الأصل المعروف بالمبسوط للشيباني

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله الْوَاحِد الْعدْل
// كتاب الْأَيْمَان
//
أَبُو سُلَيْمَان قَالَ سَمِعت مُحَمَّد بن الْحسن يَقُول الْأَيْمَان

(3/167)


ثَلَاثَة يَمِين تكفر وَيَمِين لَا تكفر وَيَمِين نرجو أَن لَا يُؤَاخذ بهَا صَاحبهَا فَأَما الْيَمين الَّتِي لَا تكفر فالرجل يحلف على الْكَذِب وَهُوَ يعلم أَنه كَاذِب فَيَقُول وَالله لقد كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلم يكن من ذَلِك شَيْء أَو يَقُول وَالله لقد فعلت كَذَا وَكَذَا وَهُوَ يعلم أَنه لم يَفْعَله فَهَذِهِ الْيَمين الَّتِي لَا تكفر وعَلى صَاحبهَا فِيهَا الاسْتِغْفَار وَالتَّوْبَة

(3/168)


وَأما الْيَمين الَّتِي تكفر فالرجل يحلف ليفعلن كَذَا وَكَذَا الْيَوْم فيمضي ذَلِك الْيَوْم من قبل أَن يَفْعَله فقد وَقعت الْيَمين على هَذَا وَوَجَبَت

(3/170)


عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وَالْكَفَّارَة مَا قَالَ الله عز وَجل فِي كِتَابه {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم وَلَكِن يُؤَاخِذكُم بِمَا عقدتم الْأَيْمَان} إِلَى آخر الْآيَة
وَأما الْيَمين الَّتِي نرجو أَن لَا يُؤَاخذ الله بهَا صَاحبهَا فالرجل يحلف فِي حَدِيثه فَيَقُول لَا وَالله وبلى وَالله وعَلى مَا يرى أَنه حق

(3/171)


وَلَيْسَ هُوَ كَمَا قَالَ

(3/172)


مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت فِي قَول الله تَعَالَى {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم وَلَكِن يُؤَاخِذكُم} إِنَّه نَحْو هَذَا

(3/173)


وَإِذا حلف الرجل ليفعلن كَذَا وَكَذَا فِيمَا يسْتَقْبل وَلم يُوَقت لذَلِك وقتا فَهُوَ على يَمِينه لَا تقع عَلَيْهِ الْكَفَّارَة حَتَّى يهْلك ذَلِك الشَّيْء الَّذِي حلف عَلَيْهِ فَإِذا هلك ذَلِك حنث وَوَجَبَت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وَكَذَلِكَ

(3/174)


بلغنَا عَن إِبْرَاهِيم
وَإِذا حلف الرجل فَقَالَ وَرَحْمَة الله لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَكَذَا أَو قَالَ وَغَضب الله أَو قَالَ وَسخط الله أَو قَالَ وَعَذَاب الله أَو قَالَ وثواب الله أَو قَالَ ورضاء الله أَو قَالَ وَعلم الله لَا أفعل كَذَا وَكَذَا ثمَّ حنث فِي شَيْء من ذَلِك فَلَيْسَ فِي شَيْء من هَذَا يَمِين وَلَا كَفَّارَة
وَإِذا حلف الرجل بِاللَّه أَو باسم من أَسمَاء الله أَو قَالَ وَالله أَو بِاللَّه أَو تالله أَو قَالَ على عهد الله أَو ذمَّة الله أَو قَالَ هُوَ يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ أَو مَجُوسِيّ أَو هُوَ بَرِيء من الْإِسْلَام أَو قَالَ أشهد أَو أشهد بِاللَّه أَو قَالَ أَحْلف أَو أَحْلف بِاللَّه أَو على نذر أَو على نذر لله أَو أعزم أَو أعزم بِاللَّه أَو قَالَ على يَمِين أَو يَمِين لله فَهَذِهِ كلهَا أَيْمَان وَإِذا حلف بِشَيْء مِنْهَا ليفعلن كَذَا وَكَذَا فَحنث وَجَبت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة

(3/175)


مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم بذلك غير قَوْله أعزم أَو أعزم بِاللَّه أَو على نذر أَو نذر لله أَو على يَمِين

(3/178)


أَو يَمِين لله فَإِن هَذَا لَيْسَ مِمَّا رُوِيَ عَن إِبْرَاهِيم وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ وعظمة الله وَعزة الله وجلال الله وكبرياء الله وَأَمَانَة الله فَحنث وَجَبت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة
وَإِذا حلف الرجل بِحَدّ من حُدُود الله أَو بِشَيْء من شرائع الْإِسْلَام من الصَّلَاة وَالزَّكَاة أَو الصّيام فَلَيْسَ فِي شَيْء من هَذَا يَمِين وَلَا كَفَّارَة وَلَا يكون الْيَمين إِلَّا بِاللَّه وَلَا يكون بِغَيْرِهِ
وَكَذَلِكَ لَو حلف الرجل فَقَالَ هُوَ يَأْكُل الْميتَة أَو يسْتَحل الْخمر أَو الدَّم أَو لحم الْخِنْزِير أَو يتْرك الصَّلَاة أَو الزَّكَاة أَو الصّيام إِن فعل كَذَا وَكَذَا فَلَيْسَ فِي شَيْء من هَذَا يَمِين وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ كَفَّارَة إِذا حنث

(3/179)


وَكَذَلِكَ لَو حلف رجل فَقَالَ عَلَيْهِ لعنة الله أَو قَالَ غضب الله أَو قَالَ أَمَانَة الله أَو دَعَا على نَفسه بِغَيْر ذَلِك فَلَيْسَ فِي شي من هَذَا يَمِين وَلَا كَفَّارَة إِذا حنث وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَة قَوْله هُوَ يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ أَو مَجُوسِيّ وَإِذا قَالَ الرجل عذبه الله أَو أدخلهُ النَّار أَو حرمه الله الْجنَّة فَلَيْسَ فِي شَيْء مِنْهَا كَفَّارَة وَلَا يَمِين إِنَّمَا هَذَا دُعَاء على نَفسه
وَلَو أَن رجلا حلف بِالْحَجِّ وَالْعمْرَة أَو جعل لله على نَفسه صوما أَو صَلَاة أَو صَدَقَة أَو اعتكافا أَو عتقا أَو هَديا أَو شَيْئا مِمَّا هُوَ لله طَاعَة فَحلف بذلك فَحنث لم يكن عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين وَلَكِن عَلَيْهِ فِي ذَلِك أَن يصنع الَّذِي قَالَ

(3/180)


وَإِذا حلف الرجل بِالْمَشْيِ إِلَى بَيت الله أَو إِلَى الْكَعْبَة أَو إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام أَو إِلَى مَكَّة أَو إِلَى الْحرم فَحنث فَعَلَيهِ عمْرَة وَإِن شَاءَ حجَّة وَإِن شَاءَ حج رَاكِبًا وَإِن شَاءَ مَاشِيا ويذبح لركوبه شَاة
بلغنَا عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ من جعل عَلَيْهِ الْحَج مَاشِيا حج رَاكِبًا وَذبح لركوبه شَاة

(3/181)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة هَذَا كُله وَاجِب عَلَيْهِ غير قَوْله الْمَشْي إِلَى الْحرم أَو إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد هَذَا وَالْأول سَوَاء
وَإِذا حلف الرجل بِالْمَشْيِ إِلَى بَيت الله وَهُوَ يَنْوِي مَسْجِدا من مَسَاجِد الله سوى الْمَسْجِد الْحَرَام فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِك شَيْء لِأَن الْمَسَاجِد كلهَا تدخل بِغَيْر إِحْرَام وَلَا يدْخل الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَّا بِإِحْرَام
وَإِذا حلف الرجل فَقَالَ على السّفر إِلَى مَكَّة أَو الذّهاب إِلَيْهَا أَو الرّكُوب إِلَيْهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء وَهَذَا وحلفه بِالْمَشْيِ سَوَاء فِي الْقيَاس غير أَنِّي أخذت فِي حلفه بِالْمَشْيِ بالاستحسان وَلِأَنَّهَا أَيْمَان النَّاس

(3/183)


وَإِذا حلف الرجل فَقَالَ أَنا محرم إِن فعلت كَذَا وَكَذَا أَو قَالَ أَنا أهدي إِن فعلت كَذَا وَكَذَا أَو قَالَ أَنا أَمْشِي إِلَى بَيت الله إِن فعلت كَذَا وَكَذَا وَهُوَ يُرِيد بذلك أَن لَا يُوجب على نَفسه شَيْئا إِنَّمَا يعد من نَفسه عدَّة فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء وَإِن كَانَ يُرِيد الْإِيجَاب على نَفسه أَو لم يكن لَهُ نِيَّة فَعَلَيهِ إِذا حنث مَا قَالَ لِأَن أَيْمَان النَّاس هَكَذَا هِيَ
وَإِذا حلف الرجل أَن ينْحَر مَا لَا يحل لَهُ من ولد أَو شَيْء غَيره فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْء وَإِن كَانَ يُرِيد الْإِيجَاب على نَفسه وَقَالَ أَبُو حنيفَة

(3/184)


وَمُحَمّد عَلَيْهِ فِي وَلَده شَاة يذبحها وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي غير وَلَده شَيْء وَقَالَ أَبُو يُوسُف لاشيء عَلَيْهِ فِي ذَلِك

(3/185)


وَإِذا حلف الرجل يهدي ثمَّ حنث وَلم يكن لَهُ نِيَّة فَعَلَيهِ أَن يهدي مَا تيَسّر من الْهَدْي شَاة وَإِن شَاءَ زَاد على ذَلِك فَجَعلهَا بقرة أَو جزورا فَهُوَ أفضل
وَإِذا حلف الرجل بِبدنِهِ فَحنث فَعَلَيهِ إِن شَاءَ بقرة وَإِن شَاءَ جزورا
وَإِذا حلف الرجل بِالنذرِ وَهُوَ يَنْوِي بذلك حجا أَو عمْرَة أَو عتقا أَو صَلَاة أَو شَيْئا من طَاعَة الله تَعَالَى فَعَلَيهِ ذَلِك الَّذِي حلف عَلَيْهِ ونواه وَلَا يكون عَلَيْهِ غَيره وَإِن لم تكن لَهُ نِيَّة فَعَلَيهِ

(3/189)


كَفَّارَة يَمِين وَإِن حلف على مَعْصِيّة بِالنذرِ فَعَلَيهِ فِيهِ كَفَّارَة يَمِين أَلا ترى أَن الله عز وَجل قد فرض الْكَفَّارَة فِي الظِّهَار وَقد جعله الله مُنْكرا من القَوْل وزورا وَقد بلغنَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ من حلف على يَمِين فَرَأى غَيرهَا خيرا مِنْهَا فليأت الَّذِي هُوَ خير وليكفر عَن يَمِينه

(3/190)


وَإِذا حلف الرجل بِالنذرِ وَهُوَ يَنْوِي صياما وَلَا يَنْوِي عددا مِنْهُ فَعَلَيهِ إطْعَام عشرَة مَسَاكِين كل مِسْكين ربعين بالحجاجي من حِنْطَة
وَلَا يَنْبَغِي للرجل أَن يحلف فَيَقُول وَأَبِيك وَأبي فَإِنَّهُ بلغنَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهى عَن ذَلِك وَنهى عَن الْحلف بِحَدّ من حُدُود الله وَعَن الْحلف بِالطَّوَاغِيتِ

(3/191)


وَلَو أَن رجلا قَالَ إِن كلمت فلَانا فعلي يَمِين أَو عَليّ نذر أَو حلف بِشَيْء مِمَّا ذكرت لَك من الْأَيْمَان وَقَالَ فِي ذَلِك إِن شَاءَ الله فوصلها بِالْيَمِينِ ثمَّ كَلمه لم يكن عَلَيْهِ كَفَّارَة وَلَا حنث
قَالَ مُحَمَّد أخبرنَا بذلك أَبُو حنيفَة عَن الْقَاسِم عَن أبي عَن عبد الله بن مَسْعُود وَذكر عبد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر
وَأَبُو حنيفَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم وَغَيرهم أَنهم قَالُوا من حلف على يَمِين وَقَالَ إِن شَاءَ الله فقد اسْتثْنى وَلَا حنث عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَة

(3/193)


وبلغنا عَن عبد الله بن عَبَّاس أَنه قَالَ من حلف على يَمِين فاستثنى فَفعل الَّذِي حلف عَلَيْهِ فَلَا حنث عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَة قَالَ وَكَذَلِكَ قَالَ العَبْد الصَّالح {ستجدني إِن شَاءَ الله صَابِرًا وَلَا أعصي لَك أمرا} فَلم يصبر وَلم يُؤمر بِالْكَفَّارَةِ

(3/194)


وَكَذَلِكَ بلغنَا عَن عَطاء وَطَاوُس وَإِبْرَاهِيم أَنهم قَالُوا من حلف بِعِتْق أَو طَلَاق فَقَالَ إِن شَاءَ الله لم يَقع الطَّلَاق وَكَذَلِكَ لَو قَالَ إِلَّا أَن أرى غير ذَلِك أَو قَالَ إِلَّا أَن يَبْدُو لي أَو إِلَّا أَن أرى خيرا من ذَلِك

(3/195)


وَإِذا حلف الرجل على يَمِين فَحنث فِيهَا فَعَلَيهِ أَي الْكَفَّارَات شَاءَ إِن شَاءَ أعتق وَإِن شَاءَ أطْعم عشرَة مَسَاكِين وَإِن شَاءَ كسى عشرَة مَسَاكِين وَإِن لم يجد شَيْئا من ذَلِك فَعَلَيهِ الصّيام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات

(3/196)


بلغنَا عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه قَالَ كل شَيْء فِي الْقُرْآن آو آو فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أعتق رَقَبَة وَإِن شَاءَ كسى وَإِن شَاءَ أطْعم

(3/197)


وَالْعِتْق فِي كَفَّارَة الْيَمين تَحْرِير رَقَبَة يَجْزِي فِيهَا الصَّغِير وَالْكَبِير وَالْكَافِر وَالْمُسلم لِأَن الله تَعَالَى لم يسم فِي ذَلِك رَقَبَة مُؤمنَة وَيجوز فِيهِ الْأَعْوَر والأقطع إِذا كَانَ أقطع إِحْدَى الْيَدَيْنِ إِحْدَى الرجلَيْن وَلَا يَجْزِي فِي ذَلِك الْأَعْمَى وَلَا الْمَقْطُوع الْيَدَيْنِ أَو الرجلَيْن وَلَا الْمَعْتُوه المغلوب الَّذِي لَا يعقل وَلَا الْأَخْرَس وَلَا أشل الْيَدَيْنِ يابستين لَا ينْتَفع بهما وَلَا أشل الرجلَيْن إِذا كَانَ كَذَلِك وَلَا المقعد وَلَا تجزي فِيهِ أم الْوَلَد وَلَا الْمُدبر وَلَا يَجْزِي الْمكَاتب الَّذِي قد أدّى بعض مُكَاتبَته فَإِن كَانَ لم يؤد شَيْئا من مُكَاتبَته ثمَّ أعتق فِي ذَلِك أجْرى عَنهُ

(3/198)


وَلَو أَن عبدا بَين اثْنَيْنِ أعْتقهُ أَحدهمَا فِي كَفَّارَة الْيَمين ضمن لشَرِيكه حِصَّته لم يجز ذَلِك عَنهُ لِأَنَّهُ كَانَ بَينه وَبَين الآخر أَلا ترى أَن شَرِيكه إِن شَاءَ أعتق حِصَّته وَإِن شَاءَ استسعى فِي نصف قِيمَته
وَلَو أَن العَبْد كَانَ لَهُ كُله أجزى عَنهُ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِذا أعتق عَن يَمِينه عبدا وَهُوَ بَينه وَبَين آخر وَهُوَ مُعسر فسعى العَبْد للْآخر لم يجزه فِي الْكَفَّارَة وَإِن كَانَ الْمُعْتق غَنِيا ضمن حِصَّة شَرِيكه وأجزاه فِي الْكَفَّارَة وَلَا يجْزِيه فِي قَول أبي حنيفَة فِي الْوَجْهَيْنِ فِي الْكَفَّارَة
وَلَو أَن رجلا اشْترى أَبَاهُ أَو أمه أَو ذَا رحم محرم مِنْهُ يَنْوِي بذلك أَن يعتقهُ فِي كَفَّارَة يَمِين أَو ظِهَار عتق وأجزى عَنهُ
وَكَذَلِكَ إِن قَالَ إِن اشْتريت فلَانا فَهُوَ حر عَن يَمِيني ثمَّ اشْتَرَاهُ عتق وأجزى عَنهُ

(3/199)


وَلَو أَن رجلا طلب إِلَى رجل أَن يعْتق عَنهُ عَبده فِي كَفَّارَة يَمِينه على شَيْء قد سَمَّاهُ لَهُ وَجعله لَهُ فَفعل ذَلِك أجزى عَنهُ وَلَو قَالَ أعْتقهُ عني فِي كَفَّارَة يَمِين بِغَيْر شَيْء فَأعْتقهُ عَنهُ كَانَ فِي هَذَا قَولَانِ أَحدهمَا قَول أبي يُوسُف إِن الْعتْق يَجْزِي عَن الْمُعْتق عَنهُ وَيكون الْوَلَاء لَهُ وَالْقَوْل الآخر قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد إِن الْعتْق عَن الَّذِي أعتق وَالْوَلَاء لَهُ وَلَا يَجْزِي الْعتْق عَن الْمُعْتق عَنهُ وَالْقَوْل الأول أحبهما إِلَى أبي يُوسُف
وَقَالَ مُحَمَّد قَول أبي حنيفَة أحب إِلَيّ وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِنَّمَا هَذَا بِمَنْزِلَة طَعَام طلب إِلَيْهِ أَن يطعم عَنهُ فَكَذَلِك الْعتْق
وَلَو أَن رجلا أعتق نصف عَبده فِي كَفَّارَة يَمِينه وَأطْعم خَمْسَة مَسَاكِين لم يجز ذَلِك عَنهُ لِأَن هَذَا لَيْسَ بِطَعَام تَامّ وَلَا عتق تَامّ

(3/200)


وَلَو أَن رجلا حنث وَهُوَ مُعسر فَأخر الصَّوْم حَتَّى أصَاب عبدا لم يجز عَنهُ الصَّوْم لِأَنَّهُ يجد مَا يعْتق

(3/201)


وَلَو أَن رجلا اشْترى عبدا بيعا فَاسِدا فَقَبضهُ وَأعْتقهُ عَن يَمِينه كَانَ عتقه جَائِزا وَيجْزِي عَنهُ فِي يَمِينه ذَلِك
وَلَو أَن رجلا أعتق مَا فِي بطن خادمه عَن يَمِينه ثمَّ ولدت الْخَادِم ولدا من الْغَد فَإِن الْعتْق جَائِز فِي الْوَلَد وَلَا يَجْزِي عَنهُ من الْيَمين
وَلَو أَن رجلا أعتق مَا فِي بطن خادمه عَن يَمِينه ثمَّ ولدت بعد ذَلِك لأكْثر من سِتَّة أشهر أَو ولدت لأَقل من سِتَّة أشهر ولدا مَيتا لم يجز عَنهُ ذَلِك فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا
وَلَو أَن رجلا وَجَبت عَلَيْهِ كفارتان أَو ثَلَاثَة فِي أَيَّام مُتَفَرِّقَة فَأعتق عَنْهُن رقابا بعددهن وَلم ينْو لكل يَمِين رَقَبَة بِعَينهَا أجزى ذَلِك عَنهُ
وَكَذَلِكَ لَو أعتق رَقَبَة عَن إِحْدَاهُنَّ وَأطْعم عَن الْأُخْرَى عشرَة مَسَاكِين وكسى عَن الْأُخْرَى عشرَة مَسَاكِين كَانَ ذَلِك جَائِزا عَنهُ وَلَيْسَ على الْمَمْلُوك إِذا حلف فِي يَمِين وَحنث عتق وَلَا يَجْزِي عَنهُ

(3/202)


وَلَو أعتق عَنهُ مَوْلَاهُ لِأَن الْوَلَاء لَا يكون لَهُ وَلَيْسَ يملك الرَّقَبَة وَكَذَلِكَ لَو أطْعم عَنهُ مَوْلَاهُ أَو كسى
وَكَذَلِكَ الْمكَاتب والمدير وَأم الْوَلَد وَكَذَلِكَ العَبْد يعْتق بعضه فَيقوم فيسعى فِيمَا بَقِي من رقبته فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد فِي العَبْد الَّذِي أعتق بعضه خَاصَّة وَهُوَ بِمَنْزِلَة الْحر يَجْزِي ذَلِك عَنهُ إِذا كَانَ بأَمْره
وَالرجل وَالْمَرْأَة فِي الْيَمين إِذا حنث وَفِي الْعتْق سَوَاء
وَلَو أَن رجلا حلف على يَمِين فَحنث فصَام يَوْمَيْنِ ثمَّ وجد الْيَوْم الثَّالِث مَا يعْتق لم يجد عَنهُ الصَّوْم وَكَذَلِكَ إِن وجد مَا يطعم أَو يكسو لِأَن الله عز وَجل يَقُول {فَمن لم يجد فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام} فَهَذَا قد وجد فَلَا يَجْزِي عَنهُ الصَّوْم وَكَذَلِكَ إِن وجد مَا يطعم يفْطر يَوْمه ذَلِك وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء وَعَلِيهِ أَي الْكَفَّارَات شَاءَ كفر بهَا يَمِينه وَإِن شَاءَ تمّ على صَوْمه ذَلِك وَلم يعْتد بِهِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَي الْكَفَّارَات شَاءَ غير الصَّوْم وَأحب إِلَيْهِ أَن يتم
بلغنَا عَن عبد الله بن عَبَّاس وَعَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنَّهُمَا قَالَا فِي الرجل

(3/203)


يكون عَلَيْهِ الْكَفَّارَة فيصوم يَوْمَيْنِ ثمَّ يجد فِي الْيَوْم الثَّالِث مَا يطعم أَو يكسو أَن يعْتق إِنَّه يفْطر وَلَا يعْتد بصومه ذَلِك وَيكفر بِيَمِينِهِ إِن شَاءَ أعتق وَإِن شَاءَ أطْعم وَإِن شَاءَ كسا
وَلَو أَن رجلا قَالَ إِن اشْتريت فلَانا فَهُوَ حر عَن يَمِينه ثمَّ اشْتَرَاهُ يَنْوِي بذلك تِلْكَ الْيَمين عتق وأجزى عَنهُ من كَفَّارَته
وَلَو اشْترى أمة قد ولدت مِنْهُ فَأعْتقهَا عَن كَفَّارَته أَو قَالَ إِن اشْتَرَيْتهَا فَهِيَ حرَّة عَن يَمِينه كَانَت حرَّة كَمَا قَالَ وَلم تجز عَنهُ فِي يَمِينه لِأَنَّهَا أم وَلَده وَهِي تعْتق بِالْوَلَدِ لَو لم يقل فِيهَا هَذِه الْمقَالة
وَلَو أَن رجلا من أهل الذِّمَّة حلف على يَمِين ثمَّ أسلم حنث فِي يَمِينه تِلْكَ لم يكن عَلَيْهِ كَفَّارَة فِي عتق وَلَا غَيره لِأَن الْحلف كَانَ مِنْهُ فِي حَال كفر وَالَّذِي كَانَ فِيهِ من الْكفْر أعظم من الْحِنْث

(3/204)


وَلَو أَن رجلا أعتق عبدا عَن كَفَّارَة يَمِين يَنْوِي ذَلِك بِقَلْبِه وَلم يتَكَلَّم بِلِسَانِهِ وَقد تكلم بِالْعِتْقِ أجزى عَنهُ فِي كَفَّارَة يَمِينه

(3/205)


وَلَو أَن رجلا حلف على يَمِين فَأعتق عَنْهَا قبل أَن يَحْنَث كَانَ الْعتْق جَائِزا وَلَا يَجْزِي ذَلِك عَن يَمِينه لِأَنَّهُ لم يَحْنَث بعد وَلم تجب عَلَيْهِ كَفَّارَة

(3/206)


وَلَو أَن رجلا حلف فِي يَمِين فَأعتق عبدا عِنْد مَوته فِي يَمِينه وَلَيْسَ لَهُ مَال غَيره كَانَ الْعتْق جَائِزا من ثلثه وَيسْعَى العَبْد فِي ثُلثي قِيمَته وَلَا يَجْزِي عَنهُ فِي يَمِينه لما وَجب عَلَيْهِ من السّعَايَة
وَلَو أَن رجلا أعتق عبدا على مَال عَن يَمِينه أَو بَاعه نَفسه عتق وَلم يجز عَنهُ فِي يَمِينه لما أَخذ مِنْهُ من الْجعل
وَلَو أَن رجلا قَالَ لعَبْدِهِ أَنْت حر عَن يَمِيني على ألف دِرْهَم وَقبل ذَلِك العَبْد لم يجز ذَلِك عَنهُ
وَلَو أَن الْمولى أَبْرَأ العَبْد من الْألف بعد ذَلِك لم يجز عَنهُ من يَمِينه الَّذِي كَانَ فِيهِ من الْجعل وَلَا يَنْفَعهُ إبراؤه إِيَّاه من المَال بعد ذَلِك

(3/208)


وَلَو أَن رجلا أعتق عبدا على مَال عَن يَمِينه عتق العَبْد وَلَا يَجْزِي عَنهُ فِي يَمِينه لما أَخذ فِيهِ من الْجعل
- بَاب الطَّعَام فِي كَفَّارَة الْيَمين
-
بلغنَا عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ ليرفأ مولى لَهُ أَنِّي أَحْلف على قوم لَا أعطيهم ثمَّ يَبْدُو لي فأعطيهم فَإِذا أَنا فعلت ذَلِك فأطعم عني عشرَة مَسَاكِين كل مِسْكين نصف صَاع من حِنْطَة أَو صَاع من تمر

(3/209)


وبلغنا عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ فِي كَفَّارَة

(3/210)


الْيَمين إطْعَام عشرَة مَسَاكِين كل مِسْكين نصف صَاع من حنطه
وَإِذا حنث الرجل فِي يَمِين فأطعم عشرَة مَسَاكِين كل مِسْكين نصف صَاع من حِنْطَة أَو دَقِيق أَو سويق أجزاه ذَلِك وَإِن أطْعم تَمرا أَو شَعِيرًا أطْعم كل مِسْكين مَخْتُومًا بالحجاجي
وَلَو دَعَا عشرَة مَسَاكِين فغداهم وعشاهم أجزاه ذَلِك وَلَو غداهم خبْزًا وعشاهم مثله وَلَيْسَ مَعَه أَدَم أجزاه ذَلِك وَلَو غداهم سويقا وَتَمْرًا وعشاهم بِمثل ذَلِك أجزاه ذَلِك وَلَو أَعْطَاهُم قيمَة الطَّعَام فَأعْطى كل مِسْكين قيمَة نصف صَاع أجزاه ذَلِك وَلَو غداهم وَأَعْطَاهُمْ قيمَة الْعشَاء أجزاه ذَلِك أَلا ترى أَنه لَو أعْطى كل مِسْكين مِنْهُم درهما وَالدِّرْهَم

(3/211)


يبلغ أَكثر من نصف صَاع أجزاه ذَلِك فَكَانَ ذَلِك أفضل
وَإِذا دَعَا عشرَة مَسَاكِين أحدهم صبي فطيم أَو فَوق ذَلِك شَيْئا فغداهم وعشاهم فَإِنَّهُ لَا يَسعهُ وَلَا يَجْزِي عَنهُ الصَّبِي وَعَلِيهِ الْآن إطْعَام مِسْكين وَاحِد إِن شَاءَ أعطَاهُ نصف صَاع وَإِن شَاءَ غداه وعشاه
وَلَو أطْعم عشرَة مَسَاكِين كل مِسْكين مدا من حِنْطَة لم يجزه ذَلِك وَعَلِيهِ أَن يُعِيد عَلَيْهِم مدا مدا على كل إِنْسَان مِنْهُم فَإِن لم يقدر عَلَيْهِم اسْتقْبل الطَّعَام
وَلَو أعْطى مِسْكينا وَاحِدًا خَمْسَة آصَع لم يجزه ذَلِك وَإِن أعطَاهُ نصف صَاع وَأَعْطَاهُ من الْغَد نصف صَاع حَتَّى يكمل عشرَة أَيَّام أجزاه ذَلِك
وَلَو أَنه أطْعم عشرَة مَسَاكِين من أهل الذِّمَّة كل مِسْكين نصف صَاع من حِنْطَة أجزاه ذَلِك ومساكين أهل الْإِسْلَام أحب إِلَيّ

(3/212)


وَلَو أعْطى عشرَة مَسَاكِين ذَوي رحم محرم مِنْهُ أجزاه ذَلِك وَلَكِن لَا يجْزِيه أَن يطعم مِنْهَا وَلَده وَلَا وَالِده وَلَا أمه حرَّة كَانَت أَو أم أمة وَلَا مَمْلُوكَة لَهُ وَلَا مُدبرَة وَلَا مكَاتبه وَلَا أم ولد

(3/213)


لَهُ وَلَا زَوْجَة لَهُ حرَّة كَانَت أَو أمة
وَلَو أَن رجلا سَأَلَهُ مِنْهَا وَهُوَ غَنِي وَهُوَ لَا يعلم بذلك فَأعْطَاهُ أجزاه ذَلِك عَنهُ فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَلَا يجْزِيه فِي قَول أبي يُوسُف إِذا علم
وَلَو أَنه أطْعم خَمْسَة مَسَاكِين وكسى خَمْسَة مَسَاكِين أجزاه ذَلِك من الطَّعَام إِن كَانَ الطَّعَام أرخص من الْكسْوَة وَإِن كَانَ الْكسْوَة أرخص من الطَّعَام أجزى عَن الْكسْوَة

