الأصل المعروف بالمبسوط للشيباني

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله الْوَاحِد الْعدْل

// كتاب الْعقل
//

(4/657)


- بَاب من عقل الْجِنَايَات مَتى تُؤْخَذ وَفِي كم تُؤْخَذ ويتحول أَو لَا يتَحَوَّل
-
قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن بلغنَا أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فرض الْعقل على أهل الدِّيوَان لِأَنَّهُ أول من وضع الدِّيوَان فَجعل فِيهِ الْعقل وَكَانَ الْعقل قبل ذَلِك على عشيرة الرجل فِي أَمْوَالهم فالعقل على أهل

(4/658)


الدِّيوَان من الْمُقَاتلَة

(4/659)


مُحَمَّد قَالَ أخبرنَا أَبُو حنيفَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم فِي دِيَة الْخَطَأ وَشبه الْعمد فِي النَّفس على الْعَاقِلَة على أهل الدِّيوَان فِي ثَلَاثَة أَعْوَام فِي كل عَام الثُّلُث وَمَا كَانَ من جراحات الْخَطَأ فعلى الْعَاقِلَة على أهل الدِّيوَان إِذا بلغت الْجراحَة ثُلثي الدِّيَة فَفِي عَاميْنِ وَإِن كَانَ النّصْف فَفِي عَاميْنِ وَإِن كَانَ الثُّلُث فَفِي عَام وَذَلِكَ كُله على أهل الدِّيوَان وَلَيْسَ على الذُّرِّيَّة وَالنِّسَاء مِمَّن كَانَ لَهُ عَطاء فِي الدِّيوَان عقل لِأَنَّهُ بلغنَا أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ لَا يعقل مَعَ الْعَاقِلَة صبي وَلَا امْرَأَة

(4/660)


مُحَمَّد قَالَ أخبرنَا مُحَمَّد بن عمر الْأَسْلَمِيّ قَالَ أخبرنَا عمر بن عُثْمَان ابْن سُلَيْمَان بن أبي حثْمَة عَن عبد الله بن السَّائِب بن يزِيد عَن أَبِيه قَالَ

(4/661)


سَمِعت عمر بن الْخطاب يَقُول لَا يعقل مَعَ الْعَاقِلَة صبي وَلَا امْرَأَة وَإِنَّمَا جعل الْعقل فِيمَا نرى وَالله أعلم على عشيرة الرجل وَلم يجنوا وَلم يحدثوا حَدثا على وَجه العون لصَاحِبِهِمْ لأَنهم أهل يَد وَاحِدَة على غَيرهم وَأهل نصْرَة وَاحِدَة على غَيرهم وَلم يوضع ذَلِك على النّسَب لِأَن الْقَوْم كَانَ يعقل مَعَهم حليفهم وعديدهم ويعقلون عَنهُ وَلَيْسَ بَينه وَبينهمْ وَلَاء وَلَا قرَابَة فَلَمَّا صَارَت الدَّوَاوِين صَار أهل الدِّيوَان يتناصرون دون ذَوي الْقرَابَات وصاروا يدا على غَيرهم وَصَارَت أَمْوَالهم الأعطية فَفرض الْعقل على أهل الدِّيوَان لذَلِك فَهُوَ على أهل الدِّيوَان لذَلِك فَهُوَ على أهل الدِّيوَان دون الْقرَابَات لِأَن الْأَخَوَيْنِ أَحدهمَا يكونن ديوانه بِالْكُوفَةِ وَالْآخر ديوانه بِالشَّام فَلَا يعقل وَاحِد مِنْهُمَا عَن صَاحبه

(4/662)


لِأَنَّهُمَا وَإِن اجْتمع نسبهما فان نصرتهما ويدهما مُخْتَلفَة فانما جعل التعاقل على النُّصْرَة وَالْيَد الْوَاحِدَة أَلا ترى أَن أهل ديوَان الشَّام لَا يعْقلُونَ عَن أهل ديوَان الْبَصْرَة وَأهل ديوَان الْبَصْرَة لَا يعْقلُونَ عَن أهل ديوَان الشَّام وَإِن قربت أنسابهم لأَنهم لَيْسُوا بِأَهْل نصْرَة وَلَا يَد وَاحِدَة وَإِنَّمَا وضعت المعاقل على مَا وصفت لَك من النُّصْرَة وَالْيَد الْوَاحِدَة والحيطة فَجعل الْعقل وَفْدًا لبَعْضهِم من بعض وعونا لبَعْضهِم من بعض قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن إِذا قتل الرجل قَتِيلا خطأ قضي عَلَيْهِ بِالدِّيَةِ على عَاقِلَته فِي ثَلَاث سِنِين فَلَو مضى للقتيل سنتَانِ أَو ثَلَاث أَو أَكثر ثمَّ رفع إِلَى القَاضِي فانه يحكم بِالدِّيَةِ فِي ثَلَاث سِنِين من يَوْم يقْضِي بذلك وَلَا يلْتَفت إِلَى مَا مُضِيّ فان كَانَت الْعَاقِلَة أهل ديوَان قضي بذلك فِي أعطياتهم فَجعل الثُّلُث فِي أول عَطاء يخرج لَهُم بعد قَضَائِهِ وَإِن كَانَ لَيْسَ بَين الْقَتْل وقضائه وَبَين خُرُوج الْعَطاء إِلَّا شهر أَو أقل من ذَلِك فَالثُّلُث الأول فِيهِ وَيجْعَل الثُّلُث فِي الْعَطاء الآخر إِذا خرج إِن أَبْطَأَ بعد الْحول أَو عجل قبل السّنة وَيجْعَل الثُّلُث فِي الْعَطاء الثَّالِث فان عجل للْقَوْم الْعَطاء فأخرجت لَهُم ثَلَاثَة أعطية بِمرَّة وَاحِدَة وَهِي أعطية إِنَّمَا استحقوها بعد قَضَاء القَاضِي بِالدِّيَةِ فان الدِّيَة كلهَا تُؤْخَذ من تِلْكَ الأعطية الثَّلَاثَة فَيَقْضِي بِالدِّيَةِ على الْقَوْم حَتَّى يُصِيب الرجل فِي عطائه من الدِّيَة كلهَا أَرْبَعَة دَرَاهِم أَو ثَلَاثَة أَو أقل من ذَلِك فان قلت الْعَاقِلَة فَكَانَ الرجل يُصِيبهُ من الدِّيَة أَكثر

(4/663)


