الأصل المعروف بالمبسوط للشيباني

// كتاب الصَّوْم
//
أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن الْحسن قَالَ قَرَأت نُسْخَة هَذَا الْكتاب على أبي بكر مُحَمَّد بن عُثْمَان فَقلت لَهُ حَدثَك أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن سَعْدَان قَالَ أخبرنَا أَبُو سُلَيْمَان مُوسَى بن سُلَيْمَان الْجوزجَاني قَالَ أخبرنَا مُحَمَّد بن الْحسن إِلَى آخر هَذَا الْكتاب ثمَّ قلت لَهُ أروي هَذَا عَنْك قَالَ نعم
وعارضت بِهِ أَبَا سُلَيْمَان مُوسَى بن سُلَيْمَان قَالَ أخبرنَا مُحَمَّد بن الْحسن عَن طَلْحَة بن عَمْرو الْموصِلِي عَن مُجَاهِد أَنه كَانَ يكره أَن يَقُول

(2/186)


الرجل جَاءَ رَمَضَان وَذهب رَمَضَان وَلَكِن ليقل جَاءَ شهر رَمَضَان وَذهب شهر رَمَضَان قَالَ لَا أَدْرِي لَعَلَّ رَمَضَان اسْم من أَسْمَائِهِ تَعَالَى قلت أَرَأَيْت رجلا تسحر وَهُوَ لَا يعلم بِطُلُوع الْفجْر وَقد طلع

(2/187)


الْفجْر ثمَّ علم بعد ذَلِك أَنه كَانَ أكل وَالْفَجْر طالع وَذَلِكَ فِي رَمَضَان قَالَ يتم صَوْم يَوْمه ذَلِك وَعَلِيهِ قَضَاؤُهُ وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ قلت فَلم ألقيت عَنهُ الْكَفَّارَة قَالَ لِأَنَّهُ أكل وَهُوَ لَا يعلم بِطُلُوع الْفجْر
قلت فَإِن أفطر وَهُوَ يرى أَن الشَّمْس قد غَابَتْ ثمَّ تبين لَهُ بعد ذَلِك أَنَّهَا لم تغب قَالَ عَلَيْهِ أَن يمْكث حَتَّى تغيب الشَّمْس ثمَّ يفْطر

(2/188)


وَعَلِيهِ قَضَاء ذَلِك الْيَوْم وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ لِأَنَّهُ ظن أَن الشَّمْس قد غَابَتْ
أخبرنَا مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم عَن عمر بن الْخطاب بِنَحْوِ ذَلِك
قلت أَرَأَيْت رجلا أجنب فِي شهر رَمَضَان لَيْلًا فَترك الْغسْل حَتَّى طلع الْفجْر قَالَ يتم صَوْمه ذَلِك وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء قَالَ وبلغنا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يصبح جنبا من غير احْتِلَام ثمَّ يَصُوم يَوْمه ذَلِك وَذَلِكَ فِي شهر رَمَضَان قلت فَإِن

(2/189)


احْتَلَمَ نَهَارا فِي شهر رَمَضَان قَالَ فَكَذَلِك أَيْضا
قلت أَرَأَيْت رجلا ذرعه الْقَيْء وَهُوَ صَائِم قَالَ لَا يضرّهُ ذَلِك شَيْئا قلت فَإِن كَانَ هُوَ الَّذِي استقاء عمدا قَالَ فَعَلَيهِ قَضَاء ذَلِك الْيَوْم وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ قلت وَلم وَقد تقيأ عمدا قَالَ إِنَّمَا

(2/192)


الْكَفَّارَة فِي الْأكل وَالشرب وَالْجِمَاع أخبرنَا مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن الْحسن بن عمَارَة عَن الحكم عَن يحيى بن الجزار عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ بذلك قلت أَرَأَيْت رجلا احْتجم وَهُوَ صَائِم قَالَ إِن فعل ذَلِك لم يضرّهُ شَيْء قلت أفتكره لَهُ أَن يحتجم قَالَ إِن خَافَ أَن يُضعفهُ

(2/193)


فَأحب إِلَيّ أَن لَا يفعل
مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن أبان بن أبي عَيَّاش عَن أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفطر الحاجم والمحجوم قَالَ فَشَكا إِلَيْهِ النَّاس الدَّم فَرخص للصَّائِم أَن يحتجم
مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة عَن أبي السوار عَن أبي حَاضر عَن عبد الله ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احْتجم وَهُوَ صَائِم محرم بالقاحة
مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة عَن أبي العطوف عَن الزُّهْرِيّ

(2/194)


أَن سعد بن مَالك وَزيد بن ثَابت كَانَا يحتجمان وهما صائمان
قلت أَرَأَيْت الْمَرْأَة تطهر من حَيْضهَا فِي بعض النَّهَار قَالَ فلتدع الْأكل وَالشرب بَقِيَّة يَوْمهَا وَعَلَيْهَا قَضَاء ذَلِك الْيَوْم وَالْأَيَّام الَّتِي كَانَت فِيهَا حَائِضًا لِأَنَّهُ لَا يحسن بهَا أَن تَأْكُل وتشرب وَهِي طَاهِرَة وَالنَّاس صِيَام قلت فَإِن أكلت قَالَ لَا شَيْء عَلَيْهَا فِي ذَلِك قلت وَلم يكون عَلَيْهَا قَضَاء ذَلِك الْيَوْم وَلَا يكون عَلَيْهَا كَفَّارَة قَالَ لِأَنَّهَا قد كَانَت فِي أول النَّهَار مفطرة الْأكل وَالشرب لَهَا حَلَال
قلت أَرَأَيْت الصَّائِم هَل يقبل أَو يُبَاشر قَالَ نعم إِذا كَانَ يَأْمَن على نَفسه على مَا سوى ذَلِك

(2/195)


أخبرنَا مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة عَن زِيَاد بن علاقَة عَن عَمْرو بن مَيْمُون عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقبل وَهُوَ صَائِم
مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة عَن الْهَيْثَم عَن عَامر عَن مَسْرُوق عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصِيب من وَجههَا وَهُوَ صَائِم
قلت أَرَأَيْت رجلا أسره الْعَدو فالتبست عَلَيْهِ الشُّهُور فَلم يدر

(2/196)


أَي شهر رَمَضَان فتحرى شهرا فصامه فَإِذا هُوَ شهر رَمَضَان قَالَ فصيامه تَامّ جَائِز عَنهُ وَهُوَ بِمَنْزِلَة من قد علم
قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ قد مضى شهر رَمَضَان وَهُوَ لَا يعلم بمضيه وَلم يصمه فصَام شهرا بعد شهر رَمَضَان يَنْوِي بِهِ شهر رَمَضَان ثمَّ علم بعد أَن شهر رَمَضَان قد كَانَ مضى قَالَ يجزى عَنهُ صَوْمه من شهر رَمَضَان
قلت فَإِن تحرى شهرا فصَام قبل شهر رَمَضَان وَقبل أَن يدْخل وَقبل أَن يجب عَلَيْهِ صِيَامه قَالَ لَا يجْزِيه
قلت فَإِن مضى شهر رَمَضَان فَكل شهر صَامَهُ يَنْوِي بِهِ صِيَام شهر رَمَضَان أجزاه عَنهُ قَالَ نعم
قلت فَإِن صَامَ شهر رَمَضَان يَنْوِي بِهِ تَطَوّعا بصيامه وَهُوَ لَا يعلم أَنه شهر رَمَضَان هَل يجزى عَنهُ من شهر رَمَضَان قَالَ نعم لِأَنَّهُ صَامَ شهر رَمَضَان وَلَا يكون شهر رَمَضَان تَطَوّعا
قلت فلولا أَن رجلا أصبح صَائِما فِي أول يَوْم من شهر رَمَضَان وَلَا يَنْوِي أَنه من شهر رَمَضَان وَلَا يعلم أَن ذَلِك الْيَوْم من شهر رَمَضَان وَنوى بصيامه تَطَوّعا ثمَّ علم بعد ذَلِك أَن يَوْمه ذَلِك كَانَ من رَمَضَان هَل يجزى عَنهُ قَالَ نعم وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاء ذَلِك الْيَوْم

(2/197)


قلت فَإِن أصبح يَنْوِي الْإِفْطَار فِي أول يَوْم من شهر رَمَضَان وَهُوَ لَا يعلم أَنه من شهر رَمَضَان وَهُوَ يظنّ أَنه من شعْبَان فاستبان لَهُ قبل انتصاف النَّهَار أَنه من شهر رَمَضَان فصامه هَل يجزى عَنهُ قَالَ نعم إِن لم يكن أكل أَو شرب قبل أَن يستبين لَهُ فَإِن كَانَ أكل أَو شرب فَعَلَيهِ قَضَاء ذَلِك الْيَوْم وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ وَإِنَّمَا سَقَطت عَنهُ الْكَفَّارَة لِأَنَّهُ لم ينْو أَن يكون مُفطرا فِي شهر رَمَضَان إِنَّمَا نوى أَن يكون مُفطرا فِي شعْبَان قلت فَإِن علم أَن ذَلِك الْيَوْم من شهر رَمَضَان بعد انتصاف النَّهَار قَالَ فليصم بَقِيَّة يَوْمه ذَلِك وَعَلِيهِ قَضَاء ذَلِك الْيَوْم قلت فان أصبح فِي أول يَوْم من شهر رَمَضَان مُفطرا وَهُوَ يرى أَنه من شعْبَان فَأكل وَشرب ثمَّ استبان لَهُ بعد ذَلِك أَن يَوْمه ذَلِك من شهر رَمَضَان أيدع الطَّعَام بَقِيَّة يَوْمه قَالَ نعم وَعَلِيهِ قَضَاء ذَلِك الْيَوْم
قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ مُسَافِرًا فِي شهر رَمَضَان فطلع عَلَيْهِ الْفجْر وَهُوَ يَنْوِي أَنه مفطر ثمَّ دخل مصره من يَوْمه ذَلِك بعد الزَّوَال وَلم يَأْكُل وَلم يشرب هَل يجْزِيه صِيَام يَوْمه ذَلِك قَالَ لَا لِأَنَّهُ أصبح مُفطرا يَنْوِي الْإِفْطَار قلت فَإِن أكل أَو شرب هَل عَلَيْهِ كَفَّارَة

(2/198)


قَالَ لَا لِأَنَّهُ مفطر غير أَنِّي أستقبح لَهُ أَن يَأْكُل وَيشْرب فِي شهر رَمَضَان وَالنَّاس صِيَام وَهُوَ مُقيم فِي مصره
قلت أَرَأَيْت رجلا أصبح صَائِما فِي أول يَوْم من شهر رَمَضَان وَالنَّاس مفطرون لَا يعلمُونَ أَن ذَلِك الْيَوْم من شهر رَمَضَان هَل يجزى عَنهُ صَوْم ذَلِك الْيَوْم من شهر رَمَضَان قَالَ نعم وَقد أَسَاءَ حِين تقدم جمَاعَة النَّاس بالصيام
قلت أَرَأَيْت رجلا أبْصر هِلَال شهر رَمَضَان وَحده وَلم يبصره أحد غَيره فَرد عَلَيْهِ الإِمَام شَهَادَته قَالَ عَلَيْهِ أَن يَصُوم ذَلِك الْيَوْم وَلَا يفْطر وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يفْطر وَقد أبْصر الْهلَال قلت فَإِن أفطر هَل عَلَيْهِ الْكَفَّارَة قَالَ لَا قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ إِذا أفطر

(2/199)


على شُبْهَة لم يكن عَلَيْهِ كَفَّارَة قلت أفيصوم وَالنَّاس مفطرون قَالَ نعم لِأَنَّهُ لَا يَسعهُ أَن يصبح مُفطرا وَقد استيقن أَن يَوْمه ذَلِك من شهر رَمَضَان
قلت أَرَأَيْت رجلا قبل امْرَأَته وَهُوَ صَائِم فَأنْزل قَالَ عَلَيْهِ أَن يتم صَوْم ذَلِك الْيَوْم وَعَلِيهِ قَضَاؤُهُ وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ وَلَا يكون على الْمَرْأَة قَضَاء وَلَا كَفَّارَة إِلَّا أَن يكون مِنْهَا مثل مَا كَانَ من الرجل
قلت وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة إِذا رَأَتْ فِي منامها مثل مَا يرى الرجل من الْحلم كَانَ عَلَيْهَا مثل مَا على الرجل من الْغسْل قَالَ نعم
مُحَمَّد قَالَ حَدثنَا أَبُو حنيفَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم أَن أم سليم سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك فَأمرهَا بِالْغسْلِ
مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة عَن سعيد بن الْمَرْزُبَان عَن أنس بن مَالك قَالَ سَأَلت أم سليم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْمَرْأَة ترى فِي منامها مثل مَا يرى الرجل فَقَالَ لَهَا إِذْ كَانَ مِنْهَا مثل مَا يكون مِنْهُ فلتغتسل

(2/200)


قلت أَرَأَيْت الرجل يَأْكُل أَو يشرب أَو يُجَامع نَاسِيا لصومه فِي شهر رَمَضَان قَالَ عَلَيْهِ أَن يتم صَوْم ذَلِك الْيَوْم وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ
وبلغنا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحْو من ذَلِك فِي الْأكل وَالشرب خَاصَّة
قلت فَإِن تمضمض رجل فِي شهر رَمَضَان فسبقه المَاء فَدخل حلقه قَالَ عَلَيْهِ قَضَاء ذَلِك الْيَوْم إِذا كَانَ ذَاكِرًا لصومه فَإِن كَانَ نَاسِيا لصومه فَلَا شَيْء عَلَيْهِ
مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم بذلك

(2/201)


قلت أَرَأَيْت رجلا استعط فِي شهر رَمَضَان وَهُوَ صَائِم قَالَ عَلَيْهِ قَضَاء ذَلِك الْيَوْم قلت فَإِن اكتحل وَهُوَ صَائِم فَوجدَ طعم الْكحل فِي حلقه قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاء وَلَا كَفَّارَة قلت من أَيْن اخْتلفَا قَالَ لِأَن السعوط يدْخل رَأسه والكحل لَا يدْخل رَأسه وَإِنَّمَا الَّذِي يُوجد مِنْهُ رِيحه مثل الْغُبَار وَالدُّخَان يدْخل حلقه
قلت أَرَأَيْت رجلا احتقن فِي شهر رَمَضَان أَصَابَهُ حصر قَالَ عَلَيْهِ قَضَاء ذَلِك الْيَوْم وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ
قلت أَرَأَيْت رجلا طلع لَهُ الْفجْر فِي شهر رَمَضَان وَهُوَ فِي أَهله ثمَّ بدا لَهُ أَن يُسَافر هَل لَهُ أَن يفْطر قَالَ لَا يفْطر ذَلِك الْيَوْم لِأَنَّهُ خرج من مصره مُسَافِرًا وَقد طلع لَهُ الْفجْر

(2/202)


قلت أَرَأَيْت رجلا أصبح صَائِما تَطَوّعا ثمَّ بدا لَهُ فَأفْطر قَالَ عَلَيْهِ يَوْم مَكَان يَوْمه ذَلِك
قلت أَرَأَيْت رجلا أغمى عَلَيْهِ فِي شهر رَمَضَان يَوْمًا فَلم يفق حَتَّى الْغَد بعد الظّهْر قَالَ أما الْيَوْم الَّذِي أغمى عَلَيْهِ فِيهِ فصيامه تَامّ وَأما الْيَوْم الَّذِي أَفَاق فِيهِ فَعَلَيهِ قَضَاؤُهُ قلت فَإِن أغمى عَلَيْهِ لَيْلًا فِي شهر رَمَضَان فَلم يفق حَتَّى غَابَتْ الشَّمْس من بعد الْغَد قَالَ أما الْيَوْم الأول فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ وَأما الْيَوْم الآخر فَعَلَيهِ قَضَاؤُهُ
قلت وَكَذَلِكَ الصَّلَاة قَالَ أما الصَّلَاة فَعَلَيهِ أَن يَقْضِيهَا إِذا أغمى عَلَيْهِ يَوْمًا وَلَيْلَة فَإِن كَانَ أَكثر من يَوْم وَلَيْلَة فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ فِي الصَّلَاة
قلت أَرَأَيْت رجلا نظر إِلَى امْرَأَة فِي شهر رَمَضَان فَأنْزل قَالَ صَوْمه تَامّ جَائِز وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ إِلَّا أَن يكون مس الْمَرْأَة فَأنْزل
قلت أَرَأَيْت رجلا جَامع امْرَأَته فِي شهر رَمَضَان نَهَارا مُتَعَمدا لذَلِك قَالَ عَلَيْهِ أَن يتم صَوْم ذَلِك الْيَوْم وَيَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ وَعَلِيهِ أَن يعْتق رَقَبَة فَإِن لم يجد رَقَبَة فَعَلَيهِ صِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين فان لم يسْتَطع فإطعام سِتِّينَ مِسْكينا وَكَذَلِكَ جَاءَ الْأَثر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(2/203)


مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن سعيد بن الْمسيب عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك

(2/204)


قلت فَكل صِيَام لم يذكرهُ الله تَعَالَى فِي كِتَابه مُتَتَابِعًا فَلهُ أَن يفرقه إِذا أَرَادَ أَن يَقْضِيه قَالَ نعم قلت وَمَا كَانَ فِي الْقُرْآن مُتَتَابِعًا فَلَيْسَ لَهُ أَن يفرق إِذا كَانَ يَقْضِيه قَالَ نعم
قلت وَكَذَلِكَ إِن أكل وَشرب فِي شهر رَمَضَان مُتَعَمدا فَعَلَيهِ مَا على من جَامع من الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة قَالَ نعم قلت وعَلى الْمَرْأَة مثل ذَلِك إِذا هِيَ طاوعته قَالَ نعم قلت فَإِن كَانَ غلبها على نَفسهَا

(2/205)


