شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة ست وتسعمائة
فيها توفي الملك الأشرف جان بلاط [1] بن عبد الله أبو النّصر سلطان مصر.
اشتراه بشتك الدوادار، وقدّمه للأشرف قايتباي بعد طلبه له فجعله خاصكيا، وقرّبه إليه وعلّمه القرآن، والحساب، والرّمي، وصار رئيسا، محتشما، ثم رقّاه حتى أعطاه تقدمة ألف، ثم ولي الدوادارية الكبرى. في زمن والده [2] الناصر، ثم أنعم عليه بنيابة حلب، فأقام بها سنة، ثم نقله إلى نيابة الشام، فأقام بها سبعة أشهر، ثم قدم القاهرة في زمن الظّاهر، فولّاه الإمرة الكبرى، وزوّجه بأخته، وصار العادل طومان باي، يرمي الفتنة بينه وبين الظّاهر إلى أن تنافرا، وقدر جان بلاط على الظّاهر، فخرج من قلعة مصر وتركها له، فتسلطن في ضحوة يوم الاثنين ثاني القعدة سنة خمس وتسعمائة، فأقام نصف سنة وستة عشر يوما، وبنى المدرسة الجنبلاطية خارج باب النصر، وخلع ونفي إلى الإسكندرية وقتل بها خنقا ودفن فيها نحو شهر ثم نقل إلى القاهرة. ودفن بتربة أستاذه قايتباي ثم ردّ إلى تربته التي أعدّها لنفسه خارج باب النصر فنقل إليها ولم تتغيّر جثته، ثم تولى الملك الأشرف أبو النصر قانصوه الغوري يوم الاثنين عيد الفطر من هذه السنة.
وفيها زين الدّين حامد بن عبد الله العجمي [3] الحنفي العلّامة.
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (33) و «النور السافر» (44) و «الكواكب السائرة» (1/ 171) .
[2] في «ط» : «ولده» .
[3] ترجمته في «الطبقات السنية» (3/ 24) .

(10/41)


قال ابن طولون: هو شيخنا. اشتغل ببلاده، وحصّل وبرع، وقدم دمشق فدرّس بها، وكان فقيها بارعا.
توفي يوم السبت سابع عشر ذي الحجّة ودفن بباب الصغير.
وفيها تقريبا بدر الدّين حسن بن محمد العلّامة المقرئ الصوفي المقدسي الشافعي، المعروف بابن الشّويخ [1] .
أخذ القراآت، ولبس خرقة التصوف من الشّمس إمام الكاملية بحق لباسه لها من ابن الجزري المقرئ، ولبسها أيضا من الشيخ محمد البسطامي، وأخذ عليه العهد، ولقّنه الذكر بمكة في السنة التي قبلها، وأخذ الحديث عن الحافظ الدّيمي، وكان إماما، عالما، صالحا، رحمه الله تعالى.
وفيها غرس الدّين أبو سعيد خليل [2] بن عبد القادر بن عمر الجعبري الأصل الخليلي الشافعي سبط الشّهاب القلقشندي.
ولد في محرم سنة تسع وستين وثمانمائة بالقدس الشريف، واشتغل في العلم على جماعة منهم الكمال بن أبي شريف والشيخ برهان الدّين الخليلي الأنصاري وغيرهما، وجمع «معجما» لأسماء شيوخه، وولي حصة من مشيخة حرم الخليل عن والده المتوفى في محرم سنة سبع وتسعين وثمانمائة.
وكان رجلا خيّرا، إماما، عالما، متواضعا.
توفي في أحد الربيعين.
وفيها علاء الدّين علي بن أبي عمرو عبد الله الخطيب الحنبلي [3] المؤذن بجامع بني أميّة بدمشق الشهير بعلّيق- بضم العين المهملة، وتشديد اللام المفتوحة، وبعد المثناة التحتية قاف-
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 175) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 190) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 270) .

(10/42)


ولد سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة.
قال النّعيمي، وهو آخر من سمع «صحيح مسلم» كاملا على الحافظ شمس الدّين بن ناصر الدّين في سنة ست وثلاثين، وتوفي في هذه السنة.
وفيها كمال الدّين أبو المعالي محمد بن الأمير ناصر الدّين محمد بن أبي بكر بن علي بن أبي شريف المقدسي الشافعي المرّي سبط الشّهاب العميري المالكي، الشهير بابن عوجان [1] ، الشيخ الإمام، شيخ الإسلام، ملك العلماء الأعلام.
ولد ليلة السبت خامس ذي الحجة سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة بالقدس الشريف، ونشأ بها، وحفظ القرآن العظيم، و «الشاطبية» و «المنهاج الفقهي» وعرضهما على ابن حجر العسقلاني، والمحب بن نصر الله الحنبلي، والسعد الدّيري، والعزّ المقدسي في سنة تسع وثلاثين وثمانمائة، ثم حفظ «ألفية بن مالك» و «ألفية الحديث» وقرأ القرآن بالروايات على أبي القاسم النّويري. وسمع عليه، وقرأ عليه في العربية، والأصول، والمنطق، والعروض، واصطلاح أهل الحديث، وأذن له بالتدريس فيها، وتفقه على العلّامة زين الدّين ماهر، والعماد بن شرف، وحضر عند الشّهاب بن أرسلان، والعزّ القدسي. ورحل إلى القاهرة سنة أربع وأربعين وأخذ عن علمائها، منهم ابن حجر. وكتب له إجازة وصفه فيها بالفاضل البارع الأوحد، والشمس القاياتي، والعزّ البغدادي، وغيرهم، وسمع الحديث على ابن حجر، والزّين الزّركشي الحنبلي، والعزّ بن الفرات الحنفي، وغيرهم.
وحجّ، فسمع بالمدينة المنورة على المحبّ الطبري، وغيره وبمكة على أبي الفتح المراغي، وغيره، ودرّس، وأفتى، وأشير إليه. ثم توجه في سنة إحدى وثمانين إلى القاهرة واستوطنها، وانتفع به أهلها، وارتفعت كلمته، وعظمت هيبته، ثم عاد إلى بيت المقدس وتولى بها عدة مدارس، وقد استوفى ترجمته تلميذه صاحب «الأنس الجليل» فيه.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 11) و «الأعلام» (7/ 52) .

(10/43)


ومن مصنّفاته «الإسعاد بشرح الإرشاد» لابن المقرئ، و «الدّرر اللوامع [1] بتحرير جمع الجوامع» في الأصول، و «الفرائد في حلّ شرح العقائد» ، و «المسامرة بشرح المسايرة» ، و «قطعة على تفسير البيضاوي» ، وقطعة (2 على «المنهاج» وقطعة على «صفوة الزبد» لشيخه ابن أرسلان، وغير ذلك.
ومن شعره [2] ما أنشده في بيت المقدس:
أحيّي بقاع القدس ما هبّت الصّبا ... فتلك رباع الأنس من [3] معهد الصّبا
وما زلت من شوقي إليها مواصلا ... سلامي على تلك المعاهد والرّبا
وتوفي يوم الخميس خامس عشري جمادى الآخرة عن أخويه شيخ الإسلام البرهاني وكان حينئذ بمصر، والعلّامة جلال الدّين وكان عنده بالقدس، وخلّف دنيا طائلة.
وفيها شمس الدّين أبو الفتح محمد بن محمد بن علي بن صالح العوفي [4]- يتصل نسبة بعبد الرحمن بن عوف أحد العشرة رضي الله عنهم- الإسكندري المولد الآفاقي المنشأ، العاتكي المزّي الشافعي الصّوفي المحدّث الفقيه اللّغوي المرشد.
ولد بالإسكندرية في أول محرم سنة ثمان عشرة وثمانمائة، ولما حملت به والدته دخل والده الشيخ بدر الدّين العوفي على الشيخ الإمام العارف بالله الشيخ عبد الرحمن الشّبريسي، وسأله لها الدعاء فقال له: إن زوجتك آمنة معها ولدان أحدهما يموت بعد سبعة أيام والآخر يعيش زمنا طويلا، وسمّه بأبي الفتح، وسيكون له فتح من الله تعالى، وتوكّل على الله، وسيره إلى الله يعيش سعيدا ويموت شهيدا يخرج من الدنيا كيوم ولدته أمه يضع قدمه على جبل قاف المحيط [5] ،
__________
[1] في «آ» : «اللواقع» .
[2] ليس ما بينهما في «آ» .
[3] ليست اللفظة في «آ» .
[4] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (98) .
[5] انظر «مراصد الاطلاع» (3/ 1059) .

