البحر الرائق شرح كنز الدقائق ط احياء التراث

ج / 1 ص -483-       كتاب الصلاة
_________________
" كتاب الصلاة "
هي لغة الدعاء وشرعا الأفعال المخصوصة من القيام والقراءة والركوع والسجود وقول الشارح وفيها زيادة مع بقاء معنى اللغة فيكون تغييرا لا نقلا فيه نظر إذ الدعاء ليس من حقيقتها شرعا وإن أريد به القراءة فبعيد فالظاهر أنها منقولة كما في الغاية لا لما علل به من وجودها بدون الدعاء في الأمي بل لما ذكرناه وسيأتي بيان أركانها وشرائطها وواجباتها وحكمها سقوط الواجب عن ذمته بالأداء في الدنيا ونيل الثواب الموعود في الآخرة إن كان واجبا وإلا فالثاني وسببها أوقاتها عند الفقهاء وعند الأصوليين هي علامات وليست بأسباب والفرق بينهما أن السبب هو المفضي إلى الحكم بلا تأثير والعلامة هي الدال على الحكم من غير توقف ولا إفضاء ولا تأثير فهو علامة على الوجوب والعلة في الحقيقة النعم المترادفة في الوقت وهو شرط صحة متعلقة بالضرورة كما يفيده كونه ظرفا ثم عامة مشايخنا على أن السبب هو الجزء الأول إن اتصل به الأداء وإن لم يتصل به انتقلت كذلك إلى ما يتصل به وإلا فالسبب الجزء الأخير وبعد خروجه يضاف إلى جملته وتمامه في كتابنا المسمى بلب الأصول.
وفي شرح النقاية وكان فرض الصلوات الخمس ليلة المعراج وهي ليلة السبت لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا من مكة إلى السماء وكانت الصلاة قبل الإسراء صلاتين: صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها. قال تعالى
{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْأِبْكَارِ}[غافر:55] ثم بدأ بالأوقات لتقدم السبب على المسبب والشرط وإن كان كذلك لكن السبب أشرف منه ولكونه شرطا أيضا وقدم الفجر؛ لأنه أول النهار أو؛ لأنه لا خلاف في أوله ولا آخره أو لأن أول من صلاها آدم عليه السلام حين أهبط من الجنة، وإنما قدم الظهر في الجامع الصغير؛ لأنها أول صلاة فرضت على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أمته، كذا في غاية البيان.
وبهذا اندفع السؤال المشهور كيف ترك النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر صبيحة ليلة الإسراء التي افترض فيها الصلوات الخمس.

 

ج / 1 ص -484-       وقت الفجر من الصبح الصادق إلى طلوع الشمس
_________________
وفي الغاية إن صلاة الفجر أول الخمس في الوجوب؛ لأن الفجر صبيحة ليلة الإسراء فيحتاج إلى الجواب عن الفجر وأجاب عنه العراقي أنه كان نائما وقت الصبح والنائم غير مكلف.
" قوله: وقت الفجر من الصبح الصادق إلى طلوع الشمس " لحديث أمامة أتاني جبريل عند البيت مرتين فصلى بي الظهر في الأولى منهما حين كان الفيء مثل الشراك، ثم صلى العصر حين كان كل شيء مثل ظله، ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس وأفطر الصائم، ثم صلى العشاء حين غاب الشفق، ثم صلى الفجر حين بزق الفجر وحرم الطعام على الصائم وصلى المرة الثانية الظهر حين كان ظل كل شيء مثله كوقت العصر بالأمس، ثم صلى العصر حين كان ظل كل شيء مثليه، ثم صلى المغرب لوقته الأول، ثم صلى العشاء الأخيرة حين ذهب ثلث الليل، ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض، ثم التفت جبريل فقال يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك والوقت فيما بين هذين الوقتين.
وبزق أي بزغ وهو أول طلوعه وقيد بالصادق احترازا عن الكاذب فإنه من الليل وهو المستطيل الذي يبدو كذنب الذئب، ثم يعقبه الظلام والأول المستطير وهو الذي ينتشر ضوءه في الأفق وهي أطراف السماء وفي السراج الوهاج آخره قبيل طلوع الشمس وفي المجتبى واختلف المشايخ في أن العبرة لأول طلوعه أو لاستطارته أو لانتشاره. ا هـ. والظاهر الأخير لتعريفهم الصادق به قال في النهاية الصادق هو البياض المنتشر في الأفق.
" قوله: والظهر من الزوال إلى بلوغ الظل مثليه سوى الفيء " أي وقت الظهر، أما أوله فمجمع عليه لقوله تعالى:
{أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إ}[الاسراء:78] أي لزوالها وقيل لغروبها واللام للتأقيت ذكره البيضاوي، وأما آخره ففيه روايتان عن أبي حنيفة الأولى

 

ج / 1 ص -485-       ...............................
_________________
رواها محمد عنه ما في الكتاب والثانية رواية الحسن إذا صار ظل كل شيء مثله سوى الفيء وهو قولهما والأولى قول أبي حنيفة قال في البدائع إنها المذكورة في الأصل وهو الصحيح وفي النهاية إنها ظاهر الرواية عن أبي حنيفة وفي غاية البيان وبها أخذ أبو حنيفة وهو المشهور عنه وفي المحيط والصحيح قول أبي حنيفة وفي الينابيع وهو الصحيح عن أبي حنيفة وفي تصحيح القدوري للعلامة قاسم أن برهان الشريعة المحبوبي اختاره وعول عليه النسفي ووافقه صدر الشريعة ورجح دليله وفي الغياثية وهو المختار.
وفي شرح المجمع للمصنف أنه مذهب أبي حنيفة واختاره أصحاب المتون وارتضاه الشارحون فثبت أنه مذهب أبي حنيفة فقول الطحاوي وبقولهما نأخذ لا يدل على أنه المذهب مع ما ذكرناه وما ذكره الكركي في الفيض من أنه يفتى بقولهما في العصر والعشاء مسلم في العشاء فقط على ما فيه أيضا كما سنذكره لهما إمامة جبريل في اليوم الأول في هذا الوقت وله قوله عليه الصلاة والسلام
"أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم" وأشد

 

ج / 1 ص -486-       والعصر منه إلى الغروب، والمغرب منه إلى غروب الشفق
_________________
الحر في ديارهم كان في هذا الوقت وإذا تعارضت الآثار لا ينقضي الوقت بالشك وذكر شيخ الإسلام أن الاحتياط أن لا يؤخر الظهر إلى المثل وأن لا يصلي العصر حتى يبلغ المثلين ليكون مؤديا للصلاتين في وقتهما بالإجماع، كذا في السراج.
وفي المغرب الفيء بوزن الشيء ما نسخ الشمس وذلك بالعشي والجمع أفياء وفيوء والظل ما نسخته الشمس وذلك بالغداة.
وفي السراج الوهاج والفيء في اللغة اسم للظل بعد الزوال سمي فيئا؛ لأنه فاء من جهة المغرب إلى جهة المشرق أي رجع وبه اندفع ما قيل أن الفيء هو الظل الذي يكون للأشياء وقت الزوال وفي معرفة الزوال روايات أصحها أن يغرز خشبة مستوية في أرض مستوية ويجعل عند منتهى ظلها علامة، فإن كان الظل ينقص عن العلامة فالشمس لم تزل وإن كان الظل يطول ويجاوز الخط علم أنها زالت وإن امتنع الظل من القصر والطول فهو وقت الزوال، كذا في الظهيرية.
وفي المجتبى، فإن لم يجد ما يغرزه لمعرفة الفيء والأمثال فليعتبره بقامته وقامة كل إنسان ستة أقدام ونصف بقدمه، وقال الطحاوي وعامة المشايخ سبعة أقدام ويمكن الجمع بينهما بأن يعتبر سبعة أقدام من طرف سمت الساق وستة ونصف من طرف الإبهام واعلم أن لكل شيء ظلا وقت الزوال إلا بمكة والمدينة في أطول أيام السنة؛ لأن الشمس فيها تأخذ الحيطان الأربعة، كذا في المبسوط.
" قوله: والعصر منه إلى الغروب " أي وقت العصر من بلوغ الظل مثليه سوى الفيء إلى غروب الشمس والخلاف في آخر وقت الظهر جار في أول وقت العصر وفي آخره خلاف أيضا فإن الحسن بن زياد يقول إذا اصفرت الشمس خرج وقت العصر ولنا رواية الصحيحين
"من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر".
" قوله: والمغرب منه إلى غروب الشفق " أي وقت المغرب من غروب الشمس إلى غروب

 

ج / 1 ص -487-       وهو البياض، والعشاء والوتر منه إلى الصبح
_________________
الشفق لرواية مسلم
"وقت صلاة المغرب ما لم يسقط نور الشفق" وضبطه الشمني بالثاء المثلثة المفتوحة وهو ثوران حمرته.
" قوله: وهو البياض " أي الشفق هو البياض عند الإمام وهو مذهب أبي بكر الصديق وعمر ومعاذ وعائشة رضي الله عنهم وعندهما وهو رواية عنه هو الحمرة وهو قول ابن عباس وابن عمر وصرح في المجمع بأن عليها الفتوى ورده المحقق في فتح القدير بأنه لا يساعده رواية ولا دراية، أما الأول فلأنه خلاف الرواية الظاهرة عنه، وأما الثاني فلما في حديث ابن فضيل
"وإن أخر وقتها حين يغيب الأفق" وغيبوبته بسقوط البياض الذي يعقب الحمرة وإلا كان باديا ويجيء ما تقدم يعني إذا تعارضت الأخبار لم ينقض الوقت بالشك ورجحه أيضا تلميذه قاسم في تصحيح القدوري وقال في آخره فثبت أن قول الإمام هو الأصح. ا هـ.
وبهذا ظهر أنه لا يفتى ويعمل إلا بقول الإمام الأعظم ولا يعدل عنه إلى قولهما أو قول أحدهما أو غيرهما إلا لضرورة من ضعف دليل أو تعامل بخلافه كالمزارعة وإن صرح المشايخ بأن الفتوى على قولهما كما في هذه المسألة.
وفي السراج الوهاج فقولهما أوسع للناس وقول أبي حنيفة أحوط.
" قوله: والعشاء والوتر منه إلى الصبح " أي وقتهما من غروب الشفق على الخلاف فيه وكون وقتهما واحدا مذهب الإمام وعندهما وقت الوتر بعد صلاة العشاء له حديث أبي داود "إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم وهي الوتر فجعلها لكم فيما بين العشاء إلى

 

ج / 1 ص -488-       ولا يقدم على العشاء للترتيب، ومن لم يجد وقتهما لم يجبا
_________________
طلوع الفجر" ولهما ما في بعض طرقه فجعلها لكم فيما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر والخلاف فيه مبني على أنه فرض أو سنة.
" قوله: ولا يقدم على العشاء للترتيب " أي لا يقدم الوتر على العشاء لوجوب الترتيب بين العشاء والوتر ولأنهما فرضان عند الإمام وإن كان أحدهما اعتقادا والآخر عملا فأفاد أنه عند التذكر حتى لو قدم الوتر ناسيا فإنه يجوز وعندهما يعيده وعند النسيان أيضا؛ لأنه سنة العشاء تبعا لها فلا يثبت حكمه قبلها كالركعتين بعد العشاء وقول الشارح وعندهما لا يجوز فيه نظر؛ لأنه سنة عندهما يجوز تركه أصلا وأشار إلى أن الترتيب بينه وبين غيره واجب عنده كما سيصرح به في باب الفوائت وعندهما ليس بواجب لسنيته.
وفي النهاية، ثم أنهما يوافقان أبا حنيفة في وجوب القضاء فلو كانت سنة لما وجب القضاء كما في سائر السنن ومراده من الوجوب الثبوت لا المصطلح عليه؛ لأن أداءه عندهما سنة فلا يكون القضاء واجبا عندهما وإلا فهو مشكل. والله سبحانه أعلم.
" قوله: ومن لم يجد وقتهما لم يجبا " أي العشاء والوتر كما لو كان في بلد يطلع فيه الفجر قبل أن يغيب الشفق كبلغار وفي أقصر ليالي السنة فيما حكاه معجم صاحب البلدان لعدم السبب وأفتى به البقالي كما يسقط غسل اليدين من الوضوء عن مقطوعهما من المرفقين،

 

ج / 1 ص -489-       وندب تأخير الفجر وظهر الصيف
_________________
وأفتى بعضهم بوجوبها واختاره المحقق في فتح القدير بثبوت الفرق بين عدم محل الفرض وبين سببه الجعلي الذي جعل علامة على الوجوب الخفي الثابت في نفس الأمر وجواز تعدد المعرفات للشيء فانتفاء الوقت انتفاء المعرف وانتفاء الدليل على الشيء لا يستلزم انتفاءه لجواز دليل آخر وهو ما تواطأت عليه أخبار الإسراء من فرض الله الصلاة خمسا إلى آخره والصحيح أنه لا ينوي القضاء لفقد وقت الأداء ومن أفتى بوجوب العشاء يجب على قوله الوتر أيضا.
" قوله: وندب تأخير الفجر " لما رواه أصحاب السنن الأربعة وصححه الترمذي
"أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر" وحمله على تبين طلوعه يأباه ما في صحيح ابن حبان "كلما أصبحتم بالصبح فهو أعظم للأجر" أطلقه فشمل الابتداء والانتهاء فيستحب البداءة بالإسفار والختم به خلافا للطحاوي فإنه نقل عن الأصحاب استحباب البداءة بالغلس والختم بالإسفار والأول ظاهر الرواية كما في العناية وقالوا يسفر بها بحيث لو ظهر فساد صلاته يمكنه أن يعيدها في الوقت بقراءة مستحبة وقيل يؤخرها جدا؛ لأن الفساد موهوم فلا يترك المستحب لأجله، وهو ظاهر إطلاق الكتاب لكن لا يؤخرها بحيث يقع الشك في طلوع الشمس.
وفي السراج الوهاج حد الإسفار أن يصلي في النصف الثاني ولا يخفى أن الحاج بمزدلفة لا يؤخرها وفي المبتغى بالغين المعجمة الأفضل للمرأة في الفجر الغلس وفي غيرها الانتظار إلى فراغ الرجال عن الجماعة.
" قوله: وظهر الصيف " أي ندب تأخيره لرواية البخاري كان إذا اشتد البرد بكر بالصلاة وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة" والمراد الظهر؛ لأنه جواب السؤال عنها وحده أن يصلي

 

ج / 1 ص -490-       والعصر ما لم تتغير، والعشاء إلى الثلث
________________
قبل المثل أطلقه فأفاد أنه لا فرق بين أن يصلي بجماعة أو لا وبين أن يكون في بلاد حارة أو لا وبين أن يكون في شدة الحر أو لا ولهذا قال في المجمع ونفضل الإبراد بالظهر مطلقا فما في السراج الوهاج من أنه إنما يستحب الإبراد بثلاثة شروط ففيه نظر بل هو مذهب الشافعي على ما قيل والجمعة كالظهر أصلا واستحبابا في الزمانين كذا ذكره الإسبيجابي.
" قوله: والعصر ما لم تتغير " أي ندب تأخيره ما لم تتغير الشمس لرواية أبي داود كان يؤخر العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية أطلقه فشمل الصيف والشتاء لما في ذلك من تكثير النوافل لكراهتها بعد العصر وأراد بالتغير أن تكون الشمس بحال لا تحار فيها العيون على الصحيح فإن تأخيرها إليه مكروه لا الفعل؛ لأنه مأمور بها منهي عن تركها فلا يكون الفعل مكروها، كذا في السراج ولو شرع فيه قبل التغير فمده إليه لا يكره؛ لأن الاحتراز عن الكراهة مع الإقبال على الصلاة متعذر فجعل عفوا، كذا في غاية البيان وحكم الآذان حكم الصلاة في الاستحباب تعجيلا وتأخيرا صيفا وشتاء كما سنذكره في بابه إن شاء الله تعالى.
" قوله: والعشاء إلى الثلث " أي ندب تأخيرها إلى ثلث الليل لما رواه الترمذي وصححه
"لولا أن أشق على أمتي لأخرت العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه" وفي مختصر القدوري إلى ما قبل الثلث لرواية البخاري كانوا يصلون العتمة فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل ومقتضاه أنه لا يستحب تأخيرها إلى الثلث بخلاف الأول ووفق بينهما في شرح

 

ج / 1 ص -491-       والوتر إلى آخر الليل لمن يثق بالانتباه
_________________
المجمع لابن الملك بحمل الأول على الشتاء والثاني على الصيف لغلبة النوم. ا هـ. وأطلقه فشمل الصيف والشتاء وقيل يستحب تعجيل العشاء في الصيف لئلا تتقلل الجماعة وأفاد أن التأخير إلى نصف الليل ليس بمستحب وقالوا إنه مباح وإلى ما بعده مكروه وقيل إلى ما بعد الثلث مكروه وروى الإمام أحمد وغيره أنه عليه الصلاة والسلام كان يستحب أن يؤخر العشاء وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها وقيد الطحاوي كراهة النوم قبلها بمن خشي عليه فوت وقتها أو فوت الجماعة فيها وإلا فلا وقيد الشارح كراهة الحديث بعدها بغير الحاجة، أما لها فلا وكذا قراءة القرآن والذكر وحكايات الصالحين ومذاكرة الفقه والحديث مع الضيف.
وفي الظهيرية ويكره الكلام بعد انفجار الصبح وإذا صلى الفجر جاز له الكلام، وفي القنية تأخير العشاء إلى ما زاد على نصف الليل والعصر إلى وقت اصفرار الشمس والمغرب إلى اشتباك النجوم يكره كراهة تحريم.
" قوله: والوتر إلى آخر الليل لمن يثق بالانتباه " أي وندب تأخيره لرواية الصحيحين
"اجعلوا آخر صلاتكم وترا" والأمر للندب لرواية الترمذي "من خشي منكم أن لا يستيقظ من آخر الليل فليوتر أوله ومن طمع منكم أن يوتر في آخر الليل فليوتر من آخر الليل فإن قراءة القرآن في آخر الليل

 

ج / 1 ص -492-       وتعجيل ظهر الشتاء، والمغرب
_________________
محضورة وهي أفضل وهو دليل مفهوم قوله لمن يثق به وإذا أوتر قبل النوم، ثم استيقظ وصلى ما كتب له لا كراهة فيه ولا يعيد الوتر ولزمه ترك الأفضل المفاد بحديث الصحيحين.
" قوله: وتعجيل ظهر الشتاء " أي وندب تعجيل ظهر الشتاء لما روينا في ظهر الصيف.
وفي الخلاصة من أخر الإيمان إن كان عندهم حساب يعرفون به الشتاء والصيف فهو على حسابهم وإن لم يكن فالشتاء ما اشتد فيه البرد على الدوام والصيف ما يشتد فيه الحر على الدوام، فعلى قياس هذا الربيع ما ينكسر فيه البرد على الدوام والخريف ما ينكسر فيه الحر على الدوام ومن مشايخنا من قال الشتاء ما يحتاج الناس فيه إلى شيئين إلى الوقود ولبس الحشو والصيف ما يستغنى فيه عنهما والربيع والخريف ما يستغنى عن أحدهما. ا هـ. ولم أر من تكلم على حكم صلاة الظهر في الربيع والخريف والذي يظهر أن الربيع ملحق بالشتاء في هذا الحكم والخريف ملحق بالصيف فيه.
" قوله: والمغرب " أي وندب تعجيلها لحديث الصحيحين كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب ويكره تأخيرها إلى اشتباك النجوم لرواية أحمد
"لا تزال أمتي بخير ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم" ذكره الشارح وفيه بحث إذ مقتضاه الندب لا الكراهة لجواز الإباحة.

 

ج / 1 ص -493-       وما فيها عين يوم غيم، ويؤخر غيره فيه، ومنع عن الصلاة، وسجدة التلاوة، وصلاة الجنازة عند الطلوع والاستواء والغروب إلا عصر يومه
_________________
وفي المبتغى بالمعجمة ويكره تأخير المغرب في رواية وفي أخرى لا ما لم يغب الشفق الأصح هو الأول إلا من عذر كالسفر ونحوه أو يكون قليلا وفي الكراهة بتطويل القراءة خلاف. ا هـ.
وفي الأسرار تعجيل الصلاة أداؤها في النصف الأول من وقتها وفي فتح القدير تعجيلها هو أن لا يفصل بين الأذان والإقامة إلا بجلسة خفيفة أو سكتة على الخلاف الذي سيأتي وتأخيرها لصلاة ركعتين مكروهة وما روى الأصحاب عن ابن عمر أنه أخرها حتى بدا نجم فأعتق رقبة يقتضي أن ذلك القليل الذي لا يتعلق به كراهة هو ما قبل ظهور النجم.
وفي المنية لا يكره للسفر وللمائدة أو كان يوم غيم وذكر الإسبيجابي إذا جيء بجنازة بعد الغروب بدءوا بالمغرب، ثم بها، ثم بسنة المغرب. ا هـ. وقد تقدم أن كراهة تأخيرها تحريمية.
" قوله: وما فيها عين يوم غين " أي وندب تعجيل كل صلاة في أولها عين يوم الغيم وهي العصر والعشاء؛ لأن في تأخير العصر احتمال وقوعها في الوقت المكروه وفي تأخير العشاء تقليل الجماعة على احتمال المطر والطين الغين لغة في الغيم وهو السحاب، كذا في الصحاح وليس فيه وهم الوقوع قبل الوقت؛ لأن الظهر قد أخر في هذا اليوم وكذا المغرب وبهذا اندفع ما رجح به في غاية البيان رواية الحسن أن التأخير أفضل في سائر الصلوات يوم الغيم بأنه أقرب إلى الاحتياط لجواز الأداء بعد الوقت لا قبله.
" قوله: ويؤخر غيره فيه " أي ويؤخر غير ما في أوله عين يوم غين وهي الفجر والظهر والمغرب؛ لأن الفجر والظهر لا كراهة في وقتهما فلا يضر التأخير والمغرب يخاف وقوعها قبل الغروب لشدة الالتباس.
" قوله: ومنع عن الصلاة وسجدة التلاوة وصلاة الجنازة عند الطلوع والاستواء والغروب إلا عصر يومه " لما روى الجماعة إلا البخاري من حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال
"ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا حين تطلع الشمس

 

ج / 1 ص -494-       ...............................
_________________
بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل وحين تضيف للغروب حتى تغرب" ومعنى تضيف تميل وهو بالمثناة الفوقية المفتوحة فالضاد المعجمة المفتوحة فالمثناة التحتية المشددة وأصله تتضيف حذف منه إحدى التاءين والمراد بقوله وأن نقبر صلاة الجنازة كناية؛ لأنها ذكر الرديف وإرادة المردوف إذ الدفن غير مكروه خلافا لأبي داود لما رواه ابن دقيق العيد في الإمام عن عقبة قال نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي على موتانا عند طلوع الشمس أطلق الصلاة فشمل فرضها ونفلها؛ لأن الكل ممنوع فإن المكروه من قبيل الممنوع؛ لأنها تحريمية لما عرف من أن النهي الظني الثبوت غير المصروف عن مقتضاه يفيد كراهة التحريم وإن كان قطعيه أفاد التحريم فالتحريم في مقابلة الفرض في الرتبة وكراهة التحريم في رتبة الواجب والتنزيه في رتبة المندوب والنهي في حديث عقبة من الأول فكان الثابت به كراهة التحريم، فإن كانت الصلاة فرضا أو واجبة فهي غير صحيحة؛ لأنها لنقصان في الوقت بسبب الأداء فيه تشبيها بعبادة الكفار المستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم "إن الشمس تطلع بين قرني شيطان إذا ارتفعت فارقها، ثم إذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها فإذا دنت للغروب قارنها وإذا غربت فارقها" ونهى عن الصلاة في تلك الساعات رواه مالك في الموطإ وهذا هو المراد بنقصان الوقت وإلا فالوقت لا نقص فيه نفسه بل هو وقت كسائر الأوقات إنما النقص في الأركان فلا يتأدى بها ما وجب كاملا فخرج الجواب عما قيل لو ترك بعض الواجبات صحت الصلاة مع أنها ناقصة يتأدى بها الكامل؛ لأن ترك الواجب لا يدخل النقص في الأركان التي هي المقومة للحقيقة بخلاف فعل الأركان في هذه الأوقات، وإنما جاز القضاء في أرض الغير وإن كان النهي ثم لمعنى في غيره أيضا؛ لأن النهي ثم ورد للمكان وهنا للزمان واتصال الفعل بالزمان أكثر؛ لأنه داخل في ماهيته ولهذا فسد صوم يوم النحر وإن ورد النهي فيه لمعنى في غيره؛ لأن النهي فيه باعتبار الوقت والصوم يقوم به ويطول بطوله ويقصر بقصره؛ لأنه معياره فازداد الأثر فصار فاسدا وإن كانت الصلاة نفلا فهي صحيحة

 

ج / 1 ص -495-       ...............................
_________________
مكروهة حتى وجب قضاؤه إذا قطعه ويجب قطعه وقضاؤه في غير مكروه في ظاهر الرواية، ولو أتمه خرج عن عهدة ما لزمه بذلك الشروع.
وفي المبسوط القطع أفضل والأول هو مقتضى الدليل والوتر داخل في الفرض؛ لأنه فرض عملي أو في الواجب فلا يصح في هذه الأوقات كما في الكافي والمنذور المطلق الذي لم يقيد بوقت الكراهة داخل فيه أيضا كما صرح به الإسبيجابي والنفل إذا شرع فيه في وقت مستحب، ثم أفسده داخل فيه أيضا فلا يصح في هذه الأوقات كما في المحيط بخلاف ما لو قضى في وقت مكروه ما قطعه من النفل المشروع فيه في وقت مكروه وحيث يخرجه عن العهدة وإن كان آثما؛ لأن وجوبه ضرورة صيانة المؤدي عن البطلان ليس غير والصون عن البطلان يحصل مع النقصان كما لو نذر أن يصلي في الوقت المكروه فأدى فيه يصح ويأثم ويجب أن يصلي في غيره وقول الشارح فيهما والأفضل أن يصلي في غيره ضعيف كما قدمناه، ويدخل في الواجب ركعتا الطواف فلا تصح في هذه الأوقات الثلاثة اعتبرت واجبة في حق هذا الحكم ونفلا في كراهتها بعد صلاة الفجر والعصر احتياطا فيهما وعبارة الكتاب أولى من عبارة أصله الوافي حيث قال لا تصح صلاة إلى آخره لما علمت أن عدم الصحة إنما هن من الفرائض والواجبات لا في النوافل بخلاف المنع فإنه يعم الكل وأراد بسجدة التلاوة وصلاة الجنازة ما وجبت قبل هذه الأوقات، أما إذا تلاها فيها أو حضرت الجنازة فيها فأداها فإنه يصبح من غير كراهة إذ الوجوب بالتلاوة والحضور لكن الأفضل التأخير فيهما.
وفي التحفة الأفضل أن يصلي على الجنازة إذا حضرت في الأوقات الثلاثة ولا يؤخرها بخلاف الفرائض وظاهر التسوية بين صلاة الجنازة وسجدة التلاوة أنه لو حضرت الجنازة في غير مكروه فأخرها حتى صلى في الوقت المكروه فإنها لا تصح وتجب إعادتها كسجود التلاوة.
وذكر الإسبيجابي لو صلى صلاة الجنازة فإنه يجوز مع الكراهة ولا يعيد ولو سجد سجدة التلاوة ينظر إن قرأها في هذا الوقت تجوز مع الكراهة وتسقط عن ذمته وإن قرأها قبل ذلك، ثم سجدها في هذا الوقت لا يجوز ويعيد. ا هـ. وسجدة السهو كسجدة التلاوة، كذا في المحيط حتى لو دخل وقت الكراهة بعد السلام وعليه سهو فإنه لا يسجد لسهوه وسقط عنه؛ لأنه لجبر النقصان المتمكن في الصلاة فجرى ذلك مجرى القضاء، وقد وجب ذلك كاملا فلا يتأدى بالناقص، كذا في شرح المنية.

 

ج / 1 ص -496-       ...............................
_________________
وذكر في الأصل ما لم ترتفع الشمس قدر رمح فهي في حكم الطلوع واختار الفضلي أن الإنسان ما دام يقدر على النظر إلى قرص الشمس في الطلوع فلا تحل الصلاة فإذا عجز عن النظر حلت وهو مناسب لتفسير التغير المصحح كما قدمناه وأراد بالغروب التغير كما صرح به قاضي خان في فتاويه حيث قال وعند احمرار الشمس إلى أن تغيب والشافعي رحمه الله أخرج من النهي في حديث عقبة الفوائت عملا بقوله عليه السلام
"من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" متفق عليه والجواب عنه أن كونه مخصصا لعموم النهي متوقف على المقارنة فلما لم تثبت فهو معارض في بعض الأفراد فيقدم حديث عقبة؛ لأنه محرم ولو تنزلنا إلى طريقهم في كون الخاص مخصصا كيفما كان فهو خاص في الصلاة عام في الأوقات، فإن وجب تخصيص عموم الصلاة في حديث عقبة وجب تخصيص حديث عقبة عموم الوقت؛ لأنه خاص في الوقت وتخصيص عموم الوقت هو إخراجه الأوقات الثلاثة من عموم وقت التذكر في حق الصلاة الفائتة كما أن تخصيص الآخر هو إخراج الفوائت من عموم منع الصلاة في الأوقات الثلاثة وحينئذ فيتعارضان في الفائتة في الأوقات المكروهة إذ تخصيص حديث عقبة يقتضي إخراجها عن الحل في الثلاثة وتخصيص حديث التذكر للفائتة من عموم الصلاة يقتضي حلها فيها، ويكون إخراج حديث عقبة أولى؛ لأنه محرم وأخرج أيضا النوافل بمكة لعموم قوله صلى الله عليه وسلم "يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار" وجوابه أنه عام في الصلاة والوقت فيتعارض عمومهما في الصلاة ويقدم حديث عقبة لما قلنا وكذا يتعارضان في

 

ج / 1 ص -497-       ...............................
_________________
الوقت إذ الخاص يعارض العام عندنا وعلى أصولهم يجب أن يخص منه حديث عقبة في الأوقات الثلاثة؛ لأنه خاص فيها وأخرج أبو يوسف منه النفل يوم الجمعة وقت الزوال لما رواه الشافعي في مسنده نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة وجوابه أن الاستثناء عندنا تكلم بالباقي فيكون حاصله نهيا مقيدا بكونه بغير يوم الجمعة فيقدم عليه حديث عقبة المعارض له فيه؛ لأنه محرم وبحث فيه المحقق ابن الهمام بأنه يحمل المطلق على المقيد لاتحادهما حكما وحادثة ولم يجب عنه فظاهره ترجيح قول أبي يوسف فلذا قال في الحاوي وعليه الفتوى كما عزاه له ابن أمير حاج في شرح المنية.
وفي العناية إن حديث أبي يوسف منقطع أو معناه ولا يوم الجمعة واستثنى المصنف من المنع عصر يومه فأفاد أنه لا يكره أداؤه وقت التغير، وقد قدمنا أن المكروه إنما هو تأخيره لا أداؤه لأنه أداه كما وجب؛ لأن سبب الوجوب آخر الوقت إن لم يؤد قبله وإلا فالجزء المتصل بالأداء وإلا فجميع الوقت وعلل المصنف في كافيه بأنه لا يستقيم إثبات الكراهة للشيء؛ لأنه مأمور به وقيل الأداء مكروه أيضا. ا هـ. وعلى هذا مشى في شرح الطحاوي والتحفة والبدائع والحاوي وغيرها على أنه المذهب من غير حكاية خلاف وهو الأوجه للحديث السابق الثابت في صحيح مسلم وغيره وقيد بعصر يومه؛ لأن عصر أمسه لا يجوز وقت التغير؛ لأن الأجزاء الصحيحة أكثر فيجب القضاء كاملا ترجيحا للأكثر الصحيح على الأقل الفاسد وأورد عليه أن من بلغ أو أسلم في الجزء الناقص لا يصح منه في ناقص غيره مع تعذر الإضافة في حقه إلى الكل لعدم الأهلية وأجيب بأن لا رواية فيها فتلتزم الصحة والصحيح أن النقص لازم الأداء في ذلك الجزء، وأما الجزء فلا نقص فيه، غير أن تحمل ذلك النقص لو أدى فيه العصر ضرورة؛ لأنه مأمور بالأداء فيه فإذا لم يؤد لم يوجد النقص الضروري وهو في نفسه كامل فيثبت في ذمته كذلك فلا يخرج عن عهدته إلا بالكامل وبهذا اندفع ما ذكره السراج الهندي في شرح المغني من أن السبب لما كان ناقصا في الأصل كان ما ثبت في الذمة ناقصا أيضا فعند مضي الوقت لا يتصف بالكمال لما علمت أنه لا نقص في الوقت أصلا، وأشار إلى أن فجر يومه يبطل بالطلوع والفرق بينهما أن السبب في العصر آخر الوقت وهو وقت التغير وهو ناقص فإذا أداها فيه أداها كما وجبت ووقت الفجر كله كامل فوجبت كاملة فتبطل بطرو الطلوع الذي هو وقت فساد لعدم الملاءمة بينهما، فإن قيل روى الجماعة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أدرك ركعة

 

ج / 1 ص -498-       وعن التنفل بعد صلاة الفجر والعصر لا عن قضاء فائتة وسجدة تلاوة وصلاة جنازة
_________________
من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها ومن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح" أجيب بأن التعارض لما وقع بين هذا الحديث وبين النهي عن الصلاة في الأوقات الثلاثة في الفجر رجعنا إلى القياس كما هو حكم التعارض فرجحنا حكم هذا الحديث في صلاة العصر وحكم النهي في صلاة الفجر، كذا في شرح النقاية وظاهره أن ترجيح المحرم على المبيح إنما هو عند عدم القياس أما عنده فالترجيح له.
وفي القنية كسالى العوام إذا صلوا الفجر وقت الطلوع لا ينكر عليهم؛ لأنهم لو منعوا يتركونها أصلا ظاهرا ولو صلوها تجوز عند أصحاب الحديث والأداء الجائز عند البعض أولى من الترك أصلا.
وفي البغية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الأوقات التي تكره فيها الصلاة والدعاء والتسبيح أفضل من قراءة القرآن. ا هـ. ولعله؛ لأن القراءة ركن الصلاة وهي مكروهة فالأولى ترك ما كان ركنا لها والتعبير بالاستواء أولى من التعبير بوقت الزوال؛ لأن وقت الزوال لا تكره فيه الصلاة إجماعا، كذا في شرح منية المصلي.
" قوله: وعن التنفل بعد صلاة الفجر والعصر لا عن قضاء فائتة وسجدة تلاوة وصلاة جنازة " أي منع عن التنفل في هذين الوقتين قصدا لا عن غيره لرواية الصحيحين
"لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس" وهو بعمومه متناول للفرائض فأخرجوها منه بالمعنى وهو أن الكراهة كانت لحق الفرض ليصير الوقت كالمشغول به لا بمعنى في الوقت فلم يظهر في حق الفرائض، وقد بحث فيه المحقق ابن الهمام بأن هذا الاعتبار لا دليل عليه، ثم النظر إليه يستلزم نقيض قولهم العبرة في المنصوص عليه لعين النص لا لمعنى النص؛ لأنه يستلزم معارضة النص بالمعنى والنظر إلى النصوص يفيد منع القضاء تقديما للنهي العام على حديث التذكر نعم يمكن إخراج صلاة الجنازة وسجدة التلاوة بأنهما ليسا بصلاة مطلقة ويكفي في إخراج القضاء من الفساد العلم بأن النهي ليس بمعنى في الوقت، وذلك

 

ج / 1 ص -499-       ...............................
_________________
هو الموجب للفساد، وأما من الكراهة ففيه ما سبق. ا هـ.
والحاصل أن الدليل يقتضي ثبوت الكراهة في كل صلاة وتخصيصه بلا مخصص شرعي لا يجوز أطلق في الفائتة فشملت الوتر؛ لأنه واجب على قوله، وأما على قولهما فهو سنة فينبغي أن لا يقضي بعد طلوع الفجر لكراهة التنفل فيه لكن في القنية الوتر يقضى بعد طلوع الفجر بالإجماع بخلاف سائر السنن. ا هـ. ولا يخفى ما فيه واقتصر على الثلاثة ليفيد أن بقية الواجبات من الصلاة داخل في النفل فيكره فيهما كالمنذور خلافا لأبي يوسف وما شرع فيه من النفل، ثم أفسده وركعتي الطواف؛ لأن ما التزمه بالنذر نفل؛ لأن النذر سبب موضوع لالتزامه بخلاف سجود التلاوة؛ لأنها ليست بنفل؛ لأن التنفل بالسجدة غير مشروع فيكون واجبا بإيجاب الله تعالى ولأنه تعلق وجوب النذر بسبب من جهته وسجدة التلاوة بإيجابه تعالى وإن كانت التلاوة فعله كجمع المال فعله ووجوب الزكاة بإيجاب الشرع.
وفي فتح القدير، وقد يقال: وجوب السجدة في التحقيق متعلق بالسماع لا بالاستماع ولا التلاوة وذلك ليس فعلا من المكلف بل وصف خلقي فيه بخلاف النذر والطواف والشروع فعله ولولاه لكانت الصلاة نفلا. ا هـ. وهو قاصر على السامع للتلاوة؛ لأن السبب في حقه السماع على خلاف فيه، وأما التالي فاتفقوا على أن السبب في حقه إنما هو التلاوة ولا السماع وأطلق في التنفل فشمل ما له سبب وما ليس له فتكره تحية المسجد فيهما للعموم وهو مقدم على عموم قوله صلى الله عليه وسلم
"من دخل المسجد فليركع ركعتين"؛ لأنه مبيح وذلك حاظر وأشار إلى أنه لو شرع في النفل في وقت مستحب، ثم أفسده، ثم قضاه فيهما فإنه لا يسقط عن ذمته كما في المحيط وإلى أنه لو أفسد منه الفجر، ثم قضاها بعد صلاة الفجر فإنه لا يجوز على الأصح وقيل يجوز والأحسن أن يشرع في السنة، ثم يكبر بالفريضة فلا يكون مفسدا للعمل ويكون منتقلا من عمل إلى عمل، كذا في الظهيرية وفيه نظر؛ لأنه إذا كبر للفريضة فقد أفسد السنة كما صرحوا به في باب ما يفسد الصلاة.
وفي شرح المجمع لابن الملك ما قاله بعض الفقهاء من أنه إذا أقيم للفجر وخاف رجل

 

ج / 1 ص -500-       وبعد طلوع الفجر بأكثر من سنة الفجر، وقبل المغرب
_________________
فوت الفرض يشرع في السنة فيقطعها فيقضيها قبل الطلوع مردود لكراهة قضاء التنفل الذي أفسده فيه على أن الأمر بالشروع للقطع قبيح شرعا وإلى أنه لا يكره التنفل قبل صلاة العصر في وقته وإلى أن لصلاة العصر مدخلا في كراهة النوافل فينشأ عنه كراهة التطوع بعد العصر المجموعة إلى الظهر في وقت الظهر بعرفات فيما يظهر ولم أقف على التصريح به لأحد من أهل المذهب، كذا في شرح منية المصلي واعلم أن قضاء الفائتة وما معها لا تكره بعد صلاة العصر إلى غاية التغير لا إلى الغروب كما هو ظاهر كلامه.
" قوله: وبعد طلوع الفجر بأكثر من سنة الفجر " أي ومنع عن التنفل بعد طلوع الفجر قبل صلاة الفجر بأكثر من سنته قصدا لما رواه أحمد وأبو داود
"لا صلاة بعد الصبح إلا ركعتين" وفي رواية الطبراني "إذا طلع الفجر فلا تصلوا إلا ركعتين".
قيدنا بكونه قصدا لما في الظهيرية ولو شرع في التطوع قبل طلوع الفجر فلما صلى ركعة طلع الفجر قيل يقطع الصلاة وقيل يتمها والأصح أنه يتمها ولا تنوب عن سنة الفجر على الأصح ولو اقتصر المصنف وقال عن التنفل بعد طلوع الفجر بأكثر من سنته وبعد صلاة العصر لأغناه عن التطويل كما لا يخفى، وإنما أتى بالفجر ثانيا ظاهرا ولم يقل بسنته مضمرا؛ لأنها ليست سنة الفجر بمعنى الزمن، وإنما هي سنة صلاة الفجر فهو على حذف مضاف أي بأكثر من سنة صلاة الفجر.
وفي المجتبى تخفف القراءة في ركعتي الفجر قيد بالتنفل؛ لأن قضاء الفائتة بعد طلوع الفجر ليس بمكروه لأن النهي عن التنفل فيه لحق ركعتي الفجر حتى يكون كالمشغول بها؛ لأن الوقت متعين لها حتى لو نوى تطوعا كان عن سنة الفجر من غير تعيين منه فلا يظهر في حق الفرض؛ لأنه فوقها والبحث المتقدم لابن الهمام يجري هنا للنهي الذي ذكرناه في المسألة السابقة.
وفي العناية: والحاصل أن ما كان النهي فيه لمعنى في الوقت أثر في الفرائض والنوافل جميعا، وما كان لمعنى في غيره أثر في النوافل دون الفرائض وما هو في معناه. ا هـ.
" قوله: وقبل المغرب " أي ومنع عن التنفل بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب لما

 

 

ج / 1 ص -501-       ووقت الخطبة
_________________
رواه أبو داود سئل ابن عمر رضي الله عنهما عن الركعتين قبل المغرب فقال ما رأيت أحدا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما وهو يقتضي نفي المندوبية، أما ثبوت الكراهة فلا إلا أن يدل دليل آخر وما ذكر من استلزام تأخير المغرب فقد قدمنا عن القنية استثناء القليل والركعتان لا تزيد على القليل إذ تجوز فيهما.
وفي صحيح البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال
"صلوا قبل المغرب ركعتين" وهو أمر ندب وهو الذي ينبغي اعتقاده في هذه المسألة والله الموفق.
وما ذكروه في الجواب لا يدفعه قيدنا بالتنفل؛ لأنه يجوز قضاء الفائتة وصلاة الجنازة وسجدة التلاوة في هذا الوقت كما صرح به غير واحد كقاضي خان وصاحب الخلاصة يعني من غير كراهة، وقد قدمنا أنه يبدأ بصلاة المغرب، ثم يصلون على الجنازة، ثم يأتون بالسنة ولعله بيان الأفضل.
وفي شرح المنية معزيا إلى حجة الدين البلخي أن الفتوى على تأخير صلاة الجنازة عن سنة الجمعة وهي سنة فعلى هذا تؤخر عن سنة المغرب؛ لأنها آكد.
" قوله: ووقت الخطبة " أي ومنع عن التنفل وقت الخطبة؛ لأن الاستماع فرض والأمر بالمعروف حرام وقتها لرواية الصحيحين "إذا قلت: لصاحبك انصت والإمام يخطب فقد لغوت" فكيف بالتنفل، وأما ما رواه الجماعة عن جابر أن رجلا جاء إلى الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم

 

ج / 1 ص -502-       ...............................
_________________
يخطب فقال أصليت يا فلان قال لا قال صل ركعتين وتجوز فيهما وسماه النسائي سليكا الغطفاني فالجواب أنه صلى الله عليه وسلم أمسك له حتى فرغ من صلاته كما صرح به الدارقطني من رواية أنس أو كان ذلك قبل الشروع في الخطبة كما ذكره النسائي، كذا في شرح النقاية واقتصر الشارح على الأول وفي كل منهما نظر إذ النفل مكروه بعد خروج الإمام للخطبة قبل الخطبة ووقتها سواء أمسك الخطيب عنها أو لا، أطلق الخطبة فشملت كل خطبة سواء كانت خطبة جمعة أو عيد أو كسوف أو استسقاء كما في الخانية أو حج وهي ثلاث أو ختم أي ختم القرآن كما في المجتبى أو خطبة نكاح وهي مندوبة كما في شرح منية المصلي وإلى هنا صارت الأوقات التي تكره الصلاة فيها ثمانية على ما ذكره المصنف وسيأتي أنه إذا خرج الإمام إلى الخطبة فلا صلاة ولا كلام فلذا لم يذكره هنا.
ومنها إذا أقيمت الصلاة فإن التطوع مكروه إلا سنة الفجر إن لم يخف فوت الجماعة ومنها التنفل قبل صلاة العيدين مطلقا وبعدها في المسجد لا في البيت ومنها التنفل بين صلاتي الجمع بعرفة ومزدلفة ومنها وقت المكتوبة إذا ضاق يكره أداء غير المكتوبة فيه ومنها وقت مدافعة الأخبثين ومنها وقت حضور الطعام إذا كانت النفس تائقة إليه والوقت الذي يوجد فيه ما يشغل البال من أفعال الصلاة ويخل بالخشوع كائنا ما كان ذلك الشاغل، كذا في شرح منية المصلي.
وذكر في غاية البيان من الأوقات المكروهة ما بعد نصف الليل لأداء العشاء لا غير وفيه نظر إذ ليس هو وقت كراهة، وإنما الكراهة في التأخير فقط.

 

ج / 1 ص -503-       وعن الجمع بين الصلاتين في وقت بعذر
_________________
" قوله: وعن الجمع بين الصلاتين في وقت بعذر " أي منع عن الجمع بينهما في وقت واحد بسبب العذر للنصوص القطعية بتعيين الأوقات فلا يجوز تركه إلا بدليل مثله ولرواية الصحيحين قال عبد الله بن مسعود والذي لا إله غيره ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة قط إلا لوقتها إلا صلاتين جمع بين الظهر والعصر بعرفة وبين المغرب والعشاء بجمع، وأما ما روي من الجمع بينهما فمحمول على الجمع فعلا بأن صلى الأولى في آخر وقتها والثانية في أول وقتها ويحمل تصريح الراوي بالوقت على المجاز لقربه منه والمنع عن الجمع المذكور عندنا مقتض للفساد إن كان جمع تقديم وللحرمة إن كان جمع تأخير مع الصحة كما لا يخفى وذهب الشافعي وغيره من الأئمة إلى جواز الجمع للمسافر بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء، وقد شاهدت كثيرا من الناس في الأسفار خصوصا في سفر الحج ماشين على هذا تقليدا للإمام الشافعي في ذلك إلا أنهم يخلون بما ذكرت الشافعية في كتبهم من الشروط له فأحببت إيرادها إبانة لفعله على وجهه لمريده، اعلم أنهم بعد أن اتفقوا على أن فعل كل صلاة في وقتها أفضل إلا للحاج في الظهر والعصر بعرفة وفي حق المغرب والعشاء بمزدلفة قالوا شروط التقديم ثلاثة البداءة بالأولى ونية الجمع بينهما ومحل هذه النية عند التحريم أعني في الأولى ويجوز في أثنائها في الأظهر ولو نوى مع السلام منها جاز على الأصح والموالاة بأن لا يطول بينهما فصل، فإن طال وجب تأخير الثانية إلى وقتها ولا يضر فصل يسير وما عده العرف فصلا طويلا فهو طويل يضر ومالا فلا وللمتيمم الجمع على الصحيح ولا يشترط على الصحيح في جوازنا تأخير الأولى إلى الثانية سوى تأخيرها بنية الجمع بينهما والأصح أنه إن نوى، وقد بقي من الوقت ما يسع ركعة كفى على ما في الرافعي والروضة واعتبر

 

ج / 1 ص -504-       في شرح المهذب قدر الصلاة، فإن لم ينو كما ذكرنا وأخر عصى في التأخير وكانت صلاته قضاء قالوا وإذا كان سائرا وقت الأولى فتأخيرها إلى وقت الثانية أفضل، وإن كان نازلا فتقديم الثانية إلى وقت الأولى أفضل ذكره ابن أمير حاج في مناسكه والله سبحانه وتعالى أعلم.