(3/214)


وَلَو أَنه أطْعم عشرَة مَسَاكِين قبل أَن يَحْنَث فِي يَمِينه لم يجزه ذَلِك لِأَن الْيَمين لم تَجِد بعد وَلَو حنث فِي يَمِينه وَهُوَ مُعسر فَأَرَادَ أَن يكفر كَانَ عَلَيْهِ الصَّوْم فَإِن أيسر وَوجد مَا يتَصَدَّق بِهِ قبل أَن يفرغ من الصَّوْم لم يجزه الصَّوْم وَكَانَت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة إِمَّا عتق وَإِمَّا كسْوَة وَإِمَّا طَعَام
وَلَو كَانَت لَهُ دَار يسكنهَا وَلَيْسَ لَهُ مَال غَيرهَا أجزى عَنهُ الصَّوْم لِأَن هَذَا تحل لَهُ الصَّدَقَة

(3/215)


وَلَو أطْعم عَنهُ رجل عشرَة مَسَاكِين بأَمْره أجزى عَنهُ ذَلِك وَلَو أَنه أطْعم عَنهُ بِغَيْر أمره فرضى بذلك لم يجز عَنهُ
وَلَو أَن رجلا أطْعم خَمْسَة مَسَاكِين فِي كَفَّارَة يَمِينه ثمَّ احْتَاجَ كَانَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل الصّيام وَلَا يَجْزِي ذَلِك الطَّعَام عَنهُ
وَلَو أَن رجلا أطْعم من كَفَّارَة الْيَمين أحدا من وَلَده وَهُوَ لَا يعلم وَهُوَ مَوضِع ذَلِك أجزاه ذَلِك عَنهُ فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد إِذا علم بعد وَفِي قَول أبي يُوسُف إِذا أطْعم أحدا من وَلَده وَهُوَ لَا يعلم ثمَّ

(3/216)


علم بعد ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يجْزِيه وَكَذَلِكَ الْغَنِيّ فِي قَول أبي يُوسُف لَا يَجْزِي
وَلَو أَن رجلا عَلَيْهِ يمينان فأطعم عَنْهَا عشْرين مِسْكينا أجزى مِنْهُ فَإِن أطْعم لَهما عشرَة مَسَاكِين لكل مِسْكين صَاع من حِنْطَة لم يجزه ذَلِك إِلَّا عَن يَمِين وَاحِدَة ويجزيه فِي قَول مُحَمَّد
وَلَو أطْعم سِتِّينَ مِسْكينا من ظِهَار أَو أطْعمهُم من كَفَّارَة غير الظِّهَار أَو أطْعمهُم من ايمان عَلَيْهِ شَتَّى مُخْتَلفَة فأطعم الطَّعَام كُله ضَرْبَة وَاحِدَة لكل مِسْكين من ذَلِك نصف صَاع لكل يَمِين على حِدة وَلكُل ظِهَار على حِدة نصف صَاع وَلكُل كَفَّارَة من رَمَضَان نصف صَاع أجزى عَنهُ لِأَنَّهَا أَيْمَان شَتَّى مُخْتَلفَة وَجَبت عَلَيْهِ وَلَيْسَ هَذَا كاليمين الْوَاحِدَة وَفِي قَول مُحَمَّد ذَلِك كُله يَجْزِي وَإِذا أعْطى رجل ثوبا لعشرة مَسَاكِين من كَفَّارَة يَمِينه فَإِنَّهُ لَا يَجْزِي عَنهُ من الْكسْوَة وَإِن كَانَ يُسَاوِي الثَّوْب ثمن الطَّعَام فَهُوَ يَجْزِي عَنهُ من الطَّعَام

(3/217)


وَإِذا وَجَبت على العَبْد أَو الْمكَاتب أَو الْمُدبر أَو أم الْوَلَد كَفَّارَة يَمِين لم يجز عَنهُ الطَّعَام وَإِن أذن لَهُ مَوْلَاهُ فِيهِ وَلَكِن عَلَيْهِ الصّيام لِأَن العَبْد لَا يملك الطَّعَام وَلَو أَن العَبْد أعتق فأطعم عشرَة مَسَاكِين بعد عتقه أجزاه
وَلَو أَن رجلا حلف على يَمِين وَهُوَ كَافِر ثمَّ حنث بعد مَا أسلم لم تكن عَلَيْهِ كَفَّارَة وَكَذَلِكَ إِذا حلف وَهُوَ مُسلم ثمَّ رَجَعَ عَن الْإِسْلَام ثمَّ أسلم بعد ثمَّ حنث فَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ
وَإِذا اسْتثْنى الرجل فِي يَمِينه فَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ وَلَا حنث
وَإِذا جعل الرجل لله عَلَيْهِ طَعَام مِسْكين وَنوى عددا من الْمَسَاكِين فَهُوَ ذَلِك الْعدَد فَإِن نوى كَيْلا من الطَّعَام مَعْلُوما فَهُوَ ذَلِك الْكَيْل وَإِن لم يَنْوِي شَيْئا مُسَمّى من الطَّعَام وَلَا عدد مَسَاكِين فَعَلَيهِ طَعَام عشرَة

(3/218)


مَسَاكِين كل مِسْكين نصف صَاع من حنطه وَكَذَلِكَ إِن قَالَ أَن كلمة فلَانا فعلى إطْعَام مَسَاكِين أَو قَالَ إطْعَام عشرَة مَسَاكِين وَقد يعْطى من الْمَسَاكِين من لَهُ الْخَادِم وَالدَّار وَيُعْطى من الصَّدَقَة وَمن الزَّكَاة من لَهُ الدَّار وَالْخَادِم وبلغنا عَن أبي حزم وَعَن إِبْرَاهِيم وَالْحسن أَنهم قَالُوا ذَلِك

(3/219)


وَلَو أَن رجلا أوصى الْمطعم عَنهُ فِي كَفَّارَة أَيْمَان عَلَيْهِ عِنْد مَوته كَانَ ذَلِك الطَّعَام من ثلثه وَكَذَلِكَ لَو أوصى بكسوه وَكَذَلِكَ لَو أوصى بِعِتْق عبد فَإِن لم يكن لَهُ مَال غير العَبْد الَّذِي أوصى بِعِتْقِهِ عتق العَبْد وسعى فِي ثُلثي قِيمَته وَلَا يَجْزِي عَنهُ فِي كَفَّارَة يَمِينه وَإِن خرج من الثُّلُث أجزى عَنهُ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد
الصَّاع الأول ثَمَانِيَة أَرْطَال وَهُوَ مختوم فِي الْحَجَّاجِي وَهُوَ

(3/220)


ربع الْهَاشِمِي قَالَ مُحَمَّد وَكَذَلِكَ ذكر الْمُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم أَنه قَالَ وجدنَا صَاع عمر حجاجيا
- بَاب الْكسْوَة فِي كَفَّارَة الْيَمين
-
مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم أَنه قَالَ فِي قَول الله عز وَجل فِي الْكَفَّارَة {أَو كسوتهم} إِن ذَلِك لكل مِسْكين ثوب

(3/221)


فَإِذا أعْطى كل مِسْكين ثوبا أَو إزارا أَو رِدَاء أَو قَمِيصًا أَو قبَاء أَو كسَاء فَإِن ذَلِك يجْزِيه من الْكَفَّارَة إِذا كسى عشرَة مَسَاكِين
وَلَو أعْطى كل مِسْكين نصف ثوب لم يجز عَنهُ ذَلِك من الْكسْوَة وَلَكِن كَانَ يَجْزِي عَنهُ من الطَّعَام إِذا كَانَ كل نصف

(3/222)


ثوب يُسَاوِي نصف صَاع من الْحِنْطَة
وَلَو كسا كل مِسْكين قلنسوة أَو خُفَّيْنِ أَو حمله على نَعْلَيْنِ لم يجز ذَلِك عَنهُ من الْكسْوَة وَلكنه يَجْزِي عَنهُ من الطَّعَام إِذا كَانَ ذَلِك يُسَاوِي نصف صَاع من حِنْطَة
وَلَو أعْطى مِسْكينا وَاحِدًا عشرَة أَثوَاب لم يجز ذَلِك عَنهُ من عشرَة مَسَاكِين وَلكنه يَجْزِي عَنهُ من مِسْكين وَاحِد
وَلَو أعْطى فِي كل يَوْم ثوبا حَتَّى يستكمل عشرَة أَثوَاب فِي عشرَة أَيَّام أجزى عَنهُ وَلَو كسى عشرَة مَسَاكِين كل مِسْكين ثوبا وَكلهمْ ذُو رحم محرم أجزى عَنهُ مَا لم يكن فيهم ولد وَلَا وَالِد وَلَا زَوْجَة وَلَا تجزى أَن يكسو مكَاتبا لَهُ وَلَا مُدبرا وَلَا أم ولد
وَلَو كسى مكَاتبا لغيره مُحْتَاجا أَو عبدا من غَيره مُحْتَاجا أَو ام ولد لغيره ومولاها مُحْتَاجا أَو مُدبرا لغيره مُحْتَاجا أجزى عَنهُ ذَلِك
وَلَو كسى عشرَة مَسَاكِين من مَسَاكِين أهل الذِّمَّة أجزاه ذَلِك وفقراء الْمُسلمين أحب إِلَيْهِ وَلَو أعْطى عشرَة مَسَاكِين كل مِسْكين من الطَّعَام قدر

(3/223)


قيمَة الثَّوْب أجزاه ذَلِك من الْكسْوَة وَلَو أعْطى عشرَة مَسَاكِين ثوبا بَينهم وَهُوَ ثوب كثير الْقيمَة نصيب كل مِسْكين مِنْهُم أَكثر من قيمَة الثَّوْب كَانَ ذَلِك فِي الْقيَاس يَجْزِي عَنهُ من الطَّعَام وَلَا يَجْزِي من الْكسْوَة أَلا ترى أَنه لَو أعْطى كل مِسْكين ربع صَاع من حِنْطَة وَذَلِكَ يُسَاوِي صَاعا من التَّمْر لم يجز عَنهُ من الطَّعَام فَكَذَلِك هَذَا الثَّوْب
وَلَو أَن هَذَا الْمَدّ من الْحِنْطَة كَانَ يُسَاوِي ثوبا كَانَ يَجْزِي من الْكسْوَة وَلَا يَجْزِي من الطَّعَام
وَلَو أعْطى عشرَة مَسَاكِين دَابَّة أَو شَاة أَو عبدا أَو أمة فَإِن كَانَ قيمَة ذَلِك تبلغ قيمَة عشرَة أَثوَاب أجزاه من الْكسْوَة وَإِن كَانَ لَا يبلغ قيمَة عشرَة أَثوَاب وَبلغ قيمَة الطَّعَام أجزى عَنهُ من الطَّعَام
وَلَو أَن رجلا كسى عشرَة مَسَاكِين أَو أطعهم ثمَّ إِن رجلا أَقَامَ على تِلْكَ الْكسْوَة وَالطَّعَام سنة فَقضى لَهُ بِهِ لم يجز ذَلِك عَن الَّذِي أطْعم وَكَانَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل الطَّعَام
وَلَو أَن رجلا كسى عَن رجل بأَمْره عشرَة مَسَاكِين أجزاه ذَلِك وَإِن لم يُعْطه لَهُ ثمنا وَلَو أعْطى لَهَا ثمنا أجزاه ذَلِك أَيْضا وَلَو كسى عشرَة مَسَاكِين لغير أمره فَرضِي بذلك لم يجز عَنهُ

(3/224)


وَلَو كسى عشرَة مَسَاكِين قبل أَن يَحْنَث فِي يَمِينه ثمَّ حنث فِيهَا لم تجزه تِلْكَ الْكسْوَة من كَفَّارَته وَكَانَ عَلَيْهِ الْكسْوَة بعد الْحِنْث لِأَنَّهُ لَا يبْدَأ بِالْكَفَّارَةِ قبل الْحِنْث وَلَو كسا عشرَة مَسَاكِين ثمَّ وجد بَعضهم غَنِيا لَيْسَ بِموضع للصدقة وَلم يكن يعلم ذَلِك حَتَّى كَسَاه أجزى ذَلِك عَنهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَن يعلم أَنهم فُقَرَاء إِلَّا فِي الظَّاهِر وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا يجْزِيه فِي الْغنى
وَلَو أَنه أعْطى من كَفَّارَة يَمِين فِي أكفان الْمَوْتَى أَو فِي بِنَاء مَسْجِد أَو فِي قَضَاء دين ميت أَو فِي عتق رَقَبَة لم يجز ذَلِك عَن يَمِينه بلغنَا

(3/225)


عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه قَالَ ذَلِك
وَلَو كسا ابْن السَّبِيل مُنْقَطع بِهِ أَو غازيا أَو حَاجا مُنْقَطع بِهِ فَكَسَاهُ ثوبا أَو أطْعمهُ طَعَام مِسْكين أجزى ذَلِك عَنهُ من مِسْكين وَاحِد
وَلَو أَن رجلا كَانَت عَلَيْهِ يمينان فكسا عشرَة مَسَاكِين كل مِسْكين ثَوْبَيْنِ أجزاه ذَلِك عَن يَمِين وَاحِدَة وَكَانَت عَلَيْهِ كسْوَة عشرَة مَسَاكِين للْيَمِين الْأُخْرَى فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَأما فِي قَول مُحَمَّد فَهُوَ يجزى
وَلَو أَن رجلا كسا خَمْسَة مَسَاكِين وَالطَّعَام أرخص من الْكسْوَة أجزاه ذَلِك عَنهُ من الطَّعَام وَلم يجز ذَلِك عَنهُ من الْكسْوَة

(3/226)


وَإِذا كسى الرجل الْمَسَاكِين أَو أطْعمهُ ثمَّ مَاتَ بَعضهم وَهُوَ وَارثه فورث تِلْكَ الْكسْوَة بِعَينهَا وَذَلِكَ الطَّعَام بِعَيْنِه لم يفْسد ذَلِك عَلَيْهِ كسوته وَلَا طَعَامه وَكَانَ ذَلِك يَجْزِي عَنهُ وَكَذَلِكَ لَو اشْترى مِنْهُم تِلْكَ الْكسْوَة بِعَينهَا وَذَلِكَ الطَّعَام أجزى عَنهُ فِي كَفَّارَة الْيَمين وَلم يفْسد ذَلِك عَلَيْهِ شَيْئا
وَلَو وهبه لَهُ أُولَئِكَ الْمَسَاكِين كَانَ قد أجزى عَنهُ صدقته عَلَيْهِم فِي كَفَّارَة يَمِينه وَلَا تفْسد هبتهم لَهُ صدقته عَلَيْهِم بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن بَرِيرَة كَانَ يتَصَدَّق عَلَيْهَا بالشَّيْء فتهديه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيقبله وَيَقُول هُوَ لَهَا صَدَقَة وَلنَا هَدِيَّة
- بَاب الصّيام فِي كَفَّارَة الْيَمين
-
وَإِذا حنث الرجل فِي يَمِينه وَهُوَ مُعسر لَا يجد مَا يعْتق وَلَا مَا يكسو

(3/227)


وَلَا مَا يطعم فَعَلَيهِ الصّيام ثَلَاثَة أَيَّام متتابعة فَإِن صامها مُتَفَرِّقَة لم يجز عَنهُ بلغنَا أَنه فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود ثَلَاثَة أَيَّام متتابعة
وَلَو صَامَ ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ أيسر فِي الْيَوْم الثَّالِث انْتقض صَوْمه ذَلِك وَكَانَت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة لِأَن الله تَعَالَى يَقُول {فَمن لم يجد فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام} فَهَذَا قد وجد فَلَا يجْزِيه الصَّوْم وَكَذَلِكَ بلغنَا عَن عبد الله بن عَبَّاس وَعَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنَّهُمَا قَالَا ذَلِك
وَإِذا أحنث الرجل فِي يَمِينه وَهُوَ مُعسر ثمَّ أيسر قبل أَن يكفر فَعَلَيهِ الْعتْق أَو الْكسْوَة أَو الطَّعَام
وَلَو حنث وَهُوَ مُوسر ثمَّ احْتَاجَ كَانَ عَلَيْهِ الصّيام
وعَلى العَبْد إِذا حنث فِي يَمِينه الصّيام وَلَا يجْزِيه شَيْء غير ذَلِك وَكَذَلِكَ الْمكَاتب وَالْمُدبر وَأم الْوَلَد وَلَو أعتق أحد مِنْهُم قبل

(3/228)


أَن يَصُوم وأيسر لم يجزه الصَّوْم وَكَانَ عَلَيْهِ أَي الْكَفَّارَات شَاءَ
وَلَو أَن رجلا أصبح مُفطرا ثمَّ عزم على صَوْم الضُّحَى يُرِيد بذلك كَفَّارَة يَمِين لم يجزه ذَلِك لِأَنَّهُ قد أصبح مُفطرا وَلَو صَامَ فِي كَفَّارَة الْيَمين ثمَّ أكل فِي صَوْمه نَاسِيا أَو شرب نَاسِيا كَانَ صَوْمه ذَلِك تَاما وأجزى عَنهُ بلغنَا ذَلِك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صَوْم رَمَضَان فَهُوَ أَشد من ذَلِك

(3/229)


وَلَو أَن رجلا صَامَ ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ مرض فِي يَوْم مِنْهَا فَأفْطر كَانَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل لِأَنَّهَا لَيست بمتتابعة وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة لَو صَامت وحاضت فِي الثَّلَاثَة أَيَّام كَانَ عَلَيْهَا أَن تسْتَقْبل الصَّوْم لِأَنَّهَا قد تقدر أَن تَصُوم ثَلَاثَة أَيَّام لَا تكون فِيهَا حَائِضًا
وَلَو أَن رجلا صَامَ هَذِه الثَّلَاثَة أَيَّام فِي أَيَّام التَّشْرِيق لم يجزه ذَلِك لِأَنَّهُ بلغنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أَمر مناديه أَلا لَا تَصُومُوا هَذِه الثَّلَاثَة الْأَيَّام إِنَّمَا هِيَ أَيَّام أكل وَشرب

(3/230)


فعلى هَذَا الَّذِي صامها أَن يسْتَقْبل الصّيام
وَلَو أَن رجلا صامها فِي رَمَضَان كَانَ صَوْمه ذَلِك من رَمَضَان جَائِزا وَكَانَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل صِيَام الْيَمين بعد أَن يفرغ من رَمَضَان
وَلَو أَن رجلا صَامَ فِيهَا يَوْم النَّحْر أَو يَوْم الْفطر وَهُوَ يعلم بذلك أَو لَا يعلم ثمَّ علم بعد ذَلِك لم يجزه ذَلِك من الصّيام وَكَانَ عَلَيْهِ من يسْتَقْبل الصَّوْم
وَلَو أَن رجلا صامها فِي رَمَضَان كَانَ صَوْمه ذَلِك من رَمَضَان جَائِزا وَكَانَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل صِيَام الْيَمين بعد أَن يفرغ من رَمَضَان وَلَو أَن رجلا صَامَ فِيهَا يَوْم النَّحْر أَو يَوْم الْفطر وَهُوَ يعلم بذلك أَو لَا يعلم ثمَّ علم بعد ذَلِك لم يجزه ذَلِك من الصّيام وَكَانَ 5 عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل الصَّوْم
وَلَو أَن رجلا صامهن قبل أَن يَحْنَث فِي يَمِينه لم يجزه ذَلِك وَكَانَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل الصَّوْم إِذا حنث وَلَو صامهن وَهُوَ يجد مَا يطعم أَو يكسو لم يجزه ذَلِك لِأَن الله عز وَجل يَقُول {فَمن لم يجد فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام} فَهُوَ قد وجد فَلَا يجْزِيه الصّيام
وَلَو أَن رجلا كَانَ مَاله غَائِبا عَنهُ أَو دين لَهُ على النَّاس فَكَانَ لَا يجد مَا يطعم وَلَا مَا يكسو وَلَا يجد مَا يعْتق أجزاه أَن يَصُوم

(3/233)


ثَلَاثَة أَيَّام فِي كفار يَمِينه
وَلَو أَن رجلا لَهُ مَال وَعَلِيهِ دين مثله أَو أَكثر أجزاه الصَّوْم بعد مَا يقْضى دينه من ذَلِك المَال أَلا ترى أَن الصَّدَقَة تحل لهَذَا

(3/234)


وَلَو أَن عبدا صَامَ فِي كَفَّارَة يَمِين ثمَّ أعتق قبل أَن يفرغ فَأصَاب مَالا لم يجزه الصَّوْم وَكَانَ عَلَيْهِ الطَّعَام أَو الْكسْوَة أَو الْعتْق
وَلَو أَن رجلا صَامَ سِتَّة أَيَّام عَن يمينين عَلَيْهِ أجزاه ذَلِك مِنْهُمَا إِذا كَانَ لَا يجد مَا يطعم وَإِن لم ينْو ثَلَاثَة أَيَّام لكل وَاحِد مِنْهُمَا أجزى عَنهُ

(3/235)


وَلَو أَن رجلا صَامَ يَوْمَيْنِ ثمَّ أفطر وَأطْعم ثَلَاثَة مَسَاكِين أَو بَدَأَ بِالطَّعَامِ ثمَّ الصّيام لم يجزه ذَلِك وَكَانَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل الصَّوْم إِن كَانَ لَا يجد مَا يطعم 237

(3/236)


وَلَو أَن رجلا كَانَت عَلَيْهِ يمينان وَعِنْده طَعَام لإحداهما فأطعم لَهَا ثمَّ صَامَ لِلْأُخْرَى أجزاه ذَلِك وَلَو صَامَ لإحداهما ثمَّ أطْعم بعد ذَلِك لِلْأُخْرَى لم يجزه الصَّوْم لِأَنَّهُ صَامَ وَهُوَ يجد مَا يطعم وَكَانَ عَلَيْهِ أَن يسْتَقْبل الصَّوْم الَّتِي صَامَ لَهَا
وَلَو صَامَ رجل عَن رجل بأَمْره فِي كَفَّارَة يَمِينه أَو فِي غير ذَلِك لم يجزه ذَلِك وَكَذَلِكَ لَو أَن مَيتا أوصى عِنْد مَوته أَن يصام عَنهُ فِي كَفَّارَة يَمِين لم يجزه ذَلِك لِأَنَّهُ لَا يَصُوم أحد عَن أحد بلغنَا ذَلِك عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا
- بَاب الْيَمين فِي مجَالِس مُخْتَلفَة
-
وَلَو أَن رجلا حلف على أَمر لَا يَفْعَله أبدا ثمَّ حلف أَيْضا فِي 238

(3/237)


ذَلِك الْمجْلس أَو فِي مجْلِس آخر لَا يَفْعَله أَيْضا أبدا ثمَّ فعل ذَلِك الَّذِي حلف عَلَيْهِ كَانَت عَلَيْهِ كَفَّارَة يمينين إِلَّا أَن يكون نوى بِالْيَمِينِ الْأُخْرَى الْيَمين الأولى فَيكون عَلَيْهِ كَفَّارَة وَاحِدَة وَإِن لم يكن عَنى بِالْيَمِينِ الْآخِرَة الأولى فَعَلَيهِ يمينان وَعَلِيهِ لَهما كفارتان بلغنَا ذَلِك عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَكَذَلِكَ لَو أَرَادَ بِالْيَمِينِ الْآخِرَة التَّغْلِيظ وَالتَّشْدِيد على نَفسه 239

(3/238)


وَلَو أَن رجلا حلف على حق امْرِئ مُسلم على مَال لَهُ عِنْده فَحلف مَا لَهُ عِنْده شَيْء وَهُوَ كَاذِب لم يكن عَلَيْهِ كَفَّارَة وَكَذَلِكَ كل يَمِين تكون على الْمُدَّعِي عَلَيْهِ إِنَّمَا يحلف على شَيْء قد مضى
وَقد بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ الْيَمين الْغمُوس تدع الديار بَلَاقِع وَهَذَا عندنَا الْيَمين الْغمُوس

(3/239)


وبلغنا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ من اقتطع بخصومته وجدله مَال مُسلم فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار فحال

(3/240)


هَذِه الْيَمين شَدِيدَة والمأثم فِيهَا عَظِيم لَيْسَ فِيهَا كَفَّارَة
وَلَو أَن رجلا حلف بِاللَّه لَا يفعل كَذَا وَكَذَا ثمَّ حلف على ذَلِك أَيْضا بِحَجّ ثمَّ حلف على ذَلِك أَيْضا بِالْعُمْرَةِ ثمَّ فعل ذَلِك الشَّيْء كَانَت عَلَيْهِ

(3/241)


كَفَّارَة يَمِين وَحج وَعمرَة بلغنَا عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ
وَلَو أَن رجلا حلف بِاللَّه ليفعلن كَذَا وَكَذَا فوقت لذَلِك وقتا وَذَلِكَ الشَّيْء مَعْصِيّة لله تَعَالَى كَانَ الَّذِي يحِق عَلَيْهِ من ذَلِك أَن لَا يتم على ذَلِك وَأَن يتْرك الَّذِي حلف عَلَيْهِ فَإِذا ذهب الْوَقْت وَوَجَب عَلَيْهِ الْحِنْث كفر بِيَمِينِهِ بلغنَا ذَلِك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ من حلف على يَمِين فَرَأى غَيرهَا خيرا مِنْهَا فليأت الَّذِي هُوَ خير وليكفر عَن يَمِينه
وَلَو أَن رجلا حلف ليفعلن كَذَا وَكَذَا وَلم يُوَقت لذَلِك وقتا كَانَ فِي سَعَة مِمَّا حلف عَلَيْهِ فَمَتَى مَا فعل ذَلِك بر فِي يَمِينه وَخرج مِنْهَا

(3/242)


إِلَّا أَن يَمُوت قبل أَن يفعل ذَلِك فَإِذا مَاتَ قبل أَن يفعل ذَلِك وَجَبت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وَيَنْبَغِي لَهُ أَن يُوصي بهَا عِنْد مَوته
وَلَو أَن رجلا حلف على يَمِين وَاسْتثنى فِيهَا وَقَالَ إِن شَاءَ الله وَصلهَا بِيَمِينِهِ خرج من يَمِينه
وَلَو أَن رجلا حلف على ذَلِك بأيمان كَثِيرَة بعد أَن تكون مُتَّصِلَة فَقَالَ على كَذَا وَكَذَا حجَّة وَكَذَا كَذَا عمْرَة وَمَشى إِلَى بَيت الله وَمَاله فِي الْمَسَاكِين صَدَقَة وَعَلِيهِ عهد الله وميثاقه إِن كلمت فلَانا إِن شَاءَ الله ثمَّ كَلمه لم يكن عَلَيْهِ حنث وَلم يجب عَلَيْهِ شَيْء فِي

(3/243)


أيمانه وَكَذَلِكَ لَو كَانَ فِيهَا عتق وَطَلَاق وبلغنا ذَلِك عَن عَطاء وَطَاوُس وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَغَيرهم أَنهم قَالُوا من حلف بِالطَّلَاق أَو بالعتاق فَقَالَ إِن شَاءَ الله فَلَا شَيْء عَلَيْهِ لَا يَقع عتاق وَلَا طَلَاق إِذا اسْتثْنى وبلغنا عَن عبد الله ابْن عَبَّاس وَعَن ابْن مَسْعُود وَابْن عمر

(3/244)


وَعَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَغَيرهم أَنهم قَالُوا من حلف على يَمِين فَقَالَ إِن شَاءَ الله فَلَا حنث عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَة وَكَذَلِكَ لَو قَالَ إِلَّا أَن يَبْدُو لي أَو قَالَ إِلَّا أَن أرى خيرا من ذَلِك فَأَما إِذا قَالَ إِلَّا أَن لَا أَسْتَطِيع ذَلِك فَهُوَ على وَجْهَيْن إِن كَانَ يَعْنِي مَا سبق من الْقَضَاء

(3/245)


فَهُوَ موسع عَلَيْهِ وَلَو أَن يكلمهُ وَلَا يَقع عَلَيْهِ شَيْء وَإِن كَانَ يَعْنِي إِلَّا أَن لَا أَسْتَطِيع لشَيْء يعرض عَلَيْهِ من البلايا أَو الْحَاجة الَّتِي حلف عَلَيْهَا فَإِن فعل ذَلِك قبل أَن يعرض ذَلِك لَهُ حنث وَإِن فعل بعد مَا يَقع بِهِ مَا قَالَ لم يَحْنَث وَإِن لم يكن لَهُ نِيَّة فِي الِاسْتِطَاعَة فَهُوَ على أَمر يحدث وَلَا يكون عَلَيْهِ الْقَضَاء وَلَا على الْقدر إِلَّا أَن يَنْوِي ذَلِك
وَلَو أَن رجلا قَالَ وَالله لَا أكلم فلَانا وَلَا فلَانا إِن شَاءَ الله يَعْنِي بِالِاسْتِثْنَاءِ اليمينين جَمِيعًا وَلم يكن بَينهمَا سكُوت كَانَ الِاسْتِثْنَاء عَلَيْهِمَا جَمِيعًا وَكَذَلِكَ لَو قَالَ عَليّ حجَّة إِن كلمت فلَانا وَعلي عمْرَة

(3/246)


