فتوح البلدان

أمر السيول بمكة
حَدَّثَنَا العَبَّاس بْن هِشَام عن أبيه هِشَام بن محمد عن ابن خربوز المكي وغيره، قَالُوا كانت السيول بمكة أربعة، منها سيل أم نهشل وكان في زمن عمر ابن الخطاب أقبل السيل حَتَّى دخل المسجد من أعلى مكة فعمل عُمَر الردمين جميعا إلا على بين دارببة، وهو عَبْد اللَّهِ بْن الحارث بْن نوفل بْن الحارث بْن عَبْد المطلب بْن عَبْد مناف الَّذِي ولي البصرة في فتنة ابْن الزبير اصطلح أهلها عَلَيْهِ، ودار أبان بْن عُثْمَان بْن عَفَّان، والأسفل عند الحمارين، وهو الَّذِي يعرف بردم آل أسيد فتراد السيل عَنِ المسجد الحرام. قَالَ وأم نهشل بنت عُبَيْدة بْن سَعِيد بْن العاصي بْن امية ذهب بها السيل من أعلى مكة فنسب إليها، ومنها سيل الجحاف والجراف في سنة ثمانين فى زمن عبد الملك ابن مروان صبح الحاج يوم اثنين فذهب بهم وبأمتعتهم وأحاط بالكعبة فقال الشاعر.
لم تر غسان كيوم الاثنين ... أكثر محزونا وأبكى للعين
إذ ذهب السيل بأهل المصرين ... وخرج المخبآت يسعين
شواردا في الجبلين يرقين
فكتب عَبْد الملك إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن سُفْيَان المخزومي عامله عَلَى مكة، ويقال بل كان عامله يومئذ الحارث بْن خَالِد المخزومي الشاعر يأمره بعمل ضفائر الدور الشارعة عَلَى الوادي، وضفائر المسجد، وعمل الردم عَلَى أفواه السكك لتحصن دور الناس، وبعث لعمل ذلك رجلا نصرانيا فاتخذ الضفائر وردم الردم الَّذِي يعرف بردم بنى قراد، وهو يعرف ببني جمح، واتخذت ردوم بأسفل مكة

(1/61)


قال الشاعر.
سأملك عبرة وأفيض أخرى ... إذا جاوزت ردم بني قراد
ومنها السيل الَّذِي يدعى المخبل أصاب الناس في أيامه مرض في أجسادهم وخبل في ألسنتهم فسمي المخبل، ومنها سيل أتى بعد ذلك في خلافة هشام ابن عَبْد الملك في سنة عشرين ومائة يعرف بسيل أَبِي شاكر وهو مسلمة بْن هِشَام وكان عَلَى الموسم ذلك العام فنسب إليه، قَالَ وسيل وادي مكة يأتي من موضع يعرف بسدرة عتاب بْن أسيد بْن أَبِي العيص.
قَالَ عَبَّاس بْن هِشَام، وقد كان في خلافة المأمون عَبْد اللَّهِ بْن الرشيد رحمه اللَّه سيل عظيم بلغ ماؤه قريبا منَ الحجر، فحدثني العَبَّاس، قَالَ:
حدثني أَبِي عن أبيه مُحَمَّد بْن السائب الكلبي، عن أَبِي صالح عن عكرمة، قَالَ درس شيء من معالم الحرم عَلَى عهد معاوية بْن أبى سفيان، فكتب إلى مروان ابن الحكم- وهو عامله عَلَى المدينة- يأمره إن كان كرز بْن علقمة الخزاعي حيا أن يكلفه إقامة معالم الحرام لمعرفته بها، وكان معمرا فأقامها عَلَيْهِ فهي مواضع الأنصاب اليوم.
قَالَ الكلبي، هَذَا كرز بْن علقمة بْن هلال بن جربية بن عبدنهم بن حليل ابن حبشية الخزاعي، وهو الَّذِي قفا أثر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين انتهى إِلَى الغاز الَّذِي استخفى فيه وأبو بكر الصديق معه حين أراد الهجرة إِلَى المدينة فرأى عَلَيْهِ نسج العنكبوت ورأى دونه قدم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعرفها، فقال، هَذِهِ قدم محمد صلى الله عليه وسلم وههنا انقطع الأثر.
فتح الطائف
قَالَ لَمَّا هُزِمَتْ هَوَازِنُ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَقُتِلَ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ أَتَى فَلَهُمْ أَوْطاسٌ،

(1/62)


فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا عَامِرٍ الأَشْعَرِيَّ فَقُتِلَ، فَقَامَ بِأَمْرِ النَّاسِ أَبُو مُوسَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ الأَشْعَرِيُّ، وَأَقْبَلَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى أَوْطَاسٍ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ مَالِكُ بْنُ عَوْفِ بْنِ سَعْدٍ أَحَدُ بَنِي دَهْمَانَ بْنِ نَصْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ، وَكَانَ رَئِيسُ هَوَازِنَ يَوْمَئِذٍ، هَرَبَ إِلَى الطَّائِفِ فَوَجَدَ أَهْلَهَا مُسْتَعِدِّينَ لِلْحِصَارِ، قَدْ رَمَوْا حِصْنَهُمْ وَجَمَعُوا فِيهِ الْمِيرَةَ، فَأَقَامَ بِهَا، وَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُسْلِمِينَ حَتَّى نَزَلَ الطَّائِفَ فَرَمَتْهُمْ ثَقِيفُ بِالْحِجَارَةِ وَالنَّبْلِ، وَنَصَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْجَنِيقًا عَلَى حِصْنِهِمْ، وَكَانَتْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ دَبَّابَةٌ مِنْ جُلُودِ الْبَقَرِ فَأَلْقَتْ عَلَيْهَا ثَقِيفُ سَكَكَ الْحَدِيدِ الْمُحَمَّاةَ فَأَحْرَقَتْهَا فَأُصِيبَ مَنْ تَحْتَهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ حِصَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّائِفَ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَكَانَ غَزْوُهُ إِيَّاهَا فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ قَالُوا: وَنَزَلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقِيقٌ مِنْ رَقِيقِ أَهْلِ الطَّائِفِ، مِنْهُمْ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَسْرُوحٍ مَوْلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم واسمه نُفَيْعٌ، وَمِنْهُمُ الأَزْرَقُ الَّذِي نُسِبَتِ الأَزَارِقَةُ إِلَيْهِ. كَانَ عَبْدًا رُومِيًّا حَدَّادًا وَهُوَ أَبُو نَافِعِ بْنُ الأَزْرَقِ الْخَارِجِيُّ فَأَعْتَقُوا بِتْرُولِهِمْ، وَيُقَالُ إِنَّ نَافِعَ بْنَ الأَزْرَقِ الْخَارِجِيَّ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ. وَإِنَّ الأَزْرَقَ الَّذِي نَزَلَ مِنَ الطَّائِفِ غَيْرُهُ. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ انْصَرَفَ إِلَى الْجِعْرَانَةِ لِيُقَسِّمَ سَبْيَ أَهْلِ حُنَيْنٍ وَغَنَائِمَهُمْ فَخَافَتْ ثَقِيفُ أَنْ يَعُودَ إِلَيْهِمْ فَبَعَثُوا إِلَيْهِ وَفْدَهُمْ فَصَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ يُسْلِمُوا وَيُقِرَّهُمْ عَلَى مَا فِي أَيِدِيهِم مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَرِكَازِهِمْ. وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ لا يُرَابُوا. وَلا يَشْرَبُوا الْخَمْرَ. وَكَانُوا أَصْحَابَ رِبًا وَكَتَبَ لَهُمْ كتابا قال. وكانت الطائف تسمى وج فَلَمَّا حُصِّنَتْ وَبُنِيَ سُورُهَا سُمِّيَتِ الطَّائِفَ.
حدثني المدائني، عن أَبِي إِسْمَاعِيل الطائفي، عن أبيه. عن أشياخ من أهل الطائف. قَالَ كان بمخلاف الطائف قوم منَ اليهود طردوا منَ اليمن ويثرب

(1/63)


فأقاموا بها للتجارة فوضعت عليهم الجزية ومن بعضهم ابتاع معاوية أمواله بالطائف. قَالُوا وكانت للعَبَّاس بْن عَبْد المطلب رحمه اللَّه أرض بالطائف.
وكان الزبيب يحمل منها فينبذ في السقاية للحاج، وكانت لعامة قريش أموال بالطائف يأتونها من مكة فيصلحونها فلما فتحت مكة وأسلم أهلها طمعت ثقيف فيها حَتَّى إذا فتحت الطائف أقرت في أيدي المكيين، وصارت أرض الطائف مخلافا من مخاليف مكة. قَالُوا وفي يوم الطائف أصيبت عين أَبِي سُفْيَان بْن حرب.
حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ. قَالَ حَدَّثَنَا الواقدي، عن محمد بن عبد الله، عن الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عَتَّابِ بْنِ أُسَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَنْ تُخْرَصَ أَعْنَابُ ثَقِيفَ كَخَرْصِ النَّخْلِ ثُمَّ يَأْخُذَ زَكَاتَهُمْ زَبِيبًا كَمَا تُؤَدَّى زَكَاةُ النَّخْلِ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لا يُخْرَصُ وَلَكِنَّهُ إِذَا وُضِعَ بِالأَرْضِ أُخِذَتِ الصَّدَقَةُ مِنْ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، وَقَالَ يَعْقُوبُ إِذَا وُضِعَ بِالأَرْضِ فَبَلَغَتْ مَكِيلَتُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَفِيهِ الزَّكَاةُ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ.
وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ الثَّوْرِيِّ. وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا. وقال مالك بن أنس. وابن أبي ذئب: السُّنَّةُ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُ الزَّكَاةُ عَلَى الْخَرْصِ كَمَا يُؤْخَذُ التَّمْرُ مِنَ النَّخْلِ.
حَدَّثَنَا شيبان بْن أَبِي شيبة. قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّاد بْن سلمة قال: حدثنا يحيى ابن سَعِيد. عن عَمْرو بْن شعيب أن عاملا لعمر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه عَلَى الطائف كتب إليه أن أصحاب العسل لا يرفعون إلينا ما كانوا يرفعون إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو من كل عشرة زقاق زق، فكتب إليه عُمَر إن فعلوا فأحموا لهم أوديتهم وإلا فلا تحموها. حَدَّثَنَا عَمْرو بْن مُحَمَّد الناقد، قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم، عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن إِسْحَاق، عن أبيه، عن جده، عن عُمَر أنه جعل في العسل العشر.
حَدَّثَنَا داود بْن عَبْد الحميد قاضي الرقة عن مروان بْن شجاع عن خصيف