باب الأذان
_________________
" باب الأذان "
هو لغة الإعلام ومنه قوله تعالى:
{وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}[التوبة:3] وشرعا إعلام مخصوص في وقت مخصوص وسببه الابتدائي أذان جبريل عليه السلام ليلة الإسراء وإقامته حين صلى النبي صلى الله عليه وسلم إماما بالملائكة وأرواح الأنبياء، ثم رؤيا عبد الله بن زيد الملك النازل من السماء في المنام وهو مشهور وصححه الإسبيجابي واختلف في هذا الملك فقيل جبريل وقيل غيره، كذا في العناية والبقائي دخول الوقت ودليله الكتاب {ا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ}[الجمعة:9] والسنة والإجماع وصفته ستأتي وركنه الألفاظ المخصوصة وكيفيته معلومة.
وأما سننه فنوعان سنن في نفس الأذان وسنن في صفات المؤذن، أما الأول فسيأتي، وأما الثاني فأن يكون رجلا عاقلا ثقة عالما بالسنة وأوقات الصلاة فأذان الصبي العاقل ليس بمستحب ولا مكروه في ظاهر الرواية فلا يعاد ويشهد له الحديث
"وليؤذن لكم خياركم" وصرحوا بكراهة أذان الفاسق من غير تقييد بكونه عالما أو غيره، ثم يدخل في كونه خيارا أن لا يأخذ على الأذان أجرا فإنه لا يحل للمؤذن ولا للإمام لحديث أبي داود "واتخذ مؤذنا لا يأخذ على الأذان أجرا" قالوا: فإن لم يشارطهم على شيء لكن عرفوا حاجته فجمعوا له في وقت

 

ج / 1 ص -505-       ...............................
_________________
شيئا كان حسنا ويطيب له وعلى هذا المفتي لا يحل له أخذ شيء على ذلك لكن ينبغي للقوم أن يهدوا إليه، كذا في فتح القدير وهو على قول المتقدمين أما على المختار للفتوى في زماننا فيجوز أخذ الأجر للإمام والمؤذن والمعلم والمفتي كما صرحوا به في كتاب الإجارات.
وفي فتاوى قاضي خان المؤذن إذا لم يكن عالما بأوقات الصلاة لا يستحق ثواب المؤذنين.
قال في فتح القدير ففي أخذ الأجر أولى. ا هـ. وقد يمنع لما أنه في الأول للجهالة الموقعة في الغرر لغيره بخلافه في الثاني وهل يستحق المعلوم المقدر في الوقف للمؤذن لم أره في كلام أئمتنا وصرح النووي في شرح المهذب بأنه لم يصح أذانه فيمن يولي ويرتب للأذان.
واختلف هل الأذان أفضل أم الإمامة ؟
قيل بالأول للآية
{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ}[فصلت:33] فسرته عائشة بالمؤذنين وللحديث "المؤذنون أطول أعناقا يوم القيامة" واختلف في معناه على أقوال قيل أطول الناس رجاء يقال طال عنقي إلى وعدك أي رجائي وقيل أكثر الناس اتباعا يوم القيامة؛ لأنه يتبعهم كل من يصلي بأذانهم يقال جاءني عنق من الناس أي جماعة وقيل أعناقهم تطول حتى لا يلجمهم العرق يوم القيامة وقيل إعناقا بكسر الهمزة أي هم أشد الناس إسراعا في السير.
وقيل الإمامة أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده كانوا أئمة ولم يكونوا مؤذنين وهم لا يختارون من الأمور إلا أفضلها وقيل هما سواء.
وذكر الفخر الرازي في تفسير سورة المؤمنون إن بعض العلماء اختار الإمامة فقيل له

 

ج / 1 ص -506-       سن للفرائض
_________________
في ذلك فقال أخاف إن تركت الفاتحة أن يعاتبني الشافعي وإن قرأتها مع الإمام أن يعاتبني أبو حنيفة فاخترت الإمامة طلبا للخلاص من هذا الاختلاف. ا هـ. وقد كنت أختارها لهذا المعنى بعينه قبل الاطلاع على هذا النقل والله الموفق.
واختار المحقق ابن الهمام أنها أفضل لما ذكرناه وقول عمر لولا الخليفى لأذنت لا يستلزم تفضيله عليها بل مراده لأذنت مع الإمامة لا مع تركها فيفيد أن الأفضل كون الإمام هو المؤذن وهذا مذهبنا وعليه كان أبو حنيفة كما علم من إخباره. ا هـ.
وفي القنية وينبغي أن يكون المؤذن مهيبا ويتفقد أحوال الناس ويزجر المتخلفين عن الجماعات ولا يؤذن لقوم آخرين إذا صلى في مكانه ويسن الأذان في موضع عال والإقامة على الأرض وفي أذان المغرب اختلاف المشايخ. ا هـ. والظاهر أنه يسن المكان العالي في أذان المغرب أيضا كما سيأتي.
وفي السراج الوهاج وينبغي للمؤذن أن يؤذن في موضع يكون أسمع للجيران ويرفع صوته ولا يجهد نفسه؛ لأنه يتضرر بذلك.
وفي الخلاصة ولا يؤذن في المسجد.
وفي الظهيرية وولاية الأذان والإقامة لمن بنى المسجد وإن كان فاسقا والقوم كارهون له وكذا الإمامة إلا أن ههنا استثنى الفاسق ا هـ. يعني في الإمامة.
" قوله: سن للفرائض " أي سن الأذان للصلوات الخمس والجمعة سنة مؤكدة قوية قريبة من الواجب حتى أطلق بعضهم عليه الوجوب ولهذا قال محمد لو اجتمع أهل بلد على تركه قاتلناهم عليه وعند أبي يوسف يحبسون ويضربون وهو يدل على تأكده لا على وجوبه؛ لأن المقاتلة لما يلزم من الاجتماع على تركه من استخفافهم بالدين بخفض أعلامه؛ لأن الأذان من إعلام الدين كذلك.
واختار في فتح القدير وجوبه؛ لأن عدم الترك مرة دليل الوجوب ولا يظهر كونه على الكفاية وإلا لم يأثم أهل بلدة بالاجتماع على تركه إذا قام به غيرهم ولم يضربوا ولم يحبسوا واستشهد على ذلك بما في معراج الدراية عن أبي حنيفة وأبي يوسف صلوا في الحضر الظهر

 

ج / 1 ص -507-       بلا ترجيع
_________________
أو العصر بلا أذان ولا إقامة أخطئوا السنة وأثموا. ا هـ.
والجواب أن المواظبة المقرونة بعدم الترك مرة لما اقترنت بعدم الإنكار على من لم يفعله كانت دليل السنية لا الوجوب كما صرح به في فتح القدير في باب الاعتكاف والظاهر كونه على الكفاية بمعنى أنه إذا فعل في بلد سقطت المقاتلة عن أهلها لا بمعنى أنه إذا أذن واحد في بلد سقط عن سائر الناس من غير أهل تلك البلدة إذ لم يحصل به إظهار أعلام الدين ولو لم يكن على الكفاية بهذا المعنى لكان سنة في حق كل أحد وليس كذلك إذ أذان الحي يكفينا كما سيأتي والاستشهاد بالإثم على تركه لا يدل على الوجوب عندنا؛ لأنه مشترك بين الواجب والسنة المؤكدة ولهذا كان الصحيح أنه يأثم إذا ترك سنن الصلوات المؤكدة كما سيأتي في باب النوافل إن شاء الله تعالى ولعل الإثم مقول بالتشكيك بعضه أقوى من بعض ولهذا صرح في الرواية بالسنية حيث قال أخطئوا السنة.
وفي غاية البيان والمحيط والقولان متقاربان؛ لأن السنة المؤكدة في معنى الواجب في حق لحوق الإثم لتاركهما. ا هـ. وخرج بالفرائض ما عداها فلا أذان للوتر ولا للعيد ولا للجنائز ولا للكسوف والاستسقاء والتراويح والسنن الرواتب؛ لأنها اتباع للفرائض والوتر وإن كان واجبا عنده لكنه يؤدى في وقت العشاء فاكتفى بأذانه لا لأن الأذان لهما على الصحيح كما ذكره الشارح.
" قوله: بلا ترجيع " أي ليس فيه ترجيع وهو أن يخفض بالشهادتين صوته، ثم يرجع فيرفع بهما صوته ؛ لأن بلالا كان لا يرجع وأبو محذورة رجع بأمره صلى الله عليه وسلم للتعليم كما كان عادته في تعليم أصحابه لا؛ لأنه سنة ولأن المقصود منه الإعلام ولا يحصل بالإخفاء فصار كسائر كلماته والظاهر من عباراتهم أن الترجيع عندنا مباح فيه ليس بسنة ولا مكروه لكن ذكر الشارح وغيره أنه لا يحل الترجيع بقراءة القرآن ولا التطريب فيه والظاهر أن الترجيع هنا ليس هو الترجيع في الأذان بل هو التغني.

 

ج / 1 ص -508-       ولحن، ويزيد بعد فلاح أذان الفجر الصلاة خير من النوم مرتين
_________________
وفي غاية البيان معزيا إلى ابن سعد في الطبقات كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة مؤذنين: بلال وأبو محذورة وعمرو بن أم مكتوم فإذا غاب بلال أذن أبو محذورة وإذا غاب أبو محذورة أذن عمرو قال الترمذي أبو محذورة اسمه سمرة بن معير.
" قوله: ولحن " أي ليس فيه لحن أي تلحين وهو كما في المغرب التطريب والترنم يقال لحن في قراءته تلحينا طرب فيها وترنم، وأما اللحن فهو الفطنة والفهم لما لا يفطن له غيره ومنه الحديث
"لعل بعضكم ألحن بحجته من بعض".
وفي الصحاح اللحن الخطأ في الإعراب والتلحين التخطئة والمناسب هنا المعنى الأول والثالث ولهذا فسره ابن الملك بالتغني بحيث يؤدي إلى تغيير كلماته، وقد صرحوا بأنه لا يحل فيه وتحسين الصوت لا بأس به من غير تغن، كذا في الخلاصة وظاهره أن تركه أولى.
لكن في فتح القدير وتحسين الصوت مطلوب ولا تلازم بينهما وقيده الحلواني بما هو ذكر فلا بأس بإدخال المد في الحيعلتين فظهر من هذا أن التلحين هو إخراج الحرف عما يجوز له في الأداء من نقص من الحروف أو من كيفياتها وهي الحركات والسكنات أو زيادة شيء فيها وأشار إلى أنه لا يحل سماع المؤذن إذا لحن كما صرحوا به ودل كلامه أنه لا يحل في القراءة أيضا بل أولى قراءة وسماعا وقيده بالتلحين؛ لأن التفخيم لا بأس به؛ لأنه أحد اللغتين، كذا في المبسوط.
وفي المغرب أنه تغليظ اللام في اسم الله تعالى وهو لغة أهل الحجاز ومن يليهم من العرب.
وذكر في الكافي خلافا فيه بين القراء وصرح الشارح بكراهة الخطأ في إعراب كلماته.
" قوله: ويزيد بعد فلاح أذان الفجر الصلاة خير من النوم مرتين " لحديث بلال حيث ذكرها

 

ج / 1 ص -509-       والإقامة مثله
_________________
حين وجد النبي صلى الله عليه وسلم نائما فلما انتبه أخبره به فاستحسنه وقال
"اجعله في أذانك" وهو للندب بقرينة قوله ما أحسن هذا، وإنما خص الفجر به؛ لأنه وقت نوم وغفلة فخص بزيادة الإعلام دون العشاء؛ لأن النوم قبلها مكروه أو نادر، وإنما كان النوم مشاركا للصلاة في أصل الخيرية؛ لأنه قد يكون عبادة كما إذا كان وسيلة إلى تحصيل طاعة أو ترك معصية أو لأن النوم راحة في الدنيا والصلاة راحة في الآخرة فتكون الراحة في الآخرة أفضل وفي قوله بعد فلاح أذان الفجر رد على من يقول: إن محلها بعد الأذان بتمامه وهو اختيار الفضلي هكذا في المستصفى.
" قوله: والإقامة مثله " أي مثل الأذان في كونه سنة الفرائض فقط وفي عدد كلماته وفي ترتيبها لحديث الملك النازل من السماء فإنه أذن مثنى مثنى وأقام مثنى مثنى ولحديث الترمذي عن أبي محذورة علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة، وإنما قال تسع عشرة كلمة لأجل الترجيع وإلا فالأذان عندنا خمس عشرة كلمة وهذا الحديث لم يعمل بمجموعه الفريقان فإن الشافعية لا يقولون بتثنية الإقامة والحنفية لا يقولون بالترجيع، وأما ما رواه البخاري أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة فمحمول على إيتار صوتها بأن يحدر فيها كما هو المتوارث ليوافق ما رويناه من النص الغير المحتمل لا إيتار ألفاظها ويدل عليه أن الشافعية لا يقولون بإيتار التكبير بل هو مثنى في الإقامة عندهم، وقد قال الطحاوي تواترت الآثار عن بلال أنه كان يثني الإقامة حتى مات.
وفي الخلاصة وإن أذن رجل وأقام آخر بإذنه لا بأس به وإن لم يرض به الأول يكره وهذا اختيار الإمام خواهر زاده وجواب الرواية أنه لا بأس به مطلقا ويدل عليه إطلاق ما في

 

ج / 1 ص -510-       ويزيد بعد فلاحها قد قامت الصلاة مرتين، ويترسل فيه، ويحدر فيها
_________________
المجمع حيث قال: ولا نكرهها من غيره فما ذكره ابن الملك في شرحه من أنه لو حضر ولم يرض بإقامة غيره يكره اتفاقا فيه نظر.
وفي الفتاوى الظهيرية والأفضل أن يكون المقيم هو المؤذن ولو أقام غيره جاز والظاهر أن الإقامة آكد في السنية من الأذان كما صرح به في فتح القدير ولهذا قالوا يكره تركها للمسافر دون الأذان، وقالوا إن المرأة تقيم ولا تؤذن وفي الخلاصة والإقامة أفضل من الأذان.
وفي القنية ذكر في الصلاة أنه كان محدثا فقدم رجلا جاء ساعتئذ لا تسن إعادة الإقامة ويدخل في المثلية تحويل وجهه بالصلاة والفلاح فيها كالأذان ورفع الصوت بها كهو كما صرح به في القنية إلا أن الإقامة أخفض منه كما في غاية البيان فقول الشارح في عدد الكلمات فيه نظر.
" قوله: ويزيد بعد فلاحها قد قامت الصلاة مرتين " لحديث أبي محذورة وفي روضة الناطفي أكره للمؤذن أن يمشي في إقامته.
وفي الخلاصة إذا انتهى المؤذن إلى قد قامت الصلاة إن شاء أتمها في مكانه وإن شاء مشى إلى مكان الصلاة إماما كان المؤذن أو غيره.
وفي السراج الوهاج إن كان المؤذن غير الإمام أتمها في موضع البداية من غير خلاف وفي الظهيرية ولو أخذ المؤذن في الإقامة ودخل رجل في المسجد فإنه يقعد إلى أن يقوم الإمام في مصلاه.
وفي القنية ولا ينتظر المؤذن ولا الإمام لواحد بعينه بعد اجتماع أهل المحلة إلا أن يكون شريرا وفي الوقت سعة فيعذر وقيل يؤخر.
" قوله: ويترسل فيه ويحدر فيها " أي يتمهل في الأذان ويسرع في الإقامة وحده أن يفصل بين كلمتي الأذان بسكتة بخلاف الإقامة للتوارث ولحديث الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم قال لبلال
"إذا أذنت فترسل في أذانك وإذا أقمت فاحدر" فكان سنة فيكره تركه ولأن المقصود من الأذان

 

ج / 1 ص -511-       ويستقبل بهما القبلة
_________________
الإعلام والترسل بحاله أليق ومن الإقامة الشروع في الصلاة والحدر بحاله أليق وفسر الترسل في الفوائد بإطالة كلمات الأذان والحدر قصرها وإيجازها.
وفي الظهيرية ولو جعل الأذان إقامة يعيد الأذان ولو جعل الإقامة أذانا لا يعيد؛ لأن تكرار الأذان مشروع دون الإقامة فما ذكره المصنف في الكافي من أنه لو ترسل فيهما أو حدر فيهما أو ترسل في الإقامة وحدر في الأذان جاز لحصول المقصود وهو الإعلام وترك ما هو زينة لا يضر يدل على عدم الكراهة والإعادة.
وفي فتاوى قاضي خان أذن ومكث ساعة، ثم أخذ في الإقامة فظنها أذانا فصنع كالأذان فعرف يستقبل الإقامة؛ لأن السنة في الإقامة الحدر فإذا ترسل ترك سنة الإقامة وصار كأنه أذن مرتين. ا هـ.
لكن قال في المحيط ولو جعل الأذان إقامة لا يستقبل ولو جعل الإقامة أذانا يستقبل؛ لأن في الإقامة التغير وقع من أولها إلى آخرها؛ لأنه لم يأت بسنتها وهو الحدر وفي الأذان التغير من آخره؛ لأنه أتى بسنته في أوله وهو الترسل فلهذا لا يعيد. ا هـ.
وهو مخالف لما في الظهيرية لكن تعليله يفيد أن المراد بجعل الأذان إقامة أنه أتى فيه بقوله قد قامت الصلاة مرتين فليكن هو المراد مما في الظهيرية وتصير مسألة أخرى غير ما في الخانية والكافي وهو الظاهر ويسكن كلمات الأذان والإقامة لكن في الأذان ينوي الحقيقة وفي الإقامة ينوي الوقف ذكره الشارح وفي المبتغى والتكبير جزم.
وفي المضمرات أنه بالخيار في التكبيرات إن شاء ذكره بالرفع وإن شاء ذكره بالجزم وإن كرر التكبير مرارا فالاسم الكريم مرفوع في كل مرة وذكر أكبر فيما عدا المرة الأخيرة بالرفع وفي المرة الأخيرة هو بالخيار إن شاء ذكره بالرفع وإن شاء ذكره بالجزم.
" قوله: ويستقبل بهما القبلة " أي بالآذان والإقامة لفعل الملك النازل من السماء وللتوارث عن بلال ولو ترك الاستقبال جاز لحصول المقصود ويكره لمخالفة السنة، كذا في الهداية.
والظاهر أنها كراهة تنزيه لما في المحيط وإذا انتهى إلى الصلاة والفلاح حول وجهه يمنة ويسرة ولا يحول قدميه لأنه في حالة الذكر والثناء على الله تعالى والشهادة له بالوحدانية ولنبيه

 

ج / 1 ص -512-       ولا يتكلم فيهما، ويلتفت يمينا وشمالا بالصلاة والفلاح
_________________
بالرسالة فالأحسن أن يكون مستقبلا، فأما الصلاة والفلاح دعاء إلى الصلاة وأحسن أحوال الداعي أن يكون مقبلا على المدعوين ويستثنى من سنية الاستقبال ما إذا أذن راكبا فإنه لا يسن الاستقبال، بخلاف ما إذا كان ماشيا ذكره في الظهيرية عن محمد.
" قوله: ولا يتكلم فيهما " أي في الأذان والإقامة لما فيه من ترك الموالاة ولأنه ذكر معظم كالخطبة أطلقه فشمل كل كلام فلا يحمد لو عطس هو ولا يشمت عاطسا ولا يسلم ولا يرد السلام وفيه خلاف والصحيح ما عن أبي يوسف أنه لا يلزمه الرد لا بعده ولا قبله في نفسه وكذا لو سلم على المصلي أو القارئ أو الخطيب وأجمعوا أن المتغوط لا يلزمه الرد في الحال ولا بعده؛ لأن السلام عليه حرام بخلاف من في الحمام إذا كان بمئزر.
وفي فتاوى قاضي خان إذا سلم على القاضي والمدرس قالوا: لا يجب عليه الرد. ا هـ. ومثله ذكر في سلام المكدي ولو تكلم المؤذن في أذانه استأنفه، كذا في فتح القدير وفي الخلاصة وإن تكلم بكلام يسير لا يلزمه الاستقبال وفي الظهيرية والتنحنح في الأذان مكروه إذا لم يكن لتحصيل الصوت.
وفي الخلاصة وكذا في الإقامة وإن قدم في أذانه وإقامته شيئا بأن قال أولا أشهد أن محمدا رسول الله، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله فعليه أن يعيد الأول.
" قوله: ويلتفت يمينا وشمالا بالصلاة والفلاح " لما قدمناه ولفعل بلال رضي الله عنه على ما رواه الجماعة، ثم أطلقه فشمل ما إذا كان وحده على الصحيح لكونه سنة الأذان فلا يتركه خلافا للحلواني لعدم الحاجة إليه.
وفي السراج الوهاج أنه من سنن الأذان فلا يخل المنفرد بشيء منها حتى قالوا في الذي يؤذن للمولود ينبغي أن يحول. ا هـ. وقيد باليمين والشمال؛ لأنه لا يحول وراءه لما فيه من استدبار القبلة ولا أمامه لحصول الإعلام في الجملة بغيرها من كلمات الأذان.
وقوله بالصلاة والفلاح لف ونشر مرتب يعني أنه يلتفت يمينا بالصلاة وشمالا بالفلاح وهو الصحيح خلافا لمن قال: إن الصلاة باليمين والشمال والفلاح كذلك.
وفي فتح القدير أنه الأوجه ولم يبين وجهه وقيد بالالتفات؛ لأنه لا يحول قدميه لما رواه الدارقطني عن بلال قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أذنا أو أقمنا أن لا نزيل أقدامنا عن

 

ج / 1 ص -513-       ويستدير في صومعته
_________________
مواضعها وأطلق في الالتفات ولم يقيده بالأذان وقدمنا عن الغنية أنه يحول في الإقامة أيضا وفي السراج الوهاج لا يحول فيها؛ لأنها لإعلام الحاضرين بخلاف الأذان فإنه إعلام للغائبين، وقيل يحول إذا كان الموضع متسعا.
" قوله: ويستدير في صومعته " يعني إن لم يتم الإعلام بتحويل وجهه مع ثبات قدميه فإنه يستدير في المئذنة ليحصل التمام والصومعة المنارة وهي في الأصل متعبد الراهب ذكره العيني ولم يكن في زمنه صلى الله عليه وسلم مئذنة، لكن روى أبو داود من حديث عروة بن الزبير عن امرأة من بني النجار قالت كان بيتي من أطول بيت بحول المسجد فكان بلال يأتي بسحر فيجلس عليه ينظر إلى الفجر فإذا رآه أذن.
وفي القنية يؤذن المؤذن فتعوي الكلاب فله ضربها إن ظن أنها تمتنع بضربه وإلا فلا.
وفي الخلاصة: ومن سمع الأذان فعليه أن يجيب وإن كان جنبا؛ لأن إجابة المؤذن ليست بأذان.
وفي فتاوى قاضي خان إجابة المؤذن فضيلة وإن تركها لا يأثم، وأما قوله عليه الصلاة والسلام
"من لم يجب الأذان فلا صلاة له" فمعناه الإجابة بالقدم لا باللسان فقط، وفي المحيط يجب على السامع للأذان الإجابة ويقول مكان حي على الصلاة لا حول ولا قوة إلا بالله ومكان حي على الفلاح ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن؛ لأن إعادة ذلك يشبه الاستهزاء؛ لأنه ليس بتسبيح ولا تهليل وكذا إذا قال الصلاة خير من النوم فإنه يقول صدقت وبررت ولا يقرأ السامع ولا يسلم ولا يرد السلام ولا يشتغل بشيء سوى الإجابة ولو كان السامع يقرأ يقطع القراءة ويجيب.

 

ج / 1 ص -514-       ...............................
_________________
وقال الحلواني الإجابة بالقدم لا باللسان حتى لو أجاب باللسان ولم يمش إلى المسجد لا يكون مجيبا ولو كان في المسجد حين سمع الأذان ليس عليه الإجابة.
وفي الظهيرية ولو كان الرجل في المسجد يقرأ القرآن فسمع الأذان لا يترك القراءة؛ لأنه أجابه بالحضور ولو كان في منزله يترك القراءة ويجيب لعله متفرع على قول الحلواني والظاهر أن الإجابة باللسان واجبة لظاهر الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم
"إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول" إذ لا تظهر قرينة تصرف عنه بل ربما يظهر استنكار تركه؛ لأنه يشبه عدم الالتفات إليه والتشاغل عنه وفي شرح النقاية ومن سمع الإقامة لا يجيب ولا بأس بأن يشتغل بالدعاء عندهما.
وفي فتح القدير إن إجابة الإقامة مستحبة وفي غيره أنه يقول إذا سمع قد قامت الصلاة أقامها الله وأدامها.
وفي التفاريق إذا كان في المسجد أكثر من مؤذن أذنوا واحدا بعد واحد فالحرمة للأول وسئل ظهير الدين عمن سمع في وقت من جهات ماذا عليه قال إجابة أذان مسجده بالفعل.
وفي فتح القدير وهذا ليس مما نحن فيه إذ مقصود السائل أي مؤذن يجيب باللسان استحبابا أو وجوبا والذي ينبغي إجابة الأول سواء كان مؤذن مسجده أو غيره؛ لأنه حيث سمع الأذان ندب له الإجابة أو وجبت على القولين.
وفي القنية سمع الأذان وهو يمشي فالأولى أن يقف ساعة ويجيب. وعن عائشة رضي الله عنها إذا سمع الأذان فما عمل بعده فهو حرام وكانت تضع مغزلها وإبراهيم الصائغ

 

ج / 1 ص -515-       ...............................
_________________
يلقي المطرقة من ورائه ورد خلف شاهدا لاشتغاله بالنسيج حالة الأذان وعن السلماني كان الأمراء يوقفون أفراسهم له ويقولون كفوا. ا هـ.
وأما الحوقلة عند الحيعلة فهو وإن خالف ظاهر قوله عليه السلام
"فقولوا مثل ما يقول" لكنه ورد فيه حديث مفسر لذلك رواه مسلم.
واختار المحقق في فتح القدير الجمع بين الحوقلة والحيعلة عملا بالأحاديث؛ لأنه ورد في بعض الصور طلبها صريحا في مسند أبي يعلى إذا قال حي على الصلاة قال حي على الصلاة إلى آخره وقولهم إنه يشبه الاستهزاء لا يتم إذ لا مانع من صحة اعتبار المجيب بهما داعيا لنفسه محركا منها السواكن مخاطبا لها، وقد أطال رحمه الله الكلام فيه وبهذا ظهر أن ما في غاية البيان من أن سامع الحيعلة لا يقول مثل ما يقول المؤذن؛ لأنه يشبه الاستهزاء وما يفعله بعض الجهلة فذاك ليس بشيء. ا هـ. لأنه كيف ينسب فاعله إلى الجهل مع وروده في بعض الأحاديث والأصول تشهد له؛ لأن عندنا المخصص الأول ما لم يكن متصلا لا يخصص بل يعارض أو يقدم العام وقال به بعض مشايخنا كما في الظهيرية.
وفي فتح القدير، وقد رأينا من مشايخ السلوك من كان يجمع بينهما فيدعو نفسه، ثم يتبرأ من الحول والقوة ليعمل بالحديثين وفي حديث عمرو بن أبي أمامة التنصيص على أن لا يسبق المؤذن بل يعقب كل جملة منه بجملة منه. ا هـ. ولم أر حكم ما إذا فرغ المؤذن ولم يتابعه السامع هل يجيب بعد فراغه وينبغي أنه إن طال الفصل لا يجيب وإلا يجيب.
وفي المجتبى في ثمانية مواضع إذا سمع الأذان لا يجيب في الصلاة واستماع خطبة الجمعة وثلاث خطب الموسم والجنازة وفي تعلم العلم وتعليمه والجماع والمستراح

 

ج / 1 ص -516-       ويجعل أصبعيه في أذنيه، ويثوب
_________________
وقضاء الحاجة والتغوط، قال أبو حنيفة لا يثني بلسانه وكذا الحائض والنفساء لا يجوز أذانهما وكذا ثناؤهما. ا هـ. والمراد بالثناء الإجابة وكذا لا تجب الإجابة عند الأكل كما صرح به.
وفي صحيح البخاري عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
"من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة" وفي المجتبى من كتاب الشهادات من سمع الأذان وانتظر الإقامة في بيته لا تقبل شهادته.
" قوله: ويجعل أصبعيه في أذنيه " لقوله صلى الله عليه وسلم
"اجعل أصبعيك في أذنيك فإنه أرفع لصوتك" والأمر للندب بقرينة التعليل فلهذا لو لم يفعل كان حسنا وكذا لو جعل يديه على أذنيه، فإن قيل ترك السنة كيف يكون حسنا قلنا: لأن الأذان معه أحسن فإذا تركه بقي الأذان حسنا، كذا في الكافي فالحسن راجع إلى الأذان، وإنما كان ذلك أبلغ في الإعلام؛ لأن الصوت يبدأ من مخارج النفس فإذا سد أذنيه اجتمع النفس في الفم فخرج الصوت عاليا من غير ضرورة وفيه فائدة أخرى وهي ربما لم يسمع إنسان صوته لصمم أو بعد أو غيرهما فيستدل بأصبعيه على أذانه ولا يستحب وضع الأصبع في الأذن في الإقامة لما قدمنا أن الإقامة أخفض من الأذان.
" قوله: ويثوب " أي المؤذن والتثويب العود إلى الإعلام بعد الإعلام ومنه الثيب؛ لأن مصيبها عائد إليها والثواب؛ لأن منفعة عمله تعود إليه والمثابة؛ لأن الناس يعودون إليه ووقته بعد الأذان على الصحيح كما ذكره قاضي خان وفسره في رواية الحسن بأن يمكث بعد الأذان قدر عشرين آية، ثم يثوب، ثم يمكث كذلك، ثم يقيم وهو نوعان قديم وحادث فالأول الصلاة

 

ج / 1 ص -517-       ...............................
_________________
خير من النوم وكان بعد الأذان إلا أن علماء الكوفة ألحقوه بالأذان والثاني أحدثه علماء الكوفة بين الأذان والإقامة حي على الصلاة مرتين حي على الفلاح مرتين وأطلق في التثويب فأفاد أنه ليس له لفظ يخصه بل تثويب كل بلد على ما تعارفوه إما بالتنحنح أو بقوله الصلاة الصلاة أو قامت قامت؛ لأنه للمبالغة في الإعلام، وإنما يحصل بما تعارفوه فعلى هذا إذا أحدث الناس إعلاما مخالفا لما ذكر جاز، كذا في المجتبى وأفاد أنه لا يخص صلاة بل هو في سائر الصلوات وهو اختيار المتأخرين لزيادة غفلة الناس وقلما يقومون عند سماع الأذان وعند المتقدمين هو مكروه في غير الفجر وهو قول الجمهور كما حكاه النووي في شرح المهذب لما روي أن عليا رأى مؤذنا يثوب في العشاء فقال أخرجوا هذا المبتدع من المسجد وعن ابن عمر مثله ولحديث الصحيحين
"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" وأفاد أنه لا يخص شخصا دون آخر فالأمير وغيره سواء وهو قول محمد؛ لأن الناس سواسية في أمر الجماعة وخص أبو يوسف الأمير وكل من كان مشتغلا بمصالح المسلمين كالمفتي والقاضي والمدرس بنوع إعلام بأن يقول السلام عليك أيها الأمير حي على الصلاة حي على الفلاح الصلاة يرحمك الله واختاره قاضي خان وغيره لكن ذكر ابن الملك أن أبا حنيفة مع محمد وعاب عليه محمد فقال أف لأبي يوسف حيث يخص الأمراء بالذكر والتثويب ومال إليهم ولكن أبا يوسف رحمه الله إنما خص أمراء زمانه؛ لأنهم كانوا مشغولين بأمور الرعية، أما إذا كان مشغولا بالظلم والفسق فلا يجوز للمؤذن المرور على بابه ولا التثويب لهم إلا على وجه الأمر بالمعروف والنصيحة كما في السراج الوهاج وغيره وقيد بكون المثوب هو المؤذن لما في القنية معزيا للملتقط لا ينبغي لأحد أن يقول لمن فوقه في العلم والجاه حان وقت الصلاة سوى المؤذن؛ لأنه استفضال لنفسه.
" فرع " في شرح المهذب للشافعية يكره أن يقال في الأذان حي على خير العمل؛ لأنه لم

 

ج / 1 ص -518-       ويجلس بينهما إلا في المغرب
_________________
يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم والزيادة في الأذان مكروهة. ا هـ. وقد سمعناه الآن عن الزيدية ببعض البلاد.
" قوله: ويجلس بينهما إلا في المغرب " أي ويجلس المؤذن بين الأذان والإقامة على وجه السنية إلا في المغرب فلا يسن الجلوس بل السكوت مقدار ثلاث آيات قصار أو آية طويلة أو مقدار ثلاث خطوات وهذا عند أبي حنيفة وقالا يفصل أيضا في المغرب بجلسة خفيفة قدر جلوس الخطيب بين الخطبتين وهي مقدار أن تتمكن مقعدته من الأرض بحيث يستقر كل عضو منه في موضعه والأصل أن الوصل بينهما في سائر الصلوات مكروه إجماعا لحديث بلال
"اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله" غير أن الفصل في سائر الصلوات بالسنة أو ما يشبهها لعدم كراهية التطوع قبلها وفي المغرب كره التطوع قبله فلا يفصل به، ثم قال الجلسة تحقق الفصل كما بين الخطبتين ولا يقع الفصل بالسكتة؛ لأنها توجد بين كلمات الأذان ولم تعد فاصلة، وقال أبو حنيفة: إن الفصل بالسكتة أقرب إلى التعجيل المستحب والمكان هنا مختلف؛ لأن السنة أن يكون الأذان في المنارة والإقامة في المسجد وكذا النغمة والهيئة بخلاف خطبتي الجمعة لاتحاد المكان والهيئة فلا يقع الفصل إلا بالجلسة.
وفي الخلاصة ولو فعل المؤذن كما قالا لا يكره عنده ولو فعل كما قال لا يكره عندهما يعني أن الاختلاف في الأفضلية وبما تقرر علم أنه يستحب التحول للإقامة إلى غيره موضع الأذان وهو متفق عليه وعلم أن تأخير المغرب قدر أداء ركعتين مكروه، وقد قدمنا عن القنية أن التأخير القليل لا يكره فيجب حمله على ما هو أقل من قدرهما إذا توسط فيهما ليتفق كلام الأصحاب، كذا في فتح القدير ولم يذكر المصنف رحمه الله مقدار الجلوس بينهما؛ لأنه لم يثبت في ظاهر الرواية وروى الحسن عن أبي حنيفة في الفجر قدر ما يقرأ عشرين آية، ثم يثوب وإن صلى ركعتي الفجر بين الأذان والتثويب فحسن وفي الظهر يصلي بينهما أربع ركعات يقرأ في كل ركعة نحو عشر آيات والعشاء كالظهر وإن لم يصل فليجلس قدر ذلك ولم يذكروا هنا أنه يجلس بينهما بقدر اجتماع الجماعة، مع أنهم قالوا ينبغي للمؤذن مراعاة الجماعة.

 

ج / 1 ص -519-       ويؤذن للفائتة ويقيم
_________________
فإن رآهم اجتمعوا أقام وإلا انتظرهم ولعله والله أعلم أنه لم يذكر في ظاهر الرواية مقداره لهذا؛ لأنه غير منضبط.
" قوله: ويؤذن للفائتة ويقيم "؛ لأن الأذان سنة للصلاة لا للوقت فإذا فاتته صلاة تقضى بأذان وإقامة لحديث أبي داود وغيره أنه صلى الله عليه وسلم أمر بلالا بالأذان والإقامة حين ناموا عن الصبح وصلوها بعد ارتفاع الشمس وهو الصحيح في مذهب الشافعي كما ذكره النووي في شرح المهذب ولأن القضاء يحكي الأداء ولهذا يجهر الإمام بالقراءة إن كانت صلاة يجهر فيها وإلا خافت بها، وذكر الشارح أن الضابط عندنا أن كل فرض أداء كان أو قضاء يؤذن له ويقام سواء أدى منفردا أو بجماعة إلا الظهر يوم الجمعة في المصر فإن أداءه بأذان وإقامة مكروه يروى ذلك عن علي. ا هـ. ويستثنى أيضا كما في الفتح ما تؤديه النساء أو تقضيه لجماعتهن؛ لأن عائشة أمتهن بغير أذان ولا إقامة حين كانت جماعتهن مشروعة وهذا يقتضي أن المنفردة أيضا كذلك؛ لأن تركهما لما كان هو السنة حال شرعية الجماعة كان حال الانفراد أولى أطلقه فشمل ما إذا قضاها في بيته أو في المسجد.
وفي المجتبى معزيا إلى الحلواني أنه سنة القضاء في البيوت دون المساجد فإن فيه تشويشا وتغليظا. ا هـ. وإذا كانوا قد صرحوا بأن الفائتة لا تقضى في المسجد لما فيه من إظهار التكاسل في إخراج الصلاة عن وقتها فالواجب الإخفاء فالأذان للفائتة في المسجد أولى بالمنع وحكم الأذان للوقتية قد علم من قوله أول الباب سن للفرائض وسيأتي آخر الباب أنه لا يكره تركهما لمن يصلي في بيته فتعين أن تكون السنة في الأداء إنما هو إذا صلى في المسجد بجماعة أو منفردا أو لا وعليه يحمل كلام الشارح المتقدم وعلى هذا فقوله ويؤذن للفائتة احترازا عن الوقتية فإنه إذا صلاها في بيته بغير أذان ولا إقامة لم يكره كما قدمناه وصرح به في السراج الوهاج فتحرر من هذا أن القضاء مخالف للأداء في الأذان؛ لأنه يكره تركهما في القضاء ولا يكره في الأداء وكلاهما في بيته لا في المسجد وسيأتي فيه زيادة إيضاح آخر الباب وهل يرفع صوته بأذان الفائتة فينبغي أنه إن كان القضاء بالجماعة يرفع وإن كان منفردا، فإن كان كذلك

 

ج / 1 ص -520-       وكذا لأولى الفوائت وخير فيه للباقي ولا يؤذن قبل وقت ويعاد فيه
_________________
في الصحراء يرفع للترغيب الوارد في الحديث في رفع صوت المؤذن لا يسمع مدى صوت المؤذن إنس ولا جن ولا مدر إلا شهد له يوم القيامة وإن كان في البيت لا يرفع ولم أره في كلام أئمتنا.
" قوله: وكذا لأولى الفوائت وخير فيه للباقي أي في الأذان إن شاء أذن وإن شاء تركه لما روى أبو يوسف بسنده أنه صلى الله عليه وسلم حين شغلهم الكفار يوم الأحزاب عن أربع صلوات عن الظهر والعصر والمغرب والعشاء قضاهن على الولاء وأمر بلالا أن يؤذن ويقيم لكل واحدة منهن ولأن القضاء على حسب الأداء وله الترك لما عدا الأولى؛ لأن الأذان للاستحضار وهم حضور وعن محمد في غير رواية الأصول أن الباقي بالإقامة لا غير.
قال الرازي إنه قول الكل والمذكور في الظاهر محمول على صلاة واحدة وهذا الحمل لا يصح لأن المذكور في ظاهر الرواية إنما هو حكم الفوائت صريحا فكيف يحمل على الواحدة وكيف يصح مع هذا الحمل أن يقال يؤذن لأولى الفوائت ويخير فيه للباقي قيد بالفائتة احترازا عن الفاسدة إذا أعيدت في الوقت فإنه لا يعاد الأذان ولا الإقامة ولهذا قال في المجتبى قوم ذكروا فساد صلاة صلوها في المسجد في الوقت قضوها بجماعة فيه ولا يعيدون الأذان ولا الإقامة وإن قضوها بعد الوقت قضوها في غير ذلك المسجد بأذان وإقامة.
وفي المستصفى التخيير في الأذان للباقي إنما هو إذا قضاها في مجلس واحد، أما إذا قضاها في مجالس فإنه يشترط كلاهما. ا هـ..
" قوله: ولا يؤذن قبل وقت ويعاد فيه " أي في الوقت إذا أذن قبله؛ لأنه يراد الإعلام بالوقت فلا يجوز قبله بلا خلاف في غير الفجر وعبر بالكراهة في فتح القدير والظاهر أنها

 

ج / 1 ص -521-       ...............................
_________________
تحريمية، وأما فيه فجوزه أبو يوسف ومالك والشافعي لحديث الصحيحين أن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ووقته عند أبي يوسف بعد ذهاب نصف الليل وهو الصحيح في مذهب الشافعي كما ذكره النووي في شرح المهذب والسنة عنده أن يؤذن للصبح مرتين إحداهما قبل الفجر والأخرى عقب طلوعه ولم أره لأبي يوسف وعند أبي حنيفة ومحمد لا يؤذن في الفجر قبله لما رواه البيهقي أنه عليه الصلاة والسلام قال يا بلال لا تؤذن حتى يطلع الفجر" قال في الإمام رجال إسناده ثقات ولرواية مسلم كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتي الفجر إذا سمع الأذان ويخففهما ويحمل ما رووه على أن معناه لا تعتمدوا على أذانه فإنه يخطئ فيؤذن بليل تحريضا له على الاحتراس عن مثله، وأما أن المراد بالأذان التسحير بناء على أن هذا إنما كان في رمضان كما قاله في الإمام فلذا قال فكلوا واشربوا والتذكير المسمى في هذا الزمان بالتسبيح ليوقظ النائم ويرجع القائم كما قيل إن الصحابة كانوا حزبين حزبا مجتهدين في النصف الأول وحزبا في الأخير وكان الفاصل عندهم أذان بلال يدل عليه ما روي عنه عليه السلام لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال فإنه يؤذن ليوقظ نائمكم ويرقد قائمكم فلو أوقع بعض كلمات الأذان قبل الوقت وبعضها في الوقت فينبغي أن

 

ج / 1 ص -522-       وكره أذان الجنب وإقامته وإقامة المحدث وأذان المرأة والفاسق والقاعد والسكران
_________________
لا يصح وعليه استئناف الأذان كله وفهم من كلامه أن الإقامة قبل الوقت لا تصح بالأولى كما صرح به ابن الملك في شرح المجمع وأنه متفق عليه، لكن بقي الكلام فيما إذا أقام في الوقت ولم يصل على فوره هل تبطل إقامته لم أره في كلام أئمتنا وينبغي أنه إن طال الفصل تبطل وإلا فلا، ثم رأيت بعد ذلك في القنية حضر الإمام بعد إقامة المؤذن بساعة أو صلى سنة الفجر بعدها لا يجب عليه إعادتها. ا هـ.
وفي المجتبى معزيا إلى المجرد قال أبو حنيفة يؤذن للفجر بعد طلوعه وفي الظهر في الشتاء حين تزول الشمس وفي الصيف يبرد وفي العصر يؤخره ما لم يخف تغيير الشمس والعشاء يؤخر قليلا بعد ذهاب البياض. ا هـ..
" قوله: وكره أذان الجنب وإقامته وإقامة المحدث وأذان المرأة والفاسق والقاعد والسكران "، أما أذان الجنب فمكروه رواية واحدة؛ لأنه يصير داعيا إلى ما لا يجيب إليه وإقامته أولى بالكراهة قيد بالجنب؛ لأن أذان المحدث لا يكره في ظاهر الرواية وهو الصحيح؛ لأن للأذان شبها بالصلاة حتى يشترط له دخول الوقت وترتيب كلماته كما ترتبت أركان الصلاة وليس هو بصلاة حقيقة فاشترط له الطهارة عن أغلظ الحدثين دون أخفهما عملا بالشبهين وقيل يكره لحديث الترمذي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"لا يؤذن إلا متوضئ"، وأما إقامة المحدث فلأنها لم تشرع إلا متصلة بصلاة من يقيم ويروى عدم كراهتها كالأذان والمذهب الأول، وأما أذان المرأة فلأنها منهية عن رفع صوتها؛ لأنه يؤدي إلى الفتنة وينبغي أن يكون الخنثى كالمرأة، وأما الفاسق فلأن قوله لا يوثق به ولا يقبل في الأمور الدينية ولا يلزم أحدا فلم يوجد الإعلام، وأما القاعد فلترك سنة الأذان من القيام أطلقه وهو مقيد بما إذا لم يؤذن لنفسه، فإن أذن لنفسه قاعدا فإنه لا يكره لعدم الحاجة إلى الإعلام ويفهم منه كراهته مضطجعا بالأولى وأما السكران فلعدم الوثوق بقوله وهو داخل في الفاسق لكن قد يكون سكره من مباح فلا يكون فاسقا فلذا أفرده بالذكر وأشار به إلى كراهة أذان المجنون والصبي الذي لا يعقل بالأولى لما ذكرنا ولم يتعرض المصنف لإعادة أذان من كره أذانه وفيه تفصيل قالوا يعاد

 

ج / 1 ص -523-       ...............................
_________________
أذان الجنب لا إقامته على الأشبه، كذا في الهداية وهو الأصح كما في المجتبى؛ لأن تكراره مشروع كما في أذان الجمعة؛ لأنه لإعلام الغائبين فتكريره مفيد لاحتمال عدم سماع البعض بخلاف تكرار الإقامة إذ هو غير مشروع ويفهم منه عدم إعادة إقامة المحدث بالأولى وظاهر كلام الشارح أن الإعادة لأذان الجنب مستحبة لا واجبة؛ لأنه قال وإن لم يعد أجزأه الأذان والصلاة وصرح في الظهيرية باستحباب إعادته وصرح قاضي خان بأنه تجب الطهارة فيه عن أغلظ الحدثين دون أخفهما فظاهره كغيره أن كراهة أذان الجنب تحريمية لترك الواجب وإن كانت إعادته مستحبة ويعاد أذان المرأة والسكران والمجنون والمعتوه والصبي الذي لا يعقل لعدم الاعتماد على أذان هؤلاء فلا يلتفت إليهم فربما ينتظر الناس الأذان المعتبر، والحال أنه معتبر فيؤدي إلى تفويت الصلاة أو الشك في صحة المؤدى أو إيقاعها في وقت مكروه وهذا لا ينتهض في الجنب وغاية ما يمكن أن ينهض فسقه وصرح بكراهة أذان الفاسق ولا يعاد فالإعادة فيه ليقع على وجه السنة.
وفي الخلاصة خمس خصال إذا وجدت في الأذان والإقامة وجب الاستقبال إذا غشي على المؤذن في أحدهما أو مات أو سبقه حدث فذهب وتوضأ أو حصر فيه ولا ملقن أو خرس يجب الاستقبال.
وفي فتاوى قاضي خان معناه فإن حمل الوجوب على ظاهره احتيج إلى الفرق بين نفس الأذان فإنه سنة واستقباله بعد الشروع فيه وتحقق العجز عن إتمامه، وقد يقال فيه إذا شرع فيه، ثم قطع تبادر إلى ظن السامعين أن قطعه للخطأ فينتظرون الأذان الحق، وقد تفوت بذلك الصلاة فوجب إزالة ما يفضي إلى ذلك بخلاف ما إذا لم يكن أذان أصلا حيث لا ينتظرون بل يراقب كل منهم وقت الصلاة بنفسه أو ينصبون لهم مراقبا إلا أن هذا يقتضي وجوب الإعادة فيمن ذكرناهم آنفا إلا الجنب، كذا في فتح القدير.
والظاهر أن الوجوب ليس على حقيقته بل بمعنى الثبوت لما في المجتبى وإذا غشي عليه في أذانه أو أحدث فتوضأ أو مات أو ارتد فالأحب استقبال الأذان وكذا صرح بالاستحباب في الظهيرية وفي السراج الوهاج.
وفي القنية وقف في الأذان لتنحنح أو سعال لا يعيد وإن كانت الوقفة كثيرة يعيد. ا هـ.
وذكر الشارح أن إعادة أذان المرأة والسكران مستحبة فصار الحاصل على هذا أن العدالة والذكورة والطهارة صفات كمال للمؤذن لا شرائط صحة فأذان الفاسق والمرأة والجنب صحيح

 

ج / 1 ص -524-       لا أذان العبد وولد الزنا والأعمى والأعرابي
_________________
حتى يستحق المؤذن معلوم وظيفة الأذان المقررة في الوقف ويصح تقرير الفاسق فيها وفي صحة تقرير المرأة في الوظيفة تردد.
لكن ذكر في السراج الوهاج إذا لم يعيدوا أذان المرأة فكأنهم صلوا بغير أذان فلهذا كان عليهم الإعادة وهو يقتضي عدم صحته وينبغي أن لا يصح أذان الفاسق بالنسبة إلى قبول خبره والاعتماد عليه لما قدمناه من أنه لا يقبل قوله في الأمور الدينية كما صرح به الشارح، وأما العقل فينبغي أن يكون شرط صحة فلا يصح أذان الصبي الذي لا يعقل والمجنون والمعتوه أصلا، وأما الصبي الذي يعقل فأذانه صحيح من غير كراهة في ظاهر الرواية إلا أن أذان البالغ أفضل، كذا في السراج الوهاج.
وفي المجمع ويكره أذان الصبي ويجزئ وأطلقه فعلى هذا يصح تقريره في وظيفة الأذان، وأما الإسلام فينبغي أن يكون شرط صحة فلا يصح أذان كافر على أي ملة كان لكن هل يكون بالأذان مسلما ؟
قال البزازي في فتاويه من باب السير وإن شهدوا على الذمي أنه كان يؤذن ويقيم كان مسلما سواء كان الأذان في السفر أو الحضر، وإن قالوا سمعناه يؤذن في المسجد فلا شيء حتى يقولوا هو مؤذن، فإن قالوا ذلك فهو مسلم؛ لأنهم إذا قالوا هو مؤذن كان ذلك عادة له فيكون مسلما. ا هـ.
فالحاصل أنه لا يكون بالأذان مسلما إلا إذا صار عادة له مع إتيانه بالشهادتين وينبغي أن يكون ذلك في العيسوية وهم طائفة من اليهود ينسبون إلى أبي عيسى اليهودي الأصبهاني يعتقدون اختصاص رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم إلى العرب فهذا لا يصير بالأذان مسلما، وأما غيرهم فينبغي أن يكون مسلما بنفس الأذان. والله الموفق للصواب. وفي السراج الوهاج إذا ارتد المؤذن بعد الأذان لا يعاد أذانه ولو أعيد فهو أفضل.
" قوله: لا أذان العبد وولد الزنا والأعمى والأعرابي " أي لا يكره أذان هؤلاء؛ لأن قولهم مقبول في الأمور الدينية فيكون ملزما فيحصل به الإعلام بخلاف الفاسق.

 

ج / 1 ص -525-       وكره تركهما للمسافر
_________________
وفي الخلاصة وغيرهم أولى منهم، وأما ابن أم مكتوم الأعمى فإن بلالا كان يؤذن قبله وفي النهاية ومتى كان مع الأعمى من يحفظ عليه أوقات الصلاة يكون حينئذ تأذينه وتأذين البصير سواء، وإنما كرهت إمامتهم؛ لأن الناس ينفرون من الصلاة خلفهم أو؛ لأن العبد مشغول بخدمة مولاه فلا يتفرغ للعلم كالأعرابي وهو ليس بموجود في الأذان لعدم احتياجه إلى العلم وينبغي أن العبد إن أذن لنفسه لا يحتاج إلى إذن سيده وإن أراد أن يكون مؤذنا للجماعة لم يجز إلا بإذن سيده؛ لأن فيه إضرارا بخدمته؛ لأنه يحتاج إلى مراعاة الأوقات ولم أره في كلامهم.
" قوله: وكره تركهما للمسافر " أي ترك الأذان والإقامة لما رواه البخاري ومسلم عن مالك بن الحويرث أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وصاحب لي فلما أردنا الانتقال من عنده قال لنا:
"إذا حضرت الصلاة فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما" وإذا كان هذا الخطاب لهما ولا حاجة لهما مترافقين إلى استحضار أحد علم أن المنفرد أيضا يسن له ذلك، وقد ورد في خصوص المنفرد أحاديث في أبي داود والنسائي "يعجب ربك من راعي غنم في رأس شظية يؤذن بالصلاة ويصلي فيقول الله عز وجل "انظروا إلى عبدي هذا يؤذن للصلاة ويقيم للصلاة يخاف مني قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة" وعن سلمان الفارسي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا كان الرجل بأرض فيء فحانت الصلاة فليتوضأ، فإن لم يجد ماء فليتيمم، فإن أقام صلى معه ملكاه وإن أذن وأقام صلى خلفه من جنود الله ما لا يرى طرفاه" رواه عبد الرزاق وبهذا أونحوه

 

ج / 1 ص -526-       لا لمصل في بيته في المصر وندبا لهما لا للنساء
_________________
عرف أن المقصود من الأذان لم ينحصر في الإعلام بل كل منه ومن الإعلان بهذا الذكر نشر الذكر لله ودينه في أرضه وتذكير العباد من الجن والإنس الذين لا يرى شخصهم في الفلوات من العباد قيد بتركهما؛ لأنه لو ترك الأذان وأتى بالإقامة لا يكره لأثر علي رضي الله عنه ولو عكس يكره كما في شرح النقاية.
" قوله: لا لمصل في بيته في المصر " أي لا يكره تركهما له والفرق بينهما أن المقيم إذا صلى بدونهما حقيقة فقد صلى بهما حكما؛ لأن المؤذن نائب عن أهل المحلة فيهما فيكون فعله كفعلهم، وأما المسافر فقد صلى بدونهما حقيقة وحكما؛ لأن المكان الذي هو فيه لم يؤذن فيه أصلا لتلك الصلاة، كذا في الكافي ومفهومه أنه لو لم يؤذنوا في الحي فإنه يكره تركهما للمصلي في بيته، وقد صرح به في المجتبى أنه لو أذن بعض المسافرين سقط عن الباقين كما لا يخفى وأطلق في المصلي في بيته فأفاد أنه لا فرق بين الواحد والجماعة وعن أبي حنيفة في قوم صلوا في المصر في منزل واكتفوا بأذان الناس أجزأهم، وقد أساءوا ففرق بين الواحد والجماعة في هذه الرواية والتقييد بالبيت ليس احترازا بل المصلي في المسجد إذا صلى بعد صلاة الجماعة لا يكره له تركهما بل ليس له أن يؤذن.
وفي السراج الوهاج وإن دخل مسجدا ليصلي فإنه لا يؤذن ولا يقيم وإن أذن في مسجد جماعة وصلوا يكره لغيرهم أن يؤذنوا ويعيدوا الجماعة ولكن يصلوا وحدانا وإن كان المسجد على الطريق فلا بأس أن يؤذنوا فيه ويقيموا ا هـ.
وفي الخلاصة جماعة من أهل المسجد أذنوا في المسجد على وجه المخافتة بحيث لم يسمع غيرهم، ثم حضر من أهل المسجد قوم وعلموا فلهم أن يصلوا بالجماعة على وجهها ولا عبرة للجماعة الأولى والتقييد بالمصر ليس احترازيا أيضا بل القرية كالمصر إن كان في القرية مسجد فيه أذان وإقامة وإن لم يكن فيها مسجد فحكمه حكم المسافر كذا في شرح النقاية للشمني. والحاصل أن الأذان والإقامة كل منهما سنة في حق أهل المسجد يكره ترك واحد منهما أذانا أو إقامة، وأما غيرهم فلا يكونان سنة مؤكدة.
" قوله: وندبا لهما " أي الأذان والإقامة للمسافر والمصلي في بيته في المصر ليكون الأداء على هيئة الجماعة وفي السراج الوهاج ولو أذن المسافر راكبا فلا بأس به من غير كراهة وينزل للإقامة وفي الظهيرية بيت له مسجد يكره أن يصلي فيه ويترك الإقامة.
" قوله: لا للنساء " أي لا يندب للنساء أذان ولا إقامة؛ لأنهما من سنن الجماعة المستحبة

 

ج / 1 ص -527-       هي طهارة بدنه من حدث وخبث وثوبه ومكانه
_________________
قيد بالنساء أي جماعة النساء؛ لأن المرأة المنفردة تقيم ولا تؤذن كما قدمناه وظاهر ما في السراج الوهاج أنها لا تقيم أيضا، وأشار إلى أن العبيد لا أذان ولا إقامة عليهم؛ لأنها من سنن الجماعة وجماعتهم غير مشروعة ولهذا لم يشرع التكبير عقبها أيام التشريق ذكره الشارح والله سبحانه وتعالى أعلم.