إِن كلمت فلَانا إِن شَاءَ الله فَكَلمهُ لم يَحْنَث فَأَما إِذا قَالَ عَبدِي حر إِن كلمت فلَانا عَبدِي الآخر حر إِن كلمت فلَانا إِن شَاءَ الله ثمَّ كَلمه كَانَ عَبده الأول حرا فِي الْقَضَاء وَلَا يدين فِي ذَلِك إِلَّا فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى
وَكَذَا لَو قَالَ لامْرَأَته إِن كلمت فلَانا فَأَنت طَالِق أَنْت طَالِق إِن كلمت فلَانا إِن شَاءَ الله ثمَّ كلمت فلَانا كَانَ فِي الْقَضَاء يَقع عَلَيْهَا التطليقة الأولى إِذا كلمت فلَانا وَأما فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى إِذا كَانَ يَعْنِي فِي الِاسْتِثْنَاء ذَلِك كُله فَإِنَّهُ لَا يَقع عَلَيْهَا شَيْء فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى
وَلَو قَالَ إِن كلمت فلَانا فَأَنت طَالِق أَنْت طَالِق إِن شَاءَ الله كَانَ هَذَا فِي الْقَضَاء يَحْنَث وَفِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى لَا يَقع عَلَيْهَا شَيْء حَتَّى تكَلمه وَكَذَلِكَ الْعتْق فِي هَذَا أَيْضا

(3/247)


وَكَذَلِكَ لَو قَالَ لامْرَأَته إِن حَلَفت بطلاقك فَعَبْدي حر وَقَالَ لعَبْدِهِ إِن حَلَفت بعتقك فامرأته طَالِق فَإِن عَبده يعْتق لِأَنَّهُ قد حلف بِطَلَاق امْرَأَته أَلا ترى أَنه لَو قَالَ إِن كلمت فلَانا فَأَنت طَالِق فَإِنَّهُ قد حلف بِطَلَاقِهَا وَكَانَ عَبده حرا وَلَو قَالَ لَهَا إِن حَلَفت بطلاقك فَأَنت طَالِق إِن حَلَفت بطلاقك فَأَنت طَالِق إِن حَلَفت بطلاقك فَأَنت طَالِق وَقعت عَلَيْهِ تَطْلِيقَة الأولى وَالثَّانيَِة إِن كَانَ دخل بهَا وَكَانَت فِي عدَّة مِنْهُ لِأَنَّهُ قد حلف بِطَلَاقِهَا فِي الْمرة الثَّانِيَة فَصَارَت طَالقا بالتطليقة الأولى وحلفه بِطَلَاقِهَا الثَّانِيَة فَصَارَت طَالقا بِالثَّانِيَةِ أُخْرَى وَصَارَت الثَّالِثَة يَمِينا أُخْرَى لم يَحْنَث بعد أَن عَاد فِي الْكَلَام وَقعت عَلَيْهَا أَيْضا تَطْلِيقَة أُخْرَى وَإِن كَانَ لم يدْخل بهَا وَالْمَسْأَلَة على حَالهَا وَقعت عَلَيْهَا تَطْلِيقَة واحة وَسقط مَا سوى ذَلِك
وَلَو أَن رجلا قَالَ لعَبْدِهِ أَنْت حر إِن حَلَفت بِطَلَاق امْرَأَتي

(3/248)


ثمَّ قَالَ لامْرَأَته أَنْت طَالِق إِن شِئْت وَلم يقل غير ذَلِك فَإِن عَبده رَقِيق وَلَا يَقع عَلَيْهِ الْعتْق وَلَيْسَ هَذَا بِيَمِين وَذَلِكَ لَو قَالَ لَهَا أَمرك بِيَدِك أَو اخْتَارِي أَو أَنْت طَالِق إِذا حِضْت حَيْضَة فَلَيْسَ هَذَا بِيَمِين أَلا ترى أَنَّهَا لَو قَامَت من مجلسها ذَلِك بَطل مَا جعل إِلَيْهَا من ذَلِك من أَمرك بِيَدِك أَو اخْتَارِي
ولوقال لَهَا أَنْت طَالِق إِن دخلت هَذِه الدَّار لم يبطل ذَلِك أبدا وَكَانَت طَالقا مَتى مَا دخلت الدَّار فَهَذِهِ يَمِين يعْتق بهَا العَبْد
وَكَذَلِكَ قَوْله أَنْت طَالِق إِن تَكَلَّمت أَو أَنْت طَالِق إِن قُمْت

(3/249)


أَو أَنْت طَالِق إِن حضتي فَهَذِهِ يَمِين أَيْضا يَقع بهَا عتق العَبْد وَطَلَاق الْمَرْأَة
- بَاب المساكنة فِي كَفَّارَة الْيَمين
-
وَلَو أَن رجلا حلف بِاللَّه أَن لَا يساكن فلَانا وَلَا نِيَّة لَهُ فساكنه فِي دَار وكل وَاحِد مِنْهُمَا فِي مَقْصُورَة وَحدهَا لم يَحْنَث فَإِن كَانَ نوى ذَلِك فقد ساكنه وَوَقع عَلَيْهِ الْحِنْث وَالْكَفَّارَة فَإِن كَانَ نوى حِين حلف أَن لَا يساكنه فِي بَيت أَو فِي حجرَة أَو فِي منزل وَاحِد

(3/250)


يكونَانِ جَمِيعًا فِيهِ لم يَحْنَث حَتَّى يساكنه فِيمَا نوى وَكَذَلِكَ لَو سمى بَيْتا أَو لم يُسَمِّي بَيْتا وَلَو لم يُنَوّه ثمَّ ساكنه فِي قَرْيَة أَو فِي مَدِينَة وكل وَاحِد مِنْهُمَا فِي دَار وَحدهَا لم يَحْنَث وَلم يَقع عَلَيْهِ الْيَمين إِلَّا أَن يَنْوِي ذَلِك فَإِن نوى أَن لَا يساكنه فِي مَدِينَة وَلَا فِي قَرْيَة وَفِي مصر وَلم يسم ذَلِك أَو سمى ذَلِك فساكنه فِي شَيْء من ذَلِك حنثا وَلَا تكون المساكنة فِي ذَلِك إِلَّا لم يَنْوِي فِي دَار وَاحِدَة أَو بَيت وَاحِد
وَلَو حلف أَن لَا يساكنه فِي بَيت فَدخل عَلَيْهِ فِي بَيته زَائِرًا أَو أَضَافَهُ فَأَقَامَ فِي بَيته يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ لم يَحْنَث لِأَن هَذَا لَيْسَ بمساكنة إِلَّا أَن يَنْوِي هَذَا وَإِنَّمَا المساكنة النقلَة إِلَيْهِ بمتاعه وَأَهله أَلا ترى أَن الرجل قد يمر بالقرية فيدخلها ويبيت فِيهَا ويقيل فِيهَا ثمَّ يَقُول مَا سكنتها

(3/251)


قطّ فَيكون صَادِقا
وَلَو أَن رجلا كَانَ سَاكِنا فِي دَار فَحلف أَن لَا يسكنهَا وَلَا نِيَّة لَهُ ثمَّ أَقَامَ فِيهَا بعد يَمِينه يَوْمًا أَو أَكثر من ذَلِك وَقع عَلَيْهِ حنث وَكَانَ قد سكنها فَيَنْبَغِي لَهُ حِين حلف أَن يخرج مِنْهَا من سَاعَته

(3/252)


وَلَو أَن رجلا حلف أَن لَا يساكن فلَانا فِي دَار قد سَمَّاهَا بِعَينهَا فاقتسما الدَّار وَضَربا بَينهمَا حَائِطا ثمَّ فتح كل وَاحِد بَابا لنَفسِهِ ثمَّ سكن الْحَالِف فِي طَائِفَة وَالْآخر فِي طَائِفَة كَانَ قد ساكنه وَوَقع عَلَيْهِ الْحِنْث لِأَنَّهُ قد ساكنه فِيهَا بِعَينهَا
وَلَو حلف لَا يساكنه فِي منزل وَلم يكن لَهُ نِيَّة وَلم يسم دَارا بِعَينهَا وَكَانَت الدَّار قد قسمت قبل ذَلِك فضربا حَائِطا بَينهمَا وَفتح كل وَاحِد مِنْهُمَا بَابا لنَفسِهِ على حدا ثمَّ سكن الْحَالِف فِي أحد الْقسمَيْنِ وَالْآخر فِي الْقسم الآخر لم يَقع عَلَيْهِ الْحِنْث وَكَانَ على يَمِينه كَمَا هُوَ وَلم يكن عَلَيْهِ حنث وَلَا كَفَّارَة

(3/253)


وَلَو حلف رجل لَا يساكن رجلا وَلم يكن لَهُ نِيَّة فساكنه فِي دَار عَظِيمَة فِيهَا مقاصير فَكَانَ الْحَالِف فِي مَقْصُورَة يغلق عَلَيْهَا بَاب ويسكن الآخر فِي مَقْصُورَة أُخْرَى لم يَقع عَلَيْهِ الْحِنْث وَإِنَّمَا يَقع الْيَمين فِي هَذَا على منزل وَاحِد أَلا ترى لَو كَانَ سَاكِنا فِي نَاحيَة من الدَّار مثل دَار الْوَلِيد وَكَانَ الآخر فِي منزل فِي أقصاها أَنه لَا يَحْنَث
وَإِذا حلف الرجل لَا يساكن رجلا وَهُوَ يَعْنِي فِي بَيت وَاحِد فساكنه فِي منزل وكل وَاحِد فِي بَيت لم يَحْنَث
وَلَو حلف أَن لَا يساكنه فِي دَار فَهُوَ كَمَا عَنى إِن ساكنه فِي دَار حنث
وَإِذا حلف الرجل أَن لَا يسكن دَارا بِعَينهَا فهدمت وبنيت بِنَاء آخر فسكنها وَلم يكن لَهُ نِيَّة فقد حلف لِأَنَّهَا تِلْكَ الدَّار بِعَينهَا

(3/254)


وَإِذا حلف الرجل لَا يسكن دَار فلَان هَذِه فَبَاعَ فلَان دَاره تِلْكَ الَّتِي حلف عَلَيْهَا فسكنها الْحَالِف فَإِن كَانَ حِين حلف نوى مَا دَامَت لفُلَان فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث فَإِن لم يكن نوى ذَلِك فَإِنَّهُ يَحْنَث لِأَنَّهَا تِلْكَ الدَّار بِعَينهَا فِي قَول مُحَمَّد وَلَا يَحْنَث فِي قَول وَأبي يُوسُف

(3/255)


وَإِذا حلف الرجل لَا يسكن بَيْتا فهدم ذَلِك الْبَيْت حَتَّى ترك صحراء ثمَّ بِنَا بَيْتا آخر فِي ذَلِك الْموضع فسكنه لم يَحْنَث لِأَن هَذَا لَيْسَ بذلك الْبَيْت وَهَذَا وَالدَّار مُخْتَلف قد تسمى الدَّار دَارا وَلَا بِنَاء فِيهَا وَلَا يُسمى الْبَيْت بَيْتا وَهُوَ صحراء وكل يَمِين حلف فِي هَذِه السُّكْنَى كلهَا بِعِتْق أَو طَلَاق أَو غير ذَلِك فَهُوَ سَوَاء
وَإِذا حلف الرجل لَا يسكن دَارا لفُلَان وَلم يسم دَارا بِعَينهَا وَلم ينوها فسكن دَارا لَهُ قد بَاعهَا لم يَحْنَث وَإِن سكن دَارا لَهُ

(3/256)


قد اشْتَرَاهَا حنث وَإِنَّمَا يَقع الْيَمين على مَا يملك يَوْم يسكنهَا أَلا ترى أَنه لَو حلف لَا يَأْكُل من طَعَام لفُلَان فَأكل من طَعَام قد ابتاعه فلَان بعد تِلْكَ الْيَمين وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا حلف فالحلف على الدَّار الَّتِي يملك فلَان يَوْمئِذٍ وَإِن اشْترى دَارا أُخْرَى فسكنها أَو دَخلهَا لم يَحْنَث وَلَا يشبه الدَّار الطَّعَام وَالشرَاب
وَإِذا حلف الرجل لَا يسكن دَارا لفُلَان فسكن دَارا لفُلَان وَالْآخر لم يَحْنَث لِأَنَّهَا لَيست لفُلَان كلهَا وَلَو كَانَت لفُلَان كلهَا إِلَّا سَهْما مِنْهَا من مائَة سهم لم يَحْنَث الْحَالِف

(3/257)


وَإِذا حلف الرجل لَا يسكن دَارا اشْتَرَاهَا فلَان فَاشْترى فلَان دَارا لغيره فسكنها الْحَالِف حنث إِلَّا أَن يكون نوى لَا يسكن دَارا اشْتَرَاهَا فلَان لنَفسِهِ وَإِن نوى ذَلِك لم يَحْنَث وَإِن كَانَ حلف بِعِتْق أَو طَلَاق لم يدين فِي قَضَاء وَوَقع عَلَيْهِ ذَلِك وَحنث
وَإِذا حلف الرجل لَا يسكن بَيْتا وَلَا نِيَّة لَهُ فسكن بَيْتا من شعر من بيُوت أهل الْبَادِيَة أَو فسطاطا أَو خيمة لم يَحْنَث الْحَالِف إِذا كَانَ من أهل الأحصار وَإِنَّمَا يَقع هَذَا على مَعَاني كَلَام النَّاس وَلَو كَانَ من أهل بادية فسكن بَيت شعر حنث

(3/258)


وَإِذا حلف الرجل لَا يسكن بَيْتا لفُلَان وَلَا نِيَّة لَهُ فسكن صفة لفُلَان حنث لِأَن الصّفة بَيت إِلَّا أَن يكون نوى الْبيُوت دون الصِّفَات فَإِن نوى ذَلِك لم يَحْنَث وَكَذَلِكَ لَو حلف فِي هَذَا بِعِتْق أَو طَلَاق دين فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى وَلَا يدين فِي الْقَضَاء وَإِذا حلف الرجل لَا يسكن دَار فلَان هَذِه فسكن منزلا مِنْهَا فقد سكنها إِلَّا أَن يكون عَنى لَا يسكنهَا كلهَا فَإِن كَانَ عَنى ذَلِك لم يَحْنَث حَتَّى يسكنهَا كلهَا وَإِن لم يكن لَهُ نِيَّة فسكنها حنث لِأَن كَلَام النَّاس على هَذَا يَقع وَكَذَلِكَ لَو حلف على هَذَا بِعِتْق أَو طَلَاق

(3/259)


وَإِذا حلف الرجل لَا يسكن دَارا لفُلَان وَهُوَ يَعْنِي بِأَجْر وَلم يَقع قبل هَذَا كَلَام فسكنها بِغَيْر أجر فقد حنث وَلَا تغني عَنهُ النِّيَّة هَهُنَا شَيْئا لِأَنَّهُ لم يكن قبل هَذَا كَلَام يذكر فِيهِ الْأجر
وَكَذَلِكَ لَو حلف لَا يسكنهَا وَهُوَ يَعْنِي عَارِيا فسكنها بِأَجْر أَو سكنها على وَجه غير عَارِية فَإِنَّهُ يَحْنَث
- بَاب الدُّخُول فِي كَفَّارَة الْيَمين
-
وَإِذا حلف الرجل لَا يدْخل بَيْتا لفُلَان وَلم يسم بَيْتا بِعَيْنِه وَلم يُنَوّه وَلم يكن لَهُ نِيَّة فِي يَمِينه ثمَّ دخل بَيْتا لفُلَان هُوَ فِيهِ سَاكن

(3/260)


فَأَنَّهُ يَحْنَث لِأَن هَذَا بَيت لفُلَان أَلا ترى أَنَّك تَقول بَيت فلَان ومنزل فلَان وَهُوَ سَاكن فِيهِ بِإِجَارَة أَو سُكْنى
وَإِذا حلف الرجل أَن لَا يدْخل على فلَان وَلم يسم شَيْئا وَلم يكن لَهُ نِيَّة فَدخل عَلَيْهِ فِي بَيته فَإِنَّهُ يَحْنَث وَكَذَلِكَ إِن دخل عَلَيْهِ فِي بَيت لرجل آخر وَكَذَلِكَ لَو دخل عَلَيْهِ فِي صفة الْبَيْت وَالْبَيْت وَالصّفة سَوَاء لِأَن الصّفة بَيت وَلَو كَانَ الْحَالِف من أهل الْبَادِيَة فَحلف أَن لَا يدْخل عَلَيْهِ بَيْتا فَدخل عَلَيْهِ فِي بَيت شعر أَو بَيْتا مَبْنِيا كَانَ سَوَاء وَكَانَ يَحْنَث فِي ذَلِك

(3/261)


وَلَو حلف رجل لَا يدْخل بَيْتا ابدا وَلم يكن لَهُ نِيَّة وَلم يسم شَيْئا فَدخل الْمَسْجِد لم يَحْنَث وَلَو دخل الْكَعْبَة لم يَحْنَث لِأَن الْكَعْبَة مصلى بِمَنْزِلَة الْمَسْجِد وكل شَيْء من المساكن يَقع عَلَيْهِ اسْم بَيت فَهُوَ بَيت يَحْنَث فِيهِ إِن دخله وكل شَيْء لَا يَقع عَلَيْهِ اسْم بَيت فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث أَلا ترى أَنه لَو دخل عَلَيْهِ فِي قبَّة أَو ظلة لم يَحْنَث
وَإِذا حلف الرجل لَا يدْخل بَيت فلَان هَذَا فهدم ذَلِك الْبَيْت حَتَّى صَار صحراء ثمَّ دخل ذَلِك الْمَكَان لم يَحْنَث لِأَنَّهُ لَا يُسمى بَيْتا

(3/262)


وَقد صَار صحراء وَلَو بنى فِي مَوْضِعه بَيْتا آخر فدخله لم يَحْنَث لِأَن هَذَا لَيْسَ بذلك الْبَيْت وَلَيْسَ الدَّار فِي هَذَا كالبيت
وَلَو حلف لَا يدْخل دَارا بِعَينهَا فهدمت تِلْكَ الدَّار حَتَّى صَارَت صحراء ثمَّ دَخلهَا حنث لِأَنَّهَا لَيست دَارا أُخْرَى وَكَذَلِكَ لَو بنيت دَارا أُخْرَى كَانَت تِلْكَ الدَّار بِعَينهَا وَالْبَيْت لَا يكون بَيْتا إِلَّا بِالْبِنَاءِ وَالدَّار قد تكون دَارا بِغَيْر بِنَاء
وَإِذا حلف الرجل ان لَا يدْخل على فلَان وَلم ينْو شَيْئا فَدخل الدَّار وَفُلَان فِيهَا لم يَحْنَث أَلا ترى أَن فلَانا لَو كَانَ فِي بَيت مِنْهَا لَا يرَاهُ الدَّاخِل لم يكن دَاخِلا عَلَيْهِ أَرَأَيْت لَو كَانَت دَارا عَظِيمَة فِيهَا منَازِل فَكَانَ فلَان فِي منزل مِنْهَا فَدخل الْحَالِف منزلا آخر مِنْهَا وَهُوَ يحْسب أَن فلَانا لم يَحْنَث وَلم يكن دَاخِلا على فلَان وَإِنَّمَا وَقع الْيَمين فِي هَذَا إِذا دخل عَلَيْهِ بَيْتا أَو صفة
وَإِذا حلف الرجل لَا يدْخل على فلَان بَيْتا فَدخل بَيْتا وَفُلَان فِيهِ لَا يَنْوِي بذلك الدُّخُول عَلَيْهِ لم يَحْنَث أَرَأَيْت لَو نوى الدُّخُول على

(3/263)


غَيره وَهُوَ الْبَيْت مَعَه أَكَانَ يَحْنَث إِنَّمَا دخل على غير الَّذِي حلف عَلَيْهِ
وَإِذا حلف الرجل أَن لَا يدْخل على فلَان دَارا فَدخل عَلَيْهِ فِي دَاره فَإِنَّهُ يَحْنَث وَكَذَلِكَ لَو نوى دَارا وَلم يسم
وَإِذا حلف الرجل لَا يدْخل بَيْتا وَهُوَ فِيهِ دَاخل فَأَقَامَ فِيهِ بعد الْحلف أَيَّامًا لم يَحْنَث لِأَنَّهُ لم يدْخل وَلَيْسَ الدُّخُول فِي هَذَا كالسكنى أَلا ترى أَنه لم يسْتَقْبل دُخُولا مذ حلف وَالسُّكْنَى مَا أَقَامَ فِي الْبَيْت فَهُوَ لَهُ سَاكن أَلا ترى أَنه لَو قَالَ وَالله لأسكنن هَذَا الْبَيْت غَدا وَهُوَ فِيهِ يَوْم حلف سَاكن فَأَقَامَ فِيهِ حَتَّى مضى غَدا كَانَ سَاكِنا فِيهِ وَكَانَ قد بر فِي يَمِينه وَكَانَ سَاكِنا كَمَا قَالَ

(3/264)


وَلَو قَالَ وَالله لأدخلنه غَدا ثمَّ أَقَامَ حَتَّى مضى غَدا حنث لِأَنَّهُ لم يدْخل كَمَا قَالَ قلت فَإِن نوى لأدخلنه غَدا أَن يُقيم فِيهِ كَمَا هُوَ فَفعل ذَلِك قَالَ هَذَا يبر وَلَا يَحْنَث إِذا نوى ذَلِك
وَإِذا قَالَ الرجل وَالله لَا أَدخل هَذِه الدَّار إِلَّا عَابِر سَبِيل فَدَخلَهَا ليقعد فِيهَا أَو دَخلهَا ليعود مَرِيضا فِيهَا أَو دَخلهَا ليطعم فِيهَا وَلم يكن لَهُ نِيَّة حِين حلف فَإِنَّهُ يَحْنَث وَلَكِن إِذا دَخلهَا مجتازا ثمَّ بدا لَهُ فَقعدَ فِيهَا لم يَحْنَث وَإِنَّمَا أَضَع الْيَمين إِذا حلف لَا يدخلهَا إِلَّا عَابِر سَبِيل مثل قَوْله وَالله لَا أدخلها إِلَّا مار الطَّرِيق وَالله لَا أدخلها إِلَّا مجتازا إِلَّا أَن يَنْوِي أَن لَا أدخلها يُرِيد النُّزُول فِيهَا فان نوى ذَلِك فانه يَسعهُ وَإِن دَخلهَا يُرِيد أَن يطعم فِيهَا أَو يقْعد لحَاجَة لَا يُرِيد الْمقَام فِيهَا فانه لَا يَحْنَث لأنهه كَذَلِك نوى

(3/265)


وَإِذا حلف الرجل لَا يدْخل دَار فلَان هَذِه فَبَاعَ فلَان دَاره تِلْكَ من آخر فَدَخلَهَا الْحَالِف وَلم يكن لَهُ نِيَّة حِين حلف فانه لَا يَحْنَث مَتى مَا دَخلهَا فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن يَحْنَث إِذا قَالَ هَذِه الدَّار فان كَانَ نوى حِين حلف أَن لَا يدخلهَا مَا دَامَت لفُلَان فَبَاعَهَا فلَان أَو خرجت من ملكه بِغَيْر بيع فَدَخلَهَا فانه لَا يَحْنَث وَإِن لم يكن لَهُ نِيَّة فانه يَحْنَث مَتى مَا دَخلهَا فِي قَول مُحَمَّد بن الْحسن أَلا ترى أَنه لَو قَالَ وَالله لَا أكلم صَاحب هَذِه الدَّار فَكَلمهُ بعد مَا بَاعهَا حنث أَلا ترى أَنه لَو قَالَ وَالله لَا أكلم فلَانا زوج فُلَانَة

(3/266)


فَكَلمهُ بعد مَا طَلقهَا حنث أَو قَالَ وَالله لَا أكلم فُلَانَة امْرَأَة فلَان فكلمها بعد مَا طَلقهَا حنث وَكَذَلِكَ لَو قَالَ وَالله لَا أكلم عبد فلَان هَذَا فَكَلمهُ بعد مَا بَاعه فلَان أَو بعد مَا أعْتقهُ فانه يَحْنَث فِي قَول مُحَمَّد
وَإِذا قَالَ وَالله لَا أَدخل دَار فلَان هَذِه فَجَعلهَا فلَان بستانا أَو مَسْجِدا أَو جعلهَا غير ذَلِك فَدَخلَهَا لم يَحْنَث لِأَنَّهَا قد تَغَيَّرت عَن حَالهَا وَصَارَت غير دَار وَكَذَلِكَ لَو صنعت بيعَة أَو حَماما وَكَذَلِكَ لَو كَانَت دَارا صَغِيرَة فَجَعلهَا بَيْتا وَاحِدًا وأشرع بَابه إِلَى الطَّرِيق أَو إِلَى دَار فَدَخلَهَا لم يَحْنَث لِأَنَّهَا قد تَغَيَّرت وَصَارَت بَيْتا

وَإِذا حلف الرجل لَا يدْخل لفُلَان دَارا وَلم يسم شَيْئا وَلم يكن لَهُ نِيَّة فَدخل دَارا قد بَاعهَا فلَان لم يَحْنَث لِأَنَّهُ لم يدْخل لَهُ دَارا وَإِن دخل دَارا وَفُلَان فِيهَا بِإِجَارَة أَو بِغَيْر إِجَارَة فانه يَحْنَث لِأَنَّهُ قد دخل دَار فلَان أَلا ترى أَنَّك تَقول دخلت منزل فلَان

(3/267)


وَإِنَّمَا هُوَ فِيهِ بِأُجْرَة وَيَقُول الرجل هَذَا منزلي وَهَذِه دَاري وَهُوَ مَعَه بِالْأُجْرَةِ وَهَذَا فِي كَلَام النَّاس جَائِز
وَإِذا حلف الرجل لَا يدْخل بَيْتا بِعَيْنِه فهدم سقف ذَلِك الْبَيْت وَبقيت حيطانه ثمَّ دخله حنث لِأَنَّهُ ذَلِك الْبَيْت أَلا ترى أَنَّك تَقول هَذَا بَيت فلَان وَقد هدم سقفه
وَإِذا حلف الرجل لَا يدْخل دَارا اشْتَرَاهَا فلَان وَلم يكن لَهُ نِيَّة فَدخل دَارا اشْتَرَاهَا فلَان لغيره فانه يَحْنَث أَلا ترى أَن فلَانا هُوَ الَّذِي اشْتَرَاهَا وَإِن كَانَ حِين حلف نوى لَا يدْخل دَارا اشْتَرَاهَا فلَان لنَفسِهِ فان النِّيَّة تسعه وَلَا يَحْنَث فِي دُخُوله هَذِه الدَّار

(3/268)


وَإِذا اشْترى فلَان دَارا وَآخر مَعَه اشترياها جَمِيعًا لأنفسهما فَدَخلَهَا لم يَحْنَث لِأَن فلَانا لم يشترها كلهَا
وَإِذا حلف الرجل لَا يدْخل دَار فلَان فاحتمله إِنْسَان فَأدْخلهُ وَهُوَ كَارِه لم يَحْنَث أَلا ترى أَنه إِنَّمَا أدخلها وَلم يدْخل هُوَ وَإِن أَمر رجلا فاحتمله فَأدْخلهُ فقد دخل وَحنث وَإِن دَخلهَا على دَابَّة فقد دخل وَحنث
وَإِذا حلف الرجل لَا يضع قدمه فِي دَار فلَان فَدَخلَهَا رَاكِبًا أَو مَاشِيا عَلَيْهِ حذاء أَو لَيْسَ عَلَيْهِ حذاء فانه يَحْنَث لِأَن مَعَاني كَلَام

(3/269)


النَّاس هَهُنَا إِنَّمَا تقع على الدُّخُول وَإِن كَانَ نوى حِين حلف أَن لَا أَضَع قدمي فِيهَا مَاشِيا فَدَخلَهَا رَاكِبًا لم يَحْنَث
وَإِذا حلف الرجل لَا يدْخل دَار فلَان فَقَامَ على حَائِط من حيطانها حنث وَلَو قَامَ فِي طابق بَاب الدَّار غير أَن الْبَاب إِذا أغلق كَانَ الرجل دونه وَكَذَلِكَ إِن حلف لَا يدْخل بَيْتا فَقَامَ فِي بَابه وَالْبَاب بَينه وَبَين الْبَيْت إِذا أغلق فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث وَلَو كَانَ دَاخِلا فِي الْبَيْت أَو فِي الدَّار فَحلف لَا يخرج فَقَامَ فِي مَوضِع وَالْبَاب إِذا أغلق كَانَ الرجل خَارِجا من الْبَيْت وَالدَّار فَإِنَّهُ يَحْنَث لِأَنَّهُ قد خرج

(3/270)


وَإِذا حلف الرجل لَا يدْخل دَارا فَأدْخل إِحْدَى رجلَيْهِ الدَّار وَلم يدْخل الْأُخْرَى فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ لم يدْخل
وَإِذا حلف الرجل لَا يدْخل دَارا لفُلَان بِعَينهَا فَدخل من حَائِط لَهَا ذليل حَتَّى قَامَ على سطح من سطوحها فقد دخل الدَّار وَلَو أَنه دخل بَيْتا من تِلْكَ الدَّار قد أشرع إِلَى السِّكَّة كَانَ قد دخل الدَّار وَحنث

(3/271)


