شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة إحدى وتسعمائة
بسم الله الرّحمن الرّحيم فيها قدم إلى مدينة زبيد بكتاب «فتح الباري شرح البخاري» للحافظ ابن حجر من البلد الحرام، وهو أول دخوله اليمن، كان سلطان اليمن عامر أرسل لاشترائه، فاشتري له بمال جزيل [1] .
وفيها توفي شهاب الدّين أحمد بن شيخ الإسلام برهان الدّين إبراهيم بن عبد الرحيم الأنصاري الحاملي [2] المقدسي الشافعي [3] .
ولد في سنة ست وأربعين وثمانمائة، واشتغل في العلم على والده، والكمال بن أبي شريف، وغيرهما، وباشر نيابة الحكم بالقدس في حياة والده، وكان خيّرا، متواضعا.
توفي في حدود هذه السنة بالقدس.
وفي حدودها أيضا شهاب الدّين أحمد بن عثمان الشّهير بمنلازاده السّمرقندي الخطّابي- نسبة إلى الخطّاب جدّ- الشافعي [4] .
كان إماما، علّامة، فقيها، مقرئا، عالي السّند في القراءات، بينه وبين الشّاطبي أربعة رجال.
دخل بلاد العرب، وحلب، ودمشق، وأخذ عنه أهلها، وله مؤلفات عديدة، منها كتاب جمع فيه من «الهداية» و «المحرر» و «شرح هداية» الحكمة.
__________
[1] انظر «النور السافر» ص (15)
[2] في «ط» : «المحاملي» وهو خطأ.
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 129) .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 138) و «معجم المؤلفين» (1/ 310) .

(10/5)


قال النّجم الغزّي في «الكواكب السّائرة بأعيان المائة العاشرة» : أخذ عنه شيخ الإسلام الجدّ، وقرأ عليه «المتوسط» و «شرح الشّمسية» وغيرهما، وأخذ عنه السيوفي مفتي حلب «تفسير البيضاوي» وأثنى عليه، وكان يخبر عنه أنه كان يقول:
عجبت لمن يحفظ شيئا كيف ينساه. انتهى وفيها شهاب الدّين أبو المكارم أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله، الشّهير بالشّارعي المالكي المصري [1] ، نزيل دمشق القاضي.
ولد في ثاني عشر ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة بالشّارع الأعظم قرب باب زويلة.
وتوفي بدمشق ليلة الخميس ثاني عشر ربيع الأول.
وفي حدودها أحمد بن يوسف المقرئ المالكي المغربي [2] الشيخ العارف بالله تعالى، أحد رجال المغرب وأوليائها، من أصحابه سيدي أحمد البيطار.
وفيها إسماعيل بن عبد الله الصّالحي [3] الشيخ الصّالح المولّه.
جفّ دماغه بسبب كثرة التّلاوة للقرآن في مدرسة الشيخ أبي عمر، فزال عقله، وقيل: عشق فعفّ، وكان في جذبه، كثير التّلاوة، ويتكلم بكلمات حسنة، وللناس جميعا فيه اعتقاد زائد، وكان يلازم الجامع الجديد، وجامع الأفرم بالصّالحية.
قال ابن طولون: أنشدني:
إذا المرء عوفي في جسمه ... وملّكه الله قلبا قنوعا
وألقى المطامع عن نفسه ... فذاك الغنيّ وإن مات جوعا
توفي تاسع عشري رمضان.
__________
[1] ترجمة في «متعة الأذهان» (مخطوط) الورقة (17/ آ) وفيه وفاته سنة (900) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 147) .
[3] ترجمته في «القلائد الجوهرية» ص (392) وفيه توفي سنة (900) في التاسع عشر من رمضان، و «متعة الأذهان» الورقة (29/ ب) (مخطوط) .

(10/6)


وفيها عماد الدّين إسماعيل بن محمد بن علي، العلّامة الشّافعي السّيوفي [1] ، الشهير بخطيب جامع السّقيفة بباب توما بدمشق.
ولد في مستهل ربيع الأول سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، وحفظ «التنبيه» و «منهاج البيضاوي» و «الشّاطبية» وعرض على التّقي الحريري، والبرهان الباعوني، والعلاء البخاري، وسمع على الخردفوشي، وابن بردس، وابن الطّحّان، وغيرهم، وجلس في أول أمره بمركز الشّهود، وخطب بجامع السّقيفة.
وهو والد العلّامة شمس الدّين الشهير بابن خطيب السّقيفة، بينه وبينه في السنّ أحد عشرة [2] سنة لا تزيد ولا تنقص.
وتوفي ولده قبله سنة سبع وتسعين وثمانمائة، وتوفي المترجم بدمشق يوم الخميس ثاني عشري ربيع الأول، ودفن عند ولده جوار الشيخ أرسلان.
وفي حدودها المولى حسام العالم الرّوميّ الحنفي [3] ، المعروف بابن الدلّاك [4] .
كان خطيبا بجامع السلطان محمد خان بقسطنطينية، وكان ماهرا في العربية والقراآت، حسن الصّوت، حسن التّلاوة.
وفيها بدر الدّين حسن بن أحمد الكبيسيّ ثم الحلبي [5] الشيخ الصّالح.
سمع ثلاثة أحاديث بقراءة الشيخ أبي بكر الحيشيّ [6] على الشيخ محمد بن مقبل الحلبي وأجاز لهما، وكان معتقدا شديد الحرص على مجالس العلم والذكر.
قال الزّين بن الشّماع: لم تر عيني مثله في ضبطه للسانه وتمسّكه بالشريعة.
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (29/ ب) (مخطوط) .
[2] في «ط» : «إحدى عشرة» .
[3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (205) .
[4] في «آ» و «ط» : «المعروف بابن الدلال» والتصحيح من «الشقائق النعمانية» .
[5] ترجمته في «درّ الحبب في تاريخ أعيان حلب» (1/ 527- 529) .
[6] تصحفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «الحبشي» والتصحيح من «در الحبب» (1/ 1/ 367) وسوف ترد ترجمته في سنة (930) من هذا المجلد.

(10/7)


وقال ابن الحنبلي: لم يضبط عنه أنه حلف يوما على نفي، ولا إثبات.
وفيها المولى حسن بن عبد الصّمد [1] السّامسوني [2] .
قال في «الشقائق» : كان عالما فاضلا، محبّا للفقراء والمساكين، ومريدا لمشايخ المتصوفة. قرأ على علماء الرّوم، ثم وصل إلى خدمة المولى خسرو، وحصل جميع العلوم أصليّها وفرعيّها وعقليّها وشرعيّها، ثم صارت مدرسا ببعض المدارس. ثم جعله قاضيا بالعسكر المنصور، ثم قاضيا بمدينة قسطنطينية، وكان مرضيّ السيرة محمود الطريقة في قضائه، سليم الطبع، قويّ الإسلام متشرعا متورعا، كتب بخطّه كثيرا، وله حواش على «المقدمات الأربع» وحواش على «شرح المختصر» . انتهى [3] وفي حدودها المولى حسن جلبي بن محمد [4] شاه الفناري [5] .
كان عالما فاضلا. قسّم أيّامه بين العلم والعبادة. يلبس الثياب الخشنة، ولا يركب دابة تواضعا [6] .
رحل إلى مصر فقرأ هناك «صحيح البخاري» على بعض تلامذة ابن حجر، وأجازه. وقرأ «مغني اللبيب» قراءة بحث وإتقان، وحجّ، وأتى بلاد الرّوم، وباشر إحدى المدارس الثمان.
ومن مصنّفاته «حواشيه على التّلويح» ، وحاشية «المطوّل» و «حواش على
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (96) ، و «الفوائد البهية» (61) ، «معجم المؤلفين» (3/ 236) .
[2] في المطبوع «الساموني» وهو تحريف، وفي الشقائق (الساميسوني) ونسبته الى سامسون مدينة ببلاد الروم. «الفوائد» (62) .
[3] في مصادره أنه توفي سنة (891) وأشار كحالة إلى رواية «الشذرات» (901) ورواية أخرى هي (881) هـ.
[4] ترجمته في «الضوء اللامع» للسخاوي (2/ 127- 128) ، و «نظم العقيان» للسيوطي ص (105 و 106) و «الشقائق النعمانية» ص (114) ، و «الفوائد البهية» ص (64) ، و «معجم المؤلفين» (3/ 213- 214)
[5] قال السخاوي: «ويعرف كسلفه بالفناري وهو لقب لجد أبيه لأنه فيما قيل لما قدم على ملك الرّوم أهدى له فنيارا فكان إذا سأل عنه يقول أين الفنري فعرف بذلك» .
[6] في «ط» : «متواضعا» .

(10/8)


شرح المواقف» للسيد الشريف، كلها مقبولة متداولة، رحمه الله تعالى [1] .
وفيها- تقريبا- أبو الوفاء خليل بن أبي الصّفا إبراهيم بن عبد الله الصّالحي [2] الحنفي المحدّث.
ولد سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، وأخذ عن الحافظ ابن حجر، والسّعد الدّيري، والعيني، والقاياتي، والعلم البلقيني، وغيرهم. وأجاز لابن طولون والكفرسوسي، وابن شكم، وغيرهم، ثم أجاز لمن أدرك حياته، رحمه الله تعالى.
وفيها أبو زيد عبد الرحمن بن علي بن صالح المكّودي نسبا الفاسي المكّي [3] ، شارح «الألفية» و «الآجرومية» .
وفي حدودها المولى عبد الكريم بن عبد الله الرّومي الحنفي [4] العالم الفاضل المشهور.
كان من الأرقّاء، ثم من الله عليه بالعتق، وجدّ في طلب العلم، وحصّل فنونا عدة وفضائل جمّة.
وقرأ على المولى الطّوسي، والمولى سنان العجمي، تلميذ المولى محمد شاه الفناري [5] ، ثم صار مدرسا ببعض المدارس الثمان التي بناها محمد خان عند فتح قسطنطينية. ثم ولي قضاء العسكر. ثم صار مفتيا زمن السلطان محمد المذكور، واستمرّ بها إلى أن مات.
وله «حواش على أوائل التلويح» ، رحمه الله تعالى.
__________
[1] في «الضوء اللامع» و «الفوائد البهية» أنه توفي سنة ست وثمانين وثمانمائة.
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة» (1/ 189) وفيه أنه أجاز لابن طولون سنة (907) فليحرر.
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 97) ، و «بغية الوعاة» (2/ 83) و «النور السافر» (13) ، و «نيل الابتهاج» ص (168- 169) و «الكوكب السائرة» (1/ 254) و «معجم المؤلفين» (3/ 156) .
[4] ترجمته في «الكوكب السائرة» (1/ 254) ، و «الفوائد البهيّة» ص (101) ، و «معجم المؤلفين» (5/ 317) .
[5] تقدمت ترجمته في ص (8) .