فعلَيْهَا قَضَاء ذَلِك الْيَوْم وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهَا قَالَ نعم قلت فَإِن جَامعهَا أَيَّامًا فِي شهر رَمَضَان فَإِنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَة وَاحِدَة مَا لم يكفر تِلْكَ الْكَفَّارَة قَالَ نعم قلت فَإِن هُوَ كفر تِلْكَ الْكَفَّارَة ثمَّ عَاد قَالَ فَعَلَيهِ كَفَّارَة أُخْرَى أَيْضا قلت وَكَذَلِكَ الْأكل وَالشرب هُوَ بِمَنْزِلَة الْجِمَاع فِي كل وَجه من ذَلِك قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت رجلا جَامع امْرَأَته فِي شهر رَمَضَان نَهَارا ثمَّ حَاضَت فِي ذَلِك الْيَوْم قَالَ فعلَيْهَا قَضَاء ذَلِك الْيَوْم وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهَا وعَلى زَوجهَا قَضَاء ذَلِك الْيَوْم وَالْكَفَّارَة قلت فَلم وضعت عَن الْمَرْأَة الْكَفَّارَة قَالَ لِأَنَّهَا حَاضَت فِي ذَلِك الْيَوْم
قلت أَرَأَيْت رجلا أصبح صَائِما فِي غير شهر رَمَضَان يُرِيد قَضَاء رَمَضَان ثمَّ أكل وَشرب مُتَعَمدا قَالَ قد أَسَاءَ وَعَلِيهِ الْقَضَاء وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ
قلت أَرَأَيْت رجلا مُسَافِرًا أصبح صَائِما فِي شهر رَمَضَان ثمَّ أفطر قَالَ عَلَيْهِ الْقَضَاء وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ
مُحَمَّد قَالَ أخبرنَا أَبُو حنيفَة عَن مُسلم الْأَعْوَر عَن أنس بن مَالك عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه خرج من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة فِي شهر

(2/206)


رَمَضَان فَشَكا إِلَيْهِ النَّاس فِي بعض الطَّرِيق الْجهد فَأفْطر حَتَّى أَتَى مَكَّة
مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة عَن الْهَيْثَم عَن أنس بن مَالك أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة فِي شهر رَمَضَان لليلتين خلتا من شهر رَمَضَان فصَام حَتَّى إِذا أَتَى قديدا شكا إِلَيْهِ النَّاس الْجهد

(2/207)


فَأفْطر بِقديد ثمَّ لم يزل مُفطرا حَتَّى أَتَى مَكَّة فَأَي ذَلِك فعلت فَحسن إِن صمت فقد صَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن أفطرت فقد أفطر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن سَافَرت فِي شهر رَمَضَان

(2/208)


قلت أَرَأَيْت رجلا كَانَ عَلَيْهِ صِيَام أَيَّام من شهر رَمَضَان فَلم يقضها حَتَّى دخل شهر رَمَضَان آخر فصَام تِلْكَ الْأَيَّام الَّتِي كَانَت عَلَيْهِ من شهر رَمَضَان الْمَاضِي فِي هَذَا الشَّهْر الآخر قَالَ فصيامه ذَلِك جَائِز من رمضانه هَذَا الدَّاخِل وَلَا يكون قَضَاء لذَلِك الْمَاضِي
قلت أَرَأَيْت رجلا تسحر فِي شهر رَمَضَان فَشك فِي الْفجْر طلع أم لم يطلع قَالَ أحب إِلَيّ إِذا شكّ أَن يدع الْأكل وَالشرب قلت فَإِذا أكل وَهُوَ شَاك فِي الْفجْر قَالَ صَوْمه تَامّ
قلت فَإِذا مضى شهر رَمَضَان وَعَلِيهِ مِنْهُ صِيَام أَيَّام فصامه فِي الرمضان الآخر قَالَ يجْزِيه من هَذَا الثَّانِي وَلَا يجْزِيه من الأول

(2/209)


قلت أَرَأَيْت أهل مصر صَامُوا شهر رَمَضَان لغير رُؤْيَته وَفِيهِمْ رجل لم يصم مَعَهم حَتَّى رأى الْهلَال من الْغَد فصَام أهل ذَلِك الْمصر ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَصَامَ الرجل تِسْعَة وَعشْرين يَوْمًا ثمَّ أفطروا جَمِيعًا لرُؤْيَته قَالَ لَيْسَ على الرجل قَضَاء ذَلِك الْيَوْم الَّذِي صَامَهُ أهل مصره لأَنهم لم يَصُومُوا لرؤية الْهلَال وَلِأَنَّهُم لَا يعلمُونَ أَصَابُوا الصّيام أم لَا وَقد أخطؤا حِين صَامُوا لغير رُؤْيَة الْهلَال إِلَّا أَن يَكُونُوا رَأَوْا هِلَال شعْبَان ثمَّ عدوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثمَّ صَامُوا شهر رَمَضَان لغير رُؤْيَة فقد أَصَابُوا وأحسنوا وعَلى من لم يصم مَعَهم الْقَضَاء
قلت أَرَأَيْت رجلا أَتَى امْرَأَته نَهَارا فِيمَا دون الْفرج فَأنْزل قَالَ عَلَيْهِ قَضَاء ذَلِك الْيَوْم وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يخالطها وَإِنَّمَا الْكَفَّارَة بالمخالطة لَيست بِالْمَاءِ أَلا ترى أَنه لَو خالطها ثمَّ لم ينزل كَانَت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وَالْقَضَاء وَأما الْمَرْأَة فَلَا كَفَّارَة عَلَيْهَا وَلَا قَضَاء وَلَا غسل إِلَّا أَن يكون خالطها فَإِن خالطها فعلَيْهَا الْكَفَّارَة إِذا التقى الختانان وَغَابَتْ الْحَشَفَة فقد وَجب الْغسْل عَلَيْهِمَا جَمِيعًا وَالْقَضَاء وَالْكَفَّارَة أنزل أَو لم ينزل

(2/210)


مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة رَفعه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْغسْل على الْمَرْأَة ترى فِي منامها مثل مَا يرى الرجل
قلت أَرَأَيْت رجلا أكل فِي شهر رَمَضَان أَو شرب أَو جَامع نَاسِيا فَظن أَن ذَلِك يفْسد عَلَيْهِ صَوْمه فَأكل وَشرب وجامع مُتَعَمدا لذَلِك مَا عَلَيْهِ قَالَ عَلَيْهِ أَن يقْضِي ذَلِك الْيَوْم وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ قلت وَكَذَلِكَ لَو تسحر بعد طُلُوع الْفجْر وَهُوَ لَا يعلم بطلوعه أَو أفطر قبل غرُوب الشَّمْس وَهُوَ يرى أَن الشَّمْس قد غَابَتْ فَأكل بعد ذَلِك أَو شرب مُتَعَمدا لذَلِك قَالَ نعم لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ لِأَن صِيَامه كَانَ فَاسِدا وَلِأَنَّهُ قد وَجب عَلَيْهِ قَضَاء ذَلِك الْيَوْم حِين أكل قبل غرُوب الشَّمْس أَو تسحر بعد طُلُوع الْفجْر وَهُوَ لَا يعلم بطلوعه
قلت وَكَذَلِكَ لَو أَنه أكره على طَعَام أَو شراب فِي رَمَضَان فَأكل وَشرب ثمَّ تعمد الْأكل وَالشرب وَالْجِمَاع بعد ذَلِك قَالَ نعم لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ وَعَلِيهِ قَضَاء ذَلِك الْيَوْم قلت لم وضعت عَنهُ الْكَفَّارَة قَالَ لِأَن صَوْمه قد كَانَ فسد قبل أَن يتَعَمَّد لشَيْء من ذَلِك قلت وَكَذَلِكَ لَو أَن امْرَأَة استكرهها رجل فِي شهر رَمَضَان وَهِي صَائِمَة ثمَّ طاوعته بعد ذَلِك أَيْضا لم يكن عَلَيْهَا كَفَّارَة لِأَن صَومهَا قد كَانَ فسد حِين استكرهها وعَلى الرجل الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة قَالَ نعم

(2/211)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة السعوط والحقنة فِي شهر رَمَضَان يوجبان الْقَضَاء وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ مَا أقطر فِي أُذُنه وَكَذَلِكَ كل جَائِفَة أَو آمة داواها صَاحبهَا بِزَيْت أَو سمن فخلص إِلَى الْجوف والدماغ فِي قَوْله وَإِن داواها بدواء يَابِس فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا نرى عَلَيْهِ الْقَضَاء فِي الآمة والجائفة وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد إِن أقطر فِي إحليله فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُف عَلَيْهِ الْقَضَاء ثمَّ إِن مُحَمَّدًا شكّ فِي ذَلِك ووقف فِيهِ

(2/212)


قلت أَرَأَيْت الرجل يسلم فِي النّصْف من شهر رَمَضَان مَا عَلَيْهِ قَالَ عَلَيْهِ أَن يَصُوم بَقِيَّة ذَلِك الشَّهْر وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاء مَا مضى من الشَّهْر وَهُوَ كَافِر
مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن إِسْمَعِيل بن مُسلم عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ فِي الذِّمِّيّ يسلم فِي النّصْف من رَمَضَان إِنَّه يَصُوم بَقِيَّته وَلَا قَضَاء

(2/213)


عَلَيْهِ فِيمَا مضى قَالَ وبلغنا عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ مثله فَإِن أسلم غدْوَة فِي يَوْم من شهر رَمَضَان قبل أَن يطعم فَإِنَّهُ يتم صَوْم يَوْمه ذَلِك وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ
قلت أَرَأَيْت الْمَرْأَة تكون أَيَّام حَيْضهَا ثَلَاثَة أَيَّام فتحيض ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ تطهر فتمكث طَاهِرا ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ ترى الدَّم فِي الْيَوْم الرَّابِع يَوْمهَا ذَلِك كُله والغد وَقد صَامت الْأَيَّام الثَّلَاثَة الَّتِي طهرت فِيهَا من شهر رَمَضَان هَل يَجْزِي عَنْهَا قَالَ لَا لِأَنَّهُ قد كَانَت فِيهَا حَائِضًا وَقد استبان لَهَا ذَلِك حِين رَأَتْ الدَّم فِي الْيَوْم الرَّابِع قلت فَإِن تَمَادى بهَا الدَّم مَا بَينهَا وَبَين عشرَة أَيَّام فَهِيَ حَائِض قَالَ نعم قلت فَتلك الْأَيَّام الَّتِي رَأَتْ الدَّم وَالطُّهْر فِيهَا لَا تَصُوم فِيهَا وَلَا تصلي قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت لَو كَانَ حَيْضهَا ثَلَاثَة أَيَّام فحاضتها فطهرت يَوْمًا فرأت الدَّم من الْغَد فرأته يَوْمهَا وَمن الْغَد قَالَ هِيَ حَائِض قلت فَإِن كَانَت صَامت ذَلِك الْيَوْم الَّذِي طهرت فِيهِ من رَمَضَان أتعيد صَومهَا قَالَ نعم لِأَنَّهَا حَائِض بعد وَلَا يكون الطُّهْر يَوْمًا وَاحِدًا
قلت فَإِذا طهرت ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ رَأَتْ الدَّم فِي الْيَوْم الرَّابِع قَالَ هِيَ حَائِض قلت فَإِن كَانَت صَامت فِي هَذِه الْأَيَّام الثَّلَاثَة

(2/214)


قَضَاء من رَمَضَان أيجزيها ذَلِك قَالَ لَا لِأَنَّهَا حَائِض بعد قلت فَهَذِهِ بِمَنْزِلَة الأولى الَّتِي لم تستكمل أَيَّام حَيْضهَا قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الْمَرْأَة يكون أَيَّام حَيْضهَا سِتَّة أَيَّام فتحيض سَبْعَة أَيَّام زِيَادَة يَوْم على وَقت أَيَّام حَيْضهَا أَتَرَى ذَلِك حيضا قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ لَو رَأَتْ يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت أَن تَمَادى بهَا الدَّم حَتَّى ترَاهُ خَمْسَة أَيَّام بعد السِّتَّة قَالَ مَا زَاد على أَيَّام حَيْضهَا السِّتَّة فَهِيَ مُسْتَحَاضَة قلت لم قَالَ لِأَنَّهُ إِذا زَادَت على الْعشْرَة الْأَيَّام يَوْمًا أَو أَكثر من ذَلِك فَهِيَ فِيهِ مُسْتَحَاضَة عندنَا قلت فَكل شَيْء زَاد على أَيَّام حَيْضهَا مَا لم يزدْ على الْعشْرَة فَهِيَ فِيهِ حَائِض قَالَ نعم قلت فَإِن كَانَت صَامت بعد مَا مضى أَيَّام حَيْضهَا وَهَذِه الْأَيَّام من شهر رَمَضَان ثمَّ جَاوز الدَّم الْعشْرَة أجزاها لِأَنَّهَا فِيهِ مُسْتَحَاضَة قَالَ نعم قلت فَإِن لم يُجَاوز الدَّم الْعشْرَة الْأَيَّام لم يجزها قَالَ نعم لِأَنَّهَا حَائِض فعلَيْهَا أَن تعيد الصّيام
قلت أَرَأَيْت الْمَرْأَة النُّفَسَاء أول مَا تَلد يَنْقَطِع عَنْهَا الدَّم فِي تَمام ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ يعاودها الدَّم سَبْعَة أَيَّام أخر أتراها نفسَاء

(2/215)


بعد قَالَ نعم قلت فَإِن كَانَت صَامت تِلْكَ الثَّلَاثَة الْأَيَّام من شهر رَمَضَان أجزاها قَالَ نعم قلت من أَيْن أخذت فِي الْحيض الْعشْرَة وَفِي النّفاس الْأَرْبَعين قَالَ للأثر الَّذِي بلغنَا عَن عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ الثَّقَفِيّ صَاحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ تقعد النُّفَسَاء مَا بَينهَا وَبَين أَرْبَعِينَ يَوْمًا وبلغنا نَحْو من ذَلِك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ تقعد النُّفَسَاء مَا بَينهَا وَبَين أَرْبَعِينَ يَوْمًا وبلغنا عَن أنس بن مَالك أَنه قَالَ فِي الْحيض ثَلَاثَة أَيَّام أَو أَرْبَعَة أَيَّام

(2/216)


أَو خَمْسَة أَو سِتَّة تقعد مَا بَينهَا وَبَين الْعشْرَة
قلت أَرَأَيْت رجلا كَانَ عَلَيْهِ صِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين من ظِهَار أَو قتل فَمَرض فَأفْطر يَوْمًا قَالَ يسْتَقْبل الصّيام
قلت أَرَأَيْت إِن وَافق صِيَامه ذَلِك يَوْم النَّحْر وَأَيَّام التَّشْرِيق وَيَوْم الْفطر فَأفْطر وَهَذِه الْأَيَّام لَا بُد من أَن يفْطر فِيهَا كَيفَ يصنع قَالَ يسْتَقْبل الصّيام لِأَنَّهُ مفطر فِي هَذِه الْأَيَّام وَهَذِه الْأَيَّام لَيست بأيام صَوْم قلت فَكل صَوْم كَانَ عَلَيْهِ من رَمَضَان أَو كَفَّارَة يَمِين أَو جَزَاء صيد أَو نذر جعل لله عَلَيْهِ فصامه فِي هَذِه الْأَيَّام لم يجز عَنهُ قَالَ نعم لَا يجزى ذَلِك عَنهُ
قلت أَرَأَيْت إِن صَامَ شَهْرَيْن مُتَتَابعين كَانَا عَلَيْهِ من ظِهَار أَو قتل فَوَافَقَ أَحدهمَا شهر رَمَضَان فصَام شهر رَمَضَان يَنْوِي بِهِ الشَّهْرَيْنِ المتتابعين وَقَالَ أَقْْضِي شهر رَمَضَان بعد الْفطر قَالَ لَا يجزى ذَلِك عَنهُ وَشهر رَمَضَان الَّذِي صَامَهُ هُوَ شهر رَمَضَان نَفسه وَلَا يَجْزِي

(2/217)


عَنهُ من الشَّهْرَيْنِ المتتابعين وَعَلِيهِ أَن يسْتَقْبل الشَّهْرَيْنِ المتتابعين
قلت أَرَأَيْت من كَانَ عَلَيْهِ صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام من كَفَّارَة يَمِين أيتابع بَينهُنَّ قَالَ نعم بلغنَا أَنه فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات
قلت أَرَأَيْت الصَّوْم فِي جَزَاء الصَّيْد وَفِي الْمُتْعَة أمتتابع أَو متفرق قَالَ إِن تَابع أجزاه وَإِن فرق أجزاه قلت وَكَذَلِكَ قَضَاء شهر رَمَضَان قَالَ نعم قلت فَكل شَيْء متتابع أفطر فِيهِ يَوْمًا فَعَلَيهِ أَن يسْتَقْبل الصّيام قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل يَصُوم شَهْرَيْن مُتَتَابعين من ظِهَار عَلَيْهِ فيجامع

(2/218)


امْرَأَته الَّتِي ظَاهر مِنْهَا بِاللَّيْلِ قَالَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل الصَّوْم لِأَن الله تبَارك وَتَعَالَى يَقُول {فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين من قبل أَن يتماسا} قلت أَرَأَيْت إِن جَامعهَا نَهَارا نَاسِيا لصومه قَالَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل الصَّوْم من أَوله قلت لم وَلم يفْطر قَالَ لِأَن الله تَعَالَى يَقُول {من قبل أَن يتماسا} وَهَذَا لَا يكون أَهْون من جمَاعه بِاللَّيْلِ مُفطرا وَلَكِن عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل الصّيام فِي هذَيْن الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّهُ قد جَامع وَقد قَالَ الله تَعَالَى {من قبل أَن يتماسا} وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف يجْزِيه صَوْمه ذَلِك وَلَا يسْتَقْبل وَلَو جَامع غَيرهَا من نِسَائِهِ بِالنَّهَارِ نَاسِيا أَو بِاللَّيْلِ ذَاكِرًا أَو نَاسِيا فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء
قلت فَلَو كَانَ عَلَيْهِ صِيَام شَهْرَيْن من قتل أَو صِيَام من كَفَّارَة يَمِين أَو قَضَاء رَمَضَان فجامع لَيْلًا أَو نَهَارا نَاسِيا لصومه لم يضرّهُ وَأتم مَا بَقِي من صَوْمه قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الْمَرْأَة يجب عَلَيْهَا شَهْرَان متتابعان فتحيض فيهمَا أتستقبل الصّيام أم كَيفَ تصنع قَالَ إِن كَانَ الْحيض يُصِيبهَا فِي كل شهر لَا بُد لَهَا مِنْهُ فعلَيْهَا أَن تقضي أَيَّام حَيْضهَا وَلَا تسْتَقْبل الصّيام

(2/219)