باب شروط الصلاة
_________________
" باب شروط الصلاة "
وهي جمع شرط على وزن فعل وأصله مصدر، وأما الشرائط فواحدها شريطة، كذا في ضياء الحلوم مختصر شمس العلوم في اللغة فمن عبر هنا بالشرائط فمخالف للغة كما عرفت وللقاعدة التصريفية فإن فعائل لم يحفظ جمعا لفعل بفتح الفاء وسكون العين بخلاف التعبير بالفرائض فإنه صحيح؛ لأن مفرده فريضة كصحائف جمع صحيفة وهو في اللغة العلامة، كذا في فتح القدير.
وأما في الصحاح الشرط معروف والشرط بالتحريك العلامة وقوله تعالى:
{فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا}[محمد:18] أي علاماتها وفي الشريعة ما يتوقف عليه وجود الشيء ولا يكون داخلا فيه، وقد قسم الأصوليون الخارج المتعلق بالحكم إلى مؤثر فيه ومفض إليه بلا تأثير فالأول العلة والثاني السبب وإلا، فإن توقف عليه الوجود فالشرط وإلا فإن دل عليه فالعلامة والشرط حقيقي وجعلي فالأول ما يتوقف عليه الشيء في الواقع والثاني شرعي أي بجعل الشرع فيتوقف شرعا كالشهود للنكاح والطهارة للصلاة وغير شرعي أي بجعل المكلف بتعليق تصرفه عليه مع إجازة الشرع كإن دخلت الدار فكذا.
وذكر الشمني أن المراد بالشروط هنا ما لا يكون المكلف بحصولها شارعا في الصلاة احترازا عن التحريمة فإنها شرط عندنا ولا تذكر في هذا الباب. ا هـ. وأطلق الشروط ولم يقيدها بالتقدم كما في مختصر القدوري؛ لأنه لا حاجة إليه؛ لأنها صفة كاشفة لا مخصصة إذ الشرط لا يكون إلا متقدما وما ذكره الشارحون بخلاف ذلك فقد رده في فتح القدير.
" قوله: هي طهارة بدنه من حدث وخبث وثوبه ومكانه "، أما طهارة بدنه من الحدث فبآية

 

ج / 1 ص -528-       ...............................
_________________
الوضوء والغسل ومن الخبث فبقوله صلى الله عليه وسلم
"تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه" ولحديث فاطمة بنت أبي حبيش "اغسلي عنك الدم وصلي" والحدث مانعية شرعية قائمة بالأعضاء إلى غاية استعمال المزيل والخبث عين مستقذرة شرعا وقدم الحدث لقوته؛ لأن قليله مانع بخلاف قليل الخبث.
 وفي غاية البيان وفيه نظر؛ لأن القطرة من الخمر أو الدم أو البول إذا وقعت في البئر تنجس والجنب أو المحدث إذا أدخل يده في الإناء لا ينجس والأولى أن يقال ليس فيه تقديم؛ لأن الواو لمطلق الجمع. ا هـ. وقد تقدم في الأنجاس شيء منه، وأما طهارة ثوبه فلقوله تعالى:
{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} (المدثر:4] فإن الأظهر أن المراد ثيابك الملبوسة وأن معناه طهرها من النجاسة، وقد قيل في الآية غير هذا لكن الأرجح ما ذكرناه وهو قول الفقهاء وهو الصحيح كما ذكره النووي في شرح المهذب ولعموم الحديثين السابقين وإذا وجب التطهير لما ذكرناه في الثوب وجب في المكان والبدن بالأولى؛ لأنهما ألزم للمصلي منه لتصور انفصاله بخلافهما وأراد بالخبث القدر المانع الذي قدمه في باب الأنجاس فلا يرد عليه الإطلاق وأشار باشتراط طهارة الثوب إلى أنه لو حمل نجاسة مانعة فإن صلاته باطلة فكذا لو كانت النجاسة في طرف عمامته أو منديله المقصود ثوب هو لابسه فألقى ذلك الطرف على الأرض وصلى فإنه إن تحرك بحركته لا يجوز وإلا يجوز؛ لأنه بتلك الحركة ينسب لحمل النجاسة.
وفي الظهيرية الصبي إذا كان ثوبه نجسا أو هو نجس فجلس على حجر المصلي وهو يستمسك أو الحمام النجس إذا وقع على رأس المصلي وهو يصلي كذلك جازت الصلاة وكذلك الجنب أو المحدث إذا حمله المصلي لأن الذي على المصلي مستعمل له فلم يصر المصلي حاملا للنجاسة. ا هـ. ودل كلامه أنه لو صلى ورأسه يصل إلى السقف النجس أو في كلة متنجسة أو في خيمة كذلك فإنها لا تصح لكونه حاملا للنجاسة ولهذا قال في القنية إذا صلى في الخيمة ورفع سقفها لتمام قيامه جاز إذا كانت طاهرة وإلا فلا. ا هـ.
وفي المحيط لو صلى وفي يده حبل مشدود على عنق الكلب تجوز صلاته؛ لأن الحبل

 

ج / 1 ص -529-       ...............................
_________________
لما سقط على الأرض فقد انقطع حكم الاتصال به فصار كالعمامة الطويلة. ا هـ. وكذا لو كان الحبل مشدودا في وسطه وكذا لو كان مربوطا في سفينة فيها نجاسة ومذهب الشافعي أن الصلاة لا تصح في هذه المسائل؛ لأنه حامل للنجاسة كما نقله النووي ولو صلى ومعه جرو كلب أو كل ما لا يجوز أن يتوضأ بسؤره قيل لم يجز والأصح أنه إن كان فمه مفتوحا لم يجز؛ لأن لعابه يسيل في كمه فيصير مبتلا بلعابه فيتنجس كمه فيمنع الجواز إن كان أكثر من قدر الدرهم وإن كان فمه مشدودا بحيث لا يصل لعابه إلى ثوبه جاز؛ لأن ظاهر كل حيوان طاهر ولا ينجس إلا بالموت ونجاسة باطنه في معدنه فلا يظهر حكمها كنجاسة باطن المصلي ولو صلى وفي كمه قارورة مضمومة فيها بول لم تجز صلاته؛ لأنه في غير معدنه ومكانه ولو صلى وفي كمه بيضة مذرة قد صار محها دما جازت؛ لأنه في معدنه والشيء ما دام في معدنه لا يعطى له حكم النجاسة الكل في المحيط.
وأراد بالمكان موضع القدم والسجود فقط أما طهارة موضع القدم فباتفاق الروايات بشرط أن يضعهما على النجاسة، أما إن رفع القدم التي موضعها نجس وصلى جاز، وأما طهارة موضع السجود ففي أصح الروايتين عن أبي حنيفة وهو قولهما، وأما إن كانت النجاسة في موضع يديه وركبتيه وحذاء إبطيه وصدره جازت صلاته؛ لأن الوضع على النجاسة كلا وضع والسجود على اليدين والركبتين غير واجب فكأنه لم يسجد عليها وهذا ظاهر الرواية واختار أبو الليث أن صلاته تفسد وصححه في العيون ولو صلى على مكان طاهر إلا أنه إذا سجد تقع ثيابه على أرض نجسة جازت صلاته بالطريق الأولى؛ لأن قيامه على مكان طاهر ولو صلى على بساط وعلى طرف منه نجاسة فالأصح أنه يجوز كبيرا كان أو صغيرا؛ لأنه بمنزلة الأرض فلا يصير مستعملا للنجاسة وهو بالطريق الأولى؛ لأن النجاسة إذا كانت لا تمنع في موضع الركبتين واليدين فههنا أولى.
وفي الخلاصة ولو بسط بساطا رقيقا على الموضع النجس وصلى عليه إن كان البساط بحال يصلح ساترا للعورة تجوز الصلاة وإن كانت رطبة فألقى عليها ثوبا وصلى إن كان ثوبا يمكن أن يجعل من عرضه ثوبا يجوز عند محمد وإن كان لا يمكن لا يجوز وكذا لو ألقى عليها لبدا فصلى عليه يجوز وقال الحلواني لا يجوز حتى يلقي على هذا الطرف الطرف الآخر فيصير بمنزلة ثوبين وإن كانت النجاسة يابسة جازت يعني إذا كان يصلح ساترا. ا هـ. ولو صلى

 

ج / 1 ص -530-       وستر عورته
_________________
على ما له بطانة متنجسة وهو قائم على ما يلي موضع النجاسة من الطهارة عن محمد يجوز وعن أبي يوسف لا يجوز وقيل جواب محمد في غير المضرب فيكون حكمه حكم ثوبين وجواب أبي يوسف في المضرب فحكمه حكم ثوب واحد فلا خلاف بينهما.
قال في التجنيس والأصح أن المضرب على الخلاف ذكره الحلواني ولو قام على النجاسة وفي رجليه نعلان أو جوربان لم تجز صلاته؛ لأنه قام على مكان نجس ولو افترش نعليه وقام عليهما جازت الصلاة بمنزلة ما لو بسط الثوب الطاهر على الأرض النجسة وصلى عليه جاز، وفي المبسوط من كتاب التحري يجوز لبس الثوب النجس لغير الصلاة ولا يلزمه الاجتناب وذكر في البغية تلخيص القنية خلافا فيه.
" قوله: وستر عورته " للإجماع على أنه فرض في الصلاة كما نقله غير واحد من أئمة النقل إلى أن حدث بعض المالكية فخالف فيه كالقاضي إسماعيل وهو لا يجوز بعد تقرر الإجماع ويعضده قوله تعالى:
{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}[لأعراف:31] أي محلها والمراد ما يواري عورته عند كل صلاة إطلاقا، لاسم الحال على المحل في الأول وعكسه في الثاني وقوله صلى الله عليه وسلم "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" أي البالغة سميت حائضا؛ لأنها بلغت سن الحيض والتقييد بالحائض يخرج التي دون البلوغ لما قال في المحيط مراهقة صلت بغير وضوء أو عريانة تؤمر بالإعادة وإن صلت بغير قناع فصلاتها تامة استحسانا لقوله عليه الصلاة والسلام "لا تصلي حائض بغير قناع" فلا يتناول غير الحائض ولأن ستر عورة الرأس لما سقط بعذر الرق فبعذر الصبا أولى؛ لأنه يسقط بعذر الصبا الخطاب بالفرائض بخلاف غيره من الشرائط لا يسقط بعذر الصبا. ا هـ.
قال أهل اللغة سميت العورة عورة لقبح ظهورها ولغض الأبصار عنها مأخوذة من العور وهو النقص والعيب والقبح ومنه عور العين والكلمة العوراء القبيحة أطلق فيما يستر به فشمل ما يباح لبسه وما لا يباح فلو سترها بثوب حرير وصلى صحت وأثم كالصلاة في الأرض المغصوبة ولو لم يجد غيره يصلي فيه لا عريانا وحد الستر أن لا يرى ما تحته حتى لو سترها بثوب رقيق يصف ما تحته لا يجوز وشمل ما إذا كان بحضرته أحد أو لم يكن حتى لو صلى

 

ج / 1 ص -531-       وهي من تحت سترته إلى تحت ركبته
_________________
في بيت مظلم عريانا وله ثوب طاهر لا يجوز إجماعا؛ لأن الستر مشتمل على حق الله وحق العباد وإن كان مراعى في الجملة بسبب استتاره عنهم فحق الله تعالى ليس كذلك، فإن قيل الستر لا يحجب عن الله تعالى؛ لأنه سبحانه يرى المستور كما يرى المكشوف أجيب بأنه يرى المكشوف تاركا للأدب والمستور متأدبا وهذا الأدب واجب مراعاته عند القدرة عليه وإن صلى في الماء عريانا إن كان كدرا صحت صلاته وإن كان صافيا يمكن رؤية عورته لا تصح، كذا في السراج الوهاج وصورة الصلاة في الماء الصلاة على جنازة وإلا فلا يصح التصوير وأراد بسترها الستر عن غيره لا عن نفسه حتى لو رأى فرجه من زيقة أو كان بحيث يراه لو نظر إليه فإنها صحيحة عند العامة وهو الصحيح كما في المحيط وغيره.
لكن في السراج الوهاج إذا صلى في قميص عليه بغير إزرار فعليه أن يزره لما روي عن سلمة بن الأكوع قال قلت: يا رسول الله أصلي في قميص واحد فقال "زره عليك ولو بشوكة" والمستحب أن يصلي في ثلاثة أثواب قميص وإزار وعمامة والمكروه أن يصلي في سراويل واحد، كذا في المحيط.
وبهذا علم أن لبس السراويل في الصلاة ليس بواجب؛ لأن الستر من أسفل ليس بلازم بل إنما يلزم من جوانبه وأعلاه ولذا قال في منية المصلي ومن صلى في قميص ليس له غيره فلو نظر إنسان من تحته رأى عورته فهذا ليس بشيء.
واعلم أن ستر العورة خارج الصلاة بحضرة الناس واجب إجماعا إلا في مواضع وفي الخلوة فيه خلاف والصحيح الوجوب إذا لم يكن الانكشاف لغرض صحيح، كذا في شرح المنية.
" قوله: وهي من تحت سترته إلى تحت ركبته " أي ما بينهما فالسرة ليست بعورة والركبة عورة فالغاية هنا لم تدخل تحت المغيا لما رواه الحاكم من غير تعقب "ما بين السرة والركبة

 

ج / 1 ص -532-       وبدن الحرة عورة إلا وجهها وكفيها وقدميها
_________________
عورة" ولرواية الدارقطني "ما تحت السرة إلى الركبة عورة" ولرواية البيهقي "الفخذ عورة"، وأما انكشاف فخذه صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر فلم يكن قصدا، ولأن الركبة ملتقى عظمي الساق والفخذ والتمييز بينهما متعذر فاجتمع المحرم والمبيح فغلب المحرم احتياطا كذا قالوا، وقد يقال: إن هذا يقتضي أن تكون السرة عورة كما هو رواية عن أبي حنيفة فإنه تعارض في السرة المحرم والمبيح، وقد يجاب عنه بأنه لم يكن محرما لدليل اقتضاه وهو ما أخرج أحمد في مسنده عن عمير بن إسحاق قال كنت أمشي مع الحسن بن علي في بعض طرق المدينة فلقينا أبو هريرة فقال للحسن اكشف لي عن بطنك جعلت فداك حتى أقبل حيث رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبله قال فكشف عن بطنه فقبل سرته كذا في شرح المنية وكان محمد بن الفضل يقول من السرة إلى موضع نبات شعر العانة ليس بعورة لتعامل العمال في إبداء ذلك الموضع عند الاتزار وفي ستره نوع حرج وهذا القول ضعيف؛ لأن التعامل بخلاف النص لا يعتبر، كذا في السراج.
وفي الظهيرية وحكم العورة في الركبة أخف منه في الفخذ حتى لو رأى رجل غيره مكشوف الركبة ينكر عليه برفق ولا ينازعه إن لج وإن رآه مكشوف الفخذ ينكر عليه بعنف ولا يضربه إن لج وإن رآه مكشوف السوأة أمره بستر العورة وأدبه على ذلك إن لج. ا هـ. وهو يفيد

 

ج / 1 ص -533-       وبدن الحرة عورة إلا وجهها وكفيها وقدميها
_________________
أن لكل مسلم التعزير بالضرب فإنه لم يقيده بالقاضي وسيأتي إن شاء الله تعالى في بابه.
" قوله: وبدن الحرة عورة إلا وجهها وكفيها وقدميها " لقوله تعالى:
{وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}[النور:31] قال ابن عباس وجهها وكفيها وإن كان ابن مسعود فسره بالثياب كما رواه إسماعيل القاضي من حديث ابن عباس مرفوعا بسند جيد ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المحرمة عن لبس القفازين والنقاب ولو كانا عورة لما حرم سترهما ولأن الحاجة تدعو إلى إبراز الوجه للبيع والشراء وإلى إبراز الكف للأخذ والإعطاء فلم يجعل ذلك عورة وعبر بالكف دون اليد كما وقع في المحيط للدلالة على أنه مختص بالباطن وأن ظاهر الكف عورة كما هو ظاهر الرواية.
وفي مختلفات قاضي خان ظاهر الكف وباطنه ليسا بعورة إلى الرسغ ورجحه في شرح المنية بما أخرجه أبو داود في المراسيل عن قتادة مرفوعا أن المرأة إذا حاضت لم يصلح أن يرى منها إلا وجهها ويداها إلى المفصل ولأن الظاهر أن إخراج الكف عن كونه عورة معلول بالابتلاء بالإبداء إذ كونه عورة مع هذا الابتلاء موجب للحرج وهو مدفوع بالنص وهذا الابتلاء كما هو متحقق في باطن الكف متحقق في ظاهره. ا هـ. والمذهب خلافه وللتنصيص على أن الذراع عورة وعن أبي يوسف ليس بعورة واختاره في الاختيار للحاجة إلى كشفه للخدمة ولأنه من الزينة الظاهرة وهو السوار وصحح في المبسوط أنه عورة وصحح بعضهم أنه عورة في الصلاة لا خارجها والمذهب ما في المتون لأنه ظاهر الرواية كما صرح به في شرح منية المصلي.
واعلم أنه لا ملازمة بين كونه ليس بعورة وجواز النظر إليه فحل النظر منوط بعدم خشية الشهوة مع انتفاء العورة ولذا حرم النظر إلى وجهها ووجه الأمرد إذا شك في الشهوة ولا عورة، كذا في شرح المنية.

 

ج / 1 ص -534-       ...............................
_________________
قال مشايخنا تمنع المرأة الشابة من كشف وجهها بين الرجال في زماننا للفتنة وشمل كلامه الشعر المترسل وفيه روايتان.
وفي المحيط والأصح أنه عورة، وأما غسله في الجنابة فموضوع على الصحيح واستثنى المصنف القدم للابتلاء في إبدائه خصوصا الفقيرات وفيه اختلاف الرواية عن أبي حنيفة والمشايخ فصحح في الهداية وشرح الجامع الصغير لقاضي خان أنه ليس بعورة واختاره في المحيط وصحح الأقطع وقاضي خان في فتاويه على أنه عورة واختاره الإسبيجابي والمرغيناني وصحح صاحب الاختيار أنه ليس بعورة في الصلاة وعورة خارجها ورجح في شرح المنية كونه عورة مطلقا بأحاديث منها ما رواه أبو داود والحاكم عن أم سلمة أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم أتصلي المرأة في درع وخمار وليس عليها إزار فقال "إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها" ولظاهر الآية على ما تقدم من تفسيرها عن عائشة وابن عباس موقوفا ومرفوعا وصرح في النوازل بأن نغمة المرأة عورة وبنى عليه أن تعلمها القرآن من المرأة أحب إلي من تعلمها من الأعمى ولهذا قال صلى الله عليه وسلم
"التسبيح للرجال والتصفيق للنساء" فلا يجوز أن يسمعها الرجل ومشى عليه المصنف في الكافي فقال ولا تلبي جهرا؛ لأن صوتها عورة ومشى عليه صاحب المحيط في باب الأذان.
وفي فتح القدير وعلى هذا لو قيل إذا جهرت بالقرآن في الصلاة فسدت كان متجها. ا هـ.
وفي شرح المنية الأشبه أن صوتها ليس بعورة، وإنما يؤدي إلى الفتنة كما علل به

 

ج / 1 ص -535-       وكشف ربع ساقها يمنع وكذا الشعر والبطن والفخذ والعورة الغليظة
_________________
صاحب الهداية وغيره في مسألة التلبية ولعلهن إنما منعن من رفع الصوت بالتسبيح في الصلاة لهذا المعنى ولا يلزم من حرمة رفع صوتها بحضرة الأجانب أن يكون عورة كما قدمناه.
وفي الظهيرية الصغيرة جدا لا تكون عورة ولا بأس بالنظر إليها ومسها.
وفي السراج الوهاج، وأما عورة الصبي والصبية فما داما لم يشتهيا فالقبل والدبر، ثم يتغلظ بعد ذلك إلى عشر سنين، ثم يكون كعورة البالغين؛ لأن ذلك زمان يمكن بلوغ المرأة فيه وكل عضو هو عورة من المرأة إذا انفصل منها هل يجوز النظر إليه فيه روايتان إحداهما يجوز كما يجوز النظر إلى ريقها ودمعها والثانية لا يجوز وهو الأصح وكذا الذكر المقطوع من الرجل وشعر عانته إذا حلق والأصح أنه لا يجوز. " قوله: وكشف ربع ساقها يمنع وكذا الشعر والبطن والفخذ والعورة الغليظة "؛ لأن قليل الانكشاف عفو عندنا للضرورة فإن ثياب الفقراء لا تخلو عن قليل خرق كالنجاسة القليلة والكثيرة مفسد لعدمها فاعتبر الربع وأقيم مقام الكل احتياطا؛ لأن للربع شبها بالكل كما في حلق ربع الرأس فإنه يجب به الدم كما لو حلق كله وأما ما وقع في الهداية من التشبيه بمسح الرأس ففيه إشكال فإنه لم يكن الواجب فيه مسح جميع الرأس؛ لأن النص لم يتناول إلا البعض، أما في الإحرام فالنص تناوله كله قال الله تعالى {
وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ}[البقرة:196] فأقيم ربعه مقام كله أطلق في الشعر فشمل ما على الرأس والمسترسل وفي الثاني خلاف، وقد قدمنا أن الصحيح أنه عورة وأراد بالغليظة القبل والدبر وما حولهما والخفيفة ما عدا ذلك من الرجل والمرأة ونص على الغليظة للرد على الكرخي القائل بأنه يعتبر في الغليظة ما زاد على قدر الدرهم قياسا على النجاسة المغلظة.
قال المصنف في الكافي وهذا ليس بقوي؛ لأنه قصد به التغليظ في الغليظة وهو في الحقيقة تخفيف؛ لأنه اعتبر في الدبر أكثر من قدر الدرهم والدبر لا يكون أكثر منه فهذا يقتضي جواز الصلاة وإن كان الكل مكشوفا وهو تناقض، وقد أجاب عنه في فتح القدير بأنه قد قيل الغليظة القبل والدبر مع ما حولهما فيجوز كونه اعتبر ذلك فلا يرد عليه ما قالوه. ا هـ. وهو عجيب؛ لأنه لا يفهم مما قيل أن المجموع عضو واحد بل بيان العورة الغليظة كيف، وقد صرحوا بأن كلا من الذكر والخصيتين عضو مستقل وصححه في الهداية والخانية؛ لأن كلا منهما يعتبر عضوا على حدته في الدية فكذا هنا للاحتياط وفي رواية أن الكل عضو واحد وعلى كل تقدير

 

ج / 1 ص -536-       ...............................
_________________
لم يقل أحد بأن القبل والدبر عضو واحد إلا أن يقال إن مراده أن القبل مع ما حوله عضو والدبر مع ما حوله عضو، وأما الركبة مع الفخذ فالأصح أنهما عضو واحد، كذا في التجنيس وهو المختار، كذا في الخلاصة؛ لأن الركبة ملتقى عظم الساق والفخذ فليست بعضو مستقل في الحقيقة، وإنما جعلت عورة تبعا للفخذ احتياطا فعلى هذا لو صلى وركبتاه مكشوفتان والفخذ مغطى فإنه يجوز، كذا في المنية وفي شرحها والصحيح أن الكعب ليس بعضو مستقل بل هو مع الساق عضو واحد فعلى هذا إنما يمنع ربع الساق مع ربع الكعب أو مقدار ربعهما والدبر عضو واحد وكل ألية عضو واحد وهو الأصح وكل أذن عضو على حدة وثدي المرأة إن كانت ناهدة فهي تبع لصدرها وإن كانت منكسرة فهي أصل بنفسها والناهدة بمعنى النافرة من الصدر غير مسترخية والثدي يذكر ويؤنث والتذكير أشهر ولم يذكر في المغرب سوى التذكير وما بين السرة والعانة عضو والمراد منه حول جميع البدن، كذا في المحيط.
وفي الزيادات امرأة صلت فانكشف شيء من فخذها وشيء من ساقها وشيء من صدرها وشيء من عورتها الغليظة ولو جمع بلغ ربع عضو صغير منها لم تجز صلاتها؛ لأن جميع الأعضاء عند الانكشاف كعضو واحد فيجمع كالنجاسة المتفرقة في مواضع والطيب للمحرم في مواضع بخلاف الخروق كما قدمنا في المسح على الخفين.
وذكر الشارح أنه ينبغي أن يعتبر بالأجزاء وإلا يمنع القليل فلو انكشف نصف ثمن الفخذ ونصف ثمن الأذن وذلك يبلغ ربع الأذن أو أكثر لا ربع جميع العورة المنكشفة لا تبطل.
وحاصله أنه ينظر إلى مجموع الأعضاء المنكشفة بعضها وإلى مجموع المنكشف، فإن بلغ مجموع المنكشف ربع مجموع الأعضاء منع وإلا فلا وهو ظاهر كلام محمد في الزيادات في موضع آخر حيث قال إذا صلت وانكشف شيء من شعرها وشيء من ظهرها وشيء من فرجها إن كان بحال لو جمع بلغ الربع منع وإلا فلا ثم قال الزاهدي ولم يذكر أنه بلغ ربع أصغرها أم أكبرها.
وفي شرح المجمع لابن الملك اعلم أن انكشاف ما دون الربع معفو إذا كان في عضو واحد وإن كان في عضوين أو أكثر وجمع بلغ ربع أدنى عضو منها يمنع جواز الصلاة. ا هـ. وهو تفصيل لا دليل عليه فإن الدليل اقتضى اعتبار الربع سواء كان في عضو واحد أو عضوين وأطلق في المنع وهو مقيد بما إذا كان في الزمن الكثير لما في فتح القدير الحاصل أن الانكشاف

 

ج / 1 ص -537-       والأمة كالرجل وظهرها وبطنها عورة
_________________
الكثير في الزمن القليل لا يفسد والانكشاف القليل في الزمن الكثير أيضا لا يفسد والمفسد الانكشاف الكثير في الزمن الكثير، وقدر الكثير ما يؤدى فيه ركن والقليل دونه فلو انكشف فغطاها في الحال لا تفسد إن لم يكن بفعله وإن كان بفعله فسدت في الحال عندهم، كذا في القنية وهو تقييد غريب وهذا عند أبي يوسف ومحمد اعتبر أداء الركن حقيقة، وعلى هذا الخلاف لو قام في صف النساء للازدحام أو قام على نجاسة مانعة، وإنما عبر المصنف بالمنع دون الفساد ليشمل ما إذا أحرم مكشوف العورة فإنه مانع من الانعقاد وما إذا انكشف بعد الإحرام فإنه يمنع صحتها، وحكم النجاسة المانعة كالانكشاف المانع وتفرع على ما ذكرنا ما في المحيط أمة صلت بغير قناع فرعفت، ثم أعتقت فتوضأت، ثم تقنعت وعادت إلى الصلاة جازت؛ لأنها ما أدت شيئا من الصلاة مع كشف العورة وإن عادت، ثم تقنعت فسدت؛ لأنها أدت شيئا من الصلاة مع الكشف.
" قوله: والأمة كالرجل وظهرها وبطنها عورة "؛ لأنها محل الشهوة دونه وكل من الظهر والبطن موضع مشتهى وما عدا هذه الجملة منها ليس بعورة سواء كان رأسا أو كتفا أو ساقا للحرج، وقد أخرج عبد الرزاق بإسناد صحيح عن عمر رضي الله عنه أنه ضرب أمة متقنعة وقال اكشفي رأسك لا تتشبهي بالحرائر في توضيح المالكية، فإن قيل لم منع عمر الإماء من التشبه بالحرائر فجوابه أن السفهاء جرت عادتهم بالتعرض للإماء فخشي عمر أن يلتبس الأمر فيتعرض السفهاء للحرائر فتكون الفتنة أشد وهو معنى قوله عز وجل
{ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ}[الأحزاب:59] أي يتميزن بعلامتهن عن غيرهن، وظاهره أنه يكره للأمة ستر جميع بدنها ولا يخفى ما فيه وعلى كل تقدير ينبغي أن يقال يستحب لها ذلك في الصلاة ولم أره لأئمتنا بل هو منقول الشافعية كما ذكره النووي والأمة في اللغة خلاف الحرة، كذا في الصحاح فلهذا أطلقها ليشمل القنة والمدبرة والمكاتبة والمستسعاة وأم الولد وعندهما المستسعاة حرة والمراد بالمستسعاة معتقة البعض، وأما المستسعاة المرهونة إذا أعتقها الراهن وهو معسر فهي حرة اتفاقا، وقد وقع تردد في بعض الدروس في الجنب هل هو عورة أو لا فذكرت أنه عورة، ثم رأيته في القنية قال الجنب تبع البطن والأوجه أن ما يلي البطن تبع له. ا هـ. ولو أعتقت وهي في الصلاة مكشوفة الرأس ونحوه فسترته بعمل قليل قبل أداء ركن

 

ج / 1 ص -538-       ...............................
_________________
جازت لا بكثير أو بعد ركن، كذا في كثير من الكتب وقيده الشارح بأن تؤدي ركنا بعد العلم بالعتق فشرط علمها تبعا لما في الظهيرية والمصرح به في المجتبى أنها لو صلت شهرا بغير قناع، ثم علمت بالعتق منذ شهر تعيدها.
وفي فتاوى قاضي خان إذا انكشفت عورته وأدى ركنا معه فسدت علم بذلك أو لم يعلم وذكر نحوه مسائل كثيرة وهذا أن المنطوقان أوجه من ذلك المفهوم المخالف وفي عدة الفتاوى رجل مات بمكة فلزم امرأة أن تعيد صلاة سنة فقل هو رجل علق عتق جاريته بموته فمات بمكة وهي لم تعلم بموته وصلت مكشوفة الرأس فإنها تعيد الصلاة من وقت موته. ا هـ.
وفي المحيط بخلاف العاري إذا وجد الكسوة في خلال الصلاة فإنه يلزمه الاستقبال؛ لأنه يلزمه الستر بسبب سابق على الشروع وهو كشف العورة وهو متحقق قبل الصلاة فلما توجه إليه الخطاب بالستر في الصلاة استند إلى سببه فصار كأنه توجه إليه قبل الصلاة، وقد تركه بخلافها إذ العتق سبب خطابها بالستر، وقد وجد حالة الصلاة، وقد سترت كما قدرت وظاهره أنها لو كانت عاجزة عن الستر فلم تستتر كالحرة لا تبطل صلاتها وهو مصرح به في شرح منية المصلي معزيا إلى البدائع.
وفي شرح السراج الوهاج الخنثى إذا كان رقيقا فعورته عورة الأمة وإن كان حرا أمرناه أن يستر جميع بدنه لجواز أن يكون امرأة، فإن ستر ما بين سرته إلى ركبته وصلى قال بعضهم تلزمه الإعادة لجواز أن يكون امرأة، وقال بعضهم لا تلزمه الإعادة لجواز أن يكون رجلا. فرع حسن لم أره منقولا لأئمتنا وهو مذكور في شرح المهذب إذا قال لأمته إن صليت صلاة صحيحة فأنت حرة قبلها فصلت مكشوفة الرأس إن كان في حال عجزها عن ستره صحت صلاتها وعتقت وإن كانت قادرة على الستر صحت صلاتها ولا تعتق؛ لأنها لو عتقت لصارت حرة قبل الصلاة وحينئذ لا تصح صلاتها مكشوفة الرأس وإذا لم تصح لا تعتق فإثبات العتق يؤدي إلى بطلانه وبطلان الصلاة فبطل وصحت الصلاة. ا هـ.
وسيأتي في الطلاق أن الراجح في مسألة الدور وهي إن طلقتك فأنت طالق ثلاثا قبله أن

 

ج / 1 ص -539-       ولو وجد ثوبا ربعه طاهر وصلى عاريا لم يجز وخير إن طهر أقل من ربعه
_________________
يلغو قوله قبله، وإذا طلقها وقع الثلاث كما في فتح القدير فمقتضاه هنا أن يلغو قوله قبلها ويقع العتق كما لا يخفى.
" قوله: ولو وجد ثوبا ربعه طاهر وصلى عاريا لم يجز " لأن ربع الشيء يقوم مقام كله فيجعل كأن كله طاهر في موضع الضرورة فيفترض عليه الصلاة فيه ولا يخفى أن محله ما إذا لم يجد ما يزيل به النجاسة ولا ما يقللها، فإن وجد في الصورتين وجب استعماله بخلاف ما إذا وجد ماء يكفي بعض أعضاء الوضوء فإنه يتيمم ولا يجب استعماله كما عرف في بابه وعلم حكم ما إذا كان الأكثر من الربع طاهرا بالأولى.
" قوله: وخير إن طهر أقل من ربعه " يعني بين أن يصلي فيه وهو الأفضل لما فيه من الإتيان بالركوع والسجود وستر العورة وبين أن يصلي عريانا قاعدا يومئ بالركوع والسجود وهو يلي الأول في الفضل لما فيه من ستر العورة الغليظة وبين أن يصلي قائما عريانا بركوع وسجود وهو دونهما في الفضل.
وفي ملتقى البحار إن شاء صلى عريانا بالركوع والسجود أو مومئا بهما إما قاعدا وإما قائما فهذا نص على جواز الإيماء قائما، وظاهر الهداية أنه لا يجوز وعلى الأول المخير فيه أربعة أشياء وينبغي أن يكون الرابع دون الثالث في الفضل وإن كان ستر العورة فيه أكثر للاختلاف في صحته وهذا كله عندهما وعند محمد ليس بمخير ولا تجوز صلاته إلا في الثوب؛ لأن خطاب التطهير سقط عنه لعجزه ولم يسقط عنه خطاب الستر لقدرته عليه فصار كالطاهر في حقه ولهما أن المأمور به هو الستر بالطاهر فإذا لم يقدر عليه سقط فيميل إلى أيهما شاء ولو قال المصنف وخير إن طهر الأقل أو كان كله نجسا لكان أفود إذ الحكم كذلك مذهبا وخلافا كما في النهاية وغيرها أو اقتصر على الثاني ليفهم منه الأول بالأولى لكان أولى.
وفي الأسرار قول محمد أحسن بخلاف ما لو لم يجد إلا جلد ميتة غير مدبوغ فإنه لا يجوز أن يستر به عورته ولم تجز صلاته فيه؛ لأن نجاسة البول أو الدم أو نحوهما في الثوب كله تزول بالماء ونجاسة الجلد لا يزيلها الماء فكانت أغلظ. وأشار المصنف إلى أنه لو كان معه ثوبان ربع أحدهما طاهر والآخر أقل من الربع فإنه يصلي في الذي ربعه طاهر ولا يجوز عكسه لما أن طهارة الربع كطهارة الكل ويستفاد منه أن نجاسة أحدهما لو كانت قدر الربع والآخر أقل

 

ج / 1 ص -540-       ولو عدم ثوبا صلى قاعدا مومئا بركوع وسجود وهو أفضل من القيام بركوع وسجود
_________________
وجب أن يصلي في أقلهما ولا يجوز عكسه؛ لأن للربع حكم الكل ولما دون الربع حكم العدم، وإلى أنه لو كان في كل واحد منهما قدر الربع أو كان في أحدهما أكثر لكن لا يبلغ ثلاثة أرباعه وفي الآخر قدر الربع فإنه يصلي في أيهما شاء لاستوائهما في الحكم، وكذا لو كان معه ثوبان نجاسة كل واحد منهما أكثر من قدر الدرهم يتخير ما لم يبلغ أحدهما ربع الثوب لاستوائهما في المنع.
وفي المحيط ولو كان الدم في ناحية من الثوب والطاهر منه بقدر ما يمكنه أن يتزر به لم يجز إلا أن يصلي فيه؛ لأنه يمكنه ستر العورة بثوب طاهر ولم يفصل بينهما إذا تحرك الطرف الآخر أو لم يتحرك. ا هـ. وبهذا علم أن التفصيل المتقدم إنما هو عند الاختيار، أما عند الضرورة فلا تفصيل، ثم الأصل في جنس هذه المسائل أن من ابتلي ببليتين وهما متساويتان يأخذ بأيهما شاء وإن اختلفا فعليه أن يختار أهونهما، ولهذا لو أن امرأة لو صلت قائمة ينكشف من عورتها ما يمنع جواز الصلاة ولو صلت قاعدة لا ينكشف منها شيء فإنها تصلي قاعدة لما أن ترك القيام أهون ولو كان الثوب يغطي جسدها وربع رأسها فتركت تغطية الرأس لا يجوز ولو كان يغطي أقل من الربع لا يضر والستر أفضل تقليلا للانكشاف ولو كان جريح لو سجد سال جرحه وإن لم يسجد لم يسل فإنه يصلي قاعدا مومئا؛ لأن ترك السجود أهون من الصلاة مع الحدث، ألا ترى أن ترك السجود جائز حالة الاختيار في التطوع على الدابة ومع الحدث لا يجوز بحال، فإن قام وقرأ وركع، ثم قعد وأومأ للسجود جاز لما قلنا والأول أفضل وكذا شيخ لا يقدر على القراءة قائما ويقدر عليها قاعدا يصلي قاعدا؛ لأنه يجوز حالة الاختيار في النفل ولا يجوز ترك القراءة بحال ولو صلى في الفصلين قائما مع الحدث وترك القراءة لم يجز.
" قوله: ولو عدم ثوبا صلى قاعدا مومئا بركوع وسجود وهو أفضل من القيام بركوع وسجود " لما عن أنس أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ركبوا في السفينة فانكسرت بهم فخرجوا من البحر عراة فصلوا قعودا بإيماء أراد بالثوب ما يستر عامة عورته ولو حريرا أو حشيشا أو

 

ج / 1 ص -541-       ...............................
_________________
نباتا أو كلأ أو طينا يلطخ به عورته ويبقى عليه حتى يصلي لا الزجاج الذي يصف ما تحته والعدم المذكور يثبت بعدم الوجود في ملكه وبعدم الإباحة له حتى لو أبيح له ثوب تثبت القدرة به على الأصح فلو صلى عاريا لم يجز كالمتيمم إذا أبيح له الماء وعن محمد في العريان يعده صاحبه أنه يعطيه الثوب إذا صلى فإنه ينتظره ولا يصلي عريانا وإن خاف فوت الوقت، كذا في السراج الوهاج.
وفي القنية عن أبي حنيفة ينتظره ما لم يخف فوت الوقت وأبو يوسف مع أبي حنيفة وينبغي ترجيحه قياسا على المتيمم إذا كان يرجو الماء في آخره وأطلق في الصلاة قاعدا فشمل ما إذا كان نهارا أو ليلا في بيت أو صحراء وهو الصحيح كما بينه في منية المصلي ومن المشايخ من خصه بالنهار أما في الليل فيصلي قائما؛ لأن ظلمة الليل تستر عورته قال في الذخيرة وهذا ليس بمرضي؛ لأن الستر الذي يحصل في ظلمة الليل لا عبرة به، ألا ترى أن حالة القدرة على الثوب إذا صلى عريانا في ظلمة الليل لا يجوز فصار وجوده وعدمه بمنزلة واحدة. ا هـ.
وتعقبه في شرح منية المصلي بأن الاستشهاد المذكور غير متجه للفرق بين حالة الاختيار وحالة الاضطرار وأطال إلى أن قال ويؤيده ما أخرجه عبد الرزاق سئل علي رضي الله عنه عن صلاة العريان قال إن كان حيث يراه الناس صلى جالسا وإن كان حيث لا يراه الناس صلى قائما وهو وإن كان سنده ضعيفا فلا يقصر عن إفادة الاستئناس، وأما واقعة الصحابة المتقدمة فقد تطرق إليها احتمالات إما لأنهم اختاروا الأولى لما فيه من تقليل الانكشاف أو لأنهم كانوا مترائين أو لم يكن ليلا فسقط بها الاستدلال ولم يبين المصنف صفة القعود للاختلاف فيها.
ففي منية المصلي يقعد كما يقعد في الصلاة فعلى هذا يختلف في الرجل والمرأة فهو يفترش وهي تتورك.
 وفي الذخيرة يقعد ويمد رجليه إلى القبلة ويضع يديه على عورته الغليظة والذي يظهر ترجيح الأول وأنه أولى لأنه يحصل به من المبالغة في الستر ما لا يحصل بالهيئة المذكورة مع خلو هذه الهيئة عن فعل ما ليس بأولى وهو مد رجليه إلى القبلة من غير ضرورة.
والحاصل أن القعود على هيئة متعينة ليس بمتعين بل يجوز كيفما كان، وإنما كان القعود

 

ج / 1 ص -542-       والنية بلا فاصل
_________________
أفضل من القيام؛ لأن ستر العورة أهم من أداء الأركان؛ لأنه فرض مطلقا والأركان فرائض الصلاة لا غير، وقد أتى ببدلها وإنما كان القيام جائزا؛ لأنه وإن ترك فرض الستر فقد كمل الأركان الثلاثة وبه حاجة إلى تكميلها، كذا في البدائع.
ولقائل أن يقول ينبغي على هذا أن لا يجوز الإيماء قائما؛ لأن تجويز ترك فرض الستر إنما كان لأجل تكميل الأركان الثلاثة والمومئ بهما قائما لم يحرزهما على وجه الكمال مع أن القيام إنما شرع لتحصيلهما على وجه الكمال على ما صرحوا به في صلاة المريض أنه لو قدر على القيام دون الركوع والسجود أومأ قاعدا وسقط عنه القيام وفي المبتغى بالمعجمة وإن كان عنده قطعة يستر بها أصغر العورات فلم يستر فسدت وإلا فلا.
وفي فتح القدير ولو وجد ما يستر بعض العورة يجب استعماله ويستر القبل والدبر. ا هـ. فإن لم يجد ما يستر به إلا أحدهما قيل يستر الدبر؛ لأنه أفحش في حالة الركوع والسجود وقيل يستر القبل؛ لأنه يستقبل به القبلة ولأنه لا يستر بغيره والدبر يستر بالأليتين ا هـ. كذا في السراج الوهاج وسيأتي في باب الإمامة أن العراة لا يصلون جماعة.
وفي الذخيرة وأستر ما يكون أن يتباعد بعضهم عن بعضهم إذا أمنوا العدو والسبع وإن صلوا جماعة صحت مع الكراهة ويقف الإمام وسطهم وإن تقدم جاز ويغضون أبصارهم سوى الإمام.
ثم المصنف رحمه الله لم يذكر أن على العاري الإعادة إذا وجد ثوبا، وقد أفاد النووي رحمه الله في شرح المهذب أنه لا خلاف بين المسلمين أنه لا تجب عليه الإعادة إذا صلى عاريا للعجز عن السترة. ا هـ.
وينبغي أن تلزمه الإعادة عندنا إذا كان العجز لمنع من العباد كما إذا غصب ثوبه لما صرحوا به في كتاب التيمم أن المنع من الماء إذا كان من قبل العباد يلزمه الإعادة، ثم اعلم أنه إذا كان عاريا لا ثوب له وهو يقدر على شراء ثوب هل يلزمه شراؤه كالماء إذا كان يباع بثمن المثل وله ثمنه فإنه لا يتيمم.
" قوله: والنية بلا فاصل " يعني من شروط الصلاة لإجماع المسلمين على ذلك كما نقله ابن المنذر وغيره، وأما الاستدلال على اشتراطها بقوله تعالى:
{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ

 

ج / 1 ص -543-       ...............................
_________________
مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[لأعراف:29] كما فعله السراج الهندي في شرح المغني فليس بظاهر؛ لأن الظاهر أن العبادة بمعنى التوحيد بدليل عطف الصلاة والزكاة عليها، وأما الاستدلال بقوله صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنيات" كما في الهداية وغيرها فلا يصح؛ لأن الأصوليين ذكروا أن هذا الحديث من قبيل ظني الثبوت والدلالة؛ لأنه خبر واحد مشترك الدلالة فيفيد السنية والاستحباب لا الافتراض، والنية إرادة الصلاة لله تعالى على الخلوص، وقد قدمنا في الوضوء الكلام عليها وقول الشارح إن المصلي يحتاج إلى ثلاث نيات: نية الصلاة التي يدخل فيها ونية الإخلاص لله تعالى ونية استقبال القبلة فيه نظر بل المحتاج إليه نية واحدة وهي ما ذكرناه فقولنا على الخلوص يغني عن الثانية وأما نية استقبال القبلة فليست شرطا على الصحيح كما ذكره في المبسوط سواء كان يصلي على المحراب أو في الصحراء والمراد بقوله بلا فاصل أي بين النية والتكبير الفاصل الأجنبي وهو عمل لا يليق في الصلاة كالأكل والشرب؛ لأن هذه الأفعال تبطل الصلاة فتبطل النية وشراء الحطب والكلام، وأما المشي والوضوء فليس بأجنبي، ألا ترى أن من أحدث في صلاته له أن يفعل ذلك ولا يمنعه من البناء، وبهذا علم أن الصلاة تجوز بنية متقدمة على الشروط إذا لم يفصل أجنبي كما صرحوا به فظاهر إطلاقهم يفيد أن النية قبل دخول الوقت صحيحة كالطهارة قبله، لكن ذكر ابن أمير حاج عن ابن هبيرة اشتراط دخول الوقت للنية المتقدمة عن أبي حنيفة وهو مشكل وفي ثبوته تردد لا يخفى لعدم وجوده في كتب المذهب، وفي الظهيرية وعند محمد يجوز تقديم النية في العبادات هو الصحيح وعند أبي يوسف لا يجوز إلا في الصوم. ا هـ.
وفي منية المصلي والأحوط أن ينوي مقارنا للتكبير ومخالطا له كما هو مذهب الشافعي. ا هـ. وبه قال الطحاوي لكن عندنا هذا الاحتياط مستحب وليس بشرط وعند الشافعي شرط؛ لأن الحاجة إلى النية لتحقق معنى الإخلاص وذلك عند الشروع لا قبله قلنا النص مطلق فلا يجوز تخصيصه بالرأي على أن قوله صلى الله عليه وسلم
"، وإنما لكل امرئ ما نوى" يفيد أنه يكون له ما نوى إذا تقدمت النية، فالقول بأنه لا يكون له ما نوى خلاف النص ولأن اشتراط القران لا يخلو

 

ج / 1 ص -544-       والشرط أن يعلم بقلبه أي صلاة يصلي
_________________
عن الحرج مع ما في التزامه من فتح باب الوسواس فلا يشترط كما في الصوم والزكاة والحج حتى لو خرج من بيته يريد الحج فأحرم ولم تحضره النية جاز، ثم فسر النووي القران بأن يأتي بالنية مع أول التكبير ويستصحبها إلى آخره.
وذكر في شرح المهذب أنه لا يجب التدقيق في تحقيق المقارنة وأنه يكفي المقارنة العرفية في ذلك بحيث يعد مستحضرا لصلاته غير غافل عنها اقتداء بالسلف الصالحين في مسامحتهم في ذلك وأشار المصنف إلى أنها لا تجوز بنية متأخرة خلافا للكرخي قياسا على الصوم وهو فاسد؛ لأن سقوط القران لمكان الحرج والحرج يندفع بتقديم النية فلا ضرورة إلى التأخير وجوز التأخير في الصوم للحرج وبهذا علم أن ما في خزانة الفتاوى والعتابي نسي النية فنوى عند قوله ولا إله غيرك يصير شارعا مبني على قول الكرخي على تخريج بعض المشايخ أنه يجوز إلى انتهاء الثناء، وقيل إلى أن يركع وهو مروي عن محمد، كذا في المجتبى وقيل إلى أن يرفع رأسه من الركوع وقيل إلى التعوذ.
وفي البدائع لو نوى بعد قوله الله قبل أكبر لا يجوز؛ لأن الشروع يصح بقوله الله فكأنه نوى بعد التكبير وجعله في المحيط مذهب أبي حنيفة وسيأتي إن شاء الله تعالى.
" قوله: والشرط أن يعلم بقلبه أي صلاة يصلي " أي الشرط في اعتبارها علمه أي صلاة يصلي أي التمييز، فالنية هي الإرادة للفعل وشرطها التعيين للفرائض كذا في فتح القدير وفيه بحث؛ لأنه لو كان مرادهم من هذا الشرط اشتراط التعيين للفرائض لكان تكرارا إذ قالوا بعده وللفرض شرط تعيينه.
وفي شرح المجمع لابن الملك المراد أن من قصد صلاة فعلم أنها ظهر أو عصر أو نفل أو قضاء يكون ذلك نية له فلا يحتاج إلى نية أخرى للتعيين إذا أوصلها بالتحريمية. ا هـ. وفيه نظر؛ لأن النفل لا يشترط علمه والحق أنهم إنما ذكروا العلم بالقلب لإفادة أن النية إنما هي عمل القلب وأنه لا يعتبر باللسان لا أنه شرط زائد على أصل النية واشتراط التعيين، وأما قول الشارح وأدناه أن يصير بحيث لو سئل عنها أمكنه أن يجيب من غير فكر وعزاه في منية المصلي إلى الأجناس فإنما هو قول محمد بن سلمة كما ذكره في البدائع والخانية والخلاصة وإلا فالمذهب أنها تجوز بنية متقدمة على الشروع بشرطه المتقدم سواء كان بحيث يقدر على الجواب من غير تفكر أو لا ولهذا قال في الخانية والخلاصة ولو نوى قبل الشروع فعن محمد أنه لو نوى عند الوضوء أن يصلي الظهر أو العصر مع الإمام ولم يشتغل بعد النية بما ليس من جنس الصلاة إلا أنه لما انتهى إلى مكان الصلاة لم تحضره النية جازت صلاته بتلك النية، وهكذا روي عن أبي حنيفة وأبي يوسف.

 

ج / 1 ص -545-       ...............................
_________________
وفي البدائع وقد روي عن أبي يوسف فمن خرج من منزله يريد الفرض في الجماعة فلما انتهى إلى الإمام كبر ولم تحضره النية في تلك الساعة أنه يجوز، قال الكرخي: ولا أعلم أن أحدا من علمائنا خالف أبا يوسف في ذلك. ا هـ. وهو يفيد أنه يكفي تقدم أصل النية ونية التعيين للفرائض ولا يشترط المقارنة ولا الاستحضار لما نواه في أثنائها، بل كلام محمد بن سلمة يقتضي أنه لا يكفي مقارنة النية للتكبير بل لا بد من الاستحضار لها إلى آخر الصلاة لأنه قال لو احتاج إلى تفكر بعد السؤال لا تصح صلاته، وقد أجمع العلماء على أنه لو نوى بقلبه ولم يتكلم فإنه يجوز كما حكاه غير واحد فما في الخانية وعند الشافعي لا بد من الذكر باللسان مردود.
وقد اختلف كلام المشايخ في التلفظ باللسان فذكره في منية المصلي أنه مستحب وهو المختار وصححه في المجتبى وفي الهداية والكافي والتبيين أنه يحسن لاجتماع عزيمته وفي الاختيار معزيا إلى محمد بن الحسن أنه سنة وهكذا في المحيط و البدائع.
وفي القنية أنه بدعة إلا أن لا يمكنه إقامتها في القلب إلا بإجرائها على اللسان فحينئذ يباح ونقل عن بعضهم أن السنة الاقتصار على نية القلب، فإن عبر عنه بلسانه جاز ونقل في شرح المنية عن بعضهم الكراهة.
وظاهر ما في فتح القدير اختيار أنه بدعة فإنه قال: قال بعض الحفاظ: لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق صحيح ولا ضعيف أنه كان يقول عند الافتتاح أصلي كذا ولا عن أحد من الصحابة والتابعين بل المنقول أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة كبر وهذه بدعة. ا هـ. وقد يفهم من قول المصنف لاجتماع عزيمته أنه لا يحسن لغير هذا القصد وهذا لأن الإنسان قد يغلب عليه تفرق خاطره فإذا ذكر بلسانه كان عونا على جمعه.
ثم رأيته في التجنيس قال والنية بالقلب؛ لأنه عمله والتكلم لا معتبر به ومن اختاره اختاره لتجتمع عزيمته. ا هـ. وزاد في شرح المنية أنه لم ينقل عن الأئمة الأربعة أيضا فتحرر من هذا أنه بدعة حسنة عند قصد جمع العزيمة، وقد استفاض ظهور العمل بذلك في كثير من الأعصار في عامة الأمصار فلعل القائل بالسنية أراد بها الطريقة الحسنة لا طريقة النبي صلى الله عليه وسلم.