وَإِذا حلف الرجل لَا يدْخل دَار فلَان وَلَا نِيَّة لَهُ فَدخل بَيْتا فِي علوها على الطَّرِيق الْأَعْظَم أَو دخل كنيفا مِنْهَا شَارِعا إِلَى الطَّرِيق الْأَعْظَم حنث وَكَانَ هَذَا دُخُولا فِي الدَّار وَالله تَعَالَى أعلم
- بَاب الْخُرُوج فِي كَفَّارَة الْيَمين
-
وَإِذا حلف الرجل على امْرَأَته بِالطَّلَاق أَو بالعتاق أَو بِيَمِين غير ذَلِك لاتخرج من الدَّار حَتَّى يَأْذَن لَهَا وَلم يكن لَهُ نِيَّة فَأذن لَهَا مرّة وَاحِدَة ثمَّ خرجت بعد ذَلِك يُغير إِذن لم يَقع عَلَيْهِ شَيْء من

(3/272)


تِلْكَ الْأَيْمَان وَكَذَلِكَ لَو حلف بذلك لَا تخرج أبدا إِلَّا أَن يَأْذَن لَهَا فَإِن كَانَ نوى حِين حلف أَن لَا تخرج أبدا حَتَّى يَأْذَن لَهَا فِي كل مرّة فَخرجت مرّة بِإِذْنِهِ وَمرَّة بِغَيْر إِذْنه فَإِن الْيَمين يَقع عَلَيْهَا
وَإِذا حلف الرجل لَا تخرج امْرَأَته من منزله إِلَّا بِإِذْنِهِ أبدا فَحلف على ذَلِك بِعِتْق أَو طَلَاق فَخرجت مرّة بِإِذْنِهِ وَمرَّة أُخْرَى بِغَيْر إِذْنه فَإِنَّهُ يَحْنَث وَيَقَع عَلَيْهِ الْيَمين وَلَو لم يسم فِي ذَلِك أبدا كَانَ كَذَلِك أَيْضا فَإِن نوى بذلك مرّة وَاحِدَة فَإِنَّهُ إِن أذن لَهَا مرّة وَاحِدَة

(3/273)


سَقَطت عَنهُ الْأَيْمَان
وَقَوله إِلَّا أَن آذن لَك مثل قَوْله حَتَّى آذن لَك وَمثل قَوْله حَتَّى يقدم فلَان وَقَوله إِلَّا بإذني مثل قَوْله لَا تخرجي أبدا إِلَّا رَاكِبًا أَو على دَابَّة أَو إِلَّا بِدَابَّة فَلَا بُد من أَن يكون ذَلِك مَعهَا فِي كل مرّة وَإِلَّا حنث
وَإِذا حلف الرجل على امْرَأَته لَا تخرج من بَيته فَخرجت إِلَى الدَّار فَإِنَّهُ يَحْنَث لِأَنَّهُ قد سمى الْبَيْت وَكَذَلِكَ لَو حلف رجل على

(3/274)


رجل لَا يدْخل بَيته فَدخل دَاره لم يَحْنَث لِأَن الْحلف إِنَّمَا كَانَ على الْبَيْت
وَإِذا حلف الرجل على بعض أَهله أَن لَا تخرج من بَاب هَذِه الدَّار فَخرجت من هَذِه الدَّار من غير الْبَاب لم يَحْنَث وَكَذَلِكَ لَو حلف لَا يدْخل من بَاب هَذِه الدَّار بَابا بِعَيْنِه فَدخل من غير الْبَاب لم يَحْنَث وَلَو أحدث للدَّار بَابا آخر فَخرج مِنْهُ أَو دخل مِنْهُ حنث

(3/275)


إِلَّا أَن يكون قَالَ من هَذَا الْبَاب فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث لِأَن الْيَمين وَقعت على الْبَاب الأول وَهَذَا بَاب آخر وَالْبَيْت فِي هَذَا وَالدَّار سَوَاء
وَلَو حلف لَا تخرج من الدَّار فاحتملها هُوَ فأخرجها لم يَحْنَث لِأَنَّهَا لم تخرج إِنَّمَا أخرجت وَكَذَلِكَ لَو احتملها غَيره فأخرجها إِلَّا أَن تكون هِيَ امْرَأَته فَتكون هِيَ الَّتِي خرجت وَيَقَع عَلَيْهَا الْيَمين وَإِذا حلف على أحد من أَهله لَا يخرج من الْمنزل إِلَّا أَن يَأْذَن لَهُ فَأذن لَهُ حَيْثُ لَا يسمع وَلم يكن حَاضرا لذَلِك فَإِن هَذَا لَا يكون بِإِذن وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وفيهَا قَول آخر قَول أبي يُوسُف إِن هَذَا إِذا حضر أَو لم يحضر

(3/276)


وَإِذا حلف الرجل على بعض أَهله لَا يخرج من الْمنزل إِلَّا فِي كَذَا وَكَذَا فَخرجت فِي ذَلِك الشَّيْء مرّة ثمَّ خرجت فِي غَيره فَإِنَّهُ يَحْنَث فَإِن كَانَ عَنى أَن لَا تخرج هَذِه الْمرة إِلَّا فِي كَذَا وَكَذَا فَخرجت فِي تِلْكَ الْمرة ثمَّ خرجت فِي غير ذَلِك لم يَحْنَث وَإِذا خرجت لذَلِك الشَّيْء الَّذِي حلف عَلَيْهِ ثمَّ بدا لَهَا فَانْطَلَقت فِي غَيره وَلم تَنْطَلِق فِي ذَلِك لم يَحْنَث لِأَن الْخُرُوج كَانَ فِي الَّذِي حلف عَلَيْهِ بِعَيْنِه وَلَا يفْسد ذَلِك انطلاقها فِي غَيره
وَإِذا حلف الرجل على بعض أَهله لَا يخرج مَعَ فلَان من الْمنزل

(3/277)


وَلَا نِيَّة لَهُ فَخرج مَعَه غَيره ثمَّ خرج فلَان فَلحقه لم يَحْنَث وَكَذَلِكَ لَو حلف لَا يدْخل فلَان عَلَيْهَا بَيْتا فَدخل فلَان الْبَيْت وَلَيْسَت الْمَرْأَة فِيهِ ثمَّ دخلت الْمَرْأَة بعد ذَلِك الْبَيْت وَفُلَان فِيهِ فاجتمعا جَمِيعًا لم يَحْنَث لِأَن فلَانا لم يدْخل عَلَيْهَا إِنَّمَا هِيَ الَّتِي دخلت عَلَيْهِ
وَلَو حلف رجل على بعض أَهله أَن لَا يخرج من الدَّار فَدخل بَيْتا فِي علوها أَو كنيفا شَارِعا إِلَى الطَّرِيق الْأَعْظَم لم يكن هَذَا خُرُوجًا من الدَّار وَلم يَحْنَث لِأَنَّهَا فِيهَا بعد لِأَن الكنيف من الدَّار والعلو من الدَّار
- بَاب الْكَفَّارَة فِي الْيَمين فِي أكل الطَّعَام
-
وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل طَعَاما وَلَا يشرب شرابًا فذاق من ذَلِك شَيْئا وَلم يدْخلهُ جَوْفه وَلَا حلقه فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث فَأَما إِذا قَالَ

(3/278)


لَا أَذُوق طَعَاما وَلَا أَذُوق شرابًا فذاق شَيْئا من ذَلِك لم يدْخل جَوْفه فَإِنَّهُ يَحْنَث وَإِن عَنى شربه وَأكله فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث حَتَّى يشربه ويأكله فَأَما إِذا قَالَ لَا أَذُوق طَعَاما وَلَا أَذُوق شرابًا وَلَا نِيَّة لَهُ فذاق شَيْئا من ذَلِك وَلم يدْخل جَوْفه فَإِنَّهُ يَحْنَث أَلا ترى أَن الصَّائِم يَقُول قد ذقت كَذَا وَكَذَا وَلَا يفطره ذَلِك وَلَو تمضمض فِي وضوء الصَّلَاة لم يَحْنَث وَلم يكن هَذَا من الذَّوْق وَإِنَّمَا الذَّوْق عندنَا مَا دخل فَاه يُرِيد أَن يعلم مَا طعمه
وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل شَيْئَيْنِ من الطَّعَام فسماهما فَقَالَ وَالله لَا آكل كَذَا وَكَذَا فَأَيّهمَا أكل حنث أَلا ترى أَنه لَو قَالَ وَالله

(3/279)


لَا آكل قَلِيلا وَلَا كثيرا حنث وَلَو قَالَ وَالله لَا أَذُوق طَعَاما وَلَا شرابًا فذاق أَحدهمَا حنث وَكَذَلِكَ لَو قَالَ وَالله لَا أكلم فلَانا أَو فلَانا فَأَيّهمَا كلم حنث
وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل لَحْمًا وَلم يكن لَهُ نِيَّة فَأكل سمكًا لم يَحْنَث لِأَن اللَّحْم هُنَا وَالْيَمِين إِنَّمَا يَقع على مَعَاني كَلَام النَّاس أَلا ترى أَنه لَو أكل ربيثا أَو صحناء أَو صيرا أَو كنعدا لم يَحْنَث

(3/280)


وَلم يكن هَذَا من اللَّحْم وَإِن كَانَ يَوْم حلف عَنى السّمك مَعَ اللَّحْم فَأَكله حنث والطري والمالح فِي ذَلِك سَوَاء أَلا ترى إِلَى قَول الله تبَارك وَتَعَالَى فِي كِتَابه {لتأكلوا مِنْهُ لَحْمًا طريا}

(3/281)


وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل لَحْمًا وَلَا نِيَّة فَأَي لحم أكل فانه يَحْنَث إِن أكل لحم غنم أَو إبل أَو بقر أَو طير مشوي أَو مطبوخا أَو صفيفا فانه يَحْنَث وَكَذَلِكَ لَو أكل شَيْئا من الْبُطُون والرؤوس وَكَذَلِكَ

(3/282)


لَو أكل شحما مِمَّا يكون مَعَ اللَّحْم حنث فَأَما إِذا كَانَ من شَحم الْبَطن فانه لَا يَحْنَث إِلَّا أَن يكون نوى ذَلِك لِأَن الشَّحْم غير اللَّحْم وَكَذَلِكَ لَو أكل من الألية شَيْئا فانه لَا يَحْنَث إِلَّا أَن يكون نوى ذَلِك لِأَن الشَّحْم والألية غير اللَّحْم

(3/283)


وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل إدَامًا وَلَا نِيَّة لَهُ فالإدام عندنَا اللَّبن وَالزَّيْت والخل والزبد وَأَشْبَاه ذَلِك فان أكل شَيْئا من ذَلِك حنث وَإِذا أكل جبنا أَو بيضًا أَو مَا أشبه ذَلِك مِمَّا لَا يؤتدم بِهِ لم يَحْنَث

(3/284)


وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَالَ مُحَمَّد يَحْنَث فِي كل شَيْء يُؤْكَل مَعَ الْخبز مِمَّا الْغَالِب عَلَيْهِ ذَلِك مثل اللَّحْم المشوي والجبن وَنَحْو ذَلِك فَهُوَ أَدَم كُله يَحْنَث

(3/285)


وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل من طَعَام فلَان وَلَا نِيَّة لَهُ فَاشْترى فلَان طَعَاما بعد الْيَمين فَأكل مِنْهُ فانه يَحْنَث مَا كَانَ فِي ملكه يَوْم حلف الْحَالِف وَمَا أصَاب بعد ذَلِك فَهُوَ سَوَاء أَلا ترى أَنه طَعَامه وَكَذَلِكَ لَو حلف لَا يدْخل منزلا فَاشْترى منزلا فدخله
وَإِذا اشْترى الْحَالِف من طَعَام الْمَحْلُوف عَلَيْهِ أَو وهبه لغيره فَاشْتَرَاهُ أَو اشْتَرَاهُ غَيره فَأكل مِنْهُ الْحَالِف لم يَحْنَث لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَعَام لفُلَان الْمَحْلُوف عَلَيْهِ
وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل طَعَاما يَنْوِي طَعَاما بِعَيْنِه أَو حلف لَا يَأْكُل لَحْمًا يَنْوِي لَحْمًا بِعَيْنِه فَأكل غَيره من اللَّحْم أَو غَيره من الطَّعَام فانه لَا يَحْنَث
وَلَو حلف على ذَلِك بِعَيْنِه أَو طَلَاق لم يَحْنَث فِيمَا بَينه وَبَين الله

(3/286)


تَعَالَى فَأَما فِي الْقَضَاء فانه لَا يدين فِي ذَلِك وَيَقَع عَلَيْهِ الْعتْق وَالطَّلَاق
وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل شواء وَهُوَ يَنْوِي كل شَيْء يشوي فَأَي ذَلِك أكل فانه يَحْنَث فان لم يكن لَهُ نِيَّة فَلَا يَقع هَذَا إِلَّا على

(3/287)


اللَّحْم فَإِن أكل لَحْمًا مشويا حنث وَإِن أكل غَيره مِمَّا يشوي لم يَحْنَث
وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل رَأْسا وَهُوَ يَنْوِي الرؤوس كلهَا من السّمك وَالْغنم وَغَيرهَا فَأَي ذَلِك مَا أكل فانه يَحْنَث وَإِن لم يكن لَهُ نِيَّة فَلَا يَقع هَذَا إِلَّا على الْغنم وَالْبَقر لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تبَاع فعلَيْهَا يَقع مَعَاني كَلَام النَّاس وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد أما الْيَوْم فَإِنَّمَا الْيَمين فِيهَا على رُؤْس الْغنم خَاصَّة

(3/288)


وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل بيضًا وَهُوَ يَنْوِي بيض كل شَيْء من الطير والسمك وَغَيره فَأَي ذَلِك مَا أكل حنث فان لم يكن لَهُ نِيَّة فَإِنَّمَا يَقع هَذَا على بيض الطير من الدَّجَاج والإوز وَغَيره من الطير فان أكل غَيره لم يَحْنَث وَإِن أكل شَيْئا مِنْهُ حنث
وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل طبيخا وَهُوَ يَنْوِي كل شَيْء يطْبخ من اللَّحْم وَغَيره فَأكل شَيْئا من ذَلِك فانه يَحْنَث وَإِن لم يكن لَهُ نِيَّة فَإِنَّمَا يَقع هَذَا على اللَّحْم فان كَانَ أكل شَيْئا من ذَلِك مطبوخا حنث وَاللَّحم كُله فِي ذَلِك وَغَيره سَوَاء وَإِن أكل غير لحم

(3/289)


لم يَحْنَث فِي قَول أبي يُوسُف وَالْقِيَاس فِي هَذَا أَنه يَحْنَث فِي اللَّحْم وَغَيره
وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل فَاكِهَة وَلَا نِيَّة لَهُ فَأكل عنبا أَو رمانا أَو رطبا فانه لَا يَحْنَث أَلا ترى إِلَى قَول الله تَعَالَى فِي كِتَابه {فَاكِهَة ونخل ورمان} وَقَالَ فِي مَوضِع آخر {وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا وَحَدَائِق غلبا وَفَاكِهَة وَأَبا} فَأخْرج الْعِنَب من الْفَاكِهَة وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد نرَاهُ حانثا وَإِذا أكل

(3/290)


من صنوف الْفَاكِهَة شَيْئا فانه يَحْنَث فان كَانَ حِين حلف نوى الْعِنَب وَالرُّمَّان وَالرّطب فَأكل من ذَلِك شَيْئا فانه يَحْنَث وَلَا يدْخل فِي الْفَاكِهَة القثاء وَلَا الْخِيَار وَلَا الجزر وَلَا أشباه ذَلِك فَأَما المشمش والتين والخوخ والبطيخ وَأَشْبَاه ذَلِك فان هَذَا كُله يدْخل فِي الْفَاكِهَة

(3/291)


وَكَذَلِكَ الْفَاكِهَة الْيَابِسَة يدْخل فِيهَا اللوز والجوز وَأَشْبَاه ذَلِك
وَإِذا حلف الرجل لايأكل هَذَا الطَّعَام الْيَوْم فَأَكله غَيره فِي ذَلِك الْيَوْم فانه لَا يَقع عَلَيْهِ الْحِنْث لِأَنَّهُ وَقت وقتا فَذهب الطَّعَام قبل ذهَاب ذَلِك الْوَقْت وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا حلف ليأكلن هَذَا الطَّعَام الْيَوْم فَأَكله غَيره حنث إِذا

(3/292)


غربت الشَّمْس أَلا ترى أَن لَهُ مُدَّة موقتة وَلَو أكل فِيهِ الطَّعَام بر فِي يَمِينه وَلَا يَقع عَلَيْهِ الْيَمين والحنث قبل أَن تمْضِي الْمدَّة وَكَذَلِكَ كل شَيْء حلف عَلَيْهِ ليفعلنه وَوقت لذَلِك وقتا وَحلف على ذَلِك بِطَلَاق أَو عتاق أَو غير ذَلِك فَذهب ذَلِك الَّذِي حلف عَلَيْهِ قبل أَن يمْضِي الْوَقْت لم يَحْنَث وَلم يَقع عَلَيْهِ الْيَمين فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَيحنث فِي قَول أبي يُوسُف إِذا كَانَ ذَلِك الشَّيْء الَّذِي قد حلف عَلَيْهِ قد ذهب حَتَّى لَا يقدر عَلَيْهِ أَرَأَيْت رجلا حلف ليأكلن هَذَا الطَّعَام غَدا فَأَكله الْيَوْم أَو حلف ليقضين هَذَا الرجل غَدا فقضاه الْيَوْم أما كَانَ هَذَا قدير وَلَا يَقع عَلَيْهِ الْيَمين وَلَا حنث فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَفِي قَول أبي يُوسُف يَحْنَث
وَإِذا حلف الرجل ليأكلن هَذَا الطَّعَام وَلم يُوَقت لذَلِك وقتا فَأَكله غَيره فان الْحَالِف يَقع عَلَيْهِ الْيَمين والحنث أَلا ترى أَنه لَا يَسْتَطِيع أَن يَأْكُل ذَلِك الطَّعَام وَأَنه لَيْسَ لَهُ فِيهِ مُدَّة وَقتهَا لنَفسِهِ فِي أكله وَكَذَلِكَ لَو مَاتَ الْحَالِف قبل أَن يَأْكُلهُ وَالطَّعَام قَائِم بِعَيْنِه فقد وَجَبت عَلَيْهِ الْيَمين وَكَذَلِكَ كل شَيْء حلف عَلَيْهِ من طَعَام أَو شراب بِطَلَاق أَو عتاق فَمَاتَ قبل أَن يَفْعَله فانه يَحْنَث وَوَقع عَلَيْهِ الْيَمين مَا كَانَ من طَلَاق أَو عتاق أَو غَيره وَلَو كَانَت لَهُ مُدَّة قد وَقتهَا فِي يَمِينه ثمَّ مَاتَ قبل

(3/293)


أَن يفعل ذَلِك وَقبل تِلْكَ الْمدَّة لم يَحْنَث وَلَو مَضَت الْمدَّة وَهُوَ حَيّ وَالَّذِي حلف عَلَيْهِ قَائِم بِعَيْنِه فقد وَقع عَلَيْهِ الْحِنْث وَقَالَ زفر إِذا خلت

(3/294)


الْمدَّة وَقد هلك ذَلِك الشَّيْء حنث
وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل من طَعَام يَشْتَرِيهِ فلَان فَأكل من طَعَام اشْتَرَاهُ فلَان وَآخر مَعَه فانه يَحْنَث إِلَّا أَن يَنْوِي أَن يَشْتَرِيهِ هُوَ وَحده أَلا ترى أَن فلَانا قد اشْترى بعضه وَأَن الَّذِي اشْترى فلَان طَعَام وَكَذَلِكَ لَو حلف لَا يَأْكُل من طَعَام يملكهُ فلَان وَلَو قَالَ لَا ألبس ثوبا يَشْتَرِيهِ فلَان أَو يملكهُ فلَان فَلبس ثوبا اشْتَرَاهُ فلَان وَآخر مَعَه لم يَحْنَث لِأَن هَذَا لم يشتره فلَان كُله وَإِذا اشْترى بعضه أَو ملك بعضه فَلَيْسَ ذَلِك الْبَعْض بِثَوْب أَلا ترى أَنه لَو قَالَ هَذَا الثَّوْب لفُلَان كذب وَلَو قَالَ هَذَا الطَّعَام لفُلَان يَعْنِي بعضه صدق وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا حلف ليأكلن هَذَا الطَّعَام الْيَوْم فَأَكله إِنْسَان آخر ثمَّ مضى الْيَوْم فانه يَحْنَث
وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل من هَذَا الدَّقِيق شَيْئا فَأكل من خبزه وَلم يكن لَهُ نِيَّة حِين حلف فانه يَحْنَث لِأَن الدَّقِيق هَكَذَا يُؤْكَل وَإِن كَانَ عَنى حِين حلف لَا يَأْكُل الدَّقِيق بِعَيْنِه لم يَحْنَث فَأَما إِذا لم يكن لَهُ نِيَّة فَإِنَّمَا يَقع هَذَا على مَا يضع النَّاس وَلَو حلف لَا يَأْكُل من هَذِه الْحِنْطَة شَيْئا وَهُوَ يَعْنِي أَن يأكلها حبا كَمَا هِيَ فَأكل مِمَّا يخبز مِنْهَا أَو من سويقها لم يَحْنَث وَإِن لم تكن لَهُ نِيَّة فَأكل من خبزها فان أَبَا حنيفَة قَالَ إِنَّه لَا يَحْنَث وَإِنَّمَا يضع من يَقُول هَذَا القَوْل الْيَمين على الْقيَاس يَقُول لَا يَحْنَث إِلَّا أَن يأكلها حبا وَالْقَوْل الآخر قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد إِن الْيَمين إِنَّمَا هِيَ على مَا يضع النَّاس فَإِذا أكل من خبزها حنت إِلَّا أَن يَعْنِي الْحبّ بِعَيْنِه

(3/295)


وَإِذا أكل الرجل من سويقها لم يَحْنَث فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف أَلا ترى أَنَّك تَقول هَذَا الْخبز حِنْطَة وَيَقُول الرجل أكلنَا أَجود حِنْطَة فِي الأَرْض يَعْنِي الْخبز
وَإِن حلف الرجل لَا يَأْكُل من هَذَا الطّلع شَيْئا فَأكل مِنْهُ

(3/297)


بعد مَا صَار يسرا لم يَحْنَث وَكَذَلِكَ لَو حلف لَا يَأْكُل من هَذَا الْبُسْر شَيْئا فَأكل مِنْهُ بعد مَا صَار رطبا أَو تَمرا لم يَحْنَث أَلا ترى انه

(3/298)


لَو أكل من خل جعل من ذَلِك التَّمْر لم يَحْنَث لِأَنَّهُ قد تغير وَخرج من ذَلِك الْجِنْس
وَكَذَلِكَ لَو حلف لَا يَأْكُل من هَذَا اللَّبن شَيْئا فَأكل مِنْهُ حِين صنع مِنْهُ جبن أَو أقط أَو شيراز لم يَحْنَث لِأَنَّهُ قد تغير حَاله أَلا ترى أَنه لَو حلف أَنه لَا يَأْكُل طَعَاما وَقَالَ عنيت لونا من الطَّعَام فَأكل غَيره فانه لَا يَحْنَث وَلَو كَانَت يَمِينه بِعِتْق أَو طَلَاق لم يَقع عَلَيْهِ فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى فِي ذَلِك وَأما فِي الْقَضَاء فانه يَقع عَلَيْهِ فِي ذَلِك الطَّلَاق وَالْعتاق وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل هَذَا السويق فشربه شربا لم يَحْنَث لِأَن الشّرْب غير الْأكل

(3/299)


وَلَو حلف ليأكلن هَذَا السويق فَأَكله كُله إِلَّا حَبَّة أَو شبهها كَانَ قد بر وَلم يكن عَلَيْهِ الْحِنْث وَلَو حلف ليأكلن هَذِه الرمانة فَأكلهَا إِلَّا حَبَّة أَو نَحْوهَا كَانَ قد بر وَلم يَحْنَث لِأَن هَذَا مَعَاني كَلَام النَّاس إِلَّا أَن يَعْنِي أَن يأكلها فَلَا يتْرك مِنْهُ شَيْئا
وَلَو حلف فَقَالَ لامرأتين لَهُ أيتكما أكلت هَذِه الرمانة فَهِيَ طَالِق فآكلتها الْمَرْأَتَانِ كلتاهما لم يَقع على وَاحِدَة مِنْهُمَا شَيْء لِأَن كل وَاحِدَة مِنْهُمَا لم تأكلها كلهَا وَكَذَلِكَ لَو أكلت إِحْدَاهمَا الثُّلثَيْنِ وَالْأُخْرَى الثُّلُث

(3/300)


وَإِذا حلف الرجل أَن لَا يَأْكُل سمنا فَأكل سويقا قد لت وأوسع بالسمن حَتَّى يستبين فِيهِ طعمه وَيُوجد فِيهِ مكانة فانه يَحْنَث لِأَنَّهُ قد أكل سمنا وَكَذَلِكَ كل شَيْء أكله وَفِيه سمن يُوجد فِيهِ طعمه ويستبين فِيهِ فانه يَحْنَث وَإِن كَانَ لَا يُوجد طعمه وَلَا يرى

(3/301)


مَكَانَهُ لم يَحْنَث
وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل هَذِه التمرة فاختلطت بِتَمْر فَأكل

(3/302)


ذَلِك التَّمْر فانه يَحْنَث لِأَنَّهُ قد أكل التمرة الَّتِي حلف فِيهَا وَلَو حلف على مثل ذَلِك على بَيْضَة أَو جوزة كَانَ ذَلِك كُله سَوَاء
وَإِذا حلف أَن لَا يَأْكُل شَيْئا من سمن نظر إِلَيْهِ فِي إِنَاء فخلط ذَلِك السّمن بِعَسَل حَتَّى غلب عَلَيْهِ الْعَسَل وَلم ير فيع من السّمن شَيْئا وَلم يجد لَهُ طعما فَأكل ذَلِك الْعَسَل لم يَحْنَث لِأَن السّمن قد ذهب وَتغَير وَكَذَلِكَ كل شَيْء خلط بِهِ ذَلِك السّمن حَتَّى يغلب عَلَيْهِ ذَلِك الشَّيْء فَلَا يُوجد للسمن طعم وَلَا يرى مَكَانَهُ لم يَحْنَث إِذا أكله وَلَيْسَ هَذَا كالجوزة والبيضة وَأَشْبَاه ذَلِك لِأَن هَذَا لم يخْتَلط وَإِن كَانَ لَا يعرف لِأَنَّهُ على حَاله لم يخالطه شَيْء
وَإِذا حلف الرجل أَن لَا يَأْكُل شَعِيرًا فَأكل حِنْطَة فِيهَا شعير حَبَّة حَبَّة وَلم يكن لَهُ نِيَّة فانه يَحْنَث لِأَنَّهُ قد أكل شَعِيرًا

(3/303)


وَلَو حلف أَن لَا يَأْكُل شحما فَأكل لَحْمًا يخالطه شَحم لم يَحْنَث لِأَن هَذَا لحم عِنْد النَّاس وَلَيْسَ هُوَ بالشحم وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يَحْنَث أَلا ترى أَنه لَو حلف لَا يَشْتَرِي شَعِيرًا فَاشْترى حِنْطَة فِيهَا شعير لم يَحْنَث لِأَن الشرى على الْحِنْطَة وَكَذَلِكَ لَو حلف لَا يَشْتَرِي حِنْطَة فَاشْترى شَعِيرًا فِيهِ حِنْطَة وَلَو حلف أَن لَا يَأْكُل شَعِيرًا حبا فَأكل حِنْطَة فِيهَا حب شعير حَبَّة حَبَّة فانه يَحْنَث

(3/304)


لِأَن الْأكل مُخَالف للشراء لِأَن الْأكل قد وَقع هَهُنَا على الشّعير والشرى قد وَقع على الْحِنْطَة
وَإِن حلف الرجل أَن لَا يَأْكُل بسرا فَأكل بسرا مذنبا وَلم يكن لَهُ نِيَّة حِين حلف فانه يَحْنَث وَإِذا حلف أَن لَا يَأْكُل رطبا فَأكل ذَلِك الْبُسْر المذنب فَفِي هَذَا قَولَانِ قَول إِنَّه يَحْنَث وَإِن هَذَا المذنب يَقع عَلَيْهِ اسْم الْبُسْر وَاسم الرطب وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَالْقَوْل الآخر إِنَّه بسر وَلَيْسَ برطب حَتَّى يرطب مِنْهُ مَا يُسمى رطبا وَهَذَا لَا يَحْنَث وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَقَالَ زفر إِذا وَقع عَلَيْهِ اسْم الرطب حنث وَإِذا لم يَقع لم يَحْنَث وَبِه نَأْخُذ
وَلَو حلف الرجل أَن لَا يَأْكُل بسرا فَأكل رطبا وَفِي الرطب شَيْء من الْبُسْر لم يَحْنَث فِي قَول أبي يُوسُف لِأَن هَذَا الَّذِي فِي الرطب

(3/305)


لَا يُسمى بسرا وَأما فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد فانه يَحْنَث
وَإِذا حلف الرجل أَن لَا يَأْكُل من هَذَا الْعِنَب شَيْئا فَأكل مِنْهُ بعد مَا صَار زبيبا لم يَحْنَث لِأَنَّهُ لَيْسَ بعنب قد خرج من ذَلِك الْجِنْس وَنسب إِلَى غَيره
وَلَو حلف أَن لَا يَأْكُل جوزا وَلَا نِيَّة لَهُ فَأكل مِنْهُ رطبا أَو يَابسا فانه يَحْنَث وَكَذَلِكَ كل شَيْء من هَذَا الضَّرْب مثل اللوز والجوز والفستق والتين وَأَشْبَاه ذَلِك
وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل من الحلو شَيْئا وَلَا نِيَّة لَهُ فَأَي شَيْء مَا أكل من الحلو فانه يَحْنَث من خبيص أَو عسل أَو سكر أَو ناطف