(10/44)


يسوح زمانا، وينال من الله أمانا فاستوص به خيرا، واصبر عليه، وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا.
فلما وضعته أمه كان الأمر كما قال الشيخ عبد الرحمن، فصنع والده وليمة بعد تمام أربعين يوما من ولادته، ودعا الشيخ عبد الرحمن وجماعة من الفقراء والصالحين وأضافهم، فلما رفعوا السّماط حمله أبوه ووضعه بين أيديهم، فأخذه الشيخ عبد الرحمن وحنّكه بتمرة مضغها وعصرها في فيه، ثم طلب شيئا من العسل، فأحضر له فلعق الشيخ ثلاث لعقات، ثم ألعق المولود ثلاثا، ثم وضعه بين يدي الفقراء وأمرهم فلعقوا منه ثم قرأ الفاتحة سبع مرات، ثم قال لوالده ارفع هذا لأمه لا يشاركها [1] فيه أحد ولا تخش على الولد المبارك، فوالله إني لأرى روحه تجول حول العرش. ثم خرج من ساعته، وكان والد الشيخ أبي الفتح يقول:
ما بات إلا بشبريس. ذكر ذلك صاحب الترجمة في كتابه المسمى ب «الحجة الراجحة» قال: ثم إني رأيته- يعني الشيخ عبد الرحمن- بعد مدة، فلما أقبلت عليه قبّل بين عيني، ونظر بعين [2] لطفه [3] إليّ ثم لقنني الذكر، وأخذ عليّ العهد، ثم قال: عش في أمان الله مؤيدا بالله هائما بالله فانيا عما سواه باقيا به أنت إمام زمانك، وفريد أوانك مقدما على أقرانك، مباركا على أحوالك رعاك الله حفظك الله آواك الله فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ الله من فَضْلِهِ 3: 170 [آل عمران: 170] . قال: ثم ألبسني الخرقة الشريفة، ثم قال: أيامنا انقضت وساعاتنا انقرضت. قال: فلما تم لي سبع سنين لبستها من يد الشيخ الإمام الورع العارف أبي الحسن الدّمنهوري الصّوفي، ومن يد الشيخ أبي إسحاق إبراهيم الأتكاوي بلباسهما من الشّبريسي، ثم نشأ الشيخ أبو الفتح، وطلب العلم والحديث، وتفقه بجماعة أولهم جدّه لأبيه القاضي نور الدّين أبو الحسن علي، وسمع الحديث على ابن حجر، والتّقي الرّسام، وعائشة بنت عبد الهادي، ومريم بنت أحمد الأذرعي، والعزّ بن الفرات الحنفي، وغيرهم.
__________
[1] في «أ» : «لا يشاركه» .
[2] ليست اللفظة في «أ» .
[3] في أ «بلطفه» .

(10/45)


وقرأ على الحافظ شمس الدّين أبي الخير المقدسي الحموي «صحيحيّ» البخاري ومسلم، و «عوارف المعارف» للسّهرورديّ، وكتاب «ارتقاء الرتبة في اللّباس والصحبة» للقطب القسطلاني، و «السيرة» لابن هشام، و «سنن ابن ماجة» و «جامع الترمذي» و «مسند الرافعي» ومجالس من «مسند ابن حبّان» [1] ومن «الموطأ» و «سنن أبي داود» ، وغير ذلك. وأجازه بجميع ما تجوز له روايته، وألبسه خرقة التصوف أيضا ولبسها من جماعة متعددة.
قال في «الكواكب السائرة» : وممن أخذ عن الشيخ أبي الفتح شيخ الإسلام الجدّ، واستجازه لشيخ الإسلام الوالد وأحضره إليه وهو دون السنتين فلقّنه الذكر وألبسه الخرقة، وأجازه بكل ما تجوز له روايته، والشيخ أبو المفاخر النّعيمي، وتلميذه الشيخ شمس الدّين بن طولون، والشيخ شمس الدّين الوفائي، وغيرهم، وألّف كتابا حافلا في اللغة، وآخر سمّاه ب «الحجة الرّاجحة في سلوك المحجة الواضحة» وآخر في «آداب اللباس والصحبة» ، وغير ذلك.
ومن شعره:
يا ناظرا منعما فيما جمعت وقد ... أضحى يردّد في أثنائه النّظرا
سألتك الله إن عاينت من خطأ ... فاستر عليّ فخير النّاس من سترا
ومنه:
لم أنس مذ قالوا فلان لقد ... أضحى كبير النّفس ما أجهله
فقلت: لا أصل لهذا وقا ... ل الناس لم يكبر سوى المزبلة
ومنه:
من كان حقا مع الرحمن كان معه ... نعم ومن ضرّ فيه نفسه نفعه
ومن تذلّل للمولى فيرفعه ... ومن يفرّق فيه شمله جمعه
وأخبرت عن شيخ الإسلام الوالد أنه كان يحكي عن شيخه الشيخ أبي الفتح
__________
[1] يعني «صحيح ابن حبّان» إذ ليس لابن حبّان «مسند» .

(10/46)


المزّي أنه ذكر عن بعض شيوخه بدمشق أنه قال له يوما: تعالى إليّ عند صلاة العشاء، فجاء إليه فصلّى معه العشاء، ثم خرج الشيخ المذكور وخرج معه أبو الفتح، حتّى كانا بالرّبوة، خرج به من المكان المعروف بالمنشار وتعلّقا بسفح قاسيون. فلما أشرفا على الجبل قال الشيخ للشيخ أبي الفتح: انظر إلى هذه المشاعل وعدّها واحفظ عددها، ثم سار به على السفح حتى وصلا إلى مقام إبراهيم الخليل عليه السلام ببرزة، فلما كانا هناك قال الشيخ لأبي الفتح: كم عددت مشعلا قال: ثمانمائة. قال: تلك أرواح الأنبياء المدفونين بهذا السفح المبارك عليهم الصلاة والسلام.
وتوفي الشيخ أبو الفتح ليلة الأحد ثامن عشر ذي الحجّة بمحلّة قصر الجنيد قرب الشّويكة، ودفن بالجانب الغربي في الأرض التي جعلت مقبرة وأضيفت لمقبرة الحمرية، رحمه الله تعالى. انتهى ملخصا.
وفيها القاضي جمال الدّين محمد بن عبد السلام الناشري اليمني الشافعي [1] .
كان إماما، عالما، عاملا، عابدا من عباد الله الصالحين وهو خاتم [2] القضاة الناشريين بزبيد.
وتوفي بها ليلة الاثنين ثامن [3] عشري المحرم.
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (42) .
[2] في «آ» : «خاتمة» .
[3] في «ط» : «قامن» وهو تحريف.