 

ج / 1 ص -546-       ويكفيه مطلق النية للنفل والسنة والتراويح
_________________
بقي الكلام في كيفية التلفظ بها ففي المحيط ينبغي أن يقول اللهم إني أريد صلاة كذا فيسرها لي وتقبلها مني وهكذا في البدائع و الحاوي.
وفي القنية إذا أراد النفل أو السنة يقول اللهم إني أريد الصلاة فيسرها لي وتقبلها مني وفي الفرض اللهم إني أريد أن أصلي فرض الوقت أو فرض كذا فيسره لي وتقبله مني وفي صلاة الجنازة اللهم إني أريد أن أصلي لك وأدعو لهذا الميت فيسره لي وتقبله مني والمقتدي يقول اللهم إني أريد أن أصلي فرض الوقت متابعا لهذا الإمام فيسره لي وتقبله مني. ا هـ.
وهذا كله يفيد أن التلفظ بها يكون بهذه العبارة لا بنحو نويت أو أنوي كما عليه عامة المتلفظين بالنية من عامي وغيره لا يخفى أن سؤال التوفيق والقبول شيء آخر غير التلفظ بها، على أنه قد ذكر غير واحد من مشايخنا في وجه ما ذكره محمد في كتاب الحج أن الحج لما كان مما يمتد ويقع فيه العوارض والموانع وهو عبادة عظيمة تحصل بأفعال شاقة استحب طلب التيسير والتسهيل من الله تعالى ولم يشرع مثل هذا الدعاء في الصلاة؛ لأن أداءها في وقت يسير. ا هـ. وهو صريح في نفي قياس الصلاة على الحج.
وفي المجتبى من عجز عن إحضار القلب في النية يكفيه اللسان. ا هـ. وظاهره أن فعل اللسان يكون بدلا عن فعل القلب ومن المعلوم أن نصب الإبدال بالرأي لا يجوز وفي الغنية عزم على صلاة الظهر وجرى على لسانه نويت صلاة العصر يجزئه.
" قوله: ويكفيه مطلق النية للنفل والسنة والتراويح "، أما في النفل فمتفق عليه؛ لأن مطلق اسم الصلاة ينصرف إلى النفل؛ لأنه الأدنى فهو متيقن والزيادة مشكوك فيها ولا فرق بين أن ينوي الصلاة أو الصلاة لله؛ لأن المصلي لا يصلي لغير الله، وأما في السنة والتراويح فظاهر الرواية ما في الكتاب كما في الذخيرة والتجنيس وجعله في الهداية هو الصحيح وفي المحيط أنه قول عامة المشايخ.
وفي منية المفتي وخزانة الفتاوى أنه المختار ورجحه في فتح القدير ونسبه إلى

 

ج / 1 ص -547-       وللفرض شرط تعيينه كالعصر مثلا
_________________
المحققين بأن معنى السنة كون النافلة مواظبا عليها من النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفريضة المعينة أو قبلها فإذا أوقع المصلي النافلة في ذلك المحل صدق عليه أنه فعل الفعل المسمى سنة.
فالحاصل أن وصف السنة يحصل بنفس الفعل الذي فعله صلى الله عليه وسلم وهو إنما كان يفعل على ما سمعت فإنه لم يكن ينوي السنة بل الصلاة لله تعالى فعلم أن وصف السنة ثبت بعد فعله على ذلك الوجه تسمية منا بفعله المخصوص لا أنه وصف يتوقف حصوله على نيته.
وذكر قاضي خان في فتاويه في فصل التراويح اختلاف المشايخ في السنن والتراويح والصحيح أنها لا تتأدى بنية الصلاة وبنية التطوع؛ لأنها صلاة مخصوصة فتجب مراعاة الصفة للخروج عن العهدة وذلك بأن ينوي السنة أو متابعة النبي صلى الله عليه وسلم وهل يحتاج لكل شفع من التراويح أن ينوي ويعين قال بعضهم يحتاج؛ لأن كل شفع صلاة والأصح أنه لا يحتاج؛ لأن الكل بمنزلة صلاة واحدة. ا هـ.
فقد اختلف التصحيح فلذا قال في منية المصلي والاحتياط في التراويح أن ينوي التراويح أو سنة الوقت أو قيام الليل وفي السنة ينوي السنة. ا هـ. أطلق المصنف في السنة فشمل سنة الفجر حتى لو صلى ركعتين تهجدا، ثم تبين أنه صلاهما بعد طلوع الفجر أجزأتا عن السنة وفي آخر العمدة للصدر الشهيد إذا صلى أربع ركعات تطوعا قبل الفجر فوقع ركعتان بعد الطلوع يحتسب من ركعتي الفجر. ا هـ.
وفي الخلاصة وبه يفتى وفيه نظر؛ لأن السنة إنما تكون بتحريمة مبتدأة بعد الطلوع ولم تحصل، وقد قالوا في سجود السهو: إنه لو قام إلى الخامسة بعد القعود على رأس الرابعة ساهيا فإنه يضم سادسة ولا ينوبان عن سنة الظهر لما قلنا فكذا في سنة الفجر اللهم إلا أن يقال لما كان التنفل مكروها في الفجر جعلناهما سنة بخلافه في الظهر ولا يخفى أن الأربع التي تصلى بعد الجمعة على أنها آخر ظهر عليه للشك في الجمعة إذا تبين صحة الجمعة فإنها تنوب عن سنتها على قول الجمهور؛ لأنه يلغو الوصف ويبقى الأصل وبه تتأدى السنة وعلى قول البعض لا تنوب لاشتراط التعيين.
" قوله: وللفرض شرط تعيينه كالعصر مثلا " لاختلاف الفروض فلا بد من التعيين لقوله عليه الصلاة والسلام
"، وإنما لكل امرئ ما نوى" أطلقه فشمل ما إذا قرن باليوم كعصر اليوم سواء خرج الوقت أو لا لأن غايته أنه قضاء بنية الأداء وهو جائز على الصحيح يدل على هذا

 

ج / 1 ص -548-       ...............................
_________________
مسألة الأسير إذا اشتبه عليه رمضان فتحرى شهرا وصام فوقع صومه بعد رمضان وهذا قضاء بنية الأداء، كذا في الظهيرية وشمل ما إذا قرن بالوقت كعصر الوقت أو فرض الوقت وقيدهما في فتح القدير بعدم خروج الوقت، فإن خرج ونسيه لا يجزئه في الصحيح وجعل هذا القيد الشارح قيدا في فرض الوقت فقط معللا بأن فرض الوقت في هذه الحالة غير الظهر فينبغي أن تكون نية عصر الوقت صحيحة وإن خرج الوقت ويكون الوقت كاليوم كما لا يخفى ويستثنى من فرض الوقت الجمعة فإنها بدل فرض الوقت لا نفسه فلا تصح الجمعة بنية فرض الوقت إلا أن يكون اعتقاده أنها فرض الوقت، وشمل ما إذا نوى العصر بلا قيد وفيه خلاف.
ففي الظهيرية لو نوى الظهر لا يجوز؛ لأن هذا الوقت كما يقبل ظهر هذا اليوم يقبل ظهرا آخر وقيل يجوز وهو الصحيح؛ لأن الوقت متعين له هذا إذا كان مؤديا، فإن كان قاضيا، فإن صلى بعد خروج الوقت وهو لا يعلم بخروج الوقت فنوى الظهر لا يجوز أيضا وذكر شمس الأئمة ينوي صلاة عليه، فإن كانت وقتية فهي عليه وإن كان قضاء فهي عليه أيضا. ا هـ.
وهكذا صححه في فتح القدير معزيا إلى فتاوى العتابي لكن جزم في الخلاصة بعدم الجواز وصححه السراج الهندي في شرح المغني فاختلف التصحيح كما ترى وينبغي في مسألة شمس الأئمة أن لا يكون عليه صلاة غيرها وإلا فلا تعيين وأفاد أنه لو نوى شيئين فإنه لا يصح فلو نوى فائتة ووقتية كما إذا فاتته الظهر فنوى في وقت العصر الظهر والعصر فإنه لا يصير شارعا في واحدة منهما.
وفي منية المصلي ولو نوى مكتوبتين فهي التي دخل وقتها وعلل له في المحيط بأن الوقتية واجبة للحال وغيرها لا. ا هـ. وهو يفيد أنه ليس بصاحب ترتيب وإلا فالفائتة أولى كما لا يخفى.
وفي المنية أيضا لو نوى فائتة ووقتية فهي للفائتة إلا أن يكون في آخر وقت الوقتية. ا هـ. وهو مخالف للأول وأفاد في الظهيرية أن فيها روايتين ولو جمع بين مكتوبتين فائتتين فمقتضاه أنه لا يصح لكن في الخلاصة أنه يكون للأولى منهما وأقره في فتح القدير.
وعلل له في المحيط بأن الثانية لا تجوز إلا بعد قضاء الأولى وهو إنما يتم فيما إذا كان الترتيب بينهما واجبا ولو نوى الفرض والتطوع جاز عن الفرض عند أبي يوسف؛ لأن الفرض أقوى من النفل فلا يعارضه فتلغو نية النفل وتبقى نية الفرض وقال محمد لا يكون داخلا في

 

ج / 1 ص -549-       ...............................
_________________
الصلاة أصلا لتعارض الوصفين ولو نوى الظهر والجمعة جميعا بعضهم جوزوا ذلك ورجحوا نية الجمعة بحكم الاقتداء ولو نوى مكتوبة وصلاة جنازة فهي عن المكتوبة ولو نوى نافلة وصلاة جنازة فهي نافلة، كذا في الظهيرية وأطلق نية التعيين فشمل الفوائت أيضا.
فلذا قال في الظهيرية ولو كانت الفوائت كثيرة فاشتغل بالقضاء يحتاج إلى تعيين الظهر أو العصر وينوي أيضا ظهر يوم كذا، فإن أراد تسهيل الأمر ينوي أول ظهر عليه أو آخر ظهر عليه فرق بين الصلاة والصوم ففي الصوم لو كان عليه قضاء يومين فقضى يوما ولم يعين جاز؛ لأن في الصوم السبب واحد وهو الشهر فكان الواجب عليه إكمال العدد، أما في الصلاة فالسبب مختلف وهو الوقت وباختلاف السبب يختلف الواجب فلا بد من التعيين حتى لو كان عليه قضاء يومين من رمضانين يحتاج إلى التعيين. ا هـ.
ويتفرع على اشتراط التعيين للفرائض ما قاله أبو حنيفة رحمه الله في رجل فاتته صلاة من يوم واشتبهت أنها أية صلاة فإنه يصلي صلاة كل اليوم حتى يخرج عما عليه ويتفرع أيضا ما في الظهيرية رجل لم يعرف أن الصلاة الخمس فرض على العباد إلا أنه كان يصليها في مواقيتها لا يجوز وعليه قضاؤها؛ لأنه لم ينو الفرض وكذا إذا علم أن منها فريضة ومنها سنة لكن لم يعلم الفريضة من السنة، فإن نوى الفريضة في الكل جاز وإن كان لا يعلم أن بعضها فريضة وبعضها سنة فصلى مع الإمام ونوى صلاة الإمام جازت، فإن كان يعلم الفرائض من السنن لكن لا يعلم ما في الصلاة من الفرائض والسنن جازت صلاته أيضا، فإن أم هذا الرجل غيره وهو لا يعلم الفرائض من النوافل فصلى ونوى الفرض في الكل جازت صلاته، أما صلاة القوم فكل صلاة ليست لها سنة قبلها كصلاة العصر والمغرب والعشاء يجوز أيضا وكل صلاة قبلها سنة مثلها كصلاة الفجر والظهر لا تجوز صلاة القوم. ا هـ.
وأراد المصنف بالفرض الفرض العملي فيشمل الواجب فيدخل فيه قضاء ما شرع فيه من النفل، ثم أفسده والنذر والوتر وصلاة العيدين وركعتا الطواف فلا بد من التعيين لإسقاط الواجب عنه وقالوا: إنه لا ينوي فيه أنه واجب للاختلاف فيه.
وفي القنية من سجود التلاوة لا تجب نية التعيين في السجدات. ا هـ. وأما نية التعيين لسجدة التلاوة فلا بد منه لدفع المزاحم من سجدة الشكر والسهو وأراد باشتراط التعيين وجوده عند الشروع فقط حتى لو نوى فرضا وشرع فيه، ثم نسي فظنه تطوعا فأتمه على أنه تطوع فهو فرض مسقط؛ لأن النية المعتبرة إنما يشترط قرانها بالجزء الأول ومثله إذا شرع بنية التطوع فأتمها على ظن المكتوبة فهي تطوع بخلاف ما لو كبر حين شك ينوي التطوع في الأول أو المكتوبة في

 

ج / 1 ص -550-       والمقتدي ينوي المتابعة أيضا
_________________
الثاني حيث يصير خارجا إلى ما نوى ثانيا لقران النية بالتكبير وسيأتي في المفسدات، وقد علم مما ذكره أنه لا بد من قطع النية لصحة المنوي فلو ردد لا يصح وهو ظاهر وقيد بنية التعيين؛ لأن نية عدد الركعات ليست بشرط في الفرض والواجب؛ لأن قصد التعيين مغن عنه ولو نوى الظهر ثلاثا والفجر أربعا جاز، وقد علم مما قدمناه من أنه لا معتبر باللسان أنه لو نوى الظهر وتلفظ بالعصر فإنه يكون شارعا في الظهر كما صرحوا به.
" قوله: والمقتدي ينوي المتابعة أيضا " لأنه يلزمه الفساد من جهة إمامه فلا بد من التزامه والأفضل أن ينوي الاقتداء عند افتتاح الإمام، وقول الشارح الأفضل أن ينوي بعد تكبير الإمام فيه بحث؛ لأنه يلزم منه أن يكون تكبير المقتدي بعد تكبير الإمام؛ لأن التكبير إما مقارن بالنية أو متأخر عنه وسيأتي أن الأفضل أن يكبر القوم مع الإمام ذكره ملا خسرو في شرحه، وقد يقال: إنه مبني على قولهما ولو نواه حين وقف الإمام موقف الإمامة جاز عند عامة المشايخ وقيل لا يجوز؛ لأنه نوى الاقتداء بغير المصلي، فإن نوى حين وقف عالما بأنه لم يشرع جاز وإن نواه على ظن أنه شرع فيه ولم يشرع بعد قال بعضهم لا يجوز، كذا في الظهيرية مقتصرا عليه، وأشار بقوله أيضا إلى أنه لا بد للمقتدي من ثلاث نيات: أصل الصلاة ونية التعيين ونية الاقتداء وأن نية الاقتداء لا تكفيه عن التعيين حتى لو نوى الاقتداء بالإمام أو الشروع في صلاة الإمام ولم يعين الصلاة فإنه لا يجوز وهو قول البعض والأصح الجواز كما نقله الشارح وغيره وينصرف إلى صلاة الإمام وإن لم يكن للمقتدي علم بها؛ لأنه جعل نفسه تبعا لصلاة الإمام فلو أسقط قوله أيضا لكان أولى بخلاف ما إذا نوى صلاة الإمام ولم ينو الاقتداء حيث لا يجزئه؛ لأنه تعيين لصلاة الإمام وليس باقتداء به، ونظيره ما لو انتظر تكبير الإمام، ثم كبر بعده فإنه لا يكفيه عن نية الاقتداء؛ لأنه متردد قد يكون بحكم العادة، وقد يكون لقصد الاقتداء فلا يصير مقتديا بالشك خلافا لما ذهب إليه بعض المشايخ من أنه يكفيه عن نية الاقتداء ورده في البدائع وغيره وأطلق في اشتراط نية المتابعة فشمل الجمعة.
لكن في الذخيرة وفتاوى قاضي خان لو نوى الجمعة ولم ينو الاقتداء بالإمام فإنه يجوز؛ لأن الجمعة لا تكون إلا مع الإمام وذكره في منية المصلي معزيا إلى البعض وأفاد أن تعيين الإمام ليس بشرط في صحة الاقتداء فلو نوى الاقتداء بالإمام وهو يظن أنه زيد فإذا هو عمرو

 

ج / 1 ص -551-       وللجنازة ينوي الصلاة لله والدعاء للميت، واستقبال القبلة
_________________
يصح إلا إذا نوى الاقتداء بزيد فإذا هو عمرو فإنه لا يصح؛ لأن العبرة لما نوى ولو كان يرى شخصه فنوى الاقتداء بهذا الإمام الذي هو زيد فإذا هو خلافه جاز؛ لأنه عرفه بالإشارة فلغت التسمية ومثل ما ذكرنا في الخطأ في تعيين الميت فعند الكثرة ينوي الميت الذي يصلي عليه الإمام.
وفي عدة الفتاوى ولو قال اقتديت بهذا الشيخ وهو شاب صح؛ لأن الشاب يدعى شيخا للتعظيم ولو قال اقتديت بهذا الشاب فإذا هو شيخ لم يصح. ا هـ.
وفي الظهيرية وينبغي للمقتدي أن لا يعين الإمام عند كثرة القوم ولا يعين الميت وقيد بالمقتدي؛ لأن الإمام لا يشترط في صحة اقتداء الرجال به نية الإمامة؛ لأنه منفرد في حق نفسه، ألا ترى أنه لو حلف أن لا يؤم أحدا فصلى ونوى أن لا يؤم أحدا فصلى خلفه جماعة لم يحنث؛ لأن شرط الحنث أن يقصد الإمامة ولم يوجد بخلاف ما لو حلف أن لا يؤم فلانا لرجل بعينه فصلى ونوى أن يؤم الناس فصلى ذلك الرجل مع الناس خلفه فإنه يحنث وإن لم يعلم به؛ لأنه لما نوى الناس دخل فيه هذا الرجل، وأما في حق النساء فإنه لا يصح اقتداؤهن إذا لم ينو إمامتهن؛ لأن في تصحيحه بلا نية إلزاما عليه بفساد صلاته إذا حاذته من غير التزام منه وهو منتف وخالف في هذا العموم بعضهم فقالوا لا يصح اقتداء النساء وإن لم ينو الإمام إمامتهن في صلاة الجمعة والعيدين وصححه صاحب الخلاصة والجمهور على اشتراطها في حقهن لما ذكرناه، وأما صلاة الجنازة فلا يشترط في صحة اقتدائها به فيها نية إمامتها بالإجماع، كذا في الخلاصة.
" قوله: وللجنازة ينوي الصلاة لله والدعاء للميت " لأنه الواجب عليه فيجب تعيينه وإخلاصه لله تعالى فلا ينوي الدعاء للميت فقط نظرا إلى أنها ليست بصلاة حقيقة فإن مطلق الدعاء لا يحتاج إلى نية.
" قوله: واستقبال القبلة " يعني من شروطها استقبال القبلة عند القدرة وهو استفعال من قبلت الماشية الوادي بمعنى قابلته وليس السين فيه للطلب؛ لأن طلب المقابلة ليس هو الشرط بل الشرط المقصود بالذات المقابلة فهو بمعنى فعل كاستمر واستقر والقبلة في الأصل الحالة التي يقابل الشيء عليها غيره كالجلسة للحالة التي يجلس عليها والآن، وقد صارت كالعلم للجهة التي تستقبل في الصلاة وسميت بذلك لأن الناس يقابلونها في صلاتهم وتقابلهم.
وهو شرط بالكتاب لقوله تعالى:
{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}[البقرة:144] واختلف في المراد بالمسجد هنا فقيل المسجد الكبير الذي فيه الكعبة؛ لأن عين الكعبة يصعب استقبالها لصغرها وقيل الحرم كله؛ لأنه قد يطلق ويراد به الحرم

 

ج / 1 ص -552-       فللمكي فرضه إصابة عينها
_________________
كما في قوله
{مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى}[الاسراء:1] والصحيح كما ذكره الإمام نجم الدين في تفسيره والنووي في شرح المهذب أن المراد به الكعبة فهي القبلة كما يدل عليه عامة الأحاديث ومنها ما في صحيح مسلم عن البراء صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا، ثم صرفنا نحو الكعبة والنكتة في ذكر المسجد الحرام وإرادة الكعبة كما في الكشاف وحواشيه الدلالة على أن الواجب في حق الغائب هو الجهة، وبالسنة كثير منها قوله صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة وكبر" رواه مسلم وانعقد الإجماع عليه.
وفي عدة الفتاوى الكعبة إذا رفعت عن مكانها لزيارة أصحاب الكرامة ففي تلك الحالة جازت صلاة المتوجهين إلى أرضها.
" قوله: فللمكي فرضه إصابة عينها " أي عين القبلة بمعنى الكعبة للقدرة على اليقين أطلق في المكي فشمل من كان بمعاينتها ومن لم يكن حتى لو صلى مكي في بيته ينبغي أن يصلي بحيث لو أزيلت الجدران يقع استقباله على شطر الكعبة بخلاف الآفاقي فإنه لو أزيلت الموانع لا يشترط أن يقع استقباله على عين الكعبة لا محالة، كذا في الكافي وهو ضعيف.
قال في الدراية من كان بينه وبين الكعبة حائل الأصح أنه كالغائب ولو كان الحائل أصليا كالجبل كان له أن يجتهد والأولى أن يصعده ليصل إلى اليقين، وفي التجنيس من كان

 

ج / 1 ص -553-       ولغيره إصابة جهتها
_________________
بمعاينة الكعبة فالشرط إصابة عينها ومن لم يكن بمعاينتها فالشرط إصابة جهتها وهو المختار.
وفي فتح القدير وعندي في جواز التحري مع إمكان صعوده إشكال؛ لأن المصير إلى الدليل الظني وترك القاطع مع إمكانه لا يجوز وما أقرب قوله في الكتاب والاستخبار فوق التحري فإذا امتنع المصير إلى الظني لإمكان ظني أقوى منه فكيف يترك اليقين مع إمكانه للظن.
" قوله: ولغيره إصابة جهتها " أي لغير المكي فرضه إصابة جهتها وهو الجانب الذي إذا توجه إليه الشخص يكون مسامتا للكعبة أو لهوائها إما تحقيقا بمعنى أنه لو فرض خطا من تلقاء وجهه على زاوية قائمة إلى الأفق يكون مارا على الكعبة أو هوائها وإما تقريبا بمعنى أن يكون ذلك منحرفا عن الكعبة أو هوائها انحرافا لا تزول به المقابلة بالكلية بأن بقي شيء من سطح الوجه مسامتا لها؛ لأن المقابلة إذا وقعت في مسافة بعده لا تزول بما تزول به من الانحراف لو كانت في مسافة قريبة ويتفاوت ذلك بحسب تفاوت البعد وتبقى المسامتة مع انتقال مناسب لذلك البعد فلو فرض مثلا خطا من تلقاء وجه المستقبل للكعبة على التحقيق في بعض البلاد وخط آخر يقطعه على زاويتين قائمتين من جانب يمين المستقبل وشماله لا تزول تلك المقابلة بالانتقال إلى اليمين والشمال على ذلك الخط بفراسخ كثيرة ولهذا وضع العلماء قبلة بلد وبلدين وبلاد على سمت واحد.
وفي فتاوى قاضي خان وجهة الكعبة تعرف بالدليل والدليل في الأمصار والقرى المحاريب التي نصبها الصحابة والتابعون رضي الله عنهم أجمعين فعلينا اتباعهم في استقبال المحاريب المنصوبة، فإن لم يكن فالسؤال من الأهل، أما البحار والمفاوز فدليل القبلة النجوم إلى آخره.
وفي المبتغى في معرفة الجهة أربعة أوجه: أحدها - في أقصر يوم من السنة وقت طلوع الشمس فاجعل عين الشمس عند مطلعها على رأس أذنك اليسرى فإنك تدركها. وثانيها - فاجعل عين الشمس على مؤخر عينك اليسرى عند الزوال فإنك تصيبها. وثالثها - فاجعل الشمس على مقدم عينك اليمنى مما يلي الأنف عند صيرورة ظل كل شيء مثليه بعد زوالها فإنك تدركها ورابعها فاجعل عين الشمس على مؤخر عينك اليمنى عند غروب الشمس فإنك تدركها، ووجه آخر أنه إذا كان قبل المهرجان بشهر فاستقبل العقرب وقت صلاة العشاء الأخيرة فإنك تدركها وإذا

 

ج / 1 ص -554-       ...............................
_________________
جعلت بنات نعش الصغرى على أذنك اليمنى وانحرفت قليلا إلى شمالك فإنك تدركها.
وذكر بعضهم أن أقوى الأدلة القطب وهو نجم صغير في بنات نعش الصغرى بين الفرقدين والجدي إذا جعله الواقف خلف أذنه اليمنى كان مستقبلا القبلة إن كان بناحية الكوفة وبغداد وهمدان وقزوين وطبرستان وجرجان وما والاها إلى نهر الشاش ويجعله من بمصر على عاتقه الأيسر ومن بالعراق على عاتقه الأيمن فيكون مستقبلا باب الكعبة وباليمن قبالة المستقبل مما يلي جانبه الأيسر وبالشام وراءه وفي معرفة الجهة أقوال أخرى مذكورة في الخانية وغيرها أطلق في الاكتفاء بالجهة فأفاد أنه لا يشترط نية الكعبة وشرطها الجرجاني بناء على أن الفرض إصابة العين للقريب والبعيد ولا يمكن إصابة العين للبعيد إلا من حيث النية فانتقل ذلك إليها وذهب العامة إلى عدم اشتراط إصابة العين فلا يشترط نيتها لعدم الحاجة إلى ذلك فإن إصابة الجهة تحصل من غير نية العين.
فالحاصل أن نية استقبال القبلة ليست بشرط على الصحيح من المذهب سواء كان الفرض إصابة العين في حق المكي أو إصابة الجهة في حق غيره كما صححه في التحفة والتجنيس والخلاصة وغيرها.
حتى قال في البدائع الأفضل أن لا ينوي الكعبة لاحتمال أن لا تحاذي هذه الجهة الكعبة فلا تجوز صلاته وإنما كان هذا هو الصحيح؛ لأن استقبالها شرط من الشرائط فلا يشترط فيه النية

 

ج / 1 ص -555-       ...............................
_________________
كالوضوء وغيره وعلى هذا فقولهم لو نوى بناء الكعبة لا يجوز؛ لأن المراد بالكعبة العرصة لا البناء إلا أن يريد بالبناء جهة الكعبة فيجوز ذكره في المحيط وغيره، وقولهم ولو نوى أن قبلته محراب مسجده لا يجوز؛ لأنه علامة وليس بقبلة كما في الخانية وقولهم: لو نوى مقام إبراهيم ولم ينو الكعبة قيل: لا يجوز إلا أن ينوي الجهة وقيل: إن لم يكن الرجل أتى مكة أجزأه وإلا لا يجوز واختاره في الخانية و البدائع والمحيط مبني على الضعيف الشارط للنية، أما على الصحيح فيجوز كما ذكره ابن أمير حاج وذكر عن بعضهم أن ثمرة الخلاف عند أصحابنا تظهر أيضا في الانحراف قليلا فمن قال الفرض التوجه إلى العين لم تصح صلاته ومن قال الجهة صححها وسيأتي في باب الصلاة في الكعبة أن الصواب أن يقال القبلة هي العرصة لا الكعبة؛ لأنها البناء وفي الفتاوى الانحراف المفسد أن يجاوز المشارق إلى المغارب.
وفي التجنيس وإذا حول وجهه لا تفسد صلاته وتفسد بصدره قيل هذا أليق بقولهما، أما عنده فلا تفسد في الوجهين بناء على أن الاستدبار إذا لم يكن على قصد الرفض لا تفسد ما دام في المسجد عنده خلافا لهما حتى لو انصرف عن القبلة على ظن الإتمام فتبين عدمه بنى ما دام في المسجد عنده خلافا لهما. ا هـ.
وفي فتح القدير ولقائل أن يفرق بينهما بعذره هناك وتمرده هنا والحاصل أن المذهب أنه إذا حول صدره فسدت وإن كان في المسجد إذا كان من غير عذر كما عليه عامة الكتب وفي الظهيرية ومن صلى إلى غير جهة الكعبة متعمدا لا يكفر هو الصحيح؛ لأن ترك جهة الكعبة جائز في الجملة بخلاف الصلاة بغير طهارة لعدم الجواز بغير طهارة بحال واختاره الصدر الشهيد.
والحاصل أن حكم الفرض لزوم الكفر بجحده لا بتركه، وإنما قال أبو حنيفة بالكفر في هذه المسائل بمجرد الترك عمدا للزوم الاستهزاء به والاستخفاف وهو يقتضي أنه لا فرق في المسائل إذ لا أثر لعدم الجواز في شيء من الأحوال بل الموجب للإكفار هو الاستهانة وهو ثابت في الكل وإلا فهو منتف في الكل وألحق في فتح القدير الصلاة في الثوب النجس كالصلاة بغير طهارة وهو مشكل فإن بعض أئمة المالكية يقول بأن إزالتها سنة لا فرض ولا يكفر بجحد المختلف فيه فكيف يتركه من غير جحد كما أشار إليه قاضي خان في فتاويه.
وحكي في الذخيرة الاختلاف فيما إذا صلى بغير طهارة، ثم قال ولو ابتلي إنسان بذلك

 

ج / 1 ص -556-       والخائف يصلي إلى أي جهة قدر ومن اشتبهت عليه القبلة تحرى
_________________
لضرورة بأن كان مع قوم فأحدث واستحيا أن يظهر فكتم ذلك وصلى هكذا أو كان بقرب العدو فقام يصلي وهو غير طاهر قال بعض مشايخنا لا يكون كافرا لأنه غير مستهزئ ومن ابتلي بذلك لضرورة أو لحياء ينبغي أن لا يقصد بالقيام قيام الصلاة ولا يقرأ شيئا وإذا حنى ظهره لا يقصد الركوع ولا يسبح حتى لا يصير كافرا بالإجماع.
" قوله: والخائف يصلي إلى أي جهة قدر " لأن استقبال القبلة شرط زائد يسقط عند العجز والفقه فيه أن المصلي في خدمة الله تعالى ولا بد من الإقبال عليه، والله سبحانه منزه عن الجهة فابتلاه بالتوجه إلى الكعبة؛ لأن العبادة ليست لها ولهذا لو سجد للكعبة نفسها كفر فلما اعتراه الخوف تحقق العذر فأشبه حالة الاشتباه في تحقق العذر فيتوجه إلى أي جهة قدر؛ لأن الكعبة لم تعتبر لعينها بل للابتلاء وهو حاصل بذلك أطلقه فشمل الخوف من عدو أو سبع أو لص وسواء خاف على نفسه أو على دابته وأراد بالخائف من له عذر فيشمل المريض إذا كان لا يقدر على التوجه وليس عنده من يحوله إليها أو كان التحويل يضره والتقييد بعدم وجود من يحوله جرى على قولهما، أما عنده فالقادر بقدرة غيره ليس بقادر كما عرف في التيمم ويشمل ما إذا كان على لوح في السفينة يخاف الغرق إذا انحرف إليها وما إذا كان في طين وردغة لا يجد على الأرض مكانا يابسا أو كانت الدابة جموحا لو نزل لا يمكنه الركوب إلا بمعين أو كان شيخا كبيرا لا يمكنه أن يركب إلا بمعين ولا يجده فكما تجوز له الصلاة على الدابة ولو كانت فرضا وتسقط عنه الأركان كذلك يسقط عنه التوجه إلى القبلة إذا لم يمكنه ولا إعادة عليه إذا قدر، فالحاصل أن الطاعة بحسب الطاقة.
" قوله: ومن اشتبهت عليه القبلة تحرى " أي إذا عجز عن تعرف القبلة بغير التحري لزمه التحري وهو بذل المجهود لنيل المقصود؛ لأن الصحابة تحروا وصلوا وقيل في قوله تعالى:
{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}[البقرة:115] أي قبلته أنها نزلت في الصلاة حالة الاشتباه قيدنا بالعجز عن التعرف إلا به؛ لأنه لو قدر على تعرف القبلة بالسؤال من أهل ذلك الموضع ممن هو عالم بالقبلة فلا يجوز له التحري؛ لأن الاستخبار فوقه لكون الخبر ملزما له ولغيره والتحري ملزم له دون غيره فلا يصار إلى الأدنى مع إمكان الأعلى بخلاف ما إذا لم يكن من أهله فإنه لا يقلده؛ لأن  كحاله، فإن لم يخبره المستخبرين سأله فصلى بالتحري، ثم أخبره لا يعيد ولو كان مخطئا وبناء على هذا ما ذكر في التجنيس تحرى فأخطأ فدخل في الصلاة وهو لا يعلم،

 

ج / 1 ص -557-       ...............................
_________________
ثم علم وحول وجهه إلى القبلة فدخل رجل في صلاته، وقد علم حالته الأولى لا تجوز صلاة الداخل لعلمه أن الإمام كان على الخطأ في أول الصلاة. ا هـ. وكذا إذا كان في المفازة والسماء مصحية وله علم بالاستدلال بالنجوم على القبلة لا يجوز له التحري؛ لأن ذلك فوقه.
وفي الظهيرية رجل صلى بالتحري إلى الجهة في المفازة والسماء مصحية لكنه لا يعرف النجوم فتبين أنه أخطأ القبلة هل يجوز قال رضي الله عنه قال أستاذنا ظهير الدين المرغيناني يجوز وقال غيره لا يجوز؛ لأنه لا عذر لأحد في الجهل بالأدلة الظاهرة المعتادة نحو الشمس والقمر وغير ذلك، أما دقائق علم الهيئة وصور النجوم الثوابت فهو معذور في الجهل بها. ا هـ.
فالحاصل أن محل التحري أن يعجز عن الاستقبال بانطماس الأعلام وتراكم الظلام وتضام الغمام كما ذكره المصنف في كافيه وهو يرجح ما في الظهيرية من أن السماء إذا كانت مصحية لا يجوز التحري ولا يعذر بالجهل وذكر الشارح أنه لا يجوز التحري مع المحاريب.
وفي الظهيرية رجل اشتبهت عليه القبلة في المسجد ولم يكن أحد يعرفه القبلة قال في الأصول يجوز له التحري؛ لأنه عجز عمن يسأله فصار كالمفازة وقال أئمة بلخ منهم الفقيه أبو جعفر لا تجوز له الصلاة بالتحري وعلل فقال إن هذه نائبة العقبى فتعتبر بنائبة الدنيا ولو حدثت به نائبة الدنيا فإنه يستغيث بجيران المسجد كذلك هاهنا يجب أن يستغيث بهم وإن كان في مسجد نفسه قال بعضهم هو كالبيت لا يجوز له التحري وقال بعضهم مسجده ومسجد غيره سواء وروى أبو جعفر عن سلام بن حكيم أنه قال محاريب خراسان كلها منصوبة إلى الحجر الأسود والحجر الأسود إلى ميسرة الكعبة ومن توجه إلى الكعبة ومال بوجهه إلى ميسرة الكعبة وقع وجهه إلى جبل أبي قبيس ومن مال بوجهه إلى يمينها وقع وجهه إلى الكعبة ولهذا قيل: يجب أن يميل إلى يمينها قال ومحاريب الدنيا كلها نصبت بالتحري حتى منى ولم يزد عليه شيئا وهذا خلاف ما نقل عن أبي بكر الرازي في محراب المدينة أنه مقطوع به فإنه إنما نصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوحي بخلاف سائر البقاع حتى قيل: إن محراب منى نصب بالتحري والعلامات وهو أقرب المواضع إلى مكة. ا هـ. وبهذا تبين أن قولهم لغير المكي إصابة جهتها ليس على إطلاقه بل في غير المدني فإن المدني كالمكي يفترض عليه إصابة عينها كما صرح به

 

ج / 1 ص -558-       ...............................
_________________
في السراج الوهاج أيضا وأطلق في الاشتباه فشمل ما إذا كان بمكة أو بالمدينة بأن كان محبوسا ولم يكن بحضرته من يسأله فصلى بالتحري، ثم تبين أنه أخطأ روي عن محمد أنه لا إعادة عليه وكان الرازي يقول تلزمه الإعادة؛ لأنه تيقن بالخطأ إذا كان بمكة أو بالمدينة والأول أحسن، كذا في الظهيرية.
وفي فتاوى قاضي خان رجل صلى في المسجد في ليلة مظلمة بالتحري فتبين أنه صلى إلى غير القبلة جازت صلاته؛ لأنه ليس له أن يقرع أبواب الناس للسؤال عن القبلة ولا يعرف القبلة بمس الجدران والحيطان؛ لأن الحائط لو كانت منقوشة لا يمكنه تمييز المحراب من غيره وعسى يكون ثم هامة مؤذية فجاز له التحري ا هـ. وقيد بالاشتباه؛ لأنه لو صلى في الصحراء إلى جهة من غير شك ولا تحر إن تبين أنه أصاب أو كان أكبر رأيه أو لم يظهر من حاله شيء حتى ذهب عن الموضع فصلاته جائزة وإن تبين أنه أخطأ أو كان أكبر رأيه فعليه الإعادة وقيد بالتحري؛ لأن من صلى ممن اشتبهت عليه بلا تحر فعليه الإعادة إلا إن علم بعد الفراغ أنه أصاب؛ لأن ما افترض لغيره يشترط حصوله لا تحصيله وإن علم في الصلاة أنه أصاب يستقبل خلافا لأبي يوسف لما ذكرنا قلنا حالته قويت بالعلم وبناء القوي على الضعيف لا يجوز، أما لو تحرى وصلى إلى غير جهة التحري ففي الخلاصة والخانية عن أبي حنيفة أنه يخشى عليه الكفر لإعراضه عن القبلة وفي الذخيرة اختلف المشايخ في كفره؛ لأنه صارت قبلة في حقه.
 وفي الظهيرية وظن بعض أصحابنا أن الجهة التي أدى إليها التحري قبلة على الحقيقة وعندنا وهذا غير مرضي ففيه قول بأن كل مجتهد يصيب الحق لا محالة ولا نقول به لكن المجتهد يخطئ مرة ويصيب أخرى. ا هـ. وأما صلاته فلا تجزئه وإن أصاب مطلقا خلافا لأبي يوسف.
وفي فتح القدير هي مشكلة على قولهما؛ لأن تعليلهما في هذه وهو أن القبلة في حقه جهة التحري، وقد تركها يقتضي الفساد مطلقا في صورة ترك التحري؛ لأن ترك جهة التحري تصدق مع ترك التحري وتعليلهما في تلك بأن ما فرض لغيره يشترط مجرد حصوله كالسعي يقتضي الصحة في هذه وعلى هذا لو صلى في ثوب وعنده أنه نجس، ثم ظهر أنه طاهر أو صلى وعنده أنه محدث فظهر أنه متوضئ أو صلى الفرض وعنده أن الوقت لم يدخل فظهر أنه كان قد دخل لا يجزئه؛ لأنه لما حكم بفساد صلاته بناء على دليل شرعي وهو تحريه فلا ينقلب جائزا إذا ظهر خلافه وهذا التعليل يجري في مسألة العدول عن جهة التحري إذا ظهر صوابه وبه يندفع

 

ج / 1 ص -559-       وإن أخطأ لم يعد
____________
الإشكال الذي أوردناه؛ لأن دليل الشرع على الفساد هو التحري أو اعتقاد الفساد عن التحري فإذا حكم بالفساد دليل شرعي لزم وذلك منتف في صورة ترك التحري فكان ثبوت الفساد فيها قبل ظهور الصواب إنما هو لمجرد اعتقاده الفساد فيؤاخذ باعتقاده الذي ليس بدليل إذا لم يكن عن تحر.
وفي فتاوى العتابي تحرى فلم يقع تحريه على شيء قيل يؤخر وقيل يصلي إلى أربع جهات وقيل يخير.
وفي الظهيرية ولو تحرى رجل واستوى الحالان عنده ولم يتيقن بشيء ولكن صلى إلى جهة إن ظهر أنه أصاب القبلة جاز وإن ظهر أنه أخطأ فكذلك وإن لم يظهر له شيء جازت صلاته.
وفي الخلاصة وعن محمد لو صلى أربع ركعات إلى أربع جهات جاز، ثم اختلف المتأخرون فيما إذا تحول رأيه إلى الجهة الأولى بالتحري فمنهم من قال يتم الصلاة ومنهم من قال يستقبل. ا هـ.
وفي البغية لو صلى إلى جهة بتحر، ثم تحول رأيه في الركعة الثانية إلى جهة أخرى فتحول وتذكر أنه ترك سجدة من الركعة الأولى فسدت صلاته.
وفي الظهيرية ويجوز التحري لسجدة التلاوة كما يجوز للصلاة.
"قوله: وإن أخطأ لم يعد"؛ لأنه أتى بالواجب في حقه وهو الصلاة إلى جهة تحريه بخلاف من توضأ بماء أو صلى في ثوب على ظن أنه طاهر، ثم تبين أنه نجس حيث يعيد الصلاة لأنه ترك ما أمر به وهو الصلاة في ثوب طاهر وعلى طهارة وهو قد أتى بما أمر به وهو التحري.
وفي الكافي ما يدل على جواز التحري في الأواني والثياب وفيه تفصيل مذكور في الظهيرية قال ويجوز التحري في الثوب الواحد حالة الضرورة والثوبين والثياب وإن كان النجس غالبا وفي الإناءين لا يجوز إلا رواية عن أبي يوسف لكنه إذا توضأ بهما واحدا بعد واحد وصلى ينظر إن توضأ بالأول وصلى جاز؛ لأن وضوءه من الأول تحر منه أنه طاهر كما لو قال لامرأتيه إحداكما طالق، ثم وطئ إحداهما تعينت الأخرى للطلاق فلو توضأ بالثاني، ثم صلى ينبغي أن لا تجوز صلاته؛ لأنه توضأ بماء نجس وإن لم يحدث ولم يصل بعدما توضأ من الأول حتى توضأ بالثاني قال عامتهم لا يجوز؛ لأن أعضاءه صارت نجسة وقال بعضهم يجوز وهو الصحيح؛ لأنه لما لم يجز التحري عندنا لغلبة النجاسة أو لاستواء الطاهر بالنجس يهريق المياه

 

ج / 1 ص -560-       وإن علم به في صلاته استدار
_________________
كلها ويتيمم ويصلي أو يخلط المياه كلها حتى تصير المياه كلها نجسة، ثم يتيمم احترازا عن إضاعة الماء ولو لم يهرقها جاز له التيمم قالوا هذا قول أبي حنيفة وقالا: لا يجوز تيممه إلا بعد الإراقة وقال ابن زيادة يخلطها، ثم يتيمم وإن كان عند ثلاثة ثلاث أو أن أحدها نجس ووقع تحري كل واحد منهم على إناء جازت صلاتهم فرادى ولو كان أحدهما سؤر حمار والآخر طاهرا يتوضأ بهما ولا يتيمم ا هـ.
" قوله: وإن علم به في صلاته استدار " أي إن علم بالخطأ؛ لأن تبدل الاجتهاد بمنزلة تبدل النسخ، وقد روي أن قوما من الأنصار كانوا يصلون بمسجد قباء إلى بيت المقدس فأخبروا بتحول القبلة فاستداروا كهيئتهم وفيه دليل على جواز نسخ الكتاب السنة إذ لا نص على بيت المقدس في القرآن فعلم أنه كان ثابتا بالسنة، ثم نسخ بالكتاب وعلى أن حكم النسخ لا يثبت حتى يبلغ المكلف وعلى أن خبر الواحد يوجب العمل، كذا ذكر الشارح وفي كون بيت المقدس ثبت التوجه إليه بالسنة فقط بحث بل في القرآن العظيم ما يدل عليه فإنه قال تعالى:
{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا}[البقرة:142] قال المفسرون هي بيت المقدس، ثم مسائل حسن التحري في القبلة على عشرين وجها؛ لأنه لا يخلو إما أن لم يشك ولم يتحر أو شك وتحرى أو شك ولم يتحر أو تحرى ولم يشك وكل وجه على خمسة؛ لأنه إما أن يظهر أنه أصاب في الصلاة أو بعد الفراغ أو أخطأ في الصلاة أو بعدها أو لم يظهر شيء.
أما الأول، فإن ظهر أنه أخطأ لزمه الاستقبال سواء كان في الصلاة أو بعد الفراغ منها وإن ظهر أنه أصاب قبل الفراغ ففيه اختلاف فذهب الإمام محمد بن الفضل إلى أنه يلزمه الاستقبال؛ لأن افتتاحه كان ضعيفا، وقد قوي حاله بظهور الصواب ولا يبني القوي على الضعيف والصحيح كما في المبسوط والخانية أنه لا يلزمه الاستقبال؛ لأن صلاته كانت جائزة ما لم يظهر الخطأ فإذا تبين أنه أصاب لا يتغير حاله وإن تبين بعد الفراغ أنه أصاب بيقين أو بأكبر رأيه أو لم

 

ج / 1 ص -561-       ولو تحرى قوم جهات وجهلوا حال إمامهم يجزئهم
_________________
يظهر من حاله شيء حتى غاب عن ذلك الموضع فصلاته جائزة؛ لأن الأصل الجواز ولم يوجد ما يرفعه.
وأما الثاني وهو ما إذا شك وتحرى فحكمه ما ذكر في الكتاب وهو الصحة في الوجوه الخمس وأما الثالث وهو ما إذا شك ولم يتحر فهي فاسدة في الوجوه كلها إلا إذا تبين له بعد الفراغ أنه أصاب القبلة بيقين، فإن كان أكبر رأيه أنه أصابها قال قاضي خان اختلفوا فيه قال شمس الأئمة السرخسي الصحيح أنه لا تجوز صلاته.
وأما الرابع فهو فاسد الوضع؛ لأن التحري إنما يكون عند الشك فإذا لم يشك لم يتحر فلذا لم يذكروه وفي الظهيرية ولو صلى بالتحري وخلفه نائم ومسبوق فبعد فراغ الإمام تحول رأيهما إلى جهة أخرى فالمسبوق يتحول إلى الجهة التي وقع تحريه إليها واللاحق تفسد صلاته قيد بتحويل الرأي في أمر القبلة؛ لأنه لو تحرى في الثوبين فصلى في أحدهما بالتحري، ثم تحول تحريه إلى ثوب آخر فكل صلاة صلاها في الثوب الأول جازت دون الثاني، كذا في الظهيرية.
" قوله: ولو تحرى قوم جهات وجهلوا حال إمامهم يجزئهم "؛ لأن القبلة في حقهم جهة التحري وهذه المخالفة غير مانعة لصحة الاقتداء كما في جوف الكعبة فإنه لو جعل بعض القوم ظهره إلى ظهر الإمام صح قيد بجهلهم إذ لو علم واحد منهم حال إمامه حالة الأداء وخالف جهته لم تجز صلاته؛ لأنه اعتقد إمامه على الخطأ بخلاف جوف الكعبة؛ لأنه ما اعتقد إمامه مخطئا إذ الكل قبله ولم يقيد المصنف بعدم تقدم أحد على الإمام؛ لأن من المعلوم أن من تقدم على إمامه فسدت صلاته كما في جوف الكعبة لتركه فرض المقام وهذه المسألة من مسائل الجامع الصغير وهي في كتاب الأصل أتم فإنه قال لو أن جماعة صلوا في المفازة عند اشتباه القبلة بالتحري وتبين أنهم صلوا إلى جهات مختلفة قال من تيقن مخالفة إمامه في الجهة حالة الأداء لم تجز صلاته ومن لم يعلم عند الأداء أنه يخالف إمامه في الجهة فصلاته صحيحة فشرط أن يكون في المفازة وهو يدل على أن التحري لا يجوز في القرية والمصر من غير سؤال، وقد أسلفناه وأفاد أن علمه بالمخالفة بعد الأداء لا يضر والله أعلم.

