3- 26) الصادر بتحقيقه حديثا عن دار المأمون للتراث بدمشق.
[4، 4] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[5] قلت: وقد أحصى الأستاذ إبراهيم صالح مؤلفاته في مقدمته لكتاب «تاج التراجم» فبلغت مائة وثلاثة مؤلفات.

(9/487)


وبالجملة فهو من حسنات الدّهر، رحمه الله تعالى.
وتوفي في ربيع الآخر عن سبع وسبعين سنة.
وفيها الظّاهر أبو سعيد تمربغا الرّومي الظّاهري الجقمقي [1] .
ولي السلطنة قليلا ثم خلع، مع مزيد عقله، وتودده، ورئاسته، وفصاحته.
توفي بالإسكندرية في ذي الحجّة وقد جاوز الستين.
وفيها العادل خشقدم خير بك الدوادار [2] .
خلع المترجم قبله، وتسلطن ليلا، ولقّب بالعادل، ثم أمسك وصودر، وسجن بالإسكندرية.
وتوفي في ربيع الثاني ببيت المقدس.
وفيها محيى الدّين أبو عبد الله محمد بن سليمان بن سعد بن مسعود الرّومي البرعمي الحنفي، المعروف بالكافيجي [3] لقّب بذلك لكثرة اشتغاله بكتاب «الكافية» في النحو.
قال السيوطي في «بغية الوعاة» : شيخنا العلّامة أستاذ الأستاذين.
ولد سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، واشتغل بالعلم أوّل ما بلغ، ورحل إلى بلاد العجم والتتر، ولقي العلماء الأجلاء، فأخذ عن الشمس الفنري، والبرهان حيدرة، والشيخ واجد، وابن فرشته شارح «المجمع» وغيرهم.
ورحل إلى القاهرة أيام الأشرف برسباي فظهرت فضائله، وولي المشيخة بتربة الأشرف المذكور، وأخذ عنه الفضلاء والأعيان، ثم ولي مشيخة الشيخونية لما رغب عنها ابن الهمام.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 40) و «تحفة الناظرين فيمن ولي مصر من الولاة والسلاطين» على هامش «لطائف أخبار الأول ص (140) .
[2] ترجمته في «بدائع الزهور» (3/ 97) وفيه «خاير بك» .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (7/ 259) وفيه: «ابن سعيد» و «بغية الوعاة» (1/ 117) .

(9/488)


وكان الشيخ إماما كبيرا في المعقولات كلها والكلام، وأصول الفقه، والنحو، والتصريف، والإعراب، والمعاني، والبيان، والجدل، والمنطق، والفلسفة [1] والهيئة بحيث لا يشقّ أحد غباره في شيء من هذه العلوم. وله اليد الحسنة في الفقه، والتفسير [1] والنظر في علوم الحديث وألّف فيه.
وأما تصانيفه في العلوم العقلية فلا تحصى بحيث إني سألته أن يسمي لي جميعها لأكتبها في ترجمته، فقال: لا أقدر على ذلك. قال: ولي مؤلفات كثيرة أنسيتها، فلا أعرف الآن أسماءها.
وأكثر تصانيف الشيخ مختصرات، وأجلّها وأنفعها على الإطلاق «شرح قواعد الإعراب» و «شرح كلمتي الشهادة» . وله «مختصر في علوم الحديث» و «مختصر في علوم التفسير» يسمّى «التيسير» قدر ثلاث كراريس. وكان يقول: إنه اخترع هذا العلم ولم يسبق إليه. وذلك لأن الشيخ لم يقف على «البرهان» للزركشي، ولا على «مواقع العلوم» للجلال البلقيني.
وكان الشيخ- رحمه الله تعالى- صحيح العقيدة في الديانة [2] ، حسن الاعتقاد في الصوفية، محبا لأهل الحديث، كارها لأهل البدع، كثير التعبد على كبر سنه، كثير الصّدقة والبذل، لا يبقي على شيء، سليم الفطرة، صافي القلب، كثير الاحتمال لأعدائه، صبورا على الأذى، واسع العلم جلدا. لازمته أربع عشرة سنة فما جئته من مرة إلا وسمعت منه من التحقيقات والعجائب ما لم أسمعه قبل ذلك.
قال لي يوما ما إعراب زيد قائم، فقلت قد صرنا في مقام الصّغار ونسأل عن هذا؟ فقال لي: في زيد قائم مائة وثلاثة عشر بحثا، فقلت لا أقوم من هذا المجلس حتى أستفيدها، فأخرج لي تذكرتها، فكتبتها منها.
وما كنت أعدّ الشيخ إلّا والدا بعد والدي. وكان يذكر أنه كان بينه وبين والدي صداقة تامّة. وأن والدي كان منصفا له بخلاف أكثر أهل مصر.
__________
[1، 1] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[2] في «ط» و «بغية الوعاة» : «في الديانات» .