من أَرْبَعَة دَرَاهِم ضم إِلَيْهِم أقرب الْقَبَائِل فِي النّسَب من أهل الدِّيوَان حَتَّى يُصِيب الرجل فِي عطائه من الدِّيَة مَا وصفت لَك أَو أقل من ذَلِك وَلَا يسْتَحق الْعَطاء عندنَا إِلَّا بآخر السّنة فَلذَلِك قُلْنَا إِن الرجل إِذا قضي بديته على الْعَاقِلَة ثمَّ خرج الْعَطاء بعد ذَلِك بِشَهْر أَو أقل من ذَلِك كَانَ ذَلِك الْعَطاء فِيهِ ثلث الدِّيَة
وَإِذا قتل رجل رجلا خطأ فَلم يقْض بذلك حَتَّى مَضَت سنُون ثَلَاث أَو أَكثر ثمَّ قضي على الْعَاقِلَة بِالدِّيَةِ وَلم يخرج للنَّاس عَطاء ثمَّ أَمر للنَّاس بأعطياتهم الْمَاضِيَة لم يكن فِيهَا من الدِّيَة قَلِيل وَلَا كثير واستقبل لصَاحب الدِّيَة الأعطية الْمُسْتَقْبلَة بعد الْقَضَاء بِالدِّيَةِ
وَلَو أَن رجلا كَانَت عَاقِلَته أَصْحَاب رزق يأخذونه فِي كل شهر قضي على عَاقِلَته بِالدِّيَةِ فِي أَرْزَاقهم فِي ثَلَاث سِنِين فِي كل سنة ثلث الدِّيَة فاذا قضي القَاضِي بذلك ثمَّ خرجت لَهُم الأرزاق لأشهر مَاضِيَة كَانَت قبل الْقَضَاء بِالدِّيَةِ لم يكن عَلَيْهِم من الدِّيَة فِي تِلْكَ الأرزاق قَلِيل وَلَا كثير وَإِنَّمَا الدِّيَة فِيمَا تجب من الأرزاق بعد قَضَاء القَاضِي بِالدِّيَةِ على الْعَاقِلَة فان خرج رزق شهر من الشُّهُور بعد قَضَاء القَاضِي وَقد قضي القَاضِي بِالدِّيَةِ فِي ثَلَاث سِنِين وَقد بَقِي من ذَلِك الشَّهْر يَوْم أَو أَكثر أَخذ مِنْهُم من أَرْزَاقهم الَّتِي أرزقوها لذَلِك الشَّهْر لِأَن الرزق لَا يأخذونه لَا يجب إِلَّا بِكَمَال الشَّهْر فان كَانُوا يَأْخُذُونَ الأرزاق فِي كل سِتَّة أشهر أَو فِي كل شهر وَلم يكن لَهُم أعطية

(4/664)


أَخذ من أَرْزَاقهم كلما خرجت على حِسَاب ذَلِك فان خرجت لكل سِتَّة أشهر أَخذ من أَرْزَاقهم فِي كل سِتَّة أشهر سدس الدِّيَة وَإِن كَانَت الأرزاق تخرج لَهُم فِي كل شهر أَخذ مِنْهُم فِي كل رزق نصف سدس ثلث الدِّيَة وَإِن كَانَ قوم لَهُم أرزاق فِي كل شهر وَلَهُم أعطية فِي سنة فرضت عَلَيْهِم الدِّيَة
فِي أعطياتهم وَلَا يعرض لأرزاقهم وَإِنَّمَا تفرض الدِّيَة فِي الأرزاق إِذا لم يكن لَهُم أعطية وَمن جنى من أهل الْبَادِيَة وَأهل الْيمن الَّذين لَا ديوَان لَهُم فرضت الدِّيَة على عواقلهم فِي أَمْوَالهم فِي ثَلَاث سِنِين على الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب مِنْهُم من يَوْم يقْضِي القَاضِي بِالدِّيَةِ عَلَيْهِم وَلَا ينظر القَاضِي إِلَى مَا مضى من السنين بعد الْقَتْل قبل الْقَضَاء بِالدِّيَةِ فَيُؤْخَذ الدِّيَة من أَمْوَالهم فِي كل سنة ثلث الدِّيَة عِنْد رَأس كل حول من يَوْم يقْضِي وَيضم إِلَيْهِم أقرب الْقَبَائِل فِي النّسَب حَتَّى يُصِيب الرجل فِي مَاله من الدِّيَة فِي السنين الثَّلَاثَة ثَلَاثَة دَرَاهِم أَو أَرْبَعَة دَرَاهِم وَمن أقرّ بقتل خطأ جعلت الدِّيَة عَلَيْهِ فِي مَاله فِي ثَلَاث سِنِين فان لم يرتفعوا إِلَى القَاضِي حَتَّى يمْضِي سنُون ثمَّ ارتفعوا إِلَى الْحَاكِم قضي بهَا الحكم فِي مَاله فِي ثَلَاث سِنِين مُسْتَقْبلَة من يَوْم يقْضِي لِأَن الرجل

(4/665)


بِمَا كَانَت عَلَيْهِ النَّفس وَلم يصر مَالا حَتَّى قضي بهَا وَكَذَلِكَ الْعمد الَّذِي لَا قصاص فِيهِ الْوَالِد يقتل الْوَلَد أَو الْعمد يخالطه الْخَطَأ وَإِن اجْتمعت القتلة فَكَانُوا مائَة كَانَت الدِّيَة على عواقلهم فِي ثَلَاث سِنِين وَالْقَاتِل الْوَاحِد وَالْجَمَاعَة فِي هَذَا سَوَاء وَلَيْسَ يعقل أهل مصر عَن أهل مصر لَا يعقل أهل الْبَصْرَة عَن أهل الْكُوفَة وَلَا يعقل أهل الشَّام عَن أهل الْكُوفَة لِأَن عاقلتهم على الدِّيوَان فالدواوين مُخْتَلفَة وَأهل الْكُوفَة يعْقلُونَ عَن أهل سوادهم وقراهم وَأهل الْبَصْرَة يعْقلُونَ عَن أهل سوادهم وقراهم وَكَذَلِكَ أهل الشَّام
وَمن كَانَ منزله الْبَصْرَة وديوانه بِالْكُوفَةِ فَأهل الْكُوفَة يعْقلُونَ عَنهُ وَيعْقل عَنْهُم وَإِن كَانَ أهل الْبَصْرَة أقرب إِلَيْهِ فِي النّسَب وَلَو أَن أَخَوَيْنِ لأَب وَأم أَحدهمَا ديوانه بِالْكُوفَةِ وَالْآخر ديوانه بِالْبَصْرَةِ لم يعقل أَحدهمَا عَن صَاحبه وعقل عَنهُ أهل ديوانه وَأهل الدِّيوَان يتعاقلون على الدَّوَاوِين وَإِن تَفَرَّقت أنسابهم وَلَو أَن قوما من أهل خُرَاسَان أهل ديوَان وَاحِد مُخْتَلفين فِي

(4/666)


أنسابهم وَمِنْهُم من لَهُ وَلَاء وَمِنْهُم من الْعَرَب وَمِنْهُم من لَا وَلَاء لَهُ جنى بَعضهم جِنَايَة عقل عَنهُ أهل رايته وَأهل قيادته وَإِن كَانَ غَيرهم أقرب إِلَيْهِ فِي النّسَب فان كَانَ أهل رايته وقيادته قَلِيلا ضم إِلَيْهِم الإِمَام من رأى من أهل الدِّيوَان حَتَّى يجعلهم عَاقِلَة وَاحِدَة حَتَّى يُصِيب الرجل فِي أرزاقه من الدِّيَة أَرْبَعَة دَرَاهِم أَو ثَلَاثَة دَرَاهِم أَو أقل من ذَلِك وَأهل الدِّيوَان يتعاقلون دون أهل الْأَنْسَاب لَو كَانَ رجل من الْعَرَب أَو من الموَالِي مَعْرُوف ديوانه مَعَ قوم لَا وَلَاء لَهُم عقل عَنْهُم وعقلوا عَنهُ دون بنى عَمه ومواليه وَمن كَانَ لَا ديوَان لَهُ من أهل الْبَادِيَة وَنَحْوهم فانهم يتعاقلون على الْأَنْسَاب أقربهم نسبا يعقل عَنهُ وَإِن كَانَ بعيد الْمنزل مِنْهُ وَإِن اخْتلفت الباديتان وَلَا يعقل أهل الْبَادِيَة عَن أهل الْأَمْصَار الَّذِي عواقلهم فِي الْعَطاء وَلَا يعقل أهل الْعَطاء عَنْهُم وَإِن كَانُوا إخْوَة الْأَب وَأم
وَمن جنى جِنَايَة من أهل مصر وَلَيْسَ فِي عَطاء وَأهل الْبَادِيَة أقرب إِلَيْهِ ومسكنه فِي الْمصر عقل عَنهُ أهل الدِّيوَان من ذَلِك الْمصر وَإِن لم يكن لَهُ فيهم عَطاء كَمَا أَن صَاحب الْعَطاء لَا يعقل عَنهُ أهل الْبَادِيَة إِذا كَانَ فيهم نازلا وَأَصْحَاب الأرزاق الَّذِي لَا أعطيات لَهُم مثل أهل الْعَطاء فِي الْعقل فِي ذَلِك
وَمن كَانَ من أهل الذِّمَّة يتعاقلون لَهُم عواقل مَعْرُوفَة فَقتل

