فتوح البلدان

المؤلف:

أبو الحسن (أبو بكر أو أبو جعفر) أحمد بن يحيى بن جابر بن داود، كاتب، أديب، راو شاعر ومن أبرز المؤرخين الإسلاميين في القرن الثالث.
لا توجد معلومات دقيقة عن تاريخ ولادته ووفاته وأرباب التراجم في عصره لم يقدموا صورة واضحة عن حياته. وإن أقدم مصدر يتحدث عنه هو تاريخ بغداد لابن أبي طاهر طيفور (ت 280) ولكن وللأسف لم يبق من هذا الكتاب المهم سوى الفصل السادس الذي يحوي وقائع سنة 204 إلى 218 ولا يضم ترجمته. إلا أن ياقوت الحموي أعد عبر هذا الكتاب وكتب أخرى تقريرا عن حياته في معجم الأدباء.
يبدو أن البلاذري ولد في بغداد ما بين سنتي 170 و 180 وقضى معظم حياته في العراق ولذا يمكن اعتباره عربيا ولكن البعض اعتبره أنه من أصل فارسي.
تلقى العلوم في حمص وأنطاكية وأفاد في العراق من كبار العلماء أمثال محمد بن سعد كاتب الواقدي (ت 230) وعلي بن محمد المدائني (ت 224) ومصعب الزبيري (ت 233) وأبي عبيد قاسم بن سلام (ت 224) . كما وتتلمذ على يديه العديد أمثال وكيع القاضي وجعفر بن قدامة وابن النديم على قول وغيرهم.
دخل البلاذري إبان شبابه في بلاط المأمون ونظم في مديحه أشعارا ثم اعتزل بعد وفاة المأمون وفي عهد خلافة المعتصم والواثق ولكنه حظي باهتمام المتوكل ودخل في بلاطه ثانية وبقي على هذا الحال في عهد المنتصر (247- 248) والمستعين (248- 252) والمعتز (252- 255) أيضا. ولكنه بعد وفاة المعتز ومجيء المتعمد ترك البلاط وأصابه الضيق والضنك حتى وافاه الأجل في أواخر عهد المتعمد أو أوائل خلافة المعتضد (279- 281) نحو 279.

آثاره
وصل بأيدينا أثران تاريخيان للبلاذري وهما:
1- أنساب الأشراف.
2- فتوح البلدان أو كتاب البلدان الصغير وهو من أهم الكتب التي وصلتنا في فتوحات المسلمين منذ زمن هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

(/)


الكتاب والمؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا الكتاب:
كتاب فتوح البلدان، لمؤلفه المؤرخ، الرحالة، أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البلاذري [1] ويظهر أنه مختصر عن كتاب أطول منه، سماه «كتاب البلدان الكبير» ولم يكمله.
ويتحدث هذا الكتاب عن أخبار الفتوح الإسلامية بلدا بلدا من أيام النبي صلّى الله عليه وسلّم. كما يضم فضلا عن الفتوح أبحاثا عمرانية وسياسية لم يتطرق إليها أي من كتب التاريخ: كأحكام الخراج، والعطاء، وأمر الخاتم، والنقود، وغيرها ...
ويعتبر هذا الكتاب من أجمع كتب الفتوح وأصحها، وقد طبع عدة طبعات منها: طبعة ليدن عام 1870 م بعناية المستشرق «دي غويه» .
والطبعة العربية عام 1901 م طبع مصر.
المؤلف:
هو المؤرخ، النسابة، الرحالة، الرواية الثقة، المحدث، الأديب،
__________
[1] نسبة إلى بلاذر (بضم الذال) وهو نبات كان يتعاطاه المؤلف ثمره شبيه بنوى التمر. قيل يقوي الحفظ.

(1/5)


الشاعر أبو الحسن [2] أحمد بن يحيى بن جابر بن داود المعروف بالبلاذري.
مولده وتحصيله:
ولد البلاذري في أواخر القرن الثاني للهجرة، نشأ في بغداد، ووقف حياته على العلم والأدب والمعرفة، وجاب البلدان وطوّف في أنحاء المعمورة باحثا ومنقبا ودارسا.
مشايخه:
نشأ البلاذري في بغداد، وتقرب من المتوكل، والمستعين، والمعتز وكانت بغداد في هذا العصر منهلا دفقا من مناهل العلم والمعرفة، يرتادها طلبة العلم من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، ويستقر في كنفها العلماء والشعراء والأدباء والفقهاء، ينشرون المعرفة والفقه والأدب.
وقد تلقى البلاذري العلم على جمهرة من علماء هذا العصر ذكرهم ياقوت في المعجم نقلا عن ابن عساكر في تاريخ دمشق فقال:
«سمع بدمشق هشام بن عمار، وأبا حفص بن عمر بن سعيد، وبحمص محمد بن مصفى، وبأنطاكية محمد بن عبد الرحمن بن سهم، وأحمد بن برد الأنطاكي، وبالعراق عفان بن مسلم، وعبد الأعلى بن حماد، وعلي بن المديني، وعبد الله بن صالح العجلي، ومصعبا الزبيري، وأبا عبد القاسم بن سلام، وعثمان بن أبي شيبة، وأبا الحسن علي بن محمد المدائني، ومحمد بن سعد كاتب الواقدي. وجماعة ... » .
كما درس على شيبان بن فروخ، وأحمد بن إبراهيم الدورقي، ومحمد بن الصباح الدولابي، ومحمد بن حاتم السمين، وعباس بن الوليد النرسي، وعبد الواحد بن غياث، وأبي الربيع الزهراني، وإسحاق بن إسرائيل، وعمرو الناقد، والحسن بن علي بن الأسود العجلي، وخلف البزار، وغيرهم ...
__________
[2] وقيل أبو بكر.

(1/6)


تلاميذه ورواته:
افتتح البلاذري ندوة علمية ارتادها طلاب العلم والمعرفة وتخرج منها علماء وفقهاء وأدباء منهم: عبد الله ابن الخليفة المعتز الشاعر والكاتب والمترجم (عن الفارسية) ، ومحمد بن إسحاق النديم مصنف كتاب الفهرست الذي جود فيه مما يدل على اطلاعه وتبحره في فنون من العلم، وجعفر بن قدامة صاحب كتاب الخراج، ويعقوب بن نعيم، وعبد الله بن سعد الوراق، ومحمد بن خلف، ووكيع القاضي.
كما روى عنه يحيى بن النديم، وأحمد بن عبد الله بن عمار، وأبو يوسف، يعقوب بن نعيم قرقارة الأزني.
رحلته:
بعد أن شبّ البلاذري عن الطوق، وغرف بشغف من رحيق العلم، وتضلع من معين العلم والعلماء في بغداد، تاقت نفسه للقيام برحلة إلى الشرق لزيادة علمه ومعارفه وثقافته. فكانت رحلته الميمونة التي انطلق بها مغادرا بغداد بإيمان عميق فاتجه إلى حلب، ودمشق، وحمص، والعراق، ومنبج، وأنطاكيه والثغور. وزار جميع المدن الواقعة شمال الشام، ثم تحوّل منها إلى بلاد ما بين النهرين وساح تكريب، فكان يجمع خلال رحلته هذه الروايات التي حفظها الخلف عن السلف ويقارنها بما حفظه عن علماء بغداد.
وتعتبر رحلة البلاذري الإنجاز الكبير في حياته الأدبية والعلمية الحافلة وهي من أسباب نبوغه في العلم.
كتبه ومصنفاته:
اهتم البلاذري اهتماما كبيرا بالكتابة والتصنيف وانصرف بعقل نابغ وجهد مجد بلا كلل ولا خمول، وورد من مناهل العلوم فسطر ببراعة ما خلد ذكره ووضعه في مصاف الخالدين برغمه خاتمة المؤرخين. وقد وضع عدة مؤلفات منها:

(1/7)


1- فتوح البلدان الكبير أو «كتاب البلدان الكبير» وهو لم يتم.
2- فتوح البلدان أو «كتاب البلدان الصغير» وهو كتابنا هذا الذي قال فيه المستشرق «دي غويه» : «اشتغل البلاذري منذ نعومة أظفاره بتأليف كتاب جامع لتاريخ الدول الإسلامية، أتى فيه على الحقائق التاريخية دون أن يغضب خليفة وقته ... » .
3- أنساب الأشراف. ويسمى أيضا الأخبار والأنساب وهو كتاب مطول في عشرين مجلدا لم يتمه وكان ضائعا. وقد عثر المستشرق الألماني «أهلوارد» في. مكتبة «شيفر» على الجزء الحادي عشر من كتاب في التاريخ ليس عليه اسم، فرجح أنه أحد أجزاء كتاب أنساب الأشراف فطبعه في «غريز ولد» عام 1883 م. ويقع في أربعمائة وخمسين صفحة، وفيه كثير من أخبار بني أمية وأخبار الخوارج.
4- عهد أردشير: الذي ترجمه عن اللغة الفارسية دون الاكتفاء بالترجمة بل صاغه شعرا رقيقا.
5- كتاب الأخبار.
6- قال بعض المؤرخين أن البلاذري قد جمع قبيل وفاته مواد كثيرة ومفيدة بقصد وضع كتاب جامع يقع في أربعين مجلدا.
مكانة البلاذري العلمية:
الرحلة التي قام بها البلاذري حيث تجول في الأقطار والأمصار جعلته بعد عودته إلى بغداد مزودا بالعلوم والمعارف، يفضل الاستقرار والاعتكاف في خلوته ليلقي دروسه ومحاضراته على الطلاب، الذين كانوا يرتادون مجلسه ليرتشفوا من علمه وأدبه، ورغم انشغاله بالتدريس فقد خصص الكثير من وقته للتأليف والتصنيف، حتى جاءت مؤلفاته آية في الدقة والروعة والسلاسة، مما جعله محط أنظار الأمراء والعلماء والحكام.
ومما قاله عنه صاحب كتاب «إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب» :
«كان أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري عالما فاضلا، شاعرا، راوية،

(1/8)


نسابة متقنا» . وقال ابن النديم في تاريخ حلب: «كاتب، شاعر مجيد، راوية الأخبار والآداب» . وقال عبيد الله بن أحمد بن أبي طاهر: «كاتب، شاعر، راوية، أحد البلغاء» .
ووصفه المستشرق «دي غويه» فقال: «وكما أن البلاذري قد عرف له قدره معاصروه ومواطنوه، فنحن كذلك لا يسعنا إلا الإقرار له بالجميل، إذ يؤخذ من كثير من رواياته في مؤلفه أنه لم يقصر قط في جعل هذه الروايات مكانا للثقة، جديرة بالتصديق، فإنه لم يكتف بسماعه إياها من أوثق علماء بغداد، بل كان يتكبد الأسفار، ويجوب البحار، بحثا عن الحقيقة التي هي ضالته المنشودة» .
ووصفه أحد المستشرقين الألمان فقال: «إن البلاذري من المؤرخين الذين يمتازون بسلامة الذوق في انتقاء ما يستحق الرواية من بين ما يجمعونه من المواد» .
ومما يلفت النظر في كتاب البلاذري الحقائق التاريخية الهامة الدقيقة التي أوردها، والتي يتعذر العثور عليها في كتاب آخر، خاصة ما يتعلق منها بوصف المدن القديمة التي اندثرت، ولم يبق من معالمها إلا الأطلال البالية، ورغم ذلك فقد اتصل بمن عاصر تلك المدن أثناء مجدها وحضارتها وأخذ عنهم كل ما يعرفونه عن تلك الأطلال.
أما معلوماته الدقيقة التي أوردها عن تاريخ الأقاليم والأمصار والدساكر التي فتحها العرب فقد جاءت موجزة مفيدة صادقة، باعتبار كتابه موجزا عن الكتاب الكبير الذي كان ينوي تأليفه قبل أن يتوفاه الله.
وهنا لا بد لنا من الاشارة إلى أن البلاذري رغم أنه نشأ في كنف خلفاء الدولة العباسية، واستفاد من خيراتهم، واختص به بعض الخلفاء، كالمتوكل، والمستعين، اللذين كانت لهما عليه الأيادي البيضاء لما يقدماه له من مساعدات مادية، ومعنوية، فقد حرص في مؤلفه على إيراد الحقائق المجردة دون أن يعمد كغيره من المؤرخين إلى النفاق والمدح،

(1/9)


وأخبرني داود بْن حبال الأسدي عن أشياخ من قومه: أن عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه قَالَ لطليحة: أنت الكذاب عَلَى اللَّه حين زعمت أنه أنزل عليك إن اللَّه لا يصنع بتعفير وجوهكم وقبح أدباركم شيئا فاذكروا اللَّه أعفة قياما فإن الرغوة فوق الصريح، فقال يا أمير الْمُؤْمِنِين: ذلك من فتن الكفر الَّذِي هدمه الإِسْلام كله، فلا تعنيف عَلي ببعضه فأسكت عُمَر، قَالُوا: وأتى خَالِد بن الوليد رمان وأبانين وهناك فل بزاخة فلم يقاتلوه وبايعوه لأبي بكر، وبعث خَالِد بْن الوليد هِشَام بْن العاصي بْن وائل السهمي وأخا عَمْرو بْن العاصي، وكان قديم الإسلام وهو من مهاجرة الحبشة إِلَى بني عَامِر بْن صعصعة فلم يقاتلوه وأظهروا الإِسْلام والأذان فانصرف عنهم، وكان قرة بْن هبيرة القشيري امتنع من أداء الصدقة وأمد طليحة فأخذه هِشَام بْن العاصي وأتى به خالدا فحمله إِلَى أَبِي بكر، فقال: والله ما كفرت مذ آمنت ولقد مر بي عَمْرو بْن العاصي منصرفا من عمان فأكرمته وبررته فسأل أَبُو بكر عمرا رضي اللَّه عنهما عن ذلك فصدقه فحقن أَبُو بكر دمه، ويقال: إن خالدا كان سار إِلَى بلاد بني عَامِر فأخذ قرة وبعث به إِلَى أَبِي بكر.
قَالَ: ثُمَّ سار خَالِد بْن الوليد إِلَى الغمر وهناك جماعة من بني أسد وغطفان وغيرهم وعليهم خارجة بْن حصن بْن حذيفة، ويقال إنهم كانوا متسايدين قَدْ جعل كل قوم عليهم رئيسا منهم قالوا خالدا والمسلمين فقتلوا منهم جماعة وانهزم الباقون، وفي يوم الغمر يقول الحطيئة العبسي:
ألا كل أرماح قصار أذلة فداء لارماح الفوارس بالغمر ثم أتى خالد جو قراقر، ويقال أتى النقرة وكان هناك جمع لبني سليم عليهم أَبُو شجرة عَمْرو بْن عَبْد العزى السلمي وأمه الخنساء فقاتلوه فاستشهد رجل منَ المسلمين ثُمَّ فض اللَّه جمع المشركين، وجعل خَالِد يومئذ يحرق

(1/10)


تتعرض لأحد ليبقى بها وجهك عليك، ولك عليّ ألا تحتاج ما عشت إلى شيء من أمر دنياك، كبير ولا صغير، على حسب حكمك وشهوتك.
قال: ثم أجرى لي الجرايات والأرزاق السنية، وتابع جوائزه فما احتجت منذ ذلك وإلى الآن إلى غير جوائزه والسبعة آلاف، فأنا أنفق من جميع ذلك ولا أخلق نفسي بالتعرض، وأترحم عليه.
أدب البلاذري وشعره:
كان البلاذري في طليعة العلماء والأدباء، ينظم الشعر الحسن، ويصوغ البيان الدقيق، يتصف بالشجاعة والزهد والصفاء، وصفه التاريخ بالأديب الزاهد المنقطع النظير، قال عنه الشافعي في تاريخ دمشق: قال أحمد بن جابر البلاذري قال لي محمود الوراق: قل من الشعر ما يبقى ذلك ذكره، ويزول عنك إثمه، فقلت:
استعدي يا نفسي للموت واسعي ... لنجاة فالحازم المستعد
قد تثبت أنه ليس للحي خلود ... ولا من الموت بد
إنما أنت مستعيره ما سو ... ف تردين، والعواري ترد
أنت تسهين والحوادث لا تسهو ... وتلهين، والمنايا تجد
لا ترجى البقاء في معدن المو ... ت، ودار حقوقها لك ورد
أي ملك في الأرض أم أي حظ ... لامرئ حظه من الأرض لحد
كيف تهوى امرؤ لداره رأيا ... ما عليه الأنفاس فيها تعد
ومن شعره:
لما رأيتك زاهيا ... ورأيتني أجفى ببابك
عديت رأس مصليتي ... وحجبت نفسي عن حجابك
انتقاله إلى دار البقاء:
ظل البلاذري في عطاء مستمر، وإنتاج ضخم، حتى توفاه الله سنة

(1/11)


279 هجرية، مخلفا العديد من المؤلفات التاريخية القيمة التي احتلت فيما بعد مكانا مرموقا في كافة الأوساط العلمية والأدبية، فخلدته شامخا إلى أبد الآبدين.
لجنة تحقيق التراث في دار ومكتبة الهلال

(1/12)


بسم الله الرّحمن الرّحيم
هجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم من مكة إلى المدينة المنورة
- قَالَ أَحْمَد بْن يَحْيَى بْن جابر: أَخْبَرَنِي جماعة من أهل العلم بالحديث والسيرة وفتوح البلدان- سقت حديثهم واختصرته ورددت من بعضه عَلَى بعض- أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما هاجر إِلَى المدينة من مكة نزل على كلثوم ابن الهدم بْن امرئ القيس بْن الحارث بْن زيد بن عبيد بن أمية ابن زيد بْن مَالِك بْن عوف بْن عَمْرو بْن عوف بْن مَالِك بْن الأوس بقباء، وكان يتحدث عنده سَعْد بْن خَيْثَمَة بْن الحارث بْن مَالِك أحد بني السلم بْن امرئ القيس بْن مَالِك بْن الأوس حَتَّى ظن قوم أنه نزل عنده.
وكان المتقدمون في الهجرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن نزلوا عَلَيْهِ منَ الأنصار بنوا بقباء مسجدا يصلون فيه، والصلاة يومئذ إِلَى بيت المقدس، فلما ورد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قباء صلى بهم فيه، فأهل قباء يقولون إنه المسجد الَّذِي يقول اللَّه تعالى فيه لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ 9: 108 [1] ، وروى أن المسجد الذي أسس على التقوى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. حدثنا عفان بن مسلم الصفار، قال حدثنا حماد بن سلمة، قال أخبرني هشام بن عروة عن عروة أنه قال في هذه الآية وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ من قَبْلُ 9: 107 [2] قال كان سعد بن خيثمة بنى مسجد قباء، وكان موضعه للبة تربط فيه حمارها، فقال أهل الشقاق أنحن نسجد في موضع كان يربط فيه حمار لبة لا ولكنا نتخذ مسجدا نصلي فيه حتى يجيئنا أبو عامر
__________
[1] سورة التوبة: الآية 108.
[2] سورة التوبة: الآية 107.

