فتوح البلدان
دعوة النبي صلى الله
عليه وسلم أهل اليمامة إلى الإسلام
قَالُوا: وكانت اليمامة تدعى جو فصلبت امرأة من جديس يقال لها اليمامة
بنت مر عَلَى بابها فسميت باسمها والله أعلم، وقالوا. ولما كتب رَسُول
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ملوك الآفاق في أول
سنة سبع ويقال في سنة ست كتب إِلَى هوزة بْن علي الحنفي وأهل اليمامة
يدعوهم إِلَى الإِسْلام وأنفذ كتابه بذلك مع سليط بْن قيس بْن عَمْرو
الأنصاري ثُمَّ الخزرجي فبعثوا إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفدهم وكان في الوفد مجاعة بْن مرارة فأقطعه رَسُول
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرضا مواتا سأله إياها وكان
فيها أيضا الرجال بْن عنفوة فأسلم وقرأ سورة البقرة وسورا منَ القرآن
إلا أنه ارتد بعد، وكان فيهم مسيلمة الكذاب ثمامة بْن كبير بْن حبيب،
فقال مسيلمة لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. إن شئت
خلينا لك الأمر وبايعناك عَلَى أنه لنا بعدك، فقال له رسول صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. لا ولا نعمة عين ولكن اللَّه قاتلك.
وكان هوزة بْن علي الحنفي قَدْ كتب إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسأله أن يجعل الأمر له من بعده عَلَى أن يسلم
ويصير إليه فينصره، فقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. لا ولا كرامة اللهم اكفنيه فمات بعد قليل، فلما انصرف وفد
بني حنيفة إِلَى اليمامة ادعى مسيلمة الكذاب النبوة وشهد له الرجال بْن
عنفوة بأن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشركه في
الأمر معه فاتبعه بنو حيفة وغيرهم ممن باليمامة وكتب إِلَى رَسُول
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع عبادة بْن الحارث أحد
بني عَامِر بْن حنيفة وهو ابْن النواحة الَّذِي قتله عَبْد اللَّهِ بْن
مَسْعُود بالكوفة وبلغه أنه وجماعة معه يؤمنون بكذب مسيلمة، من مسيلمة
رَسُول اللَّهِ إِلَى مُحَمَّد رَسُول اللَّهِ، أما بعد فإن لنا نصف
الأرض ولقريش نصفها ولكن قريشًا لا ينصفون والسلام عليك، وكتب
(1/93)
عَمْرو بْن الجارود الحنفي فكتب إليه
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
بسم اللَّه الرَّحْمَنِ الرحيم. من مُحَمَّد النَّبِيّ إِلَى مسيلمة
الكذاب، أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة
للمتقين والسلام عَلَى منَ اتبع الهدى، وكتب أَبِي بْن كعب.
فلما تُوُفِّيَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
واستخلف أَبُو بكر فأوقع بأهل الردة من أهل نجد وما والاه في أشهر
يسيرة بعث خَالِد بْن الوليد بْن المغيرة المخزومي إِلَى اليمامة وأمره
بمحاربة الكذاب مسيلمة فلما شارفها ظفر بقوم من بني حنيفة فيهم مجاعة
بْن مرارة بْن سلمى فقتلهم واستبقى مجاعة وحمله معه موثقا، وعسكر
خَالِد عَلَى ميل منَ اليمامة فخرج إليه بنو حنيفة وفيهم الرجال ومحكم
بْن الطفيل بْن سبيع الَّذِي يقال له محكم اليمامة فرأى خَالِد البارقة
فيهم، فقال، يا معشر المسلمين قَدْ كفاكم اللَّه مؤنة عدوكم ألا ترونهم
وقد شهر بعضهم السيوف عَلَى بعض وأحسبهم قَدِ اختلفوا ووقع بأسهم
بينهم، فقال مجاعة وهو في حديدة. كلا ولكنها الهندوانية خشوا تحطمها
فأبرزوها للشمس لتلين متونها ثم التقى الناس فكان أو من لقيهم الرجال
بْن عنفوة فقتله اللَّه، واستشهد وجوه الناس وقراء القرآن، ثُمَّ إن
المسلمين فاءوا وثابوا فأنزل اللَّه عليهم نصره وهزم أهل اليمامة
فاتبعوهم يقتلونهم قتلا ذريعًا، ورمى عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بكر
الصديق أخو عائشة لأبيها محكما بسهم فقتله وألجئوا والكفرة إِلَى
الحديقة فسميت يومئذ حديقة الموت، وقتل اللَّه مسيلمة في الحديقة، فبنو
عَامِر بْن لؤي بْن غالب يقولون قتله خداش بن بشير بن الأصم أحمد بني
معيص بْن عَامِر بْن لؤي، وبعض الأنصار يقولون. قتله عَبْد اللَّهِ بْن
زيد بْن ثعلبة أحد بني الحارث بْن الخزرج وهو الَّذِي أرى الأذان،
وبعضهم يقول. قتله أَبُو دجانة سماك بْن خرشة ثُمَّ استشهد، وقال
بعضهم. بل قتله عَبْد اللَّهِ بْن زيد بن عاصم أخو حبيب
(1/94)
ابن زيد من بني مبذول من بني النجار، وقد
كان مسيلمة قطع يدي حبيب ورجليه، وكان وحشي بْن حرب الحبشي قاتل
حَمْزَة رضي اللَّه عنه يدعي قتله ويقول: قتلت خير الناس وشر الناس،
وقال قوم: إن هؤلاء جميعا شركوا في قتله وكان معاوية بْن أَبِي
سُفْيَان يدعي أنه قتله ويدعي ذلك له بنو أمية.