(9/489)


توفي الشيخ شهيدا بالإسهال ليلة الجمعة رابع جمادى الأولى. انتهى.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد السّيلي [1] الإمام الحنبلي العالم الفرضي.
قال العليمي قدم من السيلة إلى دمشق في سنة سبع عشرة وثمانمائة، فاشتغل، وقرأ «المقنع» وتفقه على الشيخ شمس الدّين بن القباقبي. وقرأ علم الفرائض والحساب على الشيخ شمس الدّين الحواري، وصار أمّة فيه. وله اطلاع على كلام المحدّثين والمؤرّخين، ويستحضر تاريخا كثيرا. وله معرفة تامة بوقائع العرب، ويحفظ كثيرا من أشعارهم.
أفتى، ودرّس مدة، ثم انقطع في آخر عمره في بيته.
توفي يوم السبت سابع عشر شوال ودفن بالروضة. انتهى.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن محمد بن الحسن، المعروف بابن أمير حاج الحلبي الحنفي [2] عالم الحنفية بحلب وصدرهم.
كان إماما، عالما، علّامة، مصنّفا. صنّف التصانيف الفاخرة الشهيرة، وأخذ عنه الأكابر، وافتخروا بالانتساب إليه.
وتوفي بحلب في رجب عن بضع وخمسين سنة.
وفيها أمين الدّين يحيى بن محمد الأقصرائي الحنفي [3] .
قال في «حسن المحاضرة» : هو شيخ الحنفية في زمانه، أي بالقاهرة.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 65) وفيه: «محمد بن موسى» و «المنهج الأحمد» الورقة (505) و «السحب الوابلة» ص (450) .
والسّيلي: نسبة لقرية بالقرب من القدس يقال لها سيلة. قاله السخاوي في «الضوء اللامع» (11/ 208) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 209) و «البدر الطالع» (2/ 254) و «الفتح المبين في طبقات الأصوليين» (3/ 47) .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 240) و «حسن المحاضرة» (1/ 478) وفيهما وفاته سنة (880) .

(9/490)


ولد سنة نيف وتسعين وسبعمائة، وانتهت إليه رئاسة الحنفية في زمانه.
انتهى، أي ومات في أواخر ذي الحجّة راجعا من الحجّ.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن محمد بن علي بن محمد المصري الشافعي، المعروف بابن القطّان [1] الإمام، العالم، العلّامة.
توفي في ذي القعدة وقد جاوز الستين.
وفيها يحيى بن محمد بن أحمد الدمياطي، ثم القاهري [2] الشافعي، الإمام العالم.
توفي ليلة سابع المحرم عن نحو ثمانين سنة.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (9/ 248) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 244) .

(9/491)


سنة ثمانين وثمانمائة
فيها توفي شهاب الدّين أحمد السّلفيتي الحنبلي [1] الشيخ الإمام العالم الزّاهد الورع.
وفيها قاضي القضاة [2] محيى الدّين عبد القادر بن أبي القاسم بن أحمد بن محمد بن عبد المعطي الأنصاري العبّادي [3] المالكي النحوي، نحوي مكة.
قال في «بغية الوعاة» : أما التفسير، فإنه كشّاف خفيّاته، وأما الحديث، فإليه الرّحلة في رواياته [ودرايته] . وأما الفقه، فإنه مالك زمامه وناصب أعلامه، وأما النحو، فإنه محيي ما درس من رسومه، ومبدي ما أبهم من معلومه، وإذا ضلّ طالبوه عن محجّته اهتدوا إليه بنجومه، ورثه لا عن كلالة، ثم قام به أتمّ قيام، فلو رآه سيبويه لأقرّ له لا محالة. وأما آدابه ومحاضراته، فحدّث عن البحر ولا حرج، وأما مجالساته، فأبهى من الرّوض الأنف إذا تفتح [4] زهره وأرج. وأما زهده في قضاياه، فقد سارت به الرّكبان. وأما غير ذلك من محاسنه، فكثير يقصر عن سردها اللّسان.
ولد في ثامن عشر ربيع الآخر سنة أربع عشرة وثمانمائة بمكّة، ونشأ بها صيّنا [خيّرا] ، وسمع بها من التّقي الفاسي، وأبي الحسن بن سلامة وجماعة، وأجازت
__________
[1] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (505) و «السحب الوابلة» ص (119) .
[2] في «ط» : «قاضي القاضي» وهو خطأ.
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 283) و «بغية الوعاة» وما بين الحاصرتين مستدرك منه (2/ 104) و «نيل الابتهاج» على هامش «الديباج» ص (185) .
[4] في «آ» و «ط» : «إذا انفتح» وما أثبته من «بغية الوعاة» مصدر المؤلف.

