الأصل المعروف بالمبسوط للشيباني

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله الْوَاحِد الْعدْل

// كتاب الدِّيات
// قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن رَحْمَة الله عَلَيْهِ الْقَتْل على ثَلَاثَة أوجه عمد وَخطأ وَشبه الْعمد فَأَما الْعمد فَهُوَ مَا تَعَمّدت ضربه بِالسِّلَاحِ فَفِيهِ الْقصاص إِلَّا أَن يعفوا الْأَوْلِيَاء أَو يصالحوا وَأما شبه الْعمد فَهُوَ مَا تَعَمّدت ضربه بالعصا أَو السَّوْط أَو الْحجر أَو البندقة فَفِيهِ الدِّيَة مُغَلّظَة على عَاقِلَة الْقَاتِل وعَلى الْقَاتِل الْكَفَّارَة وَأما الْخَطَأ فَهُوَ مَا أصبت مِمَّا كنت تَعَمّدت

(4/437)


غَيره فأخطأت بِهِ فعلى الْقَاتِل الْكَفَّارَة وعَلى عَاقِلَته الدِّيَة بلغنَا ذَلِك

(4/438)


عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ
وَالْكَفَّارَة مَا قَالَ الله تَعَالَى فِي كِتَابه {فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة} {فَمن لم يجد فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين} وَفِي النَّفس الدِّيَة وَفِي الْأنف الدِّيَة وَفِي المارن الدِّيَة والمارن كل مَا دون قَصَبَة الْأنف وَفِي اللِّسَان كُله الدِّيَة وَفِي بعضه إِذا منع الْكَلَام الدِّيَة وَفِي الذّكر الدِّيَة كَامِلَة وَفِي الْحَشَفَة الدِّيَة كَامِلَة وَفِي الصلب الدِّيَة كَامِلَة إِذا منع الْجِمَاع أَو حدب فان

(4/439)


عَاد إِلَى حَاله وَلم ينقصهُ ذَلِك شَيْء إِلَّا أَن فِيهِ أثر الضَّرْبَة فَفِيهِ حكم عدل
بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قضى فِي اللِّسَان الدِّيَة وَفِي

(4/440)


الْأنف الدِّيَة وَفِي الرجل إِذا ضرب على رَأسه فَذهب عقله الدِّيَة كَامِلَة وَفِي الرجل إِذا قطعت نصف الدِّيَة وَفِي الْيَد إِذا قطعت نصف الدِّيَة وَفِي الْأَصَابِع عشر من الْإِبِل وأصابع الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ سَوَاء وَفِي الْعين إِذا فقئت نصف الدِّيَة وَفِي الْأذن نصف الدِّيَة وَفِي الذّكر إِذا قطع فَفِيهِ الدِّيَة وَفِي المأمومة ثلث الدِّيَة وَفِي الْجَائِفَة ثلث الدِّيَة وَفِي المنقلة خَمْسَة عشر من الْإِبِل وَفِي الْمُوَضّحَة خمس من الْإِبِل وَفِي الْأَسْنَان فِي كل سنّ خمس من الْإِبِل والأسنان كلهَا سَوَاء وَفِي الأليتين إِذا قطعتا الدِّيَة وَفِي إِحْدَاهمَا نصف الدِّيَة
بلغنَا عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ فِي الرَّأْس إِذا حلق فَلم ينْبت فَفِيهِ الدِّيَة كَامِلَة

(4/441)


وبلغنا أَيْضا عَن عَليّ أَنه قَالَ فِي اللِّحْيَة إِذا حلقت فَلم تنْبت فَفِيهِ الدِّيَة كَامِلَة
وَفِي الْعَينَيْنِ الدِّيَة كَامِلَة وَفِي إِحْدَاهمَا نصف الدِّيَة إِن انخسفت أَو ذهب بصرها وَهِي قَائِمَة أَو أمضت حَتَّى ذهب الْبَصَر فَهُوَ سَوَاء وَفِي الْيَدَيْنِ الدِّيَة كَامِلَة وَفِي إِحْدَاهمَا نصف الدِّيَة وَفِي إِحْدَى الْأَصَابِع عشر الدِّيَة والأصابع كلهَا سَوَاء وَإِذا شلت الْيَد حَتَّى لَا ينْتَفع بهَا أَو قطعت فَهُوَ سَوَاء وفيهَا أَرْشهَا كَامِلا وَفِي الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَة وَفِي إِحْدَاهمَا نصف الدِّيَة وهما سَوَاء وَفِي الحاجبين الدِّيَة كَامِلَة إِذا لم تنبتا وَفِي إِحْدَاهمَا نصف الدِّيَة وهما سَوَاء وَفِي أشفار الْعَينَيْنِ الدِّيَة كَامِلَة إِذا لم تنْبت وَفِي كل شفر ربع الدِّيَة والأشفار كلهَا سَوَاء وَكَذَلِكَ إِذا قطعت الجفون بالأشفار وَفِي الشفتين الدِّيَة وَفِي إِحْدَاهمَا نصف الدِّيَة كَامِلَة وَفِي ثدي الْمَرْأَة دِيَة الْمَرْأَة كَامِلَة وَفِي إِحْدَاهمَا نصف الدِّيَة والثديان سَوَاء وَفِي حلتي ثدي الْمَرْأَة الدِّيَة كَامِلَة وَفِي

(4/442)


إِحْدَاهمَا نصف الدِّيَة وَالصَّغِيرَة والكبيرة فِي ذَلِك سَوَاء وَفِي الْمُوَضّحَة نصف عشر الدِّيَة وَهِي الَّتِي توضح الْعظم حَتَّى يَبْدُو وَفِي المنقلة عشر وَنصف عشر الدِّيَة والمنقلة هِيَ الَّتِي تخرج مِنْهَا الْعِظَام وَفِي الهاشمة عشر الدِّيَة وَهِي الَّتِي تهشم الْعظم وَفِي الآمة ثلث الدِّيَة وَهِي الَّتِي تصل إِلَى الدِّمَاغ فان ذهب الْعقل فَفِيهِ الدِّيَة كَامِلَة وَفِي الْجَائِفَة ثلث الدِّيَة وَهِي الَّتِي تصل إِلَى الْجوف فان نفذت فَفِيهَا ثلثا الدِّيَة وَفِي كل مفصل من الْأَصَابِع ثلث دِيَة الإصبع إِذا كَانَ فِيهَا ثَلَاث مفاصل وَإِذا كَانَ فِيهَا مفصلان فَفِي كل مفصل نصف دِيَة الإصبع
وبلغنا عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ فِي النَّفس الدِّيَة وَفِي اللِّسَان الدِّيَة وَفِي الْحَشَفَة الدِّيَة كَامِلَة وَفِي الْأنف الدِّيَة كَامِلَة إِذا اصطلم وَفِي الْعَينَيْنِ الدِّيَة وَفِي إِحْدَاهمَا نصف الدِّيَة وَفِي الْيَدَيْنِ الدِّيَة وَفِي إِحْدَاهمَا نصف الدِّيَة وَفِي الآمة ثلث الدِّيَة وَفِي الْجَائِفَة ثلث الدِّيَة وَفِي المنقلة خمس عشرَة من الْإِبِل وَفِي الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَة وَفِي إِحْدَاهمَا نصف الدِّيَة وَفِي الْأَصَابِع فِي كل إِصْبَع عشر الدِّيَة وَفِي الْأَسْنَان فِي كل سنّ خمس من الْإِبِل وَفِي الْمُوَضّحَة خمس من الْإِبِل وَفِيمَا دون الْمُوَضّحَة حُكُومَة عدل

(4/443)


بلغنَا عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ فِي دِيَة الْخَطَأ أَخْمَاسًا عشرُون جَذَعَة وَعِشْرُونَ حقة وَعِشْرُونَ بنت لبون وَعِشْرُونَ بنت مَخَاض وَعِشْرُونَ ابْن مَخَاض وَقَالَ فِي شبه الْعمد أَربَاعًا خمس وَعِشْرُونَ جَذَعَة وَخمْس وَعِشْرُونَ حقة وَخمْس وَعِشْرُونَ ابْنة مَخَاض وَخمْس وَعِشْرُونَ ابْنة لبون وَبِه يَأْخُذ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف

(4/444)


وَقَالَ مُحَمَّد فِي الْخَطَأ يَقُول عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ وَفِي شبه الْعمد بقول زيد بن ثَابت رَضِي الله عَنهُ ثَلَاثُونَ حقة وَثَلَاثُونَ جَذَعَة وَأَرْبَعُونَ مَا بَين ثنية إِلَى بازل عامها كلهَا خلفة والخلفة الْحَامِل وَهُوَ قَول عمر والمغيرة بن شُعْبَة وَأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم

(4/450)


وبلغنا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ فِي خطبَته أَلا إِن قَتِيل خطأ الْعمد قَتِيل السَّوْط والعصا فِيهِ مائَة من الْإِبِل مِنْهَا أَرْبَعُونَ فِي بطونها أَوْلَادهَا
وبلغنا عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَنه جعل الدِّيَة على أهل الْإِبِل مائَة من الْإِبِل وعَلى أهل الْوَرق عشرَة آلَاف دِرْهَم وعَلى أهل الذَّهَب ألف دِينَار وعَلى أهل الشَّاء ألفي شَاة مُسِنَّة فتية وعَلى أهل الْبَقر مِائَتي بقرة وعَلى أهل الْحلَل مِائَتي حلَّة وَبِه يَأْخُذ

(4/451)


أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَإِنَّمَا أَخذ أَبُو حنيفَة من هَذَا بِالْإِبِلِ وَالذَّهَب وَالْفِضَّة وَأما مَا سوى ذَلِك فَلَا وَكَانَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يأخذان بذلك كُله ويخالفان أَبَا حنيفَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِنَّمَا أَخذ عمر رَضِي الله عَنهُ بذلك لِأَنَّهُ كَانَت أَمْوَالهم فَلَمَّا صَارَت الدَّوَاوِين والأعطية جعل أَمْوَالهم الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير وَالْإِبِل
وبلغنا عَن على رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ فِي دِيَة الْمَرْأَة أَنَّهَا على النّصْف من دِيَة الرجل فِي النَّفس وَفِيمَا دون النَّفس وَبِذَلِك نَأْخُذ

(4/452)


وَفِي ذكر الْخصي ولسان الْأَخْرَس وَالْيَد الشلاء وَالرجل العرجاء وَالْعين الْقَائِمَة العوراء وَالسّن السَّوْدَاء وَذكر الْعنين حكم عدل

(4/454)


بلغنَا بعض ذَلِك عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ

(4/455)


وَفِي الدامية من الشجاج وَهِي الَّتِي تدمي الرَّأْس حكم عدل وَفِي الباضعة وَهِي الَّتِي تبضع اللَّحْم وَهِي فَوق الدامية حكم عدل أَكثر من ذَلِك وَفِي السمحاق حكم عدل وَهِي أَكثر من هَاتين إِنَّمَا بَينهَا وَبَين الْعظم جلدَة رقيقَة حكم عدل أَكثر من ذَلِك بلغنَا عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه قَالَ فِي السمحاق وَفِيمَا دونهَا حكم عدل وَفِي الضلع حكم عدل وَفِي الترقوة حكم عدل وَفِي الساعد

(4/456)


إِذا كسر أَو كسر أحد الزندين حكم عدل وَفِي السَّاق إِذا كسرت حكم عدل على قدر الْجراحَة وَفِي الْيَد إِذا قطعت من نصف الساعد دِيَة الْيَد وَحكم عدل فِيمَا من الْكَفّ إِلَى الساعد فان كَانَ من الْمرْفق كَانَ

(4/457)


فِي الذِّرَاع بعد دِيَة الْكَفّ حكم عدل أَكثر من ذَلِك فاذا كسر الْأنف فَفِيهِ حكم وَإِذا قطع من الْيَد ثَلَاث أَصَابِع فَفِيهَا ثَلَاثَة أَخْمَاس دِيَة الْيَد فان قطعت الْكَفّ بالإصبعين السبابتين فَفِيهَا خمْسا دِيَة الْيَد وَهَذَا قَول أبي حنيفَة مَا بَقِي من الْأَصَابِع شَيْء وَلَو مفصل فَلَيْسَ فِي الْكَفّ أرش وفيهَا قَول آخر أَنه ينظر إِلَى الْكَفّ وَإِلَى أرش مَا بَقِي من الْأَصَابِع فان كَانَ أرش مَا بَقِي من الْأَصَابِع أَكثر من أرش الْيَد فَلَا أرش لليد وَإِن كَانَ أرش الْكَفّ أَكثر من أرش مَا بَقِي من الْأَصَابِع كَانَ عَلَيْهِ أرش الْكَفّ يدْخل الْقَلِيل فِي الْكثير وَهُوَ قَول ابي يُوسُف الَّذِي رَجَعَ إِلَيْهِ وقو قَول مُحَمَّد وَكَذَلِكَ لَو لم يبْق فِيهَا إِلَّا إِصْبَع وَاحِدَة ثمَّ قطعت الْيَد كَانَ فِيهَا خمس دِيَة الْيَد وَحكم عدل ثمَّ رَجَعَ عَنهُ أَبُو يُوسُف وَقَالَ إِذا قطعت الْيَد وفيهَا إِصْبَع أَو إصبعان نظر إِلَى أرش الْيَد بِغَيْر إِصْبَع وَإِلَى أرش الإصبع فَجعل عَلَيْهِ الْأَكْثَر مِنْهَا وَهُوَ قَول مُحَمَّد فان كَانَ بَقِي مِنْهَا ثَلَاث أَصَابِع ثمَّ قطعت الْيَد فَفِيهَا ثَلَاثَة أَخْمَاس دِيَة الْيَد إِذا بَقِي الْأَكْثَر من الْأَصَابِع لم أجعَل للكف أرشا وَإِذا قطعت الْأَصَابِع كلهَا ثمَّ قطعت الْكَفّ بعد ذَلِك كَانَ فِيهَا حكم عدل وَفِي ثدي الرجل حكم عدل وَفِي الْأذن إِذا يَبِسَتْ أَو انخسفت حكم عدل بلغنَا عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه قَالَ لَا يعقل الْعَاقِلَة إِلَّا خَمْسمِائَة دِرْهَم فَصَاعِدا فَكل شَيْء من الْخَطَأ يبلغ خَمْسمِائَة دِرْهَم نصف عشر دِيَة الرجل

(4/458)


وَنصف عشر دِيَة الْمَرْأَة مِائَتَيْنِ وَخمسين فَهَذَا على الْعَاقِلَة وَكَذَلِكَ كل مَا زَاد عَلَيْهِ إِلَى ثلث الدِّيَة فانه يُؤْخَذ فِي سنة فَمَا زَاد على الثُّلُث فان ذَلِك الْفضل يُؤْخَذ فِي سنة أُخْرَى إِلَى مَا بَينه وَبَين الثُّلثَيْنِ فَمَا زَاد على الثُّلثَيْنِ فان الْفضل يُؤْخَذ فِي سنة أُخْرَى إِلَى مَا بَينه وَبَين الدِّيَة
وبلغنا عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه أول من فرض الْعَطاء وَجعل الدِّيَة فِي ثَلَاث سِنِين الثُّلُث فِي سنة وَالنّصف فِي سنتَيْن والثلثين فِي سنتَيْن
ودية أهل الذِّمَّة من أهل الْكتاب وَغَيرهم مثل دِيَة الْحر الْمُسلم

(4/459)


ودية نِسَائِهِم كدية الْمَرْأَة الْحرَّة الْمسلمَة وَكَذَلِكَ جراحاتهم فِيمَا دون النَّفس يَعْقِلهَا الْعَاقِلَة إِذا أَصَابَهَا مُسلم خطأ كَمَا يعقل جِرَاحَة الْحر الْمُسلم
وَإِذا أصَاب أهل الذِّمَّة بَعضهم بَعْضًا بخطأ فَفِي ذَلِك الْأَرْش عَلَيْهِم كَمَا يكون على الْحر الْمُسلم إِذا أصَاب الْمُسلم فان كَانَت لَهُم معاقل يتعاقلون فَفِي معاقلهم فان لم يكن لَهُم عواقل فَفِي مَال الْجَانِي

(4/461)


وجراحة الصَّبِي إِذا أصَاب صَبيا أَو كَبِيرا خطأ أَو تعمد ذَلِك بسلاح أَو غَيره فَهُوَ على الْعَاقِلَة وَكَذَلِكَ الْمَعْتُوه الْمَجْنُون الَّذِي يفِيق وَكَذَلِكَ الْمَجْنُون إِذا أصَاب فِي حَال جُنُونه عمدا أَو خطأ فَذَلِك كُله سَوَاء تعقله الْعَاقِلَة إِذا بلغ خَمْسمِائَة دِرْهَم فَصَاعِدا فان كَانَ اقل من خَمْسمِائَة فَهُوَ فِي مَال الصَّبِي دين عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْمَجْنُون وَالْمَعْتُوه
كَذَلِك بلغنَا أَن مَجْنُونا سعى على رجل بِالسَّيْفِ فَضَربهُ فَدفع ذَلِك إِلَى عَليّ رَضِي الله عَنهُ فَجعله على عَاقِلَته وَقَالَ عمده وَخَطأَهُ سَوَاء
وَإِذا ضرب الرجل بطن امْرَأَة فَأَلْقَت جَنِينا مَيتا فَفِيهِ غرَّة عبد أَو أمة يعدل ذَلِك خَمْسمِائَة بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه جعل ذَلِك فَهُوَ على

(4/462)


الْعَاقِلَة فِي سنة وَإِن خرج حَيا ثمَّ مَاتَ فَفِيهِ الدِّيَة كَامِلَة وَذَلِكَ كُله

(4/463)


على الْعَاقِلَة وعَلى الْجَانِي الْكَفَّارَة وَإِن خرج مَيتا غُلَاما كَانَ أَو جَارِيَة فَهُوَ سَوَاء فِيهِ خَمْسمِائَة دِرْهَم بَين ورثته على فَرَائض الله تَعَالَى وَلَو قتلت الْأُم ثمَّ خرج الْجَنِين بعد ذَلِك مَيتا فَلَا شَيْء فِي الْجَنِين وَعَلِيهِ فِي الْأُم الدِّيَة وَإِن كَانَ فِي بَطنهَا جنينان فَخرج أَحدهمَا قبل مَوتهَا وَخرج الآخر بعد مَوتهَا وهما ميتان فَفِي الَّذِي خرج قبل مَوتهَا خَمْسمِائَة وَلَا يَرث من دِيَة أمه وَلها مِيرَاثهَا مِنْهُ وَلَيْسَ فِي الَّذِي خرج بعد مَوتهَا شَيْء وَإِن خرج حَيا ثمَّ مَاتَ فَفِيهِ الدِّيَة أَيْضا وَله مِيرَاثه من دِيَة أمه وَمِمَّا ورثت أمه من أَخِيه وَإِن لم يكن لِأَخِيهِ أَب حَيّ فَلهُ مِيرَاثه من أَخِيه أَيْضا
وجنين الْمَرْأَة من أهل الذِّمَّة بِمَنْزِلَة جَنِين الْحرَّة الْمسلمَة وَإِذا أصَاب الرجل ابْنه خطأ أَو عمدا فَلَا قصاص عَلَيْهِ فان كَانَ عمدا فَفِي مَاله الدِّيَة فِي ثَلَاث سِنِين وَإِن كَانَ خطأ فعلى الْعَاقِلَة وعَلى الْقَاتِل الْكَفَّارَة فِي الْخَطَأ وَكَذَلِكَ مَا أصَاب مِنْهُ دون النَّفس فان عَلَيْهِ فِيهِ الْأَرْش
بلغنَا عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قضي فِي رجل قتل ابْنه عمدا بِالدِّيَةِ فِي مَاله

(4/464)


وَإِذا اشْترك فِي قتل الرجل رجلَانِ أَحدهمَا بَعْضًا وَالْآخر بحديدة فَلَيْسَ فِيهَا قصاص وَفِيه الْأَرْش على صَاحب الْعَصَا نصف الدِّيَة على عَاقِلَته وعَلى صَاحب السَّيْف نصف الدِّيَة فِي مَاله وَكَذَلِكَ بلغنَا عَن إِبْرَاهِيم وكل دِيَة خطأ وَجَبت بِغَيْر صلح فَفِي ثَلَاث سِنِين وَلَو كَانَ الْقَتْل بَعْضًا أَو بِحجر أَو يَد أَو سَوط أَو شبه ذَلِك مِمَّا لَيْسَ بسلاح فَقَامَتْ بِهِ بَيِّنَة كَانَ ذَلِك على عَاقِلَة الْجَانِي فِي ثَلَاث سِنِين فان أقرّ فَالدِّيَة فِي مَاله فِي ثَلَاث سِنِين وَإِذا أقرّ بقتل خطأ وَلم يقم بَيِّنَة على ذَلِك فَالدِّيَة فِي مَاله خَاصَّة فِي ثَلَاث سِنِين وَإِذا اشْترك رجلَانِ فِي قتل رجل أَحدهمَا أَبوهُ فقتلاه بسلاح فَالدِّيَة عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ فِي أموالهما فِي ثَلَاث سِنِين فان كَانَ مَكَان الْأَب

(4/465)


رجل معتوه أَو صبي فَهُوَ كَذَلِك ايضا غير أَن مَا أصَاب الصَّبِي وَالْمَعْتُوه فَهُوَ على عاقلتهما عمدهما وخطأهما سَوَاء وَإِذا اشْترك أَرْبَعَة رَهْط أَو عشر رَهْط فِي قتل رجل خطأ فَالدِّيَة على عاقلتهم فِي ثَلَاث سِنِين فِي كل سنة ثلث
وَإِذا اسودت السن أَو ابْيَضَّتْ الْعين حَتَّى لَا يبصر بهَا أَو شلت الْيَد حَتَّى لَا ينْتَفع بهَا وَالرجل حَتَّى لَا ينْتَفع بهَا فان عقل ذَلِك على الْجَانِي فِي مَاله إِن كَانَ عمدا وَإِن كَانَ خطأ فعلى الْعَاقِلَة
وكل جِنَايَة عمد فِيمَا دون النَّفس لَا يُسْتَطَاع فِيهَا الْقصاص من الْقطع من غير مفصل وَالْكَسْر وَمَا ذكرنَا مِمَّا قبل هَذَا من المنقلة والآمة والجائفة وَأَشْبَاه ذَلِك فَالدِّيَة فِي مَال الْجَانِي
وَإِذا ضرب الرجل سنّ الرجل فتحركت فانه ينْتَظر بهَا حولا فان اسودت أَو سَقَطت أَو احْمَرَّتْ أَو اخضرت فَفِيهَا أَرْشهَا كَامِلا بلغنَا نَحْو من ذَلِك عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ الضَّارِب إِنَّمَا اسودت من ضَرْبَة حدثت فِيهَا بعد ضَربته أَو سَقَطت من ضَرْبَة بعد ضَربته وَكذبه الْمَضْرُوب فَالْقَوْل فِي ذَلِك قَول الْمَضْرُوب مَعَ يَمِينه وفيهَا الْأَرْش تَاما إِلَّا أَن يُقيم الضَّارِب الْبَيِّنَة على مَا ادعا أستحسن فِي هَذَا لما فِيهِ من الْأَثر وَالسّنة
وَلَو شج رجل رجلا مُوضحَة فَصَارَت منقلة فَقَالَ الْمَضْرُوب صَارَت منقلة من ذَلِك وَقَالَ الضَّارِب بل حدث فِيهَا من غير فعلى فَالْقَوْل

(4/466)


فِيهَا قَول الضَّارِب وَإِنَّمَا عَلَيْهِ أرش الْمُوَضّحَة وَلَا يصدق الْمَضْرُوب وَهَذَا وَالْأول فِي الْقيَاس سَوَاء غير أَنِّي أستحسن فِي السن للأثر الَّذِي جَاءَ فِيهِ وَإِذا قلع رجل سنّ رجل ثمَّ نَبتَت فَلَا شَيْء على القالع وَكَذَلِكَ إِذا قلع سنّ الصَّبِي فَنَبَتَتْ فَلَا شَيْء على القالع وَكَذَلِكَ إِذا قلع الظفر فَنَبَتَتْ فَلَا شَيْء على القالع من حُكُومَة عدل وَلَا أرش وَإِذا نَبتَت السن سَوْدَاء فَفِيهَا أَرْشهَا تَاما وَإِذا نَبتَت الظفر اعوج أَو متغيرا فَفِيهِ حكم عدل
وَإِذا قلع الرجل سنّ الرجل فَأخذ المقلوعة سنه فأثبتها فِي مَكَانهَا فثبتت وَقد كَانَ الْقلع خطأ فعلى القالع أرش السن كَامِلا وَكَذَلِكَ الْأذن
وَإِذا ابْيَضَّتْ الْعين من ضَرْبَة رجل ثمَّ ذهب الْبيَاض مِنْهَا فأبصر فَلَيْسَ على الضَّارِب الشَّيْء وَإِذا شج الرجل رجلا مُوضحَة خطأ فَسقط مِنْهَا شعر راسه كُله فَلم ينْبت فعلى عَاقِلَته الدِّيَة تَامَّة وَتدْخل الشَّجَّة فِي ذَلِك فان كَانَ ذهب من الشّعْر شَيْء وَلم يبلغ الرَّأْس كُله نظر فِي أرش الشّعْر وَفِي أرش الشَّجَّة فضمن الْجَانِي الْأَكْثَر من ذَلِك يدْخل الْأَقَل فِي ذَلِك وَكَذَلِكَ إِن كَانَت فِي الْحَاجِب والموضحة فِي الْوَجْه وَالرَّأْس سَوَاء
وَإِذا شج الرجل رجلا خطأ أَو عمدا فَذهب سَمعه أَو بَصَره فان فِي ذَلِك كُله الْأَرْش فان كَانَ خطأ فعلى الْعَاقِلَة أرش الْمُوَضّحَة ودية الْعين والسمع وَإِن كَانَ عمدا فَذَلِك كُله فِي مَاله وَلَا يُسْتَطَاع على علم ذهَاب السّمع إِلَّا أَن يتغفل فينادي فَأَما الْبَصَر فانه ينظر إِلَيْهِ أهل الْعلم بذلك بلغنَا عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قضي بِأَرْبَع ديات فِي رجل وَاحِد

(4/467)


وَهُوَ حَيّ وَإِذا قطع الرجل إِصْبَع الرجل فشلت أُخْرَى إِلَى جنبها أَو قطع يَده الْيُمْنَى فشلت يَده الْيُسْرَى فانه لَا قصاص فِي هَذَا كُله وَفِيه الْأَرْش فِي مَال الْفَاعِل من قبل مَا حدث فِيهِ من الشلل فقد صَار شَيْئا وَاحِدًا بعضه شلل وَبَعضه قطع وَلَا يقْتَصّ فِيهِ وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وفيهَا قَول آخر وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد إِن الْقطع مفارق للشلل بأبن مِنْهُ فالقطع بِالْقطعِ وَأَجْعَل فِي الشلل الْأَرْش فِي مَال الْفَاعِل
وَإِذا شج الرجل رجلا مُوضحَة فَصَارَت منقلة أَو كسر بعض سنه فاسود مَا بَقِي أَو قطع الْكَفّ فشل الساعد أَو قطع إصبعيه فشلت الْكَفّ أَو قطع إصبعا من مفصل فشل مَا بَقِي من الْأَصَابِع فَلَيْسَ فِي شَيْء من هَذَا قصاص لِأَن هَذَا شَيْء وَاحِد وَفِيه الْأَرْش من مَال الْجَانِي
وَإِذا جنى الرجل جِنَايَة عمد بحديدة أَو بعصا فِيمَا دون النَّفس فَمَا لَا يُسْتَطَاع فِيهِ الْقصاص فَعَلَيهِ أرش ذَلِك فِي مَاله وَإِن كَانَ من أهل الْإِبِل غلظ عَلَيْهِ فِي الْأَسْنَان فان كَانَت منقلة فَفِيهِ خَمْسَة عشر من

(4/468)


الْإِبِل من كل سنّ أَربع من الْإِبِل أَربَاعًا وَإِن كَانَت آمة فَعَلَيهِ ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ وَثلث من الْإِبِل أَربَاعًا من كل سنّ ربع هَذِه كلهَا من الجذعان ربع وَمن الحقاق ربع وَمن بَنَات اللَّبُون ربع وَمن بَنَات الْمَخَاض ربع وَالرّبع من ذَلِك ثَمَان من الْإِبِل وَثلث وَإِذا كَانَ خطأ فَفِيهِ الْأَرْش أَخْمَاسًا من كل سنّ خمس وَالْخمس من ذَلِك سِتّ من الْإِبِل وَثُلُثَانِ وَهُوَ فِي المنقلة إِذا كَانَ خطأ من كل سنّ ثَلَاث من الْإِبِل وَإِذا جنى الرجل من أهل الْإِبِل فَقتل رجلا خطأ فَصَالح أَكثر من عشرَة آلَاف أَو أَكثر من ألف دِينَار نَسِيئَة أَو يدا بيد فَلَا خير فِي ذَلِك لَا أُجِيز أَن يُعْطي أَكثر من الدِّيَة وَكَذَلِكَ إِن كَانَ من أهل الْوَرق فَصَالح على ألفي دِينَار أَو على أَكثر من مائَة من الْإِبِل لِأَن هَذَا مِمَّا قد فرضت فِيهِ الدِّيَة فَلَا يجوز لَهُ أَن يُعْطي أَكثر من صنف مِنْهَا وَلَو صَالحه وَهُوَ من أهل الْوَرق على خمسين من الْإِبِل أجزت ذَلِك وَكَذَلِكَ لَو صَالحه على أقل من ألف دِينَار يدا بيد أَو نَسِيئَة أجزت ذَلِك من قبل أَن هَذَا قد حط عَنهُ وَلَو صَالحه على أقل من ألف دِينَار نَسِيئَة فِي ثَلَاث سِنِين قبل أَن يقْضى عَلَيْهِ بِالدَّرَاهِمِ وَقَالَ إِنَّمَا صالحتك من الدَّم على ذَلِك كَانَ جَائِزا إِنَّمَا أكره النَّسِيئَة إِذا وَجَبت عَلَيْهِ الدَّرَاهِم فَصَالحه مِنْهَا على غَيرهَا وَلَو صَالحه على ألف دِينَار من الدَّم وَلم يسم أَََجَلًا كَانَ ذَلِك جَائِز وَكَانَ ذَلِك فِي ثَلَاث سِنِين فِي كل سنة ثلث من قبل أَن الْقَتْل خطأ وَأَن الدِّيَة إِنَّمَا تجب عَلَيْهِ هَكَذَا وَلَو صَالحه على خَمْسَة آلَاف دِرْهَم

(4/469)


وَهُوَ من أهل الْوَرق أجزت ذَلِك وجعلتها فِي ثَلَاث سِنِين أَثلَاثًا وَلَو كَانَ من أهل الْإِبِل فقضي عَلَيْهِ بِالْإِبِلِ فَصَالحه من ذَلِك على شَيْء من الْعرُوض أَو الْحَيَوَان بِعَيْنِه بعد أَن لَا يكون مِمَّا فرض فِيهِ الدِّيَة كَانَ ذَلِك جَائِزا وَإِن كَانَ أَكثر من الدِّيَة أضعافا وَكَانَ لَهُ أَن يَأْخُذهُ بذلك لَيْسَ فِيهِ أجل لِأَنَّهُ صَالحه على شَيْء بِعَيْنِه وَكَذَلِكَ لَو كَانَ من أهل الْوَرق أَو من أهل الذَّهَب إِذا صَالحه على شَيْء من الْحَيَوَان أَو الْعرُوض يدا بيد كثيرا كَانَ أَو قَلِيلا فَهُوَ جَائِز وَإِن ضرب لشَيْء من ذَلِك أَََجَلًا فَلَا خير فِيهِ من قبل أَنه اشْتَرَاهُ بِالدِّيَةِ وَهِي دين فَلَا يصلح أَن يَشْتَرِي دينا بدين
وَإِذا أقرّ الرجل أَنه قتل قَتِيلا خطأ فَادّعى أَوْلِيَاء الْقَتِيل الْعمد فَلهم الدِّيَة خَاصَّة فِي مَاله لِأَنَّهُ أقرّ لَهُم بِهِ وَهُوَ بِمَنْزِلَة قَتِيل وجد فِي قَبيلَة فَادّعى الْأَوْلِيَاء الْعمد عَلَيْهِم فَلَا يصدقون فِي الْعمد وَلَا يبطل حَقهم مَا ادعوا من الْعمد فَكَذَلِك الأول
وَإِذا أقرّ بعمد وَادعوا الْخَطَأ فَلَا شَيْء لَهُم لأَنهم ادعوا المَال وَإِنَّمَا أقرّ لَهُم بِالْقصاصِ وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ قطعت يَد فلَان عمدا وَادّعى فلَان الْخَطَأ فَلَا شَيْء لَهُ
وَلَو أقرّ بالْخَطَأ وَادّعى فلَان الْعمد كَانَت عَلَيْهِ دِيَة الْيَد فِي مَاله وَكَذَلِكَ كل جِرَاحَة فِيمَا دون النَّفس أقرّ بهَا الْجَانِي أَنَّهَا خطأ وَادّعى صَاحبهَا الْعمد فعلى الْجَانِي الْأَرْش فِي مَاله وكل جِرَاحَة دون النَّفس أقرّ بهَا الْجَانِي عمدا وَادّعى لَا صَاحبهَا الْخَطَأ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء

(4/470)


وَإِذا كَانَ الْمُدَّعِي ادّعى المَال فَلَا شَيْء لَهُ وَإِن كَانَ يَدعِي الْقصاص فَلهُ الْأَرْش وَإِذا أقرّ الرجل بقتل رجل خطأ فَالدِّيَة فِي مَاله فِي ثَلَاث سِنِين وَكَذَلِكَ إِذا أقرّ أَنه قَتله خطأ وَادّعى أولياؤه أَنه قَتله عمدا فَعَلَيهِ الدِّيَة فِي مَاله فِي ثَلَاث سِنِين وكل دِيَة وَجَبت من غير صلح فَهِيَ فِي ثَلَاث سِنِين
وَإِذا قتل النَّائِم إنْسَانا فَسقط عَلَيْهِ أَو كَانَ بِيَدِهِ شَيْء فَضَربهُ وَهُوَ نَائِم فَهَذَا خطأ وعَلى عَاقِلَته الدِّيَة
- بَاب الشَّهَادَات فِي الدِّيات
-
وَإِذا شهد شَاهد وَاحِد على رجل بقتل خطأ وَشهد آخر على إِقْرَار الْقَاتِل بخطأ فشهادتهما بَاطِل لَا يجوز لِأَنَّهُمَا قد اخْتلفَا أَلا ترى أَن أَحدهمَا قد شهد على قَول وَالْآخر على عمل وَإِذا شَهدا على الْقَتْل وَاخْتلفَا فِي الْيَوْم الَّذِي اصابه فِيهِ فَقَالَ هَذَا فِي يَوْم كَذَا وَقَالَ الاخر فِي يَوْم آخر فشهادتهما بَاطِل وَكَذَلِكَ لَو اتفقَا فِي يَوْم وَاحِد وَاخْتلفَا فِي الْمَكَان أَو فِي الْبلدَانِ فان ذَلِك كُله بَاطِل وَكَذَلِكَ لَو اتفقَا فِي الْمَكَان أَو الْبَلَد وَاخْتلفَا فِي الَّذِي كَانَ بِهِ الْقَتْل فَقَالَ أَحدهمَا قَتله بِحجر وَقَالَ الآخر قَتله بِسَوْط أَو قَالَ قَتله بعصا وَقَالَ الآخر قَتله بِيَدِهِ أَو قَالَ أَحدهمَا قَتله عمدا وَقَالَ الآخر قَتله خطأ أَو قَالَ أَحدهمَا قَتله بعصا وَقَالَ الآخر لَا أحفظ الَّذِي كَانَ بِهِ الْقَتْل فان

(4/471)


ذَلِك بَاطِل لَا يجوز فِيهِ شَهَادَتهمَا وَإِذا قَالَا جَمِيعًا لَا نَدْرِي بِمَا قَتله فَهُوَ مثل الأول فِي الْقيَاس وَيَنْبَغِي أَن يكون بَاطِلا وَلَكِنِّي استحسنت فِي هَذَا أَن أجيزه وَأَجْعَل عَلَيْهِ الدِّيَة فِي مَاله وَلَا يجوز شَهَادَة الْأَعْمَى فِي الْقَتْل خطأ كَانَ أَو عمدا على إِقْرَار وَلَا على فعل وَإِن قَالَ رَأَيْت ذَلِك قبل أَن يذهب بَصرِي فَلَا يجوز فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَقَالَ لَا يجوز شَهَادَة الْمَحْدُود فِي قذف وَلَا شَهَادَة النِّسَاء وحدهن فان كَانَ مَعَهُنَّ رجل وهما امْرَأَتَانِ مسلمتان فشهادتهما جَائِزَة فِي قتل الْخَطَأ وكل جِرَاحَة خطأ وكل شَيْء من ذَلِك يجب فِيهِ الْأَرْش بِغَيْر صلح مِمَّا لَا يُسْتَطَاع فِيهِ الْقصاص وَمَا كَانَ من ذَلِك فِيهِ قصاص فشهادتهن فِيهِ بَاطِل لَا يجوز وَلَا يجوز شَهَادَة النِّسَاء فِي الْقصاص وَإِن كَانَ مَعَهُنَّ رجل وَلَا يجوز فِيهِ شَهَادَة على شَهَادَة وَلَا كتاب قَاضِي إِلَى قَاض وَالنَّفس وَمَا دون النَّفس فِي ذَلِك سَوَاء وَالشَّهَادَة على الشَّهَادَة وَكتاب القَاضِي جَائِز فِي كل مَا كَانَ فِيهِ الْأَرْش فِي النَّفس وَمَا دون النَّفس فِي الْخَطَأ والعمد الَّذِي لَا يُسْتَطَاع فِيهِ الْقصاص
بلغنَا عَن شُرَيْح وَإِبْرَاهِيم أَنَّهُمَا قَالَا لاتجوز شَهَادَة النِّسَاء فِي الْحُدُود

(4/472)


وَلَا فِي الْقصاص وَلَا شَهَادَة على شَهَادَة

(4/473)


وَإِذا شهد رجل على رجل بِالْقَتْلِ عمدا فانه لَا تجوز شَهَادَة رجل وَأحد فان شهد عَلَيْهِ اثْنَان بالعمد حبس حَتَّى يسئل عَنْهُمَا فان زكيا قضي عَلَيْهِ بالقود وَلَو شهد عَلَيْهِ رجل وَاحِد عدل قد عرفه القَاضِي فان القَاضِي يحْبسهُ أَيَّامًا فان جَاءَ شَاهد آخر وَإِلَّا خلى سَبيله والعمد فِي ذَلِك وَالْخَطَأ سَوَاء وَكَذَلِكَ شبه الْعمد وَإِذا ادّعى ولي الْقَتِيل بَيِّنَة حَاضِرَة بِالْمِصْرِ وَالْقَتْل خطأ أَخذ لَهُ من الْمُدَّعِي عَلَيْهِ كَفِيلا إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام فان أحضر وَإِلَّا ابرأ الْكَفِيل وَإِن أقرّ أَن بَينته غيب لم يُؤْخَذ لَهُ كَفِيل
فان شهد شَاهِدَانِ على الْقَتْل عمدا لم يُؤْخَذ كَفِيل فِي الْقَتْل بعد الشُّهُود وَلكنه يحبس فان زكى الشَّاهِدَانِ بِالْقَتْلِ عمدا قتل وَإِن كَانَ خطأ شبه الْعمد قضي على عَاقِلَته بِالدِّيَةِ وَيحبس الْقَاتِل يتعزير وعقوبة حَتَّى يحدث تَوْبَة وَيحدث خيرا وَكَذَلِكَ الْجِرَاحَات فِيمَا دون النَّفس بِمَنْزِلَة جَمِيع مَا ذكرنَا
- بَاب الْقسَامَة
-
وَإِذا وجد الرجل قَتِيلا فِي محلّة قوم فَعَلَيْهِم أَن يقسم مِنْهُم خَمْسُونَ رجلا بِاللَّه مَا قتلنَا وَلَا علمنَا قَاتلا ثمَّ يغرمون الدِّيَة بلغنَا نَحْو من هَذَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(4/474)


وبلغنا عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قضي بِالدِّيَةِ على عاقلتهم فِي ثَلَاث سِنِين

(4/475)


فان لم يكمل الْعدَد خمسين كررت عَلَيْهِم الْأَيْمَان حَتَّى يكمل خمسين يَمِينا
ولأولياء الْقَتِيل أَن يختاروا فِي الْقسَامَة صالحي الْعَشِيرَة الَّذين وجد بَين أظهرهم فيحلفونهم وَلَو اخْتَارُوا مِنْهُم أعمى أَو محدودا فِي قذف كَانَ ذَلِك لَهُم لِأَنَّهَا لَيست بِشَهَادَة وَإِنَّمَا يعقل الدَّم وكل مَا يلْزم الْعَاقِلَة فعلى الْمُقَاتلَة من أهل الدِّيوَان وَلَا يلْزم النِّسَاء وَلَا الذُّرِّيَّة من ذَلِك شَيْء وَلَا من لَيْسَ لَهُ ديوَان وَلَا يُؤْخَذ من الرجل إِلَّا ثَلَاثَة دَرَاهِم أَو أَرْبَعَة فان لم يسع ديوَان أُولَئِكَ الْقَوْم لتِلْك الدِّيَة ضم إِلَيْهَا أقرب الْقَبَائِل إِلَيْهِم فِي النّسَب حَتَّى لَا يَقع على الرجل إِلَّا ثَلَاثَة دَرَاهِم أَو أَرْبَعَة وَالْقَاتِل وَالَّذِي حلف على الْقسَامَة وَالَّذِي لم يقتل وَلم يشْهد فِي ذَلِك كلهم سَوَاء الدِّيَة عَلَيْهِم سَوَاء على أهل الدِّيوَان
وَإِذا وجد الْقَتِيل بَين قريتين أَو سكتين فانه يُقَاس فالى ايهما كَانَ أقرب كَانَ عَلَيْهِم الْقسَامَة وَالدية بلغنَا عَن عمر رَضِي الله عَنهُ

(4/476)


أَنه قضي بذلك فِي قريتين فان نكلوا عَن الْيَمين حبسوا حَتَّى يحلفوا
وَإِذا وجد قَتِيل فِي قَرْيَة أَصْلهَا لقوم شَتَّى فيهم الْمُسلم وَالْكَافِر فان الْقسَامَة على أهل الْقرْيَة على الْمُسلم وَالْكَافِر يُكَرر عَلَيْهِم الْأَيْمَان حَتَّى تكمل خمسين يَمِينا فان لم يكن فِيهَا خَمْسُونَ رجلا تكَرر عَلَيْهِم الْأَيْمَان ثمَّ يغرم عَلَيْهِم الدِّيَة فَمَا أصَاب الْمُسلمين من ذَلِك فعلى عواقلهم وَمَا أصَاب أهل الذِّمَّة فان كَانَت لَهُم معاقل فَعَلَيْهِم وَإِلَّا فَفِي أَمْوَالهم
وَإِذا وجد الرجل قَتِيلا فِي قَبيلَة من الْكُوفَة وفيهَا سكان وفيهَا

(4/477)


من قد اشْترى من دُورهمْ فانما الْقسَامَة وَالدية على أهل الخطة وَلَيْسَ على السكان وَلَا على مُشْتَرِي الدّور شَيْء وَلَو جعلت على السكان وعَلى المشترين شَيْئا لَا ستحلفت عَشَائِرهمْ أَيْضا فِي الْقسَامَة ووزعت عَلَيْهِم الدِّيَة بِالْحِصَصِ فيوجد الْقَتِيل فِي قَبيلَة وَاحِدَة وَيعْقل عَنْهُم عشر قبائل فَهَذَا قَبِيح لَا يَسْتَقِيم وَإِذا وجد الْقَتِيل فِي دَار رجل قد اشْتَرَاهَا وَهُوَ من غير أهل الخطة فان أهل الخطة بُرَآء من ذَلِك والقسامة على صَاحب الدَّار وعَلى قومه الدِّيَة وَإِذا بَاعَ أهل الخطة جَمِيعًا حَتَّى لَا يبْقى فيهم أحد ثمَّ وجد فيهم قَتِيل فِي سكَّة من سككهم أَو فِي مَسْجِد من مَسَاجِدهمْ فان الْقسَامَة وَالدية على المشترين فان وجد فِي دَار وَاحِد من المشترين فَهُوَ عَلَيْهِ خَاصَّة على عَاقِلَته
وَإِذا كَانَت الدَّار بَين رجلَيْنِ فَوجدَ فِيهَا قَتِيل فَالدِّيَة على عواقلهما نِصْفَانِ وَإِن كَانَ أَحدهمَا أَكثر نَصِيبا من الآخر وَإِذا بَقِي من الخطة دَار وَاحِدَة ثمَّ وجد قَتِيل فِي الْمحلة فان الْقسَامَة وَالدية على أهل الخطة وَلَيْسَ على السكان وَلَا على المشترين شَيْء أَلا ترى أَنه لَو كَانَ فِيهَا سَاكن عَامل يعْمل بِيَدِهِ بِالنَّهَارِ وينصرف بِاللَّيْلِ إِلَى منزله لم أجعَل عَلَيْهِ شَيْئا فَكَذَلِك السكان وَإِذا وجد الرجل قَتِيلا فِي دَار نَفسه فعلى عَاقِلَته الدِّيَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا شَيْء على الْعَاقِلَة والقتيل عندنَا كل ميت بِهِ أثر فان لم يكن بِهِ أثر فَلَا قسَامَة

(4/478)


فِيهِ وَلَا دِيَة إِنَّمَا هَذَا ميت وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن وجد وَلَيْسَ بِهِ أثر إِلَّا أَن الدَّم يخرج من أَنفه فَلَيْسَ بقتيل وَإِن كَانَ يخرج من أُذُنه فَهُوَ قَتِيل وَفِيه الدِّيَة والقسامة وَهُوَ قَول ابي يُوسُف وَمُحَمّد
وَإِذا ادّعى أهل الْقَتِيل على بعض أهل الْمحلة الَّذِي وجد بَين أظهرهم فَقَالُوا قَتله فلَان عمدا أَو خطأ فَذَلِك كُله سَوَاء وَفِيه الْقسَامَة وَالدية وَلَا يبطل دَعوَاهُم الْعمد حَقهم أَلا ترى أَنهم لم يبرؤا الْعَشِيرَة من الْقَتْل أَرَأَيْت لَو قَالُوا قَتَلُوهُ جَمِيعًا عمدا لم يكن عَلَيْهِم الدِّيَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِذا وجد قَتِيل فِي قَبيلَة فَلم يدع أولياؤه على أهل الْقَبِيلَة وَادعوا على رجل من غَيرهم فَانِي أُجِيز شَهَادَة أهل الْقَبِيلَة على عَاقِلَته إِذا ادّعى ذَلِك أولياؤه وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا تجوز شَهَادَتهم وَلَا شَيْء عَلَيْهِم من الدِّيَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِذا وجد الرجل قَتِيلا فِي دَار نَفسه فَلَيْسَ فِيهِ الدِّيَة وَلَا الْقسَامَة
وَإِذا وجد قَتِيل فِي محلّة فَادّعى أهل الْمحلة أَنه قَتله غَيرهم فان أَقَامُوا الْبَيِّنَة على رجل من غَيرهم وَشهِدت شُهُود من غَيرهم فَهُوَ جَائِز فان ادّعى الْأَوْلِيَاء على ذَلِك الرجل أَخَذُوهُ بِالدِّيَةِ وَإِن أبرؤه لم يكن لَهُم عَلَيْهِ وَلَا على أهل الْمحلة شَيْء وَإِذا شهد شُهُود من الْقَبِيلَة لم يجز شَهَادَتهم فِي قَول ابي حنيفَة لأَنهم يدْفَعُونَ عَن أنفسهم فان ادّعى الْأَوْلِيَاء على غيرأهل الْمحلة فقد أبرأوا أهل الْمحلة وَلَا شَيْء لَهُم على من ادعوا عَلَيْهِ إِلَّا بِبَيِّنَة من

(4/479)


غير أهل الْمحلة
وَإِذا وجد بدن الْقَتِيل فِي محلّة فَعَلَيْهِم الْقسَامَة وَالدية فان وجد فيهم يَده أَو رجله أَو رَأسه فَلَا شَيْء عَلَيْهِم وَإِن وجد فيهم أَكثر من نصف الْبدن فَعَلَيْهِم الْقسَامَة وَالدية كَامِلَة وَإِن وجد فيهم نصف الْبدن مشقوقا بالطول فَلَا شَيْء عَلَيْهِم وَإِذا وجد فيهم أقل من نصف الْبدن فَلَا شَيْء عَلَيْهِم فان كَانَ الْجَانِب الَّذِي فِيهِ الرَّأْس فَلَا شَيْء عَلَيْهِم فِيهِ أَيْضا وَإِن كَانَ نصف الْبدن وَفِيه الرَّأْس فَعَلَيْهِم الدِّيَة
وَإِذا وجد العَبْد قَتِيلا فِي قَبيلَة أَو الْمكَاتب أَو الْمُدبر أَو أم الْوَلَد وَالَّذِي يسْعَى فِي بعض قِيمَته فَعَلَيْهِم الْقسَامَة وَالْقيمَة فِي ثَلَاث سِنِين وَإِذا وجد فيهم دَابَّة أَو شبه ذَلِك فَلَا شَيْء عَلَيْهِم لَيست تعقل الْعَاقِلَة الْعرُوض وَلَا الْبَهَائِم فان وجد فيهم جَنِين أَو سقط فَلَيْسَ عَلَيْهِم فِيهِ شَيْء فان كَانَ تَمامًا وَبِه أثر فَهُوَ قَتِيل وَعَلَيْهِم الْقسَامَة وَالدية
وَإِذا وجد العَبْد قَتِيلا فِي دَار مَوْلَاهُ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَاله وَكَذَلِكَ الْمكَاتب يُوجد فِي دَار نَفسه قَتِيلا فَلَا شَيْء فِيهِ
وَإِذا وجد الْمكَاتب قَتِيلا فِي دَار مَوْلَاهُ فالقسامة على مَوْلَاهُ فِي مَاله يَسْتَوْفِي مَا بَقِي من مُكَاتبَته وَمَا بَقِي فَهُوَ مِيرَاث
وَإِذا وجد الرجل قَتِيلا فِي دَار أَبِيه أَو ابْنه أَو الْمَرْأَة فِي دَار زَوجهَا فَفِيهِ الْقسَامَة وَالدية على الْعَاقِلَة وَإِذا وجد الرجل قَتِيلا على دَابَّة يَسُوقهَا رجل أَو يَقُودهَا أَو راكبها فَهُوَ على الَّذِي مَعَ الدَّابَّة فان لم يكن مَعَ الدَّابَّة أحد فَهُوَ

(4/480)


على أهل الْمحلة الَّذين يُوجد فيهم على الدَّابَّة وَكَذَلِكَ الرجل يحمل قَتِيلا فَهُوَ عَلَيْهِ وَإِذا وجد الْقَتِيل فِي السَّفِينَة فالقسامة على من فِي السَّفِينَة من الركاب وَغَيرهم من أَهلهَا الَّذين هم فِيهَا وَالدية عَلَيْهِم وَإِذا وجد الْقَتِيل فِي نهر يجْرِي فِيهِ المَاء فَلَا شَيْء فِيهِ فان كَانَ فِي نهر عَظِيم أَو فِي للفرات يسير فِيهَا المَاء فَلَيْسَ فِيهِ شَيْء فان كَانَت إِلَى جَانب الشاطئ محتبسا فَهُوَ على أقرب الْقرى إِلَيْهِ وَالْأَرضين وَعَلَيْهِم الْقسَامَة وَالدية
وَإِذا وجد قَتِيلا فِي فلاة من الأَرْض فَلَيْسَ فِيهِ شَيْء وَإِذا وجد قَتِيل فِي سوق الْمُسلمين أَو فِي مَسْجِد جَمَاعَتهمْ فَهُوَ فِي بَيت مَال الْمُسلمين وَلَيْسَ فِيهِ قسَامَة وَإِن كَانَ فِي دَار رجل خَاصَّة مملكها فِي السُّوق فعلى عَاقِلَة ذَلِك الرجل الْقسَامَة وَالدية وَإِذا وجد الرجل قَتِيلا فِي قَرْيَة لِرجلَيْنِ عواقلهما فِي ذَلِك الْمصر الَّذِي مِنْهُ الْقرْيَة فالقسامة وَالدية على عواقلهما فِي ذَلِك الْمصر الَّذِي فِيهِ الْقرْيَة
وَإِذا جرح الرجل فِي قَبيلَة أَو أَصَابَهُ حجر لَا يدْرِي من رَمَاه فَشَجَّهُ فَلم يزل صَاحب فرَاش حَتَّى مَاتَ فعلى الَّذين أُصِيب امة وَالدية وَإِن كَانَ صَحِيحا يذهب وَيَجِيء فَلَا شَيْء فِيهِ وَإِذا أُصِيب الْقَتِيل فِي الْعَسْكَر والعسكر بِأَرْض فلاة فَهُوَ على الْقَبِيلَة