حدثني أَبُو حفص الدمشقي، قَالَ: حَدَّثَنَا الوليد بْن مُسْلِم عن
خَالِد بْن دهقان عن رجل حضر عَبْد الملك بْن مروان سأل رجلا من بني
حنيفة ممن شهد وقعة اليمامة عن قاتل مسيلمة فقال: قتله رجل من صفته كذا
وكذا، فقال عَبْد الملك: قضيت والله لمعاوية بقتله، قال: وجعل الكذاب
يقول حين أخذ منه بالمخنق يا بني حنيفة: قاتلوا عن أحسابكم فلم يزل
يعيدها حَتَّى قتله اللَّه.
وحدثني عبد الواحد بن غياث، قال: حدثنا حَمَّاد بْن سلمة عن هِشَام عن
عُرْوَة عن أبيه، قَالَ: كفرت العرب فبعث أَبُو بكر خَالِد بْن الوليد
فلقيهم ثُمّ قَالَ والله لا أنتهي حَتَّى أناطح مسيلمة فقالت الأنصار:
هَذَا رأي تفردت به لم يأمرك به أَبُو بكر ارجع إِلَى المدينة حَتَّى
نريح كراعنا، فقال:
والله لا أنتهي حَتَّى أناطحه فرجعت عنه الأنصار، ثُمَّ قَالُوا. إذا
صنعنا لئن ظهر أصحابنا لقد خسسنا ولئن هربوا لقد خذلناهم، فرجعوا ومضوا
معه فالتقى المسلمون والمشركون، فولى المسلمون مدبرين حَتَّى بلغوا
الرحال، فقام السائب بْن العوام، فقال: أيها الناس قَدْ بلغتم الرحال
فليس لامرئ مفر بعد رحله فهزم اللَّه المشركين وقتل مسيلمة، وكان
شعارهم يومئذ يا أصحاب سورة البقرة. وحدثني بعض أهل اليمامة أن رجلا
كان مجاورا في بني حنيفة فلما قتل محكم أنشأ يقول:
فإن أنج منها أنج منها عظيمة ... وإلا فإني شارب كأس محكم
قَالُوا: وكانت الحرب قَدْ نهكت المسلمين وبلغت منهم، فقال مجاعة لخالد
إن أكثر أهل اليمامة لم يخرجوا لقتالكم وإنما قتلتم منهم القليل وقد
بلغوا
(1/95)
منكم ما أرى وأنا مصالحك عنهم فصالحه عَلَى
نصف السبي ونصف الصفراء والبيضاء والحلقة والكراع، ثُمّ أن خالدا توثق
منه وبعثه إليهم فلما دخل اليمامة أمر الصبيان والنساء ومن باليمامة من
المشايخ أن يلبسوا السلاح ويقوموا عَلَى الحصون ففعلوا ذلك، فلم يشك
خَالِد والمسلمون حين نظروا إليهم أنهم مقاتلة، فقالوا: لقد صدقنا
مجاعة ثم أن مجاعة خرج حَتَّى أتى عسكر المسلمين فقال: إن القوم لم
يقبلوا مصالحتك عَلَيْهِ عنهم واستعدوا لحربك وهذه حصون العرض مملوءة
رجالا ولم أزل بهم حَتَّى رضوا بأن يصالحوا عَلَى ربع السبي ونصف
الصفراء والبيضاء والحلقة والكراع فاستقر الصلح عَلَى ذلك ورضي خَالِد
به وأمضاه وأدخل مجاعة خالدا اليمامة، فلما رأى من بقي بها قَالَ
خدعتني يا مجاع وأسلم أهل اليمامة فأخذت منهم الصدقة، وأتى خالدًا كتاب
أَبِي بكر رضي اللَّه عنه بإنجاد العلاء بْن الحضرمي، فسار إلى البحرين
واستخلف على اليمامة سمرة ابن عَمْرو العنبري، وكان فتح اليمامة سنة
اثني عشرة.
حدثني أَبُو رياح اليمامي، قَالَ. حدثني أشياخ من أهل اليمامة أن
مسيلمة الكذاب كان قصيرًا شديد الصفرة أخنس الأنف أفطس، يكنى أَبَا
ثمامة وقال غيره: كان يكنى أَبَا ثمالة وكان له مؤذن يسمى حجيرًا فكان
إذا أذن يقول أشهد أن مسيلمة يزعم أنه رَسُول اللَّهِ، فقال، أفصح حجير
فمضت مثلا، وكان ممن استشهد باليمامة أَبُو حذيفة بْن عتبة بْن ربيعة
بْن عَبْد شمس واسمه هشيم ويقال مهشم، وسالم مولى أَبِي حذيفة ويكنى
أَبَا عَبْد اللَّهِ وهو مولى ثبيتة بنت يعار الأنصارية، وبعض الرواة
يقول نبيثة وهي امرأة، وخالد بْن أسيد ابن أَبِي العيص بْن أمية، وعبد
اللَّه وهو الحكم بْن سَعِيد بْن العاصي بْن أمية ويقال. أنه قتل يوم
موته، وشجاع بْن وهب الأسدي حليف بني أمية، يكنى أَبَا وهب، والطفيل
بْن عَمْرو الدوسي منَ الأزد، ويزيد بْن رقيش الأسدي
(1/96)
حليف بني أمية، ومخرمة بْن شريح الحضرمي
حليف بني أمية، والسائب بْن العوام أخو الزبير بْن العوام، والوليد بْن
عَبْد شمس بْن المغيرة المخزومي، والسائب بْن عُثْمَان بْن مظعون
الجمحي، وزيد بْن الخطاب بْن نفيل أخو عمر ابن الخطاب يقال قتله أَبُو
مريم الحنفي واسمه صبيح بْن محرش، وقال ابْن الكلبي قتله لبيد بْن برغث
العجلي فقدم بعد ذلك عَلَى عُمَر رضي اللَّه عنه فقال: أنت الجوالق
«واللبيد» : هُوَ الجوالق، وكان زيد يكنى أَبَا عَبْد الرَّحْمَنِ وكان
أسن من عُمَر.