(1/64)


عن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ أنه كتب إِلَى عماله عَلَى مكة والطائف: أن في الخلايا صدقة فخذوها منها قَالَ: والخلايا الكواثر وقال الواقدي وروى عَنِ ابْن عُمَر أنه قَالَ ليس في الخلايا صدقة، وقال مَالِك والثوري: لا زكاة في العسل وإن كثر، وهو قول الشافعي، وقال أَبُو حنيفة في قليل العسل وكثيره إذا كان في أرض العشر، العشر، وإذا كان في أرض الخراج فلا شيء عليه، لأنه لا يجتمع الزكاة والخراج عَلَى رجل، وقال الواقدي: أَخْبَرَنِي القاسم بن معن، ويعقوب، عن أبى حنفية أنه قَالَ في العسل يكون في أرض ذمي وهي من أرض العشر أنه لا عشر عَلَيْهِ فيه وعلى أرضه الخراج، وإذا كان في أرض تغلبي أخذ منه الخمس، وقول زفر مثل قول أبي حنيفة، وقال أَبُو يوسف: إذا كان العسل في أرض الخراج فلا شيء فيه وإذا كان في أرض العشر ففي كل عشرة أرطال رطل، وقال مُحَمَّد بْن الْحَسَن ليس فيما دون خمسة أفراق صدقة، وهو قول ابْن أَبِي ذئب.
وروى خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ الطحان عَنِ ابْن أَبِي ليلى أنه قَالَ إذا كان في أرض الخراج أو العشر ففي كل عشرة أرطال رطل، وهو قول الْحَسَن بن صالح ابن حي. وحدثني أَبُو عُبَيْد، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن كثير عَنِ الأوزاعي، عَنِ الزهري، قَالَ: في كل عشرة زقاق زق، وَحَدَّثَنَا. الْحُسَيْن بْن علي بْن الأسود قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن آدم، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن حميد الرقاشي، عن جَعْفَر بْن نجيح المديني، عن بشر بْن عاصم، وعُثْمَان بْن عَبْد اللَّهِ بْن أوس، أن سُفْيَان بْن عَبْد اللَّهِ الثقفي كتب إِلَى عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه، وكان عاملا له عَلَى الطائف يذكر أن قبله حيطانا فيها كروم وفيها منَ الفرسك والرمان، وما هُوَ أكثر غلة منَ الكروم أضافا واستأمره في العشر، فقال فكتب إليه عُمَر: ليس عليها عشر.
قال يَحْيَى بْن آدم، وهو قول سُفْيَان بْن سَعِيد، سمعته يقول ليس فيما

(1/65)


أخرجت الأرض صدقة إلا أربعة أشياء الحنطة، والشعير، والتمر والزبيب إذا بلغ كل واحد من ذلك خمسة أوسق، قَالَ وقال أَبُو حنيفة فيما أخرجت أرض العشر العشر ولو دستجة بقل، وهو قول زفر، وقال مَالِك، وابن أَبِي ذئب ويعقوب. ليس فى القبول وما أشبهها صدقة، وقالوا ليس فيما دون خمسة أوسق من الحنطة والشعير، والذرة، والسلت، والزوان، والتمر والزبيب، والأرز، والسمسم، والجلبان، وأنواع الحبوب التي تكال وتدخر مع العدس، واللوبيا، والحمص، والماش، والدخن، صدقة، فإذا بلغت خمسة أوسق ففيها صدقة، قَالَ الواقدي، وهذا قول ربيعة بْن أَبِي عَبْد الرَّحْمَنِ وقال الزهري. التوابل والقطاني كلها تزكى، وقال مَالِك. لا شيء في الكمثرى والفرسك. وهو الخوخ. ولا في الرمان وسائر أصناف الفواكه الرطبة من صدقة. وهو قول ابْن أَبِي ليلى. قَالَ أَبُو يوسف ليس الصدقة إلا فيما وقع عَلَيْهِ القفيز. وجرى عَلَيْهِ الكيل. وقال أَبُو الزناد. وابن أَبِي ذئب. وابن أبي سبرة لا شيء في الخضر والفواكه من صدقة ولكن الصدقة في أثمانها ساعة تباع وَحَدَّثَنِي عباس بن هشام. عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اسْتَعْمَلَ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِي الثَّقَفِيَّ عَلَى الطائف.
فتح تبالة وجرش
حدثني بكر بن القيثم، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ:
أَسْلَمَ أَهْلُ تَبَالَةَ وَجُرَشَ مِنْ غَيْرِ قتال، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على مَا أَسْلَمُوا عَلَيْهِ وَجَعَلَ عَلَى كُلِّ حَالِمٍ مِمَّنْ بِهِمَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ دِينَارًا.
وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ ضِيَافَةَ الْمُسْلِمِينَ. وَوَلَّى أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حرب جرش

(1/66)


غزوة تبوك وأيلة وذرح ومقنا والجرباء
قَالُوا: لما توجه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى تبوك من أرض الشام لغزو منَ انتهى إليه أن قَدْ تجمع له منَ الروم وعاملة ولخم وجذام وغيرهم وذلك في سنة تسع منَ الهجرة لم يلق كيدا، فأقام بتبوك أياما فصالحه أهلها عَلَى الجزية وأتاه وهو بها يحنة بْن رؤبة صاحب أيلة فصالحه عَلَى أن جعل له عَلَى كل حالم بأرضه في السنة دينارا فبلغ ذلك ثلاثمائة دينار، واشترط عليهم قرى من مر بهم منَ المسلمين، وكتب لهم كتابا بأن يحفظوا ويمنعوا.
فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، عن خالد بن ربيعة، عن طلحة الأبلى أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ لا يَزْدَادُ مِنْ أَهْلِ أَيْلَةَ عَلَى ثَلاثِمِائَةِ دِينَارٍ شَيْئًا، وَصَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ أَذْرُحَ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ فِي كُلِّ رَجَبٍ، وَصَالَحَ أَهْلَ الْجَرْبَاءِ عَلَى الْجِزْيَةِ وَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا، وَصَالَحَ أَهْلَ مَقْنَا عَلَى رُبُعِ عُرُوكِهِمْ وَغُزُولِهِمْ وَالْعُرُوكُ خَشَبٌ يُصْطَادُ عَلَيْهِ وَرُبُعُ كُرَاعِهِمْ وَحَلَقَتِهِمْ وَعَلَى رُبُعِ ثِمَارِهِمْ، وَكَانُوا يهودا وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ أَهْلِ مِصْرَ أَنَّهُ رَأَى كِتَابَهُمْ بِعَيْنِهِ فِي جِلْدٍ أَحْمَرَ دَارِسِ الْخَطِّ فَنَسَخَهُ وَأَمْلَى نُسْخَتَهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى بَنِي حَبِيبَةَ، وَأَهْلِ مَقْنَا، سَلْمٌ أَنْتُمْ فَإِنَّهُ أنْزلَ عَلَى أَنَّكُمْ رَاجِعُونَ إِلَى قَرْيَتِكُمْ، فَإِذَا جَاءَكُمْ كِتَابِي هَذَا فَإِنَّكُمْ آمِنُونَ وَلَكُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَدْ غَفَرَ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ. وَكُلُّ دَمٍ اتَّبَعْتُمْ بِهِ لا شَرِيكَ لَكُمْ فِي قَرْيَتِكُمْ إِلا رَسُولَ اللَّهِ. أَوْ رَسُولَ رَسُولِ اللَّه. وَأَنَّهُ لا ظُلْمَ عَلَيْهِ وَلا عُدْوَانَ. وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجِيرُكُمْ مِمَّا يُجِيرُ مِنْهُ نَفْسَهُ فَإِنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ بَزَّتَكُمْ وَرَقِيقَكُمْ وَالْكُرَاعَ وَالْحَلقَةَ إِلا مَا عَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ، أَوْ رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ، وَإِنَّ عَلَيْكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ رُبُعَ مَا أَخْرَجَتْ نَخِيلُكُمْ

(1/67)


وَرُبُعَ مَا صَادَتْ عَرْكُكُمْ، وَرُبُعَ مَا اغْتَزَلَتْ نِسَاؤُكُمْ. وَإِنَّكُمْ قَدْ ثُرِيتُمْ بَعْدَ ذَلِكُمْ وَرَفَعَكُمْ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كُلِّ جِزْيَةٍ وَسُخْرَةٍ. فَإِنْ سَمِعْتُمْ وَأَطَعْتُمْ فَعَلَى رَسُولِ اللَّهِ أَنْ يُكْرِمَ كَرِيمَكُمْ وَيَعْفُوَ عَنْ مُسِيئِكُمْ، وَمَنِ ائْتَمَرَ فِي بَنِي حَبِيبَةَ، وَأَهْلِ مَقْنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ. [1] وَمَنْ أَطْلَعَهُمْ بِشَرٍّ فَهُوَ شَرٌّ لَهُ، وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ أَمِيرٌ إِلا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَوْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وكتب على بن أبو طالب فى سنة تسع
فتح دومة الجندل
قَالَ. بعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي إِلَى أكيدر بْن عَبْد الملك الكندي ثُمَّ السكوني بدومة الجندل فأخذه أسيرا وقتل أخاه وسلبه قباء ديباج منسوجا بالذهب. قدم بأكيدر عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلم وكتب له ولأهل دومة كتابا نسخته هَذَا كتاب من مُحَمَّد رَسُول اللَّهِ لأكيدر. حين أجاب إِلَى الإسلام، وخلع
__________
[1] نشك بصحة الرواية القائلة أن هذه الرسائل بخط الإمام علي بن أبي طالب (ع) ، ونرجح أنها من «الإسرائيليات» التي غزت الكتب والتاريخ الإسلامي لتملأها سموما ومزاعم تحاول تزوير التاريخ والنيل من الإسلام ورجاله.
وحجتنا في ذلك أن هذه الرسائل لا يمكن أن تكون بخط الإمام علي بن أبي طالب (ع) نظرا لاختلاف أسلوبها عن أسلوب الإمام (ع) وهو الذي أوجد الكلام في علم النحو من جهة، ولكون الإمام علي بن أبي طالب (ع) لم يكن بصحبة الرسول صلى الله عليه وسلم إبان غزوة تبوك التي تمّ فيها صُلْحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأهل مقنا.
ولهذه الأسباب يمكننا أن نشك بصحة هذه الرسائل المنحولة والمدسوسة.
المحققون