(4/481)


الَّتِي وجد فِي رحالهم فان كَانَ الْعَسْكَر فِي ملك الرجل فعلى صَاحب الأَرْض على عَاقِلَته الْقسَامَة وَالدية وَإِن كَانَ الْعَسْكَر بفلاة من الأَرْض فَوجدَ فِي فسطاط رجل قَتِيل فَعَلَيهِ الْقسَامَة تكَرر عَلَيْهِ الْأَيْمَان وعَلى عَاقِلَته الدِّيَة وَإِذا وجد بَين قبيلتين من عَسْكَر قَتِيل فعلَيْهِمَا جَمِيعًا إِذا كَانَ الْقَتِيل إِلَيْهِم سَوَاء الْقسَامَة وَالدية وَإِن كَانَ أهل الْعَسْكَر قد لقوا عدوهم فَلَا قسَامَة فِي الْقَتِيل وَلَا دِيَة وَإِنَّمَا هَذَا مِمَّا أصَاب الْعَدو فان كَانَ الْعَسْكَر مختلطا فَأصَاب الْقَتِيل فِي طَائِفَة مِنْهُم فان كَانَ أُصِيب فِي خباء أَو فسطاط فعلى صَاحب الْفسْطَاط والخباء وَإِن كَانَ فِي غير خباء وَلَا فسطاط فَهُوَ على أقرب أهل الأخبية إِلَيْهِ وعَلى من فِي الخباء جَمِيعًا
وَإِذا وجد الرجل قَتِيلا فِي قَبيلَة فانه لَا يقبل فِي الْقسَامَة النِّسَاء وَلَا الصّبيان وَلَا عبد وَلَا مكَاتب وَلَا مُدبر وَلَا عبد قد عتق بعضه وَهُوَ يسْعَى فِي بعض قِيمَته فِي قَول أبي حنيفَة وَيقبل فِيهِ الْأَعْمَى والمحدود فِي قذف وَالْفَاسِق
والتخيير فِيمَن يحلف إِلَى الْأَوْلِيَاء يختارون من الْقَبِيلَة من شاؤا وَلَيْسَ ذَلِك إِلَى الإِمَام وَإِذا وجد الرجل قَتِيلا فِي دَار امْرَأَة فِي مصر لَيْسَ فِيهِ من عشيرتها أحد فان الْأَيْمَان تكَرر على الْمَرْأَة حَتَّى تكمل خمسين يَمِينا ثمَّ يفْرض الدِّيَة على أقرب الْقَبَائِل مِنْهَا وَهَذَا قَول مُحَمَّد وَهُوَ قَول أبي يُوسُف الأول ثمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُف فَقَالَ يضم إِلَيْهَا أقرب الْقَبَائِل مِنْهَا فيقسمون ويعقلون وَكَذَلِكَ الْقرْيَة إِذا كَانَت لرجل من أهل الذِّمَّة فانه يحلف وَيكون عَلَيْهِ الْأَيْمَان وَعَلِيهِ الدِّيَة

(4/482)


وَلَو كَانَ الذِّمِّيّ نازلا فِي قَبيلَة من الْقَبَائِل ثمَّ وجد فِيهَا قَتِيل لم يدْخل الذِّمِّيّ فِي الْقسَامَة وَلَا فِي الْغرم وَكَذَلِكَ السكان النزال فِيهَا من غَيرهم
وَإِذا كَانَت مَدِينَة لَيْسَ فِيهَا قبائل مَعْرُوفَة وجد فِي بَعْضهَا قَتِيل فعلى أهل الْمحلة الَّذين وجد الْقَتِيل بَين أظهرهم الْقسَامَة وَالدية وَإِذا أبي الَّذين وجد الْقَتِيل فيهم أَن يقسموا حبسوا حَتَّى يقسموا خمسين يَمِينا مَا قتلنَا وَلَا علمنَا قَاتلا ثمَّ يغرمون الدِّيَة وَإِذا وجد الْقَتِيل فِي دَار عبد مَأْذُون فِي التِّجَارَة عَلَيْهِ دين أَو لَا دين عَلَيْهِ فان الْقسَامَة وَالدية على عَاقِلَة الْمولى وَإِذا وجد قَتِيل فِي دَار مكَاتب فان عَلَيْهِ الْأَقَل من قِيمَته وَمن دِيَة الْقَتِيل فاذا وجد قَتِيل فِي قَرْيَة يتامى صغَار لَيْسَ فِي تِلْكَ الْبِلَاد من عشيرتهم أحد فَلَيْسَ على اليتامي قسَامَة وعَلى عاقلتهم الدِّيَة والقسامة وَإِن كَانَ أحدهم قد أدْرك فَعَلَيهِ الْقسَامَة تكَرر عَلَيْهِ الْيَمين وعَلى أقرب الْقَبَائِل مِنْهُم
- بَاب الْقصاص
- بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لَا قَود إِلَّا بِالسَّيْفِ

(4/483)


وبلغنا من أَصْحَاب عبد الله بن مَسْعُود أَنهم قَالُوا لَا قَود إِلَّا بسلاح وكل رجل قتل قَتِيلا بِسيف أَو رمح أَو رَمَاه بِسَهْم أَو نشابة أَو عَمُود حَدِيد أَو سكين أَو مَا أشبه ذَلِك من السِّلَاح فان عَلَيْهِ فِيهِ الْقصاص إِلَّا أَن يعْفُو أَوْلِيَاء الْقَتِيل أَو يصالحوا على مَا شاؤا وتراضوا عَلَيْهِ

(4/484)


وكل مَا اصْطَلحُوا عَلَيْهِ من شَيْء فَهُوَ جَائِز وَإِن جاوزوا بذلك الدِّيَة وَإِذا اجْتمع رَهْط على قتل رجل عمدا بسلاح فَعَلَيْهِم فِيهِ الْقصاص بلغنَا عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قضي بذلك

(4/485)


وَإِذا قتل الْحر الْمَمْلُوك عمدا فان عَلَيْهِ فِيهِ الْقصاص بلغنَا ذَلِك عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ

(4/486)


وَإِذا قتل الرجل الصَّبِي عمدا فان عَلَيْهِ فِيهِ الْقصاص وَكَذَلِكَ إِذا قتل العَبْد الْحر عمدا فان عَلَيْهِ فِيهِ الْقصاص وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة إِذا قتلت الرجل عمدا أَو الرجل يقتل الْمَرْأَة عمدا وَإِذا اشْترك النِّسَاء وَالرِّجَال فِي قتل رجل عمدا أَو صبي أَو امْرَأَة عمدا فان عَلَيْهِم الْقصاص جَمِيعًا

(4/487)


وَإِذا اقْتُل الرجل الْمُسلم الرجل من أهل الذِّمَّة عمدا فان عَلَيْهِ فِيهِ الْقصاص بلغنَا عَن ر سَوَّلَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أقاد رجلا مُسلما بِرَجُل من أهل الذِّمَّة فَقتل الْمُسلم بالذمي ثمَّ قَالَ أَنا أَحَق من وَفِي بِذِمَّتِهِ

(4/488)


وبلغنا عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه أَمر بقتل رجل مُسلم بِرَجُل من أهل الْحيرَة ذمِّي ثمَّ بلغه أَنه فَارس من فرسَان الْعَرَب فَكتب فِيهِ أَن لَا يقتل

(4/489)


وَإِذا اجْتمع رجال من أهل الْإِسْلَام على رجل من أهل الذِّمَّة عمدا فان عَلَيْهِم فِيهِ الْقصاص وكل قطع فِي يَد عمدا من مفصل أَو إِصْبَع فان فِيهِ الْقصاص فِي مثل ذَلِك الْموضع وَلَا يقطع الْيُمْنَى باليسرى وَلَا الْيَد بِالرجلِ وَلَا الْإِبْهَام بغَيْرهَا من الْأَصَابِع وَلَا يقطع إِصْبَع من يَد باصبع من رجل وَلَا يقْتَصّ من عظم مَا خلا السن بلغنَا ذَلِك عَن إِبْرَاهِيم وَقَالَ لَا قصاص بَين العبيد والأحرار وَلَا فِيمَا بَين العبيد فِيمَا دون

(4/490)


النَّفس وَلَا قصاص بَين الرِّجَال وَالنِّسَاء فِيمَا دون النَّفس وَبَين الْمُسلمين وَأهل الذِّمَّة وَالْقصاص وَاجِب فِي النَّفس وَفِيمَا دونهَا وَلَا يقطع يدان بيد وَاحِدَة وَلَيْسَ هَذَا كالنفس وَإِذا اجْتمع رجلَانِ على قطع يَد رجل عمدا كَانَت عَلَيْهِمَا الدِّيَة فِي أموالهما وَكَذَلِكَ العينان وَالرجلَانِ وَلَوْلَا الْأَثر وَالسّنة لم يقتل اثْنَان بِوَاحِد فأخذنا فِي النَّفس بِمَا جَاءَ من الْأَثر وَالسّنة وأخذنا فِيمَا دون النَّفس بِالْقِيَاسِ وَإِذا قطع رجل يَد رجل من نصف الساعد أَو قطع الرجل من نصف السَّاق فَلَا قصاص عَلَيْهِ فِي ذَلِك لِأَنَّهُ فِي غير مفصل وَعَلِيهِ فِي ذَلِك ديه الْيَد وحكومة عدل فِيمَا قطع من الساعد مَعَ الْكَفّ فِي مَاله ذَلِك كُله وَلَا يقْتَصّ الرجل من ابْنه فِي النَّفس وَلَا فِيمَا دونهَا بلغنَا ذَلِك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا من جده وَلَا من أمه وَلَا من

(4/491)


جدته وَكَذَلِكَ كل جد أَو جدة من قبل الرِّجَال وَالنِّسَاء جنى على وَلَده أَو ولد وَلَده فِي النَّفس أَو فِيمَا دونهَا عمدا فَلَا قصاص عَلَيْهِ وَعَلِيهِ الْأَرْش فِي ذَلِك كُله فِي مَاله وَكَذَلِكَ لَو كَانَ الْوَلَد مُدبرا أَو عبدا أَو مكَاتبا
وَلَا قصاص بَين الصّبيان فِي النَّفس أَو فِيمَا دونهَا وَإِذا جنى الصَّبِي على رجل فِي النَّفس أَو فِيمَا دونهَا فَلَا قَود عَلَيْهِ لِأَن عمد الصَّبِي خطأ وَكَذَلِكَ الْمَعْتُوه وَكَذَلِكَ الْمَجْنُون إِذا أصَاب

(4/493)


فِي حَال جُنُونه وَإِذا أصَاب فِي حَال إِفَاقَته فَهُوَ وَالصَّحِيح سَوَاء وَعمد الصَّبِي وَالْمَجْنُون فِي حَال جُنُونه وَالْمَعْتُوه خطأ تعقله الْعَاقِلَة وَإِذا قطع الرجل الْوَاحِد يَد الرجلَيْن عمدا الْيُمْنَى واليسرى فانه يقطع يَدَاهُ كلتاهما لَهما وَإِذا كَانَ إِنَّمَا قطع الْيُمْنَى من كل وَاحِد مِنْهُمَا قطعت يَمِينه لَهما وَغرم لَهما الدِّيَة دِيَة الْيَد فِي مَاله بَينهمَا نِصْفَانِ وَإِذا عَفا أَحدهمَا عَن الْقصاص قبل أَن يقْتَصّ لَهما كَانَ عَفوه جَائِزا ويقتص للْبَاقِي وَلَا حق للَّذي عَفا
وَلَو حضر أَحدهمَا قبل صَاحبه لم انْتظر الْغَائِب لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَعَ هَذَا شرك ويقتص مِنْهُ لهَذَا فاذا قدم الْغَائِب كَانَت لَهُ الدِّيَة فِي مَال الْقَاطِع الأول وَإِذا اجْتمعَا جَمِيعًا فقضي لَهما القَاضِي بِالْقصاصِ وَقضي لَهما بديه الْيَد فيديا فأخذا الدِّيَة ثمَّ عَفا أَحدهمَا عَن الْقصاص فان عَفوه جَائِز وَلَا قصاص للْبَاقِي وَله نصف دِيَة الْيَد وَلَو لم يَكُونَا أخذا المَال وأخذا بِهِ كَفِيلا ثمَّ عَفا أَحدهمَا كَانَ عَفوه جَائِزا وللباقي الْقصاص لِأَنَّهُ لم يقبض مَالا وَلم يَقع الشّركَة بَينهمَا وَلَو كَانَا أخذا بِالْمَالِ رهنا كَانَ هَذَا بِمَنْزِلَة قبض المَال إِن عَفا أَحدهمَا كَانَ عَفوه جَائِزا وللباقي الْقصاص لِأَنَّهُ لم يقبض مَالا وَلم يَقع الشّركَة بَينهمَا وَلَو كَانَا أخذا بِالْمَالِ رهنا كَانَ هَذَا بِمَنْزِلَة قبض المَال إِن عَفا

(4/494)


أَحدهمَا بعد ذَلِك كَانَ الْحَال فِي هَذَا كالحال وَقبض المَال وَإِنَّمَا هَذَا اسْتِحْسَان وَكَانَ يَنْبَغِي فِي الْقيَاس أَن لَا يَقع بَينهمَا شركَة قبضا المَال أَو لم يقبضا
وَإِذا قطع رجل إِصْبَع رجل من مفصل ثمَّ قطع يَد الآخر أَو بَدَأَ بِالْيَدِ ثمَّ قطع الإصبع وَذَلِكَ كُله فِي الْيُمْنَى ثمَّ اجْتمعَا جَمِيعًا فانه يقطع إصبعه باصبع هَذَا ثمَّ يُخَيّر صَاحب الْيَد فان شَاءَ قطع مَا بَقِي وَإِن شَاءَ أَخذ دِيَة يَده من مَال الْقَاطِع وَلَو جَاءَ صَاحب الْيَد قبل صَاحب الإصبع قطعت لَهُ الْيَد فان جَاءَ صَاحب الإصبعغ بعد أَخذ أرش إِصْبَع من مَال الَّذِي قطعهمَا وَلَو قطع رجل إِصْبَع رجل من مفصل ثمَّ قطع إصبعا أُخْرَى من مفصلين ثمَّ قطع أَصَابِع أُخْرَى كلهَا وَذَلِكَ كُله فِي أَصَابِع يَد وَاحِدَة ثمَّ اجْتَمعُوا جَمِيعًا قطع مِنْهُ الْمفصل الْأَعْلَى لصَاحب الْمفصل الْأَعْلَى ثمَّ يُخَيّر صَاحب المفصلين فان شَاءَ قطع لَهُ الْمفصل الْأَوْسَط بِحقِّهِ كُله وَإِن شَاءَ أَخذ ثُلثي دِيَة الإصبع من مَاله ثمَّ يُخَيّر صَاحب الإصبع

(4/495)


فان شَاءَ أَخذ مَا بَقِي كُله باصبعه وَإِن شَاءَ أَخذ دِيَة إصبعه من مَال الَّذِي قطعهَا وَإِذا قطع كف رجل من مفصل ثمَّ قطع يَد أُخْرَى من مرفق ثمَّ اجْتمعَا جَمِيعًا فان الْكَفّ يقطع لصَاحب الْكَفّ ثمَّ يُخَيّر صَاحب الْمرْفق فان شَاءَ أَخذ قطع مَا بَقِي بِحقِّهِ كُله وَإِن شَاءَ أَخذ الْأَرْش من مَال الْجَانِي وَلَا نبالي فِي ذَلِك بِأَيِّهِمَا بَدَأَ قبل صَاحبه وَإِذا شج الرجل الرجل مُوضحَة فَأخذت مَا بَين قَرْني المشجوج وَلَا تَأْخُذ مَا بَين قَرْني الشاج فان المشجوج يُخَيّر فان شَاءَ أَخذ الْأَرْش وَلَا قصاص لَهُ وَإِن شَاءَ اقْتصّ لَهُ فَبَدَأَ من أَي الْجَانِبَيْنِ أحب حَتَّى تبلغ مقدارها فِي طولهَا إِلَى حَيْثُ يبلغ ثمَّ يكف وَإِذا كَانَت الشَّجَّة لَا تَأْخُذ مَا بَين قَرْني المشجوج وَتَأْخُذ مَا بَين قَرْني الشاج ويفضل مِنْهَا فضل فانه يُخَيّر المشجوج فان شَاءَ أَخذ الْأَرْش وَإِن شَاءَ اقْتصّ لَهُ مَا بَين القرنين من الشاج لَا أزيده على شَيْء
وَإِذا كَانَت الشَّجَّة فِي طول رَأس المشجوج وَهِي تَأْخُذ من رَأس الشاج من جَبينه إِلَى قَفاهُ فانه يُخَيّر المشجوج فان شَاءَ أَخذ الْأَرْش وَإِن شَاءَ اقتصصت لَهُ مِقْدَار شجته إِلَى موضعهَا فِي رَأسه لَا أزيده على ذَلِك
وَإِن كَانَت من المشجوج مَا بَين جَبينه إِلَى قَفاهُ وَلَا يبلغ من

(4/496)


رَأس الشاج إِلَّا إِلَى نصف ذَلِك خيرت المشجوج فان شَاءَ أَخذ الْأَرْش وَإِن شَاءَ اقتصصت لَهُ مِقْدَار شجته إِلَى حَيْثُ يبلغ وَيبدأ من أَي الْجَانِبَيْنِ أحب
وَإِذا شج رجل رجلا مُوضحَة فِي وَجهه أَو فِي رَأسه عمدا فَهُوَ سَوَاء وَفِيه الْقصاص وَكَذَلِكَ لَو شجه باضعة أَو دامية فان فِيهِ الْقصاص وَلَا يقْتَصّ فِي شَيْء من ذَلِك حَتَّى يبرأ
والهاشمة الَّتِي تهشم الْعظم وَلَيْسَ فِيهَا قصاص وَإِذا كَانَت عمدا أَو خطأ فأرشها ألف دِرْهَم
والمنقلة الَّتِي تخرج مِنْهَا الْعِظَام فَلَا قصاص فِيهَا وَإِذا كَانَت عمدا أَو خطأ فأرشها ألف وَخَمْسمِائة دِرْهَم والآمة الَّتِي تصل إِلَى الدِّمَاغ فَلَيْسَ فِيهَا قصاص فان كَانَت عمدا أَو خطأ فَفِيهَا ثلث الدِّيَة فِي مَال الْفَاعِل فاذا ذهب الْعقل مِنْهَا فَفِيهَا الدِّيَة كَامِلَة فِي مَال الْفَاعِل وَلَا قصاص فِي الْجَائِفَة وفيهَا ثلث الدِّيَة وَهِي الَّتِي تخلص إِلَى الْجوف فان نفذت فَفِيهَا ثلثا الدِّيَة فِي مَال الْفَاعِل إِذا كَانَت عمدا
وَلَا قصاص فِي الهاشمة والمنقلة والآمة والجائفة بلغنَا عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ لَا قصاص فِي عظم

(4/497)


وبلغنا عَن عبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ لَا قصاص فِي جَائِفَة وَلَا آمة وَلَا منقلة وَلَا عظم يخَاف مِنْهُ عَلَيْهِ التّلف وبلغنا عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه قَالَ لَا قصاص فِي عظم مَا خلا السن وَفِي كل عظم كسر عمدا أَو ساعد أَو سَاق أَو ضلع أَو عظم أَو ترقوة أَو غير ذَلِك فَفِيهِ حكم عدل فِي مَال الْفَاعِل إِذا كَانَ مُتَعَمدا لذَلِك وَكَذَلِكَ كل من قطع عظما مُتَعَمدا فَلَا قصاص عَلَيْهِ

(4/498)


وَإِذا قطع رجل يَد رجل عمدا وَيَد الْقَاطِع الَّتِي فِيهَا الْقصاص شلاء أَو مَقْطُوعَة الإصبع فانه يُقَال لَهُ إِن شِئْت فاقطع يَده وَإِن شِئْت فَخذ الْأَرْش لِأَن يَده نَاقِصَة وَكَذَلِكَ لَو قطعهَا وَهِي صَحِيحَة ثمَّ اقْتصّ مِنْهَا إِصْبَع أَو نَحْو ذَلِك كَانَ بِالْخِيَارِ أَيْضا وَلَو قطع مِنْهَا اصبع بِغَيْر قصاص لم يكن للمقطوعة يَده إِلَّا أَن يقطع مَا بَقِي وَلَيْسَ لَهُ أرش أَلا ترى أَنَّهَا لَو قطعت كلهَا بِغَيْر قصاص بَطل حَقه كُله وَلم يكن لَهُ أرش بِمَنْزِلَة رجل كَانَ لَهُ الْقصاص فِي نفس رجل فَمَاتَ أَو قتل فقد بَطل حَقه الأول وَلَا أرش لَهُ وَإِذا قطعت الْيَد فِي الْقصاص أَو فِي السّرقَة وَقد كَانَ وَجب عَلَيْهَا قطع قبل ذَلِك فِي قصاص فان للمقطوعة يَده أرش يَده فِي مَال الْقَاطِع الأول وَإِذا اقْتصّ الرجل من الرجل فِي عين أَو يَد أَو شجة فَمَاتَ الْمُقْتَص مِنْهُ فان دِيَته على عَاقِلَة الْمُقْتَص لَهُ فِي قَول أبي حنيفَة وفيهَا قَول آخر إِنَّه لَا ضَمَان عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَخذ حَقه وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد أَلا ترى أَنه لَو قطع فِي سَرقَة فَمَاتَ لم يكن على الإِمَام شَيْء فَكَذَلِك

(4/501)


الْقصاص أَلا ترى أَنه إِنَّمَا وضع الْقصاص فِي مَوْضِعه أَرَأَيْت لَو بط قرحَة لَهُ أَو حجمه أَو قطع عرقا من عروقه أَو ختنه وَلم يُجَاوز مَا أمره ثمَّ مَاتَ أَكَانَ يضمن فَالَّذِي أَخذ الْقصاص وَلم يُجَاوز ذَلِك أَلَيْسَ قد أَخذ مَا أمره الله تَعَالَى بِهِ من الْقصاص وَلَو أَن الْمُقْتَص مِنْهُ قَالَ اقتصوا مني فَأمر بذلك كَمَا أَمر بالختان أَو الْحجامَة ثمَّ مَاتَ من ذَلِك أَكَانَ فِيهِ ضَمَان لَا ضَمَان فِي شَيْء من هَذَا وَلَو كَانَ الْمُقْتَص لَهُ مَاتَ كَانَ الْمُقْتَص مِنْهُ يقتل بِهِ من قبل أَنَّهَا قد صَارَت نفسا وَلَو أَن رجلا قتل رجلا فَدفع إِلَى وليه فَقطع يَده عمدا أَو مثل بِهِ فِي غير ذَلِك الْموضع لم يكن عَلَيْهِ فِي ذَلِك الْأَرْش لِأَنَّهُ قد كَانَت لَهُ نَفسه فاليد من النَّفس أَلا ترى أَن النَّفس يَأْتِي على ذَلِك وَلكنه يُعَزّر لما أَتَى من الْمثلَة ويحال بَينه وَبَين الْمثلَة بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهى عَن الْمثلَة

(4/502)


وَلَو قطع يَده ثمَّ عَفا عَنهُ كَانَت عَلَيْهِ دِيَة الْيَد لِأَنَّهُ أَخذهَا بِغَيْر حق وَهَذَا قَول ابي حنيفَة وفيهَا قَول آخر قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد إِنَّه لاضمان عَلَيْهِ من قبل أَنه كَانَت لَهُ النَّفس أَلا ترى أَنه لَو مَاتَ مِنْهَا كَانَ أَخذ حَقه
وَإِذا قطع الرجل يَد الرجل الْيُمْنَى عمدا من مفصل وَقطع يَد آخر الْيُسْرَى من مفصل فَعَلَيهِ الْقصاص لَهما جَمِيعًا
وَفِي الْعين الْقصاص وَفِي الرجل وَفِي السن إِذا قطعت أَو كسر بَعْضهَا وَلم يسود مَا بَقِي فاذا فقئت الْعين وَذهب نورها وَلم ينخسف فِيهَا الْقصاص تحمى الْمرْآة ثمَّ تقرب مِنْهَا حَتَّى يذهب نورها ويربط على عينه الآخرى وعَلى وَجهه قطن

(4/505)


وَفِي السمحاق والباضعة والدامية والموضحة الْقصاص وَلَيْسَ فِي المنقلة وَلَا فِي الآمة وَلَا فِي الْجَائِفَة قصاص وَإِذا أحرق الرجل الرجل بالنَّار فان عَلَيْهِ الْقصاص يقْتله وليه بِالسَّيْفِ إِن أَرَادَ ذَلِك وَإِذا طعن الرجل الرجل بِرُمْح لَا سِنَان فِيهِ فجافه فَمَاتَ فَعَلَيهِ فِيهِ الْقصاص وَكَذَلِكَ لَو رَمَاه بِسَهْم لَيْسَ فِيهِ نصل أَو نشابه فَهَذَا كُله فِيهِ الْقصاص وَكَذَلِكَ لَو شقّ بَطْنه بِعُود أَو ذبحه بقصبة فَفِي هَذَا كُله الْقصاص لِأَن هَذَا قد وَقع موقع السِّلَاح وَإِن ضربه بعمود حَدِيد أَو بسنجة حَدِيد أَو مَا أشبه ذَلِك من النّحاس وَالْحَدِيد فَعَلَيهِ الْقصاص وَلَو ضربه بِحجر أَو بَعْضًا حَدِيد حَتَّى يَدْفَعهُ لم يكن فِيهِ قصاص وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وفيهَا قَول آخر إِنَّه إِذا جَاءَ من هَذَا مَا يعرف أَنه مثل السِّلَاح أَو أَشد فَفِيهِ الْقصاص وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد
وَإِذا غرق الرجل رجلا فَلَا قصاص عَلَيْهِ وعَلى عَاقِلَته الدِّيَة بلغنَا عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَنه قضي بِنَحْوِ ذَلِك من قبل

(4/506)


أَنه قد ينفلت من المَاء وَلَو منع بِهِ من ذَلِك مَا يعرف أَنه لَا يخرج وَلَا ينفلت من المَاء كَانَ فِيهِ الْأَرْش أَيْضا وَلَا قصاص فِيهِ وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَفِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد عَلَيْهِ الْقصاص إِذا جَاءَ من ذَلِك مَا لَا يعاش من مثله وَلَو أَن رجلا خنق رجلا حَتَّى مَاتَ أَو طَرحه فِي بِئْر فَمَاتَ

(4/508)


أَو أَلْقَاهُ من ظهر جبل أَو من سطح فَمَاتَ لم يكن عَلَيْهِ قصاص وَكَانَ على عَاقِلَته الدِّيَة فان كَانَ خناقا قد خنق غير وَاحِد مَعْرُوفا بذلك فَعَلَيهِ الْقَتْل وَلَو سقِِي رجل رجلا سما أَو أوجره إِيَّاه إيجارا فَقتله لم يكن عَلَيْهِ الْقصاص فَكَانَ على عَاقِلَته الدِّيَة وَلَو كَانَ أعطَاهُ إِيَّاه فشربه هُوَ لم يكن عَلَيْهِ فِيهِ شَيْء وَلَا شَيْء على عَاقِلَته من قبل أَنه شربه هُوَ
- بَاب تَزْوِيج الْمَرْأَة على الْجراحَة
- وَإِذا قطعت الْمَرْأَة يَد الرجل عمدا أَو جرحته ثمَّ تزَوجهَا على تِلْكَ الْجراحَة وعَلى قطع تِلْكَ الْيَد أَو تِلْكَ الضَّرْبَة فَذَلِك كُله سَوَاء فان برأَ وَصَحَّ فان مهرهَا أرش ذَلِك الْجرْح وَتلك الضَّرْبَة فان طَلقهَا قبل أَن يدْخل بهَا كَانَ لَهَا نصف ذَلِك الْأَرْش وَترد عَلَيْهِ نصفه وَكَذَلِكَ إِذا تزَوجهَا على الْجِنَايَة أَو الْجرْح وَمَا يحدث مِنْهَا وبرأ فَهُوَ سَوَاء وَهُوَ بَاب وَاحِد فان مَاتَ من ذَلِك فَهُوَ مُخْتَلف أما إِذا تزَوجهَا على الْيَد أَو على الضَّرْب أَو على الْجرْح فانه لَا يَنْبَغِي فِي الْقيَاس أَن يكون عَلَيْهَا الْقصاص لِأَنَّهَا قد صَارَت نفسا وَصَارَت غير مَا تزَوجهَا عَلَيْهِ وَلَكِنِّي أدع الْقيَاس وأستحسن فأجعل عَلَيْهَا الدِّيَة فِي مَالهَا وَأَجْعَل لَهَا مهر مثلهَا وَلَا مِيرَاث لَهَا لِأَنَّهَا قاتلة وَعَلَيْهَا عدَّة المتوفي عَنْهَا زَوجهَا فِي قَول أبي حنيفَة

(4/509)


وَأما إِذا تزَوجهَا على الْجِنَايَة أَو على الْجرْح وَمَا حدث فِيهَا أَو على الضَّرْبَة وَمَا يحدث فِيهَا فان النِّكَاح جَائِز وَقد عَفا عَنْهَا وَلَا يكون هَذَا مهْرا لِأَنَّهُ قصاص لَيْسَ بِمَال فلهَا مهر مثل نسائها لَا وكس وَلَا شطط وَلَا مِيرَاث لَهَا لِأَنَّهَا قاتلة وَلَو طَلقهَا قبل أَن يدْخل بهَا كَانَ لَهَا الْمُتْعَة وَكَانَ هَذَا عفوا وَكَذَلِكَ الرجل يقطع يَد رجل عمدا فان عَفا عَن الْيَد أَو عَن الْجرْح أَو عَن الضَّرْبَة ثمَّ مَاتَ فَلَيْسَ هَذَا بِعَفْو وَعَلِيهِ الْقصاص فِي الْقيَاس وَلَكِنِّي أدع الْقيَاس فِي هَذَا وَأَجْعَل عَلَيْهِ الدِّيَة فِي مَاله وَلَو عَفا عَن الضَّرْبَة وَمَا يحدث فِيهَا أَو عَن الْجِنَايَة أَو عَن الْجرْح وَمَا يحدث فِيهَا كَانَ هَذَا عفوا وَلَا شَيْء على الْقَاتِل فِيهِ وَلَو كَانَ الَّذِي عَفا مَرِيضا وَهُوَ صَاحب فرَاش كَانَ عَفوه جَائِزا لِأَن هَذَا قصاص وَلَيْسَ بِمَال فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِن تزَوجهَا على الضَّرْبَة أَو الشَّجَّة أَو الْيَد وَمَا يحدث فِيهَا أَو لم يقل وَمَا يحدث فِيهَا فَهُوَ سَوَاء وَهُوَ بِمَنْزِلَة قَول ابي حنيفَة فِي الضَّرْبَة وَمَا يحدث فِيهَا ذَلِك عَفْو عَن النَّفس وَلها مهر مثلهَا وَكَذَلِكَ قَالَا فِي الرجل يعْفُو عَن ضرب رجل ضربه فَهُوَ عَفْو عَن ذَلِك وَمَا يحدث فِيهِ وَإِن لم يقل وَمَا يحدث فِيهِ وَإِذا جرح الرجل الرجل عمدا بِالسَّيْفِ فَأشْهد الْمَجْرُوح على نَفسه أَن فلَانا لم يجرحه ثمَّ مَاتَ الْمَجْرُوح من ذَلِك فَلَا شَيْء على فلَان وَإِن قَامَت الْبَيِّنَة على الْجراحَة لم يجز أَيْضا لِأَن إِقْرَاره على نَفسه أصدق

(4/510)


من الْبَيِّنَة وَلَو لم يقر بذلك الْمَجْرُوح وَلَكِن أَوْلِيَاء الْمَجْرُوح عفوا عَن الْجِنَايَة قبل مَوته ثمَّ مَاتَ فان عفوهم بَاطِل فِي الْقيَاس وَلَكِنِّي أستحسن فأجيزه وَكَذَلِكَ لَو عَفا الْمَجْرُوح نَفسه عَن الْجراحَة أجزت عَفوه وَأخذت بالاستحسان فيهمَا جَمِيعًا وأدع الْقيَاس فيهمَا لِأَنَّهُ قتل أَلا ترى أَن الْمَجْرُوح نَفسه إِذا عَفا فقد عَفا قبل أَن يجب الْقَتْل وَكَذَلِكَ إِذا عَفا الْوَرَثَة فقد عفوا قبل أَن يجب لَهُم الْقَتْل فعفوهم جَائِز وَلَيْسَ يدْخل الْعمد فِي الثُّلُث لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَال وَلَو كَانَ مَالا مَا جَازَ ذَلِك إِلَّا بِبَيِّنَة
- بَاب الْعَفو عَن الْقصاص
-
وَإِذا عَفا الرجل عَن الْعمد وَهُوَ مَرِيض أَو غير مَرِيض فعفوه جَائِز وَلَا يدْخل ذَلِك فِي الثُّلُث لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَال إِنَّمَا هُوَ دم فَهُوَ جَائِز
وَلَو عَفا عَن أحد القاتلين كَانَ للْوَرَثَة أَن يقتلُوا الآخر بعد أَن يَمُوت صَاحبهمْ من ضربتهما وَلَا يبطل عَن الْبَاقِي الْقَتْل للعفو عَن الأول أَلا ترى أَن الْقَتِيل لَو لم يعف أَو عَفا الْوَرَثَة بعد مَوته عَن أَحدهمَا على مَال كَانَ لَهُم أَن يقتلُوا الآخر وَكَذَلِكَ لَو صَالحُوا أَحدهمَا على مَال كَانَ لَهُم أَن يقتلُوا الآخر وَلكُل وَارِث فِي الدَّم وَإِن كَانَ عمدا نصيب بميراثه مِنْهُ يجوز فِيهِ عَفوه وصلحه

(4/511)


بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه ورث امْرَأَة أَشْيَم من عقل أَشْيَم

(4/512)


وبلغنا عَن إِبْرَاهِيم أَنه قَالَ لكل وَارِث فِي الدَّم نصيب وبلغنا عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه قَالَ إِذا أوصى الرجل بِثلث مَاله دخلت دِيَته فِي تِلْكَ الْوَصِيَّة
وبلغنا عَن عَليّ أَيْضا أَنه كَانَ يقسم الدِّيَة على من أحرز الْمِيرَاث
وَإِذا كَانَ دم الْعمد بَين الرجلَيْن فَعَفَا أَحدهمَا فَلَا قَود على الْقَاتِل وَللْآخر أَن يَأْخُذ حِصَّته من الدِّيَة فِي مَال الْقَاتِل بلغنَا عَن عمر

(4/513)


وعبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا ذَلِك وَهُوَ فِي ثَلَاث سِنِين يُؤْخَذ فِي كل سنة ثلث
وَإِذا كَانَ دم الْعمد بَين اثْنَيْنِ فَشهد أَحدهمَا على الآخر أَنه عَفا فَأنْكر ذَلِك الْمَشْهُود عَلَيْهِ وَالْقَاتِل فقد بطلت حِصَّة الشَّاهِد من الدَّم لِأَنَّهُ يجر المَال إِلَى نَفسه بِشَهَادَتِهِ وَلَا شَيْء لَهُ على الْقَاتِل وللمشهود عَلَيْهِ نصف الدِّيَة فِي مَال الْقَاتِل وَلَو كَانَ ادّعى الْقَاتِل شَهَادَته على صَاحبه بِالْعَفو فَشهد على عَفْو صَاحبه عَن الْقَاتِل فان لَهما الدِّيَة جَمِيعًا عَلَيْهِ ألزمته نصف الدِّيَة للشَّاهِد من قبل أَنه ادّعى شَهَادَته وَزعم أَنه قد وَجب لَهُ نصف الدِّيَة حِين زعم أَن الآخر قد عَفا وَلم يلْزمه لَهُ فِي الْبَاب الأول شَيْء من قبل أَنه أنكر شَهَادَته لَهُ وَلم يَدعهَا فَأَما الْمَشْهُود عَلَيْهِ فَلهُ نصف الدِّيَة على كل حَال لِأَن شَهَادَة أَخِيه لَا يجوز عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يجر نصف الدِّيَة إِلَى نَفسه وَلَو شهد مَعَه آخر لم يجر وَلم يبطل حَقه من الدِّيَة

(4/514)


وَإِذا كَانَ دم الْعمد بَين اثْنَيْنِ فَشهد كل وَاحِد مِنْهُمَا على صَاحبه أَنه قد عَفا وَالْقَاتِل لَا يدعى ذَلِك وَلَا يُنكر فَأَيّهمَا مَا شهد أول مرّة فقد بَطل حَقه لِأَنَّهُ يجر بِشَهَادَتِهِ نصف الدِّيَة إِلَى نَفسه وَقد وَجب حق صَاحبه بِشَهَادَتِهِ لِأَنَّهَا بعد شَهَادَة الأول وَإِذا شهد مَعًا لم يتَقَدَّم أَحدهمَا صَاحبه فَلَا حق على الْقَاتِل لوَاحِد مِنْهُمَا من دِيَة صَاحبه وَلَا غير ذَلِك من قبل أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يجر بِشَهَادَتِهِ نصف الدِّيَة إِلَى نَفسه فان صدق الْقَاتِل أَحدهمَا وَكذب الآخر أعطي الَّذِي صدق نصف الدِّيَة وَبَطل حق الآخر وَإِن صدقهما جَمِيعًا أَنَّهُمَا قد عفوا فانه يَنْبَغِي فِي قِيَاس هَذَا القَوْل أَن يضمن لَهما الدِّيَة جَمِيعًا وَلَكِنِّي أستحسن أَن لَا أضمنه لَهما جَمِيعًا شَيْئا لِأَنَّهُ زعم أَنَّهُمَا عفوا
وَإِذا كَانَ الدَّم بَين ثَلَاثَة فَشهد اثْنَان على أحدهم أَنه قد عَفا فشهادتهما عَلَيْهِ بَاطِل لَا يجوز لِأَنَّهُمَا يجران إِلَى أَنفسهمَا الدِّيَة وَلَا قصاص على الْقَاتِل فان كذبهما أعطي الْمَشْهُود عَلَيْهِ ثلث الدِّيَة وَلم يكن للشاهدين عَلَيْهِ شَيْء فان صدقهما أَعْطَاهُم الدِّيَة أَثلَاثًا بَينهم جَمِيعًا وَإِن لم يصدق وَلم يكذب فَهُوَ بِمَنْزِلَة التَّكْذِيب لَهما
وَإِن شهد رجل وَامْرَأَتَانِ من الْوَرَثَة على رجل أَنه قد عَفا أَو على امْرَأَة وَقد بَقِي من الْوَرَثَة بَقِيَّة لم يشْهدُوا وَلم يشْهد عَلَيْهِم فان للَّذي بَقِي مِنْهُم وللمشهود عَلَيْهِ حصتهم من الدِّيَة
وَأما الشُّهُود فان صدقهم الْقَاتِل أَعْطَاهُم حصتهم أَيْضا من الدِّيَة وَإِن كذبهمْ لم يكن لَهُم شَيْء

(4/515)


وَشَهَادَة النِّسَاء إِذا كَانَت مَعَ الرِّجَال إِذا كَانُوا من غير الْوَرَثَة فِي الْعَفو عَن الْقصاص جَائِزَة من قبل أَن هَذَا لَيْسَ بِحَدّ وَلَا بقصاص وَكَذَلِكَ لَو شهدن مَعَ رجل على صلح فِي الْقصاص فِي نفس كَانَت أَو فِيمَا دونهَا فَهُوَ جَائِز وَكَذَلِكَ الشَّهَادَة على الشَّهَادَة وَإِذا دَعَا الْقَاتِل الْعَفو على بعض الْوَرَثَة وَلَيْسَ لَهُ بَيِّنَة فان لَهُ أَن يستحلفه على ذَلِك فان حلف فالقصاص على حَاله كَمَا هُوَ يُؤْخَذ بِهِ وَإِن نكل عَن الْيَمين بَطل حَقه وَصَارَ بِمَنْزِلَة من قد عَفا ولشركائه من الْوَرَثَة حصتهم من الدِّيَة فِي مَال الْقَاتِل وَإِذا شهد للْقَاتِل أَبَوَاهُ أَو ابناه على الْعَفو فان شَهَادَتهم لَا يجوز وَلَا يدْرَأ عَنهُ بِشَهَادَتِهِم من الْقصاص شَيْء وَكَذَلِكَ كل من لَا يجوز شَهَادَته لَهُ مثل امْرَأَته أَو مكَاتبه أَو مدبره أَو شبه ذَلِك فَأَما أَخَوَاهُ أَو شريكاه فان شَهَادَتهم على الْعَفو جَائِزَة وعَلى صلح لَو ادَّعَاهُ فان ادّعى وَرَثَة الْقَتِيل وَأنكر الْقَاتِل ذَلِك فَشهد على الْقَاتِل ابناه أَو أَبَوَاهُ فشهادتهما عَلَيْهِ بذلك جَائِزَة لأَنهم يشْهدُونَ عَلَيْهِ إِذا ادّعى ذَلِك الولى وَإِذا حجد ذَلِك الولى وادعاه الْقَاتِل فَإِنَّمَا يشْهدُونَ لَهُ فَلَا يجوز شَهَادَتهم
وَلَا يجوز شَهَادَة الْمَحْدُود فِي قذف فِي عَفْو وَلَا دم وَلَا صلح وَلَا غَيره وَكَذَلِكَ الْأَعْمَى وَالْفَاسِق وَالْعَبْد وَالْمكَاتب وَأم الْوَلَد لَا يجوز شَهَادَة أحد مُهِمّ فِي عَفْو وَلَا صلح وَلَا دم عمد وَلَا غَيره
وَإِذا شهد شَاهِدَانِ على الْقَاتِل أَنه صَالح على الدِّيَة وأنهما كفلا

(4/516)


بهَا عَنهُ وَادّعى ذَلِك الْقَاتِل وَأنكر الْوَلِيّ فَإِن شَهَادَتهمَا لَا تجوز لِأَنَّهُمَا ذكرا ان الْكفَالَة كَانَت فِي الصُّلْح وَإِن ذكرا أَن الْكفَالَة كَانَت بعد الصُّلْح فشهادتهما على الصُّلْح جَائِزَة ويؤخذان بِالْكَفَالَةِ بإقرارهما على أَنفسهمَا وَلَا يرجعها بذلك على الَّذِي كفلا عَنهُ لِأَنَّهُمَا مقران بِالْحَقِّ على أَنفسهمَا إِلَّا أَن يكون أَمرهمَا بذلك وَإِن ادّعى الْوَلِيّ شَهَادَتهمَا يجوز على أَنْفسهَا وَلَا يرجعان على الْقَاتِل بِشَيْء من ذَلِك
وَإِذا شهد شَاهِدَانِ على الْعَفو وَقضي القَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا ثمَّ رَجَعَ الشَّاهِدَانِ على الْعَفو فَلَا ضَمَان عَلَيْهَا من قبل أَنَّهُمَا لم يتلفا لَهُ مَالا إِنَّمَا أتلفا لَهُ الْقصاص وَعَلَيْهِمَا التَّعْزِير فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَلَا تَعْزِير عَلَيْهِمَا فِي قَول أبي حنيفَة وَلَا قصاص على الْقَاتِل فِي قَول أبي حنيفَة من قبل الْقَضَاء الَّذِي قضى بِهِ
وَإِذا شَهدا بِالْعَفو وَلم يقْض القَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا حَتَّى رجعا فَإِن الْقصاص كَمَا هُوَ على حَاله يقْضِي بِهِ القَاضِي لِأَن الشَّهَادَة لم يتم وَإِذا شَهدا أَحدهمَا على الْعَفو فِي يَوْم وَشهد الآخر عَلَيْهِ فِي يَوْم آخر أَو فِي شَهْرَيْن مُخْتَلفين أَو فِي بلدين مُخْتَلفين فَإِن شَهَادَتهمَا جَائِزَة اخْتِلَاف الْأَيَّام والبلدان فِي ذَلِك لِأَن الْعَفو كَلَام وَلَيْسَ بِعَمَل أَلا ترى أَنه لَو شهد عَلَيْهِ شَاهد باقراره بِالْمَالِ فِي مَكَان وَشهد عَلَيْهِ باقراره بذلك المَال فِي مَكَان آخر كَانَ جَائِزا وَإِذا شهد شَاهِدَانِ على أحد الْوَرَثَة بِالْعَفو وَلَا يعْرفُونَ أَيهمْ هُوَ فان شَهَادَتهم بَاطِل لَا يجوز من قبل أَنهم لم يثبتوا الشَّهَادَة

(4/517)


وَالْقصاص على حَاله يقْضِي بِهِ عَلَيْهِ وَإِذا اخْتلف الشَّاهِدَانِ فِي الْعَفو فَقَالَ أَحدهمَا عَفا على ألف دِرْهَم وَصَالح عَلَيْهَا وَقَالَ الآخر عَفا على غير جعل فانه لَا يجوز شَهَادَتهمَا من قبل أَنَّهُمَا قد اخْتلفَا أَلا ترى أَن أَحدهمَا لَو شهد أَنه طلق امْرَأَته على ألف دِرْهَم وَشهد آخر أَنه طَلقهَا على غير جعل أبطلت شَهَادَتهمَا فَكَذَلِك الْعَفو وَلَو شهد أَنه صَالحه على مَال فَشهد أَحدهمَا أَنه صَالحه على ألف وَشهد الآخر أَنه صَالحه على خَمْسمِائَة فان هَذَا وَذَاكَ فِي الْقيَاس سَوَاء أَلا ترى أَن الْقَاتِل إِذا ادّعى شَهَادَة الَّذِي شهد بِخَمْسِمِائَة فقد أكذب الَّذِي بِالْألف وَإِن ادّعى شَهَادَة الَّذِي شهد بِأَلف فقد أكذب الآخر وَلَا عَفْو لَهُ لِأَن الشَّاهِدين قد اخْتلفَا وَإِن لم يدع الْقَاتِل ذَلِك وادعاه ولي الدَّم فقد جَازَ الْعَفو وَلَا آخذ لَهُ بِشَيْء من المَال لِأَن شَهَادَتهمَا قد اخْتلفَا فِي قِيَاس قَول ابي حنيفَة وَكَذَلِكَ الْبَاب الأول أَلا ترى أَن الشَّاهِدين لَو شَهدا على صلح فَشهد أَحدهمَا أَنه صَالحه على عبد وَشهد الآخر أَنه صَالحه على ألف دِرْهَم وَادّعى ذَلِك الْقَاتِل وَأنكر ذَلِك الْوَلِيّ فانه بَاطِل لِأَنَّهُمَا قد اخْتلفَا وَعَلِيهِ الْقصاص وَإِن لم يدع ذَلِك الْقَاتِل وادعاه ولي الدَّم فان الْعَفو جَائِز وَلَا شَيْء لَهُ وَإِذا عَفا الرجل عَن دم لوَلَده وهم صغَار وَلَا حق لَهُ فِيهِ فعفوه

(4/518)


بَاطِل وَكَذَلِكَ الْوَصِيّ يعْفُو عَن دم الْيَتِيم فان صَالح عَلَيْهِ فَالصُّلْح جَائِز وَإِن حط من الدِّيَة شَيْئا فَلَا يجوز مَا حط ويبلغ بِهِ الدِّيَة وَكَذَلِكَ الْأَب وَالنَّفس فِي هَذَا وَمَا دونهَا سَوَاء وَإِذا قتل الرجل عمدا وَلَيْسَ لَهُ ولي إِلَّا السُّلْطَان فللامام أَن يقْتَصّ من قَاتله إِن شَاءَ وَلَيْسَ لَهُ أَن يعْفُو لِأَنَّهُ لَا يملك ذَلِك فان صَالحه على الدِّيَة فَهُوَ جَائِز وَإِن كَانَ للدم وليان أَحدهمَا غَائِب فَادّعى الْقَاتِل أَن الْغَائِب قد عَفا عَنهُ وَأقَام الْبَيِّنَة على ذَلِك فَانِي أقبل ذَلِك وأجيز الْعَفو على الْغَائِب لِأَن هَذَا الشَّاهِد خصم وللحاضر أَن يَأْخُذ حِصَّته من الدِّيَة وَإِذا قدم الْغَائِب لم يعد الشُّهُود عَلَيْهِ الشَّهَادَة وَإِن ادّعى عَفْو الْغَائِب وَلم يكن لَهُ بَيِّنَة فَأَرَادَ أَن يستحلفه فانه يُؤَخر حَتَّى يقدم الْغَائِب فان نكل عَن الْيَمين بَطل حَقه وَلزِمَ الْقَاتِل حق الْحَاضِر من الدِّيَة وَإِن حلف فالقصاص على حَاله وَإِن ادّعى بَيِّنَة على الْعَفو حَاضِرَة أجلته ثَلَاثَة أَيَّام فان جَاءَ بالشهود أجزت ذَلِك وَإِن لم يَأْتِ بهم حَتَّى يمْضِي ثَلَاث أَو ادّعى بَيِّنَة غَائِبَة فانهما سَوَاء فِي الْقيَاس وَيَنْبَغِي فِي قِيَاس قَوْلنَا هَذَا أَن يقْضِي عَلَيْهِ ويمضي الْقَضَاء كَمَا يمضيه فِي المَال لَو كَانَ مَالا وَلَكِنِّي أستعظم الدَّم وَلَا أعجل فِيهِ الْقصاص حَتَّى أتبين فِي ذَلِك وأستأن بِهِ وأؤجله وَلَا أعجله
وَلَو شهد شَاهِدَانِ على الْعَفو على أحد الْوَرَثَة بِعَيْنِه أَو شهدُوا أَنه أقرّ أَن فلَانا لم يقْتله فَهُوَ سَوَاء وَالشَّهَادَة عَلَيْهِ جَائِزَة وَكَذَلِكَ إِذا

(4/519)


عَفا الْوَارِث عَن الْقَاتِل عِنْد مَوته أَو أقرّ عِنْد مَوته أَن فلَانا لم يقتل صَاحبه فَهُوَ جَائِز عَلَيْهِ وَلَا يكون ذَلِك من ثلثه لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَال وعفو الْوَارِث عِنْد مَوته فِي مَرضه وَصِحَّته سَوَاء وَإِذا عَفا الْمَضْرُوب عَن الْجراحَة أَو الضَّرْبَة أَو الشَّجَّة أَو الْيَد ثمَّ برأَ مِنْهَا وَصَحَّ فعفوه جَائِز وَإِن مَاتَ مِنْهَا فعفوه بَاطِل من قبل أَنَّهَا قد صَارَت نفسا وَأَنه عَفا عَن غير نفس وَيَنْبَغِي فِي الْقيَاس أَن يقْتله وَلَكنَّا نَدع الْقيَاس ونستحسن فَنَجْعَل عَلَيْهِ الدِّيَة فِي مَاله فِي قَول أبي حنيفَة وَكَذَلِكَ لَو برأَ من ذَلِك ثمَّ انتقضت فَمَاتَ كَانَ بِمَنْزِلَة من لم يبرأ حَتَّى مَاتَ
فان عَفا الْجراحَة عَن الْمَجْرُوح أَو عَن الضَّرْبَة وَمَا يحدث فِيهَا فان عَفوه جَائِز وَكَذَلِكَ إِذا عَفا عَن الشَّجَّة وَمَا يحدث فِيهَا فان عَفوه جَائِز مَاتَ أَو برأَ لِأَنَّهُ قد عَفا عَن جَمِيع الْجِنَايَات وَكَذَلِكَ لَو صَالحه على مَال عَن الْجِنَايَة أَو عَن الشَّجَّة وَمَا يحدث فِيهَا أَو عَن الضَّرْبَة وَمَا يحدث فِيهَا كَانَ الصُّلْح فِيهِ على ذَلِك جَائِزا وَكَذَلِكَ لَو صَالحه على الضَّرْبَة أَو على الْيَد أَو على الْجرْح أَو على الشَّجَّة وَلم يقل وَمَا يحدث فِيهَا كَانَ الصُّلْح جَائِزا فان مَاتَ فَعَلَيهِ الدِّيَة كَامِلَة فِي قَول أبي حنيفَة يحْسب لَهُ من ذَلِك مَا أخذوها فِي قَول أبي حنيفَة وَإِذا قضي لرجل بِالْقصاصِ فِي نفس فَقطع يَد الْقَاتِل عمدا أَو خطأ ثمَّ عَفا عَنهُ فانه ضَامِن لدية يَده وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وفيهَا قَول آخر قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد إِنَّه لَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَنَّهُ

(4/520)


قد كَانَت لَهُ نَفسه وَلَو قَتله وَلم يعف عَنهُ لم يكن عَلَيْهِ فِي الْيَد شَيْء فِي القَوْل الأول وَلَا فِي القَوْل الآخر لِأَنَّهُ قد كَانَت لَهُ نَفسه وَلَو قطع يَدَيْهِ أَو رجلَيْهِ مُتَعَمدا لذَلِك ثمَّ قَتله لم يكن عَلَيْهِ فِي ذَلِك شَيْء إِلَّا أَنه قد أَسَاءَ فِي الْمثلَة وَعَلِيهِ التَّعْزِير وَلَا يتْرك الْقَاتِل أَن يمثل بِهِ والمثلة قد جَاءَ فِيهَا النَّهْي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَإِذا كَانَ الدَّم بَين اثْنَيْنِ فَعَفَا أَحدهمَا ثمَّ قَتله الآخر عمدا وَلم يعلم بِالْعَفو أَو علم بِالْعَفو وَلم يعلم أَن الدَّم حرم بِالْعَفو فَعَلَيهِ الدِّيَة كَامِلَة فِي مَاله يحْسب لَهُ من ذَلِك نصف الدِّيَة حِصَّته من دم الْمَقْتُول الأول وَيُؤَدِّي النّصْف وَكَذَلِكَ لَو كَانَ قَتله بعد مَا علم بِالْعَفو عمدا فان عَلَيْهِ الدِّيَة فِي مَاله يحْسب لَهُ من ذَلِك نصف الدِّيَة وَلَا قَود عَلَيْهِ إِلَّا أَن يكون فَقِيها يعلم أَنه لَيْسَ لَهُ أَن يقتل بعد الْعَفو فان كَانَ ذَلِك قتل بِهِ وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد
وَإِذا وَجب على الرجل الْقصاص فَقتله ولي الدَّم بِسيف أَو بعصا أَو بِحجر فَهُوَ قصاص وَكَذَلِكَ لَو وَقع فِي بِئْر حفرهَا فِي الطَّرِيق أَو تعثر بِحجر وَضعه فِي الطَّرِيق أَو أَصَابَهُ كنيف قد أخرجه فِي الطَّرِيق فَقتله لم يكن عَلَيْهِ فِي ذَلِك شَيْء وَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَة الْقصاص فان كَانَ لَهُ وليان فَعَفَا أَحدهمَا ثمَّ أَصَابَهُ هَذَا الآخر بعد الْعَفو فعلى عَاقِلَته الدِّيَة فِي جَمِيع ذَلِك إِلَّا بِالسَّيْفِ فانه فِي مَاله وَيَأْخُذ هُوَ من ذَلِك نصف الدِّيَة إِن كَانَ ذَلِك فِي مَاله وَإِن كَانَ على عَاقِلَته أَخذ أَوْلِيَاء

(4/521)


الْمَقْتُول خطأ الدِّيَة من الْعَاقِلَة ثمَّ يرجع الَّذِي قتل خطأ فِي مَاله الْمَقْتُول خطأ بِنصْف الدِّيَة الَّتِي وَجَبت لَهُ على عَاقِلَته وَلَو قَتله غير الْوَلِيّ بِغَيْر أَمر الْوَلِيّ عمدا أَو خطأ بَطل دم الأول وَلَا حق لوَلِيّ الأول وَيكون على الْقَاتِل الآخر الْقصاص فِي الْعمد وعَلى الْعَاقِلَة الدِّيَة فِي الْخَطَأ وَإِن قَتله فَقَالَ الْوَلِيّ أَن كنت أَمرته وَلم يكن عَلَيْهِ بذلك بَيِّنَة فان هَذَا وَالْأول سَوَاء فِي الْقيَاس إِلَّا أَن يعلم أَن الْوَلِيّ أمره فَلَا يكون عَلَيْهِ قصاص وَلَا دِيَة لَهُ
- بَاب الْعَفو فِي الْخَطَأ
- وَإِذا قتل الرجل الرجل خطأ فديته بَين جَمِيع الْوَرَثَة على فَرَائض الله تَعَالَى تدخل فِي ذَلِك الْمَرْأَة وَكَذَلِكَ إِن كَانَت الْمَرْأَة هِيَ المقتولة كَانَ لزَوجهَا الْمِيرَاث مَعَ ورثتها من الدِّيَة بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه ورث امْرَأَة اشيم الضبابِي من عقل زَوجهَا أَشْيَم
وبلغنا عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ لقد ظلم من منع الْإِخْوَة من الْأُم ميراثهم من الدِّيَة

(4/522)


وبلغنا عَن عَليّ أَنه قَالَ الدِّيَة يقسم على من أحرز الْمِيرَاث وَأَنه قَالَ أَيْضا تدخل الدِّيَة فِي الْوَصِيَّة فان عَفا زوج الْمَرْأَة فعفوه جَائِز وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة وَكَذَلِكَ الْمُوصي لَهُ بِالثُّلثِ وَلَيْسَ للْمُوصي لَهُ بِالثُّلثِ عَفْو فِي الْعمد لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَال فان صولح الْقَاتِل على مَال دخل فِيهِ وَكَانَ عَفوه جَائِزا بعد الصُّلْح وَلَيْسَ للْغُرَمَاء عَفْو فِي عمد وَلَا خطأ من قبل أَن الْعمد لَيْسَ بِمَال وَمن قبل أَن الْخَطَأ مَال للْمَيت فَلَيْسَ لَهُم أَن يبطلوه وَإِن تركُوا ديتهم للْمَيت كَانَت دِيَته للْوَرَثَة وَإِن لم يتْرك الْغُرَمَاء الدّين أَخَذُوهُ من الدِّيَة إِذا قبضت

(4/523)


بلغنَا عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه قَالَ لكل وَارِث نصيب من الدِّيَة وَإِن عَفا فعفوه جَائِز وَإِذا عَفا الرجل عَن دَمه وَهُوَ خطأ فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ فان عَفوه جَائِز من ثلثه وَإِن لم يكن لَهُ مَال غير الدِّيَة جَازَ مِنْهَا ثلثه وَبَقِي على عَاقِلَة الْقَاتِل الثُّلُثَانِ فِي ثَلَاث سِنِين مِيرَاثا بَين ورثته على فَرَائض الله تَعَالَى وَإِن أوصى بِشَيْء غير ذَلِك تحاص أهل الْوَصِيَّة والعاقلة فِي الثُّلُث فان أعتق عبدا بدأنا بِهِ من الثُّلُث ثمَّ تحاص أهل الْوَصِيَّة فيرفع عَن الْعَاقِلَة مَا أَصَابَهُم من الْوَصِيَّة ويؤخذون مَا بَقِي من الدِّيَة فان كَانَ على الْمَيِّت دين وَلم يعف عَن الْقَاتِل وَعَفا بعض الْوَرَثَة وَفِي الدِّيَة وَفَاء بِالدّينِ وَفضل فانه يُؤْخَذ من الْعَاقِلَة قدر الدّين فَيُؤَدِّي إِلَى الْغُرَمَاء ثمَّ يرفع عَنْهُم حِصَّة الَّذِي عَفا عَنْهُم مِمَّا بَقِي ويؤخذون بِحِصَّة من لم يعف وَذَلِكَ كُله فِي ثَلَاث سِنِين الَّذِي للْغُرَمَاء وَالَّذِي للْوَرَثَة إِلَّا أَن الْغُرَمَاء يبْدَأ بهم فيقضون مَا خرج الأول فَالْأول وَيكون مَا بَقِي من الْوَرَثَة وَإِن كَانَ الدّين مُسْتَغْرقا للدية لم يجز عَفْو أحد من الْوَرَثَة وَلَا عَفْو الْمَقْتُول إِذا كَانَ عَفا أَو لم يكن لَهُ وَفَاء بِالدّينِ
وَإِذا شهد شَاهِدَانِ من الْوَرَثَة على بَعضهم أَنه قد عَفا عَن حِصَّته

(4/524)


من الدَّم وَالْقَتْل خطأ فشهادتهما جَائِزَة من قبل أَنَّهُمَا لَا يجران إِلَى أَنفسهمَا من ذَلِك شَيْئا لَيْسَ هَذَا كالعمد الَّذِي يتَحَوَّل إِذا دخل فِيهِ الْعَفو عَن حَال الْقصاص إِلَى الدِّيَة وَإِنَّمَا هَذَا مَال كُله لكل وَارِث مِنْهُ حِصَّة إِن عَفا أحدهم أَو لم يعف
وَإِذا شهد رجل وأمرأتان من الْوَرَثَة على بَعضهم أَنه قد عَفا كَانَ ذَلِك جَائِزا على الْمَشْهُود عَلَيْهِ
وَلَو شهدُوا أَنه أَخذ مَالا وَصَالح على شَيْء مِنْهَا فَأَخذه لم يجز شَهَادَتهم من قبل أَن لَهُم أَن يرجِعوا عَلَيْهِ بحصتهم مِمَّا أَخذ إِذا جَازَت شَهَادَتهم فهم الْآن يجرونَ إِلَى أنفسهم بهَا فَلَا أجيزها وَلَو لم يشْهدُوا على هَذَا وَلَكِن الشَّاهِدين أخذا طَائِفَة من الدِّيَة ثمَّ شَهدا على الَّذِي لم يَأْخُذ من الدِّيَة شَيْئا أَنه قد كَانَ عَفا أبطلت شَهَادَتهم لأَنهم يدْفَعُونَ عَن أنفسهم بهَا أَلا ترى أَن لهَذَا الْوَارِث أَن يشركهم فِيمَا أخذُوا فهم يدْفَعُونَ عَن أنفسهم وَإِذا كَانَت الشَّهَادَة تدفع مغرما عَن صَاحبهَا أَو تجر إِلَيْهِ مغنما فَهِيَ مَرْدُودَة ولاتجوز وَإِذا شهد وارثان سعلى الْمَقْتُول أَنه قد عفى عِنْد مَوته عَن الْقَاتِل فشهادتهما جَائِزَة وَالْعَفو من ثلثه وَإِذا شهد شَاهِدَانِ على عَفْو الْوَرَثَة وهم كبار فَأجَاز القَاضِي ذَلِك فأبرأ الْقَاتِل ثمَّ إِن الشَّاهِدين رجعا عَن شَهَادَتهمَا فهما ضامنان للدية الَّتِي بطلت بِشَهَادَتِهِمَا وَالْقَضَاء مَاض على حَاله وَإِن رَجَعَ أَحدهمَا

(4/525)


ضمن النّصْف فِي ثَلَاث سِنِين وَإِن شهد رجل وَامْرَأَتَانِ على الْعَفو فَهُوَ جَائِز فان رجعُوا بعد مَا يمْضِي القَاضِي الْقَضَاء ضمن الرجل نصف الدِّيَة وكل امْرَأَة ربعا وَإِن كَانَ النِّسَاء عشرا وَالرجل وَاحِد ثمَّ رجعُوا جَمِيعًا ضمن الرجل النّصْف وَضمن النسْوَة النّصْف فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد فان لم يرجِعوا جَمِيعًا وَرجعت امْرَأَة وَاحِدَة من الْعشْرَة فَلَا ضَمَان عَلَيْهَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا شهد على الْعَفو عشر نسْوَة وَرجل ثمَّ رجعُوا جَمِيعًا فعلى النسْوَة خَمْسَة أَسْدَاس وعَلى الرجل السُّدس وَلَو رَجَعَ ثَمَان مِنْهُنَّ لم يكن عَلَيْهِنَّ شَيْء لِأَنَّهُ قد بَقِي مِمَّا تنفذ بِهِ الشَّهَادَة شَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ فَلَو رجعت وَاحِدَة بعد رُجُوع الثمان كَانَ على التسع جَمِيعًا الرّبع فان رَجَعَ الرجل أَيْضا كَانَ عَلَيْهِ النّصْف وَإِن رجعت الْعَاشِرَة من النسْوَة كَانَ عَلَيْهَا وعَلى التسع جَمِيعًا النّصْف يحْسب للتسع مَا أَخذ مِنْهُنَّ من ذَلِك فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد
وَإِذا شهد رجلَانِ وَامْرَأَتَانِ فقضي القَاضِي بذلك ثمَّ رَجَعَ رجل وَامْرَأَة فانهما يضمنَانِ من ذَلِك الرّبع من قبل أَنه قد بَقِي ثَلَاثَة أَربَاع الشَّهَادَة على الرجل من ذَلِك الرّبع ثُلُثَاهُ وعَلى الْمَرْأَة ثلثه وَلَو رجعت الْمَرْأَة الْبَاقِيَة كَانَ على الرجل والمرأتين النّصْف على الرجل من ذَلِك الرّبع وعَلى الْمَرْأَتَيْنِ الرّبع وَإِن رجعُوا جَمِيعًا فان على كل رجل ثُلثَيْهِ وعَلى الْمَرْأَتَيْنِ الثُّلُث

(4/526)


وَلَو كَانَ مَكَان الْمَرْأَتَيْنِ عشر نسْوَة لم يكن عَلَيْهِم إِلَّا الثُّلُث لِأَن النسْوَة هَهُنَا بِمَنْزِلَة رجل وَاحِد وَإِن كثرن أَلا ترى أَن ثلثا وَأكْثر من ذَلِك إِنَّمَا يقطع بشهادتهن مَا يقطع بامرأتين وَهَذَا قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَلَو شهد رجلَانِ وَامْرَأَة فقضي القَاضِي بِشَهَادَتِهِم ثمَّ رجعت الْمَرْأَة فَلَا شَيْء عَلَيْهَا لأَنا لم نقض بِشَهَادَتِهِم وَلَو رَجَعَ الرّجلَانِ ضمنا الدِّيَة لَا ضَمَان على الْمَرْأَة
وَإِذا عَفا الْمَقْتُول عَن الضَّرْبَة أَو عَن الْجِنَايَة أَو عَن الشَّجَّة أَو عَن الْجرْح أَو الْيَد المقطوعة ثمَّ برِئ من ذَلِك وَصَحَّ وَهُوَ خطأ كَانَ عَفوه جَائِزا وَإِن مَاتَ فعفوه بَاطِل من قبل أَنَّهَا نفس وَإِنَّمَا عَفا عَن غير النَّفس فِي قَول أبي حنيفَة وَإِن عَفا عَن الضَّرْبَة وَمَا يحدث مِنْهَا أَو عَن الْجِنَايَة أَو عَن الْجرْح وَمَا يحدث فِيهَا فان عَفوه جَائِز من ثلثه فِي قَول أبي حنيفَة وَإِذا جرحت الْمَرْأَة رجلا جرحا خطأ فَتَزَوجهَا عَلَيْهِ فَالنِّكَاح جَائِز وَإِن برِئ فلهَا أرش الْجرْح مهر مثلهَا وَكَذَلِكَ إِذا تزَوجهَا على الضَّرْبَة أَو الشَّجَّة أَو الْيَد ثمَّ برِئ وَصَحَّ فان طَلقهَا قبل أَن يدْخل بهَا أَخذ مِنْهَا نصف أرش ذَلِك وَإِن مَاتَ من ذَلِك فَالنِّكَاح جَائِز وَلها مهر مثلهَا وعَلى عاقلتها الدِّيَة وَلَا مِيرَاث لَهَا مِنْهُ لِأَنَّهَا قاتلة فان طَلقهَا قبل أَن يدْخل بهَا ثمَّ مَاتَ فانما لَهَا الْمُتْعَة بِمَنْزِلَة من لم يسم لَهَا مهْرا وَهَذَا

(4/527)


قَول أبي حنيفَة
وَإِن تزَوجهَا وَهُوَ مَرِيض على الضَّرْبَة وَمَا يحدث فِيهَا أَو الشَّجَّة وَمَا يحدث فِيهَا ثمَّ مَاتَ من مَرضه ذَلِك فقد تزَوجهَا على الدِّيَة فانه يحْسب لعاقلتها من ذَلِك مهر مثلهَا وَالثلث مِمَّا بَقِي وَصِيَّة وَيَأْخُذ ورثته عاقلتها بِالْفَضْلِ وَلَا مِيرَاث لَهَا لِأَنَّهَا قاتلة وَإِن كَانَ طَلقهَا قبل أَن يدْخل بهَا أخذُوا من عاقلتها نصف الدِّيَة وَينظر إِلَى نصف الآخر فيحسب لَهُم مِنْهُ نصف مهر مثلهَا وَالثلث مِمَّا بَقِي وَصِيَّة لقاتله وَيرد الْفضل على الْوَرَثَة وَتُؤْخَذ بِهِ عاقلتها حَتَّى يؤدوه وَلَا وصيثة لَهَا لِأَنَّهَا قاتلة وَيكون لِلْعَاقِلَةِ وَصيته لِأَنَّهُ أوصى لَهُم بِهِ وَلم يَجعله للْمَرْأَة وَإِذا عَفا الرجل عَن أحد القاتلين وَالْقَتْل خطأ فعفوه جَائِز من ثلثه وَنصف الدِّيَة على الآخر وَلَا يبطل عَنهُ مِنْهَا شَيْء وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِذا عَفا عَن الْيَد أَو عَن الضَّرْبَة أوعن الشَّجَّة أَو عَن الْجرْح وَلم يقل وَمَا يحدث فِيهِ ثمَّ مَاتَ فعفوه عندنَا عَن النَّفس وَهُوَ بِمَنْزِلَة الْعَفو عَن ذَلِك وَمَا يحدث فِيهِ وَكَذَلِكَ اذا تزوج على ذَلِك امْرَأَة فَكَأَنَّهُ تزَوجهَا على النَّفس فَكَأَنَّهُ قَالَ تَزَوَّجتك على الضَّرْبَة وَمَا يحدث فِيهَا وعَلى الْيَد وَمَا يحدث فِيهَا وَكَذَلِكَ الْعَفو كَأَنَّهُ قَالَ قد عَفَوْت عَن الضَّرْبَة وَمَا يحدث فِيهَا وَهُوَ قَول أبي حنيفَة الَّذِي قبل هَذَا
- بَاب شَهَادَة الْوَرَثَة بَعضهم على بعض فِي الْعَفو
- وَإِذا قتل الرجل عمدا وَله وارثان فَشهد أَحدهمَا على صَاحبه أَنه قد عَفا وَأنكر الآخر فان الْقَاتِل يسْأَل عَن ذَلِك فان ادّعى ذَلِك

(4/528)


فقد أقرّ للشَّاهِد بِنصْف الدِّيَة وَلَا يصدق الشَّاهِد وَالْقَاتِل على إبِْطَال حق الآخر فَيغرم لَهُ أَيْضا نصف الدِّيَة وَلَا يقتل من قبل أَن أحد الْوَارِثين قد أقرّ فِيهِ بِعَفْو وَإِن أنكر الْقَاتِل شَهَادَته وَلم يَدعهَا فَلَا حق للشَّاهِد من قبل أَنه يجر إِلَى نَفسه بِشَهَادَتِهِ مَالا وللمشهود عَلَيْهِ نصف الدِّيَة فِي مَال الْقَاتِل
وَإِذا كَانَت الْوَرَثَة ثَلَاثَة فَشهد اثْنَان على وَاحِد أَنه قد عَفا فشهادتهما بَاطِل من قبل أَنَّهُمَا يجران إِلَى أَنفسهمَا بِالشَّهَادَةِ مَالا فان ادّعى ذَلِك الْقَاتِل غرم لَهما ثُلثي الدِّيَة وَغرم للْمَشْهُود عَلَيْهِ ثلث الدِّيَة وَإِن لم يدع شَهَادَتهمَا فَلَا حق للشاهدين من الدِّيَة وَلَا من الْقصاص وللمشهود عَلَيْهِ ثلث الدِّيَة وَكَذَلِكَ لَو شَهدا أَنه صَالح على مَال فشهادتهما فِيهِ بَاطِل وَالْأَمر فِيهِ كَمَا وصفت لَك وَإِذا ادّعى الْقَاتِل شَهَادَتهمَا كَانَ لكل إِنْسَان مِنْهُمَا ثلث الدِّيَة وَلَا يصدق الشَّاهِدَانِ إِن شَهدا على أَحدهمَا أَنه صَالح على أقل من الثُّلُث وَإِذا ادّعى أحدهم الصُّلْح وَشهد بذلك الواثاله الباقيان فَأنْكر ذَلِك الْقَاتِل فَلَا شَيْء على الْقَاتِل لوَاحِد مِنْهُم من الصُّلْح وَلَا من الدِّيَة لِأَنَّهُمَا يجران إِلَى أَنفسهمَا بِشَهَادَتِهِمَا ثُلثي الدِّيَة وَلَا يصدقان
وَإِذا شهد شَاهِدَانِ على أحد الْوَرَثَة أَنه عَفا وَلَا يعرفونه بِعَيْنِه فشهادتهما بَاطِل وَعَلِيهِ الْقصاص وَلَو شهد شَاهِدَانِ على أحد الْوَرَثَة

(4/529)


بِعَيْنِه آجره الْقَاتِل الْيَوْم إِلَى اللَّيْل على ألف دِرْهَم فان ذَلِك لَا يكون عفوا وَلَا مَال لَهُ فان شهدُوا أَنه أَخذ مِنْهُ ألفا على أَن يعْفُو عَنهُ يَوْمًا إِلَى اللَّيْل فَهَذَا عَفْو وَهَذَا صلح جَائِز ولبقية الْوَرَثَة حصتهم من الدِّيَة
مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن سُلَيْمَان عَن زيد بن وهب قَالَ وجد رجل مَعَ امْرَأَته رجلا فَقَتلهَا بِالسَّيْفِ فاستحيا بعض إخوتها مِمَّا فعلت فَعَفَا عَنهُ فَجعل عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ لمن لم يعف حِصَّته من الدِّيَة مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم أَنه قَالَ لكل وَارِث حِصَّته من الدِّيَة رجلا كَانَ أَو امْرَأَة إِذا عفوا فِي الْعمد أَو من الْخَطَأ
أَبُو يُوسُف عَن يحيى بن سعيد عَن الزُّهْرِيّ أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ خطب فَقَالَ من يعلم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورث امْرَأَة من عقل زَوجهَا شَيْئا فَقَامَ إِلَيْهِ الضَّحَّاك بن سُفْيَان الْكلابِي وَكَانَ على شَيْء كلاب فَقَالَ أَتَانِي كتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(4/530)


أَن أورث امْرَأَة أَشْيَم من عقل أَشْيَم مُحَمَّد عَن ابي حنيفَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم أَن عمر بن الْخطاب اسْتَشَارَ عبد الله بن مَسْعُود فِي دم عَفا عَنهُ بعض الْوَرَثَة فَقَالَ عبد الله قد أَحْيَا هَذَا بعض النَّفس فَلَا يَسْتَطِيع بَقِيَّة الْوَرَثَة أَن يقتلوه حَتَّى يفبلوا مَا عَفا هَذَا عَنهُ وللذي لم يعف حِصَّته من الدِّيَة فَقَالَ عمر وَأَنا أرى ذَلِك
وَإِذا كَانَ الدَّم بَين اثْنَيْنِ فَشهد كل وَاحِد مِنْهُمَا على صَاحبه بِالْعَفو جَمِيعًا مَعًا وَهُوَ عمد وَالْقَاتِل يُنكر ذَلِك فَلَا على شَيْء اواحد مِنْهُمَا عَلَيْهِ وَإِن ادّعى يالقال الْعَفو مِنْهُمَا فَلَا دِيَة عَلَيْهِ أَيْضا فِي ذَلِك من قبل أَنه لم يقر لَهما بِمَال فاذا شهد أَحدهمَا على صَاحبه بِالْعَفو وَصدقه الْمَشْهُود لَهُ عَلَيْهِ فانه يَنْبَغِي فِي الْقيَاس أَن لَا يكون للشَّاهِد شَيْء وَلَكِنِّي أدع الْقيَاس وَأَجْعَل لَهُ نصف الدِّيَة وَلَو شهد أَحدهمَا على صَاحبه بِعَفْو ثمَّ شهد الآخر على صَاحبه

(4/531)


بِالْعَفو أَيْضا وَالْقَاتِل يجْحَد ذَلِك بَطل حق الشَّاهِد الأول وَكَانَ للْبَاقِي نصف الدِّيَة إِذا أكذبهما الْقَاتِل وَلَو أَن رجلا أَخذ السكين فوجأ بهَا رَأس إِنْسَان فأوضحت ثمَّ جر السكين قبل أَن يرفعها حَتَّى شجه أُخْرَى إِلَى جَانبهَا فاتصلت أَو لم تتصل فان هَذِه مُوضحَة وَاحِدَة وَعَلِيهِ فِيهِ الْقصاص وَلَو أَن هَذَا كَانَ خطأ كَانَ فِيهِ أرش مُوضحَة وَاحِدَة وَلَكِن لَو رفع السكين ثمَّ وجأه أُخْرَى إِلَى جنبها فاتصلت أَو لم تتصل فان هَذِه مُوضحَة اخرى يقْتَصّ مِنْهَا فِي الْعمد وَعَلِيهِ فِي الْخَطَأ أرش الموضحتين لِأَنَّهُ قد رفع يَده وَالْأول لم يرفع يَده فَلذَلِك اخْتلف وَإِذا فَقَأَ الرجل عين الرجل وَفِي عينه تِلْكَ بَيَاض ينقصها فان المفقوءة عينه بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ اقْتصّ من عينه النَّاقِصَة إِن شَاءَ أَخذ دِيَة عينه وَإِن كَانَت المفقوءة هِيَ النَّاقِصَة فَلَيْسَ فِيهَا قصاص وفيهَا حكم عدل
وَإِذا قطع الرجل يَد الرجل وفيهَا ظفر مسود أَو جرح لَا ينقصها فان فِيهَا الْقصاص لِأَن هَذَا لَا ينقص وَإِذا قطع الرجل من كف الرجل إصبعا زَائِدَة فَلَا قصاص فِيهَا وفيهَا حكم عدل وَإِن قطع الْكَفّ كلهَا فَكَانَت تِلْكَ الإصبع توهن الْكَفّ وتنقصها فَلَا قصاص فِيهَا وفيهَا حكم عدل وَإِن كَانَت لَا تنقصها وَلَا توهنها فَفِيهَا الْقصاص وَإِذا قطع الرجل يَد الرجل من الْمفصل فبرأت ثمَّ اقْتصّ مِنْهُ

(4/532)


ثمَّ برأَ الْمُقْتَص مِنْهُ ثمَّ قطع أَحدهمَا ذِرَاع صَاحبه الَّتِي قطعت الْكَفّ مِنْهَا فَلَا قصاص فِيهِ وَإِن كَانَا سَوَاء لَيْسَ فِي هَذَا قصاص
- بَاب الْقصاص فِي النَّفس مِمَّا يقْتَصّ مِنْهُ وَمِمَّا لَا يقْتَصّ مِنْهُ
-
وَإِذا ضرب الرجل الرجل بِالسَّيْفِ فَلم يزل صَاحب فرَاش حَتَّى مَاتَ فَشهد على ذَلِك شَاهِدَانِ فان عَلَيْهِ الْقصاص مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ بذلك وَلَا يَنْبَغِي للشُّهُود أَن يسْأَلُوا أمات من ذَلِك أم لَا وَكَذَلِكَ بِهَذَا فِي الْخَطَأ أَلا ترى أَن الشُّهُود لَو شهدُوا أَنه مَاتَ كَانُوا قد شهدُوا عَلَيْهِ بِمَا يعلم القَاضِي أَنهم فِيهِ كذبة فَكيف يحملهم على الْكَذِب وَهُوَ يعلم فان شهدُوا أَنه قد مَاتَ من ذَلِك فشهادتهم جَائِزَة إِذا كَانُوا عُدُولًا
وَإِذا قَالُوا لم يزل صَاحب فرَاش حَتَّى مَاتَ فقد شهدُوا بِالْعلمِ الظَّاهِر الْمَعْرُوف الَّذِي لَا يَنْبَغِي للْقَاضِي أَن يكلفهم غَيره وَلَا يحملهم على الْبَاطِل وَإِذا شهد شَاهِدَانِ على رجل أَنه ضرب رجلا بِالسَّيْفِ حَتَّى مَاتَ لم يزيدا على ذَلِك فَهَذَا عمد فان سَأَلَهُمَا القَاضِي أتعمد ذَلِك فانه أوثق فان لم يسألهما فَهُوَ عمد وَكَذَلِكَ إِذا شهدُوا أَنه طعنه بِرُمْح أَو رَمَاه بِسَهْم

(4/533)


أَو نشابة فَهُوَ عمد كُله أَرَأَيْت لَو شهدُوا أَنه ذبحه أَو شهدُوا أَنه شقّ بَطْنه بالسكين حَتَّى مَاتَ أَكَانَ القَاضِي يسألهما أتعمد ذَلِك أم لَا لَا يسألهما عَن ذَلِك هَذَا كُله سَوَاء وَهُوَ عمد وَإِذا شهد شَاهد أَنه قَتله بِالسَّيْفِ وَشهد الآخر أَنه طعنه بِالرُّمْحِ فقد اخْتلفت شَهَادَتهمَا وَكَذَلِكَ لَو شهد أَحدهمَا أَنه ضرب بِالسَّيْفِ وَشهد الآخر أَنه ذبحه وَكَذَلِكَ لَو شهد أَحدهمَا أَنه رَمَاه بِسَهْم وَشهد الآخر أَنه رَمَاه بنشابة وَكَذَلِكَ لَو اخْتلفَا فِي الْبلدَانِ فَقَالَ أَحدهمَا بِمَكَّة وَقَالَ الآخر بِالْكُوفَةِ وَكَذَلِكَ لَو اخْتلفَا فِي الشُّهُور أَو فِي الْأَيَّام فَقَالَ هَذَا قَتله فِي شهر كَذَا وَقَالَ الآخر قَتله فِي شهر آخر وَقَالَ هَذَا فِي يَوْم كَذَا وَقَالَ الآخر فِي يَوْم آخر فَهَذَا كُله بَاطِل لَا تجوز شَهَادَتهمَا لِأَنَّهُمَا قد اخْتلفَا وَكَذَلِكَ إِذا اخْتلفَا فِي مَوضِع الضَّرْب من جسده فَقَالَ هَذَا قطع يَده فَقتله وَقَالَ الآخر قطع رجله فَهَذَا بَاطِل إِذا اخْتلف الشَّاهِدَانِ فِي الَّذِي قتل بِهِ الرجل وَفِي مَوضِع الضَّرْب أَو فِي الْأَيَّام أَو فِي الْبلدَانِ أَو فِي الْأَمَاكِن فشهادتهما بَاطِل من قبل أَن هَذَا فعل فَلَا يكون قَاتلا فِي يَوْمَيْنِ رجلا وَاحِدًا وَلَا فِي بلدين وَلَا فِي ضربتين كل وَاحِد مِنْهُمَا قد قَتله وَأَتَتْ على نَفسه وَلَو شهد أَحدهمَا أَنه ضربه فَقطع رجله فَلم يزل مَرِيضا حَتَّى مَاتَ وَشهد الآخر أَنه ضربه فَقطع يَده وَلم يزل مَرِيضا حَتَّى مَاتَ من ذَلِك كُله من الْيَد أَو من الرجل لم أقبل شَهَادَتهمَا وَذَلِكَ أَنه إِن برأَ لم آخذ لَهُ بيد وَلَا رجل لِأَنَّهُ إِنَّمَا شهد لَهُ على الْيَد الْوَاحِدَة وعَلى

(4/534)


الرجل الْوَاحِدَة أَلا ترى أَن أَحدهمَا لَو شهد على مُوضحَة وَشهد الآخر على يَد أَو رجل لم أقبل شَهَادَتهمَا أَرَأَيْت لَو قَالَ أَحدهمَا قطع يَده بِالسَّيْفِ وَقَالَ الآخر قطع يَده بالسكين أَو قَالَ الآخر شجه بعصا حَدِيد أما كَانَت شَهَادَتهمَا قد اخْتلفت وَلَا آخذ بقول وَاحِد مِنْهُمَا
وَإِذا شهد الشَّاهِدَانِ أَنه قطع رجله من الْمفصل عمدا وَشهد آخر أَنه قطع يَده من مفصل عمدا ثمَّ شهدُوا جَمِيعًا أَنه لم يزل مَرِيضا حَتَّى مَاتَ وَالْوَلِيّ يَدعِي ذَلِك كُله عمدا فَانِي أَقْْضِي على الْقَاتِل بِنصْف الدِّيَة فِي مَاله من قبل أَنه مَاتَ من جراحتين إِحْدَاهمَا قد قَامَت بهَا بَيِّنَة وَالْأُخْرَى لَيْسَ لَهَا بَيِّنَة
وَكَذَلِكَ لَو شهد على الرجل شَاهِدَانِ فَلم يزكيا وَلَو زكى أحد شَاهِدي الرجل وَأحد شَاهِدي الْيَد وَلم يزكيا الْآخرَانِ أبطلت الشَّهَادَة كلهَا وَلم آخذ بهَا فان زكي الشُّهُود جَمِيعًا قضيت عَلَيْهِ الْقصاص فان طلب الولى أَن يقْتَصّ من الْيَد وَالرجل فَانِي لَا أجعَل ذَلِك لَهُ من قبل أَن صَاحبه مَاتَ من ذَلِك فَصَارَ الْقصاص فِي النَّفس
وَلَو شهد شَاهِدَانِ على رجل أَنه قطع يَد رجل من مفصل عمدا ثمَّ قَتله عمدا جعلت لوَارِثه أَن يقْتَصّ من يَده ويقتله وَإِن قَالَ لَهُ القَاضِي اقتله قَتله وَلَا يقْتَصّ من يَده فَذَلِك جَزَاء أَيْضا وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يَنْبَغِي للْقَاضِي أَن يَأْمُرهُ بقتْله

(4/535)


وَلَا يَجْعَل لَهُ الْقصاص فِي يَده لِأَنَّهَا جِنَايَة وَاحِدَة أَلا ترى أَنه أَبْرَأ من الْيَد حَتَّى قَتله أَو لَا ترى أَن ذَلِك لَو كَانَ كُله خطأ كَانَت فِيهِ دِيَة وَاحِدَة فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد وَكَذَلِكَ الْعمد فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد لَا يَنْبَغِي أَن يقْتَصّ فِيهِ من الْيَد كَمَا لَا يكون فِي الْيَد أرش فِي الْخَطَأ فَأَما أَبُو حنفة فَقَالَ فِي الْعمد كَمَا وصفت لَك فِي الْبَاب الأول
وَلَو شهد أَنه قطع يَده خطأ ثمَّ قَتله آخر عمدا قبل أَن يبرأ الْيَد جعلت على عَاقِلَته دِيَة الْيَد وقتلته لَهُ
وَلَو شهد شَاهِدَانِ على هَذَا أَنه قطع يَده من مفصل عمدا وشهدا هما أَو آخرَانِ على أَنه ضرب عُنُقه رجل آخر جعلت لوَلِيّ الْقَتْل الْقصاص على الْقَاتِل فِي النَّفس وَالْقصاص على الآخر فِي يَده وَكَذَلِكَ لَو كَانَ قَتله الآخر خطأ جعلت لَهُم الْقصاص فِي الْيَد وَالدية فِي النَّفس وَلَا أبطل شَيْئا من ذَلِك وَلَو شهد شَاهِدَانِ أَن هَذَا قطع يَده من الْمفصل من مفصل الْكَفّ ثمَّ شَهدا على آخر أَنه قطع تِلْكَ الْيَد من الْمرْفق ثمَّ مَاتَ من ذَلِك كُله وَالْقطع عمد فان على صَاحب الْكَفّ أَن يقطع يَده وعَلى هَذَا الآخر الْقصاص فِي النَّفس لِأَن هَذَا هُوَ الْقَاتِل من قبل أَن الْقطع الثَّانِي برْء مِنْهُ من الْقطع الأول وَكَذَلِكَ إِن قطع إصبعا وَقطع الآخر مَا بَقِي من الْيَد

(4/536)


من الْمرْفق أَو من الْمنْكب وَمَات من ذَلِك وَلَو كَانَ الْقَاطِع الآخر قطع خطأ كَانَت عَلَيْهِ الدِّيَة وَكَانَ على الأول الْقصاص فِي الإصبع وَلَو كَانَ قطع الأول خطأ وَقطع الآخر عمدا كَانَ على الأول أرش الإصبع على عَاقِلَته وَكَانَ على الآخر الْقصاص
وَلَو شهد شَاهِدَانِ على رَهْط أَنهم اجْتَمعُوا على قتل رجل عمدا غير أَنهم قَالُوا كَانَ مَعَ أحدهم عَصا غير أَنا لَا نَعْرِف صَاحب الْعَصَا أبطلت شَهَادَتهمَا لِأَنَّهُمَا لَا يعرفان صَاحب الْعَصَا أَرَأَيْت لَو كَانَ اثْنَان أَحدهمَا صَاحب الْعَصَا وَالْآخر صَاحب سيف فَقَالَا لَا نَدْرِي أَيهمَا هُوَ ألم أبطل شَهَادَتهمَا لِأَن نصف الدِّيَة على الْعَاقِلَة وَنِصْفهَا فِي مَال صَاحب السَّيْف فَلَا أَدْرِي أَيهمَا هَذَا من هَذَا

(4/537)


وَلَو شهد شَاهِدَانِ على رجل أَنه قطع إِصْبَع فلَان من يَده الْيُمْنَى وشهدا على آخر أَنه قطع إصبعا من تِلْكَ الْيَد لَا يَدْرُونَ من صَاحب هَذِه الإصبع وَلَا من صَاحب هَذِه الإصبع وَالْقطع عمد فان شَهَادَتهم بَاطِل لَا يجوز من قبل أَنهم لم يبينوا الشَّهَادَة أَي إِصْبَع قطع كل وَاحِد فَكَذَلِك لَو شهدُوا على الْخَطَأ أبطلت ذَلِك وَإِن كَانَت الدِّيَة سَوَاء أرايت لَو شهد شَاهد أَنه قطع إصبعه وَشهد آخر أَنه اسْتهْلك لَهُ ألف دِرْهَم أَكنت أُجِيز شَهَادَتهمَا
وَإِذا شهد شَاهِدَانِ أَنه قطع إِصْبَع هَذَا الرجل الْإِبْهَام عمدا وَشهد على المقطوعة إبهامه أَنه قطع كف الْقَاطِع تِلْكَ عمدا من الْمفصل ثمَّ برئا جَمِيعًا فانه يُخَيّر صَاحب الْكَفّ المقطوعة فان شَاءَ قطع مَا بَقِي من يَده تِلْكَ وَإِن شَاءَ أَخذ دِيَة كَفه من مَاله وَبَطلَت الإصبع من قبل أَن هَذَا حَيْثُ قطع الْكَفّ لم يكن مقتصا من الإصبع لِأَنَّهُ وضع السكين فِي غير موضعهَا أَلا ترى أَنه لَو اجْتمع على قطع الْكَفّ رجلَانِ أَحدهمَا صَاحب الْإِبْهَام كَانَت عَلَيْهِمَا دِيَة الْكَفّ وَبَطلَت الْإِبْهَام وَلَو أَن شَاهِدين شَهدا على رجل أَنه قطع يَد رجل من الْمفصل وَشهد آخرَانِ أَنه جرحه سبع أَو سبعان أَو أَصَابَهُ حجر فَشَجَّهُ أَو عثر فَانْكَسَرت رجله أَو جرح نَفسه أَو جرحه عبد لَهُ ثمَّ مَاتَ من ذَلِك كُله فَلَا قصاص على قَاطع الْيَد وَعَلِيهِ نصف الدِّيَة وَلَو قطع رجل يَد رجل خطأ وجرحه سبع وجرح عبد لَهُ جرح نَفسه ثمَّ مَاتَ من ذَلِك كُله فعلى قَاطع الْيَد ربع الدِّيَة وَكَذَلِكَ

(4/538)


لَو خرجت بِهِ قرحَة أَو نهشته حَيَّة وَلَو اجْتمع هَذَا كُله فِيهِ مَعَ جِرَاحَة الرجل كَانَ على الرجل النّصْف إِذا لم يصبهُ إِنْسَان مَعَ ذَلِك وَكَانَ هَذَا كُله مرض مَعَ ذَلِك وَلَو أَصَابَهُ رجل آخر مَعَ ذَلِك كَانَ على الرجلَيْن ثلثا الدِّيَة لِأَنَّهُ قد مَاتَ من ذَلِك وَلَو أَصَابَهُ حجر قد وَضعه رجل أَو حَائِط تقدم إِلَى أَهله فِيهِ مَعَ جِرَاحَة رجل وجراحة سبع جعلت على الرجل الثُّلُث وعَلى صَاحب الْحَائِط الثُّلُث وأبطلت الثُّلُث وَلَا قصاص فِي شَيْء من هَذَا وَإِن كَانَ عمدا من قبل الَّذِي دخل فِيهِ من الْجراحَة الَّتِي لَا قصاص فِيهَا
وَلَو أَن رجلا جرحه رجل عمدا وسبعان أَو ثَلَاثَة ثمَّ مَاتَ من ذَلِك كُله كَانَ على الرجل نصف الدِّيَة وَكَذَلِكَ لَو أَصَابَهُ جرح من حجر أَو عَثْرَة أَو خرجت بِهِ قرحَة أَو نهشته حَيَّة أَو اجْتمع هَذَا كُله فِيهِ مَعَ جِرَاحَة الرجل كَانَ على الرجل النّصْف إِذا لم يصبهُ إِنْسَان مَعَ ذَلِك لِأَن هَذَا كُله مرض مَعَ ذَلِك
- بَاب الْوكَالَة فِي الدَّم
-
وَإِذا وكل الْوَارِث بِدَم ابيه وَكيلا فان وَكله باقامة الْبَيِّنَة على ذَلِك فَأَنِّي أقبل الْوكَالَة على ذَلِك وَلَا أقبلها فِي الْقَتْل فاذا اثْبتْ الدَّم وَوَقع الْقصاص فَلَا بُد من أَن يحضر الوراث فَيقْتل أَو يُصَالح أَو يعْفُو وَلَا يقبل فِي ذَلِك وكَالَة وَكَذَلِكَ لَا أقبل وكَالَة فِي قصاص فِيمَا دون النَّفس وَلَا فِي حد لِأَنِّي لَا أَدْرِي لَعَلَّ صَاحب الْقصاص قد عَفا أَو صَالح وَلَكِنِّي أقبل الْوكَالَة باثبات الْبَيِّنَة

(4/539)


وَلَو وكل الْمَطْلُوب وَكيلا يخاصمه بذلك قبلت ذَلِك مِنْهُ وَلست أقبل وَكيلا من أحد من خلق الله تَعَالَى فِي شَيْء من الْأَشْيَاء بعد أَن يكون حَاضرا صَحِيحا إِلَّا بِرِضا من خَصمه وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَهُوَ قَول أبي يُوسُف الأول ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ أقبل الْوكَالَة من الْحَاضِر الصَّحِيح وَفِي غير الْقصاص وَالْحُدُود وَإِن لم يرض خَصمه وَهُوَ قَول مُحَمَّد فان كَانَ غَائِبا أَو مَرِيضا قبلت ذَلِك مِنْهُ وَإِن أبي الْخصم وَهُوَ قَول مُحَمَّد فاذا بلغ الْقصاص لم يكن بُد من أَن يحضروا جَمِيعًا فاذا جاؤا بِالْوكَالَةِ سَأَلته الْبَيِّنَة عَلَيْهَا فان زكي الشُّهُود عَلَيْهَا دعوتهم بالحجج وَإِن أقرّ الْوَكِيل وَهُوَ وَكيل الطَّالِب عِنْد القَاضِي أَن صَاحبه يطْلب طلبا بَاطِلا أجزت عَلَيْهِ ذَلِك وابطلت حق صَاحبه وَإِن أقرّ وَكيل الْمَطْلُوب أَن صَاحبه هُوَ صَاحب الْقَتْل وَالْقطع فانه يَنْبَغِي فِي الْقيَاس أَن أجيزه عَلَيْهِ وَلَكِنِّي أدع الْقيَاس فِيهِ وَلَا أقبل صَاحبه بقوله إِلَّا أَن يُقيم شَاهِدين سواهُ أَو يكون شَاهد فَيشْهد آخر مَعَه فان ذَلِك جَائِز
وَلَو كَانَ وَكيلا فِي غير الْقصاص أجزت إِقْرَاره على صَاحبه وَلست أقبل شَهَادَة الْوَكِيل وَشَهَادَة الآخر حَتَّى يحضر صَاحبه وَلَو وكلت امْرَأَة بِالْقصاصِ لَهَا مَعَ ولد زَوجهَا وَكيلا وَقَعَدت فِي بَيتهَا فِي الْقَتْل لم يقبل ذَلِك مِنْهَا وَلم يكن بُد من أَن تخرج حَتَّى تحضر الْقَتْل لَيْسَ يَنْبَغِي للْحَاكِم أَن يقْضِي فِي الدَّم إِلَّا وَالْوَرَثَة جَمِيعًا حُضُور

(4/540)


لَا يقبل فِي ذَلِك وكَالَة أَرَأَيْت إِن عَفا الْغَائِب أَو صَالح ألم يكن هَؤُلَاءِ قد قتلوا من حرم دَمه وَإِذا مَاتَت الْمَرْأَة قبل الْقصاص فَورثَهَا أَخُوهَا أَو أَبوهَا كَانُوا شُرَكَاء فِي الْقصاص وَلَا يقتل الْقَاتِل حَتَّى يحضر جَمِيع وَرَثَة الْمَرْأَة لأَنهم قد صاورا شُرَكَاء وَإِن كَانَ الْقَاتِل من وَرَثَة الْمَرْأَة بَطل عَنهُ الْقصاص وَالدية للْوَرَثَة يرفع عَنهُ بِحِصَّتِهِ من ذَلِك وَلَو كَانَت الْمَرْأَة حَيَّة وَكَانَ الْقَاتِل أَبوهَا لم يكن عَلَيْهِ الْقصاص وَكَانَت عَلَيْهِ الدِّيَة فِي مَاله لِأَنَّهُ قد صَار لَهَا حَقًا فِي دَمه وَلَو كَانَ الْقَاتِل أَخا لَهَا كَانَ عَلَيْهِ الْقصاص وَإِن مَاتَت الْمَرْأَة وأخوها هَذَا عبد أَو كَافِر وَله ابْن حر مُسلم فَصَارَ لَهُ مِيرَاث من الْمَرْأَة بَطل الْقصاص عَن أَبِيه فان كَانَ أَبوهُ حرا فَعَلَيهِ الدِّيَة وَإِن كَانَ عبدا خير مَوْلَاهُ فان شَاءَ دَفعه وَعتق مِنْهُ نصيب أَبِيه وَيسْعَى لبقيتهم فِي حصصهم من قِيمَته وَإِن شَاءَ أمْسكهُ وفداه
- بَاب الْوكَالَة فِي الْخَطَأ
-
وَإِذا وكل الرجل بِطَلَب دم أَبِيه فِي الْخَطَأ وَكيلا وَهُوَ غَائِب أَو مَرِيض فوكله بِالْخُصُومَةِ فِي ذَلِك وَقبض المَال فَهُوَ جَائِز وَكَذَلِكَ إِذا كَانَت جِرَاحَة دون النَّفس خطأ وَكَذَلِكَ إِن كَانَت عمدا لَيْسَ فِيهَا قصاص فالوكاة فِيهَا جَائِزَة وَإِن كَانَ ولي الدَّم حَاضرا صَحِيحا لم أقبل مِنْهُ الْوكَالَة إِلَّا برضى

(4/541)


من خَصمه وَكَذَلِكَ لَو أَن الْمَطْلُوب هُوَ الَّذِي يُوكل وَالْمَرْأَة فِي ذَلِك وَالرجل سَوَاء وَالْبكْر وَالثَّيِّب سَوَاء فِي قَول أبي حنيفَة وَأما فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد فالوكالة فِي ذَلِك مَقْبُولَة من الرجل وَالْمَرْأَة إِن كَانَا صَحِيحَيْنِ حاضرين
وَإِن أقرّ وَكيل الطَّالِب أَو وَكيل الْمَطْلُوب عِنْد القَاضِي على صَاحبه بذلك أجزته عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَال وَإِن أقرّ عِنْد غير القَاضِي على صَاحبه فَلَا أجيزه فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد من قبل أَنه وَكيل وَإِنَّمَا أجزته عِنْد القَاضِي على صَاحبه لِأَنَّهُ خصم فاذا أقرّ الْخصم بِالْحَقِّ أجزت إِقْرَاره وَلَا يَمِين على الْوَكِيل من قبل أَنه لَيْسَ يدعى عَلَيْهِ بِعَيْنِه فان كَانَ إِنَّمَا هُوَ وَكيل الطَّالِب فانما عَلَيْهِ الْبَيِّنَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِقْرَاره جَائِز عِنْد القَاضِي وَعند غير القَاضِي وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْبَيِّنَة وَلَو وكل الْقَاتِل وكيلين بِالْخُصُومَةِ عَنهُ وَغَابَ أَو مرض فَحَضَرَ أحد الوكيلين وَغَابَ الاخر كَانَ هُوَ الْخصم وَلَا يلْتَفت إِلَى غيبَة الْغَائِب وَكَذَلِكَ لَو كَانَ الطَّالِب بِالدَّمِ وكلهما فَغَاب أَحدهمَا أَلا ترى أَن رجلا لَو أوصى إِلَى رجلَيْنِ فَغَاب أَحدهمَا جعلت الآخر خصما لكل من جَاءَ يدعى قبل الْمَيِّت دَعْوَى فَكَذَلِك الْوكَالَة وَلَيْسَ للْوَكِيل أَن يُوكل غَيره أَلا ترى أَن الَّذِي وَكله إِنَّمَا رَضِي بخصومته فَلَيْسَ لَهُ أَن يُوكل غَيره
أَرَأَيْت لَو وَكله بِطَلَاق أَو عتاق أَكَانَ ذَلِك يجوز فَكَذَلِك الْخُصُومَة وَإِن كَانَ وَكله بِالْخُصُومَةِ وَأَجَازَ مَا صنع فِيهَا من شَيْء فَلهُ أَن يُوكل إِن مرض أَو غَابَ لِأَن صَاحبه قد فوض ذَلِك الْأَمر إِلَيْهِ وَأَجَازَ مَا صنع فِيهِ من شَيْء

(4/542)