وقال بعضهم اسم أَبِي مريم إياس بْن صبيح وهو أول من قضى بالبصرة زمن
عُمَر وتُوُفِّيَ بسنبيل منَ الأهواز وأبو قيس بْن الحارث بْن عدي بْن
سهم، وعبد اللَّه بْن الحارث بْن قيس، وسليط بْن عَمْرو أخو سهيل بْن
عَمْرو أحد بني عَامِر بْن لؤي، وإياس بْن البكير الكناني، ومن الأنصار
عباد بْن الحارث بْن عدي أحد بنى جحجبى منَ الأوس، وعباد بْن بشر بْن
وقش الأشهلى من الأوس وبكنى أَبَا الربيع ويقال أنه كان يكنى أَبَا
بشر، ومالك بْن أوس بْن عتيك الأشهلي، وأبو عقيل بْن عَبْد اللَّهِ بْن
ثعلبة بْن بيحان البلوى حليف بني جحجبي كان اسمه عَبْد العزى فسماه
النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد الرَّحْمَنِ عدو
الأوثان وسراقة بْن كعب بْن عَبْد العزى النجاري منَ الخزرج، وعمارة
بْن حزم بْن زيد بْن لوذان النجاري، ويقال أنه مات زمن معاوية، وحبيب
بْن عَمْرو بْن محصن النجاري، ومعن بْن عدي بْن الجد بْن العجلان
البلوى من قضاعة حليف الأنصار، وثابت بْن قيس بْن شماس بْن أَبِي زهير
خطيب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحد بني الحارث بْن
الخزرج ويكنى أَبَا مُحَمَّد وكان عَلَى الأنصار يومئذ وأبو حنة بْن
غزية بْن عَمْرو أحد بني مازن بْن النجار والعاصي بن ثعلبة الدروسى منَ
الأزد حليف الأنصار، وأبو دجانة سماك بْن أوس بْن خرشة بْن لوذان
الساعدي من
(1/97)
الخزرج، وأبو أسيد مَالِك بْن ربيعة
الساعدي، ويقال إنه مات سنة ستين بالمدينة، وعبد اللَّه بْن عَبْد
اللَّهِ بْن أَبِي بْن مَالِك وكان اسمه الحباب فسماه رَسُول اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باسم أبيه، وكان أبوه منافقًا: وهو
الَّذِي يقال له ابْن أَبِي بْن سلول، وسلول أم أَبِي وهي خزاعية نسب
إليها، وأبوه مَالِك بْن الحارث أحد بني الخزرج، ويقال أنه استشهد يوم
جواثا منَ البحرين، وعقبة بْن عَامِر نابي من بني سلمة منَ الخزرج،
والحارث بْن كعب بْن عَمْرو أحد بني النجار.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث حبيب بْن زيد بْن عاصم أحد بني
مبذول بْن عَمْرو بْن غنم بْن مازن بْن النجار، وعبد اللَّه بْن وهب
الأسلمي إِلَى مسيلمة فلم يعرض لعبد اللَّه وقطع يدي حبيب ورجليه، وأم
حبيب نسيبة بنت كعب.
وقال الواقدي: إنما أقبل مع عَمْرو بْن العاصي من عمان فكفتهما مسيلمة
فنجا عَمْرو ومن معه غير هذين فاخذا وقاتلت نسيبة يوم اليمامة فانصرفت
وبها جراحات وهي أم حبيب، وعبد الله البنى زيد، وقد قاتلت يوم أحد
أيضًا وهي إحدى المرأتين المبايعتين يوم العقبة، واستشد يوم اليمامة
عائذ بن ما عص الزرقي منَ الخزرج، ويزيد بْن ثابت الخزرجي أخو زيد بْن
ثابت صاحب الفرائض، وقد اختلفوا في عدة منَ استشهد باليمامة فأقل ما
ذكروا من مبلغها سبعمائة، وأكثر ذلك ألف وسبعمائة، وقال بعضهم: إن
عدتهم ألف ومائتان. وَحَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ مُرَّةَ الْحَنَفِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ
إِسْمَاعِيلَ. أَنَّ مُجَّاعَةَ الْيَمَامِيَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: هَذَا كِتَابٌ كَتَبَهُ
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ لِمُجَّاعَةَ بْنِ مُرَارَةَ بْنِ سُلْمَى
أَنِّي أَقْطَعْتُكَ الْغَوْرَةَ وَغُرَابَةَ وَالْحَبْلَ فَمَنْ
حَاجَّكَ فَإِلَى «الْغَوْرَةِ»
(1/98)
قرية الغرابات تلت قارات، قَالَ: ثُمَّ وفد
بعد ما قبض النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي
بكر فأقطعه الخضرمة، ثُمَّ قدم عَلَى عُمَر فأقطعه الرياء، ثُمَّ قدم
عَلَى عُثْمَان فأقطعه قطيعة، قَالَ الحارث: لا احفظ اسمها.
وَحَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، قَالَ: حدثنا أبو أيوب الدمشقي
عن سعدان ابن يَحْيَى عَنْ صَدَقَةَ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ «عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أَقْطَعَ فُرَاتَ بْنَ حَيَّانَ الْعِجْلِيَّ
أَرْضًا بِالْيَمَامَةِ» حَدثني مُحَمَّد بْن ثمال اليمامي عن أشياخهم،
قَالَ: سميت الحديقة حديقة الموت لكثرة من قتل بها، قال: وقد بنى
إِسْحَاق بْن أَبِي خميصة مولى قيس فيها أيام المأمون مسجدا جامعا،
وكانت الحديقة تسمى أباض، وقال مُحَمَّد بْن ثمال: قصر الورد نسب إِلَى
الورد بْن السمين بْن عُبَيْد الحنفي، وقال غيره سمى الحصن معتقا
لحصانته يريدون أن من لجأ إليه عتق من عدوه، وقال الريا عين منها شرب
الصعفوقة وهي ضيعة نسبت إِلَى وكيل كان عليها يقال له صعفوق وشرب
الخييبة والخضرمة منها.
خبر ردة العرب في خلافة أَبِي بكر الصديق رضي اللَّه عنه
قَالُوا: لما استخلف أَبُو بكر رحمه اللَّه ارتدت طوائف منَ العرب
ومنعت الصدقة، وقال قوم منهم: نقيم الصلاة ولا نؤدي الزكاة، فقال أَبُو
بكر رضي اللَّه عنه: لو منعوني عقالا لقاتلتهم، وبعض الرواة يقول: لو
منعوني عناقا. «والعقال» صدقة السنة. وحدثني عَبْد اللَّهِ بْن صالح
العجلي عن يحيى بن آدم عن عوانة ابن الحكم عن جرير بْن يزيد عَنِ
الشعبي، قال: قال عبد الله ابن مَسْعُود: لقد قمنا بعد رَسُول اللَّهِ
صَلَّى الله عليه وسلم مقاما كدنا نهلل
(1/99)
فيه لولا إن اللَّه من علينا بأبي بكر
اجتمع رأينا جميعا عن أن لا نقاتل عَلَى بنت مخاض وابن لبون وأن نأكل
قرى عربية ونعبد اللَّه حَتَّى يأتينا اليقين، وعزم اللَّه لأبي بكر
رضي اللَّه عنه على قتالهم فو الله ما رضي منهم إلا بالخطة المخزية أو
الحرب المجلية: فأما الخطة المخزية فإن أقروا بأن من قتل منهم في النار
وإن ما أخذوا من أموالنا مردود علينا، وأما الحرب المجلية فأن يخرجوا
من ديارهم.
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد عن عرعرة، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مهدي، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَان الثوري عن
قيس بْن مُسْلِم عن طارق بْن شهاب، قَالَ:
قدم وفد بزاخة عَلَى أَبِي بكر فخيرهم بَيْنَ الحرب المجلية والسلم
المخزية، فقالوا قَدْ عرفنا الحرب المجلية فما السلم المخزية، قَالَ:
إن ننزع منكم الحلقة والكراع ونغنم ما أصبنا منكم وتردوا إلينا ما
أصبتم منا وتدوا قتلانا ويكون قتلاكم في النار.
حَدَّثَنَا شجاع بْن مخلد الفلاس، قَالَ. حَدَّثَنَا بشر بْن المفضل
مولى بنى رقاش قَالَ. حَدَّثَنَا عَبْد الْعَزِيزِ بْن عَبْد اللَّهِ
بْن أَبِي سلمة الماجشوش عن عَبْد الواحد عَنِ الْقَاسِم بْن مُحَمَّد
بْن أبي بكر عن عمته عائشة أم الْمُؤْمِنِين رضي اللَّه عنها أنها
قالت. تُوُفِّيَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فنزل بأبي ما لو نزل بالجبال الراسيات لهاضها اشرأب النفاق بالمدينة
وارتدت العرب فو الله ما اختلفوا فى واحدة الإطار أَبِي بحظها وغنائها
عَنِ الإِسْلام، قالوا. فخرج أَبُو بكر رضي اللَّه عنه إِلَى القصة من
أرض محارب لتوجيه الزحوف إِلَى أهل الردة ومعه المسلمون فصار إليهم
خارجة بْن حصن بْن حذيفة بْن بدر الفزاري ومنظور بن زبان ابن سيار
الفزاري أحد بني العشراء في غطفان فقاتلوهم قتالا شديدا فانهزم
المشركون واتبعهم طلحة بْن عُبَيْد اللَّه التيمي فلحقهم بأسفل ثنايا
عوسجة فقتل منهم رجلا وفاته الباقون فأعجزوه هربا فجعل خارجة بْن حصن
يقول: ويل
(1/100)
للعرب منَ ابْن أَبِي قحافة، ثُمَّ عقد
أَبُو بكر وهو بالقصة لخالد بْن الوليد بْن المغيرة المخزومي عَلَى
الناس، وجعل عَلَى الأنصار ثابت بْن قيس بْن شماس الأنصاري، وهو أحد
منَ استشهد يوم اليمامة إلا أنه كان من تحت يد خَالِد وأمر خالدا أن