(1/68)


الأنداد والأصنام، ولأهل دومة أن لنا الضاحية منَ الضحل، والبور والمعامي. [1] وأغفال [2] الأرض والحلقة [3] والسلاح والحافر [4] والحصن، ولكم الضامنة [5] منَ النخل، والمعين [6] منَ المعمور، لا تعدل سارحتكم [7] ولا تعد فاردتكم [8] ، ولا يحظر عليكم النبات [9] ، تقيمون الصلاة لوقتها، وتؤتون الزكاة بحقها، عليكم بذلك عهد اللَّه والميثاق، ولكم به الصدق والوفاء، شهد اللَّه ومن حضر منَ المسلمين. وَحَدَّثَنِي العباس بن هشام الكلبي، عن أبيه عن جَدِّهِ، قَالَ: وَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى أُكَيْدِرَ، فَقَدِمَ بِهِ عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ، فَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا، فلما قبض النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَعَ الصَّدَقَةَ وَنَقَضَ الْعَهْدَ وَخَرَجَ مِنْ دُومَةِ الْجَنْدَلِ فَلَحِقَ بِالْحِيرَةِ، وَابْتَنَى بِهَا بِنَاءً سَمَّاهُ دُومَةَ بِدُومَةِ الْجَنْدَلِ، وَأَسْلَمَ حُرْيَثُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَخُوهُ عَلَى مَا فِي يَدِهِ، فَسَلَّمَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ سُوَيْدُ بْنُ شَبِيبٍ الْكَلْبِيُّ:
لا يَأْمَنَنَّ قَوْمَ عِثَارٍ جُدُودُهُمْ ... كَمَا زَالَ مِنْ خَبَتِ ظَعَائِنِ أَكْدَرَا
قال: وتزوج يزيد بْن معاوية ابنة حريث أخى أكيدر، قال العباس
__________
[1] المعالي: الأرض الغير معروفة.
[2] الاغفال: التي لا أثر فيها.
[3] الجلقة: الدروع.
[4] الحافر: الخيول.
[5] الضامنة: النخل.
[6] المعين: الماء.
[7] سارحتكم: ماشيتكم.
[8] فاردتكم: الزائدة على ما تجب فيه الزكاة.
[9] لا يحظر عليكم النبات: لا تمنعون من الزراعة.

(1/69)


وأخبرني أَبِي عن عوانة بْن الحكم أن أَبَا بكر كتب إِلَى خَالِد بْن الوليد وهو بعين التمر يأمره أن يسير إِلَى أكيدر، فسار إليه فقتله، وفتح دومة، وكان قَدْ خرج منها بعد وفاة رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثم عاد إليها، فلما قتله خَالِد مضى إِلَى الشام، وقال الواقدي. لما شخص خَالِد منَ العراق يريد الشام مر بدومة الجندل ففتحها وأصاب سبايا، فكان فيمن سبا منها ليلى بنت الجودي الغساني ويقال أنها أصيبت في حاضر من غسان أصابتها خيل له، وابنة الجودى هي الَّتِي كان عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بكر الصديق هويها وقال فيها:
تذكرت ليلى والسماوة بيننا ... وما لابنة الجودي ليلى وماليا
فصارت له فتزوجها وغلبت عَلَيْهِ حَتَّى أعرض عمن سواها من نسائه ثُمَّ إنها اشتكت شكوى شديدة فتغيرت فقلاها، فقيل له متعها وردها إِلَى أهلها ففعل، وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا دُومَةَ الْجَنْدَلِ فِي سَنَةِ خَمْسٍ فَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا وَوَجَّهَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى أُكَيْدِرَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ تِسْعٍ بَعْدَ إِسْلامِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ بِعِشْرِينَ شَهْرًا، وَسَمِعَتْ بَعْضُ أَهْلِ الْحِيرَةِ يَذْكُرُ أَنَّ أُكَيْدِرَ وَإِخْوَتُهُ كَانُوا يَنْزِلُونَ دُومَةَ الْحِيرَةِ، وَكَانُوا يَزُورُونَ أَخْوَالِهِمْ مِنْ كَلْبٍ فَيَتْغَرَّبُونَ عِنْدَهُمْ، فَإِنَّهُمْ لَمَعَهُمْ وَقَدْ خَرَجُوا لِلصَّيْدِ إِذْ رُفِعَتْ لَهُمْ مَدِينَةٌ مُتَهَدِّمَةٌ لَمْ يَبْقَ إِلا بَعْضُ حِيطَانِهَا، وَكَانْتَ مَبْنِيَّةً بِالْجَنْدَلِ فَأَعَادُوا بِنَاءَهَا وَغَرَسُوا فِيهَا الزَّيْتُونَ وَغَيْرَهُ وَسَمَّوْهَا دُومَةَ الْجَنْدَلِ، تَفْرِقَةً بَيْنَهَا وَبَيْنَ دُومَةِ الْحِيرَةِ.
وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ الْمِصْرِيِّ، عَنْ يُونُسَ الأَيْلِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد ابن الوليد ابن الْمُغِيرَةِ إِلَى أَهْلِ دُومَةِ الْجَنْدَلِ، وَكَانُوا مِنْ عِبَادِ الْكُوفَةِ فَأَسَرَ أُكَيدِرَ رَأْسَهُمْ فَقَاضَاهُ عَلَى الجزية
.

(1/70)


صلح تجران
حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن صالح، عن الليث بن سعد عن يونس بن يزيد الابلى، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّيِّدُ وَالْعَاقِبُ وَفْدُ أَهْلِ نَجْرَانِ الْيَمَنِ فَسَأَلاهُ الصُّلْحَ، فَصَالَحَهُمَا عَنْ أَهْلِ نَجْرَانَ عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ فِي صَفَرٍ وَأَلْفِ حُلَّةٍ فِي رَجَبٍ، ثَمَنُ كُلِّ حُلَّةٍ أُوقِيَّةٌ وَالأُوقِيَّةُ وَزْنُ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، فَإِنْ أَدَّوْا حُلَّةً بِمَا فَوْقَ الأُوقِيَّةِ حُسِبَ لَهُمْ فَضْلُ ذَلِكَ، وَإِنْ أَدَّوْهَا بِمَا دُونَ الأُوقِيَّةِ أُخِذَ مِنْهُمُ النُّقْصَانُ، وَعَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ مَا أُعْطُوا مِنْ سِلاحٍ أَوْ خَيْلٍ أَوْ رِكَابٍ أَوْ عَرْضٍ مِنَ الْعُرُوضِ بِقِيمَتِهِ قِصَاصًا مِنَ الْحُلَلِ، وَعَلَى أَنْ يُضَيِّفُوا رُسُلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا فَمَا دُونَهُ، وَلا يحبسوهم فوق أن شهر، وعلى عَلَيْهِمْ عَارِيَةَ ثَلاثِينَ دِرْعًا وَثَلاثِينَ فَرَسًا، وَثَلاثِينَ بَعِيرًا إِنْ كَانَ بِالْيَمَنِ كَيْدٌ، وَأَنَّ مَا هلك من تلك العارية فأرسل ضَامِنُونَ لَهُ حَتَّى يَرُدُّوهُ، وَجَعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَعَهْدَهُ، وَأَنْ لا يُفْتَنُوا عَنْ دِينِهِمْ وَمَرَاتِبِهِمْ فِيهِ وَلا يُحْشَرُوا وَلا يُعْشَرُوا وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ لا يَأْكُلُوا الرِّبَا وَلا يَتَعَامَلُوا به.
حدثني الحسين ابن الأَسْوَدِ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ جَاءَ رَاهِبَا نَجْرَانَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَضَ عَلَيْهِمَا الإِسْلامَ، فَقَالا إِنَّا قَدْ أَسْلَمْنَا قَبْلَكَ، فَقَالَ: كَذَبْتُمَا يَمْنَعُكُمَا مِنَ الإِسْلامِ ثَلاثٌ، أَكْلُكُمَا الخنزير وعبادتكما الصليب، وقولكما الله وَلَدٌ قَالا فَمَنْ أَبُو عِيسَى، قَالَ الْحَسَنُ، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَعْجَلُ حَتَّى يَأْمُرَهُ رَبُّهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) 3: 58- 59 إلى قوله (الْكاذِبِينَ) 3: 61 فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمَا ثُمَّ دَعَاهُمَا إِلَى الْمُبَاهَلَةِ وَأَخَذَ بِيَدِ فَاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ

(1/71)