(10/47)


سنة سبع وتسعمائة
فيها توفي أبو بكر بن عبد الله، المعروف بفغيس [1] اليمني العلّامة الفقيه الشافعي [2] .
توفي بزبيد يوم الخميس تاسع عشر شوال ودفن بتربة المرجاني.
وفيها القاضي شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن حجي [3] الحسباني الدمشقي [4] الأطروشي الشافعي.
ولد ليلة الأربعاء خامس ذي الحجة سنة ثمان عشرة وثمانمائة. وسمع قبل طرشه على الحافظ ابن حجر، والمسند علاء الدّين بن بردس البعلي، وغيرهما. وأذن للنّعيمي في الرواية عنه وأجازه بكل ما تجوز له روايته.
وتوفي يوم الأربعاء سابع رمضان، ودفن بمقبرة باب الفراديس.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الكريم النّابلسي [5] ثم الدمشقي، الشهير بابن مكيّة الشافعي.
ولد سنة أربع وأربعين وثمانمائة، واشتغل على الشمس بن حامد الصّفدي، وكان أول دخوله إلى دمشق سنة ست وتسعين، فوعظ بها في جامع دمشق على
__________
[1] في «النور السافر» : «قعيس» .
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (47) .
[3] في «آ» : «ابن حجر» وهو تحريف.
[4] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (4) ، و «الضوء اللامع» (1/ 269- 271) و «الكواكب السائرة» (1/ 133) .
[5] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 6) و «الضوء اللامع» (1/ 331) و «الكواكب السائرة» (1/ 136) .

(10/48)


كرسي ابن عبية، وكان حاضرا إذ ذاك فتكلم المترجم على البسملة وأسماء الفاتحة، ونقل كلام العلماء في ذلك فأحسن، وصار من مشاهير الوعاظ بالجامع الأموي.
وتوفي بدمشق في آخر أيام التشريق، ودفن عند قبر الشيخ إبراهيم النّاجي غربي سيدنا معاوية، رضي الله تعالى عنه، بمقبرة باب الصغير.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن نور الدّين علي بن شهاب الدّين الشّعراوي [1] الشافعي، والد الشيخ عبد الوهاب، اشتغل في العلم على والده ووالده حمل العلم عن الحافظ ابن حجر، والعلم صالح البلقيني والشرف يحيى المناوي.
وكان المترجم عالما، صالحا، فقيها، نحويا، مقرئا. وله صوت شجيّ في قراءة القرآن، يخشع القلب عند سماع تلاوته بحيث صلى خلفه القاضي كمال الدّين الطويل، فكاد أن يخرّ إلى الأرض من فرط الخشوع. وقال له: أنت لا يناسبك إلّا إمامة جامع الأزهر، وكان ماهرا في علم الفرائض، وعلم الفلك. وكان يعمل الدواير ويشدّ المناكيب، وكان له شعر، وقوة في الإنشاء، وربما أنشأ الخطبة حال صعود المنبر. وكان مع ذلك لا يخل بأمر معاشه من حرث وحصاد وغير ذلك.
وكان له توجّه صادق في قضاء حوائج الناس، ويشهد بينهم ويحسب ويكتب محتسبا في ذلك. وكان يقوم كلّ ليلة بثلث القرآن أو بأكثر.
قال ولده الشيخ عبد الوهاب: وقد كنت أقرأ عليه يوما في سورة الصافات فلما بلغت قوله تعالى: فَاطَّلَعَ فَرَآهُ في سَواءِ الْجَحِيمِ قال تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ 37: 55- 56 [الصّافات: 56- 55] بكى حتى أغمي عليه، وصار يتمرغ في الأرض كالطير المذبوح.
قال: وصنّف عدة مؤلفّات في علم الحديث، والنحو، والأصول، والمعاني، والبيان، فنهبت مؤلفاته كلّها فلم يتغيّر، وقال: لقد ألّفناها لله فلا علينا أن ينسبها الناس إلينا أم لا.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 138) .

(10/49)


توفي في هذه السنة، ودفن في بلدته بناحية ساقية أبي شعرة بزاويتهم إلى جانب قبر والده.
وفيها القاضي شهاب الدّين أحمد ابن العلّامة الولي المقرّب جمال الدّين محمد الطّاهر بن أحمد جعمان [1] قاضي مدينة حيس [2] الشافعي.
كان إماما مفتيا مفننا صالحا.
توفي سحر ليلة الثلاثاء سلخ السنة، ودفن ببيت الفقيه، عند قبر أبيه وجدّه بوصية منه، ولم يخلّف بعده مثله في بني جعمان علما ومعرفة.
وفيها عماد الدّين إسماعيل النّحّاس الشهير بالشّويكي الشافعي [3] .
ولد سنة ست وعشرين وثمانمائة، وكانت وفاته في عشري رمضان.
وفيها الشيخ الصّالح حسن الحلبي [4] الشافعي، الشهير بالشيخ حسن الطّحينة.
قرأ في الفقه على الشيخ عبد القادر الأبّار الحلبي [5] ثم صار من مريدي الشيخ موسى الأريحاوي. وانقطع بالجامع الكبير بحلب بالرواق المعروف يومئذ بمصطبة الطحينة نحو أربعين سنة بحيث لا يتغيّر من مكانه صيفا ولا شتاء.
وحكيت عنه مكاشفات، وهرع الناس إليه بالأموال وغيرها، فيصرفها في وجوه الخير من عمل بعض الركايا، وإصلاح كثير من الطرقات، وإزالة ما فيها. وكان يخلط المآكل المنّوعة إذا وضعت له، فإذا قيل له في ذلك. قال: الكل يجري في مجرى واحد، رحمه الله تعالى.
وفيها عفيف الدّين عبد العليم بن أبي القاسم بن إقبال القربتي [6]- نسبة
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (48) .
[2] في «النور السافر» : (جبس) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 161) .
[4] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 525- 527) و «الكواكب السائرة» (1/ 183) .
[5] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 821- 823) .
[6] ترجمته في «النور السافر» ص (47) .

(10/50)


إلى باب قربت باليمن أو إلى أبي قربته جدّ- الحنفي.
ولد سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة، وكان إماما، فقيها، نبيها.
توفي بزبيد يوم الجمعة خامس ذي الحجّة.
وفيها جمال الدّين محمد بن بدير بن بدير المقرئ [1] .
قال في «النور السافر» : كانت إليه النهاية في القراءات السبع.
وتوفي ليلة الثلاثاء الثالث والعشرين من رجب عن تسعين سنة ممتعا بسمعه وبصره وعقله. انتهى.
وفيها جمال الدّين محمد بن علي الطّيب اليمني [2] الحنفي إمام الحنفية.
بجامع زبيد.
كان إماما، علّامة، فقيها.
توفي ليلة الأربعاء ثامن عشر شوال، ودفن إلى جنب أبيه وأخيه بمقبرة باب سهام.
وفيها محبّ الدّين محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن هشام [3] النّحوي المصري الحنفي، نزيل دمشق.
ولد في جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، وتفقه بالعلّامة قاسم بن قطلوبغا، والتّقي الشّمّني، وغيرهما. وأخذ النحو عنهما، والحديث عن ابن حجر وغيره، وكان إماما علّامة.
توفي بدمشق يوم السبت رابع [ذي] القعدة، ودفن بباب الصغير جوار مزار سيدي بلال الحبشي، رضي الله تعالى عنه.
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (47) .
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (47) .
[3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (98) و «الكواكب السائرة» (1/ 14) .