(1/13)


فيصلي بنا فيه، وكان أبو عامر قد فر من الله ورسوله إلى أهل مكة ثم لحق بالشام فتنصر فأنزل الله تعالى وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ 9: 107 [1] يعني أبا عامر. وَحَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْمُقْرِي، قَالَ حَدَّثَنِي بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ، قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ابْتَنَوْا مَسْجِدًا فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ، فَحَسَدَهُمْ إِخْوَتُهُمْ بَنُو غَنْمِ بْنِ عَوْفٍ، فَقَالُوا لَوْ بَنَيْنَا أَيْضًا مَسْجِدًا وَبَعَثْنَا إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيه كَمَا صَلَّى فِي مَسْجِدِ أَصْحَابِنَا، وَلَعَلَّ أَبَا عَامِرٍ أَنْ يَمُرَّ بِنَا إِذَا أَتَى مِنَ الشَّامِ فَيُصَلِّيَ بِنَا فِيهِ، فَبَنَوْا مَسْجِدًا وَبَعَثُوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُونَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ فَيُصَلِّيَ فِيهِ فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَنْطَلِقَ إِلَيْهِمْ أَتَاهُ الْوَحْيُ فَنَزَلَ عَلَيْهِ فِيهِمْ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ الله وَرَسُولَهُ 9: 107 قَالَ هُوَ أَبُو عَامِرٍ لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَالله يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ 9: 108- 109 [2] قَالَ هَذَا مَسْجِدُ قُبَاءَ. وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ هِشَامٍ عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا 9: 108 أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ مَسْجِدِ قُبَاءَ، فَقَالَ: مَا هَذَا الطُّهُورُ الَّذِي ذُكِّرْتُمْ بِهِ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَغْسِلُ أَثْرَ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ. وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ ابن أبى الليل عَنْ عَامِرٍ، قَالَ كَانَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ قُبَاءَ يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ (فِيهِ رِجَالٌ يحبون أن يتطهروا) الآية. حدثني عمرو بن محمد الناقد وأحمد بْنُ هِشَامِ بْنِ بِهْرَامٍ، قَالا حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، قَالَ أَخْبَرَنَا رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ عن عمران بن
__________
[1] سورة التوبة: الآية 107.
[2] سورة التوبة: الآية 108.

(1/14)


أَبِي أَنَسٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: اخْتَلَفَ رَجُلانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، فَقَالَ أَحَدُهُمَا هُوَ مَسْجِدُ الرَّسُولِ، وَقَالَ الآخَرُ هُوَ مَسْجِدُ قُبَاءَ، فَأَتَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلاهُ فَقَالَ هُوَ مَسْجِدِي هَذَا. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ، قَالا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مَسْجِدُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ الْأَسْلَمِيُّ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، فَقَالَ هُوَ مَسْجِدِي هَذَا. قَالَ حَدَّثَنِي هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ. قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو هِلالٍ الرَّاسِبِيُّ، قَالَ أَخْبَرَنَا قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي قَوْلِهِ لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى 9: 108 [1] قَالَ هُوَ مَسْجِدُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَعْظَمُ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ المديني، قال حدثنا سفيان بن عيينة عن أبى الزناد عن خارجة ابن زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مَسْجِدُ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلامُ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، قَالَ حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مَسْجِدُ المدينة الأعظم حدثنا محمد بن حاتم ابن مَيْمُونٍ السَّمِينُ قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: هُوَ مَسْجِدُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي الَّذِي أسس على التقوى قالوا وقد وسع مَسْجِد قباء بعد وزيد فيه وكان عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر إذا دخله صلى إِلَى الأسطوانة المخلقة وكان ذلك مصلى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا وأقام رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقباء يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس وركب منها يوم الجمعة يريد المدينة فجمع في مسجد كان بنو سالم بن عوف
__________
[1] سورة التوبة: الآية 107.

(1/15)


ابن عَمْرو بْن عوف بْن الخزرج بنوه، وكانت تلك أول جمعة جمع فيها ثُمَّ مر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمنازل الأنصار منزلا منزلا وكلهم يسأله النزول عَلَيْهِ حَتَّى إذا انتهى إِلَى موضع مسجده بالمدينة بركت ناقته فنزل عنها وجاء أَبُو أيوب، خَالِد بْن زيد بْن كليب بْن ثعلبة بن عبد ابن عوف بْن غنم بْن مَالِك بْن النجار بْن ثعلبة بْن عَمْرو بْن الخزرج فأخذ رحله فنزل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند أَبِي أيوب وأراده قوم منَ الخزرج عَلَى النزول عندهم فقال: المرء مع رحله فكان مقامه في منزل أَبِي أيوب سبعة أشهر ونزل عَلَيْهِ تمام الصلاة بعد مقدمه بشهر ووهبت الأنصار لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل فضل كان في خططها وقالوا يا نبي اللَّه إن شئت فخذ منازلنا فقال لهم خيرا، قَالُوا: وكان أَبُو أمامة أسعد بن زرارة ابن عدس بْن عُبَيْد بْن ثعلبة بْن غنم بْن مَالِك بْن النجار نقيب النقباء يجمع يمن يليه منَ المسلمين في مَسْجِد له فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيه ثُمَّ أنه سأل أسعد أن يبيعه أرضا متصلة بذلك المسجد كانت في يده ليتيمين في حجره يقال لهما سَهْل وسهيل، ابنا رافع ابن أبى عمرو بن عابدين ثعلبة بْن غنم، فعرض عَلَيْهِ أن يأخذها ويغرم عنه اليتيمين ثمنها، فأبى رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك، وابتاعها منه بعشرة دنانير أداها من مال أَبِي بكر الصديق رضي اللَّه عنه، ثُمَّ إن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر باتخاذ اللبن، فاتخذ وبني به المسجد ورفع أساسه بالحجارة وسقف بالجريد وجعلت عمده جذوعا، فلما استخلف أَبُو بكر رضي اللَّه عنه لم يحدث فيه شيئا، واستخلف عُمَر رضي اللَّه عنه فوسعه وكلم العَبَّاس بْن عَبْد المطلب رضي اللَّه عنه في بيع داره ليزيدها فيه فوهبها العَبَّاس لله والمسلمين فزادها عُمَر رضي اللَّه عنه في المسجد، ثُمَّ إن عُثْمَان بْن عَفَّان رضي اللَّه عنه بناه

(1/16)


في خلافته بالحجارة والقصة وجعل عمده حجارة وسقفه بالساج وزاد فيه ونقل إليه الحصباء منَ العقيق، وكان أول منَ اتخذ فيه المقصورة مروان بن الحكم ابن العاص بْن أمية، بناها بحجارة منقوشة ثُمَّ لم يحدث فيه شيء إِلَى أن ولي الوليد بْن عَبْد الملك بْن مروان بعد أبيه فكتب إِلَى عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ وهو عامله عَلَى المدينة يأمره بهدم المسجد وبنائه، وبعث إليه بمال وفسيفساء ورخام وثمانين صانعا منَ الروم والقبط من أهل الشام ومصر فبناه وزاد فيه وولى القيام بأمره والنفقة عَلَيْهِ صالح بْن كيسان مولى سعدى مولاة آل معيقيب ابن أَبِي فاطمة الدوسي وذلك في سنة سبع وثمانين، ويقال في سنة ثمان وثمانين ثُمَّ لم يحدث فيه أحد منَ الخلفاء شيئا حَتَّى استخلف المهدي أمير الْمُؤْمِنِين صلاة اللَّه عَلَيْهِ، قَالَ الواقدي بعث المهدي عَبْد الملك بْن شبيب الغساني ورجلا من ولد عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ إِلَى المدينة لبناء مسجدها والزيادة فيه وعليها يومئذ جَعْفَر بْن سُلَيْمَان بْن علي، فمكثا في عمله سنة وزادا فى مؤخره مائة ذراع فصار طوله ثلاثمائة ذراع وعرضه مائتي ذراع، وقال علي بْن مُحَمَّد المدائني ولي المهدي أمير الْمُؤْمِنِين جَعْفَر بْن سُلَيْمَان مكة والمدينة واليمامة فزاد في مَسْجِد مكة ومسجد المدينة، فتم بناء مَسْجِد المدينة في سنة اثنين وستين ومائة، وكان المهدي أتى المدينة في سنة ستين قبل الحج فأمر بقلع المقصورة وتسويتها مع المسجد، ولما كانت سنة سبع وأربعين ومائتين أمر أمير الْمُؤْمِنِين جَعْفَر المتوكل عَلَى اللَّه رحمه اللَّه بمرمة مَسْجِد المدينة، فحمل إليه فسيفساء كثير وفرغ منه في سنة سبع وأربعين ومائتين.
حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ حماد بن أبي حنيفة قال حدثنا مالك بْنُ أَنَسٍ، قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا يُفْتَحُ مِنْ مِصْرٍ أَوْ مَدِينَةٍ عَنْوَةً فَإِنَّ الْمَدِينَةَ فُتِحَتْ بِالْقُرْآنِ» . حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ الابلى قالت: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَشْهَبِ قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ أَنَّ

(1/17)


رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إِنَّ لِكَلِّ نَبِيٍّ حَرَمًا، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ مَكَّةَ مَا بَيْنَ حَرَّتَيْهَا لا يُخْتَلَى خَلاهَا وَلا يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلا يُحْمَلُ فِيهَا السِّلاحُ لِقِتَالٍ، فَمَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلا عَدْلٌ» وَحَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ المؤمن البصري المقري، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ «عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، وَأَنَا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، وَإِنِّي قَدْ حَرَّمْتُ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَجِدُ الظِّبَاءَ بِبُطْحَانٍ مَا عَانَيْتُهَا» وحدثنا سيبان بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ الْحُدَّانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ جَدِّهِ، وَكَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، وَكَانَتْ فِي يَدِهِ أَرْضٌ لآلِ مَظْعُونٍ بِالْحَرَّةِ، قَالَ. كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رُبَمَّا أَتَانِي نِصْفَ النَّهَارِ وَاضِعًا ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِهِ فَيْجَلِسُ إِلَيَّ وَيَتَحَدَّثُ عِنْدِي فَأَجِيئُهُ مِنَ الْقِثَّاءِ وَالْبَقْلِ، فَقَالَ لِي يَوْمًا لا تَبْرَحْ فَقَدِ اسْتَعْمَلْتُكَ عَلَى ما ههنا وَلا تَدَعَنَّ أَحَدًا يَخْبِطُ شَجَرَةً وَلا يعضدهَا يَعْنِي مِنْ شَجِرِ الْمَدِينَةِ، فَإِنْ وَجَدْتَ أَحَدًا يَفْعَلُ ذَلِكَ فَخُذْ حَبْلَهُ وَفَأْسَهُ، قَالَ قُلْتُ آخُذُ ثَوْبَهُ قَالَ لا.
وَحَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُودِ بْنُ الْقَتَّاتِ، قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي يَحْيَى الْمَدَنِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حَرَّمَ مِنَ الشَّجَرِ مَا بَيْنَ أُحُدٍ إِلَى عير «وأذن لصاحب الناضح فى الغضا وَمَا يُصْلِحُ بِهِ مَحَارِثَهُ وَعَرَبَهُ.
وَحَدَّثَنِي بَكْرُ بن الهيثم، قال حدثنا عبد الله بن صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ الله عنه يقول لرجل استعمله عن حِمَى الرَّبَذَةِ نَسِيَ بَكْرٌ اسْمَهُ اضْمُمْ جَنَاحَكَ عَنْ كُلِّ مُسْلِمٍ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا مُجَابَةٌ، وَأَدْخِلْ رَبَّ الصَّرِيمَةِ وَالْغَنِيمَةِ، وَدَعْنِي مِنْ نَعَمِ ابْنِ عَفَّانَ وَابْنِ عَوْفٍ فَإِنَّهُمَا إِنْ تهلك ماشيتهما

(1/18)


ترجعا إِلَى زَرْعٍ، وَإِنَّ هَذَا الْبَائِسَ إِنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُ يَجِيءُ فَيَصْرُخُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَالْكِلاءُ أَهْوَنُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَرْمِ الْمَالِ ذَهَبِهِ وَوَرِقِهِ، وَاللَّهِ إِنَّهَا لأَرْضُهُمْ قَاتَلُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَسْلَمُوا عَلَيْهَا فِي الإسلام وانهم ليرون أنى أظلمهم، ولولاء النعم التي تحمل عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا حَمَيْتُ عَنِ النَّاسِ مِنْ بِلادِهِمْ شَيْئًا أَبَدًا.
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بن سلام أبو عبيد، قال حدثني ابن أبى مريم، على الْعُمَرِيِّ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ حَمَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّقِيعَ لِخَيْلِ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ لِي أَبُو عُبَيْدٍ بالنون وقال النقيع فيه قاع زرق وهو الخندقون.
وَحَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَن أَبِيهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، أَنَّهُ وَجَدَ غُلامًا يَقْطَعُ الْحِمَى فَضَرَبَهُ وَسَلَبَهُ فَأْسَهُ، فَدَخَلَتْ مَوْلاتُهُ أَوِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِهِ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَشَكَتْ إِلَيْهِ سَعْدًا، فَقَالَ عُمَرُ رُدَّ الْفَأْسَ والثياب، أبا إسحاق رحاك، فَأَبَى وَقَالَ لا أُعْطِي غَنِيمَةً غَنَّمَنِيهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَقْطَعُ الْحِمَى فَاضْرِبُوهُ وَاسْلُبُوهُ، فَاتَّخَذَ مِنَ الْفَأْسِ مِسْحَاةً فَلَمْ يَزَلْ يَعْمَلُ بِهَا فِي أَرْضِهِ حَتَّى تُوُفِّيَ.
وَحَدَّثَنَا أبو الحسن المطائنى، عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ وَأَبِي مَعْشَرٍ، قَالَ لَمَّا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِظُرَيْبِ التعاويل مَقْدِمَهُ مِنْ غَزْوَةِ ذِي قَرَدٍ قَالَتْ لَهُ بَنُو حَارِثَةَ مِنَ الأنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ههنا مَسَارِحُ إِبِلِنَا، وَمَرْعَى غَنَمِنَا، وَمَخْرَجُ نِسَائِنَا، يَعْنُونَ مَوْضِعَ الْغَابَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَطَعَ شَجَرَةً فَلْيَغْرِسْ مَكَانَهَا وَدِيَّةً، فَغُرِسَتِ الْغَابَةُ. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حماد النرسي، قال حدثنا حماد بن سلمة، قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي وَادِي مَهْزُورٍ أَن يُحْبَسَ الْمَاءُ فِي الأَرْضِ الى الكعبين، فإذا بلغ الكبعبين أُرْسِلَ إِلَى الأُخْرَى، لا يَمْنَعُ الأَعْلَى الأَسْفَلَ. وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ

(1/19)