(10/9)


وفيها قاضي القضاة تاج الدّين عبد الوهاب بن العلّامة شهاب الدّين أحمد بن محمد بن عرب شاه الحنفي [1] .
ولد سنة ثلاث عشرة وثمانمائة، وكان في ابتداء أمره شاهدا، وبلغ من صناعة الشهادة غاية الدهاء، وكان فقيرا، فحصلت له ثروة وجاه، ونظم في مذهب الحنفية كتابا كبيرا، ثم ولي قضاء قضاة دمشق في رجب سنة أربع وثمانين، ثم عزل في شوال سنة خمس، ثم سافر إلى مصر، فولي مشيخة الصّر غتمشية بها إلى أن توفي في خامس عشر رجب بها. [2] وفيها المولى علاء الدّين علي العربي [3] العالم الفاضل.
كان أصله من نواحي حلب، وقرأ على علماء حلب. ثم قدم إلى بلاد الرّوم، وقرأ على المولى الكوراني.
قال في «الشقائق» : حكى الوالد- رحمه الله تعالى- أنه قال له المولى الكوراني يوما: أنت عندي بمنزلة السيد الشريف عند مبارك شاه المنطقي، وقصّ عليهما قصّتهما، ثم اتّصل العربي بخدمة المولى خضر بك بن جلال الدّين، وحصّل عنده علوما كثيرة، ثم صار معيدا بمدرسة دار الحديث بأدرنة، وصنّف هناك «حواشي شرح العقائد» ، ثم تنقّل في المدارس إلى أن تولّى مدرسة ببلدة مغنيسا، فاشتغل هناك بالعلم غاية الاشتغال، واشتغل أيضا بطريقة التصوف، فجمع بين رئاستي العلم والعمل، ويحكى عنه أنه سكن فوق جبل هناك في أيام الصّيف، فزاره يوما رجل من أئمة بعض القرى، فقال المترجم: إني أجد منك رائحة النّجاسة، ففتش الإمام ثيابه فلم يجد شيئا، فلما أراد أن يجلس سقط من حضنه رسالة هي واردات الشيخ بدر الدّين بن قاضي سماوة [4] فنظر فيها المولى
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 97) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 257) ، و «معجم المؤلفين» (6/ 219) .
[2] في «ط» : «في» .
[3] ترجمته في «الشقائق النّعمانية» (92- 95) ، و «الفوائد البهية» ص (146) ، و «هدية العارفين» (1/ 739) ، و «معجم المؤلفين» (7/ 149) .
[4] في هامش «ط» : «في الأصل: سماوتة» وفي «الشقائق» (93) «سمادته» .

(10/10)


المذكور فوجد فيها ما يخالف الإجماع فقال: كان الرّيح المذكور لهذه الرسالة وأمر بإحراقها.
وكان يختلي خلوات أربعينيات، ثم صار مفتيا بقسطنطينية إلى أن مات بها.
وكان رجلا عالما علّامة سيما بالتفسير، طويلا، عظيم اللّحية، قويّ المزاج جدا، حتى كان يجلس للدرس في أيام الشتاء مكشوف الرأس.
وكان له ذكر قلبيّ يسمع من بعد، وربما يغلب صوت ذكر [1] قلبه على صوته، وله «حواش على المقدمات الأربع» وهو أول من حشّى عليها. انتهى ملخصا وفيها علاء الدّين علي بن علي بن يوسف بن خليل النّووي [2] ثم الدمشقي الشافعي الإمام العلّامة.
ولد في حادي عشر شوال سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة، واشتغل في العلم، فبرع ودرّس وأفتى، وكان يتكسّب بالشهادة في مركز باب الشامية البرانية خارج دمشق.
وتوفي ليلة الخميس عاشر صفر ودفن بمقبرة النّخلة غربي سوق صاروجا.
وفيها المولى قاسم البغدادي [3] الكرماني ثم القسطنطيني، العالم الفاضل الحنفي ابن أخت المولى شيخي الشاعر الحنفي، أحد موالي الرّوم.
اشتغل في العلم، واتصل بخدمة المولى [4] عبد الكريم. ثم صار مدرّسا ببلدة أماسية، ثم بمدرسة أبي أيوب الأنصاري، ثم بإحدى المدارس الثمان، وكان ذكيا سليم القلب وافر العقل يدرّس كل يوم سطرين أو ثلاثة، ويتكلم عليها بجميع ما يمكن إيراده من نحو وصرف ومعان وبيان ومنطق وأصول مع رفع جميع ما أشكل على الطلبة على أحسن الوجوه وألطفها. وله حواش على «شرح المواقف» وأجوبة على [5] «السبع الشداد» التي علقها المولى لطفي وأشعار [6] لطيفة تركية وفارسية رحمه الله.
__________
[1] ليست اللفظة في «ط» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» 1/ 271.
[3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (171- 172) و «الكواكب السائرة» ) (1/ 294) ، و «معجم المؤلفين» (8/ 96) .
[4] في «ط» : «الولي» .
[5] في «ط» : «عن» .
[6] في «ط» : «واستعار» .

(10/11)


وفيها السلطان أبو النصر قايتباي [بن عبد الله] [1] الملك الأشرف الجركسي الظّاهري [2] نسبة إلى الظّاهر جقمق الحادي والأربعون من ملوك التّرك، والسادس عشر من الجراكسة.
ولد سنة ست وعشرين وثمانمائة، ثم اتصل بالملك الظّاهر فأعتقه ولم يزل عنده يترقّى من مرتبة إلى مرتبة، إلى أن آل أمره إلى أن بويع له بالسلطنة يوم الاثنين سادس رجب سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة، ولم يكن له في زمنه منازع ولا مدافع، وسار في الناس السيرة الحميدة، واجتهد في بناء المشاعر العظام، وكان له في الشيخ عبد القادر الدشطوتي غاية الاعتقاد، وكان يتولى تربيته وإرشاده كلما مرّ عليه، ويمتثل هو أمره، وربما نزل إليه فقبّل يديه.
وقال له الشيخ يوما والذّباب منعكف عليه: يا قايتباي قل لهذا الذّباب يذهب عني، فحار وقال له: يا سيدي كيف يسمع الذّباب مني؟ فقال: كيف تكون سلطانا ولا يسمع الذّباب منك، ثم قال الشيخ: يا ذباب اذهب عني، فلم تبق عليه ذبابة.
وكان قايتباي محتاطا في الوظائف الدينية، كالقضاء والمشيخة والتدريس، لا يولّي شيئا من ذلك إلّا الأصلح بعد التروي والتفحّص.
قال ابن العيدروس في كتابه «النّور السّافر عن أخبار [3] القرن العاشر» : وقع له في بناء المشاعر العظام ما لم يقع لغيره من الملوك كعمارة مسجد الخيف بمنى، وحفر بنمرة صهريجا ذرعه عشرون ذراعا وعمر بركة خليص، وأجرى العين الطيبة إليها، وأصلح المسجد الذي هناك، وأجرى عين عرفة بعد انقطاعها أزيد من قرن، وعمر سقاية سيدنا العبّاس، وأصلح بئر زمزم والمقام، وجهّز في سنة تسع وسبعين للمسجد منبرا عظيما، وكان يرسل للكعبة الشريفة كسوة فائقة جدا في كل سنة، وأنشأ بجانب المسجد الحرام مدرسة عظيمة
__________
[1] ليس ما بينهما في «ط» .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (3/ 201- 211) ، و «بغية الوعاة» (2/ 122) ، و «النّور السافر» (13) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 297- 300) .
[3] في «ط» : «عن أعيان» وما جاء في «آ» موافق لما جاء على غلاف النسخة الخطية والنسخة المطبوعة منه.

(10/12)


وبجانبها رباطا، مع إجراء الخيرات لأهلها كل يوم، وسبيلا عظيما للخاص والعام، ومكتبا للأيتام، وكذا أنشأ بالمدينة النّبوية مدرسة بديعة بل بنى المسجد الشريف، بعد الحريق، وعمل ببيت المقدس مدرسة كبيرة.
وقال النّجم الغزّي في كتابه «الكواكب السائرة بمناقب أعيان المائة العاشرة» : كان بين السلطان قايتباي وبين الجدّ رحمه الله غاية الاتحاد، ولكل منهما في الآخر مزيد الاعتقاد، وكان الجدّ يقطع له بالولاية. وكتب ديوانا لطيفا من نظمه وإنشائه في مناقبه ومآثره سمّاه «بالدّرّة المضية في المآثر الأشرفية» وذكر فيه أن بعض أولياء الله تعالى أظهره على مقام الملك الأشرف قايتباي في الولاية، اجتمع الجدّ بالولي المذكور في حجر إسماعيل وقت السّحر، فعرفه بمقامه، وأمره باعتقاده، ونظم في مآثره وعمائره قصيدة رائية ضمّنها الديوان المذكور، فمنها أنه عمر حصنا بالإسكندرية ومدرسة بالقرب منه وحصن ثغر دمياط وحصونا برشيد ورمّم الجامع الأمويّ بدمشق، وعمّر بغزّة مدرسة وجامعا بالصّالحية المعزّية [1] ، وجامع الروضة وجامع الكبير [2] وتربة بصحراء مصر وقبة الإمام الشافعي [3] ، في مآثر أخرى، ولم ينتقد عليه أحد عظيم أمر سوى ما كان من أمره بإعادة كنيسة اليهود بالقدس الشريف بعد هدمها وعقوبته لعالم القدس البرهان الأنصاري وقاضيها الشّهاب بن عبية وغيرهم بسبب هدم الكنيسة، حتى حملوا إليه وضرب بعضهم بين يديه، وقد شنّع ابن عبية عليه في ذلك وبالغ في حقّه وهو تحامل منه بسبب تعزيره له.
وقال السخاوي: وبالجملة فلم يجتمع لملك ممن أدركناه ما اجتمع له ولا حوى من الحذق والذّكاء والمحاسن مجمل ما اشتمل عليه ولا مفصله. وربما مدحه الشعراء ولا يلتفت إلى ذلك، ويقول: لو اشتغل بالمديح النّبوي كان أعظم، وترجمته تحتمل مجلدات.
__________
[1] في «آ» : «المصرية» .
[2] في «ط» : «الكبش» ، وفي «آ» «كبس» وكلاهما تحريف وما أثبته عن «الكواكب السائرة» .
[3] ليست اللفظة في «ط» .