(10/51)


سنة ثمان وتسعمائة
فيها حصل بمدينة عدن زلازل عظيمة تواترت ليلا ونهارا، ووقع بها حريق عظيم احترقت فيه دور كثيرة بلغ عدتها تسعمائة بيت وذهب من الأموال والأنفس ما لا يعلمه إلّا الله تعالى [1] .
وفيها توفي الإمام أبو السعود [2] قاضي مكة المشرفة قتله الشريف بركات.
وفيها برهان الدّين أبو الطيب إبراهيم بن محمود بن أحمد بن حسن أوقصرائي [3] الأصل القاهري الشافعي الحنفي المواهبي- نسبة لتلميذه [4] أبي المواهب التونسي-.
قرأ طرفا من العلم على شيوخ عصره، كالسخاوي وغيره، وصحب الشيخ الكامل أبا الفتوح محمد الشهير بابن المغربي، وأخذ عنه التصوف، ثم أخذ بإذنه عن الولي الكبير أبي المواهب محمد التونسي، فعادت عليه بركات عوارفه، وانهلّت على قلبه أمطار ذوارفه، وفتح الله له على يديه.
قال جار الله بن فهد: أقول وقد جاور صاحب الترجمة بمكّة سنة أربع وتسعمائة، وأقام بها ثلاث سنين، وألفّ بها شرحا على «الحكم» لابن عطاء الله، سماه «أحكام الحكم لشرح الحكم» وشرح رسالته المسماة «أصول مقدمات الوصول» وشرح «كلمات علي بن محمد وفا» المعروف «يا مولانا يا واحد يا أحد» ،
__________
[1] انظر «النور السافر» ص (51) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 121) .
[3] ترجمته في «كواكب السائرة» (1/ 114) و «الطبقات السنية» (1/ 241) .
[4] في «آ» : «لتلمذة» .

(10/52)


ثم شرح «التمويل في بيان مشاهد يا مولانا يا واحد يا أحد» و «شرح الرسالة السنوسية» في أصول الدّين، وله ديوان نظم وعدة رسائل وسبعة أحزاب، ومؤلفات في الزيارة [1] النبوية وغير ذلك، وأخذ الناس عنه التصوف، رحمه الله. انتهى وتوفي ليلة الخميس ثامن عشري جمادى الثانية.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن يوسف بن حميد الصّفدي [2] ثم الدمشقي الحنفي الشيخ المفيد الزاهد.
قال ابن طولون: اشتغل وحصّل بعد أن حفظ القرآن، وكان له يد في القراآت والرّسم، وكتب عدة مصاحف، و «الكشف الكبير» المسمى ب «كشف الأسرار» ، وهو شرح على كتاب أصول الفقه المنسوب إلى أبي الحسن علي بن محمد البزوري تصنيف الإمام عبد العزيز بن أحمد البخاري، و «الكشف الصغير» وهو شرح على «المنار» في أصول فقهنا كلاهما للزّاهد حافظ الدّين عبد الله بن أحمد النّسفي. قرأت عليه «المختار» و «المنار» و «الخلاصة الألفية» وتلخيص المفتاح حفظا، واستفدت منه أشياء وقطن بالسميساطية المعدة للعزبان إلى أن توفي في [3] سادس رمضان [4] ودفن بالباب الصغير. انتهى [4] .
وفيها رضي الدّين أبو بكر بن عمر البليما [5] .
كان فقيها لغويا نحويا.
توفي ليلة الأربعاء الثالث من شوال بزبيد، ودفن عند أخواله بني النّاشري.
وفيها قاضي القضاة عماد الدّين إسماعيل بن إبراهيم بن علي الناصري [6] ، أخو محيى الدّين كبش العجم.
__________
[1] في «أ» : «الزيارات» .
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» ص (18) .
[3] ليست اللفظة في «أ» .
[4] ليس ما بين الرقمين في «أ» .
[5] ترجمته في «النور السافر» ص (51) .
[6] ترجمته في «متعة الأذهان» ص (29) .

(10/53)


قال ابن طولون: اشتغل على القاضي حميد الدّين النعماني وغيره، وتعانى الشهادة، ثم ولي نيابة الحكم لابن قاضي عجلون، ثم ولي قضاء دمشق مرات، وفي آخرها أهين بالقاهرة ثم عاد إلى دمشق واستمر معزولا إلى أن مات بالمدرسة المعينية داخل دمشق. وكانت سكنه يوم الخميس سابع عشري ربيع الأول [1] ، ودفن قرب قبر سيدي بلال الحبشي بمقبرة باب الصغير. انتهى.
وفيها القاضي بدر الدّين حسن بن علي المنوفي المصري [2] ثم الدمشقي المالكي الشهير بابن مشعل.
قال ابن طولون: حدّث بدمشق عن جماعة منهم الحافظ شمس الدّين السّخاوي، وقرأ عليه في دار الحديث وغيرها قطعا من كتب و «أربعينيات» و «أجزاء» ومنه وصلت «المسلسل بالمالكية» سنة سبع وتسعمائة، رحمه الله انتهى.
وفيها حميد الدّين حمد الله بن أفضل الدّين الحسيني [3] الحنفي العالم العلّامة.
قرأ على والده، وكان والده عالما صالحا زاهدا قانعا صبورا، وقرأ على غيره. ثم خدم المولى يكان، ثم ولي تدريس مدرسة السلطان مراد خان ببروسا، وعزل عنها في أوائل دولة السلطان محمد خان، فأتى القسطنطينية فبينما هو مارّ في طرقاتها لقي السلطان محمدا [4] وهو ماش مع عدة من غلمانه. وكان ذلك عادته، قال: فعرفته ونزلت عن فرسي، ووقفت فسلّم عليّ، وقال: أنت ابن أفضل الدّين، قلت: نعم قال: احضر الديوان غدا قال: فحضرت. فلما دخل الوزراء عليه قال:
جاء ابن أفضل الدّين؟ قالوا: نعم. قال: أعطيته مدرسة والدي السلطان مراد خان ببروسا وعينت له كل يوم خمسين درهما وطعاما يكفيه من مطبخ عمارته. قال: فلما
__________
[1] في «أ» : «ربيع الأولى» .
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» ص (36) وقد جاءت هذه الترجمة في «أ» قبل التي تليها.
[3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (105- 106) ، و «الطبقات السنية» (3/ 195) .
[4] في «آ» و «ط» : «محمد» .