أَبِي إِسْرَائِيلَ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فى سبيل مَهْزُورٍ أَنَّ الأَعْلَى يُمْسِكُ عَلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ يُرْسِلُهُ عَلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْهُ، وَحَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ حَمَّادِ بن أبي حنيفة. قال حدثنا مالك بن أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَيْلِ مَهْزُورٍ وَمُذَيْنِيبٍ أَنْ يُحْبَسَ الْمَاءُ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ يُرْسَلَ الأَعْلَى عَلَى الأَسْفَلِ، قَالَ مَالِكٌ وَقَضَى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سَيْلِ بُطْحَانَ بِمِثْلِ ذَلِكَ. وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ الأسود العجلي، قال حدثنا يحيى بن آدم، قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ اخْتَصَمَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَهْزُورٍ وَادِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَقَضَى أَنَّ الْمَاءَ إِلَى الْكَعْبَيْنِ لا يَحْبِسْهُ الأَعْلَى عَلَى الأَسْفَلِ، وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ، قَالَ حَدَّثَنَا يحيى بن آدم قال حدثنا حفص ابن غياث، عن جعفر بن محمد عن أبيه قَالَ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَيْلِ مَهْزُورٍ أَنَّ لأَهْلِ النَّخْلِ إِلَى الْعَقِبَيْنِ، وَلأَهْلِ الزَّرْعِ إِلَى الشِّرَاكَيْنِ. ثُمَّ يُرْسِلُونَ الْمَاءَ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُمْ. وَحَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الدُّورِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بطحان على ترع مِنْ تُرَعِ الْجَنَّةِ. وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَدَائِنِيُّ أَبُو الْحَسَنِ عَنِ ابْنِ جُعْدُبَةَ وَغَيْرِهِ، قَالُوا أَشْرَفَتِ الْمَدِينَةُ عَلَى الْغَرَقِ في خلافة عُثْمَان من سيل مهزور حَتَّى اتخذ له عُثْمَان ردما قَالَ أَبُو الْحَسَن وجاء أيضا بماء مخوف عظيم في سنة ست وخمسين ومائة فبعث إليه عَبْد الصمد بْن علي بْن عَبْد اللَّهِ بْن العَبَّاس، وهو الأمير يومئذ، عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي سلمة العمري، فخرج وخرج الناس بعد صلاة العصر، وقد ملأ السيل صدقات رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدلتهم عجوز من أهل العالية عَلَى موضع كانت

(1/20)


تسمع الناس يذكرونه، فحفروه فوجد الماء منسربا، فغاص منه إِلَى وادي بطحان، قَالَ ومن مهزور إِلَى مذينيب شعبة يصب فيها. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانٍ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو هِلالٍ الرَّاسِبِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ:
«دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمَديِنَةِ وَأَهْلِهَا وَسَمَّاهَا طَيْبَةَ» ، وَحَدَّثَنِي أَبُو عُمَرَ حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الدُّورِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عباد عن هشام ابن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قالت لما هاجر رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ مَرِضَ الْمُسْلِمُونَ بِهَا، فَكَانَ مِمَّنِ اشْتَدَّ بِهِ مَرَضُهُ أَبُو بَكْرٍ، وَبِلالٌ وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضْيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ:
كَلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ ... وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ
وَكَانَ بِلالٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ:
أَلا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِفَخٍّ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ
وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مِجَنَّةٍ ... وَهَلْ تَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطُفَيْلُ
وَكَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ يَقُولُ:
لَقَدْ وَجَدْتُ الْمَوْتَ قَبْلَ ذَوْقِهِ ... إِنَّ الْجَبَانَ حَتْفُهُ مِنْ فَوْقِهِ
(كُلُّ امْرِئٍ مُجَاهِدٌ بِطَوْقِهِ) ... كَالثَّوْرِ يَحْمِي جِلْدَهُ بِرَوْقِهِ
قَالَ فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، فَقَالَ «اللَّهُمَّ طَيِّبْ لَنَا الْمَدِينَةَ كَمَا طَيَّبْتَ لَنَا مَكَّةَ وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّهَا وَصَاعِهَا» . حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، أَنَّ رَجُلا مِنَ الأنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ بْنَ العوام فى اشراج الْحَرَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلْ إِلَى جارك» وأخبرنى على الأثرم، عن أبى عبيدة، قال الاشراج مسايل الماء في الحرار، والحرة أرض مفروشة بصخر، قال وقال

(1/21)


الأصمعي، مسايل منَ الحرار إِلَى السهولة. حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ علي بن الأسود العجلي، قال حدثنا يحيى بْنُ آدَمَ، قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ العزيز، حدثنا هشام ابن عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَقْطَعَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْعَقِيقَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى أَرْضٍ فَقَالَ مَا أَقْطَعْتُ مِثْلَهَا، قَالَ خَوَّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ أَقْطِعْنِيهَا فَأَقْطَعَهُ إِيَّاهَا، وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ، قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَقْطَعَ عُمَرُ الْعَقِيقَ مَا بَيْنَ أَعْلاهُ إِلَى أَسْفَلِهِ، وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ، قَالَ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ خَرَجَ عُمَرُ يُقْطِعُ النَّاسَ وَخَرَجَ مَعَهُ الزُّبَيْرُ فجعل عُمَر يقطع حَتَّى مر بالعقيق، فقال أين المستقطعون مذ اليوم ما مررت بقطعة أجود منها، فقال الزبير أقطعنيها فاقطعه إياها.
وحدثني الْحُسَيْن، قَالَ حدثني يَحْيَى بْن آدم، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو معاوية الضرير، عن هشام بن عروة عن أبيه، قال أقطع عُمَر العقيق كله حَتَّى انتهى إِلَى قطيعة خوات بْن جبير الأنصاري، فقال أين المستقطعون، ما أقطعت اليوم أجود من هَذِهِ وَحَدَّثَنَا خلف بْن هِشَام البزار، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بكر ابن عياش، قَالَ حَدَّثَنَا هِشَام بْن عُرْوَة عن أبيه، قَالَ أقطع عُمَر بْن الخطاب خوات بْن جبير الأنصاري أرضا مواتا فاشتريناها منه، حدثني الحسين بن الأسود، قال حدثنا يحيى بن آدم عن أبي بكر بن عياش، عن هِشَام عن أبيه بمثله. وحدثني الْحُسَيْن، قَالَ حدثني يَحْيَى بْن آدم، حَدَّثَنَا أَبُو معاوية، عن هِشَام بْن عُرْوَة عن عُرْوَة، قَالَ أقطع أَبُو بكر الزبير ما بَيْنَ الجرف إِلَى قناة، وأخبرني أَبُو الْحَسَن المدائني، قَالَ قناة واد يأتي منَ الطائف ويصب إِلَى الأرحضية، وقرقرة الكدر، ثُمَّ يأتي سد معاوية ثُمَّ يمر عَلَى طرف القدوم ويصب في أصل قبور الشهداء بأحد. وَحَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، قَالَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ رَبِيعَةَ، عَنْ قَوْمٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ بِلالَ

(1/22)


ابن الْحَارِثِ الْمُزَنِيَّ مَعَادِنَ بِنَاحِيَةِ الْفَرْعِ. وَحَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ وَابْنُ سَهْمٍ الأنْطَاكِيُّ، قَالا حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ الأَنْطَاكِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي مَكِينٍ، عَنْ أَبِي عِكْرِمَةَ، مَوْلَى بِلالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ، قَالَ أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلالا أَرْضًا فِيهَا جَبَلٌ وَمَعْدِنٌ، فَبَاعَ بَنُو بِلالٍ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَرْضًا مِنْهَا فَظَهَرَ فِيهَا مَعْدِنٌ أَوْ قَالَ مَعْدِنَانِ، فَقَالُوا إِنَّمَا بِعْنَاكَ أَرْضَ حَرْثٍ وَلَمْ نَبِعْكَ الْمَعَادِنَ، وَجَاءُوا بِكِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ فِي جَرِيدَةٍ فَقَبَّلَهَا عُمَرُ وَمَسَحَ بِهَا عَيْنَهُ وَقَالَ لِقَيِّمِهِ: انْظُرْ مَا خَرَجَ مِنْهَا وَمَا أَنْفَقْتُ وَقَاصِّهِمْ بالنَّفَقَةِ وَرُدَّ عَلَيْهِمُ الْفَضْلَ. وَحَدَّثَنَا أبو عبيد، قال حدثنا نعيم ابن حَمَّادٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْحَارِثِ ابن بِلالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ بِلالِ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَهُ الْعَقِيقَ أَجْمَعَ وَحَدَّثَنِي مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ: قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلالَ بْنَ الْحَارِثِ مَعَادِنَ بِنَاحِيَةِ الْفَرْعِ لا اخْتِلافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ عُلَمَائِنَا، وَلا أَعْلَمُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا خِلافًا أَنَّ فِي الْمَعْدِنِ الزَّكَاةَ رُبُعُ الْعُشْرِ، قَالَ مُصْعَبٌ: وَرُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: فِي الْمَعَادِنِ الزَّكَاةُ، وَرَوَى عَنْهُ أَيْضًا قَالَ، فِيهَا الْخُمُسُ مِثْلُ قَوْلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَهُمْ يَأْخُذُونَ الْيَوْمَ مِنْ مَعَادِنِ الْفَرْعِ، وَنَجْرَانَ وَذِي الْمَرْوَةِ، وَوَادِي الْقُرَى، وَغَيْرِهَا الْخُمُسَ، عَلَى قَوْلِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ الأسود، قال حدثنا وكيع بن الجراح، قال حدثنا الحسن ابن صَالِحِ بْنِ حَيٍّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَقْطَعَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرْبعَ أَرْضِينَ الْفَقِيرَيْنِ، وَبِئْرَ قَيْسٍ، وَالشَّجَرَةَ. وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ عَنْ يحيى بن آدم عن الحسن بن صالح، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ مِثْلَهُ.
وحدثني عَمْرو بْن مُحَمَّد الناقد، قَالَ: حَدَّثَنَا حفَص بْن غياث، عن جعفر بن محمد

(1/23)


عن أبيه، أنه قَالَ: أقطع عُمَر بْن الخطاب عليا رضي اللَّه عنهما ينبع فأضاف إليها غيرها. وحدثني الْحُسَيْن، عن يَحْيَى بْن آدم، عن حفص بْن غياث، عن جَعْفَر بْن مُحَمَّد عن أبيه بمثله، وحدثني من أثق به، عن مصعب بْن عَبْد اللَّهِ الزبيري، أنه قَالَ: نسبت بئر عُرْوَة بْن الزبير إِلَى عُرْوَة بْن الزبير، ونسب حوض عَمْرو إِلَى عَمْرو بْن الزبير، ونسب خليج بنات نائلة إِلَى ولد نائلة بنت الفرافصة الكلبية امرأة عُثْمَان بْن عَفَّان، وكان عُثْمَان بْن عَفَّان رضي اللَّه عنه اتخذ هَذَا الخليج، وساقه إلى ارض استخرجها واعتملها بالعرضة، وأرض أَبِي هُرَيْرَةَ نسبت إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ الدوسي، والصهوة صدقة عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس رضي اللَّه عنهما في جبل جهينة وقصر نفيس ينسب فيما يقال إِلَى نفيس التاجر ابْن مُحَمَّد بْن زيد بْن عُبَيْد بْن المعلى بْن لوذان بْن حارثة بْن زيد منَ الخزرج وهم حلفاء بني ذريق بْن عَبْد حارثة منَ الخزرج وهذا القصر بحرة واقم بالمدينة واستشهد عُبَيْد بْن المعلى يوم أحد قَالَ ويقال إنه نفيس بْن مُحَمَّد بْن زيد بْن عُبَيْد بْن مرة مولى المعلى فإن عُبَيْدا هَذَا وأباه من سبى عين التمر ومات عُبَيْد بْن مرة أيام الحرة وكان يكنى أَبَا عَبْد اللَّهِ قَالَ: وبئر عائشة نسبت إِلَى عائشة بْن نمير بْن واقف. وعائشة رجل وهو منَ الأوس، وبئر المطلب عَلَى طريق العراق، نسبت إِلَى المطلب بْن عَبْد اللَّهِ بْن حنطب بْن الحارث بْن عُبَيْد بْن عُمَر بْن مخزوم، وبئر ابن المرتفع نسبت إِلَى مُحَمَّد بْن المرتفع بْن النضير العبدري.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شريك ابن عبد الله عن أَبِي نَمِرٍ اللَّيْثِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ مولى ميمونة بنت الحارث ابن حَزْنِ بْنِ بَحِيرٍ الْهِلالِيَّةِ قَالَ لَمَّا أَرَادَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يَتَّخِذَ السُّوقَ بِالْمَدِينَةِ قَالَ: هَذَا سُوقُكُمْ لا خَرَاجَ عَلَيْكُمْ فِيهِ، وحدثني العَبَّاس بْن

(1/24)


هِشَام الكلبي، عن أبيه عن جده، مُحَمَّد بْن السائب، وشرقي بْن القطامي الكلبي، قالا لما هدم بختنصر بيت المقدس، وأجلى من أجلى وسبى من سبى من بني إسرائيل لحق قوم منهم بناحية الحجاز فنزلوا وادي القرى، وتيماء ويثرب، وكان بيثرب قوم من جرهم، وبقية منَ العماليق قَدِ اتخذوا النخل والزرع، فأقاموا معهم وخالطوهم فلم يزالوا يكثرون وتقل جرهم والعماليق، حَتَّى نفوهم عن يثرب واستولوا عليها، وصارت عمارتها ومراعيها لهم فمكثوا عَلَى ذلك ما شاء اللَّه، ثُمَّ إن من كان باليمن من ولد سبأ ابن يشجب بْن يعرب بْن قحطان بغوا وطغوا وكفروا نعمة ربهم فيما آتاهم منَ الخصب ورفاهة العيش، فخلق اللَّه جرذانا جعلت تنقب سدا كان لهم بَيْنَ جبلين فيه أنابيب يفتحونها إذا شاءوا فيأتيهم الماء منها عَلَى قدر حاجتهم وإرادتهم، والسد العرم، فلم تزل تلك الجرذان تعمل في ذلك العرم حَتَّى خرقته، فأغرق اللَّه تعالى جنانهم، وذهب بأشجارهم وأبدلهم خمطا وأثلا وشيئا من سدر قليلا، فلما رأى ذلك مزيقيا، وهو عُمَر بْن عَامِر بْن حارثة بْن ثعلبة بْن امرئ القيس ابن مازن بْن الأزد بْن غوث بْن نبت بْن مَالِك بْن زيد بْن كهلان بْن سبأ ابن يشجب بْن يعرب بْن قحطان، باع كل شيء له من عقار وماشية وغير ذلك ودعا الأزد متى صاروا معه إلى بلادعك فأقاموا بها. وقال عَمْرو:
الانتجاع قبل العلم عجز، فلما رأت عك غلبة الأزد عَلَى أجود مواضعهم غمها ذلك، فقالت للأزد انتقلوا عنا، فقام رجل منَ الأزد أعور أصم يقال له جذع، فوثب بطائفة منهم فقتلهم ونشبت الحرب بَيْنَ الأزد وعك، فانهزمت الأزد ثُمَّ كرت فقال جذع في ذلك:
نحن بنو مازن غير شك ... غسان غسان وعك عك
سيعلمون أينا أرك
وكانت الأزد نزلت بماء يقال له غسان، فسموا بذلك، ثُمَّ إن الأزد

(1/25)


سارت حَتَّى انتهت إِلَى بلاد حكم بْن سَعْد العشيرة بْن مَالِك بْن أدد بْن زيد ابن يشجب بْن عريب بْن زيد بْن كهلان بْن سبأ بْن يشجب بْن يعرب بْن قحطان، فقاتلوهم فظهرت الأزد عَلَى حكم. ثُمَّ إنه بدا لهم الانتقال عن بلادهم فانتقلوا وبقيت طائفة منهم معهم، ثُمَّ أتوا نجران فحاربهم أهلها فنصروا عليهم فأقاموا بنجران ثُمَّ رحلوا عنها إلا قوم منهم تخلفوا بها لأسباب دعتهم إِلَى ذلك فأتوا مكة وأهلها جرهم فنزلوا بطن مر، وسأل ثعلبة بْن عَمْرو مزيقيا جرهم أن يعطوهم سَهْل مكة فأبوا، فقاتلهم حَتَّى غلب عَلَى السهل، ثُمَّ أنه والأزد استؤبوا مكانهم ورأوا شدة العيش به فتفرقوا. فأنت طائفة منهم عمان، وطائفة السراة وطائفة الأنبار والحيرة، وطائفة الشام، وأقامت طائفة منهم بمكة، فقال جذع! كلما صرتم يا معاشر الأزد إِلَى ناحية انخزعت منكم جماعة يوشك أن تكونوا أذنابا في العرب، فسمى من أقام بمكة خزاعة، وأتى ثعلبة بْن عَمْرو، مزيقيا وولده ومن تبعه يثرب، وسكانها اليهود فأقاموا بها خارج المدينة، ثُمَّ إنهم عفوا وكثروا وعزوا حَتَّى أخرجوا اليهود منها ودخلوها فنزلت اليهود خارجها، فالأوس والخزرج ابنا حارثة ابن ثعلبة بْن عَمْرو مزيقيا بْن عَامِر وأمهما قيلة بنت الأرقم بْن عَمْرو، ويقال أنها غسانية منَ الأزد ويقال أنها عذرية، وكانت للأوس والخزرج قبل الإِسْلام وقائع وأيام تدربوا فيها بالحروب واعتادوا اللقاء، حَتَّى شهر بأسهم، وعرفت نجدتهم، وذكرت شجاعتهم، وجل في قلوب العرب أمرهم، وهابوا حدهم فامتنعت حوزتهم وعز جارهم، وذلك لما أراد اللَّه من إعزاز نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإكرامهم بنصرته، قَالُوا ولما قدم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة كتب بينه وبين يهود يثرب كتابا، وعاهدهم عهدا، وكان أول من نقض ونكس منهم، يهود بني قينقاع، فأجلاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المدينة، وكان أول أرض افتتحها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرض بني النضير
.

