الأصل المعروف بالمبسوط للشيباني

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَهُوَ حسبي الْحَمد لله الْوَاحِد الْعدْل
// كتاب الِاسْتِحْسَان
//
قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن لَا بَأْس بِأَن ينظر الرجل من أمه أَو من ابْنَته

(3/48)


الْبَالِغَة أَو من أُخْته أَو من كل ذَات محرم مِنْهُ من رحم أَو رضَاع إِلَى شعرهَا أَو إِلَى صدرها أَو إِلَى ثديها أَو عضدها أَو سَاقهَا أَو قدمهَا وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن ينظر إِلَى بَطنهَا أَو إِلَى ظهرهَا أَو إِلَى مَا بَين سرتها حَتَّى يتَجَاوَز الرّكْبَة وَكَذَلِكَ كل ذَات محرم من نِكَاح نَحْو امْرَأَة الْأَب وَامْرَأَة الابْن وَأم الزَّوْجَة وَابْنَة الزَّوْجَة إِذا كَانَ قد دخل بأمها فَإِن كَانَ ينظر إِلَى شَيْء من ذَلِك مِنْهَا أَو من ذَات محرم مِمَّن وصفت لَك لشَهْوَة فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهُ أَن ينظر إِلَى ذَلِك وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ أكبر ظَنّه أَنه إِن نظر اشتهاها فَيَنْبَغِي لَهُ أَن يغض بَصَره
وَإِن أَمن على نَفسه فَلَا بَأْس بِأَن يُسَافر بهَا وَيكون محرما لَهَا وتسافر مَعَه لَا محرم مَعهَا غَيره فان كَانَ يخَاف على نَفسه فَلَا يسافرن مَعهَا وَلَا يخلون مَعهَا وَلَا يَنْبَغِي لَهَا إِن خَافت ذَلِك مِنْهُ أَن تَخْلُو مَعَه فِي بَيت وَلَا تُسَافِر مَعَه فَأَما إِذا أمنا ذَلِك أَو كَانَ عَلَيْهِ أكبر رأيهما

(3/49)


فَلَا بَأْس بالخلوة مَعهَا وَالسّفر بهَا
وكل شَيْء من هَذَا الَّذِي وصفت لَك لَا بَأْس بِأَن مَا ينظر إِلَيْهِ من أمه أَو ذَات رحم محرم مِنْهُ فَلَا بَأْس بِأَن يمسهُ مِنْهَا وَلَا بَأْس بِأَن يمس شعر أمه ويغسله ويدهنه أَو يمس سَاقهَا ورجلها ويغمز ذَلِك لَهَا ويمس صدرها وثديها وعضدها ووجهها وذراعيها وكفيها وَيكرهُ لَهُ أَن يمس مِنْهَا مَا كرهنا لَهُ النّظر إِلَيْهِ إِذا كَانَت مُجَرّدَة لَهُ فَإِن كَانَت غير مُجَرّدَة لَهُ وَاحْتَاجَ إِلَى حملهَا أَو النُّزُول بهَا فَلَا بَأْس بِأَن يحملهَا وينزلها متواخذا بظهرها أَو بِبَطْنِهَا وَكَذَلِكَ كل ذَوَات الْمحرم مِنْهُ من جَمِيع مَا وصفت فَإِن كَانَ يخَاف على نَفسه أَن يَشْتَهِي إِن يمس شَيْئا من ذَلِك وَكَانَ عَلَيْهِ أكبر ظَنّه فليتجنب ذَلِك بِجهْدِهِ

(3/50)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا بلغت الْأمة لم يَنْبغ أَن تعرض فِي إزَارهَا وَقَالَ مُحَمَّد وَكَذَلِكَ قَوْلنَا وَإِن بلغت أَيْضا أَن تشْتَهي وتجامع مثلهَا

(3/53)


لم يَنْبغ أَن تعرض فِي إزَارهَا
وَلَا يَنْبَغِي للرجل أَن ينظر من أمة غَيره إِذا كَانَت بَالِغَة أَو تشْتَهي مثلهَا أَو تُوطأ إِلَّا مَا ينظر إِلَيْهِ من ذَوَات الْمحرم وَلَا بَأْس بِأَن ينظر إِلَى شعرهَا وَإِلَى صدرها وَإِلَى ثديها وعضدها وقدمها وساقها وَلَا ينظر إِلَى بَطنهَا وَلَا إِلَى ظهرهَا وَلَا إِلَى مَا بَين السُّرَّة مِنْهَا حَتَّى يُجَاوز الرّكْبَة وكل مَا لم ينظر إِلَيْهِ مِنْهَا فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يمسهُ مكشوفا وَإِن لم يره وَلَا غير مَكْشُوف إِلَّا أَن يضْطَر إِلَى حملهَا أَو إِلَى النُّزُول بهَا وَلَا بَأْس بِأَن يمس مِنْهَا مَا يحل لَهُ النّظر إِلَيْهِ لَا بَأْس بِأَن يمس سَاقهَا وصدرها وشعرها وعضديها بلغنَا أَن ابْن عمر مر بِجَارِيَة تبَاع فَضرب فِي صدرها وَمَسّ ذراعيها وَقَالَ اشْتَروا ثمَّ مضى وَتركهَا

(3/54)


فَهَذَا وَنَحْوه لَا بَأْس بِهِ مِمَّن أَرَادَ الشِّرَاء أَو مِمَّن لم يرد فان كَانَ يخَاف على نَفسه أَن يَشْتَهِي إِن مس ذَلِك مِنْهَا أَو كَانَ عَلَيْهِ أكبر رَأْيه فليجتنب أَن يَمَسهَا وَكَذَلِكَ إِن كَانَت الْجَارِيَة هِيَ الَّتِي تمسه فَلَا بَأْس بِأَن تمس مِنْهُ كل شَيْء إِلَّا مَا بَين السُّرَّة إِلَى الرّكْبَة وَلَا بَأْس بِأَن تدهن رَأسه وتسرحه وتدهن شعره وصدره وظهره وَسَاقه وَقدمه وتغمز ذَلِك إِلَّا أَن يَشْتَهِي أَو يكون أكبر رَأْيه على أَنَّهَا إِن فعلت ذَلِك اشتهاها أَو اشتهت فَيَنْبَغِي لَهُ أَن يَنْهَاهَا أَن تعرض لذَلِك

(3/55)


مِنْهُ أَلا ترى أَن أمة امْرَأَة الرجل تخدمه وتدهنه وتغمز رجله وتخضبه فَلَا يكون بذلك بَأْس مَا لم يشته أَو يكون أكبر رَأْيه على أَنه يَشْتَهِي إِن فعلت أَو على أَنَّهَا تشْتَهي إِن فعل فَإِن كَانَ أكبر رَأْيه على ذَلِك فليجتنبه وَكَذَلِكَ لَا بَأْس بِأَن تنظر مِنْهُ إِلَى كل شَيْء مَا خلا مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة وَلَا بَأْس بِأَن تنظر إِلَى السُّرَّة إِنَّمَا يكره أَن تنظر إِلَى مَا تَحت السُّرَّة وَلَا يَنْبَغِي أَن تنظر إِلَى الرّكْبَة لِأَن الرّكْبَة من الْعَوْرَة
وَأما الْمَرْأَة الْحرَّة الَّتِي لَا نِكَاح بَينه وَبَينهَا وَلَا حُرْمَة مِمَّن يحل لَهُ نِكَاحهَا فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهُ أَن ينظر إِلَى شَيْء مِنْهَا مكشوفا إِلَّا الْوَجْه والكف

(3/56)


والكف وَلَا بَأْس بِأَن ينظر إِلَى وَجههَا وَإِلَى كفها وَلَا ينظر إِلَى شَيْء غير ذَلِك مِنْهَا وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ الله تبَارك وتعإلى {وَقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن وَلَا يبدين زينتهن إِلَّا مَا ظهر مِنْهَا} ففسر الْمُفَسِّرُونَ أَن مَا ظهر مِنْهَا الْكحل والخاتم والكحل زِينَة الْوَجْه والخاتم زِينَة الْكَفّ فَرخص فِي هَاتين الزينتين وَلَا بَأْس بِأَن ينظر إِلَى وَجههَا وكفها إِلَّا أَن يكون إِنَّمَا ينظر إِلَى ذَلِك اشتهاء مِنْهُ لَهَا فان

(3/57)


كَانَ ذَلِك فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهُ أَن ينظر إِلَيْهِ وَإِن دعِي إِلَى شَهَادَة عَلَيْهَا أَو أَرَادَ تَزْوِيجهَا أَو كَانَ حَاكما فَأَرَادَ أَن ينظر إِلَى وَجههَا وكفها ليجيز إِقْرَارهَا عَلَيْهَا وليشهد الشُّهُود على مَعْرفَتهَا وَإِن كَانَ إِن نظر

(3/58)


إِلَيْهَا أَو كَانَ عَلَيْهِ أكبر رَأْيه فَلَا بَأْس بِالنّظرِ إِلَى وَجههَا وَإِن كَانَ على ذَلِك لِأَنَّهُ لم ينظر إِلَيْهَا هَهُنَا ليشتهيها إِنَّمَا النّظر إِلَيْهَا لغير ذَلِك فَلَا بَأْس بِالنّظرِ إِلَيْهَا وَإِن كَانَ فِي ذَلِك شَهْوَة إِذا كَانَ على مَا وصفت لَك وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يمس يَدهَا وَلَا وَجههَا إِذا كَانَت شَابة مِمَّن تشْتَهي فَأَما إِذا كَانَت عجوزا مِمَّن لَا تشْتَهي فَلَا بَأْس بمصافحتها وَمَسّ يَدهَا وَإِن كَانَت عَلَيْهَا ثِيَاب فَلَا بَأْس بِأَن يَتَأَمَّلهَا أَو يتَأَمَّل جَسدهَا مَا لم تكن ثِيَاب تصفها فان كَانَت ثِيَابهَا تلزق بجسدها حَتَّى يستبين لَهُ جَسدهَا فَيَنْبَغِي أَن يغض بَصَره عَن ذَلِك وَإِن كَانَت ثِيَابهَا لَا تصف شَيْئا من جَسدهَا فَلَا بَأْس بِالنّظرِ إِلَيْهَا لِأَنَّهُ

(3/59)


إِنَّمَا ينظر إِلَى الثِّيَاب وَإِلَى الْقَامَة فَلَا بَأْس بذلك
وَلَا بَأْس بِأَن تنظر الْمَرْأَة الَّتِي لَا نِكَاح بَينهَا وَبَين الرجل مِنْهُ إِلَى جَمِيع جسده وَوَجهه وَرَأسه إِلَّا مَا بَين سرته إِلَى ركبته فَإِن ذَلِك عَورَة وَلَا يَنْبَغِي لَهَا أَن تنظر إِلَيْهِ وَلَا بَأْس بِأَن تنظر إِلَى السُّرَّة أَيْضا إِنَّمَا يكره أَن تنظر إِلَى مَا تحتهَا فَأَما السُّرَّة خَاصَّة فَلَا بَأْس بِالنّظرِ إِلَيْهَا وَلَا يَنْبَغِي لَهَا أَن تنظر إِلَى الرّكْبَة لِأَن الرّكْبَة من الْعَوْرَة وَلَا يَنْبَغِي لَهَا أَن تمس مِنْهُ قَلِيلا وَلَا كثيرا إِذا كَانَت شَابة يَشْتَهِي مثلهَا أَو كَانَ شَابًّا يُجَامع مثله فان كَانَا كبيرين لَا يُجَامع مثله وَلَا يُجَامع مثلهَا فَلَا بَأْس بالمصافحة

(3/60)


وَيكرهُ غير ذَلِك وَإِذا كَانَت الْمَرْأَة إِذا نظرت إِلَى بعض مَا وصفت

(3/61)


لَك من الرجل وَقعت فِي قَلبهَا لَهُ شَهْوَة أَو كَانَ على ذَلِك أكبر رأيها فَأحب إِلَى أَن تغض بصرها عَنهُ
وَالرجل من الرجل لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن ينظر مِنْهُ إِلَّا مَا تنظر مِنْهُ الْمَرْأَة وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن ينظر من الرجل إِلَى مَا بَين سرته إِلَى ركبته وَلَا بَأْس بِالنّظرِ إِلَى سرته وَيكرهُ النّظر مِنْهُ إِلَى ركبته وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة من الْمَرْأَة

(3/62)


مُحَمَّد قَالَ أخبرنَا قدامَة بن مُوسَى بن عمر بن قدامَة بن مَظْعُون عَن أَبِيه قَالَ صليت إِلَى جَانب ابْن عمر وَكنت فَتى من الفتيان أتزر على صَدْرِي كَمَا يتزر الفتيان فَأدْخل ابْن عمر إصبعه فحط إزَارِي حَتَّى أبدأ السُّرَّة ثمَّ قَالَ هَكَذَا فاتزر يَا ابْن أخي

(3/63)


وبلغنا عَن عبد الله بن عمر أَنه كَانَ إِذا اتزر أبدا عَن سرته والسرة لَيست من الْعَوْرَة وَلَكِن مَا تحتهَا من الْعَوْرَة فَلَا يَنْبَغِي أَن ينظر إِلَيْهِ الرجل من الرجل وَالْمَرْأَة من الْمَرْأَة حَتَّى يَأْتِي الْعذر فَإِذا جَاءَ الْعذر فَلَا بَأْس بِالنّظرِ إِلَى ذَلِك
لَا بَأْس إِذا أَرَادَت الْمَرْأَة الْولادَة أَن تنظر الْمَرْأَة مِنْهَا إِلَى مَوضِع الْفرج وَغَيره وَكَذَلِكَ الرجل يُرِيد أَن يحتقن أَو يختتن وَهُوَ كَبِير وَلَا بَأْس بِأَن يحقنه أَو يختنه رجل لِأَن هَذَا مَوضِع عذر
فَإِن أصَاب امْرَأَة جرح أَو قرحَة فِي مَوضِع لَا يحل للرِّجَال أَن ينْظرُوا إِلَيْهِ فَلَا بَأْس بِأَن تعلم امْرَأَة دَوَاء ذَلِك الْجرْح أَو تِلْكَ القرحة فَتكون هِيَ الَّتِي تداوي بِهِ أَلا ترى أَن الْجَارِيَة الْبكر الْحرَّة إِذا

(3/64)


تزَوجهَا الرجل فَمَكثت عِنْده لَا يُصِيبهَا فرافعته إِلَى القَاضِي أَجله سنة فان وصل إِلَيْهَا وَإِلَّا فرق بَينهمَا فَإِن مَضَت السّنة فَقَالَ قد وصلت

(3/65)