(10/13)


قال: وله تهجّد وتعبد وأوراد وأذكار وتعفف وبكاء من خشية الله تعالى، وميل لذوي الهيئات الحسنة، ومطالعة في كتب العلم والرّقائق وسير الخلفاء والملوك والاعتقاد فيمن يثبت عنده صلاحه من العلماء والصلحاء، وتكرّر توجهه لبيت المقدس والخليل وثغور دمياط والإسكندرية ورشيد، وأزال كثيرا من الظّلامات [1] الحادثات، وحجّ في طائفة قليلة سنة أربع وثمانين، ووهب وتصدّق، وأظهر من التواضع والخشوع في الطّواف والعبادة ما عدّ من حسناته، وأنفق أموالا عظيمة في غزو الكفّار ورباط الثّغور، وحفظ الأمصار، رحمه الله. انتهى وقال الشيخ مرعي في كتابه «نزهة النّاظرين وأخبار الماضين» : كان ملكا جليلا وسلطانا نبيلا، وله اليد الطّولى في الخيرات، والطّول الكامل في إسداء المبرّات، وكانت أيّامه كالطّراز المذهب، وهو واسطة [2] عقد ملوك الجراكسة وأطولهم مدة.
وأقام في السلطنة تسعا وعشرين سنة وأربعة أشهر وعشرين يوما.
وتوفي في [2] آخر نهار الأحد سابع عشر ذي القعدة، ودفن يوم الاثنين بقبة بناها بتربة الصحراء شرقي القاهرة، وقبره ظاهر يزار.
وتولى ولده الناصر محمد أبو السعادات قبل موته بيوم وهو في سن البلوغ. فأقام ستة أشهر ويومين ثم خلع في ثامن عشري جمادى الأولى بعد ثبوت [3] عجزه عن السلطنة.
وفيها المولى محيي الدين محمد بن إبراهيم بن حسن النكساري [4] الرّومي الحنفي [5] الإمام العالم.
كان عالما بالعربية، والعلوم الشرعية، والعقلية، ماهرا في علوم الرياضة.
__________
[1] في «آ» : «الظلمات» .
[2] ليست اللفظة في «ط» .
[3] تحرفت في «ط» إلى «هبوت» .
[4] تصفحت في «ط» إلى «التكشاري» .
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 23) ، و «الفوائد البهيّة» (155) ، و «هدية العارفين» (1/ 218) ، و «معجم المؤلفين» (8/ 196) .

(10/14)


أخذ عن المولى فتح الله الشرواني، وقرأ على الحسام التّوقاني، والمولى يوسف بالي بن محمد الفناري، والمولى يكان.
وكان حافظا للقرآن العظيم، عارفا بالقراءات، ماهرا في التفسير، يذكّر الناس كل جمعة تارة بأياصوفيا [1] ، وتارة بجامع السّلطان محمد، وكان حسن الأخلاق، قنوعا، راضيا بالقليل من العيش، مشتغلا بإصلاح نفسه، منقطعا إلى الله تعالى.
صنّف «تفسير سورة الدّخان» وكتب «حواشي على تفسير القاضي البيضاوي» و «حاشية على شرح الوقاية» لصدر الشريعة. ولما آن أوان انقضاء [2] مدته ختم «التفسير» في أيا صوفيا، ثم قال: أيّها الناس، إني سألت الله تعالى أن يمهلني إلى ختم القرآن العظيم، فلعل الله تعالى يختم لي بالخير والإيمان، ودعا فأمّن الناس على دعائه، ثم أتى بيته بالقسطنطينية فمرض وتوفي.
وفيها المولى محيى الدّين محمد بن إبراهيم الرّومي الحنفي، الشهير بابن الخطيب [3] ، العالم العلّامة.
كان من مشاهير موالي الرّوم. قرأ على والده المولى تاج الدّين، وعلى العلّامة علي الطّوسي، والمولى خضر بك، وتولى المناصب، وترقى فيها حتّى جعله السلطان محمد بن عثمان معلما لنفسه، وألّف «حواشي على شرح التجريد» للسيد الشريف، و «حواشي على حاشية الكشّاف» للسيد أيضا، وغير ذلك.
وفيها قاضي القضاة، شيخ الإسلام، نجم الدّين أبو البقاء محمد بن برهان الدّين إبراهيم بن جمال الدّين عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن سعد الله بن علي بن جماعة الكناني المقدسي الشافعي [4] .
ولد في أواخر صفر سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة بالقدس الشريف، ونشأ به،
__________
[1] وهو مسجد إستانبول الشهير.
[2] في «ط» : «القضاء» .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 24) ، و «الفوائد البهية» ص (204) ، «الفتح المبين في طبقات الأصوليين» ص (61) ، و «معجم المؤلفين» (8/ 198) .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 25) : و «معجم المؤلفين» (9/ 101) .

(10/15)


واشتغل في صغره بالعلم على جدّه وغيره، وأذن له تقي الدّين بن قاضي شهبة بالإفتاء والتدريس مشافهة حين قدم إلى القدس، وتعيّن في حياة والده وجدّه، وولي تدريس الصّلاحية [1] عن جدّه فباشره أحسن مباشرة، وحضره الأعيان، وجمع له في صفر سنة اثنتين وسبعين بين قضاء القضاة [2] وتدريس الصّلاحية وخطابة الأقصى، ولم يلتمس على القضاء، ولا الدرهم الفرد، حتى تنزّه عن معاليم الأنظار [3] مما يستحقه شرعا، ثم صرف عن القضاء والتدريس بالعزّ الكناني، فانقطع في منزله بالمسجد الأقصى يفتي ويدرّس.
وله من المؤلّفات شرح على «جمع الجوامع» سمّاه ب «النّجم اللامع» ، و «تعليق على الرّوضة» إلى أثناء الحيض في مجلدات، و «تعليق على المنهاج» في مجلدات، و «الدر النّظيم في أخبار موسى الكليم» وغير ذلك.
وتوفي بالقدس في حدود هذه السنة.
وفيها أبو المواهب محمد بن أحمد الشيخ الإمام المدقّق التونسي [4] الشّاذلي، نزيل مصر، وهو الذي كان متصدّرا في قبالة رواق المغاربة بالجامع الأزهر، وكان صاحب أوراد وأحوال.
وفيها- تقريبا- شمس الدّين محمد بن إبراهيم بن محمد الحنفي المقرئ، عرف بابن أبي عامر [5] .
أخذ عن الشّهاب الحجازي المحدّث، وأخبره أنه يروي «ألفية الحديث» و «القاموس» عن مؤلفيهما [6] و «تلخيص المفتاح» عن إبراهيم الشامي عن المؤلّف.
__________
[1] في «آ» : «الصالحية» وهو خطأ.
[2] في «آ» : «بين القضاء» وما جاء في «ط» موافق لما في «الكواكب» .
[3] في «ط» : «الانتظار» وهو خطأ.
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 30) ، و «الجامع لكرامات الأولياء» (1/ 70) ، و «معجم المؤلفين» (9/ 142) .
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 26) .
[6] في «ط» : «عن مؤلفيها» .

(10/16)


وفيها محمد بن داود النّسيمي المنزلاوي [1] الشيخ الصّالح، أحد المتمسكين بالسّنّة المحمدية في أقوالهم وأفعالهم.
ألّف رسالة سمّاها «طريقة الفقر المحمدي» ، ضبط فيها أقوال النّبي صلّى الله عليه وسلم وأفعاله وأحواله التي ظهرت لأمته. وكان يقول: ليس لنا شيخ إلّا رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
وكان يقري الضيوف، ويخدم الفقراء، والمنقطعين عنده، وينظف ما تحتهم من بول أو غائط، ولا يتخصص عنهم بشيء. وكان ربما طرقه الضيف ليلا، ولم يكن عنده ما يقريه، فيرفع القدر على النّار، ويضع فيه الماء، ويوقد عليه، فتارة يرونه أرزا ولبنا، وتارة أرزا وحلواء، وتارة لحما ومرقا، وربما وجدوا فيه لحم الدّجاج، ومناقبه كثيرة.
توفى ببلدة النسيمية، ودفن بجوار زاويته وقبره بها ظاهر يزار.
وفيها- تقريبا- شمس الدّين محمد بن عبد الرحمن بن علي [2] الإمام العالم العلّامة، إمام الكاملية بين القصرين.
لبس الخرقة من الشيخ الإمام العلّامة شمس الدّين بن الجزري المقرئ صاحب «النشر» .
ولد [3] في سنة [4] تسع وعشرين وثمانمائة، وتوفي في أول هذا القرن.
وفيها القاضي شمس الدّين محمد بن عمر الدّورسي الدمشقي الحنبلي [5] .
ولد سنة ست عشرة وثمانمائة، وكان نقيبا لقاضي القضاة برهان الدّين بن أكمل الدّين بن شرف الدّين بن مفلح، ثم فوض إليه ولده قاضي القضاة
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 46) ، و «جامع كرامات الأولياء» (1/ 172) ، و «معجم المؤلفين» (9/ 298) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 52) .
[3] لفظة «ولد» سقطت من «ط» و «الكواكب السائرة» .
[4] سقطت لفظة «سنة» من «ط» .
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 68) .