- بَاب الْقصاص إِذا كَانَ بعض الْوَرَثَة صَغِيرا وَبَعْضهمْ كَبِيرا
- وَإِذا قتل الرجل رجلا عمدا وَله وَرَثَة صغَار وكبار فان للكبار أَن يقتلُوا بِالدَّمِ وَلَا ينتظرون ورثته الصغار أَرَأَيْت لَو كبر الصَّغِير وَهُوَ أخرس لَا يعقل شَيْئا وَكَانَ فيهم كَبِير معتوه لَا يعقل أَكَانَ ينْتَظر بِهِ وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وفيهَا قَول آخر قَول أبي يُوسُف إِنَّه ينْتَظر بالصغير حَتَّى يكبر وَالْإِمَام وليه إِن شَاءَ صَالح لَهُ وَإِن شَاءَ انْتظر وَلَيْسَ لَهُ أَن يقتل وَلَا يقْتَصّ وَكَذَلِكَ الْمَعْتُوه هُوَ بِمَنْزِلَة الصَّبِي وَهَذَا قَول أبي يُوسُف
وَلَو كَانَ الْأَب أوصى إِلَى رجل كَانَ للْوَصِيّ أَن يَأْخُذ بِحَق الصَّغِير مَعَ الْوَرَثَة الْكِبَار فِي القَوْل الأول وَأَن يقْتَصّ لَهُ وَإِن قطعت يَد الصَّغِير عمدا أَو شج كَانَ للْوَصِيّ أَن يقْتَصّ لَهُ وَإِن شَاءَ صَالح على أرش ذَلِك فان فعل فَهُوَ جَائِز وَلَيْسَ لَهُ أَن يعْفُو وَإِذا قتل عبدا ليتيم عمدا فَلَيْسَ للْوَصِيّ أَن يقْتَصّ لَهُ وَلَو كَانَ لَهُ أَب حَتَّى كَانَ لَهُ أَن يقْتَصّ من عَبده وَيَده وشجته وَله أَن يُصَالح وَلَيْسَ لَهُ أَن يعْفُو فان صَالح على أقل من قِيمَته لم يجز وَكَانَ للصَّغِير أَن يرجع بِتمَام الْقيمَة فان كَانَ وَرَثَة الدَّم كبارًا كلهم وَبَعْضهمْ غيب فَلَيْسَ للشَّاهِد أَن يقْتَصّ حَتَّى يقدم الْغَائِب وَلَيْسَ هَذَا كالصغير فِي قَول أبي حنيفَة وَإِن كَانَ وَرَثَة الدَّم صغَارًا كلهم فَأَرَادَ عمهم أَن يَأْخُذ بِالدَّمِ وَلَيْسَ

(4/543)


بوصي لَهُم فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك لِأَن هَذَا لَا نصيب لَهُ فِي الدَّم وَلَيْسَ بِشريك وَإِذا قتل الرجل وَله ابْن وَأَخ ثمَّ مَاتَ ابْنه قبل أَن يقْتَصّ وَالْقَتْل عمد وَلم يتْرك وَارِثا غير عَمه فان الْمِيرَاث للعم وَله أَن يقْتَصّ فان كَانَ الْعم هُوَ الْقَاتِل فَلم يقْتله الابْن حَتَّى مَاتَ فَصَارَ الْعم وَآخر مَعَه فان الدَّم قد بَطل وَصَارَ على الْعم نصف الدِّيَة لشَرِيكه لِأَنَّهُمَا ورثا بِالدَّمِ من ابْن أخيهما
وَإِذا قتل الرجل عمدا فجَاء أَخُوهُ يطْلب بدمه فَأَقَامَ الْبَيِّنَة أَنه وَارثه لَا وَارِث لَهُ غَيره وَأقَام الْقَاتِل الْبَيِّنَة أَن لَهُ ابْنا فَانِي لَا أعجل لَهُ بقتْله حَتَّى أنظر فِيمَا جَاءَ بِهِ الْقَاتِل من الْبَيِّنَة أَن لَهُ ابْنا فأبلى فِي ذَلِك عذرا حَتَّى أعلم مصداقهما
قَالَ فان أَقَامَ الْقَاتِل الْبَيِّنَة أَن لَهُ ابْنا وَأَنه قد صَالح على الدِّيَة وَقَبضهَا مِنْهُ درأت الْقصاص حَتَّى انْظُر فِيمَا قَالَ فان جَاءَ الابْن فَأنْكر ذَلِك كلفت الْقَاتِل أَن يُقيم على الابْن الْبَيِّنَة وَلَا أُجِيز الْبَيِّنَة الَّتِي قَامَت على الآخ لِأَنَّهُ لم يكن خصما يَوْمئِذٍ فان كَانَا أَخَوَيْنِ فجَاء أَحدهمَا يطْلب بِالدَّمِ فَأَقَامَ الْقَاتِل الْبَيِّنَة أَنه صَالح الْغَائِب على خَمْسَة آلَاف دِرْهَم أجزت ذَلِك وقبلته فان قدم الْغَائِب لم أكلفه أَن يُعِيد الشُّهُود من قبل أَنِّي قد قبلتهم على خصم وَجعلت للْبَاقِي نصف الدِّيَة
وَإِذا ادّعى بعض الْوَرَثَة دم ابيه على رجل وَأَخُوهُ غَائِب واقام الْبَيِّنَة على أَنه قد قتل أَبَاهُ عمدا فَانِي أقبل ذَلِك وأحبس الْقَاتِل فان جَاءَ أَخُوهُ كلفته أَن يُعِيد الشُّهُود لِأَنِّي لَا أُجِيز للْغَائِب بَيِّنَة بِغَيْر وكَالَة وَلَا خُصُومَة وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وفيهَا قَول آخر وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد

(4/544)


إِنِّي لَا أكلفهم أَن يُعِيدُوا الْبَيِّنَة وقبولي من أَخِيه الْبَيِّنَة لَهُ ولأخيه جَمِيعًا أَلا ترى أَنه إِنَّمَا طلب دم الْمَيِّت وإنهما مَا حضر الطّلب دم الْمَيِّت فَهُوَ خصم وَكَيف لَا أجعَل هَذَا خصما فِي الطّلب عَن أَخِيه وَقد جعلته خصما عَن أَخِيه فِي الصُّلْح وَالْعَفو وأجزت ذَلِك على أَخِيه وَهُوَ غَائِب وَالْخَطَأ والعمد فِي ذَلِك سَوَاء وَإِذا حضر الْوَرَثَة جَمِيعًا فَادعوا دم أَبِيهِم على رجلَيْنِ أَحدهمَا غَائِب وَأَقَامُوا جَمِيعًا الْبَيِّنَة عَلَيْهِمَا بِالْقَتْلِ عمدا فَانِي أقبل ذَلِك وأقضي بِالدَّمِ على الشَّاهِد وَلَا أؤخره لغيبة الْغَائِب أَرَأَيْت لَو مَاتَ الْغَائِب أَو فقد فَلم يدر مَا صنع أَكنت ابطل حق هَذَا فِي دم هَذَا لغيبة ذَلِك لست أبْطلهُ وَلَا أوخره وَإِن كنت لَا أَدْرِي لَعَلَّ لذَلِك حجَّة يدر أَيهَا الْقَتْل عَن نَفسه وَعَن صَاحبه لِأَن هَذَا الْحَاضِر يقوم بِتِلْكَ الْحجَج ويدلي بهَا وَلَو أَن أَخَوَيْنِ أَقَامَا شَاهِدين على رجل أَنه قتل أباهما عمدا فقضي القَاضِي بدمه فقتلاه ثمَّ إِن أَحدهمَا قَالَ شهِدت الشُّهُود بالزور وَالْبَاطِل وأبونا حَيّ غرمته نصف الدِّيَة وَلم أصدقه على أَخِيه
وَلَو أَن أَخَوَيْنِ أَقَامَا الْبَيِّنَة على رجل أَنه قتل أباهما عمدا ثمَّ إِن أَحدهمَا قتل الْقَاتِل قبل الْقَضَاء عَلَيْهِ أَو قبل أَن تقوم لَهُ الْبَيِّنَة على ذَلِك فَقَالَ الآخر قد كنت عَفَوْت أَو قَالَ كنت أُرِيد أَن أعفو عَنهُ وَقد صالحته وَلَا بَيِّنَة لَهُ على ذَلِك فانه لَا يصدق على أَخِيه وَلَا شَيْء على أَخِيه وَإِن كَانَ قد أَخذ غير حَقه من قبل الشّركَة فان أَقَامَ وَرَثَة الْمَقْتُول بَيِّنَة

(4/545)


على هَذَا أَنه قد صَالح على كَذَا وَكَذَا قبل أَن يقتل الآخر أجزت ذَلِك وَكَذَلِكَ لَو شهدُوا أَنه قد كَانَ عَفا أجزت ذَلِك وضمنت أَخَاهُ الدِّيَة أَحسب لَهُ من ذَلِك نصف الدِّيَة ناله كَانَ أَخُوهُ قتل بعد علمه بِعَفْو هَذَا أَو صَالحه وَقد علم أَن دم هَذَا قد حرم عَلَيْهِ فان عَلَيْهِ الْقصاص وَله نصف الدِّيَة فِي مَال الْقَاتِل
وَلَو أَن أَخَوَيْنِ أَقَامَا الْبَيِّنَة على رجل أَنه قتل أباهما فقضي لَهما بِالدَّمِ فقاما جَمِيعًا ليقتلاه فقطعا يَده أَو رجله ثمَّ عفوا عَن الدَّم ضمنتهما مَا قطعا فِي قَول أبي حنيفَة وفيهَا قَول آخر وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد إنَّهُمَا لَا يضمنَانِ ذَلِك من قبل أَنه كَانَ لَهما نَفسه وَلَو لم يعفوا وقتلا لم يكن عَلَيْهِمَا شَيْء فِي ذَلِك غير أَنَّهُمَا قد أساءا فِي الْمثلَة وَلَيْسَ يَنْبَغِي للْحَاكِم أَن يدعهما أَن يمثلا بِهِ وَقد جَاءَ النَّهْي عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْمثلَة
- بَاب رُجُوع الشُّهُود عَن شَهَادَتهم فِي الْقَتْل
- وَإِذا شهد شَاهِدَانِ على رجل أَنه قتل رجلا عمدا فَقتل بِشَهَادَتِهِمَا ثمَّ رَجَعَ أَحدهمَا فانه يضمن نصف الدِّيَة فِي مَاله فِي ثَلَاث وَلَو رجعا

(4/546)


جَمِيعًا ضمنا الدِّيَة فِي ثَلَاث سِنِين فِي أموالهما وكل دِيَة أَو جبتها بِغَيْر صلح فَهِيَ فِي ثَلَاث سِنِين أَلا ترى أَن رجلَيْنِ لَو أقرا بقتل رجل خطأ ثمَّ هرب أَحدهمَا أَو جحد الْإِقْرَار وَلم يكن عَلَيْهِمَا بَيِّنَة وَالْآخر مقرّ بذلك أخذت من الآخر نصف الدِّيَة فِي ثَلَاث سِنِين
وَلَو رَجَعَ الشَّاهِدَانِ عَن شَهَادَتهمَا بِالْقَتْلِ قبل أَن يقْتَصّ مِنْهُ استحسنت أَن أدرأ عَنهُ الْقصاص وَإِن كَانَ القَاضِي قد قضي بِالدَّمِ كَانَ يَنْبَغِي فِي الْقيَاس أَن يقتل لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة المَال وَلَو رَجَعَ الشَّاهِدَانِ بعد مَا اقْتصّ وَرجع الَّذِي اقْتصّ أَيْضا وأقروا جَمِيعًا بِأَنَّهُ لم يقتل كَانَ لولى الْمُقْتَص مِنْهُ أَن يَأْخُذ الدِّيَة إِن شَاءَ من الشَّاهِدين وَإِن شَاءَ من الْقَاتِل فَمن أَيهمْ مَا أَخذ لم يرجع على صَاحبه بِشَيْء فِي قَول أبي حنيفَة وفيهَا قَول آخر قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد أَنه إِن أَخذهَا من الشَّاهِدين رجعا على الْقَاتِل وَإِن اخذها من الْقَاتِل لم يرجع على الشَّاهِدين وَلَو لم يرجع الشَّاهِدَانِ وَقَامَت عَلَيْهِمَا الْبَيِّنَة بِأَنَّهُمَا قد رجعا لم يلْتَفت إِلَى الْبَيِّنَة عَلَيْهِمَا بذلك إِن أنكرا ذَلِك وَلَو رَجَعَ الشَّاهِدَانِ فَقَالَ الْقَاتِل أَنا أجيء بِشَاهِدين غير هذَيْن الشَّاهِدين يَشْهَدَانِ على هَذَا وَقد قتل الْقَتِيل لم ألتفت إِلَى ذَلِك وَلَا سَبِيل على الْقَاتِل وَلَيْسَ عَلَيْهِ بَيِّنَة وَغرم هذَيْن الدِّيَة وَلَا ينفع هذَيْن شَهَادَة من شهد لَهما بعد أَن يرجعا هما

(4/547)


وَإِذا شهد أحد شَاهِدي الدَّم اللَّذين شهد هُوَ وَآخر على صَاحبه أَنه كَانَ محدودا فِي قذف أَو عبدا فشهادتهما جَائِزَة وَلَيْسَ عَلَيْهِ وَلَا على صَاحبه شَيْء من قبل أَن هَذَا لَيْسَ بِرُجُوع عَن الشَّهَادَة وَلَو شهد هُوَ وآخران صَاحبه عبد لفُلَان وَفُلَان يَدعِي ذَلِك قضيت بِهِ لفُلَان وغرمت الْقَاتِل الدِّيَة من قبل أَن أحد الشَّاهِدين قد انتقضت شَهَادَته وَإِذا شهد شَاهِدَانِ على دم فاقتص مِنْهُ ثمَّ إنَّهُمَا قَالَا أَخْطَأنَا إِنَّمَا الْقَاتِل هَذَا لغيره فانهما لَا يصدقان على هَذَا الثَّانِي وعَلى الشَّاهِدين الدِّيَة بلغنَا نَحْو من ذَلِك عَن عَليّ بن أبي طَالب وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَإِذا شهد ثَلَاثَة على دم فَقتل ثمَّ رَجَعَ أحدهم فَلَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قد بَقِي اثْنَان من الشُّهُود فان رَجَعَ آخر كَانَ على الراجعين نصف الدِّيَة لِأَنَّهُ قد بَقِي نصف الشَّهَادَة الَّتِي بهَا الْقصاص وَإِذا شهد رجلَانِ وَامْرَأَتَانِ على دم خطأ فقضي بِالدِّيَةِ ثمَّ رَجَعَ رجل وَامْرَأَة كَانَ عَلَيْهِمَا ربع الدِّيَة لِأَنَّهُ قد بَقِي ثَلَاثَة أَربَاع الشَّهَادَة لِأَن شَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ فِي شَهَادَة الْخَطَأ جَائِزَة فان رجعت امْرَأَة أُخْرَى فعلى الْمَرْأَتَيْنِ وَالرجل الَّذِي رَجَعَ نصف الدِّيَة على الرجل من ذَلِك النّصْف وعَلى الْمَرْأَتَيْنِ النّصْف وَلَو رجعُوا جَمِيعًا كَانَ على كل

(4/548)


رجل من ذَلِك النّصْف وعَلى الْمَرْأَتَيْنِ النّصْف وَلَو رجعُوا جَمِيعًا كَانَ على كل رجل ثلث الدِّيَة وعَلى الْمَرْأَتَيْنِ الثُّلُث وَلَو شهد شَاهِدَانِ على قطع يَد فاقتص مِنْهُ ثمَّ رجعا عَن شَهَادَتهمَا فان عَلَيْهِمَا دِيَة الْيَد فِي أموالهما فِي سنتَيْن الثُّلُثَانِ من ذَلِك فِي سنة وَالثلث فِي السّنة الْأُخْرَى وَلَو شَهدا بالشجة أَو بِشَيْء يبلغ ثلث الدِّيَة ثمَّ رجعا عَن ذَلِك كَانَ أرش ذَلِك عَلَيْهِمَا فِي أموالهما فِي سنة فان رَجَعَ أَحدهمَا وَبَقِي الآخر كَانَ عَلَيْهِ نصف ذَلِك وَإِن رَجَعَ أَحدهمَا فِي الْيَد كَانَ عَلَيْهِ نصف دِيَة الْيَد فِي مَاله فِي سنتَيْن الثُّلُثَانِ من ذَلِك فِي سنة وَالثلث الْبَاقِي فِي السّنة الْأُخْرَى وَإِذا شهد شَاهِدَانِ على دم على رجلَيْنِ فقتلا بِشَهَادَتِهِمَا ثمَّ رَجَعَ أَحدهمَا عَن الشَّهَادَة فِي أحد الرجلَيْن فانه يضمن نصف دِيَة الرجل فِي ثَلَاث سِنِين وَلَا يضمن من دِيَة الآخر شَيْئا لِأَنَّهُ لم يرجع عَن شَهَادَته فِيهِ وَلَو رجعا عَن شَهَادَتهمَا فيهمَا جَمِيعًا ضمن كل وَاحِد مِنْهُمَا نصف دِيَة كل وَاحِد مِنْهُمَا وَلَو لم يرجعا وَادّعى عَلَيْهِ أَوْلِيَاء الْمُقْتَص مِنْهُ أَنه قد رَجَعَ وسألوا القَاضِي أَن يستحلفه فانه لَيْسَ عَلَيْهِ أَن يستحلفه أَلا ترى إِنَّه لَو أَتَى بِشُهُود عَلَيْهِ بِالرُّجُوعِ لم أقبل ذَلِك مِنْهُ فَكيف أستحلفه وَلست أقبل عَلَيْهِ الْبَيِّنَة
وَلَو شهد شَاهِدَانِ على دم ثمَّ رجعا عَن شَهَادَتهمَا فضمنا الدِّيَة وعَلى الْمَيِّت دين فان الدِّيَة فِي دين الْمَيِّت هم أَحَق بهَا من الْوَرَثَة

(4/549)


وَلَو شهد شَاهِدَانِ على دم وَلَهُمَا على الْمَيِّت دين أجزت شَهَادَتهمَا فان رجعا بعد ذَلِك عَن شَهَادَتهمَا فهما ضامنان للدية ويقبضان دينهما من الثُّلُث الأول فان كَانَ على الْمَيِّت دين سوى ذَلِك حاصهم فِيهِ
وَإِذا رَجَعَ أحد الشَّاهِدين عَن شَهَادَته عِنْد القَاضِي ثمَّ مَاتَ فَنصف الدِّيَة فِي مَاله حَال لَيْسَ لَهُ أجل من قبل أَنِّي لَا أَسْتَطِيع قسْمَة الْمِيرَاث وَلَا أقسمه وَعَلِيهِ دين أَلا ترى أَنه لَو كَانَ دين تحاصوا فان رَجَعَ فِي مَرضه وَلَيْسَ عَلَيْهِ دين ثمَّ مَاتَ بُدِئَ بِنصْف الدِّيَة من الْمِيرَاث فان كَانَ عَلَيْهِ دين فِي صِحَّته بُدِئَ بِالدّينِ الَّذِي كَانَ فِي صِحَّته وَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَة الدّين الَّذِي يقر بِهِ فِي مَرضه
- بَاب جِنَايَة الصَّبِي الْحر وَالْمَعْتُوه والمغلوب
-
وَإِذا جنى الصَّبِي جِنَايَة عمدا أَو خطأ فَهُوَ سَوَاء عمد الصَّبِي وَخَطأَهُ سَوَاء وَكَذَلِكَ الْمَعْتُوه وَأرش ذَلِك على الْعَاقِلَة إِذا بلغ خَمْسمِائَة دِرْهَم فَصَاعِدا بلغنَا ذَلِك عَن على رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا معتوها سعى على رجل بِالسَّيْفِ فَضَربهُ فَجعله على عَاقِلَته وَقَالَ خطأه وعمده سَوَاء وَإِذا أَمر الصَّبِي الصَّبِي فَقتل إنْسَانا فانما الدِّيَة على عَاقِلَة الْقَاتِل وَلَيْسَ على الْآمِر شَيْء من قبل أَن كَلَامه لَا يجوز على نَفسه وَلَو أَن رجلا أَمر صَبيا فَقتل إنْسَانا كَانَت دِيَة الْمَقْتُول على عَاقِلَة الصَّبِي وَيرجع بذلك عَاقِلَة الصَّبِي على عَاقِلَة الْآمِر من قبل أَن قَول الرجل

(4/550)


يجوز وَينفذ على نَفسه وَإِذا أعْطى الرجل الصَّبِي حَدِيدَة أَو عَصا أَو سِلَاحا يمسِكهُ لَهُ وَلم يَأْمُرهُ بِشَيْء فَعَطب الصَّبِي بذلك فان الرجل ضَامِن لما أصَاب الصَّبِي من ذَلِك على عَاقِلَة الرجل لِأَنَّهُ من فعله وَإِن قتل الصَّبِي نَفسه بذلك أَو قتل بِهِ رجلا لم يضمن الرجل الَّذِي دفع إِلَيْهِ من ذَلِك شَيْئا لِأَن الصَّبِي أحدث عملا فِي ذَلِك وَلم يَأْمُرهُ بِهِ الرجل وَإِذا اغتصب الرجل الْحر الصَّبِي فَذهب بِهِ فَهُوَ ضَامِن لَهُ إِن قتل أَو أَصَابَهُ حجر أَو جرح فان مَاتَ ميتَة نَفسه لم يضمن إِنَّمَا يضمن إِذا أَصَابَته جِنَايَة أَو أكله سبع أَو تردى من حَائِط أَو جبل فان لم يصبهُ شَيْء من ذَلِك وأصابته حمى أَو خراج أَو مرض فَمَاتَ مِنْهُ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِي ذَلِك لِأَن هَذَا مرض وَذَلِكَ جِنَايَة وَإِذا قتل الصَّبِي رجلا قد اغتصبه رجل لم يكن على الَّذِي اغتصبه من ذَلِك شَيْء لِأَنَّهُ لم يَأْمُرهُ بذلك وَكَذَلِكَ الْمَعْتُوه وَإِذا حمل الرجل الصَّبِي الْحر على دَابَّة فَقَالَ لَهُ أمْسكهَا وَلَيْسَ مِنْهُ بسبيل فَسقط عَن الدَّابَّة فَمَاتَ الرجل ضَامِن لديته على عَاقِلَته وَإِن كَانَ الصَّبِي مثله يركب أَولا يركب فَهُوَ سَوَاء
وَإِن سَار الصَّبِي فأوطأ إنْسَانا فَقتله وَهُوَ يسير على الدَّابَّة مستمسك عَلَيْهَا فديَة ذَلِك على عَاقِلَة الصَّبِي من قبل أَنه أحدث السّير وَلم يَأْمُرهُ بِهِ الرجل

(4/551)


وَإِذا وَقع الصَّبِي من الدَّابَّة وَهُوَ يسيرعليها فَمَاتَ فَهُوَ ضَامِن لديته على عَاقِلَته من قبل أَنه أَخذه فَحَمله فَهُوَ ضَامِن لما أَصَابَهُ مالم يمت حتف أَنفه وَإِن كَانَ مِمَّن لَا يقدر أَن يسير على الدَّابَّة لصغره وَلَا يسْتَمْسك عَلَيْهَا فَأَخذه الرجل فَحَمله عَلَيْهَا فسارت الدَّابَّة فوطئت إنْسَانا فَمَاتَ فَلَا ضَمَان على عَاقِلَة الصَّبِي من قبل أَن مثله لَا يركب الدَّابَّة وَلَا يصرفهَا وَلَا ضَمَان على الرجل من قبل أَنه لَيْسَ بقائد وَلَا سائق وَإِذا حمل الرجل مَعَه الصَّبِي على الدَّابَّة وَمثله لَا يصرف الدَّابَّة وَلَا يسْتَمْسك عَلَيْهَا فوطئت الدَّابَّة إنْسَانا فَهُوَ على الرجل وَإِن مَاتَ وَهلك الْإِنْسَان فعلى عَاقِلَته وَعَلِيهِ الْكَفَّارَة وَكَذَلِكَ إِن وطِئت بيد أَو رجل فَلَا شَيْء على الصَّبِي وَإِن كدمت فَالضَّمَان على عَاقِلَة الرجل وَلَا ضَمَان على الصَّبِي فِيهِ وَإِن نفحت برجلها وَهِي تسير أَو ضربت بذنبها وَهِي تسير فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي ذَلِك على الرجل وَلَا على الصَّبِي وَإِذا حمل الرجل مَعَه صَبيا مثله يصرف الدَّابَّة ويسير عَلَيْهَا فَمَا أَصَابَت الدَّابَّة فَهُوَ على عاقلتهما جَمِيعًا وَلَا يرجع عَاقِلَة الصَّبِي على عَاقِلَة الرجل بِشَيْء من أَنه لم يَأْمُرهُ بِالْجِنَايَةِ وَإِذا حمل الرجل الصَّبِي وَالرجل عبد فَوَقع الصَّبِي عَن الدَّابَّة فَمَاتَ فديته فِي عنق العَبْد الَّذِي حمله يَدْفَعهُ مَوْلَاهُ بهَا أَو يفْدِيه وَإِن كَانَ العَبْد مَعَه على الدَّابَّة فسارا جَمِيعًا على الدَّابَّة فأوطئا إنْسَانا فَمَاتَ فعلى عَاقِلَة الصَّبِي نصف الدِّيَة فِي عنق العَبْد وَالنّصف الآخر يَدْفَعهُ مَوْلَاهُ

(4/552)


وَإِذا حمل الرجل الْحر الْكَبِير العَبْد الصَّغِير على الدَّابَّة وَمثله يصرفهَا ويستمسك عَلَيْهَا ثمَّ أمره أَن يسير عَلَيْهَا فأوطأ إنْسَانا فان ذَلِك فِي عنق العَبْد يَدْفَعهُ مَوْلَاهُ أَو يفْدِيه وَيرجع مولى العَبْد على الْحر الَّذِي حمله بِقِيمَتِه لِأَن العَبْد مَال فَلَمَّا حمله الْحر صَار ضَامِنا لَهُ وَلما يحدث فِيهِ حَتَّى يخلصه أَلا ترى أَن من اغتصب عبدا صَغِيرا فجنى جِنَايَة عِنْده ثمَّ ظفر بِهِ الْمولى قيل لَهُ ادفعه أَو افده فَيكون على الْغَاصِب الْأَقَل من قِيمَته وَمن الْجِنَايَة وَلَيْسَ يكون هَكَذَا فِي الْحر
وَإِذا حمل الرجل الحرلا العَبْد وَالْعَبْد صَغِير على دَابَّة وَمثله لَا يصرف الدَّابَّة وَلَا يسير عَلَيْهَا فأوطأت إنْسَانا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَلَا على الَّذِي حمله وَإِن كَانَت الدَّابَّة واقفة وَحَيْثُ أوقفها الْحر لم تسر حَتَّى ضربت رجلا بِيَدِهَا أَو رجلهَا أَو ذنبها أَو كدمته فَمَاتَ فَلَا ضَمَان على الصَّبِي فِيهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الثَّوْب عَلَيْهِ والبهيمة وَالضَّمان على الَّذِي أوقفها على عَاقِلَته إِذا كَانَ أوقفها فِي غير ملكه فان كَانَ أوقفها فِي ملكه فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ
- بَاب جِنَايَة الرَّاكِب
- وَإِذا سَار الرجل على الداية أَي الدَّوَابّ كَانَت فِي طَرِيق الْمُسلمين فأوطأ إنْسَانا بيد أَو رجل وَهِي تسير فَقتله فَهُوَ ضَامِن على عَاقِلَته بِالدِّيَةِ وَعَلِيهِ الْكَفَّارَة وَهَذَا بِمَنْزِلَة الْجِنَايَة بيد الرجل فان نفحت برجلها

(4/553)


فقتلت وَهِي تسير فَلَا ضَمَان على صَاحبهَا بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ الرجل جَبَّار فَوَضَعْنَا ذَلِك عَن النفحة وَهِي تسير

(4/554)


وَكَذَلِكَ الذَّنب عندنَا وَإِن كدمت إنْسَانا فَهُوَ ضَامِن وَإِن ضربت بحافرها حَصَاة أَو نواة أَو حجرا أَو شبه ذَلِك فأصابت إنْسَانا وَهِي تسير فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَهَذَا عندنَا بِمَنْزِلَة التُّرَاب وَالْغُبَار إِلَّا أَن يكون حجرا كَبِيرا فَيضمن وَلَو راثت أَو بَالَتْ فِي الْمسير فَعَطب إِنْسَان بذلك لم يكن عَلَيْهِ ضَمَان وَكَذَلِكَ اللعاب يخرج من فِيهَا

(4/556)


وَلَو وَقع سرجها أَو لجامها أَو شَيْء يحملهُ عَلَيْهَا من أداتها اَوْ مَتَاع الرجل الَّذِي مَعَه يحملهُ بِهِ فَأصَاب إنْسَانا وَهِي تسير فَمَاتَ كَانَ ضَامِنا وَمن عطب بِهِ بعد مَا كَانَ وَقع إِلَى الأَرْض عثر بِهِ أَو تعقل بِهِ فَهُوَ ضَامِن أَيْضا والراكب والمرتدف والسائق والقائد فِي الضَّمَان سَوَاء بلغنَا ذَلِك عَن شُرَيْح وَلَا كَفَّارَة على السَّائِق وَلَا على الْقَائِد فِيمَا وطِئت ليسَا يشبهان الرَّاكِب فِي ذَلِك والمرتدف وَإِذا أوقف الرجل دَابَّته فِي طَرِيق الْمُسلمين أَو فِي دَار لَا يملكهَا بِغَيْر إِذن أَهلهَا فَمَا أَصَابَت بيد أَو رجل من نفحة أَو غَيرهَا بذنب أَو كدمت فَهُوَ ضَامِن لذَلِك على عَاقِلَته وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ لِأَن هَذَا لَيْسَ كالجناية مِنْهُ وكل شَيْء جعلنَا فِيهِ الضَّمَان فِي الَّذِي يسير فان هَذَا لَهُ ضَامِن لِأَنَّهُ أوقف فِيمَا لَا يملك وَحَيْثُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يُوقف وَصَاحب الْمسير لَهُ أَن يسير فِي طَرِيق الْمُسلمين وَلَيْسَ لَهُ أَن يُوقف وَإِذا أرسل الرجل دَابَّته فِي طَرِيق الْمُسلمين فَمَا أَصَابَت فِي وَجههَا ذَلِك فَهُوَ ضَامِن كَمَا يضمن الَّذِي سَار وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ وَإِن عطفت يَمِينا أَو شمالا فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ لِأَنَّهَا قد تَغَيَّرت عَن حَالهَا إِلَّا أَن يكون لَهَا طَرِيق غير الَّذِي أخذت فِيهِ فَيكون ضَامِنا لذَلِك على حَاله

(4/557)


وَإِن وقفت ثمَّ سَارَتْ فقد خرج من الضَّمَان فان ردهَا وراد فَالَّذِي ردهَا ضَامِن لما أَصَابَت فِي فورها ذَلِك وَإِذا خلى عَنْهَا فأوقفها فسارت هِيَ بِنَفسِهَا فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَإِذا اصطدم الفارسان فَقتل كل وَاحِد مِنْهُمَا صَاحبه فديَة كل وَاحِد مِنْهُمَا على صَاحبه بلغنَا عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ ذَلِك وَكَذَلِكَ الرّجلَانِ يصطدمان فان كَانَ أَحدهمَا حرا وَالْآخر عبدا فقيمة العَبْد على عَاقِلَة الْحر ثمَّ يَأْخُذهَا وَرَثَة الْحر وَلَا شَيْء لمَوْلَاهُ
وَإِذا أوقف الرجل دَابَّته فِي ملكه فَمَا أَصَابَت بيد أَو رجل فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيهِ من قبل أَن لَهُ أَن يوقفها فِي ملكه وَإِن كَانَ الْملك لَهُ وَلغيره فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيهِ أَيْضا من قبل الَّذِي لَهُ فِي ذَلِك وَإِن كَانَ قَلِيلا وَلَو ضمنته فِي هَذَا لحلت بَينه وَبَين أَن يقْعد فِيهَا أَو يتَوَضَّأ فِيهَا أَرَأَيْت لَو عطب إِنْسَان بوضوئه فِيهَا أَو بِهِ إِن كَانَ قَاعِدا هَل كنت أضمنه لست أضمنه فِي شَيْء من ذَلِك فَكَذَلِك الدَّابَّة

(4/558)


وَإِذا سَار الرجل على دَابَّته فضربها أَو كبحها باللجام فَضربت برجلها أَو بذنبها لم يكن عَلَيْهِ شَيْء وَلَو خبطت بيد أَو رجل أَو كدمت أَو صدمت إنْسَانا فَقتلته كَانَ على عَاقِلَته فِي ذَلِك الضَّمَان لِأَنَّهُ رَاكب وَإِن كَانَ لَا يملكهَا وَلَو سقط مِنْهَا ثمَّ ذهبت على وَجههَا حَتَّى أَصَابَت إنْسَانا فَقتله لم يكن عَلَيْهِ الضَّمَان لِأَنَّهُ غير رَاكب وَلَا قَائِد وَلَا سائق وَهِي الْآن منفلتة جرحها جَبَّار لِأَنَّهَا عجماء بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه قَالَ العجماء جَبَّار والعجماء هِيَ المنفلتة عندنَا
- بَاب الناخس
- قَالَ مُحَمَّد وَإِذا سَار الرجل على دَابَّة فِي الطَّرِيق فنخسها رجل أَو ضربهَا فنفحت رجلا فَقتلته كَانَ ذَلِك على الناخس دون الرَّاكِب بلغنَا ذَلِك عَن عبد الله بن مَسْعُود وَعمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنْهُمَا

(4/559)


وَإِذا نفحت الناخس كَانَ دَمه هدر وَلَو أَلْقَت صَاحبهَا الَّذِي عَلَيْهَا من تِلْكَ النخسة فَقتلته كَانَ الناخس ضَامِنا للدية على عَاقِلَته وَلَو وَثَبت بنخسته على رجل فَقتلته أَو وطِئت رجلا فَقتلته كَانَ ذَلِك على الناخس دون الرَّاكِب والواقف فِي ذَلِك وَالَّذِي يسير سَوَاء وَلَو نخسها باذن الرَّاكِب وَأمره كَانَ هَذَا بِمَنْزِلَة فعل الرَّاكِب وَإِن نفحت وَهِي تسير لم يكن عَلَيْهِ ضَمَان كَأَن الرَّاكِب هُوَ الَّذِي نخسها فان وطِئت رجلا فِي مسيرها وَقد نخسها هَذَا باذن الرَّاكِب وَأمره كَانَت الدِّيَة عَلَيْهِمَا جَمِيعًا إِذا كَانَت فِي فورها الَّذِي نخسها فِيهِ لِأَنَّهُمَا الْآن رَاكب وسائق فان سَارَتْ سَاعَة وَتركهَا من السُّوق فأوطأت إنْسَانا فَهُوَ على الرَّاكِب دون الناخس وَلَا يكون على الناخس شَيْء حَتَّى يعلم أَن الَّذِي أَصَابَت كَانَ فِي فورها الَّذِي نخسها فِيهِ
وَإِذا نخس الرجل الدَّابَّة وَلها سائق بِغَيْر إِذن السَّائِق فنفحت رجلا فَقتلته فالناخس ضَامِن وَكَذَلِكَ لَو كَانَ لَهَا قَائِد كَانَ على الناخس الضَّمَان دونهمَا فان كَانَ وَاحِد مِنْهُمَا أمره بذلك فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَلَا على وَاحِد مِنْهُمَا من قبل أَن الناخس الْآن سائق حِين سَاق باذن صَاحب الدَّابَّة ونفحتها جَبَّار
وَإِذا قاد الرجل الدَّابَّة فنخسها رجل آخر فانفلتت من الْقَائِد ثمَّ أَصَابَت من فورها ذَلِك فَمَا اصابت فِي فورها ذَلِك فَهُوَ على الناخس

(4/560)


وَإِذا نخس الرجل الدَّابَّة وَعَلَيْهَا رَاكب فَوَثَبت بِهِ فَأَلْقَت الرَّاكِب فالناخس ضَامِن وَإِن جمحت فَوَثَبت وَلم تلقه حَتَّى أوطأت إنْسَانا فالناخس ضَامِن لما أوطأت فِي فورها ذَلِك أَلا ترى أَنه يضمن الرَّاكِب فَكَذَلِك يضمن مَا أصَاب الدَّابَّة وَإِذا كَانَ الناخس عبدا فَمَا اصابت الدَّابَّة فَهُوَ فِي رقبته يَدْفَعهُ مَوْلَاهُ أَو يفْدِيه وَإِذا كَانَ الناخس صَبيا حرا فَهُوَ فِي ذَلِك وَالرجل سَوَاء وَإِذا مرت الدَّابَّة بِشَيْء قد نصب فِي الطَّرِيق ذَلِك الشَّيْء فنفت إنْسَانا قتلته فَهُوَ على الَّذِي نصب ذَلِك
وَإِذا كَانَ الرجل يسير فِي الطَّرِيق فَأمر عبدا لغيره فنخسها فنفحت فَلَا ضَمَان على وَاحِد مِنْهُمَا وَإِن وطِئت فِي فورها ذَلِك الَّذِي نخسها فِيهِ إنْسَانا فَقتلته فعلى عَاقِلَة الرَّاكِب نصف الدِّيَة وَفِي عنق العَبْد نصف الدِّيَة يَدْفَعهُ مَوْلَاهُ بهَا أَو يفْدِيه وَيرجع الْمولى بِقِيمَة عَبده على الَّذِي أمره بالنخس وَكَذَلِكَ لَو أمره بِالسوقِ أَو بِقُوَّة الدَّابَّة وَإِن كَانَ الرَّاكِب عبدا فَأمر هَذَا العَبْد عبدا آخر فساق دَابَّته 15 فأوطأت إنْسَانا فَمَاتَ فَالدِّيَة فِي أعناقهما نِصْفَيْنِ يدفعان بهَا أَو يفديان وَلَا شَيْء على الرَّاكِب مِمَّا أَمر بِهِ بثإذا كَانَ مَحْجُورا عَلَيْهِ ءحتى يعْتق فَيكون عَلَيْهِ قيمَة العَبْد العَبْد الَّذِي أمره بِالسوقِ وَإِذا كَانَ عبدا تَاجِرًا فَهُوَ دين عَلَيْهِ فِي عُنُقه وَهُوَ عبد وَكَذَلِكَ إِن كَانَ مكَاتبا فَهُوَ دين فِي عُنُقه يسْعَى فِيهِ وَإِذا قاد الرجل قطارا فِي طَرِيق الْمُسلمين فَمَا أوطأ أَو القطار

(4/561)


أَو آخِره بيد أَو رجل أَو صدم بعض الْإِبِل إنْسَانا فَمَاتَ فالقائد ضَامِن وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ وَإِن كَانَ مَعَه سائق فَالضَّمَان عَلَيْهِمَا وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِمَا وَإِن كَانَ مَعَهُمَا سائق الْإِبِل وسط القطار فَمَا أصَاب مِمَّا خلف هَذَا السَّائِق وَمَا بَين يَدَيْهِ من شَيْء فَهُوَ عَلَيْهِم أَثلَاثًا لنه قَائِد وسائق وَإِن كَانَ يكون أَحْيَانًا وَسطهَا وَأَحْيَانا يتَأَخَّر وَأَحْيَانا يتَقَدَّم وَهُوَ يَسُوقهَا فِي ذَلِك فَهُوَ بِمَنْزِلَة السَّائِق وَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِي نفحة الرجل والذنب وَلَو أَن رجلا كَانَ رَاكِبًا على بعير وسط القطار وَلَا يَسُوق مِنْهَا شَيْئا لم يضمن شَيْئا مِمَّا تصيب الْإِبِل الَّتِي بَين يَدَيْهِ وَهُوَ مَعَهم فِي الضَّمَان فِي الَّذِي أصَاب الْبَعِير الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ وَالْإِبِل الَّتِي خَلفه لِأَنَّهُ قَائِد لَهَا وَعَلِيهِ الْكَفَّارَة إِذا أصَاب الْبَعِير الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ قَاتل بِيَدِهِ وَإِذا أَتَى الرجل بِبَعِير فربطه إِلَى القطار والقائد لَا يعلم وَلَيْسَ مَعهَا سائق فَأصَاب ذَلِك الْبَعِير إنْسَانا ضمن الْقَائِد وَيرجع الْقَائِد على الَّذِي ربط الْبَعِير بذلك الضَّمَان وَلَو سقط شَيْء مِمَّا يحمل الْإِبِل على الْإِنْسَان فَقتله أَو سقط فِي الطَّرِيق فعثر بِهِ إِنْسَان فَمَاتَ كَانَ الضَّمَان فِي ذَلِك على الَّذِي يَقُود الْإِبِل وَإِذا كَانَ مَعَه سائق فعلَيْهِمَا جَمِيعًا وَإِذا سَار الرجل على دَابَّته فِي الطَّرِيق فَعَثَرَتْ بِحجر وَضعه رجل أَو بدكان بناه رجل أَو بِمَاء صبه فَوَقَعت على إِنْسَان فَمَاتَ فَالضَّمَان على الَّذِي وضع الْحجر وَبني الدّكان وصب المَاء وَلَا ضَمَان على الرَّاكِب هُوَ هَاهُنَا بِمَنْزِلَة الْمَدْفُوع

(4/562)


وَإِذا سَار الرجل على دَابَّته فِي ملكه فأوطأت إنْسَانا بيد أَو رجل فَقتلته فَعَلَيهِ الدِّيَة وَالْكَفَّارَة كَأَنَّهُ قتل بِيَدِهِ وَإِن كَانَ سائقا أَو قائدا فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي ذَلِك وَلَا كَفَّارَة وَكَذَلِكَ لَو أوقفها فِي ملكه ثمَّ أَصَابَت إنْسَانا فَقتلته فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَلَا فِيمَا كدمت وَهِي فِي ملكه إِن كَانَ دَاخِلا من أَهله أَو غَرِيبا دَاخِلا باذن أَو بِغَيْر إِذن سَوَاء لَا ضَمَان عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْكَلْب الْعَقُور بِمَنْزِلَة الدَّابَّة إِذا كَانَ فِي الدَّار مخلى عَنهُ أَو مربوطا فَهُوَ سَوَاء وَإِذا دخل الرجل دَار قوم باذنهم أَو بِغَيْر إذْنهمْ فعقر كلبهم فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَإِذا أوقف الرجل الدَّابَّة فِي الطَّرِيق مربوطة أَو غير مربوطة فَمَا أَصَابَت بيد أَو رجل أَو كدمت أَو بذنب فَهُوَ لَهُ ضَامِن والنفحة فِي ذَلِك والخبطة سَوَاء فان سَارَتْ عَن ذَلِك الْمَكَان الَّذِي أوقفها فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيمَا أَصَابَت لِأَنَّهَا قد تَغَيَّرت عَن حَالهَا وَصَارَت بِمَنْزِلَة المنفلتة وَإِن كَانَت مربوطة فجالت فِي رباطها من غير أَن يحلهَا أحد

(4/563)


فَمَا أَصَابَت فَهُوَ على الَّذِي ربطها وَلَا يبطل الضَّمَان تغيرها عَن حَالهَا بعد أَن يكون الرِّبَاط كَمَا هُوَ وَكَذَلِكَ كل بَهِيمَة من سبع أَو غَيره أوقفهُ رجل على الطَّرِيق وَكَذَلِكَ الْهَوَام مَا طرح رجل مِنْهَا على الطَّرِيق فَهُوَ ضَامِن لما اصاب حَتَّى يتَغَيَّر عَن حَاله وَكَذَلِكَ لَو طرح بعض الْهَوَام على رجل فلدغته ذَلِك فَهُوَ ضَامِن لذَلِك
- بَاب مَا يحدث الرجل فِي الطَّرِيق
- وَإِذا وضع الرجل فِي الطَّرِيق حجرا أَو بنى فِيهِ بِنَاء أَو أخرج من حَائِطه جذعا أَو صَخْرَة شاخصة فِي الطَّرِيق أَو أشرع كنيفا أَو جنَاحا أَو ميزابا أَو ظلة أَو وضع فِي الطَّرِيق جذعا فَهُوَ ضَامِن لما أصَاب ذَلِك كُله يكون الضَّمَان فِي ذَلِك على عَاقِلَته إِذا كَانَت فِي نفس أَو جِرَاحَة فِي بني آدم وَمَا كَانَ سوى ذَلِك فَهُوَ فِي مَاله وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ

(4/564)


وَلَا يحرمه ذَلِك الْمِيرَاث لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَاتِل
فان عثر رجل بذلك فَوَقع على رجل فماتا جَمِيعًا فَالضَّمَان فِي ذَلِك على الأول الْمُحدث فِي الطَّرِيق مَا أحدث وَلَا ضَمَان على الَّذِي عثر بِهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الْمَدْفُوع
وَإِذا نحى الرجل شَيْئا من ذَلِك عَن مَوْضِعه فَعَطب بِهِ أحد فَالضَّمَان على الَّذِي نحى وَقد خرج الأول من الضَّمَان وَلَو ألقِي رجل فِي الطَّرِيق تُرَابا كَانَ بِمَنْزِلَة الْحجر والخشبة والطين
وَلَو أَن رجلا كنس الطَّرِيق لم يكن عَلَيْهِ فِي ذَلِك ضَمَان إِن عطب بِموضع كنسه أحد وَلَو أَن رجلا رش الطَّرِيق فَعَطب إِنْسَان بِموضع رشه كَانَ ضَامِنا لَهُ على عَاقِلَته وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْوضُوء وَإِذا أشرع الرجل جنَاحا على الطَّرِيق الْأَعْظَم ثمَّ بَاعَ الدَّار فَأصَاب الْجنَاح رجلا فَقتله فَالضَّمَان على الأول وَلَا ضَمَان على المُشْتَرِي لِأَنَّهُ لم يحدث شَيْئا إِنَّمَا الضَّمَان على الَّذِي أحدث وَكَذَلِكَ الْمِيزَاب وَلَو سقط الْمِيزَاب فَأصَاب مِنْهُ مَا كَانَ فِي الحائظ فَقتل فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيهِ لِأَن مَا كَانَ فِي الْحَائِط فِي ملك الرجل
فان اصاب مَا خرج مِنْهُ من الْحَائِط فَالضَّمَان على البَائِع الأول وَإِن لم يعلم أَي ذَلِك أصَاب فَيَنْبَغِي فِي الْقيَاس أَن يبطل وَلَكنَّا نَدع الْقيَاس ونضمنه النّصْف

(4/565)


وَإِذا أخرج رب الدَّار الْجنَاح أَو الظلة فاستأجر على ذَلِك إنْسَانا أشرعه لَهُ من العملة فاصاب إنْسَانا فَقتله فَلَا ضَمَان على العملة إِذا أصَاب بعد فراغهم مِنْهُ وَإِنَّمَا الضَّمَان على رب الدَّار الَّذِي استأجرهم نَدع الْقيَاس فِي هَذَا ونستحسن للآثر الَّذِي جَاءَ فِي نَحوه عَن شُرَيْح وَلَو سقط من عَمَلهم وهم يعْملُونَ بِهِ كَانَ الضَّمَان عَلَيْهِم وَلم يكن على رب الدَّار شَيْء وَإِذا وضع الرجل ساجة فِي الطَّرِيق أَو خشبه ثمَّ بَاعهَا من رجل وَبرئ إِلَيْهِ مِنْهَا فَتَركه المُشْتَرِي حَتَّى عطب بهَا عاطب فَالضَّمَان على البَائِع الَّذِي وَضعهَا لِأَن المُشْتَرِي لم يحدث وَضعهَا وَلم يغيرها عَن حَالهَا وَلَا كَفَّارَة فِي شَيْء من ذَلِك على أحد مِمَّن أَوجَبْنَا عَلَيْهِ الضَّمَان مَا خلا الفعلة الَّذِي سقط من عَمَلهم فان عَلَيْهِم الْكَفَّارَة لِأَنَّهَا جِنَايَة بِأَيْدِيهِم إِذا بلغت الْجِنَايَة نفسا وَإِذا كَانَ جَمِيع مَا ذكرنَا فِي ملك رجل أَو فِي ملك قوم أشرعوا ذَلِك فِي ملك لَهُم فَلَا ضَمَان فِي شَيْء من ذَلِك وَإِن أشرعه بَعضهم دون بعض فَعَلَيهِ الضَّمَان يرفع عَنهُ بِحِصَّة ملكه من ذَلِك فان تَوَضَّأ أَو صب مَاء فِي ملك بَينه وَبَين قوم فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيهِ وَلَيْسَ هَذَا كالجناح يشرعه وَلَا كالظلة هَذَا بِنَاء مُحدث وَالْوُضُوء وَأَشْبَاه ذَلِك لَا بُد مِنْهُ نستحسن فِي ذَلِك وَنَدع الْقيَاس فِيهِ

(4/566)


وَإِذا وضع رجل فِي طَرِيق جمرا فَأحرق شَيْئا فَهُوَ ضَامِن لما أحرق وَإِن حركته الرّيح فَذَهَبت بِهِ من ذَلِك الْموضع فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيهِ من قبل أَنه قد تغير عَن حَاله الَّتِي وَضعه عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ كل مَا وضع فِي الطَّرِيق فَتغير عَن ذَلِك الْموضع فقد برِئ الأول من الضَّمَان فِيهِ
- بَاب الْحَائِط المائل
- وَإِذا مَال حَائِط رجل أَو وَهِي فِي الطَّرِيق الْأَعْظَم فَقتل إنْسَانا فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيهِ من قبل أَنه قد بناه فِي ملكه وَلم يحدث فِي الطَّرِيق شَيْئا وَمَا حدث من وهنه وسقوطه شَيْء من غير عمله فان كَانَ أهل الطَّرِيق أَو غَيرهم تقدمُوا إِلَيْهِ فِي ذَلِك أَو سَأَلُوهُ أَن ينْقضه فَأخر ذَلِك حَتَّى سقط فَقتل إنْسَانا فَهُوَ ضَامِن لديته على عَاقِلَته وَكَذَلِكَ لَو كَانَ الْقَتِيل تَحْتَهُ عبد فَقيمته على الْعَاقِلَة وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ فِي شَيْء من ذَلِك فان قتل دَابَّة أَو أفسد مَتَاعا فَذَلِك كُله فِي مَاله لَا تعقل الْعَاقِلَة الْعرُوض وَكَذَلِكَ لَو جرح رجلا جرحا لَا يبلغ خَمْسمِائَة دِرْهَم وَكَذَلِكَ كل مَا ذكرنَا مِمَّا يحدث فِي الطَّرِيق
وَإِذا أشهد على الرجل فِي حَائِطه شَاهِدَانِ أَو رجل وَامْرَأَتَانِ عِنْد سُلْطَان أَو غير سُلْطَان فَهُوَ سَوَاء فان لم يَأْخُذ رب الْحَائِط فِي عمله

(4/567)


ونقضه عِنْد ذَلِك فَهُوَ ضَامِن لما أَصَابَهُ بلغنَا عَن عَامر الشّعبِيّ أَنه كَانَ يمشي وَمَعَهُ رجل فَقَالَ الرجل إِن هَذَا الْحَائِط لمائل وَهُوَ لعامر وَلَا يعلم الرجل أَنه لعامر فَقَالَ عَامر مَا أَنْت بِالَّذِي تُفَارِقنِي حَتَّى أنقضه ثمَّ بعث إِلَى العملة فنقضه وَإِذا شهد على الرجل فِي حَائِط لَهُ مائل فلبم ينْقضه حَتَّى بَاعَ الدَّار الَّتِي فِيهَا ذَلِك الْحَائِط المائل فقد خرج من الضَّمَان وَبرئ مِنْهُ وَلَا ضَمَان على المُشْتَرِي فان تقدم إِلَى المُشْتَرِي وَأشْهد عَلَيْهِ بعد الشرى فَهُوَ ضَامِن لما أصَاب وَإِذا كَانَت الدَّار رهنا فَتقدم إِلَى الْمُرْتَهن فِي حَائِط مائل مِنْهَا فَلَا ضَمَان على الْمُرْتَهن لِأَنَّهُ لَا يملك نقض ذَلِك الْحَائِط وَلَا ضَمَان على رب الدَّار لِأَنَّهُ لم يتَقَدَّم إِلَيْهِ فِيهِ فان تقدم إِلَيْهِ فَهُوَ ضَامِن لما اصاب الْحَائِط من قبل أَنه ملك أَن يقْضِي المَال وَنقض الْحَائِط وَإِذا تقدم إِلَى السكان فِي نقض الْحَائِط فَلَا ضَمَان على وَاحِد مِنْهُم وَلَا على رب الدَّار من قبل أَنهم لَا يملكُونَ أَن ينقضوا ذَلِك الْحَائِط وَلِأَنَّهُ لم يتَقَدَّم إِلَى رب الدَّار فِيهِ فان تقدم إِلَى رب الدَّار فَعَلَيهِ الضَّمَان وَإِذا تقدم إِلَى وَصِيّ الْيَتِيم فِي نقض حَائِطه فَمَا اصاب الْحَائِط فاليتيم لَهُ ضَامِن وَلَا ضَمَان على الْوَصِيّ من قبل أَن الْوَصِيّ يملك أَن ينْقض الْحَائِط والتقدم إِلَيْهِ كالتقدم إِلَى الْيَتِيم لَو كَانَ كَبِيرا وَكَذَلِكَ الصَّبِي يتَقَدَّم إِلَى الْوَالِد فِي نقض حَائِط لَهُ وَالرجل وَالْمَرْأَة فِي الْحَائِط سَوَاء