إِلَيْهَا وَقَالَت لم يصل إِلَيّ نظر إِلَيْهَا النِّسَاء فَإِن قُلْنَ هِيَ بكر على حَالهَا خيرت وَإِن قُلْنَ هِيَ ثيب كَانَ القَوْل قَول الزَّوْج مَعَ يَمِينه أَفلا ترى أَنه لَا بَأْس بِنَظَر النِّسَاء فِي هَذِه الْحَال لِأَنَّهَا حَال عذر وَكَذَلِكَ رجل اشْترى جَارِيَة على أَنَّهَا بكر فقبضها فَقَالَ وَجدتهَا ثَيِّبًا وَأَرَادَ ردهَا على البَائِع أَو يَمِينه بِاللَّه لقد بَاعهَا وَقَبضهَا وَإِنَّهَا لبكر فَإِن النِّسَاء ينظرن إِلَيْهَا فَإِن قُلْنَ هِيَ بكر فَلَا يَمِين على البَائِع وَإِن قُلْنَ إِنَّهَا ثيب اسْتحْلف البَائِع بِاللَّه الْبَتَّةَ لقد بَاعهَا وَقَبضهَا المُشْتَرِي وَإِنَّهَا لبكر فَإِن حلف على ذَلِك لن لم ترد عَلَيْهِ وَإِن نكل عَن الْيَمين ردَّتْ عَلَيْهِ أَفلا ترى أَنه لَا بَأْس بِأَن ينظر النِّسَاء فِي هَذِه الْحَال فِي أَشْيَاء كَثِيرَة نَحْو ذَلِك فَإِن لم يَجدوا امْرَأَة تداوى الْجرْح الَّذِي بهَا أَو القرحة وَلم يقدروا على امْرَأَة تعلم ذَلِك وخافوا على الْمَرْأَة الَّتِي بهَا الْجرْح أَو القرحة أَن تهْلك أَو يُصِيبهَا بلَاء أَو دَخلهَا من ذَلِك وجع لَا يحْتَمل أَو لم يكن يداوي الْموضع الْجرْح إِلَّا رجل فَلَا بَأْس بِأَن يسْتَتر مِنْهَا كل شَيْء إِلَّا مَوضِع الْجرْح

(3/66)


أَو القرحة ثمَّ يداويه الرجل ويغض بَصَره بِمَا اسْتَطَاعَ عَن عوره وَذَات محرم وَغَيرهَا فِي ذَلِك سَوَاء
وَالْعَبْد فِيمَا ينظر إِلَيْهِ من مولاته وَالْحر الَّذِي لَا قرَابَة بَينه وَلَا بَينهَا وَلَا حُرْمَة سَوَاء خَصيا كَانَ أَو فحلا إِذا كَانَ قد بلغ مبلغ الرِّجَال فَلَا يَنْبَغِي أَن ينظر مِنْهَا إِلَى شَيْء إِلَّا إِلَى وَجههَا وكفها وَلَا يحل للخصي شَيْء يحرم على الْفَحْل وَلَا تحل الْمثلَة الَّتِي مثلت

(3/67)


بِهِ شَيْئا يحرم على غَيره من العبيد والأحرار

(3/68)


فَأَما الزَّوْجَة وَالْأمة تكون للرجل فَلَا بَأْس بِأَن ينظر مِنْهَا إِلَى كل شَيْء فرج أَو غَيره أَو يمسهُ
وَلَا بَأْس بِأَن يُصِيبهَا وَهِي حَائِض فِيمَا دون الْفرج وَلَا بَأْس بمباشرتها وَإِن لم يكن عَلَيْهَا إِزَار
مُحَمَّد قَالَ أخبرنَا الصَّلْت بن دِينَار عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة الْمُزنِيّ قَالَ سَأَلت عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ مَا يحل للرجل من امْرَأَته وَهِي حَائِض قَالَت يجْتَنب شعار الدَّم وَله مَا سوى ذَلِك قَالَ مُحَمَّد وَبِهَذَا نَأْخُذ

(3/69)


وشعار الدَّم مَوضِع الْفرج فَأَما أَبُو حنيفَة قَالَ للرجل من امْرَأَته وجاريته إِذا كَانَت حَائِضًا مَا فَوق الْإِزَار وَكره مَا تَحت الْإِزَار
- بَاب النّظر واللمس من الْأمة إِذا أَرَادَ أَن يَشْتَرِيهَا
-
وَإِذا أَرَادَ الرجل أَن يَشْتَرِي جَارِيَة فَلَا بَأْس بِأَن ينظر إِلَى شعرهَا وصدرها وساقها وقدمها وثديها وَإِن اشْتهى ذَلِك وَإِنَّمَا يكره لَهُ

(3/70)


أَن ينظر إِلَى ذَلِك مِنْهَا إِذا كَانَ إِنَّمَا ينظر إِلَيْهِ ليشتهي بِغَيْر شِرَاء وَمَسّ هَذِه الْمَوَاضِع مِنْهَا إِذا كَانَ يَشْتَهِي إِذا مَسهَا أَو كَانَ أكبر رَأْيه على ذَلِك فَإِنِّي أكره لَهُ مس شَيْء من هَذِه الْمَوَاضِع وَإِن كَانَ يُرِيد الشِّرَاء وَلَا يشبه النّظر فِي هَذَا الْوَجْه اللَّمْس أَلا ترى أَن النّظر لَا يحرم عَلَيْهِ أمهَا وَلَا ابْنَتهَا حَتَّى ينظر إِلَى الْفرج مكشوفا بِشَهْوَة وَإنَّهُ لَو مس شَيْئا من هَذِه الْمَوَاضِع بِشَهْوَة حرمت عَلَيْهِ أمهَا وابنتها وَحرمت هِيَ على ابْنه وَأَبِيهِ فَصَارَ اللَّمْس فِي هَذِه الْمَوَاضِع أَشد من النّظر فَلذَلِك رخصنا فِي النّظر وَإِن اشْتهى وكرهنا فِي اللَّمْس إِن خَافَ الشَّهْوَة أَو كَانَ عَلَيْهِ أكبر رَأْيه
- بَاب الْمَرْأَة إِذا مَاتَت مَعَ الرِّجَال
-
وَلَو أَن امْرَأَة مَاتَت مَعَ الرِّجَال لَا امْرَأَة مَعَهم غَيرهَا لم يَنْبغ

(3/72)


لَهُم أَن يغسلوها وَإِن كَانُوا ذَوي رحم محرم مِنْهَا أَبوهَا أَو غَيره وَلَكنهُمْ ييممونها الصَّعِيد فان كَانَ أَبوهَا أَو ابْنهَا أَو أَخُوهَا أَو ذُو رحم محرم مِنْهَا يتيممها بالصعيد يضْرب بيدَيْهِ الأَرْض ثمَّ ينفض بهما وَيمْسَح بهما وَجههَا ثمَّ يضْرب بيدَيْهِ الأَرْض الثَّانِيَة ثمَّ ينفضهما كَذَلِك وَيمْسَح يَديهَا إِلَى الْمرْفقين ظَاهر كفيه وباطنهما فِي ظَاهر الذراعين وباطنهما لَيْسَ بَين يَدَيْهِ وَبَين وَجههَا وذراعيها ويديها شَيْء
فان كَانَ الرِّجَال الَّذين مَعهَا لَا محرم بَينهم وَبَينهَا فان أحدهم يضع الثَّوْب على يَدَيْهِ فَيضْرب بِهِ الأَرْض ثمَّ ينفضه وَيمْسَح بذلك وَجههَا ثمَّ يعود فَيضْرب بِالثَّوْبِ وَهُوَ على يَدَيْهِ الأَرْض ثمَّ ينفضه وَيمْسَح يَديهَا إِلَى الْمرْفقين ويعرض بِوَجْهِهِ عَن ذراعيها وَكَذَلِكَ يفعل بهَا زَوجهَا إِن كَانَ مَعَهم لِأَنَّهَا حِين مَاتَت صَارَت غير زَوجته وَحل لَهُ

(3/73)


نِكَاح أُخْتهَا وَنِكَاح ابْنَتهَا إِن كَانَ لم يدْخل بهَا وَنِكَاح أَربع سواهَا
قَالَ بلغنَا أَن عمر بن الْخطاب قَالَ فِي امْرَأَة لَهُ هَلَكت نَحن كُنَّا أَحَق بهَا إِذا كَانَت حَيَّة فَأَما إِذا مَاتَت فأولياؤها أَحَق بهَا أَفلا ترى أَنه لم ير لنَفسِهِ فِيهَا حَقًا بعد مَوتهَا فَكَذَلِك نقُول فِي غسلهَا وَالصَّلَاة عَلَيْهَا
- بَاب الرجل يَمُوت مَعَ النِّسَاء لَيْسَ مَعَهُنَّ رجل
-
وَإِذا مَاتَ الرجل مَعَ النِّسَاء ذَوَات الْمحرم مِنْهُ صنعن بِهِ كَمَا وصفت

(3/74)


لَك من التَّيَمُّم فِي ذَوَات الْمحرم من الرجل فِي الْمَرْأَة وَلَو كن لسن بذوات محرم مِنْهُ فيتيممنه الصَّعِيد كَمَا وصفت لَك من وَرَاء الثَّوْب إِلَّا امْرَأَته خَاصَّة فَإِنَّهَا تغسله ثمَّ يصلين عَلَيْهِ وَتقوم الْمَرْأَة الإِمَام مِنْهُنَّ وسط الصَّفّ لَا تتقدم الصَّفّ كَمَا يتَقَدَّم الرِّجَال وَلَا تشبه امْرَأَة الرجل فِي هَذَا الزَّوْج فِي غسل امْرَأَته لِأَن الْمَرْأَة عَلَيْهَا عدَّة من زَوجهَا فَهِيَ بِمَنْزِلَة امْرَأَته حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا وَالرجل لَا عدَّة عَلَيْهِ وَقد بلغنَا أَن أَبَا بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ أَمر أَسمَاء ابْنة عُمَيْس رَضِي الله عَنْهَا أَن تغسله فغسلته وَأمر أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ

(3/75)


امْرَأَته أَن تغسله فغسلته فَهَذَا لَا بَأْس بِهِ فَأَما أمته أَو مدبرته أَو مُكَاتبَته أَو أم وَلَده فَإِنَّهُنَّ لَا يغسلنه ولكنهن ييممنه كَمَا ييممنه النِّسَاء اللَّاتِي لسن بذوات محرم مِنْهُ إِلَّا الْأمة خَاصَّة فانه لَا بَأْس بِأَن تيَمّمه وَإِن لم تجْعَل على يَديهَا ثوبا فَأَما أم الْوَلَد فَإِنَّهَا تيَمّمه من وَرَاء الثَّوْب وَإِن كَانَت عَلَيْهَا عدَّة لِأَن عدتهَا لَيست من مَوته وَإِنَّمَا وَجَبت عدتهَا لِأَنَّهَا عتقت بِمَوْتِهِ فَوَجَبت عَلَيْهَا الْعدة لِلْعِتْقِ أَلا ترى أَنه لَو أعْتقهَا فِي مَرضه حرمت عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ وَإِن مَاتَ وَهِي فِي الْعدة لم تغسله فَكَذَلِك هَذَا إِذا مَاتَ فعتقت حرمت عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ كَمَا تحرم فِي الْحَيَاة فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهَا بعد مَا صَارَت حرَّة أَن تغسله

(3/77)


فَكَذَلِك امْرَأَته لَو فجر بهَا ابْنه من بعد مَوته أَو ارْتَدَّت عَن الْإِسْلَام لم تغسله وَإِن رجعت إِلَى الْإِسْلَام بعد ردتها لم تغسله لِأَنَّهَا لَو ارْتَدَّت فِي حَيَاته ثمَّ مَاتَ وَهِي فِي الْعدة لم تغسله فَكَذَلِك إِذا ارْتَدَّت بعد مَوته فَصَارَت فِي حَال لَا تغسله لم يحل لَهَا أَن تغسله بعد إسْلَامهَا

(3/78)


وَإِن مَاتَت امْرَأَة مَعَ رجال وَمَعَهُمْ غلْمَان لَا يشتهون النِّسَاء لصغرهم وَلَا يُجَامع مثلهم فَلَا بَأْس بِأَن يعلموهم الْغسْل إِن ضبطوا ثمَّ يأمروهم أَن يغسلوا الْمَرْأَة وَكَذَلِكَ الْجَارِيَة الصَّغِيرَة الَّتِي تَمُوت مَعَ الرِّجَال وَهِي لَا يَشْتَهِي مثلهَا وَلم تبلغ أَن تجامع لصغرها فَلَا بَأْس أَن يغسلهَا الرِّجَال وَإِن كَانُوا غير ذَوي محرم مِنْهَا
وَإِذا مَاتَت الْمَرْأَة مَعَ الرِّجَال وَمَعَهُمْ امْرَأَة من أهل الذِّمَّة فَلَا بَأْس بِأَن يعلموها الْغسْل ثمَّ يخلوا بَينهَا وَبَينهَا حَتَّى تغسلها وَكَذَلِكَ الرجل يَمُوت مَعَ النِّسَاء ومعهن رجل من أهل الذِّمَّة فَلَا بَأْس بِأَن يعلمنه الْغسْل ثمَّ يخلين بَينه وَبَينه حَتَّى يغسلهُ
وَكَذَلِكَ إِذا مَاتَ رجل مَعَ النِّسَاء ومعهن صبيان صغائر من

(3/79)


الْجَوَارِي لم يبلغن أَن يشتهين وَلَا يُجَامع مِثْلهنَّ فَلَا بَأْس بِأَن تصف النِّسَاء لَهُنَّ الْغسْل إِن ضبطنه ثمَّ يخلين بَينهُنَّ وَبَينه حَتَّى يغسلنه
والخصي وَالْمَعْتُوه فِي ذَلِك سَوَاء كُله بِمَنْزِلَة الرجل الْكَبِير الصَّحِيح الْفَحْل فِي جَمِيع مَا وصفت لَك وَكَذَلِكَ الرتقاء والمعتوهة هِيَ بِمَنْزِلَة غَيرهَا من النِّسَاء فِي جَمِيع مَا وصفت لَك
- بَاب الشَّهَادَة فِي أَمر الدّين
-
وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن إِذا حضر رجل مُسَافر يُرِيد الصَّلَاة فَلم يجد مَاء إِلَّا مَاء فِي إِنَاء أخبرهُ رجل أَنه قذر أَو قَالَ بَال فِيهِ صبي أَو وَقع فِيهِ دم أَو عذرة أَو غير ذَلِك مِمَّا يُنجسهُ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي للرجل أَن ينظر فِي حَال الرجل الَّذِي أخبرهُ فان كَانَ يعرفهُ وَكَانَ عِنْده عدلا مُسلما رَضِيا لم يتَوَضَّأ بذلك المَاء وَتيَمّم وَصلى وَكَذَلِكَ إِن كَانَ الرجل عبدا أَو كَانَت امْرَأَة حرَّة مسلمة أَو أمة بعد أَن تكون عدلا ثِقَة فِيمَا قَالَت فان كَانَت غير ثِقَة أَو كَانَ الَّذِي لَا يدْرِي أخبرهُ ثِقَة أَو غير ثِقَة

(3/80)


فَإِنَّهُ ينظر فِي ذَلِك فان كَانَ أكبر رَأْيه وظنه أَنه صَادِق فِيمَا قَالَ تيَمّم أَيْضا وَلم يتَوَضَّأ بِهِ فَإِن اهراق المَاء ثمَّ تيَمّم بعد ذَلِك وَأخذ فِي ذَلِك بالثقة فَهُوَ أفضل وَإِن كَانَ أكبر رَأْيه أَن الَّذِي أخبرهُ بذلك كَاذِب تَوَضَّأ وَلم يلْتَفت إِلَى قَوْله وَصلى وأجزاه ذَلِك وَلَا تيَمّم عَلَيْهِ أَلا ترى أَن عمر رَضِي الله عَنهُ حِين ورد حِيَاض مَاء حَيا فَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ لرجل من أهل المَاء أخبرنَا عَن السبَاع أترد ماءكم هَذَا فَقَالَ عمر لَا تخبرنا عَن شَيْء أَلا ترى أَن عمر قد كره أَن يُخبرهُ وَلَو أَنه لم يعد خَبره