وَتصل ذَلِك بالشهرين
أخبرنَا مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة عَن حَمَّاد عَن الشّعبِيّ أَنه قَالَ فِي الْمَرْأَة يكون عَلَيْهَا صِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين فتحيض فيهمَا إِنَّهَا تصله بالشهرين وَلَا تسْتَقْبل
أخبرنَا مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم أَنه قَالَ تسْتَقْبل فَقلت لأبي حنيفَة بِمَ تَأْخُذ قَالَ آخذ بِحَدِيث الشّعبِيّ
قلت أَرَأَيْت لَو كَانَت فرغت من الشَّهْرَيْنِ وَقد كَانَت حَاضَت فِي كل شهر خَمْسَة أَيَّام أتصوم هَذِه الْعشْرَة الْأَيَّام وتصلها بالشهرين قَالَ نعم قلت فَإِن أفطرت فِيهَا مَا بَينهَا وَبَين الشَّهْرَيْنِ يَوْمًا من غير حيض أتستقبل الصّيام قَالَ نعم لِأَنَّهَا إِذا أفطرت من غير حيض فعلَيْهَا أَن تسْتَقْبل

(2/220)


الصّيام قلت وَهِي بِمَنْزِلَة الرجل فِي كل مَا ذكرت لَك إِلَّا فِي الْحيض قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل يجب عَلَيْهِ صِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين من ظِهَار فيمرض مِنْهُمَا فيفطر لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيع أَن يَصُوم لمرضه أيجزيه أَن يطعم سِتِّينَ مِسْكينا قَالَ نعم قلت فَإِن كَانَ إِنَّمَا مرض ثَلَاثَة أَيَّام أَو أَرْبَعَة أَيَّام لم يكمل الشَّهْرَيْنِ فِي مَرضه قَالَ نعم يجْزِيه أَن يطعم قلت لم قَالَ إِذا كَانَ فِي حَال لَا يَسْتَطِيع فِيهِ الصّيام أجزاه الطَّعَام
قلت أَرَأَيْت إِذا صَامَ من ظِهَار أَو من قتل أَو من صِيَام وَاجِب عَلَيْهِ غير ذَلِك فَأكل نَاسِيا هَل يكون مُفطرا قَالَ لَا لِأَنَّهُ لَو فعل هَذَا فِي شهر رَمَضَان نَاسِيا لم يضرّهُ
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون عَلَيْهِ صِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين من ظِهَار فصَام عَن كَفَّارَة ظِهَاره فجامع امْرَأَة لَهُ أُخْرَى غير الَّتِي ظَاهر مِنْهَا لَيْلًا أَو نَهَارا نَاسِيا لصومه هَل عَلَيْهِ شَيْء قَالَ لَا وصومه تَامّ
قلت أَرَأَيْت الرجل يظاهر من أَربع نسْوَة لَهُ فَيعتق أَربع رِقَاب عَن ظِهَاره مِنْهُنَّ هَل يجْزِيه ذَلِك قَالَ نعم قلت فَإِن لم يجد مَا يعْتق فصَام ثَمَانِيَة أشهر مُتَتَابِعَات قَالَ يجْزِيه من كل ظِهَاره قلت فَإِن كَانَ لَا يَسْتَطِيع الصَّوْم فأطعم مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعين مِسْكينا هَل يجْزِيه إِذا مَا أطْعم كل مِسْكين نصف صَاع من حِنْطَة قَالَ نعم يجْزِيه قلت لم يجْزِيه وَهَذَا لم يَجْعَل لكل امْرَأَة مِنْهُنَّ شَيْئا مَعْلُوما قَالَ أستحسن

(2/221)


ذَلِك وأدع الْقيَاس فِيهِ
قلت أَرَأَيْت إِن صَامَ شَهْرَيْن مُتَتَابعين ثمَّ أفطر يَوْمًا ثمَّ صَامَ شَهْرَيْن مُتَتَابعين ثمَّ أفطر يَوْمًا حَتَّى صَامَ ثَمَانِيَة أشهر كلما أتم شَهْرَيْن أفطر يَوْمًا يُرِيد بِصَوْم كل شَهْرَيْن كَفَّارَة عَن امْرَأَة مِنْهُنَّ قَالَ ذَلِك يجْزِيه قلت فَإِن أعتق رَقَبَة عَن إِحْدَاهُنَّ وَلم ينوها بِعَينهَا هَل لَهُ أَن يُجَامع أيتهن شَاءَ وَيجْعَل الْعتْق عَنْهَا قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت إِن صَامَ شَهْرَيْن مُتَتَابعين يَنْوِي عَن وَاحِدَة مِنْهُنَّ بِعَينهَا ثمَّ جَامع أُخْرَى غير الَّتِي صَامَ عَنْهَا لَيْلًا هَل يفْسد عَلَيْهِ الصّيام الَّذِي صَامَ عَنْهَا قَالَ لَا لِأَنَّهُ لم يُجَامع الَّتِي صَامَ عَنْهَا إِنَّمَا جَامع غَيرهَا
قلت فَإِن صَامَ شَهْرَيْن مُتَتَابعين عَن وَاحِدَة مِنْهُنَّ لم يسمهَا بِعَينهَا ثمَّ جَامع ثَلَاثًا مِنْهُنَّ بِاللَّيْلِ أَله أَن يَجْعَل تِلْكَ الشَّهْرَيْنِ عَن الَّتِي لم يُجَامع قَالَ نعم قلت فَإِن كَانَ ذَلِك الْجِمَاع قبل مضى الشَّهْرَيْنِ قَالَ وَإِن كَانَ

(2/222)


قلت فَإِن صَامَ شَهْرَيْن مُتَتَابعين عَن وَاحِدَة مِنْهُنَّ ثمَّ مرض بعد شَهْرَيْن فأطعم سِتِّينَ مِسْكينا عَن أُخْرَى فَلَمَّا فرغ من الطَّعَام أيسر وَاشْترى رقيقين فأعتقهما عَن الْبَاقِيَتَيْنِ أيجزيه ذَلِك قَالَ نعم
أخبرنَا مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن إِسْمَعِيل بن مُسلم عَن سُلَيْمَان الْأَحول عَن طَاوس قَالَ ظَاهر رجل من امْرَأَته فأبصرها فِي الْقَمَر وَعَلَيْهَا خلخال فضَّة فَأَعْجَبتهُ فَوَقع عَلَيْهَا قبل أَن يكفر فَسَأَلَ عَن ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمره أَن يسْتَغْفر الله وَلَا يعود حَتَّى يكفر

(2/223)


قلت أَرَأَيْت الرجل يظاهر من امْرَأَته أَله أَن يُجَامِعهَا قبل أَن يكفر قَالَ لَا لَيْسَ لَهُ أَن يُجَامِعهَا حَتَّى يكفر وأكره للْمَرْأَة أَن تَدعه يقربهَا حَتَّى يكفر قلت فَإِن قربهَا قبل أَن يكفر هَل ترى عَلَيْهِ شَيْئا فِيمَا صنع قَالَ لَا إِلَّا أَنه يسْتَغْفر الله تَعَالَى وَلَا يعود وَكَذَلِكَ جَاءَ الْأَثر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أَمر الَّذِي وَاقع امْرَأَته قبل أَن يكفر أَن يسْتَغْفر الله تَعَالَى
قلت أَرَأَيْت الرجل إِذا تسحر فِي صَوْم وَاجِب عَلَيْهِ من رَمَضَان أَو غَيره فَشك وَكَانَ أكبر رَأْيه أَنه تسحر وَالْفَجْر طالع قَالَ أحب إِلَى أَن يقْضِي ذَلِك الْيَوْم آخِذا لَهُ فِي ذَلِك بالثقة قلت فَعَلَيهِ أَن يدع

(2/224)


السحر وَهُوَ يعلم أَن عَلَيْهِ لَيْلًا قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت رجلا أصبح صَائِما يَنْوِي بهَا قَضَاء رَمَضَان ثمَّ علم أَنه لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء من شهر رَمَضَان أَله أَن يفْطر قَالَ نعم إِن شَاءَ وَلَا يكون عَلَيْهِ قَضَاء ذَلِك الْيَوْم قلت فَإِن صَامَهُ أتراه أحسن من أَن يفْطر قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل يَصُوم ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَهُوَ متمتع ثمَّ يجد من الْهَدْي فِي الْيَوْم الثَّالِث أَيكُون صَوْمه منتقضا قَالَ نعم
أخبرنَا مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم بذلك وَكَذَلِكَ بلغنَا عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم
قلت فَإِذا أفطر ذَلِك الْيَوْم هَل عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ قَالَ لَا قلت لم

(2/225)


قَالَ لِأَن صَوْمه ذَلِك قد انْتقض قلت وَكَذَلِكَ لَو صَامَ ثَلَاثَة أَيَّام من كَفَّارَة يَمِين ثمَّ وجد فِي الْيَوْم الثَّالِث مَا يطعم وأيسر قَالَ نعم قلت وَكَذَلِكَ كل صَوْم من ظِهَار أَو قتل إِذا وجد مَا يعْتق بَطل صَوْمه وَإِن أفطر لم يكن عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الْمَرْأَة تصبح صَائِمَة تَطَوّعا ثمَّ تفطر متعمدة لذَلِك ثمَّ تحيض فِي آخر يَوْمهَا ذَلِك قَالَ عَلَيْهَا قَضَاء يَوْمهَا ذَلِك قلت وَلم وَقد حَاضَت قَالَ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة امْرَأَة قَالَت لله عَليّ أَن أَصوم هَذَا الْيَوْم ثمَّ تحيض فِيهِ فعلَيْهَا قَضَاؤُهُ
قلت أَرَأَيْت الرجل يصبح مُفطرا ثمَّ يَبْدُو لَهُ أَن يَصُوم قبل أَن ينتصف النَّهَار وَلم يطعم شَيْئا أَو يَبْدُو لَهُ أَن يَصُوم بعد زَوَال الشَّمْس قَالَ إِذا كَانَ قبل زَوَال الشَّمْس وعزم على الصَّوْم أجزاه وَإِذا صَامَ بعد مَا تَزُول الشَّمْس لم يجزه وَلم يكن صَائِما قلت فَإِن كَانَ هَذَا الصّيام قَضَاء من رَمَضَان أَو قَضَاء من صِيَام كَانَ عَلَيْهِ قَالَ

(2/226)


لَا يجْزِيه لِأَنَّهُ أصبح مُفطرا قلت فيجزيه أَن يتَطَوَّع بِهِ وَلَا يجْزِيه من شَيْء كَانَ عَلَيْهِ قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت إِن أصبح فِي شهر رَمَضَان يَنْوِي الْإِفْطَار غير أَنه لم يَأْكُل وَلم يشرب قَالَ عَلَيْهِ قَضَاء ذَلِك الْيَوْم قلت فَإِن نوى الصَّوْم قبل أَن ينتصف النَّهَار قَالَ يجْزِيه قلت لم جعلت عَلَيْهِ قَضَاء ذَلِك الْيَوْم قَالَ أَرَأَيْت مَرِيضا لَا يَسْتَطِيع الصّيام أصبح يَنْوِي الْإِفْطَار وَكَانَ على ذَلِك إِلَى اللَّيْل غير أَنه لم يَأْكُل وَلم يشرب لِأَنَّهُ لم يشته الطَّعَام وَلَا الشَّرَاب أَيكُون هَذَا صَائِما قلت لَا قَالَ فَهَذَا وَذَاكَ سَوَاء
قلت أَرَأَيْت رجلا فِي أَرض الْحَرْب مر بِهِ شهر رَمَضَان وَهُوَ لَا يعلم بِهِ وَلَا يَنْوِي صَوْمه وَنوى الْفطر فِيهِ غير أَنه لَا يجد طَعَاما وَلَا شرابًا أيجزيه هَذَا من صِيَام شهر رَمَضَان قَالَ لَا وَهَذَا وَذَاكَ سَوَاء قلت أَرَأَيْت هَذَا الَّذِي أصبح مُفطرا إِن ظن أَن نِيَّته قد أفسدت عَلَيْهِ صَوْمه وَأفْتى بذلك فَأكل قبل أَن ينتصف النَّهَار أَو شرب أَو جَامع

(2/227)


قَالَ عَلَيْهِ الْقَضَاء وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ قلت لم ألقيت عَنهُ الْكَفَّارَة قَالَ للشُّبْهَة الَّتِي دخلت
قلت أَرَأَيْت رجلا جن قبل شهر رَمَضَان فَلم يزل مجنونأ حَتَّى

(2/228)


ذهب شهر رَمَضَان كُله ثمَّ أَفَاق هَل عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ قَالَ لَا لِأَنَّهُ كَانَ مَجْنُونا وَلم يفق فِيهِ قلت فَإِن أُغمي عَلَيْهِ فَكَانَ كَذَلِك حَتَّى ذهب شهر رَمَضَان قَالَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ قلت من أَيْن اخْتلفَا قَالَ الْمغمى عَلَيْهِ لَيْسَ عندنَا بِمَنْزِلَة الْمَجْنُون المغلوب إِنَّمَا الْمغمى عَلَيْهِ بِمَنْزِلَة الْمَرِيض فَعَلَيهِ قَضَاء شهر رَمَضَان قَالَ أَرَأَيْت إِن كَانَ مَرِيضا لَيْسَ بمغمى عَلَيْهِ ألم يكن عَلَيْهِ قَضَاء رَمَضَان إِذا لم يصمه قلت بلَى قَالَ فَهَذَا وَذَاكَ سَوَاء
قلت أَرَأَيْت الْمَرِيض يمرض قبل دُخُول شهر رَمَضَان فَلَا يزَال مَرِيضا حَتَّى يَنْسَلِخ شهر رَمَضَان ثمَّ يَمُوت قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ من قَضَاء

(2/229)


شهر رَمَضَان شَيْء لِأَنَّهُ لم يَصح وَلم يبرأ حَتَّى مَاتَ قلت فَإِن صَحَّ شهرا فَلم يقْض شهر رَمَضَان حَتَّى مَاتَ قَالَ هَذَا عَلَيْهِ الْقَضَاء لِأَنَّهُ مَاتَ وَعَلِيهِ قَضَاء شهر رَمَضَان قلت فَإِن صَامَ عَنهُ ابْنه أيجزيه ذَلِك قَالَ لَا قلت لم قَالَ للأثر الَّذِي جَاءَ عَن عبد الله بن عمر وَعَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنَّهُمَا قَالَا لَا يُصَلِّي أحد عَن أحد وَلَا يَصُوم أحد عَن أحد

(2/230)


قلت فَإِن أوصى أَبوهُ حِين مَاتَ أَن يقْضِي عَنهُ كَيفَ تَأمر أَن يصنع قَالَ يطعم عَنهُ مَكَان كل يَوْم نصف صَاع من حِنْطَة قلت فكم الصَّاع قَالَ قفيز بالحجاجي وَهُوَ ربع الْهَاشِمِي وَهُوَ ثَمَانِيَة أَرْطَال
قلت أَرَأَيْت إِن صَحَّ بعد شهر رَمَضَان عشرَة أَيَّام ثمَّ مَاتَ

(2/231)


مَا عَلَيْهِ أَتَرَى عَلَيْهِ قَضَاء شهر رَمَضَان قَالَ لَا وَإِنَّمَا عَلَيْهِ قَضَاء الْعشْرَة الْأَيَّام الَّتِي صَحَّ فِيهَا قلت فالمريض وَالْمُسَافر فِي ذَلِك سَوَاء قَالَ نعم قلت فَإِن لم يبرأ حَتَّى مَاتَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْقَضَاء قَالَ نعم لَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِك قَضَاء
قلت فالمسافر إِذا أَقَامَ أَيَّامًا بعد شهر رَمَضَان ثمَّ مَاتَ فَعَلَيهِ

(2/232)


بِقدر مَا أَقَامَ قَالَ نعم وَهُوَ بِمَنْزِلَة الْمَرِيض فِي ذَلِك
قلت أَرَأَيْت الرجل يدْخل شهر رَمَضَان وَهُوَ صَحِيح ثمَّ يجن ثمَّ يفِيق قبل رَمَضَان عَام مقبل قَالَ يَصُوم هَذَا الرمضان الَّذِي دخل فِيهِ ثمَّ يقْضِي مَا بَقِي عَلَيْهِ من الأول قلت أَرَأَيْت الَّذِي يجن فِي شهر رَمَضَان فَلَا يفِيق حَتَّى يمْضِي هَذَا الرمضان الَّذِي جن فِيهِ ورمضان آخر قَالَ عَلَيْهِ قَضَاء الأول قلت فَمن أَيْن اخْتلفَا قَالَ أستحسن إِذا أوجبت عَلَيْهِ شَيْئا مِنْهُ أَن يقْضِي كُله وَهَذَا وَالثَّانِي لَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْء قلت فَإِن مكث عشْرين سنة ثمَّ أَفَاق فِي رَمَضَان قَالَ عَلَيْهِ أَن يَصُوم مَا بَقِي من هَذَا الشَّهْر الَّذِي أَفَاق فِيهِ وَعَلِيهِ قَضَاء مَا مضى مِنْهُ وَقَضَاء الأول الَّذِي كَانَ مفيقا فِيهِ فجن
قلت أَرَأَيْت الرجل يسلم فِي النّصْف من شهر رَمَضَان أَو بعد مَا يمْضِي مِنْهُ أَيَّام قَالَ يَصُوم مَا بَقِي مِنْهُ وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ فِيمَا مضى
مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن إِسْمَعِيل بن مُسلم عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ فِي الرجل يسلم فِي النّصْف من شهر رَمَضَان إِنَّه يَصُوم بَقِيَّته وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ لما مضى مِنْهُ وَكَذَلِكَ بلغنَا عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ
قلت فَإِن أسلم غدْوَة فِي يَوْم من شهر رَمَضَان قبل أَن يطعم

(2/233)