 

ج / 1 ص -562-       باب صفة الصلاة
فرضها التحريمية
_________________
" باب صفة الصلاة ".
شروع في المقصود بعد الفراغ من مقدماته. قيل: الصفة والوصف في اللغة واحد وفي عرف المتكلمين بخلافه، والتحرير أن الوصف لغة ذكر ما في الموصوف من الصفة، والصفة هي ما فيه ولا ينكر أنه يطلق الوصف ويراد الصفة وبهذا لا يلزم الاتحاد لغة إذ لا شك في أن الوصف مصدر وصفه إذا ذكر ما فيه، ثم المراد هنا بصفة الصلاة الأوصاف النفسية لها وهي الأجزاء العقلية الصادقة على الخارجية التي هي أجزاء الهوية من القيام الجزئي والركوع والسجود كذا في فتح القدير، وليس هذا من باب قيام العرض بالعرض؛ لأن الأحكام الشرعية لها حكم الجواهر، ولهذا توصف بالصحة والفساد والبطلان والفسخ كذا في غاية البيان وفي السراج الوهاج.
ثم اعلم أنه يشترط لثبوت الشيء ستة أشياء: العين وهي ماهية الشيء والركن وهو جزء الماهية والحكم وهو الأثر الثابت بالشيء ومحل ذلك الشيء وشرطه وسببه فلا يكون الشيء ثابتا إلا بوجود هذه الأشياء الستة، فالعين هنا الصلاة، والركن القيام والقراءة والركوع والسجود، والمحل للشيء هو الآدمي المكلف، والشرط هو ما تقدم من الطهارة وغيرها، والحكم جواز الشيء وفساده وثوابه، والسبب الأوقات، ومعنى صفة الصلاة أي ماهية الصلاة.
" قوله: فرضها التحريمة " أي ما لا بد منه فيها فإن الفرض شرعا ما لزم فعله بدليل قطعي أعم من أن يكون شرطا أو ركنا والتحريم جعل الشيء محرما وخصت التكبيرة الأولى بها؛ لأنها تحرم الأشياء المباحة قبل الشروع بخلاف سائر التكبيرات والدليل على فرضيتها قوله تعالى:
{وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}[المدثر:3] جاء في التفسير أن المراد به تكبيرة الافتتاح ولأن الأمر للإيجاب وما وراءها ليس بفرض فتعين أن تكون مرادة لئلا يؤدي إلى تعطيل النص، وما رواه أبو داود وغيره عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم"، ثم اختلفوا هل هي شرط أو ركن؟ ففي الحاوي هي شرط في

 

ج / 1 ص -563-       ...............................
_________________
أصح الروايتين وجعله في البدائع قول المحققين من مشايخنا، وفي غاية البيان قول عامة المشايخ وهو الأصح واختار بعض مشايخنا منهم عصام بن يوسف والطحاوي أنها ركن وبه قال الشافعي؛ لأنها ذكر مفروض في القيام فكان ركنا كالقراءة، ولهذا شرط لها ما شرط لسائر الأركان من الطهارة وستر العورة واستقبال القبلة، ووجه الأصح وهو المذهب عطف الصلاة عليها في قوله تعالى:
{وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}[الأعلى:15] ومقتضى العطف المغايرة والمغايرة وإن كانت ثابتة على القول بركنيتها أيضا؛ لأنه حينئذ يكون من باب عطف الكل على الجزء وهو نظير عطف العام على الخاص لكن جوازه لنكتة بلاغية، وهي غير ظاهرة هنا فيلزم أن لا يكون التكبير منها فهو شرط وهو المطلوب ومراعاة الشرائط المذكورة ليس لها بل للقيام المتصل بها وهو ركن إن سلمنا مراعاتها وإلا فهو ممنوع فتقديم المنع على التسليم أولى كذا في التلويح فالأولى أن يقال لا نسلم مراعاتها فإنه لو أحرم إلى آخره ولئن سلمنا فهي ليس لها بل إلى آخره فإنه لو أحرم حاملا للنجاسة فألقاه عند فراغه منها أو منحرفا عن القبلة فاستقبلها عند الفراغ منها أو مكشوف العورة فسترها عند فراغه من التكبير بعمل يسير أو شرع في التكبير قبل ظهور الزوال، ثم ظهر عند فراغه منها جاز.
وفي الحاوي والذي يؤيد أنها شرط انعقاد الجمعة مع عدم مشاركة القوم الإمام فيها. وثمرة الاختلاف تظهر في بناء النفل على تحريمة الفرض فيجوز عند القائلين بالشرطية ولا يجوز عند القائلين بالركنية، وقول الشارح إنه يجوز بالإجماع بين أصحابنا، فيه نظر، فإن القائلين بالركنية من أصحابنا لا يجوزونه، وأما بناء الفرض على الفرض أو على النفل فهو جائز عند صدر الإسلام لما علمت أنها شرط كالطهارة ولا يجوز على الظاهر من المذهب كالنية ليست من الأركان ومع هذا لا يجوز أداء صلاة بنية صلاة أخرى إجماعا، وأما أداء النفل بتحريمة النفل فلا شك في صحته اتفاقا لما أن الكل صلاة واحدة بدليل أن القعود لا يفترض إلا في آخرها على الصحيح، وقولهم: إن كل ركعتين من النفل صلاة، لا يعارضه؛ لأنه في أحكام دون أخرى، وفي المحيط الأخرس والأمي افتتحا بالنية أجزأهما؛ لأنهما أتيا بأقصى ما في وسعهما، وفي شرح منية المصلي ولا يجب عليهما تحريك اللسان عندنا وهو الصحيح، ولو

 

ج / 1 ص -564-       والقيام
_________________
قال المصنف فرضها التحريمة قائما لكان أولى؛ لأن الافتتاح لا يصح إلا في حالة القيام حتى لو كبر قاعدا، ثم قام لا يصير شارعا؛ لأن القيام فرض حال الافتتاح كما بعده، ولو جاء إلى الإمام وهو راكع فحنى ظهره، ثم كبر إن كان إلى القيام أقرب يصح، وإن كان إلى الركوع أقرب لا يصح، ولو أدرك الإمام راكعا فكبر قائما وهو يريد تكبيرة الركوع جازت صلاته؛ لأن نيته لغت فبقي التكبير حالة القيام، ولو كبر قبل إمامه لا تجوز صلاته ما لم يجدد؛ لأنه اقتدى بمن ليس في الصلاة فلا يدخل في صلاته ولا في صلاة نفسه على الصحيح؛ لأنه قصد المشاركة وهي غير صلاة الانفراد ولو افتتح ب " الله " قبل إمامه لم يصر شارعا في صلاته؛ لأنه صار شارعا في صلاة نفسه قبل شروع الإمام، ولو مد الإمام التكبير وحذف رجل خلفه ففرغ قبل فراغ الإمام أجزأه على قياس قولهما وعلى قول أبي يوسف لا يجزئه، ولو كبر المؤتم ولم يعلم أنه كبر قبل الإمام أو بعده فإن كان أكبر رأيه أنه كبر قبله لا يجزئه وإلا أجزأه؛ لأن أمره محمول على الصلاح حتى يتبين الخطأ بيقين أو بغالب الظن، كذا في المحيط، والمراد بقولهما: أن الشروع يصح ب " الله " بدون " أكبر "، وقال أبو يوسف لا يصح إلا بهما كما صرح به في التجنيس هنا.
وبهذا علم أن ما في فتح القدير من قوله ففرغ الإمام قبله، سبق قلم والصواب ففرغ المقتدي قبله أي قبل تكبير الإمام، كما في التجنيس والمحيط، وقوله: أو كبر قبله غير عالم بذلك، سهو؛ لأن المقتدي إذا كبر قبل الإمام لا يقال فيه جاز في قياس قولهما لا قول أبي يوسف، وإنما حكمه ما ذكرناه عن المحيط، وكذا في التجنيس مسألة ما إذا مد الإمام التكبير ولم يضم إليه مسألة ما إذا كبر قبله وذكر الشارح في باب الإحرام أن الشروع في الصلاة بالنية عند التكبير لا بالتكبير
" قوله: والقيام " لقوله تعالى:
{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}[البقرة:238] أي مطيعين، والمراد به القيام في الصلاة بإجماع المفسرين، وهو فرض في الصلاة للقادر عليه في الفرض وما هو ملحق به، واتفقوا على ركنيته وحد القيام أن يكون بحيث إذا مد يديه لا تنال ركبتيه كذا في السراج الوهاج.
ثم اعلم، أن قولهم: أن القيام فرض في الفرض للقادر عليه، ليس على عمومه بل يخرج منه مسألة يستوي فيها القيام والقعود للقادر على القيام، ومسائل يتعين فيها ترك القيام.
أما الأولى: فما صرحوا به في باب صلاة المريض أن المريض لو قدر على القيام دون الركوع والسجود فإنه يخير بين القيام والقعود، وإن كان القعود أفضل فقد سقط عنه القيام مع قدرته عليه.

 

ج / 1 ص -565-       والقراءة
_________________
وأما الثانية: فمنها ما في الذخيرة والمحيط في رجل إن صام رمضان يضعفه ويصلي قاعدا، وإن أفطر يصلي قائما فإنه يصوم ويصلي قاعدا، ومنها ما في منية المصلي شيخ كبير إذا قام سلس بوله أو به جراحة تسيل، وإن جلس لا تسيل يصلي جالسا، قال شارحها: حتى لو صلى قائما لا يجوز، ومنها ما فيها أيضا: لو كان الشيخ بحال لو صلى قائما ضعف عن القراءة يصلي قاعدا بقراءة، ومنها ما في الخلاصة وغيرها: لو كان بحال لو صلى منفردا يقدر على القيام، ولو صلى مع الإمام لا يقدر فإنه يخرج إلى الجماعة ويصلي قاعدا، وهو الأصح كما في المجتبى؛ لأنه عاجز عن القيام حالة الأداء وهي المعتبرة وصحح في الخلاصة أنه يصلي في بيته قائما. قال وبه يفتى واختار في منية المصلي القول الثالث، وهو أنه يشرع قائما، ثم يقعد فإذا جاء وقت الركوع يقوم ويركع والأشبه ما صححه في الخلاصة؛ لأن القيام فرض فلا يجوز تركه لأجل الجماعة التي هي سنة بل يعد هذا عذرا في تركها وقد علم مما ذكرنا أن ركنية القراءة أقوى من الركنية للقيام وسيأتي ما فيه.
" قوله: والقراءة " لقوله تعالى:
{فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}[المزمل:20] وحكى الشارح الإجماع على فرضيتها وهكذا في غاية البيان حتى ادعى أن أبا بكر الأصم القائل بالسنية خرق الإجماع، وهو دليل على انعقاد الإجماع قبله، واختلف في كونها ركنا فذهب الغزنوي صاحب الحاوي القدسي إلى أنها ليست بركن والجمهور إلى أنها ركن غير أنهم قسموا الركن إلى أصلي، وهو ما لا يسقط إلا لضرورة، وزائد، وهو ما يسقط في بعض الصور من غير تحقق ضرورة، وجعلوا القراءة من هذا القسم فإنها تسقط عن المقتدي بالاقتداء عندنا وعن المدرك في الركوع بالإجماع وقد تعقب كون الركن يكون زائدا فإن الركن ما كان داخل الماهية فكيف يوصف بالزيادة وأجاب الأكمل في شرح البزدوي بأنهما باعتبارين فتسميته ركنا باعتبار قيام ذلك الشيء به في حالة بحيث يستلزم انتفاؤه انتفاءه، وتسميته زائدا فلقيامه بدونه في حالة أخرى بحيث لا يستلزم انتفاؤه انتفاءه والمنافاة بينهما إنما هي باعتبار واحد وهذا لأنها ماهية اعتبارية فيجوز أن يعتبرها الشارع تارة بأركان وأخرى بأقل منها، فإن قيل: فيلزمهم على هذا تسمية غسل الرجل ركنا زائدا في الوضوء فالجواب: أن الزائد هو ما إذا سقط لا يخلفه بدل والمسح بدل الغسل فليس بزائد ا هـ. وبهذا خرج الجواب عن بقية أركان الصلاة فإنها تسقط مع

 

ج / 1 ص -566-       والركوع والسجود
_________________
أنها ليست بزوائد لوجود الخلف لها، وذكر في التلويح أن معنى الركن الزائد هو الجزء الذي إذا انتفى كان حكم المركب باقيا بحسب اعتبار الشرع وهذا قد يكون باعتبار الكمية كالإقرار في الإيمان أو باعتبار الكمية كالأقل في المركب منه ومن الأكثر حيث يقال: للأكثر حكم الكل ا هـ.
وقد علم مما ذكرناه أن القيام ركن أصلي والقراءة ركن زائد مع أن القراءة أقوى منه بدليل الفرع الذي ذكرناه عنهم في بحث القيام، وقد يقال: إنما أوجبوا عليه القعود مع القراءة؛ لأن القيام له بدل، وهو القعود، والقراءة لا بدل لها، وقد خالف ابن الملك في شرح المجمع الجم الغفير وجعل القراءة ركنا أصليا، وحد القراءة تصحيح الحروف بلسانه بحيث يسمع نفسه على الصحيح وسيأتي بيان الخلاف فيه وقدر الفرض في الفرض، وفي النفل في فصل القراءة إن شاء الله تعالى.
" قوله: والركوع والسجود " لقوله تعالى:
{ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا}[الحج:77] وللإجماع على فرضيتهما وركنيتهما.
 واختلفوا في حد الركوع ففي البدائع وأكثر الكتب: القدر المفروض من الركوع أصل الانحناء والميل، وفي الحاوي: فرض الركوع انحناء الظهر.
وفي منية المصلي: الركوع طأطأة الرأس، ومقتضى الأول لو طأطأ رأسه ولم يحن ظهره أصلا مع قدرته عليه لا يخرج عن عهدة فرض الركوع، وهو حسن، كذا في شرح منية المصلي، وفيها: الأحدب إذا بلغت حدوبته إلى الركوع يخفض رأسه في الركوع فإنه القدر الممكن في حقه، وحقيقة السجود وضع بعض الوجه على الأرض مما لا سخرية فيه فدخل الأنف وخرج الخد والذقن وما إذا رفع قدميه في السجود فإن السجود مع رفع القدمين بالتلاعب أشبه منه بالتعظيم والإجلال وسيأتي أنه يكفيه وضع أصبع واحدة، وأنه يصح الاقتصار على الجبهة وعلى الأنف وحده وبيان الخلاف في ذلك.
وبما قررناه علم أن تعريف بعضهم السجود بوضع الجبهة ليس بصحيح؛ لأن وضعها ليس بركن؛ لأنه يجوز الاقتصار على الأنف من غير عذر عند أبي حنيفة، وإن كان الفتوى على قولهما، والمراد من السجود: السجدتان فأصله ثابت بالكتاب والسنة والإجماع وكونه مثنى في

 

ج / 1 ص -567-       والقعود الأخير قدر التشهد
_________________
كل ركعة بالسنة والإجماع، وهو أمر تعبدي لم يعقل له معنى على قول أكثر مشايخنا تحقيقا للابتداء: ومن مشايخنا من يذكر له حكمة: فقيل: إنما كان مثنى ترغيما للشيطان حيث لم يسجد فإنه أمر بسجدة فلم يفعل فنحن نسجد مرتين ترغيما له، وقيل الأولى لامتثال الأمر والثانية ترغيما له حيث لم يسجد استكبارا، وقيل: الأولى لشكر الإيمان والثانية لبقائه، وقيل: في الأولى إشارة إلى أنه خلق من الأرض، وفي الثانية إلى أنه يعاد إليها، وقيل: لما أخذ الميثاق على ذرية آدم أمرهم بالسجود تصديقا لما قالوا فسجد المسلمون كلهم وبقي الكفار فلما رفع المسلمون رءوسهم رأوا الكفار لم يسجدوا فسجدوا ثانيا شكرا للتوفيق كما ذكره شيخ الإسلام.
" قوله: والقعود الأخير قدر التشهد " وهي فرض بإجماع العلماء، وقد روى الشيخان وغيرهما من طرق عديدة عن الصحابة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم حين علم الأعرابي المسيء صلاته أركان الصلاة إلى أن قال فإذا رفعت رأسك من آخر سجدة وقعدت قدر التشهد فقد تمت صلاتك قال الشيخ قاسم في شرح الدرر قد وردت أدلة كثيرة بلغت مبلغ التواتر على أن القعدة الأخيرة فرض.
وفي فتح القدير أن قوله تعالى:
{وربك فكبر} وكذا {وقوموا لله} {فاقرأوا} {واركعوا} {واسجدوا} أوامر والمستفاد منها وجوب المذكورات في الصلاة وهي لا تنفي إجمال الصلاة إذ الحاصل حينئذ أن الصلاة فعل يشتمل على هذه. بقي كيفية ترتيبها في الأداء وهل الصلاة هذه فقط أو مع أمور أخر؟ وقع البيان في ذلك كله بفعله صلى الله عليه وسلم وقوله، وهو لم يفعلها قط بدون القعدة الأخيرة والمواظبة من غير ترك مرة دليل الوجوب فإذا وقعت بيانا للفرض أعني الصلاة المجمل كان متعلقها فرضا بالضرورة، ولو لم يقم الدليل في غيرها من الأفعال على سنيته لكان فرضا، ولو لم يلزم تقييد مطلق الكتاب بخبر الواحد في الفاتحة والطمأنينة، وهو نسخ للقاطع بالظني لكانا فرضين، ولولا أنه عليه الصلاة والسلام لم يعد إلى القعدة الأولى لما تركها ساهيا ثم علم لكانت فرضا فقد عرفت أن بعض الصلاة عرف بتلك النصوص ولا إجمال فيها وأنه لا ينفي الإجمال في الصلاة من

 

ج / 1 ص -568-       قدر التشهد، والخروج بصنعه
_________________
وجه آخر فما تعلق بالأفعال نفسها لا يكون بيانا، فإن كان ناسخا للإطلاق وهو قطعي نسخ للعلم بأنه صلى الله عليه وسلم قاله، وهو أدرى بالمراد، وإن لم يكن قطعيا لم يصلح لذلك وإلا لزم تقديم الظني عند معارضة القطعي، وهو لا يجوز في قضية العقل وعما ذكرنا كان تقديم القيام على الركوع، والركوع على السجود فرضا؛ لأنه بينها كذلك ا هـ.
وقوله " قدر التشهد " بيان لقدر الفرض منها، وهو الأصح للعلم بأن شرعيتها لقراءته، وأقل ما ينصرف إليه اسم التشهد عند الإطلاق ذلك وعلى هذا ينشأ إشكال، وهو أن يكون ما شرع لغيره بمعنى أن المقصود من شرعيته غيره يكون آكد من ذلك الغير مما لم يعهد بل وخلاف المعقول، فإذا كان شرعية القعدة للذكر أو السلام كانت دونهما فالأولى أن يعين سبب شرعيتها الخروج كذا في فتح القدير وذكر الولوالجي في آخر فتاواه من مسائل متفرقة رجل صلى أربع ركعات وجلس جلسة خفيفة فظن أن ذلك ثالثة فقام، ثم تذكر فجلس وقرأ بعض التشهد وتكلم إن كان كلا الجلستين مقدار التشهد جازت صلاته، وإن كانت أقل فسدت ا هـ. وبهذا علم أن القعود قدر التشهد لا يشترط فيه الموالاة وعدم الفاصل، ثم بعد الاتفاق على فرضيتها اختلفوا في ركنيتها، فقال: بعضهم هي ركن من الأركان الأصلية.
قال في البدائع وإليه مال عصام بن يوسف والصحيح أنها ليست بركن أصلي لعدم توقف الماهية عليها شرعا؛ لأن من حلف لا يصلي يحنث بالرفع من السجود دون توقف على القعدة فعلم أنها شرعت للخروج وهذا لأن الصلاة أفعال وضعت للتعظيم وهي بنفسها غير صالحة للخدمة؛ لأنها من باب الاستراحة فتمكن الخلل في كونها ركنا أصليا ولم أر من تعرض لثمرة هذا الاختلاف ا هـ.
" قوله: والخروج بصنعه " أي الخروج من الصلاة قصدا من المصلي بقول أو عمل ينافي الصلاة بعد تمامها فرض، سواء كان ذلك قوله السلام عليكم ورحمة الله كما تعينه لذلك هو الواجب، أو كان فعلا مكروها كراهة تحريم ككلام الناس أو أكل أو شرب أو مشي، وإنما كان مكروها كراهة تحريم لكونه مفوتا للواجب، وهو السلام، وهذا الفرض مختلف فيه فما ذكره المصنف إنما هو على تخريج أبي سعيد البردعي فإنه فهم من قول أبي حنيفة بالفساد في

 

ج / 1 ص -569-       ...............................
_________________
المسائل الاثنى عشرية أن الخروج منها بفعله فرض وعلل له بأن إتمامها فرض بالإجماع وإتمامها بإنهائها، وإنهاؤها لا يكون إلا بمنافيها؛ لأن ما كان منها لا ينهيها وتحصيل المنافي صنع المصلي فيكون فرضا وفهم من قولهما بعدم الفساد فيها بأنه ليس بفرض وعلل له بأن الخروج بصنعه لو كان فرضا لتعين بما هو قربة كسائر فرائض الصلاة وذلك منتف؛ لأنه قد يكون بما هو معصية كالقهقهة والحدث والكلام العمد فلا يجوز وصفه بالفرض، وذهب الكرخي إلى أنه لا خلاف بينهم في أن الخروج بفعل المصلي ليس بفرض ولم يرو عن أبي حنيفة بل هو حمل من أبي سعيد كما ذكرناه، وهو غلط؛ لأنه لو كان فرضا لاختص بما هو قربة وسيأتي وجه الفساد عنده في المسائل المذكورة في محله إن شاء الله تعالى وصحح الشارح وغيره قول الكرخي.
وفائدة الخلاف على رأي البردعي تظهر فيما إذا سبقه الحدث بعدما قعد قدر التشهد في القعدة الأخيرة فإن صلاته تامة فرضا عندهما وعند أبي حنيفة لم تتم صلاته فرضا فيتوضأ ويخرج منها بفعل مناف لها فلو لم يتوضأ ولم يأت بالسلام حتى أتى بمناف فسدت عنده لا عندهما واتفقوا على الوضوء والسلام كذا في منية المصلي وشرحها، وفيه نظر سنذكره إن شاء الله تعالى.
ثم اعلم أن هذه الفرائض المذكورة إذا أتى بها نائما فإنها لا تحتسب بل يعيدها كما إذ قرأ نائما أو ركع نائما وهذه المسألة يكثر وقوعها لا سيما في التراويح كذا في منية المصلي.
والحاصل أنهم اختلفوا في أن قراءة النائم في صلاته هل يعتد بها؟ فقيل نعم واختاره الفقيه أبو الليث؛ لأن الشرع جعل النائم كالمستيقظ في الصلاة تعظيما لأمر المصلي واختار فخر الإسلام وصاحب الهداية وغيرهما أنها لا تجوز ونص في المحيط والمبتغى على أنه الأصح؛ لأن الاختيار شرط لأداء العبادة ولم يوجد حالة النوم.
قال في فتح القدير والأوجه اختيار الفقيه والاختيار المشروط قد وجد في ابتداء الصلاة، وهو كاف ألا يرى أنه لو ركع وسجد ذاهلا عن فعله كل الذهول أنه يجزئه ا هـ وهذا يفيد أنه لو ركع وسجد حالة النوم يجزئه. وقد نصوا على أنه لا يجزئه. قال في المبتغى ركع وهو نائم لا يجوز إجماعا ا هـ.

 

ج / 1 ص -570-       وواجبها قراءة الفاتحة
_________________
وفرقهم بين القراءة والركوع والسجود بأن كلا من الركوع والسجود ركن أصلي بخلاف القراءة لا يجدي نفعا وعرف من هذا أيضا جواز القيام حالة النوم أيضا، وإن نص بعضهم على عدم جوازه.
وأما القعدة الأخيرة نائما ففي منية المصلي إذا نام في القعدة الأخيرة كلها فلما انتبه عليه أن يقعد قدر التشهد، وإن لم يقعد فسدت صلاته، ويخالفه ما في جامع الفتاوى أنه لو قعد قدر التشهد نائما يعتد بها، وعلل له في التحقيق للشيخ عبد العزيز البخاري بأنها ليست بركن ومبناها على الاستراحة فيلائمها النوم فيجوز أن تحتسب من الفرض بخلاف سائر الأفعال فإن مبناها على المشقة فلا تتأدى في حالة النوم، ويترجح أيضا بما رجحه المحقق في فتح القدير فيما لو قرأ نائما في قولهم لو ركع نائما إشارة إلى أنه لو ركع فنام في ركوعه أنه يجزئه، وهو كذلك بل في المبتغى جاز إجماعا.
وفي المحيط لو نام في ركوعه وسجوده لا يعيد شيئا؛ لأن الرفع والوضع حصل بالاختيار، ثم اعلم، أنه يتفرغ على اشتراط الاختيار في أداء هذه الأفعال المفروضة أن النائم في الصلاة لو أتى بركعة تامة تفسد صلاته؛ لأنه زاد ركعة لا يعتد بها والمسألة في المحيط أيضا والله سبحانه أعلم.
" قوله: وواجبها قراءة الفاتحة " وقالت الأئمة الثلاثة إنها فرض لما في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم
"لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"ولنا قوله تعالى: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ

 

ج / 1 ص -571-       وضم سورة
_________________
الْقُرْآنِ}[المزمل:20] وما في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن" فقد أمر الله ورسوله بقراءة القرآن مطلقا ووافق نص الكتاب القطعي نص السنة فلا يجوز تقييد نص الكتاب القطعي بما رواه من السنة مع ما فيه من كونه ظني الثبوت والدلالة أو ظني الثبوت فقط بناء على أن النفي متسلط على الصحة؛ لأن تقييد إطلاق نص الكتاب بخبر الواحد نسخ له وخبر الواحد لا يصلح ناسخا للقطعي بل يوجب العمل به، وأيضا ثبت عنه المواظبة على قراءة الفاتحة فيها، ولم يقم دليل على تعيينها للفرضية، والمواظبة وحدها كذلك من غير ترك ظاهرا تفيد الوجوب فلا تفسد الصلاة بتركها عامدا أو ساهيا بل يجب عليه سجود السهو جبرا للنقصان الحاصل بتركها سهوا، والإعادة في العمد والسهو إذا لم يسجد لتكون مؤداة على وجه لا نقص فيه فإذا لم يعدها كانت مؤداة أداء مكروها كراهة تحريم، وهذا هو الحكم في كل واجب تركه عامدا أو ساهيا، وبهذا ظهر ضعف ما في المجتبى من قوله: قال أصحابنا إذا ترك الفاتحة في الصلاة يؤمر بإعادة الصلاة، ولو ترك قراءة السورة لا يؤمر بالإعادة ا هـ. إذ لا فرق بين واجب وواجب إلا أن يقال إنه ترك السورة وقرأ ثلاث آيات، وهو بعيد جدا.
ثم اعلم، أنهم قالوا في باب سجود السهو إنه لو ترك أكثر الفاتحة يجب عليه سجود السهو، ولو ترك أقلها لا يجب، وظاهره أن الفاتحة بتمامها ليست بواجبة، وإنما الواجب أكثرها ولا يعرى عن تأمل.
وفي القنية يخاف المصلي فوت الوقت إن قرأ الفاتحة والسورة يجوز أن يقرأ في كل ركعة بآية في جميع الصلوات إن خاف فوت الوقت بالزيادة ا هـ. ثم الفاتحة واجبة في الأوليين من الفرض، وفي جميع ركعات النفل، وفي الوتر والعيدين، وأما في الأخريين من الفرض فسنة كما سيأتي.
" قوله: وضم سورة " وعند الأئمة الثلاثة سنة، ولنا رواية الترمذي مرفوعا
"لا صلاة لمن لم يقرأ بالحمد وسورة في فريضة أو غيرها" أطلق السورة وأراد بها ثلاث آيات؛ لأن أقل سورة

 

ج / 1 ص -572-       وتعيين القراءة في الأوليين ورعاية الترتيب في فعل مكرر
_________________
في كتاب الله تعالى ثلاث آيات قصار كسورة
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}[الكوثر:1] ولم يرد السورة بتمامها بدليل ما سيأتي صريحا في كلامه وهذا الضم واجب في الأوليين من الفرض، وفي جميع ركعات النفل والوتر كالفاتحة، وأما في الأخريين من الفرض فليس بواجب ولا سنة بل هو مشروع فلو ضم السورة إلى الفاتحة في الأخريين لا يكون مكروها كما نقله في غاية البيان عن فخر الإسلام وسيأتي بأوضح من هذا إن شاء الله تعالى.
" قوله: وتعيين القراءة في الأوليين " أي وتعيين الأوليين من الثلاثية والرباعية المكتوبتين للقراءة المفروضة حتى لو قرأ في الأخريين من الرباعية دون الأوليين أو في إحدى الأوليين وإحدى الأخريين ساهيا وجب عليه سجود السهو بناء على أن محل القراءة المفروضة الأوليان عينا، وهو الصحيح كما سيأتي بيانه في باب الوتر والنوافل، وعلى القول بعدم التعين لا فرضا ولا واجبا لا يجب سجود السهو وسيأتي تضعيفه.
ثم اعلم أن في مسألة القراءة الواجبة واجبين آخرين لم يذكرهما المصنف صريحا:
أحدهما: وجوب تقديم الفاتحة على السورة لثبوت المواظبة منه صلى الله عليه وسلم كذلك حتى قالوا لو قرأ حرفا من السورة قبل الفاتحة ساهيا، ثم تذكر يقرأ الفاتحة، ثم السورة ويلزمه سجود السهو، وفي كلام المصنف ما يشير إلى ذلك حيث قال: وضم سورة؛ لأنه يفيد تقديم الفاتحة؛ لأن المضموم إليه شيء يقتضي تأخره عنه. ثانيهما: الاقتصار في الأوليين على قراءة الفاتحة مرة واحدة في كل ركعة حتى إذا قرأها في ركعة منهما مرتين وجب عليه سجود السهو، كذا في الذخيرة وغيرها لكن في فتاوى قاضي خان تفصيل، وهو أنه إذا قرأها مرتين على الولاء وجب السجود، وإن فصل بينهما بالسورة لا يجب واختاره في المحيط والظهيرية والخلاصة وصححه الزاهدي لما أشار إليه في الذخيرة من لزوم تأخير الواجب، وهو السورة على التقدير الأول دون الثاني فإن الركوع ليس واجبا بأثر السورة فإنه لو جمع بين سور بعد الفاتحة لم يجب عليه شيء.
" قوله: ورعاية الترتيب في فعل مكرر " أطلقه هنا وقيده في الكافي بالمتكرر في كل ركعة كالسجدة حتى لو ترك السجدة الثانية وقام إلى الركعة الثانية لا تفسد صلاته وزاد عليه الشارح أو يكون متكررا في جميع الصلاة كعدد الركعات فإن ما يقضيه المسبوق بعد فراغ الإمام أول

 

ج / 1 ص -573-       ...............................
_________________
صلاته عندنا، ولو كان الترتيب فرضا لكان آخرا ا هـ. وهو مردود فإن ما يقضيه المسبوق أول صلاته حكما لا حقيقة وأيضا ليس هو أول صلاته مطلقا بل أولها في حق القراءة وآخرها في حق التشهد على ما سيأتي ولا يصح أن يدخل تحت الترتيب الواجب إذ لا شيء على المسبوق ولا نقص في صلاته أصلا فلذا اقتصر المصنف على المتكرر في كل ركعة، وإنما كان واجبا لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على مراعاة الترتيب فيه وقيام الدليل على عدم فرضيته، وهو ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من قوله
"ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا" ثم قال المصنف في الكافي أما ترتيب القيام على الركوع وترتيب الركوع على السجود ففرض؛ لأن الصلاة لا توجد إلا بذلك وهكذا ذكر الشارح وشراح الهداية وعللوا له بأن ما اتحدت شرعيته يراعى وجوده صورة ومعنى في محله؛ لأنه كذلك شرع فإذا غيره فقد قلب الفعل وعكسه، وقلب المشروع باطل، ولا كذلك ما تعددت شرعيته، وقال المصنف في كافيه من باب سجود السهو إن سجود السهو يجب بأشياء، منها: تقديم ركن بأن ركع قبل أن يقرأ أو سجد قبل أن يركع، ثم قال أما التقديم والتأخير فلأن مراعاة الترتيب واجبة عندنا خلافا لزفر فإذا ترك الترتيب فقد ترك الواجب، وهو ظاهر في التناقض على ما قيل وقد وقع نظيره في الذخيرة حتى استدل به صدر الشريعة في شرح الوقاية على أن الترتيب بين القراءة والركوع واجب بدليل وجوب سجود السهو بتركه حتى قال وليس فيما تكرر قيدا يوجب نفي الحكم عما عداه فإن مراعاة الترتيب في الأركان التي لا تكرر في كل ركعة واحدة أيضا واجب؛ لأنهم قالوا يجب سجود السهو بتقديم ركن وأوردوا لنظيره الركوع قبل القراءة، وسجدة السهو لا تجب إلا لترك الواجب فعلم أن الترتيب بين الركوع والقراءة واجب مع أنهما غير مكررين في ركعة واحدة فعلم أن مراعاة الترتيب واجبة مطلقا، ويخطر ببالي أن المراد بما تكرر: ما تكرر في الصلاة احترازا عما لا يتكرر فيها على سبيل الفرضية، وهو تكبيرة الافتتاح والقعدة الأخيرة فإن مراعاة الترتيب في ذلك فرض ا هـ. وليس كما ظن وليس بين الكلامين تناقض؛ لأن قولهم هنا بأن هذا الترتيب شرط معناه أن الركن الذي هو فيه يفسد بتركه حتى إذا ركع بعد السجود لا يقع معتدا به بالإجماع كما صرح به في

 

ج / 1 ص -574-       ...............................
_________________
النهاية فيلزمه إعادة السجود، وقولهم في سجود السهو بأن هذا الترتيب واجب معناه أن الصلاة لا تفسد بترك الترتيب إذا أعاد الركن الذي أتى به فإذا أعاده فقد ترك الترتيب صورة فيجب عليه سجود السهو.
فالحاصل أن المشروع فرضا في الصلاة أربعة أنواع: ما يتحد في كل الصلاة كالقعدة أو في كل ركعة كالقيام والركوع، وما يتعدد في كلها كالركعات أو في كل ركعة كالسجود فالترتيب شرط بين المتحد في كل الصلاة وجميع ما سواه مما يتعدد في كلها كالركعات أو في كل ركعة وما يتحد في كل ركعة حتى لو تذكر بعد القعدة قبل السلام أو بعده قبل أن يأتي بمفسد ركعة أو سجدة صلبية أو للتلاوة فعلها وأعاد القعدة وسجد للسهو، ولو تذكر ركوعا قضاه وقضى ما بعده من السجود أو قياما أو قراءة صلى ركعة تامة، وكذا يشترط الترتيب بين ما يتحد في كل ركعة كالقيام والركوع، ولذا قلنا آنفا في ترك القيام والركوع إنه يصلي ركعة تامة وإذا عرف هذا فقوله في النهاية: الترتيب ليس بشرط بين ما يتعدد في كل الصلاة يعني الركعات أو يتحد في كل ركعة وبين ما يتعدد في كل ركعة ليس على إطلاقه، بل بين السجود والمتحد في كل ركعة تفصيل: إن كان سجود ذلك الركوع بأن يكون ركوعا وسجودا من ركعة واحدة فالترتيب شرط، وإن كان ركوعا من ركعة وسجودا من أخرى بأن تذكر في سجدة ركوع ركعة قبل ركوع هذه السجدة قضى الركوع وسجدتيه وإن تذكر على القلب بإن تذكر في ركوع أنه لم يسجد في الركعة قبلها سجدها وهل يعيد الركوع والسجود المتذكر فيه؟.
ففي الهداية أنه لا تجب الإعادة بل تستحب معللا بأن الترتيب ليس بفرض بين ما يتكرر من الأفعال.
والذي في فتاوى قاضي خان وغيره أنه يعيد معللا بأنه ارتفض بالعود إلى ما قبله من الأركان؛ لأنه قبل الرفع منه يقبل الرفض، ولهذا ذكر هو فيما لو تذكر سجدة بعدما رفع من الركوع أنه يقضيها ولا يعيد الركوع؛ لأنه بعد ما تم بالرفع لا يقبل الرفض، فعلم أن الاختلاف في الإعادة ليس بناء على اشتراط الترتيب وعدمه بل على أن الركن المتذكر فيه هل يرتفض بالعود إلى ما قبله من الأركان أو لا، وفي الكافي للحاكم رجل افتتح الصلاة وقرأ وركع ولم يسجد، ثم قام فقرأ وسجد ولم يركع فهذا قد صلى ركعة، وكذلك إن ركع أولا، ثم قرأ وركع وسجد فإنما صلى ركعة واحدة،

 

ج / 1 ص -575-       وتعديل الأركان
_________________
وكذلك إن سجد أولا سجدتين، ثم قام فقرأ في الثانية وركع ولم يسجد، ثم قام فقرأ وسجد في الثالثة ولم يركع فإنما صلى ركعة واحدة، وكذلك إن ركع في الأولى ولم يسجد وركع في الثانية ولم يسجد، ثم سجد في الثالثة ولم يركع فإنما صلى واحدة ا هـ. كذا في فتح القدير.
ثم اعلم، أن في كل موضع يشترط فيه الترتيب، وقلنا: يفسد بتركه الركن الذي هو فيه كما قدمنا، هل تفسد الصلاة بالكلية؟ ينظر إن كانت الزيادة ركعة تامة تفسد لما أن الركعة لا تقبل الرفض حتى يراعى الترتيب المشروط برفضها، وأما إن كانت الزيادة ما دون الركعة فلا تفسد. إليه أشار في النهاية.
" قوله: وتعديل الأركان "، وهو تسكين الجوارح في الركوع والسجود حتى تطمئن مفاصله وأدناه مقدار تسبيحة، وهو واجب على تخريج الكرخي، وهو الصحيح كما في شرح المنية وسنة على تخريج الجرجاني وفرض على ما نقله الطحاوي عن الثلاثة، والذي نقله الجم الغفير أنه واجب عند أبي حنيفة ومحمد، فرض عند أبي يوسف مستدلين له ولمن وافقه بحديث المسيء صلاته حيث قال:
"ارجع فصل فأنك لم تصل ثلاث مرات" وأمره له بالطمأنينة فالأمر بالإعادة لا يجب إلا عند فساد الصلاة ومطلق الأمر يفيد الافتراض وبما أخرجه أصحاب السنن الأربعة مرفوعا "لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود" ولهما قوله تعالى: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا}[الحج:77] واللفظان خاصان معلوم معناهما فلا تجوز الزيادة عليهما بخبر الواحد؛ لأنه لا يصلح ناسخا للكتاب ويصلح مكملا فيحمل أمره بالإعادة والطمأنينة على الوجوب ونفيه للصلاة على نفي كمالها كنفي الإجزاء في الحديث الثاني على نفي الإجزاء الكامل، ويدل عليه آخر حديث المسيء صلاته فإنه قال فيه "فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك، وإن انتقصت منه شيئا انتقصت من صلاتك" فقد سماها صلاة والباطلة ليست صلاة ولأنه تركه عليه السلام بعد أول ركعة حتى أتم، ولو كان عدمها مفسدا لفسدت بأول ركعة وبعد فساد لا يحل المضي في الصلاة وتقريره عليه السلام من الأدلة الشرعية ويدل

 

ج / 1 ص -576-       ...............................
_________________
على وجوبها المواظبة عليها وبهذا يضعف قول الجرجاني، ولهذا سئل محمد عن تركها فقال إني أخاف أن لا تجوز، وعن السرخسي من ترك الاعتدال تلزمه الإعادة ومن المشايخ من قال تلزمه ويكون الفرض هو الثاني، ولا إشكال في وجوب الإعادة إذ هو الحكم في كل صلاة أديت مع كراهة التحريم ويكون جابرا للأول؛ لأن الفرض لا يتكرر، وجعله الثاني يقتضي عدم سقوطه بالأول، وهو لازم ترك الركن لا الواجب إلا أن يقال المراد أن ذلك امتنان من الله تعالى إذ يحتسب الكامل، وإن تأخر عن الفرض لما علم سبحانه أنه سيوقعه، كذا في فتح القدير، وقد يقال إن قول أبي يوسف بالفرضية مشكل؛ لأنه وافقهما في الأصول أن الزيادة على الخاص بخبر الواحد لا تجوز فكيف استقام له القول بالجواز هنا ولهذا والله أعلم قال المحقق ابن الهمام: ويحمل قول أبي يوسف بالفرضية على الفرض العملي، وهو الواجب فيرتفع الخلاف ا هـ. ويؤيده أن هذا الخلاف لم يذكر في ظاهر الرواية على ما قالوا كما في شرح منية المصلي، ولهذا لم يذكر صاحب الأسرار خلاف أبي يوسف، وإنما قال: قال علماؤنا: الطمأنينة في الركوع والسجود وفي الانتقال من ركن إلى ركن ليس بركن، وكذلك الاستواء بين السجدتين وبين الركوع والسجود ا هـ. وينبغي أن يحمل ما ذهب إليه الطحاوي من الافتراض على الفرض العملي كما قررناه ليوافق أصول أهل المذهب وإلا فالإشكال أشد. قيد بالطمأنينة في الأركان أي الركوع والسجود؛ لأن الطمأنينة في القومة والجلسة سنة عند أبي حنيفة ومحمد بالاتفاق وعند أبي يوسف فرض كما تقدم.
وفي شرح الزاهدي ما يدل على وجوبها عندهما كوجوبها في الأركان فإنه قال وذكر صدر القضاة: وإتمام الركوع وإكمال كل ركن واجب عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف والشافعي فرض، وكذا رفع الرأس من الركوع والانتصاب والقيام والطمأنينة فيه فيجب أن يكمل الركوع حتى يطمئن كل عضو منه ويرفع رأسه من الركوع حتى ينتصب قائما ويطمئن كل عضو منه، وكذا في السجود، ولو ترك شيئا من ذلك ناسيا يلزمه سجدتا السهو ولو تركها عمدا يكره أشد الكراهة ويلزمه أن يعيد الصلاة. ا هـ. وهو يدل على وجوب القومة والجلسة وسيأتي التصريح بسنيتهما ومقتضى الدليل وجوب الطمأنينة في الأربعة ووجوب نفس الرفع

 

ج / 1 ص -577-       والقعود الأول والتشهد
_________________
من الركوع والجلوس بين السجدتين للمواظبة على ذلك كله وللأمر في حديث المسيء صلاته.
وفي فتاوى قاضي خان في فصل ما يوجب السهو قال: المصلي إذا ركع ولم يرفع رأسه من الركوع حتى خر ساجدا ساهيا تجوز صلاته في قول أبي حنيفة ومحمد وعليه السهو. ا هـ.
وفي المحيط لو ترك تعديل الأركان أو القومة التي بين الركوع والسجود ساهيا لزمه سجود السهو ا هـ. فيكون حكم الجلسة بين السجدتين كذلك؛ لأن الكلام فيهما واحد والقول بوجوب الكل هو مختار المحقق ابن الهمام وتلميذه ابن أمير حاج حتى قال إنه الصواب والله الموفق للصواب.
" قوله: والقعود الأول " لأن النبي صلى الله عليه وسلم واظب عليه في جميع العمر وذا يدل على الوجوب إذا قام دليل عدم الفرضية، وقد قام هنا؛ لأنه روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قام إلى الثالثة فسبح له فلم يرجع صححه الترمذي، ولو كان فرضا لرجع وما في الكتاب من الوجوب قول الجمهور، وهو الصحيح وعند الطحاوي والكرخي هي سنة.
وفي البدائع وأكثر مشايخنا يطلقون عليها اسم السنة إما لأن وجوبها عرف بالسنة فعلا أو لأن السنة المؤكدة في معنى الواجب وهذه القعدة للفصل بين الشفعين وأراد بالأول غير الآخر لا الفرض السابق إذ لو أريد به السابق لم يفهم حكم القعدة الثانية التي ليست أخيرة؛ لأن القعدة في الصلاة قد تكون أكثر من اثنتين فإن المسبوق بثلاث في الرباعية يقعد ثلاث قعدات كل من الأولى والثانية واجب والثالثة هي الأخيرة وهي فرض كما سيأتي بيانه في مسائل المسبوق إن شاء الله تعالى ولم أر من نبه على هذا وسيأتي إن شاء الله تعالى عن خزانة الفقه أن القعود في الصلاة يتكرر عشر مرات.
" قوله: والتشهد " أي الأول والثاني، وفي بعض نسخ النقاية: والتشهدان، بلفظ التثنية للمواظبة الدالة على الوجوب ولقوله صلى الله عليه وسلم لابن مسعود قل: "التحيات" من غير تفرقة بين الأول

 

ج / 1 ص -578-       ولفظ السلام
_________________
والثاني واختار جماعة سنية التشهد في القعدة الأولى للفرق بين القعدتين؛ لأن الأخيرة لما كانت فرضا كان تشهدها واجبا والأولى لما كانت واجبة كان تشهدها سنة، وأجيب بمنع الملازمة فإن التشهد إنما هو ذكر مشروع في حالة مخصوصة واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم في القعدتين فلذا كان الوجوب فيهما ظاهر الرواية، وهو الأصح كما في المحيط والذخيرة وصرح به في الهداية في باب سجود السهو، وإن كان سكت عنه في باب صفة الصلاة فقول صدر الشريعة إن صاحب الهداية جعله سنة غير صحيح وغفلة عن تصريحه به في ذلك الباب ولعل صاحب الكتاب إنما لم يأت بالتثنية للإشارة إلى أن كل تشهد يكون في الصلاة فهو واجب سواء كان اثنين أو أكثر كما علمته في القعود.
" قوله: ولفظ السلام " للمواظبة عليه وذهب الأئمة الثلاثة إلى افتراضه حتى قال النووي لو أخل بحرف من حروف " السلام عليكم " لم تصح كما قال: " السلام عليك " أو " سلامي عليكم " لما أخرجه أبو داود وغيره عن علي مرفوعا "مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم" ولنا ما في حديث ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له بعد أن علمه التشهد: "إذا قلت: هذا أو فعلت هذا فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد" رواه أبو داود وأطلق بعض المشايخ اسم السنة عليه، وهو لا ينافي الوجوب، والخروج من الصلاة يحصل عندنا بمجرد لفظ السلام ولا يتوقف على قوله: عليكم، وفي قوله لفظ السلام إشارة إلى أن الالتفات به يمينا ويسارا ليس بواجب، وإنما هو سنة على

 

ج / 1 ص -579-       وقنوت الوتر وتكبيرات العيدين
_________________
ما سيأتي وإلى أن الواجب السلام فقط دون عليكم وإلى أن لفظا آخر لا يقوم مقامه، ولو كان بمعناه حيث كان قادرا عليه بخلاف التشهد في الصلاة حيث لا يختص بلفظ العربي بل يجوز بأي لسان كان مع قدرته على العربي ولذا لم يقل: ولفظ التشهد، وقال: ولفظ السلام، وقال غيره: وإصابة لفظ السلام. لكن هذه الإشارة يخالفها صريح المنقول فإنه سيأتي أن الشارح نقل الإجماع أن السلام لا يختص بلفظ العربي.
" قوله: وقنوت الوتر " أي قراءة القنوت في الوتر واجبة وهذا عند أبي حنيفة، وأما عندهما فهو سنة كنفس صلاة الوتر واستدل لوجوبه بأنه يضاف إلى الصلاة فيقال قنوت الوتر فدل أنه من خصائصه، وهو إما بالوجوب أو بالفرض وانتفى الثاني فتعين الأول، ولا يخفى ما فيه فإن هذه الإضافة لم تسمع من الشارع حتى تفيد الاختصاص، واستدل بعضهم بما رواه أصحاب السنن الأربعة عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره
"اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك" فإنه صريح في المواظبة على هذا القول وأنت خبير بأنه لا يدل على المطلوب وسيأتي شيء منه في بابه وأن المراد بالقنوت الدعاء ولا يختص بلفظ حتى قال بعضهم: الأفضل أن لا يؤقت دعاء ومنهم من قال به إلا الدعاء المعروف اللهم إنا نستعينك إلى آخره واتفقوا على أنه لو دعا بغيره جاز ولهذا: قالوا من لا يحسن القنوت المعروف يقول اللهم اغفر لي.
" قوله: وتكبيرات العيدين " أي والتكبيرات الزوائد في صلاتي العيدين وهي ثلاث في كل ركعة واستدل للوجوب بالإضافة المتقدمة، وفيه من البحث ما قدمناه.
وذكر في الفتح القدير: أن الأولى أن يستدل على وجوب الأذكار المذكورة بالمواظبة المقرونة بالترك في التشهد للنسيان فلا يلحق بالمبين أعني الصلاة ليكون فرضا، أما في

 

ج / 1 ص -580-       والجهر والإسرار فيما يجهر ويسر وسننها رفع اليدين للتحريمة
_________________
قنوت الوتر وتكبيرات العيدين فلأن أصلهما بظني فلا تكون المواظبة فيهما محتاجة إلى الاقتران بالترك ليثبت به الوجوب، والمواظبة في السلام معارضة بحديث ابن مسعود فلم يتحقق بيانا لما تقرر جزءا للصلاة ا هـ. وظاهرة ثبوت المواظبة على القنوت وتكبيرات الزوائد من غير ترك حتى أثبت بها الوجوب، وقد نازع هو في ذلك في باب صلاة الوتر بأن الوارد مطلق المواظبة أعم من المقرونة بالترك أحيانا وغير المقرونة، ولا دلالة للأعم على الأخص وإلا لوجب الكلمات الواردة عينا أو كانت أولى من غيرها.
وذكر في المستصفى أن من الواجبات رعاية لفظ التكبير في تكبيرة الافتتاح في صلاة العيدين حتى يجب عليه سجود السهو إذا قال: الله أجل أو أعظم يعني ساهيا بخلاف سائر الصلوات. ا هـ. وسيأتي بيان الخلاف في مراعاة لفظ التكبير للافتتاح في سائر الصلوات وأن الراجح وجوبها فحينئذ لا فرق بين العيد وغيرها، ومن الواجبات تكبيرة القنوت وتكبيرة الركوع في الركعة الثانية من صلاتي العيدين ذكرهما الشارح في باب سجود السهو.
" قوله: والجهر والإسرار فيما يجهر ويسر " للمواظبة على ذلك أطلقه اعتمادا على ما يبينه في محله من أن المنفرد مخير فيما يجهر.
فالحاصل أن الإخفاء في صلاة المخافتة واجب على المصلي إماما كان أو منفردا وهي صلاة الظهر والعصر والركعة الثالثة من المغرب والأخريان من صلاة العشاء وصلاة الكسوف والاستسقاء، وهو واجب على الإمام اتفاقا وعلى منفرد على الأصح، وأما الجهر في الصلاة الجهرية فواجب على الإمام فقط، وهو أفضل في حق المنفرد وهي صلاة الصبح والركعتان الأوليان من المغرب والعشاء وصلاة العيدين والتراويح والوتر في رمضان.
" قوله: وسننها رفع اليدين للتحريمة " للمواظبة وهي وإن كانت من غير ترك تفيد الوجوب لكن إذا لم يكن ما يفيد أنها ليست لحامل الوجوب، وقد وجد، وهو تعليمه الأعرابي من غير ذكر تأويل، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، على أنه حكي في

 

ج / 1 ص -581-       ونشر أصابعه وجهر الإمام بالتكبير والثناء والتعوذ والتسمية والتأمين سرا
_________________
الخلاصة خلافا في تركه: قيل يأثم، وقيل لا، قال والمختار إن اعتاده أثم لا إن كان أحيانا. ا هـ.
وفي فتح القدير وينبغي أن يجعل شقي هذا القول محمل القولين فلا اختلاف حينئذ ولا إثم لنفس الترك بل لأن اعتياده للاستخفاف وإلا فمشكل أو يكون واجبا. ا هـ والذي يظهر من كلام أهل المذهب أن الأثم منوط بترك الواجب أو السنة المؤكدة على الصحيح لتصريحهم بأن من ترك سنن الصلوات الخمس قيل لا يأثم والصحيح أنه يأثم ذكره في فتح القدير وتصريحهم بالإثم لمن ترك الجماعة مع أنها سنة مؤكدة على الصحيح، وكذا في نظائره لمن تتبع كلامهم ولا شك أن الأثم مقول بالتشكيك بعضه أشد من بعض فالإثم لتارك السنة المؤكدة أخف من الإثم لتارك الواجب، ولهذا قيل في شرح منية المصلي في هذه المسألة: ثم المراد بالإثم على هذا إثم يسير كما هو حكم هذه السنة المواظب صلى الله عليه وسلم عليها على ما ذكره صدر الإسلام البزدوي ا هـ.
فالحاصل أن القائل بالإثم في ترك الرفع بناه على أنه من سنن الهدى فهو سنة مؤكدة والقائل بعدمه بناه على أنه من سنن الزوائد بمنزلة المستحب، وقد قال في الذخيرة، وقد روي عن أبي حنيفة ما يدل على عدم الإثم فإنه قال: إن ترك رفع اليدين جاز، وإن رفع فهو أفضل ا هـ. وبهذا اندفع ما في فتح القدير كما لا يخفى.
" قوله: ونشر أصابعه " وكيفيته أن لا يضم كل الضم ولا يفرج كل التفريج بل يتركها على حالها منشورة كذا ذكره الشارح والظاهر أن المراد بالنشر عدم الطي بمعنى أنه يسن أن يرفعهما منصوبتين لا مضمومتين حتى تكون الأصابع مع الكف مستقبلة للقبلة ومن السنن أن لا يطأطئ رأسه عند التكبير كما في المبسوط، وهو بدعة.
" قوله: وجهر الإمام بالتكبير " لحاجته إلى الإعلام بالدخول والانتقال. قيد بالإمام لأن المأموم والمنفرد لا يسن لهما الجهر به؛ لأن الأصل في الذكر الإخفاء ولا حاجة لهما إلى الجهر.
" قوله: والثناء والتعوذ والتسمية والتأمين سرا " للنقل المستفيض على ما يأتي بيانه، وقوله سرا راجع إلى الأربعة.

 

ج / 1 ص -582-       ووضع يمينه على يساره تحت سرته وتكبير الركوع والرفع منه
_________________
" قوله: ووضع يمينه على يساره تحت سرته " لما في صحيح مسلم عن وائل بن حجر أنه قال: ثم وضع النبي صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على اليسرى فانتفى به قول مالك بالإرسال وعند الشافعي محله ما فوق السرة تحت الصدر واستدل له النووي بما في صحيح ابن خزيمة عن وائل بن حجر قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره ولا يخفى أنه لا يطابق المدعى، واستدل مشايخنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ثلاث من سنن المرسلين وذكر من جملتها وضع اليمين على الشمال تحت السرة" لكن المخرجين لم يعرفوا فيه مرفوعا وموقوفا تحت السرة ويمكن أن يقال في توجيه المذهب: أن الثابت من السنة وضع اليمين على الشمال ولم يثبت حديث يوجب تعيين المحل الذي يكون فيه الوضع من البدن إلا حديث وائل المذكور، وهو مع كونه واقعة حال لا عموم لها يحتمل أن يكون لبيان الجواز فيحال في ذلك كما قاله في فتح القدير على المعهود من وضعها حال قصد التعظيم في القيام، والمعهود في الشاهد منه أن يكون ذلك تحت السرة فقلنا به في هذه الحالة في حق الرجل بخلاف المرأة فإنها تضع على صدرها؛ لأنه أستر لها فيكون في حقها أولى.
" قوله: وتكبير الركوع " لما روي أنه عليه الصلاة والسلام كان يكبر عند كل رفع وخفض ".
وقوله والرفع منه " أي من الركوع، وهو بالرفع عطفا على التكبيرة ولا يجوز جره؛ لأنه لا يكبر عند الرفع من الركوع، وإنما يأتي بالتسميع، وقد قدمنا أن مقتضى الدليل الوجوب لا السنية، وهو رواية عن أبي حنيفة.