(4/568)


وَإِذا تقدم فِي الْحَائِط إِلَى بعض الْوَرَثَة دون بعض فانه يَنْبَغِي فِي الْقيَاس أَن لَا يضمن أحد مِنْهُم من قبل أَن الْمُتَقَدّم إِلَيْهِ لَا يَسْتَطِيع نقضه دون الآخرين من قبل أَن الآخرين لم يتَقَدَّم إِلَيْهِم وَلَكنَّا نَدع الْقيَاس ونضمن هَذَا الشَّاهِد الْمُتَقَدّم إِلَيْهِ بِحِصَّة نصِيبه مِمَّا اصاب الْحَائِط وَإِذا تقدم إِلَى رجل من أهل الذِّمَّة فِي حَائِط لَهُ فَهُوَ وَالْمُسلم فِي الضَّمَان سَوَاء أَلا ترى أَنه لَو لم يكن لَهُ عَاقِلَة كَانَ فِي مَاله وَإِذا تقدم إِلَى الْمكَاتب فِي حَائِطه فَهُوَ ضَامِن لما اصاب حَائِطه يسْعَى فِيهِ وَلَا يُجَاوز ذَلِك قِيمَته إِذا كَانَ فِي إِنْسَان وَإِذا كَانَ فِي مَتَاع أَو عرُوض سعى فِي قِيمَته ذَلِك بَالغا مَا بلغ
وَإِذا تقدم إِلَى العَبْد التَّاجِر فِي حَائِطه فَأصَاب إنْسَانا فَهُوَ على عَاقِلَة مَوْلَاهُ إِذا كَانَ فِي إِنْسَان وَإِن كَانَ فِي مَتَاع أَو عرُوض فَهُوَ فِي عنق العَبْد وَكَانَ يَنْبَغِي فِي قِيَاس من القَوْل الأول أَن يكون على الْمولى وَإِن كَانَ على العَبْد دين أَو لم يكن فَهُوَ سَوَاء من قبل أَن هَذَا لَيْسَ بِجِنَايَة العَبْد بِيَدِهِ فَلذَلِك لَزِمت الْعَاقِلَة مَا كَانَ فِي إِنْسَان من ذَلِك وَإِذا وضع الرجل على حَائِطه شَيْئا فَوَقع ذَلِك الشَّيْء فاصاب إنْسَانا فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيهِ من قبل أَنه وَضعه وَهُوَ فِي ملكه وَكَذَلِكَ لَو كَانَ الْحَائِط مائلا من قبل أَن لَهُ أَن يضع على حَائِطه مَتَاعه وَإِذا تقدم الى رجل فِي حَائِط فِي دَار فَلم يهدمه حَتَّى سقط على رجل فَقتله فأنكرت الْعَاقِلَة أَن تكون الدَّار لَهُ فَلَا ضَمَان عَلَيْهِم وَكَذَلِكَ إِن قَالُوا لَا نَدْرِي هِيَ لَهُ أم لغيره فَلَا ضَمَان عَلَيْهِم حَتَّى تقوم الْبَيِّنَة

(4/569)


أَنَّهَا لَهُ فان لم تقم بَيِّنَة أَنَّهَا لَهُ وَزعم الرجل أَنَّهَا لَهُ فانها لَا يلْزم الْعَاقِلَة دِيَة الْقَتِيل بقوله وَلَا يصدق عَلَيْهِم وَإِذا أقرَّت الْعَاقِلَة أَن الدَّار لَهُ ضمنُوا الدِّيَة
وَكَذَلِكَ الْجنَاح والميزاب يشرعه الرجل من دَاره فِي الطَّرِيق فَوَقع على إِنْسَان فَمَاتَ فأنكرت الْعَاقِلَة أَن يكون الدَّار لَهُ وَقَالُوا إِنَّمَا أمره رب الدَّار أَن يُخرجهُ فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ إِلَّا أَن تقوم الْبَيِّنَة أَنَّهَا لَهُ فان أقرّ رب الدَّار أَن الدَّار لَهُ وكذبته الْعَاقِلَة فان الدِّيَة يلْزمه فِي مَاله من قبل أَنه قد أقرّ بذلك وَلَو قَامَت بِهِ بَيِّنَة ضمن ذَلِك الْعَاقِلَة والحائط المائل وَهَذَا ليسَا بِسَوَاء فِي الْقيَاس من قبل أَنه لم يحدث فِي الطَّرِيق شَيْئا وَإِنَّمَا ضمناه فِي الْحَائِط بالأثر وَالِاسْتِحْسَان وجعلناه بِمَنْزِلَة الكنيف بالأثر الَّذِي جازه الِاسْتِحْسَان وَلَيْسَ يشبه الْحَائِط الكنيف
وَإِذا أنْكرت الْعَاقِلَة أَن الدَّار لَهُ فَلَا ضَمَان عَلَيْهِم وَيَنْبَغِي فِي الْقيَاس أَن لَا يضمنوا الرجل الَّذِي أقرّ أَن الدَّار لَهُ من قبل أَنه لم يحدث فِي الطَّرِيق شَيْئا وَلَكنَّا نَدع الْقيَاس هَاهُنَا ونضمنه ونجعله بِمَنْزِلَة من أحدث فِي الطَّرِيق شَيْئا أَلا ترى أَن الْبَيِّنَة إِذا قَامَت أَن الْحَائِط لَهُ ضمناه الْعَاقِلَة وَجَعَلنَا الرجل بِمَنْزِلَة من أحدث فِي الطَّرِيق شَيْئا فَكَذَلِك هَذَا إِذا لم تقم الْبَيِّنَة وَإِذا كَانَ الرجل على حَائِط لَهُ مائل أَو غير مائل فَسقط بِهِ الْحَائِط فَأصَاب من غير عمله إنْسَانا فَقتله فَهُوَ ضَامِن فِي الْحَائِط المائل إِذا كَانَ تقدم إِلَيْهِ فِي الْحَائِط المائل فان كَانَ لم يتَقَدَّم إِلَيْهِ فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ لِأَن

(4/570)


الْحَائِط سقط بِهِ وَلَو كَانَ هُوَ سقط من الْحَائِط من غير أَن يسْقط الْحَائِط فَقتل إنْسَانا كَانَ ضَامِنا لِأَنَّهُ هَاهُنَا غير مَدْفُوع وَهُوَ فِي الْبَاب الأول مَدْفُوع وَلَو مَاتَ السَّاقِط نظرت فِي الْأَسْفَل فان كَانَ يمشي فِي الطَّرِيق فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَإِن كَانَ قَائِما فِي الطَّرِيق أَو قَاعِدا فَهُوَ ضَامِن لدية السَّاقِط عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أحدث فِي الطَّرِيق الْقيام أَو الْقعُود وَلَيْسَ لَهُ ذَلِك وَله أَن يمشي وَإِن كَانَ الْأَسْفَل فِي ملكه فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ والأعلى ضَامِن لما اصاب الْأَسْفَل فِي هَذِه الْحَالَات وَكَذَلِكَ إِن تعقل فَسقط أَو نَام فتقلب فَسقط فَهُوَ ضَامِن لما اصاب الْأَسْفَل والحائط المائل والسقف فِي ذَلِك سَوَاء وَإِذا سقط الرجل من حَائِط فِي ملكه أَو فِي ملك غَيره على رجل فِي الطَّرِيق فَقتله فَهُوَ ضَامِن وسقوطه هُوَ عندنَا بِمَنْزِلَة قَتله بِيَدِهِ وَعَلِيهِ الْكَفَّارَة وَالدية على عَاقِلَته وَملكه وَغير ملكه فِي ذَلِك سَوَاء وَكَذَلِكَ لَو تردى من جبل على رجل فَقتله وَكَذَلِكَ لَو سقط فِي بِئْر احتفرها فِي ملكه وفيهَا إِنْسَان فَقتل ذَلِك الْإِنْسَان كَانَ ضَامِنا لديته وَلَو كَانَت الْبِئْر فِي الطَّرِيق كَانَ الضَّمَان على رب الْبِئْر لما اصاب السَّاقِط والمسقوط عَلَيْهِ من قبل أَن السَّاقِط بِمَنْزِلَة الْمَدْفُوع
- بَاب الشَّهَادَة فِي الْحَائِط المائل
- وَإِذا أشهد على رجل فِي حَائِطه شَاهِدَانِ فَأصَاب الْحَائِط ابْن أحد الشَّاهِدين أَو أَبَاهُ أَو عبدا لَهُ أَو مكَاتبا لَهُ أَو جدا أَو جدة أَو زَوْجَة

(4/571)


أَو ولد وَلَده من قبل النِّسَاء وَالرِّجَال وَلَا شَاهد على رب الْحَائِط فِي التَّقَدُّم إِلَيْهِ فِي الْحَائِط غير هذَيْن فشهادة الَّذِي يجر إِلَى نَفسه أَو إِلَى أحد مِمَّن ذكرنَا بَاطِل لَا يجوز وَإِذا تقدم الى رجل فِي حَائِط لَهُ مائل فان شهد عَلَيْهِ رجل وَامْرَأَتَانِ فَهُوَ ضَامِن وَشَهَادَة النِّسَاء فِي هَذَا مَعَ الرِّجَال جَائِزَة من قبل أَنه مَال وَلَيْسَ فِيهِ قصاص وَإِذا أشهد على الرجل فِي حَائِطه عَبْدَانِ أَو صبيان أَو كَافِرَانِ ثمَّ أعتق العبدان وَأدْركَ الصّبيان وَأسلم الكافران ثمَّ وَقع الْحَائِط فَأصَاب إنْسَانا فَهُوَ ضَامِن وَإِذا وَقع الْحَائِط فَأصَاب إنْسَانا قبل أَن يعتقا أَو قبل أَن يسلما أَو يدركا ثمَّ أعتقا أَو أسلما أَو أدْركَا ثمَّ شَهدا فشهادتهما جَائِزَة
وَإِن كَانَا شَهدا فِي تِلْكَ الْحَال فردهما القَاضِي ثمَّ أسلما ثمَّ شَهدا جَمِيعًا أَو كبرا أَو أعتقا فشهدا بذلك فشهادتهما ايضا جَائِزَة من قبل أَنِّي لم أرد شَهَادَتهمَا بالتهمة إِنَّمَا رددتهما بالْكفْر وَالرّق والصغر وَإِذا شهد عَلَيْهِ شَاهِدَانِ فاسقان أَو محدودان فِي قذف أَو أعميان فشهادتهما فِي ذَلِك لَا يجوز فان تَابَ الفاسقان بعد أَن رددت شَهَادَتهمَا فشهدا بعد ذَلِك فان شَهَادَتهمَا لَا تجوز لِأَنِّي رددتهما بالتهمة
وَكَذَلِكَ لَو شهد عبد أَو صبي أَو مكَاتب أَو مُدبرا أَو عبد قد عتق

(4/572)


بعضه وَهُوَ يسْعَى فِي بعض قِيمَته فان ذَلِك لَا يجوز وَإِذا شَهدا ابْنا صَاحب الْحَائِط أَو شهد أَبُو صَاحب الْحَائِط وَرجل آخر على صَاحب الْحَائِط فان ذَلِك جَائِز من قبل أَنَّهُمَا شَهدا على مَال أَلا ترى أَنِّي أُجِيز فِيهِ شَهَادَة الرجل مَعَ النِّسَاء وَلَو كَانَ هَذَا قصاصا لم يجز فِيهِ شَهَادَة النِّسَاء وَلَا شَهَادَة على شَهَادَة وَإِذا شهد شَاهِدَانِ على رجل فِي حَائِط أَنه قد تقدم إِلَيْهِ فِيهِ فَسقط فَقتل إنْسَانا فضمن القَاضِي عَاقِلَته الدِّيَة ثمَّ رَجَعَ الشَّاهِدَانِ عَن شَهَادَتهمَا فانهما يضمنَانِ مَا غرمت الْعَاقِلَة من ذَلِك وَلَا يصدقان على إبِْطَال الْقَضَاء فَكَذَلِك كل مَا قضي بِهِ بِشَهَادَتِهِمَا ثمَّ رجعا عَن ذَلِك وَإِذا تقدم إِلَى اللَّقِيط فِي حَائِط لَهُ وَقد وَهِي فَلم ينْقضه حَتَّى سقط على رجل فَقتله فان دِيَته على بَيت المَال يعقل بَيت المَال عَن اللَّقِيط وميراثه لبيت المَال من قبل أَنه لَا يعرف لَهُ عشيرة وَكَذَلِكَ الرجل من أهل الْكفْر من أهل الذِّمَّة أَو من أهل الْحَرْب يسلم فان حَاله فِي هَذَا كَحال اللَّقِيط فان كَانَ وَالِي رجلا وعاقده فان عَاقِلَة ذَلِك الرجل يعْقلُونَ عَنهُ وَله أَن يتَحَوَّل عَنْهُم مالم يعقلوا عَنهُ فاذا تحول عَنْهُم فوالي آخَرين فهم بِمَنْزِلَة الْأَوَّلين يعْقلُونَ عَنهُ ويرثون بِهِ وَله أَن يتَحَوَّل عَنْهُم مَا لم يعقلوا عَنهُ فاذا عقلوا عَنهُ فَلَيْسَ لَهُ أَن يتَحَوَّل عَنْهُم وَكَذَلِكَ كل مَا أحدث اللَّقِيط فِي الطَّرِيق وأشرع فِيهِ من بِنَاء
وَإِذا وَهِي الْحَائِط أَو مَال على دَار قوم وَلم يمل على الطَّرِيق

(4/573)


فأشهدوا على صَاحبه فانه ضَامِن لما أصَاب وَلما هدم من بُيُوتهم وَلما أفسد من أمتعتهم وَلَا يضمن الْعَاقِلَة من ذَلِك إِلَّا مَا كَانَ فِي الْأَنْفس وَدون ذَلِك إِلَى الْمُوَضّحَة من ولد آدم وَلَا يضمن مَا سوى ذَلِك وَمَا كَانَ من غير ذَلِك فَهُوَ على رب الدَّار فِي مَاله وَكَذَلِكَ الْعُلُوّ إِذا وَهِي فَقدم أهل السّفل إِلَى أهل الْعُلُوّ وَيشْهدُونَ عَلَيْهِم فِيهِ فهم ضامنون لما أصَاب الْعُلُوّ
إِذا سقط وَكَذَلِكَ الْحَائِط يكون أَعْلَاهُ لرجل وسفله لآخر فان مَال على أهل الطَّرِيق فان تقدمُوا إِلَى صَاحب الْعُلُوّ دون صَاحب السّفل أَو إِلَى صَاحب السّفل دون صَاحب الْعُلُوّ ثمَّ سقط فاصاب إنْسَانا فانما يضمن الَّذِي يقدم إِلَيْهِ النّصْف من ذَلِك إِذا كَانَ الْحَائِط هُوَ الَّذِي اصاب كُله وَإِذا وَهِي الْعُلُوّ وَكَانَ السّفل على حَاله فَتقدم إِلَى صَاحب الْعُلُوّ فَلم ينْقضه حَتَّى سقط فَقتل إنْسَانا فان دِيَته على عَاقِلَته خَاصَّة دون صَاحب السّفل لِأَن السّفل لم يه وَإِذا وهيا جَمِيعًا وَتقدم إِلَيْهِمَا جَمِيعًا فَمَا ضامنان لما أصَاب الْحَائِط كُله
وَإِذا مَال حائظ الرجل فَمَال بعضه على دَار قوم وَبَعضه على الطَّرِيق فَتقدم إِلَيْهِ أهل الدَّار فِي ذَلِك فَسقط مَا فِي الطَّرِيق مِنْهُ فَهُوَ ضَامِن وَكَذَلِكَ لَو تقدم إِلَيْهِ أهل الطَّرِيق فَسقط المائل إِلَى الدَّار على أهل الدَّار فَهُوَ ضَامِن لِأَنَّهُ حَائِط وَاحِد قد مَال بعضه وَإِذا أشهد على بعضه فقد أشهد على الْحَائِط كُله وَإِذا وَهِي بعض الْحَائِط وَمَا بَقِي مِنْهُ صَحِيح غير واه فَتقدم إِلَيْهِ فِي

(4/574)


ذَلِك وَأشْهد عَلَيْهِ فَسقط مَا وَهِي مِنْهُ وَمَا لم يه فَقتل الَّذِي لم يه إنْسَانا فَهُوَ ضَامِن من قبل أَنه كُله حَائِط وَاحِد إِذا وَهِي بعضه وَهِي كُله فان كَانَ حَائِطا طَويلا إِذا وَهِي بعضه لم يه مَا بَقِي مِنْهُ وَيعرف ذَلِك فانه يضمن مَا اصاب الواهي مِنْهُ وَلَا يضمن الَّذِي لم يه وَإِذا تقدم الرجل فِي حَائِط لَهُ لم يه وَأشْهد عَلَيْهِ فِيهِ فَسقط فَأصَاب إنْسَانا فَقتله فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ من قبل أَنه كَانَ صَحِيحا غير واه وَإِنَّمَا يضمن لَو كَانَ واهيا أَو مائلا مخوفا وَإِذا كَانَ سفل الْحَائِط لرجل وعلوه لآخر وَقد وَهِي وَمَال فَتقدم إِلَيْهِمَا جَمِيعًا فَسقط الْعُلُوّ فاصاب إنْسَانا فَقتله فَالضَّمَان على صَاحب الْعُلُوّ دون صَاحب السّفل وَإِن كَانَ سقط من الْعُلُوّ طَائِفَة فاصاب إنْسَانا فَقتله فَالضَّمَان على صَاحب الْعُلُوّ وَإِذا اسْتَأْجر قوما يهدمون حَائِطا لَهُ فَقتل الْهدم من فعلهم رجلا فَالضَّمَان عَلَيْهِم وَالْكَفَّارَة وَلَا ضَمَان على رب الدَّار لأَنهم فعلوا ذَلِك بِأَيْدِيهِم فَهُوَ بِمَنْزِلَة من وضع حجرا أَو دفع حجرا على رجل فَقتله
وَإِذا اشْترى الرجل دَارا وَهُوَ فِيهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَة ايام فَتقدم إِلَيْهِ فِي حَائِط مِنْهَا ثمَّ إِنَّه رد الدَّار وَلم يستوجبها فَسقط الْحَائِط فَقتل إنْسَانا فَلَا ضَمَان على المُشْتَرِي من قبل أَنَّهَا خرجت من ملك المُشْتَرِي وَلَا ضَمَان على البَائِع لِأَن التَّقَدُّم كَانَ إِلَيّ غَيره وَلم يكن فِي ملكه وَلَو تقدم غليه فِي تِلْكَ الْحَال لم يضمن من قبل أَنه لَا ملك لَهُ فِيهَا

(4/575)


وَلَو استوجبها المُشْتَرِي وَقد أشهد بذلك عَلَيْهِ كَانَ عَلَيْهِ الضَّمَان لِأَنَّهُ لَا يقدم إِلَيْهِ فِي الْحَائِط وَهِي فِي ملكه ثمَّ اخْتَار الدَّار كَانَ ضَامِنا لما أصَاب لِأَنَّهَا فِي ملكه يَوْم تقدم إِلَيْهِ وَيَوْم أصَاب وَلَو كَانَ البَائِع بِالْخِيَارِ ثَلَاثَة أَيَّام فَتقدم إِلَيْهِ فِي الْحَائِط فان نقض البيع فَوَقع الْحَائِط على إِنْسَان فَقتله فَالدِّيَة على عَاقِلَة البَائِع وَلَو أوجب البيع لم يكن عَلَيْهِ وَلَا على المُشْتَرِي ضَمَان من قبل أَنَّهَا قد خرجت من ملكه وَلَو تقدم إِلَى المُشْتَرِي على ان يُوجب البيع ثمَّ أوجب البَائِع لَهُ البيع لم يكن عَلَيْهِ ضَمَان لَا على البَائِع وَلَو تقدم إِلَى رجل فِي حَائِط لَهُ مائل عَلَيْهِ جنَاح شَارِع قد أشرعه الَّذِي بَاعه فَسقط الْحَائِط والجناح فَكَانَ الْحَائِط هُوَ الَّذِي طرح الْجنَاح كَانَ ضَامِنا لما أصَاب ذَلِك لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الدَّافِع للجناح وَلَو كَانَ الْجنَاح هُوَ السَّاقِط وَحده كَانَ الضَّمَان على البَائِع الَّذِي جعله
- بَاب الْبِئْر وَمَا يحدث فِيهَا
- إِذا احتفر الرجل بِئْرا فِي طَرِيق الْمُسلمين فِي غير فنائه فَوَقع فِيهَا عبد أَو حر فَمَاتَ فَذَلِك على عَاقِلَة الْحَافِر وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ فان كَانَ اسْتَأْجر عَلَيْهَا أجراء فحفروها لَهُ فَلَا ضَمَان على الأجراء وَالضَّمان

(4/576)


على الْآمِر إِن كَانُوا لم يعلمُوا أَنَّهَا فِي غير فنائه وَإِن كَانُوا علمُوا فَالضَّمَان على الأجراء دون الْآمِر وَإِن كَانَ فِي فنائه فَلَا ضَمَان على الأجراء وَالضَّمان على الْآمِر أعلمهم أَو لم يعلمهُمْ بلغنَا نَحْو من ذَلِك عَن شُرَيْح
وَإِن سَقَطت فِيهَا دَابَّة فعطبت فَالضَّمَان على الْآمِر فِي مَاله لَا تعقل الْعَاقِلَة الدَّوَابّ وَلَا الْأَمْتِعَة وَلَا الْعرُوض وَلَا الْحَيَوَان مَا خلا الرَّقِيق وَإِذا وَقع فِيهَا إِنْسَان مُتَعَمدا للسقوط عَلَيْهِ فِيهَا فَمَاتَ فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيهِ من قبل أَنه تعمد ذَلِك وَإِذا أَمر بهَا عبيدا فحفروها أَو أجراء أَو قوما اسْتَعَانَ بهم فحفروها بِفنَاء دَاره فِي الطَّرِيق الْأَعْظَم فَهُوَ سَوَاء وَالضَّمان على الْآمِر وَإِذا اسْتَأْجر الرجل أَرْبَعَة رَهْط يحفرون بِئْرا فَوَقَعت عَلَيْهِم من حفرهم فقتلت إنْسَانا مِنْهُم فعلى كل إِنْسَان من الثَّلَاثَة البَاقِينَ ربع دِيَة ذَلِك الْإِنْسَان إِذا كَانَ حرا وَلَا ضَمَان على الْمُسْتَأْجر من قبل أَن هَذَا من فعلهم وَكَذَلِكَ لَو اسْتَعَانَ بهم وَإِذا كَانَ الَّذِي يحْفر وَاحِدًا فانهارت عَلَيْهِ من حُفْرَة فَقتله لم يكن على الْآمِر ضَمَان فِي ذَلِك وَإِذا حفر الرجل بِئْرا فِي طَرِيق الْمُسلمين ثمَّ جَاءَ آخر فحفر مِنْهَا طَائِفَة فِي أَسْفَلهَا ثمَّ وَقع فِيهَا إِنْسَان فَمَاتَ فانه يَنْبَغِي فِي الْقيَاس أَن يضمن

(4/577)


الأول من قبل أَن الْحَافِر الْأَعْلَى كَأَنَّهُ دَافع وَبِه ناخذ وَلَو أَن آخر وسع رَأسهَا فحفرها فَوَقع فِيهَا إِنْسَان فَمَاتَ كَانَ الضَّمَان عَلَيْهِمَا جَمِيعًا نِصْفَيْنِ وَلَو أَن رجلا حفر بِئْرا فِي طَرِيق الْمُسلمين ثمَّ سدها كلهَا بطين أَو تُرَاب أَو جص فجَاء آخر فاحتفرها فَوَقع فِيهَا إِنْسَان فَمَاتَ كَانَ الضَّمَان على الَّذِي احتفرها مرّة أُخْرَى لِأَن الأول قد سدها وَلَو سد رَأسهَا واستوثق مِنْهَا فجَاء آخر فنقض ذَلِك كَانَ الضَّمَان على الأول وَلَو أَنه جعل فِيهَا طَعَاما أَو مَتَاعا أَو شبه ذَلِك مِمَّا لَا يسد بِهِ الْآبَار فجَاء إِنْسَان فَاحْتمل ذَلِك ثمَّ وَقع فِيهَا إِنْسَان كَانَ الضَّمَان على الأول وَلَو تعقل رجل بِحجر فَسقط فِي بِئْر قد حفرهَا رجل فَمَاتَ كَانَ الضَّمَان على الَّذِي وضع الْحجر لِأَنَّهُ دَافع فان لم يكن وضع الْحجر أحد فَهُوَ على رب الْبِئْر

(4/578)


وَإِذا وضع الرجل فِي بِئْر حجرا أَو حديدا فَوَقع فِيهَا إِنْسَان فَقتله الْحجر أَو الحديدة كَانَ الضَّمَان على الَّذِي حفر الْبِئْر لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الدَّافِع وَإِذا حفر الرجل بِئْرا فِي طَرِيق فَوَقع فِيهَا رجل فَعَطب ثمَّ خرج مِنْهَا فَشَجَّهُ رجلَانِ فَمَرض من ذَلِك حَتَّى مَاتَ فَالدِّيَة عَلَيْهِم أَثلَاثًا من قبل أَنهم ثَلَاثَة أَلا ترى أَنه لَو قطع يَده رجل وَشَجه رلاجل فَمَاتَ من ذَلِك كَانَت الدِّيَة عَلَيْهِم أَثلَاثًا وَلَو أَن الرجلَيْن اللَّذين قطعا يَده شجه أَحدهمَا أُخْرَى فَمَاتَ من ذَلِك كَانَت الدِّيَة عَلَيْهِم على حَالهَا أَثلَاثًا وَلَو كَانَ أَحدهمَا قد جرحه جرحتين أَو ثَلَاثَة وجرحه الآخر جِرَاحَة صَغِيرَة كَانَت الدِّيَة على عدد الرِّجَال وَلَا يكون على عظم الْجراحَة وَلَا على صغرها وَلَا على عدد الْجراحَة فَقطع الْيَد والشجة إِذا مَاتَ فِي ذَلِك سَوَاء وَإِذا وَقع الرجل فِي بِئْر فِي الطَّرِيق فَتعلق بآخر وَتعلق الآخر بآخر فوقعوا جَمِيعًا فماتوا وَلم يَقع بَعضهم على بعض فديَة الأول على الَّذِي حفرهَا ودية الثَّانِي على الأول الْمُتَعَلّق بِهِ ودية الثَّالِث على الثَّانِي وَإِن وَقع الأول فَلم تضره وقعته وَوَقع الثَّانِي عَلَيْهِ فَقتله فَلَا ضَمَان على الثَّانِي من قبل أَن الأول جَرّه على نَفسه فالأسفل قَاتل نَفسه وَإِن وَقع الثَّالِث على الثَّانِي فَقتله فَلَا ضَمَان على الثَّالِث لِأَن الثَّانِي هُوَ جَرّه إِلَى نَفسه فَهُوَ قَاتل نَفسه وَإِن مَاتَ الثَّالِث من الْوَقْعَة فديته على الثَّانِي لِأَنَّهُ هُوَ جَرّه فَقتله وَإِن مَاتَ الْأَسْفَل من وقعته فِي الْبِئْر وَمن وقْعَة الثَّانِي وَالثَّالِث عَلَيْهِ فثلث دِيَته على صَاحب الْبِئْر وَثلث دِيَته على الثَّانِي لِأَنَّهُ جر الثَّالِث عَلَيْهِ

(4/579)


وَثلث الدِّيَة هدر لِأَن الْأَسْفَل هُوَ جر الثَّانِي على نَفسه وَإِن مَاتَ الثَّانِي من جر الْأَسْفَل ووقعة الثَّالِث عَلَيْهِ فديَة الثَّانِي على الْأَسْفَل نصفهَا لِأَنَّهُ جَرّه وَنِصْفهَا هدر لِأَنَّهُ جر الثَّالِث على نَفسه ودية الثَّالِث إِن مَاتَ من وقعته على الثَّانِي كلهَا لِأَنَّهُ جَرّه وَإِن كَانَ الأول مَاتَ من وقعته فِي الْبِئْر ووقعة الثَّالِث فَلم يضرّهُ الثَّانِي فان على صَاحب الْبِئْر نصف الدِّيَة وعَلى الثَّانِي نصف الدِّيَة لِأَنَّهُ هُوَ جر الثَّالِث عَلَيْهِ فَقتله وَإِن كَانَ الثَّانِي مَاتَ من وقْعَة الثَّالِث فَلَا دِيَة لَهُ ودية الثَّالِث إِن مَاتَ على الثَّانِي لِأَنَّهُ جَرّه
وَإِذا وجد بَعضهم على بعض فِي الْبِئْر موتى وَقد كَانَت حَالهم كَمَا وَصفنَا من تعلق بَعضهم بِبَعْض فان صَاحب الْبِئْر يضمن الأول وَيضمن الأول الثَّانِي وَيضمن الثَّانِي الثَّالِث على عواقلهم فَهَذَا وَجه مُسْتَقِيم وَهُوَ الْقيَاس وفيهَا قَول آخر إِن دِيَة الأول أَثلَاث على صَاحب الْبِئْر ثلثه وعَلى الْأَوْسَط ثلثه لِأَنَّهُ جر الثَّالِث وَثلثه هدر لِأَن الأول هُوَ جر الثَّانِي عَلَيْهِ ودية الثَّانِي نِصْفَانِ نصف هدر وَنصف على الأول ودية الثَّالِث على الثَّانِي كلهَا وَإِذا لم يعرف من أَي ذَلِك مَاتُوا بَطل نصف ذَلِك كُله وأخذنا بِالنِّصْفِ وَبِهَذَا القَوْل نَأْخُذ وَإِذا وَقع الرجل رجلا فِي بِئْر فَمَاتَ فالدافع ضَامِن إِن كَانَت الْبِئْر فِي ملكه أَو فِي الطَّرِيق فَهُوَ سَوَاء

(4/580)


وَإِذا سقط الرجل فِي بِئْر فِي الطَّرِيق فَقَالَ الْحَافِر ألقِي نَفسه فِيهَا عمدا وَقَالَ وَرَثَة الرجل كذبت فالحافر برِئ من الضَّمَان إِلَّا أَن يُقيم الْوَرَثَة الْبَيِّنَة أَنه وَقع بِغَيْر عمد فان أَقَامُوا على ذَلِك بَيِّنَة فَعَلَيهِ الضَّمَان وَإِذا أَمر الرجل عَبده أَن يحْفر بِئْرا فِي الطَّرِيق عِنْد ميزاب لَهُ أَو بفنائه أَو قريب من دَاره حَيْثُ ينْتَفع بِهِ وبسيل فِيهَا مَاؤُهُ فَمَا عطب فِيهَا فَهُوَ على الْمولى لَيْسَ على العَبْد مِنْهُ شَيْء وَكَذَلِكَ الْأَجِير وَلَو أمره أَن يحْفر بِئْرا فِي طَرِيق من طرق الْمُسلمين لَيْسَ عِنْد دَاره فحفرها كَانَ مَا وَقع فِيهَا فِي رَقَبَة العَبْد يَدْفَعهُ مَوْلَاهُ أَو يفْدِيه وَإِن كَانَ أَجِيرا وَبَين لَهُ الْمُسْتَأْجر أَنه لَيْسَ لَهُ هُنَالك دَار وَلَا ملك فَالضَّمَان على الْأَجِير دون الْمُسْتَأْجر وَإِن لم يسم شَيْئا فَلَا ضَمَان على الْأَجِير وَالضَّمان على الْمُسْتَأْجر

(4/581)


وَإِذا اسْتَأْجر الرجل رجلا حرا وعبدا مَحْجُورا عَلَيْهِ ومكاتبا يحفرون لَهُ بِئْرا فحفروها فَوَقَعت عَلَيْهِم من حفرهم فماتوا فَلَا ضَمَان على الْمُسْتَأْجر فِي الْحر وَلَا فِي الْمكَاتب وَهُوَ ضَامِن لقيمة العَبْد الْمَحْجُور عَلَيْهِ إِن كَانَت أقل من الدِّيَة يُؤَدِّيهَا إِلَى مَوْلَاهُ ثمَّ يرجع فِيهَا وَرَثَة الْحر بِثلث دِيَة الْحر وأولياء الْمكَاتب بِثلث قيمَة الْمكَاتب فيقتسمون قيمَة العَبْد على ذَلِك إِلَّا أَن يكون قيمَة العَبْد تبلغ ذَلِك كُله وتزيد قيمسك موَالِيه الْفضل وَيرجع مولى العَبْد على الْمُسْتَأْجر بِمَا أَخذ مِنْهُ وَرَثَة الآخرين وَيرجع الْمُسْتَأْجر على عَاقِلَة الْحر بِثلث قيمَة العَبْد لِأَنَّهُ حِين غرم قيمَة العَبْد صَار العَبْد لَهُ وَيرجع أَوْلِيَاء الْمكَاتب على عَاقِلَة الْحر بِثلث قيمَة الْمكَاتب فَيجمع مَا أَخذ أَوْلِيَاء الْمكَاتب من ذَلِك كُله وَمَا ترك الْمكَاتب فَينْظر قِيمَته من ذَلِك فَيخرج فَيضْرب فِيهِ أَوْلِيَاء الْحر بِثلث دِيَة الْحر وَيضْرب فِيهَا الْمُسْتَأْجر بِثلث قيمَة العَبْد وَإِذا اسْتَأْجر الرجل حرا وعبدا يحفران لَهُ بِئْرا فحفراها فَوَقَعت عَلَيْهِمَا فماتا وَلِلْعَبْدِ موليان أَحدهمَا قد أذن لَهُ وَالْآخر لم يَأْذَن لَهُ فَلَا ضَمَان على الْمُسْتَأْجر فِي الْحر وَلَا فِي النَّصِيب الَّذِي أذن للْعَبد

(4/582)


من العَبْد وَهُوَ ضَامِن لنصف قيمَة العَبْد نصيب الَّذِي لم يَأْذَن لَهُ وَيرجع وَرَثَة الْحر فِي ذَلِك بِربع الدِّيَة وَيرجع الْمولى الَّذِي لم يَأْذَن لَهُ على الْمُسْتَأْجر بِمَا أَخذ من ذَلِك النّصْف وَيرجع الْمُسْتَأْجر على عَاقِلَة الْحر بِربع قيمَة العَبْد فَيسلم لَهُ وَيرجع الَّذِي أذن للْعَبد على عَاقِلَة الْحر بِربع قيمَة العَبْد ثمَّ يرجع وَرَثَة الْحر فِي ذَلِك الرّبع بِربع دِيَة الْحر وَلَو كَانَ العَبْد مَأْذُونا لَهُ كَانَ على عَاقِلَة الْحر نصف قيمَة العَبْد ثمَّ يرجع بذلك وَرَثَة الْحر على أَوْلِيَاء العَبْد فيأخذونه بِنصْف الدِّيَة وَلَا شَيْء على الْمُسْتَأْجر من قبل أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا قد قتل نَفسه هُوَ وَصَاحبه فِيهِ فَيبْطل النّصْف من ذَلِك
وَإِن كَانَ اسْتَأْجر عَبْدَيْنِ أَحدهمَا مَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة وَالْآخر مَحْجُور عَلَيْهِ فحفرا بِئْرا فَوَقَعت عَلَيْهِمَا فماتا فانه يضمن قيمَة الْمَحْجُور عَلَيْهِ لمَوْلَاهُ وَيرجع مولى الْمَأْذُون لَهُ بِنصْف قيمَة الْمَأْذُون لَهُ فِي تِلْكَ الْقيمَة وَيضمن الْمُسْتَأْجر لمولى الْمَحْجُور عَلَيْهِ مَا أَخذ مِنْهُ من ذَلِك وَيرجع الْمُسْتَأْجر بِنصْف قيمَة الْمَحْجُور عَلَيْهِ فِيمَا أَخذ أَوْلِيَاء الْمَأْذُون لَهُ حَتَّى يستكمل من ذَلِك نصف قيمَة الْمَحْجُور عَلَيْهِ
وَإِذا اسْتَأْجر الرجل عبدا مَحْجُورا عَلَيْهِ يحْفر لَهُ بِئْرا فَهُوَ ضَامِن

(4/583)


لما أَصَابَهُ حَتَّى يرجع إِلَى مَوْلَاهُ
وَإِذا احتفر الرجل بِئْرا فِي دَار لَا يملكهَا بِغَيْر إِذن أَهلهَا فَهُوَ ضَامِن لما وَقع فِيهَا فان أقرّ رب الدَّار أَنه أمره درأت عَنهُ الضَّمَان وَلَا شَيْء على رب الدَّار
وَإِذا احتفر الرجل بِئْرا فِي طَرِيق مَكَّة أَو غير ذَلِك من الفيافي والمفاوز فِي غير ممر النَّاس فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي ذَلِك وَلَيْسَ هَذَا كالأمصار وَلَا الْمَدَائِن أَلا ترى أَن الرجل لَو ضرب هُنَالك فسطاطا أَو اتخذ تنورا يخبز فِيهِ حِين ينزل أَو شبه ذَلِك أَو ربط هُنَالك ظَهره أَو دَابَّته لم يضمن مَا أصَاب ذَلِك وَكَذَلِكَ الْبِئْر إِذا احتفرها لصَاحبه أَو للْمَاء غير أَنه لَا يكون لَهَا حَرِيم وَلَا يكون الْحَرِيم إِلَّا لبئر احتفرت فِي ذَلِك الْموضع باذن السُّلْطَان فاذا احتفر بِأَمْر السُّلْطَان كَانَ لَهَا من الْحَرِيم أَرْبَعُونَ ذِرَاعا فِي قَول ابي حنيفَة بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ حَرِيم الْعين خَمْسمِائَة ذِرَاع وحريم بِئْر العطن أَرْبَعُونَ ذِرَاعا وحريم بِئْر الناضح سِتُّونَ ذِرَاعا وَذَلِكَ عندنَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعا فِي

(4/584)


جوانبها وَسِتُّونَ ذِرَاعا من جوانبها وَخَمْسمِائة ذِرَاع من جوانبها وَلَيْسَ لأحد أَن يدْخل عَلَيْهِ فِي شَيْء وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد الْبِئْر لَهُ وَله حريمها وَإِن كَانَ بِغَيْر إِذن السُّلْطَان وَإِذا احتفر بِئْرا فِي ملكه فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيمَن عطب فِيهَا وَكَذَلِكَ إِذا احتفر سكانه باذنه وَلم يعلم ذَلِك إِلَّا بقوله فَلَا ضَمَان ذَلِك وَإِن كَانَ ذَلِك لَا يعلم إِلَّا بقَوْلهمْ إِذا صدقهم رب الدَّار وَقد كَانَ يَنْبَغِي فِي الْقيَاس أَن يضمنوا إِلَّا أَن تقوم لَهُم فِي ذَلِك بَيِّنَة وَلَكِنِّي أدع الْقيَاس وأصدق رب الدَّار إِذا قَالَ أَنا أَمرتهم أَلا ترى أَنِّي لَا أضمنهم مَا أفسدوا من الدَّار بِالْحفرِ وَلَا أضمنهم من سقط فِيهَا بعد إِقْرَار رب الدَّار أَنه أَمرهم فَكَذَلِك لَا أضمنهم مَا وَقع فِيهَا

(4/587)


- بَاب النَّهر
- وَإِذا احتفر الرجل نَهرا فِي أرضه فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيمَن عطب بِهِ وَكَذَلِكَ إِن جعل على النَّهر جِسْرًا أَو قنطرة فِي أرضه فَعَطب بذلك إِنْسَان فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيهِ وَكَذَلِكَ الْقَنَاة وَمَا أشبه ذَلِك وَإِذا احتفر ذَلِك فِي غير ملكه فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْبِئْر يضمن مَا عطب بِهِ وَكَذَلِكَ لَو نصب جِسْرًا أَو بني قنطرة على نهر لَيْسَ فِي ملكه فَعَطب بِهِ إِنْسَان فان مَشى عَلَيْهِ إِنْسَان مُتَعَمدا لذَلِك وَلَا يعلم من بناها أَو علم ذَلِك فانخسفت بِهِ فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ من قبل أَن هَذَا تعمد الْمَشْي عَلَيْهِ وَلَو احتفر رجل نَهرا فِي غير ملكه فانبثق من ذَلِك النَّهر مَاء فغرق أَرضًا أَو قَرْيَة كَانَ ضَامِنا لما أصَاب ذَلِك المَاء لِأَنَّهُ سيله فِي غير ملكه وَلَو كَانَ فِي ملكه لم يضمن شَيْئا وَكَذَلِكَ الرجل يصب فِي أرضه المَاء ليسقيها أَو ليصلح فِيهَا شَيْئا أَو يفتح فِيهَا نَهرا فَخرج المَاء مِنْهَا إِلَى غَيرهَا فَأهْلك شَيْئا أَو أفْسدهُ فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ لَو أحرق حشيشا لَهُ فِي أَرض لَهُ أَو حصائد لَهُ أَو أجمه لَهُ

(4/588)


فَخرجت النَّار إِلَى غير أرضه فأحرقت لم يكن عَلَيْهِ ضَمَان وَكَذَلِكَ النَّار يوقدها الرجل فِي دَاره أَو فِي تنوره فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيمَا احْتَرَقَ وَلَو احتفر نَهرا فِي أَرض لَهُ أَو بِئْرا فِي دَار لَهُ فنزت من ذَلِك إِلَى أَرض لغيره أَو حَائِط لغيره حَتَّى فسد لم يكن عَلَيْهِ فِي ذَلِك ضَمَان وَلَا يُؤمر أَن يحول ذَلِك عَن مَوْضِعه إِلَّا أَن يَشَاء لِأَنَّهُ فِي ملكه وَلَو صب المَاء فِي ملكه صبا فَخرج أثر صب ذَلِك إِلَى غير ملكه فافسد كَانَ هَذَا وَالْأول فِي الْقيَاس سَوَاء غير أَن هَذَا قَبِيح أَلا ترى أَنه لَو صب مَاء فِي ميزاب لَهُ فأفسد مَتَاعا تَحْتَهُ ضمن لِأَنَّهَا من جِنَايَته
- بَاب مَا يحدث الرجل فِي السُّوق أَو فِي الْمَسْجِد
-
وَإِذا احتفر أهل الْمَسْجِد فِي مَسْجِدهمْ بِئْرا لماء الْمَطَر أَو وضعُوا

(4/589)


فِيهِ حبا يصب فِيهِ المَاء أَو طرحوا فِيهِ حَصى أَو ركبُوا فِيهِ بَابا أَو عَلقُوا عَلَيْهِ قناديل أَو طرحوا فِيهِ بواري أَو ظللوه فَلَا ضَمَان عَلَيْهِم فِيمَن عطب بذلك وَكَذَلِكَ من فعل بِهِ من غَيرهم إِذا أذنوا لَهُ فِي ذَلِك وَإِن لم يأذنوا لَهُ فَهُوَ ضَامِن فِي قَول أبي حنيفَة وفيهَا قَول آخر قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد إِنَّه إِذا كَانَ فِي مَسْجِد الْعَامَّة فَلَا ضَمَان عَلَيْهِم فِيهِ لِأَن هَذَا مِمَّا يصلح بِهِ الْمَسْجِد أستحسن ذَلِك إِلَّا الْبناء والحفر
وَإِذا قعد الرجل فِي الْمَسْجِد لحَدِيث أَو نَام فِيهِ أَو قَامَ فِيهِ فِي غير صَلَاة أَو مر فِيهِ مارا فَهُوَ ضَامِن لما اصاب كَمَا يضمن فِي الطَّرِيق الْأَعْظَم إِذا كَانَ مَسْجِد جمَاعَة فِي قَول أبي حنيفَة وفيهَا قَول آخر إِنَّه لَا ضَمَان عَلَيْهِ إِلَّا أَن يمشي فيطأ على إِنْسَان وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَإِذا حفر الرجل فِي سوق الْعَامَّة بِئْرا أَو بني فِيهَا بِنَاء دكانا أَو غَيره بِغَيْر أَمر السُّلْطَان فَهُوَ ضَامِن لما عطب بِهِ من شَيْء فان كَانَ بِأَمْر السُّلْطَان فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيهِ
وَإِذا مر الرجل فِي السُّوق رَاكِبًا فَمَا وطيء أَو وطئ دَابَّته فَهُوَ لَهُ ضَامِن

(4/590)


وَإِذا أوقف الرجل دَابَّته فِي السُّوق فَمَا أَصَابَت دَابَّته فَهُوَ لَهُ ضَامِن فان كَانَ موقفا يقف فِيهِ الدَّوَابّ لبيع قد أذن لَهُ السُّلْطَان فِي ذَلِك فَأوقف فِيهِ الدَّابَّة لذَلِك فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيمَا أَصَابَت وَإِن لم يكن السُّلْطَان أذن فِي ذَلِك فَهُوَ ضَامِن إِن كَانَ أخرجه هُوَ أَو أوقفهُ أَو أرْسلهُ وَإِن لم يكن أخرجه هُوَ وَلَا أوقفهُ وَلَا أرْسلهُ فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي ذَلِك وَالْقَوْل فِي ذَلِك قَوْله مَعَ يَمِينه
- بَاب جِنَايَة العَبْد
- وَلَو جنى العَبْد جِنَايَة خطأ فان مَوْلَاهُ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ دَفعه بهَا وَإِن شَاءَ فدَاه بِالْأَرْشِ وَأمْسك عَبده وَلَا يقْضِي عَلَيْهِ فِي ذَلِك بِشَيْء حَتَّى يبرأ الْمَجْنِي عَلَيْهِ وَالْخَطَأ فِي ذَلِك والعمد سَوَاء مَا لم يبلغ النَّفس فاذا بلغ النَّفس فان فِيهِ الْقصاص وَالصَّغِير من الْجِرَاحَات وَالْكَبِير وَالْجرْح للْوَاحِد والاثنين فِي ذَلِك كُله سَوَاء يَدْفَعهُ مَوْلَاهُ بِأَرْش ذَلِك كُله وَجِنَايَة العَبْد فِي الْحر الْمُسلم وَالْمَرْأَة وَالْعَبْد وَالْمكَاتب وَالْمُدبر وَأم الْوَلَد وَالذِّمِّيّ وَالصَّغِير وَالْكَبِير فِي ذَلِك سَوَاء يَدْفَعهُ مَوْلَاهُ بذلك أَو يفْدِيه بِأَرْش ذَلِك وجنايته فِيمَا سوى ذَلِك من الْحَيَوَان وَالْعرُوض وَالْأَمْوَال دين فِي عُنُقه يسْعَى فِيهِ أَو يُبَاع فِيهِ بَالغا مَا بلغ وَلَا يعقل الْعَاقِلَة شَيْئا من جِنَايَة العَبْد وَالْمُدبر وَأم الْوَلَد وَلَا جِنَايَة عبد قد عتق بعضه وَهُوَ يسْعَى فِي بعض قِيمَته فِي قَول أبي حنيفَة

(4/591)


وَكَذَلِكَ إِن وطئ امْرَأَة بِشُبْهَة مستكرها لَهَا فَذَلِك دين فِي عُنُقه يُبَاع فِيهِ وَلَا تعقل الْعَاقِلَة شَيْئا من جراحات العَبْد فِي نَفسه مَا لم يبلغ النَّفس وَإِن كَانَ خطأ وَكَذَلِكَ الْمُدبر وَأم الْوَلَد وَالْمكَاتب لَا تعقل الْعَاقِلَة مِمَّا جنى عَلَيْهِم شَيْئا وَإِن كَانَ الْجَانِي حرا مَا لم يبلغ النَّفس فاذا بلغت النَّفس عقلته الْعَاقِلَة فِي ثَلَاث سِنِين فِي كل سنة ثلث قِيمَته فان قلت الْقيمَة فِي ذَلِك أَو كثرت فَهُوَ سَوَاء غير أَنه لَا يبلغ بهَا دِيَة الْحر بلغنَا ذَلِك عَن عبد الله بن مَسْعُود وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنَّهُمَا قَالَا لَا يبلغ بِقِيمَة العَبْد دِيَة الْحر وَقَالَ أَبُو حنيفَة ينقص مِنْهُ عشرَة دَرَاهِم

(4/592)


وَإِذا جنى العَبْد جِنَايَة فَقتل قَتِيلا لَهُ وليان فَعَفَا أَحدهمَا فان الْمولى يُقَال لَهُ ادْفَعْ إِلَى الْبَاقِي نصف العَبْد أَو افده بِنصْف الدِّيَة وَلَو قتل قَتِيلا خطأ وفقأ عين آخر خطأ كَانَ مَوْلَاهُ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ دَفعه فَكَانَ بَينهمَا أَثلَاثًا الثُّلُثَانِ لأولياء الْقَتِيل وَالثلث لصَاحب الْعين وَإِن شَاءَ أمْسكهُ وفداه بِخَمْسَة عشر ألفا عشرَة آلَاف لأولياء الْقَتِيل وَخَمْسَة آلَاف لصَاحب الْعين وَإِن أعْتقهُ الْمولى وَهُوَ يعلم فَهَذَا مِنْهُ اخْتِيَار للْعَبد فَعَلَيهِ خَمْسَة عشر ألفا فِي مَاله خَاصَّة وَكَذَلِكَ لَو دبره أَو بَاعه أَو كَاتبه فَهُوَ اخْتِيَار وَلَو كَانَت أمة فَوَطِئَهَا أَو زَوجهَا أَو آجرها أَو رَهنهَا فَلَيْسَ هَذَا بِاخْتِيَار وَلَا يجب فِيهِ الْأَرْش فان استخدم وَهُوَ يعلم فَلَيْسَ ذَلِك بِاخْتِيَار الْخدمَة كَالَّذي ذكرنَا مِمَّا تعلق فِيهِ الرَّقَبَة وَشبهه وَإِن ضرب العَبْد ضَرْبَة يلْزمه من ذَلِك عيب فَاحش أَو جرحه أَو قَتله وَهُوَ يعلم فَهَذَا مِنْهُ اخْتِيَار أَيْضا وَعَلِيهِ فِي ذَلِك الْأَرْش وَإِذا وَقع العَبْد فِي بِئْر احتفرها الْمولى فِي الطَّرِيق أَو أَصَابَهُ جنَاح أشرعه الْمولى فِي الطَّرِيق أَو شَيْء أحدثه فَلَيْسَ هَذَا بِاخْتِيَار من قبل أَن هَذَا لَيْسَ بِجِنَايَة من الْمولى بِيَدِهِ وَكَذَلِكَ كل مَا اصابه مِمَّا أحدث الْمولى فِي الطَّرِيق وَمِمَّا لَا يجب على الْمولى فِيهِ الْكَفَّارَة فان هَذَا لَيْسَ بِاخْتِيَار

(4/593)