قَالَ يتم صَوْم ذَلِك الْيَوْم وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ
قلت أَرَأَيْت إِن أسلم فِي بعض النَّهَار أَتَرَى لَهُ أَن يَأْكُل بَقِيَّة يَوْمه وَيشْرب قَالَ لَا قلت فَإِن فعل فَعَلَيهِ قَضَاء ذَلِك الْيَوْم قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت الرجل يفْطر فِي شهر رَمَضَان مُتَعَمدا ثمَّ يمرض فِي ذَلِك الْيَوْم مَرضا لَا يَسْتَطِيع مَعَه الصَّوْم قَالَ عَلَيْهِ قَضَاء ذَلِك الْيَوْم وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ قلت لم قَالَ للمرض الَّذِي أَصَابَهُ
قلت أَرَأَيْت إِن سَافر وَلم يمرض وَلم يكن من نِيَّته السّفر قَالَ عَلَيْهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة لِأَن السّفر من فعله فَلَا تبطل بِهِ الْكَفَّارَة
قلت أَرَأَيْت الرجل يصبح فِي شهر رَمَضَان صَائِما ثمَّ يُسَافر وَقد عزم على الصَّوْم ثمَّ يفْطر فِي سَفَره ذَلِك هَل عَلَيْهِ مَعَ الْقَضَاء كَفَّارَة قَالَ لَا قلت لم قَالَ للشُّبْهَة الَّتِي دخلت لِأَنَّهُ إِنَّمَا أفطر وَهُوَ مُسَافر
قلت فَإِن كَانَ مُسَافِرًا وَقد عزم على الْإِفْطَار فَقدم قبل نصف النَّهَار أَو بعده فَأكل أَو شرب مُتَعَمدا لذَلِك هَل عَلَيْهِ كَفَّارَة قَالَ لَا وَلَكِن عَلَيْهِ الْقَضَاء
قلت فَإِن عزم على الصَّوْم فَلَمَّا قدم استفتى فَأفْتى أَن صَوْمه لَا يجْزِيه وَأَنه عَاص فَلَمَّا رأى ذَلِك أفطر قَالَ عَلَيْهِ الْقَضَاء وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ قلت لم قَالَ للشُّبْهَة الَّتِي دخلت
قلت فَإِن كَانَ صَامَ فِي السّفر أيجزيه قَالَ نعم وَهُوَ أفضل من أَن يفْطر وَإِنَّمَا الْإِفْطَار رخصَة

(2/234)


قلت أَرَأَيْت رجلا أكل نَاسِيا فِي رَمَضَان ثمَّ أكل بعد ذَلِك مُتَعَمدا وَظن أَن ذَلِك قد أفسد عَلَيْهِ صَوْمه قَالَ عَلَيْهِ الْقَضَاء وَلَيْسَت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة
قلت أفتكره للرجل أَن يقْضِي شهر رَمَضَان فِي أَيَّام الْعشْر قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت الْغُلَام يَحْتَلِم فِي النّصْف من شهر رَمَضَان ثمَّ يفْطر بعد ذَلِك مُتَعَمدا قَالَ عَلَيْهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة فِيمَا أفطر بعد احتلامه فِي غير الْيَوْم الَّذِي احْتَلَمَ فِيهِ قلت وَكَذَلِكَ الْجَارِيَة إِذا أفطرت بعد مَا حَاضَت قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الصَّائِم أتكره لَهُ أَن يقبل وَهُوَ صَائِم قَالَ إِن كَانَ يملك نَفسه فَلَا بَأْس بذلك قَالَ بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يقبل وَهُوَ صَائِم قَالَ مُحَمَّد أخبرنَا بذلك أَبُو حنيفَة

(2/235)


قلت أَرَأَيْت الرجل يتمضمض فِي شهر رَمَضَان فيسبقه المَاء فَيدْخل حلقه وَهُوَ نَاس لصومه قَالَ يمْضِي فِي صَوْمه ذَلِك وَلَا يفْطر وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ قلت فَإِن كَانَ ذَاكِرًا لصومه قَالَ عَلَيْهِ الْقَضَاء وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ قَالَ أخبرنَا مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم بذلك قلت فَلم ألقيت عَنهُ الْكَفَّارَة قَالَ لِأَنَّهُ لم يدْخلهُ

(2/237)


جَوْفه على وَجه الْإِفْطَار فَلذَلِك ألقيت عَنهُ الْكَفَّارَة
قلت أَرَأَيْت الصَّائِم يَذُوق الشَّيْء بِلِسَانِهِ وَلَا يدْخلهُ حلقه قَالَ لَا يفطره ذَلِك وصومه تَامّ قلت أفتكره لَهُ أَن يعرض نَفسه لشَيْء من هَذَا قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الصَّائِم ينظر إِلَى امْرَأَة حَتَّى يمنى أَتَرَى عَلَيْهِ الْقَضَاء قَالَ لَا لِأَنَّهُ لم يصنع شَيْئا قلت فَإِن لمس أَو قبل حَتَّى يمنى قَالَ يتم صَوْمه ذَلِك الْيَوْم وَعَلِيهِ الْقَضَاء وَلَيْسَت عَلَيْهِ كَفَّارَة وَلَا يكون على الْمَرْأَة قَضَاء إِلَّا أَن يكون مِنْهَا مثل مَا كَانَ من الرجل قلت فَإِن لمس حَتَّى يمذي قَالَ لَا قَضَاء عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَة لِأَن الْمَذْي لَيْسَ بِشَيْء
قلت أَرَأَيْت الصَّائِم يحتجم قَالَ نعم لَا يضرّهُ ذَلِك قلت أفتكره لَهُ أَن يحتجم قَالَ إِن خَافَ أَن يُضعفهُ فَأحب إِلَيّ أَن لَا يفعل قَالَ بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهى أَن يحتجم الصَّائِم ثمَّ أَنه رخص فِيهِ بعد ذَلِك وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِم محرم

(2/238)


قلت أَرَأَيْت الصَّائِم يدْخل الذُّبَاب جَوْفه أَو الشَّيْء من الطَّعَام يكون بَين أَسْنَانه فَيدْخل جَوْفه هَل يفطره ذَلِك وَقد دخل جَوْفه وَهُوَ ذَاكر لصومه وَهُوَ كَارِه قَالَ لَا يفطره ذَلِك وَهُوَ على صَوْمه لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَعَام وَلِأَنَّهُ مغلوب

(2/239)


قلت أَرَأَيْت الرجل يَجْعَل على نَفسه أَن يَصُوم شهرا أيصومه مُتَتَابِعًا أَو مُتَفَرقًا قَالَ إِن كَانَ نوى شهرا بِغَيْر عينه فرق ذَلِك إِن شَاءَ
قلت أَرَأَيْت إِن قَالَ لله عَليّ أَن أَصوم شعْبَان فَلم يفعل أَتَرَى عَلَيْهِ قَضَاءَهُ قَالَ نعم قلت فَهَل ترى عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين قَالَ إِن كَانَ أَرَادَ يَمِينا فَعَلَيهِ كَفَّارَة يَمِين مَعَ الْقَضَاء ويقضيه مُتَفَرقًا إِن شَاءَ وَإِن كَانَ لم يرد يَمِينا فَلَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَة
قلت أَرَأَيْت إِن قَالَ لله عَليّ أَن أَصوم شعْبَان فَأفْطر يَوْمًا أيقضي شعْبَان كُله لِأَنَّهُ لم يُتَابع بَين صَوْمه قَالَ لَا وَلكنه يقْضِي يَوْمًا مَكَان يَوْمه لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيع أَن يَصُوم شعْبَان بعد مَا قد مضى قلت فَعَلَيهِ الْقَضَاء لذَلِك الْيَوْم وَكَفَّارَة يَمِين إِن كَانَ أَرَادَ يَمِينا قَالَ نعم قلت فَإِن كَانَ قَالَ لله عَليّ أَن أَصوم شهرا مُتَتَابِعًا بِغَيْر عينه فَأفْطر يَوْمًا مِنْهُ قَالَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل صَوْم الشَّهْر من أَوله إِذا لم يكن

(2/240)


نوى شهرا بِعَيْنِه لِأَنَّهُ جعل لله عَلَيْهِ صَوْم شهر مُتَتَابِعًا وَلم ينْو شهرا بِعَيْنِه فَإِذا أفطر يَوْمًا وَلم يُتَابع اسْتقْبل الصَّوْم وَإِن نوى شهرا بِعَيْنِه فَجعل لله عَلَيْهِ أَن يَصُومهُ مُتَتَابِعًا فَأفْطر فِيهِ يَوْمًا صَامَ يَوْمًا مَكَان يَوْمه وَعَلِيهِ أَن يكفر يَمِينه إِن كَانَ أَرَادَ الْيَمين أَو نَوَاهَا وَإِن لم يكن أَرَادَ الْيَمين فَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ وَعَلِيهِ أَن يقْضِي مَا أفطر
قلت أَرَأَيْت الرجل يَجْعَل لله عَلَيْهِ أَن يَصُوم سنة بِعَينهَا وَهُوَ يفْطر يَوْم النَّحْر وَيَوْم الْفطر وَأَيَّام التَّشْرِيق فصَام السّنة إِلَّا هَذِه الْأَيَّام لِأَنَّهَا لَيست بأيام صَوْم قَالَ عَلَيْهِ قَضَاء هَذِه الْأَيَّام وَكَفَّارَة يَمِين إِن كَانَ أَرَادَ الْيَمين
قلت أَرَأَيْت الْمَرْأَة إِذا جعلت لله عَلَيْهَا صَوْم تِلْكَ السّنة وَهِي مِمَّن تحيض أتقضي مَكَان أَيَّام حَيْضهَا الَّتِي حَاضَت فِيهَا قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل يَجْعَل لله عَلَيْهِ أَن يَصُوم كل خَمِيس يَأْتِي عَلَيْهِ فيفطر خميسا وَاحِدًا قَالَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ وَكَفَّارَة يَمِين إِن كَانَ أَرَادَ يَمِينا قلت فَإِن أفطر خميسا آخر هَل عَلَيْهِ فِي هَذِه الْيَمين الْأُخْرَى حنث قَالَ لَا لِأَنَّهُ قد حنث فِيهَا مرّة وَكفر فِيهَا يَمِينه فَلَا يَحْنَث فِيهَا ثَانِيَة

(2/241)


قلت أَرَأَيْت الرجل يَجْعَل لله عَلَيْهِ أَن قدم فلَان أَن يَصُوم ذَلِك الْيَوْم الَّذِي يقدم فِيهِ أبدا فَقدم فلَان لَيْلًا قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء لِأَن فلَانا لم يقدم نَهَارا كَمَا قَالَ قلت فَإِن قدم فلَان فِي يَوْم قد أكل فِيهِ الرجل قَالَ عَلَيْهِ أَن يَصُوم ذَلِك الْيَوْم فِيمَا يسْتَقْبل كَمَا جعل لله على نَفسه وَأما الْيَوْم الَّذِي أكل فِيهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء لِأَنَّهُ أفطر قبل قدوم فلَان قلت وَكَذَلِكَ لَو قدم فلَان بعد الظّهْر وَلم يطعم الرجل شَيْئا فِي ذَلِك الْيَوْم وَهُوَ يَنْوِي الْإِفْطَار قَالَ نعم قلت فَلَو قدم فلَان قبل أَن ينتصف النَّهَار وَلم يَأْكُل الرجل شَيْئا وَهُوَ يَنْوِي الْإِفْطَار قَالَ أما هَذَا فيصوم هَذَا الْيَوْم يَصُومهُ فِيمَا يسْتَقْبل أبدا
قلت أَرَأَيْت الرجل يَقُول لله عَليّ أَن أَصوم غَدا فَيكون غَدا الْأَضْحَى فَلم يصمه أَيكُون عَلَيْهِ قضاؤ ذَلِك الْيَوْم قَالَ نعم وَعَلِيهِ كَفَّارَة يَمِين إِن كَانَ أَرَادَ يَمِينا قلت لم أوجبت عَلَيْهِ قَضَاءَهُ قَالَ لِأَن هَذَا يَوْم جعله لله عَلَيْهِ
قلت أَرَأَيْت الرجل يصبح صَائِما يَوْم النَّحْر مُتَعَمدا لذَلِك قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ إِن أفطره وَقَالَ أَبُو يُوسُف عَلَيْهِ الْقَضَاء وَهُوَ مثل قَوْله لله عَليّ وَقَالَ أَبُو حنيفَة هُوَ مُخْتَلف وَهَذَا فِي

(2/242)


الْجَامِع الصَّغِير وَالْكتاب الَّذِي يُسمى الهاروني
قلت أَرَأَيْت الْمَرْأَة تَقول لله عَليّ أَن أَصوم يَوْم حيضي أَتجْعَلُ عَلَيْهَا مَكَانَهُ يَوْمًا قَالَ لَا وَلَا يكون عَلَيْهَا شَيْء وَهَذَا مثل الرجل يصبح فِي يَوْم قد أكل فِيهِ ثمَّ قَالَ لله عَليّ أَن أَصوم هَذَا الْيَوْم فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ وَهَذَا مثل امْرَأَة حَائِض قَالَت لله عَليّ أَن أَصوم هَذَا الْيَوْم وَهِي حَائِض وَلَيْسَ عَلَيْهَا قَضَاؤُهُ وَهَذَا وَذَاكَ سَوَاء فِي الْقيَاس
قلت أَرَأَيْت الصَّائِم يكتحل بالإثمد والذرور وَالصَّبْر وَغَيره

(2/243)


قَالَ نعم لَا يضرّهُ ذَلِك شَيْئا قلت فَإِن وجد طعمه فِي حلقه قَالَ وَإِن وجد طعمه فِي حلقه فَإِنَّمَا طعمه مثل الدَّوَاء يذوقه فَيدْخل جَوْفه طعمه وَمثل الدّهن يدهن بِهِ شَاربه وَمثل الدُّخان وَمثل الْغُبَار يدْخل طعمه فِي حلقه
وَلَو طعن الصَّائِم بِرُمْح حَتَّى يصل الرمْح إِلَى جَوْفه لم يكن عَلَيْهِ الْقَضَاء وَلَا الْكَفَّارَة
وَإِذا أكره الصَّائِم حَتَّى صب المَاء فِي حلقه وَالشرَاب فَعَلَيهِ الْقَضَاء وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ
وَإِذا كَانَت بِالرجلِ جِرَاحَة جَائِفَة فداواها بِزَيْت أَو بِسمن فخلص ذَلِك إِلَى جَوْفه فَعَلَيهِ الْقَضَاء وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ
وَلَو داواها بدواء يَابِس لم يكن عَلَيْهِ الْقَضَاء فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا قَضَاء عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَة فِي الدَّوَاء الرطب واليابس جَمِيعًا
فَإِذا صب فِي جَوف النَّائِم مَاء أَو شراب وَهُوَ صَائِم فَعَلَيهِ الْقَضَاء وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة بِمَنْزِلَة الرجل فِي ذَلِك
قلت أَرَأَيْت الرجل يستاك بِالسِّوَاكِ الرطب أَو يبله بِالْمَاءِ وَهُوَ صَائِم قَالَ لَا بَأْس بذلك أَن يستاك أول النَّهَار أَو آخِره قَالَ بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يستاك وَهُوَ صَائِم

(2/244)


قلت أَرَأَيْت الْمَرْأَة الْحَامِل والمرضع الَّتِي تخَاف على الصَّبِي أَو الْحَامِل تخَاف على نَفسهَا قَالَ يفطران ويقضيان يَوْمًا مَكَان كل يَوْم وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِمَا قلت فالشيخ الْكَبِير الَّذِي لَا يُطيق الصَّوْم قَالَ يفْطر وَيطْعم لكل يَوْم نصف صَاع من حِنْطَة وَلَا شَيْء عَلَيْهِ غير ذَلِك
قلت أَرَأَيْت الصَّائِم يَأْكُل الطين أَو الجص أَو دخل جَوْفه حَصَاة قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء وصومه تَامّ وَلَا يفطره ذَلِك إِذا كَانَ نَاسِيا وَإِن كَانَ ذَاكِرًا فَعَلَيهِ الْقَضَاء وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَعَام
قلت فالصائم يمضغ العلك قَالَ أكره لَهُ ذَلِك وَلَا يفطره قلت فالمرأة تمضغ لصبيها خبْزًا أَو طَعَاما قَالَ إِن لم تَجِد من ذَلِك بدا فَلَا بَأْس بِهِ

(2/245)


أخبرنَا مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن الْحسن بن عمَارَة عَن الحكم عَن إِبْرَاهِيم بذلك
- بَاب صَدَقَة الْفطر
-
أخبرنَا مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن الْحسن بن عمَارَة عَن الزُّهْرِيّ عَن عبد الله بن ثَعْلَبَة بن صعير الْعَدوي قَالَ خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ أَدّوا عَن كل حر وَعبد صَغِير أَو كَبِير نصف صَاع من بر أَو صَاعا من تمر أَو صَاعا من شعير
مُحَمَّد بن الْحسن عَن أبي معشر عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن رَسُول الله

(2/246)


صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يَأْمُرهُم أَن يؤدوا صَدَقَة الْفطر قبل أَن يخرجُوا إِلَى الْمصلى وَقَالَ أغنوهم عَن الْمَسْأَلَة فِي مثل هَذَا الْيَوْم

(2/247)


قلت أَرَأَيْت الْمَمْلُوك من يُؤَدِّي عَنهُ صَدَقَة الْفطر قَالَ مَوْلَاهُ قلت فَهَل يَسعهُ أَن لَا يُؤَدِّي عَنهُ صَدَقَة الْفطر قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ المملوكون أيؤدي عَن كل إِنْسَان مِنْهُم نصف صَاع من حِنْطَة قَالَ نعم قلت وَإِن كَانُوا صغَارًا أَو كبارًا قَالَ نعم
قلت فَهَل يُؤَدِّي الرجل عَن أم وَلَده صَدَقَة الْفطر قَالَ نعم وَكَذَلِكَ الْمُدبر قلت فَهَل عَلَيْهِ أَن يُؤَدِّي عَن مكَاتبه صَدَقَة الْفطر قَالَ لَا قلت فَهَل يُؤَدِّي الْمكَاتب عَن نَفسه قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت عبدا قد أعتق نصفه وَهُوَ يسْعَى فِي نصف قِيمَته هَل يجب على مَوْلَاهُ أَن يُؤَدِّي عَنهُ صَدَقَة الْفطر قَالَ لَا قلت فَهَل يجب على العَبْد أَن يُؤَدِّي عَن نَفسه قَالَ لَا فِي قَول أبي حنيفَة وَهُوَ عِنْده بِمَنْزِلَة الْمكَاتب وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد على العَبْد أَن يُؤَدِّي عَن نَفسه وَهُوَ بِمَنْزِلَة الْحر إِذا أعتق بعضه فقد عتق كُله

(2/248)