 

ج / 1 ص -583-       وتسبيحه ثلاثا وأخذ ركبتيه بيديه وتفريج أصابعه وتكبير السجود ووضع يديه وركبتيه وافتراش رجله اليسرى ونصب اليمنى والقومة والجلسة
_________________
" قوله: وتسبيحه ثلاثا " أي تسبيح الركوع.
" قوله: وأخذ ركبتيه بيديه وتفريج أصابعه " لحديث أنس
"إذا ركعت فضع يديك على ركبتيك وفرج بين أصابعك".
" قوله: وتكبير السجود " لما روينا قال الشارح، ولو قال: وتكبير السجود والرفع منه كان أولى؛ لأن التكبير عند الرفع منه سنة، وكذا الرفع نفسه سنة ا هـ. لكن استفادة الحكمين من قوله والرفع منه محل نظر؛ لأنه إن قرئ بالرفع أفاد سنية أصل الرفع، وإن قرئ بالجر أفاد سنية التكبير عند الرفع، وأما استفادتهما منه فلا، وروي عن أبي حنيفة أن الرفع منه فرض، وجه الظاهر: أن المقصود الانتقال، وهو يتحقق بدونه بأن يسجد على وسادة، ثم تنزع ويسجد على الأرض ثانيا قال الشارح ولكن لا يتصور هذا إلا على قول من لا يشترط الرفع حتى يكون أقرب إلى الجلوس " قوله: وتسبيحه ثلاثا " لقوله عليه الصلاة والسلام "إذا سجد أحدكم فليقل سبحان ربي الأعلى ثلاثا.
" قوله: ووضع يديه وركبتيه " يعني حالة السجود وسيأتي الكلام عليه.
" قوله: وافتراش رجله اليسرى ونصب اليمنى والقومة والجلسة " تقدم أن مقتضى الدليل وجوبهما، وفي قوله القومة نوع إشكال فإنه قد ذكر فيما تقدم من قريب أن الرفع من الركوع سنة، وهو القومة فيكون تكرارا كذا ذكره الشارح، وقد يقال إنه أراد بالقومة القومة من

 

ج / 1 ص -584-       والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاء
_________________
السجود فلا تكرار والقومة خلاف الجلسة كما لا يخفى.
" قوله: والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم " أو هو قول عامة السلف والخلف، وقال الشافعي إنها فرض تبطل الصلاة بتركها، وقد نسب قوم من الأعيان الإمام الشافعي في هذا إلى الشذوذ ومخالفة الإجماع منهم أبو جعفر الطحاوي وأبو بكر الرازي وأبو بكر بن المنذر والخطابي والبغوي وابن جرير الطبري وهذه عبارته: أجمع جميع المتقدمين والمتأخرين من علماء الأمة على أن الصلاة عليه غير واجبة في التشهد ولا سلف للشافعي في هذا القول ولا سنة يتبعها ا هـ. فإن تم هذا كان الإجماع هو الدليل على السنية لكن تعقب غير واحد دعوى الإجماع بعد التمام؛ لأن عن بعض الصحابة وبعض التابعين ما يوافق قول الشافعي، وأما موجب الأمر في قوله تعالى:
{صَلُّوا عَلَيْهِ}[الأحزاب:56] فهو افتراضها في العمر مرة واحدة في الصلاة أو خارجها؛ لأن الأمر لا يقتضي التكرار وسيأتي كيفيتها وأحكامها إن شاء الله تعالى.
" قوله: والدعاء " أي لنفسه ولوالديه إن كانا مؤمنين ولجميع المؤمنين والمؤمنات لما في صحيح مسلم: "ثم يتخير من المسألة ما شاء" ولما رواه الترمذي وحسنه مرفوعا عن أبي أمامة قيل: يا رسول الله: أي الدعاء أسمع؟ قال:
"جوف الليل الأخير ودبر الصلوات المكتوبات" بناء على أن المراد بدبرها ما قبل الفراغ منها كما ذكره بعضهم أي الوقت الذي يليه وقت الخروج منها؛ لأن دبر كل شيء منه ومتصل به، وقد يراد بدبر الشيء وراءه وعقبه كما نصوا عليه أيضا فيكون حينئذ المراد بدبرها الوقت الذي يلي وقت الخروج منها

 

ج / 1 ص -585-       وآدابها نظره إلى موضع سجوده وكظم فمه عند التثاؤب وإخراج كفيه من كميه عند التكبير ودفع السعال ما استطاع والقيام حين قيل حي على الفلاح وشروع الإمام مذ قيل قد قامت الصلاة
_________________
لكن عندنا السنة مقدمة على الدعاء الذي هو عقب الفراغ.
" قوله: وآدابها نظره إلى موضع سجوده " أي في حال القيام، وأما في حالة الركوع فإلى ظهر قدميه، وفي سجوده إلى أرنبته، وفي قعوده إلى حجره وعند التسليمة الأولى إلى منكبه الأيمن وعند الثانية إلى منكبه الأيسر؛ لأن المقصود الخشوع ".
قوله وكظم فمه عند التثاؤب " أي إمساك فمه، والمراد به سده لقوله عليه الصلاة والسلام
"التثاؤب في الصلاة من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع"، وفي الظهيرية، فإن لم يقدر غطاه بيده أو كمه للحديث.
" قوله: وإخراج كفيه من كميه عند التكبير "؛ لأنه أقرب إلى التواضع وأبعد من التشبه بالجبابرة وأمكن من نشر الأصابع إلا لضرورة برد ونحوه.
" قوله: ودفع السعال ما استطاع "؛ لأنه ليس من أفعال الصلاة، ولهذا لو كان بغير عذر تفسد صلاته فيجتنبه ما أمكن.
" قوله: والقيام حين قيل حي على الفلاح "؛ لأنه أمر به فيستحب المسارعة إليه، أطلقه، فشمل الإمام والمأموم إن كان الإمام بقرب المحراب وإلا فيقوم كل صف ينتهي إليه الإمام، وهو الأظهر، وإن دخل من قدام وقفوا حين يقع بصرهم عليه، وهذا كله إذا كان المؤذن غير الإمام، فإن كان واحدا أو أقام في المسجد فالقوم لا يقومون حتى يفرغ من إقامته كذا في الظهيرية.
" قوله: وشروع الإمام مذ قيل قد قامت الصلاة " عند أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف يشرع إذا فرغ من الإقامة محافظة على فضيلة متابعة المؤذن وإعانة للمؤذن على الشروع معه، ولهما: أن المؤذن أمين، وقد أخبر بقيام الصلاة فيشرع عنده صونا لكلامه عن الكذب، وفيه مسارعة إلى المناجاة، وقد تابع المؤذن في الأكثر فيقوم مقام الكل على أنهم

 

ج / 1 ص -586-       وإذا أراد الدخول في الصلاة كبر ورفع يديه حذاء أذنيه
_________________
قالوا: المتابعة في الأذان دون الإقامة. كذا ذكره الشارح، وفيه نظر لما نقلناه في باب الأذان أن إجابة الإقامة مستحبة.
وفي الظهيرية، ولو أخر حتى يفرغ المؤذن من الإقامة لا بأس به في قولهم جميعا والله أعلم.
" فصل " هو في اللغة فرق ما بين الشيئين، وفي الاصطلاح طائفة من المسائل الفقهية تغيرت أحكامها بالنسبة إلى ما قبلها غير مترجمة بالكتاب والباب.
" قوله: وإذا أراد الدخول في الصلاة كبر " أي تكبيرة الافتتاح قائما كما قدمناه وتقدم أنه يكون شارعا بالنية عند التكبير لا به، وأن العاجز عن النطق لا يلزمه تحريك اللسان على الصحيح ومن سنن التكبير حذفه كما في البدائع والمحيط.
" قوله: ورفع يديه حذاء أذنيه " لما رويناه ولما رواه الحاكم وصححه عن أنس قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم كبر فحاذى بإبهاميه أذنيه وما ورد في حديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إلى منكبيه فمحمول على حالة العذر حين كانت عليهم الأكسية والبرانس في زمن الشتاء كما أخبر به وائل بن حجر رضي الله عنه على ما رواه الطحاوي عنه أو المراد بما رويناه: رءوس الأصابع وبالثاني الأكف والأرساغ عملا بالدلائل بالقدر الممكن كما في البدائع واعتمده في فتح القدير، أطلقه فشمل الرجل والمرأة، قالوا: لم يذكر حكم رفعها في ظاهر الرواية وروى الحسن عن أبي حنيفة أنها كالرجل فيه؛ لأن كفيها ليستا بعورة وروى ابن مقاتل

 

ج / 1 ص -587-       ...............................
_________________
أنها ترفع حذاء منكبيها؛ لأنه أستر لها وصححه في الهداية ولا فرق بين الحرة والأمة على الروايتين، والمراد بالمحاذاة أن يمس بإبهاميه شحمتي أذنيه ليتيقن بمحاذاة يديه بأذنيه كما ذكره في النقاية ولم يبين المصنف وقت الرفع؛ لأنه عبر بالواو وهي لمطلق الجمع، وفيه ثلاثة أقوال: القول الأول أنه يرفع مقارنا للتكبير، وهو المروي عن أبي يوسف قولا والمحكي عن الطحاوي فعلا واختاره شيخ الإسلام وقاضي خان وصاحب الخلاصة والتحفة والبدائع والمحيط حتى قال البقالي هذا قول أصحابنا جميعا ويشهد له المروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يكبر عند كل خفض ورفع وما رواه أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه مع التكبير وفسر قاضي خان المقارنة بأن تكون بداءته عند بداءته وختمه عند ختمه. القول الثاني: وقته قبل التكبير، ونسبه في المجمع إلى أبي حنيفة ومحمد، وفي غاية البيان إلى عامة علمائنا، وفي المبسوط إلى أكثر مشايخنا وصححه في الهداية ويشهد له ما في الصحيحين عن ابن عمر قال النبي صلى الله عليه وسلم "إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه، ثم كبر. القول الثالث: وقته بعد التكبير فيكبر أولا، ثم يرفع يديه ويشهد له ما في الصحيح لمسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى كبر، ثم رفع يديه ورجح في الهداية ما صححه بأن فعله نفى الكبرياء عن غيره تعالى والنفي مقدم على الإيجاب ككلمة الشهادة وأورد عليه أن ذلك في اللفظ فلا يلزم في غيره، ورد بأنه لم يدع لزومه في غيره، وإنما الكلام في الأولوية، ففي الأقوال الثلاثة رواية عنه عليه السلام فيؤنس بأنه صلى الله عليه وسلم فعل كل ذلك ويترجح من بين أفعاله هذه تقديم

 

ج / 1 ص -588-       ولو شرع بالتسبيح أو بالتهليل أو بالفارسية صح
_________________
الرفع بالمعنى المذكور وتحمل ثم في قوله " ثم رفع " على الواو " ومع " على معنى قبل ؛ لأن الظروف ينوب بعضها عن بعض، وقد يقال: إن تقديم النفي في كلمة الشهادة ضرورة؛ لأنه لا يمكن التكلم بالنفي والإثبات معا بخلاف ما نحن فيه: ورواية أنه كان يرفع مع التكبير نص محكم في المقارنة، ورواية أنه كان يرفع ثم يكبر وعكسه يجوز أن تكون فيه ثم بمعنى الواو، وهو يصدق على القرآن كالترتيب فيحمل على القرآن جمعا بين الروايات، وإنما لم يعكس؛ لأن المحكم راجح على المحتمل كذا في شرح المنية، وفيه بحث؛ لأن كلمة، " ثم " موضوعة للترتيب مع التراخي واستعمالها بمعنى الواو مجاز فهي ظاهرة في معناها كما أن " مع " ظاهرة في القرآن وتكون بمعنى بعد مجازا كما في قوله تعالى:
{إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً}[الشرح:6] وكما في قوله: أنت طالق ثنتين مع عتق مولاك كما ذكره في باب الطلاق فليست محكمة كما توهمه فالمعارضة بين الروايات ثابتة فالترجيح بالمعنى المذكور لا بما ذكره، وأما التشبيه بكلمة الشهادة فهي من باب التمثيل لا القياس المصطلح عليه، ولو كبر ولم يرفع يديه حتى فرغ من التكبير لم يأت به لفوات محله وينبغي أن يأتي به على القول الثالث كما لا يخفى، وإن ذكره في أثناء التكبير رفع؛ لأنه لم يفت محله، وإن لم يمكنه إلى الموضع المسنون رفعهما قدر ما يمكن، وإن أمكنه رفع أحدهما دون الأخرى رفعها، وإن لم يمكنه الرفع إلا بالزيادة على المسنون رفعهما كذا ذكره الشارح رحمه الله تعالى.
" قوله: ولو شرع بالتسبيح أو بالتهليل أو بالفارسية صح " شروع في المراد بتكبيرة الافتتاح فأفاد أن المراد بها كل لفظ هو ثناء خالص دال على التعظيم، وقال أبو يوسف لا يصير شارعا إلا بألفاظ مشتقة من التكبير وهي خمسة ألفاظ: الله أكبر الله الأكبر الله الكبير الله كبير الله الكبار كما في الخلاصة إلا إذا كان لا يحسن التكبير أو لا يعلم أن الشروع في الصلاة يكون به للحديث "وتحريمها التكبير" وهو حاصل بهذه الألفاظ؛ لأن أفعل وفعيلا في صفاته تعالى سواء، ولهما أن التكبير لغة: التعظيم وهذه الألفاظ موضوعة له خصوصا الله أعظم فكانت تكبيرا، وإن لم تكن بلفظ التكبير المعروف.
وفي البدائع والدليل على أن قول الله أكبر، والرحمن أكبر سواء قوله تعالى:
{قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}[الاسراء:110]، ولهذا يجوز الذبح باسم الرحمن أو باسم الرحيم فكذا هذا، ثم غاية ما هنا أن الثابت بالنص ذكر الله تعالى على سبيل التعظيم ولفظ التكبير ثبت بالخبر فيجب العمل به حتى يكره افتتاح الصلاة بغيره لمن

 

ج / 1 ص -589-       ...............................
_________________
يحسنه كما قلنا في قراءة القرآن مع الفاتحة، وفي الركوع والسجود مع التعديل ذكره في الكافي وهذا يفيد الوجوب، وهو الأشبه للمواظبة التي لم تقترن بترك، فعلى هذا ما ذكره في التحفة والذخيرة و النهاية من أن الأصح أنه يكره الافتتاح بغير الله أكبر عند أبي حنيفة فالمراد كراهة التحريم؛ لأنها في رتبة الواجب من جهة الترك فعلى هذا يضعف ما صححه السرخسي من أن الأصح أنه لا يكره مستدلا بما روي عن مجاهد قال: كان الأنبياء يفتتحون الصلاة بلا إله إلا الله، ونبينا من جملتهم وهذا على تقدير صحته فالمراد غير نبينا صلى الله عليه وسلم بدليل نقل المواظبة عنه على لفظ التكبير ويضعف أيضا ما ذكره المصنف في المستصفى من أن مراعاة لفظ التكبير في الافتتاح واجبة في صلاة العيد بخلاف سائر الصلوات لما علمت أنها واجبة في الكل والظاهر أنه مبني على تصحيح السرخسي بدليل ما ذكره هو في الكافي وأراد المصنف بالتسبيح والتهليل ما ذكرنا من اللفظ الدال على التعظيم لا خصوص سبحان الله والحمد لله فأفاد بإطلاقه أنه لا فرق بين الأسماء الخاصة أو المشتركة حتى يصير شارعا ب " الرحيم أكبر " أو " أجل " كما نص عليه في المحيط والبدائع والخلاصة وصرح في المجتبى بأنه الأصح وأفتى به المرغيناني فما في الذخيرة عن فتاوى الفضلي أنه لا يصير شارعا بالرحيم ضعيف وقيده في شرح المنية بأن لا يقترن به ما يفسد الصلاة أما إذا قرن به ما كان كذلك فلا يصير شارعا اتفاقا كقوله العالم بالمعدوم والموجود أو بأحوال الخلق كما أن القول بأنه لا يجوز بكل اسم مشترك مقيد بما إذا لم يقترن بما يزيل اشتراكه. أما إذا قرن بما يزيله لا يفسد الصلاة كقوله القادر على كل شيء والرحيم بعباده وعالم الغيب والشهادة، فينبغي أن يصير شارعا باتفاقهم على قولهم ا هـ.
وأشار بذكر التسبيح والتهليل إلى أنه لا يصير شارعا إلا بجملة تامة فلا يصير شارعا بالمبتدأ وحده كالله أو أكبر، وهو ظاهر الرواية كما نقله في التجريد وعلل له بأن التعظيم الذي هو معنى التكبير حكم على المعظم فلا بد من الخبر ومنهم من قال: يصير شارعا بكل اسم مفرد أو خبر لا فرق بين الجلالة وغيرها، وهو رواية الحسن وفرق قاضي خان في فتاويه بين الألفاظ، فقال: لو قال الله أو الرب ولم يزد يصير شارعا، ولو قال التكبير أو الأكبر أو قال أكبر لا يصير شارعا.

 

ج / 1 ص -590-       كما لو قرأ بها عاجزا
_________________
قال في فتح القدير كان الفرق الاختصاص في الإطلاق وعدمه، وفائدة الاختلاف تظهر في مسائل، منها: أن الحائض إذا طهرت على عشر، وفي الوقت ما يسع الاسم الشريف فقط لا تجب تلك الصلاة عليها على ظاهر الرواية وتجب على تلك الرواية.
ومنها: أنه ينبغي فيما إذا أدرك الإمام في الركوع فقال: الله أكبر إلا أن قول الله كان في قيامه، وقوله أكبر كان في ركوعه أنه يكون شارعا على رواية الحسن لا على الظاهر لكن الذي في الخانية والخلاصة أنه لا يكون شارعا ولم يحكيا غيره فكأنهما بنياه على القول المختار.
ومنها: ما لو وقع الله مع الإمام وأكبر قبله لا يكون شارعا على الظاهر، وأما إذا شرع بالفارسية فإنما يصح لما بيناه من أن التكبير هو التعظيم، وهو حاصل بأي لسان ولأن الأصل في النصوص التعليل فلا يعدل عنه إلا بدليل فهو كالإيمان فإنه لو آمن بغير العربية جاز إجماعا لحصول المقصود، وكذا التلبية في الحج والسلام والتسمية عند الذبح بها يجوز كما سيأتي ومحمد مع أبي حنيفة في العربية حتى يصير شارعا بغير لفظ التكبير من العربية حيث دل على التعظيم ومع أبي يوسف في الفارسية حتى لا يكون شارعا في الصلاة بها حيث كان يحسن العربية وعلى هذا الخلاف الخطبة والقنوت والتشهد، وفي الأذان يعتبر التعارف.
" قوله: كما لو قرأ بها عاجزا " أي لو قرأ بالفارسية حالة العجز عن العربية فإنه يصح وهذا بالاتفاق قيد بالعجز؛ لأنه لو كان قادرا فإنه لا يصح اتفاقا على الصحيح وكان أبو حنيفة أولا يقول بالصحة نظرا إلى عدم أخذ العربية في مفهوم القرآن ولذا قال تعالى
{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً}[فصلت:44] فإنه يستلزم تسميته قرآنا أيضا لو كان أعجميا، ثم رجع عن هذا القول ووافقهما في عدم الجواز، وهو الحق؛ لأن المفهوم من القرآن باللازم إنما هو العربي في عرف الشرع، وهو المطلوب من قوله تعالى: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}[المزمل:20] وأما قرآن المنكر فلم يعهد فيه نقل عن المفهوم اللغوي فيتناول كل مقروء.
وما قيل: النظم مقصود للإعجاز وحالة الصلاة المقصود من القرآن فيها المناجاة لا الإعجاز فلا يكون النظم لازما فيها فمردود؛ لأنه معارضة للنص بالمعنى فإن النص طلب بالعربي وهذا التعليل يجيزه بغيرها والكلام في هذه المسألة كثير أصولا وفروعا والتقييد

 

ج / 1 ص -591-       أو ذبح وسمى بها، لا باللهم اغفر لي
_________________
بالفارسية ليس للاحتراز عن غيرها فإن الصحيح أن الفارسية وغيرها سواء فحينئذ كان مراده من الفارسية غير العربية، ولا يجوز بالتفسير إجماعا؛ لأنه كلام الناس.
وفي الهداية والخلاف في الجواز إذا اكتفى به ولا خلاف في عدم الفساد حتى إذا قرأ معه بالعربية قدر ما تجوز به الصلاة جازت صلاته.
وفي فتاوى قاضي خان أنها تفسد عندهما والتوفيق بينهما بحمل ما في الهداية على ما إذا كان ذكرا أو تنزيها ويحمل ما في الفتاوى على ما إذا كان المقروء من مكان القصص والأمر والنهي كالقراءة الشاذة فإنهم صرحوا في الفروع أنه لا يكتفى بها ولا تفسد وفي أصول شمس الأئمة أن الصلاة تفسد بها فيحمل الأول على ما إذا كان ذكرا والثاني على ما إذا كان غير ذكر كما بيناه في كتابنا المسمى باب الأصول.
" قوله: أو ذبح وسمى بها " يعني يصح اتفاقا؛ لأن الشرط فيه الذكر، وهو حاصل بأي لسان كان.
" قوله: لا باللهم اغفر لي " أي لا يكون شارعا في الصلاة ولا مسميا على الذبيحة بقوله: اللهم اغفر لي؛ لأنه ليس بثناء خالص بل مشوب بحاجته، قيد به؛ لأنه قال اللهم، اختلفوا فيه والصحيح الجواز كذا في المحيط والخلاف مبني على معناه فعند سيبويه والبصريين معناه: يا الله، وضمة الهاء فيه هي الضمة التي بني عليها المنادى والميم المشددة في آخره عوض عن حرف النداء المحذوف، ولا يجمع بينه وبين حرف النداء لئلا يلزم الجمع بين العوض والمعوض، ويصح الشروع بيا ألله كما في منية المصلي ولم يحك فيه خلافا فكذا ما كان بمعناه وعند الكوفيين معناه: يا ألله أمنا بخير أي اقصدنا به فحذف حرف النداء والجملة اختصارا لكثرة الاستعمال فأبقيت ضمة الهاء على ما كانت عليه وعوضت بالميم المشددة عن الجملة ويجوز الجمع بين حرف النداء والميم؛ لأنها ليست بعوض عنه، وقد رد هذا القول بقوله تعالى:
{وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ}[لأنفال:32] الآية؛ لأنه لا يسوغ أن يقال: يا ألله أمنا بخير إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر. الآية... فلا جرم إن صحح المشايخ القول بالصحة.
وذكر في شرح الجامع الصغير لفخر الإسلام أن فيه قولا ثالثا: وهو أن الميم المشددة كناية عن أسماء الله تعالى قال فهذا يوجب أن يصح الشروع به أيضا ا هـ. ويشهد له قول

 

ج / 1 ص -592-       ووضع يمينه على يساره تحت سرته
_________________
النضر بن شميل من قال: اللهم فقد دعا بجميع أسمائه، ولهذا قيل إنه الاسم الأعظم وأشار إلى أنه لو قال اللهم: ارزقني أو قال أستغفر الله أو أعوذ بالله أو لا حول ولا قوة إلا بالله أو ما شاء الله فإنه لا يصير شارعا كما في المنية، ولو قال: بسم الله الرحمن الرحيم ففي المبتغى والمجتبى يجوز.
وفي الذخيرة لا يجوز معللا بأن التسمية للتبرك فكأنه قال بارك لي في هذا الأمر وظاهر كلام الشارح ترجيحه في شرح المنية أنه الأشبه وينبغي ترجيح الجواز؛ لأنه ذكر خالص بدليل التسمية على الذبيحة مع اشتراط الذكر الخالص فيها لقوله تعالى:
{فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ}[الحج:36] أي خالصا.
" قوله: ووضع يمينه على يساره تحت سرته " كما قدمناه ولم يذكر كيفية الوضع؛ لأنها لم تذكر في ظاهر الرواية واختلف فيها والمختار أنه يأخذ رسغها بالخنصر والإبهام؛ لأنه يلزم من الأخذ الوضع ولا ينعكس وهذا لأن الأخبار اختلفت ذكر في بعضها الوضع، وفي بعضها الأخذ فكان الجمع بينهما عملا بالدليلين أولى ولم يذكر المصنف أيضا وقت الوضع ففي ظاهر الرواية وقته كلما فرغ من التكبير فهو سنة قيام له قرار فيه ذكر مسنون فيضع حالة الثناء، وفي القنوت وتكبيرات الجنازة، وقيل سنة القراءة فقط فلا يضع في هذه المواضع وأجمعوا أنه لا يسن الوضع في القيام المتخلل بين الركوع والسجود؛ لأنه قرار له ولا قراءة فيه وبهذا اندفع ما في فتح القدير من أن الإرسال في القومة بناء على الضابط المذكور يقتضي أن ليس فيها ذكر مسنون، وإنما يتم إذا قيل بأن التحميد والتسميع ليس سنة فيها بل في نفس الانتقال إليها لكنه خلاف ظاهر النصوص، والواقع أنه قل ما يقع التسميع إلا في القيام حالة الجمع بينهما ا هـ. لما علمت أن كلامهم إنما هو في قيام له قرار.
وفي القنية، ولو ترك التسميع حتى استوى قائما لا يأتي كما لو لم يكبر حالة الانحطاط حتى ركع أو سجد تركه ويجب أن يحفظ هذا ويراعي كل شيء في محله. ا هـ. وهو صريح في أن القومة ليس فيها ذكر مسنون وذكر في شرح منية المصلي أن شيخ الإسلام ذكر

 

ج / 1 ص -593-       مستفتحا
_________________
في شرح كتاب الصلاة أنه يرسل في القومة التي تكون بين الركوع والسجود على قولهما كما هو قول محمد وذكر في موضع آخر أن على قولهما يعتمد فإن في هذا القيام ذكرا مسنونا، وهو التسميع أو التحميد وعلى هذا مشى صاحب الملتقط. ا هـ. وهو مساعد لما بحثه المحقق آنفا وعلى هذا فالمراد من الإجماع المتقدم اتفاق أبي حنيفة وصاحبيه على الصحيح.
وصحح في البدائع جواب ظاهر الرواية مستدلا بقوله صلى الله عليه وسلم
"إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة" من غير فصل بين حال وحال فهو على العموم إلا ما خص بدليل.
وذكر الشارح أنه لا يصح في تكبيرات العيد وعند بعضهم أنه سنة القيام مطلقا حتى يضع في الكل وحكي في البدائع اختلاف المشايخ في الوضع فيما بين التكبيرات.
" قوله: مستفتحا " هو حال من الوضع أي يضع قائلا: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، وقد تقدم أنه سنة لرواية الجماعة أنه كان صلى الله عليه وسلم يقوله إذا افتتح الصلاة، أطلقه فأفاد أنه يأتي به كل مصل إماما كان أو مأموما أو منفردا لكن قالوا المسبوق لا يأتي به إذا كان الإمام يجهر بالقراءة للاستماع، وصححه في الذخيرة.
ثم " سبحان " في الأصل مصدر كغفران، وهو لا يكاد يستعمل إلا مضافا منصوبا بإضمار فعله وجوبا فمعنى سبحانك أسبحك تسبيحا أي أنزهك تنزيها، وقيل أعتقد نزاهتك عن كل صفة لا تليق بك " وبحمدك " أي نحمدك بحمدك فهو في المعنى عطف الجملة على الجملة

 

ج / 1 ص -594-       ...............................
_________________
فحذفت الثانية كالأولى وأبقى حرف العطف داخلا على متعلقها مرادا به الدلالة على الحالية من الفاعل فهو في موضع نصب على الحال منه، فكأنه إنما أبقى ليشعر بأنه قد كان هنا جملة طوي ذكرها إيجازا على أنه لو قيل بحمدك بلا حرف العطف كان جائزا صوابا كما روي عن أبي حنيفة؛ لأنه لا يخل بالمعنى المقصود.
والحاصل أنه نفى بقوله " سبحانك " صفات النقص وأثبت بقوله " بحمدك " صفات الكمال؛ لأن الحمد إظهار الصفات الكمالية، ومن هنا يظهر وجه تقديم التسبيح على التحميد " وتبارك " لا يتصرف فيه ولا يستعمل إلا لله تعالى ذكره القاضي البيضاوي ولعل المعنى والله أعلم: تكاثر خيور أسمائك الحسنى وزادت على خيور سائر الأسماء لدلالتها على الذات السبوحية القدوسية العظمى، والأفعال الجامعة لكل معنى أسنى " وتعالى جدك " أي ارتفع عظمتك أو سلطانك أو غناك عما سواك " ولا إله غيرك " في الوجود فأنت المعبود بحق فبدأ بالتنزيه الذي يرجع إلى التوحيد، ثم ختم بالتوحيد ترقيا في الثناء على الله عز وجل من ذكر النعوت السلبية والصفات الثبوتية إلى غاية الكمال في الجلال والجمال وسائر الأفعال، وهو الانفراد بالألوهية وما يختص به من الأحدية والصمدية فهو الأول والآخر والظاهر والباطن، وهو بكل شيء عليم.
وأشار المصنف إلى أنه لا يزيد على الاستفتاح فلا يأتي بدعاء التوجه، وهو وجهت وجهي لا قبل الشروع ولا بعده هو الصحيح المعتمد.
ونص في البدائع على أن عن أبي يوسف روايتين: في رواية يقدم التسبيح على التوجه وصححه الزاهدي، وفي رواية: إن شاء قدمه، وإن شاء أخره، وقد روى البيهقي عن جابر مرفوعا أنه صلى الله عليه وسلم كان يجمع بينهما، وهو محمول على النافلة؛ لأن مبناها على التوسع ويدفعه ما رواه ابن حبان في صحيحه كان إذا قام للصلاة المكتوبة يجمع بينهما ومنهم من أجاب بأن ذلك كان في أول الأمر، ويدل عليه أن عمر رضي الله عنه جهر بالتسبيح فقط لتقتدي الناس به ويتعلموه فهو ظاهر في أنه وحده هو الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم آخر الأمر في الفرائض، وفي منية المصلي وإذا زاد " وجل ثناؤك " لا يمنع، وإن سكت لا يؤمر به، وفي الكافي أنه لم ينقل في المشاهير، وفي البدائع أن ظاهر الرواية الاقتصار على المشهور.

 

ج / 1 ص -595-       وتعوذ سرا
_________________
 فالحاصل أن الأولى تركه في كل صلاة نظرا إلى المحافظة على المروي من غير زيادة عليه في خصوص هذا المحل، وإن كان ثناء على الله تعالى، ثم اعلم، أنه يقول في دعاء التوجه: " وأنا من المسلمين "، ولو قال " وأنا أول المسلمين " اختلف المشايخ في فساد صلاته والأصح عدم الفساد وينبغي أن لا يكون فيه خلاف لما ثبت في صحيح مسلم من الروايتين بكل منهما وتعليل الفساد بأنه كذب مردود بأنه إنما يكون كذبا إذا كان مخبرا عن نفسه لا تاليا وإذا كان مخبرا فالفساد عند الكل.
" قوله: وتعوذ سرا " أي قال المصلي: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وهو اختيار أبي عمرو وعاصم وابن كثير، وهو المختار عندنا، وهو قول الأكثر من أصحابنا؛ لأنه المنقول من استعاذته صلى الله عليه وسلم وبهذا يضعف ما اختاره في الهداية من أن الأولى أن يقول: أستعيذ بالله ليوافق القرآن يعني؛ لأن المذكور فيه
فاستعذ بصيغة الأمر من الاستعاذة وأستعيذ مضارعها فيتوافقان بخلاف أعوذ فإنه من العوذ لا من الاستعاذة وجوابه كما في فتح القدير أن لفظ استعذ طلب العوذ، وقوله أعوذ مثال مطابق لمقتضاه أما قربه من لفظه فمهدر، وفي البدائع ولا ينبغي أن يزيد عليه أن الله هو السميع العليم يعني كما هو اختيار نافع وابن

 

ج / 1 ص -596-       للقراءة فيأتي به المسبوق لا المقتدي ويؤخر عن تكبيرات العيدين
_________________
عامر والكسائي؛ لأن هذه الزيادة من باب الثناء وما بعد التعوذ محل القراءة لا محل الثناء، وقد قدم المصنف أنه سنة لقوله تعالى:
{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}[النحل:98] أي إذا أردت قراءة القرآن، فأطلق المسبب على السبب، وإنما لم يكن واجبا لظاهر الأمر؛ لأن السلف أجمعوا على سنيته كما نقله المصنف في الكافي ولم يعين سند الإجماع الذي هو الصارف للأمر عن ظاهره وعلى القول بأنه لا يحتاج إلى سند بل يجوز أن يخلق الله لهم علما ضروريا يستفيدون به الحكم فلا إشكال وروى ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي عن ابن مسعود أربع يخفيهن الإمام التعوذ والتسمية وآمين وربنا لك الحمد فقوله سرا عائد إلى الاستفتاح والتعوذ.
" قوله: للقراءة فيأتي به المسبوق لا المقتدي ويؤخر عن تكبيرات العيدين " يعني أن التعوذ سنة القراءة فيأتي به كل قارئ للقرآن؛ لأنه شرع لها صيانة عن وساوس الشيطان فكان تبعا لها، وهو قول أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف هو تبع للثناء وفائدة الخلاف في ثلاث مسائل:
إحداها: أنه لا يأتي به المقتدي عندهما؛ لأنه لا قراءة عليه ويأتي به عنده؛ لأنه يأتي بالثناء.
ثانيها: أن الإمام يأتي بالتعوذ بعد تكبيرات الزوائد في الركعة الأولى عندهما ويأتي به الإمام والمقتدي بعد الثناء قبل التكبيرات عنده.
ثالثها: أن المسبوق لا يأتي به للحال ويأتي به إذا قام إلى القضاء عندهما وعنده يأتي به مرتين عند الدخول بعد الثناء وعند القراءة، وقد ذكر صاحب الهداية وجماعة الخلاف بين الصاحبين وأبي يوسف، وفي عامة النسخ كالمبسوط والمنظومة وشروحها بين أبي يوسف ومحمد ولم يذكر قول أبي حنيفة بل وذكر أبو اليسر رواية عن محمد كما عن أبي يوسف فلذا والله أعلم صحح صاحب الخلاصة قول أبي يوسف أنه تبع للثناء وأشار المصنف إلى أن محل

 

ج / 1 ص -597-       وسمى سرا في كل ركعة
_________________
التعوذ بعد الثناء ومقتضاه أنه لو تعوذ قبل الثناء أعاده بعده لعدم وقوعه في محله وإلى أنه لو نسي التعوذ فقرأ الفاتحة لا يتعوذ لفوات المحل وقيدنا بقراءة القرآن للإشارة إلى أن التلميذ لا يتعوذ إذا قرأ على أستاذه كما نقله في الذخيرة وظاهره: أن الاستعاذة لم تشرع إلا عند قراءة القرآن أو في الصلاة، وفيه نظر ظاهر، وقد قدمناه أن المسبوق يأتي بالثناء إلا إذا كان إمامه يجهر بالقراءة ويأتي به أيضا إذا قام إلى قضاء ما سبق به وإذا أدرك الإمام في الركوع يتحرى إن كان أكبر رأيه أنه لو أتى به أدرك الإمام في شيء من الركوع يأتي به قائما وإلا يتابع الإمام ولا يأتي بالثناء في الركوع لفوات محله فإنه محل التسبيحات، وإنما يأتي بتكبيرات العيد فيه دون تسبيحاته؛ لأنها واجبة دونها، وكذا لو أدرك المسبوق الإمام في السجدة فهو كالركوع وإذا لم يدرك الإمام في الركوع والسجود لا يأتي بهما؛ لأنه انفرد عن الإمام بعد الاقتداء بزيادة لم يعتد بها، وإن كانت غير مفسدة، لما أن زيادة ما دون الركعة غير مفسد، وإن أدرك إمامه في القعدة فإنه لا يأتي بالثناء بل يكبر للافتتاح، ثم للانحطاط، ثم يقعد، وقيل يأتي بالثناء وينبغي أن يفصل كما في الركوع والسجود وأن لا فرق بين القعدة الأولى والثانية.
" قوله: وسمى سرا في كل ركعة " أي، ثم يسمي المصلي بأن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا هو المراد بالتسمية هنا، وأما في الوضوء والذبيحة فالمراد منها ذكر الله تعالى، والمراد بالمصلي هنا الإمام أو المنفرد أما المقتدي فلا دخل له فيها فإنه لا يقرأ بدليل أنه قدم أنه لا يتعوذ، وقد عدها المصنف فيما سبق من السنن، وهو المشهور عن أهل المذهب، وقد صحح الزاهدي في شرحه، وفي القنية وجوبها في كل ركعة وصرح في باب سجود السهو بأنه يلزمه السهو بتركها وتبعه على ذلك ابن وهبان في منظومته قال وإن الوجوب قول الأكثر والشارح الزيلعي في باب سجود السهو وعلل في البدائع بما يفيده، فإنه قال روى المعلى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة أنه يأتي بها في ركعة، هو قول أبي يوسف ومحمد؛ لأن التسمية إن لم تجعل من الفاتحة قطعا لخبر الواحد لكن خبر الواحد يوجب العمل فصارت من الفاتحة عملا فمتى لزمه قراءة الفاتحة يلزمه قراءة التسمية احتياطا ا هـ.
وهذا كله ضعيف والمواظبة لم تثبت لما في صحيح مسلم عن أنس صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم.

 

ج / 1 ص -598-       هي آية من القرآن أنزلت للفصل بين السور ليست من الفاتحة ولا من كل سورة
_________________
وإن كان قد أجاب عنه أئمتنا بأنه لم يرد نفي القراءة بل السماع للإخفاء بدليل ما رواه أحمد عنه فكانوا لا يجهرون ب بسم الله الرحمن الرحيم، وهو دليلنا على الإخفاء بها، ولولا التصريح بلزوم السهو بتركها لقلت: إن الوجوب في كلامهم بمعنى الثبوت، أطلق فشمل الصلاة الجهرية والسرية فما في منية المصلي من أن الإمام إذا جهر لا يأتي بها وإذا خافت يأتي بها غلط فاحش مخالف لكل الروايات، وقوله في كل ركعة أي في ابتداء كل ركعة فلا تسن التسمية بين الفاتحة والسورة مطلقا عندهما، وقال محمد تسن إذا خافت لا إن جهر وصحح في البدائع قولهما، والخلاف في الاستنان أما عدم الكراهة فمتفق عليه، ولهذا صرح في الذخيرة والمجتبى بأنه إن سمى بين الفاتحة والسورة كان حسنا عند أبي حنيفة سواء كانت تلك السورة مقروءة سرا أو جهرا ورجحه المحقق ابن الهمام وتلميذه الحلبي لشبهة الاختلاف في كونها آية من كل سورة، وإن كانت الشبهة في ذلك دون الشبهة الناشئة من الاختلاف في كونها آية من الفاتحة، وما في القنية من أنه يلزمه سجود السهو بتركها بين الفاتحة والسورة فبعيد جدا، كما أن قول من قال لا يسمي إلا في الركعة الأولى قول غير صحيح بل قال الزاهدي إنه غلط على أصحابنا غلطا فاحشا، وفي ذكر التسمية بعد التعوذ إشارة إلى محلها فلو سمى قبل التعوذ أعادها بعده لعدم وقوعها في محلها، لو نسيها حتى فرغ من الفاتحة لا يسمي لأجل فوات محلها.
" قوله: هي آية من القرآن أنزلت للفصل بين السور ليست من الفاتحة ولا من كل سورة " بيان للأصح من الأقوال كما في المحيط وغيره ورد للقولين الآخرين:
أحدهما: أنها ليست قرآنا، وهو قول بعض مشايخنا لاختلاف العلماء والأخبار فيها فأورث شبهة.
ثانيهما: أنها من الفاتحة ومن كل سورة ونسب إلى الشافعي، ووجه الأصح إجماعهم على كتابتها مع الأمر بتجريد المصحف، وقد تواترت فيه، وهو دليل تواتر كونها قرآنا وبه اندفعت الشبهة للاختلاف، وإنما لم يحكم بكفر منكرها؛ لأن إنكار القطعي لا يوجب الكفر إلا إذا لم يثبت فيه شبهة

 

ج / 1 ص -599-       وقرأ الفاتحة وسورة أو ثلاث آيات
_________________
قوية، فإن ثبتت فلا، كما في البسملة فالموجب لتكفير من أنكر القرآن إنكار ما تواتر كونه قرآنا، وأما البسملة فبما تواترت في المصحف ثبتت قرآنيتها وبتواتر كونها قرآنا في الأوائل لم يكفر جاحدها، فالتواتر المعتبر في القرآن تواتره في محله والمعتبر في التكفير تواتر كونه قرآنا، وبهذا اندفع ما قيل من الإشكال في التسمية، وهو أنها إن كانت متواترة لزم تكفير منكرها ولم يتكافروا فيها، وإن لم تكن متواترة فليست قرآنا، وأشار بقوله " آية " إلى أنها في القرآن آية واحدة يفتح بها كل سورة وعند الشافعي آيات في السورة والخلاف في غير البسملة التي في سورة النمل أما هي فبعض آية اتفاقا ومما استدل به لمذهبنا حديث
"قسمت الصلاة بيني وبين عبدي فإذا قال الحمد لله" إلى آخره فإنه لم يذكر البسملة فدل أنها ليست من الفاتحة وحديث عد سورة الملك ثلاثين آية وهي ثلاثون دونها والكلام في البسملة طويل بين الأئمة، واستفيد من كلام المصنف أنه يحرم قراءتها على الجنب والحائض وقيده في المحيط وغيره بأن يقرأ على قصد القرآن، ومقتضى كونها قرآنا أن تحرم على الجنب إلا إذا قصد الذكر أو التيمن، وفي المجتبى الأصح أنها آية في حق حرمتها على الجنب لا في حق جواز الصلاة بها فإن فرض القراءة ثابت بيقين فلا يسقط بما فيه شبهة، وكذا في المحيط.
" قوله: وقرأ الفاتحة وسورة أو ثلاث آيات " أي قرأ المصلي إذا كان إماما أو منفردا على وجه الوجوب ما ذكر وهما واجبتان للمواظبة، لكن الفاتحة أوجب حتى يؤمر بالإعادة بتركها دون السورة كذا ذكره الشارح، وقد تبع فيه الفقيه، وفيه نظر ظاهر؛ لأن كلا منهما واجب اتفاقا وبترك الواجب تثبت كراهة التحريم، وقد قالوا كل صلاة أديت مع كراهة التحريم يجب إعادتها

 

ج / 1 ص -600-       وأمن الإمام والمأموم سرا
_________________
فتعين القول بوجوب الإعادة عند ترك السورة وما يقوم مقامها كترك الفاتحة، نعم الفاتحة آكد في الوجوب من السورة للاختلاف في ركنيتها دون السورة والآكدية لا تظهر فيما ذكره؛ لأن وجوب الإعادة حكم ترك الواجب مطلقا إلا الواجب المتأكد، وإنما يظهر في الإثم؛ لأنه مقول بالتشكيك كما قدمناه.
والثلاث آيات القصار تقوم مقام السورة في الإعجاز فكذا هنا، وكذا الآية الطويلة تقوم مقامها فإذا نقص عن ثلاث قصار أو آية طويلة فقد ارتكب كراهة التحريم لتركه الواجب وإذا أتى بها خرج عن كراهة التحريم، فإن قرأ القدر المسنون كما سيأتي فقد خرج عن كراهة التنزيه أيضا وإلا فقد ارتكبها كما صرح به في شرح منية المصلي فمن قال: خرج عن الكراهة إذا قرأ الواجب، أراد التحريمية، ومن قال: لا يخرج عنها، أراد التنزيهية.
" قوله: وأمن الإمام والمأموم سرا " للحديث
"إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه" رواه الشيخان، وهو يفيد تأمينهما لكن في حق الإمام بالإشارة؛ لأنه لم يسق النص له، وفي حق المأموم بالعبارة؛ لأنه سيق لأجله، وبهذا يضعف رواية الحسن عن أبي حنيفة أن الإمام لا يؤمن وروى أبو داود وغيره أنه صلى الله عليه وسلم "قال آمين وخفض بها صوته" لو قال المصنف وأمن " المصلي " أو " الجميع " كما في الحاوي القدسي لكان أولى ليشمل المنفرد فإنه يؤمن أيضا لرواية مسلم "إذا قال أحدكم في الصلاة آمين" الحديث قال عبد الحق في هذه

 

 

ج / 1 ص -601-       وكبر بلا مد وركع
_________________
الرواية اندرج المنفرد، وأطلق في إخفائها فشمل الصلاة الجهرية والسرية وكل مصل، لكن اختلفوا في تأمين المأموم إذا كان الإمام في السرية وسمع المأموم تأمينه منهم من قال يقوله هو كما هو ظاهر الكتاب ومنهم من قال لا؛ لأن ذلك الجهر لا عبرة به بعد الاتفاق على أنها ليست من القرآن، وقد علم مما ذكرنا أن المأموم لا يقولها إلا إذا سمع قراءة الإمام لا مطلقا، فليس هو كالإمام مطلقا كما هو ظاهر المختصر.
وفي آمين أربع لغات: أفصحهن وأشهرهن آمين بالمد والتخفيف، والثانية: بالقصر والتخفيف ومعناه استجب، والثالثة: بالإمالة، والرابعة: بالمد والتشديد فالأولتان مشهورتان والأخيرتان حكاهما الواحدي في أول البسيط، ولهذا كان المفتى به عندنا أنه لو قال آمين بالتشديد لا تفسد لما علمت أنها لغة ولأنه موجود في القرآن ولأن له وجها كما قال الحلواني إن معناه: ندعوك قاصدين إجابتك؛ لأن معنى آمين قاصدين، وأنكر جماعة من مشايخنا كونها لغة وحكم بفساد الصلاة ومن الخطأ في استعمالها أمن بالتشديد مع حذف الياء مقصورا وممدودا ولا يبعد فساد الصلاة فيهما.
" قوله: وكبر بلا مد وركع " لما في الصحيحين عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
"إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع، ثم يقول، وهو قائم ربنا ولك الحمد، ثم يكبر حين يهوي ساجدا، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس" معنى قوله بلا مد: حذفه من غير تطويل، وهو معنى ما ورد التكبير جزم به.
وحاصله الإمساك عن إشباع الحركة والتعمق فيها والإضراب عن الهمزة المفرطة والمد

 

ج / 1 ص -602-       وركع ووضع يديه على ركبتيه وفرج أصابعه
_________________
الفاحش، وفي المبسوط لو مد ألف " الله " لا يصير شارعا وخيف عليه الكفر إن كان قاصدا، وكذا لو مد ألف " أكبر " أو باءه لا يصير شارعا؛ لأن أكبار جمع كبر، وهو الطبل وقيل اسم للشيطان، ولو مد هاء " الله " فهو خطأ لغة، وكذا لو مد راءه ومد لام " الله " صواب وجزم الهاء خطأ؛ لأنه لم يجئ إلا في ضرورة الشعر، وقد بحث الأكمل في العناية في قولهم إنه إذا مد الهمزة من " الله " تفسد ويكفر إن تعمده للشك بأن الهمزة يجوز أن تكون للتقرير فلا يكون هناك لا كفر ولا فساد ا هـ.
وفيه نظر؛ لأن ابن هشام في المغني قال: والرابع التقرير ومعناه حملك المخاطب على الإقرار والاعتراف بأمر قد استقر عنده ثبوته أو نفيه ويجب أن يليها الشيء الذي يقرر به تقول في التقرير بالفعل أضربت زيدا أو بالفاعل أأنت ضربت زيدا أو بالمفعول أزيدا ضربت كما يجب ذلك في المستفهم عنه ا هـ.
وليس " الله أكبر " من هذا القبيل إذ ليس هنا مخاطب كما لا يخفى لكن ذكر في المطول أن التقرير يقال على التحقق والثبوت ويقال على حملك المخاطب... إلى آخره، ولعل الأكمل أراد المعنى الأول، وقد تبع المصنف القدوري في التعبير بالواو، وفي قوله وركع المحتمل للمقارنة وضدها، وفي بعض الروايات يكبر، ثم يهوي وعبارة الجامع الصغير ويكبر مع الانحطاط. قالوا وهو الأصح لئلا تخلو حالة الانحناء عن الذكر ولما قدمناه من حديث الصحيحين، وقال بعضهم يسن التكبير عند الخرور وابتداؤه عند أول الخرور وفراغه عند الاستواء كذا في الخلاصة وليس هو موافقا لما في الجامع؛ لأنه لا يلزم منه أن يكون فراغه عند الاستواء، وفي الخلاصة يركع حين يفرغ من القراءة، وهو منتصب يصلي هذا هو المذهب الصحيح ا هـ. واحترز به عما حكاه في منية المصلي عن بعضهم أنه إذا أتم القراءة حالة الخرور لا بأس أن يكون ما بقي من القراءة حرفا أو كلمة لكن ذكر في المكروهات أن منها أن يتم القراءة في الركوع.
" قوله: وركع ووضع يديه على ركبتيه وفرج أصابعه " لما رواه أنس من صفة صلاته عليه السلام أشار إلى أن التطبيق المروي عن ابن مسعود منسوخ، وهو أن يضم إحدى الكفين إلى

 

ج / 1 ص -603-       وبسط ظهره وسوى رأسه بعجزه وسبح فيه ثلاثا
_________________
الأخرى ويرسلهما بين فخذيه بما في الصحيحين، وفي فتح القدير ويعتمد بيديه على ركبتيه ناصبا ساقيه، وإحناؤهما شبه القوس كما يفعل عامة الناس مكروه، ذكره في روضة العلماء، وإنما يفرج بينهما؛ لأنه أمكن من الأخذ بالركب ولا يندب إلى التفريج إلا في هذه الحالة ولا إلى الضم إلا في حالة السجود، وفيما عدا ذلك يترك على العادة.
" قوله: وبسط ظهره وسوى رأسه بعجزه " فإنه سنة كما صح عنه صلى الله عليه وسلم فلهذا لا يرفع رأسه ولا يخفضه، وفي المجتبى والسنة في الركوع إلصاق الكعبين واستقبال الأصابع للقبلة.
" قوله: وسبح فيه ثلاثا " أي في ركوعه بأن يقول " سبحان ربي العظيم " ثلاثا لحديث ابن ماجه
"إذا ركع أحدكم فليقل سبحان ربي العظيم ثلاثا وذلك أدناه وإذا سجد فليقل سبحان ربي الأعلى ثلاثا وذلك أدناه" وفي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه سبحان ربي العظيم، وفي سجوده سبحان ربي الأعلى".، وفي سنن أبي داود لما نزلت {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}[الواقعة:74] قال اجعلوها في ركوعكم فلما نزلت {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}[الأعلى:1] قال "اجعلوها في سجودكم" وظاهر هذا الأمر الوجوب روي عن أبي مطيع

 