وعَلى الْمولى الْقيمَة إِن مَاتَ العَبْد من ذَلِك كُله بَينهمَا أَثلَاثًا وَإِن أوطأه الْمولى وَهُوَ يسير على دَابَّته أَو وَقع عَلَيْهِ فَقتله وَهُوَ يعلم بِجِنَايَتِهِ فَهَذَا اخْتِيَار وَعَلِيهِ الْأَرْش وَإِذا أعْتقهُ الْمولى أَو كَاتبه أَو دبره أَو بَاعه أَو وهبه أَو قَتله وَهُوَ لَا يعلم بِالَّذِي جنى فَلَيْسَ هَذَا مِنْهُ بِاخْتِيَار وَعَلِيهِ قيمَة العَبْد بَينهم أَثلَاثًا فان كَانَ قد علم بِأَحَدِهِمَا وَلم يعلم بِالْآخرِ فَعَلَيهِ بِالَّذِي علم بِهِ الْأَرْش كَامِلا وَعَلِيهِ للَّذي لم يعلم بِهِ حِصَّته من الْقيمَة وَإِذا جنى العَبْد جِنَايَة لم يبلغ النَّفس فَأعْتقهُ الْمولى وَهُوَ يعلم بهَا قبل الْبُرْء ثمَّ انتقضت بِهِ الْجراحَة فَمَاتَ كَانَ هَذَا مِنْهُ اخْتِيَارا وَعَلِيهِ الدِّيَة وَإِذا قَالَ الْمولى لعَبْدِهِ إِن ضربت فلَانا بِالسَّيْفِ أَو بعصا أَو بِسَوْط أَو بِيَدِك أَو شججته أَو جرحته فَأَنت حر فَفعل بِهِ شَيْئا من ذَلِك فَمَاتَ مِنْهُ عتق العَبْد وَكَانَ هَذَا اخْتِيَارا من الْمولى وَعَلِيهِ فِيهِ الدِّيَة مَا خلا خصْلَة وَاحِدَة إِن ضربه بِالسَّيْفِ فَقتله فان على العَبْد فِيهَا الْقصاص وَلَيْسَ فِي الْعمد الَّذِي فِيهِ الْقصاص اخْتِيَار من قبل أَن فِيهِ الْقصاص وَأَن العَبْد وَالْحر فِي ذَلِك كُله سَوَاء لم يفْسد عتق الْمولى من قصاصهم شَيْئا
وَإِذا جرح العَبْد جِرَاحَة ثمَّ خَاصم الْمولى فخيره القَاضِي فَاخْتَارَ

(4/594)


عَبده وَأعْطى الْأَرْش ثمَّ انتقضت الْجراحَة وَمَات الْمَجْرُوح وَالْعَبْد على حَاله فانه كَانَ يَنْبَغِي لَهُ فِي الْقيَاس أَن يكون هَذَا مِنْهُ اخْتِيَارا وَلَكنَّا نَدع الْقيَاس لأَنا إِنَّمَا اخترنا فِي غير النَّفس ونخيره الْآن خيارا مُسْتَقْبلا فان شَاءَ دَفعه وَأخذ مَا أعْطى وَإِن شَاءَ فدَاه بِتمَام الدِّيَة وَهَذَا قَول ابي يُوسُف الأول وَهُوَ قَول مُحَمَّد ثمَّ قَالَ أَبُو يُوسُف بعد ذَلِك إِن عَلَيْهِ الدِّيَة وَإِذا جنى العَبْد جِنَايَة تبلغ الدِّيَة فَاخْتَارَ الْمولى إمْسَاك العَبْد وَلَيْسَ عِنْده مَا يُؤَدِّي وَكَانَ ذَلِك عِنْد القَاضِي أوعند غير القَاضِي فَالْعَبْد عَبده وَالدية عَلَيْهِ دين وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وفيهَا قَول آخر إِنَّه إِن أدّى الدِّيَة مَكَانَهُ أَخذه وَإِلَّا دفع العَبْد إِلَّا أَن يرضى الْأَوْلِيَاء إِن منعُوهُ بِالدِّيَةِ على مَا قَالَ فان رَضوا بذلك لم يكن لَهُم بعد ذَلِك أَن يرجِعوا فِي العَبْد وَهَذَا قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد
وَإِذا جنى العَبْد جِنَايَة خطأ ثمَّ أقرّ الْمَجْنِي عَلَيْهِ أَنه حر قلا حق لَهُ فِي رَقَبَة العَبْد لِأَنَّهُ يزْعم أَنه حر وَلَا حق لَهُ على الْمولى أَيْضا لِأَنَّهُ لم يدع عَلَيْهِ عتقا بعد الْجِنَايَة وَلَو لم يقر بذلك الْمَجْنِي عَلَيْهِ حَتَّى دفع إِلَيْهِ العَبْد بِالْجِنَايَةِ ثمَّ أقرّ بعد ذَلِك عتق العَبْد بِيَدِهِ وَكَانَ الْوَلَاء مَوْقُوفا وَإِذا جنت الْأمة جنتاية ثمَّ ولدت الْأمة ولدا فاختصموا فِي ذَلِك فانه يُقَال للْمولى ادْفَعْ الْأمة بِالْجِنَايَةِ أَو افدها وَلَا يدْخل فِي ذَلِك وَلَدهَا وَلَا كسبها

(4/595)


وَإِن جنى عَلَيْهَا أحد فَأخذ الْمولى لذَلِك أرشا فانه يَدْفَعهُ مَعهَا وَإِذا كَانَ إِنَّمَا جنى عَلَيْهَا قبل ذَلِك فَهُوَ للْمولى وَإِن لم يعلم بذلك فَالْقَوْل قَول الْمولى مَعَ يَمِينه وعَلى الْمَجْنِي عَلَيْهِ الْبَيِّنَة وَإِن كَانَت الْجِنَايَة عَلَيْهَا بعد جنايتها فَأَمْسكهَا الْمولى أَو فداها فانه يَسْتَعِين بِأَرْش تِلْكَ الْجِنَايَة فِي الْفِدَاء فان لم يفدها وَلم يخيرها حَتَّى يستهلك ذَلِك الْأَرْش أَو يَهبهُ للجاني عَلَيْهَا ثمَّ بدا لَهُ أَن يدْفع الْأمة فَلهُ أَن يَدْفَعهَا ان وَلَيْسَ هَذَا مِنْهُ بِاخْتِيَار وَعَلِيهِ أَن يغرم مثل مَا اسْتهْلك فيدفعه مَعهَا وَإِن كَانَ جنى عَلَيْهَا عبد فَقَبضهُ الْمولى كَانَ على الْمولى أَن يَدْفَعهَا جَمِيعًا أَو يفديهما بِالدِّيَةِ فان أعتق العَبْد الْمَدْفُوع إِلَيْهِ فَهَذَا مِنْهُ اخْتِيَار للآمة وَعَلِيهِ الدِّيَة وَكَذَلِكَ إِن هُوَ أعتق الْأمة فَلَا يَسْتَطِيع أَن يدْفع وَاحِدًا مِنْهُمَا دون صَاحبه وَلَيْسَ هَذَا كالدراهم وَإِن أعْتقهُ وَهُوَ لَا يعلم ثمَّ اخْتَار دفع الْأمة دفع مَعهَا قيمَة العَبْد أَلا ترى أَنَّهُمَا لَو كَانَا قَائِمين عِنْده بأعيانهما قلت لَهُ ادفعهما أَو افدهما وَلَو كَانَ هَذَا العَبْد فَقَأَ عين الْأمة فَدفع بهَا وَأخذت الْجَارِيَة فان العَبْد يصير مَكَانهَا يَدْفَعهُ الْمولى أَو يفْدِيه بِالدِّيَةِ
وَلَو كَانَت الْجَارِيَة قتلت خطأ فَأخذ الْمولى قيمتهَا لم نقل للْمولى ادفعها أَو افدها وَلكنه يدْفع قيمتهَا وَلَو قَتلهَا مَمْلُوك فَدفع بِالْجِنَايَةِ كَانَ بِالْخِيَارِ فِيهِ إِن شَاءَ فدَاه وَإِن شَاءَ دَفعه وَالْحَيَوَان فِي هَذَا لَا يشبه الدَّرَاهِم

(4/596)


وَإِذا قتل العَبْد رجلا حرا خطأ ثمَّ إِن جَارِيَة لمولى العَبْد قتلت العَبْد خطأ كَانَ القَوْل فِيهَا أَن يُقَال للْمولى ادْفَعْ الْجَارِيَة أَو افدها بِقِيمَة العَبْد لِأَنَّهُ إِذا أعْطى قيمَة العَبْد فَقَط أعْطى أهل الْجِنَايَة حَقهم وَإِذا قتل العَبْد رجلا خطأ وَعَلِيهِ دين فان مَوْلَاهُ يُخَيّر فان شَاءَ دَفعه بِالْجِنَايَةِ وَاتبعهُ أَصْحَاب الدّين عِنْد أهل الْجِنَايَة وَإِن شَاءَ فدَاه بِالدِّيَةِ وَكَانَ الدّين عَلَيْهِ كَمَا هُوَ وَإِن فدَاه بِأَمْر قَاض أَو بِغَيْر أَمر قَاض فَهُوَ سَوَاء
وَإِن دَفعه إِلَى أهل الْجِنَايَة بِغَيْر أَمر قَاض فَهَلَك عِنْدهم فانه لَا يضمن لأَصْحَاب الدّين قِيمَته وَلَو دَفعه إِلَى أهل الدّين بدينهم دون أَمر القَاضِي قبل أَن يحضر أهل الْجِنَايَة فَعَلَيهِ قِيمَته لأَصْحَاب الْجِنَايَة إِن كَانَ لَا يعلم وَإِن كَانَ يعلم فَعَلَيهِ الْأَرْش كُله وَإِذا جنى العَبْد جِنَايَة فَقتل رجلا خطأ وَقتلت أمة لَهُ رجلا خطأ وهما جَمِيعًا لرجل وَاحِد ثمَّ إِن العَبْد قتل الآمة خطأ فَاخْتَارَ الْمولى أَن يَدْفَعهُ بذلك كُله فان أهل جِنَايَة الْأمة يضْربُونَ فِي قيمَة العَبْد بِقِيمَة الْأمة وَيضْرب أهل جِنَايَة العَبْد بدية الْحر فَيكون العَبْد بَينهم على ذَلِك وَإِن أمْسكهُ الْمولى وفداه أعْطى الدِّيَة أَصْحَاب جِنَايَة العَبْد وَأعْطى قيمَة الْأمة أَصْحَاب جنايتها وَإِذا جنى العَبْد جِنَايَة فَفَدَاهُ الْمولى فجنى جِنَايَة أُخْرَى فانه يُقَال لَهُ أَيْضا ادفعه أَو افده وَإِن لم يقْض فِي الأول بِشَيْء حَتَّى يجني جِنَايَة ثَانِيَة قيل لَهُ ادفعه بهما جَمِيعًا أَو افده بِأَرْش ذَلِك كُله

(4/597)


وَإِذا أقرّ العَبْد بِالْجِنَايَةِ فانه لَا يصدق فِي شَيْء مِنْهَا نفسا كَانَت أَو مَا دونهَا خطأ كَانَ أَو عمدا لِأَنَّهُ يسْتَغْرق رقبته فَلَا يصدق مَا خلا بَابا وَاحِدًا إِن أقرّ لَهُ بِالْقَتْلِ عمدا فانه عَلَيْهِ فِيهِ الْقصاص وَالْعَبْد التَّاجِر فِي ذَلِك وَغير التَّاجِر سَوَاء وَإِذا أعتق العَبْد ثمَّ أقرّ أَنه كَانَ جنى جِنَايَة فِي حَال الرّقّ خطأ أَو عمدا نفسا أَو مَا دونهَا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِي شَيْء من ذَلِك مَا خلا خصْلَة وَاحِدَة الْقَتْل عمدا فان عَلَيْهِ فِيهِ الْقصاص فَأَما مَا سواهُ من الْخَطَأ فانه إِذا أقرّ على مَوْلَاهُ بذلك فَلَا يصدق وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء أَلا ترى أَن الْمولى لَو صدقه بذلك لزمَه الْأَرْش إِن أقرّ أَنه أعْتقهُ وَهُوَ يعلم وَإِلَّا لَزِمته الْقيمَة وَإِذا أعتق الرجل عَبده وَهُوَ يعلم وَعَلِيهِ دين وَفِي عُنُقه جِنَايَة وَهُوَ يعلم بذلك فَعَلَيهِ الْأَرْش لأَصْحَاب الْجِنَايَة وَعَلِيهِ قِيمَته للْغُرَمَاء وَإِن كَانَ لَا يعلم فَعَلَيهِ قيمتان قيمَة لأَصْحَاب الْجِنَايَة وَقِيمَة لأَصْحَاب الدّين إِلَّا أَن يكون أرش الْجِنَايَة أقل من ذَلِك فَيكون عَلَيْهِ الْأَقَل
وَإِذا جنى العَبْد أَو الْأمة جِنَايَة فَقَالَ الْمولى قد كنت أَعتَقته قبل الْجِنَايَة أَو قَالَ هُوَ ابْني أَو قَالَ لأمته هِيَ أم وَلَدي أَو قَالَ قد كنت دبرتها قبل الْجِنَايَة فانه لَا يصدق على أهل الْجِنَايَة فان كَانَ قَالَ هَذِه الْمقَالة بعد علمه بِالْجِنَايَةِ فَعَلَيهِ الْأَرْش كَامِلا وَإِن كَانَ قَالَ

(4/598)


هَذِه الْمقَالة قبل أَن يعلم بِالْجِنَايَةِ فَعَلَيهِ الْقيمَة إِلَّا أَن يكون الْأَرْش أقل من ذَلِك فَيكون عَلَيْهِ الْأَقَل وَإِذا جنى العَبْد جِنَايَة فجَاء إِنْسَان فَأخْبر الْمولى بذلك فَأعتق العَبْد ثمَّ قَالَ لم أصدق الَّذِي أَخْبرنِي أَو قَالَ لم أصدقه وَلم أكذبه فانما عَلَيْهِ الْقيمَة مَا لم يُخبرهُ بذلك رجلَانِ أَو رجل عدل يعرفهُ بذلك أَو يقر أَنه قد صدق الَّذِي أخبرهُ وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وفيهَا قَول آخر قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد بن الْحسن إِنَّه إِذا أخبرهُ مخبر حرا كَانَ أَو عبدا صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا مُسلما كَانَ أَو كَافِرًا رَسُولا كَانَ لمولى الْجِنَايَة أَو غير رَسُول لمولى الْجِنَايَة فَأعْتقهُ بعد الْخَبَر ثمَّ كَانَ الْخَبَر حَقًا فَهُوَ ضَامِن للأرش كُله وَهَذَا كُله اخْتِيَار مِنْهُ أَرَأَيْت لَو جَاءَ صَاحب الْجِنَايَة بِنَفسِهِ يدعى ذَلِك فَأعْتقهُ بعد ادِّعَاء هَذَا ولقائه إِيَّاه أما كَانَ هَذَا اخْتِيَارا مِنْهُ وَإِذا أعتق الْمولى عبدا وَفِي عُنُقه جِنَايَة وَقَالَ لم أعلم بِالْجِنَايَةِ فان عَلَيْهِ الْيَمين بِاللَّه فان حلف ضمن الْقيمَة وَإِن لم يحلف ضمن الدِّيَة وكل مَا ضمناه فِيهِ الْقيمَة فانه ينظر إِلَى أرش الْجِنَايَة فان كَانَ أقل من الْقيمَة فانما عَلَيْهِ الْأَرْش
وَإِذا جنى العَبْد جِنَايَة فَقَالَ الْمولى قد كنت بِعته من فلَان قبل الْجِنَايَة وَأقر بذلك فلَان أَو قَالَ هُوَ لفُلَان لم يكن لي قطّ وَأقر

(4/599)


فلَان بذلك فان فلَانا بِالْخِيَارِ فان شَاءَ دَفعه وَإِن شَاءَ فدَاه لِأَن الْمولى الَّذِي كَانَ فِي يَده لم يبلغهُ إِذا أخرجه إِلَى ملك رجل يفْدِيه أَو يَدْفَعهُ وَلَو أنكر الرجل الْمقر لَهُ بذلك قيل للَّذي كَانَ فِي يَدَيْهِ ادفعه أَنْت أَو افده
وَلَو أَن عبدا فِي يَدي رجل جنى جِنَايَة فَقَالَ أهل الْجِنَايَة هُوَ عَبدك وَقَالَ الرجل هُوَ عبد استودعنيه رجل غَائِب فان اقام على ذَلِك بَيِّنَة أخر الْأَمر حَتَّى يقدم فلَان الْغَائِب وَإِن لم يقم على ذَلِك بَيِّنَة فَهُوَ الْخصم فِيهِ وَكَذَلِكَ لَو قَالَ هُوَ عَارِية فِي يَدي لفُلَان أَو إِجَارَة أَو رهن فان فدَاه فَهُوَ جَائِز وَمَتى مَا جَاءَ فلَان الْمقر لَهُ بِهِ كَانَ لَهُ أَن يَأْخُذ عَبده وَلَا يكون عَلَيْهِ من الْفِدَاء شَيْء من قبل أَنه لم يَأْمر الَّذِي فِي يَدَيْهِ العَبْد أَن يفْدِيه ويعرض عَنهُ وَإِن كَانَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ دَفعه فَمَتَى مَا جَاءَ الْمقر لَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ سلم الدّفع وَبرئ من العَبْد وَإِن شَاءَ أَخذ العَبْد وَأعْطِي الْأَرْش وَإِن أنكر أَن يكون العَبْد لَهُ فَمَا صنع الأول فِيهِ من شَيْء فَهُوَ جَائِز وَقَالَ يَعْقُوب وَمُحَمّد لَو أَن عبدا فِي يَدي رجل وَالرجل مقرّ بِأَنَّهُ عبد لَهُ أَو لم يقر وَلم يُنكر فَأقر الْمولى على العَبْد بِجِنَايَة خطأ ثمَّ زعم الْمولى بعد ذَلِك أَنه لرجل آخر وَأَنه لم يملكهُ قطّ فَصدقهُ بذلك الرجل

(4/600)


بِأَن العَبْد لَهُ وَكذبه بِالْجِنَايَةِ فان كَانَ الَّذِي كَانَ العَبْد فِي يَدَيْهِ قد كَانَ أقرّ أَنه عَبده فَعَلَيهِ أرش جَمِيع الْجِنَايَة وَهَذَا مِنْهُ اخْتِيَار لِأَنَّهُ أتْلفه باقراره وَإِن كَانَ الْمولى لم يكن أقرّ أَنه لَهُ حَتَّى أقرّ بِهِ لهَذَا الرجل فَالْعَبْد للْمقر لَهُ وَلَا يلْحق العَبْد وَلَا الْمولى الأول وَلَا الْمولى الآخر من الْجِنَايَة شَيْء لِأَن الْمولى لم يتْلف شَيْئا إِنَّمَا أقرّ على عبد غَيره فَلَا يجوز إِقْرَاره وَالْجِنَايَة إِذا كَانَت بِبَيِّنَة لَا يشبه الْجِنَايَة إِذا كَانَت باقرار الْمولى
وَإِذا جنى العَبْد جِنَايَة ثمَّ إِنَّه اعور أَو عمي أَو أَصَابَهُ بلَاء من السَّمَاء فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيهِ وَإِنَّمَا يُقَال لَهُ ادفعه على حَاله أَو افده وَكَذَلِكَ لَو أَن الْمولى بَعثه فِي حَاجَة فَعَطب فِيهَا أَو استخدمه لم يكن عَلَيْهِ فِيهِ ضَمَان لِأَن لَهُ أَن يستخدمه وَلَو أذن لَهُ فِي التِّجَارَة بعد علمه بِجِنَايَتِهِ فَلحقه دين مثل الْقيمَة أَو أَكثر دَفعه بِالْجِنَايَةِ وَاتبعهُ أَصْحَاب الدّين فَاتَّبعُوهُ فِي دينهم ثمَّ ضمنُوا الْمولى قِيمَته لأهل الْجِنَايَة وَلَا يضمن الْأَرْش من قبل أَن هَذَا لَيْسَ بِاخْتِيَار مِنْهُ وَإِذا قتل العَبْد قَتِيلا خطأ ثمَّ فَقَأَ رجل عينه ثمَّ قتل آخر خطأ ثمَّ اخْتَار الْمولى أَن يَدْفَعهُ فانه يدْفع أرش الْعين إِلَى الأول وَيكون العَبْد بَينهمَا يضْرب فِيهِ الأول بِالدِّيَةِ إِلَّا مَا أَخذ من أرش الْعين وَيضْرب فِيهِ الآخر بِالدِّيَةِ وَالْأول أَحَق بِأَرْش الْعين لِأَنَّهُ لم يجن على الآخر إِلَّا وَهُوَ أَعور وَكَذَلِكَ لَو كَانَ الَّذِي فقا عينه عبدا

(4/601)


فَدفع بِهِ كَانَ الأول أَحَق بِهِ وَيضْرب بِالدِّيَةِ إِلَّا قيمَة العَبْد الَّذِي أَخذ فِي العور وَيضْرب الآخر بِالدِّيَةِ وَإِذا قتل العَبْد قَتِيلا خطأ وللمقتول وليان فَدفعهُ الْمولى إِلَى أَحدهمَا بِقَضَاء قَاض ثمَّ أَنه قتل عِنْده آخر فجَاء ولي الآخر وَالشَّرِيك الآخر فانه يُقَال للمدفوع إِلَيْهِ الأول ادْفَعْ نصفك إِلَى الآخر بِنصْف الدِّيَة أَو افده فان دَفعه برِئ من نصف الدِّيَة وَيرد النّصْف الْبَاقِي على الْمولى فَيُقَال لَهُ ادفعه أَو افده بِعشْرَة آلَاف وَخَمْسَة آلَاف للْآخر وَخَمْسَة آلَاف للأوسط فان دَفعه إِلَيْهِمَا اقتسماه على ذَلِك يضْرب فِيهِ الآخر بِخَمْسَة آلَاف وَيضْرب فِيهِ الْأَوْسَط بِخَمْسَة آلَاف وَيضمن الأول الَّذِي كَانَ عِنْده العَبْد الَّذِي جنى عِنْده الْجِنَايَة الثَّانِيَة ربع الْقيمَة للْمولى فيدفعها الْمولى إِلَى ولي الْقَتِيل الأول فَيكون فِي يَدي الأول ربع الْقيمَة وَربع عبد
وَإِذا قتل العَبْد قَتِيلا خطأ وَقتل آخر خطأ فَدفعهُ الْمولى إِلَى أَحدهمَا دون الآخر بِغَيْر قَضَاء قَاض فَقتل عِنْده قَتِيلا خطأ ثمَّ اجْتَمعُوا جَمِيعًا فَاخْتَارُوا الدّفع فان الأول الَّذِي دفع العَبْد إِلَيْهِ يُقَال لَهُ ادْفَعْ نصف العَبْد إِلَى الآخر ورد النّصْف الْبَاقِي على الْمولى فيدفعه الْمولى إِلَى الْأَوْسَط وَالْآخر وَيضْرب فِيهِ الآخر بِخَمْسَة الآف

(4/602)


والأوسط بِعشْرَة آلَاف وَيضمن الْمولى سدس قيمَة العَبْد للأوسط وَيرجع بذلك الْمولى على الأول الَّذِي كَانَ فِي يَدَيْهِ وَإِذا قتل العَبْد قَتِيلا خطأ وفقأ عين آخر فَدفعهُ الْمولى إِلَى المفقوءة عينه فَقتل عِنْده قَتِيلا آخر ثمَّ اجْتَمعُوا فَاخْتَارُوا دَفعه فان صَاحب الْعين يدْفع ثلثه إِلَى الآخر لِأَنَّهُ لم يكن لَهُ إِلَّا ثلثه وَيرد الثُّلثَيْنِ على الْمولى فيدفعه الْمولى إِلَى أَوْلِيَاء الْقَتِيلين يضْرب فِيهِ الأول بِعشْرَة آلَاف وَيضْرب فِي الآخر بِثُلثي الدِّيَة وَيضمن الْمولى للْأولِ سِتَّة أَجزَاء وثلثي جُزْء من سِتَّة عشر جُزْءا وثلثي جُزْء وَمن ثُلثي قيمَة العَبْد وَذَلِكَ خمْسا ثُلثي قيمَة العَبْد لِأَنَّهُ أتْلفه وَيرجع الْمولى بذلك على صَاحب الْعين من قبل أَن ولى الْقَتِيل الأول كَانَ لَهُ ثلثا العَبْد فَيدْخل عَلَيْهِ الآخر بِسِتَّة أَجزَاء وثلثي جُزْء من سِتَّة عشر جُزْءا وثلثي جُزْء من ثُلثي قيمَة العَبْد وَيرجع بذلك على الْمولى لِأَنَّهُ أتْلفه وَدفعه وَيرجع الْمولى بذلك على صَاحب الْعين

(4/603)


وَإِذا قتلت الْأمة قَتِيلا خطأ ثمَّ ولدت بِنْتا ثمَّ ابْنَتهَا قتلت رجلا آخر خطأ ثمَّ إِن الِابْنَة قتلت الْأُم فَاخْتَارَ الْمولى دفع الِابْنَة فان أَوْلِيَاء الْقَتِيل الَّذِي قتلته الْأُم يضْربُونَ فِي الِابْنَة بِقِيمَة الْأُم وَيضْرب أَوْلِيَاء الْقَتِيل الَّذِي قتلته الِابْنَة بِالدِّيَةِ فَتكون الِابْنَة بَينهم على ذَلِك وَلَو اخْتَار الْمولى إمْسَاك الِابْنَة دفع دِيَة الْقَتِيل الَّذِي قتلته الِابْنَة إِلَى أوليائه وَدفع دِيَة الْأُم إِلَى أَوْلِيَاء الْقَتِيل الَّذِي قتلته الْأُم وَلَو لم يقتل الِابْنَة الْأُم وَلكنهَا فقأت عينهَا فَاخْتَارَ الْمولى دفع الِابْنَة وَالأُم بِالْجِنَايَةِ دفعت الْأُم إِلَى أَوْلِيَاء الْقَتِيل الَّذِي قتلته وتدفع الِابْنَة فَيضْرب فِيهَا أَوْلِيَاء الْقَتِيل الَّذِي قتلته الِابْنَة فِي الدِّيَة فِي الِابْنَة وَيضْرب أَصْحَاب الْأُم فِي الِابْنَة بِنصْف قيمَة الْأُم فَتكون الِابْنَة بَينهم على ذَلِك

(4/604)


وَلَو أَن الْأُم أَيْضا فقأت عين الِابْنَة بعد فقئ الِابْنَة عينهَا وهما عِنْد الْمولى الأول ثمَّ اخْتَار الْمولى دفعهما فانه يَدْفَعهُ الِابْنَة فَيضْرب فِيهَا أَوْلِيَاء الْقَتِيل الَّذِي قتلته بِالدِّيَةِ وَيضْرب فِيهَا أَصْحَاب الْأُم بِنصْف قيمَة الْأُم فَيكون ذَلِك مَعَ الْأُم ثمَّ يدْفع الْأُم وَمَا أَصَابَهَا من أرش عينهَا من الِابْنَة فَيكون مَا كَانَ من الِابْنَة من ذَلِك لأولياء الْقَتِيل الَّذِي قتلته الْأُم ويضربون فِي الْأُم بِمَا بَقِي من الدِّيَة وَيضْرب فِيهَا أَصْحَاب الِابْنَة بِنصْف قيمَة الِابْنَة فَيكون بَينهم على ذَلِك وَلَو اخْتَار الْمولى الْفِدَاء فيهمَا أمسكهما جَمِيعًا وَأعْطِي ديتين لكل قَتِيل دِيَة وَإِذا قتلت الْأمة رجلا حرا خطأ ثمَّ إِنَّهَا ولدت ابْنا ثمَّ إِن ابْنهَا قَتلهَا فان الْمولى يُخَيّر فان شَاءَ أمْسكهُ وَأعْطى قيمَة الْأُم وَإِن شَاءَ دَفعه وَلَا يدْخل ولد الْأمة وَلَا كسبها وَلَا غَلَّتهَا فِي جِنَايَة جنتها فان كَانَ الْكسْب وَالْولد بعد ذَلِك أَو قبله فَهُوَ سَوَاء وَقد يدْخل ذَلِك فِي الدّين الَّذِي عَلَيْهَا إِذا ولدت بعد الدّين
وَلَو كَانَت جنايتها فِي شَيْء من الْعرُوض أَو الْحَيَوَان سوى الرَّقِيق كَانَ ذَلِك دينا فِي عُنُقهَا فان ولدت ولدا بعد ذَلِك أَو اكْتسبت مَالا كَانَت هِيَ وَمَالهَا وكسبها وَوَلدهَا فِي ذَلِك الدّين حَتَّى يَسْتَوْفِي

(4/605)


وَإِذا جنت الْأمة وَهِي حَامِل ثمَّ ولدت ولدا قبل أَن يَدْفَعهَا الْمولى فَالْوَلَد للْمولى فان ولدت آخر بعد الدّفع فَهُوَ للمدفوعة إِلَيْهِ الْأُم
وَإِذا جنت الْأمة جِنَايَة خطأ ثمَّ ولدت ولدا ثمَّ إِن وَلَدهَا قطع يَدهَا فان الْمولى يُخَيّر فان شَاءَ دفع الْأُم وَنصف قيمتهَا إِلَى أهل الْجِنَايَة وَإِن شَاءَ دَفعهَا وَابْنهَا وَإِن شَاءَ أمسكهما جَمِيعًا وَأعْطِي الْأَرْش وَوَلدهَا عبد لمولاها وَإِن كَانَ أرش الْجِنَايَة أقل من نصف قيمتهَا أَو مثل نصف قيمتهَا فَأعْطى نصف قيمتهَا لم يكن عَلَيْهِ إِلَّا ذَلِك وَلَو جنى عَلَيْهَا عبد لغيره فَأخذ أرش ذَلِك أعطي من ذَلِك أرش جنايتها وَأمْسك مَا بَقِي وَإِذا اخْتلف مولى الْأمة وَأهل الْجِنَايَة فِي الْأمة فَقَالُوا جنت علينا وَهِي صَحِيحَة ثمَّ فَقَأَ رجل عينهَا فالأرش لنا وَقَالَ الْمولى بل جنت عَلَيْكُم وَهِي عوراء بعد الفقئ فان القَوْل قَول الْمولى مَعَ يَمِينه وعَلى أهل الْجِنَايَة الْبَيِّنَة وَكَذَلِكَ لَو كَانَ الَّذِي جنى عَلَيْهَا بعض وَرَثَة الْقَتِيل أَو الْقَتِيل نَفسه فَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِك وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد رَضِي الله عَنْهُم
- بَاب جِنَايَة العَبْد فِي الْبِئْر
- وَإِذا احتفر العَبْد بِئْرا بِغَيْر إِذن مَوْلَاهُ فِي الطَّرِيق ثمَّ أعْتقهُ الْمولى قبل أَن يعلم بِالْحفرِ ثمَّ وَقع فِيهَا رجل فَمَاتَ كَانَ على الْمولى قيمَة العَبْد لذَلِك الرجل فان وَقع فِيهَا آخر اشْتَركَا فِي تِلْكَ الْقيمَة فان وَقع فِيهَا العَبْد فَمَاتَ فانه يشْتَرك وَرَثَة العَبْد فِي تِلْكَ الْقيمَة أَصْحَابهَا الَّذين أخذوها وَلَو أعْتقهُ بعد مَا وَقع فِيهَا رجل وَهُوَ لَا يعلم كَانَ مثل ذَلِك أَيْضا عتقه

(4/606)


قبل وُقُوع الرجل وَبعد وُقُوعه بعد أَن يكون لَا يعلم فَذَلِك كُله سَوَاء وَإِذا وَقع فِيهَا رجل فَمَاتَ فَأعتق الْمولى العَبْد وَهُوَ يعلم وُقُوع الرجل وَمَوته كَانَ عَلَيْهِ الدِّيَة لِأَن ذَلِك اخْتِيَار مِنْهُ فان وَقع فِيهَا آخر فَمَاتَ فانه يقاسم صَاحب الدِّيَة فَيضْرب الآخر بِقِيمَة العَبْد وَيضْرب الأول بِالدِّيَةِ وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وفيهَا قَول آخر وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد إِن على الْمولى نصف قيمَة أُخْرَى لولى الْقَتِيل الآخر من قبل أَن عتقه بِمَنْزِلَة اخْتِيَار العَبْد أَرَأَيْت لَو أمسك العَبْد وَلم يعتقهُ وَأعْطِي الدِّيَة أما كَانَ عَلَيْهِ أَن يفْدِيه أَو يدْفع نصفه وَإِذا وَقع فِيهَا رجل فَمَاتَ وَوَقع فِيهَا آخر بعد فَذَهَبت عينه وَالْعَبْد قَائِم بِعَيْنِه فانه يُقَال للْمولى ادفعه إِلَيْهِمَا فَيكون بَينهمَا على ثَلَاثَة أسْهم لصَاحب الْعين الثُّلُث وَلِصَاحِب النَّفس الثُّلُثَانِ فان أمْسكهُ وفداه بِخَمْسَة عشر ألفا فَذَلِك لَهُ وَإِن كَانَ أعْتقهُ قبل أَن يعلم فَعَلَيهِ قِيمَته بَينهم أَثلَاثًا وَإِن كَانَ يعلم ابالقتل وَلَا يعلم بِالْعِتْقِ فَعَلَيهِ عشرَة آلَاف لولى الْقَتِيل وَعَلِيهِ ثلث الْقيمَة لصَاحب الْعين لِأَنَّهُ مُخْتَار فِي الْقَتِيل وَلَيْسَ بمختار فِي الْعين وَلَو بَاعَ العَبْد قبل أَن يَقع فِيهَا أحد ثمَّ وَقع فِيهَا آخر بعد ذَلِك فَمَاتَ فان على الْمولى قيمَة العَبْد وَكَذَلِكَ لَو وَقع فِيهَا العَبْد نَفسه فَمَاتَ

(4/607)


كَانَ على الْمولى قيمَة العَبْد وَكَذَلِكَ لَو وَقع فِيهَا العَبْد نَفسه فَمَاتَ كَانَ على الْمولى قِيمَته لمَوْلَاهُ الآخر وَإِن كَانَ قد أعتق العَبْد فَوَقع العَبْد فِيهَا وَهُوَ حر فان على الْمولى قِيمَته لوَرَثَة العَبْد فان وَقع فِيهَا آخر شركهم فِي الْقيمَة لَا يغرم فِيهَا أَكثر من قيمَة وَاحِدَة لِأَنَّهُ جِنَايَة وَاحِدَة
وَإِذا حفر العَبْد بِئْرا فِي دَار رجل بِغَيْر أمره فَوَقع فِيهَا إِنْسَان من أهل الدرا فَمَاتَ فانه يُخَيّر مولى العَبْد فان شَاءَ فدَاه بِالدِّيَةِ وَإِن شَاءَ دَفعه
وَإِذا حفر العَبْد بِئْرا فِي طَرِيق الْمُسلمين فَوضع فِيهَا حجرا فَوَقع فِيهَا رجل على الْحجر فَقتله الْحجر فان دِيَته فِي رَقَبَة العَبْد يَدْفَعهُ مَوْلَاهُ بِهِ أَو يفْدِيه فان كَانَ الْحر هُوَ الَّذِي حفر الْبِئْر وَوضع العَبْد الْحجر فِي الْبِئْر فان دِيَة الْقَتِيل على عَاقِلَة الْحر لِأَنَّهُ إِنَّمَا وَقع بِالْحفرِ
وَإِذا حفر العَبْد بِئْرا فِي طَرِيق الْمُسلمين فَوَقع فِيهَا رجل فَمَاتَ فَقَالَ الْمولى أَنا كنت أَمرته بذلك لكَي تضمن عَاقِلَته فانه لَا يصدق على ذَلِك إِلَّا أَن تقوم على ذَلِك بَيِّنَة وَالْجِنَايَة فِي رَقَبَة العَبْد يَدْفَعهُ مَوْلَاهُ بهَا أَو يفْدِيه إِذا أكذبه ولي الْجِنَايَة وَإِذا اسْتَأْجر الرجل حرا وعبدا يحفران لَهُ بِئْرا فِي الطَّرِيق فَوَقع عَلَيْهِمَا فماتا وَالْعَبْد مَحْجُورا عَلَيْهِ فان على الَّذِي اسْتَأْجر قِيمَته لمَوْلَاهُ ولورثة الْحر تِلْكَ الْقيمَة إِن كَانَت أقل من نصف الدِّيَة وَيرجع بهَا الْمولى على الْمُسْتَأْجر وعَلى عَاقِلَة الْحر نصف قيمَة العَبْد فَيكون الْمُسْتَأْجر الْآن قد غرم

(4/608)


قيمَة وَنصف وَلَو كَانَ العَبْد مَأْذُونا لَهُ فِي الْعمد لم يكن على الْمُسْتَأْجر شَيْء وَكَانَ على عَاقِلَة الْحر نصف قيمَة العَبْد لوَرَثَة الْحر وَإِذا حفر العَبْد بِئْرا فِي طَرِيق الْمُسلمين بِغَيْر أَمر الْمولى ثمَّ قتل قَتِيلا خطأ فَدفعهُ مَوْلَاهُ إِلَى ولي الْقَتِيل ثمَّ وَقع فِي الْبِئْر إِنْسَان فَمَاتَ فان ولى الْقَتِيل بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ دفع نصف العَبْد إِلَى ولي الْقَتِيل فِي الْبِئْر وَإِن شَاءَ فدَاه بِعشْرَة آلَاف وَلَو لم يقتل خطأ حَتَّى وَقع فِي الْبِئْر إِنْسَان فَمَاتَ فَدفعهُ مَوْلَاهُ ثمَّ قتل عِنْد الْمَدْفُوع إِلَيْهِ قَتِيلا خطأ فَدفعهُ بذلك ثمَّ وَقع فِي الْبِئْر آخر فان ولى الْقَتِيل يدْفع ثلثه إِلَى ولي الْوَاقِع فِي الْبِئْر أخيرا أَو يفْدِيه بِعشْرَة آلَاف وَإِنَّمَا صَار يدْفع ثلثه إِلَى ولي الْوَاقِع لِأَنَّهُ قد قتل اثْنَيْنِ فِي الْبِئْر وواحدا بِيَدِهِ فَصَارَ حِصَّة صَاحب الْبِئْر الأول الَّذِي قَتله بِيَدِهِ مَعَ حِصَّته فَصَارَ ذَلِك الثُّلثَيْنِ من العَبْد وَصَارَ إِنَّمَا يدْفع الثُّلُث أَو يفْدِيه بِعشْرَة آلَاف
- بَاب جِنَايَة الْمُدبر فِي حفر الْبِئْر
- وَإِذا حفر الْمُدبر بِئْرا أَو أم ولد فِي طَرِيق الْمُسلمين وَقِيمَة كل وَاحِد مِنْهُمَا ألف دِرْهَم فَوَقع فِيهَا إِنْسَان فَمَاتَ فعلى الْمولى قيمَة الْمُدبر أَو أم الْوَلَد أَيهمَا حفر الْبِئْر يُؤَدِّيهَا إِلَى ولي الْقَتِيل فان وَقع فِيهَا آخر لم يكن على الْمولى شَيْء بعد الْقيمَة الأولى ويشرك أَوْلِيَاء الْقَتِيل الآخر أَوْلِيَاء الْقَتِيل

(4/609)


الأول فِي تِلْكَ الْقيمَة فان كَانَ الْمُدبر قد زَاد خيرا حَتَّى صَار يُسَاوِي أَلفَيْنِ فَوَقع الثَّانِي ثمَّ ازْدَادَ شرا حَتَّى دخله عيب نَقصه خَمْسمِائَة حَتَّى صَار يُسَاوِي ألف وَخَمْسمِائة ثمَّ وَقع فِيهَا آخر فَمَاتَ فانه لَا شَيْء على الْمولى غير الْقيمَة الأولى ألف دِرْهَم بَينهم أَثلَاثًا بِالسَّوِيَّةِ
وَلَو لم يَقع فِي الْبِئْر إِنْسَان حَتَّى مَاتَ الْمُدبر ثمَّ وَقع فِيهَا إِنْسَان فَمَاتَ فان على مولى الْمُدبر قِيمَته من قبل أَنه مُدبر وَأَنه لم يكن يقدر على دَفعه حَيْثُ جنى
وَلَو كَانَت قِيمَته ألفا ثمَّ نقصت حَتَّى صَار يُسَاوِي خَمْسمِائَة فَمَاتَ ثمَّ وَقع فِيهَا رجل فَمَاتَ فان على الْمولى ألف دِرْهَم بَينهمَا نِصْفَيْنِ
وَلَو جنى الْمُدبر جِنَايَة بِيَدِهِ فانه لَيْسَ على مَوْلَاهُ شَيْء ويشاركهم ولي الْقَتِيل الآخر فِي تِلْكَ الْقيمَة فان كَانَ جنى على الآخر وَقِيمَته أَلفَانِ فان ألفا على الْمولى الآخر وَالْألف الأولى بَينهم يضْرب فِيهَا الآخر بِتِسْعَة آلَاف وَالْأول بِعشْرَة آلَاف وَإِذا اسْتَأْجر الرجل أَرْبَعَة رَهْط عبدا ومكاتبا ومدبرا وحرا يحفرون بِئْرا فِي طَرِيق الْمُسلمين فَوَقَعت عَلَيْهِم فماتوا من حفرهم وَلم يُؤذن للمدبر وَلَا للْعَبد فِي الْعَمَل فان على الْمُسْتَأْجر قيمَة كل وَاحِد مِنْهُمَا لمَوْلَاهُ ولورثة الْحر ربع دِيَة الْحر فِي رَقَبَة كل إِنْسَان مِنْهُم وَينظر إِلَى ربع الدِّيَة وَربع قيمَة الْمكَاتب وَإِلَى قِيمَته فَيَأْخُذ وَرَثَة الْحر وورثة الْمكَاتب

(4/610)


الْأَقَل من ذَلِك وَيرجع مواليهما بذلك على الْمُسْتَأْجر وللمستأجر على عَاقِلَة الْحر ربع قيمَة كل وَاحِد مِنْهُمَا وللمكاتب فِي رَقَبَة كل وَاحِد مِنْهُمَا ربع قِيمَته فِي قيمَة كل وَاحِد مِنْهُمَا فبعضه قصاص من بعض وَإِن كَانَ فِي قيمَة أحدهم فضل ترادا الْفضل وَربع قيمَة الْمكَاتب على عَاقِلَة الْحر ثمَّ يَأْخُذهَا وَرَثَة الْحر إِلَّا أَن يكون أَكثر من ربع الدِّيَة فَيَأْخُذُونَ ربع الدِّيَة ويردون الْفضل على مولى الْمكَاتب وَلكُل وَاحِد من الْعَبْدَيْنِ ربع قِيمَته فِي قيمَة الآخر وَلَكِن ذَلِك على الْمُسْتَأْجر فَهُوَ لَهُ فان كَانَ العبدان مَأْذُونا لَهما فِي التِّجَارَة فَلَا ضَمَان على الْمُسْتَأْجر وَالْإِذْن هَاهُنَا أَن يأمرهما الْمولى بِالْعَمَلِ أَو يراهما يعملان فَرضِي بذلك أَو يأمرهما بأَدَاء الْغلَّة فاذا كَانَ هَكَذَا فهما مَأْذُون لَهما وَربع قيمَة كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي عنق صَاحبه وَربع قيمَة كل وَاحِد مِنْهُمَا على عَاقِلَة الْحر وَثَلَاثَة أَربَاع دِيَة الْحر فِي أَعْنَاقهم فِي عنق كل وَاحِد مِنْهُم ربع ربع فاذا عقلت عَاقِلَة الْحر ربع قيمَة كل وَاحِد مِنْهُمَا عزل لكل وَاحِد مِنْهُمَا ربع قِيمَته وَيُؤْخَذ من مولى الْمُدبر قيمَة الْمُدبر كَامِلَة بعد أَن يكون الْقيمَة أقل مِمَّا عَلَيْهِ من ذَلِك فَيقسم بَينهم يضْرب وَرَثَة الْحر بِربع الدِّيَة وَمولى العَبْد بِربع الْقيمَة وَمولى الْمكَاتب بِربع الْقيمَة فان كَانَ الْمكَاتب ترك وَفَاء أَخذ من تركته تَمام قِيمَته إِن كَانَت قِيمَته أقل مِمَّا عَلَيْهِ من ذَلِك يضْرب فِيهَا وَرَثَة الْحر بِربع الدِّيَة وَمولى العَبْد بِربع الْقيمَة ثمَّ يُؤْخَذ من مولى العَبْد جَمِيع مَا أَخذ من ذَلِك يضْرب

(4/611)


فِيهِ وَرَثَة الْحر بِربع دِيَة الْحر وَمولى الْمُدبر بِربع قيمَة الْمُدبر وَمولى الْمكَاتب بِربع قيمَة الْمكَاتب
- بَاب جِنَايَة الكنيف والميزاب
- وَإِذا أخرج الرجل من دَاره كنيفا شَارِعا على الطَّرِيق أَو ميزابا أَو جرصنا فَذَلِك كُله سَوَاء وَكَذَلِكَ إِن أخرج صلاية من حَائِطه وَكَذَلِكَ الْبَقَّال يخرج خَشَبَة ينصبها على الطَّرِيق فَمَا أصَاب من ذَلِك حشية يتزين بِهِ الْحَائِط يبْنى لإِنْسَان فجرحه أَو قَتله فَهُوَ على عَاقِلَة الَّذِي أخرجه إِذا كَانَت نفسا أَو جِرَاحَة يبلغ خَمْسمِائَة فَصَاعِدا وَإِن كَانَ أقل من ذَلِك فَهُوَ فِي مَاله أَبُو يُوسُف قَالَ حَدثنَا نَحْو من ذَلِك عَطاء بن السَّائِب عَن مُحَمَّد بن عبيد الله عَن شُرَيْح وَإِن وَقع الكنيف أَو الْمِيزَاب على رجل فَقتله فديته على عَاقِلَة الَّذِي أَمر باخراجه وَلَا يكون على الَّذِي أخرجه شَيْء فان أَصَابَهُ الَّذِي فِي جَوف الْحَائِط مِنْهُ فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِيهِ وَإِن اصابه الدَّاخِل وَالْخَارِج فَعَلَيهِ نصف الدِّيَة على عَاقِلَته

(4/612)


وَإِذا بَاعَ رب الدَّار وَقد أشرع مِنْهَا كنيفا فَأصَاب رجلا فَالضَّمَان على البَائِع الأول لِأَنَّهُ هُوَ أخرجه وَكَذَلِكَ الرجل يَجْعَل ظلة على الطَّرِيق فَمَا اصاب من شَيْء فَهُوَ لَهُ ضَامِن وَكَذَلِكَ الرجل وضع الخشسبة فِي الطَّرِيق أَو يَبْنِي دكانا فَمَا أصَاب من ذَلِك من شَيْء فَهُوَ ضَامِن
وَلَو وضع رجل على الطَّرِيق شَيْئا فيعثر بِهِ فَوَقع فَمَاتَ كَانَ لَهُ ضَامِنا فان وطئ عَلَيْهِ فَوَقع فَمَاتَ كَانَ لَهُ ضَامِنا إِن لَا يتَعَمَّد الْمَشْي عَلَيْهِ فان كَانَ تعقل بِهِ عمدا فَعَطب فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَإِذا اخْتلف وَاضع الْحجر وَولى الْقَتِيل فِي ذَلِك فَقَالَ وَاضع الْحجر تعمد التعقل بِهِ وَكذبه الولى فَالْقَوْل قَول الولى وَصَاحب الْحجر ضَامِن لعاقلته وَلَا تضمن الْعَاقِلَة حَتَّى يشْهد شَاهِدَانِ أَن هَذَا وَضعه وَأَن هَذَا تعقل بِهِ وَلَو أقرّ هُوَ أَنه وَضعه من غير أَن يشْهد الشُّهُود عَلَيْهِ كَانَ عَلَيْهِ خَاصَّة فِي مَاله دون الْعَاقِلَة وَهَذَا قَول أبي يُوسُف الأول ثمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُف عَن هَذَا وَقَالَ القَوْل قَول وَاضع الْحجر مَعَ يَمِينه أَنه تعمد التعقل بِهِ وعَلى الآخر الْبَيِّنَة لِأَنَّهُ مُدع وَهُوَ قَول مُحَمَّد
وَإِذا تعقل بِحجر فَوَقع على حجر أَيْضا فَمَاتَ فديته على صَاحب الْحجر الأول كَأَنَّهُ دَفعه فان لم يكن للحجر الأول وَاضِعا فديته على عَاقِلَة صَاحب الْحجر الآخر أَيْضا وَلَا كَفَّارَة على وَاضع حجر فِي الطَّرِيق وَلَا مخرج كنيف وَلَا ميزاب أَو جرصن وَلَا يحرم الْمِيرَاث

(4/613)


من قبل أَنه لم يقتل بِيَدِهِ إِنَّمَا أَقتلهُ عمله وَشَيْء أحدثه فِي الطَّرِيق
- بَاب الْغَصْب فِي الرَّقِيق فِي الْجِنَايَة
- وَإِذا اغتصب الرجل عبدا من رجل فَقتل العَبْد عِنْده قَتِيلا خطأ ثمَّ اجْتمع الْمولى وأولياء الْقَتِيل فان العَبْد يرد إِلَى مَوْلَاهُ ثمَّ يُقَال لمَوْلَاهُ ادفعه أَو افده وَيرجع على الْغَاصِب بِقِيمَتِه يَوْم غصبه إِيَّاه دفع أَو فدَاه وَإِن كَانَ زَاد عِنْده خيرا فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي الزِّيَادَة شَيْء وَإِن كَانَ تغير مِنْهُ شَيْء بِعَيْب قبل الْجِنَايَة فَهُوَ ضَامِن لذَلِك وَإِنَّمَا على الْمولى أَن يدْفع العَبْد بِالْجِنَايَةِ يَوْم يختصمون فِيهِ أَو يفْدِيه فان كَانَ جنى قبل النُّقْصَان ثمَّ نقص عِنْد الْغَاصِب فَذهب عينه فَأخذ الْمولى العَبْد فَدفعهُ فانه يرجع على الْغَاصِب بِقِيمَتِه يَوْم غصبه إِيَّاه وَيدْفَع إِلَى أَوْلِيَاء الْجِنَايَة نصفهَا وَيرجع بذلك النّصْف على الْغَاصِب وَإِن كَانَ اعور قبل الْجِنَايَة كَانَ نصف الْقيمَة للْمولى وَيرجع الْمولى على الْغَاصِب بِقِيمَتِه أَعور
وَإِذا اغتصب الرجل عبدا فَهُوَ ضَامِن لَهُ وَلما جنى عِنْده من جِنَايَة أَو لحقه من دين مَا بَينه وَبَين قِيمَته وَلَا يضمن أَكثر من ذَلِك فِي جَمِيع هَذَا
وَإِذا اغتصب الرجل عبدا فَقتل عِنْده قَتِيلا خطأ ثمَّ مَاتَ العَبْد فان عَلَيْهِ الْقيمَة للْمولى فيدفعها الْمولى إِلَى أهل الْجِنَايَة ثمَّ يغرم لَهُ الْغَاصِب قيمَة أُخْرَى حَتَّى يخلص فِي يَدي الْمولى قِيمَته بعد الْجِنَايَة
وَلَو لم يمت العَبْد وَلكنه ذهبت عينه بعد مَا قتل عِنْده فَدفعهُ إِلَى

(4/614)


الْمولى أَعور فَقتل عِنْده قَتِيلا آخر ثمَّ اجْتمع أهل الجناتين جَمِيعًا فَدفعهُ الْمولى بالجنايتين فانه يَأْخُذ نصف قِيمَته من الْغَاصِب فيدفعها إِلَى الْوَلِيّ الأول ثمَّ يضْرب الأول فِي العَبْد بِالدِّيَةِ إِلَّا مَا أَخذ وَيضْرب الآخر بِالدِّيَةِ ثمَّ يرجع الْمولى على الْغَاصِب بذلك النّصْف الْقيمَة الَّتِي أخذت مِنْهُ وَمَا أصَاب الأول من قيمَة العَبْد أَعور ثمَّ يرجع أَوْلِيَاء الْجِنَايَة الأولى فِيمَا أَخذ الْمولى من ذَلِك بِتمَام قيمَة العَبْد صَحِيحا وَيرجع الْمولى على الْغَاصِب بِمثل مَا أَخذ وَيكون ذَلِك للْمولى خَاصَّة وَإِذا اغتصب رجل عبدا فَقتل عِنْده قَتِيلا خطأ ثمَّ دَفعه إِلَى الْمولى فَقتل عِنْده آخر خطأ فَاخْتَارَ الْمولى دَفعه بالجنايتين فانه يكون بَينهمَا نِصْفَيْنِ وَيَأْخُذ الْمولى من الْغَاصِب نصف قيمَة العَبْد فيدفعها إِلَى ولي الْقَتِيل الأول وَيرجع بِمثل ذَلِك أَيْضا على الْغَاصِب فَيكون للْمولى خَاصَّة وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَقَالَ زفر وَمُحَمّد يَأْخُذ الْمولى نصف الْقيمَة من الْغَاصِب فَيسلم لَهُ وَلَا يَدْفَعهُ إِلَى ولي الْجِنَايَة الأولى لِأَنَّهُ قد دفع هَذَا النّصْف مرّة فَلَا يَدْفَعهُ مرّة أُخْرَى
وَإِذا اغتصب الرجل عبدا قد قتل عِنْد مَوْلَاهُ قَتِيلا فَقتل عِنْده آخر فَدفعهُ الْغَاصِب إِلَى الْمولى فَاخْتَارَ الْمولى دَفعه فانه يَأْخُذ من الْغَاصِب نصف الْقيمَة فيدفعها إِلَى الأول ويقاسمان العَبْد نِصْفَيْنِ وَلَا يرجع الْمولى بذلك على الْغَاصِب لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَخذ مِنْهُ الَّذِي جنى عَبده عَلَيْهِ وَإِذا اغتصب الرجل عبدا وَجَارِيَة قيمَة كل وَاحِد مِنْهُمَا ألف فَقتل كل وَاحِد مِنْهُمَا عِنْده قَتِيلا خطأ ثمَّ قتل العَبْد الْجَارِيَة ثمَّ رده