(1/26)


أموال بني النضير
قَالَ: أتي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بني النضير من يهود ومعه أَبُو بكر، وعمر، وأسيد بْن حضير، فاستعانهم في دية رجلين من بني كلاب ابن ربيعة موادعين له كان عَمْرو بْن أمية الضمري قتلهما فهموا بأن يلقوا عَلَيْهِ رحا فانصرف عنهم وبعث إليهم يأمرهم بالجلاء عن بلده إذ كان منهم ما كان منَ الغدر والنكث، فأبوا ذلك وأذنوا بالمحاربة، فزحف إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم خمس عشرة ليلة، ثُمَّ صالحوه عَلَى أن يخرجوا من بلده، ولهم ما حملت الإبل إلا الحلقة والآلة ولرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرضهم ونخلهم والحلقة وسائر السلاح (والحلقة الدروع) فكانت أموال بني النضير خالصة لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان يزرع تحت النخل في أرضهم فيدخل من ذلك قوت أهله وأزواجه سنة، وما فضل جعله في الكراع والسلاح وأقطع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أرض بني النضير، أَبَا بكر، وعبد الرَّحْمَنِ بْن عوف، وأبا دجانة سماك ابن خرشة الساعدي وغيرهم، وكان أمر بني النضير في سنة أربعة منَ الهجرة، قَالَ الواقدي وكان مخيريق أحد بني النضير حبرا عالما، فآمن برسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجعل ماله له وهو سبعة حوائط، فجعلها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدقة، وهي الميثب والصافية والدلال، وحسنى، وبرقة، والأعوف، ومشربة أم إِبْرَاهِيم بْن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهي مارية القبطية.
حَدَّثَنَا القاسم بن سلام، قال حدثنا عبد الله بن صالح، قال أخبرنا الليث ابن سَعْدٍ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّ وَقِيعَةَ بَنِي النَّضِيرِ مِنْ يَهُودَ كَانَتْ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ، فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلُوا

(1/27)


عَلَى الْجَلاءِ وَعَلَى أَنَّ لَهُمْ مَا أَقَلَّتِ الإِبِلُ مِنَ الأَمْتِعَةِ إِلا الْحَلَقَةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فيهم (سَبَّحَ لِلَّهِ ما في السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) 59: 1- 2 إلى قوله (وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ) 59: 5 وحدثنا الحسين بن الأسود قال حدثنا يحيى بْن آدم، عَنِ ابْن أَبِي زائدة، عن محمد بن اسحق فى قوله (ما أَفاءَ الله عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ) 59: 6، قَالَ من بني النضير (فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى من يَشاءُ) 59: 6، قَالَ أعلمهم أنها لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خالصة دون الناس، فقسمها رَسُول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين إلا أن سَهْل بْن حنيف، وأبا دجانة ذكرا فقرا فأعطاهما، قَالَ وأما قوله (مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ) 59: 7 إِلَى آخر الآية، قَالَ: هَذَا قسم آخر بَيْنَ المسلمين عَلَى ما وصفه اللَّه. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ السَّمِينُ، قَالَ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بن محمد عن ابن جريح، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ أَحْرَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَعَ وفى ذلك يقول حسان ابن ثَابِتٍ:
لَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ ... حَرِيقٌ بالبويرة مستطير
قال ابن جريح وَفِي ذَلِكَ نَزَلَتْ (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ) 59: 5 «اللِّينَةُ النَّخْلَةُ» . وَحَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْد قَالَ حَدَّثَنَا حجاج، عن ابن جريح، عن موسى عن نافع، عَنِ ابْن عُمَر بمثله وقال أبو عمر الشيبانى، الراوية وغيره من الرواة أن هذا الشعر لأبى سفيان ابن الحارث بْن عَبْد المطلب وإنما هُوَ.
لعز على سراة بني لؤي ... حريق بالبويرة مستطير
ويروى بالبويلة. فأجابه حسان بْن ثابت فقال:
أدام اللَّه ذلكم حريقا ... وضرم في طوائفها السعير

(1/28)


هم أوتوا الكتاب فضيعوه ... فهم عمى عَنِ التوراة بور
وحدثني عَمْرو بْن مُحَمَّد الناقد، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن عيينة، عن معمر، عَنِ الزهري، عن مَالِك بْن أوس بْن الحدثان قَالَ: قَالَ عُمَر بْن الخطاب كانت أموال بني النضير مما أفاء اللَّه عَلَى رسوله ولم يوجف المسلمون عَلَيْهِ بخيل ولا ركاب فكانت له خالصة فكان ينفق منها عَلَى أهله نفقة سنة، وما بقي جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل اللَّه.
حدثنا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثُ صَفَايَا، مَالُ بَنِي النَّضِيرِ وَخَيْبَرَ، وَفَدَكَ، فَأَمَّا أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ فَكَانَتَ حَبْسًا لِنَوَائِبِهِ، وَأَمَّا فَدَكُ فَكَانَتْ لأَبْنَاءِ السَّبِيلِ، وَأَمَّا خَيْبَرُ فَجَزَّأَهَا ثَلاثَةَ أَجْزَاءٍ، فَقَسَّمَ جُزْأَيْنِ منها بين المسلمين وحبسر جُزْءًا لِنَفْسِهِ وَنَفَقَةِ أَهْلِهِ، فَمَا فَضَلَ مِنْ نَفَقَتِهِمْ رَدَّهُ إِلَى فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وَحَدَّثَنَا الْحُسَيْن بن الأسود، قال حدثنا يحيى بن آدم، قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنِ الزهري قَالَ. كانت أموال بني النضير مما أفاء اللَّه عَلَى رسوله ولم يوجف المسلمون عَلَيْهِ بخيل ولا ركاب فكانت لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خالصة فقسمها بَيْنَ المهاجرين ولم يعط أحدا منَ الأنصار منها شيئا إلا رجلين كانا فقيرين، سماك بْن خرشة أَبَا دجانة، وسهل بْن حنيف. وَحَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن عياش، أبى الْكَلْبِيِّ، قَالَ لَمَّا ظَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ، وَكَانُوا أَوَّلَ مَنْ أُجْلِيَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ من دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) 59: 2 وَالْحَشْرُ الْجَلاءُ، فَكَانَتْ مِمَّا لَمْ يُوجِفِ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلا رِكَابٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلأَنْصَارِ لَيْسَتْ لإخوانكم

(1/29)


مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَمْوَالٌ، فَإِنْ شِئْتُمْ قُسِّمَتْ هَذِهِ وأموالكم بينكم وبينهم جميعا، وإن شئتم أمسكتم أَمْوَالَكُمْ وَقُسِّمَتْ هَذِهِ فِيهِمْ خَاصَّةً، فَقَالُوا. بَلْ قَسِّمْ هَذِهِ فِيهِمْ وَاقْسِمْ لَهُمْ مِنْ أَمْوَالِنَا مَا شِئْتَ فَنَزَلَتْ (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) 59: 9 فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: جَزَاكُمُ اللَّهُ يَا مَعْشَرَ الأنصار خيرا، فو الله مَا مِثْلُنَا وَمِثْلُكُمْ إِلا كَمَا قَالَ الْغَنَوِيُّ
جَزَى اللَّهُ عَنَّا جَعْفَرًا حِينَ أُزْلِقَتْ ... بِنَا نَعْلُنَا فِي الْوَطْأَتَيْنِ فَزَلَّتْ
أَبَوْا أَنْ يَمَلُّونَا وَلَوْ أَنْ أُمَّنَا ... تُلاقِي الَّذِي يَلْقَوْنَ مِنَّا لَمَلَّتْ
فَذُو الْمَالِ مَوْفُورٌ وَكُلٌّ مُعَصَّب ... إِلَى حُجُرَاتٍ أَدْفَأَتْ وَأَظَلَّتْ
وَحَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ أَخْبَرَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ بَنِي النَّضِيرِ ذَاتَ نَخْلٍ. وَحَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ. وَأَقْطَعَ الزُّبَيْرَ. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ. كَاتِبُ الْوَاقِدِيِّ. قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ قَالا حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنِ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ الزُّبَيْرَ أَرْضًا مِنْ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ فِيهَا نَخْلٌ. وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَقْطَعَ الزُّبَيْرَ الْجَرْفَ.
قَالَ أَنَسٌ فِي حَدِيثِهِ أَرْضًا مَوَاتًا. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ فِي حَدِيثِهِ. وَإِنَّ عُمَرَ أَقْطَعَ الزُّبَيْرَ الْعَقِيقَ أَجْمَعَ.
أموال بني قريظة
قَالُوا حاصر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بني قريظة لليال من ذي القعدة وليال من ذي الحجة سنة خمس. فكان حصارهم خمس عشرة ليلة وكانوا ممن

(1/30)


أعان عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة الخندق، وهي غزوة الأحزاب ثُمَّ إنهم نزلوا عَلَى حكمه، فحكم فيهم سَعْد بْن معاذ الأوسي، فحكم بقتل من جرت عَلَيْهِ المواسي، وبسبي النساء والذرية، وأن يقسم ما لهم بَيْنَ المسلمين، فأجاز رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك، وقال: لقد حكمت بحكم اللَّه ورسوله.
حَدَّثَنِي عَبْدُ الواحد بن غياث، قال حدثنا حماد بن سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَرَغَ مِنَ الأحْزَابِ دَخَلَ مُغْتَسَلا لِيَغْتَسِلَ، فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ قَدْ وَضَعْتُمْ أَسْلِحَتَكُمْ وَمَا وَضَعْنَا أَسْلِحَتَنَا بَعْدُ، انْهَدْ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُ مِنْ خَلَلِ الْبَابِ، وَقَدْ عَصَبَ التُّرَابُ رَأْسَهُ.
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بن غياث، قال حدثنا حماد بن سلمة عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْخَطْمِيِّ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ السَّائِبِ أَنَّ بَنِي قُرَيْظَةَ عَرَضُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُحْتَلِمًا أَوْ قَدْ نَبَتَتْ عَانَتُهُ قُتِلَ، وَمَنْ لَمْ يَكُنِ احْتَلَمَ وَلا نَبَتَتْ عَانَتُهُ تُرِكَ.
وَحَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ هِشَامٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: عَاهَدَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ لا يُظَاهِرَ عَلَيْهِ أَحَدًا وَجَعَلَ اللَّهَ عَلَيْهِ كَفِيلا، فَلَمَّا أُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ قُرَيْظَةَ وَبِابْنِهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: لقد أوفى الكفل، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ وَعُنُقُ ابْنِهِ، حدثني بكر بن الهيثم، قال حدثنا عبد الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ، هَلْ كانت لبنى قريظة أرض، فقال سديد أَقْسَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى السِّهَامِ. وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ الأسود قال:
حدثنا يحيى بن آدم، عن أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْوَالَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَخَيْبَرَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ حَدَّثَنَا أَبُو عبيد القاسم بن سلام، قال: حدثنا عبد اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ،

(1/31)


كَاتِبُ اللَّيْثِ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاصَرَ بَنِي قُرْيَظَةَ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَقَضَى بأن تقتل رجالهم، وسبى ذَرَارِيُّهُمْ، وَتُقَسَّمَ أَمْوَالُهُمْ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ كَذَا وكذا رجلا.
غزوة خيبر
قَالُوا غزا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيبر في سنة سبع، فطاوله أهلها وماكثوه وقاتلوا المسلمين، فحاصرهم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قريبا من شهر، ثُمَّ إنهم صالحوه عَلَى حقن دمائهم، وترك الذرية عَلَى أن يجلوا ويخلوا بَيْنَ المسلمين وبين الأرض والصفراء والبيضاء والبزة، إلا ما كان منها عَلَى الأجساد وأن لا يكتموه شيئا، ثُمَّ قَالُوا لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إن لنا بالعمارة والقيام عَلَى النخل علما فأقرنا، فأقرهم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعاملهم عَلَى الشطر منَ الثمر والحب، وقال: أقركم ما أقركم اللَّه، فلما كانت خلافة عمر ابن الخطاب رضى الله عنه ظهر فيهم الوباء، وتعبثوا بالمسلمين، فأجلاهم عُمَر، وقسم خيبر بَيْنَ من كان له فيها سهم منَ المسلمين.
حدثني الحسين بن الأسود، قال: حدثنا يحيى بْنُ آدَمَ، قَالَ حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طُفَيْلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قال سألت بن شِهَابٍ عَنْ خَيْبَرَ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَتَحَهَا عَنْوَةً بَعْدَ الْقِتَالِ، وَكَانَتْ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَمَسَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَسَّمَهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَنَزَلَ مَنْ تَرَكَ مِنْ أَهْلِهَا عَلَى الْجَلاءِ، فَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُعَامَلَةِ فَفَعَلُوا. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الأعلى بن حماد النرسي، قال حدثنا حماد بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَتَى رسول الله صلى الله عليه

(1/32)


وَسَلَّمَ أَهْلَ خَيْبَرَ فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى أَلْجَأَهُمْ إِلَى قَصْرِهِمْ وَغَلَبَهُمْ عَلَى الأَرْضِ وَالنَّخْلِ وَصَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ يَحْقِنَ دِمَاءَهُمْ وَيُجْلُوا وَلَهُمْ مَا حَمَلَتْ رِكَابُهُمْ، وَلِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّفْرَاءُ وَالْبَيْضَاءُ وَالْحَلَقَةُ، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ لا يَكْتُمُوا، وَلا يُغَيِّبُوا شَيْئًا فَإِنْ فَعَلُوا فَلا ذِمَّةَ لَهُمْ وَلا عَهْدَ، فَغَيَّبُوا مَسْكًا فِيهِ مال وحلى لحيي ابن أَخْطَبَ، وَكَانَ احْتَمَلَهُ مَعَهُ إِلَى خَيْبَرَ حِينَ أجليت بنو النضير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لِسَعْيَةَ بْنِ عَمْرٍو مَا فَعَلَ مَسْكُ حُيَيٍّ الَّذِي جَاءَ بِهِ مِنْ قِبَلِ بَنِي النَّضِيرِ قَالَ أَذْهَبَتْهُ الْحُرُوبُ وَالنَّفَقَاتُ، قَالَ: الْعَهْدُ قَرِيبٌ، وَالْمَالُ كَثِيرٌ، وَقَدْ كَانَ حُيَيٌّ قُتِلَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْيَةَ إِلَى الزُّبَيْرِ فَمَسَّهُ بِعَذَابٍ، فَقَالَ رأيت حييا يطوف فى خربة ههنا، فَذَهَبُوا إِلَى الْخَرِبَةِ فَفَتَّشُوهَا فَوَجَدُوا الْمَسْكَ، فَقَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَيَّ أَبِي الْحَقِيقِ، وَأَحَدُهُمَا زَوْجُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَسَبَى نِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ، وَقَسَّمَ أَمْوَالَهُمْ للنَّكْثِ الَّذِي نَكَثُوا فَأَرَادَ أَنْ يُجْلِيَهُمْ عَنْهَا، فَقَالُوا دَعْنَا نَكُنْ فِي هَذِهِ الأَرْضِ نُصْلِحُهَا وَنَقُومُ عَلَيْهَا، وَلَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ غِلْمَانٌ يَقُومُونَ بِهَا، وَكَانُوا لا يَفْرُغُونَ لِلْقِيَامِ عَلَيْهَا بِأَنْفُسِهِمْ، فَأَعْطَاهُمْ رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر عَلَى أَنَّ لَهُمُ الشَّطْرَ مِنْ كُلِّ زَرْعٍ وَنَخْلٍ وَشَيْءٍ مَا بَدَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ يَأَتِيهُمْ فِي كُلِّ عَامٍ فَيَخْرُصُهَا عَلَيْهِمْ ثُمَّ يُضْمِنُهُمُ الشَّطْرَ، فَشَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِدَّةَ خَرْصِهِ وَأَرَادُوا أن يرشوه فقال با أَعْدَاءَ اللَّهِ أَتُطْعِمُونَنِي السُّحْتَ وَاللَّهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ وَأَنَّكُمْ لأَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ عِدَّتِكُمْ مِنَ الْقُرُودِ وَالْخَنَازِيرِ. وَلَنْ يَحْمِلَنِي بُغْضِي لَكُمْ وَحُبِّي إِيَّاهُ عَلَى أَنْ لا أَعْدِلَ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا بِهَذَا قَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ. قَالَ وَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَيْنِ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ خُضْرَةً فَقَالَ يَا صَفِيَةُ مَا هَذِهِ الْخُضْرَةُ

(1/33)