ج / 1 ص -604-       ...............................
_________________
البلخي أن التسبيحات ركن لو تركه لا تجوز صلاته كما في الذخيرة، والذي في البدائع عنه: أن من نقص من الثلاث في تسبيحات الركوع والسجود لا تجوز صلاته قال وهذا فاسد؛ لأن الأمر تعلق بفعل الركوع والسجود مطلقا عن شرط التسبيح فلا يجوز نسخ الكتاب بخبر الواحد فقلنا بالجواز مع كون التسبيح سنة عملا بالدليلين بقدر الإمكان ا هـ.
وقد بحث فيه العلامة ابن أمير حاج الحلبي بأنه لا يتعين العمل بالدليلين في جعل التسبيح سنة بل يكون ذلك أيضا في جعله واجبا والمواظبة الظاهرة من حاله صلى الله عليه وسلم والأمر به متظافران على الوجوب فينبغي إذا تركه سهوا أن يجب السجود وإذا تركه عمدا يؤمر بالإعادة ونقل ابن هبيرة وغيره أنه مرة واحدة في كل منهما والتسميع والتحميد وسؤال المغفرة بين السجدتين والتكبيرات واجب في الرواية المشهورة عن أحمد إلا أنه إن ترك شيئا منها عمدا بطلت صلاته وسهوا لا، ويسجد للسهو. ا هـ.
وقد يقال إنما لم يكن واجبا عندنا لوجود الصارف، وهو أنه عليه الصلاة والسلام لم يذكره للأعرابي حين علمه، ولو كان واجبا لذكره، والمواظبة لم تنقل صريحا وهذا الصارف منع من القول بها ظاهرا، فلهذا كان الأمر للاستحباب كما صرح به غير واحد من المشايخ فعلى هذا فالمراد من الكراهة في قولهم لو ترك التسبيحات أصلا أو نقص عن الثلاث فهو مكروه كراهة التنزيه؛ لأنها في مقابلة المستحب واختلف في معنى قوله صلى الله عليه وسلم
"وذلك أدناه" فقيل: كمال السنة، وقيل أدنى كمال التسبيح، وقيل: أدنى القول المسنون والأول أوجه وعلى كل فالزيادة على الثلاث أفضل ويستحب أن يختم على وتر خمس أو سبع أو تسع لحديث الصحيحين "إن الله وتر يحب الوتر" ولا ينبغي للإمام أن يطيل على وجه يمل القوم؛ لأنه سبب للتنفير وأنه مكروه، ولهذا قال الإسبيجابي

 

ج / 1 ص -605-       ثم رفع رأسه واكتفى الإمام بالتسميع والمؤتم والمنفرد بالتحميد
_________________
ولو كان إماما يقولها ثلاثا على قول بعضهم، وقال بعضهم يقولها أربعا حتى يتمكن المقتدي من الثلاث، ولو أطال الركوع لإدراك الجائي لا تقربا لله تعالى فهو مكروه، وفي الذخيرة والبدائع وغيرهما: قال أبو يوسف سألت أبا حنيفة عن ذلك، فقال: أخشى عليه أمرا عظيما يعني الشرك وقد وهم بعضهم في فهم كلام الإمام فاعتقد منه أن يصير المنتظر مشركا يباح دمه فأفتى بإباحة دمه وهكذا ظن صاحب منية المصلي فقال: يخشى عليه الكفر ولا يكفر وكل منهما غلط ولم يرده الإمام رحمه الله تعالى أراد أنه يخاف عليه الشرك في عمله الذي هو الرياء، وإنما لم يقطع بالرياء في عمله لما أنه غير مقطوع به لوجود الاختلاف فإنه نقل عن الشعبي أنه لا باس به، وهو قول الشافعي في القديم، وقد نهى الله عن الإشراك في العمل بقوله تعالى:
{فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ}[الكهف:110] الآية وأعجب منه ما نقله في المجتبى عن البلخي أنه تفسد صلاته ويكفر، ثم نقل بعده عن الجامع الأصغر أنه مأجور على ذلك لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}[المائدة:2] وعن أبي الليث أنه حسن وعنه التفصيل بين أن يعرف الجائي فلا أو لا فنعم وأشار المصنف إلى أنه لا يأتي في ركوعه وسجوده بغير التسبيحات وما ورد في السنة من غيرها فمحمول على النوافل تهجدا أو غيره، لو رفع الإمام رأسه قبل أن يتم المأموم التسبيحات فيه روايتان أصحهما وجوب المتابعة بخلاف ما لو سلم قبل أن يتم المقتدي التشهد فإنه لا يتابعه؛ لأن قراءة التشهد واجبة كذا في فتاوى قاضي خان.
" قوله: ثم رفع رأسه " أي من الركوع، وقد تقدم حكم هذا الرفع في عد الواجبات.
" قوله: واكتفى الإمام بالتسميع والمؤتم والمنفرد بالتحميد " لحديث الصحيحين
"إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد" فقسم بينهما والقسمة تنافي الشركة فكان حجة على أبي يوسف ومحمد القائلين بأن الإمام يجمع بينهما استدلالا بأنه عليه السلام كان

 

ج / 1 ص -606-       ...............................
_________________
يجمع بينهما؛ لأن القول مقدم على الفعل وحجة على الشافعي في قوله إن المقتدي يجمع بين الذكرين أيضا وحكاه الأقطع رواية عن أبي حنيفة، وهو غريب فإن صاحب الذخيرة نقل أنه لا يأتي بالتسميع بلا خلاف بين أصحابنا، وأما المنفرد ففيه ثلاثة أقوال:
الأول أنه يأتي بالتسميع لا غير، وهو رواية المعلى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة وينبغي أن لا يعول عليها ولم أر من صححها.
الثاني: أنه يأتي بالتحميد لا غير وصححه المصنف في الكافي، وقال في المبسوط وهو الأصح وعليه أكثر المشايخ واختاره الحلواني والطحاوي؛ لأن التسميع حث لمن خلفه على التحميد وليس معه أحد ليحثه عليه فلا يأتي بالتسميع.
الثالث: الجمع بينهما وصححه صاحب الهداية، وقال الصدر الشهيد وعليه الاعتماد واختاره صاحب المجمع؛ لأنه قد صح من فعله عليه الصلاة والسلام أنه كان يجمع بينهما ولا محمل له سوى حالة الانفراد توفيقا بينه وبين القول الثالث في الصحيحين في حق الإمام والمأموم وقيده في غاية البيان بانفراده بصلاة النفل؛ لأنه كان مواظبا على الجماعة في الفرض، وحيث اختلف التصحيح كما رأيت فلا بد من الترجيح فالمرجح من جهة المذهب ما في المتن؛ لأنه ظاهر الرواية كما صرح قاضي خان في شرحه والمرجح من جهة الدليل ما صححه في الهداية، وفي القنية أما المنفرد يقول سمع الله لمن حمده فإذا استوى قائما قال ربنا لك الحمد في الجواب الظاهر، وهو الصحيح. ا هـ. وفي جامع التمرتاشي، فإن لم يأت بالتسميع حالة الرفع لم يأت به حالة الاستواء، وقد قيل: يأتي بهما، والمراد بالتسميع سمع الله لمن حمده ومعناه قبل الله حمد من حمده وقيل أجاب، وقيل غفر له والهاء في حمده للكناية كذا في المستصفى وذكر في الفوائد الحميدية أنها للسكتة والاستراحة.
والمراد بالتحميد واحد من أربعة ألفاظ: أفضلها: اللهم ربنا ولك الحمد كما في المجتبى ويليه: اللهم ربنا لك الحمد، ويليه: ربنا ولك الحمد، ويليه المعروف: ربنا لك الحمد، فما في المحيط من أفضلية الثاني فمحمول على أفضليته على ما بعده لا على الكل كما لا يخفى لما صرحوا به من أن زيادة الواو توجب الأفضلية واختلفوا فيها: فقيل زائدة، وقيل: عاطفة تقديره ربنا حمدناك ولك

 

ج / 1 ص -607-       ثم كبر ووضع ركبتيه، ثم يديه، ثم وجهه بين كفيه بعكس النهوض وسجد بأنفه وجبهته
_________________
الحمد، واعلم أن المفهوم من المتن أنه لا يكبر حال الارتفاع، وهو الموافق لما ذكر في خزانة الفقه أن تكبيرات فرائض اليوم والليلة أربع وتسعون، وإنما يستقيم هذا إذا لم يكن عند الرفع تكبير لكن ذكر في المحيط وروضة الناطفي أنه يكبر حالة الارتفاع لما روي أنه عليه الصلاة والسلام وأبا بكر وعمر وعليا كانوا يكبرون عند كل خفض ورفع كما رواه الطحاوي ويمكن أن يجاب عن الحديث بأن المراد بالتكبير الذكر الذي فيه تعظيم الله تعالى توفيقا، كذا في المجتبى.
" قوله، ثم كبر ووضع ركبتيه، ثم يديه، ثم وجهه بين كفيه بعكس النهوض " كما كان يفعله عليه السلام كما رواه أبو داود ولحديث الترمذي كان عليه السلام إذا سجد وضع وجهه بين كفيه وأفاد أنه إذا أراد السجود يضع أولا ما كان أقرب إلى الأرض فيضع ركبتيه أولا، ثم أنفه، ثم جبهته وإذا أراد الرفع يرفع أولا جبهته، ثم أنفه، ثم يديه، ثم ركبتيه وهذا كله عند الإمكان أما إذا كان متخففا فإنه يضع اليدين قبل الركبتين ويقدم اليمنى على اليسرى.
" قوله: وسجد بأنفه وجبهته " أي سجد عليهما لتحصيل الأكمل والأنف اسم لما صلب، وأما ما لان منه فلا يجوز الاقتصار عليه بإجماعهم كما نقله غير واحد.
والجبهة اسم لما يصيب الأرض مما فوق الحاجبين إلى قصاص الشعر حالة السجود، وعرفها بعضهم بأنها ما اكتنفه الجبينان.
واعلم أن المأمور به في كتاب الله تعالى إنما هو السجود، وهو في اللغة يطلق لطأطأة الرأس والانحناء وللخضوع وللتواضع وللميل كسجدت النخلة: مالت، وللتحية كالسجود لآدم تكرمة له كذا في ضياء الحلوم، وفي الشريعة: وضع بعض الوجه مما لا سخرية فيه فخرج الخد والذقن والصدغ ومقدم الرأس فلا يجوز السجود عليها وإن كان من عذر بل معه يجب الإيماء بالرأس ولعله إنما قال تعالى
{يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّداً}[الاسراء:107] مع أن الذقن ليس محل

 

ج / 1 ص -608-       ...............................
_________________
السجود؛ لأن الساجد أول ما يلقى به الأرض من وجهه الذقن، وهو مجتمع اللحيين ووضع بعض الوجه يتحقق بالأنف كما في الجبهة فيجوز بالجبهة وحدها اتفاقا على ما عليه الجم الغفير من أهل المذهب، وما في المفيد والمزيد: من أنه لا يتأدى الفرض عندهما إلا بوضعهما فخلاف المشهور عنهما، وإنما محل الاختلاف في الاقتصار على الأنف فعنده يجوز مطلقا وعندهما لا يجوز إلا من عذر بالجبهة كما صرح به صاحب الهداية والوجه ظاهر للإمام رحمه الله؛ لأن المأمور به السجود، وهو ما قلنا وأما ما في الصحيحين مرفوعا
"أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة وأشار إلى أنفه واليدين والركبتين وأطراف القدمين ولا يكف الثياب والشعر" فلا يفيد الافتراض؛ لأنه ظني الثبوت قطعا وظني الدلالة على خلاف فيه، بناء على أن لفظ " أمرت " مستعمل في الوجوب والندب هو الأعم بمعنى طلب مني ذلك أو في الندب أو في الوجوب فقولهما بالافتراض مشكل؛ لأنه يلزمهما الزيادة على الكتاب بخبر الواحد وهما يمنعانه في الأصول كأبي حنيفة فلذا قال المحقق ابن الهمام فجعل بعض المتأخرين الفتوى على الرواية الأخرى الموافقة لقولهما، لم يوافقه دراية ولا القوي من الرواية هذا ولو حمل قولهما " لا يجوز الاقتصار إلا من عذر " على وجوب الجمع كان أحسن إذ يرتفع الخلاف بناء على ما حملنا الكراهة منه عليه من كراهة التحريم ولم يخرجا عن الأصول ا هـ.
فالحاصل أنه لا خلاف بينهم فقول الإمام بكراهة الاقتصار على الأنف المراد بها كراهة التحريم وهي في مقابلة ترك الواجب، وقولهما لعدم الجواز المراد به عدم الحل، وهو كراهة التحريم فالسجود على الجبهة واجب اتفاقا؛ لأنه مقتضى الحديث والمواظبة المروية في سنن الترمذي كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد مكن جبهته وأنفه بالأرض، وقال حديث حسن صحيح وهكذا في صحيح البخاري لكن هذا يقتضي وجوب السجود على الأنف كالجبهة؛ لأن المواظبة المنقولة تعمهما مع أن المنقول في البدائع والتحفة والاختيار عدم الكراهة بترك السجود على الأنف وظاهر ما في الكتاب يخالفه فإنه قال وكره أي الاقتصار على أحدهما سواء كان

 

ج / 1 ص -609-       وكره بأحدهما أو بكور عمامته
_________________
الجبهة أو الأنف وهي عند الإطلاق منصرفة إلى كراهة التحريم، وهكذا في المفيد والمزيد فالقول بعدم الكراهة ضعيف وخرج أيضا بقولنا: " مما لا سخرية فيه " ما إذا رفع قدميه في السجود فإنه لا يصح؛ لأن السجود مع رفعهما بالتلاعب أشبه منه بالتعظيم والإجلال، ويكفيه وضع أصبع واحدة فلو لم يضع الأصابع أصلا ووضع ظهر القدم فإنه لا يجوز؛ لأن وضع القدم بوضع الأصبع وإذا وضع قدما ورفع آخر جاز مع الكراهة من غير عذر كما أفاده قاضي خان وذهب شيخ الإسلام إلى أن وضعهما سنة فتكون الكراهة تنزيهية والأوجه على منوال ما سبق هو الوجوب فتكون الكراهة تحريمية لما سبق من الحديث وذكر القدوري أن وضعهما فرض، وهو ضعيف، وأما اليدان والركبتان فظاهر الرواية عدم افتراض وضعهما قال في التجنيس والخلاصة وعليه فتوى مشايخنا، وفي منية المصلي ليس بواجب عندنا واختار الفقيه أبو الليث الافتراض وصححه في العيون ولا دليل عليه؛ لأن القطعي إنما أفاد وضع بعض الوجه على الأرض دون اليدين والركبتين والظني المتقدم لا يفيده، لكن مقتضاه ومقتضى المواظبة الوجوب، وقد اختاره المحقق في فتح القدير، وهو إن شاء الله تعالى أعدل الأقوال لموافقته الأصول، وإن صرح كثير من مشايخنا بالسنية ومنهم صاحب الهداية، وفي المجتبى: سجد على طرف من أطراف جبهته يجوز ا هـ.
وظاهر ما في التجنيس يخالفه فإنه قال: إذا وضع من الجبهة مقدار الأنف لا يجوز عند أبي حنيفة؛ لأن الأنف عضو كامل وهذا المقدار من الجبهة ليس بعضو كامل ولا بأكثر منها ا هـ إلا أن يحمل الطرف على الأكثر كما لا يخفى.
" قوله: وكره بأحدهما أو بكور عمامته " أي كره السجود عليه، وهو دورها يقال كار العمامة وكورها دارها على رأسه وهذه العمامة عشرة أكوار وعشرون كورا كذا في المغرب، وهو بفتح الكاف كما ضبطه ابن أمير حاج لحديث الصحيحين كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم في شدة الحر فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه وذكر البخاري في صحيحه قال الحسن كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة فدل ذلك على الصحة،

 

ج / 1 ص -610-       ...............................
_________________
وإنما كره لما فيه من ترك نهاية التعظيم، وما في التجنيس من التعليل بترك التعظيم راجع إليه وإلا فترك التعظيم أصلا مبطل للصلاة.
وقد نبه العلامة ابن أمير حاج هنا تنبيها حسنا، وهو أن صحة السجود على الكور إذا كان الكور على الجبهة أو بعضها، أما إذا كان على الرأس فقط وسجد عليه ولم تصب جبهته الأرض على القول بتعيينها ولا أنفه على القول بعدم تعيينها فإن الصلاة لا تصح لعدم السجود على محله وكثير من العوام يتساهل في ذلك ويظن الجواز وظاهر أن الكراهة تنزيهية لنقل فعله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من السجود على العمامة تعليما للجواز فلم تكن تحريمية، وقد أخرج أبو داود عن صالح بن حيوان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسجد، وقد اعتم على جبهته فحسر عن جبهته إرشادا لما هو الأفضل والأكمل ولا يخفى أن محل الكراهة عند عدم العذر أما معه فلا، وفي كلام المصنف اشتباه فإنه جعل الكراهة في الاقتصار على أحدهما، وفي السجود على الكور واحدة، وقد حققنا أنها تحريمية في الأول تنزيهية في الثاني فيراد بالكراهة طلب الكف عن فعلها طلبا غير جازم سواء كان في الفعل إثم أو لا، وأشار بالكور إلى أن كل حائل بينه وبين الأرض متصل به فإن حكمه كذلك يعني الصحة كما لو سجد على فاضل ثوبه أو كمه على مكان ظاهر، وأما الكراهة ففي الذخيرة والمحيط إذا بسط كمه وسجد عليه إن بسط ليقي التراب عن وجهه كره ذلك؛ لأن هذا النوع تكبر وإن بسط ليقي التراب عن عمامته أو ثيابه لا يكره لعدمه ونص قاضي خان على أنه لا بأس به ولم يذكر كراهة، وفي الزاد: ولو سجد على كمه إن كان ثمة تراب أو حصاة لا يكره؛ لأنه يدفع الأذى عن نفسه، وإن لم يكن جاز ويكره، والتوفيق بينهما بحمل ما في الذخيرة على ما إذا لم يخف ضررا وقصد الترفع فيكره تحريما ويحمل ما ذكره قاضي خان على ما إذا لم يكن ترفعا ولم يخف فيكره تنزيها وهي ترجع إلى خلاف الأولى.
وكلمة لا بأس فيما تركه أولى ويحمل ما في الزاد على ما إذا لم يكن ترفعا وخاف الأذى فيكون مباحا، وقيدنا بكون ما تحته طاهرا؛ لأنه لو بسط كمه على نجاسة فالأصح عدم الجواز ودل كلامه على أنه لو سجد على حائل بينه وبين الأرض منفصل عنه فإنه يصح بالأولى كالسجادة والحصير، وذكر الأكمل في تقريره أن الأولى للإمام ومن يقتدى به كالمفتي ترك السجادة حتى لا يحمل العوام على ما فيه حرج عليهم بخلافه في الخلوة ومن لا يقتدى به، وحمله البزازي على

 

ج / 1 ص -611-       ...............................
_________________
زمانهم، أما في زماننا فالأولى الصلاة عليها لما أن الناس تهاونوا في أمر الطهارة والأصل كما أنه يجوز السجود على الأرض يجوز على ما هو بمعنى الأرض مما تجد جبهته حجمه وتستقر عليه وتفسير وجدان الحجم أن الساجد لو بالغ لا يتسفل رأسه أبلغ من ذلك فيصح السجود على الطنفسة والحصيرة والحنطة والشعير والسرير والعجلة إن كانت على الأرض؛ لأنه يجد حجم الأرض، بخلاف ما إذا كانت على ظهر الحيوان؛ لأن قرارها حينئذ على الحيوان كالبساط المشدود بين الأشجار ولو سجد على ظهر رجل إن كان للضرورة بأن لم يجد موضعا من الأرض يسجد عليه والمسجود على ظهره في الصلاة جاز وإن لم يكن في الصلاة، أو وجد فرجة لا يجوز لعدمها وقيد في الواقعات أن تكون صلاتهما متحدة حتى لو سجد على ظهر من يصلي صلاة أخرى لا يجوز لعدمها وعليه مشى في الخلاصة وفتح القدير وشرط في المجتبى شرطا آخر: وهو أن يكون المسجود على ظهره ساجدا على الأرض فلو سجد على ظهر مصل ساجد على ظهر مصل لا يجوز فالشروط أربعة.
وفي المحيط ولو سجد على ظهر الميت وعليه لبد إن وجد حجم الميت لم يجز؛ لأنه سجد على الميت، وإن لم يكن يجد حجمه جاز؛ لأنه سجد على اللبد، ولو سجد على الأرز أو الجاورس أو الذرة لا يجوز لعدم استقرار الجبهة عليها حتى لو كان الأرز في الجوالق فإنه يجوز؛ لأنه يجد الحجم بواسطة انكباسه كما ذكره في منية المصلي وإن سجد على الثلج إن لم يلبده وكان يغيب وجهه ولا يجد حجمه لم يجز، وإن لبد جاز، وكذا إذا ألقى الحشيش فسجد عليه إن وجد عليه حجمه جاز وإلا فلا، وكذا في التبن والقطن ومن هنا يعلم جواز أداء الصلاة على الطراحة القطن، فإن وجد الحجم جاز وإلا فلا وهذا القيد لا بد منه في السجود على كور العمامة وطرف القلنسوة كما صرح به في المجتبى، وفي منية المصلي، ولو أن موضع السجود أرفع من موضع القدمين مقدار لبنتين منصوبتين جاز، وإن كان أكثر لا يجوز أراد لبنة بخارى، وهو ربع ذراع. ا هـ.
وفي التجنيس، ولو سجد على حجر صغير إن كان أكثر الجبهة على الأرض يجوز وإلا فلا وهكذا في كثير من الكتب معزيا إلى نصير، وفيه بحث؛ لأن اسم السجود يصدق بوضع شيء من

 

ج / 1 ص -612-       وأبدى ضبعيه
_________________
الجبهة على الأرض ولا دليل على اشتراط أكثرها كما قالوا: يكفي في القدمين وضع أصبع واحدة، ولهذا قال في المجتبى سجد على طرف من أطراف جبهته جاز، ثم نقل كلام نصير فدل على تضعيفه، نعم، وضع أكثرها واجب للمواظبة على تمكين الجبهة من الأرض وعلى تسليم أن الأكثر شرط فيجب أنه إذا كان ما أصاب الحجر والأرض يبلغ أكثرها يجوز لأنه لا يعتد بما أصاب الحجر أصلا كما هو ظاهر كلامهم والله الموفق للصواب.
وقيد بكون الحائل تبعا؛ لأن الحائل لو كان بعضه فإن كان كفه يجوز على الأصح، وإن كان فخذه يجوز بعذر لا بغيره على الصحيح، وإن كان ركبته لا يجوز مطلقا من غير خلاف يعلم لكن إن كان بعذر كفاه باعتبار ما في ضمنه من الإيماء وكان عدم الخلاف فيه لكون السجود يقع على حرف الركبة، وهو لا يأخذ قدر الواجب من الجبهة على ما قدمناه عن التجنيس، وفي فتح القدير والذي ينبغي ترجيح الفساد على الكف والفخذ.
" قوله: وأبدى ضبعيه " أي أظهر عضديه والضبع بالسكون لا غير: العضد وقيل وسطه باطنه كذا في المغرب ولعل المراد هنا الثاني للدليل الآتي ولأنه المسنون وذكر في المحيط أن فيه لغتين: سكون الباء وضمها وذكر في ضياء الحلوم مختصر شمس العلوم أن الضبع بالسكون العضد والضبع بالضم الأنثى من الضباع ويقال للسنة المجدبة، وإنما يظهرهما لحديث الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه ولحديث مسلم
"إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك"، ثم إن كان في الصف لا يبديهما حذرا من إيذاء جاره بخلاف ما إذا لم يؤد إلى الإيذاء كما إذا لم يكن في الصف زحام ذكره في المجتبى وهذا أولى مما ذكره في الهداية وتابعه في الكافي وتبعهما الشارح من أنه إذا كان في الصف لا يجافي بطنه عن فخذيه؛ لأن الإيذاء لا يحصل من مجرد المجافاة، وإنما يحصل من إظهار العضدين.

 

ج / 1 ص -613-       وجافى بطنه عن فخذيه ووجه أصابع رجليه نحو القبلة
_________________
" قوله: وجافى بطنه عن فخذيه " أي باعده لحديث مسلم كان إذا سجد جافى بين يديه حتى لو أن بهيمة أرادت أن تمر بين يديه مرت ولحديث أبي داود في صفة صلاته عليه الصلاة والسلام وإذا سجد فرج بين فخذيه غير حامل بطنه على شيء من فخذيه وبهيمة تصغير بهمة ولد الشاة بعد السخلة فإنه أول ما تضعه أمه يكون سخلة، ثم يكون بهمة وهي بصيغة المكبر في صحيح مسلم وسنن ابن ماجه وذكر بعض الحفاظ أن الصواب التصغير، قالوا: والحكمة في الإبداء والمجافاة أن يظهر كل عضو بنفسه فلا تعتمد الأعضاء بعضها على بعض وهذا ضد ما ورد في الصفوف من التصاق بعضهم ببعض؛ لأن المقصود هناك الاتحاد بين المصلين حتى كأنهم جسد واحد ولأنه في الصلاة أشبه بالتواضع وأبلغ في تمكين الجبهة والأنف من الأرض وأبعد من هيئات الكسالى فإن المنبسط يشبه الكلب ويشعر بالتهاون بالصلاة وقلة الاعتناء بها.
" قوله: ووجه أصابع رجليه نحو القبلة " لحديث أبي حميد في صحيح البخاري أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة ونص صاحب الهداية في التجنيس على أنه إن لم يوجه الأصابع نحوها فإنه مكروه، ثم الظاهر المراد بقوله صلى الله عليه وسلم
"ولا قابضهما" أنه ناشر أصابعه عن باطن كفيه بدليل ما في صحيح ابن حبان عن وائل بن حجر أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد ضم أصابعه فنشر أصابعه من الطي ضاما بعضها إلى بعض ومن هنا نص مشايخنا على أنه يضم أصابعه كل الضم في السجود. قيل والحكمة

 

ج / 1 ص -614-       وسبح فيه ثلاثا والمرأة تنخفض وتلزق بطنها بفخذيها ثم رفع رأسه مكبرا وجلس مطمئنا
_________________
فيه أن الرحمة تنزل عليه في السجود فبالضم ينال أكثر.
" قوله: وسبح فيه ثلاثا " أي في السجود، وقد قدمناه في تسبيحات الركوع.
" قوله: والمرأة تنخفض وتلزق بطنها بفخذيها " لأنه أستر لها فإنها عورة مستورة ويدل عليه ما رواه أبو داود في مراسيله أنه عليه الصلاة والسلام مر على امرأتين تصليان فقال
"إذا سجدتما فضما بعض اللحم إلى الأرض فإن المرأة ليست في ذلك كالرجل".
وذكر الشارح أن المرأة تخالف الرجل في عشر خصال ترفع يديها إلى منكبيها وتضع يمينها على شمالها تحت ثدييها ولا تجافي بطنها عن فخذيها وتضع يديها على فخذيها تبلغ رءوس أصابعها ركبتيها ولا تفتح إبطيها في السجود وتجلس متوركة ولا تفرج أصابعها في الركوع ولا تؤم الرجال وتكره جماعتهن وتقوم الإمام وسطهن ا هـ. ويزاد على العشر أنها لا تنصب أصابع القدمين كما ذكره في المجتبى ولا يستحب في حقها الإسفار بالفجر كما قدمناه في محله ولا يستحب في حقها الجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية بل قدمناه في شروط الصلاة أنه لو قيل بالفساد إذا جهرت لأمكن على القول بأن صوتها عورة والتتبع يقتضي أكثر من هذا فالأحسن عدم الحصر.
" قوله: ثم رفع رأسه مكبرا وجلس مطمئنا " يعني بين السجدتين، وقد تقدم أن هذا الجلوس مسنون ومقتضى الدليل من المواظبة عليها وجوبها لكن المذهب خلافه وما في شرح المنية من أن الأصح وجوبها إن كان بالنظر إلى الدراية فمسلم لما علمت من المواظبة، وإن كان من جهة الرواية فلا، وقد صرح الشارحون بالسنية ولم يذكر المصنف بين السجدتين ذكرا مسنونا، وهو المذهب عندنا، وكذا بعد الرفع من الركوع وما ورد فيهما من الدعاء فمحمول على التهجد، قال يعقوب سألت أبا حنيفة عن الرجل يرفع رأسه من الركوع في الفريضة أيقول اللهم اغفر لي قال يقول ربنا لك الحمد وسكت، وكذلك بين السجدتين فقد أحسن حيث لم ينهه عن الاستغفار صريحا من قوة احترازه ولم يذكر المصنف أيضا مقدار الرفع الذي يكون فاصلا بين السجدتين

 

ج / 1 ص -615-       وكبر وسجد مطمئنا وكبر للنهوض بلا اعتماد وقعود
_________________
للاختلاف فيه فإن فيه أربع روايات عن أبي حنيفة، صحح صاحب الهداية أنه إن كان إلى القعود أقرب جاز، وإن كان إلى السجود أقرب لا يجوز؛ لأنه يعد ساجدا وصحح صاحب البدائع أنه كان بحيث لا يشكل على الناظر أنه رفع يجوز وصحح صاحب المحيط أنه يكتفي بأدنى ما ينطلق عليه اسم الرفع، والرواية الرابعة: أنه إذا رفع رأسه مقدار ما يمر الريح بينه وبين الأرض جاز ولم أر من صححها وظاهر كلام المصنف في الكافي أنها تعود إلى الرواية الثالثة المصححة في المحيط واختارها فيه وذكر أنها القياس لتعلق الركنية بالأدنى في سائر الأركان.
" قوله: وكبر وسجد مطمئنا " وقد تقدم حكم الطمأنينة ".
قوله وكبر للنهوض بلا اعتماد وقعود " لحديث أبي داود نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة، وفي حديث وائل بن حجر في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا نهض نهض على ركبتيه واعتمد على فخذيه ولحديث الترمذي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهض في الصلاة على صدور قدميه قال الترمذي إن عليه العمل عند أهل العلم، وأما ما رواه البخاري عن مالك بن الحويرث أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدا فمحمول على حالة الكبر كما في الهداية ويرد عليه أن هذا الحمل يحتاج إلى دليل، وقد قال عليه الصلاة والسلام لمالك بن الحويرث لما أراد أن يفارقه: "صلوا كما رأيتموني

 

ج / 1 ص -616-       والثانية كالأولى ولا يتعوذ ولا يرفع يديه إلا في فقعس صمعج
_________________
أصلي" ولم يفصل فكان الحديث حجة للشافعي فالأولى أن يحمل على تعليم الجواز فلذا والله أعلم قال في الفتاوى الظهيرية قال شمس الأئمة الحلواني إن الخلاف إنما هو في الأفضلية حتى لو فعل كما هو مذهب الشافعي لا بأس به عندنا ا هـ.
وكذا ترك الاعتماد مستحب لمن ليس به عذر عندنا على ما هو ظاهر كثير من الكتب المشهورة قال الوبري لا بأس يعتمد براحتيه على الأرض عند النهوض من غير فصل بين العذر وعدمه ومثله ما في المحيط عن الطحاوي لا بأس بأن يعتمد بيديه على الأرض شيخا كان أو شابا، وهو قول عامة العلماء ا هـ. والأوجه أن يكون سنة فتركه يكره تنزيها لما تقدم من النهي وذكر الشارح أنه يكره تقديم إحدى الرجلين عند النهوض ويستحب الهبوط باليمنى والنهوض بالشمال ولم يذكر للكراهة دليلا وذكرها في المجتبى مروية عن معاذ بن جبل وابن عباس رضي الله عنهما.
" قوله: والثانية كالأولى " أي فيما قدمناه من الأركان والواجبات والسنن والآداب.
" إلا أنه لا يثني " أي لا يأتي بدعاء الاستفتاح؛ لأنه شرع في أول العبادة دون أثنائها ولذا سمي دعاء الاستفتاح.
" قوله: ولا يتعوذ "؛ لأنه شرع في أول القراءة لدفع الوسوسة فلا يتكرر إلا بتبدل المجلس كما لو تعوذ وقرأ، ثم سكت قليلا وقرأ وبهذا اندفع ما ذكره ابن أمير حاج في شرحه من أنه ينبغي على قول أبي حنيفة ومحمد أن يتعوذ في الثانية أيضا؛ لأنه سنة القراءة، والقراءة تتجدد في كل ركعة لما علمت أنه سنة في أول القراءة.
" قوله: ولا يرفع يديه إلا في فقعس صمعج " أي ولا يرفع يديه على وجه السنة المؤكدة إلا في هذه المواضع وليس مراده النفي مطلقا؛ لأن رفع الأيدي وقت الدعاء مستحب كما عليه المسلمون في سائر البلاد فلا يرفع يديه عند الركوع ولا عند الرفع منه ولا تكبيرات الجنائز لحديث أبي داود عن البراء قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه حين افتتح الصلاة، ثم لم يرفعهما حتى انصرف ولحديث مسلم عن جابر بن سمرة قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما لي

 

ج / 1 ص -617-       ...............................
_________________
أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس اسكنوا في الصلاة" وشمس بضم المعجمة وسكون الميم جمع شموس بفتحها وضم الميم أي صعب واعتراض البخاري في كتابه رفع اليدين بأن هذا الرفع كان في التشهد بدليل حديث عبد الله ابن القبطية عن جابر أيضا، رد بأن الظاهر أنهما حديثان؛ لأن الذي يرفع يديه حال التسليم لا يقال له اسكن في الصلاة وبأن العبرة لعموم اللفظ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم
"اسكنوا في الصلاة" لا لخصوص السبب، وهو الإيماء حال التسليم.
وفي فتح القدير: واعلم، أن الآثار عن الصحابة والطرق عنه صلى الله عليه وسلم كثيرة جدا والكلام فيها واسع من جهة الطحاوي وغيره والقدر المتحقق بعد ذلك كله ثبوت رواية كل من الأمرين عنه عليه الصلاة والسلام الرفع عند الركوع كما رواه الأئمة الستة في كتبهم عن ابن عمر وعدمه كما رواه أبو داود وغيره عن ابن مسعود فيحتاج إلى الترجيح لقيام التعارض، ويترجح ما صرنا إليه بأنه قد علم أنها كانت أقوال مباحة في الصلاة وأفعال من جنس هذا الرفع، وقد علم نسخها فلا يبعد أن يكون هو أيضا مشمولا بالنسخ خصوصا، وقد ثبت ما يعارضه ثبوتا لا مرد له بخلاف عدمه فإنه لا يتطرق إليه احتمال عدم الشرعية؛ لأنه ليس من جنس ما عهد فيه ذلك بل من جنس السكون الذي هو طريق ما أجمع على طلبه في الصلاة أعني الخشوع، وكذا بأفضلية الرواة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قاله أبو حنيفة للأوزاعي في الحكاية المشهورة عنهما.
وأفاد بهذه الحروف سنية رفع اليدين في ثمانية مواضع: ثلاثة في الصلاة فالفاء لتكبيرة الافتتاح والقاف للقنوت والعين للعيدين، وخمسة في الحج: فالسين عند استلام الحجر والصاد عند الصعود على الصفا والميم للمروة والعين لعرفات والجيم للجمرات والرفع في الثلاثة الأول بحذاء الأذنين، وفي الخمسة تفصيل ففي استلام الحجر وعند الجمرتين الأولى والوسطى يرفع حذاء منكبيه ويجعل باطنهما نحو الكعبة في ظاهر الرواية، وعند الصفا والمروة " و " بعرفات يرفعهما كالدعاء باسطا يديه نحو السماء كذا في الفتاوى الظهيرية من المناسك.

 

ج / 1 ص -618-       وإذا فرغ من سجدتي الركعة الثانية افترش رجله اليسرى فجلس عليها ونصب يمناه ووجه أصابعه نحو القبلة ووضع يديه على فخذيه وبسط أصابعه
_________________
" قوله: وإذا فرغ من سجدتي الركعة الثانية افترش رجله اليسرى فجلس عليها ونصب يمناه ووجه أصابعه نحو القبلة " لحديث مسلم عن عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في كل ركعتين التحية وكان يفترش رجله اليسرى وينصب اليمنى وهذا بيان السنة عندنا حتى لو تورك جاز، أطلق الصلاة فشمل الفرض والنفل فيقعد فيهما على هذه الكيفية، فما في المجتبى ناقلا عن صلاة الجلابي أن هذا في الفرض، وفي النفل يقعد كيف شاء كالمريض مخالف لإطلاق الكتب المعتبرة المشهورة، نعم النفل مبناه على التخفيف، ولذا يجوز قاعدا مع القدرة على القيام لكن الكلام إنما هو في السنية.
" قوله: ووضع يديه على فخذيه وبسط أصابعه " يعني وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده اليسرى على فخذه اليسرى لحديث مسلم عن ابن عمر مرفوعا كذلك أشار إلى رد ما ذكره الطحاوي أنه يضع يديه على ركبتيه ويفرق بين أصابعه كحالة الركوع لحديث مسلم أيضا عن ابن عمر كذلك وزاد فيه وعقد ثلاثة وخمسين وأشار بالسبابة ورجح في الخلاصة الكيفية الأولى، فقال: ولا يأخذ الركبة، هو الأصح فتحمل الكيفية الثانية في الحديث على الجواز، والأولى على بيان الأفضلية، وعلل له في البدائع بأنه على الكيفية الأولى تكون الأصابع متوجهة إلى القبلة وعلى الثانية إلى الأرض لكنه لا يتم إلا إذا كانت الأصابع عطفت على الركبة أما إذا كانت رءوسها عند رأس الركبة فلا يتم الترجيح، وعلى اعتبار هذه الكيفية الثالثة ما في جمع التفاريق عن محمد أنه يكون أطراف الأصابع عند الركبة كما نقله في المجتبى وأشار ببسط الأصابع إلى أنه لا يشير بالسبابة عند الشهادتين، وهو قول كثير من المشايخ، وفي الولوالجية والتجنيس: وعليه الفتوى؛ لأن مبنى الصلاة على السكون، وكرهها في منية المصلي ورجح في فتح القدير القول بالإشارة وأنه مروي عن أبي حنيفة كما قال محمد فالقول بعدمها مخالف للرواية والدراية

 

ج / 1 ص -619-       وقرأ تشهد ابن مسعود رضي الله عنه
_________________
ورواها في صحيح مسلم من فعله صلى الله عليه وسلم وفي المجتبى لما اتفقت الروايات عن أصحابنا جميعا في كونها سنة، وكذا عن الكوفيين والمدنيين وكثرة الأخبار والآثار كان العمل بها أولى.
" قوله: وقرأ تشهد ابن مسعود رضي الله عنه "، وهو ما رواه أصحاب الكتب الستة، وهو: التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فسمي تشهدا تسمية للكل باسم جزئه الأشرف؛ لأن التشهد أشرف أذكاره، ثم في تفسير ألفاظها أقوال كثيرة، أحسنها: أن التحيات العبادات القولية والصلوات العبادات البدنية والطيبات العبادات المالية فجميع العبادات لله تعالى لا يستحقه غيره ولا يتقرب بشيء منه إلى ما سواه، ثم هو على مثال من يدخل على الملوك فيقدم الثناء أولا، ثم الخدمة ثانيا، ثم بذل المال ثالثا، وأما قوله: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته حكاية سلام الله تعالى على نبيه عليه الصلاة والسلام فهي ثلاثة بمقابلة الثلاث التي أثنى بها النبي صلى الله عليه وسلم على ربه ليلة الإسراء، والسلام من سلم الله تعالى عليه أو من تسليمه من الآفات وإلا ظهر أن المراد بالرحمة هنا نفس الإحسان منه تعالى لا إرادته؛ لأن المراد الدعاء بها والدعاء إنما يتعلق بالممكن والإرادة قديمة بخلاف نفس الإحسان، والبركة النماء والزيادة من الخير ويقال: البركة جماع كل خير، ثم إنه صلى الله عليه وسلم أعطى سهما من هذه الكرامة لإخوانه الأنبياء والملائكة وصالح المؤمنين من الإنس والجن؛ لأنه يعمهم كما شهدت به السنة الصحيحة حيث قال صلى الله عليه وسلم هذه الكلمات فإنكم إذا قلتموها أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض، والعباد جمع عبد، قال بعضهم: ليس شيء أشرف من العبودية، ومراده من صفات المخلوقين وإلا فهي منبئة عن النقص لدلاتها على الحاجة والافتقار كما ذكره الغزالي في جواهر القرآن وعرفها النسفي بأنها الرضا بما يفعله الرب، والعبادة فعل ما يرضي الرب وأن العبودية أقوى منها؛ لأنها لا تسقط في العقبى بخلاف العبادة والصالح هو القائم بحقوق الله وحقوق عباده ولذا وصف الأنبياء نبينا عليه الصلاة والسلام به ليلة الإسراء فقالوا: مرحبا بالنبي الصالح ولذا قالوا لا ينبغي الجزم به في حق شخص معين من غير شهادة الشارع له به، وإنما يقال هو صالح فيما أظن أو في ظني خوفا من الشهادة بما ليس فيه، وأشهد معناه أعلم وأتيقن

 

ج / 1 ص -620-       ...............................
_________________
ألوهية الله تعالى وحده لا شريك له وعبودية محمد ورسالته صلى الله عليه وسلم وقدمت العبودية على الرسالة لما قدمناه أنها أشرف صفاته، ولهذا وصفه الله تعالى بها في قوله تعالى:
{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ}[الاسراء:1] وفي قوله تعالى: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى}[لنجم:10] واختير لفظ الشهادة دونهما؛ لأنها أبلغ في معناها وأظهر منهما لكونها مستعملة في ظواهر الأشياء وبواطنها، بخلاف العلم واليقين فإنهما يستعملان غالبا في البواطن فقط، ولذا لو أتى الشاهد بلفظ أعلم أو أتيقن مكان أشهد لم تقبل شهادته وإنما ذكرنا بعض معاني التشهد لما أن المصلي يقصد بهذه الألفاظ معانيها مرادة له على وجه الإنشاء منه كما صرح به في المجتبى بقوله: ولا بد من أن يقصد بألفاظ التشهد معناها التي وضعت لها من عنده كأنه يحي الله ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى نفسه وأوليائه ا هـ.
وعلى هذا فالضمير في قوله السلام علينا عائد إلى الحاضرين من الإمام والمأموم والملائكة كما نقله في الغاية عن النووي واستحسنه وبهذا يضعف ما ذكره في السراج الوهاج أن قوله السلام عليك أيها النبي حكاية سلام الله عليه لا ابتداء سلام من المصلي عليه واحترز بتشهد ابن مسعود عن غيره ليخرج تشهد عمر رضي الله عنه، وهو: التحيات لله الزاكيات لله الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله رواه مالك في الموطإ وعمل به إلا أنه زاد عليه " وحده لا شريك له " الثابت في تشهد عائشة المروي في الموطإ أيضا وبه علم تشهدها وخرج تشهد ابن عباس رضي الله عنهما المروي في مسلم وغيره مرفوعا: التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله إلا أن في رواية الترمذي سلام

 

ج / 1 ص -621-       وفيما بعد الأوليين اكتفى بالفاتحة
_________________
عليك بالتنكير وبهذا أخذ الشافعي وقال: إنه أكمل التشهد ورجح مشايخنا تشهد ابن مسعود بوجوه عشرة ذكرها الشارح وغيره أحسنها: أن حديثه اتفق عليه الأئمة الستة في كتبهم لفظا ومعنى، واتفق المحدثون على أنه أصح أحاديث التشهد بخلاف غيره حتى قال الترمذي إن أكثر أهل العلم عليه من الصحابة والتابعين وممن عمل به أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكان يعلمه الناس على المنبر كالقرآن، ثم وقع لبعض الشارحين أنه قال والأخذ بتشهد ابن مسعود أولى فيفيد أن الخلاف في الأولوية حتى لو تشهد بغيره كان آتيا بالواجب والظاهر خلافه؛ لأنهم جعلوا التشهد واجبا وعينوه في تشهد ابن مسعود فكان واجبا.
ولهذا قال في السراج الوهاج ويكره أن يزيد في التشهد حرفا أو يبتدئ بحرف قبل حرف قال أبو حنيفة، ولو نقص من تشهده أو زاد فيه كان مكروها؛ لأن أذكار الصلاة محصورة فلا يزاد عليها ا هـ.
وإذا قلنا بتعينه للوجوب كانت الكراهة تحريمية وهي المحمل عند إطلاقها كما ذكرناه غير مرة وأشار إلى أنه لا يزيد على تشهد ابن مسعود في القعدة الأولى فلا يأتي بالصلاة صلى الله عليه وسلم فيها، وهو قول أصحابنا ومالك وأحمد، وعند الشافعي على الصحيح أنها مستحبة فيها، للجمهور ما رواه أحمد وابن خزيمة من حديث ابن مسعود ثم إن كان صلى الله عليه وسلم في وسط الصلاة نهض حين فرغ من تشهده.
قال الطحاوي من زاد على هذا فقد خالف الإجماع، فإن زاد فيها، فإن كان عامدا فهو مكروه ولا يخفى وجوب إعادتها، وإن كان ساهيا فقد اختلفت الرواية والمشايخ والمختار كما صرح به في الخلاصة أنه يجب السجود للسهو إذا قال اللهم صل على محمد لا لأجل خصوص الصلاة بل لتأخير القيام المفروض واختاره قاضي خان وبهذا ظهر ضعف ما في منية المصلي من أنه إذا زاد حرفا واحدا وجب عليه سجود السهو على قول أكثر المشايخ؛ لأن الحرف أو الكلمة يسير يعسر التحرز عنه وما ذكره القاضي الإمام من أن السجود لا يجب حتى يقول وعلى آل محمد؛ لأن التأخير حاصل بما ذكرناه وما في الذخيرة من أنه لا يجب حتى يؤخر مقدر ما يؤدي ركنا فيه؛ لأنه لا دليل عليه.
" قوله: وفيما بعد الأوليين اكتفى بالفاتحة " يعني في الفرائض أطلقه فشمل الثالثة من

 

ج / 1 ص -622-       ...............................
_________________
المغرب والأخيرتين من الرباعية وهي أحسن من عبارة القدوري حيث قال يقرأ في الأخريين بالفاتحة إذ لا تشمل المغرب ولم يبين صفة القراءة فيما بعدهما للاختلاف فروى الحسن عن أبي حنيفة وجوبها وظاهر الرواية أنه يخير بين القراءة والتسبيح ثلاثا كما في البدائع والذخيرة والسكوت قدر تسبيحة كما في النهاية أو ثلاثا كما ذكره الشارح وصحح التخيير في الذخيرة، وفي فتاوى قاضي خان وعليه الاعتماد، وفي المحيط: ظاهر الرواية أن القراءة سنة في الأخيرتين، ولو سبح فيهما ولم يقرأ لم يكن مسيئا؛ لأن القراءة فيهما شرعت على سبيل الذكر والثناء حتى قالوا: ينوي بها الذكر والثناء دون القراءة بدليل أنه شرعت المخافتة فيها في سائر الأحوال وذلك يختص بالأذكار ولذا تعينت الفاتحة للقراءة؛ لأنها كلها ذكر وثناء، وإن سكت فيهما عمدا يكون مسيئا؛ لأنه ترك السنة، وإن كان ساهيا لم يلزمه سجود السهو، وفي البدائع إن التخيير مروي عن علي وابن مسعود، وهو مما لا يدرك بالرأي فهو كالمرفوع، وهو الصارف للمواظبة عن الوجوب المستفاد من حديث الصحيحين عن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين، وفي الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب وبهذا ظهر ضعف ما في المحيط من أنه لا يكون مسيئا بترك القراءة فيهما لكن مقتضى أثر علي وابن مسعود أنه لا يكون مسيئا بالسكوت، وهو ظاهر ما في البدائع والذخيرة والخانية، وإن كان صاحب المحيط على خلافه.
واتفق الكل على أن القراءة أفضل وليس بمناف للتخيير كالحلق مع التقصير وصوم المسافر في رمضان إذ لا مانع من التخيير بين الفاضل والأفضل وصحح في المجتبى أنه ينوي الذكر والثناء موافقا لما في المحيط واستدل له في المبسوط، وفي البدائع أن رجلا سأل عائشة عن قراءة الفاتحة في الأخريين، فقالت: ليكن على وجه الثناء، وقد قدمناه في الحيض أن القرآن يخرج عن القرآنية بالقصد وأن بعضهم لا يرى به في الفاتحة فينبغي كذلك هنا ومن الغريب ما نقله

 

ج / 1 ص -623-       والقعود الثاني كالأول
_________________
في المجتبى عن غريب الرواية أنه لو قرأ الفاتحة في الأخريين بنية القرآن يضم إليها السورة ا هـ.
وكان وجهه القياس على الأوليين ولا يخفى عدم صحته لما عهد في الأخريين من التخفيف وأشار بقوله اكتفى بالفاتحة إلى أنه لا يزيد عليها على أنه سنة والظاهر أن الزيادة عليها مباحة لما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين قدر ثلاثين آية، وفي الأخريين قدر خمسة عشر آية أو قال نصف ذلك، ولهذا قال فخر الإسلام وتبعه في غاية البيان أن السورة مشروعة نفلا في الأخريين حتى لو قرأها في الأخريين ساهيا لم يلزمه السجود، وفي الذخيرة، وهو المختار، وفي المحيط، وهو الأصح، وإن كان الأولى الاكتفاء بها لحديث أبي قتادة السابق ويحمل حديث أبي سعيد على تعليم الجواز ويحمل ما في السراج الوهاج معزيا إلى الاختيار من كراهة الزيادة على الفاتحة على كراهة التنزيه التي مرجعها إلى خلاف الأولى.
وقيدنا بالفرائض؛ لأن النفل الواجب تجب القراءة في جميع الركعات بالفاتحة والسورة كما سيأتي وأشار أيضا إلى أنه لا يأتي بالثناء والتعوذ في الشفع الثاني من الفرائض، والواجب كالفرض في هذا، بخلاف النوافل سنة كانت أو غيرها، فإنه يأتي بالثناء والتعوذ فيه كالأول؛ لأن كل شفع صلاة على حدة ولذا يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في القعود الأول، واستثنى من ذلك في المجتبى الأربع قبل الظهر والجمعة وبعدها فإنها صلاة واحدة كالفرض لكن هو مسلم في الأربع قبل الظهر لما صرحوا به من أنه لا تبطل شفعة الشفيع بالانتقال إلى الشفع الثاني منها، ولو أفسدها قضى أربعا والأربع قبل الجمعة بمنزلتها، وأما الأربع بعد الجمعة فغير مسلم بل هي كغيرها من السنن فإنهم لم يثبتوا لها تلك الأحكام المذكورة والله سبحانه أعلم.
" قوله: والقعود الثاني كالأول " يعني فيفترش رجله اليسرى فيجلس عليها وينصب اليمنى كما قدمناه، وهو احتراز عن قول مالك والشافعي من أنه يتورك فيها.