(4/667)


أحدهم قَتِيلا خطأ فديته على عَاقِلَته فِي ثَلَاث سِنِين وَهُوَ فِي ذَلِك بِمَنْزِلَة الْمُسلم وَمن لم يكن مِنْهُم لَهُ عَاقِلَة أَو لم يَكُونُوا يتعاقلون فَالدِّيَة فِي مَاله فِي ثَلَاث سِنِين من يَوْم يقْضِي بهَا القَاضِي وَلَا يلْتَفت إِلَى مَا مضى من السنين بعد الْقَتْل وَإِن مضى سنُون كَثِيرَة وَلَا يعقل كَافِر عَن مُسلم وَلَا مُسلم عَن كَافِر وَالْكفَّار يتعاقلون فِيمَا بَينهم وَإِن اخْتلفت مللهم
وَمن قتل قَتِيلا وَهُوَ من أهل الْكُوفَة وَله بهَا عَطاء فَلم يقْض على عَاقِلَته بِالدِّيَةِ فِي ثَلَاث سِنِين حَتَّى حول ديوانه فَجعل عطاؤه واسْمه فِي ديوَان أهل الْبَصْرَة ثمَّ رَجَعَ ذَلِك إِلَى القَاضِي فانه يقْضِي بِالدِّيَةِ على عَاقِلَته من أهل الْبَصْرَة وَلَو قضي القَاضِي بِالدِّيَةِ على عَاقِلَة أهل الْكُوفَة فِي ثَلَاث سِنِين وَأخذ مِنْهُم ثلث ب الدِّيَة لسنة أَو لم يُؤْخَذ إِلَّا أَنه قد قضي بهَا ثمَّ حول اسْمه عَنْهُم فَجعل فِي ديوَان أهل الْبَصْرَة كَانَت الدِّيَة على الْعَاقِلَة الَّذين قضي عَلَيْهِم لَا ينْتَقل ذَلِك عَنْهُم وَيُؤْخَذ مِنْهُ فِي عطائه بِالْبَصْرَةِ بِحِصَّتِهِ وَلَو قلوا بعد مَا قضي القَاضِي عَلَيْهِم بِالدِّيَةِ فِي ثَلَاث سِنِين وَأخذ مِنْهُم الثُّلُث أَو الثُّلثَيْنِ ضم إِلَيْهِم أقرب الْقَبَائِل مِنْهُم فِي النّسَب حَتَّى يعقلوا عَنْهُم وَلَا يشبه قلَّة الْعَاقِلَة بعد الْقَضَاء بحول الرجل بعطائه من بلد إِلَى بلد لِأَن الَّذين يضافون إِلَيْهِم عَاقِلَة وَاحِدَة وَهَذِه عَاقِلَة مُسْتَقلَّة

(4/668)


وَكَذَلِكَ لَو أَن رجلا لم يكن لَهُ عَطاء وَكَانَ مَسْكَنه الْكُوفَة فَقتل رجلا خطأ فَلم يقْض القَاضِي على الْعَاقِلَة بِالدِّيَةِ حَتَّى تحول عَن الْكُوفَة وأتى الْبَصْرَة فاتخدها دَارا وأوطنها ثمَّ رفع إِلَى القَاضِي فان القَاضِي يقْضِي على عَاقِلَته الَّذِي بِالْبَصْرَةِ بِالدِّيَةِ فِي ثَلَاث سِنِين وَلَا يلْتَفت إِلَى عَاقِلَته بِالْكُوفَةِ
وَلَو كَانَ قضى بِالدِّيَةِ فِي الْكُوفَة فِي ثَلَاث سِنِين على عَاقِلَته بِالْكُوفَةِ ثمَّ انْتقل بعد ذَلِك قبل أَن يُؤْخَذ الدِّيَة إِلَى الْبَصْرَة فاتخذها دَارا لم تبطل الدِّيَة عَن عَاقِلَته بِالْكُوفَةِ وَكَذَلِكَ صَاحب الْعَطاء الْمُنْتَقل بعطائه إِلَى الْبَصْرَة وَكَذَلِكَ لَو أَن رجلا من أهل الْبَادِيَة قتل رجلا خطأ فَلم يقْض عَلَيْهِ بِشَيْء حَتَّى قدم مصرا من أَمْصَار الْمُسلمين فالتحق فِي الدِّيوَان والخذه مسكنا وَترك الْبَادِيَة ثمَّ رفع إِلَى القَاضِي فان القَاضِي يقْضِي على عَاقِلَته بِالدِّيَةِ من أهل الْمصر من أهل الدِّيوَان وَلَا يقْضِي على أهل الْبَادِيَة بِشَيْء وَلَو كَانَ القَاضِي قضي على عَاقِلَته بالبادية بِالدِّيَةِ فِي ثَلَاث سِنِين فِي أَمْوَالهم ثمَّ صَارَت حَاله إِلَى مَا وصفت لَك لم يتَحَوَّل ذَلِك عَن أهل الْبَادِيَة بتحويل الرجل إِلَى الْمصر لِأَن الْجِنَايَة لم تجنها الْعَاقِلَة إِنَّمَا جناها الرجل فانما يكون على الْعَاقِلَة إِذا قضي بهَا عَلَيْهِم وَلَو أَن قوما من أهل الْبَادِيَة قضي عَلَيْهِم بِالدِّيَةِ فِي أَمْوَالهم فِي

(4/669)


ثَلَاث سِنِين فأدوا الثُّلُث لسنه والثلثين وَبقيت بَقِيَّة أَو قضي عَلَيْهِم وَلم يؤدوا شَيْئا حَتَّى جعلهم الإِمَام فِي الْعَطاء صَارَت الدِّيَة فِي أعطياتهم وَإِن كَانَ القَاضِي قد قضي بهَا أول مرّة فِي أَمْوَالهم لِأَن الْعَطاء من أَمْوَالهم وَهُوَ مَال للمقاتلة وَلكنه يقْضِي عَلَيْهِم فِي أعطياتهم بِمَا كَانَ قضي بِهِ عَلَيْهِم فِي الْبَادِيَة إِن كَانَ قضي عَلَيْهِم بِالْإِبِلِ لم يتَحَوَّل ذَلِك وَلَا يشبه هَذَا تحول الْعقل عَن الْعَاقِلَة إِلَى عَاقِلَة أُخْرَى بعد قَضَاء القَاضِي وعَلى هَذَا جَمِيع هَذَا الْوَجْه وَقِيَاسه فِي قِيَاس قَول أبي حنيفَة وَقَول مُحَمَّد ابْن الْحسن
- بَاب من الْوَلَاء الْمُنْتَقل وَالْعقل مَعَه أَو ينْتَقل الْوَلَاء وَيبقى الْعقل لَا ينْتَقل مَعَه
- وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن فِي رجل لَا عَن امْرَأَته بِولد وَلزِمَ الْوَلَد أمه فجنى الْوَلَد جِنَايَة قتل قَتِيلا خطأ فقضي بِهِ القَاضِي على عَاقِلَة الْأُم فِي ثَلَاث سِنِين فَأخذ أَوْلِيَاء الْجِنَايَة الدِّيَة من عَاقِلَة الْأُم ثمَّ إِن الْأَب ادّعى الْوَلَد فانه يكون ابْنه وَيضْرب الْحَد وَيرجع عَاقِلَة الْأُم على عَاقِلَة الْأَب بِمَا أَدّوا من الدِّيَة وَهَذَا أَيْضا قَول أبي حنيفَة