فقالت كان رأسى فى حجر ابن أَبِي الْحَقِيقِ وَأَنَا نَائِمَةٌ، فَرَأَيْتُ كَأَنَّ قَمَرًا وَقَعَ فِي حِجْرِي، فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ فَلَطَمَنِي، وَقَال أَتَمَنِّينَ مَلِكَ يَثْرِبَ، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْغَضَ النَّاسِ إِلَيَّ قَتْلَ زَوْجِي وَأَبِي وَأَخِي، فَمَا زَالَ يَعْتَذِرُ وَيَقُولُ إِنَّ أَبَاكِ أَلَبَّ عَلَى الْعَرَبِ وَفَعَلَ وَفَعَلَ حَتَّى ذَهَبَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِي، قَالَ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعْطِي كُلَّ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ ثَمَانِينَ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ كُلَّ عَامٍ، وَعِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ شَعِيرٍ مِنْ خَيْبَرَ، قَالَ نَافِعٌ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَاثُوا فِي الْمُسْلِمِينَ وَغَشُّوهُمْ وَأَلْقَوُا ابْنَ عُمَرَ مِنْ فَوْقِ بَيْتٍ وَفَدَغُوا يَدَيْهِ، فَقَسَّمَهَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ كَانَ شَهِدَ خَيْبَرَ مِنْ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ.
وَحَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الأسْوَدِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن آدم، عن زياد البكائي، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، قَالَ حَصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ خَيْبَرَ فِي حِصْنَيْهِمُ الوَطِيحِ وَسَلالِمَ، فَلَمَّا أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ سَأَلُوهُ أَنْ يُسَيِّرَهُمْ وَيَحْقِنَ دِمَاءَهُمْ فَفَعَلَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حَازَ الأمْوَالَ كُلَّهَا الشِّقَّ وَالنَّطَاةَ وَالْكُتَيْبَةَ وَجَمِيعَ حُصُونِهِمْ إِلا مَا كَانَ فِي هَذَيْنِ الْحِصْنَيْنِ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن الأسود قال حدثنا يحيى بن آدم، قال حدثنا عَبْد السلام بْن حرب، عن شعبة، عَنِ الحكم، عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي ليلى فى قوله تعالى: (وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً 48: 18) ، قال خيبر (وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها) 48: 21 فارس والروم.
حدثنا عمر والنقد، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَّمَ خَيْبَرَ عَلَى سِتَّةٍ وَثَلاثِينَ سَهْمًا وَجَعَلَ كُلَّ سَهْمٍ مِائَةَ سَهْمٍ فَعَزَلَ نِصْفَهَا لِنَوَائِبِهِ وَمَا يَنْزِلُ بِهِ وَقَسَّمَ النِّصْفَ الْبَاقِي بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ سَهْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا قسم الشق والنطاة وما حيز

(1/34)


معهما، وَكَانَ فِيمَا وَقَفَ الْكُتَيْبَةَ وَسَلالِمَ، فَلَمَّا صَارَتِ الأمْوَالُ فِي يَدَيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنَ الْعُمَّالِ مَنْ يَكْفِيهِ عَمَلُ الأَرْضِ فَدَفَعَهَا إِلَى الْيَهُودِ ويعملونها عَلَى نِصْفِ مَا خَرَجَ مِنْهَا فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَيَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وأبى بكر، فلما كان عمرو كثر الْمَالُ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ وَقَوُوا عَلَى عِمَارَةِ الأَرْضِ أَجْلَى الْيَهُودُ إِلَى الشَّامِ وَقَسَّمَ الأمْوَالَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.
حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا فَتَحَ خَيْبَرَ كَانَ سَهْمُ الْخُمُسِ مِنْهَا الكتيبة، وَكَانَ الشِّقُّ وَالنَّطَاةُ وَسَلالِمُ وَالْوَطِيحُ لِلْمُسْلِمينَ، فَأَقَرَّهَا فِي يَدِ يَهُودَ عَلَى الشَّطْرِ فَكَانَ مَا أَخْرَجَ اللَّهُ مِنْهَا لِلْمُسْلِمِينَ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ، حَتَّى كَانَ عُمَرُ فَقَسَّمَ رَقَبَةَ الأَرْضِ بَيْنَهُمْ عَلَى سِهَامِهِمْ. وَحَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: حَصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ خَيْبَرَ مَا بَيْنَ عِشْرِينَ لَيْلَةً إِلَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً.
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بن الأسود، قال: حدثنا يحيى بن آدم، قَالَ أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ يَحْيَى بن سعيد عن بشير بن يسار. أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَّمَ خَيْبَرَ عَلَى سِتَّةٍ وَثَلاثِينَ سَهْمًا، لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، لِمَا يَنُوبُهُ مِنَ الْحُقُوقِ، وَأَمَرَ النَّاسَ، وَالْوُفُودَ، وقسم ثمانية عشره سَهْمًا كُلَّ سَهْمٍ لِمِائَةِ رَجُلٍ. وَحَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قال حدثنا يحيى بن آدم. عن عبد السلام ابن حَرْبٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ سَمِعْتُ بَشِيرَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ قُسِّمَتْ سَهْمَانِ خَيْبَرَ على ستة وثلاثين سَهْمًا جَمَعَ كُلَّ سَهْمٍ مِائَةِ سَهْمٍ، فَكَانَ مِنْ ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ ثَمَانِيَةَ عَشَرِ سَهْمًا اقْتَسَمُوهَا بَيْنَهُمْ وَلِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ سَهْمِ أَحَدِهِمْ. وَثَمَانِيَةَ عَشَرِ سَهْمًا لِمَنْ نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّاسِ. وَالْوُفُودِ. وَمَا نَابَهُ.

(1/35)


حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ. وَالْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ، قَالا حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، قَالَ حَدَّثَنِي الْعُمَرِيُّ. عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
بَعَثَ ابْنَ رَوَاحَةَ إِلَى خَيْبَرَ، فَخَرَصَ عَلَيْهِمُ النَّخْلَ، ثُمَّ خَيَّرَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا أَوْ يَرُدُّوا، فَقَالُوا هَذَا الْحَقُّ وَبِهِ قَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ. وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ محمد، عن ابن جريح، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَالَحَ بَنِي أَبِي الْحَقِيقِ عَلَى أَنْ لا يَكْتُمُوا كَنْزًا، فَكَتَمُوهُ، فَاسْتَحَلَّ دِمَاءَهُمْ.
حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ أَنَّ أَهْلَ خَيْبَرَ أَخَذُوا الأَمَانَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. وَذَرَارِيِّهِمْ. عَلَى أَنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْحِصْنِ، قَالَ: وَكَانَ فِي الْحِصْنِ أَهْلُ بَيْتٍ فِيهِمْ شِدَّةٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُمْ: قَدْ عَرَفْتُ عَدَاوَتَكُمْ لِلَّهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلَنْ يَمْنَعَنِي ذَلِكَ مِنْ أَنْ أُعْطِيَكُمْ مَا أَعْطَيْتُ أَصْحَابَكُمْ، وَقَدْ أَعْطَيْتُمُونِي أَنَّكُمْ إِنْ كَتَمْتُمْ شَيْئًا حَلَّتْ لِي دِمَاؤُكُمْ، مَا فَعَلَتْ آنَيِتُكُمْ، قَالُوا اسْتَهْلَكْنَاهَا فِي حَرْبِنَا، قَالَ فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَتَوُا الْمَكَانَ الَّذِي هِيَ فيه فاستثناؤها ثُمَّ ضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ.
حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالا: حَدَّثَنَا هَشِيمٌ، قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ دَفَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر بِأَرْضِهَا وَنَخْلِهَا إِلَى أَهْلِهَا مُقَاسَمَةً عَلَى النِّصْفِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَشِيمُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَعْبِيِّ، قَالَ: دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ إِلَى أَهْلِهَا بِالنِّصْفِ، وَبَعَثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ لِخَرْصِ التمر- أو قال النخل- فحرص عَلَيْهِمْ وَجَعَلَ ذَلِكَ نِصْفَيْنِ. فَخَيَّرَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا أيهما شاءوا. فقالوا بهذا قامت السماوات

(1/36)


وَالأَرْضُ، وَحَدَّثَنَا بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي يُوسُفَ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ، عَنْ مُسْلِمٍ الأَعْوَرِ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ قَالَ لأَهْلِ خَيْبَرَ، إِنْ شِئْتُمْ خَرَصْتُ وَخَيَّرْتُكُمْ، وَإِنْ شِئْتُمْ خَرَصْتُمْ وَخَيَّرْتُمُونِي فَقَالُوا: بِهَذَا قَامَتِ السَّمَوَاتُ والأرض وحدثنا القسم بن سلام، قال: حدثنا عبد الله بن صالح المصري، عن ليث ابن سَعْدٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَحَ خَيْبَرَ عَنْوَةً بَعْدَ قِتَالٍ، فَخَمَسَهَا، وَقَسَّمَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ النَّرْسِيُّ، قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، فَفَحَصَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى أَتَاهُ الثَّلْجُ وَالْيَقِينُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ فَأَجْلَى يَهُودَ خَيْبَرَ.
حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ أَشْيَاخِهِ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَطْعَمَ مِنْ سَهْمِهِ بِخَيْبَرَ طعْمًا فَجَعَلَ لِكَلِّ امرأة من نسائه ثمانين وسقا من تمر، وَعِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ شَعِيرٍ، وَأَطْعَمَ عَمَّهُ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِائَتَيْ وَسْقٍ، وَأَطْعَمَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَغَيْرَهُمْ وَأَطْعَمَ بَنِي الْمُطَّلِبِ بْنَ عَبْدِ مَنَافٍ أَوْسَاقًا مَعْلُومَةً، وَكَتَبَ لَهُمْ بِذَلِكَ كِتَابًا ثَابِتًا وحدثني الوليد، عَنِ الوافدي عن أفلح بْن حميد. عن أبيه. قال: ولاني عمر ابن عَبْد الْعَزِيزِ الكتيبة فكنا نعطي ورثة المطعمين. وكانوا محصين عندنا وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ السَّمِينُ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ لَيْثٍ عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ أَهْلَهَا بِالشَّطْرِ فَكَانَتْ فِي أَيْدِيهِمْ حَيَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ، وَصَدْرًا مِنْ خِلافَةِ عُمَرَ ثُمَّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَتَاهُمْ فِي حَاجَةٍ فَبَيَّتُوهُ فَأَخْرَجَهُمْ مِنْهَا وَقَسَّمَهَا بَيْنَ

(1/37)


مَنْ حَضَرَهَا مِنَ الْمُسْلِمينَ وَجَعَلَ لأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا نَصِيبًا وَقَالَ أَيَّتُكُنَّ شَاءَتْ أَخَذَتِ الثَّمَرَةَ وَأَيَّتُكُنَّ شَاءَتْ أَخَذَتِ الضَّيْعَةَ فَكَانَتْ لَهَا وَلِوَرَثَتِهَا. وحدثني الْحُسَيْن بْن الأسود. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر بْن عياش عن الكلبي، عن أبي صالح عن ابن عَبَّاس قَالَ: قسمت خيبر عَلَى ألف وخمسمائة سهم وثمانين سهما. وكانوا ألفا وخمسمائة وثمانين رجلا. الَّذِينَ شهدوا الحديبية منهم ألف وخمسمائة وأربعون. والَّذِينَ كانوا مع جَعْفَر بْن أبي طالب بأرض الحبشة أربعون رجلا.
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بن الأسود. قال حدثني يحيى بن آدم قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّبَيْرَ أَرْضًا بِخَيْبَرَ فيها نخل وشجر.
فتح فدك
قَالُوا: بعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أهل فدك منصرفه من خيبر محيصة بْن مَسْعُود الأنصاري يدعوهم إِلَى الإسلام. ورئيسهم رجل منهم، يقال له يوشع بْن نون اليهودي، فصالحوا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نصف الأرض بتربتها فقيل ذلك منهم، فكان نصف فدك خالصا لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأنه لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، وكان يصرف ما يأتيه منها إِلَى أبناء السبيل. ولم يزل أهلها بها إِلَى أن استخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وأجلى يهود الحجاز فوجه أَبَا الهيثم مَالِك بْن التيهان- ويقال النيهان- وسهل بْن أَبِي حثمة، وزيد بْن ثابت الأنصاريين. فقوموا بصف تربتها بقيمة عدل. فدفعها إِلَى اليهودي وأجلاهم إلى الشام.

(1/38)


حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ. عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ أَهْلَ فَدَكَ صَالَحُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نِصْفِ أَرْضِهِمْ وَنَخْلِهِمْ. فَلَمَّا أَجْلاهُمْ عُمَرُ بَعَثَ مَنْ أَقَامَ لَهُمْ حَظَّهُمْ مِنَ النَّخْلِ وَالأَرْضِ فَأَدَّاهُ إِلَيْهِمْ.
حدثني بكر بْن الهيثم،: حدثنا عبد الرزاق، عن معمرى عَنِ الزهري أن عُمَر بْن الخطاب أعطى أهل فدك قيمة نصف أرضهم وتخلهم.
حدثنا الحسين بن الأسود قال: حدثنا يحيى بْنُ آدَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ. عَنِ الزُّهْرِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ. وبعض ولد محمد بن مسلمة قَالُوا: بَقِيَتْ بَقِيَّةٌ مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ تَحَصَّنُوا وَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْقِنَ دِمَاءَهُمْ وَيُسَيِّرَهُمْ فَسَمِعَ بِذَلِكَ أَهْلُ فَدَكَ فَنَزَلُوا عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، وَكَانَتْ فَدَكُ لِرَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً لأَنَّهُ لَمْ يُوجِفِ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهَا بِخَيْلٍ وَلا رِكَابٍ.
وَحَدَّثَنَا الْحُسَيْن عن يَحْيَى بن آدم عن زياد البكائي عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر بنحوه وزاد فيه، وكان فيمن مشى بينهم محيصة ابن مَسْعُود.
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ أسامة بن زيد عن ابن شهاب عن مالك بن أوسى بْنِ الْحَدَثَانِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثُ صَفَايَا فَكَانَتْ أَرْضُ بَنِي النَّضِيرِ حَبْسًا، وَكَانَتْ لِنَوَائِبِهِ، وَجَزَّأَ خَيْبَرَ عَلَى ثَلاثَةِ أَجْزَاءٍ وَكَانَتْ فَدَكُ لأَبْنَاءِ السَّبِيلِ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعِجْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بن عيسى عن أسامة ابن زَيْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلْنَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ يَسْأَلْنَهُ مَوَارِيثَهُنَّ مِنْ سَهْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ وَفَدَكَ، فَقَالَتْ لَهُنَّ عَائِشَةُ أَمَا تَتَّقِينَ اللَّهَ، أَمَا سَمِعْتُنَّ

(1/39)


رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لا نُوَرَّثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ إِنَّمَا هَذَا الْمَالُ لآلِ مُحَمَّدٍ، لِنَائِبَتِهِمْ وَضَيْفِهِمْ، فَإِذَا مِتُّ فَهُوَ إِلَى وَالِي الأَمْرِ بَعْدِي، قَالَ: فَأَمْسَكْنَ» حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الدورقي، حَدَّثَنَا صفوان بْن عِيسَى الزهري عن أسامة عَنِ ابْن شهاب عن عُرْوَة بمثله. حدثني إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد عن عرعرة عن عَبْد الرزاق عن معمر عَنِ الكلبي، أن بني أمية اصطفوا فدك وغيروا سنة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها، فلما ولي عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ رضي اللَّه عنه ردها إِلَى ما كانت عَلَيْهِ.
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَيْمُونٍ الْمُكْتِبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ عَيَّاضٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ جَعْوَنَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَتْ فَاطِمَةُ لأَبِي بَكْرٍ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ لِي فَدَكَ فأعطنى إياها وَشَهِدَ لَهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَسَأَلَهَا شَاهِدًا آخَرَ فَشَهِدَتْ لَهَا أُمُّ أَيْمَنَ، فَقَالَ قَدْ عَلِمْتِ يَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ لا تَجُوزُ إِلا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وامرأتين فانصرفت. وو حدثني رَوْحٌ الْكَرَابِيسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ رَجُلٍ حَسِبَهُ رَوْحٌ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ أَنَّ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ لأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَعْطِنِي فَدَكَ فَقَدْ جَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِي فَسَأَلَهَا الْبَيِّنَةَ فَجَاءَتْ بِأُمِّ أَيْمَنَ وَرَبَاحٍ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَهِدَا لَهَا بِذَلِكَ فَقَالَ إِنَّ هَذَا الأَمْرَ لا تَجُوزُ فِيهِ إِلا شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَائِشَةَ التَّيْمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ بَاذَامٍ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّ فَاطِمَةَ بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أَتَتْ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَتْ لَهُ مَنْ يَرِثُكَ إِذَا مِتُّ قَالَ وَلَدِي وَأَهْلِي، قَالَتْ فَمَا بَالُكَ وَرَثْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَنَا، فَقَالَ يَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا وَرَثْتُ أَبَاكِ ذَهَبًا وَلا فِضَّةً وَلا كَذَا وَلا كذا.