يصمد لطليحة بْن خويلد الأسدي، وكان قَدِ ادعى النبوة وهو يومئذ ببزاخة
وبزاخة ماء لبني أسد بْن خزيمة فسار إليه خَالِد، وقدم أمامه عكاشة بْن
محصن الأسدي حليف بني عَبْد شمس، وثابت بْن أقرم البلوى حليف الأنصار
فلقيهما حبال بْن خويلد فقتلاه، وخرج طليحة وسلمة أخوه وقد بلغهما
الخبر فلقيا عكاشة وثابتا فقتلاهما فقال طليحة:
ذكرت أخي لما عرفت وجوههم ... وأيقنت أني ثائر بحبال
عشية غادرت ابْن أقرم ثاويا ... وعكاشة الغنمي عند مجال
ثُمَّ التقى المسلمون وعدوهم واقتتلوا قتالا شديدًا، وكان عيينة بن حصن
ابن حذيفة بْن بدر مع طلحة في سبعمائة من بني فزارة، فلما رأى سيوف
المسلمين قَدِ استحملت المشركين أتاه فقال له: أما ترى ما يصنع جيش
أَبِي الفصيل فهل جاءك جبريل بشيء قَالَ: نعم جاءني فقال: إن لك رحا
كرحاه ويومًا لا تنساه، فقال عيينة: أرى والله أن لك يوما لا تنساه يا
بنى فزارة هَذَا كذاب وولى عن عسكره، من فانهزم الناس وظهر المسلمون
وأسر عيينة بْن حصن فقدم به المدينة فحقن أَبُو بكر دمه وخلى سبيله،
وهرب طليحة بْن خويلد فدخل خباء له فاغتسل وخرج فركب فرسه وأهل بعمرة
ثُمَّ مضى إِلَى مكة ثُمَّ أتى المدينة مسلما، وقيل بل أتى الشام فأخذه
المسلمون ممن كان غازيا، وبعثوا به إِلَى أَبِي بكر بالمدينة فأسلم
وأبلى بعد في فتح العراق ونهاوند، وقال له عُمَر: أقتلت العبد الصالح
عكاشة بْن محصن، فقال: أن عكاشة بْن محصن سَعْد بي وشقيت به وأنا
استغفر اللَّه.
(1/101)
وأخبرني داود بْن حبال الأسدي عن أشياخ من
قومه: أن عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه قَالَ لطليحة: أنت الكذاب
عَلَى اللَّه حين زعمت أنه أنزل عليك إن اللَّه لا يصنع بتعفير وجوهكم
وقبح أدباركم شيئا فاذكروا اللَّه أعفة قياما فإن الرغوة فوق الصريح،
فقال يا أمير الْمُؤْمِنِين: ذلك من فتن الكفر الَّذِي هدمه الإِسْلام
كله، فلا تعنيف عَلي ببعضه فأسكت عُمَر، قَالُوا: وأتى خَالِد بن
الوليد رمان وأبانين وهناك فل بزاخة فلم يقاتلوه وبايعوه لأبي بكر،
وبعث خَالِد بْن الوليد هِشَام بْن العاصي بْن وائل السهمي وأخا عَمْرو
بْن العاصي، وكان قديم الإسلام وهو من مهاجرة الحبشة إِلَى بني عَامِر
بْن صعصعة فلم يقاتلوه وأظهروا الإِسْلام والأذان فانصرف عنهم، وكان
قرة بْن هبيرة القشيري امتنع من أداء الصدقة وأمد طليحة فأخذه هِشَام
بْن العاصي وأتى به خالدا فحمله إِلَى أَبِي بكر، فقال: والله ما كفرت
مذ آمنت ولقد مربى عَمْرو بْن العاصي منصرفا من عمان فأكرمته وبررته
فسأل أَبُو بكر عمرا رضي اللَّه عنهما عن ذلك فصدقه فحقن أَبُو بكر
دمه، ويقال: إن خالدا كان سار إِلَى بلاد بني عَامِر فأخذ قرة وبعث به
إِلَى أَبِي بكر.
قَالَ: ثُمَّ سار خَالِد بْن الوليد إِلَى الغمر وهناك جماعة من بني
أسد وغطفان وغيرهم وعليهم خارجة بْن حصن بْن حذيفة، ويقال إنهم كانوا
متسايدين قَدْ جعل كل قوم عليهم رئيسًا منهم قالوا خالدا والمسلمين
فقتلوا منهم جماعة وانهزم الباقون، وفي يوم الغمر يقول الحطيئة العبسي:
ألا كل أرماح قصار أذلة ... فداء لارماح الفوارس بالغمر
ثم أتى خالد جو قراقر، ويقال أتى النقرة وكان هناك جمع لبني سليم عليهم
أَبُو شجرة عَمْرو بْن عَبْد العزى السلمي وأمه الخنساء فقاتلوه
فاستشهد رجل منَ المسلمين ثُمَّ فض اللَّه جمع المشركين، وجعل خَالِد
يومئذ يحرق
(1/102)
المرتدين فقيل لأبي بكر في ذلك فقال لا
أشيم سيفًا سله اللَّه عَلَى الكفار، وأسلم أَبُو شجرة فقدم عَلَى
عُمَر وهو يعطي المساكين فاستعطاه فقال له ألست القائل:
ورويت رمحي من كتيبة خَالِد ... وإني لأرجو بعدها أن أعمرا
وعلاه بالدرة فقال: قَدْ محا الإسلام ذلك يا أمير الْمُؤْمِنِين
قَالُوا: وأتى الفجاءة وهو بجير بْن إياس بْن عَبْد اللَّهِ السلمي
أَبَا بكر فقال: احملني وقوني أقاتل المرتدين فحمله وأعطاه سلاحًا.