(4/670)


وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن ترجع عَاقِلَة الْأُم على عَاقِلَة الْأَب بِالدِّيَةِ فِي ثَلَاث سِنِين من يَوْم يقْضِي القَاضِي لعاقلة الْأُم على عَاقِلَة الْأَب بذلك وَلَا يلْتَفت إِلَى مَا مُضِيّ من السنين مُنْذُ ادّعى الْأَب الْوَلَد وَكَذَلِكَ هَذَا فِي مكَاتب لَهُ امْرَأَة حرَّة مولاة لبني تَمِيم وَالْمكَاتب مكَاتب لهمدان فَمَاتَ الْمكَاتب وَترك وَفَاء وفضلا فَلم يؤد مُكَاتبَته حَتَّى جنى ابْنه جِنَايَة قتل قَتِيلا خطأ فقضي بِهِ القَاضِي على عَاقِلَة الْأُم بِالدِّيَةِ فِي ثَلَاث سِنِين فَأخذت مِنْهُم ثمَّ إِن الْمكَاتب أدّى مَا عَلَيْهِ فان وَلَاء الْوَلَد يتَحَوَّل إِلَى مولى الْمكَاتب وَرجع عَاقِلَة الْأُم على عَاقِلَة الْأَب بِمَا أَدّوا فِي ثَلَاث سِنِين من يَوْم يقْضِي القَاضِي وَلَو أَن رجلا أَمر صَبيا أَن يقتل رجلا فَقتله فان القَاضِي يقْضِي على عَاقِلَة الصَّبِي بِالدِّيَةِ فِي ثَلَاث سِنِين وَرجع بهَا عَاقِلَة الصَّبِي على عَاقِلَة الْآمِر فِي ثَلَاث سِنِين فان اجْتمعت العاقلتان وأولياء الْجِنَايَة جَمِيعًا عِنْد القَاضِي فقضي القَاضِي لأولياء الْجِنَايَة على عَاقِلَة الصَّبِي وَقضي لعاقلة الصَّبِي على عَاقِلَة الْآمِر فَكلما أَخذ أَوْلِيَاء الْجِنَايَة من عَاقِلَة الصَّبِي شَيْئا أخذت عَاقِلَة الصَّبِي من عاقة الْآمِر مثله فان قضي القَاضِي على عَاقِلَة

(4/671)


الصَّبِي وَلم يخاصموا عَاقِلَة الْآمِر حَتَّى أَدّوا جَمِيع الدِّيَة ثمَّ خاصموا عَاقِلَة الْأُم بعد الْأَدَاء وَبعد مَا مضى بعد الْأَدَاء سنُون فان القَاضِي يقْضِي لعاقلة الصَّبِي على عَاقِلَة الْآمِر الدِّيَة فِي ثَلَاث سِنِين مُنْذُ يَوْم يقْضِي لَهُم عَلَيْهِم وَلَا يلْتَفت إِلَى مَا مضى قبل ذَلِك من السنين وَلَو كَانَ الْآمِر أقرّ أَنه أَمر الصَّبِي وَلم يعلم بذلك إِلَّا بقوله قضي القَاضِي على الْآمِر فِي مَاله لعاقلة الصَّبِي بِالدِّيَةِ فِي ثَلَاث سِنِين من يَوْم يقْضِي بِالدِّيَةِ وَلَا يلْتَفت إِلَى مَا مضى قبل ذَلِك من السنين وَلَو أَن ابْن الْمُلَاعنَة جنى جِنَايَة قتل قَتِيلا خطأ فقضي بِهِ القَاضِي على عَاقِلَة الْأُم فِي ثَلَاث سِنِين ثمَّ أدَّت عَاقِلَة الْأُم الثُّلُث فِي أول سنة ثمَّ إِن الْأَب ادّعى الْوَلَد فألزم الْوَلَد وَضرب الْحَد وَحَضَرت أَوْلِيَاء الْجِنَايَة والعاقلتان جَمِيعًا فان القَاضِي يقْضِي لعاقلة الْأُم بِالثُّلثِ الَّذِي أَدّوا على عَاقِلَة الْأَب فِي سنة مُسْتَقْبلَة من يَوْم يقْضِي وَيبدأ بهم على أَوْلِيَاء الْجِنَايَة وَيبْطل الْعقل الَّذِي بَقِي عَن عَاقِلَة الْأُم وَيَقْضِي بِهِ القَاضِي على عَاقِلَة الْأَب فِي سِنِين مستقبلتين بعد السّنة الأولى الَّتِي قضي لعاقلة الْأُم فِيهَا بِثلث الدِّيَة على عَاقِلَة الْأَب فَيَقْضِي بِالدِّيَةِ مُسْتَقْبلَة على عَاقِلَة الْأَب فِي ثَلَاث سِنِين الثُّلُث الأول لعاقلة الْأُم وَالثُّلُثَانِ لأولياء الْجِنَايَة وَلَا يُؤْخَذ من أَوْلِيَاء الْجِنَايَة مَا أخذُوا من عَاقِلَة الْأُم وَلكنه يبطل عَن عَاقِلَة الْأُم مَا بقى بِهِ الْأَوْلِيَاء الْجِنَايَة على عَاقِلَة الْأَب كَمَا وصفت وَكَذَلِكَ ابْن الْمكَاتب من الْمَرْأَة الْحرَّة إِذا مَاتَ الْمكَاتب وَترك

(4/672)


وَفَاء فجنى ابْنه جِنَايَة ثمَّ أدّيت الْمُكَاتبَة فَهُوَ بِمَنْزِلَة ولد الْمُلَاعنَة فِي جَمِيع مَا وصفت لَك من هَذَا الْوَجْه
وَإِذا كَانَت الْمَرْأَة حرَّة وَهِي مولاة لبني تَمِيم تَحت عبد لرجل من هَمدَان فَولدت لَهُ غُلَاما فعاقلة الْغُلَام عَاقِلَة أمه بَنو تَمِيم فان جنى جِنَايَة فَلم يقْض بهَا القَاضِي على عَاقِلَة الْأُم حَتَّى أعتق الْأَب فان القَاضِي يحول وَلَاء الْغُلَام إِلَى مولى أَبِيه وَيجْعَل عَاقِلَته عَاقِلَة أَبِيه وَيَقْضِي بِالْجِنَايَةِ الَّتِي جناها على عَاقِلَة أمه وَلَا يحولها إِلَى عَاقِلَة أَبِيه وَكَذَلِكَ لَو كَانَ الْغُلَام حفر بِئْرا قبل أَن يعْتق أَبوهُ ثمَّ عتق أَبوهُ فان القَاضِي يقْضِي بِالدِّيَةِ على عَاقِلَة الْأُم وَلَا يَجْعَل على عَاقِلَة الْأَب من ذَلِك شَيْئا والخصم فِي ذَلِك حَتَّى تثبت الدِّيَة على عَاقِلَة الْأُم الْجَانِي إِن كَانَ قد بلغ مبلغ الرِّجَال فان كَانَ صَغِيرا فالخصم فِي ذَلِك أَبوهُ الْمُعْتق لِأَنَّهُ الْقيم بأَمْره وَلَا يشبه هَذَا ابْن الْمُلَاعنَة وَلَا ابْن الْمكَاتب الَّذِي وصفت لَك لِأَن هَذَا وَلَاء حَادث حدث بعد الْجِنَايَة وَابْن الْمُلَاعنَة وَابْن الْمكَاتب لما ادّعى ابْن الْملَاعن أَبوهُ وَأديت الْمُكَاتبَة حكمنَا بِأَن الْوَلَد كَانَ وَلَده يَوْم جنى وَأَن الْمكَاتب كَانَ حرا يَوْم مَاتَ يُورث كَمَا يُورث الْحر
وَلَو أَن رجلا من أهل الْحَرْب أسلم ووالى رجلا من أهل الْإِسْلَام فِي دَار الْإِسْلَام ثمَّ جنى جِنَايَة عقلت عَنهُ عَاقِلَة الَّذِي وَالَاهُ فان عقلت عَنهُ لم يقدر على أَن يتَحَوَّل بولائه بعد الْجِنَايَة فان عقلت عَنهُ