(1/40)


فَقَالَتْ سَهْمُنَا بِخَيْبَرَ وَصَدَقَتُنَا فَدَكُ، فَقَالَ يَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «إِنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ أطعمنها اللَّهُ حَيَاتِي فَإِذَا مِتُّ فَهِيَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ» . حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مُغِيرَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ جَمَعَ بَنِي أُمَيَّةَ فَقَالَ: إِنَّ فَدَكَ كَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ يُنْفِقُ مِنْهَا، وَيَأْكُلُ، وَيَعُودُ عَلَى فُقَرَاءِ بَنِي هَاشِمٍ، وَيُزَوِّجُ أَيِّمَهُمْ وَأَنَّ فاطمة سألته أن يهبها لها فلب، فَلَمَّا قُبِضَ عَمِلَ أَبُو بَكْرٍ فِيهَا كَعَمَلِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وَلِيَ عُمَرُ فَعَمِلَ فِيهَا بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ رَدَدْتُهَا إِلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ.
حَدَّثَنَا سريج بْن يونس، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم عن أيوب عَنِ الزهري في قول اللَّه تعالى (فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ من خَيْلٍ وَلا رِكابٍ 59: 6) ، قَالَ هَذِهِ قرى عربية لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدك وكذا وكذا.
حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ لا أَدْرِي ذَكَرَهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَمْ لا، قَالَ أَجْلَى عُمَرُ يَهُودَ خَيْبَرَ فَخَرَجُوا مِنْهَا، فَأَمَّا يَهُودُ فَدَكَ فَكَانَ لَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرَةِ وَنِصْفُ الأَرْضِ لأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَالَحَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَأَقَامَ لَهُمْ عُمَرُ نِصْفَ الثَّمَرَةِ وَنِصْفَ الأَرْضِ مِنْ ذَهَبٍ وَوَرِقٍ وَأَقْتَابٍ ثُمَّ أَجْلاهُمْ. وَحَدَّثَنِي عَمْرُو النَّاقِدُ، قال حدثني الحجاج بن أبي منيع الرصافي، عن أبيه عن أَبِي برقان، أن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ لما ولي الخلافة خطب، فقال: إن فدك كانت مما أفاء اللَّه عَلَى رسوله، ولم يوجف المسلمون عَلَيْهِ بخيل ولا ركاب، فسألته إياها فاطمة رحمها اللَّه تعالى، فقال: ما كان لك أن تسأليني وما كان لي أن أعطيك فكان يضع ما يأتيه منها في أبناء السبيل، ثُمَّ ولى أبو بكر وعمرو عثمان وعلى

(1/41)


رضي اللَّه عنهم فوضعوا ذلك بحيث وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ولي معاوية فأقطعها مروان بْن الحكم فوهبها مروان لأبي ولعبد الملك فصارت لي وللوليد وسليمان، فلما ولي الوليد سألته حصته منها فوهبها لي وسألت سُلَيْمَان حصته منها فوهبها لي فاستجمعتها وما كان لي من مال أحب إلي منها، فاشهدوا أني قَدْ رددتها إِلَى ما كانت عَلَيْهِ، ولما كانت سنة عشر ومائتين أمر أمير الْمُؤْمِنِين المأمون، عَبْد اللَّهِ بْن هارون الرشيد فدفعها إِلَى ولد فاطمة وكتب بذلك إِلَى قثم بْن جَعْفَر عامله عَلَى المدينة، أما بعد، فإن أمير الْمُؤْمِنِين بمكانه من دين اللَّه. وخلافة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والقرابة به أولى منَ استن سنته، ونفذ أمره وسلم لمن منحه منحة وتصدق عَلَيْهِ بصدقة منحته وصدقته، وبالله توفيق أمير المؤمنين وعصمته، وإليه في العمل بما يقربه إليه رغبته، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى فاطمة بنت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدك وتصدق بها عليها، وكان ذلك أمرا ظاهرا معروفا لاختلاف فيه بَيْنَ آل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه، ولم تزل تدعي منه ما هُوَ أولى به من صدق عَلَيْهِ فرأى أمير الْمُؤْمِنِين أن يردها إِلَى ورثتها ويسلمها إليهم تقربا إِلَى اللَّه تعالى بإقامة حقه وعدله وإلى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتنفيذ أمره وصدقته، فأمر بإثبات ذلك في دواوينه والكتاب به إِلَى عماله، فلأن كان ينادى في كل موسم بعد أن قبض اللَّه نبيه صلى اللَّه عَلَيْهِ أن يذكر كل من كانت له صدقة أو وهبة أو عدة ذلك فيقبل قوله وينفذ عدته، أن فاطمة رضي اللَّه عنها لأولى بأن يصدق قولها فيما جعل رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لها، وقد كتب أمير الْمُؤْمِنِين إِلَى المبارك الطبري مولى أمير الْمُؤْمِنِين يأمره برد فدك عَلَى ورثة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بحدودها وجميع حقوقها المنسوبة إليها وما فيها من الرقيق

(1/42)


والغلات وغير ذلك وتسليمها إِلَى مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن الْحُسَيْن بْن زيد بْن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وَمُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ بْن الْحَسَن بْن على بن الحسين ابن علي بْن أَبِي طالب لتولية أمير الْمُؤْمِنِين إياهما القيام بها لأهلها فاعلم ذلك من رأى أمير الْمُؤْمِنِين وما ألهمه اللَّه من طاعته ووفقه له منَ التقرب إليه وإلى رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واعلمه من قبلك، وعامل محمد بن يحيى ومحمد ابن عَبْد اللَّهِ بما كنت تعامل به المبارك الطبري، وأعنهما عَلَى ما فيه عمارتها ومصلحتها ووفور غلاتها إن شاء اللَّه والسلام» وكتب يوم الأربعاء لليلتين خلتا من ذي القعدة سنة عشر ومائتين، فلما استخلف المتوكل عَلَى اللَّه رحمه اللَّه أمر بردها إِلَى ما كانت عَلَيْهِ قبل المأمون رحمه اللَّه.
أمر وادي القرى وتيماء
قَالُوا: أتى رَسُول اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منصرفه من خيبر وادي القرى فدعى أهلها إِلَى الإسلام فامتنعوا من ذلك وقاتلوا، ففتحها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنوة وغنمه اللَّه أموال أهلها وأصاب المسلمون منهم أثاثا ومتاعا فخمس رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك وترك النخل والأرض في أيدي اليهود وعاملهم عَلَى نحو ما عامل عَلَيْهِ أهل خيبر، فقيل أن عُمَر أجلى يهودها وقسمها بَيْنَ من قاتل عليها، وقيل: أنه لم يجلهم لأنها خارجة منَ الحجاز، وهي اليوم مضافة إِلَى عمل المدينة وأعراضها.
وأخبرني عدة من أهل العلم: أن رفاعة بْن زيد الجذامي كان أهدى لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غلاما يقال له مدعم، فلما كانت غزاة وادي القرى أصابه سهم غرب وهو يحط رحل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقيل: يا رَسُول اللَّهِ هنيئا لغلامك أصابه سهم فاستشهد فقال: كلا ان الشعلة التي أخذها من المغانم يوم خيبر لتشتمل عليه نارا.

(1/43)


حدثنا شيبان بن فروخ، قال: حدثنا أبو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتُشْهِدَ فَتَاكَ فُلانٌ، فَقَالَ: إِنَّهُ يُجَرُّ إِلَى النَّارِ فِي عَبَاءَةٍ غَلَّهَا. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَنِيئًا لَكَ اسْتُشْهِدَ فَتَاكَ فُلانٌ فَقَالَ بَلْ هُوَ يُجَرُّ إِلَى النَّارِ فِي عَبَاءَةٍ غَلَّهَا. قالوا: ولما بلغ أهل تيماء ما وطئ به رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل وادي القرى صالحوه عَلَى الجزية فأقاموا ببلادهم وأرضهم في أيديهم وولى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم عمرو بن سعيد بن العاصي بْن أمية وادي القرى، وولى يزيد بْن أَبِي سُفْيَان بعد الفتح، وكان إسلامه يوم فتح تيماء وحدثني عَبْد الأعلى بْن حَمَّاد النرسي، قال: حدثنا حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد عن إسماعيل بن حكيم عن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ أن عُمَر بْن الخطاب أجلى أهل فدك وتيماء وخيبر، قَالَ وكان قتال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل وادي القرى في جمادى الآخر سنة سبع.
حَدَّثَنِي العَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمْزَةَ بْنَ النُّعْمَانِ بْنِ هَوْذَةَ الْعُذْرِيَّ رَمْيَةَ سَوْطِهِ مِنْ وَادِي الْقُرَى، وَكَانَ سَيِّدَ بَنِي عُذْرَةَ، وَهُوَ أَوَّلُ أَهْلِ الْحِجَازِ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَدَقَةِ بَنِي عُذْرَةَ وحدثني عَلي بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ مولى قريش عَنِ العَبَّاس بْن عَامِر عن عمه، قَالَ أتى عَبْد الملك بْن مروان يزيد بْن معاوية فقال يا أمير الْمُؤْمِنِين إن أمير الْمُؤْمِنِين معاوية كان ابتاع من بعض اليهود أرضا وادي القرى، وأحيا إليها أرضا. وليست لك بذلك المال عناية. فقد ضاع وقلت

(1/44)


غلته فاقطعنيه فإنه لا خطر له، فقال يزيد: إنا لا نبخل بكبير ولا نخدع عن صغير فقال يا أمير المؤمنين: غلته كذا، قَالَ: هُوَ لك، فلما ولى قَالَ يزيد: هذا الذي يقال انه بلى بعدنا فان بكن ذلك حقا فقد صانعناه وإن يكن باطلا فقد وصلناه
فتح مكة المكرمة
قَالُوا: لما قاضى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قريشا عام الحديبية وكتب القضية عَلَى الهدنة، وأنه من أحب أن يدخل في عهد مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل ومن أحب أن يدخل في عهد قريش دخل وأنه من أتى قريشا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يردوه ومن أتاه منهم ومن حلفائهم رده قام من كان من كنانة فقالوا ندخل في عهد قريش ومدتها وقامت خزاعة فقالت ندخل في عهد مُحَمَّد وعقده وقد كان بَيْنَ عَبْد المطلب وخزاعة حلف قديم فلذلك قَالَ عَمْرو بْن سالم بْن حصيرة الخزاعي.
لاهم اني ناشد محمدا ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا
ثم ان رجلا من خذاعة سمع رجلا من كنانة ينشد هجاء في رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوثب عَلَيْهِ فشجه فهاج ذلك بينهم الشر والقتال، وأعانت قريش بنى كنانة، وخرج منهم رجال معهم فبيتوا خزاعة فكان ذلك مما نقضوا العهد والقضية، وقدم عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرو بْن سالم بْن حصيرة الخزاعي يستنصر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدعاه ذلك إِلَى غزو مكة.
وَحَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، قَالَ: حدثنا عثمان بن صالح، عن بْنِ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ، قَالَ: فَهَادَنَتْ قُرَيْشٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ يَأْمَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى الأَغْلالِ وَالأَسْلالِ- أَوْ قَالَ أَرْسَالِ- فَمَنْ قَدِمَ مَكَّةَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا أَوْ مُجْتَازًا إِلَى الْيَمَنِ وَالطَّائِفِ فَهُوَ آمن

(1/45)


وَمَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَامِدًا إِلَى الشَّامِ وَالْمَشْرِقِ فَهُوَ آمِنٌ، قَالَ:
فَأَدْخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَهْدِهِ بنى كعب، وأدخلت قُرَيْشٌ فِي عَهْدِهَا حُلَفَاءَهَا مِنْ بَنِي كِنَانَةَ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ بَنِي بَكْرٍ مِنْ كِنَانَةَ كَانُوا فِي صُلْحِ قُرَيْشٍ وَكَانَتْ خُزَاعَةُ فِي صُلْحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاقْتَتَلَتْ بَنُو بَكْرٍ وَخُزَاعَةُ بِعَرَفَةَ، فَأَمَدَّتْ قُرَيْشٌ بَنِي بكر بالسلاح وسقوهم الماء وظللوهم، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: نَكَثْتُمُ الْعَهْدَ فَقَالُوا مَا نَكَثْنَا وَاللَّهِ مَا قَاتَلْنَا إِنَّمَا مَدَدْنَاهُمْ وَسَقَيْنَاهُمْ وَظَلَلْنَاهُمْ، فَقَالُوا لأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ: انْطَلِقْ فَأجد الْحِلْفَ وَأَصْلِحْ بَيْنَ النَّاسِ فَقَدِمَ أَبُو سُفْيَانَ الْمَدِينَةَ فَلَقِيَ أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَجِدَّ الْحِلْفَ وَأَصْلِحْ بَيْنَ النَّاسِ فَقَالَ عُمَرُ: قَطَعَ اللَّهُ مِنْهُ مَا كَانَ مُتَّصِلا، وَأَبْلَى مَا كَانَ جَدِيدًا، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ تَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ شَاهِدَ عَشِيرَةٍ شَرًّا مِنْكَ، فَانْطَلَقَ إِلَى فَاطِمَةَ فَقَالَتْ: الْقَ عَلِيًّا فَلَقِيَهُ فَذَكَرَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَنْتَ شَيْخُ قُرْيَشٍ وَسِيِّدُهَا فَأَجِدَّ الْحِلْفَ وَأَصْلِحْ بَيْنَ النَّاسِ، فَضَرَبَ أَبُو سُفْيَانَ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ، وَقَالَ: قَدْ جَدَّدْتُ الْحِلْفَ وَأَصْلَحْتُ بَيْنَ النَّاسِ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ قَدْ أَقْبَلَ وَسَيَرْجِعُ رَاضِيًا بِغَيْرِ قَضَاءِ حَاجَةٍ فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ أَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ، فَقَالُوا تَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا أَحْمَقَ مِنْكَ مَا جِئْتَنَا بِحَرْبٍ فنحذر ولا بسلم فتأمن، وَجَاءَتْ خُزَاعَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَكَوْا مَا أَصَابَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي قَدْ أَمَرْتُ بِإِحْدَى الْقَرْيَتَيْنِ مَكَّةَ أَوِ الطَّائِفِ وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَسِيرِ فَخَرَجَ فِي أَصْحَابِهِ وَقَالَ «اللَّهُمَّ اضْرِبْ عَلَى آذَانِهِمْ فَلا يَسْمَعُوا حَتَّى نَبْغِتَهُمْ بَغْتَةً» وَأَغْذِ الْمَسِيرَ حَتَّى نَزَلَ مَرَّ الظَّهْرَانِ، وَقَدْ كَانَتْ قُرَيْشٌ قَالَتْ لأَبي سُفْيَانَ: ارْجِعْ، فَلَمَّا بَلَغَ مر الظَّهْرَانِ وَرَأَى النِّيرَانَ وَالأَخْبِيَةَ،

(1/46)


قَالَ: مَا شَأْنُ النَّاسِ، كَأَنَّهُمْ أَهْلُ عَشِيَّةِ عَرَفَةَ، وَغَشِيَتْهُ خُيُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذُوهُ أَسِيرًا فَأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَاءَ عُمَرُ فَأَرَادَ قَتْلَهُ فَمَنَعَهُ العَبَّاسُ وَأَسْلَمَ، فَدَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ صَلاةِ الصُّبْحِ تَحَشْحَشَ النَّاسُ وُضُوءًا لِلصَّلاةِ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ: مَا شَأْنُهُمْ يُرِيدُونَ قَتْلِي. قَالَ: لا وَلَكِنَّهُمْ قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ، فَلَمَّا دَخَلُوا فِي صَلاتِهِمْ رَآهُمْ إذا ركع رسول اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكَعُوا، وَإِذَا سَجَدَ سَجَدُوا فَقَالَ: تَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ طَوَاعِيَةً قَوْمٌ جاءوا من ههنا وههنا وَلا فَارِسَ الْكِرَامَ وَلا الرُّومَ ذَاتَ الْقُرُونِ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْعَثْنِي إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ أَدْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ، فَلَمَّا بَعَثَهُ أَرْسَلَ فِي أَثَرِهِ وَقَالَ: رُدُّوا عَلَى عَمِّي لا يَقْتُلُهُ الْمُشْرِكُونَ، فَأَبَى أَنْ يَرْجِعَ حَتَّى أتى مكة، فقال أى قوم اسلموا تسلموا أتيتم أتيتم وَاسْتَبْطَنْتُمُ بَأَشْهُبِ بَازِلٍ، هَذَا خَالِدٌ بِأَسْفَلِ مَكَّةَ، وَهَذَا الزُّبَيْرُ بِأَعْلَى مَكَّةَ، وَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وخزاعة، فقال قُرَيْشٌ: وَمَا خُزَاعَةٌ الْمُجَدَّعَةُ الأَنُوفُ.
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الواحد بن غياث، قال: حدثنا حماد بن سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ قَائِلَ خُزَاعَةَ، قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم:
لاهم اني ناشد محمدا ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا
فَانْصُرْ هَدَاكَ اللَّهُ نَصْرًا أَيِّدَا ... وَادْعُ عِبَادَ اللَّهِ يَأَتُوا مَدَدَا
قَالَ حَمَّادٌ: فَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ خُزَاعَةَ نَادَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَغْتَسِلُ فَقَالَ لَبَّيْكُمْ، وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ وَغَيْرُهُ، تَسَلَّحَ قَوْمٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَقَالُوا: لا يَدْخُلُهَا مُحَمَّدٌ إِلا عَنْوَةً، فَقَاتَلَهُمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ أَمَرَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدُّخَولِ،