(10/17)


نجم الدّين بن مفلح نيابة القضاء- قال النّعيمي: لقلة النواب- فدخل في القضاء مدخلا لا يليق.
وتوفي يوم الجمعة عشري جمادى الأولى.
وفيها مصلح الدّين مصطفى القسطلّاني الرّومي [1] الحنفي، أحد موالي الرّوم العالم العامل.
قرأ على موالي الرّوم، وخدم المولى خضر بك، ودرّس في بعض المدارس، ثم لما بنى السلطان محمد خان ابن عثمان المدارس الثمان بقسطنطينية أعطاه واحدة منها.
وكان لا يفتر عن الاشتغال والدرس. وكان يدّعي أنه لو أعطي المدارس الثمان كلّها لقدر أن يدرّس في كل واحدة منها كل يوم ثلاثة دروس، ثم ولي قضاء بروسا ثلاث مرات، ثم قضاء أدرنة كذلك، ثم القسطنطينية كذلك، ثم ولاه السلطان محمد قضاء العسكر، وكان لا يداري الناس، ويتكلم بالحقّ على كل حال، فضاق الأمر على الوزير محمد باشا القرماني، فقال للسلطان، إن الوزراء أربعة، فلو كان للعسكر قاضيان أحدهما في ولاية روم إيلي، والآخر في ولاية أناضولي، كان أسهل في إتمام مصالح المسلمين، ويكون زينة لديوانك فمال إلى ذلك، وعيّن المولى المعروف بالحاجي حسن لقضاء أناضولي، فأبى القسطلاني ذلك، فلما مات السلطان محمد وتولى بعده ولده السلطان أبو يزيد خان عزل القسطلاني وعيّن له كل يوم مائة درهم، ثم صار قضاء العسكر ولايتين بعد ذلك.
قال في «الكواكب السائرة» : وكان القسطلاني يداوم أكل الحشيش والكيف، وكان مع ذلك ذكيا في أكثر العلوم، حسن المحاضرة، وأخبر عن نفسه أنه طالع «الشفا» لابن سينا سبع مرات، وكان المولى خواجه زاده صاحب كتاب «التهافت» إذا ذكر القسطلاني يصرّح بلفظ المولى ولا يصرّح بذلك لأحد سواه من أقرانه، وكان يقول: إنه قادر على حلّ المشكلات وإحاطة العلوم الكثيرة في مدة
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 306) و «البدر الطالع» (2/ 308) ، و «هدية العارفين» (2/ 433) ، و «معجم المؤلفين» (12/ 282) .

(10/18)


يسيرة ولم يهتم بأمر التصنيف لاشتغاله بالدرس والقضاء، لكنه كتب «حواشي على شرح العقائد» ورسالة ذكر فيها سبع إشكالات وشرحها و «حواشي على المقدمات الأربع» التي أبدعها صدر الشريعة وردّ فيها على حواشي المولى علي العربي.
وتوفي في هذه السنة بقسطنطينية، ودفن بجوار أبي أيوب الأنصاري.
وفيها شرف الدّين موسى بن علي الشيخ العالم الصّالح الشهير بالحوراني الشافعي [1] .
كان يحفظ القرآن العظيم، و «المنهاج» ويدرّس فيه، وفي القراءات بمدرسة شيخ الإسلام أبي عمر، وتفقه على النّجم بن قاضي عجلون، وسمع على البرهان الباعوني وغيره.
وولي نظر الشبلية والإمامة بها، وكان يقرئ بها «سيرة ابن هشام» كل يوم بعد العصر، ودرّس بمدرسة أبي عمر سنين، وانتفع الناس به.
قال ابن طولون: وحضرت عنده مرارا.
وتوفي بمنزله بمحلّة الشّبلية في أحد الجمادين، ودفن بالصّالحية، رحمه الله تعالى.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 310) ، و «متعة الأذهان» (104 آ- ب) (مخطوط) .

(10/19)


سنة اثنتين وتسعمائة
فيها أمر السلطان عامر بن عبد الوهاب بتقييد رئيس الإسماعيلية وعالمها سليمان بن حسن بمدينة تعز، وأودعه دار الأدب لأنه كان يتكلّم بما لا يعنيه من المغيبات، وأمر بإتلاف كتبه فأتلفت، ولله الحمد.
وفيها توفي برهان الدين إبراهيم بن القاضي شمس الدّين محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم بن يعقوب بن المعتمد القرشي الدمشقي الصّالحي الشافعي [1] .
ولد في ثالث عشر ذي القعدة سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة، وحفظ «المنهاج» وعرضه على جماعة من الأفاضل، وكتب له الشيخ بدر الدّين بن قاضي شهبة في الشامية أربعين مسألة كتب عليها في سنة ثمان وستين، وفوض إليه القضاء في سنة سبعين، ثم درّس في المجاهدية والشامية الجوانية والأتابكية، وتصدر بالجامع.
وله «حاشية على العجالة» في مجلدين، وحجّ وجاور في سنة اثنتين وثمانين، ولازم النّجم بن فهد، وسمع عليه وعلى غيره بمكة، وكان حسن المحاضرة، جميل الذّكر، يحفظ نوادر كثيرة من التاريخ، وذيّل على «طبقات ابن السبكي» وأكثر فيه من شعر البرهان القيراطي، وقرأ عليه القاضي برهان الدّين الأخنائي، والشيخ تقي الدّين القاري، وغيرهما.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 100) ، و «إيضاح المكنون» (1/ 476) ، و «معجم المؤلفين» (1/ 83) .

(10/20)


وتوفي عشية يوم الأحد ثالث عشر شعبان بدمشق، ودفن بالرّوضة، وخلّف دنيا عريضة.
وفيها أحمد ابن [1] ولي الدّين العالم الفاضل، المولى ابن المولى الحسيني الرّومي [2] ، الشهير بأحمد باشا.
قرأ على علماء عصره، وفضل، وتنقّل في المناصب، حتّى صار قاضي عسكر ثم جعله [3] السلطان محمد خان معلما لنفسه، واشتد ميله إليه، حتى استوزره، ثم عزله عن الوزارة لأمر وجعله أميرا على أنقرة وبروسا، وكان رفيع القدر، عالي الهمّة، كريم الطبع، سخي النّفس، ولم يتزوج لعنّة [4] كانت به، وكان له نظم بالعربية والتركية.
وتوفي أميرا ببروسا ودفن بها بمدرسة وعلى قبره قبّة كتب على بابها محمد بن أفلاطون تاريخ وفاته وهو [5] :
هذه أنوار مشكاة [6] لمن ... عدّه الرّحمن من ممدوحه
فرّ من أدناس تلك الناس إذ ... كان مشتاقا إلى سبّوحه
قال روح القدس في تاريخه ... إن في الجنّات مأوى روحه
وفيها أمّ الخير أمة الخالق [7] الشيخة الأصيلة المعمّرة.
ولدت سنة إحدى عشرة وثمانمائة، وحضرت على الجمال الحنبلي، وأجاز لها الشرف بن الكويك وغيره، وهي آخر من يروي «البخاري» عن أصحاب الحجّار.
نزل أهل الأرض درجة في رواية «البخاري» بموتها، رحمها الله تعالى.
__________
[1] لفظة «ابن» سقطت من «ط» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 145- 147) ، و «الشقائق النعمانية» (123- 124) .
[3] في «ط» : «وجعله» .
[4] جاء في «القاموس المحيط» (عنن) : العنين ... كسكّين: من لا يأتي النساء عجزا أو لا يريدهن، والاسم العنانة.
[5] الأبيات في «الشقائق النعمانية» .
[6] في «الشقائق النعمانية» : «هذه مشكاة أنوار» .
[7] ترجمتها في «الكواكب السائرة» (1/ 162) ، و «أعلام النساء» (1/ 83) .

(10/21)


وفيها حبيب القرماني العمري من جهة الأب البكري من جهة الأم [1] ، العارف بالله تعالى، أحد شيوخ الرّوم.
اشتغل في أول عمره بالعلم، وقرأ في شرح العقائد، ثم ارتحل إلى خدمة السيد يحيى بن السيد بهاء الدّين الشّيرازي، فلقي في طريقه جماعة من مريديه، فقال لهم: هل يقدر شيخكم أن يريني الرّبّ في يوم واحد، فلطمه أحدهم لطمة خرّ مغشيا عليه، فعلم السيد يحيى بهذه القصة فدعا الشيخ حبيب، وقال له: لا بأس عليك إن الصوفية تغلب الغيرة عليهم وإن الأمر كما ظننت، وأمره بالجلوس في موضع معيّن وأن يقصّ عليه ما يراه، ثم قال لمريديه: إنه من العلماء فحكي عنه أنه قال: لما دخلت هذا الموضع جاءتني تجليات الحقّ مرة بعد أخرى، وفنيت عن كل مرّة، ثم دوام خدمة السيد يحيى اثنتي عشرة سنة، ثم استأذنه، وعاد إلى بلاد الرّوم، وصحب الأكابر من سادات الرّوم، وكان له أشراف على الخواطر، ولم يره أحد راقدا ولا مستندا إلّا في مرض موته.
توفي بأماسية ودفن بعمارة محمد باشا.
وفيها شمس الدّين أبو الجود محمد بن شيخ الإسلام برهان الدّين إبراهيم بن عبد الرحيم الأنصاري الخليلي [2] الشافعي الإمام العلّامة.
ولد بمدينة الخليل عليه الصّلاة والسلام في شعبان سنة خمس وأربعين وثمانمائة، وحفظ القرآن و «المنهاج» و «ألفية بن مالك» و «الجزيرة» وبعض «الشاطبية» . واشتغل على والده، ثم أخذ العلم عن جماعة من علماء مصر، أجلّهم الشرف المناوي، والكمال ابن إمام الكاملية الشافعيان، وأخذ العلوم عن التّقي الشّمّنّي الحنفي، وفضل وتميّز، وأجيز بالإفتاء والتدريس.
وله تصانيف، منها «شرح الجرومية» و «شرح الجزيرة» و «شرح مقدمة الهداية في علم الرّواية لابن الجزري، و «معونة الطّالبين في معرفة إصلاح
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 171- 174 و 2/ 74) ، و «الشقائق النعمانية» ص (161) .
[2] ترجمته في «الأنس الجليل» (546- 547) و «الكواكب السائرة» (1/ 26) و «معجم المؤلفين» (8/ 206) ، و «الأعلام» (6/ 192) .