قلت أَفَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ المملوكون يهود أَو نَصَارَى أَو مجوس أَو إِمَاء هَل يجب عَلَيْهِ فيهم صَدَقَة الْفطر قَالَ نعم قلت لم وهم كفار قَالَ لِأَن ذَلِك إِنَّمَا يجب على الْمولى أَن يُؤَدِّي عَنْهُم وَلَيْسَ عَلَيْهِم شَيْء
أخبرنَا مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن عُبَيْدَة عَن إِبْرَاهِيم أَنه قَالَ إِذا كَانَ للرجل عبد نَصْرَانِيّ إِنَّه يُؤَدِّي عَنهُ صَدَقَة الْفطر
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ العَبْد وَهُوَ مَجْنُون مغلوب لَا يفِيق وَلَا يعقل أيجب على مَوْلَاهُ فِيهِ صَدَقَة الْفطر قَالَ نعم وَكَذَلِكَ الْأمة
قلت أَرَأَيْت الرجل يدْخل أَرض الْحَرْب فيشتري رَقِيقا من رقيقهم فيخرجهم إِلَى دَار الْإِسْلَام هَل يجب عَلَيْهِ فيهم صَدَقَة الْفطر وهم كفار قَالَ نعم قلت فأولادهم بمنزلتهم قَالَ نعم
قلت فالرجل تكون لَهُ أم ولد نَصْرَانِيَّة أَو يَهُودِيَّة أَو مُدبرَة

(2/249)


يَهُودِيَّة أَو نَصْرَانِيَّة هَل يجب عَلَيْهِ فيهم صَدَقَة الْفطر قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت رجلا لَهُ أَوْلَاد كبار رجال هَل يجب عَلَيْهِ فيهم صَدَقَة قَالَ لَا وَلَكِن يجب عَلَيْهِم أَن يؤدوا عَن أنفسهم قلت فَإِن كَانَ وَلَده مُحْتَاجا وَهُوَ فِي عِيَاله هَل يجب عَلَيْهِ أَن يُؤَدِّي عَنهُ قَالَ لَا قلت فَإِن كَانَ وَلَده صَغِيرا هَل يجب عَلَيْهِ أَن يُؤَدِّي عَنهُ قَالَ نعم قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ لوَلَده الصَّغِير مَال فَأدى أَبوهُ عَنهُ من ذَلِك المَال أيضمن لَهُ شَيْئا قَالَ لَا فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد لَا يُؤَدِّي عَنهُ من مَاله شَيْئا فَإِن أدّى فَهُوَ ضَامِن وَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَن يُؤَدِّي عَنهُ من مَال الْأَب
قلت أفتكره أَن يُؤَدِّي الرجل صَدَقَة الْفطر عَن وَلَده من مَال وَلَده وَهُوَ صَغِير فِي عِيَاله وَلَا يُؤَدِّي من مَاله قَالَ لَا أكره لَهُ ذَلِك فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف قلت فَإِن لم يكن للِابْن مَال

(2/250)


أيؤدي الْأَب عَنهُ من مَاله قَالَ نعم
قلت فَهَل يجب على الرجل أَن يُؤَدِّي عَن امْرَأَته وأخيه وَأُخْته أَو عَن ابْنة ابْنه أَو ابْن عَمه أَو ابْن عمته أَو عَن خَاله أَو عَن خَالَته أَو عَن ذِي رحم محرم مِنْهُ وهم صغَار أَو كبار فِي عِيَاله قَالَ لَا قلت وَكَذَلِكَ لَا يُؤَدِّي عَن أَبَوَيْهِ وجده وجدته قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون مُحْتَاجا تحل لَهُ الصَّدَقَة هَل يجب عَلَيْهِ صَدَقَة الْفطر وعَلى عِيَاله قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ الْوَلَد الصَّغِير ولولده مَمْلُوك أيجب على أَبِيه أَن يُؤَدِّي عَن مماليك ابْنه قَالَ لَا قلت فَيعْطى عَن وَلَده وَلَا يعْطى عَن رَقِيق وَلَده قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت إِن كَانَ لِابْنِهِ مَال أَله أَن يُؤَدِّي عَنهُ وَعَن

(2/251)


وَلَده وَعَن رَقِيق وَلَده من مَال ابْنه قَالَ نعم فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف قلت فَإِن كَانَ لَهُ أَخ صَغِير فِي عِيَاله وَله مَال أيجب أَن يُؤَدِّي عَنهُ صَدَقَة الْفطر قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت الْوَصِيّ هَل يجب عَلَيْهِ أَن يُؤَدِّي عَن الْيَتِيم صَدَقَة الْفطر من مَال الْيَتِيم قَالَ نعم
قلت فَهَل يُعْطي عَن مَمْلُوكه صَدَقَة الْفطر قَالَ نعم فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد لَا يُؤَدِّي عَنْهُم شَيْئا
قلت أَرَأَيْت رجلَيْنِ بَينهمَا عبيد وإماء هَل يجب عَلَيْهِمَا فيهم صَدَقَة الْفطر قَالَ لَا لِأَنَّهُ لَيْسَ لوَاحِد مِنْهُمَا عبد تَامّ فَلَا يجب على الرجل فِي نصف عبد صَدَقَة الْفطر
قلت أَرَأَيْت صَدَقَة الْفطر دَفعهَا قبل الصَّلَاة أحب إِلَيْك أم بعْدهَا قَالَ أَن يَدْفَعهَا قبل الصَّلَاة أحب إِلَيّ
قلت أَرَأَيْت الرجل أيستحب لَهُ أَن يَأْكُل شَيْئا قبل الْخُرُوج إِلَى وَلَيْسَت مَوْجُود بِالْأَصْلِ وَلَكِن السِّيَاق يلْزمهَا الْمصلى يَوْم الْفطر قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل يجب عَلَيْهِ صَدَقَة الْفطر وَهُوَ من أهل

(2/252)


خُرَاسَان وَهُوَ بِالْكُوفَةِ يبْعَث بهَا إِلَى خُرَاسَان هَل يجزى عَنهُ قَالَ نعم وَقد أَسَاءَ حَيْثُ بعث بهَا إِلَى خُرَاسَان وَهُوَ مُقيم بِالْكُوفَةِ وَإِنَّمَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يَدْفَعهَا حَيْثُ تجب عَلَيْهِ قلت فَإِن ضَاعَت حَيْثُ بعث بهَا وَلم تصل إِلَى من بعث بهَا إِلَيْهِ هَل يجْزِيه ذَلِك قَالَ لَا وَعَلِيهِ صَدَقَة الْفطر ثَانِيَة يُؤَدِّيهَا حَيْثُ وَجَبت عَلَيْهِ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة الدّين وكل رَقِيق للتِّجَارَة فَلَيْسَ عَلَيْهِ صَدَقَة الْفطر وَإِنَّمَا صَدَقَة الْفطر على مَا كَانَ لغير التِّجَارَة مِنْهُم وَفِيمَا كَانَ للغلة والخدمة
قلت أَرَأَيْت الرجل يجب عَلَيْهِ صَدَقَة فِي نَفسه وَعِيَاله فيعطيها مِسْكينا وَاحِدًا أيجزيه ذَلِك قَالَ نعم لِأَن هَذَا بِمَنْزِلَة الزَّكَاة أعْطى مثل قِيمَته من الزَّكَاة مِسْكينا وَاحِدًا أجزاه ذَلِك
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون عِنْده ولد ابْنه وَهُوَ صَغِير فِي عِيَاله وأبوهم حَيّ أَو ميت هَل على جده أَن يُؤَدِّي عَنْهُم صَدَقَة الْفطر قَالَ لَا

(2/253)


قلت أَرَأَيْت الْمَرْأَة لَهَا زوج وَولد وَزوجهَا مُحْتَاج وَهِي تعول زَوجهَا وَوَلدهَا هَل عَلَيْهَا أَن تُعْطِي عَنْهُم صَدَقَة الْفطر قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت الرجل يَمُوت مماليكه يَوْم الْفطر أيؤدي عَنْهُم صَدَقَة الْفطر قَالَ نعم إِذا انْشَقَّ الْفجْر يَوْم الْفطر فَإِنَّهُ يُؤَدِّي عَنْهُم مَاتُوا أَو عاشوا سَوَاء فِي الْقيَاس وَبِه نَأْخُذ

(2/254)


قلت أَرَأَيْت الرجل يمر يَوْم الْفطر وَأَوْلَاده صغَار ثمَّ يَمُوت بَعضهم قبل أَن يُؤَدِّي عَنْهُم قَالَ يُؤَدِّي عَنهُ أَبوهُ

(2/255)


قلت أَرَأَيْت الرجل يَمُوت عَبده لَيْلَة الْفطر هَل عَلَيْهِ فِيهِ صَدَقَة الْفطر قَالَ لَا لِأَنَّهُ لم يصبح يَوْم الْفطر حَيا
قلت أَرَأَيْت الرجل يَشْتَرِي العَبْد وَهُوَ فِيهِ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَة أَيَّام أَو البَائِع فِيهِ بِالْخِيَارِ فيمر يَوْم الْفطر وَهُوَ عِنْده ثمَّ يردهُ أَو يَأْخُذهُ على من صَدَقَة الْفطر وَكَيف إِن كَانَ اشْتَرَاهُ للتِّجَارَة قَالَ إِن أمضى البيع للْمُشْتَرِي فعلى المُشْتَرِي صَدَقَة الْفطر وَزَكَاة التِّجَارَة إِن كَانَ اشْتَرَاهُ للتِّجَارَة وَإِن كَانَ رده كَانَ صدقته على البَائِع قلت وَكَذَلِكَ إِن كَانَ البَائِع بِالْخِيَارِ فَأمْضى البيع فَهُوَ على المُشْتَرِي وَإِن اخْتَار نقض البيع فَهُوَ على البَائِع قَالَ نعم
قلت من تحل لَهُ الصَّدَقَة أيجب عَلَيْهِ صَدَقَة الْفطر قَالَ لَا
مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن الْحسن بن عمَارَة عَن الحكم عَن إِبْرَاهِيم أَنه قَالَ إِذا حلت الصَّدَقَة للرجل لم يجب عَلَيْهِ صَدَقَة الْفطر
قلت أَرَأَيْت الإِمَام كَيفَ يصنع بِمَا يَأْخُذ من صَدَقَة الْمُسلمين وَصدقَة الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم وَالْمَال وَغَيره مِمَّا أشبه ذَلِك قَالَ يقسم صَدَقَة كل بِلَاد فِي فقرائهم وَلَا يُخرجهَا من تِلْكَ الْبِلَاد إِلَى غَيرهَا
قلت أَرَأَيْت الإِمَام مَا أَخذ من أَمْوَال بني تغلب وصدقاتهم

(2/256)


أيقسمها فِي فقرائهم قَالَ لَا لِأَنَّهَا لَيست بِصَدقَة إِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَة الْخراج فَهِيَ للْمُسلمين تدفع إِلَى بَيت مَالهم
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ مكَاتب فيمكث سِنِين مكَاتب ثمَّ يعجز هَل على مَوْلَاهُ صَدَقَة الْفطر فِيهِ لما مضى قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت الرجل يَشْتَرِي عبدا للتِّجَارَة فكاتبه فَمَكثَ سِنِين ثمَّ عجز بعد ذَلِك ثمَّ حَال عَلَيْهِ الْحول بعد مَا عجز أيزكيه زَكَاة الْفطر أم زَكَاة التِّجَارَة قَالَ عَلَيْهِ زَكَاة الْفطر لِأَنَّهُ قد خرج من حَال التِّجَارَة حِين كَاتبه
قلت أَرَأَيْت رجلا لَهُ عَبْدَانِ أَحدهمَا للتِّجَارَة وَالْآخر للْخدمَة أبقا جَمِيعًا فمكثا سنة ثمَّ وجدهما هَل عَلَيْهِ زكاتهما فِيمَا مضى قَالَ لَا لِأَنَّهُمَا كَانَا آبقين وَلَا يدْرِي مَا حَالهمَا قلت وَكَذَلِكَ لَو كَانَا مُدبرين

(2/257)


أَو أم ولد قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت الرجل يتَزَوَّج الْمَرْأَة على العَبْد فيدفعه إِلَيْهَا فجَاء يَوْم الْفطر وَهُوَ عِنْدهَا ثمَّ طَلقهَا قبل أَن يدْخل بهَا أعليها زَكَاة الْفطر قَالَ نعم قلت فَإِن كَانَ العَبْد عِنْد الزَّوْج ثمَّ طَلقهَا قبل أَن يدْخل بهَا فعلَيْهَا زَكَاة الْفطر قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت الرجل يعول ذَوي قرَابَته من ذَوي رحم محرم مِنْهُ وَلَيْسَ فيهم ولد أعليه أَن يُؤَدِّي عَنهُ صَدَقَة الْفطر قَالَ لَا أَلا ترى أَنه لَا يُؤَدِّي عَن امْرَأَته فَكيف يُؤَدِّي عَن هَؤُلَاءِ
قلت أَرَأَيْت الرجل يَشْتَرِي العَبْد للتِّجَارَة فيحول عَلَيْهِ الْحول وَهُوَ لَا يُسَاوِي مِائَتي دِرْهَم وَلَيْسَ لَهُ مَال غَيره هَل عَلَيْهِ زَكَاة قَالَ لَا قلت فَهَل عَلَيْهِ صَدَقَة الْفطر قَالَ لَا لِأَنَّهُ للتِّجَارَة فَلَا تجب فِيهِ صَدَقَة الْفطر
قلت أَرَأَيْت الرجل أَن أخر صَدَقَة الْفطر حَتَّى مضى يَوْم الْفطر هَل يجب عَلَيْهِ أَن يُؤَدِّيهَا بعد ذَلِك قَالَ نعم قلت فَإِن كَانَ

(2/258)


شهرا أَو أَكثر من ذَلِك قَالَ وَإِن كَانَ سنتَيْن
قلت أَرَأَيْت صَدَقَة الْفطر هَل يُعْطي مِنْهَا الْيَهُودِيّ أَو النَّصْرَانِي أَو الْمَجُوسِيّ قَالَ لَا يُعْطِيهَا إِلَّا الْمُسلمين قلت فَإِن أعْطى أهل الذِّمَّة هَل يجْزِيه ذَلِك قَالَ نعم
قلت أَرَأَيْت رجلا أسلم بعد طُلُوع الْفجْر يَوْم الْفطر أيجب عَلَيْهِ

(2/259)


صَدَقَة الْفطر قَالَ لَا قلت فَإِن أسلم لَيْلَة الْفطر هَل عَلَيْهِ صَدَقَة الْفطر قَالَ نعم
قلت فَإِن كَانَ لَهُ خَمْسَة دَرَاهِم لَيْسَ لَهُ غَيرهَا هَل تجب عَلَيْهِ صَدَقَة الْفطر قَالَ لَا قلت فَإِن كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَم وَهِي لَا تغنيه وَلَا تغنى عِيَاله وَعَلِيهِ مِائَتَا دِرْهَم دين أيجب عَلَيْهِ صَدَقَة الْفطر قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت الرجل يكون لَهُ الْخَادِم وَالدَّار لَيْسَ لَهُ مَال غَيرهَا هَل يجب عَلَيْهِ صَدَقَة الْفطر قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت الرجل لَيْسَ لَهُ طَعَام حِنْطَة وَلَا شعير وَلَكِن لَهُ ذرة أَو سمسم أَو نَحْو ذَلِك من الْحُبُوب كم يُؤَدِّي من ذَلِك صَدَقَة الْفطر قَالَ يُؤَدِّي من ذَلِك قيمَة نصف صَاع من حِنْطَة أَو قيمَة صَاع من شعير أَو صَاع من تمر
قلت أَرَأَيْت الْمضَارب يَشْتَرِي عبدا للتِّجَارَة على من تكون

(2/260)


صَدَقَة الْفطر قَالَ لَيْسَ على رب المَال وَلَا على الْمضَارب شَيْء لِأَن هَذَا تجب فِيهِ الزَّكَاة زَكَاة التِّجَارَة
قلت أَرَأَيْت رجلا وَجَبت عَلَيْهِ صَدَقَة الْفطر فَلم يؤدها حَتَّى مضى الْفطر وَاحْتَاجَ هَل يجب عَلَيْهِ صَدَقَة الْفطر فِي حَال حَاجته أَو بعد مَا يُصِيب مَالا قَالَ نعم يجب عَلَيْهِ إِذا أصَاب مَالا أَن يُؤَدِّي
قلت أَرَأَيْت رجلا ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام قبل الْفطر ثمَّ أسلم يَوْم الْفطر هَل تجب عَلَيْهِ صَدَقَة الْفطر قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت العَبْد الْآبِق هَل يجب على مَوْلَاهُ فِيهِ صَدَقَة الْفطر قَالَ لَا قلت وَكَذَلِكَ العَبْد الْغَصْب يغصبه الرجل قَالَ نعم
قلت وَكَذَلِكَ العَبْد الْمَبِيع بيعا فَاسِدا قبل الْفطر إِذا قَبضه المُشْتَرِي فَأعْتقهُ بعد الْفطر فَلَيْسَ على البَائِع فِيهِ صَدَقَة الْفطر قَالَ نعم قلت فعلى من تكون قَالَ على المُشْتَرِي
قلت أَرَأَيْت العَبْد يأسره الْعَدو هَل على مَوْلَاهُ صَدَقَة الْفطر قَالَ لَا
قلت أَرَأَيْت العَبْد إِذا اشْتَرَاهُ مَوْلَاهُ للْخدمَة ثمَّ أذن لَهُ فِي

(2/261)