(4/673)


الْعَاقِلَة أَو لم يقْض بِهِ ثمَّ إِن أَبَاهُ أسر من دَار الْحَرْب فَاشْتَرَاهُ رجل فَأعْتقهُ كَانَ وَلَاؤُه لَهُ وجر وَلَاء وَلَده من الَّذِي وَالَاهُ حَتَّى يصير الْوَلَد مولى لموَالِي ابيه وَلَا يرجع عَاقِلَة الْمولى الَّذِي كَانَ وَالَاهُ على عَاقِلَة مولى الْأَب بِشَيْء لِأَن هَذَا وَلَاء حدث جر وَلَاء الْوَلَد وَهَذَا مثل الَّذِي أعتق أَبوهُ وَأمه مولاة لقوم آخَرين فِي جَمِيع مَا وصفت لَك وَلَو كَانَ الابْن الَّذِي أسلم على يَدي الرجل ووالاه جنى جِنَايَة فَلم يقْض بهَا أَو حفر بِئْرا فَلم يَقع فِيهَا أحد حَتَّى أسر أَبوهُ فَاشْتَرَاهُ رجل فَأعْتقهُ ثمَّ قضي بِالْجِنَايَةِ أَو وَقع فِي الْبِئْر الَّتِي حفر رجل فَمَاتَ فان القَاضِي يقْضِي بذلك على عَاقِلَة الَّذِي أسلم على يَدَيْهِ ووالاه وَلَا يقْضِي بهَا على عَاقِلَة مولى ابيه وَالَّذِي يَلِي الْخُصُومَة فِي ذَلِك الْجَانِي إِن كَانَ قد صَار مولى لقوم آخَرين وَلَو أَن رجلا من أهل الذِّمَّة أسلم فَلم يوال أحدا حَتَّى قتل قَتِيلا خطأ فَلم يقْض القَاضِي بذلك حَتَّى والى رجلا من بني تَمِيم وعاقده فجنى جِنَايَة أُخْرَى ثمَّ إِن أَوْلِيَاء الجنايتين الأولى وَالْآخِرَة رفعوا ذَلِك إِلَى القَاضِي فان القَاضِي يقْضِي بالجنايتين جَمِيعًا على بَيت المَال وَيجْعَل ولاءه لجَماعَة الْمُسلمين وَيبْطل مُوالَاة الرجل الَّذِي والى لِأَنَّهُ حِين جنى أول مرّة فقد وَجب عقل جِنَايَته على بَيت المَال فقد ثَبت وَلَاؤُه لجَماعَة الْمُسلمين فَلَيْسَ لَهُ أَن يَجعله لإِنْسَان وَاحِد بِعَيْنِه وَإِن مَاتَ وَرَثَة جمَاعَة الْمُسلمين وَجعل مِيرَاثه فِي بَيت مَالهم

(4/674)


وَكَذَلِكَ
لَو رمى بِسَهْم أَو بِحجر خطأ قبل أَن يوالي أحدا فَلم يَقع الرَّمية حَتَّى والى رجلا وعاقده ثمَّ وَقعت الرَّمية فقتلت رجلا كَانَ هَذَا وَالْأول سَوَاء وَكَانَت موالاته بَاطِلا وَلَو أَنه حفر بِئْرا فِي طَرِيق الْمُسلمين فَلم يَقع فِيهَا أحد حَتَّى والى رجلا وعاقده ثمَّ وَقع فِي الْبِئْر رجلا وَمَات فان عَلَيْهِ فِي مَاله دِيَة الْقَتِيل فِي ثَلَاث سِنِين من يَوْم يقْضِي القَاضِي بذلك وَيكون وَلَاؤُه للَّذي وَالَاهُ وَلَا يعقل عَنهُ بَيت المَال وَلَا يعقل عَنهُ عَاقِلَة الرجل الَّذِي وَالَاهُ وَلَا يشبه هَذَا مَا مضى قبله من الرَّمية وَالْجِنَايَة لِأَن الْبِئْر لَيست بِجِنَايَة يجب لَهَا أرش حَتَّى يَقع فِيهَا الرجل فَعَطب فقد والى الرجل لَيْسَ فِي عُنُقه جِنَايَة فالمولاه جَائِزَة وَلَا يعقل عَنهُ عَاقِلَة الرجل الَّذِي والى وَلَا يعقل عَنهُ بَيت المَال لِأَنَّهُ إِن عقل عَنهُ بَيت المَال رد وَلَاؤُه إِلَى جمَاعَة الْمُسلمين وَلم يكن وَجب عَلَيْهِم عقل وَلَا جِنَايَة قبل خُرُوجه بولائه إِلَى هَذَا الرجل فَيجْعَل جِنَايَته فِي مَاله وَكَذَلِكَ الرجل يسلم فيوالي رجلا ثمَّ يجني أَو يَرْمِي أَو يحْفر بِئْرا ثمَّ ينْتَقل بولائه إِلَى رجل فَهُوَ بِمَنْزِلَة هَذَا فَمَا كَانَ يكون الْوَلَاء فِيهِ فِي الأول لجَماعَة الْمُسلمين فَهُوَ فِي هَذَا الرجل الآخر للْمولى الأول فَلَا ينْتَقل عَنهُ أبدا وَأما حفر الْبِئْر فالجناية فِيهَا عَلَيْهِ فِي مَاله وَوَلَاؤُهُ للْآخر أَلا ترى أَن حافر الْبِئْر لَو لم يَقع فِي الْبِئْر أحد حَتَّى يتَحَوَّل بولائه إِلَى رجل آخر فوالاه وعاقده ثمَّ جنى جنايات كَثِيرَة كَانَ عقلهَا على عَاقِلَة الْمولى

(4/675)