فخرج يعترض الناس فيقتل المسلمين والمرتدين. وجمع جمعا. فكتب أَبُو بكر
إِلَى طريفة بْن حاجزة أخي معن بْن حاجزة يأمره بقتاله فقاتله وأسره
ابْن حاجزة فبعث به إِلَى أَبِي بكر فأمر أَبُو بكر بإحراقه في ناحية
المصلى. ويقال: إن أَبَا بكر كتب إِلَى معن في أمر الفجاءة فوجه معن
إليه طريفة أخاه فأسره، ثُمَّ سار خَالِد إِلَى سن بالبطاح والبعوضة من
بني تميم فقاتلوه ففض جمعهم وقتل مَالِك بْن نويرة أخا متمم بْن نويرة
وكان مَالِك عاملا للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى
صدقات بني حنظلة، فلما قبض صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلى ما
كان في يده منَ الفرائض وقال: شأنكم بأموالكم يا بني حنظلة وقد قيل: إن
خالدًا لم يلق بالبطاح والبعوضة أحدًا ولكنه بث السرايا في بني تميم
وكان منها سرية عليها ضرار ابن الأزور الأسدي فلقي ضرار مالكًا
فاقتتلوا وأسره وجماعة معه فأتى بهم خالدا فأمر بهم فضربت أعناقهم
وتولى ضرار ضرب عنق مَالِك.
ويقال: إن مالكا قَالَ لخالد: إني والله ما ارتددت وشهد أَبُو قتادة
الأنصاري أن بني حنظلة وضعوا السلاح وأذنوا فقال عُمَر بْن الخطاب لأبي
بكر رضي اللَّه عنهما: بعثت رجلا يقتل المسلمين ويعذب بالنار.
وقد روى أن متمم بْن نويرة دخل عَلَى عُمَر بْن الخطاب فقال له: ما بلغ
من
(1/103)
وجدك عَلَى أخيك مَالِك قَالَ: بكيته حولا
حَتَّى أسعدت عيني الذاهبة عيني الصحيحة وما رأيت نارًا إلا كدت أنقطع
لها أسفا عَلَيْهِ لأنه كان يوقد ناره إِلَى الصبح مخافة أن يأتيه ضيف
فلا يعرف مكانه. قَالَ: فصفه لي قَالَ كان يركب الفرس الجرور ويقود
الجمل الثفال وهو بَيْنَ المزادتين النضوحين في الليلة القرة وعليه
شملة فلوت معتقلا رمحا خطلا فيسري ليلته ثُمَّ يصبح وكان وجهه فلقة
قمر، قَالَ فأنشدني بعض ما قلت فيه فأنشده مرثيته الَّتِي يقول فيها:
وكنا كندماني جذيمة حقبة ... منَ الدهر حَتَّى قيل: لن يتصدعا
فقال عُمَر: لو كنت أحسن قول الشعر لرثيت أخي زيدًا، فقال متمم:
ولا سواء يا أمير الْمُؤْمِنِين: لو كان أخي صرع مصرع أخيك ما بكيته
فقال عُمَر ما عزاني أحد بأحسن مما عزيتني.
قَالُوا: وتنبأت أم صادر سجاح بنت أوس بْن أسامة بْن العنبر بْن يربوع
ابن حنظلة بْن مَالِك بْن زيد مناة بْن تميم، ويقال: هي سجاح بنت
الحارث ابن عقفان بْن سويد بْن خَالِد بْن أسامة وتكهنت فأتبعها قوم من
بني تميم وقوم من أخوالها بني تغلب ثُمَّ إنها سجعت ذات يوم فقالت: إن
رب السحاب، يأمركم أن تغزوا الرباب، فغزتهم فهزموها ولم يقاتلها أحد
غيرهم فأتت مسيلمة الكذاب وهو بحجر فتزوجته وجعلت دينها ودينه واحدا،
فلما قتل صارت إِلَى أخوالها فماتت عندهم، وقال ابْن الكلبي: أسلمت
سجاح وهاجرت إِلَى البصرة وحسن إسلامها، وقال عَبْد الأعلى بْن حَمَّاد
النرسي، سمعت مشايخ منَ البصريين إن سمرة بْن جندب الفزاري صلى عليها
وهو يلي البصرة من قبل معاوية قبل قدوم عُبَيْد اللَّه بْن زياد من
خراسان وولايته البصرة، وقال ابْن الكلبي كان مؤذن سجاح الجنبة بْن
طارق بْن عَمْرو بْن حوط الرياحي، وقوم يقولون: إن شبث بْن ربعي
الرياحي كان يؤذن لها.
(1/104)
قالوا: وارتدت خولان باليمن فوجه أَبُو بكر
إليهم يعلى بْن منية وهي أمه وهي من بني مازن بْن مَنْصُور بْن عكرمة
بْن حصفة بْن قيس بْن عيلان بْن مضر وأبوه أمية بْن أَبِي عُبَيْدة من
ولد مَالِك بْن حنظلة بْن مَالِك حليف بنى نوفل بن عبد مناف نظفر بهم
وأصاب منهم غنيمة وسبابا، ويقال: لم يلق حربا فرجع القوم إِلَى
الإِسْلام.