(10/54)


دخلت عليه وقبّلت يده أوصاني بالاشتغال بالعلم. وقال: أنا لا أغفل عنك، ثم أعطاه السلطان محمد إحدى المدارس الثمانية، ثم جعله قاضيا بالقسطنطينية، ثم صار مفتيا بها في أيام السلطان أبي يزيد خان، واستمرّ حتى مات.
وكان عالما كبيرا، ذكر تلميذه المولى محيى الدّين الفناري أنه لم يجد مسألة شرعية، أو عقلية، إلّا وهو يحفظها، وهذه مبالغة.
وكان حليما، صبورا، لا يكاد يغضب، حتّى تحاكم إليه- وهو قاض- رجل وامرأة، فحكم للرجل، فاستطالت عليه المرأة، وأساءت القول في حقّه فلم يزدها على أن قال: لا تتعبي نفسك حكم الله لا يغيّر وإن شئت أن أغضب عليك فلا تطمعي، وله حواش مقبولة متداولة على «شرح الطوالع» للأصبهاني، وحواش مقبولة أيضا على «شرح المختصر» للسيد الشريف.
وتوفي في هذه السنة.
وفيها خليل بن نور الله المعروف بمنلا خليل الشافعي [1] نزيل حلب، تلميذ منلا علي القوشجي.
قطن حلب وأكب على القراءة عليه بها جماعة، منهم الشمس السفيري، وكتب على الفتوى، وكان يختمها بخاتم له على طريقة الأعجام، وكانت له مواعيد حسنة بالجامع الكبير، وكان علّامة، ألّف رسالة في المحبة، و «رسالة الفتوح في بيان ماهية [2] النّفس والروح» ورسالة في بيان نكتة التثنية في قوله تعالى: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ 55: 17 [الرّحمن: 17] مع الإفراد [3] في قوله: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ 73: 9 [المزمل: 9] والجمع 3) في قوله بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ 70: 40 [المعارج: 40] .
وتوفي بحلب وحمل سريره برسباي الجركسي كافل حلب، ودفن خارج باب المقام.
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (1/ 599) و «الكواكب السائرة» (1/ 190) .
[2] ليست اللفظة في «آ» .
[3] ليس ما بين الرقمين في «آ» .

(10/55)


وفيها سراج الدّين عبد اللطيف بن محمد بن يحيى الجهمي [1] صاحب قرية المصباح من أصاب [ببلده] .
كان معتمد أهل أصاب ومرجعهم وعالمهم وحاكمهم قرأ على الفقيه أبي بكر البليما، والقاضي جمال الدّين القماط، وغيرهما.
وكان فقيها علّامة صالحا.
توفي ليلة الأربعاء التاسع عشر من رجب ببلده قرية المصباح. قاله في «النور السافر» .
وفيها القاضي فخر الدّين عثمان بن يوسف الحموي ثم الدمشقي الشافعي [2] .
ولد سنة أربع وأربعين وثمانمائة، واشتغل بحلّ «الحاوي الصغير» على العلّامة مفلح الحبشي، وكان يحوكه ثم صار بوابا بالبادرائية [3] ، ثم تعانى صنعة الشهادة بخدمة شرف الدّين بن عيد الحنفي، ثم فوض إليه نيابة الحكم القاضي شهاب الدّين بن الفرفور.
وتوفي بدمشق يوم الاثنين ثامن عشر القعدة ودفن بمقبرة باب الفراديس.
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (51) وما بين الحاضرتين مستدرك منه.
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (59- 60) و «التمتع بالإقران» ص (144) و «الكواكب السائرة» (1/ 260) .
[3] في «ط» : «بالبدرئية» .

(10/56)


سنة تسع وتسعمائة
فيها توفي الشيخ الصالح العارف بالله تعالى أبو بكر بن عبد الله الشاذلي المعروف بالعيدروس [1] مبتكر القهوة المتّخذة من البنّ المجلوب من اليمن.
وكان أصل اتخاذه لها أنه مرّ في سياحته بشجر البن، فاقتات من ثمره حين رآه متروكا مع كثرته، فوجد فيه تجفيفا للدماغ، واجتلابا للسهر، وتنشيطا للعبادة، فاتخذه قوتا وطعاما وشرابا، وأرشد أتباعه إلى ذلك.
ثم انتشرت في اليمن، ثم في بلاد الحجاز، ثم في الشام ومصر، ثم سائر البلاد. واختلف العلماء في أوائل القرن العاشر في القهوة حتّى ذهب إلى تحريمها جماعة، منهم الشيخ شهاب الدّين العيثاوي [2] الشافعي، والقطب بن سلطان الحنفي، والشيخ أحمد بن عبد الحق السّنباطي، تبعا لأبيه، والأكثرون ذهبوا إلى أنها مباحة.
قال النجم الغزّي في «الكواكب السائرة» : وقد انعقد الإجماع بعد من ذكرناه على ذلك وأما ما ينضم إليها من المحرّمات فلا شبهة في تحريمه ولا يتعدّى تحريمه إلى تحريمها حيث هي مباحة في نفسها.
قلت: وقد ذكر أخوه العلّامة الشيخ أبو الطيب الغزّي في مؤلّف له بخصوص القهوة: أن ابتداء ظهورها كان في زمن سليمان بن داود عليهما الصّلاة والسّلام.
قال: ما ملخصه.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 113- 114) و «ملحق البدر الطالع» (2/ 14) .
[2] في «أ» : «العيتاوي» وهو تصحيف. انظر «الكواكب السائرة» (1/ 114) .

(10/57)


كان سليمان صلّى الله عليه وسلم إذا أراد سيرا إلى مكان ركب البساط هو ومن أحبّ من جماعته وظلّتهم الطير وحملتهم الريح فإذا نزل مدينة خرج إليه أهلها طاعة له وتبركا به، فنزل يوما مدينة فلم يخرج إليه أحد من أهلها فأرسل وزيره على الجن الدمرياط، فرأى أهل المدينة يبكون قال: ما يبكيكم؟ قالوا: نزل بنا نبي الله وملك الأرض، ولم نخرج إلى لقائه. قال: ما منعكم من ذلك؟ قالوا: لأن بنا جميعا الداء الكبير وهو داء من شأنه أن يتطير منه، وتنفر منه الطباع خوف العدوى. فرجع وأخبر سليمان بذلك فدعا ابن خالته آصف بن برخيا الله تعالى باسمه الأعظم أن يعلّم سليمان ما يكون سببا لبرئهم من ذلك، فنزل جبريل على سليمان، وأمره أن يأمر الجنّ أن تأتيه بثمر البنّ من بلاد اليمن، وأن يحرقه ويطبخه بالماء، ويسقيهم، ففعل ذلك، فشفاهم الله تعالى جميعا، ثم تناسى أمرها إلى أن ظهرت في أوائل القرن العاشر. انتهى ملخصا.
ثم قال النجم الغزي: وأما مبتكرها صاحب الترجمة فإنه في حدّ ذاته من سادات الأولياء، وأئمة العارفين، وقد ألّف كتابا في علم القوم سماه «الجزء اللطيف في علم التحكيم الشريف» وذكر فيه أنه لبس الخرقة الشاذلية من الشيخ الفقيه الصوفي العارف بالله تعالى جمال الدّين محمد بن أحمد الدّهماني المغربي القيرواني الطرابلسي المالكي في المحرم سنة أربع وتسعمائة، كما لبسها من شيخه [1] إبراهيم بن محمود المواهبي بمكة في صفر سنة ثلاث وتسعمائة، كما لبسها من شيخه الكامل محمد أبي الفتوح، الشهير بابن المغربي، كما لبسها من الشيخ أبي عبد الله محمد بن حسين بن علي التيمي الحنفي، كما أخذ من الشيخ ناصر الدّين بن الميلق الإسكندري [2] الأصولي عن الشيخ تاج الدّين بن عطاء الله الإسكندري عن الشيخ أبي العبّاس المرسي عن الشيخ أبي الحسن الشّاذلي رضي الله تعالى عنهم. انتهى بحروفه.
وفيها أبو الخير الكليباتي.
__________
[1] في «ط» : «من الشيخ» وما أثبته عن «الكواكب» مصدر المؤلف.
[2] في «الكواكب السائرة» : «ابن المبلق السكندري» .