(3/81)


خَبرا مَا نَهَاهُ عَن ذَلِك

(3/82)


فان كَانَ ذَلِك الَّذِي أخبرهُ بِنَجَاسَة المَاء فِي الْإِنَاء رجلا من أهل الذِّمَّة لم يصدق بقوله وَإِن وَقع فِي قلب الَّذِي قيل لَهُ إِنَّه صَادِق فَإِنَّهُ

(3/83)


أحب إِلَيّ أَن يهريق المَاء ثمَّ يتَيَمَّم وَيُصلي وَإِن تَوَضَّأ وَلم يهرق أجزاه وَأحب إِلَيّ إِذا وَقع فِي قلبه أَنه صَادِق أَن يتَيَمَّم مَعَ ذَلِك وَيُصلي وَإِن كَانَ أكبر رَأْيه أَنه كَاذِب تَوَضَّأ بِهِ وَلم يلْتَفت إِلَى قَوْله وَإِن تَوَضَّأ وَصلى فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وَلم يتَيَمَّم أجزاه ذَلِك لِأَن هَذَا شَيْء من أَمر الدّين وَلَا تقوم الْحجَّة فِيهِ إِلَّا بِمُسلم وَلَكِن ليفعل الَّذِي ذكرت لَك فانه أفضل وَكَذَلِكَ الصَّبِي الَّذِي لم يبلغ إِذا عقل مَا يَقُول وَالْمَعْتُوه إِذا عقل مَا يَقُول

(3/84)


وَلَو أَن رجلا دخل على قوم من الْمُسلمين يَأْكُلُون طَعَاما وَيَشْرَبُونَ شرابًا لَهُم فَدَعوهُ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ رجل مُسلم ثِقَة قد عرفه بذلك إِن هَذَا

(3/85)


اللَّحْم الَّذِي يَأْكُلُونَهُ ذَبِيحَة مَجُوسِيّ أَو خالطه لحم الْخِنْزِير وَهَذَا الشَّرَاب الَّذِي يشربونه قد خالطه الْخمر فَقَالَ الَّذين دَعوه إِلَى ذَلِك لَيْسَ الْأَمر كَمَا قَالَ وَأَخْبرُوهُ أَنه حَلَال وبينوا لَهُ الْأَمر على وَجهه وَأَن الْأَمر كَمَا ذكرُوا لَهُ فَإِنَّهُ ينظر فِي حَالهم فَإِن كَانُوا عُدُولًا ثِقَات يعرفهُمْ بذلك لم يلْتَفت إِلَى قَول الرجل الْوَاحِد وَأخذ بقَوْلهمْ وَإِن كَانُوا عِنْده غير عدُول متهمين على ذَلِك أَخذ بقوله وَلَهُم يَسعهُ أَن يقرب شَيْئا من ذَلِك وَالرجل الْمُسلم إِذا كَانَ عدلا ثِقَة فِي هَذَا وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة الْحرَّة وَالْأمة وَالْعَبْد

(3/86)


فَإِن كَانَ الْقَوْم غير ثِقَات إِلَّا رجلَيْنِ مِنْهُم فَإِنَّهُمَا ثقتان وهما فِيمَن أخبراه بِخِلَاف مَا قَالَ الرجل الْوَاحِد أَخذ بقولهمَا وَترك قَوْله وَإِن كَانَ رجل وَاحِد مِنْهُم ثِقَة نظر فِيمَا أخبرهُ بِهِ الرّجلَانِ مِمَّا اخْتلفَا فِيهِ فَإِن كَانَ أكبر ظَنّه أَن الَّذِي زعم أَنه حرَام صَادِق أَخذ بقوله وَإِن كَانَ لَا رَأْي لَهُ فِي ذَلِك وَقد اسْتَوَت الحالان عِنْده فَلَا بَأْس بِأَن يَأْكُل ذَلِك ويشربه وَالْوُضُوء بِمَنْزِلَتِهِ فِي جَمِيع مَا وصفت لَك إِذا اخْتلفَا فِيهِ
فان كَانَ الَّذِي أخبرهُ بِهِ أَنه حَلَال رجلَيْنِ ثقتين إِلَّا أَنَّهُمَا مملوكان وَكَانَ الَّذِي زعم أَنه حرَام رجلا وَاحِدًا حرا فَلَا بَأْس بِأَكْلِهِ وَإِن

(3/87)


كَانَ الَّذِي زعم أَنه حرَام رجلَيْنِ مملوكين ثقتين وَالَّذِي زعم أَنه حَلَال رجلا وَاحِدًا حرا ثِقَة لم يَنْبغ لَهُ أَن يَأْكُلهُ وَكَذَلِكَ لَو أخبرهُ بِأحد الْأَمريْنِ عبد ثِقَة وَالَّذِي أخبرهُ بِالْأَمر الآخر رجل حر ثِقَة نظر إِلَى أكبر ظَنّه فِي ذَلِك فَلَزِمَهُ وَلم يلْتَفت إِلَى غير ذَلِك فان كَانَ الَّذِي أخبرهُ بِأحد الْأَمريْنِ رجلَيْنِ حُرَّيْنِ ثقتين وَكَانَ الَّذِي أخبرهُ بِالْأَمر الآخر رجلَيْنِ مملوكين ثقتين أَخذ بقول الرجلَيْن الحرين وَترك قَول المملوكين لِأَنَّهُمَا فِي الْحجَّة بِمَنْزِلَة المملوكين وشهادتهما تقطع فِي الحكم فهما أولى أَن تقبل شَهَادَتهمَا إِذا كَانَا حُرَّيْنِ من غَيرهمَا أَلا ترى أَن أَبَا بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ شهد عِنْده الْمُغيرَة بن شُعْبَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْطى الْجدّة أم الْأُم السُّدس فَقَالَ ائْتِ بِشَاهِد آخر فجَاء بِمُحَمد بن مسلمة فَشهد على مثل شَهَادَته فَأعْطى أَبُو بكر

(3/88)


الْجدّة السُّدس وَهَذَا شَيْء من أَمر الدّين وَعمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ شهد عِنْده أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا اسْتَأْذن أحدكُم ثَلَاثًا فَلم يُؤذن لَهُ فَليرْجع فَقَالَ ائْتِ مَعَك بِشَاهِد على ذَلِك فَهَذَا أفضل فِي الِاحْتِيَاط وَالْوَاحد مجزى

(3/89)


أَلا ترى أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ مَا قَالَ لَهُ ذَاك إِلَّا ليحتاط لغيره وَلَو لم يَأْتِ بِشَاهِد غَيره تقبل شَهَادَته لِأَنَّهُ قد قبل شَهَادَة

(3/90)


عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَضِي الله عَنهُ فِي مثل ذَلِك شَهدا عِنْده وَحده أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر عِنْده الْمَجُوس فَقَالَ سنوا بهم سنة أهل الْكتاب فِي أَخذ الْخراج فَأجَاز عمر قَوْله وَحده وَأَجَازَ قَول

(3/91)


عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فِي الطَّاعُون حِين أَرَادَ أَن يدْخل إِلَى الشَّام وَكَانَ بهَا الطَّاعُون فَاسْتَشَارَ عمر فِي الدُّخُول فَأَشَارَ إِلَيْهِ بعض الْمُهَاجِرين بِالدُّخُولِ وَقَالَ لَهُ أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح رَضِي الله عَنهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أتفر من قدر الله فَقَالَ لَهُ قوم من أهل مَكَّة لَا تدخل فجَاء عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَقَالَ إِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِذا وَقع هَذَا الرجس بِأَرْض فَلَا تدْخلُوا عَلَيْهِ وَإِذا وَقع وَأَنْتُم بهَا فَلَا تخْرجُوا فِرَارًا مِنْهَا وَأخذ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ بقوله وَحَدِيث آخر

(3/92)


أَرَادَ عمر بن الْخطاب أَن لَا يُورث الْمَرْأَة من دِيَة زَوجهَا شَيْئا حَتَّى شهد لَهُ الضَّحَّاك بن سُفْيَان أَنه أَتَاهُ كتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُورث امْرَأَة أَشْيَم الضبابِي من دِيَة زَوجهَا أَشْيَم فَأخذ بقوله

(3/94)


وَبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دحْيَة الْكَلْبِيّ إِلَى قَيْصر ملك الرّوم بكتابه يَدعُوهُ إِلَى الْإِسْلَام فَكَانَ حجَّة عَلَيْهِ وَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ كنت إِذا لم أسمع من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَحَدثني بِهِ غَيره اسْتَحْلَفته على ذَلِك وحَدثني بِهِ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَصدق أَبُو بكر فَكل هَذَا قد قبل مِنْهُ شَهَادَة رجل مُسلم

(3/97)


وبلغنا أَن نَفرا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيهم أَبُو طَلْحَة كَانُوا يشربون شرابًا لَهُم من الفضيخ فَأَتَاهُم آتٍ فَأخْبرهُم أَن الْخمر قد حرمت فَقَالَ أَبُو طَلْحَة يَا أنس قُم إِلَى هَذِه الجرار فاكسرها فَقُمْت إِلَيْهَا فكسرتها حَتَّى اهراق مَا فِيهَا والحجج فِي هَذَا كَثِيرَة

(3/98)


مُحَمَّد قَالَ أخبرنَا حَازِم بن إِبْرَاهِيم البَجلِيّ عَن سماك بن

(3/99)


حَرْب عَن عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل شَهَادَة أَعْرَابِي وَحده على رُؤْيَة هِلَال شهر رَمَضَان قدم الْمَدِينَة فَأخْبرهُم أَنه قد رَآهُ فَأَمرهمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَصُومُوا بِشَهَادَتِهِ
مُحَمَّد قَالَ أخبرنَا وَكِيع عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن سماك بن حَرْب عَن عِكْرِمَة أَن أَعْرَابِيًا شهد عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رُؤْيَة الْهلَال فَقَالَ تشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله فَقَالَ نعم فَأمر النَّاس فصاموا فَهَذَا مِمَّا يدلك على أَن شَهَادَة الْوَاحِد فِي

(3/100)


الدّين جَائِزَة وَلَا يقبل على هِلَال الْفطر أقل من شَهَادَة رجلَيْنِ حُرَّيْنِ

(3/101)


أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ لِأَن هِلَال الْفطر وَإِن كَانَ من أَمر الدّين فَفِيهِ بعض الْمَنْفَعَة بفطر النَّاس وتركهم الصَّوْم فَذَلِك يجْرِي مجْرى الحكم وَلَا يقبل فِيهِ من الشَّهَادَة إِلَّا مَا يقبل فِي الْأَحْكَام وَلَا يقبل فِي هِلَال شهر رَمَضَان قَول مُسلم وَلَا مُسلمين إِذا كَانُوا مِمَّن لَا تجوز شَهَادَته وَمِمَّنْ يتهم فَأَما عبد ثِقَة مُسلم أَو امْرَأَة مسلمة ثِقَة حرَّة أَو أمة أَو رجل مُسلم ثِقَة إِلَّا أَنه مَحْدُود فِي قذف فشهادته فِي ذَلِك جَائِزَة

(3/102)


وَإِن كَانَ الَّذِي شهد بذلك فِي الْمصر وَلَا عِلّة فِي السَّمَاء فَشهد على ذَلِك لم تقبل شَهَادَته لِأَن الَّذِي يَقع فِي الْقلب من ذَلِك أَنه بَاطِل فَإِن كَانَ فِي السَّمَاء عِلّة من سَحَاب فَأخْبرهُ أَنه رَآهُ من خلل السَّحَاب

(3/103)


أَو جَاءَ من مَكَان فَأخْبرهُ بذلك وَهُوَ ثِقَة فَيَنْبَغِي أَن يَصُومُوا بِشَهَادَتِهِ
- بَاب الشَّهَادَة فِي الرَّضَاع
-
وَإِذا تزوج الرجل امْرَأَة فَجَاءَت امْرَأَة مسلمة ثِقَة أَو جَاءَ رجل مُسلم حر ثِقَة فَأخْبرهُ أَنَّهُمَا أرضعا من لبن امْرَأَة وَاحِدَة فَأحب إِلَى أَن يتنزه عَنْهَا ويطلقها ويعطيها نصف الصَدَاق إِن لم يكن دخل بهَا وَالصَّدَاق كُله إِن كَانَ دخل بهَا وَأحب إِلَى لَهَا أَن لَا تَأْخُذ مِنْهُ صَدَاقا وَأَن

(3/104)


تتنزه مِنْهُ إِن كَانَ لم يدْخل بهَا وَإِن قاما على نِكَاحهمَا لم يحرم ذَلِك عَلَيْهَا وَلَكِن الْأَفْضَل أَن يتنزها عَن ذَلِك
وَكَذَلِكَ الرجل يَشْتَرِي الْجَارِيَة فيخبره رجل عدل ثِقَة أَنَّهَا حرَّة الْأَبَوَيْنِ أَو أَنَّهَا أُخْته من الرضَاعَة فَإِن تنزه عَن وَطئهَا فَهُوَ أفضل وَإِن لم يفعل فَذَلِك لَهُ وَاسع
مُحَمَّد قَالَ أخبرنَا عمر بن سعيد بن أبي حُسَيْن عَن ابْن أبي مليكَة

(3/105)


أَن عقبَة بن الْحَارِث تزوج ابْنة أبي إهَاب التَّمِيمِي فَجَاءَت امْرَأَة

(3/106)


سَوْدَاء فَأَخْبَرته أَنَّهَا أرضعتهما جَمِيعًا فَأتى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ بذلك فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَيفَ وَقد قيل قَالَ مُحَمَّد فَلَو كَانَ هَذَا حَرَامًا لفرق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(3/107)


بَينهمَا وَلكنه أحب أَن يتنزه بقوله كَيفَ وَقد قيل

(3/109)


مُحَمَّد قَالَ أخبرنَا مُحَمَّد عَن أبي كُدَيْنَة البَجلِيّ عَن الْحجَّاج بن

(3/110)


أَرْطَأَة عَن عِكْرِمَة بن خَالِد المَخْزُومِي قَالَ قَالَ عمر بن الْخطاب لَا يقبل

(3/111)


على الرَّضَاع أقل من شَاهِدين قَالَ مُحَمَّد فَبِهَذَا نَأْخُذ فَإِن قَالَ قَائِل فَمن أَيْن افترق هَذَا وَمَا وصفت قبله من الْوضُوء وَالطَّعَام وَالشرَاب قيل لَهُ لَا يشبه هَذَا الْوضُوء وَالطَّعَام وَالشرَاب لِأَن الطَّعَام وَالشرَاب وَالْوُضُوء يحل بِغَيْر ملك بِملكه صَاحبه أَلا ترى أَن رجلا لَو قَالَ لرجل كل طَعَامي هَذَا أَو تَوَضَّأ بمائي هَذَا أَو اشرب شرابي هَذَا وَسعه أَن يفعل ذَلِك بِغَيْر بيع وَلَا هبة وَلَا صَدَقَة
وَلَو أَن رجلا قَالَ لرجل طأ جاريتي هَذِه فقد أَذِنت لَك فِي ذَلِك أَو قَالَت لَهُ امْرَأَة حرَّة مسلمة قد أَذِنت لَك فِي وطئي لم يحل لَهُ الْوَطْء بِإِذْنِهَا حَتَّى يتَزَوَّج الْحرَّة أَو يَشْتَرِي الْأمة أَو توهب لَهُ أَو يصدق بهَا عَلَيْهِ أَفلا ترى أَن الْفرج لَا يحل لَهُ إِلَّا بتزوج أَو بِملك الْمَمْلُوكَة فَلَا ينْقض النِّكَاح وَلَا الشِّرَاء وَلَا الْهِبَة وَلَا الصَّدَقَة بقول رجل وَاحِد وَلَا بقول