اصْعَدِ الْجَبَلَ وَلا تُبَاهِلْهُ فَإِنَّكَ إِنْ بَاهَلْتَهُ بُؤْتَ بِاللَّعْنَةِ، قَالَ فَمَا تَرَى، قَالَ:
أَرَى أَنْ نُعْطِيَهُ الْخَرَاجَ وَلا نُبَاهِلُهُ. حدثني الْحُسَيْن، قَالَ. حدثني يَحْيَى بْن آدم، قَالَ أخذت نسخة كتاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأهل نجران من كتاب رجل، عَنِ الْحَسَن بْن صالح رحمه اللَّه، وهي. بسم اللَّه الرَّحْمَنِ الرحيم، هَذَا ما كتب النَّبِيّ رَسُول اللَّهِ مُحَمَّد لنجران إذ كان له عليهم حكمة في كل ثمرة وصفراء وبيضاء وسوداء رقيق فافضل عليهم وترك ذلك ألفي حلة حلل الأواقي، في كل رجب ألف حلة، وفي كل صفر ألف حلة كل حلة أوقية، وما زادت حلل الخراج أو نقصت عَنِ الأواقي فبالحساب، وما نقصوا من درع أو خيل أو ركاب أو عرض أخذ منهم بالحساب وعلى نحران مثواة رسلي شهرا فدونه، ولا يحبس رسلي فوق شهر وعليهم عارية ثلاثين درعا، وثلاثين فرسا، وثلاثين بعيرا، إذا كان كيد باليمن ذو مغدرة أي إذا كان كيد بغدر منهم، وما هلك مما أعاروا رسلي من خيل أو ركاب فهم ضمن حَتَّى يردوه إليهم، ولنجران وحاشيتها جوار اللَّه وذمة مُحَمَّد النَّبِيّ رَسُول اللَّهِ عَلَى أنفسهم، وملتهم، وأرضهم، وأموالهم. وغائبهم وشاهدهم وعيرهم وبعثهم. وأمثلتهم لا يغير ما كانوا عَلَيْهِ ولا يغير حق من حقوقهم. وأمثلتهم لا يفتن أسقف من أسقفيته. ولا راهب من رهبانيته. ولا واقه من وقاهيته عَلَى ما تحت أيديهم من قليل أو كثير، وليس عليهم رهق ولا دم جاهلية، ولا يحشرون ولا يعشرون ولا يطأ أرضهم جيش. من سأل منهم حقا فبينهم النصف. غير ظالمين ولا مظلومين بنجران. ومن أكل منهم ربا من ذي قبل فذمتي منه بريئة. ولا يؤخذ منهم رجل بظلم آخر ولهم عَلَى ما في هَذِهِ الصحيفة جوار اللَّه. وذمة مُحَمَّد النَّبِيّ أبدا حَتَّى يأتي أمر اللَّه ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم غير مكلفين شيئا بظلم شهد أَبُو سُفْيَان بْن حرب وغيلان بْن عَمْرو ومالك

(1/72)


ابن عوف من بني نَصْر، والأقرع بْن حابس الحنظلي، والمغيرة وكتب. وقال يَحْيَى بْن آدم، وقد رأيت كتابا في أيدي النجرانيين كانت نسخته شبيهه بهذه النسخة وفي أسفله، وكتب عَلي بْن أَبِي طالب، ولا أدري ما أقول فيه، قَالُوا ولما استخلف أَبُو بكر الصديق رضي اللَّه عنه حملهم عَلَى ذلك فكتب لهم كتابا عَلَى نحو كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما استخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصابوا الربا وكثر فخافهم عَلَى الإِسْلام فأجلاهم وكتب لهم.
«أما بعد» فمن وقعوا به من أهل الشام والعراق فليوسعهم من حرث الأرض، وما اعتملوا من شيء فهو لهم مكان أرضهم باليمن، فتفرقوا فنزل بعضهم الشام ونزل بعضهم النجرانية بناحية الكوفة، وبهم سميت ودخل يهود نجران مع النصارى في الصلح، وكانوا كالأتباع لهم، فلما استخلف عُثْمَان بْن عَفَّان كتب إِلَى الوليد بْن عقبة بْن أَبِي معيط وهو عامله عَلَى الكوفة.
«أما بعد» فإن العاقب، والأسقف، وسراة نجران، أتوني بكتاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأروني شرط عُمَر، وقد سألت عُثْمَان بْن حنيف عن ذلك فأنبأني أنه كان بحث عن أمرهم فوجده ضارا للدهاقين، لردعهم عن أرضهم، وإني قَدْ وضعت عنهم من جزيتهم مائتي حلة لوجه اللَّه، وعقبى لهم من أرضهم، وإني أوصيك بهم، فإنهم قوم لهم ذمة، وسمعت بعض العلماء يذكر أن عُمَر كتب لهم.
«أما بعد» فمن وقعوا به من أهل الشام والعراق فليوسعهم من حرث الأرض، وسمعت بعضهم يقول من خريب الأرض، وحدثني عبد الأعلى ابن حماد النرسي، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن يحيى بن سعيد، عن إسماعيل ابن حكيم، عن عمر بن عبد العزيز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فِي مَرَضِهِ: لا يَبْقَيَنَّ دِينَانِ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ، فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ

(1/73)


رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَجْلَى أَهْلَ نَجْرَانَ إِلَى النَّجْرَانِيَّةِ، وَاشْتَرَى عَقَارَاتِهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ.
وحدثني العَبَّاس بْن هشام الكلبي عن أبيه عن جده، قال: سميت نجران اليمن بنجران بْن زيد بْن سبأ بْن يشجب بْن يعرب بْن قحطان. وحدثني الحسين بن الأسود، قال حدثنا وكيع بْن الجراح، قَالَ حَدَّثَنَا الأعمش عن سالم بْن أَبِي الجعد. قَالَ: كان أهل نجران قَدْ بلغوا أربعين ألفا فتحاسدوا بينهم: فأتوا عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه فقالوا: أجلنا، وكان عُمَر قَدْ خافهم عَلَى المسلمين فاغتنمها فأجلاهم فندموا بعد ذلك وأتوه فقالوا: أقلنا فأبى ذلك، فلما قام عَلي بْن أَبِي طالب رضي اللَّه عنه أتوه فقالوا: ننشدك خطك بيمينك وشفاعتك لنا عند نبيك إلا أقلتنا، فقال إن عُمَر كان رشيد الأمر، وأنا أكره خلافه. وحدثني أَبُو مَسْعُود الكوفي، قَالَ حدثني مُحَمَّد بْن مروان، والهيثم بْن عدي، عَنِ الكلبي، أن صاحب النجرانية بالكوفة كان يبعث رسله إِلَى جميع من بالشام والنواحي، من أهل نجران، فيجبونهم مالا يقسمه عليهم لإقامة الحلل، فلما ولى معاوية أو يزيد بْن معاوية، شكوا إليه تفرقهم وموت من مات وإسلام من أسلم منهم وأحضروه كتاب عُثْمَان بْن عَفَّان بما حطهم منَ الحلل وقالوا إنما ازددنا نقصانا وضعفا، فوضع عنهم مائتي حلة يتمة أربعمائة حلة، فلما ولي الحجاج بْن يوسف العراق، وخرج ابْن الأشعث عَلَيْهِ اتهم الدهاقين بموالاته واتهمهم معهم فردهم إلى ألف وثمانمائة حلة وأخذهم بحلل وشى فلما ولي عُمَر بْن عَبْد العزيز شكوا إليه فناءهم ونقصانهم وإلحاح الأعراب بالغارة عليهم وتحميلهم إياهم المؤمن المجحفة بهم وظلم الحجاج إياهم، فأمر فأحصوا فوجدوا عَلَى العشر من عدتهم الأولى، فقال أرى هذا الصلح جزية على رؤسهم وليس هُوَ بصلح عن أرضهم وجزية الميت والمسلم ساقطة فألزمهم مائتي حلة قيمتها ثمانية ألف درهم، فلما ولي يوسف بْن عُمَر العراق، في أيام

(1/74)


الوليد بْن يزيد ردهم إِلَى أمرهم الأول عصبية للحجاج، فلما استخلف أمير الْمُؤْمِنِين أَبُو العَبَّاس رحمه اللَّه عمدوا إِلَى طريقه يوم ظهر بالكوفة فألقوا فيه الريحان ونثروا عَلَيْهِ وهو منصرف إِلَى منزله منَ المسجد، فأعجبه ذلك من فعلهم، ثُمَّ أنهم رفعوا إليه في أمرهم وأعلموه قلتهم وما كان من عُمَر بْن عَبْد العزيز ويوسف بْن عُمَر وقالوا: إن لنا نسبا في أخوالك بني الحارث بْن كعب، وتكلم فيهم عَبْد اللَّهِ بْن الربيع الحارثي، وصدقهم الحجاج بْن أرطاة فيما ادعوا، فردهم أَبُو العَبَّاس صلوات اللَّه عَلَيْهِ إِلَى مائتي حلة قيمتها ثمانية ألف درهم.
قَالَ أَبُو مَسْعُود: فلما استخلف الرشيد هارون أمير الْمُؤْمِنِين، وشخص إِلَى الكوفة يريد الحج رفعوا إليه في أمرهم، وشكوا تعنت العمال إياهم، فأمر فكتب لهم كتاب بالمائتي حلة قَدْ رأيته، وأمر أن يعفوا من معاملة العمال وأن يكون مؤداهم بيت المال بالحضرة.
حَدَّثَنَا عَمْرو الناقد، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد الله بن وهب المصري، عن يونس ابن يزيد، عَنِ ابْن شهاب الزهري. قَالَ: أنزلت في كفار قريش والعرب «وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ» 2: 193 وأنزلت في أهل الكتاب (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ. وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ) 9: 29 إلى قوله (صاغِرُونَ) 9: 29. فكان أول من أعطى الجزية من أهل الكتاب أهل نجران فيما علمنا. وكانوا نصارى. ثُمَّ أعطى أهل أيلة. وأذرح. وأهل أذرعات الجزية فى غزوة تبوك.
وفود أهل اليمن إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإسلامهم
قَالُوا: لما بلغ أهل اليمن ظهور رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعلو حقه أتته وفودهم. فكتب لهم كتابا بإقرارهم عَلَى ما أسلموا عَلَيْهِ من أموالهم،

(1/75)


وأرضيهم، وركازهم، فأسلموا ووجه إليهم رسله وعماله، لتعريفهم شرائع الإسلام وسننه. وقبض صدقاتهم. وجز رءوس من أقام عَلَى النصرانية واليهودية والمجوسية منهم.
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا وكيع بن الجراح، قال: حدثنا يزيد ابن إِبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل الْيَمَنِ، مَنْ صَلَّى صَلاتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا. وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا. فَذَلِكُمُ الْمُسْلِمُ لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ أَبَى فَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ وحدثني هدبة، قَالَ: حَدَّثَنَا يزيد بْن إِبْرَاهِيم، عَنِ الْحَسَن بمثله، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن سعيد ابن الْعَاصِ أَمِيرًا إِلَى صَنْعَاءَ وَأَرْضِهَا قَالَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم المهاجرين أبى أمية ابن الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيَّ صَنْعَاءَ فَقُبِضَ وَهُوَ عَلَيْهَا، قَالَ وَقَالَ آخَرُونَ إِنَّمَا وَلَّى الْمُهَاجِرَ صَنْعَاءَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَوَلَّى خَالِدَ بْنَ سَعِيدٍ مَخَالِيفَ أَعْلَى الْيَمَنِ.
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ، وَالْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ: وَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُهَاجِرَ كِنْدَةَ وَالصَّدَفَ. فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
كَتَبَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى زِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ الْبَيَاضِيِّ مِنَ الأَنْصَارِ بِوِلايَةِ كِنْدَةَ وَالصَّدَفِ إِلَى مَا كَانَ يَتَوَلَّى مِنْ حَضْرَمَوْتَ. وَوَلَّى الْمُهَاجِرَ صَنْعَاءَ ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ بِإِنْجَادِ زِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ. وَلَمْ يَعْزِلْهُ عَنْ صَنْعَاءَ.
وَأَجْمَعُوا جَمِيعًا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَّى زِيَادَ بْنَ لَبِيدٍ حَضْرَمَوْتَ. قَالُوا وَوَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ زَبِيدَ.
وَرِمَعَ وَعَدَنَ وَالسَّاحِلَ: وَوَلَّى مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ الجَنَدَ وَصَيَّرَ إِلَيْهِ الْقَضَاءَ وَقبض جَمِيعَ الصَّدَقَاتِ بِالْيَمَنِ: وَوَلَّى نَجْرَانَ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ الأَنْصَارِيَّ، وَيُقَالُ:
إِنَّهُ وَلَّى أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ نَجْرَانَ بَعْدَ عَمْرِو بن حزم.