(10/58)


قال النجم الغزّي: الشيخ الصالح الوليّ المكاشف الغوث المجذوب.
كان رجلا قصيرا يعرج بإحدى رجليه، وله عصا فيها حلق وخشاخيش [1] ، وكان لا يفارق الكلاب في أي مجلس كان فيه حتى في الجامع والحمّام، وأنكر عليه شخص ذلك. فقال: رح وإلّا جرّسوك على ثور دائر مصر، فشهد ذلك النهار زورا فجرّسوه على ثور دائر مصر، وأنكر عليه بعض القضاة ذلك فقال: هم أولى بالجلوس في المسجد منك، فإنّهم لا يأكلون حراما، ولا يشهدون زورا، ولا يستغيبون أحدا، ولا يدّخرون عندهم شيئا من الدنيا، ويأكلون الرمم التي تضرّ رائحتها الناس.
وكان كل من جاءه في ملمة [2] يقول له: اشتر لهذا الكلب رطل لحم شواء، وهو يقضي حاجتك ففعل، فيذهب ذلك الكلب، ويقضي تلك الحاجة.
قال الشعراوي: أخبرني سيدي على الخوّاص أنهم لم يكونوا كلابا حقيقة، وإنما كانوا جنّا، سخّرهم الله تعالى له، يقضون حوائج الناس.
وقال الحمصي،- بعد ترجمته بالقطب الغوث- كان صالحا مكاشفا، وظهرت له كرامات دلّت على ولايته، وكان يصحو تارة ويغيب أخرى وكان، يسعى له الأمراء والأكابر، فلا يلتفت إليهم.
وتوفي في ثالث جمادى الآخرة وحمل جنازته القضاة والأمراء ودفن بالقرب من جامع الحاكم بالقاهرة وبنى عليه عمارة وقبة.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن شقير المغربي التّونسي المالكي النّحوي [3] الإمام العلّامة المحقّق المتقن الفهّامة، المعروف بابن شقير، وربما عرف بشقير، نزيل القاهرة.
قال النّجم الغزّي: عدّه شيخ الإسلام الجدّ ممن اصطحب بهم من أولياء
__________
[1] في «الكواكب» : «فيها حلق خشاخيش» .
[2] في «آ» و «الكواكب» : «حملة» .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 135) و «طبقات الشعراوي» (2/ 143) .

(10/59)


الله تعالى من العلماء، وهو من مشاهير المحقّقين من علماء القاهرة. أخذ عنه السيد عبد الرحيم العبّاسي وغيره.
وتوفي يوم الاثنين سادس القعدة بمصر.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد [1] العالم الزّاهد المعروف بإمام الكاملية.
توفي بالقدس الشريف في هذه السنة.
وفيها المولى أمر الله بن محمد بن حمزة الشيخ العارف بالله تعالى، المعروف باق شمس الدّين الدمشقي الأصل الرّومي [2] المولد والمنشأ الحنفي.
قرأ على علماء عصره، ثم اتصل بخدمة الخيالي. ولما توفي والده أخذت أوقافه من يده فجاء شاكيا إلى السلطان محمد خان فعوضه الوزير محمد باشا القرماني عن أوقاف والده بتولية أوقاف الأمير البخاري بمدينة بروسا، وصار متوليا على أوقاف السلطان مراد خان بها أيضا، ثم ابتلي بمرض النقرس، واختلت منه رجلاه وإحدى يديه واقعد سنين كثيرة حتى مات، وأعطي تقاعدا وكان يبكي ويقول ما أصابتني البلية إلا بترك وصية والدي فإنه كان يوصي أولاده أن لا يقبلوا منصب القضاء والتولية.
وفيها غرس الدّين خليل القاضي الأوسي الرملي [3] الشافعي العالم قاضي الرّملة، المعروف بابن المدققة.
توفي بالقاهرة يوم الجمعة خامس شوال.
وفيها زين الدّين المقدسي الأصل الدمشقي عبد الرزاق بن أحمد بن أحمد بن محمود بن موسى المعروف جدّه أحمد بالعجيمي [4] وجدّه الأعلى موسى بالتركماني.
__________
[1] ترجمته في «مفاكهة الخلان» (1/ 271) و «الكواكب السائرة» (1/ 125) .
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (144- 145) و «الكواكب السائرة» (1/ 162) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 191) .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 136- 137) .

(10/60)


كان إماما، فاضلا، مقرئا، مجودا شافعيا.
ولد في سادس عشر جمادي الآخرة سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، وأخذ القراآت وغيرها عن والده وغيره.
وتوفي بدمشق ودفن بمقبرة المزرعة المعروفة الآن بالجورة عند ميدان الحصى عند أخيه الشيخ إبراهيم القدسيّ، رحمه الله.
وفيها عفيف الدّين عبد المجيد بن عبد العليم إقبال، المعروف بالقربتي [1] الحنفي.
قال في «النّور السافر» : كان إماما، فقيها، علّامة، صالحا، رأس المفتين بمدينة زبيد.
توفي بها يوم الاثنين الرابع والعشرين من شهر رمضان. انتهى.
وفيها علاء الدّين على البكائي [2] الرّومي [3] الحنفي.
قرأ على علماء عصره، وصار مدرسا ببعض مدارس الرّوم، ثم درّس في سلطانية بروسا، ثم بإحدى الثمان ثم نصّب مفتيا ببروسا، وكان عالما سليم الطبع شديد الذكاء، انتفع به كثيرون.
وتوفي في هذه السنة. وقيل في تاريخه:
وحيد مات مرحوما سعيدا [4] وفيها الشيخ الإمام العلّامة ياسين الشافعي [5] شيخ المدرسة البيبرسية.
توفي في سادس عشري ذي الحجّة، واستقرّ عوضه في المشيخة العلّامة كمال الدّين الطويل.
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (52) .
[2] في «آ» : «البكاوي» وفي «الشقائق» : «اليكاني» .
[3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (169) و «الكواكب السائرة» (1/ 280- 281) .
[4] قلت: حسابه في حساب الجمّل (909) .
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 312) .

(10/61)


وفيها جمال الدّين يوسف بن حسن بن أحمد بن عبد الهادي، الشهير بابن المبرد [1] الصالحي الحنبلي [2] .
ولد سنة أربعين وثمانمائة، وقرأ على الشيخ أحمد المصري الحنبلي، والشيخ محمد، والشيخ عمر العسكريين، وصلّى بالقرآن ثلاث مرات وقرأ «المقنع» على الشيخ تقي الدّين الجراعي، والشيخ تقي الدّين بن قندس، والقاضي علاء الدّين المرداوي.
وحضر دروس خلائق، منهم القاضي برهان الدّين بن مفلح، والبرهان الزّرعي.
وأخذ الحديث عن خلائق من أصحاب ابن حجر، وابن العراقي، وابن البالسي، والجمال بن الحرستاني، والصّلاح بن أبي عمر، وابن ناصر الدّين، وغيرهم.
وكان إماما، علّامة، يغلب عليه علم الحديث والفقه، ويشارك في النحو، والتصريف، والتصوف، والتفسير.
وله مؤلفات كثيرة وغالبها أجزاء، ودرّس وأفتى.
وألّف تلميذه شمس الدّين ابن طولون في ترجمته مؤلفا ضخما [3] .
وتوفي يوم الاثنين سادس عشر المحرم ودفن بسفح قاسيون.
__________
[1] قلت: كذا قيّد نسبته- بكسر الميم- معظم من ترجم له وهو الأشبه عندي، وقيّدها بعضهم بفتح الميم.
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (108) و «الكواكب السائرة» (1/ 316) و «النعت الأكمل» ص (70) و «فهرس الفهارس» (2/ 1141) . وقد كتب في حياته ومصنفاته عدد من الباحثين. منهم الدكتور محمد أسعد طلس في صدر كتابه «ثمار المقاصد في ذكر المساجد» والدكتور عبد الرحمن العثيمين في صدر كتابه «الجوهر المنضد» والدكتور رضوان مختار بن غريبة في صدر كتابه «الدّر النقي في شرح ألفاظ الخرقي» والأستاذ صلاح الخيمي في مجلة معهد المخطوطات العربية في الكويت المجلد السادس والعشرون الجزء الثاني ص (775- 811) والأستاذ محمد خالد الخرسة في صدر كتابه «نجوم المسا تكشف معاني الرسا للصالحات من النسا» المطبوع بدمشق عام 1411 هـ. وانظر «الأعلام» (8/ 225- 226) و «معجم المؤلفين» (13/ 289- 290) .
[3] هو كتابه «الهادي إلى ترجمة شيخنا المحدّث الجمال بن عبد الهادي» . انظر «الفلك المشحون» ص (48) طبع مكتبة القدسي.