(10/22)


المعربين» وقطعة من «شرح تنقيح اللّباب» للولي العراقي، وغير ذلك، رحمه الله.
وفيها الحافظ شمس الدّين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد السخاوي [1] الأصل، القاهري المولد، الشافعي المذهب، نزيل الحرمين الشريفين.
ولد في ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة، وحفظ القرآن العظيم وهو صغير وصلّى به في شهر رمضان. وحفظ «عمدة الأحكام» و «التنبيه» و «المنهاج» و «ألفية ابن مالك» و «ألفية العراقي» وغالب «الشّاطبية» و «النّخبة» لابن حجر، وغير ذلك، وكلما حفظ كتابا عرضه على مشايخه، وبرع في الفقه، والعربية، والقراءات، والحديث، والتاريخ، وشارك في الفرائض، والحساب، والتفسير، وأصول الفقه، والميقات، وغيرها وأما مقروءاته ومسموعاته فكثيرة جدا لا تكاد تنحصر.
وأخذ عن جماعة لا يحصون يزيدون على أربعمائة نفس، وأذن له غير واحد بالإفتاء، والتدريس، والإملاء.
وسمع الكثير على شيخه الحافظ ابن حجر العسقلاني، ولازمه أشد الملازمة، وحمل عنه ما لم يشاركه فيه غيره، وأخذ عنه أكثر تصانيفه، وقال عنه:
هو أمثل جماعتي، وأذن له، وكان يروي «صحيح البخاري» عن أزيد من مائة وعشرين نفسا.
ورحل إلى الآفاق، وجاب البلاد، ودخل حلب، ودمشق، وبيت المقدس وغيرها، واجتمع له من المرويّات بالسّماع والقراءة ما يفوق الوصف.
وكان بينه وبين النّبي صلّى الله عليه وسلم عشرة أنفس، وحجّ بعد وفاة شيخه ابن حجر مع والديه.
ولقي جماعة من العلماء وأخذ عنهم، كالبرهان الزّمزمي، والتّقي بن فهد، وأبي السعادات بن ظهيرة، وخلائق، ثم رجع إلى القاهرة ولازم الاشتغال والإشغال والتأليف، لم يفتر أبدا.
__________
[1] ترجم السخاوي لنفسه ترجمة مطولة في «الضوء اللامع» (8/ 2- 32) وله ترجمة في «نظم العقيان» (152- 153) و «النّور السافر» (16- 21) و «الكواكب السائرة» (1/ 53) و «البدر الطالع» (2/ 184- 187) .

(10/23)


ثم حج سنة سبعين، وجاور، وحدّث هناك بأشياء من تصانيفه وغيرها، ثم حجّ في سنة خمس وثمانين، وجاور سنة ست وسبع، وأقام منهما ثلاثة أشهر بالمدينة النبوية، ثم حج سنة اثنتين وتسعين، وجاور سنة ثلاث وأربع، ثم حجّ سنة ست وتسعين وجاور إلى أثناء سنة ثمان، فتوجه إلى المدينة فأقام بها أشهرا، وصام رمضان بها، ثم عاد في شوالها إلى مكّة وأقام بها مدة، ثم رجع إلى المدينة وجاور بها إلى أن مات، وحمل الناس من أهلهما والقادمين عليهما عنه الكثير جدا، وأخذ عنه من لا يحصى كثرة.
وألّف كتبا إليها النهاية لمزيد علوه وفصاحته.
من مصنفاته «الجواهر والدّرر في ترجمة الشيخ ابن حجر» و «فتح المغيث بشرح ألفية الحديث» لا يعلم أجمع منه ولا أكثر تحقيقا لمن تدبره [1] ، و «الضوء اللامع لأهل القرن التاسع» في ست مجلدات ذكر فيه لنفسه ترجمة على عادة المحدّثين [2] ، و «المقاصد الحسنة في الأحاديث الجارية على الألسنة» [3] وهو أجمع وأتقن من كتاب السيوطي المسمى ب «الجواهر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة» [4] وفي كل واحد منهما ما ليس في الآخر، و «القول البديع في الصّلاة على الحبيب الشفيع» [5] و «عمدة المحتج في حكم الشطرنج» و «الإعلان بالتوبيخ
__________
[1] وهو مطبوع في ثلاث مجلدات منذ سنوات طويلة، وأعادت إصداره دار الكتب العلمية ببيروت مصورا قبل سنوات قليلة. ثم نشر نشرة جيدة في الهند في أربعة أجزاء بتحقيق الشيخ علي حسين علي.
[2] وهو مطبوع في مكتبة القدسي بالقاهرة منذ سنوات طويلة في ست مجلدات تضم اثني عشر جزءا، وصورته منذ سنوات قليلة دار مكتبة الحياة بيروت. ونقوم بإعداد فهارس عامة له بمشاركة بعض الأفاضل ستصدر في مجلد كبير قريبا إن شاء الله.
[3] وهو من خيرة الكتب في بابه وقد نشر منذ سنوات طويلة في مصر بعناية الشيخ عبد الله الصدّيق الغماري، وتقديم الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف، وهي نشرة سقيمة فيها الكثير من التحريف والخطأ والسقط، وقد جمعت مصورات ثلاث من نسخه الخطية وشرعت بتحقيقه وأسأل المولى عزّ وجل أن يعينني على الانتهاء منه ودفعه للطبع في أقرب فرصة إن شاء الله تعالى.
[4] قلت: وهو المعروف ب «الدّرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة» وقد قمت بتحقيقه بالاشتراك مع الأستاذ محمد بدر الدّين القهوجي، ونشرته مكتبة دار العروبة في الكويت عام (1408) هـ.
[5] وهو مطبوع عدة مرات آخرها وأفضلها التي صدرت عن مكتبة دار البيان بدمشق منذ سنوات قليلة.

(10/24)


على من ذم علم «التوريخ» [1] وهو نفيس جدا، و «التاريخ المحيط» على حروف المعجم، و «تلخيص تاريخ اليمن» ، و «الأصل الأصيل في تحريم النقل من التوراة والإنجيل» ، و «تحرير الميزان» ، و «عمدة القارئ والسامع في ختم الصحيح الجامع» ، و «غنية المحتاج في ختم صحيح مسلم بن الحجّاج» وغير ذلك [2] .
وانتهى إليه علم الجرح والتعديل، حتى قيل: لم يكن بعد الذهبي أحد سلك مسلكه، وكان بينه وبين البرهان البقاعي والجلال السّيوطي ما بين الأقران، حتى قال السّيوطيّ فيه:
قل للسّخاويّ إن تعروك نائبة ... علمي كبحر من الأمواج ملتطم
والحافظ الدّيمي غيث السّحاب فخذ ... غرفا من البحر أو رشفا من الدّيم
وتوفي بالمدينة المنورة- على ساكنها الصّلاة والسلام- يوم الأحد الثامن والعشرين من شعبان، وصلّي عليه بعد صلاة صبح يوم الاثنين، ووقف بنعشه تجاه الحجرة الشريفة، ودفن بالبقيع بجوار مشهد الإمام مالك ولم يخلّف بعده مثله.
وفيها العلّامة محمد بن مصطفى بن يوسف بن صالح البرسوي الحنفي [3] الصّوفي المشهور بخواجه زاده، صاحب كتاب «التهافت» ، والده [4] ولي القضاء والتدريس ببعض مدارس بروسا ثم تركها في حياة والده، ورغب في طريق التصوّف، واتصل بخدمة العارف بالله الحاجي خليفة، ثم ذهب مع بعض ملوك العجم إلى بلاده، وتوفي هناك.
__________
[1] المعروف بأن اسم هذا الكتاب هو: «الإعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل التأريخ» وهو من خيرة كتبه، وقد طبع عدة مرات في بلدان مختلفة ولكنه لم يحظ بالتحقيق العلمي المتقن إلى الآن.
[2] قلت: ومن كتبه الهامة أيضا: «الذيل التام على دول الإسلام» أرخ فيه من سنة 745- 901 هـ، وقد قام بتحقيقه صاحبي الفاضل الأستاذ حسن إسماعيل مروة وقمت بمراجعته والتقديم له، وهو قيد الطبع في مكتبة دار العروبة بالكويت وقد صدر المجلد الأول منه.
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 71) .
[4] تقدمت ترجمته في المجلد التاسع ص (532- 534) .

(10/25)


سنة ثلاث وتسعمائة
فيها توفي شهاب الدّين أحمد، الشّهير بابن شكم العالم العلّامة الشافعي الصالح الناصح الدمشقي الصالحي [1] . اشتغل على البدر بن قاضي شهبة، والنّجم ابن قاضي عجلون، وغيرهما. وكان على طريقة حميدة، ساكنا في أموره، مطّرحا للتكلّف [2] ، نحيف البدن على وجهه أثر العبادة، وانتفع به جماعة من أهل الصالحية وغيرهم لا سيما في علوم العربية.
وتوفي يوم الأربعاء ثامن عشر رمضان.
وفيها جمال الدّين جمال بن خليفة القرماني [3] الحنفي، العالم العارف بالله.
كان مشتغلا بالعلم، فاضلا في فنونه، قرأ على قاضي زاده، وخدم المولى مصلح الدّين القسطلّاني، وكان خطّه حسنا، استكتبه السلطان محمد خان «كافية ابن الحاجب» وأجازه بمال حجّ به، ثم رجع إلى قسطنطينية، وصحب الشيخ حبيب القرماني، ولزم خدمته، واشتغل بالرياضات والمجاهدات، حتى. أجازه بالإرشاد، وأقام مدة في بلاد قرمان، ثم دخل القسطنطينية، وبنى له الوزير بيري باشا بها زاوية، فأقام بها حتّى مات، وكان يتكلّم في التفسير، ويعظ الناس ويذكّرهم ويلحقه عند ذلك وجد وحال، وربما غلب عليه الحال فألقى نفسه من
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 148) .
[2] في «آ» : «للتكليف» وهو تحريف.
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 173) .