الآخر علم بِحَفر الْبِئْر أَو لم يعلم لِأَن الْجِنَايَة لم تجب وَلم يجب بهَا عقل أَرَأَيْتُم إِن عقل عَنهُ عَاقِلَة الْمولى الآخر جنايات كَثِيرَة وعقل هُوَ عَنْهُم أَيْضا ثمَّ وَقع فِي الْبِئْر رجل أيتحول وَلَاؤُه إِلَى الْمولى الأول أَو إِلَى بَيت المَال وَيبْطل هَذَا كُله هَذَا لَا يَسْتَقِيم وَالْأَمر فِيهِ على مَا وصفت لَك
فان قَالَ قَائِل فَكيف لم يشبه الْوَلَاء للَّذي ينْتَقل بِعِتْق الْأَب يَعْنِي الرجل الَّذِي والى رجلا ثمَّ يحْفر بِئْرا ثمَّ يحول بولائه وَهَذَا مَا لم يقْض القَاضِي بِالْجِنَايَةِ على العاقلتين اللَّتَيْنِ تكون إِحْدَاهمَا عَاقِلَة لَهُ ثمَّ يتَحَوَّل إِلَى الْعَاقِلَة الْأُخْرَى وَقد قلت لَو أَن رجلا من أهل الْكُوفَة لَهُ عطاه بِالْكُوفَةِ وعاقلته أهل ديوَان الْكُوفَة جنى جِنَايَة فَلم يقْض بهَا القَاضِي حَتَّى حول الإِمَام ديوانه إِلَى أهل الْبَصْرَة فَصَارَ مَعَهم ثمَّ رَفعه أَوْلِيَاء الْجِنَايَة إِلَى القَاضِي أَنه يقْضِي بذلك على عَاقِلَته بِالْبَصْرَةِ فَكيف لم يكن الْوَلَاء الْمُنْتَقل مثل هَذَا قيل لَهُم لَا يشبه هَذَا الْوَلَاء لِأَن الرجل انْتقل من وَلَاء إِلَى وَلَاء فَصَارَت حَاله الثَّانِيَة غير حَالَته الأولى فَصَارَت حَاله حالتين فَمَا كَانَ فِي الْحَال الأولى من الْجِنَايَة فعلى الْعَاقِلَة الأولى وَمَا كَانَ فِي الْحَال الثَّانِيَة من الْجِنَايَة فعلى الْعَاقِلَة الثَّانِيَة وَإِن صَاحب العاقلتين لم يتَحَوَّل حَاله إِنَّمَا حَاله حَالَة وَاحِدَة وَإِنَّمَا تحولت عَاقِلَته وَإِنَّمَا مثل الْوَلَاء الْمُنْتَقل مثل امْرَأَة مسلمة مولاة لبني تَمِيم جنت جِنَايَة أَو حفرت بِئْرا فَلم يقْض القَاضِي بِالْجِنَايَةِ حَتَّى ارْتَدَّت عَن الْإِسْلَام وَلَحِقت بدار الْحَرْب مرتدة فسبيت فَصَارَت أمة ثمَّ اشْتَرَاهَا رجل من هَمدَان فَأعْتقهَا ثمَّ وَقع

(4/676)


فِي الْبِئْر رجل فَمَاتَ فَرفع ذَلِك إِلَى القَاضِي فقضي بذلك وبالجناية الَّتِي كَانَ لم يقْض بهَا فانه يقْضِي بذلك على بني تَمِيم وَلَا يتَحَوَّل الْعقل عَنْهُم بتحول وَلَاء الْمَرْأَة إِلَى هَمدَان فَصَارَت حَال الْمَرْأَة حَالين فِي الْوَلَاء الأول وَالْوَلَاء الثَّانِي فَكَذَلِك الْوَلَاء هُوَ بِمَنْزِلَة هَذَا إِذا انْتقل والخصم فِي الْجِنَايَة حَتَّى تثبت على بني تَمِيم الْمَرْأَة أَنَّهَا هِيَ الجانية قَالُوا فَلم لَا تجْعَل العاقلتين هَكَذَا مَنْقُول إِذا جنى وعاقلته أهل عطاه الْكُوفَة ثمَّ حول إِلَى عَطاء الْبَصْرَة قبل أَن يقْضِي فالجناية لم يتَحَوَّل عَن أهل الْكُوفَة لِأَنَّهُ جنى وَهُوَ من أهل الْكُوفَة قيل لَهُم لَا يشبه هَذَا الْوَلَاء لِأَن الرجل إِذا قتل الْقَتِيل وَجَبت عَلَيْهِ نفس الْقَتِيل فَصَارَت عَلَيْهِ النَّفس وَلم يجب على الْعَاقِلَة حَتَّى يقْضِي بهَا بِبَيِّنَة وَلَو كَانَت وَجَبت على الْعَاقِلَة قبل أَن يقْضِي بهَا عَلَيْهِم بِبَيِّنَة لَكَانَ الرجل إِذا أقرّ بقتل خطأ لم يجب عَلَيْهِ بذلك شَيْء لِأَنَّهُ إِنَّمَا أقرّ على الْعَاقِلَة إِلَّا أَن يكون لَهُ مَعَهم ديوَان فَيكون عَلَيْهِ بِالْحِصَّةِ فَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء لِأَن الْعقل إِنَّمَا يجب على الْعَاقِلَة بِالْبَيِّنَةِ
أَرَأَيْتُم لَو أقرّ أَنه قتل ولي هَذَا الرجل خطأ وَأَنه خَاصم هَذَا الرجل إِلَى قَاضِي كورة كَذَا وَكَذَا فَقَامَتْ بذلك الْبَيِّنَة فقضي بِهِ القَاضِي على عَاقِلَته من أهل ديوَان الْكُوفَة فَقَالَ ولي الْجِنَايَة صدقت قد كَانَ هَذَا وَكذب بذلك الْعَاقِلَة أَكَانَ يجب على الرجل فِي مَاله شَيْء لَيْسَ يجب عَلَيْهِ فِي مَاله قَلِيل وَلَا كثير إِلَّا أَن يكون لَهُ عَطاء مَعَهم فَيكون

(4/677)


عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ أَفلا ترَوْنَ أَن الدِّيَة إِنَّمَا تجب على الْعَاقِلَة بِقَضَاء القَاضِي بِالْبَيِّنَةِ وَأَن الْإِقْرَار مِنْهُ يخْتَلف قبل قَضَاء القَاضِي وَبعده وَقد كَانَ أَبُو حنيفَة يَقُول لَو أَن رجلا قتل رجلا خطأ فَلم يقْض عَلَيْهِ القَاضِي بِالدِّيَةِ حَتَّى صَالحه على عشْرين ألف دِرْهَم أَو على مِائَتي بعير أَو على أَلفَيْنِ دِينَار أَو ثَلَاثَة آلَاف شَاة أَو ثَلَاثمِائَة بقرة لم يجز ذَلِك ورد ذَلِك إِلَى الدِّيَة وَكَانَ يَقُول لَو قضي القَاضِي بِأَلف دِينَار فَصَالح على عشْرين ألف دِرْهَم كَانَ جَائِزا وَكَذَلِكَ لَو صَالح على مِائَتي بعير بِأَعْيَانِهَا كَانَ جَائِزا لِأَنَّهُ يَقُول النَّفس لم تصر مَالا من هَذِه الْأَمْوَال حَتَّى يقْضِي بهَا القَاضِي أَو لَا ترَوْنَ أَيْضا لَو أَن رجلا أقرّ عِنْد القَاضِي بقتل رجل خطأ واقام ولي الْجِنَايَة عَلَيْهِ الْبَيِّنَة بِالدِّيَةِ قضينا بِالدِّيَةِ على الْعَاقِلَة وَلم نلتفت إِلَى إِقْرَار الْجَانِي فان قَالَ ولي الْجِنَايَة إِنِّي لَا أعلم أَن لي بَيِّنَة فَاقْض لي عَلَيْهِ فِي مَاله فَقضيت عَلَيْهِ بِالدِّيَةِ فِي مَاله مَال الْجَانِي باقراره ثمَّ اصاب ولي الْجِنَايَة بَيِّنَة وَأَرَادَ أَن يحول ذَلِك إِلَى الْعَاقِلَة عَاقِلَة الْجَانِي لم يكن لَهُ ذَلِك لِأَنِّي قضيت بِهِ فِي مَاله فَلَا أحوله إِلَى غَيره وَلَو أَنه أقرّ فَقَالَ ولي الْجِنَايَة للْقَاضِي لَا تعجل بِالْقضَاءِ لي فِي مَاله لعلى أجد بَينه فَأَخَّرَهُ القَاضِي ثمَّ وجد بَيِّنَة قضي لَهُ القَاضِي على الْعَاقِلَة وَلَا يشبه قَضَاء القَاضِي على الْعَاقِلَة غير قَضَائِهِ لِأَن الْحق لَا يلْزم الْعَاقِلَة