(1/76)


وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْمُقْرِئُ، قَالَ: حَدَّثَنِي الثِّقَةُ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى ذُرْعَةَ بْنِ ذِي يَزَنَ.
«أَمَّا بَعْدُ» فَإِذَا أَتَاكُمْ رَسُولِي مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَصْحَابُهُ فَاجْمَعُوا مَا عِنْدَكُمْ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالْجِزْيَةِ فَأَبْلِغُوهُ ذَلِكَ، فَإِنَّ أَمِيرَ رُسُلِي مُعَاذٌ وَهُوَ مِنْ صَالِحِي مَنْ قَبْلِي، وَأَنَّ مَالِكَ بْنَ مُرَارَةَ الرَّهَاوِيَّ حَدَّثَنِي أَنَّكَ قَدِ اسْتَلَمْتَ أَوَّلَ حِمْيَرَ، وَفَارَقْتَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَبْشِرْ بِخَيْرٍ، وَأَنَا آمُرُكُمْ يَا مَعْشَرَ حِمْيَرَ أَلا تَخُونُوا، وَلا تَحَادُّوا، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ مَوْلَى غَنِيِّكُمْ وَفَقِيرِكُمْ، وَأَنَّ الصَّدَقَةَ لا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلا لآلِهِ، إِنَّمَا هِيَ زَكَاةٌ تُزَكُّونَ بِهَا: هِيَ لِفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّ مَالِكًا قَدْ بَلَّغَ الْخَبَرَ وَحَفِظَ الْغَيْبَ وَأَنَّ مُعَاذًا مِنْ صَالِحِي أَهْلِي وَذَوِي دِينِهِمْ، فَآمُرُكُمْ بِهِ خَيْرًا فَإِنَّهُ مَنْظُورٌ إِلَيْهِ وَالسَّلامُ. وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بن الأسود، قال حدثني يحيى بن آدم، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ مَوْهَبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ يَقُولُ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ عَلَى صَدَقَاتِ الْيَمَنِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ النَّخْلِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْعِنَبِ أَوْ قَالَ الزَّبِيبِ الْعُشْرَ وَنِصْفَ الْعُشْرِ. وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ، قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا زِيَادٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرحيم: هذا بيان من الله ورسوله (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) : عَهْدٌ مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ، لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ، أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ فِي أَمْرِهِ كُلِّهِ، وَأَنْ يَأْخُذَ مِنَ الْمَغَانِمِ خُمُسَ اللَّهِ، وَمَا كُتِبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الصَّدَقَةِ مِنَ الْعَقَارِ عُشْرَ مَا سَقَى الْبَعْلَ وَسَقَتِ السَّمَاءُ وَنِصْفَ

(1/77)


الْعُشْرِ مِمَّا سَقَى الْغَرْبُ. وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ، قَالَ: حدثني يحيى بن آدم، قال:
حدثنا زياد بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مُلُوكِ حِمْيَرَ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ، إِلَى الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ كُلالٍ، وَنُعَيْمِ بْنِ عبد كلال، وشرح بن كُلالٍ، وَإِلَى النُّعْمَانِ قِيلَ ذِي رُعَيْنٍ، وَمُعَافِرَ وَهَمْدَانَ، أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ هَدَاكُمْ بِهِدَايَتِهِ، أَنْ أَصْلَحْتُمْ وَأَطَعْتُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَأَقَمْتُمُ الصَّلاةَ، وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ، وَأَعْطَيْتُمْ مِنَ الْمَغَانِمِ خُمُسَ اللَّهِ، وَسَهْمَ النَّبِيِّ وَصَفَيِّهِ وَمَا كَتَبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الصَّدَقَةِ مِنَ الْعَقَارِ عُشْرَ مَا سَقَتِ الْعَيْنُ وَسَقَتِ السَّمَاءُ وَمَا سُقِيَ بِالْغَرْبِ نِصْفَ الْعُشْرِ. وقال هِشَام بْن مُحَمَّد الكلبي، كان كتاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عريب، والحارث ابني عَبْد كلال بْن عريب بْن ليشرح. وَحَدَّثَنَا يُوسُفُ ابن مُوسَى الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ عَنِ الْحَكَمِ، قَالَ: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَهُوَ بِالْيَمَنِ أَنَّ فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ أَوْ سُقِيَ غَيْلا الْعُشْرَ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالْغَرْبِ وَالدَّالِيَةِ نِصْفَ الْعُشْرِ، وَأَنَّ عَلَى كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عَدْلَ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَافِرِ، وَأَنْ لا يُفْتَنَ يَهُودِيٌّ عَنْ يَهُودِيَّتِهِ، قَالُوا الْغَيْلُ السَّيْحُ: وَالْغَرْبُ الدَّلْوُ يَعْنِي مَا سُقِيَ بِالسَّوَانِي، وَالدَّوَالِي. وَالدَّوَالِيبِ، وَالْغَرَّافَاتِ، وَالْبَعْلِ السَّيْحُ أَيْضًا: وَالْمَعَافِرُ ثِيَابٌ لَهُمْ.
حَدَّثَنَا أَبُو عبيد قال: حدثنا مروان بن معاوية، عن الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ إِلَى الْيَمَنِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخَذَ مِنْ كُلِّ ثَلاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعًا، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، وَمِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عَدْلَ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَافِرِ.
وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْبَانُ الْبُرْجُمِيُّ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

(1/78)


عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجِوسِ هَجَرَ، وَمَجُوسِ أَهْلِ الْيَمَنِ، وَفَرَضَ عَلَى كُلِّ مَنْ بَلَغَ الْحُلُمَ مِنْ مَجُوسِ الْيَمَنِ مِنْ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ دِينَارًا أَوْ قِيمَتَهُ مِنَ الْمَعَافِرِ.
حَدَّثَنَا عمرو الناقد، عن عبد الله بن وهب، عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ الْجِزْيَةَ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ دِينَارًا.
حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ الأُبَلِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَزَعَةُ بْنُ سُوَيْدٍ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ زَكَرِيَّا بْنَ إِسْحَاقَ يُحَدِّثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ صَيْفِيٍّ، أَوْ أَبِي مَعْبَدٍ «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذَ ابن جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ قَالَ: أَمَا إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقُلْ لَهُمْ.
إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْكُمْ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ، فَإِنْ أَطَاعُوكَ فَقُلْ:
إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْكُمْ فِي السَّنَةِ صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَإِنْ أَطَاعُوكَ فَقُلْ:
إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْكُمْ حَجَّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا، فَإِنْ أَطَاعُوكَ فَقُلْ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْكُمْ فِي أَمْوَالِكُمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنَيَائِكُمْ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِكُمْ، فَإِنْ أَطَاعُوكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ. وَإِيَّاكَ وَدَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ وَلا سِتْرٌ» . حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْلَمَةَ. قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَأَةَ. عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ الْحَجَّاجُ صَدِّقُوا كُلَّ خَضْرَاءَ. فَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى: صَدَقَ. فَقَالَ مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ لأَبِي بُرْدَةَ: هَذَا الآنَ يَزْعُمُ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ الصَّدَقَةَ مِنَ التَّمْرِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ. وَحَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ. قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ. عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ. قَالَ: قَرَأْتُ كِتَابَ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله

(1/79)


عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ فَكَانَ فِيهِ، أَنْ تُؤْخَذَ الصَّدَقَةُ مِنَ الْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، وَالذُّرَةِ.
حَدَّثَنَا علي بْن عَبْد اللَّهِ المديني، قال: حدثنا سفيان بن عبينة عَنِ ابْن أَبِي نجيح، قَالَ: سألت مجاهدا لم وضع عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه عَلَى أهل الشام منَ الجزية أكثر مما وضع عَلَى أهل اليمن، فقال لليسار. حدثنا الحسين بن علي بن الأسود، قال حَدَّثَنَا وَكِيع عن سُفْيَان عَنِ إِبْرَاهِيم بْن ميسرة عن طاوس، قَالَ: لما أتى معاذ اليمن أتى بأوقاص البقر، والعسل، فقال لم أومر في هَذَا بشيء.
وَحَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الأسود، قال: حدثنا يحيى بن آدم، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ قَيْسٍ الْمَازِنِيِّ عَنْ رَجُلٍ عن أبيض ابن حَمَّالٍ أَنَّهُ اسْتَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم الملح الذي بما رب، فَقَالَ رَجُلٌ إِنَّهُ كَالْمَاءِ الْعِدِّ، فَأَبَى أَنْ يُقْطِعَهُ إِيَّاهُ. وَحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ وَغَيْرُهُ عَنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى بْنِ قَيْسٍ الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ أَبْيَضَ بْنِ حَمَّالٍ بِمِثْلِهِ. وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَهُ أَرْضًا بِحَضْرَمَوْتَ.
وحدثني عَلي بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي سيف، مولى قريش، عن مسلمة ابن محارب، قَالَ: لما ولي مُحَمَّد بْن يوسف أخو الحجاج بْن يوسف اليمن، أساء السيرة، وظلم الرعية، وأخذ أراضي الناس بغير حقها، فكان مما اغتصبه الحرجة، قَالَ: وضرب عَلَى أهل اليمن خراجا جعله وظيفة عليهم، فلما ولى عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ كتب إِلَى عامله يأمره بإلغاء تلك الوظيفة والاقتصار عَلَى العشر، وقال: والله لأن لا تأتيني منَ اليمين حفنة كتم أحب إِلَى منَ إقرار هَذِهِ الوظيفة، فلما ولي يزيد بْن عَبْد الملك أمر بردها.