(10/26)


على المنبر، ولا يسمعه أحد إلّا ويحصل له حال، وتاب على يديه جماعة، وأسلم كافر.
وكان عابدا، زاهدا، ورعا، متضرعا، يستوي عنده الغني والفقير، يغسل أثوابه بنفسه، مع ماله من ضعف المزاج، ويقول: إن مبنى الطريقة على رعاية الأحكام الشرعية، رحمه الله تعالى.
وفيها عزّ الدّين عبد العزيز بن ناصر الدّين محمد الجرباوي البغدادي [1] ، نزيل دمشق، الشيخ الصالح.
كان من أولياء الله تعالى، وسمع على محدّثي بغداد، وقطن دمشق، وبها مات ليلة الخميس خامس عشري جمادى الأولى.
وفيها زين الدّين عبد القادر بن محمد بن منصور بن جماعة الصّفدي ثم الدمشقي الشافعي الفرضي الحيسوب، المعروف في صفد بابن المصري [2] ، وفي دمشق ببوّاب الشاميّة البرّانية لأنه نزلها حين دخل دمشق، وكان بوابها سنين، ثم سكن السميساطية.
ولد بصفد سنة أربع وثلاثين وثمانمائة، وأخذ عن الشّمس بن حامد الصّفدي، والشمس البلاطنسي، والبدر بن قاضي شهبة، وزين الدّين خطاب، والنّجم بن قاضي عجلون، والشمس الشّرواني وغيرهم، وكان له يد طولى في الحساب والفرائض، وقلم الغبار [بحيث] لم يكن له نظير بدمشق، وكان نحيف البدن، ضعيف البصر، شرس الأخلاق، انتفع به جماعة. ولما توفي شيخه ابن حامد أخذ عنه نظر المدرسة الصّارمية داخل باب الجابية وتدريسها، وسكن بها، وانقطع عن الناس، وبها توفي سادس عشر ذي الحجّة، ودفن بباب الفراديس.
وفيها علاء الدّين علي بن يوسف بن أحمد الرّومي [3] الحنفي، سبط المولى شمس الدّين الفناري.
رحل في صباه إلى بلاد العجم، فدخل هراة، وقرأ على علمائها، ثم
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 51) و «الكواكب السائرة» (1/ 238) وفيه «الحرناوي» .
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 53) و «الكواكب السائرة» (1/ 240- 241) والاستدراك عنه.
[3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (111- 114) ، و «الكواكب السائرة» 1/ 278- 279

(10/27)


سمرقند، وبخارى، وقرأ على علمائها أيضا. وبرع في العلوم، حتّى جعلوه مدرسا، ثم غلب عليه حبّ الوطن، فعاد إلى بلاد الرّوم في أوائل سلطنة محمد خان بن عثمان، وكان المولى الكوراني يقول له: لا تتم سلطنتك إلّا أن يكون عندك واحد من أولاد الفناري، فلما دخل المترجم بلاد الرّوم أعطاه السلطان محمد مدرسة [مناسبتر] [1] بمدينة بروسا بخمسين درهما، ثم مدرسة والده مراد خان بها بستين، ثم ولّاه قضاءها، ثم قضاء العسكر، ومكث فيه عشر سنين، وارتفع قدر العلماء في زمن ولايته إلى أوج الشّرف، وكانت أيّامه تواريخ، ثم لما تولى أبو يزيد جعله قاضيا بالعسكر في ولاية روم إيلي، ومكث فيه ثمان سنين.
وكان شديد الاهتمام بالعلم، لا ينام على فراش، وإذا غلبه النوم استند والكتب بين يديه، فإذا استيقظ نظر فيها، وشرح «الكافية» وكتابا في الحساب، وكان ماهرا في سائر العلوم.
ثم خدم العارف بالله حاج خليفة، ودخل الخلوة عنده، وحصل له في علم التّصوف ذوق، لكنه كان مغرى بصحبة السّلاطين، بحيث كان يغلب عليه الصّمت إلّا إذا ذكر له صحبة سلطان يورد الحكايات اللّطيفة والنّوادر.
وحكى عنه تلميذه الخيالي أنه قال: ما بقي من حوائجي إلّا ثلاث: الأولى أن أكون [2] أول من يموت في داري والثانية أن لا يمتد بي مرض، والثالثة أن يختم لي بالإيمان قال الخيالي: فكان أول من مات في داره وتوضأ يوما [3] للظهر، ثم حمّ ومات مع أذان العصر فاستجيب له.
وفيها جمال الدّين محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد الشّهير بابن علي بأفضل السّعدي- نسبة إلى سعد العشيرة- الحضرمي [4] ثم العدني.
قال في «النور السافر» : المتفق على جلالة قدره علما وعملا وورعا.
__________
[1] الاستدراك عن «الشقائق» و «الكواكب» .
[2] في «ط» : «يكون» وهو تحريف.
[3] في «ط» : «بها» مكان «يوما» وهو خطأ.
[4] ترجمته في «النور السافر» ص (23- 26) .

(10/28)


ولد بحضر موت بتريم سنة أربعين وثمانمائة، ثم ارتحل إلى عدن، وأخذ عن الإمامين محمد بن مسعود باشكيل، ومحمد بن أحمد باحميش، وجدّ في الطلب، ودأب حتّى برع في العلوم، وانتصب للتدريس والفتوى، وكان من أعلام الدّين والتّقوى إماما، كبيرا، عالما، عاملا، محقّقا، ورعا، زاهدا، مقبلا على شأنه، تاركا لما لا يعنيه، ذا مقامات، وأحوال، وكرامات. حسن التعليم، لين الجانب، متواضعا، صبورا، مثابرا على السّنّة معظما لأهل العلم. وكان هو وصاحبه عفيف الدّين [1] بامخرمة عمدة الفتوى بعدن، وكان بينهما من التوادد [2] والتناصف ما هو مشهور، حتى كأنهما روحان في جسد.
وأفرد المترجم بالترجمة.
وله تصانيف نافعة منها: «مختصر الأنوار» المسمّى «نور الأبصار» ، و «شرح تراجم البخاري» واختصر «قواعد الزركشي» وشرحه، وكتاب «العدّة والسّلاح لمتولى عقود النّكاح» ، و «شرح المدخل» ، و «شرح البرماوية» ، وغير ذلك.
ومن شعره [3] :
إنّ العيادة يوم بين [4] يومين ... واجلس قليلا كلحظ العين بالعين
لا تبرمنّ مريضا في مساءلة ... يكفيك من ذاك تسآل بحرفين
وتوفي يوم السبت خامس عشر شوال بعدن.
وفيها بدر الدّين الحسين بن الصّدّيق بن الحسين بن عبد الرحمن الأهدل اليمني الشافعي [5] .
__________
[1] في «النور السافر» : «عفيف الدّين عبد الله بن أحمد بامخرمة» وقد صحف الاسم الأخير فيه إلى بامخرمة فليصحح.
[2] في «ط» : «التود» والتصحيح من «النّور السافر» .
[3] البيتان في «النّور السافر» ص (26) .
[4] في «ط» : «بعد» ولا يستقيم بها الوزن.
[5] ترجمته في «النور السافر» (26- 27) و «البدر الطالع» (3/ 144- 145) و «غاية الأماني في أخبار القطر اليماني» ص (624) .

(10/29)


ولد في ربيع الثاني سنة خمس وثمانمائة بأبيات حسين من اليمن، ونشأ بنواحيها، واشتغل بها في الفقه على الفقيهين أبي بكر بن قصيص، وأبي القاسم بن مطير [1] وغيرهما، وفي النحو على أولهما وغيره. ثم دخل زبيد فاشتغل بها، ثم حج سنة اثنتين وسبعين، وجاور التي تليها، وأخذ عن علمائها وزار [قبر] النبيّ صلّى الله عليه وسلم، وسمع بالمدينة من أبي الفرج المراغي، ثم رجع إلى بلاده.
وكان إماما، فقيها، حافظا، محدّثا، بارعا في أشتات العلوم.
ومن شعره [2] :
أما لهذا الهمّ من منتهى ... أما لهذا الحزن من آخر
أما لهذا الضّيق من فارج ... أما لناب الخطب من كاسر [3]
أما لهذا العسر من دافع ... باليسر عن هذا الشّجى العاثر
بلى بلى مهلا فكن واثقا ... بالواحد الفرد العليّ القادر
توفي ببندر عدن ليلة الاثنين سلخ ذي القعدة.
وفيها عبد الله [4] بن أحمد بن علي بن أحمد بن إبراهيم بامخرمة الحميري الشّيباني الهجراني الحضرمي العدني الشّافعي [5] .
ولد ليلة الأربعاء ثاني [6] عشر رجب سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة بالهجرين [7] ، وحفظ القرآن بها، ثم ارتحل إلى عدن، وتفقه بالإمامين محمد
__________
[1] في «النور السافر» : «أبي بكر بن قعيص، وأبي القاسم بن مطير» .
[2] الأبيات في «النور السافر» ص (28) .
[3] في «النور السافر» : «كاشر» .
[4] في «ط» : «عبد الرحمن» وهو تحريف.
[5] ترجمته في «النور السافر» ص (30- 37) و «الضوء اللامع» (5/ 8- 9) .
[6] في «ط» : «ثامن» .
[7] الهجران: مدينتان متقابلتان في رأس جبل حصين قرب حضرموت تطلع إليه في منعة من كل جانب يقال لإحداهما: خيدون وخودون وللأخرى دمون: انظر «معجم البلدان» (5/ 392- 393) .
و «القاموس» و «التاج» (هجر) .