(4/678)


إِلَّا بِالْقضَاءِ
قَالُوا هَذَا كَمَا تَقول لَا يلْزم الْعَاقِلَة الْعقل إِلَّا بِالْقضَاءِ وَالْوَلَاء الْمُنْتَقل لَا يلْزم الْعَاقِلَة الْعقل فِيهِ إِلَّا بِالْقضَاءِ وَلَكِنَّك تقضي بِهِ على الْأَوَّلين فَكيف لم تقض بِهَذَا على الْأَوَّلين وتجعله مثل الْوَلَاء الْمُنْتَقل فَأَما الْوَلَاء الْمُنْتَقل فقد وضح بِالْمَرْأَةِ الْمُرْتَدَّة فَاجْعَلْ هَذَا بِمَنْزِلَة ذَلِك قيل لَهُم هَذَا لَا يشبه ذَلِك أرايتم رجلا من أهل الْبَادِيَة حفر بِئْرا فِي الْبَادِيَة ثمَّ إِن الإِمَام أَمر بِأَهْل الْبَادِيَة فنقلوا إِلَى الْأَمْصَار فَتَفَرَّقُوا فِيهَا فصاروا أَصْحَاب أعطية وعقلوا زَمَانا طَويلا ثمَّ إِن رجلا وَقع فِي تِلْكَ الْبِئْر أيعود الْعقل إِلَى أَن يكون على أهل الْبَادِيَة كَمَا كَانَ على الْأَنْسَاب فِي الْأَمْوَال وَتَكون عَلَيْهِم الْإِبِل إِن كَانُوا من أهل الْإِبِل أَو من أهل الْغنم أَو من أهل الْبَقر دون الأعطيات وَهِي الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير أَرَأَيْتُم أَن كَانَ رجل من أهل الْعَطاء فِي مصر من الْأَمْصَار فحفر بِئْرا ثمَّ إِن الإِمَام أبطل عَطاء ذَلِك الْمصر وردهم إِلَى أنسابهم فتعاقلوا عَلَيْهِم زَمَانا طَويلا ثمَّ وَقع فِي الْبِئْر رجل فَمَاتَ أيبطل دَمه لِأَن تِلْكَ الْعَاقِلَة قطّ بطلت حِين ذهب الدِّيوَان أَن الْعَاقِلَة إِنَّمَا جعلُوا عونا للرجل على جِنَايَته وَلم تجن الْعَاقِلَة شَيْئا فانما يكون ذَلِك عَلَيْهِم يَوْم يجب المَال الَّذِي يَنْبَغِي لَهُم أَن يعينوا فِيهِ وَالرجل لم يخرج من نسبه وَلم يتَحَوَّل إِلَى غير ذَلِك إِنَّمَا جعلت عَاقِلَته قوما ثمَّ صرفت تِلْكَ الْعَاقِلَة بِعَينهَا إِلَى عَاقِلَة أُخْرَى وَأَنا أَقُول أَيْضا أَشد من هَذَا لَو أَن أهل عَطاء الْكُوفَة جنى

(4/679)


رجل مِنْهُم جِنَايَة فقضي بهَا على عَاقِلَته ثمَّ ألحق قوما من قومه من أهل الْبَادِيَة وَمن أهل الْمصر لم يكن لَهُم عَطاء فِي الدِّيوَان وَجعلُوا مَعَ قَومهمْ عقلوا مَعَهم ودخلوا مَعَهم فِيمَا لم يقْض بِهِ من الْجِنَايَة وَفِيمَا قضي بِهِ فان كَانَ الَّذِي قضي بِهِ قد أدّى بعضه دخلُوا فِيمَا بَقِي قَالُوا وَكَيف افترق هَذَا والعاقلتان المختلفان فِي قَضَاء القَاضِي قيل لَهُم لَا يشبه قَضَاء القَاضِي فِي العاقلتين الْعَاقِلَة الْوَاحِدَة أَلا ترى أَن القَاضِي لَو قضي بِالْعقلِ على قومه من أهل الْعَطاء فأدوا ثُلثي الدِّيَة ثمَّ مَاتُوا أوقتلوا فأجحف أَخذ مَا بَقِي مِنْهُم ضم إِلَيْهِم أقرب الْقَبَائِل مِنْهُم فِي النّسَب مِمَّن فِي الْعَطاء حَتَّى تعقلوا مَعَهم وَقد كَانُوا قبل ذَلِك لَيْسُوا مَعَهم وَكَذَلِكَ الَّذين ألْحقُوا فِي الدِّيوَان وَجعلُوا مَعَهم يدْخلُونَ مَعَهم فِيمَا قضي بِهِ وَفِيمَا لم يقْض بِهِ لِأَنَّهَا عَاقِلَة وَاحِدَة وأصل هَذَا إِذا كَانَت عاقلتين مختلفتين لَا يعقل إِحْدَاهمَا عَن صاحبتها أتعقل من عَاقِلَة إِلَى عَاقِلَة قبل الْقَضَاء فَرفع إِلَى القَاضِي وَهُوَ من أهل هَذِه الْعَاقِلَة الْآخِرَة قضي على عَاقِلَته الَّذِي هم عَاقِلَته يَوْم يقْضِي فان كَانَ قد قضي على الْأَوَّلين لم يحول قَضَاؤُهُ على الآخرين وَقد لزم الْأَوَّلين وَهَذَا بِمَنْزِلَة إِقْرَار الرجل إِذا قضي عَلَيْهِ فِي مَاله لم يتَحَوَّل على الْعَاقِلَة بِبَيِّنَة تقوم على ذَلِك وَمَا لم يقْض بِهِ

(4/680)