(1/80)


حدثني الْحَسَن بْن مُحَمَّد الزعفراني عَنِ الشافعي عن أَبِي عَبْد الرَّحْمَنِ هِشَام بْن يوسف قاضي صنعاء، أن أهل خفاش أخرجوا كتابا من أَبِي بكر الصديق رضي اللَّه عنه في قطعة أديم يأمرهم فيه أن يؤدوا صدقة الورس، وقال مَالِك، وابن أَبِي ذئب، وجميع أهل الحجاز منَ الفقهاء، وسُفْيَان الثوري، وأبو يوسف: لا زكاة في الورس، والوسمة، والقرط، والكتم، والحناء، والورد، وقال أَبُو حنيفة: في قليل ذلك وكثيرة الزكاة، وقال مَالِك في الزعفران. إذا بلغ ثمنه مائتي درهم وبيع خمسة دراهم، وهو قول أَبِي الزناد، وروى عنه أيضا أنه قَالَ: لا شيء في الزعفران، وقال أَبُو حنيفة وزفر في قليله وكثيره الزكاة، وقال أَبُو يوسف وَمُحَمَّد بْن الْحَسَن.
إذا بلغ ثمنه أدنى ثمن خمسة أوسق تمر أو حنطة أو شعير أو ذرة أو صنف من أصناف الحبوب ففيه الصدقة، وقال ابْن أَبِي ليلى ليس في الخضر شيء، وهو قول الشعبي، وقال عطاء، وإِبْرَاهِيم النخعي: فيما أخرجت أرض العشر من قليل وكثير العشر أو نصف العشر.
وحدثني الْحُسَيْن بْن الأسود، قال: حدثنا يحيى بن آدم عن سَعِيد بْن سالم، عَنِ الصلت بْن دينار، عَنِ ابْن أبي رجاء العطاردي، قَالَ: كان ابْن عَبَّاس بالبصرة يأخذ صدقاتنا حَتَّى دساتج الكراث. وَحَدَّثَنَا الْحُسَيْن، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن آدم قَالَ: حَدَّثَنَا ابْن المبارك. عن معمر، عن طاوس، وعكرمة أنهما قالا: ليس في الورس والعطب- وهو القطن- زكاة، وقال أَبُو حنيفة وبشر في الذمة يملكون الأرضين من الأراضى العشر مثل اليمن التي اسلم عليها أهلها والبصرة التي أحياها المسلمون وما أقطعته الخلفاء من القطائع التي لا حق فيها لمسلم ولا معاهد أنهم يلزمون الجزية في رقابهم، ويوضع الخراج عَلَى أرضهم بقدر احتمالها، ويكون مجرى ما يجتبى منهم مجرى مال الخراج، فإن أسلم منهم مُسْلِم وضعت عنه الجزية، والزم الخراج في أرضه أبدا عَلَى قياس السواد، وهو قول ابْن أَبِي ليلى.

(1/81)


وقال ابْن شبرمة، وأبو يوسف: توضع عليهم الجزية في رقابهم وعليهم الضعف مما عَلَى المسلمين في أرضهم. وهو الخمس أو العشر، وقاسا ذلك عَلَى أمر نصارى بني تغلب، وقال أَبُو يوسف: ما أخذ منهم فسبيله الخراج، فإن أسلم الذمي أو خرجت أرضه إِلَى مُسْلِم صارت عشرية، وقد روى ذلك عن عطاء، والحسن، وقال ابْن أَبِي ذئب، وابن أَبِي سبرة، وشريك بْن عَبْد اللَّهِ النخعي، والشافعي: عليهم الجزية في رقابهم ولا خراج ولا عشر في أرضهم، لأنهم ليسوا ممن تجب عَلَيْهِ الزكاة وليست أرضهم بأرض خراج، وهو قول الْحَسَن بْن صالح بْن حي الهمدانى، وقال سُفْيَان الثوري، وَمُحَمَّد بْن الْحَسَن: عليهم العشر غير مضعف، لأن الحكم حكم الأرض ولا ينظر إِلَى مالكها.
وقال الأوزاعي، وشريك بْن عَبْد اللَّهِ، إن كانوا ذمة مثل يهود اليمن التي أسلم أهلها وهم بها: لم تؤخذ منهم شيئا غير الجزية ولا تدع الذمي يبتاع أرضا من أراضي العشر ولا يدخل فيها- يعنى يملكها به- وقال الواقدي:
سألت مالكا عَنِ اليهودي من يهود الحجاز يبتاع أرضا بالجرف فيزرعها، قَالَ: يؤخذ منه العشر، قلت أو لست تزعم إنه لا عشر عَلَى أرض ذمي إذا ملك أرض عشر، فقال: ذاك إذا أقاموا ببلادهم فأما إذا خرجوا من بلادهم فإنها تجارة، وقال أَبُو الزناد، ومالك بْن أَنَس، وابن أَبِي ذئب، والثوري، وأبو حنيفة ويعقوب، في التغلبي يزرع أرضا من أرض العشر إنه يؤخذ منه ضعف العشر وإذا اكترى رجل مزرعة عشرية فإن مالكا. والثوري وابن أبي ذئب، ويعقوب، قَالُوا: العشر عَلَى صاحب الزرع، وقال أَبُو حنيفة: هُوَ عَلَى رب الأرض، وهو قول زفر، وقال أبو حنيفة إذا لم يؤد رجل عشر ارضه سنتين فإن السلطان يأخذ منه العشر لما يستأنف، وكذلك ارض الخراج، وقال أَبُو شمر: يأخذ ذلك منه لما مضى لأنه حق وجب فى ماله
.

(1/82)


فتح عمان
قَالُوا: كان الأغلبين عَلَى عمان الأزد وكان بها من غيرهم بشر كثير في البوادي فلما كانت سنة ثمان بعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا زيد الأنصاري أحد الخزرج، وهو أحد من جمع القرآن عَلَى عهد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واسمه فيما ذكر الكلبي: قيس بْن سكن بْن زيد بْن حرام، وقال بعض البصريين اسمه عَمْرو بْن أخطب، جد عروة بن ثابت بن عمرو ابن أخطب، وقال سَعِيد بْن أوس الأنصاري: اسمه ثابت بْن زيد، وبعث عَمْرو بْن العاصي السهمي إِلَى عُبَيْد، وجيفر ابني الجلندي بكتاب منه يدعوهما فيه إِلَى الإِسْلام، وقال: إن أجاب القوم إِلَى شهادة الحق، وأطاعوا اللَّه ورسوله فعمرو الأمير وأبو زيد عَلَى الصلاة، وأخذ الإِسْلام عَلَى الناس وتعليمهم القرآن والسنن، فلما قدم أَبُو زيد، وعمرو عمان وجدا عُبَيْدا، وجيفرا بصحار عَلَى ساحل البحر، فأوصلا كتاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليهما فأسلما ودعوا العرب هناك إِلَى الإِسْلام فأجابوا إليه ورغبوا فيه، فلم يزل عَمْرو وأبو زيد بعمان حَتَّى قبض النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويقال: إن أبا زيد قدم المدينة قبل ذلك.
قَالُوا: ولما قبض رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ارتدت الأزد وعليها لقيط بْن مَالِك ذو التاج وانحازت إِلَى دبا وبعضهم يقول دما في دبا فوجه أَبُو بكر رضي اللَّه عنه إليهم حذيفة بْن محصن البارقي منَ الأزد، وعكرمة ابْن أَبِي جهل ابن هِشَام المخزومي، فواقعا لقيطا ومن معه فقتلاه وسبيا من أهل دبا سبيا بعثا به إِلَى أَبِي بكر رحمه اللَّه، ثُمَّ أن الأزد راجعت الإِسْلام وارتدت طوائف من أهل عمان ولحقوا بالشحر فسار إليهم عكرمة فظفر بهم وأصاب منهم مغنما وقتل بشرا، وجمع قوم من مهرة بْن حيدان بْن

(1/83)


عَمْرو بْن الحاف بْن قضاعة جمعا فأتاهم عكرمة فلم يقاتلوه وأدوا الصدقة، وولى أَبُو بكر رضي اللَّه عنه حذيفة بْن محصن عمان، فمات أَبُو بكر وهو عليها، وصرف عكرمة ووجه إِلَى اليمن.
ولم تزل عمان مستقيمة الأمر يؤدى أهلها صدقات أموالها، ويؤخذ ممن بها منَ الذمة جزية رؤسهم حَتَّى كانت خلافة الرشيد صلوات اللَّه عَلَيْهِ فولاها عِيسَى بْن جَعْفَر بْن سُلَيْمَان بْن علي بْن عَبْد اللَّهِ بْن العَبَّاس، فخرج إليها بأهل البصرة فجعلوا يفجرون بالنساء ويسلبونهم ويظهرون المعازف فبلغ ذلك أهل عمان وجلهم شراة، فحاربوه ومنعوه من دخولها، ثُمَّ قدروا عَلَيْهِ فقتلوه وصلبوه وامتنعوا عَلَى السلطان فلم يعطوه طاعة، وولوا أمرهم رجلا منهم، وقد قَالَ قوم أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان وجه أَبَا زيد بكتابه إِلَى عُبَيْد، وجيفر ابني الجلندي الأزديين في سنة ست ووجه عمرا في سنة ثمان بعد إسلامه بقليل، وكان إسلامه، وإسلام خَالِد بْن الوليد، وعُثْمَان بْن طلحة العبدي في صفر سنة ثمان أقبل منَ الحبشة حَتَّى أتى إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي زيد: خذ الصدقة منَ المسلمين والجزية منَ المجوسِ حدثني أَبُو الْحَسَن المدائني عَنِ المبارك بن فضالة، قال: كتب عمر ابن عَبْد الْعَزِيزِ إِلَى عدي بْن أرطأة الفزاري عامله عَلَى البصرة.
«أما بعد» فإني كنت كتبت إِلَى عَمْرو بْن عَبْد اللَّهِ أن يقسم ما وجد بعمان من عشور التمر والحب في فقراء أهلها، ومن سقط إليها من أهل البادية، ومن إضافته إليها الحاجة والمسكنة وانقطاع السبيل، فكتب إِلَى أنه سأل عاملك قبله عن ذلك الطعام والتمر فذكر أنه قَدْ باعه وحمل إليك ثمنه، فأردد إِلَى عَمْرو ما كان حمل إليك عاملك عَلَى عمان من ثمن التمر والحب ليضعه في المواضع الَّتِي أمرته بها ويصرفه فيها إن شاء الله والسلام
.