(10/30)


باشكيل، ومحمد باخميس، ودأب واجتهد، وأكب على الاشتغال ليلا ونهارا.
وكان فقيرا لا يملك شيئا. وقاسى في أيام طلبه من الجوع والمكابدة ما هو مشهور عنه. وبرع في سائر العلوم، وحقق الفنون، وساد الأقران، وسارت بفضله الركبان، ووقع على تقدمه الإجماع وابتهجت بذكره النواظر والأسماع، وصار عمدة يرجع إلى قوله. وفتواه في زمن مشايخه، وقرّت به عيونهم وزوّجه شيخه أبو شكيل بابنته، ورزق منها أولادا فضلاء نجباء. وكان مهابا جدا تخضع له الملوك، آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر لا يراعى أحدا في دين الله تعالى ولا يخاف في الله لومة لائم، وكلّفه علي بن طاهر قضاء عدن فدام قريب أربعة أشهر، ثم ترك وتوجه لنفع الطلبة خاصة وعمل على جامع المختصرات نكتا في مجلدة، وكذا على «ألفية النحو» وشرح «الملحة» شرحا حسنا، ولخص شرح ابن الهائم على «هائمتيه» [1] إلى غير ذلك من الرسائل في علم الهندسة [2] وغيرها. قاله السخاوي.
وممن تخرّج به عفيف الدّين ابن الحاج ومحمد باقضام، والعلامة محمد بحرق، وغيرهم.
وله نظم كثير جدا منه [3] .
أعط المعيّة حقّها ... واحفظ له حسن الأدب
واعلم بأنّك عبده ... في كلّ حال وهو رب
وتوفي بعدن يوم السبت حادي عشري المحرم.
وفيها جمال الدّين محمد بن إبراهيم المكدش [4]- بفتح الميم، وسكون الكاف، وكسر الدال المهملة، آخره شين معجمة- فقيه اللامية ومفتيها ببلدة سامر. وكان له بها مشهد عظيم. وبنو المكدش هؤلاء أخيار صالحون، اشتهر منهم جماعة بالولاية التامة، وظهور الكرامات، وقريتهم يقال لها الأنفة- بفتح الهمزة، وفتح النون، والفاء آخره تاء تأنيث جهة بوادي سهام، وهي محلّة مقصودة
__________
[1] في «البدر الطالع» : «على الياسمينية» .
[2] في «البدر الطالع» : «في علم الهيئة» .
[3] البيتان في «النور السافر» ص (33) .
[4] ترجمته في «النور السافر» ص (37) .

(10/31)


للزيارة والتبرك، ونسبهم في الغنميين، وهم قبيلة مشهورة من قبائل عكّ بن عدنان، ومسكنهم فيما بين وادي سهام، ووادي سردد. قاله في «النور السافر» وفيها جمال الدّين محمد بن حسين بن محمد بن حسين القمّاط الزّبيدي [1] الشافعي.
ولد بزبيد في صفر سنة ثمان وعشرين وثمانمائة. ونشأ بها، واشتغل بالعلم.
ولازم القاضي النّاشري صاحب «الإيضاح» وغيره، وبرع في الفقه، وأفتى ودرّس.
وكان لا يملّ الاشتغال والإشغال، إماما عالما.
توفي بزبيد في سحر ليلة الأربعاء سادس عشر جمادى الأولى.
وفيها جمال الدّين محمد النّور بن عمر الجبرتي [2] الفقيه الصّالح المعمّر، من بقية أصحاب الشيخ إسماعيل الجبرتي.
توفي يوم الاثنين ثاني ربيع الآخر عن خمس وثمانين سنة، ودفن قريبا من شريح شيخه.
وفيها رضيّ الدّين الصّدّيق بن محمد الحكمي [3] ، الشهير بالوزيغي [4] .
كان فقيها علّامة متقنا متفنّنا.
توفي بزبيد ليلة الجمعة ثالث جمادى الأولى، ودفن بتربة القضاة الناشريين.
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (38) .
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (38) .
[3] ترجمته في «النور السافر» ص (38) .
[4] في «ط» : «الحكم الشهير بالوزيغي» .

(10/32)


سنة أربع وتسعمائة
فيها توفي غرس الدّين أبو القاسم خليل بن خليل الفراديسي الصّالحي [1] الحنبلي.
قال ابن طولون: حفظ القرآن، ثم قرأ «المحرّر» للمجد بن تيميّة، وأخذ عن النّظام بن مفلح، والشّهاب بن زيد، والشيخ صفي الدّين، ولازم شيخنا القاضي ناصر [2] الدّين بن زريق، وأكثر من الأخذ عنه، ثم أقبل على الشهادة والمباشرة لأوقاف مدرسة أبي عمر وغيرها، وأجاز لنا، وكتبنا عنه.
وتوفي في حبس كرتباي الأحمر [3] ملك الأمراء بدمشق.
وفيها زين الدّين شعبان الصّورتاني الحنبلي [4] ، أحد عدول دمشق.
سكن الصالحية، وولي قضاء صفد، وأخذ عن النّظام بن مفلح، وابن زيد، وأكثر عن أبي البقاء بن أبي عمر، وكان لا بأس به.
وتوفي في شوال.
وفيها الملك النّاصر أبو السعادات محمد بن قايتباي [5] .
__________
[1] ترجمته في «التمتع بالإقران» ص (123) و «متعة الأذهان» (ورقة 38) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 190) و «السحب الوابلة» (164) .
[2] في «آ» : «نار الدّين» وهو تحريف.
[3] له ترجمة في «إعلام الورى» (85- 94) و «الكواكب السائرة» (1/ 300) و «متعة الأذهان» (73) .
[4] ترجمته في «التمتع بالإقران» (126) ، و «متعة الأذهان» (ورقة 42) وفيه: «شعبان بن محمد» ، و «الكواكب السائرة» (1/ 214) و «السحب الوابلة» (177- 178) .
[5] ترجمته في «النور السافر» (40) ، و «متعة الأذهان» (72) .

(10/33)


بويع بالسلطنة قبل [1] موت أبيه بيوم واحد وهو في سنّ البلوغ، فأقام ستة أشهر، ويومين ثم خلع.
وتولى الملك الأشرف قانصوه مملوك قايتباي، فأقام نحو أحد عشر يوما، وتحرّك عليه العسكر، فهرب إلى غزّة، ثم فقد في وقعة خان يونس، ولم يعرف موته ولا حياته، ثم عاد الملك الناصر بعد ثبوت رشده، فأقام سنة وستة أشهر ونصف شهر، ثم شرع في اللهو، واللعب، والشعبذة، ومخالطة الأوباش، وارتكاب الفواحش، وأمور لا يليق ذكرها، فقتل شرّ قتلة قبل غروب شمس يوم الأربعاء خامس عشري ربيع الأول.
قال القطبي في «تاريخ مكة» : يحكى عنه أمور قبيحة، منها: أنه كان إذا سمع بامرأة حسناء هجم عليها وقطع دائر فرجها ونظمه في خيط أعده لنظم فروج النساء.
ومنها أن والدته- وكانت من أعقل النساء وأجملهن هيئة- هيّأت له جارية جميلة جدا، وجمعتها به في بيت مزيّن أعدّته لهما، فدخل بها وقفل الباب على نفسه وعليها وربطها وشرع بسلخ جلدها عنها كالجلادين وهي حيّة، فلما سمعوا صوت بكائها أرادوا الهجوم عليه فما أمكنهم لأنه قفل الباب من داخل، فاستمر كذلك إلى أن سلخها وحشا جلدها بالثياب، وخرج يظهر لهم أستاذيته في السّلخ، وأن الجلّادين يعجزون عن كماله في صنعه. انتهى وفيها المولى لطف الله، الشهير بمولانا لطفي التّوقاني [2] الرّومي الحنفي [3] العالم الفاضل.
قال في «الكواكب» : تخرّج بالمولى سنان، وقرأ على القوشجي [4] العلوم الرياضية بإشارة المولى سنان. ولما كان المولى سنان وزيرا عند السلطان
__________
[1] في «ط» : «بعد» .
[2] في «آ» : «الناقاتي» وفي «ط» : «التوقاني» وما هنا عن مصدريه.
[3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (169- 171) و «الكواكب السائرة» (1/ 301) و «الضوء اللامع» (9/ 253) .
[4] في «ط» : «القوشنجي» وهو تحريف.

(10/34)


محمد خان جعله السلطان أمينا على خزانة الكتب، فاطلع على الغرائب منها، ثم لما ولي السلطان أبو يزيد أعطاه مدرسة السلطان مراد بمدينة بروسا، ثم أعطاه إحدى الثمان، ثم ولاه مدرسة مراد خان ثانيا. وأقام ببرسا، وكان ذكيا، عالما، خاشعا، قرئ عليه «صحيح البخاري» إلى آخره، وكان حال الإقراء يبكي حتّى تسقط دموعه غير أنه كان يطيل لسانه على أقرانه حتّى أبغضه علماء الرّوم ونسبوه إلى الإلحاد والزّندقة، وفتّش عليه، واستحكم في قتله المولى أفضل الدّين فلم يحكم، فحكم المولى خطيب زاده بإباحة دمه فقتلوه، وكان يكرّر كلمتي الشهادة وينزّه عقيدته عمّا نسبوه إليه من الإلحاد، حتّى قيل: إنه تكلّم بالشهادة بعد ما سقط رأسه على الأرض، وقيل في تاريخه ولقد مات شهيدا.
وله من المؤلفات «شرح المطالع» و «حواشي على شرح المفتاح» للسيد الشريف، ورسالة سمّاها ب «السبع الشّداد» ، مشتملة على سبعة أسئلة على السيد الشريف في بحث الموضوع، ولو لم يؤلّف إلّا هذه الرسالة لكفته فضلا، ورسالة ذكر فيها أقسام العلوم الشرعية والعربية، بلغ فيها مقدار مائة علم أورد فيها غرائب وعجائب، رحمه الله تعالى.
وفيها قاضي القضاة نور الدّين أبو الفضل محمد بن محمد بن يوسف الخزرجي الدمشقي الحنفي الصالحي، المعروف بابن منعة [1] .
ولد بصالحية دمشق رابع شعبان سنة ست وثلاثين وثمانمائة، وحفظ القرآن العظيم، و «درر البحار» للقونوي، و «المنار» للنسفي، وسمع بعض «مسانيد أبي حنيفة» على قاضي القضاة حميد الدّين و «تصحيح القدوري» على الشيخ قاسم قطلوبغا، وتفقه بالشيخ عيسى الفلوجي [2] وولي تدريس الجمالية، وكانت سكنه وبها ميلاده، والجوهرية، والشّبلية الجوّانية، والمرشدية، وأفتى ودرّس، وناب في الحكم زمانا، وكانت سيرته فيه حسنة يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر أمينا صابرا وحصل كتبا، وانفرد في آخره برئاسة مذهب أبي حنيفة بدمشق، وولي في
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» (ورقة 97) و «الكواكب السائرة» (1/ 19) .
[2] في «آ» : «القلوجي» وهو تحريف.