القَاضِي فِي مَال الْمقر فان ولي الْجِنَايَة إِن اقام الْبَيِّنَة قضى بذلك القَاضِي على الْعَاقِلَة
وَإِذا كَانَت عَاقِلَة وَاحِدَة فالقضاء فِيهَا وَغير الْقَضَاء سَوَاء يقْضِي بذلك عَلَيْهِم فِي أعطياتهم الَّذين ألْحقُوا وَغَيرهم وَمِمَّا تبين لَك أَيْضا من العاقلتين أَن رجلا لَو جنى جِنَايَة وَهُوَ وَقَومه من أهل الْبَادِيَة من أهل الْإِبِل فَلم يقْض بِالْجِنَايَةِ حَتَّى نقل الإِمَام الرجل وَقَومه فَجعلُوا أهل عَطاء وَجعل عطاءهم الدَّنَانِير ثمَّ رفع ذَلِك إِلَى القَاضِي فقضي عَلَيْهِم بِالدِّيَةِ ألف دِينَار وَلم يقْض عَلَيْهِم بِالْإِبِلِ وَلَا بِقِيمَة الْإِبِل وَلَو كَانَ قضي عَلَيْهِم بِالْإِبِلِ بِمِائَة فِي ثَلَاث سِنِين ثمَّ إِن الإِمَام نقل الرجل وَقَومه فَفرض لَهُم وَجعلُوا أهل عَطاء وَجعلت أعطياتهم الدَّنَانِير قضي القَاضِي عَلَيْهِم بِالْإِبِلِ أَو بِقِيمَتِهَا على حَالهَا الَّتِي كَانَت عَلَيْهِ فَأن لم يكن لَهُم غير الْعَطاء أَخذ مِنْهُم قيمَة الْإِبِل من أعطياتهم إِن قلت قيمَة الْإِبِل أَو كثرت وَلم يحولهم إِلَى الدَّنَانِير وَكَذَلِكَ الدَّرَاهِم وَالْغنم وَالْبَقر وَالْحلَل إِذا لم يقْض القَاضِي بذلك حَتَّى يَتَحَوَّلُوا من مَال إِلَى مَال آخر قضي عَلَيْهِم بِالدِّيَةِ من المَال الَّذِي تحولوا إِلَيْهِ وَإِذا قضي عَلَيْهِم بِالدِّيَةِ من مَال ثمَّ تحولوا قبل أَن يؤدوها حَتَّى يصيروا أهل مَال آخر لم يَتَحَوَّلُوا إِلَى غير مَا قضي بِهِ عَلَيْهِم أَفلا ترى أَن النَّفس إِنَّمَا هِيَ على الْجَانِي وَلم يصر على الْعَاقِلَة حَتَّى يقْضِي بهَا عَلَيْهِم على حَالهم يَوْم يقْضِي فَكَذَلِك الأول وعَلى هَذَا جَمِيع هَذَا الْوَجْه وَقِيَاسه فِي قِيَاس قَول أبي حنيفَة وَقَول مُحَمَّد بن الْحسن

(4/681)


هَذَا آخر كتاب أبي نصر زَكَرِيَّا بن يحيى فِي المعاقل وَهَذَا الْبَاقِي زِيَادَة فِي كتاب ابْن سِنَان قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن وَلَو أَن رجلا من أهل الذِّمَّة أسلم فوالي رجلا وعاقده كَانَ مَوْلَاهُ فان جنى الْمولى الَّذِي أسلم جِنَايَة خطأ بِبَيِّنَة فَلم يقْض بهَا القَاضِي على الْعَاقِلَة حَتَّى أَبْرَأ أَوْلِيَاء الْمَجْنِي عَلَيْهِ الْجَانِي من الْجِنَايَة فللجاني أَن يتَحَوَّل بولائه عَن الَّذِي والى وَإِن كَانَ للْقَاضِي قضي على الْعَاقِلَة بِالدِّيَةِ فَلم يؤدوها حَتَّى أَبْرَأ الْأَوْلِيَاء الْعَاقِلَة من الدِّيَة لم يكن للْمولى أَن يتَحَوَّل بولائه عَن الَّذِي والى لِأَن المَال لما صَار على الْعَاقِلَة كَانَ أَخذه مِنْهُم وهبته لَهُم سَوَاء وَكَذَلِكَ لم يكن لَهُ أَن يتَحَوَّل بولائه عَن الَّذِي والى وَلَو أقرّ الْجَانِي بِالْجِنَايَةِ إِقْرَارا وَلم يقم بَيِّنَة بهَا فقضي بهَا القَاضِي على الْجَانِي فِي مَاله فِي ثَلَاث سِنِين فأداها ثمَّ اراد أَن يتَحَوَّل بولائه عَن الَّذِي وَالَاهُ فَلهُ أَن يتَحَوَّل لِأَن الْعَاقِلَة لم تعقل عَنهُ شَيْئا وَلم يجب عَلَيْهَا بِجِنَايَتِهِ شَيْء وَلَو لم يجن وَلكنه الْتحق مَعَهم فِي ديوانهم فَصَارَ الْعَاقِلَة مَعَهم فجنى بضهم جِنَايَة فعقل عَنْهُم مَعَهم ثمَّ أَرَادَ أَن يتَحَوَّل بولائه عَنْهُم أَلا ترى أَن مَوْلَاهُ الَّذِي وَالَاهُ لَيْسَ يحوله إِذا عقل عَنْهُم فَكَذَلِك لَيْسَ لَهُ أَن يتَحَوَّل أَلا ترى أَن الْمولى لَو عقل عَنهُ لم يكن لَهُ أَن يحوله عَنهُ بولائه كَمَا لَيْسَ لَهُ أَن يتَحَوَّل وَقد كَانَ

(4/682)


لكل وَاحِد مِنْهُمَا قبل الْعقل أَن يحول الْوَلَاء عَن صَاحبه فاذا لم يكن لأَحَدهمَا أَن يحول الْوَلَاء لم يكن للْآخر أَن يحوله وَإِذا كَانَ لأَحَدهمَا أَن يحول الْوَلَاء كَانَ للْآخر أَن يحوله وَقد قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا والى الرجل رجلا وعاقده فَلِكُل وَاحِد مِنْهُمَا أَن يحول الْوَلَاء عَن نَفسه مَا لم يعقل الْمولى الْأَسْفَل وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَقَالا لَيْسَ لوَاحِد مِنْهُمَا أَن يخرج من وَلَاء صَاحبه إِلَّا بِمحضر مِنْهُ إِلَّا فِي خصْلَة وَاحِدَة للْمولى الْأَسْفَل إِن والى غير مَوْلَاهُ الْأَعْلَى كَانَ خَارِجا من وَلَاء الأول وَإِن لم يحضر ذَلِك الأول وَهَذَا مالم يعقل عَن الْمولى الْأَسْفَل أَو يعقل الْأَسْفَل عَن مَوْلَاهُ الْأَعْلَى فاذا عقل أَحدهمَا عَن صَاحبه أَو مَعَه لم يكن لوَاحِد مِنْهُمَا أَن يحول الْوَلَاء عَن صَاحبه وَلَكِن الْمولى الْأَسْفَل لَو اكتتب مَعَ عَاقِلَة الْأَعْلَى فِي الدِّيوَان وَأخذ مَعَهم الْعَطاء إِلَّا أَنه لم يعقل عَن أحد مِنْهُم ولاءهم أَيْضا عقلوا عَنهُ فَلِكُل وَاحِد من الموليين أَن يحول الْوَلَاء لِأَن الْعقل لم يجب على وَاحِد مِنْهُمَا
آخر كتاب الْعقل وَالْحَمْد الله رب الْعَالمين وَصلَاته على سيدنَا مُحَمَّد وَآله كتبه إبو بكر بن مُحَمَّد بن أَحْمد الطلحي الْأَصْفَهَانِي فِي صفر سنة تسع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة

(4/683)


.. أرى آثَاركُم فأذوب شوقا ... وأسكب فِي مواطنكم دموعي ... وأسأل من بفرقتكم بلاني ... بِمن على مِنْكُم بِالرُّجُوعِ ... خَاتِمَة الطَّبْع
انْتهى بِحَمْد الله تَعَالَى وَمِنْه وَكَرمه طبع الْجُزْء الرَّابِع من كتاب الأَصْل للامام مُحَمَّد بن الْحسن الشَّيْبَانِيّ يَوْم الأثنين 17 من ربيع الثَّانِي من شهور سنة 1393 هـ وَالْحَمْد لله على ذَلِك وَصلَاته وَسَلَامه على رَسُوله الْكَرِيم وعَلى آله الأخيار وَصَحبه الْأَبْرَار

(4/684)