(3/112)


امْرَأَة وَاحِدَة فَإِذا كَانَ النِّكَاح وَالْملك لَا ينقضان بذلك وَإِنَّمَا حل الْفرج بهما وَلَو لاهما مَا حل الْفرج والفرج على حَاله حَتَّى ينْتَقض الَّذِي بِهِ حل الْفرج وَلَا ينْتَقض إِلَّا بِشَهَادَة رجلَيْنِ عَدْلَيْنِ أَو بِشَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ فَكَذَلِك لَا يحرم الْفرج إِلَّا بِمَا ينْتَقض بِهِ النِّكَاح وَالْملك
وَكَذَلِكَ كل أَمر لَا يحل إِلَّا بِملك أَو نِكَاح فَإِنَّهُ لَا يحرم بِشَيْء حَتَّى ينْتَقض النِّكَاح وَالْملك وَلَا يكون الرجل الْوَاحِد الْمُسلم وَلَا الْمَرْأَة فِي ذَلِك حجَّة لِأَنَّهُ إِنَّمَا حل من وَجه الحكم وَلَا يحرم إِلَّا من الْوَجْه الَّذِي حل بِهِ مِنْهُ
أَلا ترى أَن عقدَة النِّكَاح وعقدة الْملك لَا ينقضهما فِي الحكم إِلَّا رجلَانِ أَو رجل وَامْرَأَتَانِ فَإِن كَانَ الَّذِي يحل بذلك لَا يحل إِلَّا بِهِ لم يحرم حَتَّى ينْتَقض الَّذِي بِهِ حل كل أَمر يحل بِغَيْر نِكَاح وَلَا ملك إِنَّمَا يحل بِالْإِذْنِ فِيهِ فَأخْبر رجل مُسلم ثِقَة أَنه حرَام فَهُوَ عندنَا حجَّة فِي ذَلِك وَلَا يَنْبَغِي أَن يُؤْكَل وَلَا يشرب وَلَا يتَوَضَّأ مِنْهُ
وَلَو أَن رجلا مُسلما اشْترى لَحْمًا فَلَمَّا قَبضه أخبرهُ رجل مُسلم ثِقَة أَنه ذَبِيحَة مَجُوسِيّ لم يَنْبغ لَهُ أَن يَأْكُلهُ وَلَا يطعمهُ غَيره وَلَا يَنْبَغِي لَهُ

(3/113)


أَن يردهُ على صَاحبه وَلَا يسْتَحل منع البَائِع ثمنه لِأَن نقض الْملك فِيهِ لَا يجوز بقول وَاحِد وَمنع الثّمن لَا يجوز بقول وَاحِد وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن ينْتَقض ملكا وَلَا يمْنَع ثمنا بقول رجل وَاحِد فان قَالَ قَائِل كَيفَ كرهت لَهُ أكله أَو بَيْعه وَإِنَّمَا حل بِالْملكِ كَمَا حلت فِي الْجَارِيَة بِالشِّرَاءِ قيل لَهُ إِن حل ملك هَذَا بِالْإِذْنِ فِي أكله وشربه وَالْوُضُوء بِهِ فَلَيْسَ بِالْملكِ حل ذَلِك مِنْهُ أَلا ترى أَن صَاحبه لَو أذن فِي ذَلِك بِغَيْر بيع حل لَهُ مَا لم أَنه حرَام فَلَمَّا ملكه كَانَ كَأَنَّهُ أذن لَهُ فِيهِ وَلَا يشبه هَذَا مَالا يحل إِلَّا بِالنِّكَاحِ وَالْملك أَلا ترى أَن الَّذِي اشْتَرَاهُ لَو قَالَ لَهُ رجل مُسلم ثِقَة قبل أَن يَشْتَرِيهِ إِنَّه ذَبِيحَة مَجُوسِيّ وَقد أذن لَهُ صَاحبه فِي أكله لم يحل لَهُ أَن يَأْكُلهُ فَإِن اشْتَرَاهُ كَانَ على الْحَال الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا قبل الشِّرَاء فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يَأْكُلهُ وَلَا يطعمهُ لِأَنَّهُ قد كَانَ مَكْرُوها لَهُ أَن يَأْكُلهُ قبل الشِّرَاء وَقد أذن لَهُ فِيهِ فَكَذَلِك يكره لَهُ ذَلِك بعد ملكه إِيَّاه
وَكَذَلِكَ الْمِيرَاث وَالْوَصِيَّة فِي جَمِيع مَا وصفت لَك بِمَنْزِلَة الشِّرَاء وَالْهِبَة وَالصَّدَََقَة وَالْوَطْء وَالْأكل وَالشرب وَغير ذَلِك

(3/114)


وَلَو أَن رجلا اشْترى من رجل طَعَاما أَو اشْترى جَارِيَة وَقبض ذَلِك أَو ورث ذَلِك مِيرَاثا أَو أوصى لَهُ بِهِ أَو وهب لَهُ أَو تصدق بِهِ عَلَيْهِ فَأَتَاهُ رجل مُسلم ثِقَة فَشهد عِنْده أَن هَذَا لفُلَان بن فلَان غصبه مِنْهُ البَائِع أَو الْمَيِّت أَو الْمُتَصَدّق أَو الْوَاهِب فَأحب إِلَيْنَا أَن يتنزه عَن أكله وشربه وَالْوُضُوء مِنْهُ ولباسه ووطئ الْجَارِيَة وَإِن لم يتنزه عَن شَيْء من ذَلِك كَانَ فِي سَعَة وَكَانَ التَّنَزُّه أفضل
وَكَذَلِكَ لَو أَن طَعَاما أَو شرابًا أَو وضُوءًا فِي يَد رجل أذن لَهُ فِيهِ صَاحبه وَأخْبرهُ أَنه لَهُ فَقَالَ لَهُ رجل آخر مُسلم ثِقَة إِن هَذَا الَّذِي فِي يَده هَذَا الطَّعَام وَالشرَاب وَالْوُضُوء غصبه من رجل وَأَخذه مِنْهُ ظلما وَإِن الَّذِي فِي يَده ذَلِك يكذبهُ وَيَزْعُم أَنه لَهُ وَهُوَ مُتَّهم غير ثِقَة فَأحب إِلَيْنَا أَن يتنزه عَن ذَلِك الَّذِي أذن لَهُ فِيهِ وَإِن أكل أَو شرب أَو تَوَضَّأ كَانَ فِي سَعَة من ذَلِك وَإِن لم يجد وضُوءًا غَيره فَهُوَ فِي سَعَة وَإِن

(3/115)


تَوَضَّأ وَلم يتَيَمَّم وَلَا يشبه هَذَا فِي الطَّعَام وَالشرَاب وَالْوُضُوء الَّذِي وصفت لَك قبله من ذَبِيحَة الْمَجُوسِيّ وَمن الشَّرَاب الَّذِي خالطه الْخمر وَمن الْوضُوء الَّذِي خالطه القذر لِأَن هَذَا إِنَّمَا ذكر الشَّاهِد أَنه مَغْصُوب وَلم يذكر أَنه حرَام من قبل نَفسه إِنَّمَا ذكر أَنه حرَام لِأَن الَّذِي كَانَ فِي يَدَيْهِ لَا يملكهُ وَهُوَ عندنَا فِي الحكم للَّذي هُوَ فِي يَدَيْهِ حَتَّى يقوم شَاهدا عدل أَنه لغيره فَإِذا حكمنَا بِأَنَّهُ للَّذي فِي يَده حل أكله وشربه وَالْوُضُوء مِنْهُ وَإِن الَّذِي ذكرت لَك من ذَبِيحَة الْمَجُوسِيّ وَالشرَاب إِنَّمَا أخبر عَنهُ الرجل الْمُسلم الثِّقَة أَنه حرم من قبل نَفسه لما خالطه من الْحَرَام وَهَذَا يبين لَك أَن مَا كَانَ من أَمر الدّين الْوَاحِد فِيهِ حجَّة وَأَخذه الطَّعَام وَالشرَاب وَالْوُضُوء من يَدي الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ حَتَّى يصير كَغَيْرِهِ حكم وَلَا يَنْبَغِي أَن يحكم بِشَهَادَة وَاحِد وَإِن كَانَ عدلا

(3/116)


وَلَو أَن رجلا مُسلما شهد عِنْد رجل بِأَن هَذِه الْجَارِيَة الَّتِي فِي يَد فلَان المقرة بِالرّقِّ أمة لفُلَان غصبهَا مِنْهُ وَالَّذِي فِي يَده يجْحَد ذَلِك

(3/117)


وَهُوَ غير مَأْمُون على مَا ذكر مِنْهُ فَأحب إِلَى أَن لَا يَشْتَرِيهَا وَإِن اشْتَرَاهَا وَوَطئهَا فَهُوَ فِي سَعَة من ذَلِك
وَلَو أخبرهُ بِأَنَّهَا حرَّة الأَصْل حرَّة الْأَبَوَيْنِ أَو أَنَّهَا كَانَت أمة لفُلَان الَّذِي فِي يَده فَأعْتقهَا وَالَّذِي أخبرهُ بذلك رجل مُسلم ثِقَة فَأحب إِلَيّ لَهُ أَن يتنزه عَن ذَلِك وَلَا يَشْتَرِيهَا وَلَا يَطَأهَا فان اشْتَرَاهَا وَوَطئهَا فَهُوَ فِي سَعَة من ذَلِك إِلَّا أَنه أحب إِلَيّ أَن لَا يفعل فان قَالَ قَائِل كَيفَ جَازَ هَذَا وَقد وصف الشَّاهِد أَنَّهَا حرمت من قبل نَفسهَا قيل فَكيف لم يشبه هَذَا الطَّعَام وَالشرَاب وَالْوُضُوء الَّذِي حرم من قبل نَفسه قيل لَهُ إِنَّمَا هَذَا بِمَنْزِلَة النِّكَاح الَّذِي يشْهد فِيهِ بِالرّضَاعِ لِأَنَّهُ لَا يحل الْوَطْء إِلَّا بِملك وَلَا يشبه هَذَا الطَّعَام وَالشرَاب وَالْوُضُوء الَّذِي يحل بِالْإِذْنِ فِيهِ دون الْملك الَّذِي حرم من قبل نَفسه

(3/118)


- بَاب الرجل يَبِيع جَارِيَته وَيعلم المُشْتَرِي أَنَّهَا أمة لفُلَان
-
قَالَ مُحَمَّد إِذا كَانَت الْجَارِيَة لرجل فَأَخذهَا رجل آخر فَأَرَادَ بيعهَا فَلَيْسَ يَنْبَغِي لمن علم أَنَّهَا كَانَت لذَلِك الرجل أَن يَشْتَرِيهَا حَتَّى يعلم أَنَّهَا قد خرجت من ملكه إِلَى الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ بشرَاء أَو هبة أَو صَدَقَة أَو يعلم أَنه قد وَكله بِبَيْعِهَا وَإِذا علم ذَلِك فَلَا بَأْس بِأَن يَشْتَرِيهَا مِنْهُ
فان قَالَ الَّذِي هِيَ فِي يَده إِنِّي قد اشْتَرَيْتهَا أَو وهبتها أَو تصدق بهَا عَليّ أَو وكلني بِبَيْعِهَا فَإِن كَانَ الرجل الْقَائِل ذَلِك عدلا مُسلما ثِقَة

(3/119)


فَلَا بَأْس بِأَن يصدقهُ بذلك ويشتريها مِنْهُ
وَكَذَلِكَ إِن كَانَ أَرَادَ أَن يَهَبهَا لَهُ أَو يتَصَدَّق بهَا عَلَيْهِ فَلَا بَأْس بِأَن يقبلهَا مِنْهُ فَإِذا اشْتَرَاهَا حل لَهُ وَطْؤُهَا إِن أحب
وَكَذَلِكَ إِن كَانَ الَّذِي أَتَاهُ بِهِ طَعَاما أَو شرابًا أَو ثيابًا قد علم أَنَّهَا كَانَت لغيره فَأخْبرهُ بِبَعْض مَا وصفت فَلَا بَأْس بِأخذ ذَلِك مِنْهُ وَأكله وشربه فان كَانَ الَّذِي أَتَاهُ بِهِ غير ثِقَة فانه ينظر فِي ذَلِك فان كَانَ أكبر رَأْيه أَنه صَادِق فِيمَا قَالَ فَلَا بَأْس أَيْضا بشرَاء ذَلِك ووطئ الْجَارِيَة وَأكل ذَلِك وشربه ولباسه وقبوله مِنْهُ بِالْهبةِ وَالصَّدَََقَة وَإِن كَانَ أكبر رَأْيه وظنه أَنه كَاذِب فِيمَا قَالَ فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يعرض لشَيْء من ذَلِك
وَكَذَلِكَ لَو لم يعلم أَن ذَلِك الشَّيْء الَّذِي هُوَ فِي يَده حَتَّى أخبرهُ الَّذِي فِي يَده بِأَنَّهُ لغيره وَأَنه وَكله بِبيعِهِ أَو وهب لَهُ أَو تصدق بِهِ

(3/120)


عَلَيْهِ أَو اشْتَرَاهُ مِنْهُ فان كَانَ عدلا مُسلما ثِقَة صدقه بِمَا قَالَ وَإِن كَانَ عِنْده غير ثِقَة فان كَانَ أكبر رَأْيه وظنه أَنه صَادِق فِيمَا قَالَ فَلَا بَأْس بِالْقبُولِ فِي ذَلِك مِنْهُ وشراه وَإِن كَانَ أكبر رَأْيه أَنه كَاذِب فِيمَا قَالَ لم يقبل ذَلِك مِنْهُ وَلم يشتر من ذَلِك مِنْهُ
وَإِن كَانَ لم يُخبرهُ أَن ذَلِك الشَّيْء لغيره فَلَا بَأْس بشرَاء ذَلِك مِنْهُ وَإِن كَانَ غير ثِقَة وقبوله مِنْهُ مَا لم يعلم الَّذِي اشْتَرَاهُ أَو قيل لَهُ إِنَّه لغيره إِلَّا أَن يكون مثله لَا يملك مثل ذَلِك وَلَا يكون لَهُ فَأحب

(3/121)


إِلَى أَن يتنزه عَن ذَلِك وَلَا يعرض لَهُ بِالشِّرَاءِ وَلَا قبُول صَدَقَة وَلَا هبة فان اشْترى وَقبل وَهُوَ لَا يعلم أَنه لغيره وَأخْبرهُ أَنه لَهُ رَجَوْت أَنه فِي سَعَة من شراه وقبوله والتنزه أفضل
وَإِن كَانَ الَّذِي أَتَاهُ بذلك رجلا حرا أَو امْرَأَة حرَّة فَهُوَ بِمَنْزِلَة مَا ذكرت لَك فِي جَمِيع مَا ذكرت لَك وَإِن كَانَ الَّذِي أَتَاهُ عبدا أَو أمة فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يَشْتَرِي مِنْهُ شَيْئا وَلَا يقبل مِنْهُ هبة وَلَا صَدَقَة حَتَّى يسْأَله عَن ذَلِك وَإِن ذكر لَهُ أَن مَوْلَاهُ قد أذن لَهُ فِي بَيْعه وَفِي صدقته وَفِي هِبته فان كَانَ ثِقَة مَأْمُونا فَلَا بَأْس بِأَن يَشْتَرِي ذَلِك مِنْهُ وقبوله فان كَانَ غير ذَلِك فَهُوَ على مَا وَقع فِي قلبه من تَصْدِيقه وتكذيبه إِن كَانَ أكبر ظَنّه أَنه صَادِق فِيمَا قَالَ صدقه بقوله وَإِن كَانَ أكبر ظَنّه أَنه كَاذِب بِمَا قَالَ لم يَنْبغ لَهُ أَن يعرض فِي شَيْء من ذَلِك