(10/62)


وفيها شمس الدين محمد بن عبد الكافي المصري [1] الخطيب بجامع القلعة الشهير بالدمياطي.
قال الشعراوي: كان يقضي خارج باب القوس والناس يقرؤون عليه العلم وكان لا يأخذ على القضاء أجرا، وكان طويلا سمينا جدا ومع ذلك يتوضأ لكل صلاة من الخمس.
قال: وما سمعته مدة قراءتي عليه يذكر أحدا من أقرانه الذين يرون نفوسهم عليه إلّا بخير.
وكان كثير الصّمت كثير الصّيام، طالبا للهزال فيزيد سمنه، حلو المنطق، حلو المعاشرة، كريم النفس. انتهى توفي بالقاهرة في ثاني عشر جمادى الآخرة ودفن بالقرافة.
وفيها قاضي القضاة محبّ الدّين أبو الفضل محمد بن علي بن أحمد بن جلال بن عثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن القصيف الدمشقي الحنفي [2] .
ولد سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة بمنزلة ذات حج من درب الحجاز، وحفظ القرآن العظيم و «المختار» وعدة كتب، واشتغل وبرع وأفتى، ودرّس بالمدرسة القصاعية عدّة سنين، وسمع الحديث على أبي الفتح المدني، والتقي بن فهد وغيرهما. وصنّف كتاب «دليل [3] المحتار إلى مشكلات المختار» ولم يتم، وولي قضاء الشام مرات.
قال ابن طولون: وظلم نفسه بأمور سامحه الله فيها. وتوفي يوم الخميس سادس ربيع الأول.
وفيها شمس الدّين محمد بن شرف الدّين موسى بن عيسى العجلوني الدمشقي الصالحي الشافعي [4] .
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 56) .
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 91) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 57) .
[3] في «آ» : «ذليل» وهو تحريف.
[4] ترجمته في «الكواكب» (1/ 13) .

(10/63)


ولد بالصالحية سنة ثمان وأربعين وثمانمائة، وكان إماما [1] ، عالما، صالحا.
توفي يوم الخميس ثاني ربيع الأول ودفن بمسكنه بزاوية محمد الخوام، الشهير بالقادري بالصّالحية.
وفيها ولي الدّين محمد بن محمد الشيخ الفاضل ابن الشيخ العالم محبّ الدّين المحرقي [2] المباشر بالبيمارستان المنصوري بالقاهرة.
توفي بها في هذه السنة ختام ربيع الأول.
وفيها أقضى القضاة وليّ الدّين محمد بن فتح الدّين محمد النحريري المصري [3] المالكي الإمام العلّامة.
توفي سابع ربيع الأول بالقاهرة ودفن بالصحراء.
__________
[1] ليست اللفظة في «ط» .
[2] في «آ» : «المحروقي» وانظر «الكواكب السائرة» .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 19) و «نيل الابتهاج» (332) .

(10/64)


سنة عشر وتسعمائة
فيها حصل بمدينة زبيد ومدينة زيلع زلزلة عظيمة شديدة هائلة وقع منها دور وخرج أهل زيلع إلى الصحراء خوفا [1] .
وفيها انقض كوكب عظيم وقت العشاء من اليمن في الشام وتشظى منه شظايا عظيمة ثم حصل بعده هدة عظيمة [2] .
وفيها وجد بمدينة عدن كنز ذهب وبقرية هقدة بين مدينتي عدن وموزع كنز آخر من ذهب أعظم من الأول كان بها مسجد قد خرب، فأراد رجل عمارته فوجد الحفّارون في الأساس الكنز شخوصا من ذهب مضروبة بسكة لا تشبه سكّة الإسلام وزن كل شخص ربع وقية.
وفيها توفي العلّامة شهاب الدّين أحمد بن يحيى بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عمر بن حسين، الشهير بابن المهندس الشّيرازي الأصل الدمشقي العاتكي الشافعي [3] .
ولد سنة أربع وثلاثين وثمانمائة.
قال النّعيمي: رافقناه على جماعة من العلماء، ثم انتهى إليه الإتقان في كتابة الوثائق والتواقيع، حتى صار أكبر من يشار إليه في ذلك.
وكان عالما مورقا متقنا.
توفي ليلة الخميس سادس عشري رجب.
__________
[1] انظر «النور السافر» ص (52) .
[2] انظر «النور السافر» ص (53) .
[3] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 18) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 147) .

(10/65)


وفيها قاضي القضاة عفيف الدّين أبو الطيب حسين محمد بن محمد القاضي ابن القاضي ابن القاضي ابن الشحنة [1] الحنفي وقيل الشافعي.
ولد سنة ثمان وخمسين وثمانمائة وحصل بالقاهرة طرفا من العلم، وأخذ البخاري عن الشهاب الشاوي المصري الحنفي الصوفي، وهو خاتمة من يروي عن ابن أبي المجلد الخطيب الدمشقي، وقرأ شرح جمع الجوامع للمحلي بحلب على العلّامة المنلا درويش الخوارزمي قراءة تحقيق وتدقيق، وولي قضاء حلب وكتابة السرّ بها.
وتوفي بالقاهرة مطعونا يوم الثلاثاء حادي عشري شوال.
وفيها السلطان العادل عبد الله بن جعفر الكثيري [2] سلطان الشحر من بلاد اليمن كان عادلا مشهورا بأفعال الخير وإقامة الشرع سيرته من أحمد السير وأحسنها. توفي بالشحر يوم الأحد سلخ المحرم.
وفيها شمس الدّين عبد الله بن محمد السبتي المالكي [3] قاضي المالكية بصفد، وابن قاضيها.
ولد سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، وكان إماما علّامة.
وتوفي بصفد يوم الأربعاء ثامن عشر رجب.
وفيها الحافظ تقي الدّين عبد الرحيم بن الشيخ [4] محب الدّين محمد الأوجافي [5] المصري الشافعي.
قرأ القرآن على والده، وسمع منه، وأخذ عنه العلوم الشرعية وغيرها. وقرأ على خلائق منهم العلّامة ابن حجر [6]- يعني الهيثمي) [6]-، والولي بن العراقي،
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» (37) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 184) وفيه اسمه «حسن» .
[2] ترجمته في «النور السافر» (ق 52) .
[3] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 56) و «الكواكب السائرة» (1/ 216) .
[4] في «آ» : «الشحنة» وهو خطأ.
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 234) «وفيه عبد الرحمن» وهو تحريف وسيرد في شعره أنه عبد الرحيم.
[6] عن «آ» وحدها.