(4/615)


الْغَاصِب إِلَى الْمولى فَاخْتَارَ الْمولى دَفعه فانه يَدْفَعهُ يضْرب فِيهِ أَوْلِيَاء قَتِيل العَبْد بِالدِّيَةِ وَيضْرب فِيهِ أَوْلِيَاء الْجَارِيَة بِقِيمَتِهَا وَيرجع الْمولى على الْغَاصِب بِقِيمَة العَبْد ثمَّ يرجع عَلَيْهِ بِقِيمَة الْجَارِيَة فَيدْفَع من قيمَة الْجَارِيَة إِلَى أَوْلِيَاء الْقَتِيل الَّذِي قتلته الْجَارِيَة تَمام قيمتهَا وَيرجع بِهِ الْمولى على الْغَاصِب وَيَأْخُذ أَوْلِيَاء الْقَتِيل الَّذِي قَتله العَبْد من قيمَة العَبْد الَّذِي أَخذهَا الْمولى من الْغَاصِب تَمام قيمَة العَبْد وَيرجع الْمولى بذلك على الْغَاصِب وَلَو أَن الْمولى اخْتَار إمْسَاك العَبْد كَانَ عَلَيْهِ أَن يُؤَدِّي الدِّيَة إِلَى أَوْلِيَاء الْقَتِيل الَّذِي قتل عِنْده صَاحبهمْ وَيُؤَدِّي قيمَة الْجَارِيَة إِلَى ولي قَتِيل الْجَارِيَة وَيرجع على الْغَاصِب بِقِيمَة العَبْد وَقِيمَة الْجَارِيَة
وَإِذا اغتصب الرجل عبدا وَجَارِيَة قيمَة كل وَاحِد مِنْهُمَا ألف فَقتل كل وَاحِد مِنْهُمَا عِنْده قَتِيلا ثمَّ قتل العَبْد الْجَارِيَة ثمَّ رده الْغَاصِب إِلَى الْمولى فانه يرد مَعَه قيمَة الْجَارِيَة فيدفعها الْمولى إِلَى ولي قَتِيل الْجَارِيَة وَيرجع بهَا على الْغَاصِب ثمَّ يُخَيّر الْمولى فِي الْغُلَام بَين الدّفع وَالْفِدَاء فان اخْتَار الْفِدَاء فدَاه بِالدِّيَةِ وَرجع بِقِيمَتِه على الْغَاصِب وَإِن اخْتَار الدّفع دفع الْغُلَام كُله إِلَى ولي قَتِيل الْغُلَام فِي قِيَاس قَول أبي حنيفَة وَرجع بِقِيمَتِه على الْغَاصِب وَأما فِي قِيَاس قَول أبي يُوسُف وَهُوَ قَول مُحَمَّد فان اخْتَار الْفِدَاء فدَاه بِالدِّيَةِ لولى قَتِيل الْغُلَام وَلَا يرجع بِقِيمَتِه على الْغَاصِب لِأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يفْدِيه ايضا بِقِيمَة الْجَارِيَة يَدْفَعهَا إِلَى الْغَاصِب لِأَن الْجَارِيَة صَارَت لَهُ ثمَّ يرجع عَلَيْهِ بِقِيمَة الْغُلَام

(4/616)


وَهِي مثل تِلْكَ الْقيمَة فَصَارَ قصاصا وَإِن اخْتَار الدّفع دَفعه إِلَى ولي قَتِيل الْغُلَام وَإِلَى الْغَاصِب على أحد عشر جزأ لوَلِيّ قَتِيل الْغُلَام عشرَة أَجزَاء وللغاصب جُزْء لِأَن الْغَاصِب صَار كَأَن الْجَارِيَة كَانَت لَهُ ثمَّ يرجع الْمولى على الْغَاصِب بِقِيمَة الْغُلَام فَيدْفَع مِنْهَا جزأ من أحد عشر جزأ إِلَى ولي قَتِيل الْغُلَام ثمَّ يرجع بِهِ على الْغَاصِب فَيصير فِي يَدي الْمولى قيمَة الْغُلَام تَامَّة وَقِيمَة الْجَارِيَة وَيصير فِي يَدي ولي قَتِيل الْغُلَام عشرَة أَجزَاء من أحد عشر جزأ من العَبْد وجزء من أحد عشر جزأ من قِيمَته وَيصير فِي يَدي الْغَاصِب من الْغُلَام جُزْء من أحد عشر جزأ وَيصير فِي يَدي ولي قَتِيل الْجَارِيَة قيمَة الْجَارِيَة فان كَانَ الْغَاصِب مُعسرا وَلم يقدر عَلَيْهِ وَاخْتَارَ الْمولى الدّفع وَقَالَ ولي قَتِيل الْجَارِيَة لَا أضْرب بِقِيمَة الْجَارِيَة فِي الْغُلَام وَلَكِن أنظر فان خرجت قيمَة الْجَارِيَة أَخَذتهَا كَانَ لَهُ ذَلِك وَدفع الْغُلَام كُله فِي قِيَاس قَول أبي حنيفَة إِلَى ولي قَتِيل الْغُلَام وَيرجع الأول على الْغَاصِب بِقِيمَتِه وبقيمة الْجَارِيَة فيدفعها إِلَى ولي قَتِيل الْجَارِيَة ثمَّ يرجع عَلَيْهِ بهَا فَيصير فِي يَدَيْهِ قيمتان وَأما فِي قَول أبي يُوسُف وَهُوَ قَول مُحَمَّد فانه يدْفع من العَبْد عشرَة أَجزَاء من أحد عشر جزأ إِلَى ولي قَتِيل الْغُلَام وَيتْرك الْجُزْء فِي يَدَيْهِ فان خرجت قيمَة الْجَارِيَة أَخذهَا وَدفعهَا إِلَى ولي قتيلها ثمَّ يرجع بهَا فَيصير الْغَاصِب كَأَن الْجَارِيَة كَانَت لَهُ فَيُقَال للْمولى

(4/617)


ادْفَعْ هَذَا الْجُزْء إِلَى الْغَاصِب أَو افده بِقِيمَة الْجَارِيَة فان دَفعه رَجَعَ عَلَيْهِ بِقِيمَة الْغُلَام فَيدْفَع مِنْهَا إِلَى ولي قَتِيل الْغُلَام جزأ من أحد عشر جزأ وَيرجع بِهِ على الْغَاصِب وَإِن فدَاه فدَاه بِقِيمَة الْجَارِيَة وَيرجع بِقِيمَة الْغُلَام فَذَلِك قصاص وَيدْفَع مَكَان ذَلِك الْجُزْء إِلَى ولي قَتِيل الْغُلَام جزأ من أحد عشر جزأ من قِيمَته وَيرجع بِمثلِهِ على الْغَاصِب من الْقيمَة فان قَالَ ولي الْقَتِيل قَتِيل الْجَارِيَة أَنا أضْرب فِي الْغُلَام بِقِيمَتِهَا وَدفع إِلَيْهِم يضْرب ولي قَتِيل الْجَارِيَة بِقِيمَتِهَا وَيضْرب ولي قَتِيل الْغُلَام بِالدِّيَةِ فَيكون بَينهم على أحد عشر جزأ فان قدر على الْغَاصِب أَو أيسر أدّى إِلَى الْمولى قيمَة الْغُلَام وَقِيمَة الْجَارِيَة فَيدْفَع من قيمَة الْغُلَام إِلَى ولي قَتِيل الْغُلَام جزأ من أحد عشر جزأ من قِيمَته وَيرجع بِهِ على الْغَاصِب وَلَيْسَ لولى قَتِيل الْجَارِيَة إِلَّا مَا أَصَابَهُ من الْغُلَام وَلَا يُعْطي من قيمَة الْجَارِيَة شَيْئا لِأَن حَقه كَانَ فِي قيمَة الْجَارِيَة فَصَارَ كَأَنَّهُ صَالح بِهَذَا الْقدر من جَمِيع حَقه وَقد ذكر قبل هَذَا أَنه يرجع فِي قيمَة الْجَارِيَة بِتمَام حَقه وَإِن اخْتَار الْمولى الْفِدَاء فدَاه بِعشْرَة آلَاف وبقيمة الْجَارِيَة وَرجع على الْغَاصِب بِقِيمَة الْغُلَام وبقيمتين فِي الْجَارِيَة قيمَة مَكَان الْقيمَة الَّتِي أَدَّاهَا وَقِيمَة بِالْغَصْبِ فِي قِيَاس قَول أبي حنيفَة وَأما فِي قِيَاس قَول أبي يُوسُف وَقَول مُحَمَّد فان أدّى الْغَاصِب قيمَة الْغُلَام وقيمتين فِي الْجَارِيَة صَار كَأَن الْجَارِيَة كَانَت لَهُ فَيُقَال للْمولى ادْفَعْ جزأ من أحد

(4/618)


عشر جزأ من العَبْد إِلَيْهِ أَو افده بِقِيمَة الْجَارِيَة فأيما ذَلِك فعل لم يرجع على الْغَاصِب بِشَيْء وَإِذا اغتصب الرجل عبدا فَقتل مَوْلَاهُ أَو قتل عبدا لمَوْلَاهُ وَقِيمَته أَكثر من قِيمَته ثمَّ رده الْغَاصِب على مَوْلَاهُ فان الْغَاصِب ضَامِن لقيمة العَبْد الَّذِي اغتصب أَلا ترى أَن العَبْد المغتصب لَو قتل نَفسه ضمنته الْغَاصِب فَكَذَلِك قَتله عبد مَوْلَاهُ أَو مَوْلَاهُ وَكَذَلِكَ لَو اسْتهْلك الْمولى مَوْلَاهُ أَو عبد مَوْلَاهُ وَكَذَلِكَ لَو اسْتهْلك الْمولى مَالا أَو مَتَاعا يبلغ قِيمَته أَو يزِيد فان كَانَ لَا يبلغ قِيمَته فانما يضمن الْغَاصِب الْأَقَل من ذَلِك وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وفيهَا قَول آخر قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد إِن الْغَاصِب لَا يضمن من ذَلِك شَيْئا لِأَن العَبْد لَا يلْحقهُ من هَذَا شَيْء أَلا ترى أَنه لَا يدْفع بِشَيْء مِنْهُ وَلَا يُبَاع فِيهِ وَلَيْسَ هَذَا كقتله نَفسه وَإِذا اغتصب الرجل عبدا ثمَّ أمره أَن يقتل رجلا فَقتله ثمَّ رد إِلَى مَوْلَاهُ فَقتل عِنْده آخر فَاخْتَارَ الْمولى أَن يَدْفَعهُ فانه يَدْفَعهُ إِلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ وَيضمن الْغَاصِب نصف قِيمَته فيدفعها إِلَى الْمولى ويدفعها الْمولى إِلَى أَوْلِيَاء الْقَتِيل الأول ثمَّ يرجع بهَا الْمولى على الْغَاصِب وَأمر الْغَاصِب هَاهُنَا وَغير أمره سَوَاء من قبل أَنه جنى وَهُوَ بِيَدِهِ وَهُوَ قَول

(4/619)


أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَأما فِي قَول زفر وَمُحَمّد فانه يَأْخُذ الْمولى من الْغَاصِب نصف الْقيمَة الأولى فَيسلم لَهُ وَلَا يدْفع إِلَى ولي الْجِنَايَة الأولى من قبل أَنه جنى وَهُوَ فِي يَده
وَلَو أَن أَوْلِيَاء قَتِيل الأول عفوا عَن الدَّم كَانَ على الْمولى أَن يدْفع نصفه إِلَى أَوْلِيَاء قَتِيل الآخر وَلَا يرجع على الْغَاصِب بِشَيْء من قبل أَنه لم يُؤَخر بِسَبَبِهِ شَيْء
وَكَذَلِكَ لَو أمسك عَبده وفداه فانه يدْفع إِلَى الآخر عشرَة آلَاف وَلَا شَيْء للْأولِ لِأَنَّهُ قد عَفا وَلَا شَيْء للْمولى على الْغَاصِب الأول
وَلَو دفع العَبْد إِلَيْهِمَا قبل أَن يعْفُو الأول ثمَّ عَفا الأول عَمَّا بَقِي لَهُ وَأخذ الْمولى الْغَاصِب بِنصْف الْقيمَة لم يكن لوَلِيّ قَتِيل الأول على ذَلِك النّصْف الْقيمَة سَبِيل لِأَنَّهُ قد عَفا وَيكون للْمولى على حَاله وَلَا يرجع على الْغَصْب بِغَيْرِهِ من قبل أَنه لم يُؤْخَذ من يَدَيْهِ وَلَا شَيْء لولى الْقَتِيل الآخر من قبل أَنه جنى عَلَيْهِ يَوْم جنى وَفِي عُنُقه جِنَايَة فانما يكون لَهُ نصفه
وَإِذا اغتصب الرجل عبدا واستودع مولى العَبْد الْغَاصِب أمة فَقتل العَبْد قَتِيلا فِي يَدي الْغَاصِب ثمَّ قتلته الْأمة فانه يكون على الْغَاصِب قيمَة العَبْد يَدْفَعهَا إِلَى الْمولى فَدَفعهَا الْمولى إِلَى أَوْلِيَاء الْقَتِيل ثمَّ يدْفع الْغَاصِب قيمَة أُخْرَى إِلَى الْمولى من قبل أَن الْقيمَة الأولى لم تسلم لَهُ إِنَّمَا تلفت مَا كَانَ فِي يَدي الْغَاصِب من الْجِنَايَة ثمَّ يُقَال للْمولى ادْفَعْ امتك الْوَدِيعَة إِلَى الْغَاصِب تقتل أَو افدها بِقِيمَة العَبْد لِأَن العَبْد

(4/620)


قد صَار للْغَاصِب حِين غرم قِيمَته وَلَو أَن العَبْد هُوَ الَّذِي كَانَ قتل الْأمة مَعَ قَتله الرجل الآخر كَانَ الْمولى بِالْخِيَارِ فِي الدّفع والإمساك فان اخْتَار الدّفع قسم العَبْد على دِيَة الْقَتِيل وَقِيمَة الْأمة فَيَأْخُذ من ذَلِك أَوْلِيَاء الْقَتِيل مِمَّا أصَاب الدِّيَة وَيَأْخُذ الْمولى مَا اصاب قيمَة الْأمة وَيضمن لَهُ الْغَاصِب تَمام قيمَة الْأمة وَيرجع الْمولى على الْغَاصِب من قيمَة العَبْد بِمثل مَا أَخذ أَوْلِيَاء الْقَتِيل من قيمَة العَبْد وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وفيهَا قَول آخر وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد إِن الْمولى لَا يضْرب بِشَيْء من قيمَة الْأمة فِي العَبْد لِأَنَّهَا أمته وَعَبده وَإِن دَفعه دَفعه كُله إِلَى أَوْلِيَاء الْقَتِيل وَرجع بِقِيمَتِه على الْغَاصِب
وَإِذا اغتصب الرجل أمة من رجل فقتلت عِنْده قَتِيلا خطأ ثمَّ ولدت ولدا ثمَّ قَتلهَا وَلَدهَا فان على الْغَاصِب أَن يرد الْوَلَد وَأَن يرد قيمَة الْأُم على الْمولى بِمَا اغتصبها مِنْهُ وَيُقَال للْمولى ادْفَعْ هَذِه الْقيمَة إِلَى أَوْلِيَاء الْقَتِيل ثمَّ ارْجع بهَا على الْغَاصِب فَيكون فِي يَديك ثمَّ يُقَال لَهُ ادْفَعْ الْوَلَد إِلَى الْغَاصِب لِأَن الْأمة قد صَارَت لَهُ حِين غرم قيمتهَا أَو افده بِقِيمَة الْأُم وَإِذا اغتصب الرّجلَانِ من الرِّجَال عبدا فَقتل فِي أَيْدِيهِمَا قَتِيلا خطأ ثمَّ إِنَّه قتل أَحدهمَا فانه يُقَال للْمولى ادفعه إِلَى أَوْلِيَاء الْقَتِيلين نِصْفَيْنِ

(4/621)


وَترجع على الغاصبين بِقِيمَتِه فَيدْفَع نصفهَا إِلَى أَوْلِيَاء الْقَتِيل الأول ثمَّ يرجع بِهِ الْمولى على الْغَاصِب الأول وَفِي مَال الْغَاصِب الْقَتِيل فَيكون لَهُ وَلَا يرجع فِيهَا وَاحِد من الغاصبين من قبل أَن العَبْد لم يصل إِلَيْهِمَا إِلَّا بعد الْجِنَايَة وَلم يجن فِي يَدَيْهِ
- بَاب جِنَايَة الْمكَاتب
- وَإِذا جنى الْمكَاتب جِنَايَة خطأ فانه ينظر فِي أرش الْجِنَايَة وَفِي قيمَة الْمكَاتب فَيكون على الْمكَاتب الْأَقَل من ذَلِك يسْعَى فِيهِ فان جنى جِنَايَة أُخْرَى بعد ماقضي القَاضِي بِالْأولَى فَعَلَيهِ أَن يسْعَى فِي الْأَقَل من قِيمَته أَيْضا وَمن الْجِنَايَة فان كَانَ جنى جِنَايَة أَو جنايتين أَو ثَلَاثَة قبل أَن يقْضِي القَاضِي بِشَيْء من ذَلِك عَلَيْهِ فانه ينظر إِلَى قِيمَته وَإِلَى جَمِيع أرش الْجِنَايَات فان كَانَ الْأَرْش كُله أقل من الْقيمَة يسْعَى فِي الْأَرْش لَهُم وَإِن كَانَت الْقيمَة أقل من الْأَرْش سعى فِي الْقيمَة بَينهم على قدر جناياتهم وَإِن كَانَت الْجِنَايَات أنفسا قَتلهَا وَقِيمَته أَكثر من ذَلِك فانما يسْعَى فِي عشرَة آلَاف إِلَّا عشرَة دَرَاهِم وَلَا يُجَاوز بِهِ ذَلِك من قبل أَنه لَو قتل كَانَ على عَاقِلَة قَاتله ذَلِك فَكَذَلِك إِذا جنى هُوَ فانه لَا يبلغ بِقِيمَتِه أَكثر مِمَّا يكون فِيهِ إِذا قتل هُوَ وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَإِذا قتل الْمكَاتب قَتِيلا خطأ وَقِيمَته ألف فَلم يقْض عَلَيْهِ بِشَيْء حَتَّى قتل آخر وَقِيمَته يَوْمئِذٍ الفان ثمَّ دَفعه إِلَى القَاضِي فانه يقْضِي

(4/622)


على الْمكَاتب أَن يسْعَى فِي أَلفَيْنِ فَأَما أحد الْأَلفَيْنِ فَهُوَ للْآخر خَاصَّة وَأما الْألف الآخر فَهُوَ بَينهمَا يضْرب فِيهِ الأول بِعشْرَة آلَاف وَالْآخر بِتِسْعَة الآف فَمَا خرج من السّعَايَة قبل أَن يستكمل الْأَدَاء فَهُوَ بَينهمَا على قدر هَذَا
وَإِذا قتل الْمكَاتب رجلا خطأ ثمَّ إِنَّه اعور أَو عمي أَو اصابه عيب ينقص ذَلِك من قِيمَته ثمَّ خوصم إِلَى القَاضِي فان على الْمكَاتب قِيمَته صَحِيحا يَوْم جنى وَكَذَلِكَ لَو لم ينقص وَلكنه ازْدَادَ خيرا أَو زَادَت قِيمَته ثمَّ خوصم إِلَى القَاضِي فان عَلَيْهِ قِيمَته يَوْم جنى وَلست أنظر فِي هَذَا إِلَى النُّقْصَان وَالزِّيَادَة إِنَّمَا عَلَيْهِ قِيمَته يَوْم جنى وَإِذا جنى الْمكَاتب فَلم يقْض عَلَيْهِ بِشَيْء حَتَّى عجز فَرد رَقِيقا فان مَوْلَاهُ بِالْجِنَايَةِ إِن شَاءَ دَفعه بِالْخِيَارِ وَإِن شَاءَ فدَاه وَإِن أفسد الْمكَاتب مَتَاعا أَو عقر دَابَّة أَو غصب شَيْئا أَو اسْتهْلك شئا فَهُوَ ضَامِن لقيمته بَالغا مَا بلغ دين عَلَيْهِ وَلَيْسَ هَذَا كالجناية فِي بني آدم وَلَو رد الْمكَاتب فِي الرّقّ كَانَ هَذَا دينا عَلَيْهِ يُبَاع فِيهِ وَلَيْسَ هَذَا كالجناية فِي بني آدم وَإِذا اغتصب الْمكَاتب رَقِيقا كَانَ ضَامِنا لقيمتهم بَالغا مَا بلغ وَلَيْسَ هَذَا كالجناية فِي النَّفس أَلا ترى أَنه لَو بَاعَ بن عبد بيعا فَاسِدا كَانَ عَلَيْهِ قِيمَته بَالغا مَا بلغ وَكَذَلِكَ الْغَصْب

(4/623)


وَإِذا وجد فِي دَار الْمكَاتب قَتِيل فانه يقْضِي عَلَيْهِ بِأَن يسْعَى فِي قِيمَته وَكَذَلِكَ لَو أشرع كنيفا فِي الطَّرِيق أَو مَال حَائِط لَهُ فاشهد عَلَيْهِ أَو أحدث فِي الطَّرِيق حَدثا أَو احتفر بِئْرا فَهَذَا كُله سَوَاء يسْعَى فِي قِيمَته فان عجز الْمكَاتب فَرد رَقِيقا قبل أَن يقْضِي عَلَيْهِ بِالْقيمَةِ فانه يُقَال لمَوْلَاهُ ادفعه أَو افده وَجَمِيع مَا ذكرنَا من الْحَائِط وَالْبناء والقتيل فِي الدَّار والحفر سَوَاء
وَإِذا قتل الْمكَاتب قَتِيلين خطأ فَيَقْضِي عَلَيْهِ بِنصْف الْقيمَة لأَحَدهمَا وَالْآخر غَائِب ثمَّ قتل آخر ثمَّ عجز فانه يُخَيّر الْمولى فان اخْتَار الدّفع دفع نصفه إِلَى الثَّالِث وَأتبعهُ الأول بِنصْف الْقيمَة فَيُبَاع لَهُ ذَلِك النّصْف فِي دينه ويدفعه النّصْف الآخر إِلَى الثَّالِث وَإِلَى الْأَوْسَط فَيضْرب فِيهِ الْأَوْسَط الَّذِي لم يكن قضي لَهُ بشيئ بِعشْرَة آلَاف وَيضْرب فِيهِ الثَّالِث بِخَمْسَة آلَاف وَإِذا جنى الْمكَاتب جِنَايَة ثمَّ مَاتَ وَلم يتْرك إِلَّا مائَة دِرْهَم ومكاتبته أَكثر من ذَلِك وَلم يقْض عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ فان الْمِائَة دِرْهَم للْمولى من قبل أَنه مَاتَ وَهُوَ عَبده أَلا ترى أَنه لَو جنى فعجز قيل لمَوْلَاهُ ادفعه أَو افده وَلَو ترك وَفَاء بِالْجِنَايَةِ وَالْمُكَاتبَة وَالْجِنَايَة لم يقْض بهَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَقَل من قِيمَته وَمن أرش الْجِنَايَة لأهل الْجِنَايَة ثمَّ يَسْتَوْفِي الْمولى بعد ذَلِك الْمُكَاتبَة وَمَا بَقِي فَهُوَ مِيرَاث وَلَو كَانَ عَلَيْهِ دين مَعَ مَا وصفت لَك بِالدّينِ ثمَّ كَانَ مَا بَقِي على مَا وصفت لَك

(4/624)


فان كَانَت الْجِنَايَة قد قضي بهَا كَانَ مَا ترك من أَصْحَاب الدّين وَالْجِنَايَة جَمِيعًا يضْربُونَ فِي ذَلِك بِالْحِصَصِ إِذا كَانَت الْجِنَايَة قد قضي بهَا فان لم يكن قضي بهَا بُدِئَ بِالدّينِ فان فضل شَيْء بعد ذَلِك فَهُوَ وَفَاء للمكاتبة كَانَ لأَصْحَاب الْجِنَايَة من ذَلِك الْأَقَل من قيمَة الْمكَاتب وَمن الْجِنَايَة وَإِن لم يكن فِيهِ وَفَاء للمكاتبة كَانَ مَا بَقِي بعد الدّين للْمولى وَلَا شَيْء لأَصْحَاب الْجِنَايَة
وَإِذا مَاتَ الْمكَاتب وَترك ابْنا قد ولد لَهُ فِي مُكَاتبَته من أمة لَهُ وَعَلِيهِ دين وَجِنَايَة قد قضي بهَا عَلَيْهِ أَو لم يقْض بهَا عَلَيْهِ فان الابْن يسْعَى فِي الدّين وَيسْعَى من الْأَقَل من قيمَة ابْنه يَوْم جنى وَأرش الْجِنَايَة وَيسْعَى فِي الْمُكَاتبَة وَلَا يجْبر على أَن يبْدَأ من ذَلِك بِشَيْء قبل شَيْء غير أَنه عجز عَن شَيْء من النُّجُوم أَو أَخّرهُ عَن مَحَله وَلم يكن عِنْده وَفَاء بذلك حَاضر فانه يرد فِي الرّقّ فان رد فِي الرّقّ بعد مَا قضي عَلَيْهِ القَاضِي بِالْجِنَايَةِ فانه يكون الثّمن بَين الْغُرَمَاء وَأَصْحَاب الْجِنَايَة بِالْحِصَصِ وَإِن لم يقْض بِالْجِنَايَةِ فانه يكون الثّمن بَين الْغُرَمَاء وَأَصْحَاب الْجِنَايَة بِالْحِصَصِ وَإِن لم يقْض بِالْجِنَايَةِ حَتَّى عجز فان الْجِنَايَة هَاهُنَا بَاطِل لَا يلْزمه من قبل أَن الْمكَاتب الأول مَاتَ عاجرا فَصَارَت الْجِنَايَة جِنَايَة عبد فَلَا يلْزم الابْن مِنْهَا شَيْء وَعجز الابْن وَعجز الْأَب سَوَاء أَلا ترى أَن الابْن إِذا أدّى عتق أَبوهُ وَإِذا مَاتَ الْمكَاتب وَقد جنى جِنَايَة وَترك ابْنا قد ولد فِي مُكَاتبَته

(4/625)


من أمه لَهُ وَهِي حَيَّة مَعَ ابْنهَا فانه يقْضِي عَلَيْهِمَا بِأَن يسعيان فِي الْمُكَاتبَة وَفِي الْأَقَل من قيمَة الْمكَاتب وَأرش الْجِنَايَة إِن كَانَ قضي بهَا على الْمكَاتب فَهِيَ لَهما لَازِمَة وَإِن لم يقْض بهَا عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ فرفعهما أَوْلِيَاء الْجِنَايَة إِلَى السُّلْطَان قضي بهَا عَلَيْهِمَا فان قتلت الْأُم قَتِيلا خطأ قضي عَلَيْهَا أَن تسْعَى فِي قيمتهَا لأولياء الْقَتِيل فان قتل الابْن قَتِيلا خطأ قضي عَلَيْهِ أَن يسْعَى فِي قِيمَته لأولياء الْقَتِيل ويسعيان فِيمَا سوى ذَلِك على حَاله وَلَو كَانَت هَاتين الجنايتين قبل أَن يقْضِي عَلَيْهِمَا بِالْجِنَايَةِ الأولى لم يقْض ذَلِك من جِنَايَة الأولى من قبل أَن جِنَايَة الْأَب لَيْسَ بجنايتهما إِنَّمَا هُوَ دين لحقهما من قبل الْأَب فان عجز ورد رَقِيقا فانه يُبَاع الابْن فِي جِنَايَته خَاصَّة وتباع الْأُم فِي جنايتها خَاصَّة فان فضل من أثمانهما شَيْء كَانَ فِي جِنَايَة الْأَب وَإِن لم يفضل من اثمانهما شَيْء فَلَا شَيْء لأَصْحَاب جِنَايَة الْأَب
وَإِذا مَاتَت الْمُكَاتبَة وَتركت مائَة دِرْهَم ابْنا وَلدته فِي مكاتبتها وَعَلَيْهَا دين وَقد قتلت قَتِيلا خطأ قضي عَلَيْهَا بِهِ أَو لم يقْض فانه يقْضِي على الابْن أَن يسْعَى فِي الْمُكَاتبَة وَأَن يسْعَى فِي الدّين وَالْجِنَايَة وَيسْعَى فِيهَا على مَا وصفت لَك وَالْمِائَة دِرْهَم من أهل الْجِنَايَة وَأهل الدّين بِالْحِصَصِ وَإِنَّمَا أوجبت لأهل الْجِنَايَة ذَلِك من قبل أَن الْمُكَاتبَة خلفت ابْنا يسْعَى فِي مكاتبتها فَكَأَنَّهَا حَيَّة تسْعَى فِي مكاتبتها أَلا ترى

(4/626)


أَنَّهَا لم اتعجز حِين كَانَت من يسْعَى فِي الْمُكَاتبَة بعْدهَا وَلَو أَن الابْن اسْتَدَانَ دينا وجنى جِنَايَة فقضي بذلك عَلَيْهِ مَعَ مَا قضي بِهِ عَلَيْهِ من دين أمه وجنايتها كَانَ عَلَيْهِ أَن يسْعَى فِي ذَلِك كُله فان عجز فَرد فِي الرّقّ فانه يُبَاع فِي دينه وجنايته خَاصَّة دون دين أمه وجنايتها فان فضل شَيْء من ثمنه كَانَ فِي دين أمه وجنايتها بِالْحِصَصِ فان كَانَ إِنَّمَا عجز قبل أَن يقْضِي بِالْجِنَايَةِ فانه يُخَيّر مَوْلَاهُ فان شَاءَ دَفعه وَإِن شَاءَ فدَاه وَتَبعهُ دينه عِنْد أهل الْجِنَايَة فَيُبَاع فِي دينه خَاصَّة دون دين أمه وجنايتها فان فضل شَيْء من ثمنه لم يكن فِي دين أمه وَلَا فِي مكاتبتها وجنايتها لِأَن جِنَايَته أولى من الدّين الَّذِي لحقه من قبل أمه وَإِن أمْسكهُ الْمولى وفداه بيع فِي دينه فان بَقِي من ثمنه شَيْء بعد دينه كَانَ ذَلِك فِي دين أمه وجنايته وَإِن أمْسكهُ الْمولى وَأدّى الْفِدَاء أتبعه دينه عِنْد الْمولى اوكانت حَاله فِي ذَلِك كحاله على مَا وصفت لَك وَإِذا جنى الْمكَاتب ثمَّ مَاتَ قبل أَن يقْضِي عَلَيْهِ بِشَيْء وَترك رَقِيقا وَعَلِيهِ دين فانه يُبَاع رَقِيقه فِي دينه وَيبدأ بِهِ قبل الْجِنَايَة لِأَنَّهُ مَاتَ قبل أَن يقْضِي عَلَيْهِ بِشَيْء وَإِن لم يبْق من تركته شَيْء بطلت الْجِنَايَة وَإِن بَقِي شَيْء من تركته وَفِيه وَفَاء بالمكاتبه كَانَ لَهُم أَن يستوفوا الْأَقَل من قِيمَته وَمن أرش الْجِنَايَة فان بَقِي شَيْء أدّيت الْمُكَاتبَة بعد فان بَقِي شَيْء كَانَ مِيرَاثا فان كَانَت الْجِنَايَة قد قضي بهَا

(4/627)


فِي حَيَاته فَهُوَ وَالدّين سَوَاء يتحاصون وَإِذا كَانَ مَمْلُوك من رَقِيقه فد أذن لَهُ فِي التِّجَارَة فاستدان دينا ثمَّ مَاتَ الْمكَاتب ولعيه دين وعَلى مَمْلُوكه دين فانه يُبَاع مَمْلُوكه فِي دينه خَاصَّة دون دين الْمكَاتب فان بَقِي شَيْء من ثمنه كَانَ فِي دين الْمكَاتب وَإِذا جنى عبد الْمكَاتب فَقتل رجلا خطأ ثمَّ مَاتَ الْمكَاتب وَعَلِيهِ دين وَبَقِي العَبْد وَلَيْسَ للْمكَاتب مَال غَيره فانه خير الْمولى فان شَاءَ دَفعه هُوَ وَجَمِيع الْغُرَمَاء بِالْجِنَايَةِ وَلَا حق للْغُرَمَاء فِيهِ وَإِن شاؤا فدوه بِالدِّيَةِ وَيُبَاع فِي دين الْغُرَمَاء
وَإِن كَانَ على العَبْد دين أَيْضا مَعَ جِنَايَته وَدين الْمكَاتب فانه يُخَيّر مَوْلَاهُ فان شَاءَ دفع وَأتبعهُ دينه إيما كَانَ حَتَّى يُبَاع فِيهِ وَلَا شَيْء لغرماء الْمكَاتب فِيهِ وَإِن شَاءَ الْمولى فدَاه ثمَّ يُبَاع لغرماء العَبْد خَاصَّة فان فضل شَيْء بعد ذَلِك كَانَ بَين غُرَمَاء الْمكَاتب من قبل أَن الْمولى قد أمْسكهُ وَصَارَ مُتَطَوعا فِي الْفِدَاء وَقَالَ زفر إِن جنى الْمكَاتب جنايات مَعًا قبل أَن يقْضِي عَلَيْهِ فان عَلَيْهِ لكل جِنَايَة الْأَقَل من قِيمَته وَأرش الْجِنَايَة وَالْقَضَاء وَغير الْقَضَاء فِي ذَلِك سَوَاء فان جنى جِنَايَة ثمَّ عجز قبل أَن يقْضِي عَلَيْهِ بهَا فانه يُبَاع فِي الْأَقَل من قِيمَته وَأرش الْجِنَايَة وَلَا يدْفع وَالْقَضَاء وَغير الْقَضَاء فِي ذَلِك سَوَاء

(4/628)


- بَاب جِنَايَة الْمكَاتب بَين اثْنَيْنِ
- وَإِذا كَانَ العَبْد بَين اثْنَيْنِ فكاتبه أَحدهمَا على نصِيبه بِغَيْر أَمر صَاحبه ثمَّ جنى جِنَايَة ثمَّ ادى فَعتق فانه يقْضِي على الْمكَاتب بِالْأَقَلِّ من نصف قِيمَته وَنصف أرش الْجِنَايَة فَأَما الشَّرِيك الَّذِي لم يُكَاتب فانه يَأْخُذ من شَرِيكه نصف مَا أَخذ من الْمكَاتب وَيرجع بِهِ الشَّرِيك على الْمكَاتب وَالشَّرِيك الَّذِي لم يُكَاتب بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أعتق وَإِن شَاءَ استسعى العَبْد فِي نصف قِيمَته وَيكون الْوَلَاء بَينهمَا وَإِن شَاءَ ضمن شَرِيكه الَّذِي كَاتب العَبْد إِن كَانَ مُوسِرًا وَيرجع بذلك على العَبْد فاذا فعل الشَّرِيك الَّذِي لم يُكَاتب إِحْدَى هَذِه الْخِصَال وَقبض فَهُوَ ضَامِن للأقل من نصف قيمَة الْمكَاتب وَنصف أرش الْجِنَايَة وَلَو خَاصم الْمكَاتب فِي الْجِنَايَة قبل أَن يعْتق فقضي عَلَيْهِ القَاضِي بِنصْف أَرْشهَا ثمَّ إِنَّه عجز عَن الْمُكَاتبَة ورد رَقِيقا فانه يُبَاع نصفه فِيمَا قضى بِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ النّصْف الَّذِي كَاتب وَيُقَال للْمولى الآخر الَّذِي لم يُكَاتب ادْفَعْ نصيبك بِنصْف الْجِنَايَة أَو افده بِنصْف أرش الْجِنَايَة
وَإِذا كَانَ العَبْد بَين اثْنَيْنِ فكاتب أدهما حِصَّته بِغَيْر أَمر شَرِيكه ثمَّ اشْترى الْمكَاتب عبدا فجنى عِنْده جِنَايَة ثمَّ إِن الْمكَاتب أدّى فَعتق فانه يُخَيّر الْمكَاتب وَالَّذِي لم يُكَاتب فان شاءا دفعاه وَإِن شاءا

(4/629)


فدياه بِالدِّيَةِ
وَلَو كَانَ هَذَا العَبْد ابْن الْمكَاتب ولد عِنْده من أمة لَهُ كَانَ عَلَيْهِ أَن يسْعَى فِي الْأَقَل من نصف قِيمَته وَنصف أرش الْجِنَايَة وَلَيْسَ على الْمولى الَّذِي لم يُكَاتب شَيْء حَتَّى يعْتق أَو يستسعى ثمَّ يضمن الْأَقَل من نصف قِيمَته وَمن نصف أرش الْجِنَايَة وَإِذا كَانَ العَبْد بَين أثنين فكاتب أَحدهمَا حِصَّته بِغَيْر أَمر شَرِيكه ثمَّ إِن العَبْد ولد لَهُ من أمة لَهُ ابْن فِي الْمُكَاتبَة فجنى ابْنه جِنَايَة على الْأَب ثمَّ أدّى الْأَب فَعتق فان فِي عتق الابْن نصف قيمَة نَفسه يسْعَى فِيهَا للْمولى الَّذِي لم يُكَاتب وَالَّذِي لم يُكَاتب بِالْخِيَارِ فِي الْمكَاتب على مَا وصفت لَك وَأما أم ولد الْمكَاتب فان الْمكَاتب ضَامِن لنصف قيمتهَا للَّذي لم يُكَاتب من قبل أَنَّهَا أم ولد فَلَا تسْعَى فِي حَال وَأما جِنَايَة الابْن على الْأَب فقد جنى حِين جنى وَنصفه مكَاتب مَعَ أَبِيه وَنصفه رَقِيق وَالْأَب على تِلْكَ الْحَال فَمَا كَانَ فِي الْأَب من حِصَّة الَّذِي لم يُكَاتب فَهُوَ فِي عنق الابْن يبطل من ذَلِك النّصْف وَيثبت نصفه وَهُوَ ربع الْجِنَايَة فِي النّصْف الَّذِي أَخذه الْمولى من الابْن وَيكون على الابْن الْأَقَل من نصف قِيمَته وَمن ربع قيمَة الْمكَاتب للْمولى الَّذِي لم يُكَاتب فَيكون قصاصا وَلَا يكون لأحد على أحد شَيْء
وَإِذا كَاتب الرجل أمة بَينه وَبَين رجل على حِصَّة مِنْهَا ثمَّ إِنَّهَا ولدت ولدا فازدادت خيرا أَو نقصت بِعَيْب ثمَّ أدَّت فأعتقت فَاخْتَارَ الشَّرِيك أَن يضمن الَّذِي كَاتب وَهُوَ مُوسر فانه يضمن نصف قيمتهَا يَوْم

(4/630)


عتقت زَائِدَة كَانَت أَو نَاقِصَة أَلا ترى أَنِّي أجعَل لَهُ نصف مَا اكْتسب قبل أَن يعْتق وَنصف أرش مَا جنى عَلَيْهِمَا قبل أَن يعْتق وَلَو كَانَ الضَّمَان وَقع فِي يَوْم كَاتب لم يكن لَهُ من ذَلِك شَيْء وللمولى الَّذِي لم يُكَاتب أَن يستسعى الابْن فِي نصف قِيمَته وَإِذا كَاتب الرجل أمة بَينه وَبَين رجل على نصِيبه مِنْهَا ثمَّ إِنَّهَا ولدت ولدا فكاتب الاخر نصِيبه من الْوَلَد ثمَّ إِن الْوَلَد جنى على أمه أَو جنت عَلَيْهِ جِنَايَة لَا تبلغ النَّفس ثمَّ أديا فعتقا والموليان موسران فَالَّذِي كَاتب الْأُم لَا ضَمَان لَهُ على شَرِيكه فِي الْوَلَد من قبل أَن مُكَاتبَة الْأُم مُكَاتبَة للْوَلَد لِأَنَّهَا وَلدته وَهِي مُكَاتبَة وللذي كَاتب الابْن أَن يضمن الَّذِي كَاتب الْأُم نصف قيمَة الْأُم وَإِن شَاءَ استسعاها وَإِن شَاءَ أعْتقهَا فان أعْتقهَا أَو استسعاها فولاؤها وَوَلَاء وَلَدهَا بَينهمَا نِصْفَانِ وَإِن ضمن مولى الْأُم الَّذِي كاتبها فولاء الْأُم لَهُ خَاصَّة وَوَلَاء الْوَلَد بَينهمَا وَجِنَايَة الْوَلَد على أمه وَجِنَايَة أمه على مَا وصفت لَك فِي العَبْد وَابْنه
وَإِذا كَانَ العَبْد بَين اثْنَيْنِ وَقِيمَته الف دِرْهَم ففقأ العَبْد عين أَحدهمَا ثمَّ إِن الَّذِي فقئت عينه كَاتب نصِيبه مِنْهُ ثمَّ إِنَّه جرحه جرحا آخر ثمَّ أدّى فَعتق ثمَّ مَاتَ الْمولى بالجنايتين جَمِيعًا فان الَّذِي لم يُكَاتب يَأْخُذ من الَّذِي كَاتب نصف مَا أَخذ من الْمُكَاتبَة وَيرجع بذلك وَرَثَة الَّذِي كَاتب على العَبْد وللذي لم يُكَاتب أَن يستسعى العَبْد إِن شَاءَ

(4/631)


وَإِن شَاءَ أعْتقهُ وَإِن شَاءَ ضمن الَّذِي كَاتب فِي مَاله إِن كَانَ ترك مَالا وَيُقَال لَهُ إِذا فعل إِحْدَى هَذِه الْخِصَال عَلَيْك أَن تدفع نصف قيمَة العَبْد إِلَى وَرَثَة الْمَيِّت بجنايتة وَيُقَال للْعَبد عَلَيْك أَن تسْعَى فِي الْأَقَل من نصف قيمتك وَربع الدِّيَة لوَرَثَة الْمكَاتب من قبل جنايتك
وَإِذا كَانَ العَبْد بَين رجلَيْنِ فجنى على أَحدهمَا ففقأ عينه أَو قطع يَده ثمَّ إِن الآخر بَاعَ نصف نصِيبه من شَرِيكه وَهُوَ يعلم بِالْجِنَايَةِ ثمَّ إِن العَبْد جنى عَلَيْهِ أَيْضا جِنَايَة أُخْرَى ثمَّ إِن الْمولى الَّذِي بَاعَ ربعه اشْترى ذَلِك الرّبع ثمَّ كَاتبه الَّذِي جنى عَلَيْهِ على نصِيبه مِنْهُ ثمَّ جنى عَلَيْهِ جِنَايَة أُخْرَى ثمَّ أدّى فَعتق ثمَّ مَاتَ الْمولى من الْجِنَايَات كلهَا فان الْمكَاتب يكون عَلَيْهِ نصف قِيمَته يجنايته وَهُوَ مكَاتب إِلَّا أَن يكون ربع الدِّيَة اقل من ذَلِك وَيكون على الشَّرِيك الَّذِي لم يُكَاتب سدس دِيَة صَاحبه وَربع سدس دِيَته وَنصف قيمَة العَبْد وَلَا يُؤَدِّي نصف الْقيمَة حَتَّى يعْتق أَو يسْعَى أَو يضمن إِلَّا أَن يكون سدس الدِّيَة وَربع سدس الدِّيَة اقل من نصف الْقيمَة فَيغرم الْأَقَل من ذَلِك وَقد بَطل نصف سدس الدِّيَة بِجِنَايَة الرّبع الَّذِي اشْترى الْمَجْنِي عَلَيْهِ فِي ملكه وَإِذا كَانَ العَبْد بَين اثْنَيْنِ فَقطع يَد رجل ثمَّ بَاعه أَحدهمَا من صَاحبه وَهُوَ يعلم ثمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ فَقطع يَد آخر وفقأ عين الأول ثمَّ مَاتَا جَمِيعًا من ذَلِك فانه يُقَال للشَّرِيك الأول الَّذِي كَانَ اشْترى ادْفَعْ نصيبك الَّذِي كَانَ فِي يَديك إِلَى أَوْلِيَاء القتينلين فَيكون بَينهمَا نِصْفَيْنِ أَو افده بِعشْرَة آلَاف لكل وَاحِد بِخَمْسَة آلَاف وَيُقَال للشَّرِيك البَائِع أول مرّة

(4/632)


ادْفَعْ أَلفَيْنِ وَخَمْسمِائة إِلَى ولي الْقَتِيل الأول وادفع إِلَيْهِ ثلث نصيبك أَو افده بِأَلفَيْنِ وَخَمْسمِائة وادفع إِلَى ولي الْقَتِيل الآخر بِثُلثي نصيبك أَو افده بِخَمْسَة آلَاف
وَإِذا كَانَ العَبْد بَين اثْنَيْنِ فجرح رجلا جرحا خطأ فكاتبه أحد الشَّرِيكَيْنِ وَهُوَ يعلم بذلك ثمَّ جرح الرجل أَيْضا خطأ فكاتبه الثَّانِي وَهُوَ يعلم بذلك ثمَّ جرح الرجل الثَّالِث وَهُوَ مكَاتب لَهما على حَاله ثمَّ مَاتَ الرجل من ذَلِك فان على الْمولى الَّذِي كَاتب أَولا ربع الدِّيَة وعَلى الْمولى الَّذِي كَاتب أخيرا نصف الْقيمَة إِلَّا أَن يكون ربع الدِّيَة أقل من ذَلِك وعَلى الْمكَاتب أَن يسْعَى فِي قِيمَته إِلَّا أَن يكون نصف الدِّيَة أقل من ذَلِك فَيكون عَلَيْهِ نصف الدِّيَة وَهَذَا الْبَاب كُله قِيَاس قَول أبي حنيفَة
- بَاب جِنَايَة الْمُدبر
- وَإِذا قتل الْمُدبر رجلا خطأ فان على مَوْلَاهُ قِيمَته يَوْم قتل مُدبرا لأولياء الْقَتِيل وَلَا يكون على العَبْد شَيْء من ذَلِك وَلَا يكون على الْعَاقِلَة لِأَنَّهُ حَال بَينهم وَبَين العَبْد بِالتَّدْبِيرِ فان جنى الْمُدبر جِنَايَة فَقتل رجلا آخر خطأ فانهم يشتركون فِي تِلْكَ الْقيمَة الأولى لَا يكون على الْمولى شَيْء سوى الْقيمَة الأولى وَدفعه الْقيمَة الأولى بِمَنْزِلَة دَفعه العَبْد بِالْجِنَايَةِ وَلَو كَانَ بَين الجنايتين وَبَين قبض الْقيمَة عشرُون سنة أَو أَكثر من ذَلِك كَانَ لأهل الْجِنَايَة الْآخِرَة أَن يشركوهم فِي الْقيمَة فان كَانَت الْجِنَايَة الْآخِرَة غير نفس كَانَت قطع يَد أَو فَقَأَ عين فانهم يشتركون مَعَ

(4/633)


أَصْحَاب الْجِنَايَة الأولى فَيكون لأَصْحَاب قطع الْيَد ثلث الْقيمَة ولأصحاب الْقَتِيل الأول ثلثا الْقيمَة
وَإِذا اكْتسب الْمُدبر مَالا أَو وهب لَهُ هبة فانه لَا يكون لأَصْحَاب الْجِنَايَة من ذَلِك شَيْء
وَإِذا جنى الْمُدبر وَقِيمَته الف دِرْهَم فَقتل رجلا خطأ ثمَّ عمى أَو ذهبت إِحْدَى عَيْنَيْهِ فان على الْمولى قِيمَته صَحِيحا يَوْم جنى لأهل الْجِنَايَة وَكَذَلِكَ لَو كَانَ ازْدَادَ خيرا وَلم يصبهُ ذَلِك الْبلَاء وَلكنه زَادَت قِيمَته فانما يكون على الْمولى قِيمَته صَحِيحا يَوْم جناه وَإِذا دفع الْمولى الْقيمَة يَوْم جنى بِغَيْر أَمر القَاضِي ثمَّ جنى جِنَايَة ثَانِيَة فَقتل قَتِيلا خطأ فانهما يتبعان أهل الْجِنَايَة الأولى فيأخذوا مِنْهُم نصف الْقيمَة وَإِن شاءا تبعوا بذلك الْمولى وَرجع بِهِ الْمولى على الَّذِي أَخذ مِنْهُ الْقيمَة وَإِن كَانَ الْمولى دَفعه بِقَضَاء قَاض فَلَا ضَمَان على الْمولى وَلَكِن أهل الْجِنَايَة الْآخِرَة يتبعُون أهل الْجِنَايَة الأولى وَلَا يضمنُون الْمولى شَيْئا فَيَأْخُذُونَ مِنْهُ نصف الْقيمَة وَأم الْوَلَد فِي جيمع مَا ذكرنَا من جِنَايَة الْمُدبر بِمَنْزِلَة الْمُدبر فِي قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد قَضَاء القَاضِي وَغير قَضَاء القَاضِي سَوَاء وَلَا ضَمَان على الْمولى فِي شَيْء من ذَلِك إِذا دفع الْقيمَة وَإِذا قتل الْمُدبر قَتِيلا خطأ وَقِيمَته ألف دِرْهَم ثمَّ زَادَت قِيمَته

(4/634)


حَتَّى صَار يُسَاوِي أَلفَيْنِ ثمَّ قتل آخر خطأ ثمَّ نقص أَو دخله عيب حَتَّى صَار يُسَاوِي خَمْسمِائَة ثمَّ قتل آخر خطأ فان على مَوْلَاهُ ألفي دِرْهَم أَكثر قِيمَته فَيكون ألف دِرْهَم مِنْهَا لوَلِيّ الْقَتِيل الْأَوْسَط لِأَنَّهُ قَتله وَقِيمَته أَلفَانِ وَتَكون خَمْسمِائَة من الْألف الْبَاقِيَة بَين ولي الْقَتِيل الأول والأوسط فَيضْرب فِيهَا الْأَوْسَط بِتِسْعَة آلَاف وَالْأول بِعشْرَة آلَاف وَيكون الْخَمْسمِائَةِ الْبَاقِيَة بَينهمَا جَمِيعًا يضْرب فِيهَا الآخر بِعشْرَة آلَاف وَيضْرب الأول بِعشْرَة آلَاف إِلَّا مَا أَخذ وَيضْرب الْأَوْسَط بِعشْرَة آلَاف إِلَّا مَا أَخذ
وَإِذا قتل الْمُدبر قَتِيلا خطأ وَقِيمَته ألف دِرْهَم فَدَفعهَا الْمولى بِقَضَاء قَاض ثمَّ نقص الْمُدبر أَو دخله عيب فَصَارَ يُسَاوِي خَمْسمِائَة دِرْهَم ثمَّ قتل آخر فانه لَا شَيْء على الْمولى الآخر وَخَمْسمِائة مِمَّا أَخذ للْأولِ خَاصَّة والخمسمائة الْبَاقِيَة يضْرب فِيهَا الآخر بِعشْرَة آلَاف وَالْأول بِعشْرَة آلَاف إِلَّا خَمْسمِائَة وَذَلِكَ لِأَنَّهُ جنى على الأول وَقِيمَته ألف فَكَانَت خَمْسمِائَة لَهُ خَالِصَة وجنى على الآخر وَقِيمَته خَمْسمِائَة فَلَا يكون جِنَايَة الآخر فِي الْألف كلهَا إِنَّمَا جنايتهما فِي خَمْسمِائَة مِنْهَا على قدر قيمَة الْمُدبر يَوْم جنى عَلَيْهِ وَإِذا اجْتمع مُدبر وَأم الْوَلَد وَعبد ومكاتب فَقتلُوا رجلا خطأ فانه يُقَال لمولى العَبْد ادفعه أَو افده بِربع الدِّيَة وَيُقَال للْمكَاتب اسع