(3/122)


وَكَذَلِكَ الْغُلَام الَّذِي لم يبلغ وَالْجَارِيَة الَّتِي لم تبلغ حرا كَانَ أَو مَمْلُوكا فَإِنَّهُ ينظر فِيمَا أَتَاهُ من ذَلِك وَفِيمَا أخبرهُ هَل أذن لَهُ فِي بَيْعه وصدقته وهبته وشراه فان كَانَ أكبر رَأْيه أَنه صَادِق فِيمَا قَالَ صدقه وَبَاعه وَاشْترى مِنْهُ وَقبل هِبته وصدقته وَإِن كَانَ أكبر رَأْيه أَنه كَاذِب فِيمَا قَالَ لم يَنْبغ لَهُ أَن يقبل من ذَلِك شَيْئا وَإِنَّمَا يصدق الصَّغِير وَالصَّغِيرَة من الْأَحْرَار إِذا قَالَا بعث بهَا إِلَيْك فلَان وأمرنا أَن نتصدق بِهِ عَلَيْك أَو نهبه لَك فان قَالَا المَال مالنا

(3/123)


قد أذن لنا أَبونَا أَن نتصدق بِهِ عَلَيْك أَو نهبه لَك لم يَنْبغ لَهُ أَن يَأْخُذهُ لِأَن أَمر الْوَالِد عَلَيْهِمَا فِي هَذَا لَا يجوز أَلا ترى أَن جَارِيَة لرجل أَو غُلَاما صَغِيرا أَو كَبِيرا لَو أَتَيَا رجلا بهدية فَقَالَا لَهُ بعث بِهَذِهِ إِلَيْك مَوْلَانَا نظر فِيمَا أَتَيَا بِهِ فان كَانَ أكبر رَأْيه أَنَّهُمَا قد صدقا صدقهما بِمَا قَالَا وَإِن كَانَ أكبر رَأْيه أَنَّهُمَا كذبا فِيمَا قَالَا لم يقبل من ذَلِك شَيْئا وَإِنَّمَا هَذَا على مَا يَقع فِي الْقلب من التَّصْدِيق والتكذيب أَو لَا ترى أَن رجلا مُحْتَاجا لَو أَتَاهُ عبد أَو أمة لرجل صغيرين أَو كبيرين بِدَرَاهِم فَقَالَا لَهُ إِن مَوْلَانَا بعث بِهِ إِلَيْك صَدَقَة نظر فِيمَا أَتَيَا بِهِ فَإِن وَقع فِي قلبه أَنَّهُمَا صادقان وَكَانَ على ذَلِك أكبر ظَنّه فَلَا بَأْس بِقبُول ذَلِك وَإِن كَانَ أكبر ظَنّه أَنَّهُمَا كاذبان لم يقبل من ذَلِك شَيْئا فَإِنَّمَا هَذَا وَنَحْوه على مَا يَقع فِي الْقُلُوب من التَّصْدِيق والتكذيب
وَلَو أَن رجلا علم أَن جَارِيَة لرجل يدعيها فرآها فِي يَد رجل يَبِيعهَا فَقَالَ إِنِّي قد علمت أَنَّهَا كَانَت لفُلَان يدعيها وَهِي فِي يَدَيْهِ فَقَالَ الَّذِي

(3/124)


فِي يَده قد كَانَت كَمَا ذكرت فِي يَدَيْهِ يدعيها أَنَّهَا 6 لَهُ وَكَانَت مقرة لَهُ بِالرّقِّ وَلكنهَا كَانَت لي وَإِنَّمَا أَمَرتهَا بذلك لأمر خفته وصدقته الْجَارِيَة بِمَا قَالَ وَالرجل ثِقَة مُسلم فَلَا بَأْس بشرائها مِنْهُ وَإِن كَانَ عِنْده كَاذِبًا فِيمَا قَالَ لم يَنْبغ لَهُ أَن يَشْتَرِيهَا مِنْهُ وَلَا يقبضهَا صَدَقَة وَلَا هبة وَلَو لم يقل لَهُ هَذَا القَوْل الَّذِي وصفت لَك وَلكنه قَالَ ظَلَمَنِي وغصبني فأخذتها مِنْهُ لم يَنْبغ لَهُ أَن يعرض لَهَا بشرى وَلَا هبة وَلَا صَدَقَة وَإِن كَانَ الَّذِي أخبرهُ بذلك ثِقَة أَو غير ثِقَة وَإِن

(3/125)


قَالَ لَهُ إِنَّه كَانَ ظَلَمَنِي وغصبني ثمَّ إِنَّه رَجَعَ عَن ظلمه فَأقر بهَا لي وَدفعهَا إِلَيّ فَإِن كَانَ ثِقَة مَأْمُونا فَلَا بَأْس بِأَن يقبل قَوْله ويشتريها إِن أحب ويقبلها هبة أَو صَدَقَة وَإِن قَالَ لم يقر بهَا لي وَلَكِن خاصمته إِلَى القَاضِي فأقمت عَلَيْهِ بَينه فَقضى القَاضِي عَلَيْهِ بذلك لي أَو اسْتَحْلَفته فَأبى الْيَمين فَقضى عَلَيْهِ بهَا فَهَذَا وَالْأول سَوَاء إِن كَانَ عِنْده ثِقَة

(3/126)


مَأْمُونا صدقه بِمَا قَالَ وَإِن كَانَ عِنْده غير ثِقَة وَكَانَ أكبر رَأْيه أَنه صَادِق فَلَا بَأْس بشرائها مِنْهُ وَإِن كَانَ أكبر رَأْيه أَنه كَاذِب لم يَنْبغ لَهُ أَن يَشْتَرِيهَا
وَكَذَلِكَ لَو قَالَ قضى لي القَاضِي عَلَيْهِ وَأَمرَنِي فأخذتها من منزله أَو قَالَ قضى بهَا القَاضِي عَلَيْهِ فأجبره فَأَخذهَا مِنْهُ وَدفعهَا إِلَى لم أر بَأْسا أَن يصدقهُ إِن كَانَ مَأْمُونا بهَا وَإِن كَانَ غير ثِقَة وَوَقع فِي قلبه أَنه صَادِق فَلَا بَأْس أَيْضا بشرائها مِنْهُ فَإِن قَالَ قضى لي القَاضِي فأخذتها من منزله بِغَيْر إِذْنه فَهَذَا وَالْأول سَوَاء

(3/127)


وَإِن قَالَ قضى لي بهَا القَاضِي فجحدني قَضَاءَهُ فأخذتها مِنْهُ لم يَنْبغ لَهُ أَن يَشْتَرِيهَا مِنْهُ وَإِنَّمَا هَذَا بِمَنْزِلَة قَوْله اشْتَرَيْتهَا مِنْهُ ونقدته ثمنهَا ثمَّ أَخَذتهَا بِغَيْر أمره من منزله فَلَا بَأْس بشرائها مِنْهُ إِذا كَانَ عِنْده صَادِقا فِي قَوْله
فَإِن قَالَ اشْتَرَيْتهَا مِنْهُ ونقدته الثّمن فجحدني الشِّرَاء فأخذتها من منزله بِغَيْر أمره فَهَذَا لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يَشْتَرِيهَا مِنْهُ فَصَارَ الشِّرَاء الَّذِي ادّعى فِي هَذَا الْوَجْه بِمَنْزِلَة ادعائه قَضَاء القَاضِي فِي جحوده الْقَضَاء وَغير جحوده
وَلَو قَالَ اشْتَرَيْتهَا من فلَان وقبضتها بأَمْره ونقدته الثّمن وَكَانَ عِنْده الَّذِي قَالَ لَهُ ذَلِك ثِقَة مَأْمُونا فَقَالَ لَهُ رجل آخر إِن فلَانا قد جحد هَذَا الشِّرَاء وَزعم أَنه لم يبع هَذَا شَيْئا وَالَّذِي قَالَ لَهُ أَيْضا ثِقَة مَأْمُون لم يَنْبغ لَهُ أَن يعرض لشَيْء مِنْهَا بشرَاء وَلَا صَدَقَة

(3/128)


وَلَا هبة وَلَا هَدِيَّة فان كَانَ الَّذِي أخبرهُ الْخَبَر الثَّانِي غير ثِقَة إِلَّا أَنه قد وَقع فِي قلبه أَنه صَادِق على ذَلِك أكبر ظَنّه لم يَنْبغ لَهُ أَيْضا أَن يقبلهَا مِنْهُ بِهِبَة وَلَا صَدَقَة وَلَا شِرَاء وَلَا غير ذَلِك فان كَانَ الَّذِي أخبرهُ الْخَبَر الثَّانِي لَيْسَ بِثِقَة وَكَانَ أكبر رَأْيه أَنه كَاذِب فِيمَا قَالَ فَلَا بَأْس بشرائها مِنْهُ وقبوله مِنْهُ الصَّدَقَة وَالْهِبَة والهدية فَإِن كَانَا جَمِيعًا غير ثِقَة إِلَّا أَنه يصدق الْقَائِل الثَّانِي بقوله وعَلى ذَلِك أكبر رَأْيه لم يقبل ذَلِك مِنْهُ شَيْئا لِأَن هَذَا شَيْء من أَمر الدّين وَعَلِيهِ أُمُور النَّاس فَإِن قَالَ قَائِل لَا يقبل هَذَا إِلَّا بِشَاهِدين عَدْلَيْنِ سوى المُشْتَرِي الَّذِي فِي يَده الْجَارِيَة ضَاقَ ذَلِك على الْمُسلمين أَلا ترى لَو أَن رجلا كَانَت فِي يَده

(3/129)


جواري وَطَعَام وَثيَاب وَقَالَ أَنا مضَارب فلَان دفع إِلَيّ مَالا وَأذن لي أَن أَشْتَرِي مَا أردْت فاشتريت بِهِ هَؤُلَاءِ الْجَوَارِي وَهَذَا الطَّعَام وَهَذَا الْمَتَاع أَنه لَا بَأْس بشري ذَلِك مِنْهُ ووطئ الْجَارِيَة أَرَأَيْت رجلا أقرّ أَنه مفاوض لفُلَان الْغَائِب وَأَن جَمِيع مَا فِي يَده من الرَّقِيق بَينه وَبَين فلَان أفما يَنْبَغِي للرجل من الْمُسلمين أَن يَشْتَرِي مِنْهُ جَارِيَة يَطَأهَا أَو غُلَاما يستخدمه هَذَا لَا بَأْس بِهِ وعَلى هَذَا أَمر النَّاس
أَرَأَيْت عبدا أَتَى أفقا من هَذِه الْآفَاق فَذكر أَن مَوْلَاهُ أذن لَهُ فِي التِّجَارَة أما يحل لأحد أَن يَشْتَرِي مِنْهُ شَيْئا وَلَا يَبِيع مِنْهُ شَيْئا حَتَّى يعلم أَن مَوْلَاهُ قد أذن لَهُ فِي التِّجَارَة فَهَذَا ضيق لَا يَنْبَغِي أَن يعْمل فِي هَذَا بِمَا يعْمل فِي الْأَحْكَام

(3/130)


قَالَ مُحَمَّد وَكَذَلِكَ سَمِعت أَبَا حنيفَة يَقُول فِي العَبْد الْمَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة وَلَو أَن النَّاس أخذُوا فِي هَذَا وَشبهه بِمَا يُؤْخَذ بِهِ فِي الْأَحْكَام فَقَالُوا لَا نجيز من هَذَا شَيْئا إِلَّا مَا يجوز فِي الْأَحْكَام بشاهدي عدل سوى ذَلِك الَّذِي فِي يَده ضَاقَ هَذَا على النَّاس وَلم يشتر رجل شَيْئا من مضَارب وَلَا من شريك وَلَا من وَكيل حَتَّى يشْهد شَاهدا عدل بِالشّركَةِ وَالْمُضَاربَة وَالْوكَالَة وَلم يَنْبغ لَهُ أَن يقبل جَائِزَة من ذِي سُلْطَان وَلَا هَدِيَّة من أَخ وَلَا من ولد وَلَا من ذِي رحم محرم حَتَّى يشْهد عِنْده بذلك شَاهدا عدل على مقَالَة الْوَاهِب والمجيز والمتصدق وَهَذَا قَبِيح ضيق لَيْسَ عَلَيْهِ أَمر النَّاس
مُحَمَّد قَالَ أخبرنَا أَبُو حنيفَة عَن الْهَيْثَم أَن عَاملا لعَلي بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أهْدى إِلَيْهِ جَارِيَة فَسَأَلَهَا أفارغة أَنْت أم مَشْغُولَة فَأَخْبَرته

(3/131)


أَن لَهَا زوجا فَكتب إِلَى عَامله إِنَّك بعثت إِلَيّ بهَا مَشْغُولَة أفترى أَن عَليّ بن أبي طَالب حِين أَتَتْهُ الْجَارِيَة كَانَ مَعَ الرَّسُول شَاهِدَانِ يَشْهَدَانِ أَن فلَانا عاملك أهداها إِلَيْك وَقد سَأَلَهَا أَيْضا أفارغة أَنْت أم مَشْغُولَة فَلَمَّا أخْبرته أَن لَهَا زوجا صدقهَا بذلك وكف عَنْهَا فَلم يسْأَلهَا غير ذَلِك إِلَّا أَنَّهَا لَو أخْبرته أَنَّهَا فارغة لم ير بِهِ بَأْسا بِوَطْئِهَا فَهَذَا الْأَمر عندنَا فِي قَوْله لَهَا وَلَو لم تكن عِنْده مصدقة فِي ذَلِك أَي الْقَوْلَيْنِ قالته لم يسْأَلهَا عَن شَيْء مِنْهُ وَإِن كَانَ أكبر الرَّأْي وَالظَّن ليجوز فِيمَا هُوَ أكبر من ذَلِك من الْفروج وَسَفك الدِّمَاء

(3/132)


- بَاب الرجل يدْخل بَيته إِنْسَان بسلاح
-
وَلَو أَن رجلا دخل على رجل منزله وَمَعَهُ السَّيْف فَلَا يدْرِي صَاحب الْمنزل مَا حَاله أهارب هُوَ من اللُّصُوص فألجأوه إِلَى منزله أَو لص دخل عَلَيْهِ ليَأْخُذ مَاله ويقتله إِن مَنعه أَو معتوه دخل عَلَيْهِ بِسَيْفِهِ يظنّ فِي ذَلِك فان كَانَ أكبر رَأْيه أَنه لص دخل عَلَيْهِ يُرِيد مَاله وَنَفسه وَخَافَ إِن زَجره أَو صَاح أَن يبادره الضَّرْبَة فيقتله فَلَا بَأْس أَن يشد عَلَيْهِ صَاحب الْبَيْت بِالسَّيْفِ فيقتله وَإِن كَانَ أكبر رَأْيه أَنه هرب من قوم أَرَادوا قَتله وَعرف الرجل فَإِذا هُوَ رجل من أهل الْخَيْر لَا يتهم بِسَرِقَة وَلَا قتل لم يَنْبغ لَهُ أَن يقْتله وَلَا يعجل على هَذَا بسفك دَمه بل يَدعه على مَا يَقع عَلَيْهِ رَأْيه وظنه عرفه أَو لم يعرفهُ