التِّجَارَة واستدان فأغلق رقبته فِي الدّين ولمولاه مَال كثير هَل عَلَيْهِ فِيهِ صَدَقَة الْفطر قَالَ نعم قلت فَهَل على الْمولى فِي رَقِيق العَبْد صَدَقَة الْفطر قَالَ لَا قلت من أَيْن افترق العَبْد وعبيده قَالَ عبيده للتِّجَارَة وَعَلِيهِ دين وَلَو لم يكن عَلَيْهِ دين لم يكن عَلَيْهِ فيهم صَدَقَة الْفطر وَكَانَ عَلَيْهِ صَدَقَة التِّجَارَة
قلت أَرَأَيْت عبدا للتِّجَارَة لَا يُسَاوِي مِائَتي دِرْهَم وَلَيْسَ لمَوْلَاهُ مَال غَيره هَل يجب على مَوْلَاهُ زَكَاة التِّجَارَة قَالَ لَا قلت فَهَل عَلَيْهِ زَكَاة الْفطر قَالَ لَا قلت لم قَالَ من وَجْهَيْن من قبل التِّجَارَة وَمن قبل أَنه لَا يجب على مَوْلَاهُ صَدَقَة
قلت أَرَأَيْت الرجل يَبِيع العَبْد بيعا فَاسِدا فَلَا يقبضهُ المُشْتَرِي حَتَّى يمْضِي الْفطر ثمَّ يقبضهُ فيعتقه على من زَكَاة الْفطر وَقد كَانَ لغير التِّجَارَة قَالَ زَكَاة الْفطر على البَائِع قلت فَلَو كَانَ المُشْتَرِي قد قَبضه قبل الْفطر ثمَّ رده بعد الْفطر وَهُوَ لغير التِّجَارَة قَالَ يكون على البَائِع لِأَنَّهُ قد رد عَلَيْهِ قلت فَلَو أعْتقهُ المُشْتَرِي أَو بَاعه قَالَ زَكَاة الْفطر على المُشْتَرِي

(2/262)


قلت أَرَأَيْت الرجل الْمَعْتُوه لَهُ رَقِيق وَهُوَ غَنِي هَل عَلَيْهِ فِي نَفسه ورقيقه زَكَاة الْفطر قَالَ نعم هُوَ فِي ذَلِك بِمَنْزِلَة الْيَتِيم فِي قِيَاس قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد لَا شَيْء عَلَيْهِ فِي نَفسه وَلَا فِي رَقِيقه
قلت أَرَأَيْت الرجل الْكَافِر لَهُ عبد مُسلم هَل يجب على عَبده زَكَاة الْفطر أَو على مَوْلَاهُ قَالَ لَا لِأَن مَوْلَاهُ كَافِر لَا صَلَاة عَلَيْهِ وَلَا زَكَاة وَإِنَّمَا النّظر إِلَى الْمولى فِي هَذَا
قلت الْمكَاتب لَهُ رَقِيق هَل عَلَيْهِ فيهم زَكَاة الْفطر قَالَ لَا

(2/263)


قلت فَالْعَبْد الْوَدِيعَة أَو الْعَارِية أَو الْإِجَارَة قَالَ على رب العَبْد
قلت أَرَأَيْت العَبْد الْمُوصى بخدمته لرجل وبرقبته لآخر على من زَكَاة الْفطر فِيهِ قَالَ على صَاحب الرَّقَبَة
قلت العَبْد الَّذِي يجني الْجِنَايَة عمدا أَو خطأ فِيهَا قصاص أَو لَيْسَ

(2/264)


فِيهَا قصاص على من زَكَاة الْفطر قَالَ على رب العَبْد
قلت أَرَأَيْت رجلا رهن رجلا عبدا أَو أمة من يُؤَدِّي عَنهُ زَكَاة الْفطر قَالَ على الرَّاهِن إِذا كَانَ عِنْده وَفَاء بذلك الدّين وَفضل مِائَتي دِرْهَم فَإِن لم يكن عِنْده ذَلِك فَلَيْسَ عَلَيْهِ صَدَقَة الْفطر
قلت وَكم زَكَاة الْفطر قَالَ نصف صَاع من حِنْطَة عَن كل حر أَو عبد صَغِير أَو كَبِير

(2/265)


قلت أَرَأَيْت الرجل يكون بَينه وَبَين رجل رَقِيق لغير التِّجَارَة أيؤدي عَنْهُم صَدَقَة الْفطر هُوَ وَصَاحبه قَالَ لَا فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالَ مُحَمَّد على كل وَاحِد مِنْهُمَا صَدَقَة الْفطر وَهَذَا بِمَنْزِلَة الْغنم السَّائِمَة تكون بَين الرجلَيْن لأَنا نرى قسْمَة الرَّقِيق جَائِزَة وَيقسم الرَّقِيق إِذا كَانُوا بَين رجلَيْنِ
كتاب أبي بكر إِلَى هَذَا الْموضع وَالله أعلم
- بَاب الِاعْتِكَاف
-
أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن الْحسن قَالَ حَدثنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن عُثْمَان قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن سَعْدَان عَن الْجوزجَاني قَالَ أخبرنَا مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن لَيْث بن أبي سليم عَن الحكم عَن مقسم عَن ابْن عَبَّاس وَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهُم أَنَّهُمَا قَالَا لَا اعْتِكَاف إِلَّا بِصَوْم

(2/268)


أخبرنَا مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك بن مُزَاحم قَالَ مر عبد الله بن مَسْعُود وَحُذَيْفَة بن الْيَمَان على قوم معتكفين فِي مَسْجِد فَقَالَ عبد الله هَل يكون اعْتِكَاف إِلَّا فِي الْمَسْجِد الْحَرَام قَالَ حُذَيْفَة نعم كل مَسْجِد لَهُ إِمَام ومؤذن فَإِنَّهُ يعْتَكف فِيهِ

(2/269)


أخبرنَا مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن لَيْث بن أبي سليم عَن الحكم عَن مقسم عَن عَليّ بن أبي طَالب رضوَان الله عَلَيْهِ أَنه قَالَ لَيْسَ على الْمُعْتَكف صَوْم إِلَّا أَن يُوجِبهُ على نَفسه
وبلغنا عَن حُذَيْفَة أَنه قَالَ لَا اعْتِكَاف إِلَّا فِي مَسْجِد جمَاعَة

(2/271)


وَلَيْسَ يَنْبَغِي للمعتكف أَن يخرج من الْمَسْجِد لحَاجَة مَا خلا الْجُمُعَة وَالْغَائِط وَالْبَوْل فَأَما عِيَادَة الْمَرِيض وَشَهَادَة الْجِنَازَة فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يخرج لذَلِك وَكَذَلِكَ مَا سوى ذَلِك من الْحَوَائِج فَإِن خرج لجمعة أَو غَائِط أَو بَوْل فَدخل بَيْتا أَو مر فِيهِ فَلَا بَأْس بذلك وَلَا يفْسد ذَلِك اعْتِكَافه وَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يمْكث فِي منزله بعد فَرَاغه من الْوضُوء وَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يمْكث بعد الْجُمُعَة وَيَنْبَغِي لَهُ أَن يَأْتِي الْجُمُعَة حِين تَزُول الشَّمْس فَيصَلي قبلهَا أَرْبعا وَبعدهَا أَرْبعا أَو سِتا وَمَا كَانَ من أكل أَو شراب فَإِنَّهُ يكون فِي مُعْتَكفه وَإِذا مرض الْمُعْتَكف فَخرج من الْمَسْجِد يَوْمًا أَو أَكثر من نصف يَوْم فَعَلَيهِ أَن يسْتَقْبل الِاعْتِكَاف إِن كَانَ اعتكافا وَاجِبا وَهَذَا قَول أبي يُوسُف وَقَالَ

(2/273)


أَبُو حنيفَة إِذا خرج سَاعَة من الْمَسْجِد من غير عذر اسْتقْبل الِاعْتِكَاف وَكَذَلِكَ إِذا خرج من الْمَسْجِد لغير حَاجَة يَوْمًا أَو أَكثر من نصف يَوْم فَعَلَيهِ أَن يسْتَقْبل اعْتِكَافه فِي قَول أبي يُوسُف وَكَذَلِكَ لَو أفطر يَوْمًا كَانَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل اعْتِكَافه وَكَذَلِكَ لَو وَاقع امْرَأَته كَانَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل اعْتِكَافه
وَلَا تعتكف الْمَرْأَة إِلَّا فِي مَسْجِد بَيتهَا وَلَا تعتكف فِي مَسْجِد جمَاعَة

(2/274)


وَإِذا جعل الرجل على نَفسه لله أَن يعْتَكف شهرا أَو ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلم ينْو شهرا بِعَيْنِه فَإِن ذَلِك سَوَاء وَهُوَ متتابع عَلَيْهِ فِي ذَلِك اللَّيْل وَالنَّهَار ويفتتح ذَلِك مَتى شَاءَ
وَإِذا قَالَ الرجل لله عَليّ أَن أعتكف شهرا بِالنَّهَارِ فَلهُ أَن يعْتَكف بِالنَّهَارِ دون اللَّيْل وَهُوَ بِمَنْزِلَة قَوْله لله عَليّ أَن لَا أكلم فلَانا شهرا بِالنَّهَارِ فَهُوَ كَمَا قَالَ
وَإِذا جعل الرجل لله على نَفسه اعْتِكَاف ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلم يقل مُتَتَابِعًا فَهُوَ متتابع وَإِذا افْتتح الرجل ذَلِك وَاعْتَكف فَعَلَيهِ اللَّيْل وَالنَّهَار فَإِن ترك شَيْئا من ذَلِك أفسد عَلَيْهِ اعْتِكَافه وَكَانَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل وَلَيْسَ هَذَا كَالصَّوْمِ أَلا ترى أَنه لَو جعل لله على نَفسه أَن يَصُوم ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلم ينْو مُتَتَابِعًا كَانَ لَهُ أَن يفرق إِن شَاءَ أَو لَا ترى أَنه يفْطر بِاللَّيْلِ

(2/275)


وَإِذا جعل الرجل لله عَلَيْهِ أَن يعْتَكف شهرا بِعَيْنِه قد سَمَّاهُ فَذهب ذَلِك الشَّهْر قبل أَن يفعل فَعَلَيهِ أَن يعْتَكف شهرا سواهُ وَعَلِيهِ كَفَّارَة يَمِين إِن كَانَ أَرَادَ يَمِينا فَإِن لم يكن أَرَادَ يَمِينا فَلَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَة
وَإِذا جعل الرجل لله على نَفسه أَن يعْتَكف شعْبَان فاعتكفه إِلَّا يَوْمًا وَاحِدًا فَعَلَيهِ أَن يقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ
وَإِذا جعلت الْمَرْأَة لله عَلَيْهَا أَن تعتكف شهرا فَحَاضَت فِيهِ فعلَيْهَا أَن تقضي أَيَّام حَيْضهَا وَتصل بالشهر لِأَن أَيَّام حَيْضهَا كَأَنَّهَا ليل فَإِن لم تصل الْأَيَّام الَّتِي تقضي بالشهر أفسدت على نَفسهَا اعتكافها وَكَانَ عَلَيْهَا أَن تسْتَقْبل الِاعْتِكَاف وَلَيْسَ الْحيض كَغَيْرِهِ لِأَن الْحيض عذر يُصِيبهَا فِي كل شهر فَإِذا لم تصل الِاعْتِكَاف بِالْأَيَّامِ الَّتِي تقضي أَمَرتهَا فأعادت هُوَ بِمَنْزِلَة الشَّهْرَيْنِ المتتابعين
وَإِذا اعْتكف الرجل من غير أَن يُوجب على نَفسه شَيْئا فَهُوَ معتكف فَإِن خرج من الْمَسْجِد فَقطع الِاعْتِكَاف فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء من قبل أَنه لم يُوجب على نَفسه شَيْئا وَهُوَ معتكف مَا أَقَامَ فِي الْمَسْجِد تَارِك لذَلِك حَتَّى يخرج مِنْهُ
وَإِذا اعْتكف الرجل وَهُوَ فِي الْمَسْجِد ثمَّ انْهَدم فَهَذَا عذر

(2/276)


وَلَا بَأْس بِأَن يخرج إِلَى مَسْجِد آخر
وَلَا بَأْس بِأَن يَشْتَرِي الْمُعْتَكف وَيبِيع فِي الْمَسْجِد وَأَن يتحدث بِمَا بدا لَهُ من الحَدِيث بعد أَن لَا يكون بمأثم
وَلَيْسَ فِي الِاعْتِكَاف صمت لِأَنَّهُ بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهى عَن الصمت
وَإِذا اعْتكف الرجل اعتكافا وَاجِبا فَأخْرجهُ السُّلْطَان مكْرها أَو غير سُلْطَان فَإِن دخل مَسْجِدا غير ذَلِك الْمَسْجِد مَكَانَهُ استحسنت أَن

(2/277)


يكون على اعْتِكَافه وأدع الْقيَاس فِي ذَلِك وَإِن أَخذ فِي عمل غير ذَلِك أَو حَبسه حَابِس عَن الْمَسْجِد يَوْمًا أَو أَكثر من نصف يَوْم انْتقض اعْتِكَافه وَكَانَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل اعْتِكَافه
وَإِن خرج الْمُعْتَكف لغائط أَو بَوْل من الْمَسْجِد فلقي غريما لَهُ فَلَزِمَهُ يَوْمًا أَو أَكثر من نصف يَوْم انْتقض اعْتِكَافه إِذا كَانَ وَاجِبا وَلَو حَبسه سَاعَة أَو نَحْو ذَلِك لم ينْتَقض اعْتِكَافه أستحسن ذَلِك وأدع الْقيَاس فِيهِ وَأما فِي قَول أبي حنيفَة فَإِن اعْتِكَافه فَاسد
وَقَالَ أَبُو يُوسُف قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا خرج من الْمَسْجِد سَاعَة أَو أَكثر لغير غَائِط وَلَا بَوْل وَلَا جُمُعَة فقد أفسد اعْتِكَافه وَعَلِيهِ أَن يسْتَقْبل الِاعْتِكَاف وَكَذَلِكَ إِذا جَامع امْرَأَته فقد أفسد اعْتِكَافه

(2/278)


وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِذا خرج أَكثر من نصف يَوْم أفسد اعْتِكَافه وَإِذا خرج أقل من ذَلِك لم يفْسد اعْتِكَافه
وَالِاعْتِكَاف الْوَاجِب أَن يَقُول الرجل لله عَليّ اعْتِكَاف كَذَا وَكَذَا أَو يَجْعَل عَلَيْهِ ذَلِك إِن كلم فلَانا فَكَلمهُ أَو إِن قدم فلَان فَقدم أَو إِن برِئ فلَان من مرض كَذَا وَكَذَا فبرئ فلَان من ذَلِك الْمَرَض
وَالِاعْتِكَاف الَّذِي لَيْسَ بِوَاجِب الَّذِي يعتكفه وَهُوَ يَنْوِي شَيْئا وَلَا يتَكَلَّم بِهِ
وَإِذا جعل الرجل لله عَلَيْهِ أَن يعْتَكف يَوْمًا اعْتكف ذَلِك الْيَوْم مَتى شَاءَ وَإِذا أَرَادَ أَن يفعل دخل الْمَسْجِد قبل طُلُوع الْفجْر فَإِذا غربت الشَّمْس فقد قضى اعْتِكَافه وَإِذا دخل بعد مَا طلع الْفجْر فَلَا يجْزِيه من اعْتِكَافه لِأَن هَذَا أقل من يَوْم وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يعْتَكف من اللَّيْل شَيْئا
وَلَو جعل لله عَلَيْهِ أَن يعْتَكف يَوْمَيْنِ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَن يدْخل قبل غرُوب الشَّمْس فيعتكف لَيْلَة يَوْمه وَاللَّيْلَة الْمُسْتَقْبلَة والغد إِلَى أَن تغيب الشَّمْس وَكَذَلِكَ لَو جعل لله على نَفسه أَن يعْتَكف أَيَّامًا كَثِيرَة أَو قَليلَة دخل الْمَسْجِد قبل غرُوب الشَّمْس ثمَّ اعْتكف ليلته ويومه ذَلِك وَمَا اسْتقْبل من الْأَيَّام والليالي حَتَّى يستكمل الْعدَد يدْخل اللَّيْل فِي الِاعْتِكَاف وَلَا يدْخل فِي الصَّوْم لِأَنَّهُ معتكف بِاللَّيْلِ وَلَا يَصُومهُ

(2/279)


وَإِذا جعل الرجل لله على نَفسه اعْتِكَاف شهر بِعَيْنِه فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَن يدْخل الْمَسْجِد قبل أَن تغيب الشَّمْس فتغيب الشَّمْس وَهُوَ فِي الْمَسْجِد فيستقبل الشَّهْر بأيامه ولياليه لِأَن اللَّيْلَة من الشَّهْر وَلَيْسَت من الْيَوْم
وَإِذا جَامع الرجل امْرَأَته وَهُوَ فِي اعْتِكَاف وَاجِب فقد أَسَاءَ وَقد أفسد اعْتِكَافه وَعَلِيهِ أَن يسْتَقْبل اعْتِكَافه وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة إِذا جَامعهَا زَوجهَا وَلَو كَانَت مُبَاشرَة دون الْجِمَاع أنزل فِيهَا فَأوجب عَلَيْهِ فِيهِ الْغسْل كَانَ ذَلِك بِمَنْزِلَة الْجِمَاع وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة يكون مِنْهَا مَا يكون من الرجل من الدفق وَإِن لم يكن أنزل وَلَا أنزلت فقد أساءا جَمِيعًا فِي ذَلِك وَلَا يفْسد ذَلِك عَلَيْهِمَا اعتكافهما فِي قَول أبي يُوسُف وَأما فِي قَول أبي حنيفَة فَإِن كَانَا خرجا من الْمَسْجِد فقد فسد اعتكافهما
وَإِذا أوجب الرجل على نَفسه اعتكافا ثمَّ مَاتَ قبل أَن يَقْضِيه فَلَا يَقْضِيه أحد عَن أحد لِأَنَّهُ لَا يكون اعتكافا إِلَّا بِصَوْم وَلَا يَصُوم أحد عَن أحد وَكَذَلِكَ بلغنَا عَن عبد الله بن عَمْرو عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنَّهُمَا قَالَا ذَلِك وَلكنه يطعم عَنهُ لكل يَوْم نصف صَاع من

(2/280)


حِنْطَة لكل مِسْكين
وَإِذا مرض الرجل حِين قَالَ هَذِه الْمقَالة فَلم يزل مَرِيضا حَتَّى مَاتَ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَلَا يكون عَلَيْهِم أَن يقضوا عَنهُ شَيْئا من قبل أَنه لم يَصح
وَلَو جعل رجل عَلَيْهِ أَن يعْتَكف لَيْلَة أَو يَوْمًا قد أكل فِيهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء
وَإِذا قَالَت الْمَرْأَة لله عَليّ أَن أعتكف أَيَّام حيضي فَلَا اعْتِكَاف عَلَيْهَا
وَكَذَلِكَ لَو قَالَ الرجل لله عَليّ أَن أعتكف الْيَوْم الَّذِي يقدم

(2/281)