(4/635)


فِي الْأَقَل من قيمتك وَربع الدِّيَة فيسعى فِي الْأَقَل من ذَلِك وَأنْظر إِلَى ربع الدِّيَة وَإِلَى قيمَة الْمُدبر فَيكون على الْمولى الْأَقَل من ذَلِك وَكَذَلِكَ أم الْوَلَد
وَإِذا أفسد الْمُدبر مَتَاعا أَو عقر دَابَّة أَو اسْتهْلك مَالا أَو هدم دَارا فان ذَلِك كُله يسْعَى فِيهِ بَالغا مَا بلغ وَلَيْسَ على الْمولى من هَذَا شَيْء من قبل أَنه لَو كَانَ غير مُدبر كَانَ على الْمولى أَن يَبِيعهُ فِي هَذَا وَالْجِنَايَة فِي النَّاس لَا يُبَاع فِيهَا إِنَّمَا يدْفع أَو يفْدي فَلذَلِك اخْتلفَا
وَإِذا جنى الْمُدبر فَقتل قَتِيلا خطأ أَو اسْتهْلك مَالا فان على الْمولى قِيمَته لأولياء الْقَتِيل يَدْفَعهَا إِلَى أَوْلِيَاء الْقَتِيل وعَلى الْمُدبر أَن يسْعَى فِيمَا اسْتَهْلكهُ من المَال وَلَا يتبع أَصْحَاب المَال أَوْلِيَاء الْقَتِيل بِمَا أخذُوا وَلَا يشركونهم فِيهِ من قبل أَنَّهَا جِنَايَة وَالَّذِي لَهُم دين وَلم أَن يستسعوا الْمُدبر وَلَا يُحَال بَينهم وَبَين ذَلِك وَإِذا مَاتَ الْمولى وَترك مُدبرا قد كَانَ قتل قَتِيلا خطأ وأفسد مَتَاعا وَلَا مَال لمَوْلَاهُ غَيره وَلم يقْض عَلَيْهِ بِشَيْء فان على مَوْلَاهُ قِيمَته لأَصْحَاب الْجِنَايَة وعَلى الْمُدبر الَّذِي أفسد الْمَتَاع مَا أفسد من ذَلِك فَيُقَال للمدبر اسع فِي قيمتك فَيكون ذَلِك لَهُم دون أَصْحَاب الْجِنَايَة من قبل أَن هَذَا دين فِي عُنُقك وجنايته فِي عنق الْمولى وَلَا يسْعَى للْمولى فِي شَيْء من قبل أَن قِيمَته قد استغرقت دينه فان كَانَ دينه أقل من الْقيمَة سعى

(4/636)


لَهُم فِي بَقِيَّة الْقيمَة فَيكون ذَلِك قَضَاء فيستوفي أهل الدّين دينهم وَمَا بَقِي كَانَ لأهل الْجِنَايَة من دين الْمولى وَإِن كَانَ قد قضي على الْمولى وعَلى الْمُدبر قبل أَن يَمُوت الْمولى أَو لم يقْض فَهُوَ بِمَنْزِلَة هَذَا وَكَذَلِكَ أم الْوَلَد فِي جَمِيع مَا ذكرنَا إِلَّا فِي خصْلَة وَاحِدَة لَا تسْعَى لأَصْحَاب الْجِنَايَة فِي شَيْء
- بَاب جِنَايَة العَبْد على مَوْلَاهُ
-
وَإِذا جنى الْمُدبر على مَوْلَاهُ جِنَايَة تبلغ النَّفس أَو لَا تبلغ النَّفس فَلَا شَيْء على الْمُدبر فِي ذَلِك لِأَنَّهُ لَا يكون على عَبده دين لَهُ وَكَذَلِكَ هَذِه الْجِنَايَة لَو كَانَت فِي عبد للْمولى أَو أمة فبلغت النَّفس أَو دونهَا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِيهِ
وَإِذا قتل الْمُدبر مَوْلَاهُ خطأ فان عَلَيْهِ أَن يسْعَى فِي قِيمَته من قبل أَنه لَا وَصِيَّة لَهُ لِأَنَّهُ قَاتل وَلَا شَيْء عَلَيْهِ من قبل الْجِنَايَة لِأَنَّهُ عَبده وَلَو كَانَت أم ولد وَقتلت مَوْلَاهَا خطأ لم يكن عَلَيْهَا أَن تسْعَى فِي شَيْء لِأَن عتقهَا لَيْسَ بِوَصِيَّة وَلَيْسَ عَلَيْهَا من الْجِنَايَة شَيْء لِأَنَّهَا أمته وَإِذا قتل الْمُدبر مَوْلَاهُ عمدا فَعَلَيهِ السّعَايَة فِي قِيمَته من قبل أَنه لَا وَصِيَّة لَهُ وَعَلِيهِ الْقصاص فان كَانَ لَهُ ابْنَانِ لَا وَارِث لَهُ غَيرهمَا فَعَفَا أَحدهمَا عَن الْمُدبر فعلى الْمُدبر أَن يسْعَى فِي نصف قِيمَته للَّذي لم يعف مَعَ الْقيمَة الَّتِي عَلَيْهِ لَهما جَمِيعًا
وَإِذا قتلت أم الْوَلَد مَوْلَاهَا عمدا فان لم يكن لَهَا مِنْهُ ولد فعلَيْهَا الْقصاص وَلَا سِعَايَة عَلَيْهَا فان كَانَ لَهَا مِنْهُ ولد فَلَا قصاص عَلَيْهَا

(4/637)


من قبل أَنه لَا قصاص لولد من وَالِد وَلَا وَالِدَة وَقد صَار لابنها الْقصاص وَعَلَيْهَا أَن تسْعَى فِي الْقيمَة من قبل الْجِنَايَة لِأَنَّهُ كَانَ لابنها عَلَيْهَا الْقصاص فَلَمَّا صَار لابنها فِيهِ حق صَار بِمَنْزِلَة الصُّلْح وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وابي يُوسُف وَمُحَمّد وَإِذا قتل العَبْد مَوْلَاهُ عمدا وَلَيْسَ بمدبر فَعَلَيهِ الْقصاص وَلَا سِعَايَة عَلَيْهِ وَلَا يعْتق فان كَانَ لَهُ وليان فَعَفَا أَحدهمَا عَن الدَّم فَهُوَ عبد على حَاله بَينهمَا وَلَا شَيْء عَلَيْهِ للَّذي لم يعف فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَأما فِي قَول أبي يُوسُف فعلى الَّذِي عَفا للَّذي لم يعف ربع العَبْد أَو يفْدِيه بِربع الدِّيَة وَإِذا كَانَ الْقَتْل خطأ من العَبْد فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَلَا سِعَايَة
- بَاب جِنَايَة الْمُدبر فِي الْبِئْر وَغَيره وعَلى مَوْلَاهُ
- وَإِذا قتل الْمُدبر مَوْلَاهُ خطأ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ من قبل الْجِنَايَة لِأَنَّهُ مَاله وَعَبده فَلَا يلْزم عَبده دين عَلَيْهِ وَلَكِن عَلَيْهِ أَن يسْعَى فِي قِيمَته من قبل أَنه لَا وَصِيَّة لَهُ وجنايته مَا دَامَ يسْعَى وَالْجِنَايَة عَلَيْهِ مثل جِنَايَة العَبْد فِي قَول أبي حنيفَة وَهُوَ مثل جِنَايَة الْحر فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَلَو قتل مَوْلَاهُ عمدا كَانَ عَلَيْهِ الْقصاص وَعَلِيهِ قِيمَته من قبل أَنه لَا وَصِيَّة لَهُ فان بَدَأَ بِالْقَتْلِ فَقَتَلُوهُ فَالْقيمَة دين عَلَيْهِ وَإِن بدؤا بالسعاية حَتَّى يستوفوا المَال ثمَّ قَتَلُوهُ فَلهم ذَلِك فان كَانَ للْمولى ابْنَانِ فَعَفَا أَحدهمَا عَن الدَّم كَانَ عَفوه جَائِزا وَلَا قصاص على الْمُدبر بعد الْعَفو وعَلى الْمُدبر أَن يسْعَى فِي قِيمَته وَنصف قِيمَته من ذَلِك

(4/638)


من قبل أَنه لَا وَصِيَّة لَهُ فَقيمته بَين الْوَارِثين وَنصف قِيمَته للَّذي لم يعف أوجبت لَهُ حِين عَفا أَخُوهُ وَإِنَّمَا أوجبت نصف قِيمَته لِأَن الْمُدبر جنى وَهُوَ بِمَنْزِلَة العَبْد فِي الْجِنَايَة مَا دَامَ يسْعَى وَإِن كَانَ على الْمولى دين فَهَذِهِ الْقيمَة وَالنّصف للْغُرَمَاء هم أَحَق بذلك من الْوَرَثَة فان بَقِي مِنْهَا شَيْء فَهُوَ بَين الْوَارِثين للَّذي عَفا من ذَلِك الثُّلُث وللذي لم يعف من ذَلِك الثُّلُثَانِ على قدر مَا كَانَ لَهما إِن لم يكن عَلَيْهِ دين وَإِذا أفسد الْمُدبر مَتَاعا لمَوْلَاهُ أَو جنى عَلَيْهِ جِنَايَة لم تبلغ النَّفس ثمَّ مَاتَ الْمولى من غير تِلْكَ الْجِنَايَة فَلَا شَيْء على الْمُدبر من ذَلِك لِأَنَّهُ عبد للْمولى لَا يلْزمه لمَوْلَاهُ دين وَيعتق الْمُدبر من الثُّلُث وَإِذا قتل الْمُدبر مَوْلَاهُ عمدا وللمولى وارثان هما عصبَة الْمولى واحدهما ابْن الْمُدبر فان على الْمُدبر أَن يسْعَى فِي قيمتين قيمَة من قبل أَنه لَا وَصِيَّة لَهُ وَقِيمَة من قبل الْقَتْل لِأَنَّهُ كَانَ عمدا فَعَلَيهِ الْقصاص وَإِنَّمَا يبطل الْقصاص حِين ورث ابْن الْمُدبر وَلَيْسَ هَذَا كَالْعَبْدِ فِي الْبَاب الأول وَإِذا احتفر الْمُدبر بِئْرا فِي طَرِيق أَو أحدث فِيهِ شَيْئا فَأصَاب ذَلِك الْمولى فَقتله فَلَا شَيْء على الْمُدبر من ذَلِك وَيعتق من الثُّلُث وَإِنَّمَا

(4/639)


جَازَت الْوَصِيَّة من قبل أَن الْمُدبر لَيْسَ بِقَاتِل بِيَدِهِ أَلا ترى أَنه لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ إِنَّمَا يحرم الْوَصِيَّة الْقَاتِل الَّذِي يجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة
- بَاب جِنَايَة الْمُدبر على غير مَوْلَاهُ
-
وَإِذا قتل الْمُدبر رجلا خطأ فعلى الْمولى قيمَة الْمُدبر يقْضِي بهَا القَاضِي عَلَيْهِ وَلَيْسَ على الْمُدبر شَيْء من ذَلِك فان قتل آخر بعد ذَلِك شرك الأول فِي تِلْكَ الْقيمَة الأولى كَأَنَّهُ دفع العَبْد بِنَفسِهِ إِلَيْهِم وَلَو لم يكن دفع الْقيمَة الأولى وَلم يقْض بِهِ القَاضِي حَتَّى قتل الثَّانِي كَانَت الْقيمَة كَذَلِك بَينهمَا نِصْفَيْنِ فان كَانَت قِيمَته يَوْم قتل الأول ألف دِرْهَم وَقِيمَته يَوْم قتل الثَّانِي أَلفَانِ فعلى الْمولى أَلفَانِ يَأْخُذ الآخر إِحْدَاهمَا ويقتسمان الْأُخْرَى يضْرب فِيهَا الآخر بِتِسْعَة آلَاف وَالْأول بِعشْرَة آلَاف من قبل أَن الآخر أَخذ ألفا فَلَا يضْرب بِأَكْثَرَ من تِسْعَة آلآف وَإِذا قتل الْمُدبر رجلا خطأ وفقأ عين آخر فان على الْمولى قِيمَته لولى الْقَتِيل مِنْهَا الثُّلُثَانِ وَلِصَاحِب الْعين الثُّلُث وَإِذا قتل آخر بعد ذَلِك شركهم فَكَانَ لَهُ خمْسا مَا أَخذ كل وَاحِد مِنْهُمَا ولولى الْقَتِيل الأول خمسى الْقيمَة يَأْخُذهُ مِنْهَا وَلِصَاحِب الْعين خمسها

(4/640)


وَإِذا قتل الْمُدبر رجلا وَقِيمَة الْمُدبر ألف دِرْهَم ثمَّ فَقَأَ رجل عين الْمُدبر فغرم خَمْسمِائَة دِرْهَم ثمَّ قتل الْمُدبر آخر فان الْخَمْسمِائَةِ ارش الْعين للْمولى لَا شَيْء لوَاحِد من أَوْلِيَاء الْجِنَايَة فِيهَا وعَلى الْمولى ألف دِرْهَم خَمْسمِائَة مِنْهَا للْأولِ وَخَمْسمِائة مِنْهَا يضْرب فِيهَا الأول بِالدِّيَةِ إِلَّا خَمْسمِائَة وَيضْرب فِيهَا الآخر بِالدِّيَةِ وَإِذا قتل الْمُدبر رجلا خطأ ثمَّ فَقَأَ عبد عينه فَدفع بذلك ثمَّ قتل الْمُدبر آخر فان على الْمولى قِيمَته صَحِيحا نصفهَا للْأولِ وَالنّصف الْبَاقِي بَينهمَا على دِيَة الأول إِلَّا مَا أَخذ ودية الآخر وَالْعَبْد الَّذِي يَأْخُذ فِي عينه للْمولى وَلَا سَبِيل عَلَيْهِ لأولياء الْجِنَايَة أَلا ترى أَنه لَو بَاعه أَو وهبه وَلم يَأْخُذهُ فِي الْجِنَايَة لم يضمن ذَلِك لأَصْحَاب الْجِنَايَة وَكَانَ على الْمولى قيمَة الْمُدبر صَحِيحا
وَإِذا جنى الْمُدبر جِنَايَة فِي دَابَّة أَو مَتَاع أَو مَال فَلَيْسَ على مَوْلَاهُ من ذَلِك شَيْء وَهُوَ على الْمُدبر دين فِي عُنُقه بَالغا مَا بلغ فان أعْتقهُ الْمولى لم يضمن الْمولى من ذَلِك شَيْئا وَكَانَ ذَلِك دينا على الْمُدبر يتبع بِهِ وَلَيْسَ هَذَا كالجناية فِي النَّاس لِأَن الْجِنَايَة فِي النَّاس يدْفع العَبْد بهَا وَمَا سوى ذَلِك لَا يدْفع بِهِ
وَإِذا قتل الْمُدبر رجلا خطأ واستهلك لرجل ألف دِرْهَم فان على الْمولى قِيمَته لأهل الْجِنَايَة وعَلى الْمُدبر أَن يسْعَى فِي ألف دِرْهَم لأَصْحَاب الدّين فان لم يقْض القَاضِي فِي شَيْء من ذَلِك حَتَّى مان الْمولى

(4/641)


وَلَا مَال لَهُ غير الْمُدبر وَقِيمَته ألف دِرْهَم فان على الْمُدبر أَن يسْعَى لأَصْحَاب الدّين فِي الْألف وَلَا شَيْء لأَصْحَاب الْجِنَايَة من قبل أَن دين أَصْحَاب الْجِنَايَة على الْمولى وَدين أَصْحَاب الْمُدبر فِي الْألف على الْمُدبر فهم أولى بسعايته
وَكَذَلِكَ لَو أَن رجلا قتل الْمُدبر فغرم قِيمَته كَانَ لأَصْحَاب الدّين دون أَصْحَاب الْجِنَايَة وَكَذَلِكَ لَو كَانَ الْمُدبر جنى وَإِذا قتل الْمُدبر رجلا خطأ فَدفع الْمولى قِيمَته بِغَيْر قَضَاء قَاض ثمَّ قتل آخر فانه يتبع الثَّانِي الأول بِنصْف الْقيمَة وَلَا شَيْء على الْمولى من قبل أَنه دفع ذَلِك يَوْم دَفعه وَهُوَ للْأولِ فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَأما فِي قَول ابي حنيفَة فان الآخر بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ ضمن الْمولى نصف الْقيمَة وَإِن شَاءَ ابتع الأول يَأْخُذ نصف مَا فِي يَدَيْهِ فان هُوَ ضمن نصف الْقيمَة رَجَعَ الْمولى بهَا على الأول وَلَو كَانَ الْمولى دفع الْقيمَة بِقَضَاء قَاض لم يكن على الْمولى شَيْء وابتع الآخر الأول
وَإِذا قتل الْمُدبر عبدا خطأ فان على الْمولى أَن يدْفع الْأَقَل من قيمَة الْقَتِيل وَقِيمَة الْمُدبر وَكَذَلِكَ لَو قتل مُدبرا أَو أم ولد أَو مكَاتبا أَو مُكَاتبَة وَإِذا قتل الْمُدبر رجلَيْنِ أَحدهمَا عمدا وَالْآخر خطأ فعلى الْمولى قِيمَته لأَصْحَاب الْخَطَأ فان عَفا أحد ولي الْعمد فان الْقيمَة بَينهم أَربَاعًا للَّذي لم يعف ربع الْقيمَة وَلِصَاحِب الْخَطَأ ثَلَاثَة أرباعها

(4/642)


فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَأما فِي قِيَاس قَول أبي حنيفَة فَالْقيمَة بَينهم أَثلَاثًا للَّذي لم يعف ثُلُثَاهُ وَالثلث لأولياء الْخَطَأ
وَإِذا احتفر الْمُدبر بِئْرا فِي طَرِيق الْمُسلمين فَوَقع فِيهَا رجل فَمَاتَ فعلى الْمولى الْقيمَة فان قتل الْمُدبر آخر بِيَدِهِ خطأ فانهم يشتركون فِي تِلْكَ الْقيمَة وَكَذَلِكَ إِن عطب رجل بِحجر وَضعه الْمُدبر فِي الطَّرِيق فَمَاتَ فَهُوَ شريكهم فِي تِلْكَ الْقيمَة وَهُوَ بَينهم أَثلَاثًا
وَإِذا قتل الْمُدبر رجلا عمدا ثمَّ عَفا أحد الوليين فللآخر نصف الْقيمَة فان قتل آخر خطأ فللآخر نصف الْقيمَة على الْمولى وَله نصف مَا أَخذ الأول فَيكون لوَلِيّ الْقَتِيل الآخر ثَلَاثَة أَربَاع الْقيمَة وللآول ربع الْقيمَة وَلَيْسَ هَذَا كالنفس وَالْعين لِأَن الْعين فِي رَقَبَة العَبْد كُله وَنصف الدِّيَة الَّذِي لم يعف فِي نصف العَبْد لَيْسَ فِي كُله فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد
- بَاب الْغَصْب فِي الْمُدبر
- وَإِذا قتل الْمُدبر رجلا خطأ ثمَّ إِن رجلا اغتصب الْمُدبر فَقتل عِنْده آخر خطأ ثمَّ رده على الْمولى فان على الْمولى قِيمَته لولى الْقَتِيلين بَينهمَا سَوَاء وَيرجع الْمولى على المغتصب بِنصْف قِيمَته فيؤديها إِلَى الأول وَلَا يرجع بهَا على الْغَاصِب
وَإِذا اغتصب رجل مُدبرا لرجل فَقتل عِنْده قَتِيلا خطأ ثمَّ رده إِلَى الْمولى فَقتل عِنْد الْمولى آخر خطأ فعلى الْمولى قِيمَته بَينهمَا وَيرجع الْمولى بِنصْف قِيمَته على المغتصب فيؤديها إِلَى الأول ثمَّ يرجع بهَا على المغتصب أَيْضا فِي قَول ابي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَأما فِي قَول زفر وَمُحَمّد فان

(4/643)


الْمولى يرجع على الْغَاصِب بِنصْف قيمَة الْمُدبر فَيسلم لَهُ وَلَا يدْفع إِلَى ولى الْجِنَايَة الأولى شَيْئا وَإِذا اغتصب رجل مُدبرا فَقتل عِنْده قَتِيلا ثمَّ رده إِلَى الْمولى وَقتل اثْنَيْنِ عِنْد الْمولى خطأ فان على الْمولى قيمَة تَامَّة بَينهم أَثلَاثًا وَيرجع الْمولى على المغتصب بِثلث الْقيمَة ويدفعها إِلَى الأول ثمَّ يرجع بِثلث الْقيمَة فيدفعها إِلَى الأول أَيْضا ثمَّ يرجع بِمثلِهِ على المغتصب فِي قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَإِذا اغتصب الرجل مُدبر فَقتل عِنْده رجلا واغتصب مَالا عِنْده ثمَّ رده إِلَى الْمولى فَقتل عِنْد الْمولى آخر فان على الْمولى قِيمَته لوَلِيّ الْقَتِيلين بَينهمَا نِصْفَانِ وَيسْعَى لأَصْحَاب الدّين فِي دينهم وَيتبع الْمولى الْغَاصِب بِنصْف الْقيمَة فيدفعها إِلَى الأول وَيرجع عَلَيْهِ بِمثل ذَلِك النّصْف فِي قَول أبي حنيفَة وابي يُوسُف وَلَا شَيْء لأَصْحَاب الدّين من ذَلِك إِنَّمَا دينهم فِي عنق العَبْد يسْعَى فِيهِ وَإِذا سعى الْمُدبر فِي قِيمَته للْغُرَمَاء رَجَعَ الْمولى بذلك على الْغَاصِب وَيسْعَى وَيسْعَى العَبْد فِيمَا بَقِي من الدّين وَلَا يرجع بِهِ على الْمولى أَلا ترى أَن الْمولى لَا يغرم من دينهم شَيْئا
وَإِذا قتل الْمُدبر رجلا خطأ ثمَّ نقصت قيمَة الْمُدبر أَو زَادَت أَو كَانَت الْمُدبر أمة فَولدت بعد فانما على الْمولى قيمَة الْمُدبر يَوْم جنت وَلَا يلْحقهُ

(4/644)


من الْوَلَد وَلَا من الزِّيَادَة شَيْء وَكَذَلِكَ لَا يحط عَنهُ الْعَيْب الَّذِي حدث فِيهَا شَيْء وَإِذا قتل ولد الْمُدبرَة رجلا خطأ فان على الْمولى قِيمَته وَهُوَ فِي ذَلِك بِمَنْزِلَة أمة
وَإِذا قتل الْمُدبر قَتِيلا عمدا فانه يقتل بِهِ وَلَا شَيْء على الْمولى لِأَن هَذَا قصاص وَإِن صَالح الْمولى أحد الوليين أَو عَفا بِغَيْر صلح فان للْآخر نصف الْقيمَة وَإِذا قتل الْمُدبر رجلا ثمَّ اغتصبه رجل فَقتل عِنْده رجلا عمدا ثمَّ إِنَّه رده إِلَى الْمولى فانه يقتل وعَلى الْمولى قِيمَته لصَاحب الْخَطَأ وَيرجع الْمولى بِقِيمَتِه على الْغَاصِب فان عَفا أحد ولي الْعمد كَانَت الْقيمَة بَينهم أَربَاعًا لصَاحب الْخَطَأ ثَلَاثَة أرباعها وَلِصَاحِب الْعمد الَّذِي لم يعف ربعهَا فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَيرجع الْمولى على الْغَاصِب بذلك الرّبع فيدفعه إِلَى صَاحب الْخَطَأ وَإِذا اغتصب الرجل مُدبرا فَقتل عِنْده رجلا عمدا ثمَّ رده فَقتل عِنْد الْمولى رجلا خطأ بعد عَفْو أحد ولي الْعمد فان عَلَيْهِ قِيمَته بَينهم أَربَاعًا على مَا وصفت لَك فِي قَول ابي يُوسُف وَمُحَمّد ثمَّ يرجع على الْغَاصِب بِربع الْقيمَة فيدفعها إِلَى صَاحب الَّذِي لم يعف ثمَّ يرجع عَلَيْهِ بِمثل ذَلِك ايضا فِي قِيَاس قَول ابي حنيفَة وابي يُوسُف فِيمَا يرجع بِهِ فِي الْجِنَايَة فِي الْغَصْب
وَإِذا اغتصب الرجل مُدبرا فَأقر عِنْده بقتل رجل عمدا وَزعم أَن

(4/645)


ذَلِك كَانَ عِنْد الْمولى أَو زعم أَن ذَلِك كَانَ عِنْد الْغَاصِب ثمَّ إِن الْغَاصِب رده على الْمولى فانه يقتل بذلك وعَلى الْغَاصِب الْقيمَة فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا من قبل أَنه أقرّ عِنْده بِشَيْء أتْلفه وَلَو عَفا أحد ولي الْعمد لم يكن للْبَاقِي شَيْء من قبل أَن هَذَا كَانَ باقرار العَبْد وَقد صَار أرشا فَلَا يصدق على مَوْلَاهُ وَكَذَلِكَ لَو كَانَ عبدا غير مُدبر
وَإِذا اغتصب الرجل عبدا مُدبرا فَأقر عِنْده بِسَرِقَة أَو ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام ثمَّ أَنه رده فَقتل فِي تِلْكَ الرِّدَّة فعلى الْغَاصِب قِيمَته فان قطع فِي سَرقَة فعلى الْغَاصِب نصق فيمته وَقِيَاس هَذَا عِنْدِي البيع لَو بَاعَ رجلا عبدا مُرْتَدا عَن الْإِسْلَام وكتمه ذَلِك فَقتل عِنْد المُشْتَرِي رَجَعَ المُشْتَرِي على البَائِع بِالثّمن الَّذِي كَانَ نَقده وَكَذَلِكَ لَو بَاعه وَقد أقرّ بقتل عمد فَهُوَ سَوَاء فِي قَول ابي حنيفَة وَأما فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد فِي البيع خَاصَّة فانه يقوم مُرْتَدا أَو سَارِقا وَيقوم صَحِيحا لَا شَيْء بِهِ من ذَلِك ثمَّ يرجع المُشْتَرِي على البَائِع بِحِصَّة ذَلِك من الثّمن إِن كَانَ أعطَاهُ إِيَّاه وَإِذا اغتصب الرجل مُدبرا فَقتل عِنْده قَتِيلا خطأ أَو أفسد عِنْده مَتَاعا ثمَّ إِن رجلا قتل العَبْد خطأ فعلى الْقَاتِل قيمَة العَبْد على عَاقِلَته فَيكون لأَصْحَاب الدّين وعَلى الْمولى قيمَة العَبْد لوَلِيّ الْقَتِيل الَّذِي قَتله وَيرجع بذلك كُله على الْغَاصِب
وَإِذا اغتصب رجل مُدبرا فَقتل عِنْده قَتِيلا خطأ واستهلك عِنْده مَالا يُحِيط بِقِيمَتِه ثمَّ إِنَّه مَاتَ عِنْده فعلى الْمولى قِيمَته لأَصْحَاب الْجِنَايَة وَيرجع بهَا على الْغَاصِب وَيرجع بِقِيمَة أُخْرَى على الْغَاصِب بِمَوْتِهِ فيدفعها

(4/646)


إِلَى أَصْحَاب الدّين وَيرجع عَلَيْهِ بِقِيمَة أُخْرَى وَلَو اغتصب الرجل مُدبرا أَو عبدا غير مُدبرا فاستهلك عِنْده مَالا يُجَاوز قِيمَته ثمَّ إِنَّه رده على الْمولى فَمَاتَ عِنْد الْمولى فَلَا شَيْء لأَصْحَاب الدّين وَلَا شَيْء للْمولى على الْغَاصِب وَإِن مَاتَ عِنْد الْغَاصِب قبل أَن يردهُ فان على الْغَاصِب قِيمَته يَدْفَعهَا إِلَى الْمولى فيأخذها الْغُرَمَاء ثمَّ يرجع الْمولى عَلَيْهِ بِمثل ذَلِك فان كَانَ رده إِلَى املوى فَقتل عِنْده خطأ فَقيمته لأَصْحَاب الدّين على عَاقِلَة الْقَاتِل فاذا قبضهَا الْمولى أَخذهَا الْغُرَمَاء وَيرجع الْمولى على الْغَاصِب بِتِلْكَ الْقيمَة لِأَنَّهُ إِنَّمَا اسْتهْلك بِتِلْكَ الْقيمَة عِنْد الْغَاصِب
وَإِذا اغتصب الْمُدبر مَالا فاستهلكه وَهُوَ عِنْد الْمولى ثمَّ اغتصبه رجل آخر فخفر عِنْده بِئْرا فِي الطَّرِيق ثمَّ إِنَّه رده إِلَى الْمولى فَقتله رجل خطأ فغرم الْقيمَة للْمولى فَأَخذهَا أَصْحَاب الدّين ثمَّ وَقعت فِي الْبِئْر دَابَّة فعطبت وَقيمتهَا وَالدّين سَوَاء فانهم يشاركون أَصْحَاب الْقيمَة فَيَأْخُذُونَ نصفهَا وَيرجع الْمولى على الْغَاصِب بذلك ثمَّ يَدْفَعهُ إِلَى أَصْحَاب الدّين الأول فان وَقع فِي الْبِئْر إِنْسَان آخر فَمَاتَ فعلى الْمولى قيمَة الْمُدبر وَيرجع بذلك على الْغَاصِب
- بَاب جِنَايَة الْمُدبر بَين رجلَيْنِ
- وَإِذا كَانَ الْمُدبر بَين اثْنَيْنِ فَقتل أحد مولييه ورجلا خطأ بُدِئَ بِالرجلِ قبل الْمولى فان على الْمولى الْبَاقِي نصف قِيمَته وَفِي مَال الْمَقْتُول

(4/647)


نصف قِيمَته فَيكون لمولى الْمَقْتُول ربع قِيمَته وَللْآخر ثَلَاثَة أَربَاع قِيمَته من قبل أَن مولى الْقَتِيل لَا حق لَهُ فِيمَا ضمن وَإِنَّمَا حَقه فِي النّصْف الآخر يضْرب فِيهِ بِخَمْسَة آلَاف وعَلى الْمُدبر أَن يسْعَى فِي قِيمَته
وَإِذا قتل الْمُدبر أحد مولييه عمدا ورجلا آخر خطأ بُدِئَ بِالرجلِ قبل الْمولى فان على مَوْلَاهُ الْبَاقِي وَفِي مَال الْمَقْتُول فيمته تَامَّة لولى الْقَتِيل الْخَطَأ وَيسْعَى الْمُدبر فِي قِيمَته بَين الموليين وَيقتل بالعمد فان عَفا أحد ولي الْعمد سعى الْمُدبر للَّذي لم يعف فِي نصف قِيمَته أَيْضا وَإِذا قتل الْمُدبر رجلا عمدا ثمَّ قتل أحد مولييه خطأ بعد مَا عَفا أحد ولي الْعمد فان على الْمولى الْبَاقِي نصف قِيمَته فَيكون نصف ذَلِك النّصْف لوَلِيّ الْمولى الْقَتِيل وَالنّصف الْبَاقِي من ذَلِك النّصْف بَينه وَبَين الَّذِي لم يعف وعَلى وَرَثَة الْمولى الْمَقْتُول ربع الْقيمَة للَّذي لم يعف وعَلى الْمُدبر أَن يسْعَى فِي قِيمَته تَامَّة للَّذي بَقِي من مَوْلَاهُ ولورثة الْمولى الْقَتِيل لِأَنَّهُ لَا وَصِيَّة لَهُ لِأَنَّهُ قَاتل وَإِذا قتل الْمُدبر مولييه جَمِيعًا مَعًا خطأ فان عَلَيْهِ أَن يسْعَى فِي قِيمَته لورثتهما وَلَا شَيْء لوَاحِد مِنْهُمَا على صَاحبه
وَإِذا اغتصب الْمُدبر أحد مولييه فَقتل عِنْده قَتِيلا خطأ ثمَّ رده فَقتل رجلا عمدا لَهُ وليان فَعَفَا أَحدهمَا فان عَلَيْهِمَا قيمَة تَامَّة لصَاحب الْخَطَأ ثَلَاثَة أرباعها وَلِصَاحِب الْعمد الَّذِي لم يعف ربعهَا وَيرجع مولى الَّذِي لم يغصب على الْغَاصِب بِثَلَاثَة أَربَاع نصف قيمَة الْمُدبر فَيرد على صَاحب

(4/648)


الْخَطَأ من ذَلِك ثمن قيمَة العَبْد وَيرجع بذلك على الْغَاصِب وَإِذا قطع رجل يَد الْمُدبر وَقِيمَته ألف فبرأ وَزَاد حَتَّى صَارَت قِيمَته أَلفَيْنِ ثمَّ فَقَأَ آخر عينه ثمَّ انتقضت الْيَد فَمَاتَ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَالْمُدبر بَين اثْنَيْنِ فَعَفَا أَحدهمَا عَن الْيَد وَمَا يحدث فِيهَا وَعَفا الآخر عَن الْعين وَمَا يحدث فِيهَا فان للَّذي عَفا عَن الْيَد على صَاحب الْعين سَبْعمِائة وَخمسين درهما على عَاقِلَته إِن كَانَ ذَلِك كُله خطأ وَإِن كَانَ عمدا فَفِي مَاله وللذي عَفا عَن الْعين على صَاحب الْيَد ثَلَاثمِائَة وَاثنا عشر درهما وَنصف دِرْهَم على عَاقِلَته إِن كَانَ خطأ وَفِي مَاله إِن كَانَ عمدا من قبل أَن الْقَاطِع قطع يَده وَقِيمَته ألف فَكَانَ عَلَيْهِ نصف قِيمَته خَمْسمِائَة فَلَمَّا فَقَأَ الاخر عينه وَقِيمَته الفان صَار عَلَيْهِ نصف الْألف فَلَمَّا مَاتَ من الجنايتين جَمِيعًا صَار صَاحب الْيَد ضَامِنا للآلف والخمسمائة من قِيمَته لِأَنَّهُ ثَلَاثَة أَربَاع الْجِنَايَة وَإِنَّمَا ضمنت الْقَاطِع مائَة وَخَمْسَة وَعشْرين مَعَ الْخَمْسمِائَةِ الَّتِي عَلَيْهِ من قبل الْيَد لِأَن الفاقئ كَأَنَّهُ فَقَأَ عينه وَقِيمَته خَمْسمِائَة فَعَلَيهِ نصف قِيمَته خمسين ومائتي دِرْهَم فيبقي من النَّفس مِائَتَان وَخَمْسُونَ فَلَمَّا مَاتَ من جنايتهما صَار على كل وَاحِد مِنْهُم نصف ذَلِك وَهُوَ مائَة وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ فَلَمَّا عَفا أحد الموليين عَن صَاحب الْيَد سقط عَنهُ نصف أرش الْجِنَايَة وَكَذَلِكَ صَاحب الْعين

(4/649)


وَجِنَايَة أم الْوَلَد فِي جَمِيع مَا ذكرنَا مثل جِنَايَة الْمُدبر إِذا كَانَ على غير الْمولى
- بَاب جِنَايَة أم الْوَلَد فِي الْبِئْر وَغَيرهَا
- وَإِذا جنت أم الْوَلَد فقتلت مَوْلَاهَا فَلَا شَيْء عَلَيْهَا من قبل أَن عتقهَا لَيْسَ من الثُّلُث وَلَيْسَ بِوَصِيَّة فَتبْطل الْوَصِيَّة وَلَا جِنَايَة عَلَيْهَا لمولاها إِنَّمَا جنت عَلَيْهِ وَنهي مَمْلُوكَة لَهُ لَا يجب عَلَيْهَا دين وَإِذا قتلت أم الْوَلَد مَوْلَاهَا عمدا وَلَيْسَ لَهُ مِنْهَا ولد فعلَيْهَا الْقصاص وَلَا سِعَايَة عَلَيْهَا فان كَانَ للْمولى ابْنَانِ فَعَفَا أَحدهمَا سعت للْآخر فِي نصف قيمتهَا لِأَن الْجِنَايَة كَانَت وَهِي أمة فَلَا يلْزمهَا أَكثر من ذَلِك
وَكَذَلِكَ عبد قتل رجلا عمدا فَأعْتقهُ الْمولى ثمَّ عَفا أحد ولي الدَّم وَإِذا قتلت أم الْوَلَد مَوْلَاهَا عمدا وَله ابْنَانِ أَحدهمَا مِنْهَا وَالْآخر لَيْسَ مِنْهَا فان عَلَيْهَا أَن تسْعَى فِي قيمتهَا تَامَّة بَينهمَا نِصْفَانِ لِأَن الْقَتْل كَانَ عمدا فَلَمَّا صَار إِلَى ابْنهَا بَطل الْقصاص وَصَارَ مَالا عَلَيْهَا تسْعَى فِيهِ وَلَيْسَ هَذَا كالخطأ وَهِي حرَّة فِي جَمِيع أمورها وَلَيْسَ سعايتها هَذِه كالسعاية فِي شَيْء من الرَّقَبَة وَهُوَ بِمَنْزِلَة الْحرَّة
وَإِذا كَاتب الرجل أم وَلَده أَو مُدبرَة لَهُ ثمَّ إِنَّهَا قتلت مَوْلَاهَا خطأ فَأَما أم الْوَلَد فانها تسْعَى فِي قيمتهَا من قبل الْجِنَايَة وَتبطل عَنْهَا الْمُكَاتبَة من قبل أَنَّهَا قد عتقت حِين مَاتَ مَوْلَاهَا وَإِنَّمَا وَجَبت عَلَيْهَا أَن تسْعَى فِي قيمتهَا بِالْجِنَايَةِ لِأَنَّهَا جنت وَهِي مُكَاتبَة أَلا ترى أَنَّهَا

(4/650)


لَو أفسدت لَهُ مَتَاعا أَو استقرضت مَالا ثمَّ مَاتَ الْمولى بطلت عَنْهَا الْمُكَاتبَة وعتقت ولزمها الدّين وَأما الْمُدبرَة فان عَلَيْهَا أَن تسْعَى فِي قيمتهَا من قبل الْجِنَايَة لِأَن عتقهَا وَصِيَّة وَلَا وَصِيَّة لَهَا لِأَنَّهَا قاتلة وَإِن كَانَت مكاتبتها أقل من قيمتهَا سعت فِي مكاتبتها وَإِذا أسلمت أم ولد النَّصْرَانِي فاستسعاها فِي قيمتهَا فَقتلته خطأ وَهِي تسْعَى فان عَلَيْهَا قيمتهَا من قبل الْجِنَايَة وَبَطل عَنْهَا سِعَايَة الرّقّ وتعتق فان كَانَ الْقَتْل عمدا فعلَيْهَا الْقصاص مَكَان الْقيمَة وَإِن كَانَ لَهَا مِنْهُ ولد فَلَا شَيْء لولدها فِي ذَلِك من قبل أَنه مُسلم مَعَ الْأُم فَلَا يَرث الْأَب فان عَفا بعض الْوَرَثَة عَن الدَّم بَطل عَنْهَا الْقصاص وَرفع عَنْهَا حِصَّة من عَفا وتسعى فِي حِصَّة من لم يعف من الْقيمَة
وَإِذا قتلت أم الْوَلَد مَوْلَاهَا عمدا وَلَيْسَ لَهَا مِنْهُ ولد وَهِي حُبْلَى مِنْهُ فَلَا قصاص لَهُ عَلَيْهَا من قبل خَصْلَتَيْنِ من قبل مَا فِي بَطنهَا لَعَلَّ أَن يكون وَارِثا وَمن قبل أَن الحبلى لَا تقتل بِالْقصاصِ فان ولدت ولدا حَيا ورث أَبَاهُ وَصَارَ عَلَيْهَا الْقيمَة لجَمِيع الْوَرَثَة وَإِن ولدت مَيتا كَانَ عَلَيْهَا الْقصاص فان كَانَ إِنْسَان ضرب بَطنهَا فألقته مَيتا فَعَلَيهِ غرَّة وَلها مِيرَاثهَا من تِلْكَ الْغرَّة وَمَا بَقِي فَهُوَ لإخوة الْجَنِين وَتقتل هِيَ

(4/651)


بقتلها مَوْلَاهَا وَيَرِث نصِيبهَا من الْغرَّة بَنو مَوْلَاهَا لأَنهم عصبَة وَلَا يحرمُونَ الْمِيرَاث مِنْهَا لأَنهم قتلوها بِحَق
- بَاب جِنَايَة الْمكَاتب فِي الْخَطَأ
-
وَإِذا قتل الْمكَاتب رجلا خطأ وَقِيمَة الْمكَاتب ألف دِرْهَم فان على الْمكَاتب أَن يسْعَى فِي قِيمَته فان قتل آخر خطأ بعد مَا قضي عَلَيْهِ بِالْأولِ فان عَلَيْهِ أَن يسْعَى فِي قيمَة أُخْرَى فان قتل اثْنَيْنِ قبل أَن يقْضِي عَلَيْهِ للآول فان عَلَيْهِ أَن يسْعَى فِي قيمَة وَاحِدَة لَهما جَمِيعًا فان كَانَت الْجِنَايَة كلهَا قتلا وَقطع يَد فَالْقيمَة بَينهم أَثلَاثًا لولى الْقَتِيل ثُلُثَاهُ وَلِصَاحِب الْيَد الثُّلُث
وَإِذا قتل الْمكَاتب عبدا خطأ فان عَلَيْهِ أَن يسْعَى فِي الْأَقَل من قِيمَته وَمن قيمَة الْمَقْتُول وَكَذَلِكَ لَو قتل مكَاتبا أَو مُدبرا أَو أم ولد فان قتل هَؤُلَاءِ جَمِيعًا وَقتل مَعَهم حرا فان عَلَيْهِ قِيمَته لَهُم جَمِيعًا على قدر قيمتهم ودية الْحر وَإِذا قتل الْمكَاتب رجلا خطأ ثمَّ عجز قبل أَن يقْضِي بِهِ قَاض فانه يُخَيّر مَوْلَاهُ فان شَاءَ دَفعه بِالْخِيَارِ وَإِن شَاءَ فدَاه بِالدِّيَةِ وَكَذَلِكَ لَو كَانَت الْجِنَايَة دون النَّفس فِي عبد أَو حر فان مَوْلَاهُ يُخَيّر فِيهِ فان شَاءَ دَفعه وَإِن شَاءَ فدَاه بِأَرْش ذَلِك وَإِذا أفسد الْمكَاتب مَتَاعا أَو عقر دَابَّة أَو اسْتهْلك مَالا أَو مَتَاعا فَعَلَيهِ قيمَة ذَلِك وَعَلِيهِ المَال دينا بَالغا مَا بلغ وَلَيْسَ هَذَا كالجناية فِي النَّاس هَذَا لَا يدْفع بِهِ أبدا

(4/652)


وَإِذا قتل الْمكَاتب رجلا خطأ ثمَّ إِنَّه قتل آخر ثمَّ إِنَّه قضي عَلَيْهِ لأَحَدهمَا بِنصْف الْقيمَة وَالْآخر غَائِب ثمَّ قتل رجلا آخر خطأ ثمَّ عجز وَاخْتَارَ مَوْلَاهُ دَفعه فانه يدْفع نصفه إِلَى الآخر وَيتبع الْمقْضِي لَهُ الأول بذلك النّصْف الْمَدْفُوع إِلَيْهِ فَيُبَاع فِيهِ وَيدْفَع النّصْف الْبَاقِي إِلَى الآخر والأوسط الَّذِي لم يقْض لَهُ فِيهِ بِشَيْء وَيضْرب فِيهِ الآخر بِخَمْسَة آلَاف والأوسط بِعشْرَة آلَاف
وَإِذا قتل الْمكَاتب رجلا خطأ وَله وليان فَقضى عَلَيْهِ القَاضِي لأَحَدهمَا بِنصْف الْقيمَة وَلم يقْض للْآخر بِشَيْء ثمَّ قتل آخر فجَاء آخر فخاصم إِلَى القَاضِي وَهُوَ مكَاتب بعد فانه يقْضِي لَهُ بِثَلَاثَة أَربَاع الْقيمَة من قبل أَن النّصْف الْبَاقِي الْمقْضِي فِيهِ للْأولِ لَا جِنَايَة فِيهِ فَيَقْضِي لَهُ بِنصْف الدِّيَة فِيهِ فَيصير لَهُ بذلك نصف الْقيمَة وَالنّصف الْبَاقِي يقْضِي لَهُ بِنصفِهِ وَإِن عجز الْمكَاتب وَجَاء الْأَوْسَط فانه يدْفع إِلَيْهِ ربع العَبْد أَو يفْدِيه مَوْلَاهُ بِنصْف الدِّيَة وَإِذا قتل الْمكَاتب رجلا خطأ ثمَّ اعور فَقتل آخر خطأ ثمَّ خاصما فان عَلَيْهِ قِيمَته صَحِيحا نصفهَا للآول وَنِصْفهَا بَينهمَا يضْرب فِيهِ الآخر بِالدِّيَةِ وَالْأول بِالدِّيَةِ إِلَّا مَا كَانَ أَخذ وَكَذَلِكَ لَو كَانَ فَقَأَ عينه إِنْسَان أَو نقصت الْقيمَة من سعر أَو عيب حَتَّى يذهب بعض ثمنه من أجل ذَلِك الْعَيْب
وَإِذا قتل الْمكَاتب رجلا خطأ وحفر بِئْرا فَوَقع فِيهَا إِنْسَان فَمَاتَ

(4/653)


أَو أحدث شَيْئا فِي الطَّرِيق فقضي عَلَيْهِ بِالْقيمَةِ للَّذي وَقع فِي الْبِئْر ولولى الْقَتِيل وسعى فِيمَا بَينهم ثمَّ عطب بذلك الَّذِي أحدث فِي الطَّرِيق إِنْسَان فَمَاتَ فانه يشاركهم فِي الْقيمَة الَّتِي أخذُوا لِأَنَّهُ أحدث ذَلِك فِي الطَّرِيق قبل أَن يقْضِي عَلَيْهِ بِالْقيمَةِ وَكَذَلِكَ لَو كَانَ وَقع فِي الْبِئْر إِنْسَان آخر فَمَاتَ
وَلَو حفر بِئْرا أُخْرَى فِي الطَّرِيق بعد مَا قضي عَلَيْهِ بِالْقيمَةِ فَوَقع فِيهَا إِنْسَان فَمَاتَ قضي عَلَيْهِ القَاضِي بِقِيمَة أُخْرَى
وَلَو وَقع فِي الْبِئْر الأولى فرس فعطبت أَو بَهِيمَة كَانَ عَلَيْهِ قيمتهَا دينا فِي رقبته يسْعَى فِيهِ بَالغا مَا بلغ لَا يُشَارك أهل الْجِنَايَة وَلَا يشركونه أَلا ترى أَن مكَاتبا لَو قتل رجلا خطأ أَو اسْتهْلك مَالا فقضي عَلَيْهِ بِالْقيمَةِ فِي الْقَتْل وَقضي عَلَيْهِ بِالْمَالِ بَالغا مَا بلغ
وَإِذا قتل ابْن الْمكَاتب من أمته قَتِيلا خطأ فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْمكَاتب يسْعَى فِي ذَلِك وَكَذَلِكَ لَو كَانَ الْمكَاتب اشْتَرَاهُ شِرَاء وَكَذَلِكَ أَبوهُ وَأمه إِذا كَانُوا فِي ملكه وَكَذَلِكَ أم وَلَده يغرم قيمتهَا وَلَا يدْفع شَيْئا من هَؤُلَاءِ وَلَو كَانَ عبد لَهُ جنى جِنَايَة أَو أمة كَانَ عَلَيْهِ أَن يَدْفَعهُ أَو يفْدِيه وَكَذَلِكَ لَو كَانَ الْقَتْل عمدا فَصَالح عَن عَبده كَانَ صلحه جَائِزا
وَلَو قتل هُوَ بِنَفسِهِ رجلا عمدا فَصَالح عَن نَفسه فَهُوَ جَائِز وَيلْزمهُ المَال فان عجز وَلم يؤد المَال بَطل عَنهُ المَال فِي قَول أبي حنيفَة وَأما فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد فَالْمَال لَهُ لَازم عجز أَو لم يعجز

(4/654)


وَإِذا أقرّ الْمكَاتب بِالْجِنَايَةِ خطأ ثمَّ عجز فاقراره بَاطِل فان عتق كَانَ إِقْرَاره جَائِزا عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إِقْرَاره جَائِز عَلَيْهِ مَا لم يعجز وَإِذا أقرّ بقتل عمد فَهُوَ مُصدق على نَفسه فان عَفا اُحْدُ الْوَارِثين قضي عَلَيْهِ بِنصْف الْقيمَة للْآخر وَإِن عجز قبل أَن يُؤَدِّي بَطل ذَلِك عَنهُ فِي قَول أبي حنيفَة إِن كَانَ لم يؤد وَلَا يبطل ذَلِك عَنهُ فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد إِذا قضي بِهِ صَار دينا عَلَيْهِ يُبَاع بِهِ وَكَذَلِكَ كل عبد أَو مكَاتب أَو مُدبر يقر بقتل عمد أَو زنى أَو سَرقَة أَو قذف فانه يقْضِي عَلَيْهِ من ذَلِك مَا كَانَ فِيهِ الْقصاص وَالْحَد فاذا دخل الْعَفو وَصَارَ مَا بَقِي مَالا بَطل المَال فِي الدَّم وَالسَّرِقَة إِذا درئ فِيهَا الْحَد إِلَّا أَن يكون عبدا تَاجِرًا أَو مكَاتبا فَيُؤْخَذ بِالسَّرقَةِ فَيكون دينا فِي عُنُقه وَهَذَا قَول أبي حنيفَة
وَإِذا قتل الْمكَاتب رجلا عمدا لَهُ وليان فَعَفَا أَحدهمَا سعى للْآخر فِي نصف الْقيمَة فان وَقع رجل فِي بِئْر أحدثها الْمكَاتب فِي الطَّرِيق قبل الْقَتْل فان عَلَيْهِ نصف قيمَة أُخْرَى لصَاحب الْبِئْر وشارك أَصْحَاب الْبِئْر مَعَ أَصْحَاب الْقَتْل الْعمد فَيَأْخُذ مِنْهُ نصف مَا أَخذ فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد
وَإِذا قتل ابْن الْمكَاتب رجلا خطأ ثمَّ إِن الْمكَاتب قتل ابْنه وَهُوَ عبد وَقتل آخر خطأ فان عَلَيْهِ قِيمَته يسْعَى فِيهَا يضْرب فِيهَا أَوْلِيَاء الْقَتِيل الآخر بِالدِّيَةِ وَيضْرب فِيهَا أَوْلِيَاء قَتِيل الابْن بِقِيمَة الابْن
وَإِذا جنى الْمكَاتب جِنَايَة ثمَّ اخْتلف الْمكَاتب وَولى الْجِنَايَة فِي قيمَة الْمكَاتب وَقد علم أَن قِيمَته قد زَادَت أَو نقصت فَقَالَ الْمكَاتب

(4/655)


كَانَت قيمتي ألفا يَوْم جنيت وَقَالَ الْوَلِيّ كَانَت قيمتك أَلفَيْنِ فَالْقَوْل قَول الْمكَاتب وعَلى ولي الْقَتِيل الْبَيِّنَة
وَكَذَلِكَ لَو فقئت عين الْمكَاتب فَقَالَ الْمكَاتب جنيت الْجِنَايَة بعد مَا فقئت عَيْني وَقَالَ الْمولى كَانَت الْجِنَايَة قبل أَن تفقأ عَيْنك فَالْقَوْل قَول الْمكَاتب وعَلى الْمولى الْبَيِّنَة آخر كتاب الدِّيات وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وصلواته على سيدنَا مُحَمَّد النَّبِي وَآله وَسلم
كتبه أَبُو بكر بن أَحْمد بن مُحَمَّد الطلحي الْأَصْفَهَانِي فِي صفر سنة تسع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة الْهِلَالِيَّة

(4/656)