(3/133)


وَإِذا كَانَت الْجَارِيَة فِي يَد رجل يَدعِي أَنه اشْتَرَاهَا وَهُوَ ثِقَة مُسلم وسع الرجل أَن يَشْتَرِيهَا مِنْهُ ويقبلها مِنْهُ هَدِيَّة وَغير ذَلِك وَإِن كَانَ غير ثِقَة فَوَقع فِي قلبه أَنه صَادِق فَلَا بَأْس بِأَن يصدقهُ
وَكَذَلِكَ لَو لم تكن الْجَارِيَة فِي يَده وَلكنهَا كَانَت فِي منزل مَوْلَاهَا فَقَالَ لَهُ إِن مَوْلَاهَا أَمرنِي بِبَيْعِهَا وَدفعهَا إِلَى من اشْتَرَاهَا فَلَا بَأْس بشرائها مِنْهُ وَقَبضهَا من منزل مَوْلَاهَا بِأَمْر الَّذِي بَاعهَا أَو بِغَيْر أمره إِذا أوفى الثّمن كُله إِذا كَانَ الَّذِي بَاعه ثِقَة مُسلما أَو كَانَ عِنْده على غير ذَلِك وَهُوَ عِنْده صَادِق فِي رَأْيه وظنه فان وَقع فِي قلبه أَنه كَاذِب قبل أَن

(3/134)


يَشْتَرِيهَا أَو بعد مَا اشْتَرَاهَا قبل أَن يقبضهَا فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يعرض لَهَا حَتَّى يستأمر مَوْلَاهَا فِي أمرهَا وَكَذَلِكَ لَو قبضهَا وَوَطئهَا ثمَّ وَقع فِي قلبه أَن الَّذِي بَاعهَا قد كذب فِيمَا قَالَ وَكَانَ عَلَيْهِ أكبر ظَنّه ورأيه فانه يَنْبَغِي لَهُ أَن يعتزل وَطأهَا حَتَّى يسْأَل مَوْلَاهَا عَن ذَلِك أَو يَأْتِيهِ من يُخبرهُ مثل خَبره الأول مِمَّن يصدقهُ فَإِن أَتَاهُ ذَلِك فَلَا بَأْس بِوَطْئِهَا وَهَكَذَا أَمر النَّاس مَا لم يَجِيء التجاحد والتشاجر من الَّذِي كَانَ يملك الْجَارِيَة فَإِذا جَاءَ ذَلِك لم يقربهَا وردهَا عَلَيْهِ وَاتبع

(3/135)


البَائِع بِالثّمن فخاصمه فِيهِ وَيَنْبَغِي للْمُشْتَرِي أَن يدْفع إِلَى مولى الْجَارِيَة عقرهَا
فان كَانَ البَائِع حِين بَاعه شهد عِنْد المُشْتَرِي شَاهدا عدل أَن مَوْلَاهَا قد أَمر بِبَيْعِهَا فاشتراها بقولهمَا ونقده الثّمن وَقَبضهَا وَحضر مَوْلَاهَا فَجحد أَن يكون أمره فان المُشْتَرِي فِي سَعَة من مَنعه الْجَارِيَة حَتَّى يخاصمه إِلَى القَاضِي فَإِذا قضى لَهُ بهَا فَلَا يَسعهُ إِِمْسَاكهَا بِشَهَادَة الشَّاهِدين لِأَن الْقَضَاء القَاضِي أنفذ من الشَّهَادَة الَّتِي لم يقْض بهَا

(3/136)


- بَاب
-
وَلَو أَن رجلا تزوج امْرَأَة فَلم يدْخل بهَا حَتَّى غَابَ عَنْهَا فَأخْبر مخبر أَنَّهَا قد ارْتَدَّت عَن الْإِسْلَام وَبَانَتْ مِنْهُ وَأَرَادَ أَن يتَزَوَّج أَربع نسْوَة فان كَانَ الَّذِي أخبرهُ ذَلِك ثِقَة مُسلما عبدا حرا أَو محدودا فِي قذف أَو غير ذَلِك وَسعه أَن يصدقهُ ويتزوج أَرْبعا سواهَا فَإِن كَانَ الَّذِي أخبرهُ ذَلِك غير ثِقَة إِلَّا أَنه وَقع فِي قلبه أَنه صَادِق وَكَانَ على ذَلِك أكبر رَأْيه فَهَذَا وَالْأول سَوَاء وَإِن كَانَ أكبر رَأْيه أَنه كَاذِب فِيمَا قَالَ لم يَنْبغ لَهُ أَن يتَزَوَّج مَعهَا إِلَّا ثَلَاثًا

(3/137)


وَكَذَلِكَ لَو أَن رجلا تزوج جَارِيَة صَغِيرَة رضيعة ثمَّ غَابَ عَنْهَا فَأَتَاهُ رجل فَأخْبرهُ أَن أمه أَو ابْنَته أَو أُخْته أَو ظئره الَّتِي أَرْضَعَتْه أرضعت امْرَأَته الصَّغِيرَة وَهُوَ يُرِيد أَن يتَزَوَّج أَرْبعا سواهَا كَانَ هَذَا وَالْأول الَّذِي وصفت لَك من الرِّدَّة فِي جَمِيع مَا وصفت لَك سَوَاء وَإِن لم يقل هَذَا وَلكنه قَالَ كنت تَزَوَّجتهَا يَوْم تَزَوَّجتهَا وَهِي أختك من الرضَاعَة أَو تَزَوَّجتهَا يَوْم تَزَوَّجتهَا وَهِي مرتدة عَن الْإِسْلَام لم يَنْبغ لَهُ أَن يتَزَوَّج أَرْبعا وَإِن كَانَ الَّذِي أخبرهُ بذلك ثِقَة مُسلما حَتَّى يشْهد عِنْده شَاهدا عدل فَإِذا شهد بذلك شَاهدا عدل وَسعه أَن يتَزَوَّج أَرْبعا سواهَا

(3/138)


وَلَا يشبه هَذَانِ الْوَجْهَانِ إِذا أخبرهُ عَنْهُمَا الرجل الْوَاحِد الثِّقَة الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلين لِأَن الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلين النِّكَاح الَّذِي كَانَ فيهمَا جَائِز فِيمَا يزْعم الرجل ثمَّ إِنَّه حدث أَمر يُفْسِدهُ من ردة أَو رضَاع فَإِن كَانَ عِنْده ثِقَة فَلَا بَأْس بِأَن يصدقهُ وَالْوَجْه الآخر زعم الرجل أَن النِّكَاح الَّذِي كَانَ بَينهمَا كَانَ فَاسِدا فَهَذَا لَا يُفْسِدهُ شَهَادَة وَاحِد حَتَّى يشْهد عَلَيْهِ شَاهِدَانِ
أَلا ترى أَن امْرَأَة لَو غَابَ عَنْهَا زَوجهَا فَأَتَاهَا رجل عدل مُسلم ثِقَة فَأَخْبرهَا أَن زَوجهَا طَلقهَا ثَلَاثًا أَو مَاتَ عَنْهَا أَو كَانَ غير ثِقَة فَأَتَاهَا بِكِتَاب من زَوجهَا أَنه طَلقهَا ثَلَاثًا وَلَا يدْرِي أَكَانَ زَوجهَا هُوَ أم لَا إِلَّا أَن أكبر رأيها وظنها أَنه حق فَلَا بَأْس بِأَن تَعْتَد ثمَّ تتَزَوَّج بعد انْقِضَاء عدتهَا

(3/139)


وَكَذَلِكَ لَو أَن امْرَأَة قَالَت لرجل إِن زَوجي طَلقنِي ثَلَاثًا واعتددت بعد ذَلِك وَانْقَضَت عدتي فَوَقع فِي قلبه أَنَّهَا صَادِقَة فَلَا بَأْس بِأَن يَتَزَوَّجهَا بقولِهَا
وَكَذَلِكَ رجل طلق امْرَأَته ثَلَاثًا فغابت عَنهُ حينا ثمَّ أَتَتْهُ فَأَخْبَرته أَن عدتهَا قد انْقَضتْ مِنْهُ وَأَنَّهَا تزوجت زوجا غَيره فَدخل بهَا ثمَّ طَلقهَا فانقضت عدتهَا مِنْهُ فَلَا بَأْس بِأَن يَتَزَوَّجهَا ويصدقها إِذا كَانَت عِنْده ثِقَة أَو وَقع فِي قلبه أَنَّهَا صَادِقَة وَهَكَذَا أَمر النَّاس
وَلَو أَن رجلا أَتَاهَا فَأَخْبرهَا أَن أصل نِكَاحهَا كَانَ فَاسِدا أَو أَن

(3/140)


زَوجهَا كَانَ أخاها من الرضَاعَة أَو كَانَ مُرْتَدا كَافِرًا حِين تزَوجهَا لم يَنْبغ لَهَا أَن تتَزَوَّج بقوله وَلَا بعد انْقِضَاء الْعدة وَلَا قبل ذَلِك إِن كَانَ لم يدْخل بهَا لِأَنَّهُ صَمد لأصل النِّكَاح فَزعم أَنه فَاسد فَهَذَا مِمَّا لَا يصدق عَلَيْهِ الرجل الْوَاحِد وَإِن كَانَ ثِقَة فَإِذا قَالَ كَانَ أصل النِّكَاح صَحِيحا وَلكنه بَطل بِطَلَاق أَو موت أَو غير ذَلِك لم أر بَأْسا بِأَن يصدقهُ على ذَلِك وَإِنَّمَا هَذَا بِمَنْزِلَة رجل فِي يَده جَارِيَة يَدعِي رقبَتهَا وتقر لَهُ بِالْملكِ وجدهَا رجل قد علم ذَلِك فِي يَد رجل آخر فَأَرَادَ شراءها فَسَأَلَهُ عَنْهَا فَقَالَ الْجَارِيَة جاريتي وَقد كَانَ الَّذِي كَانَت فِي يَده كَاذِبًا فِيمَا ادّعى من ملكهَا لم يَنْبغ لهَذَا الرجل الَّذِي علم ذَلِك أَن يَشْتَرِيهَا مِنْهُ لِأَنَّهَا قد كَانَت فِي ملك الأول فَإِنَّمَا أَرَادَ هَذَا الثَّانِي نقض ملك الأول فَادّعى أَن ذَلِك الْملك لم يكن ملكا فَلَا يَنْبَغِي للَّذي علم ذَلِك أَن يصدقهُ فِيمَا قَالَ فَإِن قَالَ قد كَانَ يملكهَا كَمَا قَالَ وَلكنه وَهبهَا لي أَو تصدق بهَا عَليّ أَو اشْتَرَيْتهَا مِنْهُ وَسعه أَن يَشْتَرِيهَا مِنْهُ ويطأها لِأَنَّهُ لم يبطل الْملك الأول

(3/141)


وَكَذَلِكَ الْجَارِيَة نَفسهَا لَو كَانَت فِي يَد رجل يَدعِي أَنَّهَا جَارِيَته وَهِي صَغِيرَة فِي يَده لَا تعبر عَن نَفسهَا بجحود وَلَا إِقْرَار ثمَّ كَبرت على ذَلِك فلقيها رجل قد علم ذَلِك فِي بلد آخر فَأَرَادَ أَن يَتَزَوَّجهَا ويطأها فَقَالَت لَهُ أَنا حرَّة الأَصْل وَلم أكن أمة للَّذي كنت فِي يَده ثمَّ يَسعهُ أَن يَتَزَوَّجهَا ويطأها وَلَو قَالَت كنت أمته فأعتقني وَكَانَت عِنْده ثِقَة أَو وَقع فِي قلبه أَنَّهَا صَادِقَة لم أر بَأْسا أَن يَتَزَوَّجهَا
وَكَذَلِكَ الْحرَّة نَفسهَا لَو تزوجت رجلا ثمَّ أَتَت غَيره فَأَخْبَرته أَن نِكَاحهَا الأول كَانَ فَاسِدا أَو أَن زَوجهَا الَّذِي كَانَ تزَوجهَا كَانَ على غير دين الْإِسْلَام لم يَنْبغ لَهُ أَن يصدقها وَلَا يَتَزَوَّجهَا وَلَو قَالَت إِنَّه طَلقنِي بعد ذَلِك أَو ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام فبنت مِنْهُ أَو أقرّ بعد النِّكَاح أَنه كَانَ مُرْتَدا يَوْم تزَوجنِي أَو أقرّ بعد النِّكَاح أَنِّي كنت أُخْته من الرضَاعَة وَبنت على ذَلِك فان كَانَت عِنْده ثِقَة مَأْمُونَة أَو كَانَت على

(3/142)


غير ذَلِك وَكَانَ أكبر رَأْيه وظنه أَنَّهَا صَادِقَة فَلَا بَأْس بِأَن يَتَزَوَّجهَا فَكَذَلِك هَذَا وَمَا أشبهه إِذا صمدت لأصل النِّكَاح أَو صمدت لذَلِك فَزَعَمت أَنه بَاطِل لم يصدقها على ذَلِك إِلَّا بِشَاهِدين عَدْلَيْنِ كَمَا يصدق فِي الحكم وَإِن أقرَّت بِأَصْل النِّكَاح وَالْملك ثمَّ ادَّعَت أَمر أبْطلهُ صدقت على مَا وصفت لَك وَلَا تستقيم الْأَشْيَاء إِلَّا على هَذَا وَنَحْوه
وبلغنا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن عَائِشَة أعتقت بَرِيرَة

(3/143)


فأتتها بِشَيْء تهديه إِلَيْهَا فَأَخْبَرتهَا أَنه صَدَقَة تصدق بِهِ عَلَيْهَا فَلَمَّا جَاءَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كرهت عَائِشَة أَن تطعمه حَتَّى تعلمه خَبره فَأَخْبَرته خَبره فَقَالَ هاتيه فانه لَهَا صَدَقَة وَهُوَ لنا هَدِيَّة وَقد صدقت

(3/144)


بَرِيرَة بقولِهَا وصدقت عَائِشَة بقولِهَا وَقد ادَّعَت الْهَدِيَّة فَلَو كَانَ هَذَا غير طَعَام لَكَانَ بِمَنْزِلَة الطَّعَام وَمَا كَانَ بَينهمَا افْتِرَاق
- بَاب الرجل يقر أَنه قتل أَخا فلَان أَو أَبَاهُ
-
قَالَ مُحَمَّد وَإِذا رأى الرجل رجلا يقتل أَبَاهُ مُتَعَمدا فَأنْكر الْقَاتِل أَن يكون قَتله أَو قَالَ لِابْنِهِ فِيمَا بَينه وَبَينه إِنِّي قتلت أَبَاك أَنه قتل وليي فلَانا عمدا أَو قَالَ إِن أَبَاك ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام فاستحللت قَتله بذلك وَلَا يعلم الابْن شَيْئا مِمَّا قَالَ الْقَاتِل وَلَا وَارِث للمقتول غير

(3/146)