فِيهِ فلَان أبدا فَقدم فلَان لَيْلًا فَلَا اعْتِكَاف عَلَيْهِ وَإِن قدم نَهَارا فِي يَوْم قد أكل فِيهِ الْحَالِف فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يعْتَكف فِي ذَلِك الْيَوْم وَعَلِيهِ أَن يعْتَكف فِي كل يَوْم يَأْتِي عَلَيْهِ مثل ذَلِك الْيَوْم وَلَو قدم فلَان فِي يَوْم بعد الظّهْر كَانَ مثل ذَلِك أَيْضا
وَإِذا جعل الرجل لله على نَفسه أَن يعْتَكف شهرا قد سَمَّاهُ فَإِذا ذَلِك الشَّهْر الَّذِي قد سَمَّاهُ وعناه قد مضى وَلَا يعلم حِين حلف بمضيه فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَلَا اعْتِكَاف عَلَيْهِ وَهُوَ بِمَنْزِلَة قَوْله لله عَليّ أَن أعتكف أمس
وَلَو أَن معتكفا فِي اعْتِكَاف وَاجِب أحرم بِالْحَجِّ أَو بِالْعُمْرَةِ أَو بهما جَمِيعًا لزمَه الْإِحْرَام مَعَ الِاعْتِكَاف وَيُقِيم فِي اعْتِكَافه حَتَّى يفرغ فَإِن خَافَ أَن يفوتهُ الْحَج خرج فَقضى حجَّته أَو عمرته الَّتِي جعل لله على نَفسه وَكَانَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل الِاعْتِكَاف
وَلَو اعْتكف الرجل فِي الْمَسْجِد الْحَرَام فِي اعْتِكَاف وَاجِب فَذَلِك أفضل من اعْتِكَافه فِي غَيره وَكَذَلِكَ مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ أفضل من الِاعْتِكَاف فِيمَا سواهُ إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام وكل مَا عظم من الْمَسَاجِد وَكثر أَهله فَهُوَ أفضل وَمَسْجِد الْجَامِع أفضل مِمَّا سواهُ

(2/282)


من الْمَسَاجِد بعد الْمَسْجِد الْحَرَام وَمَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا مَا كَانَ مثله من مَسَاجِد الْجَمَاعَة مَا خلا هذَيْن المسجدين
وَإِذا جعل الرجل لله على نَفسه الِاعْتِكَاف ثمَّ رَجَعَ عَن الْإِسْلَام ثمَّ أسلم فَلَيْسَ عَلَيْهِ اعْتِكَاف هدم الشّرك الِاعْتِكَاف
وَإِذا جعل العَبْد على نَفسه الِاعْتِكَاف أَو الْأمة فمولاه أَن يمنعهُ ذَلِك فَإِذا أعتقا كَانَ عَلَيْهِمَا أَن يقضيا الِاعْتِكَاف الَّذِي كَانَا أوجبا على أَنفسهمَا وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة إِذا جعلت على نَفسهَا الِاعْتِكَاف فلزوجها أَن يمْنَعهَا وَأما أم الْوَلَد والمدبرة فهما بِمَنْزِلَة العَبْد فِي ذَلِك فَأَما الْمكَاتب فَإِذا جعل على نَفسه اعتكافا مَعْلُوما كَانَ عَلَيْهِ أَن يعتكفه لِأَن الْمولى لَا يَسْتَطِيع أَن يحول بَينه وَبَين ذَلِك وَكَذَلِكَ العَبْد الَّذِي قد أعتق بعضه وَهُوَ يسْعَى فِي نصف قِيمَته
وَإِذا أكل الْمُعْتَكف نَاسِيا بِالنَّهَارِ فصومه تَامّ ويمضي على اعْتِكَافه

(2/283)


وَإِذا جَامع بِالنَّهَارِ نَاسِيا فقد أفسد اعْتِكَافه وَلَا يشبه الْجِمَاع فِي هَذَا الْموضع الْأكل وَالشرب لِأَن الْجِمَاع يحرم عَلَيْهِ بِاللَّيْلِ كَمَا يحرم عَلَيْهِ بِالنَّهَارِ وَلم يحرم من قبل الصَّوْم وَصَارَ الْجِمَاع بِمَنْزِلَة الْخُرُوج من الْمَسْجِد أَلا ترى أَنه لَو خرج نَاسِيا كَانَ خُرُوجه كخروجه مُتَعَمدا فَكَذَلِك الْجِمَاع وَأما الصَّوْم فِي غير الِاعْتِكَاف إِذا جَامع فِيهِ نَاسِيا فَإِن الْجِمَاع لَا يفْسد الصَّوْم كَمَا يفْسد الِاعْتِكَاف
وَإِذ جعل الرجل على نَفسه اعْتِكَاف أَيَّام مَعْلُومَة إِن كلم فلَانا أَو إِذا دخل دَار فلَان أَو فعل كَذَا وَكَذَا فَفعل ذَلِك فَعَلَيهِ أَن يعْتَكف وَلَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَة دون الِاعْتِكَاف
وَإِذا قَالَ فِي يَمِينه إِن شَاءَ الله وَوَصلهَا بِكَلَامِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء
وَإِذا قَالَ إِن كنت دخلت دَار فلَان فعلى اعْتِكَاف شهر وَقد كَانَ دَخلهَا وَهُوَ لَا يعلم يَوْمئِذٍ فَعَلَيهِ الِاعْتِكَاف الَّذِي أوجبه على نَفسه
وَإِذا أغمى على الْمُعْتَكف أَيَّامًا أَو أَصَابَهُ لمَم فِي اعْتِكَاف وَاجِب عَلَيْهِ فَعَلَيهِ إِذا برِئ وَصَحَّ أَن يسْتَقْبل الِاعْتِكَاف وَلَو تطاول بِهِ اللمم وَصَارَ معتوها لَا يفِيق فَمَكثَ ذَلِك سِنِين كَانَ هَذَا والفرائض الَّتِي

(2/284)


افْترض الله تَعَالَى عَلَيْهِ سَوَاء فِي الْقيَاس لَا يقْضِي وَلَا يكون عَلَيْهِ شَيْء وَلَكنَّا نَدع الْقيَاس ونوجب عَلَيْهِ الْقَضَاء لِأَنَّهُ إِذا أحرم بِالْحَجِّ ثمَّ أَصَابَهُ ذَلِك ثمَّ أفق أوجبت عَلَيْهِ الْقَضَاء
وَإِذا جعل الْأَعْمَى أَو المقعد على نَفسه الِاعْتِكَاف لزمَه كَمَا يلْزم الصَّحِيح
وَإِذا جعل الْمَرِيض على نَفسه الِاعْتِكَاف وَهُوَ مَرِيض لَا يُطيق ذَلِك ثمَّ مَاتَ قبل أَن يبرأ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ
وَإِذا جعل الصَّحِيح على نَفسه اعْتِكَاف شهر فمرت عَلَيْهِ عشرَة أَيَّام ثمَّ مَاتَ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لوَرثَته أَن يقضوا عَنهُ شهرا يطعم لذَلِك ثَلَاثِينَ مِسْكينا لكل مِسْكين نصف صَاع من حِنْطَة فَإِن أَبَوا أَن يَفْعَلُوا ذَلِك لم يجبروا على شَيْء مِنْهُ
وَلَا بَأْس بِأَن يلبس الْمُعْتَكف والمعتكفة مَا بدا لَهما من الثِّيَاب ويأكلان مَا بدا لَهما من الطَّعَام ويتطيبان مَا بدا لَهما من الطّيب ويدهنان بِمَا شَاءَ من الدّهن وليسا فِي ذَلِك كالمحرم

(2/285)


ولابأس بِأَن يعْتَكف العَبْد إِذا أذن لَهُ مَوْلَاهُ أَو الْأمة أَو أم الْوَلَد والمدبرة وَالْمُدبر وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة إِذا أذن لَهَا زَوجهَا وَلَيْسَ لَهُ أَن يمْنَعهَا وللمولى أَن يمْنَع رَقِيقه الِاعْتِكَاف وَلَا مأثم عَلَيْهِ فِي ذَلِك إِلَّا أَن يكون قد أذن لَهُم فَإِن كَانَ قد أذن لَهُم فإنى أكره لَهُ أَن يمنعهُم بعد مَا قد كَانَ أذن لَهُم فَإِن مَنعهم بعد الْإِذْن فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء غير أَنه قد أَسَاءَ وأثم حِين مَنعهم بعد الْإِذْن
وَلَا بَأْس بِأَن ينَام الْمُعْتَكف فِي الْمَسْجِد وَلَا يفْسد الِاعْتِكَاف كَلَام وَلَا سباب وَلَا جِدَال غير أَنه لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يتَعَمَّد لشَيْء من ذَلِك فِيهِ مأثم
وَلَو نظر الْمُعْتَكف إِلَى امْرَأَته وَأنزل لم يفْسد ذَلِك عَلَيْهِ اعْتِكَافه وَوَجَب عَلَيْهِ الْغسْل
وَإِذا أخرج الْمُعْتَكف سُلْطَان فِي حد عَلَيْهِ أَو لَهُ يَوْمًا أَو أَكثر من نصف يَوْم أفسد عَلَيْهِ اعْتِكَافه

(2/286)


وَلَو سكر الْمُعْتَكف لَيْلًا لم يفْسد عَلَيْهِ اعْتِكَافه وَلَو كَانَ رجل معتكف فِي مَسْجِد وَهُوَ مُؤذن فَصَعدَ إِلَى المنارة لم يفْسد ذَلِك عَلَيْهِ اعْتِكَافه وَلَو كَانَ بَاب المئذنة خَارِجا من الْمَسْجِد لم يفْسد ذَلِك عَلَيْهِ اعْتِكَافه
وَلَو نسي الْمُعْتَكف فَخرج من الْمَسْجِد ثمَّ ذكر بعد ذَلِك فَدخل الْمَسْجِد لم يفْسد ذَلِك عَلَيْهِ اعْتِكَافه فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا بَأْس للمعتكف أَن يخرج رَأسه من الْمَسْجِد إِلَى بعض أَزوَاجه وَأَهله فيغسله وَإِن غسله فِي الْمَسْجِد فِي إِنَاء فَلَا بَأْس بِهِ

(2/287)


أخبرنَا مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم ان عَائِشَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت تغسل رَأس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي حَائِض وَهُوَ معتكف يخرج رَأسه من الْمَسْجِد فتغلسه
أخبرنَا مُحَمَّد عَن يحيى بن سعيد عَن عمْرَة عَن عَائِشَة عَن رَسُول الله صلى الله

(2/288)


عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يعْتَكف أصبح فِي الْمَكَان الَّذِي يُرِيد أَن يعْتَكف فِيهِ
قَالَ وبلغنا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أَمر بقبة أَو خيمة فَضربت لَهُ حَيْثُ أَرَادَ أَن يعْتَكف فَإِذا قباب وخيام مَضْرُوبَة فَقَالَ مَا هَذَا قَالُوا لعَائِشَة ولحفصة ولزينب فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آلبر يردن بِهن ثمَّ أَمر بخيمته فنقضت فَلم يعْتَكف تِلْكَ الْعشْر فَلَمَّا دخل شَوَّال اعْتكف مَكَانهَا عشرا

(2/289)


قَالَ بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه اعْتكف فِي الْعشْر الْوُسْطَى من رَمَضَان فَلَمَّا فرغ من اعْتِكَافه أَتَاهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ لَهُ إِن مَا تطلب وَرَاءَك قَالَ فَخَطب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَبِيحَة الْعشْرين ثمَّ قَالَ إِنِّي أَرَانِي أَسجد فِي مَاء وطين فَمن كَانَ اعْتكف مَعنا فليعد إِلَى مُعْتَكفه فَقَالَ أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ فهاجت السَّمَاء عشيته وَكَانَ عَرِيش الْمَسْجِد من جريد فوكف فَقَالَ أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ

(2/291)


فوالذي بَعثه بِالْحَقِّ لقد صلى بِنَا الْمغرب لَيْلَة إِحْدَى وَعشْرين فوكف فَقَالَ أَبُو سعيد وَإِنِّي لأنظر إِلَى جَبهته وأرنبة أَنفه فِي المَاء والطين قَالَ مُحَمَّد حَدثنَا بِهَذَا الحَدِيث أَبُو يُوسُف عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ

(2/292)


وَإِذا قَالَ الرجل لله عَليّ أَن أعتكف شهرا بِالنَّهَارِ دون اللَّيْل فَلهُ أَن يعْتَكف بِالنَّهَارِ دون اللَّيْل إِن شَاءَ وَإِذا قَالَ شهرا وَنوى النَّهَار دون اللَّيْل فَعَلَيهِ النَّهَار وَاللَّيْل فِي ذَلِك وَلَيْسَت نِيَّته هَهُنَا بِشَيْء وَهُوَ بِمَنْزِلَة رجل قَالَ لله عَليّ أَن لَا أكلم فلَانا شهرا يَنْوِي النَّهَار دون اللَّيْل فَعَلَيهِ اللَّيْل وَالنَّهَار
وَإِذا جعل الرجل لله عَلَيْهِ أَن يعْتَكف يَوْم النَّحْر وَيَوْم الْفطر وَأَيَّام التَّشْرِيق فَعَلَيهِ أَن يفْطر ويعتكف أَيَّامًا مَكَانهَا وَيكفر يَمِينه إِذا

(2/295)


مَضَت تِلْكَ الْأَيَّام إِن كَانَ أَرَادَ بذلك يَمِينا وَلَو اعْتكف يَوْم النَّحْر وَيَوْم الْفطر وَأَيَّام التَّشْرِيق كَمَا جعل لله على نَفسه وَصَامَ أجزاه ذَلِك وَقد أَسَاءَ لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يكون صَائِما فِي تِلْكَ الْأَيَّام وَتلك الْأَيَّام لَيست بأيام صَوْم أَلا ترى أَنه نهى عَن صَوْم هَذِه الْخَمْسَة الْأَيَّام لِأَن صَومهَا صَوْم
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
- بَاب فِي الصّيام وَالِاعْتِكَاف من الْجَامِع الْكَبِير
-
وَإِذا قَالَ الرجل لله عَليّ أَن أعتكف شهرا وَلم ينْو شهرا

(2/296)


بِعَيْنِه فَلهُ أَن يعْتَكف أَي شهر شَاءَ وَلَكِن لَا بُد لَهُ من أَن يُتَابع بَين اعْتِكَافه وَلَا يفرق
فَإِن قَالَ نَوَيْت أَن أعتكف بِالنَّهَارِ دون اللَّيْل لم تكن نِيَّته تِلْكَ شَيْئا لِأَن الشَّهْر يدْخل فِيهِ اللَّيْل وَالنَّهَار وَالِاعْتِكَاف يجب بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار فَلذَلِك كَانَ عَلَيْهِ الشَّهْر مُتَتَابِعًا
وَإِن قَالَ لله عَليّ أَن أَصوم شهرا وَلم ينْو شهرا بِعَيْنِه وَلَا مُتَتَابِعًا وَلَا نِيَّة لَهُ فَإِن شَاءَ فرق بَين صَوْمه وَإِن شَاءَ وصل لِأَن الصَّوْم يكون بِالنَّهَارِ دون اللَّيْل فَلذَلِك كَانَ لَهُ أَن يفرق إِن شَاءَ
وَإِذا قَالَ لله عَليّ اعْتِكَاف شهر فَعَلَيهِ اعْتِكَاف بصومه لَا بُد مِنْهُ لِأَن الِاعْتِكَاف لَا يكون إِلَّا بِصَوْم وَاللَّيْل لَا يكون فِيهِ صَوْم
وَإِذا قَالَ لله عَليّ أَن أعكف يَوْمًا وَجب عَلَيْهِ أَن يعْتَكف يَوْمًا يَصُوم فِيهِ يدْخل الْمَسْجِد قبل طُلُوع الْفجْر فيقيم فِيهِ صَائِما إِلَى أَن تغيب الشَّمْس وَلَا يخرج مِنْهُ إِلَّا لغائط أَو بَوْل أَو جُمُعَة
وَإِذا قَالَ لله عَليّ أَن أعتكف لَيْلَتَيْنِ فَعَلَيهِ أَن يعْتَكف لَيْلَتَيْنِ

(2/297)


بيوميهما يدْخل الْمَسْجِد قبل أَن تغيب الشَّمْس فيقيم فِيهِ تِلْكَ اللَّيْلَة وَيُصْبِح صَائِما وَيُقِيم فِيهِ اللَّيْلَة الْأُخْرَى وَيُصْبِح صَائِما معتكفا إِلَى اللَّيْل
وَلَا يشبه قَوْله لله عَليّ اعْتِكَاف لَيْلَة قَوْله لله عَليّ اعْتِكَاف لَيْلَتَيْنِ لِأَن الليلتين يكونَانِ بيوميهما وَاللَّيْلَة لَا تكون بيوميهما أَلا ترى أَنه لَو قَالَ لله عَليّ أَن أعتكف ثَلَاثِينَ لَيْلَة دخل فِي ذَلِك اللَّيْل وَالنَّهَار وَكَانَ بِمَنْزِلَة لله عَليّ أَن اعْتكف شهرا
وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أعتكف يَوْمَيْنِ كَانَ عَلَيْهِ اعْتِكَاف يَوْمَيْنِ بليلتيهما فَيَنْبَغِي لَهُ إِذا أَرَادَ ذَلِك أَن يدْخل الْمَسْجِد قبل غرُوب الشَّمْس فيمكث فِيهِ ليلته ويومه وَاللَّيْلَة الْأُخْرَى ويومها
وَإِذا قَالَ لله على أَن أعتكف ثَلَاثِينَ لَيْلَة وَقَالَ نَوَيْت اللَّيْل دون النَّهَار فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء لِأَن الصّيام لَا يكون إِلَّا بِاللَّيْلِ وَلَا يكون اعْتِكَاف إِلَّا بِصَوْم

(2/298)