(3/306)


أَو أثباه ذَلِك
وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل خبيصا فَأكل مِنْهُ رطبا أَو يَابسا حنث
وَإِذا حلف الرجل أَن لَا يَأْكُل شَيْئا فأكره على ذَلِك الشَّيْء حَتَّى أكل مِنْهُ فانه يَحْنَث وَالْمكْره على هَذَا وَغَيره سَوَاء
وَلَو استحلفه رجل وأكره حَتَّى حلف لَا يَأْكُل شَيْئا ثمَّ أكل بعد ذَلِك فانه يَحْنَث وَالْمكْره على الْأكل وَغير الْمُكْره سَوَاء
وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل شَيْئا ثمَّ أَصَابَهُ مرض فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ أَو ذهب عقله فَأكل مِنْهُ فانه يَحْنَث وَكَذَلِكَ لَو أَصَابَهُ فَأكل حنث

(3/307)


وَعَلِيهِ الْكَفَّارَة لِأَنَّهُ حلف وَهُوَ صَحِيح
وَإِذا حلف الرجل وَهُوَ ذَاهِب الْعقل ثمَّ أكل وَهُوَ صَحِيح لم يَحْنَث وَكَذَلِكَ لَو حلف وَهُوَ صَغِير ثمَّ أكل بعد مَا أدْرك وَكبر لم يَحْنَث وَلم يكن عَلَيْهِ الْكَفَّارَة لِأَن الْحِنْث لم يجب عَلَيْهِ يَوْم الْحلف
وَلَو حلف وَهُوَ كَافِر ثمَّ أسلم ثمَّ حنث فِي يَمِينه لم يجب عَلَيْهِ شَيْء

(3/308)


وَإِذا حلف لَا يَأْكُل تَمرا وَلَيْسَ لَهُ نِيَّة فَأكل قسبا لم يَحْنَث وَكَذَلِكَ لَو أكل بسرا مطبوخا فان كَانَ نوى ذَلِك حِين حلف فَأكل مِنْهُ فانه يَحْنَث قَالَ أَبُو يَعْقُوب وَقَالَ مُحَمَّد بن العنبر قَالَ عُثْمَان إِن حلف بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَأْكُل تَمرا فَأكل قسبا فانه يَحْنَث لِأَن القسب بِالْفَارِسِيَّةِ خشكيز
وَإِذا حلف لَا يَأْكُل تَمرا فَأكل رطبا لم يَحْنَث إِلَّا أَن يكون عَنى ذَلِك فَأَكله حنث وَإِن لم يكن لَهُ نِيَّة فَإِنَّمَا أَضَع الْيَمين فِي هَذَا على مَعَاني كَلَام النَّاس
وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل طَعَاما قد سَمَّاهُ بِعَيْنِه فَأدْخلهُ فِي يفيه فمضغه ثمَّ أَلْقَاهُ من فِيهِ وَلم يدْخل فِي جَوْفه لم يَحْنَث وَلَو مضغه حَتَّى

(3/309)


يدْخل فِي جَوْفه من مَائه لم يَحْنَث أَلا ترى أَنه لم يَأْكُل وَأَن الْأكل لَيْسَ بالمضغ وَلَو مصه فَدخل جَوْفه طعمه وَلم يدْخل مِنْهُ غير ذَلِك لم يَحْنَث لِأَن هَذَا لَيْسَ بِأَكْل أَرَأَيْت لَو غسله فَشرب مَاءَهُ أَكَانَ أكل شَيْئا قَالَ لَا
وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل حبا وَلَا نِيَّة لَهُ فَأَي الْحبّ مَا أكل من سمسم أَو غَيره فانه يَحْنَث لِأَن كل شَيْء يَقع عَلَيْهِ اسْم الْحبّ مِمَّا يَأْكُل النَّاس فانه يدْخل فِي يَمِينه وَيَقَع عَلَيْهِ الْحِنْث إِذا أكله فان عَنى شَيْئا من ذَلِك بِعَيْنِه أَو سَمَّاهُ فانه يَحْنَث إِن أكل ذَلِك وَلَا يَحْنَث إِن أكل غَيره
وَإِذا حلف الرجل أَن لَا يَأْكُل عسلا أَو لَبَنًا أَو سويقا فَشرب شَيْئا من ذَلِك شربا فانه لَا يَحْنَث وَكَذَلِكَ كل شَيْء يُؤْكَل وَيشْرب إِذا حلف لَا يَأْكُلهُ فشربه لم يَحْنَث لِأَن الشّرْب غير الْأكل وَإِذا حلف لَا يشرب فَأَكله لم يَحْنَث لِأَن الشّرْب غير الْأكل
وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل خبْزًا وَلَا نِيَّة لَهُ فَأكل خبز الشّعير فانه يَحْنَث لِأَن خبز الشّعير وَالْحِنْطَة فِي هَذَا سَوَاء وَهُوَ خبز كُله

(3/310)


وَإِن أكل من سوى خبز الْحِنْطَة وَالشعِير فانه لَا يَحْنَث إِلَّا أَن يكون نوى ذَلِك فان نَوَاه حنث وَإِن أكل جوزينج أَو أشباه ذَلِك لم يَحْنَث إِلَّا أَن يكون نوى ذَلِك فان نَوَاه حنث وَإِن لم يكن لَهُ نِيَّة لم يَحْنَث فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يُسمى خبْزًا

(3/311)


وَإِن حلف لَا يَأْكُل خبْزًا فَأكل خبز الْأرز وَنَحْوه من الذّرة وَغَيرهَا فان كَانَ من أهل بلد ذَلِك طعامهم حنث وَإِن كَانَ من أهل الْكُوفَة وَنَحْوهم مِمَّا لَا يَأْكُل ذَلِك عامتهم لم يَحْنَث إِلَّا أَن يَنْوِي ذَلِك
وَإِذا حلف الرجل لَا يَأْكُل تَمرا فَأكل حَيْسًا فانه يَحْنَث لِأَن هَذَا هُوَ التَّمْر بِعَيْنِه لم يغلب عَلَيْهِ شَيْء
وَإِن دخل رجل على رجل فَدَعَاهُ إِلَى الْغَدَاء فَحلف أَن لَا يتغدى بِطَلَاق أَو عتاق أَو غَيره وَلَا نِيَّة لَهُ ثمَّ قَامَ إِلَى أَهله فتغدى هُنَاكَ

(3/312)


لم يَحْنَث لِأَنَّهُ يَمِينه إِذا وَقعت جَوَابا لكَلَام الرجل وَكَذَلِكَ لَو قَالَ كل معي فَحلف لَا يَأْكُل مَعَه إِنَّمَا يَقع هَذَا جَوَاب الْكَلَام إِلَّا أَن يَنْوِي غَيره فَيكون مَا نوى
- بَاب كَفَّارَة الْيَمين فِي الشّرْب فِي قَول مُحَمَّد
-
وَإِذا حلف الرجل لَا يشرب شرابًا وَلَا نِيَّة لَهُ فَأَي شراب شرب من المَاء وَغَيره فانه يَحْنَث وَإِن كَانَ سمى شرابًا بِعَيْنِه فَشرب غَيره لم يَحْنَث وَكَذَلِكَ لَو نوى شرابًا بِعَيْنِه فَحلف على ذَلِك بِعِتْق أَو طَلَاق وَلم يسم الشَّرَاب فَشرب غير الَّذِي نوى فانه يدين ويسعه فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى وَلَا يدين فِي الْقَضَاء

(3/313)


وَإِذا حلف لَا يشرب نبيذا وَلَا نِيَّة لَهُ فَأَي نَبِيذ شرب فانه يَحْنَث والأنبذة فِي ذَلِك كلهَا سَوَاء

(3/314)


وَإِذا حلف الرجل لَا يشرب لَبَنًا أبدا وَلَا نِيَّة لَهُ فَأَي لبن شرب من ألبان الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم حنث وَإِن صب لبن فِي مَاء فَشرب مِنْهُ فان كَانَ اللَّبن غَالِبا على المَاء يُوجد طعمه وَيرى فِيهِ فَهَذَا لبن وَهُوَ يَحْنَث إِن شرب وَإِن كَانَ المَاء هُوَ الْغَالِب حَتَّى لَا يرى اللَّبن فِيهِ وَلَا يُوجد طعمه فانه لَا يَحْنَث أَلا ترى أَن هَذَا مَاء
وَلَو أَن رجلا حلف لَا يشرب مَاء فَشرب نبيذا لم يَحْنَث وَفِي النَّبِيذ مَاء لِأَن المَاء هَهُنَا قد تغير
وَلَو حلف رجل لَا يشرب لَبَنًا أَو عسلا فأوجر ذَلِك وجورا لم يَحْنَث لِأَنَّهُ لم يشرب وَكَذَلِكَ لَو صب فِي حلقه وَهُوَ كَارِه
وَإِذا حلف الرجل لَا يشرب نبيذا فَشرب سكرا لم يَحْنَث لِأَن

(3/315)


هَذَا لَيْسَ بنبيذ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يشرب السكر وإثمه أعظم من الْحِنْث وَالْكَفَّارَة وَلَو شرب بختجا لم يَحْنَث لِأَنَّهُ لَيْسَ بنبيذ وَلَو شرب عصيرا لم يَحْنَث لِأَن هَذَا لَيْسَ بنبيذ وَإِنَّمَا يَقع هَذَا على مَا يُسمى نبيذا
وَإِذا حلف الرجل لَا يشرب مَعَ فلَان شرابًا فشربا فِي مجْلِس وَاحِد من شراب وَاحِد فانه يَحْنَث وَإِن كَانَ الْإِنَاء الَّذِي يشربان فِيهِ مُخْتَلفا لِأَن الشَّرَاب هَكَذَا يكون وَإِن اخْتلفت آنيتهم أَلا ترى أَنه يُقَال فلَان يشرب مَعَ فلَان فان شرب الْحَالِف من شراب وَشرب الآخر من شراب غَيره وَقد ضمهما مجْلِس وَاحِد فانه يَحْنَث لِأَنَّهُ قد شرب مَعَ فلَان إِلَّا أَن يكون نوى حِين حلف من شراب وَاحِد

(3/316)


أَلا ترى أَنه لَو قَالَ لَا آكل مَعَ فلَان طَعَاما أبدا فأكلا على مائدة وَاحِدَة من طَعَام مُخْتَلف حنث
وَإِذا حلف الرجل لَا يَذُوق شرابًا وَلَا نِيَّة لَهُ فذاقه بِلِسَانِهِ وَلم يدْخل جَوْفه مِنْهُ شَيْئا فانه يَحْنَث والذوق مَا أَدخل فَمه يُرِيد أَن يعلم مَا طعمه إِلَّا أَن يكون عَنى أَن يدْخلهُ جَوْفه
وَإِذا حلف الرجل لَا يشرب شرابًا فمضغ رمانة أَو شبهها فمص مَاءَهُ ثمَّ ألْقى مَا بَقِي لم يَحْنَث لِأَن هَذَا لَيْسَ بشراب وَكَذَلِكَ لَو حلف أَن لَا يَأْكُلهُ لم يَحْنَث لِأَن هَذَا لَيْسَ بِأَكْل
وَإِذا حلف الرجل لَا يشرب المَاء وَلَا نِيَّة لَهُ فَشرب من المَاء شَيْئا قَلِيلا أَو كثيرا حنث وَكَذَلِكَ لَو حلف أَن لَا يَأْكُل الطَّعَام فَأكل مِنْهُ شَيْئا يَسِيرا حنث وَإِنَّمَا معنى الْيَمين هَا هُنَا أَن يَأْكُل مِنْهُ شَيْئا وَإِن كَانَ حِين حلف إِنَّمَا عَنى المَاء كُله أَو الطَّعَام كُله لم يَحْنَث أبدا لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيع أَن يشرب المَاء كُله وَلَا يَأْكُل الطَّعَام كُله
وَكَذَلِكَ لَو قَالَ لَا أشْرب شراب فلَان وَلَا آكل طَعَام فلَان أَلا ترى أَنه لَو قَالَ لَا أَذُوق المَاء حنث إِذا ذاق بعضه إِلَّا أَن

(3/317)


يكون عَنى أَن لَا يشربه كُله فانه لَا يَحْنَث
وَإِذا حلف الرجل لَا يشرب شرابًا فَأكل عسلا أَو لَبَنًا لم يَحْنَث وَإِن شرب وَاحِدًا مِنْهُمَا حنث لِأَنَّهُ يُسمى الشَّرَاب فَلَا يَقع ذَلِك إِلَّا على مَا يشرب
وَلَو حلف أَن لَا يَذُوق شرابًا وَهُوَ يَعْنِي أَن لَا يشرب النَّبِيذ خَاصَّة فَأَكله أكلا لم يَحْنَث لِأَنَّهُ قَالَ لَا أَذُوق شرابًا إِلَّا أَن يكون عَنى ذَلِك لِأَنَّهُ قَالَ شراب
وَلَو حلف لَا يَذُوق لَبَنًا وَلم يقل أشْرب وَلم يكن لَهُ نِيَّة فان أكل مِنْهُ حنث وَإِن شرب مِنْهُ حنث لِأَنَّهُ قد ذاقه فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا
وَإِذا حلف الرجل لَا يشرب الطلاء وَلَا نِيَّة لَهُ فَشرب شَيْئا يَقع

(3/318)


عَلَيْهِ اسْم الطلاء فانه يَحْنَث
وَإِذا حلف الرجل أَن لَا يشرب من دجلة وَلَا نِيَّة لَهُ فغرف مِنْهَا بقدح ثمَّ شرب من الْقدح فان أَبَا حنيفَة قَالَ لَا يَحْنَث إِلَّا أَن يضع فَاه فِي دجلة نَفسهَا فيشرب مِنْهَا وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يَحْنَث وَكَذَلِكَ لَو استقى من مَاء دجلة فَجعل فِي إِنَاء ثمَّ صب فِي قدح فَشرب مِنْهُ فانه يَحْنَث فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَلَا يَحْنَث فِي قَول أبي حنيفه وَقِيَاس هَذَا فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد كل إِنَاء لَا يَضَعهُ

(3/319)


الرجل على فِيهِ فيشرب مِنْهُ فَإِنَّمَا الْمَعْنى فِيهِ أَن يَأْخُذ مِنْهُ فيشرب مِنْهُ كَمَا يشرب النَّاس أَلا ترى أَنه لَو حلف لَا يشرب من هَذَا الْحبّ فاغترف مِنْهُ بقدح فَشرب أَنه يَحْنَث لِأَن معنى الْكَلَام هَذَا
- بَاب الْكَفَّارَة فِي الْيَمين فِي الْكسْوَة
-
وَإِذا حلف الرجل لَا يَشْتَرِي ثوبا وَلَا نِيَّة لَهُ فَاشْترى كسَاء خَز أَو طيلسانا أَو ثوبا من الْبيَاض أَو الوشي أَو غَيره فانه يَحْنَث وَكَذَا لَو اشْترى فروا أَو قبَاء أَو قَمِيصًا وَلَو اشْترى مسحا أَو بساطا

(3/320)


لم يَحْنَث إِنَّمَا أَضَع هَذَا على مَا يلبس النَّاس وَلَا أَضَعهُ على الْبسط وَلَو اشْترى قلنسوة لم يَحْنَث لِأَن هَذَا لَيْسَ بِثَوْب وَلَو اشْترى خرقَة لَا تكون نصف ثوب لم يَحْنَث فان اشْترى أَكثر من نصف ثوب حنث لِأَنَّهُ لَا يُسمى ثوبا وَلَو اشْترى ثوبا صَغِيرا حنث
وَلَو حلف لَا يلبس ثوبا وَلَا نِيَّة لَهُ كَانَ مثل هَذَا سَوَاء وَلَو سمى ثوبا بِعَيْنِه فَلَيْسَ مِنْهُ طَائِفَة تكون أَكثر من نصفه حنث
وَلَو حلف لَا يلبس ثوبا بِعَيْنِه فَقَطعه قبَاء أَو قَمِيصًا أَو جُبَّة فحشاها فلبسها فانه يَحْنَث

(3/321)


وَلَو حلف لَا يلبس ثوبا وَهُوَ يَعْنِي من الْمَرْوِيّ فَلبس من غَيره ثوبا لم يَحْنَث فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى فَأَما فِي الْقَضَاء فَلَا يدين وَهُوَ لَهُ لَازم عتقا كَانَ أَو طَلَاقا وَلَو حلف على قَمِيص لَا يلْبسهُ أبدا فَجعله قبَاء فلبسه أَو حلف على قبَاء لَا يلْبسهُ فَجعله قَمِيصًا أَو جُبَّة محشوة فلبسها وَلَا نِيَّة لَهُ حِين حلف لم يَحْنَث لِأَنَّهُ قد تغير وَخرج من ذَلِك الْجِنْس وَلَو نوى لَا يلْبسهُ على حَال حنث
وَإِذا حلف الرجل لَا يلبس ثوبا مُسَمّى وَهُوَ لَا بسه وَلَا نِيَّة لَهُ فَتَركه بعد الْحلف عَلَيْهِ سَاعَة أَو يَوْمًا فانه يَحْنَث لِأَنَّهُ قد لبسه وَإِن كَانَ نوى حِين لبسا مُسْتَقْبلا بعد أَن يَنْزعهُ لم يَحْنَث إِلَّا أَن يفعل ذَلِك وَلَو حلف على ذَلِك بِعِتْق أَو طَلَاق وَنوى ذَلِك لم يدين فِي الْقَضَاء وَلَكِن يدين فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى

(3/322)


وَإِذا حلف الرجل لَا يلبس من غزل فُلَانَة شَيْئا وَلَيْسَت لَهُ نِيَّة فَلبس ثوبا قد غزلته حنث لِأَنَّهُ لبس الْغَزل هَكَذَا يكون وَإِن عَنى لبس الْغَزل بِعَيْنِه قبل أَن ينسج ثوبا فانه لَا يَحْنَث إِذا لبسه ثوبا
وَإِذا حلف الرجل لَا يلبس ثوبا من غزل فُلَانَة فَلبس ثوبا من غزلها وغزل أُخْرَى فانه لَا يَحْنَث لِأَن الثَّوْب كُله لَيْسَ من غزلها إِذا شركتها الْأُخْرَى فِيهِ وَكَذَلِكَ لَو حلف لَا يلبس ثوبا من نسج فلَان وَكَذَلِكَ لَو حلف لَا يلبس ثوبا من شِرَاء فلَان فَاشْترى

(3/323)


مَعَه آخر لم يَحْنَث وكل شَيْء من هَذَا يُشْرك الْمَحْلُوف عَلَيْهِ آخر فان الْحَالِف لَا يَحْنَث
وَإِذا حلف الرجل على ثوب أَن لَا يلْبسهُ فَقَطعه قَمِيصًا أَو قبَاء فلبسه فانه يَحْنَث لِأَنَّهُ قد لبس ذَلِك الثَّوْب وَلم يُغَيِّرهُ هَذَا ويخرجه من أَن يكون ثوبا فَهُوَ ثوب بعد وَإِن كَانَ مقطعا
وَإِذا حلف الرجل لَا يلبس خَزًّا وَلَا نِيَّة لَهُ فَلبس ثوبا من هَذِه الثِّيَاب الَّتِي تسميها النَّاس الْخَزّ فانه يَحْنَث لِأَنَّهُ هُوَ خَز عِنْد النَّاس وَإِن لم يكن خَالِصا
وَإِذا حلف الرجل لَا يلبس ثوبا حَرِيرًا وَلَا ثوب إبريسم وَلَا نِيَّة لَهُ فَلبس ثوب خَز سداه إبريسم أَو حَرِير لم يَحْنَث وَإِنَّمَا يَقع الْيَمين هَهُنَا إِن لبس ثوب حَرِير كُله أَو إبريسم كُله أَلا ترى

(3/324)


أَنه لَو لبس ثوبا علمه إبريسم أَو حَرِيرًا لم يَحْنَث وَلَو لبس ثوبا ملحما لحْمَته إبريسم أَو حَرِير حنث وَإِن كَانَ حِين حلف لَا يلبس حَرِيرًا وَلَا إبْريسَمًا يَنْوِي سدى الثَّوْب وَلحمَته وَعلمه فَلَيْسَ ثوبا سداه أَو علمه أَو لحْمَته إبريسم حنث
وَإِذا حلف الرجل لَا يلبس قطنا وَلَا نِيَّة لَهُ فَلبس ثوب قطن فانه يَحْنَث وَلَو لبس قبَاء لَيْسَ بِقطن وَهُوَ محشو بِقطن لم يَحْنَث إِنَّمَا أَضَع الْيَمين هَهُنَا على ثوب من قطن إِلَّا أَن يَعْنِي الحشو وَكَذَلِكَ

(3/325)


لَو حلف لَا يلبس ثوبا من كتَّان فَلبس ثوبا من قطن وكتان لم يَحْنَث لِأَنَّهُ لم يلبس مَا حلف عَلَيْهِ أَلا ترى أَنَّك تَقول هَذَا الثَّوْب قطن وكتان وَلَا تنسبه إِلَى أَحدهمَا دون صَاحبه والخز قد تنسبه إِلَى الْخَزّ دون الإبريسم
وَإِذا حلف الرجل لَا يلبس ثوب كتَّان فَلبس ثوبا من قطن وكتان لم يَحْنَث لِأَن هَذَا لَيْسَ بكتان كَمَا قَالَ أَلا ترى أَنه لَا ينْسب إِلَى كتَّان وَلَيْسَ هَذَا كالخز الْخَزّ ينْسب إِلَى الْخَزّ وَلَا ينْسب إِلَى مَا فِيهِ من الإبريسم وَالْحَرِير

(3/326)


وَإِذا حلف الرجل أَن لَا يلبس ذَلِك الْقطن لقطن بِعَيْنِه فَجعل ذَلِك الْقطن ثوبا وَلم يكن لَهُ نِيَّة حِين حلف فانه يَحْنَث إِن لبس الثَّوْب لِأَن الْقطن لَا يلبس إِلَّا هَكَذَا
وَإِذا حلف لَا يلبس ثوبا قد سَمَّاهُ بِعَيْنِه فاتزر بِهِ أَو تردى بِهِ أَو اشْتَمَل بِهِ فانه يَحْنَث فِي أَي ذَلِك مَا صنع لِأَن هَذَا لبس
وَإِذا حلف أَن لَا يلبس هَذَا الْقَمِيص وَلَيْسَت لَهُ نِيَّة فاتزر بِهِ أَو تردى بِهِ حنث وَإِذا قَالَ لَا ألبس قَمِيصًا وَلَيْسَت لَهُ نِيَّة فارتدى بِهِ أَو اتزر بِهِ لم يَحْنَث وَإِنَّمَا أَضَع هَذَا على أَن يلْبسهُ كَمَا يلبس الْقَمِيص وعَلى هَذَا مَعَاني كَلَام النَّاس عندنَا وأدع الْقيَاس فِيهِ أَلا ترى أَنه لَو قَالَ مَا لبست الْيَوْم قَمِيصًا كَانَ صَادِقا وَكَذَلِكَ القباء أَرَأَيْت لَو حلف لَا يلبس درعا حَرِيرًا فَوَضعه على عُنُقه كَانَ هَذَا لابسا لَهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِذا سمى لَا يلبس هَذَا الْقَمِيص بِعَيْنِه أَو هَذَا القباء فاتزر بِهِ

(3/327)


أَو تردى حنث لِأَنَّهُ قد لبسه
وَإِذا حلف الرجل لَا يلبس قَمِيصًا فَلبس قَمِيصًا لَيْسَ لَهُ كمان وَلم يكن لَهُ نِيَّة حِين حلف فانه يَحْنَث أَلا ترى أَنه قَمِيص وَإِن لم يكن لَهُ كمان وَكَذَلِكَ الدرْع أَلا ترى أَن الرجل قد يَشْتَرِي الكمين للدرع وَلَيْسَ للدرع كمان بعد وَإِنَّمَا ينْسب إِلَى الْبدن
وَإِذا حلف لَا يلبس ثوبا فَوَضعه على عُنُقه يُرِيد بذلك الْحمل لَا يُرِيد بذلك اللّبْس لم يَحْنَث لِأَنَّهُ إِنَّمَا حمل وَلم يلبس

(3/328)


وَإِذا حلف الرجل لَا يلبس ثوبا فألبسه إِيَّاه رجل وَهُوَ مكره لم يَحْنَث لِأَنَّهُ لم يلبس وَإِنَّمَا ألبس
وَإِذا حلف الرجل لَا يلبس ثوبا وَهُوَ يَنْوِي ثوبا من الثِّيَاب خَاصَّة فَلبس غير ذَلِك فانه يَسعهُ فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى وَلَو حلف رجل بِعِتْق أَو طَلَاق لم يدين فِي الْقَضَاء
وَإِذا حلف الرجل لَا يلبس وَلم يقل ثوبا وَهُوَ يَنْوِي نوعا من الثِّيَاب خَاصَّة فَلبس غَيره فانه يَحْنَث من قبل أَنه لم يسم شَيْئا وَكَذَلِكَ لَو حلف لَا يَأْكُل وَهُوَ يَنْوِي نوعا من الطَّعَام أَو حلف لَا يشرب وَهُوَ يَنْوِي نوعا من الشَّرَاب وَلَيْسَ لَهُ فِي شَيْء من هَذَا تَسْمِيَة فانه يَحْنَث لِأَنَّهُ لم يسم شَيْئا
وَإِذا حلف الرجل لَا يلبس ثوب فلَان هَذَا الثَّوْب بِعَيْنِه وَهُوَ يَنْوِي مَا دَامَ فِي ملكه فَبَاعَهُ فلبسه الَّذِي حلف عَلَيْهِ بعد ذَلِك لم يَحْنَث وَإِن لم يكن لَهُ نِيَّة فلبسه بعد مَا بَاعه فانه لَا يَحْنَث أَيْضا فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَيحنث فِي قَول مُحَمَّد
وَإِذا حلف الرجل لَا يلبس من ثِيَاب فلَان شَيْئا وَهُوَ يَعْنِي مَا عِنْده

(3/329)


فَاشْترى فلَان ثيابًا فَلبس مِنْهَا ثوبا فانه لَا يَحْنَث وَلَو اشْترى مِنْهُ ثوبا فلبسه لم يَحْنَث لِأَنَّهُ قد خرج من ملك فلَان فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَكَذَلِكَ لَو اشْتَرَاهُ غَيره مِنْهُ وَكَذَلِكَ إِن وهبه فلَان لغيره وَقَبضه الْمَوْهُوب لَهُ ثمَّ لبسه الْحَالِف لم يَحْنَث وَكَذَلِكَ لَو لبس ثوبا لفُلَان وَلآخر لم يَحْنَث لِأَنَّهُ لَيْسَ لفُلَان كُله
وَإِذا حلف الرجل لَا يكسو فلَانا شَيْئا وَلَا نِيَّة لَهُ فَكَسَاهُ قلنسوة أَو خُفَّيْنِ أَو جوربين أَو نَعْلَيْنِ حنث لِأَنَّهُ مِمَّا يكسى
وَلَو حلف رجل لَا يكسو فلَانا ثوبا فَأعْطَاهُ درهما ليَشْتَرِي بِهِ

(3/330)


ثوبا لم يَحْنَث لِأَن هَذَا لم يكسه إِنَّمَا وهب لَهُ دَرَاهِم وَلَو أرسل إِلَيْهِ بِثَوْب كسْوَة حنث لِأَنَّهُ قد كَسَاه لَو كَانَ حِين حلف أَن لَا يكسوه ثوبا نوى لَا يُعْطِيهِ بِيَدِهِ إِلَى يَده لم يَحْنَث
وَإِذا حلف الرجل لَا يلبس سِلَاحا أبدا لَا نِيَّة لَهُ فتقلد سَيْفا أَو تنكب قوسا أَو ترسا لم يَحْنَث لِأَنَّهُ قَالَ لَا ألبس سِلَاحا فَلَا يَحْنَث حَتَّى يلبس كَمَا قَالَ وَلَو لبس درع حَدِيد وَلم يكن مَعَه غَيره حنث لِأَنَّهُ هَذَا قد لبس السِّلَاح وَلَو حلف لَا يلبس درعا وَلَا نِيَّة لَهُ فَلبس درعا من حَدِيد أَو درع امْرَأَة فَأَي ذَلِك مَا لبس فانه يَحْنَث فان كَانَ نوى حِين حلف لبس الْحَدِيد دون مَا سواهُ لم يَحْنَث إِلَّا فِيهِ وَإِن كَانَ نوى درع النِّسَاء دون الْحَدِيد لم يَحْنَث إِلَّا فِيهَا

(3/331)


وَإِذا حلف الرجل لَا يلبس شَيْئا وَلَا نِيَّة لَهُ فَلبس درع حَدِيد أَو درع امْرَأَة أَو خُفَّيْنِ أَو نَعْلَيْنِ أَو قلنسوة فانه يَحْنَث فِي أَي ذَلِك مَا لبس لِأَنَّهُ حلف لَا يلبس شَيْئا فَكل شَيْء وَقع عَلَيْهِ اسْم الشَّيْء وَاسم لبس فانه يَحْنَث إِذا لبسه وَتجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة
- بَاب الْكَفَّارَة فِي الْوَفَاء فِي الْيَمين
-
وَإِذا حلف الرجل ليقضين فلَانا مَاله رَأس الشَّهْر وَلَا نِيَّة لَهُ فَلهُ اللَّيْلَة الَّتِي يهل فِيهَا الْهلَال ويومها ذَلِك كُله أَلا ترى أَنَّك تَقول الْيَوْم رَأس الشَّهْر وَإِنَّمَا أهل البارحة