ابْنه هَذَا فالابن فِي سَعَة من قتل الْقَاتِل إِن أَرَادَ قَتله
وَمن رَآهُ قتل أَبَاهُ مَعَ الابْن فَهُوَ فِي سَعَة من إِعَانَة عَلَيْهِ حَتَّى يقْتله وَكَذَلِكَ لَو لم يره قَتله وَلكنه أقرّ بذلك بَين يَدَيْهِ ثمَّ ادّعى بعد مَا وصفت لَك فَلَمَّا طلبه بقتْله جحد أَن يكون أقرّ بِهِ فالابن فِي سَعَة من قَتله وَمن سَمعه يقر بذلك أَيْضا فِي سَعَة من إِعَانَة الابْن وَلَو لم يره الابْن قَتله وَلم يقر بَين يَدَيْهِ بذلك وَلَكِن شهد عِنْده على مُعَاينَة الْقَتْل بالعمد أَو على إِقْرَاره شَاهدا عدل وَهُوَ يجْحَد ذَلِك لم يسع

(3/147)


الله تبَارك وَتَعَالَى رَضِي الله عَنْهُن الرب عز وَجل ابْن الْمَقْتُول أَن يقتل الْمَشْهُود عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِمَا حَتَّى يقْضِي عَلَيْهِ بذلك الإِمَام وَلَا يسع من حضر شَهَادَة الشَّاهِدين مِمَّن يعدلهما ويعرفهما بِشَهَادَتِهِمَا أَن يُعينهُ على قَتله بِشَهَادَتِهِمَا حَتَّى يقْضِي لَهُ بِشَهَادَتِهِمَا فَإِذا قضى لَهُ الإِمَام بذلك وَسعه قَتله بِشَهَادَتِهِمَا وَإِن لم يعلم ذَلِك يَقِينا ووسع من حضر قَضَاء الإِمَام بذلك أَن يُعينهُ على ذَلِك وَلَا يشبه شَهَادَتهمَا قبل قَضَاء الإِمَام بهَا مُعَاينَة الْقَتْل وَإِقْرَار الْقَاتِل بذلك لِأَن الشَّهَادَة قد تكون حَقًا وباطلا وَهُوَ يقْتله على وُجُوه بَعْضهَا يحل وَبَعضهَا لَا يحل فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يقْتله حَتَّى يقْضِي لَهُ الإِمَام بِشَهَادَتِهِمَا
فَإِن عاين الرجل قتل أَبِيه عمدا أَو كَانَ الرجل أقرّ لَهُ بذلك سرا ثمَّ أَقَامَ عِنْده شَاهِدين عَدْلَيْنِ يعرفهما الابْن بذلك أَن أَبَاهُ كَانَ ارْتَدَّ حِين قَتله هَذَا الْقَاتِل أَو شَهدا عِنْده بِأَن أَبَاهُ كَانَ قتل أَبَا هَذَا الْقَاتِل عمدا فَقتله بِهِ فانه يَنْبَغِي للِابْن أَن لَا يعجل بقتْله حَتَّى ينظر فِيمَا شهد بِهِ

(3/148)


وَكَذَلِكَ من حضر قتل أَبِيه أَو أقرّ الْقَاتِل بذلك لم يَنْبغ لَهُ أَن يُعينهُ على شَيْء من ذَلِك إِذا كَانَ قد شهد عِنْده بِمَا وصفت لَك شَاهدا عدل
وَكَذَلِكَ لَو كَانَ الإِمَام قضى لَهُ بالقود على قَاتل أَبِيه ثمَّ شهد عِنْده شَاهدا عدل أَن أَبَاهُ كَانَ مُرْتَدا حِين قَتله هَذَا الْقَاتِل أَو كَانَ قتل وليا لهَذَا الْقَاتِل فَقتله بِهِ فَلَيْسَ يَنْبَغِي للِابْن فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى أَن يعجل بقتل هَذَا الْقَاتِل حَتَّى ينظر فِي ذَلِك ويتثبت وَلَا يَنْبَغِي لمن حضر قَضَاء القَاضِي وَحضر شَهَادَة الشَّاهِدين بِمَا شَهدا بِهِ وهما عِنْده عَدْلَانِ أَن يُعينهُ على قَتله فَإِن كَانَ الَّذِي شَهدا عِنْده محدودين فِي قذف وهما عَدْلَانِ أَو هما عَبْدَانِ وهما عَدْلَانِ فِي مقالتهما أَو نسْوَة عدُول لَا رجل مَعَهُنَّ فَإِنَّهُ فِي سَعَة من قَتله لِأَن شَهَادَة هَؤُلَاءِ مِمَّا لَا تبطل بِهِ الْحُقُوق وَلكنه إِن تثبت

(3/149)


حَتَّى ينظر وَيسْأل كَانَ خيرا لَهُ وَإِن شهد بذلك شَاهد وَاحِد عدل مِمَّن تجوز شَهَادَته وَقَالَ الْقَاتِل عِنْدِي شَاهد مثله فَإِنِّي استحسنت لَهُ أَن لَا يعجل بقتْله حَتَّى ينظر أيأتيه بِشَاهِد آخر أم لَا وَإِن قَتله قبل أَن يتأنى كَانَ عِنْدِي فِي سَعَة وَلَكِن التثبت أفضل لِأَن الْقَتْل إِذا كَانَ لم يسْتَطع الرُّجُوع فِيهِ للْقَاضِي أَن يَأْمُرهُ بِهِ
أَلا ترى أَن القَاضِي لَا يبطل

(3/150)


حَقه الَّذِي حكم لَهُ بِهِ بقول هَؤُلَاءِ فَكَذَلِك الْوَلِيّ لَا يبطل حَقه وَلَا يَأْثَم عندنَا بِأَخْذِهِ إِيَّاه إِذا كَانَ القَاضِي لَا يُبطلهُ بِشَهَادَة من شهد عِنْده أَرَأَيْت إِن شهد عِنْد القَاضِي هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذين وصفت لَك من المحدودين فِي الْقَذْف وَالْعَبِيد وَالنِّسَاء وهم عِنْد القَاضِي عدُول مُسلمُونَ غير متهمين فِي شَهَادَتهم أينبغي للْقَاضِي أَن يمْضِي حكمه الأول ويعين الْوَلِيّ على قَتله وَيَنْبَغِي لمن حضر القَاضِي أَن يعين الْوَلِيّ على قتل الْقَاتِل بِعِلْمِهِ وَيَنْبَغِي ذَلِك لَهُم وَلَا يسعهم إِلَّا ذَلِك فَكَمَا لَا يسع القَاضِي وَلمن حَضَره إِلَّا أَن يعين الْوَلِيّ على قَتله فَكَذَلِك يسع الْوَلِيّ أَن يقْتله
- بَاب الرجل يكون عِنْده مَتَاع فَيشْهد أَنه غصبه
-
وَلَو أَن عبدا أَو ثوبا أَو مَالا كَانَ فِي يَدي رجل فَشهد شَاهِدَانِ لرجل أَن هَذَا الشَّيْء كَانَ لِأَبِيهِ غصبه مِنْهُ هَذَا الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ وَالَّذِي ذَلِك الشَّيْء فِي يَده يجْحَد مَا قَالَا وَيَزْعُم أَنه لَهُ فَلَيْسَ يَنْبَغِي للْوَارِث أَن يَأْخُذ الشَّيْء من يَدي الَّذِي ذَلِك الشَّيْء فِي يَدَيْهِ بِشَهَادَتِهِمَا وَإِن كَانَا

(3/151)


عَدْلَيْنِ حَتَّى يقْضِي لَهُ بِهِ القَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا فَإِذا قضى لَهُ القَاضِي بذلك وَسعه أَخذه وَإِن لم يعلم يَقِينا أَن الْأَمر كَمَا شهد بِهِ فَأَما مَا لم يقْض بِهِ القَاضِي فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَخذه لِأَنَّهُ إِنَّمَا شَهدا أَن ذَلِك الشَّيْء لأبي الْوَارِث لِأَنَّهُمَا رَأيا ذَلِك فِي يَدَيْهِ وشهدا أَن هَذَا مَا أَخذه مِنْهُ وَقد يَأْخُذ الرجل من الرجل الشَّيْء يكون فِي يَده وَذَلِكَ الشَّيْء للآخذ فَيكون الْآخِذ قد أَخذ مِنْهُ حَقه والشاهدان لَا يعلمَانِ فيشهدان بِالظَّاهِرِ مِمَّا رَأيا فيسعهما ذَلِك يكون الْآخِذ الْمَشْهُود عَلَيْهِ آخذ مِنْهُ بِشَهَادَتِهِمَا شَيْئا هُوَ لَهُ فَلذَلِك قُلْنَا لَا يَنْبَغِي للشُّهُود لَهُ أَن يَأْخُذ ذَلِك الشَّيْء بِشَهَادَتِهِمَا حَتَّى يقْضِي لَهُ بذلك القَاضِي وَلِأَنَّهُمَا أَيْضا قد يَشْهَدَانِ بِالْحَقِّ وَالْبَاطِل

(3/152)


فَأَما إِذا قضى القَاضِي بذلك وَسعه أَخذه
وَلَو كَانَ الْوَارِث عاين الَّذِي ذَلِك الشَّيْء فِي يَده وَهُوَ يَأْخُذ من يَدي أَبِيه وَسعه أَخذه مِنْهُ وقتاله عَلَيْهِ ووسع من عاين ذَلِك مَعَه إعانته عَلَيْهِ وَإِن أَتَى ذَلِك على نَفسه إِذا امْتنع وَهُوَ فِي مَوضِع لَا يقدر فِيهِ على سُلْطَان يَأْخُذ لأحد بِحقِّهِ وَكَذَلِكَ لَو أقرّ بِمَا شهد بِهِ الشَّاهِدَانِ عَلَيْهِ فَأقر بذلك عِنْد الْوَارِث وَادّعى أَنه كَانَ لَهُ وسع الْوَارِث أَخذ ذَلِك مِنْهُ ووسع من حضر إِقْرَاره إعانته عَلَيْهِ وَالدَّوَاب وَغير ذَلِك
وَلَو شهد شَاهِدَانِ عَلَيْهِ أَنه أقرّ أَن هَذَا الشَّيْء بِعَيْنِه كَانَ لأبي هاذ الْوَارِث وَأَنه غصبه مِنْهُ وَهُوَ يجْحَد ذَلِك لم يسع الْوَارِث أَن يَأْخُذ مِنْهُ

(3/153)


بِشَهَادَتِهِمَا حَتَّى يقْضِي لَهُ بذلك القَاضِي عَلَيْهِ فَإِذا قضى بذلك عَلَيْهِ وَسعه أَخذ ذَلِك مِنْهُ وَإِن لم يعلم يَقِينا لِأَن الشَّاهِدين إِذا لم يقْض القَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا فَلَيْسَ يدْرِي الْمَشْهُود لَهُ أصادقان أم كاذبان وَقد يَقُول الرجل أَيْضا الْحق وَالْبَاطِل وَقد يقر أَيْضا ثمَّ يَشْتَرِي بعد ذَلِك أَو يملكهُ بِوَجْه من الْوُجُوه غير الشِّرَاء من الْوَصِيَّة يُوصي بهَا الْمَيِّت وَغير ذَلِك فَلَيْسَ يَنْبَغِي للْوَارِث أَن يَأْخُذ ذَلِك مِنْهُ وَإِن قوي عَلَيْهِ إِلَّا بقضية قَاض وَلَا يَنْبَغِي لمن سمع شَهَادَة الشَّاهِدين أَن يُعينهُ على ذَلِك حَتَّى يقْضِي بِهِ القَاضِي عَلَيْهِ فَإِذا قضى بذلك القَاضِي وسع لمن حضر قَضَاءَهُ أَن يُعينهُ على أَخذه حَتَّى يَدْفَعهُ إِلَى الْوَارِث فَإِذا امْتنع بِدَفْعِهِ فِي مَوضِع لَا يقدر فِيهِ على سُلْطَان يَأْخُذهُ فيدفعه إِلَيْهِ وسع الْوَارِث وَمن حضر قَضَاء القَاضِي إِن امْتنع عَلَيْهِم بِدَفْعِهِ قِتَاله وَقَتله حَتَّى يُؤْخَذ مِنْهُ فَيدْفَع إِلَى الْوَارِث
وَكَذَلِكَ لَو حضر الْوَارِث إِقْرَار الَّذِي كَانَ الشَّيْء فِي يَده بِمثل مَا شهد بِهِ الشَّاهِدَانِ وَسعه أَخذه مِنْهُ وقتاله عَلَيْهِ ووسع من حضر مَعَه إعانته عَلَيْهِ حَتَّى يستنقذوا ذَلِك من يَده
وَلَو أَن رجلا كَانَت لَهُ امْرَأَة فَيشْهد عِنْدهَا شَاهِدَانِ عَدْلَانِ

(3/154)


أَن زَوجهَا طَلقهَا ثَلَاثًا وَهُوَ يجْحَد ذَلِك ثمَّ غابا أَو مَاتَا قبل أَن يشهدَا عِنْد القَاضِي بذلك لم يسع امْرَأَته أَن تقيم عِنْده وَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَة سماعهَا لَو سمعته يطلقهَا وَلَا يشبه شَهَادَة الشَّاهِدين فِي هَذَا الْوَجْه مَا وصفت لَك قبله من الْقَتْل وَالْأَمْوَال لِأَن الطَّلَاق لَا ينْتَقض بِوَجْه من الْوُجُوه وَلَا يكون أبدا إِلَّا طَلَاقا وَلَا تكون الْمَرْأَة بِهِ أبدا إِلَّا بَائِنا
فَإِن قَالَ قَائِل قد يُطلق الرجل غير امْرَأَته فَلَا يكون ذَلِك طَلَاقا قيل لَهُ فَهِيَ حرَام عَلَيْهِ بِأحد الْوَجْهَيْنِ إِمَّا أَن تكون غير

(3/155)


زوجه فَلَا يَسعهُ أَن يقربهَا وَلَا يَسعهَا أَن تَدعه أَو تكون زَوْجَة لَهُ قد أَبَانهَا بِالطَّلَاق فَصَارَت بذلك غير زَوْجَة فَحرم بذلك فرجهَا فَلَا يَنْبَغِي لَهَا أَن تَدعه أَن يقربهَا أَي الْوَجْهَيْنِ كَانَت عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الَّذِي يُرِيد أَن يبطل شَهَادَة الشَّاهِدين لَا يُبْطِلهَا إِلَّا بخصلة وَاحِدَة الطعْن فِي شَهَادَتهمَا وَلَا ترد بالتهمة وَلَو وسع هَذَا لوسع غَيره
أَرَأَيْت رجلَيْنِ عَدْلَيْنِ أَو أَكثر من ذَلِك شَهدا عِنْد رجل وَامْرَأَته أَنَّهُمَا أرضعا وهما صغيران فِي الْحَوْلَيْنِ من امْرَأَة وَاحِدَة وأثبتوا ذَلِك ووصفوه أيسع الرجل وَامْرَأَته أَن يُقِيمَا على نِكَاحهمَا ويكذبا الشُّهُود حَتَّى يقْضِي القَاضِي بالفرقة بَينهمَا أَرَأَيْت لَو مَاتَ الشُّهُود قبل أَن يتقدموا إِلَى القَاضِي أَو غَابُوا أَكَانَ يسع هذَيْن أَن يُقِيمَا على نِكَاحهمَا وهما يعرفان أَن الشُّهُود عدُول مرضيون فَهَذَا لَا يَنْبَغِي الْمقَام عَلَيْهِ من وَاحِد مِنْهُمَا من الزَّوْج وَلَا من الْمَرْأَة
أَرَأَيْت لَو شهِدت الشُّهُود بذلك عِنْد القَاضِي أَو بِالطَّلَاق الَّذِي وصفت لَك فَلم يعرف القَاضِي عدل الشُّهُود وَسَأَلَ عَنْهُمَا القَاضِي فَلم يعرفوا بِتِلْكَ الْبِلَاد وَالرجل وَالْمَرْأَة