(1/84)


غزوة البحرين
قَالُوا: وكانت أرض البحرين من مملكة الفرس، وكان بها خلق كثير منَ العرب من عَبْد القيس، وبكر بْن وائل وتميم مقيمين فى باديتها وكان على العرب بها من قبل الفرس عَلَى عهد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المنذر بْن ساوَى أحد بني عَبْد اللَّهِ بْن زيد بْن عَبْد اللَّهِ بْن دارم بْن مَالِك بْن حنظلة، وعبد اللَّه بْن زيد هَذَا هُوَ الأسبذي نسب إِلَى قرية بهجر يقال لها الأسبذ، ويقال: أنه نسب إِلَى الأسبذيين وهم قوم كانوا يعبدون الخيل بالبحرين فلما كانت سنة ثمان وجه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العلاء بْن عَبْد اللَّهِ بْن عماد الحضرمي حليف بنى عبد الشمس إِلَى البحرين ليدعو أهلها إِلَى الإِسْلام أو الجزية، وكتب معه إِلَى المنذر بْن ساوى وإلى سيبخت مرزبان هجر يدعوهما إِلَى الإِسْلام أو الجزية فأسلما وأسلم معهما جميع العرب هناك وبعض العجم. فأما أهل الأرض منَ المجوس واليهود والنصارى فإنهم صالحوا العلاء وكتب بينه وبينهم كتابا نسخته.
بسم اللَّه الرَّحْمَنِ الرحيم: هَذَا ما صالح عَلَيْهِ العلاء بْن الحضرمي أهل البحرين صالحهم عَلَى أن يكفونا العمل ويقاسمونا التمر، فمن لم يف فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين. وأما جزية الرؤوس فإنه أخذ لها من كل حالم دينارا. حدثني عباس بن هشام عن أبيه عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْبَحْرَيْنِ.
«أَمَّا بَعْدُ» فَإِنَّكُمْ إِذَا أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَنَصَحْتُمْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَآتَيْتُمْ عُشْرَ النَّخْلِ وَنِصْفَ عُشْرِ الْحَبِّ وَلَمْ تُمَجِّسُوا أَوْلادَكُمْ فَلَكُمْ مَا أَسْلَمْتُمْ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّ بَيْتَ النَّارِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وإِنْ أَبَيْتُمْ فعليكم الجزية.

(1/85)


فكره المجوس واليهود الإِسْلام وأحبوا أداء الجزية، فقال منافقو العرب: زعم مُحَمَّد أنه لا يقبل الجزية إلا من أهل الكتاب وقد قبلها من مجوس هجر وهم غير أهل كتاب فنزلت (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) 5: 105، وقد قيل أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجه العلاء حين وجه رسله إِلَى الملوك في سنة ست.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى الْحِمْصِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَتَّابُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ مُغِيرَةَ الأَزْدِيِّ عن محمد بن زيد بن حَيَّانَ الأَعْرَجِ عَنِ الْعَلاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْبَحْرَيْنِ- أَوْ قَالَ هَجَرَ- وَكُنْتُ آتِي الْحَائِطَ بَيْنَ الإِخْوَةِ قَدْ أَسْلَمَ بَعْضُهُمْ فَآخَذُ مِنَ الْمُسْلِمِ الْعُشْرَ وَمِنِ الْمُشْرِكِ الْخَرَاجَ. وَحَدَّثَنَا القاسم ابن سلام، قال: حدثنا عثمان ابن صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إِلَى أَهْلِ هَجَرَ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ إِلَى أَهْلِ هَجَرَ سَلْمٌ أَنْتُمْ فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكُمُ اللَّهَ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ، أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ بالله وبأنفسكم ألا تضلوا بعد إذا هديتم ولا تنووا بَعْدَ إِذْ رَشَدْتُمْ، أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ قَدْ أَتَانِي الَّذِي صَنَعْتُمْ وَأَنَّهُ مَنْ يُحْسِنْ مِنْكُمْ لا يُحْمَلْ عَلَيْهِ ذَنْبُ الْمُسِيءِ، فَإِذَا جَاءَكُمْ أُمَرَائِي فَأَطِيعُوهُمْ وَانْصُرُوهُمْ وَأَعِينُوهُمْ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ وَفِي سَبِيلِهِ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعْمَلْ مِنْكُمْ عَمَلا صَالِحًا فَلَنْ يُضَلَّ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدِي، وَأَمَّا بَعْدُ فَقَدْ جَاءَنِي وَفْدُكُمْ فَلَمْ آتِ إِلَيْهِمْ إِلا مَا سَرَّهُمْ وَإِنِّي لَوْ جَهِدْتُ حَقِّي فِيكُمْ كُلَّهُ أَخْرَجْتُكُمْ مِنْ هَجَرَ فَشَفَّعْتُ غائبكم وأفصلت على شاهدكم «ف اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ» 3: 103. حَدثني الْحُسَيْن بْن الأسود، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن موسى، عن شيبان النحوي عن قتادة، قَالَ: لم يكن بالبحرين في أيام رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم

(1/86)


قتال، ولكن بعضهم أسلم وبعضهم صالح العلاء عَلَى انصاف الحب والتمر، وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ، قَالَ: حدثني يحيى بن آدم، قال: حدثنا الحسن بْنُ صَالِحٍ عَنْ أَشْعَثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ. وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَجُوسِ هَجَرَ يدعوهم إلى الإسلام، فان أسلموا فلهم مالنا وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْنَا، وَمَنْ أَبَى فَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ فِي غَيْرِ أَكْلٍ لِذَبَائِحِهِمْ وَلا نِكَاحٍ لِنِسَائِهِمْ.
وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ عن ابن المبارك عن يونس بن يزيد الأَيْلِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ، وَأَخَذَهَا عُمَرُ مِنْ مَجُوسِ فَارِسَ، وَأَخَذَهَا عُثْمَانُ مِنْ بَرْبَرَ. وَحَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْن إدريس عن مَالِك بْن أَنَس عَنِ الزهري بمثله.
وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الله ابن سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى مُنْذِرِ بْنِ سَاوِيٍّ.
مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ إِلَى مُنْذِرِ بْنِ سَاوِيٍّ سَلْمٌ أَنْتَ فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللَّهَ الَّذِي لا إله إلا هو، أما بعد فإن كِتَابَكَ جَاءَنِي وَسَمِعْتُ مَا فِيهِ، فَمَنْ صَلَّى صَلاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ، وَمَنْ أَبَى ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ.
وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بن هشام الكلبي عن أبيه عن جده عن أبي صالح عن ابن عباس قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوِيٍّ فَأَسْلَمَ وَدَعَا أَهْلَ هَجَرَ فَكَانُوا بَيْنَ رَاضٍ وَكَارِهٍ، أَمَّا الْعَرَبُ فَأَسْلَمُوا، وَأَمَّا الْمَجُوسُ وَالْيَهُودُ فَرَضُوا بِالْجِزْيَةِ فَأُخِذَتْ منهم.

(1/87)


وَحَدَّثَنَا شيبان بْن فروخ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن المغيرة، قَالَ: حَدَّثَنَا حميد بْن هلال قَالَ: بعث العلاء بْن الحضرمي إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مالا منَ البحرين يكون ثمانين ألفا أتاه أكثر منه قبله ولا بعده فأعطى منه العَبَّاس عمه.
حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى وَضَائِعِ كِسْرَى بِهَجَرَ فَلَمْ يُسْلِمُوا فَوَضَعَ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ دِينَارًا عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ. قَالُوا: وَعَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَلاءَ ثُمَّ وَلَّى الْبَحْرَيْنَ أَبَانَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِي بْنِ أُمَيَّةَ، وَقَوْمٌ يَقُولُونَ: إِنَّ الْعَلاءَ كَانَ عَلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ منها القطيف وإن أبان كَانَ عَلَى نَاحِيَةٍ أُخْرَى فِيهَا الْخَطُّ: وَالأَوَّلُ أَثْبَتُ.
قالوا: ولما تُوُفِّيَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج أبان منَ البحرين فأتى المدينة، فسأل أهل البحرين أَبَا بكر رضي اللَّه عنه أن يرد العلاء عليهم ففعل، فيقال: إن العلاء لم يزل واليا حَتَّى تُوُفِّيَ بها سنة عشرين، فولى عُمَر مكانه أَبَا هُرَيْرَةَ الدوسي، ويقال أيضا: إن عُمَر رضي اللَّه عنه ولى أَبَا هُرَيْرَةَ قبل موت العلاء فأتى العلاء توج من أرض فارس وعزم عَلَى المقام بها، قَالَ:
ثُمَّ رجع إِلَى البحرين فمات هناك وكان أَبُو هُرَيْرَةَ يقول: دفنا العلاء ثُمَّ احتجنا إِلَى رفع لبنة فرفعناها فلم نجده في اللحد.
وقال أَبُو مخنف: كتب عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه إِلَى العلاء بْن الحضرمي وهو عامله عَلَى البحرين يأمره بالقدوم عَلَيْهِ، وولى عُثْمَان بْن أَبِي العاصي الثقفي البحرين وعمان فلما قدم العلاء المدينة ولاه البصرة مكان عتبة بْن غزوان، فلم يصل إليها حَتَّى مات وذلك في سنة أربعة عشر أو في أول سنة خمسة عشر ثُمَّ أن عُمَر ولى قدامة بْن مظعون الجمحي جباية البحرين، وولى أَبَا هُرَيْرَةَ