(10/66)


والشّمس القاياتي، وصالح البلقيني، ولازم الشّرف المناوي في «المنهاج» و «التنبيه» و «البهجة» وغيرها. قال: وهو آخر شيخ قرأت عليه العلوم الشرعية.
وسمع من مسندي عصره، وروى «صحيح البخاري» عن جمع كثير، يزيد عددهم على مائة وعشرين نفسا ما بين قراءة وسماع ومناولة لجميعه مقرونة بالإجازة، ولبس الخرقة القادرية من جماعة.
وكان إماما علّامة مسندا رحلة حافظا حجة ناقدا.
ومن شعره [1] :
تقول نفسي أتخشى ... من هول ذنب عظيم
لا تختشي من عقاب ... وأنت عبد الرّحيم
ومنه [1] :
يا راحمي ورحيمي ... ومانحي كلّ نعمه
ابن الوجاقيّ [2] عبد ... مراده منك رحمه
ومنه [1] :
إذا كنت الرحيم فلست أخشى ... وإن قالوا عذاب النار يحمى
وكم عبد كثير الذّنب مثلي ... بفضلك من عذاب النّار يحمى
وقال في مرضه الذي مات فيه [1] :
لمّا مرضت من الذنوب وثقلها [3] ... وأيست من طبّ الطبيب النّافع
علّقت أطماعي برحمة سيّدي ... وأتيته متوسّلا بالشّافعي
وتوفي بالقاهرة يوم الاثنين ثاني أو ثالث جمادى الآخرة.
وفيها تقيّ الدّين عبد السلام بن القاضي محمد بن عبد السلام الناشري [4] الشافعي الفقيه الصّالح.
توفي بمدينة زبيد ضحى يوم الخميس العشرين من ذي القعدة.
__________
[1] البيتان في «الكواكب» (1/ 235) .
[2] في ط: «الوقاجي» وهو خطأ.
[3] في «الكواكب السائرة» : «لثقلها» .
[4] ترجمته في «النور السافر» (53) .

(10/67)


وفيها محيي الدّين عبد القادر بن محمد بن عمر بن عيسى بن سابق بن هلال بن يونس بن يوسف بن جابر بن إبراهيم بن مساعد المزّي ثم الصّالحي الحنبلي، المعروف بابن الرّجيحي [1] ، وجدّه الأعلى الشيخ يونس هو العارف بالله تعالى، شيخ الطائفة اليونسية.
ولد صاحب الترجمة في ثاني عشر ربيع الأول سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، وحفظ القرآن العظيم و «الخرقي» ، واشتغل في العلم ثم تصوف، ولبس الخرقة من جماعة منهم والده، والعلّامة أبو العزم المقدسي نزيل القاهرة، والشيخ أبو الفتح الإسكندري، ولازمه كثيرا وانتفع به، وأخذ عنه الحديث، وقرأ عليه «الترغيب والترهيب» للمنذري كاملا، وقرأ عليه غير ذلك، وسمع منه وعليه أشياء كثيرة، وناب في الحكم عن النّجم بن مفلح، وكانت سيرته حسنة، وسكن آخرا بالسّهم الأعلى من الصّالحية وبني به زاوية وحمّاما وسكنا، وكان من كبار العارفين بالله تعالى.
وتوفي ليلة الخميس رابع عشر المحرم، ودفن بسفح قاسيون عند صفة الدّعاء.
وفيها علاء الدّين علي بن السيد ناصر الدّين أبي بكر الشهير بابن نقيب الأشراف [2] بدمشق الحنفي الدمشقي.
ولد في نصف شوال سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، وهو اليوم الذي ولد فيه قاضي القضاة شهاب الدّين بن الفرفور، وكان إماما علّامة.
توفي ليلة الاثنين رابع عشر ذي الحجة، ودفن بتربتهم لصيق مسجد الذبان بدمشق.
ومات في أوائل هذه السنة شهاب الدّين بن الفرفور [3] المذكور.
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» (54) و «التمتع بالإقران» (141) و «الكواكب السائرة» (1/ 241) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 266) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 141- 145) واسمه «أحمد بن محمود بن عبد الله» .

(10/68)


وفيها علاء الدّين علي بن أحمد بن عربشاه [1] الإمام العالم، أخو قاضي القضاة بدمشق، تاج الدّين عبد الوهاب بن عربشاه، وأخو بدر الدّين حسن أحد الشهود المعتبرين بدمشق.
ولد سنة ثمان وأربعين وثمانمائة.
وتوفي يوم الثلاثاء حادي عشر شوّال، ودفن بالروضة بسفح قاسيون.
وفيها زين الدّين عمر الشيخ العلّامة الأبشيمي [2] الشافعي قاضي قلعة الجبل بالقاهرة.
كان له فضيلة تامة.
وتوفي يوم السبت ثاني عشر شعبان. قاله النّجم الغزّي.
وفيها أقضى القضاة زين الدّين محمد بن عبد الغني الشيخ العلّامة، الشهير بابن تقي المالكي المصري [3] .
قال الحمصي: كان شابا عالما صالحا.
توفي في حادي عشري المحرم ودفن بالقرافة.
وفيها قاضي القضاة بهاء الدّين محمد بن محمد بن قدامة المقدسي الصّالحي ثم المصري الحنبلي [4] .
ولد في ربيع الأول سنة ثلاثين وثمانمائة، واشتغل في العلم، وحصّل وبرع وأفتى ودرّس، ثم ولي قضاء الحنابلة بالشام فلم تحمد سيرته، لكن كان عنده حشمة.
وتوفي يوم الجمعة عاشر ربيع الآخر، وصلّي عليه بجامع الحنابلة بسفح قاسيون ودفن بالروضة.
__________
[1] ترجمته في «التمتع بالإقران» (61) و «الكواكب السائرة» (1/ 267) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 286) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 56) .
[4] ترجمته في «متعة الأذهان» (99) .

(10/69)


وفيها بهاء الدّين محمد بن قاضي القضاة جمال الدّين يوسف بن أحمد الباعوني الشافعي [1] .
ولد سنة سبع أو تسع وخمسين وثمانمائة بصالحية دمشق، وقرأ القرآن العظيم، وحفظ «المنهاج» وأخذ عن عمّه [2] البرهان الباعوني، والبرهان بن مفلح، والبرهان المقدسي الأنصاري، والبرهان الأذرعي، وولده شهاب الدّين وغيرهم، وغلب عليه الأدب، وجمع عدة دواوين، وكان قليل الفقه.
وتوفى ليلة السبت حادي عشر شهر رمضان المعظم. قاله النجم الغزّي وفيها إمام الزّيدية محمد بن علي [3] إمام أهل البدعة ورئيسهم.
قال في «النور السافر» : أسر في جمع عظيم، أسره [4] السلطان عامر بن عبد الوهاب في وقعة عظيمة على باب صنعاء اليمن.
وتوفي أسيرا في يوم الجمعة رابع عشر ذي الحجة بمدينة صنعاء [5] ، والله أعلم [5] .
__________
[1] ترجمته في «التمتع بالإقران» ص (101) و «الضوء اللامع» (10/ 89) و «الكواكب السائرة» (1/ 72) و «الأعلام» (8/ 30) و «معجم المؤلفين» (12/ 121) .
[2] ليست اللفظة في «ط» .
[3] ترجمته في «النور السافر» (53) .
[4] في «ط» : «أمره» ، وهو تحريف.
[5] ما بين الرقمين لم يرد في «ط» .

(10/70)