(3/332)


وَإِذا حلف الرجل للرجل ليعطينه حَقه صَلَاة الظّهْر فَلهُ وَقت الظّهْر كُله فَإِذا ذهب وَقت الظّهْر قبل أَن يُعْطِيهِ وَقع عَلَيْهِ الْحِنْث وَكَذَلِكَ إِذا غَابَتْ الشَّمْس من الْيَوْم الَّذِي سمى رَأس الشَّهْر قبل أَن يُعْطِيهِ فانه يَحْنَث
وَإِذا حلف ليعطينه عِنْد طُلُوع الشَّمْس فَلهُ من حِين تطلع الشَّمْس إِلَى أَن تبيض
وَإِذا حلف ليعطينه يَوْم كَذَا وَكَذَا فَلهُ ذَلِك الْيَوْم كُله فَإِذا غَابَتْ الشَّمْس قبل أَن يُعْطِيهِ حنث
وَإِذا حلف ليعطينه مَاله رَأس الشَّهْر فَأعْطَاهُ قبل ذَلِك أَو وهبه لَهُ الطَّالِب أَو أَبرَأَهُ مِنْهُ قبل الْهلَال وَجَاء الْهلَال وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء فانه لَا يَحْنَث فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَيحنث فِي قَول أبي يُوسُف وَكَذَلِكَ لَو مَاتَ الْمَطْلُوب وَبَقِي الطَّالِب فانه لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ قد مَاتَ قبل مُضِيّ الْمدَّة أَلا ترى أَنه لَو أعطَاهُ فِيمَا بَقِي من الشَّهْر لم يَحْنَث وَكَذَلِكَ لَو حلف على هَذَا بِعِتْق أَو طَلَاق وَكَذَلِكَ لَو أَن الْمَطْلُوب قضى ذَلِك إِلَى وَكيل الطَّالِب بر وَلم يَحْنَث

(3/333)


وَلَو حلف لَا يُعْطِيهِ حَتَّى يَأْذَن لَهُ فلَان فَمَاتَ فلَان أَو لَا يكلمهُ حَتَّى يَأْذَن لَهُ فلَان فَمَاتَ فلَان قبل أَن يَأْذَن لَهُ ثمَّ كَلمه أَو أعطَاهُ حَقه لم يَحْنَث لِأَن فلَانا قد مَاتَ وَانْقطع إِذْنه فِي الْإِعْطَاء وَالْكَلَام وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وفيهَا قَول آخر غير هَذَا إِنَّه يَحْنَث وَهُوَ قَول أبي يُوسُف إِذا كَلمه أَو أعطَاهُ وَإِن كَانَ فلَان قد مَاتَ قبل أَن يَأْذَن لَهُ فانه على يَمِينه
وَإِذا حلف الرجل ليأكلن طَعَاما سَمَّاهُ غَدا أَو ليلبسن ثوبا سَمَّاهُ غَدا فَاحْتَرَقَ ذَلِك الطَّعَام أَو ذَلِك الثَّوْب قبل أَن يَجِيء غَد لم يَحْنَث لِأَنَّهُ قد بَقِي من مدَّته وَوَقته شَيْء وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَزفر يَحْنَث إِذا مضى الْغَد
وَإِذا حلف الرجل ليضربن فلَانا أَو ليعطين فلَانا مَا لَهُ عَلَيْهِ أَو ليكلمن فلَانا فِي كَذَا وَكَذَا وَلم يُوَقت لذَلِك وقتا فَمَاتَ الْمَحْلُوف عَلَيْهِ قبل أَن يفعل أَو الْحَالِف فان الْحِنْث قد وَقع على الْحَالِف لِأَنَّهُ لم يفعل ذَلِك
وَإِذا حلف ليعطين فلَانا مَا لَهُ وَفُلَان قد مَاتَ قبل ذَلِك وَهُوَ لَا يعلم لم يكن عَلَيْهِ حنث وَكَذَلِكَ لَو حلف ليضربن فلَانا أَو ليكلمن

(3/334)


فلَانا أَو ليقْتلن فلَانا وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وفيهَا قَول آخر إِنَّه يَحْنَث فِي ذَلِك علم أم لم يعلم وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَزفر
وَإِذا حلف ليشربن هَذَا المَاء الَّذِي فِي هَذَا الْكوز فَنظر فَإِذا لَيْسَ فِي الْكوز مَاء لم يَحْنَث وَكَذَلِكَ لَو حلف بِالْعِتْقِ أَو بِالطَّلَاق على هَذَا الْأَمر لِأَنَّهُ لم يحلف على شَيْء أَلا ترى أَنه لَو حلف ليكلمن هَذَا

(3/335)


الرجل وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى رجل فَإِذا هُوَ لَا شَيْء لم يَحْنَث فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَيحنث فِي قَول أبي يُوسُف وَزفر فِي هَذَا كُله
وَإِذا حلف بِطَلَاق امْرَأَته ليَأْتِيَن الْبَصْرَة وَلم يُوَقت لذَلِك وقتا فَمَاتَ قبل أَن يَأْتِيهَا كَانَ الطَّلَاق يَقع على امْرَأَته فان كَانَ دخل بهَا فلهَا الْمِيرَاث لِأَن الطَّلَاق قد وَقع عَلَيْهَا قبل الْوَقْت وَهُوَ فار وَالْعدة عَلَيْهَا أبعد الْأَجَليْنِ أَرْبَعَة أشهر وَعشر تستكمل فِيهَا ثَلَاث حيض وَإِن لم يكن دخل بهَا فَلَا عدَّة عَلَيْهَا وَلَا مِيرَاث لَهَا لِأَنَّهُ قد حنث وَوَقع الطَّلَاق عَلَيْهَا حَيْثُ مَاتَ وَلم يَأْتِ الْبَصْرَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف فِي الْمَسْأَلَة الأولى عَلَيْهَا الْعدة بِالْحيضِ وَلَيْسَ عَلَيْهَا الشُّهُور وَلَو بَقِي الرجل لم يمت فَمَاتَتْ امْرَأَته كَانَ لَهُ الْمِيرَاث مِنْهَا لِأَن الْحِنْث وَالطَّلَاق لم يَقع عَلَيْهَا بعد أَلا ترى أَنه يقدر أَن يَأْتِي الْبَصْرَة وَكَذَلِكَ لَو حلف بِعِتْق عَبده أَو بِيَمِين غير ذَلِك فَمَاتَ قبل أَن يَقع وَقع الْحِنْث عَلَيْهِ
وَلَو حلف بِطَلَاق امْرَأَته ثَلَاثًا إِن لم تأت امْرَأَته الْبَصْرَة وَلم يُوَقت لذَلِك وقتا فَمَاتَتْ قبل أَن تأتيها وَقع عَلَيْهَا الطَّلَاق قبل أَن

(3/336)


تَمُوت وَلَا مِيرَاث للزَّوْج وَلَو مَاتَ الزَّوْج وَبقيت الْمَرْأَة لم يَقع عَلَيْهَا الطَّلَاق وَكَانَ لَهَا الْمِيرَاث لِأَنَّهَا قد تقدر على أَن تَأتي الْبَصْرَة وَفِي الْمَسْأَلَة الأولى قد مَاتَت وَلم تأت الْبَصْرَة فَوَقع الْحِنْث عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ كل شَيْء حلف عَلَيْهِ الرجل ليفعلنه وَلم يُوَقت فِيهِ وقتا فَمَاتَ قبل أَن يَفْعَله وَجب عَلَيْهِ الْحِنْث
وَلَو حلف رجل بِعِتْق كل مَمْلُوك لَهُ أَن لَا يكلم فلَانا وَلَيْسَ لَهُ مَمْلُوك يَوْمئِذٍ ثمَّ اشْترى رَقِيقا ثمَّ كلم فلَانا لم يَقع عَلَيْهِم الْعتْق لِأَنَّهُ لم يحلف يَوْم حلف وهم عِنْده وَإِن كَانَ لَهُ رَقِيق ثمَّ حلف ثمَّ باعهم ثمَّ كلم فلَانا وهم لَيْسُوا فِي ملكه لم يَقع عَلَيْهِم الْعتْق لِأَنَّهُ قد حنث وهم فِي غير ملكه
وَلَو قَالَ إِذا كلمت فلَانا فَكل مَمْلُوك لي يَوْم ُأكَلِّمهُ حر ثمَّ اشْترى رَقِيقا ثمَّ كَلمه وهم عِنْده عتقوا وَكَذَلِكَ لَو قَالَ يَوْم أكلم فلَانا فَكل مَمْلُوك لي حر

(3/337)


وَلَو قَالَ إِذا كلمت فلَانا فَكل مَمْلُوك أملكهُ حر ثمَّ ملك رَقِيقا ثمَّ كَلمه لم يعتقوا وَلَو ملك رَقِيقا بعد مَا كَلمه لم يعتقوا لِأَنَّهُ إِنَّمَا ملكهم بعد كَلَامه فَلَيْسَ يعْتق إِلَّا مَا كَانَ فِي ملكه يَوْم حلف
وَلَو قَالَ إِذا كلمت فلَانا فَكل مَمْلُوك لي حر وَله رَقِيق عبيد وإماء ومكاتبون ومدبرون وَأُمَّهَات أَوْلَاد لَهُ ثمَّ كَلمه عتق هَؤُلَاءِ كلهم غير المكاتبين فانهم لَا يعتقون وَإِن قَالَ عنيت الرِّجَال دون النِّسَاء فانه يصدق فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى وَلَا يصدق فِي الْقَضَاء وَلَو قَالَ لم أعن الْمُدبر فِي ذَلِك لم يدين فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى وَلَا يصدق فِي الْقَضَاء وَلَو لم يكن لَهُ نِيَّة لم يعْتق مكاتبوه فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد
وَلَو قَالَ كل مَمْلُوك أشتريه حر يَوْم أكلم فلَانا ثمَّ اشْترى رَقِيقا ثمَّ كلم فلَانا ثمَّ اشْترى آخَرين بعد أُولَئِكَ عتق الْأَولونَ الَّذين اشتراهم قبل كَلَام فلَان وَلم يعْتق الَّذين اشتراهم بعد كَلَام فلَان

(3/338)


أَلا ترى أَنه إِنَّمَا وَقع الْعتْق على الْأَوَّلين وَكَذَلِكَ الطَّلَاق فِي جَمِيع مَا ذكرت فِي هَذِه الْأَيْمَان فَهُوَ فِي وُقُوعه وَالْعِتْق سَوَاء
وَإِذا حلف الرجل بِعِتْق عَبده إِن لم يكلم فلَانا فَمَاتَ الْحَالِف وَلم يكلمهُ وَلَا مَال لَهُ غير العَبْد فَإِن العَبْد يعْتق وَيسْعَى فِي ثُلثي قِيمَته لِأَن الْعتْق وَقع عِنْد الْمَوْت وَلَو مَاتَ الْمَحْلُوف عَلَيْهِ وَبَقِي الْحَالِف عتق العَبْد وَلم يسع فِي شَيْء
وَلَو قَالَ رجل لامْرَأَته أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِن كلمت فلَانا ثمَّ طَلقهَا وَاحِدَة بَائِنَة ثمَّ كلمت فلَانا فان كَلمته وَهِي فِي عدتهَا وَقع عَلَيْهَا ثَلَاث تَطْلِيقَات وَإِن كَلمته بعد مَا انْقَضتْ الْعدة لم يَقع عَلَيْهَا شَيْء
وَإِذا قَالَ الرجل لامْرَأَته إِذا حَلَفت بطلاقك فَأَنت طَالِق إِذا حَلَفت بطلاقك فَأَنت طَالِق فقد حلف بِطَلَاقِهَا فِي الْمرة الثَّانِيَة فَيَقَع عَلَيْهَا التطليقة الأولى وَإِن قَالَ إِذا حَلَفت بطلاقك فَعَبْدي حر

(3/339)


وَقَالَ لعَبْدِهِ إِذا حَلَفت بعتقك فامرأتي طَالِق فقد حلف بِطَلَاق امْرَأَته وَقد وَقع الْعتْق على عَبده
وَإِذا حلف الرجل لَا يُطلق امْرَأَته وَلم يكن لَهُ نِيَّة فَأمر رجلا فَطلقهَا أَو جعل أمرهَا فِي يَديهَا فَطلقت نَفسهَا أَو خلعها أَو قَالَ لَهَا أَنْت مني بَائِن يَنْوِي الطَّلَاق فَهَذَا طَلَاق كُله يَقع بِهِ الْحِنْث فان كَانَ حِين حلف يَنْوِي أَن لَا يكلم بِالطَّلَاق بِلِسَانِهِ لَا يَنْوِي إِلَّا ذَلِك فَأمر رجلا فَطلقهَا أَو جعل أمرهَا إِلَيْهَا فَطلقت نَفسهَا فانه لَا يَقع عَلَيْهِ الْحِنْث فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى
وَإِذا حلف الرجل لَا يعْتق عَبده فَأمر رجلا فَأعْتقهُ أَو قَالَ أَنْت حر إِن فعلت كَذَا وَكَذَا فَفعل ذَلِك فان العَبْد يعْتق وَيَقَع الْحِنْث على مَوْلَاهُ لِأَنَّهُ هُوَ أعْتقهُ حَيْثُ قَالَ مَا قَالَ وَكَذَلِكَ لَو حلف

(3/340)


أَن لَا يُطلق امْرَأَته ثمَّ قَالَ أَنْت طَالِق إِن دخلت الدَّار فَدخلت الدَّار وَقع الطَّلَاق عَلَيْهَا وَوَقع عَلَيْهِ الْحِنْث وَلَو قَالَ إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق ثمَّ حلف بِاللَّه أَن لَا يطلقهَا ثمَّ دخلت الدَّار وَقع عَلَيْهَا الطَّلَاق وَلَا يَقع على زَوجهَا الْحِنْث فِي الْقَضَاء لِأَنَّهُ لم يَجْعَلهَا طَالقا بعد مَا حلف إِنَّمَا جعلهَا قبل أَن يحلف
وَلَو حلف لَا يَبِيع عبدا وَلَا مَتَاعا وَلَا نِيَّة لَهُ فَأمر غَيره فَبَاعَهُ لم يَحْنَث لِأَن الَّذِي بَاعه هُوَ البَائِع وَكَذَلِكَ لَو حلف لَا يَشْتَرِي مَتَاعا أَو عبدا فَأمر غَيره فَاشْترى لَهُ أَلا ترى أَن الْخصم فِي هَذَا إِذا وجد عَيْبا المُشْتَرِي وَلَيْسَ الْأَمر من الْخُصُومَة فِي شَيْء وَكَذَلِكَ إِذا أمره

(3/341)


فَبَاعَهُ فالخصومة للْبَائِع
وَلَو حلف لَا يتَزَوَّج امْرَأَة فَأمر غَيره فَزَوجهُ حنث لِأَنَّهُ قد تزوج أَلا ترى أَنَّك تَقول تزوج فلَان للزَّوْج وَلَا تَسْتَطِيع أَن تنْسب ذَلِك

(3/342)


إِلَى الَّذِي خَاطب عَنهُ وزوجه وَقد تَقول اشْترى فلَان لفُلَان مَتَاعا أَو عبدا أَو بَاعَ فلَان لفُلَان عبدا أَو مَتَاعا
وَإِذا حلف الرجل لَا يَشْتَرِي عبدا وَهُوَ يَنْوِي أَن لَا يَأْمر غَيره فيشتري لَهُ فَأمر غَيره فَاشْترى لَهُ حنث لِأَنَّهُ قد نوى ذَلِك وَكَذَلِكَ إِذا حلف لَا يَبِيع وَهُوَ يَنْوِي أَن لَا يَأْمر غَيره فَبَاعَ فانه يَحْنَث لِأَنَّهُ قد نوى ذَلِك
وَإِذا قَالَ الرجل كل امْرَأَة يَتَزَوَّجهَا إِلَى ثَلَاثِينَ سنة طَالِق ثَلَاثًا إِن كلم فلَانا فَكلم فلَانا وَقد تزوج امْرَأَة قبل كَلَامه بعد الْحلف وَامْرَأَة بعد كَلَامه فان الطَّلَاق يَقع عَلَيْهِمَا جَمِيعًا وَيَقَع على كل شَيْء تزوج مُنْذُ حلف إِلَى أَن تمْضِي هَذِه الْمدَّة وَلَو كَانَ قَالَ إِن كلمت فلَانا فَكل امْرَأَة أَتَزَوَّجهَا إِلَى ثَلَاثِينَ سنة فَهِيَ طَالِق ثَلَاثًا فَتزَوج امْرَأَة بعد الْيَمين ثمَّ كَلمه لم يَقع عَلَيْهَا الطَّلَاق وَإِن تزوج امْرَأَة بعد الْكَلَام إِلَى ثَلَاثِينَ سنة وَقع عَلَيْهَا الطَّلَاق وَهَذَا مُخَالف للباب الأول إِنَّمَا يَقع يَمِينه بعد الْكَلَام وَالْبَاب الأول يَقع يَمِينه على مَا تزوج مُنْذُ

(3/343)


حلف إِلَى ثَلَاثِينَ سنة بعد الْكَلَام وَقبل
وَلَو قَالَ إِن كلمت فلَانا فَكل امْرَأَة أَتَزَوَّجهَا طَالِق ثَلَاثًا كَانَ كَمَا قَالَ وَلَا يَقع على مَا تزوج قبل كَلَامه وَإِن كَانَ قدم الْحلف ثمَّ كلم فلَانا وَقع الطَّلَاق وَلَو تزوج قبل الْكَلَام لم يَقع الطَّلَاق وَكَذَلِكَ الْعتاق فِي هَذَا كُله وكل امْرَأَة تزَوجهَا قبل الْحلف فِي جَمِيع ذَلِك لم يَقع عَلَيْهَا شَيْء إِنَّمَا يَقع على مَا يتَزَوَّج بعد كَلَامه إِذا بَدَأَ فَقَالَ إِن كلمت فلَانا
وَلَو قَالَ كل امْرَأَة أَتَزَوَّجهَا طَالِق ثَلَاثًا إِن كلمت فلَانا فَتزَوج بعد الْيَمين وَالْكَلَام حنث وَلَا يَحْنَث فِيمَا سوى ذَلِك وَكَذَلِكَ الْعتْق

(3/344)


وَإِذا وَقع الْحِنْث فِي امْرَأَة فَتَزَوجهَا زوج غَيره وَدخل بهَا ثمَّ فَارقهَا وَانْقَضَت عدتهَا ثمَّ تزَوجهَا الْحَالِف لم يَحْنَث فِيهَا مرّة أُخْرَى وَلَا يَقع عَلَيْهَا الطَّلَاق
وَإِذا حلف الرجل لَا يَبِيع لرجل شَيْئا قد سمى بِعَيْنِه فَبَاعَهُ لآخر طلب ذَلِك إِلَيْهِ لم يَحْنَث وَكَذَلِكَ لَو حلف لَا يَشْتَرِي لفُلَان شَيْئا فَأمره آخر فَاشْترى لَهُ والآمر يَنْوِي أَنه لفُلَان الْمَحْلُوف عَلَيْهِ فان الْحَالِف لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ إِنَّمَا اشْتَرَاهُ للَّذي أمره وَكَذَلِكَ إِن بَاعَ للَّذي أمره وَكَذَلِكَ إِن بَاعَ لنَفسِهِ أَو اشْترى لنَفسِهِ
وَإِذا حلف الرجل لَا يَشْتَرِي عبدا بِعَيْنِه فَاشْتَرَاهُ هُوَ وَآخر ذَلِك العَبْد فانه لَا يَحْنَث لِأَنَّهُ لم يشتره كُله إِنَّمَا اشْترى نصفه
وَإِذا حلف رجل لَا يهب لفُلَان هبة فَتصدق عَلَيْهِ بِصَدقَة لم يَحْنَث

(3/345)


لَان الصَّدَقَة غير الْهِبَة أَلا ترى أَنه لَا يرجع فِي الصَّدَقَة وَلَو حلف لَا يهب لَهُ فوهب لَهُ هبة وَلم يَدْفَعهَا إِلَيْهِ وَلم يقْض فان الْحَالِف يَحْنَث إِلَّا أَن يكون نوى حِين حلف هبة مَقْبُوضَة فَلَا يَحْنَث حَتَّى يكون مَقْبُوضَة وَلَو حلف لَا يهب لَهُ هبة فوهب لَهُ هبة غير مقسومة وَلَيْسَت لَهُ نِيَّة حنث لِأَنَّهَا هبة
وَكَذَلِكَ لَو أعْمرهُ عمرى وَقَبضهَا أَو نحله نحلى وَقَبضه أَو أعطَاهُ عَطِيَّة فقبضها حنث وَكَانَ هَذَا كُله هبة وَلَو وهب لَهُ شَيْئا فَأرْسل بِهِ مَعَ غَيره حنث

(3/346)


وَإِذا حلف الرجل ليضربن مَمْلُوكه فلَانا أَو حلف لَا يضْربهُ فَأمر غَيره فَضَربهُ وَلم يكن لَهُ نِيَّة أَن يضْربهُ بِيَدِهِ وَلَا يَأْمر بِهِ فانه قد ضربه حَيْثُ أَمر بِهِ أَلا ترى أَن رجلا لَو حلف ليخيطن هَذَا الثَّوْب فَأمر بِهِ فخيط أَو ليبنين هَذِه الدَّار فَأمر بهَا فبنيت كَانَ قد بر فِي يَمِينه إِلَّا أَن يكون عَنى ليفعلن ذَلِك بِيَدِهِ أَلا ترى أَنه يَقُول وَقد بنيت دَاري وَلم يبنها هُوَ إِنَّمَا بناها غَيره
وَكَذَلِكَ لَو حلف على شَيْء ليفعلنه مِمَّا يحسن فِيهِ إِذا أَمر بِهِ غَيره فَفعله أَن يَقُول قد فعلت كَذَا وَكَذَا فان كَانَ عملا لَا يحسن بِهِ أَن يَقُول قد فعلت كَذَا وَكَذَا فَذَلِك إِنَّمَا فعله غَيره فَهَذَا لَا يَقع

(3/347)


الْيَمين إِلَّا أَن يَفْعَله هُوَ بِنَفسِهِ
وَإِذا حلف ليضربن عَبده فَأمر بِهِ فَضرب فقد بر وَلَو حلف لَا يضْربهُ فَأمر بِهِ فَضرب حنث إِذا لم يكن لَهُ نِيَّة فِي ذَلِك وَلَو حلف بذلك على رجل حر لَا يملكهُ لم يَحْنَث حَتَّى يضْربهُ بِيَدِهِ وَلَا يشبه العَبْد فِي هَذَا الْحر وَكَذَلِكَ السُّلْطَان لَو حلف لَا يضْرب رجلا وَلَا نِيَّة لَهُ فَأمر بِهِ فَضرب حنث أَلا ترى أَنَّك تَقول ضرب الْأَمِير الْيَوْم فلَانا وَضرب القَاضِي الْيَوْم فلَانا حدا وَلَو كَانَ نوى حِين حلف أَن يضْربهُ بِيَدِهِ لم يَحْنَث حَتَّى يضْربهُ بِيَدِهِ وَهُوَ يدين فِي الْقَضَاء وَالله أعلم
- بَاب الْكَفَّارَة فِي الْيَمين فِي الْخدمَة
-
وَإِذا حلف الرجل لَا يستخدم خَادِمًا قد كَانَت تخدمه وَلَا نِيَّة لَهُ

(3/348)


فَجعلت الْخَادِم تخدمه من غير أَن يأمرها حنث لِأَنَّهُ قد استخدمها إِذا كَانَت تخدمه على حَالهَا الَّتِي كَانَت عَلَيْهِ حِين حلف
وَلَو حلف على خَادِم لَا يملكهَا أَن لَا يستخدمها فخدمته بِغَيْر أمره لم يَحْنَث لِأَن خادمه فِي هَذَا وخادم غَيره مُخْتَلف لِأَن خادمه إِنَّمَا وَضعه فِي بَيته لخدمته فَإِذا تَركه على ذَلِك الْأَمر يَخْدمه فَهُوَ خادمه وخادم غَيره إِذا لم يَأْمُرهُ هُوَ بِالْخدمَةِ لم يَحْنَث
وَلَو حلف رجل لَا تخدمني فُلَانَة فخدمته بأَمْره أَو بِغَيْر أمره خادمه كَانَت أَو خَادِم غَيره فانه يَحْنَث وكل شَيْء من عمل بَيته فانه خدمته

(3/349)


وَإِذا حلف الرجل لَا أستخدم خَادِمًا لفُلَان وَلَا نِيَّة لَهُ فَسَأَلَهَا وضُوءًا أَو شرابًا كَانَ قد استخدمها وَحنث فِي يَمِينه وَكَذَلِكَ لَو أَشَارَ إِلَيْهَا أَو أَوْمَأ إِلَيْهَا بخدمته فخدمته
وَلَو حلف لَا يَسْتَعِين بخادم لفُلَان فَأَشَارَ إِلَيْهَا بِوضُوء أَو بشراب أَو أَوْمَأ إِلَيْهَا أَو سَأَلَهَا ذَلِك بِكَلَام وَلم يكن لَهُ نِيَّة حِين حلف كَانَ قد اسْتَعَانَ بهَا وَوَجَب عَلَيْهِ الْحِنْث أعانته أَو لم تعنه إِلَّا أَن يكون نوى حِين حلف أَن يستعينها فتعينه فَلَا يَحْنَث حَتَّى تعينه
وَلَو حلف لَا تخدمني خَادِم لفُلَان وَلَا نِيَّة لَهُ فَاشْترى من فلَان خَادِمًا فخدمته لم يَحْنَث وَلَو بَاعَ فلَان الْحَالِف من فلَان الْمَحْلُوف

(3/350)


عَلَيْهِ خَادِمًا فخدمت الْحَالِف بعد البيع حنث إِنَّمَا يَقع الْيَمين فِي هَذَا على الْحَال الَّتِي تكون عَلَيْهَا الْخَادِم يَوْم تخْدم
فان كَانَت لفُلَان الْمَحْلُوف عَلَيْهِ يَوْم تخْدم الْحَالِف فانه يَحْنَث وَإِن كَانَت لغير الْمَحْلُوف عَلَيْهِ يَوْم تخْدم الْحَالِف فانه لَا يَحْنَث
وَإِذا كَانَ الْحَالِف على مائدة مَعَ قوم يطْعمُون وخادم الْمَحْلُوف عَلَيْهِ تقوم عَلَيْهِم فِي طعامهم وشرابهم كَانَ الْحَالِف قد حنث لِأَنَّهَا حَيْثُ خدمت الْقَوْم وَهُوَ فيهم فقد خدمته وَلَو كَانَ حِين حلف لَا يستخدم خَادِمًا لفُلَان فَقَامَتْ عَلَيْهِم فِي هَذِه الْمنزلَة وَلم يستخدمها هُوَ وَلم يسْأَلهَا لم يَحْنَث وَقَوله لَا تخدمني وَلَا استخدمها مُخْتَلف
وَلَو حلف أَن لَا يخدمني خَادِم فلَان هَذِه بِعَينهَا وَهُوَ يَعْنِي مَا دَامَت لفُلَان فَبَاعَهَا فخدمته لم يَحْنَث وَإِن لم يكن لَهُ نِيَّة حِين حلف

(3/351)


فخدمته بَعْدَمَا بَاعهَا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث فِي قَول أبي حنيفَة وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَيحنث فِي قَول مُحَمَّد أَلا ترى أَنه لَو قَالَ لَا يخدمني فلَان مولى فُلَانَة فخدمه الْمولى بعد مَا بَاعَ الْجَارِيَة أَو حلف لَا تخدمني فُلَانَة امْرَأَة فلَان فخدمته بعد مَا طَلقهَا ثَلَاثًا وَقع عَلَيْهِ الْحِنْث
وَلَو حلف لَا تخدمني خَادِم لفُلَان فخدمته خَادِم بَين فلَان وَبَين آخر لم يَحْنَث لِأَن الْخَادِم لَيست لفُلَان كلهَا وَكَذَلِكَ لَو كَانَ فِيهَا شقص لغير فلَان قَلِيلا كَانَ أَو كثيرا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث إِذا خدمته وَكَذَلِكَ لَو قَالَ كل مَمْلُوك لَيْسَ استخدمه فَهُوَ حر وَلَيْسَ إِلَّا رَقِيق بَينه وَبَين آخر فاستخدم وَاحِد مِنْهُم وَلم يَحْنَث وَلم يدْخل عَلَيْهِ عتق وَلَو قَالَ كل مَمْلُوك لي حر لَا يعْتق أحد مِنْهُم لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَمْلُوك تَامّ وَإِذا حلف الرجل لَا يَخْدمه خَادِم لفُلَان وَلَيْسَت لَهُ نِيَّة فِي غُلَام وَلَا جَارِيَة فَإِنَّهُ يَحْنَث فِي أَي ذَلِك خدمه لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا خَادِم وَالصَّغِيرَة الَّتِي تخدمهم والكبيرة سَوَاء فِي ذَلِك كُله
- بَاب الْيَمين فِي الرّكُوب
-
وَإِذا حلف الرجل لَا يركب دَابَّة وَلَيْسَت لَهُ نِيَّة فَركب فرسا أَو حمارا أَو بغل أَو برذونا فَإِنَّهُ يَحْنَث وَكَذَلِكَ إِذا ركب غير مَا سميت لَك