ردة بني وليعة والأشعث بْن قيس ابن معدى كرب بْن معاوية الكندي
قَالُوا: ولى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زياد
بْن لبيد البياضي منَ الأنصار حضرموت، ثُمَّ ضم إليه كندة، ويقال، إن
الَّذِي ضم إليه كندة أَبُو بكر الصديق رَضِي اللَّه عنه، وكان زياد
بْن لبيد رجلا حازمًا صليبًا فأخذ في الصدقة من بعض كندة قلوصا فسأله
الكندي ردها عَلَيْهِ وأخذ غيرها وكان قَدْ وسمها بميسم الصدقة فأبى
ذلك، وكلمه الأشعث بْن قيس فيه فلم يجبه، وقال: لست براد شيئا قَدْ وقع
الميسم عَلَيْهِ فانتقضت عَلَيْهِ كندة كلها إلا السكون فإنهم كانوا
معه فقال شاعرهم:
ونحن نصرنا الدين إذ ضل قومنا ... شقاء، وشايعنا ابْن أم زياد
ولم نبغ عن حق البياضي مزحلا ... وكان تقى الرَّحْمَنِ أفضل زاد
وجمع له بنو عَمْرو بْن معاوية بْن الحارث الكندي فبيتهم فيمن معه منَ
المسلمين فقتل منهم بشرا فيهم مخوس ومشرح وجمد وأبضعة بنو معدى كرب بْن
وليعة بْن شرحبيل بْن معاوية بْن حجر القرد «والقرد» الجواد في كلامهم
بْن الحارث بْن الولادة بْن عَمْرو بْن معاوية بْن الحارث، وكانت لها
ولاء الأخوة أودية يملكونها فسموا الملوك الأربعة، وكانوا وفدوا عَلَى
النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ارتدوا، وقتلت أخت
لهم يقال لها العمردة
(1/105)
وقاتلها يحسبها رجلا، ثُمَّ أن زيادا أقبل
بالسبي والأموال فمر على الأشعث ابن قيس وقومه فصرخ النساء والصبيان
وبكوا فحمى الأشعث أنفا وخرج في جماعة من قومه فعرض لزياد ومعه فأصيب
ناس منَ المسلمين ثُمَّ هزموهم فاجتمعت عظماء كندة إِلَى الأشعث بْن
قيس، فلما رأى زياد ذلك كتب إِلَى أَبِي بكر يستمده.
وكتب أَبُو بكر إِلَى المهاجر بْن أَبِي أمية يأمره بإنجاده فلقيا
الأشعث بْن قيس فيمن معهما منَ المسلمين ففضا جمعه وأوقعا بأصحابه
فقتلا منهم مقتلة عظيمة ثُمَّ أنهم لجأوا إِلَى النجير- وهو حصن لهم-
فحصرهم المسلمون حَتَّى جهدوا فطلب الأشعث الأمان لعدة منهم وأخرج نفسه
منَ العدة وذلك أن الجفشيش الكندي واسمه معدان بْن الأسود بْن معدى كرب
أخذ بحقوه، وقال: اجعلني منَ العدة فأدخله وأخرج نفسه ونزل إِلَى زياد
بْن لبيد والمهاجر فبعثا به إِلَى أَبِي بكر الصديق فمنَّ عَلَيْهِ
وزوجه أخته أم فروة بنت أَبِي قحافة فولدت له محمدا واسحق وقريبة
وحبابة وجعدة، وبعضهم يقول: زوجه أخته قريبة، ولما تزوجها أتى السوق
فلم يربها جزورا إلا كشف عرقوبيها وأعطى ثمنها وأطعمها الناس وأقام
بالمدينة ثُمَّ سار إِلَى الشام والعراق غازيًا، ومات بالكوفة وصلى
عَلَيْهِ الْحَسَن بْن أَبِي طالب بعد صلحه معاوية، وكان الأشعث يكنى
أبا محمد ويلقب عرف النار.
وقال بعض الرواة: ارتد بنو وليعة قبل وفاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما بلغت زياد بْن لبيد وفاته صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا الناس إِلَى بيعة أَبِي بكر فبايعوه خلابنى
وليعة فبيتهم وارتد الأشعث وتحصن في النجير فحاصره زياد بْن لبيد
والمهاجر اجتمعا عَلَيْهِ وأمدهما أَبُو بكر رضي اللَّه عنه بعكرمة ابن
أَبِي جهل بعد انصرافه من عمان فقدم عليهما وقد فتح النجير فسأل أَبُو
بكر المسلمين أن يشركوه في الغنيمة ففعلوا، قَالُوا: وكان بالنجيرة
نسوة
(1/106)
شمتن بوفاة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكتب أَبُو بكر رضي اللَّه عنه في قطع أيديهن
وأرجلهن منهن الثبجاء الحضرمية، وهند بنت يامين اليهودية.
وَحَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ
الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الْيَمَانِيُّ عَنْ مَشَايِخَ حَدَّثُوهُ
مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وَلَّى خَالِدَ
بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِي صَنْعَاءَ فَأَخْرَجَهُ الْعَنْسِيُّ
الْكَذَّابُ عَنْهَا، وَأَنَّهُ وَلَّى الْمُهَاجِرَ بْنَ أَبِي
أُمَيَّةَ عَلَى كِنْدَةَ وَزِيَادَ بْنَ لَبِيدٍ الأَنْصَارِيَّ عَلَى
حَضْرَمَوْتَ وَالصَّدَفِ وَهُمْ وَلَدُ مَالِكِ بْنِ مُرْتِعِ بْنِ
مُعَاوِيَةَ بْنِ كِنْدَةَ وَإِنَّمَا سُمِّيَ صَدَفًا لأَنَ مَرْتَعًا
تَزَوَّجَ حَضْرَمِيَّةَ وَشَرَطَ لَهَا أَنْ تَكُونَ عِنْدَهُ فَإِذَا
وَلَدَتْ وَلَدًا لَمْ يُخْرِجْهَا مِنْ دَارِ قَوْمِهَا فَوَلَدَتْ له
مالكا فقضى الحاكم عليه بأن يُخْرِجَهَا إِلَى أَهْلِهَا، فَلَمَّا
خَرَجَ مَالِكٌ عَنْهُ مَعَهَا قَالَ: صَدَفَ عَنِّي مَالِكٌ فَسُمِّيَ
الصَّدَفَ، وقال عَبْد الرزاق فاخبرني مشايخ من أهل اليمن، قَالُوا:
كتب أَبُو بكر إِلَى زياد بن لبيد والمهاجر ابن أَبِي أمية المخزومي
وهو يومئذ عَلَى كندة يأمرهما أن يجتمعا فتكون أيديهما يدا وأمرهما
واحدا فيأخذ له البيعة ويقاتلا منَ امتنع من أداء الصدقة وأن يستعينا
بالْمُؤْمِنِين عَلَى الكافرين وبالمطيعين عَلَى العاصين والمخالفين
فأخذا من رجل من كندة في الصدقة بكرة منَ الإبل فسألهما أخذ غيرها
فسامحه المهاجر وأبي زياد إلا أخذها وقال: ما كنت لأردها بعد أن وقع
عليها ميسم الصدقة، فجمع بنو عَمْرو بْن معاوية جمعا فقال زياد بْن
لبيد للمهاجر: قَدْ ترى هَذَا الجمع وليس الرأي أن نزول جميعا عن
مكاننا ولكن انفصل عَنِ العسكر في جماعة فيكون ذلك أخفى للأمر وأستر
ثُمَّ أبيت هؤلاء الكفرة، وكان زياد حازما صليبا فصار إِلَى بني عَمْرو
وألفاهم في الليل فبيتهم فأتى عَلَى أكثرهم وجعل بعضهم يقتل بعضا ثُمَّ
اجتمع والمهاجر ومعهما السبي والأسارى فعرض لهما الأشعث بْن قيس ووجوه
كندة فقاتلاهم قتالا شديدا، ثُمَّ إن الكنديين
(1/107)
تحصنوا بالنجير فحاصراهم حَتَّى جهدهم
الحصار وأضربهم ونزل الأشعث عَلَى الحكم قَالُوا: وكانت حضرموت أتت
كندة منجدة لها فواقعهم زياد والمهاجر فظفرا بهم وارتدت خولان فوجه
إليهم أَبُو بكر يعلى بْن منية فقاتلهم حَتَّى أذعنوا وأقروا بالصدقة،
ثُمَّ أتى المهاجر كتاب أَبِي بكر بتوليته صنعاء ومخاليفها وجمع عمله
لزياد إِلَى ما كان في يده فكانت اليمن بَيْنَ ثلاثة المهاجر، وزياد،
ويعلى وولى أَبُو سُفْيَان بْن حرب ما بَيْنَ آخر حد الحجاز وآخر حد
بحران.
وحدثني أَبُو التمار، قَالَ: حدثني شريك قَالَ أنبأنا إِبْرَاهِيم بْن
مهاجر عَنِ إِبْرَاهِيم النخعي، قَالَ: ارتد الأشعث بْن قيس الكندي في
ناس من كندة فحوصرا فأخذ الأمان لسبعين منهم ولم يأخذه لنفسه فأتى به
أَبُو بكر فقال:
أنا قاتلوك لأنه لا أمان لك إذ أخرجت نفسك منَ العدة، فقال: بل تمن علي
يا خليفة رَسُول اللَّهِ وتزوجني فعل وزوجه أخته. وحدثني الْقَاسِم بْن
سلام أَبُو عبيد، قال: حدثنا عبد الله بن صالح كاتب الليث بْن سَعْد عن
علوان بْن صالح عن صالح بْن كيسان عن حميد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ عن
عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عوف عن أَبِي بكر الصديق أنه قَالَ: ثلاث تركتهن
وودت أني لم أفعل، وددت أني يوم أتيت بالأشعث بْن قيس ضربت عنقه فإنه
تخيل إِلَى أنه لا يرى شرًّا إلا سعى فيه وأعان عَلَيْهِ، ووددت أني
يوم أتيت بالفجاءة قتلته ولم أحرقه، ووددت أني حيث وجهت خالدًا إِلَى
الشام وجهت عُمَر بْن الخطاب إِلَى العراق فأكون قَدْ بسطت يميني
وشمالي جميعا في سبيل اللَّه.
أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّهِ بْن صالح العجلي، عن يحيى بن آدم عن الحسن
بن صالح عن فراس أو بنان، عَنِ الشعبي أن أَبَا بكر رد سبايا النجير
بالفداء لكل رأس أربعمائة درهم، وأن الأشعث بْن قيس استسلف من تجار
المدينة فداءهم ففداهم ثُمَّ رده لهم، وقال الأشعث بْن قيس يرثي بشير
بْن الأودح، وكان ممن
(1/108)
وفد عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ
ارتد ويزيد بْن أماناة ومن قتل يوم النجير.
لعمري وما عمري عَلَى بهين ... لقد كنت بالقتلى أحق ضنين
فلا غرو إلا يوم يقسم سبيهم ... وما الدهر عندي بعدهم بأمين
وكنت كذات البوريعت فأقبلت ... عَلَى بوها إذ طربت بحنين
عَنِ ابْن أماناة الكريم وبعده ... بشير الندى فليجر دمع عيون |