(1/47)


فَقَتَلَ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ رَجُلا مِنْ قُرَيْشٍ، وَأَرْبَعَةَ نفرا مِنْ هُذَيْلٍ، وَيُقَالُ:
قَتَلَ يَوْمَئِذٍ ثَلاثَةً وَعِشْرِينَ رجلا من قريش، وانهزم الباقون فاعتصموا برؤوس الْجِبَالِ وَتَوَغَّلُوا فِيهَا وَاسْتُشْهِدَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ كَرْزُ بْنُ جَابِرٍ الْفِهْرِيُّ، وَخَالِدٌ الأَشْعَرُ الْكَعْبِيُّ، وَقَالَ هشام ابن الكلبي: هو حبيشّ الأشعر ابن خالد الكعبي مِنْ خُزَاعَةَ.
وَحَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ الأُبَلِّيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ، قَالَ، وَفَدْتُ إِلَى وُفُودِ مُعَاوِيَةَ وَذَلِكَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَكَانَ بَعْضُنَا يَصْنَعُ لِبَعْضٍ الطَّعَامَ، وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِمَّا يُكْثِرُ أَنْ يَدْعُوَنَا إِلَى رَحْلِهِ، قَالَ: فَصَنَعْتُ لَهُمْ طَعَامًا وَدَعَوْتُهُمْ، فَقَالَ:
أَبُو هُرَيْرَةَ أَلا أُعْلِلُّكُمْ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِكُمْ مَعْشَرَ الأَنْصَارِ ثُمَّ ذَكَرَ فَتْحَ مَكَّةَ، فَقَالَ أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَبَعَثَ الزُّبَيْرُ عَلَى إِحْدَى الْمُجَنَّبَتَيْنِ، وَبَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ عَلَى الأُخْرَى، وَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدةَ بْنَ الْجَرَّاحِ عَلَى الحصر، فَأَخَذُوا بَطْنَ الْوَادِي وَرَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَتِيبَتِهِ فَرَآنِي، فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: نَادِ الأَنْصَارَ فَلا يَأْتِ إِلا أَنْصَارِيٌّ، قَالَ: فَنَادَيْتُهُمْ فَأَطَافُوا بِهِ وَجَمَعَتْ قُرَيْشٌ أَوْبَاشَهَا وَأَتْبَاعَهَا، وَقَالُوا نُقَدِّمُ هَؤُلاءِ، فَإِنْ أَصَابُوا ظُفْرًا كُنَّا مَعَهُمْ وَإِنْ أُصِيبُوا أَعْطَيْنَا الَّذِي يَسْأَلُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. أَتَرَوْنَا أَوْبَاشَ قُرْيَشٍ قَالُوا نَعَمْ فَقَالَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الأُخْرَى يُشِيرُ. أَنِ اقْتِلُوهُمْ، ثُمَّ قَالَ: وَافُونِي بِالصَّفَا، قَالَ فَانْطَلَقْنَا فَمَا يَشَاءُ أَحَدٌ أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا إِلا يَقْتُلُهُ، فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُبِيدَتْ خَضْرَاءُ قُرَيْشٍ لا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ، فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم من دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلاحَ فَهُوَ آمِنٌ، فَقَالَ بَعْضُ الأَنْصَارِ لِبَعْضٍ، أَمَّا الرَّجُلُ فَأَدْرَكَتْهُ رَغْبَةٌ فِي قَرَابَتِهِ وَرَأَفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ، وَجَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَحْيُ، وَكَانَ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيْنَا،

(1/48)


فَقَالَ. يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا قَالُوا قَدْ كَانَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ،. كَلا إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ هَاجَرْتُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَيْكُمْ فَالْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ، فَجَعَلُوا يَبْكُونَ وَيَقُولُونَ، وَاللَّهِ مَا قُلْنَا الَّذِي قلنا إلا للضن بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ، وَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَى دَارِ أَبِي سُفْيَانَ وَأَغْلَقُوا أَبْوَابَهَا وَوَضَعُوا سِلاحَهُمْ: وَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحَجَرِ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ وَأَتَى عَلَى صَنَمٍ كَانَ إِلَى جَنْبِ الْكَعْبَةِ وَفِي يَدِهِ قَوْسٌ قَدْ أَخَذَ بِسِيَتِهَا فَجَعَلَ يَطْعَنُ فِي عَيْنِ الصَّنَمِ وَيَقُولُ (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) 17: 81 قَالَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَتَى الصَّفَا فَعَلاهُ حَتَّى نَظَرَ إِلَى الْبَيْتِ ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ يَحْمَدُ اللَّهَ وَيَدْعُو.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَ. أَخْبَرَنَا هَشِيمٌ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عن عبيد الله ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ لا تُجْهِزَنَّ عَلَى جَرِيحٍ، وَلا يُتْبَعَنَّ مُدْبِرٌ. وَلا يُقْتَلَنَّ أَسِيرٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ. كَانَتْ غَزْوَةُ الْفَتْحِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ إِلَى الْفِطْرِ. ثُمَّ تَوَجَّهَ لِغَزْوَةِ حُنَيْنٍ. وَوَلَّى مَكَّةَ عتاب ابن أُسَيْدِ بْنِ أَبِي الْعِيصِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَأَمَر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَدْمِ الأَصْنَامِ وَمَحْوِ الصُّوَرِ الَّتِي كَانَتْ فِي الْكَعْبَةِ وقال: اقتلوا بن خطل ولو كان متعلقا بأستار الْكَعْبَةِ، فَقَتَلَهُ أَبُو بَرْزَةَ الأَسْلَمِيُّ. قَالَ أَبُو اليقظان. واسم ابْن خطل قيس، وقتله أَبُو شرياب الأنصاري، وكان لابن خطل قينتان تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلت احداهما وبقيت الأخرى حَتَّى كسرت لها ضلع أيام عُثْمَان فماتت، وقتل نميلة بْن عبد الله الكناني مقيس بن صبابة الكبانى، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قَدْ أمر من وجده أن يقتله

(1/49)


وذلك لأن أخاه هاشم بْن صبابة بْن حزن أسلم وشهد غزوة المريسيع مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقتله رجل منَ الأنصار خطأ وهو يظنه مشركا فقدم مقيس عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقضى له بالدية عَلَى عاقلة القاتل، فأخذها وأسلم، ثُمَّ عدا عَلَى قاتل أخيه فقتله وهرب مرتدا، وقال:
شفى النفس أن قَدْ بات بالقاع مسندا ... يضرج ثوبيه دماء الأخادع
ثأرت به قهرا وحملت عقله ... سراة بني النجار أرباب فارع
حالت به وترى وأدركت ثورتي ... وكنت عَنِ الإسلام أول راجع
وقتل علي بْن أَبِي طالب رضي اللَّه عنه الحويرث بْن نقيذ بْن بجير بْن عَبْد بْن قصي، وكان النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر أن يقتله من وجده وحدثني بكر بن الهثيم، عن عبد الرزاق، عن مغمر، عَنِ الْكَلْبِيِّ، قَالَ:
جَاءَتْ قَيْنَةٌ لِهِلالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ ابْنُ خَطَلٍ الأَرْدَمِيُّ مِنْ بَنِي تَيْمٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَنَكِّرَةٌ فَأَسْلَمَتْ وَبَايَعَتْ وَهُوَ لا يَعْرِفُهَا فَلَمْ يَعْرِضْ لَهَا وَقُتِلَتْ قَيْنَةٌ لَهُ أُخْرَى، وَكَانَتَا تُغَنِيَّانِ بِهِجَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَأَسْلَمَ ابْنُ الزَّعْبَرِيُّ السَّهْمِيُّ قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ، وَمَدَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ قَدْ أَبَاحَ دَمَهُ يَوْمَ الْفَتْحِ وَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ البَّزَّارُ،، قَالَ: حَدَّثَنَا هَشِيمٌ، قَالَ أَخْبَرَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ يَوْمَ مَكَّةَ فَقَالَ «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ جُنْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ أَلا إِنَّ كُلَّ مَأْثَرَةٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكُلَّ دَمٍ وَدَعْوَى مَوْضُوعَةٌ تَحْتَ قَدَمِي إِلا سِدَانَةَ الْبَيْتِ، وَسِقَايَةَ الْحَاجِّ» . وَحَدَّثَنَا خَلَفٌ الْبَزَّارُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَشْيَاخِهِ، قَالُوا: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

(1/50)


وَسَلَّمَ لِقُرَيْشٍ مَا تَظُنُّونَ، قَالُوا: نَظُنُّ خَيْرًا وَنَقُولُ خَيْرًا أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ وَقَدْ قَدَرْتَ قَالَ: فَإِنِّي أَقُولُ كَمَا قَالَ أَخِي يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) 12: 92 أَلا كُلُّ دَيْنٍ وَمَالٍ وَمَأْثَرَةٍ كَانَتْ فِي الجاهلية فهي تحت قدمي الاسدانة الْبَيْتِ وَسِقَايَةَ الْحَاجِّ» . حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن عبيد ابن عُمَيْرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُطْبَتِهِ «أَلا إِنَّ مَكَّةَ حَرَامٌ مَا بَيْنَ أَخْشَبَيْهَا لَمْ يَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي وَلا يَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي، وَلَمْ تَحِلَّ لِي إلا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ لا يُخْتَلَى خلاها ولا تعضد عضاهها وَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلا أَنْ يُعَرَّفَ- أَوْ يُعَرِّفُ- فَقَالَ الْعَبَّاسُ رَحِمَهُ اللَّهُ إِلا الإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِصَاغَتِنَا وَقُيُونِنَا وَطُهُورِ بُيُوتِنَا، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا الإِذْخِرَ» . حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «لا يُخْتَلَى خَلا مَكَّةَ وَلا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: الا الإذخر فإنه القيون وَطُهُورِ الْبُيُوتِ فَرُخِّصَ فِي ذَلِكَ» . حَدَّثَنَا شيبان، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هلال الراسبي عَنِ الْحَسَن، قَالَ. أراد عُمَر أن يأخذ كنز الكعبة فينفقه في سبيل اللَّه، فقال له أُبَيُّ بْن كعب الأنصاري، يا أمير الْمُؤْمِنِين قَدْ سبقك صاحباك، ولو كان هَذَا فضلا لفعلاه وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَكَّةُ حَرَامٌ لا يَحِلُّ بَيْعُ رِبَاعِهَا وَلا أُجُورُ بُيُوتِهَا» . حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنِ إسْرَائِيلَ عَنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ

(1/51)


قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. ابْنِ لَكَ بِنَاءً يُظِلُّكَ مِنَ الشَّمْسِ بِمَكَّةَ، فَقَالَ، «إِنَّمَا هِيَ مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ» . حَدَّثَنَا خلف بْن هِشَام البزار، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل عَنِ ابْن جريح، قَالَ قرأت كتاب عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ ينهى عن كراء بيوت مكة. حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْد حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن جَعْفَر عَنِ إسرائيل عن ثوير عن مجاهد عَنِ ابْن عُمَر، قَالَ الحرم كله مَسْجِد.
حَدَّثَنَا عَمْرو الناقد، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاق الأزرق عن عَبْد الملك بْن أَبِي سُلَيْمَان، قَالَ. كتب عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ إِلَى أمير مكة أن لا تدع أهل مكة يأخذون عَلَى بيوت مكة أجرا فإنه لا يحل لهم.
حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن أَبِي شيبة، قَالَ. حَدَّثَنَا جرير عن يزيد بْن أَبِي زياد عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سابط في قوله (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) 22: 25، قَالَ البادي من يخرج منَ الحجاج والمعتمرين، هم سواء في المنازل، ينزلون حيث شاءوا، غير ألا يخرج أحد من بيته.
حَدَّثَنَا عُثْمَان، قَالَ حَدَّثَنَا جرير، عن مَنْصُور عن مجاهد في هَذِهِ الآية، قَالَ أهل مكة وغيرهم في المنازل سواء. وَحَدَّثَنَا عُثْمَان وعمرو، قالا. حَدَّثَنَا وَكِيع عن سُفْيَان، عن مَنْصُور، عن مجاهد أن عُمَر بْن الخطاب، قَالَ لأهل مكة لا تتخذوا لدوركم أبوابا لينزل البادي حيث شاء. وَحَدَّثَنَا عُثْمَان بْن أَبِي شيبة، وبكر بْن الهيثم، قالا. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن ضريس الرازي عن سُفْيَان، عن أَبِي حصين قَالَ قلت لسعيد بْن جبير وهو بمكة إني أريد أن أعتكف، فقال: أنت عاكف ثُمّ قرأ (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) 22: 25.
حَدَّثَنَا عُثْمَان، قَالَ: حَدَّثَنَا حفص بْن غياث عن عَبْد اللَّهِ بْن مُسْلِم عن سَعِيد بْن جبير في قوله (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) 22: 25 قَالَ: خلق اللَّه فيه سواء أهل مكة وغيرها، وحدثني مُحَمَّد بْن سَعِيد عَنِ الواقدي، قال. كان يتخاصم إلى أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حزم في أجور الدور بمكة فيقضي بها على من

(1/52)


اكتراها وهو قول مَالِك وابن أَبِي ذئب، قَالَ وقال ربيعة، وأبو الزناد، لا بأس بأكل كراء بيوت مكة وبيع رباعها، وقال الواقدي، رأيت ابْن أَبِي ذئب يأتيه كراء داره بمكة بَيْنَ الصفا والمروة، وقال الليث بْن سَعِيد ما كان من دار فأجرها طيب لصاحبها، فأما القاعات، والسكك، والأفنية والخرابات، فمن سبق نزل ذلك بغير كراء وأخبرني عَبْد الرَّحْمَنِ الأودي، عَنِ الشافعي بمثل ذلك، وقال سفيان ابن سَعِيد الثوري، كراء بيوت مكة حرام، وكان يشدد في ذلك. وقال الأوزاعي وابن أَبِي ليلى. وأبو حنيفة إن كراها في ليالي الحج فالكراء باطل، وإن كان في غير ليالي الحج، وكان المكتري مجاورا أو غير ذلك فلا بأس، وقال بعض أصحاب أَبِي يوسف كراؤها حل طلق، وإنما يستوي العاكف والبادي في الطواف بالبيت.
حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن عَلي بْن الأسود، قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن موسى، عَنِ الْحَسَن بْن صالح عَنِ العلاء بْن المسيب، عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الأسود، أنه كان لا يرى ببقل مكة ولا بالزرع الَّذِي يزرع فيها ولا بشيء مما أنبته الناس بها من شجر أو نخل بأسا أن تقطعه وتأكله وتصنع فيه ما شئت، قَالَ وإنما كره ما أنبتت الأرض بمكة من شجر وغيره مما لم يعمله الناس إلا الأذخر، قَالَ الْحَسَن بْن صالح. وقد رخص في الشجر البالي الَّذِي قَدْ يبس وتكسر. وقال مُحَمَّد بْن عُمَر الواقدي. قَالَ مَالِك. وابن أَبِي ذئب في محرم أو حلال قطع شجرا منَ الحرم أنه قَدْ أساء. فإن كان جاهلا علم ولا شيء عَلَيْهِ. وإن كان عالما خالعا عوقب ولا قيمة عَلَيْهِ. ومن قطع من ذلك شيئا فلا بأس أن ينتفع انه قَالَ وقال سُفْيَان الثوري وأبو يوسف. عَلَيْهِ في الشجرة لقطعها قيمة ولا ينتفع بذلك. وهو قول أَبِي حنيفة. وقال مَالِك بْن أَنَس. وابن أَبِي ذئب. لا بأس بالضغابيس. وأطراف السنا. تؤخذ منَ الحرم للدواء والسواك. وقال سُفْيَان بْن سَعِيد. وأبو حنيفة

(1/53)


وأبو يوسف: كل شيء أنبته الناس في الحرم أو كان مما ينبتون فلا شيء عَلَى قاطعه وكل شيء مما لا ينبته الناس فعلى قاطعه قيمته، وقال الواقدي سألت الثوري، وأبا يوسف عن رجل أنبت في الحرم ما لا ينبته الناس، فقام عَلَيْهِ حَتَّى نبت له أله أن يقطعه، قالا نعم، قلت فان نبتت في بستانه شجرة مما لا ينبت الناس من غير أن يكون أنبتها، قالا يصنع بها ما شاء.
وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد، عَنِ الواقدي، قَالَ: روى لنا أن ابْن عُمَر كان يأكل بمكة بقلا زرع في الحرم، وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد، قَالَ حدثني الواقدي، عن معاذ بْن مُحَمَّد، قَالَ رأيت عَلَى مائدة الزهري بقلا منَ الحرم، قَالَ أَبُو حنيفة لا يرعى الرجل المحرم بعيره في الحرم ولا يحتش له، وهو قول زفر، وقال مَالِك وابن أَبِي ذئب، وسُفْيَان، وأبو يوسف، وابن أَبِي سبرة. لا بأس بالرعي ولا يحتش، وقال ابْن أَبِي ليلى لا بأس بأن يحتش. وحدثني عَفَّان، والعَبَّاس بْن الوليد النرسي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد الواحد بْن زياد، قَالَ: حَدَّثَنَا ليث، قَالَ كان عطاء لا يرى بأسا ببقل الحرم وما زرع فيه وبالقضيب والسواك، قَالَ وكان مجاهد يكرهه، قَالَ: ولم يكن للمسجد الحرام عَلَى عهد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر جدار يحيط به، فلما استخلف عُمَر بْن الخطاب وكثر الناس وسع المسجد واشترى دورا فهدمها وزادها فيه وهدم عَلَى قوم من جيران المسجد أبوا أن يبيعوا ووضع لهم الأثمان حَتَّى أخذوها بعد، واتخذ للمسجد جدارا قصيرا دون القامة. فكانت المصابيح توضع عَلَيْهِ. فلما استخلف عُثْمَان بْن عَفَّان ابتاع منازل وسع المسجد بها وأخذ منازل أقوام ووضع لهم الأثمان فضجوا به عند البيت فقال إنما جرأكم علي حلمي عنكم وليني لكم لقد فعل بكم عُمَر مثل هَذَا فأقررتم ورضيتم، ثُمَّ أمر بهم إِلَى الحبس حَتَّى كلمه فيهم عبد الله ابن خَالِد بْن أسيد بْن أَبِي العيص فخلى سبيلهم.