وَإِن قَالَ لله عَليّ أَن أعتكف ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَقَالَ نَوَيْت النَّهَار دون اللَّيْل فَهُوَ كَمَا قَالَ وَإِن شَاءَ فرق اعْتِكَافه وَإِن شَاءَ جمع لِأَن هَذَا بِمَنْزِلَة الصَّوْم
وَإِذا قَالَ لله على أَن أعتكف شهر رَمَضَان فَعَلَيهِ أَن يعْتَكف بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار فَإِن صَامَهُ وَلم يعتكفه كَانَ عَلَيْهِ قَضَاء اعْتِكَافه فيعتكف شهرا مَكَانَهُ مُتَتَابِعًا ويصوم فِيهِ لِأَن الِاعْتِكَاف لَا يكون إِلَّا بِصَوْم فَلَمَّا لم يعْتَكف فِي شهر رَمَضَان وَجب عَلَيْهِ قَضَاء الِاعْتِكَاف فَلَمَّا وَجب عَلَيْهِ ذَلِك وَجب عَلَيْهِ مَعَ ذَلِك الصَّوْم فَإِن كَانَ لم يعْتَكف حَتَّى دخل شهر رَمَضَان من قَابل فصامه واعتكفه قَضَاء من اعْتِكَاف الشَّهْر الأول لم يجزه ذَلِك الشَّهْر وَعَلِيهِ أَن يعْتَكف شهرا يَصُوم فِيهِ مَكَان الشَّهْر الأول لِأَن الشَّهْر الأول حِين مضى وَجب عَلَيْهِ قَضَاء اعْتِكَافه بِصَوْم فَلَا يجْزِيه من ذَلِك صَوْم وَجب عَلَيْهِ من غير ذَلِك وَلَو أَنه أفطر شهر رَمَضَان الأول من عذر وَجب عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ باعتكاف متتابع فَإِن قَضَاهُ باعتكاف متتابع أجزاه ذَلِك لِأَن الشَّهْر وَجب عَلَيْهِ صَوْمه واعتكافه فَقضى

(2/299)


ذَلِك أَلا ترى أَن رجلا لَو قَالَ لله عَليّ أَن اعْتكف رَجَب وَجب عَلَيْهِ صَوْمه واعتكافه فَإِن أفطره كُله ثمَّ قَضَاهُ باعتكاف أجزاه فَإِن اعْتكف مَكَانَهُ شهر رَمَضَان لم يجزه من الِاعْتِكَاف الَّذِي وَجب عَلَيْهِ
وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أعتكف رَجَب فاعتكف مَكَانَهُ شهر ربيع وَذَلِكَ قبل أَن يدْخل شهر رَجَب أجزاه إِن كَانَ صَامَهُ مَعَ اعْتِكَافه لِأَنَّهُ شَيْء أوجبه على نَفسه لله فَإِذا عجل قبل وقته أجزاه أَلا ترى أَن رجلا لَو قَالَ لله عَليّ صَوْم يَوْم الْخَمِيس فصَام يَوْم الْأَرْبَعَاء قَضَاء من يَوْم الْخَمِيس أجزاه ذَلِك وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد أما فِي قولي فلست أرى ذَلِك يجْزِيه حَتَّى يَصُومهُ بعد دُخُوله أَلا ترى رجلا لَو صَامَ شهر رَمَضَان قبل أَن يدْخل لم يجزه فَكَذَلِك هَذَا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَو أَن رجلا قَالَ لله عَليّ أَن أَتصدق بدرهم غَدا فَتصدق بِهِ الْيَوْم أجزاه ذَلِك فَكَذَلِك الصَّوْم الَّذِي أوجبه على نَفسه يجْزِيه إِذا عجله قَالَ مُحَمَّد وَأما أَنا فَأرى الصَّدَقَة يجْزِيه تَعْجِيلهَا وَلَا أرى تَعْجِيل الصَّوْم يجْزِيه وَإِنَّمَا أَقيس مَا أوجب على نَفسه من

(2/300)


ذَلِك بِمَا أوجب الله تَعَالَى عَلَيْهِ فَكَمَا أَن الزَّكَاة يجْزِيه تَعْجِيلهَا قبل وَقتهَا فَكَذَلِك إِذا أوجب على نَفسه صَدَقَة فعجلها قبل وَقتهَا أجزاه وَأما الصَّوْم فَلَا يجْزِيه تَعْجِيله كَمَا لَا يجْزِيه تَعْجِيل مَا أوجب الله عَلَيْهِ من الصَّوْم
وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا قَالَ لله عَليّ أَن أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ غَدا فصلاهما الْيَوْم أجزاه وَقَالَ مُحَمَّد وَأما أَنا فَلَا أرى ذَلِك يجْزِيه أقيسه بِمَا افْترض الله عَلَيْهِ من الصَّلَاة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَلَو أَن رجلا قَالَ إِذا جَاءَ فلَان فَللَّه عَليّ أَن أَصوم يَوْمًا فَعجل صِيَام ذَلِك الْيَوْم قبل أَن يقدم فلَان ثمَّ قدم فلَان بعد فَعَلَيهِ أَن يَصُوم يَوْمًا وَلَا يجْزِيه صِيَام ذَلِك الْيَوْم وَلَا يشبه هَذَا الْوَجْه الأول لِأَن الأول أوجبه على نَفسه بِغَيْر يَمِين وَهَذَا إِنَّمَا أوجبه على نَفسه إِذا قدم فلَان وَإِنَّمَا يجب عَلَيْهِ بعد قدومه فَلَا يجْزِيه تَعْجِيله وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ إِذا قدم فلَان فَللَّه عَليّ أَن أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَعجل صلاتهما قبل قدوم فلَان ثمَّ قدم فلَان فَعَلَيهِ قضاؤهما وَلَا يجْزِيه الأوليان وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ إِذا قدم فلَان فَللَّه عَليّ أَن أَتصدق بدرهم فَعجل صَدَقَة الدِّرْهَم ثمَّ قدم فلَان إِن ذَلِك لَا يجْزِيه وَعَلِيهِ أَن يتَصَدَّق بدرهم آخر

(2/301)


وَإِذا قَالَ لله عَليّ صَوْم شهر متتابع وَلَا يَنْوِي شهرا بِعَيْنِه فَعَلَيهِ أَن يَصُوم شهرا مُتَتَابِعًا فَإِن أفطر مِنْهُ يَوْمًا اسْتقْبل الشَّهْر من أَوله فَإِن كَانَ قَالَ لله عَليّ أَن أَصوم شهرا مُتَتَابِعًا يَعْنِي رَجَب بِعَيْنِه أَو شهرا من الشُّهُور بِعَيْنِه فَعَلَيهِ صَوْم ذَلِك الشَّهْر وَإِن أفطر يَوْمًا قضى ذَلِك الْيَوْم وَحده وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل صَوْم شهر وَلَكِن إِذا أَرَادَ بقوله لله عَليّ يَمِينا كفر يَمِينه مَعَ قَضَاء ذَلِك الْيَوْم

(2/302)


وَإِذا قَالَ لله عَليّ صَوْم يَوْم فَأصْبح من الْغَد لَا يَنْوِي صوما فَلم تزل الشَّمْس حَتَّى نوى أَن يَصُومهُ من قَضَاء ذَلِك الْيَوْم الَّذِي أوجبه على نَفسه فَإِن ذَلِك لَا يجْزِيه من قَضَاء ذَلِك الْيَوْم حَتَّى يعزم عَلَيْهِ من اللَّيْل وَلَكِن أحب إِلَيّ أَن يتم صَوْمه فَيَجْعَلهُ تَطَوّعا وَلَا يفْطر وَإِن أفطر فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ
وَإِذا قَالَ لله عَليّ صَوْم غَد فَأصْبح من الْغَد لَا يَنْوِي مَا ثمَّ نوى صَوْمه من قَضَاء مَا عَلَيْهِ قبل الزَّوَال أجزاه ذَلِك لِأَنَّهُ أوجب هَذَا الْيَوْم بِعَيْنِه عَلَيْهِ أَلا ترى أَن رجلا لَو أصبح فِي يَوْم من شهر رَمَضَان لَا يَنْوِي صَوْمه ثمَّ نوى صَوْمه قبل الزَّوَال أجزاه ذَلِك وَلَو أفطر يَوْمًا من شهر رَمَضَان فَوَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ فَأصْبح فِي يَوْم لَا يَنْوِي صَوْمه ثمَّ نوى صَوْمه قَضَاء من الَّذِي وَجب عَلَيْهِ لم يجزه ذَلِك فَكَذَلِك هَذَا

(2/303)


وَإِذا قَالَ لله عَليّ أَن أَصوم غَدا ثمَّ أصبح يَنْوِي أَن يَصُومهُ تَطَوّعا وَلَا يَصُومهُ مِمَّا أوجبه على نَفسه فصومه ذَلِك مِمَّا أوجبه على نَفسه وَلَا يكون تَطَوّعا
وَلَو أَن رجلا قَالَ لله عَليّ أَن أَصوم رَجَب بِعَيْنِه ثمَّ أَنه ظَاهر من امْرَأَته فصَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين أَحدهمَا رَجَب أجزاه من الظِّهَار وَعَلِيهِ أَن يقْضِي رَجَب كَمَا أوجب على نَفسه وَإِن أَرَادَ يَمِينا لم يكن عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين لِأَنَّهُ صَامَ رَجَب كَمَا حلف
وَلَو أَن رجلا وَجب عَلَيْهِ صَوْم شَهْرَيْن مُتَتَابعين من ظِهَار فصَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين أَحدهمَا رَمَضَان لم يجزه ذَلِك وَكَانَ صَوْمه من رَمَضَان خَاصَّة وَعَلِيهِ أَن يسْتَقْبل صَوْم شَهْرَيْن مُتَتَابعين وَلَا يشبه شهر رَمَضَان فِي هَذَا الْوَجْه مَا أوجب على نَفسه لِأَن الرجل إِذا أوجب على نَفسه أَن يَصُوم فَكَانَ الْإِيجَاب من قبله كَانَ ذَلِك وَالصَّوْم الَّذِي وَجب بالظهار سَوَاء وَلم يكن أَحدهمَا أوجب من صَاحبه فَمن أَيهمَا صَامَ ذَلِك الشَّهْر أجزاه فَأَما شهر رَمَضَان فَإِنَّهُ لَا يكون أبدا إِلَّا من شهر رَمَضَان
أَلا ترى لَو أَن رجلا صَامَهُ تَطَوّعا كَانَ من شهر رَمَضَان

(2/304)


وَمَا أوجبه على نَفسه مِمَّا لم يجب عَلَيْهِ إِلَّا بإيجابه على نَفسه فَكَذَلِك بِمَنْزِلَة الشَّهْرَيْنِ المتتابعين اللَّذين وجبا بالظهار
أَلا ترى أَن رجلا لَو قَالَ لله عَليّ صَوْم الْأَبَد كَانَ ذَلِك وَاجِبا عَلَيْهِ فَإِن ظَاهر من امْرَأَته وَلم يجد مَا يعْتق أجزاه أَن يَصُوم شَهْرَيْن مُتَتَابعين
أَلا ترى لَو أَن رجلا وَجب عَلَيْهِ قَضَاء أَيَّام من شهر رَمَضَان فقضاها فِي شهر أوجبه على نَفسه أجزاه ذَلِك وَكَانَ عَلَيْهِ أَن يقْضِي مَكَان تِلْكَ الْأَيَّام من ذَلِك الشَّهْر فَكَذَلِك هَذَا أَو لَا ترى أَن شهر رَمَضَان لَا يشبه مَا أوجبه على نَفسه من هَذَا لِأَنَّهُ لَو صَامَ ذَلِك فِي شهر رَمَضَان لم يجزه
مَسْأَلَة من كتاب التَّحَرِّي

مُحَمَّد بن الْحسن قَالَ حَدثنَا حَازِم بن إِبْرَاهِيم البَجلِيّ عَن سماك بن

(2/305)


حَرْب عَن عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل شَهَادَة أَعْرَابِي وَحده على رُؤْيَة هِلَال شهر رَمَضَان قدم الْمَدِينَة فَأخْبرهُم أَنه رَآهُ فَأَمرهمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَصُومُوا بِشَهَادَتِهِ

(2/306)


قَالَ مُحَمَّد فَهَذَا مِمَّا يدل على أَن شَهَادَة الْوَاحِد فِي أَمر الدّين جَائِزَة وَلَا يقبل على هِلَال الْفطر أقل من شَاهِدين رجلَيْنِ حُرَّيْنِ أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ لِأَن هِلَال الْفطر وَإِن كَانَ من أَمر الدّين فَفِيهِ بعض الْمَنْفَعَة لفطر النَّاس وتركهم الصَّوْم فَذَلِك يجْرِي مجْرى الحكم فَلَا تقبل فِيهِ من الشَّهَادَة إِلَّا مَا يقبل فِي الْأَحْكَام وَلَا يقبل فِي هِلَال شهر رَمَضَان قَول مُسلم وَلَا مُسلمين إِذا كَانُوا مِمَّن تجوز شَهَادَتهم وهما مِمَّن يتهم فَأَما عبد ثِقَة أَو امْرَأَة مسلمة ثِقَة حرَّة أَو أمة أَو رجل مُسلم ثِقَة إِلَّا أَنه مَحْدُود فِي قذف فشهادته فِي ذَلِك جَائِزَة وَإِن كَانَ الَّذِي شهد بذلك فِي الْمصر وَلَا عِلّة فِي السَّمَاء لم تقبل شَهَادَته لِأَن الَّذِي يَقع فِي الْقلب

(2/309)


من ذَلِك أَنه بَاطِل فان كَانَ فِي السَّمَاء عِلّة من السَّمَاء عِلّة من سَحَاب فَأخْبر أَنه رَآهُ من خلال السَّحَاب أَو جَاءَ من مَكَان آخر فَأخْبر بذلك وَهُوَ ثِقَة فَيَنْبَغِي للْمُسلمين أَن يَصُومُوا بِشَهَادَتِهِ
مَسْأَلَة فِي الْقَيْء من كتاب الْمُجَرّد

الْحسن بن زِيَاد عَن أبي حنيفَة فِي صَائِم ذرعه الْقَيْء فَخرج مِنْهُ قَلِيل أَو كثير أَو استقاء فقاء أقل من ملْء الْفَم وَهُوَ فِي ذَلِك ذَاكر أَو نَاس لصيامه لم يفْسد صَوْمه وَكَانَ على صِيَامه وَإِن تقيأ ملْء فِيهِ أَو أَكثر وَهُوَ ذَاكر لصومه فَعَلَيهِ الْقَضَاء قَالَ أَبُو عبد الله يَعْنِي إِذا تكلّف للقيء وَإِن كَانَ نَاسِيا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن خرج من جَوْفه إِلَى حلقه ثمَّ رده

(2/310)


وَهُوَ يقدر على رميه وَهُوَ ذَاكر لصومه فَعَلَيهِ الْقَضَاء
وَقَالَ الْحسن بن أبي مَالك عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة قَالَ إِذا ذرعه الْقَيْء أَو استقاء فَخرج ملْء الْفَم أَو أَكثر ثمَّ رَجَعَ إِلَى حلقه وَهُوَ ذَاكر لصيامه مثل الحمصة وَهُوَ الْقدر الَّذِي يفْطر من الْأكل فطره ذَلِك وَسَوَاء ارتجع ذَلِك أَو غَلبه وَإِن كَانَ الَّذِي خرج من جَوْفه إِلَى فَمه أقل من ملْء الْفَم لم يفطره مَا ارتجع مِنْهُ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَن أبي يُوسُف قَالَ وسمعته يَقُول غير هَذَا القَوْل يَقُول إِذا كَانَ الْقَيْء أقل من ملْء الْفَم فارتجعه مُتَعَمدا فطره وَإِن غَلبه لم يفطره
الْحسن بن زِيَاد عَن أبي حنيفَة وَإِذا كَانَ بَين أَسْنَانه لحم فتلمظه فَدخل حلقه أَو اجْتمع من رِيقه على لِسَانه فَدخل حلقه فَهُوَ على صِيَامه
من الْمُجَرّد

قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا أفطر الرجل فِي شهر رَمَضَان نَهَارا وَهُوَ حَاضر مُتَعَمدا فَأكل طَعَاما أَو شرب شرابًا أَو جَامع امْرَأَة فِي الْفرج أَو بعث لَهُ وجور فاتجر بِهِ أَو دَوَاء فَأَخذه وَهُوَ ذَاكر لصومه فَعَلَيهِ الْقَضَاء

(2/311)


وَالْكَفَّارَة وَإِن جَامع امْرَأَته فِيمَا دون الْفرج فَأنْزل ثمَّ جَامع فِي الْفرج بعد ذَلِك أَو أصبح يَنْوِي الْإِفْطَار ثمَّ نوى الصَّوْم بعد ارْتِفَاع النَّهَار فَظن أَن ذَلِك قد أفسد عَلَيْهِ صَوْمه أَو لم يظنّ ذَلِك فَأكل أَو شرب أَو جَامع فَعَلَيهِ الْقَضَاء بِلَا كَفَّارَة وَإِن أكل نَاسِيا أَو شرب نَاسِيا أَو جَامع نَاسِيا أَو ذرعه الْقَيْء أَو قاء نَاسِيا فَظن أَن ذَلِك يفطره فَأكل بعد ذَلِك فَعَلَيهِ الْقَضَاء بِلَا كَفَّارَة وَإِن اكتحل بذور أَو احْتجم أَو قبل امْرَأَته بِشَهْوَة أَو لامسها بِشَهْوَة أَو جَامعهَا فِيمَا دون الْفرج فَلم ينزل فَظن أَن ذَلِك يفطره فَأفْطر مُتَعَمدا فَعَلَيهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة فَإِن استفتى فَقِيها أَو تَأَول فِيهِ حَدِيثا أَنه قد فطره فَعَلَيهِ الْقَضَاء بِلَا الْكَفَّارَة وَإِن هُوَ اغتاب إنْسَانا أَو قذف مُحصنَة فَظن أَن ذَلِك قد فطره أَو استفتى فِيهِ فَقِيها أَو تَأَول فِيهِ حَدِيثا ثمَّ أفطر بعد ذَلِك فَعَلَيهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة لِأَن الحَدِيث فِيهِ مُحْتَمل للتأويل إِذْ قيل قد أفطر على مَا حرم الله وَإِذ قيل

(2/312)


إِن الْغَيْبَة قد تفطر فَجعل بِتَأْوِيل ذَلِك على إفطار الْبر لَا إفطار من الصّيام يُرَاد أَنه قد حرف بره لِأَنَّهُ قد خرج من الْبر إِلَى الاثم وَالدَّلِيل اجْتِمَاع النَّاس أَنه لَا يكَاد يسلم أحد من صِيَامه من أَن يغتاب أَو يكذب وَلَا سِيمَا من الْعَامَّة