(9/492)


له عائشة بنت عبد الهادي، وابن الكويك، وعبد القادر الأرموي، والبدر الدمامينيّ [وخلق] . وتفقه على جماعة، وأجاز له البساطي بالإفتاء والتّدريس، وأخذ عنه العربية، وبرع فيها، وفي الفقه. وكتب الخطّ المنسوب، وتصدّر بمكّة للإفتاء وتدريس الفقه، والتّفسير، والعربية، وغير ذلك. وهو إمام، علّامة، بارع في هذه العلوم الثلاثة، بل ليس بعد شيخي الكافيجي، والشّمنّي أنحى منه مطلقا. ويتكلم في الأصول كلاما حسنا. حسن المحاضرة، كثير الحفظ للآداب والنّوادر، والأشعار، والأخبار، وتراجم الناس وأحوالهم، فصيح العبارة، طلق اللّسان، قادر على التّعبير عن مراده بأحسن عبارة وأعذبها وأفصحها، لا تملّ مجالسته، كثير العبادة، والصّلاة، والقراءة، والتواضع، ومحبّة أهل الفضل والرّغبة في مجالستهم، ولم ينصفني في مكة أحد غيره، ولم أتردّد لسواه، ولم أجالس سواه.
وكتب لي على «شرح الألفية» تقريظا بليغا. و [كان] قد دخل القاهرة، واجتمع بفضلائها. وولي قضاء المالكية بمكّة بعد موت أبي عبد الله النّويري في ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين، فباشره بعفّة ونزهة، وعزل وأعيد مرارا، ثم أضرّ بأخرة فأشار بأن يولّى تلميذه ظهيرة بن أبي حامد بن ظهيرة، ثم قدّر أن ظهيرة المذكور توفي في آخر سنة ثمان وستين، وقدح لقاضي القضاة محيى الدّين، فأبصر، فأعيد إلى الولاية، واستمرّ.
وله تصانيف، منها «هداية السّبيل في شرح التّسهيل» لم يتم، و «حاشية على التوضيح» و «حاشية على شرح الألفية» للمكودي. وقرأت عليه جزء الأماني لابن عفّان. وأسندت حديثه في «الطبقات الكبرى» .
ومات في مستهل شعبان. انتهى.
وفيها علي بن محمد بن علي بن محمد بن عمر المصري المكّي الشافعي، ويعرف بابن الفاكهاني [1] الإمام العالم العلّامة.
توفي في رمضان عن بعض وأربعين سنة.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 324) .

(9/493)


وفيها زين الدّين عمر بن إسماعيل المؤدّب الحنبلي [1] .
قال العليمي: كان رجلا مباركا، يحفظ القرآن، ويقرئ الأطفال بالمسجد الأقصى بالمجمع المجاور لجامع المغاربة من جهة القبلة، والناس سالمون من لسانه ويده.
توفي بالقدس الشريف في شهر رجب. انتهى.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد التّبريزي الإيجي الشّيرازي الشافعي، السيد الشريف الحسني الحسيني [2] الإمام العالم.
توفي بمكة عن خمس وستين سنة.
وفيها القاضي يوسف بن أحمد بن ناصر بن خليفة الباعوني المقدسي ثم الصالحي الدمشقي [3] قاضي الشافعية بدمشق.
توفي في ربيع الثاني عن أربع وسبعين سنة.
__________
[1] ترجمته في «المنهج الأحمد» الورقة (505) و «السحب الوابلة» ص (318) .
[2] ترجمته في «معجم الشيوخ» لابن فهد ص (268- 269) و «الضوء اللامع» (9/ 126) وفيهما وفاته سنة (855) .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 298) .

(9/494)