(3/352)


من الدَّوَابّ فِي الْقيَاس وَلَكِنِّي أدع الْقيَاس فِي ذَلِك فَإِذا ركب غير مَا سميت لَك من الدَّوَابّ لم يَحْنَث وَلَو ركب بَعِيرًا أَو بُخْتِيَّة لم يَحْنَث إِنَّمَا أَضَع هَذَا على مَعَاني كَلَام النَّاس إِلَّا أَن يكون نوى ذَلِك
وَإِذا حلف الرجل لَا يركب وَهُوَ يَعْنِي الْخَيل فَركب حمارا

(3/353)


لم يَحْنَث وَإِذا حلف على ذَلِك بِعِتْق أَو طَلَاق دينته فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى وَلَا أدينه فِي الْقَضَاء وَلَو حلف أَن لَا يركب فرسا فَركب برذونا أَو حلف أَن لَا يركب برذونا فَركب فرسا لم يَحْنَث وَلَو حلف لَا يركب شَيْئا من الْخَيل فَركب فرسا أَو برذونا أَو فرسا فَإِنَّهُ يَحْنَث لِأَن اسْم الْخَيل يجمعها والبراذين لَا يجمعها وَالْفرس لَا يجمعها
وَلَو حلف أَن لَا يركب وَهُوَ يَنْوِي الْحمر وَلم يسم دَابَّة وَلَا غير ذَلِك لم يكن نِيَّته هَذِه بِشَيْء وَإِن ركب بغلا حنث أَو فرسا لِأَنَّهُ لم يقل لَا أركب دَابَّة إِنَّمَا قَالَ لَا أركب وَهَذَا لَا يكون فِيهِ نِيَّة

(3/354)


وَلَو حلف أَن لَا يركب دَابَّة وَهُوَ رَاكب فَمَكثَ على حَاله سَاعَة وَاقِفًا أَو سائرا حنث لِأَنَّهُ رَاكب بعد يَمِينه فَإِن نزل حِين حلف لم يَحْنَث
وَلَو حلف لَا يركب دَابَّة فَحَمله إِنْسَان على دَابَّة وَهُوَ كَارِه لم يَحْنَث لِأَنَّهُ لم يركب إِنَّمَا حمل عَلَيْهَا وَإِن كَانَ هُوَ أذن فِي نَفسه أَو أَمر بذلك فقد حنث
وَلَو حلف أَن لَا يركب دَابَّة فَركب دَابَّة بسرج أَو باكاف أَو عُريَانا فَإِنَّهُ يَحْنَث
وَلَو حلف أَن لَا يركب دَابَّة لفُلَان فَركب دَابَّة لعَبْدِهِ لم يَحْنَث إِذا لم يكن لَهُ نِيَّة حِين حلف فَإِن كَانَ نوى حنث

(3/355)


وَكَذَلِكَ لَو حلف أَن لَا يدْخل دَارا لفُلَان فَدخل دَارا لعَبْدِهِ وَكَذَلِكَ لَو حلف أَن لَا يستخدم خَادِمًا لفُلَان فاستخدم خَادِمًا لعَبْدِهِ وَسَوَاء إِن كَانَ عبدا لَيْسَ عَلَيْهِ دين أَو عَلَيْهِ دين وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وفيهَا قَول آخر إِنَّه يَحْنَث إِذا فعل شَيْئا من هَذَا لِأَن كل مَال لعَبْدِهِ فَهُوَ للسَّيِّد وَهُوَ قَول مُحَمَّد
وَإِذا حلف الرجل لَا يركب دَابَّة لفُلَان فَركب دَابَّة لمكاتبه أَو لعبد قد أعتق نصفه وَهُوَ يسْعَى فِي نصف قِيمَته لم يَحْنَث وَكَذَلِكَ

(3/356)


لَو حلف على خدمَة عبد أَو سُكْنى دَار أَو لبس ثوب فَلبس ثوبا لمكاتبه
وَإِذا حلف الرجل لَا يركب دَابَّة لفُلَان فَركب دَابَّة لأم وَلَده أَو لمدبره فَهَذَا وَالْعَبْد سَوَاء القَوْل فِي هَذَا مثل القَوْل فِي العَبْد
وَإِذا حلف الرجل لَا يركب مركبا وَلَا يَنْوِي شَيْئا فَركب فِي سفينة أَو فِي محمل أَو دَابَّة بسرج أَو باكاف أَو رحالة فَإِنَّهُ يَحْنَث وَلَيْسَ من هَذَا شَيْء إِلَّا هُوَ مركب
وَإِذا حلف الرجل أَن لَا يركب هَذِه الدَّابَّة بِعَينهَا فنتجت بعد الْيَمين فَركب وَلَدهَا لم يَحْنَث لِأَن وَلَدهَا غير مَا حلف عَلَيْهِ
وَإِذا حلف الرجل أَن لَا يركب بِهَذَا السرج فَزَاد فِيهِ شَيْئا

(3/357)


أَو نقص مِنْهُ شَيْئا فَركب فَإِنَّهُ يَحْنَث لِأَنَّهُ ذَلِك السرج بِعَيْنِه وَلَو بدل السرج بِعَيْنِه وَترك اللبد وَالصّفة ثمَّ ركب بِهِ لم يَحْنَث وَإِذا حلف الرجل أَن لَا يركب دَابَّة لفُلَان فَركب دَابَّة بَينه وَبَين آخر لم يَحْنَث لِأَنَّهَا لَيست لَهُ كلهَا
وَإِذا حلف الرجل بِاللَّه مَا لَهُ مَال وَلَا نِيَّة لَهُ وَلَيْسَ لَهُ مَال إِلَّا دين على رجل مُفلس كَانَ أَو ملئ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث وَكَذَلِكَ

(3/358)


لَو كَانَ رجلا قد غصبه مَاله فاستهلكه فَأقر لَهُ بِهِ أَو جَحده وَهُوَ قَائِم بِعَيْنِه فَهُوَ سَوَاء وَإِن كَانَ لَهُ مَال عِنْد عَبده فَعرفهُ فَإِنَّهُ يَحْنَث وَكَذَلِكَ لَو كَانَ عِنْده فضَّة أَو ذهب قَلِيلا كَانَ أَو كثيرا وَإِن لم يكن

(3/359)


عِنْده مَال وَلَا نِيَّة إِلَّا الدّين الَّذِي ذكرت لَك وَحلف حِين حلف وَهُوَ يَنْوِي الدّين فَإِنَّهُ يَحْنَث وَإِن لم يكن دين وَلَا عين وَله عرُوض من حَيَوَان أَو غير ذَلِك فَحلف بِاللَّه مَا لَهُ وَلَا نِيَّة لَهُ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث وَإِنَّمَا الْيَمين فِي هَذَا على الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم وَيَقَع على الذَّهَب وَالْفِضَّة وعَلى كل مَال غير ذَلِك للتِّجَارَة وَمَا كَانَ تجب فِيهِ الزَّكَاة من الْإِبِل وَالْغنم وَالْبَقر وَلَو كَانَ حِنْطَة أَو أشبه ذَلِك للتِّجَارَة كَانَ هَذَا كُله مَالا وَكَانَ يَحْنَث فِي يَمِينه وَإِن كَانَ حِين حلف نوى الذَّهَب وَالْفِضَّة خَاصَّة لم يَحْنَث فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى وَلَا يدين فِي الْقَضَاء
وَإِذا حلف الرجل بِاللَّه مَالِي من مَال وَلَيْسَ لَهُ مَال وَله

(3/360)


عبد لَهُ مَال وعَلى عَبده دين أَو لَيْسَ عَلَيْهِ دين فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث إِلَّا أَن يَنْوِي ذَلِك وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وفيهَا قَول آخر إِنَّه يَحْنَث وَهُوَ قَول مُحَمَّد وَكَذَلِكَ الْمُدبر وَأم الْوَلَد فَأَما الْمكَاتب وَالْعَبْد يسْعَى فِي نصف قِيمَته فَلَا يكون مَاله مَال السَّيِّد وَالله أعلم
- بَاب الْأَوْقَات فِي الْيَمين
-
وَإِذا حلف الرجل ليعطين فلَانا إِذا صلى الظّهْر حَقه فَلهُ وَقت الظّهْر كُله إِلَى آخر الْوَقْت وَلَكِن ليعطيه قبل أَن يخرج الْوَقْت فَإِن خرج الْوَقْت قبل أَن يَقْضِيه حنث وَكَذَلِكَ إِذا حلف ليعطينه رَأس الشَّهْر فَلهُ اللَّيْلَة الَّتِي أهل فِيهَا الْهلَال ويومه كُله فَإِن غَابَتْ الشَّمْس

(3/361)


قبل أَن يُعْطِيهِ حنث
وَإِذا حلف ليعطينه طُلُوع الشَّمْس فَلهُ من حِين تطلع الشَّمْس إِلَى أَن ترْتَفع وتبيض
وَإِذا حلف ليعطينه رَأس الشَّهْر أَو عِنْد رَأس الشَّهْر أَو عِنْد طُلُوع الشَّمْس أَو عِنْد صَلَاة الظّهْر فَهَذَا كُله وَالْأول سَوَاء وَكَذَلِكَ ليعطينه حِين تطلع الشَّمْس
وَإِذا حلف ليعطينه كل شهر درهما وَلَا نِيَّة لَهُ وَقد حلف فِي أولى الشَّهْر فَإِن ذَلِك الشَّهْر الَّذِي حلف فِيهِ فِي يَمِينه فَيَنْبَغِي لَهُ أَن يُعْطِيهِ فِي كل شهر قبل أَن يخرج درهما وَكَذَلِكَ إِذا حلف ليعطينه كل شهر أَو كل سنة وَكَذَلِكَ لَو كَانَ فِي آخر السّنة أَو فِي آخر الشَّهْر

(3/362)


وَلَو أَن رجلا كَانَ عَلَيْهِ دين نجوما يُعْطِيهَا فِي انسلاخ كل شهر فَحلف ليعطينه النُّجُوم فِي كل شهر كَانَ لَهُ ذَلِك الشَّهْر الَّذِي جعل فِيهِ النَّجْم حَتَّى أَخّرهُ يُعْطِيهِ مَتى شَاءَ فيبر وَلَا يَحْنَث
وَإِذا حلف ليعطينه عَاجلا وَلَا نِيَّة لَهُ فالعاجل قبل أَن يمْضِي الشَّهْر فَإِن مضى شهر حنث
وَإِذا حلف الرجل ليعطينه فِي أول الشَّهْر الدَّاخِل وَلَا نِيَّة لَهُ

(3/363)


فَلهُ أَن يُعْطِيهِ فِيمَا بَينه وَبَين أَن يمْضِي أقل من النّصْف فَإِذا أعطَاهُ فِي ذَلِك بر وَإِن مضى النّصْف قبل أَن يُعْطِيهِ حنث
وَإِذا حلف الرجل أَن لَا يُعْطي فلَانا مَا لَهُ عَلَيْهِ حينا وَلَا زَمَانا وَلَيْسَت لَهُ نِيَّة فَأعْطَاهُ قبل سِتَّة أشهر فَإِنَّهُ يَحْنَث الْحِين عندنَا وَالزَّمَان سِتَّة أشهر بلغنَا عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه سُئِلَ عَن الْحِين فَقَالَ يَقُول الله تَعَالَى فِي كِتَابه {تؤتي أكلهَا كل حِين بِإِذن رَبهَا} فَجعله سِتَّة أشهر

(3/364)


والدهر فِي قَول يَعْقُوب وَمُحَمّد سِتَّة أشهر وَلم يُوَقت أَبُو حنيفَة فِي الدَّهْر شَيْئا وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا أَدْرِي مَا الدَّهْر وَلم يُوَقت فِيهِ شَيْئا

(3/366)


وَكَذَلِكَ لَو حلف أَن لَا يكلم فلَانا حينا فَهُوَ سِتَّة أشهر إِن لم يكن لَهُ نِيَّة وَإِن نوى أَكثر من ذَلِك أَو أقل من ذَلِك فَهُوَ مَا نوى وَكَذَلِكَ لَو حلف أَن لَا يكلمهُ دهرا

(3/367)


وَكَذَلِكَ لَو حلف أَن لَا يكلمهُ الْأَيَّام وَلَا نِيَّة لَهُ فَإِنَّهُ يتْرك كَلَامه عشرَة أَيَّام لِأَنَّهَا هِيَ أَيَّام وَلَا يكون مِنْهَا أَيَّامًا أَلا ترى أَنَّك إِذا نسبتها إِلَى أَكثر من عشرَة قلت كَذَا وَكَذَا يَوْمًا وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد الْأَيَّام سَبْعَة أَيَّام وَإِذا حلف أَن لَا يكلمهُ أَيَّامًا وَهُوَ يَنْوِي ثَلَاثَة أَيَّام فَهُوَ كَمَا نوى وَإِن لم تكن لَهُ نِيَّة فَهُوَ آخر مَا يكون مِنْهُ عشرَة أَيَّام وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِن لم يكن لَهُ نِيَّة فَهُوَ ثَلَاثَة أَيَّام إِلَّا أَن يَنْوِي أَكثر من ذَلِك فَهُوَ كَمَا نوى
وَإِذا حلف الرجل ليعطينه غَدا فِي أول النَّهَار وَلَا نِيَّة لَهُ كَانَ موسعا عَلَيْهِ أَن يُعْطِيهِ فِيمَا بَينه وَبَين نصف النَّهَار فَإِن انتصف النَّهَار قبل أَن يُعْطِيهِ حنث
وَإِذا حلف الرجل ليعطينه مَعَ حل المَال أَو حِين يحل المَال أَو عِنْد حل المَال أَو حَيْثُ يحل المَال وَلَا نِيَّة لَهُ فَهَذَا يُعْطِيهِ سَاعَة يحل فَإِن أَخّرهُ أَكثر من ذَلِك حنث وَإِذا حلف لَا يُعْطِيهِ حَتَّى يَأْذَن لَهُ

(3/368)


فلَان فَمَاتَ فلَان قبل أَن يَأْذَن لَهُ أَن يُعْطِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَث فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد لِأَن فلَانا إِذْنه قد انْقَطع وَيحنث فِي قَول أبي يُوسُف وَلَو كَانَ حَيا فَأذن لَهُ وَهُوَ لَا يسمع بِالْإِذْنِ وَلَا يعلم فَأعْطَاهُ حنث لِأَن الْإِذْن لَا يكون إِلَّا بِمحضر مِنْهُ حَيْثُ يعلم بذلك أَلا ترى أَنه لَو قَالَ لَا أعْطِيه حَتَّى يَأْذَن لي فلَان لم يكن لَهُ أَن يُعْطِيهِ حَتَّى يَأْذَن لَهُ مُعَاينَة أَو يُرْسل إِلَيْهِ بِهِ وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا أذن لَهُ حَيْثُ لَا يعلم وَلَا يسمع فَهُوَ إِذن فَأَما إِذا مَاتَ فلَان قبل أَن يَأْذَن لَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَن يُعْطِيهِ فَإِذا أعطَاهُ حنث
وَإِذا حلف الرجل لَا يضْرب عَبده أبدا وَلَا نِيَّة لَهُ فوجآه بِيَدِهِ أَو قرصه أَو خنقه أَو مد شعره أَو عضه فَأَي هَذَا مَا صنع بِهِ فَهُوَ ضرب وَهُوَ حانث لِأَن مَا وصل إِلَى الْقلب من وجع فَهُوَ ضرب وَلَو حلف ليضربنه فَفعل بِهِ من هَذَا شَيْء كَانَ قد بر وَكَانَ هَذَا ضربا
وَإِذا حلف الرجل ليضربن عَبده مائَة سَوط وَلَا نِيَّة لَهُ فَضَربهُ

(3/369)


مائَة سَوط وخفف فانه يبر لِأَنَّهُ مائَة سَوط وَلَو جمعهَا جمَاعَة ثمَّ ضربه بهَا لم يبر لِأَنَّهُ لم يضْربهُ مائَة سَوط لِأَنَّهَا لم تقع بِهِ جَمِيعًا وَلَو ضربه سَوْطًا وَاحِدًا لَهُ شعبتان خمسين سَوْطًا كل سَوط مِنْهَا يَقع بِهِ الشعبتان جَمِيعًا كَانَ قد بر وَكَذَلِكَ لَو جمع سوطين فَضَربهُ بهما جَمِيعًا وهما يقعان بِهِ جَمِيعًا بر وَلَو ضربه مائَة سَوط فَوق الثِّيَاب بر
وَلَو حلف ليضربنه وَلم يسم شَيْئا فَبِأَي شَيْء ضربه بِهِ من يَد أَو رجل أَو سَوط أَو غير ذَلِك فانه يبر
وَلَو حلف ليضربنه قبل اللَّيْل فَمَاتَ الرجل قبل اللَّيْل لم يَحْنَث لِأَنَّهُ بَقِي من الْوَقْت شَيْء وَلَو حلف ليضربنه غَدا فَمَاتَ العَبْد قبل غَد لم يَحْنَث لِأَنَّهُ قد بَقِي من مدَّته الَّتِي وَقت شَيْء لم يَأْتِ بعد فجَاء ذَلِك الْوَقْت وَلَا يقدر على أَن يضْربهُ وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا وَقت الْيَوْم إِلَى اللَّيْل فَمَاتَ العَبْد قبل اللَّيْل وَلم يضْربهُ فانه يَحْنَث إِذا جَاءَ اللَّيْل وَلَو حلف أَن يضْربهُ فَأمر بِهِ

(3/370)


فَضرب بر لِأَن الرجل قد يَقُول ضربت غلامي وَإِنَّمَا أَمر بِهِ فَضرب وَيَقُول قد ضرب الْيَوْم الْأَمِير رجلا وَإِنَّمَا أَمر بِهِ فَضرب وَيَقُول قد ضرب القَاضِي الْيَوْم رجلا وَإِنَّمَا أَمر بِهِ فَضرب
وَلَو حلف لَا يضْربهُ وَلَا نِيَّة لَهُ فَأمر بِهِ فَضرب كَانَ قد حنث وَكَانَت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة إِلَّا أَن يكون عَنى حِين حلف أَن يضْربهُ بِيَدِهِ فَلَا يَحْنَث إِذا كَانَ على ذَلِك وكل شَيْء فعل من خياطَة أَو صباغة أَو عمل شبه ذَلِك حلف عَلَيْهِ الرجل أَن لَا يَفْعَله فَأمر بِهِ فَفعل فانه يَحْنَث لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة فعله إِلَّا أَن يكون نوى فِي يَمِينه أَن يَفْعَله بِنَفسِهِ فان حلف على ذَلِك فَأمر بِهِ غَيره فَفعله لم يَحْنَث
- بَاب الْبشَارَة
-
وَإِذا حلف الرجل أَي غلماني بشرني بِكَذَا فَهُوَ حر فبشره وَاحِد بذلك ثمَّ جَاءَ آخر فبشره فَالْأول حر وَلَا يعْتق الثَّانِي لِأَن الأول هُوَ البشير وَلَو بشروه مَعًا جَمِيعًا عتقوا وَلَو بعث إِلَيْهِ غُلَام من غلمانه مَعَ رجل بالبشارة فَقَالَ إِن غلامك يبشرك بِكَذَا وَكَذَا فان العَبْد يعْتق لِأَنَّهُ قد بشره أَلا ترى إِلَى قَول الله تَعَالَى فِي كِتَابه {وبشروه بِغُلَام عليم} وَإِنَّمَا أرسل إِلَيْهِ بذلك وَقَوله تَعَالَى

(3/371)


{إِن الله يبشرك بِكَلِمَة مِنْهُ} فَهَذِهِ بِشَارَة وَكَذَلِكَ لَو كتب إِلَيْهِ كتابا
وَإِن كَانَ حِين حلف نوى أَن يشافهه مشافهة أَو يكلمهُ بِهِ كلَاما لم يعْتق
وَإِذا حلف الرجل فَقَالَ أَي غُلَام لي أَخْبرنِي بِكَذَا كَذَا أَو أعلمني بِكَذَا وَكَذَا فَهُوَ حر وَلَا نِيَّة لَهُ فَأخْبرهُ غُلَام لَهُ بلك بِكِتَاب أَو بِكَلَام أَو برَسُول قَالَ إِن فلَانا يَقُول لَك كَذَا كَذَا فان الْغُلَام يعْتق لِأَن هَذَا خبر وَإِن أخبرهُ بعد ذَلِك غُلَام آخر عتق لِأَنَّهُ قد قَالَ أَي غُلَام لي أَخْبرنِي فَهُوَ حر فان أَخْبرُوهُ جَمِيعًا كلهم عتقوا جَمِيعًا وَإِن كَانَ حِين حلف الْخَبَر بِكَلَام مشافهة لم يعْتق أحد مِنْهُم إِلَّا أَن يخبروه بِكَلَام مشافهة بذلك الْخَبَر

(3/372)


وَإِذا قَالَ أَي غلماني حَدثنِي فَهَذَا على المشافهة لَا يعْتق أحد مِنْهُم
وَإِذا حلف الرجل لَئِن علم بمَكَان فلَان ليخبرنك بِهِ ثمَّ علم بِهِ الْحَالِف والمحلوف لَهُ فَلَا بُد من أَن يُخبرهُ بِهِ وَإِن علما بِأَنَّهُ

(3/373)


قد حلف لَهُ على ذَلِك
وَإِذا حلف الرجل لآخر ليخبرنه بِكَذَا وَكَذَا وَلَا نِيَّة لَهُ فَأخْبرهُ بذلك بِكِتَاب أَو أرسل إِلَيْهِ بذلك رَسُولا فَقَالَ إِن فلَانا يُخْبِرك بِكَذَا وَكَذَا كَانَ قد بر وَكَانَ هَذَا خَبرا
- بَاب الرجل يحلف على الْأَيَّام هَل يدْخل فِي ذَلِك اللَّيْل وَغَيره
-
وَلَو حلف الرجل فَقَالَ يَوْم أفعل كَذَا وَكَذَا فَعَبْدي حر وَلَا نِيَّة لَهُ فَفعل ذَلِك لَيْلًا عتق غُلَامه وَإِنَّمَا يَقع هَذَا على إِذا فعلت كَذَا وَكَذَا أَلا ترى إِلَى قَول الله تبَارك وَتَعَالَى فِي كِتَابه {وَمن يولهم يَوْمئِذٍ دبره} فَمن ولاهم الدبر بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار فَهُوَ سَوَاء
وَإِذا قَالَ يَوْم أفعل كَذَا وَكَذَا فَعَبْدي حر وَهُوَ يَنْوِي النَّهَار دون اللَّيْل فَفعل ذَلِك لَيْلًا فانه لَا يَحْنَث ويدين فِي الْقَضَاء

(3/374)


وَإِذا قَالَ لَيْلَة أفعل كَذَا وَكَذَا فَعَبْدي حر فَفعل ذَلِك نَهَارا لم يعْتق عَبده
وَلَو حلف رجل لَا يبيت فِي مَكَان كَذَا وَكَذَا فَأَقَامَ فِي ذَلِك الْمَكَان لَيْلَة حَتَّى أصبح وَلم ينم حنث لِأَن البيتوتة هُوَ الْمكْث فِيهَا إِلَّا أَن يَعْنِي النّوم وَإِذا أَقَامَ فِي ذَلِك الْمَكَان حَتَّى يذهب أَكثر من نصف اللَّيْل ثمَّ خرج مِنْهُ حنث وَلَو أَقَامَ إِلَى أقل من نصف اللَّيْل ثمَّ خرج لم يَحْنَث
وَإِذا حلف الرجل لَا يظله ظلّ بَيت وَلَا نِيَّة لَهُ فَدخل ظلّ بَيت حنث وَلَو قَامَ فِي ظله خَارِجا لم يَحْنَث إِلَّا أَن يَنْوِي ذَلِك
وَلَو حلف أَن لَا يأويه بَيت فآواه بَيت سَاعَة من اللَّيْل أَو من النَّهَار ثمَّ خرج لم يَحْنَث حَتَّى يكون فِيهِ أَكثر من نصف اللَّيْل أَو أَكثر من نصف النَّهَار إِلَّا أَن يكون يَعْنِي لَا يأوى لَا يدْخل

(3/375)


بَيْتا فَدخل حنث وَهَذَا قَول أبي يُوسُف الأول ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ بعد ذَلِك إِذا دخل سَاعَة حنث هُوَ قَول مُحَمَّد وَلَو أَدخل قدما وَاحِدًا وَلم يدْخل الْأُخْرَى لم يَحْنَث حَتَّى يدخلهما جَمِيعًا وَلَو أَدخل جسده وَهُوَ قَائِم مَا خلا رجلَيْهِ لم يَحْنَث لِأَن الْجَسَد إِنَّمَا هُوَ تبع للرجلين فَإِذا لم يدْخل الرجلَيْن لم يَحْنَث وَكَذَلِكَ لَو حلف أَن لَا يخرج من الْبَيْت فَأخْرج قدما وَاحِدًا وَلم يخرج الْأُخْرَى لم يَحْنَث
- بَاب الْكَفَّارَة فِي الْيَمين فِي الْكفَالَة
-
وَإِذا حلف الرجل لَا يكفل بكفالة فكفل بِنَفس رجل عبد أَو حر فقد حنث وَكَذَلِكَ لَو كفل بِثَوْب أَو دَابَّة وَكَذَلِكَ لَو كفل بِمَال أَو بِمَا أدْركهُ من دَرك فِي دَار اشْتَرَاهَا حنث وكل شَيْء من هَذَا كفل فَهُوَ كَفَالَة
وَلَو حلف أَن لَا يكفل عَن إِنْسَان بِشَيْء فكفل بِنَفس رجل لم يَحْنَث لِأَنَّهُ لم يكفل عَنهُ بِشَيْء وَالْكَفَالَة عَنهُ لَيست كالكفالة بِهِ

(3/376)


وَإِذا حلف الرجل أَن لَا يكفل عَن فلَان بِشَيْء فَأمره فلَان فَاشْترى لَهُ ثوبا لم يَحْنَث لِأَن هَذَا لَيْسَ بكفالة وَإِن كَانَت الدَّرَاهِم على المُشْتَرِي
وَإِذا حلف الرجل لَا يكفل عَن فلَان بِشَيْء وَلَا يضمن عَن فلَان شَيْئا فهما سَوَاء الْكفَالَة وَالضَّمان وَلَو أمره فلَان أَن يكفل عَن رجل آخر أَو يضمن عَن رجل آخر فَفعل ذَلِك لم يَحْنَث
وَلَو كَانَت الدَّرَاهِم على فلَان وَبهَا كَفِيل فَأمر فلَان الْحَالِف فكفل عَن كفيله لم يَحْنَث الْحَالِف لِأَنَّهُ لم يكفل عَن فلَان بِعَيْنِه
وَلَو حلف لَا يكفل عَن فلَان فكفل لغيره وَالدَّرَاهِم الَّتِي كفل بهَا أَصْلهَا لفُلَان لم يَحْنَث لِأَنَّهُ لم يكفل لَهُ بِشَيْء وَإِن كَانَ أَصْلهَا لَهُ وَكَذَا لَو كفل لعَبْدِهِ أَو لِأَبِيهِ أَو لبَعض أَهله فكفل بهَا لَهُ لم يَحْنَث

(3/377)


وَلَو كفل لفُلَان الَّذِي حلف عَلَيْهِ بِدَرَاهِم أَصْلهَا لغيره حنث
وَلَو حلف أَن لَا يكفل عَن فلَان فضمن عَنهُ حنث إِلَّا أَن يكون عَنى حِين حلف اسْم كَفَالَة فان كَانَ عَنى أَن لَا أكفل وَلَكِن أضمن فانه يَسعهُ فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى وَفِي الْقَضَاء لَا يَسعهُ وَإِن لم يكن لَهُ نِيَّة فهما سَوَاء
وَلَو حلف أَن لَا يكفل عَن فلَان فأحال فلَان عَلَيْهِ بِمَال لَهُ عَلَيْهِ لم يَحْنَث إِذا لم يكن للمحتال دين لَهُ عَلَيْهِ لِأَن هَذَا لَيْسَ بكفالة أَلا ترى إِنَّمَا أحَال عَلَيْهِ بِشَيْء هُوَ لَهُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ وَكيل الَّذِي أحَال عَلَيْهِ
وَلَو قَالَ أضمن مَا عنْدك لفُلَان فضمنه لَهُ لم يَحْنَث لِأَنَّهُ لم يكفل عَن فلَان إِنَّمَا ضمن مَا عِنْده لهَذَا أَلا ترى أَن هَذَا الْمُحْتَال

(3/378)


إِنَّمَا هُوَ وَكيل لرب المَال وَلَو كَانَ لهَذَا الْمُحْتَال لَهُ مَال على الَّذِي أَحَالهُ فاحتال بِهِ على الْحَالِف أَو ضمنه الْحَالِف لَهُ وعَلى الْحَالِف مَال للَّذي أحَال عَلَيْهِ حنث لِأَن هَذَا كَفِيل
- بَاب الْكَفَّارَات فِي الْيَمين فِي الْكَلَام
-
وَإِذا حلف الرجل لَا يتَكَلَّم الْيَوْم وَلَا نِيَّة لَهُ ثمَّ صلى لم يَحْنَث لِأَن هَذَا لَيْسَ بِكَلَام وَلَو قَرَأَ الْقُرْآن فِي غير صَلَاة أَو سبح أَو هلل

(3/379)