(1/54)


ويقال: إن عُثْمَان أول منَ اتخذ للمسجد الأروقة، واتخذها حين وسعه قَالُوا: وكان باب الكعبة عَلَى عهد إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السلام وجرهم والعماليق بالأرض حَتَّى بنته قريش، فقال أبو حذيفة ابن المغيرة يا قوم ارفعوا باب الكعبة حَتَّى لا يدخل إلا بسلم فإنه لا يدخلها حينئذ إلا من أردتم، فإن جاء أحد ممن تكرهون رميتم به فسقط فكان نكالا لمن وراءه، فعملت قريش بذلك.
قَالَ: ولما تحصن عَبْد اللَّهِ بْن الزبير بْن العوام في المسجد الحرام واستعاذ به- والحصين بْن نمير السكوني إذ ذاك يقاتله في أهل الشام- أخذ ذات يوم رجل من أصحابه نارا عَلَى ليفة في رأس رمح، وكانت الريح عاصفا، فطارت شرارة فتعلقت بأستار الكعبة فأحرقتها، فتصدعت حيطانها واسودت، وذلك في سنة أربع وستين حَتَّى إذا مات يزيد بْن معاوية، وانصرف الحصين بْن نمير إِلَى الشام أمر ابْن الزبير بما في المسجد منَ الحجارة الَّتِي رمى بها فأخرج، ثُمَّ هدم الكعبة وبناها عَلَى أساسها وأدخل الحجر فيها وجعل لها بابين موضوعين بالأرض شرقيا وغربيا يدخل من واحد ويخرج منَ الآخر، وكان قَدْ وجد أساس الكعبة متصلا بالحجر، وإنما التمس إعادتها إِلَى بناء إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السلام عَلَى ما كانت عائشة أم الْمُؤْمِنِين أَخْبَرَته عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجعل عَلَى بابها صفائح الذهب وجعل مفاتيحها من ذهب، فلما حاربه الحجاج بْن يوسف من قبل عبد الملك ابن مروان وقتله كتب إليه عَبْد الملك يأمره ببناء الكعبة والمسجد الحرام، وقد كانت الحجارة حلحلت الكعبة فهدمها الحجاج وبناها فردها إِلَى بناء قريش وأخرج الحجر، فكان عَبْد الملك يقول بعد ذلك: وددت أني كنت حملت ابْن الزبير أمر الكعبة وبناءها ما تحمل.
قَالُوا: وَكَانَتْ كِسْوَةُ الْكَعْبَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الأَنْطَاعَ وَالْمَغَافِرَ فَكَسَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثِّيَابَ الْيَمَانِيَّةَ، ثُمَّ كَسَاهَا عُمَرُ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا

(1/55)


الْقُبَاطِيَّ، ثُمَّ كَسَاهَا يَزْيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الدِّيبَاجَ الْخِسْرُوَانِيُّ، وَكَسَاهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ وَالْحَجَّاجُ بَعْدَهُ الدِّيبَاجَ، وَكَسَاهَا بَنُو أُمَيَّةَ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِمُ الْحُلَلَ الَّتِي كَانَ أَهْلُ نَجْرَانَ يُؤَدُّونَهَا وَأَخَذُوهُمْ بِتَجْرِيدِهَا وَفَوْقَهَا الدِّيبَاجُ، ثُمَّ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ وَسَّعَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَحَمَلَ إِلَيْهِ عُمُدِ الحجارة والرخام والفيسفساء، قَالَ الواقدي فلما كانت خلافة أمير الْمُؤْمِنِين المَنْصُور رحمه اللَّه زاد في المسجد وبناه وذلك في سنة تسع وثلاثين ومائة. وقال على بن محمد ابن عَبْد اللَّهِ المدائني، ولى المهدي جَعْفَر بْن سُلَيْمَان بْن علي بْن عَبْد اللَّهِ بْن العَبَّاس مكة والمدينة واليمامة فوسع مسجدي مكة والمدينة وبناهما، وقد جدد أمير الْمُؤْمِنِين المتوكل عَلَى اللَّه جَعْفَر بْن أَبِي إِسْحَاق المعتصم بالله ابن الرشيد هارون بْن المهدي رضوان اللَّه عليهم رخام الكعبة وأزرها بفضة، وألبس سائر حيطانها وسقفها الذهب. ولم يفعل ذلك أحد قبله وكسا أساطينها الديباج.
ذكر حفائر مكة
قَالُوا: كانت قريش قبل جمع قصي إياها وقبل دخولها مكة تشرب من حياض ومصانع عَلَى رؤوس الجبال، ومن بئر حفرها لؤي بْن غالب خارج الحرم تدعى اليسيرة، ومن بئر حفرها مرة بْن كعب تدعى الروى، وهي مما يلي عرفة ثُمَّ حفر كلاب بْن مرة خم ورم، والجفر بظاهر مكة، ثُمَّ أن قصي بْن كلاب حفر بئرا سماها العجول واتخذ سقاية، وفيها يقول بعد رجاز الحاج.
نروي عَلَى العجول ثُمَّ ننطلق ... قبل صدور الحاج من كل أفق
إن قصيا قَدْ وفى وقد صدق ... بالشبع للناس ورى مغتبق
ثُمَّ إنه سقط في العجول بعد ممات قصي رجل من بني نَصْر بْن معاوية

(1/56)


فعطلت، وحفر هاشم بْن عَبْد مناف بذر، وهي عند الخندمة عَلَى فم شعب أَبِي طالب، وحفر هاشم أيضا سجلة فوهبها أسد بْن هاشم لعدي بْن نوفل بْن عَبْد مناف بْن المطعم، ويقال: بل ابتاعها منه، ويقال أن عَبْد المطلب وهبها له حين حفر زمزم وكثر الماء بمكة، فقالت خالدة بنت هاشم:
نحن وهبنا لعدي سجلة ... في تربة ذات عذاة سهلة
تروى الحجيج زعلة فزعلة
وقد دخلت سجلة في المسجد، وحفر عَبْد شمس بْن عَبْد مناف الطوى وهي بأعلى مكة، وحفر أيضا لنفسه الجفر، وحفر ميمون بْن الحضرمي حليف بني عَبْد شمس بْن عَبْد مناف بئره وهي آخر بئر حفرت في الجاهلية بمكة، وعندها قبر أمير الْمُؤْمِنِين المَنْصُور رحمه اللَّه، واسم الحضرمي عَبْد الله ابن عماد، واحتفر عَبْد شمس أيضا بئرين وسماهما خم ورم، عَلَى ما سمى كلاب بْن مرة بئريه، فأما خم فهي عند الردم، وأما رم فعند دار خديجة بنت خويلد، وقال عَبْد شمس:
حفرت خما وحفرت رما ... حَتَّى أرى المجد لنا قَدْ تما
وقالت سبيعة بنت عَبْد شمس في الطوى:
إن الطوى إذا شربتم ماءها ... صوب الغمام عذوبة وصفاء
وحفرت بنو أسد بْن عَبْد العزى بْن قصي شفية بئر بنى أسد، وقال الحويرث بْن أسد:
ماء شفية كماء المزن ... وليس ماؤها بطرق أجن
وحفر بنو عَبْد الدار بْن قصي أم أحراد، فقالت أميمة بنت عميلة بْن السباق بْن عَبْد الدار:
نحر حفرنا البحرام أحراد ... ليست كبذر النذر والجماد

(1/57)


فأجابتها صفية بنت عَبْد المطلب:
نحن حفرنا بذر تروى ال ... حجيج الأكبر من مقبل ومدبر
وأم أحراد بشر فيها ال ... جراد والذر وقذر لا يذكر
وحفر بنو جمح السنبلة وهي بئر خلف بْن وهب الجمحي فقال قائلهم:
نحن حفرنا للحجيج سنبلة ... صوب سحاب ذو الجلال أنزله
وحفر بنو سهم الغمر وهي بئر العاصي بْن وائل فقال بعضهم:
نحن حفرنا الغمر للحجيج ... تثج ماء أيما ثجيج
قَالَ ابْن الكلبي قالها ابْن الربعي، وحفرت بنو عدي الحفير فقال شاعرهم:
نحن حفرنا بئرنا الحفيرا ... بحرا يجيش ماؤه غزيرا
وحفرت بنو مخزوم السقيا بئر هِشَام بْن المغيرة بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم، وحفرت بنو تيم الثريا، وهي بئر عَبْد اللَّهِ بْن جدعان بْن عَمْرو بْن كعب بْن سَعْد بْن تيم، وحفرت بنو عَامِر بْن لؤي النقع، قَالُوا وكانت لجبير بْن مطعم بئر وهي بئر بني نوفل فأدخلت حديثا في دار القوارير الَّتِي بناها حَمَّاد البربري في خلافة أمير الْمُؤْمِنِين هارون الرشيد، وكان عقيل بْن أَبِي طالب حفر في الجاهلية بئرا وهي في دار ابن يوسف، فكانت للأسود ابن أبى البختري ابن هاشم بْن الحارث بْن أسد بْن عَبْد العزى بئر عَلَى باب الأسود عند الحناطين فدخلت في المسجد، بئر عكرمة، نسبت إِلَى عكرمة ابْن خَالِد بْن العاصي بْن هاشم بْن المغيرة، بئر عَمْرو، نسبت إِلَى عَمْرو بْن عَبْد اللَّهِ بْن صفوان بْن أمية بْن خلف الجمحي، وكذلك شعب عَمْرو الطلوب أسفل مكة كانت لعبد اللَّه بْن صفوان، بئر حويطب نسبت إِلَى حويطب بْن عَبْد العزى بْن أبي قيس من بني عَامِر بْن لؤي، وهي بفناء داره ببطن الوادي، بئر أَبِي موسى كانت لأبي موسى الأشعري بالمعلاة، بئر شوذب نسبت إِلَى شوذب مولى معاوية، وقد دخلت في المسجد، ويقال: إن

(1/58)


شوذبا كان مولى طارق بْن علقمة بْن عريج بْن جذيمة الكناني، ويقال كان مولى لنافع بْن علقمة بْن صفوان بْن أمية بْن محرث بْن خمل بْن شق الكناني، خال مروان بْن الحكم بْن أَبِي العاصي بْن أمية، وبئر بكار نسبت إِلَى رجل سكن مكة من أهل العراق، وهي بذي طوى، وبئر وردان نسبت إِلَى وردان مولى السائب بْن أَبِي وداعة بْن ضبيرة السهمي، وسقاية سراج بفخ، كانت لسراج مولى بني هاشم، وبئر الأسود نسبت إِلَى الأسود بْن سُفْيَان بْن عَبْد الأسد بْن هلال بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم، وهي بقرب بئر خالصة مولاة أمير الْمُؤْمِنِين المهدي، والبرود بفخ لمخترش الكعبي من خزاعة، وقال ابْن الكلبي صاحب دار ابْن علقمة بمكة طارق بْن علقمة بْن عريج بْن خزيمة الكناني، وقال أَبُو عُبَيْدة معمر بْن المثنى، وعبد الملك بن قريب الأصمعى وغيرهما، بستان ابن عَامِر لعمر بْن عَبْد اللَّهِ بْن معمر بن عثمان ابن عَمْرو بْن كعب بْن سَعْد بْن تيم بن مرة ابن كعب بْن لؤي، ولكن الناس غلطوا فيها فقالوا بستان ابن عَامِر وبستان بنى عَامِر، وإنما هُوَ بستان ابن معمر، وقوم يقولون نسب إِلَى ابْن عَامِر الحضرمي، وآخرون يقولون نسب إِلَى ابْن عَامِر ابن كريز وذلك ظن وترجيم.
حدثني مصعب بْن عبد الله الزبير، قَالَ كانت في الجاهلية مكة تدعى صلاح، قَالَ أَبُو سُفْيَان بْن حرب الحضرمي:
أَبَا مطر هلم إِلَى صلاح ... لكفيك الندامى من قريش
وتنزل بلدة عزت قديما ... وتأمن أن ينالك رب جيش
وحدثني العَبَّاس بْن هِشَام الكلبي، قَالَ كتب بعض الكنديين إِلَى أَبِي يسأله عن سجن ابْن سباع بالمدينة إِلَى من نسب، وعن قصة دار الندوة ودار العجلة ودار القوارير بمكة، فكتب إليه: أما سجن ابْن سباع فإنه كان دارا لعبد اللَّه بْن سباع بْن عَبْد العزى بْن نضلة بْن عَمْرو بْن غبشان

(1/59)


الخزاعي، وكان سباع يكنى أَبَا نيار، وكانت أمه قابلة بمكة فبارزه حَمْزَة بْن عَبْد المطلب يوم أحد فقال له هلم إلي يا ابن مقطعة البظور ثُمَّ قتله وأكب عَلَيْهِ ليأخذ درعه فزرقه وحشى وأم طريح بْن إِسْمَاعِيل الثقفي الشاعر بنت عَبْد اللَّهِ بْن سباع وهو حليف بني زهرة.
وأما دار الندوة فبناها قصي بْن كلاب. فكانوا يجتمعون إليه فتقضى فيها الأمور، ثُمَّ كانت قريش بعده تجتمع فيها فتتشاور في حروبها وأمورها وتعقد الألوية وتزوج من أراد التزويج، وكانت أول دار بنيت بمكة من دور قريش ثُمَّ دار العجلة، وهي دار سَعِيد بْن سَعْد بْن سهم، وبنو سهم يدعون أنها بنيت قبل دار الندوة وذلك باطل، فلم تزل دار الندوة لبنى عبد الدار ابن قصي حَتَّى باعها عكرمة بْن عَامِر بْن هاشم بْن عَبْد مناف بْن عَبْد الدار بْن قصي من معاوية بْن أَبِي سُفْيَان فجعلها دارا للإمارة، وأما دار القوارير فكانت لعتبة بنت ربيعة بْن عَبْد شمس بْن عبد مناف ثم صارت للعباس ابن عتبة بْن أَبِي لهب بْن عَبْد المطلب، وقد صارت بعد لأم جَعْفَر زبيدة بنت أَبِي الْفَضْل بْن المَنْصُور أمير الْمُؤْمِنِين، واستعمل في بعض فرشها وحيطانها شيء من قوارير فقيل دار القوارير وكان حَمَّاد البربري بناها في خلافة الرشيد أمير الْمُؤْمِنِين رحمه اللَّه، وقال هشام ابن مُحَمَّد الكلبي، كان عَمْرو بْن مضاض الجرهمي حارب رجلا من جرهم يقال له السميدع فخرج عَمْرو في السلاح يتقعقع فسمى الموضع الَّذِي خرج منه قعيقعان وخرج السميدع مقلدا خيله الأجراس في أجيادها فسمى الموضع الَّذِي خرج منه أجياد وقال ابْن الكلبي. ويقال، إنه خرج بالجياد المسومة فسمى الموضع أجياد وعامة أهل مكة يقولون جياد الصغير وجياد الكبير.
حدثنا الوليد ابن صالح، عن مُحَمَّد بْن عُمَر الأسلمي، عن كثير بْن عَبْد اللَّهِ عن أبيه عن جده، قَالَ قدمنا مع عُمَر بْن الخطاب في عمرته سنة سبع عشرة فكلمه

(1/60)


أهل المياه في الطريق أن يبتنوا منازل فيما بَيْنَ مكة والمدينة ولم تكن قبل ذلك فأذن لهم واشترط عليهم أن ابْن السبيل أحق بالماء والظل.