(10/35)


أواخر عمره قضاء قضاة الحنفية بعد أن أكره عليه، واعتقل بقلعة دمشق، ثم أطلق.
وتوفي مطعونا بقرية الفيجة [1] في مستهل الحجّة.
وفيها الأخوان قوام الدّين أبو الخير محمد، وشهاب الدّين أبو المكارم أحمد ابنا القاضي رضي الدّين الغزّي [2] .
قال حفيده في «الكواكب السائرة» : الشابان الفاضلان توفيا شهيدين بالطّاعون في دمشق ثانيهما وهو الأصغر قبل أولهما [3] وهو الأكبر، وكان بينهما اثنان وعشرون يوما، وكان والدهما إذ ذاك بمصر ولم يبق له بعدهما [4] ولد، فبشّره القطب كما قيل بأن يعوضه الله تعالى بولد صالح، فعوضه الوالد الشيخ بدر الدّين ولد في هذه السنة.
وفيها كمال الدّين موسى بن عبد المنعم الضّجاعي اليمني [5] ، الفقيه العلّامة الخطيب.
مرض طويلا، ودفن إلى جنب قبر جدّه الفقيه الصالح علي بن قاسم الحكمي.
وفيها كمال الدّين موسى بن أحمد اليمني الدوالي، المعروف بالمكشكش [6] .
قال في «النور السّافر» : كان إماما علّامة.
توفي قرب مدينة تعز ليلة الأربعاء سلخ ربيع الأول، ودفن بمقبرة زبيد.
__________
[1] الفيجة: قرية في غوطة دمشق الغربية على طريق الزّبداني ينبع منها نبع الماء الذي تشرب منه دمشق وماؤه من أطيب مياه الدنيا. وانظر «معجم البلدان» (4/ 282) .
[2] ترجمتهما في «الكواكب السائرة» (1/ 23) .
[3] في «ط» : «قيل أولها» وهو خطأ.
[4] في «ط» : «بعدها» وهو خطأ.
[5] ترجمته في «النور السافر» ص (40) .
[6] ترجمته في «النور السافر» ص (40) .

(10/36)


سنة خمس وتسعمائة
فيها طلع من مشرق نجد نجم ذو ذؤابة، وكان طلوعه من برج الحمل، وذؤابته في اليمن، وسيره في الشام، فسبحان القادر على ما يشاء [1] .
وفيها القاضي شهاب الدّين أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن عبية المقدسي الأثري الشافعي، الشهير بابن عبية [2] نزيل دمشق.
ولد في ثاني عشر ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة، واشتغل بالقدس الشريف، وحصّل وولي قضاء بيت المقدس، وامتحن بسبب القمامة، ثم رحل إلى دمشق وقطن بها، ووعظ وذكر الناس، وكان إماما عالما.
ومن شعره:
وناعورة أنت فقلت لها اقصري ... أنينك هذا زاد للقلب في الحزن
فقالت أنيني إذ طننتك عاشقا ... ترقّ لحال الصّبّ قلت لها إنّي
توفي بدمشق ليلة السبت ثالث جمادى الأولى ودفن بباب الصغير شمالي ضريح الشيخ حمّاد، رحمه الله تعالى.
وفيها أبو العبّاس أحمد بن محمد الغمري الصّوفي [3] .
كان، رضي الله عنه، جبلا راسيا وطودا راسخا في العلوم والمعارف، وكان
__________
[1] قاله في «النور السافر» ص (41) .
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (17) و «الكواكب السائرة» (1/ 124) .
[3] ترجمته في «حسن المحاضرة» (1/ 521) و «الكواكب السائرة» (1/ 148) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 121- 122) .

(10/37)


يحب بناء المساجد والجوامع، حتى قيل: إنه بني خمسين جامعا، منها جامعه المعروف به بمصر المدفون فيه، وكان معانا على نقل العمد والرخام [1] وغيرها من الكيمان والبلاد الكفرية، حتّى إن عمد جامعه بمصر والمحلّة يعجز عن نقلها سلطان.
ذكر عنه إمام جامعه بمصر الشيخ أمين الدّين بن النجّار أنه أقام صفّ العمد التي على محراب الجامع المذكور كلّها في ليلة واحدة، والناس نائمون.
وذكر المناوي: أنه عمّر هذا الجامع من عثماني وضعه تحت سجادته، وصار يؤخذ منه ويصرف. وكراماته، رضي الله عنه، كثيرة مستفيضة، وأطنب الشعراوي في ذكره.
وتوفي بالقاهرة في رابع عشر صفر، ودفن في جامعه.
وفيها سراج الدّين أبو بكر بن علي بن عمران اليمني [2] .
كان إماما علّامة، وولي قضاء قضاة تعزّ.
وتوفي بزبيد يوم الاثنين الثاني عشر من جمادى الأولى.
وفيها بركات بن حسين الفيجي [3] المقرئ.
أخذ عن والده وغيره، وأجازه البدري حسن بن الشويخ.
وتوفي في هذه السنة ظنا.
وفيها زين الدّين خالد بن عبد الله بن أبي بكر المصري الأزهري [4] الوقّاد به النحوي.
اشتغل بالعلم على كبر، قيل كان عمره ستّا وثلاثين سنة فسقطت منه يوما فتيلة على كراس أحد الطلبة فشتمه وعيّره بالجهل، فترك الوقادة وأكبّ على
__________
[1] في «ط» : «الرقام» وهو خطأ.
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (41) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 167) .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 188) و «الضوء اللامع» (3/ 171) و «معجم المؤلفين» (4/ 96) و «متعة الأذهان» الورقة (37) .

(10/38)


الطلب، وبرع وأشغل الناس، وصنّف شرحا حافلا على «التوضيح» ما صنّف مثله، و «إعراب [1] ألفية بان مالك» ، وشرحا على «الجرومية» نافعا، وآخر على «قواعد الإعراب» لابن هشام، وآخر على «الجزرية» في التجويد، وآخر على «البردة» و «المقدمة الأزهرية» وشرحها، وكثر النّفع بتصانيفه لإخلاصه ووضوحها.
توفي ببركة الحاج [2] خارج القاهرة راجعا من الحجّ.
وفيها زين الدّين خطاب بن محمد بن عبد الله الكوكبي ثم الصالحي الحنبلي [3] .
حفظ القرآن في مدرسة الشيخ أبي عمر، وأخذ عن الشيخ صفر، والنّظام بن مفلح، والشّهاب بن زيد، وغيرهم. واشتغل في العربية على الشّهاب بن شكم وحلّ عليه «ألفية العراقي» في علم الحديث، واعتنى بهذا الشأن، وأنشد له ابن طولون:
بطشت يا موت في دمشق ... وفي بنيها أشدّ بطش
وكم بنات بها بدورا ... كانت فصارت بنات نعش
وقال: عرض له ضعف في بعض الأحيان، وكان عند الناس إنه فقير، فأوصى بمبلغ من الذّهب له كمية جيدة، ثم برأ من ذلك الضعف فشنق نفسه بخلوته بالضّيائية في سابع عشر جمادى.
وفيها الملك العادل [4] سيف الدّين طومان باي [5] .
كان من أعيان مماليك قايتباي بويع بالسلطنة بعد خلع جان بلاط الآتي ذكره في السنة التي بعد هذه [6] في الشام، وجلس على السّرير بعد ظهر يوم السبت ثامن
__________
[1] في «آ» : «وأعرب» .
[2] قلت: ويقال لها أيضا «بركة الجب» . انظر «التحفة السنية بأسماء البلاد المصرية» ص (6) .
[3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (38) و «السحب الوابلة» ص (163) .
[4] ليست اللفظة في «آ» .
[5] ترجمته في «مفاكهة الخلان» (1/ 230) و «متعة الأذهان» ق (43) .
[6] انظر ص (41) من هذا المجلد.

(10/39)


عشري جمادى الآخرة من هذه السنة، وكانت مدته من حين تغلّبه بالشام أربعة أشهر، وخمسة عشر يوما، ومن حين بويع بقلعة الجبل ثلاثة أشهر وثلاثة وعشرون يوما، وبنى مدرسة العادلية، وتربته خارج باب النّصر، ثم هجم عليه العسكر وقتلوه. قاله في «نزهة الناظرين» .
وفيها علاء الدّين علي بن يوسف بن أحمد الدمشقي العاتكي الشافعي الشهير بالبصروي [1] الإمام العلامة.
ولد سنة اثنتين أو ثلاث وأربعين وثمانمائة واشتغل في العلم على الشيخ رضيّ الدّين الغزي، ولازمه وأخذ عن غيره، وبرع في الفقه وغيره. وهو والد الخطيب جلال الدّين البصروي.
وتوفي في نهار الأربعاء سادس عشر شهر رمضان.
وفيها شمس الدّين محمد بن عثمان بن إسماعيل البابي، المعروف بابن الدّعيم [2] قاضي قضاة حلب، وكاتب سرّها، وناظر جيوشها.
كان ذكيا، فقيها، متموّلا. قاله النّجم الغزّي.
وفيها نور الدّين محمود بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن أيوب بن محمد الحمصي ثم الدمشقي الشافعي، الشهير بابن العصباني [3] الإمام العلّامة.
ولد في ذي الحجة سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة، وأخذ عن والده، والتّقي بن [4] الصّدر الطرابلسي. وقدم دمشق سنة تسعمائة فاستوطنها، ووعظ بالجامع وغيره.
وتوفي راجعا من الحجّ بمنزلة رابغ يوم الجمعة مستهل المحرّم.
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (67) .
[2] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 319) و «الكواكب السائرة» (1/ 57) .
[3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (102) و «الكواكب السائرة» (1/ 302) .
[4] لفظة «ابن» سقطت من «آ» .

(10/40)