(1/88)


الأحداث والصلاة، ثُمَّ عزل قدامة وحده عَلَى شرب الخمر، وولى أَبَا هُرَيْرَةَ الصلاة والأحداث، ثُمَّ عزله وقاسمه ماله، ثُمَّ ولى عُثْمَان بْن أَبِي العاصي البحرين وعمان.
حدثني العمري عن الهيثم، قال: كان قدامة بْن مظعون عَلَى الجباية والأحداث، وأبو هُرَيْرَةَ عَلَى الصلاة والقضاء، فشهد عَلَى قدامة بما شهد به ثُمَّ ولاه عُمَر البحرين بعد قدامة ثُمَّ عزله وقاسمه وأمره بالرجوع فأبى فولاها عُثْمَان بْن أَبِي العاص فمات عُمَر وهو واليه عليها، وكان خليفته عَلَى عمان والبحرين وهو بفارس أخوه مغيرة بْن أَبِي العاصي، ويقال: حفص بْن أَبِي العاصي حَدَّثَنَا شيبان بْن فروخ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو هلال الراسبي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سيرين عن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ استعملني عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه عَلَى البحرين فاجتمعت لي اثنا عشر ألفا فلما قدمت عَلَى عُمَر قَالَ لي يا عدو اللَّه وعدو المسلمين- أو قَالَ وعدو كتابه- سرقت مال اللَّه، قَالَ: قلت لست بعدو لله ولا للمسلمين- أو قَالَ لكتابه- ولكني عدو من عاداهما ولكن خيلا تناتجت وسهامها اجتمعت، قَالَ فأخذ منى اثنا عشر ألفا فلما صليت الغداة قلت. اللهم اغفر لعمر، قَالَ. فكان يأخذ منهم ويعطيهم أفضل من ذلك حَتَّى إذا كان بعد ذلك، قَالَ: ألا تعمل يا أَبَا هُرَيْرَةَ، قلت. لا قَالَ ولم قَدْ عمل من هُوَ خير منك يوسف «قَالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ» 12: 55 فقلت يوسف نبي ابْن نبي وأنا أَبُو هُرَيْرَةَ بْن أمية وأخاف منكم ثلاثا واثنتين، قَالَ فهلا قلت خمسا، قلت. أخشى أن تضربوا ظهري وتشتموا عرضي وتأخذوا مالي وأكره أن أقول بغير حلم وأحكم بغير علم.
حَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن سلام وروح بْن عَبْد المؤمن، قَالَ حَدَّثَنَا يعقوب بْن إِسْحَاق الحضرمي عن يزيد بْن إِبْرَاهِيم التستري عَنِ ابْن سيرين عن أَبِي هُرَيْرَةَ أنه لما قدم منَ البحرين، قَالَ له عُمَر يا عدو اللَّه وعدو كتابه أسرقت مال الله.

(1/89)


قال لست عدو اللَّه ولا عدو كتابه ولكني عدو من عاداهما ولم أسرق مال اللَّه قَالَ فمن أين اجتمعت لك عشرة ألف درهم. قَالَ خيل تناسلت وعطاء تلاحق وسهام اجتمعت فقبضها منه وذكر من باقي الحديث نحو الَّذِي روى أَبُو هلال.
قالوا. ولما مات المنذر بْن ساوى بعد وفاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقليل ارتد منَ البحرين من ولد قيس بْن ثعلبة بْن عكابة مع الحطم وهو شريح بْن ضبيعة بْن عُمَر بْن مرثد أحد بني قيس بْن ثعلبة وإنما سمي الحطم بقوله:
قد لفها الليل بسواق حطم
وارتد سائر من بالبحرين من ربيعة خلا الجارودي وهو بشر بْن عَمْرو العبدي ومن تابعه من قومه. وأمروا عليهم ابنا للنعمان بْن المنذر يقال له المنذر فصار الحطم حَتَّى لحق بربيعة فانضم إليها بمعن معه. وبلغ العلاء بْن الحضرمي الخبر فسار بالمسلمين حَتَّى نزل جواثا. وهو حصن البحرين فدلفت إليه ربيعة فخرج إليها بمن معه منَ العرب والعجم فقاتلها قتالا شديدا. ثُمَّ إن المسلمين لجأوا إِلَى الحصن فحصرهم فيه عدوهم. ففي ذلك يقول عبد الله ابن حذف الكلابي؟
ألا أبلغ أَبَا بكر ألوكا ... وفتيان المدينة أجمعينا
فهل لك في شباب منك أمسوا ... أسارى في جواثا محصرينا
ثُمَّ إن العلاء خرج بالمسلمين ذات ليلة فبيت ربيعة فقاتلوا قتالا شديدا وقتل الحطم. وقال غير هِشَام بْن الكلبي: أتى الحطم ربيعة وهو بجواثا وقد كفر أهلها جميعا وأمروا عليهم المنذر بْن النعمان فأقام معهم فحصرهم العلاء حَتَّى فتح جواثا وفض ذلك الجمع وقتل الحطم: والخبر الأول أثبت. وفي قتل الحطم يقول مَالِك بْن ثعلبة العبدري
تركنا شريحا قَدْ علته بصيرة ... كحاشية البرد اليماني المحبر

(1/90)


«البصيرة منَ الدم ما وقع في الأرض»
ونحن فجعنا أم غضبان بابنها ... ونحن كسرنا الرمح في عين حبتر
ونحن تركنا مسمعا متجدلا ... رهينة ضبع تعتريه وأنسر
قَالُوا: وكان المنذر بْن النعمان يسمى الغرور فلما ظهر المسلمون، قَالَ:
لست بالغرور ولكني المغرور ولحق هو وفل ربيعة بالخط فأتاها العلاء ففتحها وقتل المنذر ومن معه، ويقال: إن المنذر نجا فدخل إلى المشقر وأرسل الماء حوله فلم يوصل إليه حتى صالح الغرور على أن يخلي المدينة فخلاها ولحق بمسيلمة فقتل معه، وقال قوم: قتل المنذر يوم جواثا، وقوم يقولون: أنه استأمن ثُمَّ هرب فلحق فقتل، وكان العلاء كتب إِلَى أَبِي بكر يستمده فكتب إِلَى خَالِد بْن الوليد يأمره بالنهوض إليه من اليمامة وانجاده مقدم عَلَيْهِ وقد قتل الحطم فحصر معه الخط، ثُمَّ أتاه كتاب أَبِي بكر بالشخوص إِلَى العراق فشخص إليه منَ البحرين وذلك في سنة اثني عشر، وقال الواقدي يقول أصحابنا: إن خالدا قدم المدينة ثُمَّ توجه منها إلى العراق.
واستشهد بحواثا عَبْد اللَّهِ بْن سهيل بْن عَمْرو أحد بني عَامِر بْن لؤي ويكنى أَبَا سهيل وأمه فاختة بنت عَامِر بْن نوفل بْن عَبْد مناف، وكان عَبْد اللَّهِ أقبل مع المشركين يوم بدر ثُمَّ إِلَى المسلمين مسلما وشهد بدرا مع النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما بلغ أباه سهيل بْن عَمْرو خبره، قَالَ: عند اللَّه أحتسبه، ولقيه أَبُو بكر وكان بمكة حاجا فعزاه به، فقال سهيل: إنه بلغني أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يشفع الشهيد في سبعين من أهله وإني لأرجو أن لا يبدأ ابني بأحد قبلي، وكان يوم استشهد ابْن ثمان وثلاثين سنة.
واستشهد عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي يوم جواثا، وقال غير الواقدي.
استشهد يوم اليمامة، قَالُوا: وتحصن المكعبر الفارسي صاحب كسرى الَّذِي

(1/91)


كان وجهه لقتل بنى تميم حين عرضوا لعيره واسمه فيروز بْن جشيش بالزارة وانضم إليه مجوس كانوا تجمعوا بالقطيف وامتنعوا من أداء الجزية فأقام العلاء عَلَى الزارة فلم يفتحها في خلافة أَبِي بكر وفتحها في أول خلافة عُمَر، وفتح العلاء السابون ودارين في خلافة عُمَر عنوة وهناك موضع يعرف بخندق العلاء.
وقال معمر بْن المثنى. غزا العلاء بعبد القيسر قرى منَ السابون في خلافة عُمَر بْن الخطاب ففتحها، ثُمَّ غزا مدينة الغابة فقتل من بها منَ العجم، ثُمَّ أتى الزارة وبها المكعبر فحصره، ثُمَّ أن مرزبان الزارة دعا إِلَى البراز فبارزه البراء بْن مَالِك فقتله وأخذ سلبه فبلغ أربعين ألفا، ثُمَّ خرج رجل منَ الزارة مستأمنا عَلَى أن يدل عَلَى شرب القوم فدله عَلَى العين الخارجة منَ الزارة فسدها العلاء فلما رأوا ذلك صالحوه عَلَى أن له ثلث المدينة وثلث ما فيها من ذهب وفضة وعلى أن يأخذ النصف مما كان لهم خارجها، وأتى الأخنس العامري العلاء، فقال له. إنهم لم يصالحوك عَلَى ذراريهم وهم بدارين ودله كراز النكرى عَلَى المخاضة إليهم فتقحم العلاء في جماعة منَ المسلمين البحر فلم يشعر أهل دارين إلا بالتكبير فخرجوا فقاتلوهم من ثلاثة أوجه فقتلوا مقاتلهم وحووا الذراري والسبي، ولما رأى المكعبر ذلك أسلم وقال كراز.
هاب العلاء حياض البحر مقتحما ... فخضت قدما إِلَى كفار دارينا
حَدَّثَنَا خلف البزار وعَفَّان، قالا. حَدَّثَنَا هشيم، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن عون ويونس، عن مُحَمَّد بْن سيرين، قَالَ بارز البراء بْن مَالِك مرزبان الزارة فطعنه فوق صلبه وصرعه ثُمَّ نزل فقطع يديه وأخذ سواريه ويلمقا كان عَلَيْهِ ومنطقة فخمسه عُمَر لكثرته، وكان أول سلب خمس فى الإسلام
.

(1/92)