(3/156)


أَو أَحدهمَا يعرف الشُّهُود بِالْعَدْلِ وَالرِّضَا أينبغي لَهما بعد الْمعرفَة بذلك أَن يُقِيمَا على النِّكَاح لَيْسَ يَنْبَغِي الْمقَام على هَذَا النِّكَاح بعد الَّذِي وصفت لَك إِن قضى القَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا أَو لم يقْض وَلَكِن الْمَرْأَة الَّتِي شهد عِنْدهَا الشُّهُود بِالطَّلَاق أَو شهدُوا عِنْدهَا بِالرّضَاعِ إِن جحد الزَّوْج ذَلِك وَأَرَادَ الْمقَام عَلَيْهَا لم يَسعهَا الْمقَام مَعَه فان هربت مِنْهُ وامتنعت عَلَيْهِ وقهرته وَكَانَت على ذَلِك قادرة بسُلْطَان أَو غير ذَلِك لم يَسعهَا أَن تَعْتَد ثمَّ تتَزَوَّج وَلَا يَسعهَا أَن تَدعه أَن يقربهَا
وَكَذَلِكَ إِن سمعته طَلقهَا ثَلَاثًا ثمَّ جحد وَحلف أَنه لم يفعل فَردهَا القَاضِي عَلَيْهِ لم يَسعهَا الْمقَام مَعَه وَلَا يَسعهَا أَن تَعْتَد وتتزوج لِأَن

(3/157)


الْحَاكِم حكم بِأَنَّهَا زَوجته فَلَا يَنْبَغِي لَهَا أَن تتَزَوَّج غَيره فتركب بذلك أمرا حَرَامًا عِنْد الْمُسلمين تكون بِهِ عِنْدهم فاجرة وَلَا يشبه هَذَا فِيمَا وصفت لَك قَضَاء القَاضِي بِهِ فِيمَا يخْتَلف فِيهِ مِمَّا يرى الزَّوْج فِيهِ خلاف مَا يرى القَاضِي
وَلَو أَن رجلا قَالَ لامْرَأَته اخْتَارِي فَاخْتَارَتْ نَفسهَا وَهُوَ يرى أَن ذَلِك تَطْلِيقَة بَائِنَة وَالْمَرْأَة لَا ترى ذَلِك طَلَاقا فقدمته إِلَى القَاضِي وَطلبت نَفَقَتهَا وكسوتها فَقَالَ الرجل للْقَاضِي وَإِنِّي خيرتها فَاخْتَارَتْ نَفسهَا فَبَانَت بذلك وَالْقَاضِي يرى أَنَّهَا تَطْلِيقَة تملك الرّجْعَة وَهِي على حَالهَا فَقضى بِأَنَّهَا امْرَأَته وَأَنه يملك الرجل جَازَ قَضَاء القَاضِي عَلَيْهِمَا بذلك ووسع الرجل أَن يُرَاجِعهَا ويمسكها
وَكَذَلِكَ لَو كَانَت الْمَرْأَة هِيَ الَّتِي ترى ذَلِك طَلَاقا بَائِنا وَالرجل لَا يرى ذَلِك فخاصمها إِلَى القَاضِي أَنه يملك الرّجْعَة فَإِن

(3/158)


ذَلِك جَائِز من القَاضِي وَلَا يسع الْمَرْأَة أَن تفارق زَوجهَا إِذا رَاجعهَا

(3/159)


وَكَذَلِكَ هَذَا فِي جَمِيع مَا يخْتَلف فِيهِ من الْأَقْضِيَة إِذا رأى الرجل ذَلِك حَرَامًا أَو رَأَتْهُ الْمَرْأَة وَقضى القَاضِي بِأَنَّهُ حَلَال وسع الَّذِي رأى ذَلِك حَرَامًا أَن يرجع إِلَى قَضَاء القَاضِي وَيَأْخُذ بِهِ ويدع مَا رأى من ذَلِك لَا يَسعهُ غَيره فِي كل حق يلْزمه فَأَما أَمر لَو علم بِهِ القَاضِي لأنفذه وَحرم الْفرج بِهِ وَلكنه لم يمنعهُ من أَن يحرم الْفرج إِلَّا أَنه لم يُعلمهُ فَرد القَاضِي الْمَرْأَة على زَوجهَا بذلك وَالْمَرْأَة تعلم خلاف مَا يعلم القَاضِي فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهَا أَن تلْتَفت إِلَى شَيْء من إحلال القَاضِي وَلَا غير ذَلِك

(3/160)


وَلكنهَا أَيْضا لَا تقدم على إحلال فرج قد حرمه القَاضِي فَأخذ فِي ذَلِك بالثقة فَلَا يَسعهَا الْمقَام مَعَ زَوجهَا الأول وَلَا يَسعهَا أَن تتَزَوَّج غَيره
وَكَذَلِكَ إِذا شهد شَاهدا عدل على رجل أَنه أعتق جَارِيَته هَذِه أَو شَهدا عَلَيْهِ أَنه أقرّ بِعتْقِهَا فَلَيْسَ يَسعهَا أَن تَدعه يُجَامِعهَا قضى بِشَهَادَتِهِمَا أَو لم يقْض وَلَا يَسعهَا أَن تتَزَوَّج إِذا كَانَ يجْحَد الْعتْق
وَكَذَلِكَ العَبْد إِذا شهد بِعِتْقِهِ وَالْمولى يجْحَد ذَلِك وهما معدلان عِنْد العَبْد لم يسع العَبْد أَن يتَزَوَّج بِشَهَادَتِهِمَا حَتَّى يقْضِي لَهُ القَاضِي بِالْعِتْقِ وَلَا يشبه الْعتْق وَالطَّلَاق وَالرّضَاع مَا وصفت لَك من قبله من الْأَمْوَال وَغَيرهَا لِأَن الْعتْق وَالطَّلَاق وَالرّضَاع لَا يُبطلهُ شَيْء من الْأَشْيَاء على وَجه من الْوُجُوه فَلذَلِك كَانَت الشَّهَادَة فِيهِ بِقَضَاء القَاضِي أَو بِغَيْر قَضَاء القَاضِي سَوَاء فَأَما مَا سوى ذَلِك من الْعمد وَغَيره

(3/161)


فقد يبطل بِالْعَفو من ولى الدَّم وَإِلَى الْقود وَفِيمَا دون الدَّم بالحقوق وبأشياء كَثِيرَة على وُجُوه مُخْتَلفَة فَلذَلِك افْتَرَقت هَذِه الْأَشْيَاء فِي غير قَضَاء القَاضِي إِذا شهد بهَا الشُّهُود الْعُدُول
وَلَو أَن رجلا كَانَ متوضأ فَوَقع فِي قلبه أَنه أحدث وَكَانَ على ذَلِك أكبر رَأْيه فأفضل ذَلِك أَن يُعِيد الْوضُوء وَإِن لم يفعل وَصلى على وضوئِهِ الأول كَانَ عندنَا فِي سَعَة لِأَنَّهُ عندنَا على وضوء حَتَّى يستيقن بِالْحَدَثِ
وَإِن أخبرهُ مُسلم ثِقَة أَو امْرَأَة ثِقَة مسلمة حرَّة أَو مَمْلُوكَة أَنَّك أحدثت أَو نمت مُضْطَجعا أَو رعفت لم يَنْبغ لَهُ أَن يُصَلِّي حَتَّى يتَوَضَّأ
وَلَا يشبه هَذَا مَا وصفت لَك قبله من الْحُقُوق لِأَن هَذَا أَمر الدّين فالواحد فِيهِ حجَّة إِذا كَانَ عدلا والحقوق لَا يجوز فِيهَا إِلَّا مَا يجوز فِي الحكم
وَإِن أحدث رجل فاستيقن بِالْحَدَثِ ثمَّ كَانَ أكبر رَأْيه أَنه تَوَضَّأ فانه لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يُصَلِّي حَتَّى يستيقن بِالْوضُوءِ
فَإِن أخبرهُ رجل مُسلم ثِقَة أَو امْرَأَة حرَّة أَو أمة أَنه قد تَوَضَّأ أَو أخبرهُ من لَا يعرف بِالْعَدَالَةِ

(3/162)


فَوَقع فِي قلبه أَنَّهُمَا صدقا فِيمَا قَالَا وَسعه أَن يُصَلِّي وَإِن لم يحدث وضوء فان كَانَ الرجل يبتلى بذلك كثيرا وَيدخل عَلَيْهِ فِي الشَّيْطَان فاستيقن بِالْحَدَثِ واستيقن أَنه قعد للْوُضُوء فَكَانَ أكبر رَأْيه أَنه تَوَضَّأ وَسعه عندنَا أَن يمْضِي على أكبر رَأْيه
أَلا ترى أَن رجلا لَو كَانَ شكّ فِي الصَّلَاة كثيرا فَدخل فِي الصَّلَاة ثمَّ لم يدركهم صلى مضى على أكبر رَأْيه وظنه وَكَذَلِكَ لَو شكّ فِي التَّكْبِير الأول فَلم يدر أكبر أم لَا إِلَّا أَنه فِي الصَّلَاة وَمضى على أكبر رَأْيه وظنه أجزاه ذَلِك وَإِن كَانَ قد فرغ من صلَاته ثمَّ عرض لَهُ شكّ فِي شَيْء مِمَّا وصفت لَك لم يلْتَفت إِلَيْهِ وأجزته صلَاته
وَكَذَلِكَ الْوضُوء إِذا قَامَ عَنهُ عَن تَمام فِي نَفسه ثمَّ عرض لَهُ شكّ فِي مسح الرَّأْس وَغَيره لم يلْتَفت إِلَى شَيْء من ذَلِك
وَإِذا أودع رجل مَالا عِنْد رجل ثمَّ أَتَاهُ يَطْلُبهُ فَأخْبرهُ أَنه كَانَ دَفعه إِلَيْهِ فَوَقع فِي قلبه أَنه صَادِق وَلَا يدْرِي أكاذب هُوَ أم لَا إِلَّا أَنه

(3/163)


عِنْده ثِقَة مُسلم فَإِن صدقه وَأخذ بقوله فَذَلِك فضل أَخذه بِهِ وَهُوَ أحسن من غَيره وَإِن أَبى إِلَّا طلب حَقه وَأَرَادَ استحلافه عِنْد القَاضِي على ذَلِك فَهُوَ من ذَلِك فِي سَعَة لِأَن الرجل وَإِن كَانَ عدلا فَهُوَ غير مَأْمُون فِيمَا يطْلب لنَفسِهِ وَفِيمَا يطْلب بِهِ فان أَبى الْيَمين وسع رب المَال أَن يَأْخُذ مِنْهُ المَال وَإِن أَرَادَهُ على الْيَمين فاقتدى يَمِينه بغرم المَال أَو بعضه أَو صَالحه على شَيْء مِنْهُ أَو من غَيره وسع رب المَال أَخذ ذَلِك مِنْهُ
وَكَذَلِكَ إِن قَالَ ضَاعَ المَال مني وَهُوَ عِنْده عدل ثِقَة فَالْأَفْضَل أَن يكف عَنهُ وَإِن طَالبه الْيَمين فَحلف لَهُ على ذَلِك عِنْد غير قَاض فَأبى إِلَّا أَن يستحلفه عِنْد القَاضِي وَسعه أَن يُطَالِبهُ بِالْيَمِينِ عِنْد القَاضِي لِأَنَّهُ حق لَهُ فِي عُنُقه أَن يحلف لَهُ عِنْد الْحَاكِم إِذا لم يعلم أَنه صَادِق فِيمَا قَالَ فَإِن استحلفه عِنْد الْحَاكِم فنكل عَن الْيَمين وَسعه أَن يَأْخُذ المَال مِنْهُ
وَكَذَلِكَ إِن أَرَادَ استحلافه فَافْتدى يَمِينه بِجَمِيعِ المَال أَو بعضه فَهُوَ فِي سَعَة من أَخذ ذَلِك مِنْهُ حَتَّى يعلم أَنه قد أضاع أَو دَفعه إِلَيْهِ

(3/164)


وَلَو لم يكن المَال عِنْده وَدِيعَة وَلَكِن كَانَ دينا عَلَيْهِ فَأَتَاهُ يتقاضاه وَقَالَ إِنِّي قد دَفعته إِلَيْك وَكَانَ عِنْده عدلا ثِقَة وَوَقع فِي قلبه أَنه صَادِق وَأَن مثله لَا يَقُول إِلَّا حَقًا إِلَّا أَنه لَا يعلم ذَلِك يَقِينا فأفضل الْأَشْيَاء لَهُ أَن يصدقهُ وَإِن أَبى إِلَّا أَن يُطَالِبهُ بِحقِّهِ وَسعه أَن يَأْخُذ من مَاله إِن قدر مثل دينه فان أَرَادَ الْغَرِيم أَن يستحلفه مَا قبض المَال مِنْهُ وَسعه أَن يحلف على ذَلِك لِأَن يَمِينه إِنَّمَا هِيَ على علمه وَهُوَ لَا يعلم ذَلِك يَقِينا
وَكَذَلِكَ كل حق وَجب لرجل على رجل من دين أَو غَيره فَقَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحق قد أوفيتك حَقك أَو أبرأتني مِنْهُ أَو ادّعى أَََجَلًا بَعيدا فَوَقع فِي قلب صَاحب الْحق أَنه صَادِق وَكَانَ على ذَلِك أكبر ظَنّه وَكَانَ عِنْده عدلا ثِقَة فأفضل ذَلِك أَن يصدقهُ وَيَأْخُذ بقوله وَإِن لم يصدقهُ وطالب بِحقِّهِ فَأَرَادَ الْمَطْلُوب أَن يحلفهُ فَالْأَفْضَل للمطلوب أَن لَا يحلف وَإِن حلف كَانَ فِي سَعَة من يَمِينه لِأَن يَمِينه على علمه وَالرجل مِنْهُم على مَا يَدعِي لنَفسِهِ وَإِن كَانَ عدلا

(3/165)


وَكَذَلِكَ إِن أخبرهُ مَعَ الْمَطْلُوب رجل عدل أَو امْرَأَة وَرجل فان أخبرهُ سوى الْمَطْلُوب رجلَانِ عَدْلَانِ لم يَسعهُ أَن يُطَالب بِحقِّهِ أَو يحلف لَهُ على ذَلِك لِأَن هَذَا يقْضِي فِيهِ الْحَاكِم وكل من كَانَ لَهُ حق فَهُوَ لَهُ على حَاله حَتَّى يَأْتِي الْيَقِين على خلاف ذَلِك وَالْيَقِين أَن يُعلمهُ أَو يشْهد عِنْده الشُّهُود الْعُدُول
آخر كتاب الِاسْتِحْسَان بِحَمْد الله الْملك المنان وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على النَّبِي مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم إِلَى انْتِهَاء الزَّمَان

(3/166)