أَو كبر أَو حمد الله تَعَالَى كَانَ قد تكلم وَحنث وَوَجَبَت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وَكَذَلِكَ لَو أَنه أنْشد شعرًا حنث
وَلَو حلف لَا يتَكَلَّم الْيَوْم فَتكلم بِالْفَارِسِيَّةِ أَو بالنبطية أَو بالسندية أَو بالزنجية أَو بِأَيّ لِسَان كَانَ سوى منْطقَة الْعَرَبيَّة حنث لِأَنَّهُ كَلَام
وَكَذَلِكَ لَو حلف لَا يكلم فلَانا فناداه من بعيد من حَيْثُ يسمع مثله صَوته أَو كَانَ نَائِما فناداه أَو أيقظه حنث وَلَو مر على قوم فَسلم عَلَيْهِم وَهُوَ فيهم حنث إِلَّا أَن لَا يَنْوِي الرجل فيهم وَيَنْوِي غَيره وَإِن ناداه وَهُوَ حَيْثُ لَا يسمع الصَّوْت لم يَحْنَث وَلَيْسَ هَذَا بِكَلَام

(3/380)


وَلَو كتب إِلَيْهِ أَو أرسل إِلَيْهِ رَسُولا لم يَحْنَث وَلَو أَشَارَ إِلَيْهِ بِإِشَارَة أَو أَوْمَأ إِلَيْهِ إِيمَاء لم يَحْنَث لِأَن هَذَا لَيْسَ بِكَلَام
وَقَالَ مُحَمَّد فِي رجل قَالَ وَالله لَا أكلم مَوْلَاك وَله موليان مولى أَعلَى وَمولى أَسْفَل وَلَا نِيَّة لَهُ قَالَ أَيهمَا كلم حنث
قَالَ مُحَمَّد وَإِذا قَالَ الرجل لَا أكلم جدك وَله جدان من قبل أمه وَمن قبل أَبِيه وَلَا نِيَّة لَهُ قَالَ أَيهمَا كلم حنث

(3/381)


- بَاب الْكَفَّارَة فِي الْيَمين فِي لُزُوم الْغَرِيم
-
وَإِذا حلف الرجل لَا يُفَارق غَرِيمه حَتَّى يَسْتَوْفِي مَا لَهُ عَلَيْهِ وَله عَلَيْهِ شَيْء فَلَزِمَهُ ثمَّ إِن الْغَرِيم فر مِنْهُ لم يَحْنَث لِأَن الْحَالِف لم يُفَارِقهُ إِنَّمَا فَارقه الْمَطْلُوب وَكَذَلِكَ لَو أَن الْمَطْلُوب كابره مكابره حَتَّى انفلت مِنْهُ
وَلَو أَن الْمَطْلُوب أَحَالهُ على رجل بِالْمَالِ أَو أَبرَأَهُ الطَّالِب مِنْهُ ثمَّ فَارقه لم يَحْنَث لِأَنَّهُ فَارقه وَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَلَو أَن المَال توى عِنْد الْمُحْتَال عَلَيْهِ فَرجع الطَّالِب على الْمَطْلُوب بِالْمَالِ لم يَحْنَث لِأَنَّهُ قد كَانَ وَقت يَوْمئِذٍ وقتا وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو يُوسُف يَحْنَث إِن فَارقه قبل أَن يَسْتَوْفِي مِنْهُ وَلَو لم يحله يَوْمئِذٍ بِالْمَالِ وَلكنه أعطَاهُ إِيَّاه فَوجدَ فِيهَا درهما زيفا أَو أَكثر من ذَلِك بعد مَا فَارقه

(3/382)


لم يَحْنَث من قبل أَن الدَّرَاهِم الزُّيُوف فضَّة وَلَو كَانَ فِي الدَّرَاهِم دَرَاهِم ستوقة وجدهَا بعد مَا فَارقه فان كَانَت فضَّة لم يَحْنَث وَإِن كَانَ من نُحَاس أَكْثَرهَا وَالْفِضَّة أقلهَا حنث لِأَنَّهُ قد فَارقه وَلَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ شَيْء وَلَو أعطَاهُ الدَّرَاهِم وفارقه وَجَاء رجل فاستحقها فَأَخذهَا من الْحَالِف فَرجع الْحَالِف على غَرِيمه لم يَحْنَث لِأَنَّهُ فَارقه يَوْم فَارقه على وَفَاء وَكَذَلِكَ لَو بَاعه بِالْمَالِ عبدا أَو قَبضه وفارقه ثمَّ اسْتحق العَبْد لم يَحْنَث
وَلَو حلف الْمَطْلُوب لأعطينك حَقك عَاجلا وَهُوَ يَعْنِي فِي نَفسه وقتا كَانَ الْأَمر على مَا نوى وَإِن كَانَ سنة لِأَن الدُّنْيَا كلهَا قَلِيل عَاجل فان لم يكن لَهُ نِيَّة فَإِنِّي اسْتحْسنَ فِي ذَلِك أَن يكون أقل من شهر بِيَوْم فان تمّ شهر قبل أَن يُعْطِيهِ حنث
وَإِذا حلف لَا يحبس عَنهُ من حَقه شَيْئا وَله نِيَّة أَن لَا يحْبسهُ بِهِ فَهُوَ مَا نوى وَإِن لم يكن لَهُ نِيَّة فانه يَنْبَغِي لَهُ أَن يُعْطِيهِ سَاعَة حلف وَيَأْخُذ فِي عمل ذَلِك حَتَّى يُوفيه وَلَو حَاسبه فَأعْطَاهُ كل شَيْء لَهُ وأبرأه من ذَلِك الطَّالِب ثمَّ لقِيه بعد أَيَّام فَقَالَ لَهُ بَقِي لي عنْدك كَذَا كَذَا من قبل كَذَا كَذَا فَذكر الْمَطْلُوب ذَلِك وعرفه وَقد كَانَا جَمِيعًا نسياه لم يَحْنَث الْحَالِف إِذا أعطَاهُ ذَلِك حِين يذكرهُ لِأَنَّهُ لم يحْبسهُ أَلا ترى أَنه قد أوفاه حَقه
وَكَذَلِكَ لَو حلف أَن لَا يحبس عَنهُ مَتَاعه ثمَّ قَالَ لَهُ خُذْهُ فَقَالَ

(3/383)


الطَّالِب قد أَخَذته كَانَ الْحَالِف قد بر وَلَا يكون حابسا لِأَنَّهُ قد خلى بَين الطَّالِب وَبَينه
- بَاب الرجل يحلف لَا يقْعد على الشَّيْء أَو يستعير وَهُوَ لَا يعرف فلَانا
-
وَإِذا حلف الرجل لَا يقْعد على الأَرْض وَلَا نِيَّة لَهُ فَقعدَ على الْبسَاط أَو على فرَاش أَو على وسَادَة لم يَحْنَث أَلا ترى أَنه قد قعد على غير مَا سمى وَلَو قعد على بوريا أَو حَصِير لم يَحْنَث وَلَو قعد على الأَرْض أَو على ثِيَابه الَّتِي تلبس بَينه وَبَين الأَرْض شَيْء حنث لِأَن هَذَا قد قعد على الأَرْض إِذا لم يقْعد على الْبسَاط أَلا ترى أَنه قد يَقُول قد قعدت على الأَرْض وَالْآخر قد يَقُول قعدت على بِسَاط وَهَذَا على ثِيَابه وَذَا على ثِيَابه

(3/384)


وَإِذا حلف الرجل لَا يقْعد على الأَرْض وَهُوَ يَنْوِي أَن لَا يقْعد عَلَيْهَا فان كَانَ تَحْتَهُ فرَاش أَو بِسَاط أَو وسَادَة أَو حَصِير أَو بوريا لم يَحْنَث
وَإِذا حلف لَا يمشي على الأَرْض وَلَا نِيَّة لَهُ فِيهَا فَمشى حافيا أَو بنعلين أَو خُفَّيْنِ أَو جوربين فانه يَحْنَث لِأَنَّهُ قد مَشى على الأَرْض وَلَو مَشى على بِسَاط أَو على فرَاش أَو على وسَادَة لم يَحْنَث لِأَنَّهُ لم يمش على الأَرْض وَلَو مَشى على ظهر الْأَحْجَار حافيا أَو بنعلين أَو بخفين أَو جوربين وَلم يكن لَهُ نِيَّة فانه يَحْنَث لِأَن ظهر الْأَحْجَار من الأَرْض
وَلَو حلف لَا يدْخل الْفُرَات وَلَا نِيَّة لَهُ فَمر على الجسر لم يَحْنَث وَكَذَلِكَ إِن دخل سفينة فان دخل المَاء حنث

(3/385)


وَإِذا حلف الرجل لَا يكلم فلَانا إِلَى كَذَا كَذَا يَعْنِي بذلك أشهرا فَهُوَ كَمَا نوى وَإِن لم يكن لَهُ نِيَّة وَلم يسم شَيْئا فَذَلِك إِلَيْهِ يكلمهُ بعد ذَلِك الْيَوْم مَتى مَا شَاءَ وَلَو حلف لَا يكلمهُ إِلَى قدوم الْحَاج أَو إِلَى الْحَصاد أَو إِلَى الدياس وَلَا نِيَّة لَهُ فحصد أول النَّاس أَو داس أول النَّاس أَو قدم أول الْحَاج فانه يَنْبَغِي لَهُ أَن يكلمهُ إِن شَاءَ وَلَا يَحْنَث
وَلَو حلف أَن لَا يؤم النَّاس يَعْنِي لَا يُصَلِّي بهم فَأم بَعضهم وَلم يكن لَهُ نِيَّة حنث
وَلَو حلف أَن لَا يكلم فلَانا حَتَّى الشتَاء فجَاء أول الشتَاء فقد انْقَطَعت الْيَمين وَكَذَلِكَ الصَّيف

(3/386)


وَلَو حلف لَا يستعير من فلَان شَيْئا فاستعار مِنْهُ حَائِطا يضع عَلَيْهِ جذوعه وَلم يكن لَهُ نِيَّة حِين حلف فانه يَحْنَث لِأَنَّهُ قد اسْتعَار وَكَذَلِكَ لَو اسْتعَار مِنْهُ بَيْتا أَو دَارا أَو دَابَّة أَو دلوا أَو ثوبا وَلَو دخل عَلَيْهِ فأضافه لم يَحْنَث وَلَو دخل فاستقى من بئره بِإِذْنِهِ لم يكن عَلَيْهِ شَيْء وَلم يكن هَذَا عَارِية
وَلَو حلف بِاللَّه مَا يعرف فلَانا ثمَّ ذكر أَنه قد كَانَ يعرفهُ لم يَحْنَث لِأَنَّهُ لم يكن يعرفهُ حِين حلف وَلَو حلف مَا يعرف فلَانا ثمَّ رَآهُ بعد ذَلِك فَقَالَ هَذَا الَّذِي حَلَفت عَلَيْهِ فَقَالَ الرجل بِأَنِّي قد كنت أعرف وَجه هَذَا الرجل لم يَحْنَث
وَلَو أَن رجلا عرف وَجه رجل وَلَا يعرف اسْمه فَحلف مَا يعرفهُ كَانَ صَادِقا إِلَّا أَن يَعْنِي معرفَة وَجهه فان عَنى معرفَة وَجهه حنث وَقد بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه سَأَلَ رجلا عَن رجل

(3/387)


فَقَالَ هَل تعرفه فَقَالَ نعم فَقَالَ هَل تَدْرِي مَا اسْمه قَالَ لَا قَالَ أَرَاك إِذا لَا تعرفه فَكل معرفَة يعرفهُ الرجل وَلَا يعرف مَا اسْمه فَلَيْسَ بِمَعْرِِفَة فان حلف أَنه لَا يعرفهُ فقد بر إِلَّا أَن يَعْنِي معرفَة وَجهه وسوقه وصنعته وقبيلته فانه يَحْنَث
- بَاب الْكَفَّارَة فِي الْأَيْمَان فِي الأدهان والرياحين والخل
-
وَإِذا حلف الرجل لَا يَشْتَرِي بنفسجا وَلَا نِيَّة لَهُ فَاشْترى دهن بنفسج فانه يَحْنَث وَإِنَّمَا أَضَع الْيَمين على الدّهن وَلَا أضعها على الْورْد وَكَذَلِكَ لَو حلف لَا يَشْتَرِي خيريا

(3/388)


وَلَو حلف لَا يَشْتَرِي حناء أَو وردا كَانَ هَذَا وَذَاكَ فِي الْقيَاس سَوَاء وَلَكِنِّي اسْتحْسنَ أَن أَضَع هَذَا على الْوَرق والورد إِذا لم يكن لَهُ نِيَّة وَلَو اشْترى فِي هَذَا دهنا لم يَحْنَث وَلَو اشْترى فِي الأول وَرقا لم يَحْنَث

(3/389)


وَلَو حلف لَا يَشْتَرِي بزرا فَاشْترى دهن بزر فانه يَحْنَث وَإِن اشْترى حناء فانه لَا يَحْنَث إِلَّا أَن يكون نوى حِين حلف
وَإِذا حلف لَا يَشْتَرِي بزا فَأَي الْبَز اشْترى فانه يَحْنَث فان اشْترى فراء

(3/390)


أَو مسوحا أَو طيالسة أَو أكسية فانه لَا يَحْنَث لِأَن هَذَا لَيْسَ ببز
وَإِن حلف لَا يَشْتَرِي طَعَاما وَلَا نِيَّة لَهُ فَاشْترى حِنْطَة أَو دَقِيقًا أَو تَمرا أَو شَيْئا من الْفَوَاكِه مِمَّا يُؤْكَل فانه يَحْنَث فِي الْقيَاس وَأما فِي الِاسْتِحْسَان فَيَنْبَغِي أَن لَا يَحْنَث إِلَّا فِي الْخبز وَالْحِنْطَة والدقيق

(3/391)


وَإِذا حلف لَا يَشْتَرِي سِلَاحا فَاشْترى شَيْئا من الْحَدِيد غير مصوغ فانه لَا يَحْنَث وَكَذَلِكَ لَو اشْترى سكينا أَو سفودا لم يَحْنَث وَأما إِذا اشْترى درعا أَو سَيْفا أَو قوسا أَو شبه ذَلِك حنث لِأَن هَذَا هُوَ من السِّلَاح
وَإِذا سَأَلَ رجل رجلا عَن الحَدِيث فَقَالَ أَكَانَ كَذَا كَذَا فَقَالَ نعم فَقَالَ الْحَالِف قد وَالله حَدثنِي بِكَذَا وَكَذَا يَعْنِي بقوله نعم فَهُوَ صَادِق فَهَذَا حَدِيث أَلا ترى أَنه يقْرَأ عَلَيْك الصَّك فَيَقُول أشهد عَلَيْك بِكَذَا وَكَذَا فَتَقول أَنْت نعم فَتَقول قد أشهدني فلَان بِكَذَا وَكَذَا فَيصدق
وَإِذا حلف الرجل أَن لَا يشم طيبا فدهن بِهِ لحيته أَو رَأسه فَوجدَ رِيحه لم يَحْنَث فان تشممه فقد حنث وَإِن دخل رِيحه فِي أَنفه

(3/392)


من غير أَن يشممه فانه لَا يَحْنَث وَلَيْسَ شَيْء من الدّهن بعد إِلَّا أَن يكون فِي طيب يطيب إِنَّمَا الطّيب مَا جعل فِيهِ العنبر والمسك وَمَا أشبهه وَمَا يَجْعَل مِنْهُ فِي الدّهن فَهُوَ طيب
وَلَو حلف لَا يشم دهنا وَلَا يدهن بدهن فَأَي الدّهن مَا ادهن بِهِ أَو شمه فانه يَحْنَث الزَّيْت وَمَا سواهُ
وَلَو حلف لَا يشم ريحانا وَلَا نِيَّة لَهُ فشم آسا وَمَا أشبهه من الرياحين حنث وَلَو شم ياسمينا أَو وردا أَو شبه ذَلِك فانه لَا يَحْنَث لِأَن هَذَا لَيْسَ بريحان

(3/393)


وَلَو أَن امْرَأَة حَلَفت أَن لَا تلبس حليا وَلَا نِيَّة لَهَا فَلبِست خَاتم فضَّة لم تَحنث أَلا ترى أَن الرِّجَال يلبسونه وَلَيْسَ يلبس الرجل الْحلِيّ وَإِن لبست سوارا أَو قلبا أَو خلخالا حنثت وَكَذَلِكَ لَو لبست قلادة أَو قرطا أَو لبست عقد لُؤْلُؤ لم تَحنث لِأَنَّهُ لَيْسَ بحلي فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد فِيهَا هُوَ حلي وتحنث فِيهِ أَلا ترى إِلَى قَول الله تَعَالَى فِي كِتَابه {وتستخرجوا مِنْهُ حلية تلبسونها} وَهُوَ اللُّؤْلُؤ فِيمَا بلغنَا وَقَالَ فِي آيَة أُخْرَى {يحلونَ فِيهَا من أساور من ذهب ولؤلؤا}

(3/394)


{من أساور من ذهب ولؤلؤا}

(3/395)


وَلَو حلف رجل لَا يقطع بِهَذِهِ السكين أَو بِهَذَا المقص أَو بِهَذَا الجلم فَكَسرهُ فَجعل مِنْهُ سكينا أُخْرَى أَو جلما آخر ثمَّ عمل بِهِ وَقطع لم يَحْنَث
وَلَو حلف لَا يتَزَوَّج الْيَوْم وَلَا نِيَّة لَهُ فَتزَوج امْرَأَة بِغَيْر شُهُود كَانَ فِي الْقيَاس أَن يَحْنَث وَلَكِنِّي أدع الْقيَاس فَلَا يَحْنَث أَلا ترى أَنه لَو تزوج أمه أَو أُخْته أَو امْرَأَة لَهَا زوج لم يَحْنَث فَكَذَلِك إِذا تزوج امراة بِغَيْر شُهُود لِأَنَّهُ لَا نِكَاح إِلَّا بولِي وشاهدين للأثر الَّذِي

(3/396)


جَاءَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَلَو حلف لَا يَشْتَرِي عبدا فَاشْترى عبدا بيعا فَاسِدا حنث وَهَذَا وَالنِّكَاح سَوَاء فِي الْقيَاس فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد وَلَكِنِّي أستحسن فِي البيع أَلا ترى أَنه لَو أعتق هَذَا العَبْد جَازَ عتقه بعد أَن يقبضهُ وَلَو طلق الْمَرْأَة وَالنِّكَاح فَاسد لم يَقع ذَلِك موقع الطَّلَاق
- بَاب الْأَيْمَان على الصَّلَاة وَالصِّيَام وَالزَّكَاة
-
وَلَو حلف ليصلين الْيَوْم رَكْعَتَيْنِ تَطَوّعا فصلى رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ على غير وضوء كَانَ فِي الْقيَاس يَحْنَث وَلَكنَّا لَا نَأْخُذ فِي هَذَا بِالْقِيَاسِ ونقول لَا يَحْنَث وَإِنَّمَا نضع هَذَا على صَلَاة صَحِيحَة
وَلَو حلف لَا يُصَلِّي فَافْتتحَ الصَّلَاة فَقَرَأَ ثمَّ تكلم لم تكن صَلَاة

(3/397)


وَكَذَلِكَ لَو ركع مَا لم يسْجد لِأَنَّك لَا تَسْتَطِيع أَن تَقول قد صلى حَتَّى يُصَلِّي رَكْعَة أَو سَجْدَتَيْنِ وَهَذَا اسْتِحْسَان فِي الْقيَاس يَحْنَث
وَلَو حلف رجل لَا يَصُوم فَأصْبح صَائِما ثمَّ أفطر حنث لِأَنَّهُ قد صَامَ وَلَو حلف لَا يَصُوم يَوْمًا ثمَّ صَامَ ثمَّ أفطر قبل اللَّيْل لم يَحْنَث
وَلَو حلف ليفطرن عِنْد فلَان وَلَا نِيَّة لَهُ فَأفْطر على مَاء وتعشى عِنْد فلَان كَانَ قد حنث وَإِن كَانَ قد نوى حِين حلف الْعشَاء لم يَحْنَث
وَلَو حلف لَا يتَوَضَّأ بكوز لفُلَان فوضأه فلَان فصب عَلَيْهِ المَاء من كوز لفُلَان فَتَوَضَّأ وَلَيْسَت لَهُ نِيَّة حنث وكوز الصفر والأدم وَغير ذَلِك فِي هَذَا سَوَاء وَلَو تَوَضَّأ بأناء لفُلَان غير الْكوز لم يَحْنَث
وَكَذَلِكَ لَو حلف لَا يشرب بقدح لفُلَان وَلَو كَانَ فلَان هُوَ الَّذِي تَوَضَّأ وَغسل يَدَيْهِ وَوَجهه رجلَيْهِ لم يَحْنَث لِأَنَّهُ لم يتَوَضَّأ
- بَاب الْحِنْث فِي الْيَمين وَالْمَشْي إِلَى بَيت الله تَعَالَى
-
وَلَو أَن رجلا تزوج أمة ثمَّ قَالَ لَهَا إِذا مَاتَ فلَان مَوْلَاك

(3/398)


فَأَنت طَالِق ثِنْتَيْنِ فَمَاتَ الْمولى وَالزَّوْج وَارثه لَا يعلم لَهُ وَارِث غَيره فانه يَقع عَلَيْهِ الطَّلَاق كُله وَلَا تحل لَهُ حَتَّى تنْكح زوجا غَيره أَلا ترى أَنه لَو قَالَ إِذا مَاتَ مَوْلَاك فملكتك فأت حرَّة ثمَّ قَالَ إِذا مَاتَ مَوْلَاك فملكتك فَأَنت طَالِق ثمَّ مَاتَ الْمولى فَورثَهَا الزَّوْج أَن الْعتْق يَقع وَلَا يبطل الطَّلَاق لِأَنَّهُمَا وَقعا جَمِيعًا بعد الْملك بِلَا فصل وَوَقع فِي الْبَاب الأول مَعَ الْملك بِلَا فصل
وَإِذا كَانَ الرجل أمة فَقَالَ لَهَا إِذا مَاتَ فلَان فَأَنت حرَّة فَبَاعَهَا من فلَان ثمَّ تزَوجهَا ثمَّ قَالَ لَهَا إِذا مَاتَ مَوْلَاك فَأَنت طَالِق ثِنْتَيْنِ ثمَّ مَاتَ الْمولى وَهُوَ وَارثه فانه لَا يَقع الْعتْق وَيلْزمهُ الطَّلَاق من قبل أَن الْعتْق لَا يَقع إِلَّا بعد الْملك وَكَانَ الْملك بعد الْمَوْت بِلَا فصل فقد حنث قبل أَن يَقع الْعتْق لِأَن الْعتْق هَهُنَا لَا يَقع إِلَّا بعد الْمَوْت وَالْملك يَقع بعد الْمَوْت بِلَا فصل وَالطَّلَاق يَقع بعد حَال وَاحِد وَالْعِتْق لَا يَقع إِلَّا من بعد حَالين بِلَا فصل وَالطَّلَاق أولى وَلَا يَقع الْعتاق لِأَنَّهُ حنث وَهُوَ فِي غير ملكه أَرَأَيْت لَو قَالَ إِذا

(3/399)


مَاتَ فلَان وَهُوَ يملكك فَأَنت حرَّة أَو قَالَ إِذا مَاتَ فلَان وَهُوَ يملكك فَأن طَالِق ثِنْتَيْنِ فَإِنَّهَا مثل الأولى أَرَأَيْت لَو قَالَ إِن مَاتَ فلَان وَأَنا أملكك فَأَنت حرَّة هَل يَقع الْعتاق أَلا ترى أَن الْعتاق لَا يَقع فِي هَذَا وَلَا فِي الْبَاب الأول وَهَذَا قَول أبي يُوسُف وَقَالَ زفر يَقع الْعتاق وَلَا يَقع الطَّلَاق وَقَالَ مُحَمَّد لَا يَقع الْعتاق وَلَا الطَّلَاق لِأَن الْعتاق وَقع هُوَ وَالْملك جَمِيعًا مَعًا وَلَا يَقع طَلَاق الرجل على مَا لَا يملك فَيفْسد النِّكَاح بِالْملكِ دون الطَّلَاق
وَإِذا قَالَ الرجل لأمته إِذا باعك فلَان فَأَنت حرَّة فَبَاعَهَا من فلَان وَقَبضهَا ثمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ فَإِنَّهَا لَا تعْتق لِأَنَّهُ لم يَحْنَث وَهِي فِي ملكه أَرَأَيْت لَو قَالَ إِن وهبك فلَان فَأَنت حرَّة فَبَاعَهَا من فلَان وَقَبضهَا ثمَّ استودعها البَائِع ثمَّ قَالَ البَائِع هبها لي فَقَالَ هِيَ لَك أَنَّهَا لَهُ وَهَذَا قبُول وَلَا تعْتق لِأَن الْعتْق وَالْهِبَة وَقعا

(3/400)


وَهِي فِي ملك غَيره أَلا ترى أَن ملكه وَقع فِيهَا بعد خُرُوجهَا من ملك الأول فَكَذَلِك لَا تعْتق إِلَّا بعد ملكه وَإِنَّمَا وَقع الْحِنْث قبل الْملك لِأَن الْحِنْث وَقع مَعَ خُرُوجهَا من ملك الأول وَملك الثَّانِي مَعًا فَلَا تكون فِي حَال وَاحِدَة حرَّة رقيقَة
وَلَو قَالَ إِذا وهبك فلَان مني فَأَنت حرَّة فَوَهَبَهَا لَهُ وَهُوَ قَابض لَهَا عتقت وَكَذَلِكَ لَو قَالَ إِذا باعك فلَان مني فَأَنت حرَّة فاشتراها عتقت
وَلَو قَالَ رجل يَا فلَان وَالله لَا أُكَلِّمك عشرَة أَيَّام وَالله لَا أُكَلِّمك تِسْعَة أَيَّام وَالله لَا أُكَلِّمك ثَمَانِيَة أَيَّام فقد حنث

(3/401)


مرَّتَيْنِ وَعَلِيهِ الْيَمين الْآخِرَة إِن كَلمه الثَّالِثَة فِي الثَّمَانِية الْأَيَّام وَجَبت عَلَيْهِ كَفَّارَة أُخْرَى فان قَالَ وَالله لَا أُكَلِّمك ثَمَانِيَة أَيَّام وَالله لَا أُكَلِّمك تِسْعَة أَيَّام وَالله لَا أُكَلِّمك عشرَة أَيَّام فان عَلَيْهِ كفارتين وَإِن كَلمه فِي الثَّمَانِية الْأَيَّام والتسعة الْأَيَّام وَفِي الْيَوْم الْعَاشِر حنث
وَإِذا حلف الرجل فَقَالَ عَلَيْهِ الْمَشْي إِلَى بَيت الله تَعَالَى وكل مَمْلُوك لَهُ حر وكل امْرَأَة لَهُ طَالِق ثَلَاثًا إِن دخل هَذِه الدَّار ثمَّ قَالَ رجل آخر وعَلى مثل جَمِيع مَا جعلت على نَفسك من هَذِه الْأَيْمَان إِن دخلت الدَّار فَدخل الثَّانِي الدَّار فانه يلْزمه الْمَشْي إِلَى بَيت الله تَعَالَى وَلَا يلْزمه عتق وَلَا طَلَاق أَلا ترى أَنه لَو قَالَ على طَلَاق

(3/402)


امْرَأَتي وَللَّه على طَلَاق نسَائِي أَن الطَّلَاق لَا يَقع عَلَيْهِم وَلَا يكون الطَّلَاق قربَة وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يتم ذَلِك

(3/403)


وَلَو قَالَ وَالله لأطلقهن فَهَذَا رجل حلف ليطلقن نِسَاءَهُ وَلَا يَقع عَلَيْهِنَّ الطَّلَاق حَتَّى يفعل وَأما الْعتْق فقد جعل عَلَيْهِ عتق رَقَبَة فان وفى بذلك فَهُوَ أفضل إِن لم يَفِ بذلك لم يُؤْخَذ بِهِ فِي الْقَضَاء أَلا ترى أَن رجلا لَو قَالَ لله عَليّ أَن أعتق عَبدِي لم يعْتق العَبْد بِهَذَا القَوْل وَلَكِن الْأَفْضَل أَن يَفِي بذلك فَهَذَا أَشد من الأولى وَالْأولَى أَضْعَف أَلا ترى أَن رجلا لَو قَالَ عَبده سَالم حر إِن

(3/404)


دخل الدَّار فَقَالَ رجل آخر على مثل مَا جعلت على نَفسك إِن دخلت الدَّار فَدَخلَهَا أَنه لَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يكون عَلَيْهِ عتق سَالم لِأَنَّهُ لَا يملكهُ فان كَانَ عَنى بذلك عتق عبد من عبيده الَّذِي يملك فَالْأَحْسَن أَن يَفِي بذلك وَهُوَ آثم إِن لم يَفِ بذلك
وَأما الْمَشْي إِلَى بَيت الله تَعَالَى وَالْحج وَالْعمْرَة وَالنّذر وَالصِّيَام وكل شَيْء يتَقرَّب بِهِ العَبْد إِلَى ربه عز وَجل حلف بِهِ رجل فَقَالَ رجل آخر على مثل مَا حَلَفت بِهِ إِن فعلت فَفعل الثَّانِي فانه عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ لَو قَالَ الأول على عتق نسمَة إِن فعلت كَذَا وَكَذَا فَفعل إِن عَلَيْهِ ذَلِك لِأَنَّهُ قربَة إِلَى الله تَعَالَى فَعَلَيهِ الْوَفَاء بذلك عتق نسمَة

(3/405)