 

ج / 1 ص -624-       وتشهد وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم
_________________
وفي خزانة الفقه لأبي الليث وأكثر ما يقع التشهد في الصلاة الواحدة عشر مرات، وهو أن يدرك الإمام في التشهد الأول من صلاة المغرب، ثم يتشهد معه الثانية وعلى الإمام سهو فيسجد معه ويتشهد الثالثة، ثم يتذكر الإمام أن عليه سجدة تلاوة فيسجد ويتشهد معه الرابعة، ثم يسجد الإمام لهذا السهو ويتشهد معه الخامسة، ثم إذا سلم الإمام قام المأموم وصلى ركعة وتشهد السادسة، ثم صلى ركعة أخرى وتشهد السابعة، وقد كان سها فيما يقضي فسجد للسهو وتشهد الثامنة، ثم تذكر أنه قرأ آية سجدة فيما يقضي فسجد وتشهد التاسعة، ثم سجد لهذا السهو وتشهد العاشرة ا هـ. مراده من التشهد بعد سجود التلاوة تشهد الصلاة في القعدة الأخيرة؛ لأن العود إلى سجود التلاوة يرفع القعدة كما لا يخفى وحينئذ يعيده ويعيد سجود السهو لبطلانه بالعود إلى سجود التلاوة.
" قوله: وتشهد وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم "، وقد قدمنا أن التشهد واجب وأن الصلاة سنة وقدمنا دليل السنية وأن موجب الأمر في الآية إنما هو الافتراض في العمر مرة؛ لأنه لا يقتضي التكرار وهذا بلا خلاف، وإنما وقع الخلاف بين الطحاوي والكرخي في وجوبها كلما سمع ذكره من غيره أو من نفسه الموجب للتفسيق بالترك لا في الافتراض فاختار الطحاوي تكرار الوجوب وصححه في التحفة والمحيط.
واختلف على قوله أنه لو تكرر في مجلس واحد هل يتداخل الوجوب فيكفيه صلاة واحدة أو يتكرر الوجوب من غير تداخل؟ صحح في الكافي من باب سجود التلاوة الأول وأن الزائد ندب، وكذا التشميت وصحح في المجتبى الثاني وفرق بينه وبين تكرار ذكر الله تعالى في مجلس حيث يكفي ثناء واحد. قال ولو تركه لا يبقى عليه دينا، بخلاف الصلاة فإنها تصير دينا بأن كل وقت أداء للثناء؛ لأنه لا يخلو عن تجدد نعم الله تعالى عليه الموجبة للثناء فلا يكون وقتا للقضاء كالفاتحة في الأخريين، بخلاف الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الفرق ليس بظاهر؛ لأن جميع الأوقات، وإن كانت وقتا للأداء لكن ليس مطالبا بالأداء؛ لأنه رخص له في الترك فيمكن أن يكون سماعه لاسم الله تعالى سببا في الوجوب كالصلاة واختار الكرخي استحباب التكرار ورجحه شمس الأئمة السرخسي وقدح في قول الطحاوي بأنه مخالف للإجماع، فإن تم نقل الإجماع على الاستحباب ترجح وإلا فالأولى قول الطحاوي للأحاديث الواردة فيها من الدعاء، بالرغم والإبعاد والشقاء والوصف بالبخل والجفاء لمن لم يصل عليه إذا ذكر عنده فإن الوعيد في مثل هذه الأمور على الترك من علامات الوجوب، ولعل السرخسي ظن أن الطحاوي قائل بالافتراض فرده وقد علمت أنه إنما قال بالوجوب المصطلح عليه عندنا لما أن مستنده خبر واحد.

 

ج / 1 ص -625-       ...............................
_________________
وبهذا ظهر أن الصلاة تكون فرضا وواجبا وسنة ومستحبة ومكروهة، فالأول في العمر مرة، والثاني كلما ذكر على الصحيح، والثالث في الصلاة، والرابع في جميع أوقات الإمكان والخامس في الصلاة في غير التشهد في القعود الأخير، وظهر بما قررناه أن قول الحاوي القدسي، وقال بعضهم: إنها فرض عند سماع اسمه كل مرة وهذا أصح ا هـ. محمول على الواجب كما قدمنا.
ويمكن أن تكون الصلاة حراما كما صرحوا به في الحظر والإباحة في مسألة ما إذا فتح التاجر متاعه وصلى، وكذا في الفقاعي، وفي المجتبى معزيا إلى خزانة الأكمل أنه لا يجب على النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي على نفسه، ثم في كيفيتها في الصلاة وخارجها اختلاف، والذي صرح به ضابط المذهب محمد بن الحسن على ما نقله الشارح وغيره "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد" من غير ذكر " في العالمين " وأخرجه البيهقي حديثا مرفوعا، ونقل في الذخيرة عن محمد الصلاة المذكورة مع تكرار إنك حميد مجيد، وهو كذلك في صحيح البخاري وفي إفصاح ابن هبيرة عن محمد بن الحسن ذكر الصلاة المنقولة عنه مع زيادة " في العالمين " وهي ثابتة في رواية ابن مسعود الأنصاري عند مالك ومسلم وأبي داود وغيرهم فما في السراج الوهاج معزيا إلى منية المصلي من أنه لا يأتي بها ضعيف ومعنى الصلاة الرحمة وإنما كرر حرف الجر في الآل للإشارة إلى تراخي رتبة آله عنه.

 

ج / 1 ص -626-       ...............................
_________________
واختلف فيهم: فالأكثرون على أنهم قرابته الذين حرمت الصدقة عليهم وصححه بعضهم واختار النووي أنهم جميع الأمة، والتشبيه. في قوله كما صليت إما راجع لآل محمد وإما لأن المشبه به لا يلزم أن يكون أعلى من المشبه أو مساويا بل قد يكون أدنى مثل قوله تعالى:
{مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ}[النور:35] وسبب وقوعه كون المشبه به مشهورا فهو من باب إلحاق غير المشهور بالمشهور لا الناقص بالكامل والواقع أن القدر الحاصل للنبي صلى الله عليه وسلم وآله أزيد مما حصل لغيره.
والنكتة في تخصيص سيدنا إبراهيم دون غيره من الأنبياء إما لسلامه على أمة محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء دون غيره من الأنبياء أو لدعائه بقوله: ربنا وابعث فيهم رسولا منهم، أو لأنه سمانا المسلمين وسماه الله أبا للمسلمين وحسن الختم ب " إنك " حميد مجيد؛ لأن الداعي يشرع له أن يختم دعاءه باسم من الأسماء الحسنى مناسب للمطلوب كما علم من الآيات والأحاديث، والصلاة والتبريك عليه يشتمل على الحمد والمجد لاشتمالها على ثناء الله وتكريمه ورفع الذكر له فكأن المصلي يطلب من الله أن يزيده في حمده ومجده فناسب أن يختم بهذين الاسمين والحكمة في أن العبد يسأل الله تعالى أن يصلي ولا يصلي بنفسه مع أنه مأمور بالصلاة: قصوره عن القيام بهذا الحق كما ينبغي، فالمراد من الصلاة في الآية سؤالها فالمصلي في الحقيقة هو الله تعالى ونسبتها إلى العبد مجاز، وفي منية المصلي وروي عن بعض المشايخ أنه قال: ولا يقول ارحم محمدا وأكثر المشايخ على أنه يقوله للتوارث ا هـ.
قال السرخسي لا بأس به؛ لأن الأثر ورد به من طريق أبي هريرة وابن عباس ولأن أحدا وإن جل قدره لا يستغني عن رحمة الله تعالى وصححه الشارح ومحل الخلاف في الجواز وعدمه إنما هو فيما يقال مضموما إلى الصلاة والسلام كما أفاد شيخ الإسلام ابن حجر فلذا اتفقوا على أنه لا يقال ابتداء رحمة الله، ومن العجيب ما وقع في فتاوى قاضي خان في آخر باب الوتر والتراويح حيث قال: وإذا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت قالوا لا يصلي في القعدة الأخيرة، وكذا لو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم في القعدة الأولى ساهيا لا يصلي في القعدة الأخيرة ا هـ. وكان وجهه أن الصلاة عليه في الصلاة لا تتكرر فإذا أتى بها مرة، ولو في غير موضعها لا تعاد لكن هذا في الثاني ممكن، وأما في القنوت فالصلاة آخره مشروعة كما سيأتي فالحق خلافه، وأعجب من هذا ما في المجتبى: من أنه إذا شرع في التشهد ولم يتمه لا تصح صلاته عند محمد ؛ لأنه صار فرضا عليه بالشروع، وإن كان ظاهر المذهب الصحة وعندي في صحته عن محمد بعد؛ لأنه يلزمه في كل واجب شرع فيه ولم يتمه كالفاتحة، وأطلق المصنف التشهد والصلاة فشمل المسبوق ولا خلاف أنه في التشهد كغيره.

 

ج / 1 ص -627-       ودعا بما يشبه ألفاظ القرآن والسنة لا كلام الناس
_________________
وأما في الصلاة والدعاء فاختلفوا على أربعة أقوال اختار ابن شجاع تكرار التشهد وأبو بكر الرازي السكوت وصحح قاضي خان في فتاويه أنه يترسل في التشهد حتى يفرغ منه عند سلام الإمام، وصحح صاحب المبسوط أنه يأتي بالصلاة والدعاء متابعة للإمام؛ لأن المصلي لا يشتغل بالدعاء في خلال الصلاة لما فيه من تأخير الأركان وهذا المعنى لا يوجد هنا؛ لأنه لا يمكنه أن يقوم قبل سلام الإمام وينبغي الإفتاء بما في الفتاوى كما لا يخفى.
وفي عمدة الفتاوى للصدر الشهيد الإمام إذا تكلم والمقتدي بعد لم يقرأ التشهد قرأ، وإن أحدث الإمام لم يقرأ؛ لأن الكلام بمنزلة السلام والإمام إذا سلم والمقتدي لم يقرأ التشهد يقرأ؛ لأنه يجوز أن يبقى المقتدي في حرمة الصلاة بعد سلام الإمام ولا يجوز أن يبقى بعد حدث الإمام عمدا.
" قوله: ودعا بما يشبه ألفاظ القرآن والسنة لا كلام الناس " أي بالدعاء الموجود في القرآن ولم يرد حقيقة المشابهة إذ القرآن معجز لا يشابهه شيء ولكن أطلقها لإرادته نفس الدعاء لا قراءة القرآن مثل
{رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا}[البقرة:286] {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا}[آل عمران:8] {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ و}[نوح:28] {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً}[البقرة:201] إلى آخر كل من الآيات.
وقوله: والسنة، يجوز نصبه عطفا على ألفاظ أي دعا بما يشبه ألفاظ السنة وهي الأدعية المأثورة ومن أحسنها ما في صحيح مسلم "اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال" ويجوز جره عطفا على القرآن أو ما أي دعا بما يشبه ألفاظ السنة أو دعا بالسنة، وقد تقدم أن الدعاء آخرها سنة لحديث ابن مسعود "، ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به" ولفظ مسلم "، ثم ليتخير من المسألة ما شاء" وله حديث أيضا عند أحمد، وإن كان في آخرها دعا يعني النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد بما شاء

 

ج / 1 ص -628-       ...............................
_________________
أن يدعو، ثم يسلم وعن أبي أمامة قال: قيل: يا رسول الله، أي الدعاء أسمع؟ قال: "جوف الليل الأخير ودبر الصلوات المكتوبات" رواه الترمذي وحسنه والدبر يطلق على ما قبل الفراغ منها أي الوقت الذي يليه وقت الخروج منها ويراد به وراءه وعقبه أي الوقت الذي يليه وقت الخروج ولا يبعد أن يكون كل من الوقتين أوفق لاستماع الدعاء فيه أولى باستحبابه وأطلق في المدعو له ولم يخصه بنفسه؛ لأن السنة أن لا يخص المصلي نفسه بالدعاء لقوله تعالى:
{وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}[محمد:19] وللحديث "من صلى صلاة لم يدع فيها للمؤمنين والمؤمنات فهي خداج"، ثم ظاهر النصوص ومن جملتها التشهد في الصلاة استحباب تقديم نفسه في الدعاء كما ثبت في سنن أبي داود وغيره كان صلى الله عليه وسلم إذا دعا بدعاء بدأ بنفسه، وهو من آداب الدعاء ولذا قال في منية المصلي ويستغفر لنفسه ولوالديه إن كانا مؤمنين ولجميع المؤمنين والمؤمنات.
وإنما قيد بإيمانهما؛ لأنه لا يجوز الدعاء بالمغفرة للمشرك ولقد بالغ القرافي المالكي كما نقله في شرح منية المصلي بأن قال إن الدعاء بالمغفرة للكافر كفر لطلبه تكذيب الله تعالى فيما أخبر به، وقد صرح المفسرون بأن والدي سيدنا نوح كانا مؤمنين، ثم ظاهر ما في المنية أنه يجوز الدعاء بالمغفرة لجميع ذنوبهم، وقد صرح القرافي بتحريمه؛ لأن فيه تكذيبا للأحاديث الصحيحة المصرحة بأنه لا بد من تعذيب طائفة من المؤمنين بالنار وخروجهم منها بشفاعة أو بغير شفاعة، ودخولهم النار إنما هو بذنوبهم ولا يوجب الكفر كالدعاء للمشرك بها للفرق بين تكذيب الآحاد والقطعي.
وأما قول الداعي اللهم اغفر لي ولجميع المسلمين فيجوز أن يريد بالمغفرة له: المغفرة من جميع الذنوب وأما لجميع المسلمين: فإن أراد المغفرة من حيث الجملة ولم يشركهم فيما طلبه

 

ج / 1 ص -629-       ...............................
_________________
لنفسه فهو جائز، وإن أراد المغفرة لكل أحد من جميع ذنوبه فهو المحرم الذي ذكرناه وتعقبه الكرماني شارح البخاري ورده في شرح منية المصلي وأطال الكلام.
والحق أنه يكون عاصيا بالدعاء للكافر بالمغفرة غير عاص بالدعاء بالمغفرة لجميع المؤمنين؛ لأن العلماء اختلفوا في جواز العفو عن المشرك عقلا، قيل بالجواز؛ لأن الخلف في الوعيد كرم فيجوز من الله تعالى، وإن كان المحققون على خلافه كما ذكره التفتازاني في شرح العقائد.
وقد قال العلامة زين العرب في شرح المصابيح من بحث الإيمان: ليس بحتم عندنا أي أهل السنة أن يدخل النار أحد من الأمة بل العفو عن الجميع مرجو لموجب قوله تعالى:
{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء:48] وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً}[الزمر:53] ا هـ. فيجوز أن يطلب للمؤمنين لفرط شفقته على إخوانه الأمر الجائز الوقوع وإن لم يكن واقعا، ثم في تقديم الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم على الدعاء بيان للسنة كما ذكره الطحاوي في مختصره للحديث الصحيح المروي في سنن الترمذي وغيره "إذا صلى أحدكم فليبدأ بالحمد والثناء على الله، ثم بالصلاة علي، ثم بالدعاء" ولم يبين المصنف كلام الناس هنا وبينه في

 

ج / 1 ص -630-       ...............................
_________________
الكافي فقال: وفسروه بما لا يستحيل سؤاله من العباد نحو أعطني كذا وزوجني امرأة وما لا يشبه كلامهم ما يستحيل سؤاله منهم نحو اغفر لي؛ لأنه يختص به عز وجل، قال الله تعالى
{وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ}[آل عمران:135] ا هـ. وهكذا ذكره الجمهور.
ويشكل عليه أن المغفرة كما ذكروه تختص بالله تعالى وهم فصلوا فقالوا: لو قال اللهم اغفر لعمي أو لخالي تفسد، ذكره في الخلاصة من غير ذكر خلاف وذكر فيها أنه لو قال اللهم اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين والمؤمنات لا تفسد ولم يحك خلافا وحكى الخلاف فيما إذا قال اللهم اغفر لأخي قال الحلواني لا تفسد، وقال ابن الفضل تفسد وصحح في المحيط الأول، ووجهه: أنه موجود في القرآن العظيم حكاية عن موسى عليه السلام "رب اغفر لي ولأخي"، وفي الذخيرة لو قال اللهم اغفر لزيد أو لعمرو تفسد صلاته؛ لأنه ليس في القرآن.
والذي ظهر للعبد الضعيف أن هذه الفروع المفصلة في المغفرة مبنية على القول الضعيف الذي يفسر ما ليس من كلام الناس بما يستحيل سؤاله من العباد وكان في القرآن أو في السنة أما على قول الجمهور والمقتصرين على الأول فلا تفصيل في سؤال المغفرة أصلا فلا تفسد الصلاة به ولذا قال في الخلاصة بعد ذكر هذه الفروع التي ذكرناها عنها. والحاصل أنه إن سأل ما يستحيل سؤاله من الخلق لا تفسد إذا كان في القرآن وكان مأثورا.
وفي الجامع الصغير لم يشترط كونه في القرآن أو كونه مأثورا بل قال إن كان يستحيل سؤاله من الخلق لا تفسد، وإن كان لا يستحيل تفسد ا هـ. بلفظه.
فظهر أن التفصيل إنما هو مبني على غير ظاهر الرواية فإن الجامع الصغير من كتب ظاهر الرواية بل كل تأليف لمحمد بن الحسن موصوف بالصغير فهو باتفاق الشيخين أبي يوسف ومحمد بخلاف الكبير فإنه لم يعرض على أبي يوسف لكن يشكل عليه ما في الفتاوى الظهيرية لو قال اللهم اغفر لعمي تفسد اتفاقا إلا أن يحمل على اتفاق المشايخ المبني على ما ذكرنا، ولهذا قال في المجتبى، وفي أقربائي أو أعمامي اختلاف المشايخ. ا هـ. لأنه يشكل بقوله اللهم اغفر لزيد أو لعمرو، فإن صاحب الذخيرة قد صرح بالفساد به مع أن سؤال المغفرة مما يستحيل سؤاله من العباد ولم يذكروا فيه خلافا ويمكن أن يقال إنه على الخلاف أيضا وإن الظاهر عدم الفساد به.

 

ج / 1 ص -631-       ...............................
_________________
ولهذا قال في الحاوي القدسي من سنن القعدة الأخيرة الدعاء بما شاء من صلاح الدين والدنيا لنفسه ولوالديه وأستاذه وجميع المؤمنين، وهو يفيد أنه لو قال اللهم اغفر لي ولوالدي ولأستاذي لا تفسد مع أن الأستاذ ليس في القرآن فيقتضي عدم الفساد بقوله اللهم اغفر لزيد، وفي الذخيرة وغيرها لو قال اللهم ارزقني من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها لا تفسد صلاته؛ لأن عينه في القرآن ولو قال اللهم ارزقني بقلا وقثاء وعدسا وبصلا تفسد؛ لأن عين هذا اللفظ ليس في القرآن، وفي الهداية اللهم ارزقني من كلام الناس لاستعمالها فيما بينهم يقال رزق الأمير الجيش وتعقبه في غاية البيان بأن إسناد الرزق إلى الأمير مجاز فإن الرازق في الحقيقة هو الله تعالى، وقد صرح فخر الإسلام بأن سؤال الرزق كسؤال المغفرة وفصل في الخلاصة فقال لو قال ارزقني فلانة الأصح أنها تفسد بخلاف ارزقني الحج الأصح أنها لا تفسد، وكذا ارزقني رؤيتك.
وفي المضمرات شرح القدوري ولو قال اللهم اقض ديني تفسد، ولو قال اللهم اقض دين والدي لا تفسد، وهو مشكل فإن الدعاء بقضاء الدين لنفسه ورد في السنة الصحيحة في مسلم وغيره من قوله "اقض عنا الدين وأغننا من الفقر" فإن التفصيل بين كونه مستحيلا أولا إنما هو في غير المأثور كما هو ظاهر كلام الخانية إلا أن يقال: المراد بالمأثور أن يكون ورد في الصلاة لا مطلقا، وهو بعيد وفي فتاوى الحجة، ولو قال اللهم العن الظالمين لا يقطع صلاته، ولو قال اللهم العن فلانا يعني ظالمه يقطع الصلاة. ا هـ.
وفي السراج الوهاج أن الذي يشبه كلام الناس إنما يفسدها إذا كان قبل تمام فرائضها أما إذا كان بعد التشهد لا يفسدها؛ لأن حقيقة كلام الناس لا يبطلها فهذا أولى، وإنما لم يدع بكلام الناس في آخرها للحديث "إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس" فيقدم على

 

ج / 1 ص -632-       وسلم مع الإمام كالتحريمة عن يمينه ويساره ناويا القوم والحفظة والإمام في الجانب الأيمن أو الأيسر أو فيهما لو محاذيا
_________________
المبيح، وهو عموم قوله صلى الله عليه وسلم
"، ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه"، وفي فتاوى الولوالجي المصلي ينبغي أن يدعو في الصلاة بدعاء محفوظ لا بما يحضره؛ لأنه يخاف أن يجري على لسانه ما يشبه كلام الناس فتفسد صلاته، فأما في غير الصلاة فينبغي أن يدعو بما يحضره ولا يستظهر الدعاء؛ لأن حفظ الدعاء يمنعه عن الرقة.
" قوله: وسلم مع الإمام كالتحريمة عن يمينه ويساره ناويا القوم والحفظة والإمام في الجانب الأيمن أو الأيسر أو فيهما لو محاذيا " لما تقدم أن السلام من واجباتها عندنا ومن أركانها عند الأئمة الثلاثة، ومن أطلق من مشايخنا عليه اسم السنة فضعيف والأصح وجوبه كما في المحيط وغيره أو لأنه ثبت وجوبه بالسنة للمواظبة.
وهو صيغة السلام على وجه الأكمل أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله مرتين، والسنة أن تكون الثانية أخفض من الأولى كما في المحيط وغيره، وجعله في منية المصلي خاصا بالإمام، فإن قال السلام عليكم أو السلام أو سلام عليكم أو عليكم السلام أجزأه وكان تاركا للسنة وصرح في السراج الوهاج بالكراهة في الأخير وأنه لا يقول: وبركاته وصرح النووي بأنه بدعة وليس فيه شيء ثابت لكن في الحاوي القدسي أنه مروي وتعقب ابن أمير حاج النووي بأنها جاءت في سنن أبي داود من حديث وائل بن حجر بإسناد صحيح.
وقوله عن يمينه ويساره بيان للسنة ورد على مالك القائل بأنه يسلم تسليمة تلقاء وجهه، ولو بدأ باليسار عامدا أو ناسيا فإنه يسلم عن يمينه ولا يعيده على يساره ولا شيء عليه، ولو سلم تلقاء وجهه فإنه يسلم عن يساره، ولو سلم عن يمينه ونسي عن يساره حتى قام فإنه يرجع ويقعد ويسلم ما لم يتكلم أو يخرج من المسجد، وفي المجتبى ولم يذكر قدر ما يحول به وجهه وقد ورد في حديث ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه حتى يرى بياض خده الأيمن وعن يساره حتى يرى بياض خده الأيسر، وفي النوازل لو قال: السلام، ودخل في الصلاة لا يكون داخلا فثبت أن الخروج لا يتوقف على عليكم.

 

ج / 1 ص -633-       مع الإمام بيان للأفضل
_________________
وقوله مع الإمام بيان للأفضل يعني الأفضل للمأموم المقارنة في التحريمة والسلام عند أبي حنيفة وعندهما الأفضل عدمها للاحتياط وله أن الاقتداء عقد موافقة وأنها في القران لا في التأخير، وإنما شبه السلام بالتحريمة؛ لأن المقارنة في التحريمة باتفاق الروايات عن أبي حنيفة، وأما في السلام ففيه روايتان لكن الأصح ما في الكتاب كما في الخلاصة.
وقوله: ناويا القوم بيان للأفضل لما في صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم
"أما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه، ثم يسلم على أخيه عن يمينه وعن شماله" قال النووي في شرحه المراد بالأخ الجنس من إخوانه الحاضرين عن اليمين والشمال ويزاد عليه من كان منهم أمامه أو وراءه بالدلالة؛ لأن المقصود من ذلك مزيد التودد، وأما ما عللوا به من أنه لما اشتغل بمناجاة ربه صار بمنزلة الغائب عن الخلق وعند التحلل يصير خارجا فيسلم كمسافر قدم من سفره فلا يفيد الاقتصار على من معه في الصلاة بل يعم الحاضرين مصليا أو غيره، وإنما احتيج إلى النية؛ لأنه مقيم للسنة فينويها كسائر السنن، وكذا ذكر شيخ الإسلام أنه إذا سلم على أحد خارج الصلاة ينوي السنة وخالف صدر الإسلام فقال: لا حاجة للإمام إلى النية في السلام آخر الصلاة؛ لأنه يجهر بالسلام ويشير إليهم فهو فوق النية ورد بأن الجهر للإعلام بالخروج والنية لإقامة السنة وأراد بالقوم من كان معه في الصلاة فقط، وهو قول الجمهور وصححه شمس الأئمة بخلاف سلام التشهد فإنه ينوي جميع المؤمنين والمؤمنات فما في الخلاصة من أن الصحيح أنه ينوي من كان معه في المسجد ضعيف، وكذا ما اختاره الحاكم الشهيد أنه كلام التشهد وزاد السروجي وأنه ينوي المؤمنين من الجن أيضا وخرج بذكر القوم النساء، ولهذا قالوا: لا ينوي النساء في زماننا لعدم حضورهن الجماعة أو لكراهيته، لكن ذكر محمد في الأصل أنه ينوي الرجال والنساء، وفي الحقيقة لا اختلاف فما في الأصل مبني على حضورهن الجماعة وما ذكره المشايخ مبني على عدمه فصار المدار في النية وعدمها حضورهن وعدمه حتى إذا كان من المقتدين خناثى أو صبيان نواهم أيضا، وفي غاية البيان أن هذا شيء تركه جميع الناس؛ لأنه قلما ينوي أحد شيئا وهذا حق؛ لأنها صارت كالشريعة المنسوخة.

 

ج / 1 ص -634-       ...............................
_________________
وقوله ناويا القوم والحفظة يعم الإمام والمأموم، وقوله والإمام معطوف على القوم خاص بالمأموم يعني أن المأموم يزيد في نيته نية السلام على إمامه في التسليمة الأولى إذا كان الإمام عن يمينه أو في الثانية إن كان عن يساره أو في التسليمتين لو كان محاذيا له؛ لأنه ذو حظ من الجانبين وأشار إلى أن المنفرد ينوي الحفظة فقط؛ لأنه ليس معه غيرهم فينوي بالأولى من على يمينه من الملائكة وبالثانية من على يساره منهم وعلى ما صححه في الخلاصة ينوي الحاضرين معه في المسجد أيضا وعلى ما اختاره الحاكم ينوي جميع المؤمنين أيضا، ثم قدم المصنف القوم على الحفظة تبعا للجامع الصغير، وفي الأصل على العكس فاختلف المشايخ، والتحقيق أنه ليس بينهما فرق فإن الواو لمطلق الجمع من غير ترتيب ولأن النية عمل القلب وهي تنظيم الكل بلا ترتيب واختاره الشارح تبعا لما في البدائع لكن قال فخر الإسلام في شرح الجامع الصغير للبداءة أثر في الاهتمام، ولذا قال أصحابنا في الوصايا بالنوافل أنه يبدأ بما بدأ به الميت فدل ما ذكر هنا وهو آخر التصنيفين أن مؤمني البشر أفضل من الملائكة، وهو مذهب أهل السنة والجماعة خلافا للمعتزلة وذلك أن عندهم صاحب الكبيرة خارج من الإيمان وقل ما يسلم مؤمن من الكبائر وعندنا هو كامل الإيمان، ثم هو مبتلى بالإيمان بالغيب فكان أحق من الملائكة، ألا ترى أن الله جعل الملائكة منزلة خدم المؤمنين في الدنيا والآخرة ا هـ.
وما ذكره عن المعتزلة نسبه الشارح إلى الباقلاني من أئمتنا وما اختاره فخر الإسلام من تفضل الجملة على الجملة نسبه في المحيط إلى بعض أهل السنة، ثم قال والمختار عندنا أن خواص بني آدم وهم الأنبياء والمرسلون أفضل من جملة الملائكة وعوام بني آدم من الأتقياء أفضل من عوام الملائكة وخواص الملائكة أفضل من عوام بني آدم، ونص قاضي خان على أن هذا هو المذهب المرضي، والمراد هنا بالأتقياء من اتقى الشرك لا من اتقاه مع المعاصي فإن ظاهره أن فسقة المؤمنين أفضل من عوام الملائكة.
ويدل عليه ما في روضة العلماء للإمام أبي الحسن البخاري أن الأمة اجتمعت على أن

 

ج / 1 ص -635-       ...............................
_________________
الأنبياء عليهم السلام أفضل الخليقة ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم أفضلهم واتفقوا على أن أفضل الخلائق بعد الأنبياء جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل وحملة العرش والروحانيون ورضوان ومالك وأجمعوا على أن الصحابة والتابعين والشهداء والصالحين أفضل من سائر الملائكة واختلفوا أن سائر الناس بعد هؤلاء أفضل أم سائر الملائكة فقال أبو حنيفة سائر الناس من المسلمين أفضل وقالا: سائر الملائكة أفضل ولأبي حنيفة قوله تعالى:
{يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ}[الرعد:23] الآية فأخبر أنهم يزورون المسلمين في الجنة والمزور أفضل من الزائر ا هـ.
والحفظة جمع حافظ ككتبة جمع كاتب وسموا به لحفظهم ما يصدر من الإنسان من قول وعمل أو لحفظهم إياه من الجن وأسباب المعاطب والثاني يشمل جميع من معه من الملائكة والأول يخص الكرام الكاتبين، وفي المجتبى واختلف في نية الحفظة فقيل ينوي الملكين الكاتبين، وقيل الحفظة الخمسة، وفي الحديث "إن مع كل مؤمن خمسة منهم واحد عن يمينه وواحد عن يساره يكتبان أعماله وواحد أمامه يلقنه الخيرات وواحد وراءه يدفع عنه المكاره وواحد عن ناصيته يكتب من يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، وفي بعضها
"مع كل مؤمن ستون ملكا"، وفي بعضها "مائة وستون" ورجح الأول في غاية البيان لموافقته كتاب الله تعالى، وفي الهداية ولا ينوي في الملائكة عددا محصورا؛ لأن الأخبار عن عددهم قد اختلفت فأشبه الإيمان بالأنبياء عليهم السلام ا هـ.
مع أنه ورد في الحديث عدد الأنبياء أو الرسل فقال بعدما سئل عن الأنبياء: إنهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا والرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر جمعا غفيرا كذا في الكشاف في سورة الحج لكن لما كان ظنيا؛ لأنه خبر واحد لم يعارض قوله تعالى:
{وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ}[النساء:164].
واختلف في الملكين الكاتبين هل يتبدلان بالليل والنهار فقيل يتبدلان للحديث الصحيح "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار" بناء على أنهم الحفظة، وهو قول الجمهور كما

 

ج / 1 ص -636-       ...............................
_________________
نقله القاضي عياض لكن ذكر القرطبي في شرح مسلم أن الأظهر أنهم غيرهم، وقيل لا يتغيران عليه ما دام حيا.
واختلف في محل جلوسهما، فقيل: في الفم، وإن اللسان قلمهما والريق مدادهما للحديث
"نقوا أفواهكم بالخلال فإنها مجلس الملكين الحافظين" إلى آخره، وقيل تحت الشعر على الحنك، وقيل اليمين واليسار، ثم قالوا: إن كاتب السيئات يفارقه عند الغائط والجماع زاد القرطبي، وفي الصلاة؛ لأنه لا يفعل سيئة فيها.
ثم اختلفوا فيما يكتبانه، فقيل: ما فيه أجر أو وزر وعزاه في الاختيار إلى محمد، وقيل: يكتبان كل شيء حتى أنينه في مرضه، ثم اختلفوا متى يمحى المباح، فقيل: آخر النهار، وقيل: يوم الخميس، والأكثرون على أنها تمحى يوم القيامة كذا في الاختيار وذكر بعض المفسرين أنه الصحيح عند المحققين والمختار أن كيفية الكتابة والمكتوب فيه مما لا يعلمها إلا الله تعالى، وقد أوسع الكلام في هذه العلامة ابن أمير حاج في شرح منية المصلي وذكر أن الصبي المميز لا ينوي الكتبة إذ ليسوا معه، وإنما ينوي الحافظين له من الشياطين ولذا لم يقل المصنف والكتبة، ليعم كل مصل ولم يذكر المصنف ما يفعله بعد السلام وقد قالوا: إن كان إماما وكانت صلاة يتنفل بعدها فإنه يقوم ويتحول عن مكانه إما يمنة أو يسرة أو خلفه والجلوس مستقبلا بدعة، وإن كان لا يتنفل بعدها يقعد مكانه، وإن شاء انحرف يمينا أو شمالا، وإن شاء استقبلهم بوجهه إلا أن يكون بحذائه مصل سواء كان في الصف الأول أو في الأخير والاستقبال إلى المصلي مكروه هذا ما صححه في البدائع واختار في الخانية والمحيط استحباب أن ينحرف عن يمين القبلة وأن يصلي فيها، ويمين القبلة ما بحذاء يسار المستقبل ويشهد له ما في صحيح مسلم من حديث البراء

 

ج / 1 ص -637-       وجهر بقراءة الفجر وأولى العشاءين، ولو قضاء والجمعة والعيدين ويسر في غيرها كمتنفل بالنهار وخير المنفرد فيما يجهر كمتنفل بالليل
_________________
كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه يقبل علينا بوجهه.
" قوله: وجهر بقراءة الفجر وأولى العشاءين، ولو قضاء والجمعة والعيدين ويسر في غيرها كمتنفل بالنهار وخير المنفرد فيما يجهر كمتنفل بالليل " شروع في بيان القراءة وصفتها وقدم صفتها من الجهر والإخفاء؛ لأنه يعم المفروض وغيره والأصل فيه كما ذكره المصنف في الكافي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالقرآن في الصلوات كلها في الابتداء وكان المشركون يؤذونه ويسبون من أنزل وأنزل عليه فأنزل الله تعالى
{وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا}[الاسراء:110] أي لا تجهر بصلاتك كلها ولا تخافت بها كلها {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً}[الاسراء:110] بأن تجهر بصلاة الليل وتخافت بصلاة النهار فكان يخافت بعد ذلك في صلاة الظهر والعصر؛ لأنهم كانوا مستعدين للإيذاء في هذين الوقتين ويجهر في المغرب؛ لأنهم كانوا مشغولين بالأكل، وفي العشاء والفجر لكونهم رقودا، وفي الجمعة والعيدين؛ لأنه أقامهما بالمدينة وما كان للكفار بها قوة، وهذا العذر وإن زال بغلبة المسلمين فالحكم باق؛ لأن بقاءه يستغني عن بقاء السبب ولأنه أخلف عذرا آخر، وهو كثرة اشتغال الناس في هاتين الصلاتين دون غيرهما ا هـ.
وقد انعقد الإجماع على الجهر فيما ذكره، وقد قدمنا أن الجهر في هذه المواضع واجب على الإمام للمواظبة من النبي صلى الله عليه وسلم وتخصيصه بالإمام مفهوم من قوله هنا: وخير المنفرد فيما يجهر، فأفاد أن الإمام ليس بمخير.
قالوا: ولا يجهد الإمام نفسه بالجهر، وفي السراج الوهاج: الإمام إذا جهر فوق حاجة الناس فقد أساء، وأفاد أنه لا فرق في حق الإمام بين الأداء والقضاء؛ لأن القضاء يحكي الأداء، وألحق

 

ج / 1 ص -638-       ...............................
_________________
بالجمعة والعيدين التراويح والوتر في رمضان للتوارث المنقول.
والمراد بغيرهما الثالثة من المغرب والأخريان من العشاء وجميع ركعات الظهر والعصر، وقد أفاد أن المتنفل بالنهار يجب عليه الإخفاء مطلقا والمتنفل بالليل مخير بين الجهر والإخفاء إن كان منفردا أما إن كان إماما فالجهر واجب كما ذكره الشارح رحمه الله وأن المنفرد ليس بمخير في الصلاة السرية بل يجب الإخفاء عليه، وهو الصحيح؛ لأن الإمام يجب عليه الإخفاء فالمنفرد أولى وذكر عصام بن يوسف أن المنفرد مخير فيما يخافت فيه أيضا استدلالا بعدم وجوب سجود السهو عليه وتعقبه الشارح بأن الإمام إنما وجب عليه سجود السهو؛ لأن جنايته أعظم؛ لأنه ارتكب الجهر والإسماع بخلاف المنفرد وتعقبه في فتح القدير بأنا لا ننكر أن واجبا قد يكون آكد من واجب لكن لما لم ينط وجوب السهو إلا بترك الواجب لا بآكد الواجب ولا برتبة مخصوصة منه فحيث كانت المخافتة واجبة على المنفرد ينبغي أن يجب بتركها السجود، وفي العناية أن ظاهر الرواية أن المنفرد مخير فيما يخافت فيه أيضا، وفيه تأمل والظاهر من المذهب الوجوب.
وفي قوله: فيما يجهر دلالة على أن المنفرد مخير في الصلاة الجهرية إذا فاتت وقضاها نهارا كما هو حكم الإمام؛ لأن القضاء يحكي الأداء، والجهر أفضل، وصححه في الذخيرة والخانية واختاره شمس الأئمة في المبسوط وفخر الإسلام وصحح في الهداية الإخفاء حتما؛ لأن الجهر مختص إما بالجماعة حتما أو بالوقت في حق المنفرد على وجه التخيير ولم يوجد أحدهما، وتعقبه في غاية البيان بأن الحكم يجوز أن يكون معلولا بعلل شتى وعلة الجهر هنا أن القضاء يحكي الأداء بدليل أنه يؤذن ويقيم للقضاء كالأداء.
وفي السراج الوهاج، ولو سبق رجل يوم الجمعة بركعة، ثم قام لقضاء ما فاته كان بالخيار إن شاء الجهر، وإن شاء خافت كالمنفرد في صلاة الفجر، وفي الخلاصة عن الأصل: رجل يصلي وحده فجاء رجل واقتدى به بعد ما قرأ الفاتحة أو بعضها يقرأ الفاتحة ثانيا ويجهر ا هـ. يعني إذا كانت الصلاة جهرية ولم يجهر المصلي، ووجهه: أن الجهر فيما بقي صار واجبا بالاقتداء والجمع بين الجهر والمخافتة في ركعة واحدة شنيع، وقيد المصنف بالقراءة؛ لأن ما عداها من الأذكار فيه تفصيل.
إن كان ذكرا وجب للصلاة فإنه يجهر به كتكبيرة الافتتاح وما ليس بفرض فما وضع للعلامة فإنه يجهر به كتكبيرات الانتقال عند كل خفض ورفع إذا كان إماما أما المنفرد والمقتدي فلا يجهران به.
وإن كان يختص ببعض الصلاة كتكبيرات العيدين جهر به، وكذا القنوت في مذهب

 

ج / 1 ص -639-       ...............................
_________________
العراقيين واختار صاحب الهداية الإخفاء به وأما ما سوى ذلك فلا يجهر به مثل التشهد وآمين والتسبيحات؛ لأنها أذكار لا يقصد بها العلامة كذا في السراج الوهاج ولم يبين المصنف حد الجهر والأخفاء للاختلاف مع اختلاف التصحيح فذهب الكرخي إلى أن أدنى الجهر أن يسمع نفسه وأدنى المخافتة تصحيح الحروف، وفي البدائع: ما قاله الكرخي أقيس وأصح، وفي كتاب الصلاة لمحمد إشارة إليه فإنه قال: إن شاء قرأ في نفسه، وإن شاء جهر وأسمع نفسه ا هـ.
وأكثر المشايخ على أن الصحيح أن الجهر أن يسمع غيره والمخافتة أن يسمع نفسه، وهو قول الهندواني، وكذا كل ما يتعلق بالنطق كالتسمية على الذبيحة ووجوب السجدة بالتلاوة والعتاق والطلاق والاستثناء حتى لو طلق ولم يسمع نفسه لا يقع، وإن صحح الحروف، وفي الخلاصة الإمام إذا قرأ في صلاة المخافتة بحيث سمع رجل أو رجلان لا يكون جهرا والجهر أن يسمع الكل ا هـ وفي فتح القدير: واعلم أن القراءة وإن كانت فعل اللسان لكن فعله الذي هو كلام والكلام بالحروف والحروف كيفية تعرض للصوت، وهو أخص من النفس فإن النفس المعروض بالقرع فالحرف عارض للصوت لا للنفس فمجرد تصحيحها بلا صوت إيماء إلى الحروف بعضلات المخارج لا حروف فلا كلام. بقي أن هذا لا يقتضي أن يلزم في مفهوم القراءة أن يصل إلى السمع بل كونه بحيث يسمع، وهو قول بشر المريسي ولعله المراد بقول الهندواني بناء على أن الظاهر سماعه بعد وجود الصوت إذا لم يكن مانع ا هـ. فاختار أن قول بشر والهندواني متحدان، وهو خلاف الظاهر بل الظاهر من عباراتهم أن في المسألة ثلاثة أقوال.
قال الكرخي: إن القراءة تصحيح الحروف، وإن لم يكن الصوت بحيث يسمع.
وقال بشر لا بد أن يكون بحيث يسمع، وقال الهندواني لا بد أن يكون مسموعا له، زاد في المجتبى في النقل عن الهندواني أنه لا يجزئه ما لم يسمع أذناه ومن بقربه ا هـ. ونقل في الذخيرة عن الحلواني أن الأصح هذا، ولا ينبغي أن يجعل قولا رابعا بل هو قول الهندواني الأول، وفي العادة أن ما كان مسموعا له يكون لمن هو بقربه أيضا، وفي الذخيرة معزيا

 

ج / 1 ص -640-       ولو ترك السورة أولى العشاء قرأها في الأخريين مع الفاتحة جهرا، ولو ترك الفاتحة لا
_________________
إلى القاضي علاء الدين في شرح مختلفاته أن الأصح عندي أن في بعض التصرفات يكتفى بسماعه، وفي بعض التصرفات يشترط سماع غيره، مثلا في البيع لو أدنى المشتري صماخه إلى فم البائع وسمع يكفي، ولو سمع البائع بنفسه ولم يسمعه المشتري لا يكفي، وفيما إذا حلف: لا يكلم فلانا فناداه من بعيد بحيث لا يسمع لا يحنث في يمينه نص على هذا في كتاب الإيمان؛ لأن شرط الحنث وجود الكلام معه ولم يوجد. ا هـ.
" قوله: ولو ترك السورة أولى العشاء قرأها في الأخريين مع الفاتحة جهرا، ولو ترك الفاتحة لا " أي لا يقرؤها في الأخريين وهذا عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف لا يقضي واحدة منهما؛ لأن الواجب إذا فات عن وقته لا يقضى إلا بدليل، ولهما: وهو الفرق بين الوجهين: أن قراءة الفاتحة شرعت على وجه يترتب عليه السورة فلو قضاها في الأخريين تترتب الفاتحة على السورة، وهذا خلاف الموضوع بخلاف ما إذا ترك السورة؛ لأنه أمكن قضاؤها على الوجه المشروع، وهذه المسألة مربعة فالقول الثالث ما رواه الحسن عن أبي حنيفة أنه يقضيهما، وقال عيسى بن أبان يقضي الفاتحة دون السورة؛ لأنها أهم الأمرين، وفي تعبيره بالخبر في قوله قرأها تبعا للجامع الصغير إشارة إلى الوجوب؛ لأن الأخبار في الوجوب آكد من الأمر وصرح في الأصل بالاستحباب فإنه قال: أحب إلي أن يقضي السورة في الأخريين، وإنما كان مستحبا؛ لأنه لا يمكن مراعاتها من كل وجه في القضاء؛ لأنها، وإن كانت مؤخرة عن الفاتحة فهي غير موصولة بها؛ لأن السورة في الشفع الثاني والفاتحة في الأول، وفي غاية البيان والأصح ما قاله في الجامع الصغير؛ لأنه آخر التصنيفين، وفي فتح القدير: ولا يخفى أن ما في الأصل أصرح فيجب التعويل عليه في الرواية. ا هـ.
وقد يقال أيضا: إن الإخبار إنما يكون آكد من الأمر لو كان من الشارع أما من الفقهاء فلا يدل على الوجوب بل والأمر منهم لا يدل عليه فكان المذهب الاستحباب، ثم ظاهر الكتاب أنه

 

ج / 1 ص -641-       وفرض القراءة آية
_________________
يجهر بالسورة والفاتحة وجعله الشارح ظاهر الرواية وصححه في الهداية؛ لأن الجمع بين الجهر والمخافتة في ركعة شنيع وتغيير النفل وهو الفاتحة أولى وصحح التمرتاشي أنه يجهر بالسورة فقط وجعله شيخ الإسلام الظاهر من الجواب وفخر الإسلام الصواب قولا بعدم التغيير ولا يلزم الجمع بينهما في ركعة؛ لأن السورة تلتحق بموضعها تقديرا، ولم يبين كيف يرتبهما؟ فقيل: يقدم السورة، وقيل: الفاتحة وينبغي ترجيحه.
وفي قوله مع الفاتحة إشارة إلى أنه إذا أراد قضاء السورة ليس له ترك الفاتحة فتصير واجبة كالسورة، وفيه قولان وينبغي ترجيح عدم الوجوب كما هو الأصل فيها وقيد بكونه ترك الفاتحة في الأوليين؛ لأنه لو نسي الفاتحة في الركعة الأولى أو الثانية وقرأ السورة، ثم تذكر قبل الركوع فإنه يأتي بها ويعيد السورة في ظاهر المذهب؛ لأنه إذا أتى بها تكون فرضا كالسورة فصار كما لو تذكر السورة في الركوع فإنه يأتي بها ويعيد الركوع.
" قوله: وفرض القراءة آية " هي في اللغة العلامة الظاهرة ومن هنا سميت المعجزة آية لدلالتها على النبوة وصدق من ظهرت على يده.
وتقال الآية لكل جملة دالة على حكم من أحكامه تعالى ولكل كلام منفصل عما قبله وبعده بفصل توقيفي لفظي، وقيل: جماعة حروف وكلمات من قولهم: خرج القوم بآيتهم أي بجماعتهم كذا في شرح المصابيح لزين العرب في بعض، وفي بعض حواشي الكشاف والآية طائفة من القرآن مترجمة، أقلها ستة أحرف صورة ا هـ. ويرد عليه قوله تعالى:
{لَمْ يَلِدْ}[الاخلاص:3] فإنها آية، ولهذا جوز أبو حنيفة الصلاة بها وهي خمسة أحرف.
وفي فرض القراءة ثلاث روايات: ظاهر الرواية كما نقله المشايخ ما في الكتاب لقوله تعالى:
{فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}[المزمل:20] من غير فصل إلا أن ما دون الآية خارج منه وإلا آية ليست في معناه، وفي رواية: ما يطلق عليه اسم القرآن ولم يشبه قصد خطاب أحد وصححه القدوري ورجحه الشارح بأنه أقرب إلى القواعد الشرعية؛ لأن المطلق ينصرف إلى الأدنى، وفيه نظر بل المطلق ينصرف إلى الكامل في الماهية.
وفي رواية: ثلاث آيات قصار أو آية طويلة، وهو قولهما ورجحه في الأسرار بأنه احتياط؛ لأن قوله
{لَمْ يَلِدْ}[الاخلاص:3] {ثُمَّ نَظَرَ}[المدثر:21] لا يتعارف قرآنا، وهو قرآن حقيقة فمن حيث الحقيقة حرمتا على الحائض والجنب ومن حيث العدم لم تجز الصلاة به حتى يأتي بما يكون قرآنا حقيقة وعرفا فالأمر المطلق لا ينصرف إلى ما لا يتعارف قرآنا والاحتياط أمر حسن في

 

ج / 1 ص -642-       وسنتها في السفر الفاتحة وأي سورة شاء
_________________
العبادات وذكر المصنف في الكافي أن الخلاف مبني على أصل، وهو أن الحقيقة المستعملة أولى عنده من المجاز المتعارف، وعندهما بالعكس. أطلق الآية فشمل الطويلة والقصيرة والكلمة الواحدة وما كان مسماه حرفا فيجوز بقوله تعالى:
{ثم نظر}[المدثر:21] {مُدْهَامَّتَانِ}[الرحمن:64] {ص}[صّ:1] {ق}[قّ:1] {نْ}[القلم:1] ولا خلاف في الأول، وأما الثاني والثالث ففيه اختلاف المشايخ والأصح أنه لا يجوز؛ لأنه يسمى عادا لا قارئا كذا ذكره الشارحون، وهو مسلم في {ص} ونحوه؛ لأن نحو {ص} ليس بآية لعدم انطباق تعريفها عليها، وأما في نحو {مدهامتان} فذكر الإسبيجابي وصاحب البدائع أنه يجوز على قول أبي حنيفة من غير ذكر خلاف بين المشايخ وما وقع في عبارة المشايخ من أن {ص} ونحوه حرف فقال في فتح القدير إنه غلط فإنها كلمة مسماها حرف وليس المقروء، وإنما المقروء صاد وقاف ونون.
وأفاد لو قرأ نصف آية طويلة في ركعة ونصفها في أخرى فإنه لا يجوز؛ لأنه ما قرأ آية طويلة، وفيه اختلاف المشايخ، وعامتهم على الجواز؛ لأن بعض هذه الآيات تزيد على ثلاث آيات قصار أو تعدلها فلا يكون أدنى من آية وصححه في منية المصلي وعلم من تعليلهم أن كون المقروء في كل ركعة النصف ليس بشرط بل أن يكون البعض المقروء يبلغ ما يعد بقراءته قارئا عرفا.
وأفاد أيضا أنه لو قرأ نصف آية مرتين أو كلمة واحدة مرارا حتى بلغ قدر آية تامة فإنه لا يجوز وأن من لا يحسن الآية لا يلزمه التكرار عند أبي حنيفة قالوا: وعندهما يلزمه التكرار ثلاث مرات، وأما من يحسن ثلاث آيات إذا كرر آية واحدة ثلاثا ففي المجتبى أنه لا يتأدى به الفرض عندهما وذكر في الخلاصة أن فيه اختلاف المشايخ على قولهما.
وفي المضمرات شرح القدوري: اعلم أن حفظ قدر ما تجوز الصلاة به من القرآن فرض عين على المسلمين لقوله تعالى:
{فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}[المزمل:20] وحفظ جميع القرآن فرض كفاية وحفظ فاتحة الكتاب وسورة واجبة على كل مسلم.
" قوله: وسنتها في السفر الفاتحة وأي سورة شاء " لحديث أبي داود وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قرأ بالمعوذتين في صلاة الفجر في السفر ولأن السفر أثر في إسقاط شطر الصلاة فلأن يؤثر في

 

ج / 1 ص -643-       وفي الحضر طوال المفصل لو فجرا أو ظهرا وأوساطه لو عصرا أو عشاء وقصاره لو مغربا
_________________
تخفيف القراءة أولى أطلقه فشمل حالة الضرورة والاختيار وحالة العجلة والقرار، وهكذا وقع الإطلاق في الجامع الصغير وما في الهداية وغيرها من أنه محمول على حالة العجلة في السير، وأما إن كان في أمن وقرار فإنه يقرأ في الفجر نحو سورة البروج وانشقت؛ لأنه يمكن مراعاة السنة مع التخفيف، وفي منية المصلي والظهر كالفجر، وفي العصر والعشاء دون ذلك، وفي المغرب بالقصار جدا، فليس له أصل يعتمد عليه من جهة الرواية ولا من جهة الدراية، أما الأول فما علمته من إطلاق الجامع وعليه أصحاب المتون، وأما الثاني فلأن المسافر إذا كان على أمن وقرار صار كالمقيم سواء، فكان ينبغي أن يراعي السنة والسفر، وإن كان مؤثرا في التخفيف لكن التحديد بقدر سورة البروج في الفجر والظهر لا بد له من دليل ولم ينقلوه وكونه صلى الله عليه وسلم قرأ في السفر شيئا لا يدل على سنيته إلا لو واظب عليه ولم يوجد فالظاهر الإطلاق وشمل سورة الكوثر فما في الحاوي من تعيينه بمقدار المعوذتين فصاعدا مشيرا بذلك إلى إخراج سورة الكوثر فضعيف؛ لأن تعليل التعميم والتفويض إلى مشيئته بدفع الحرج عنه الحاصل من التقييد بسورة دون سورة يدل على الشمول.
" قوله: وفي الحضر طوال المفصل لو فجرا أو ظهرا وأوساطه لو عصرا أو عشاء وقصاره لو مغربا " والأصل فيه كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن اقرأ في الفجر والظهر بطوال المفصل، وفي العصر والعشاء بأوساط المفصل، وفي المغرب قصار المفصل ولأن مبنى المغرب على العجلة والتخفيف أليق بها والعصر والعشاء يستحب فيهما التأخير، وقد يقعان في التطويل في وقت غير مستحب فيؤقت فيهما بالأوساط، والطوال والقصار بكسر الأول فيهما جمع طويلة وقصيرة ككرام وكريمة، وأما الطوال بالضم فهو الرجل الطويل والأوساط جمع وسط بفتح السين ما بين القصار والطوال ولم يبين المصنف المفصل للاختلاف فيه، والذي عليه أصحابنا أنه من الحجرات إلى والسماء ذات البروج طوال، ومنها إلى لم يكن أوساط، ومنها آخر القرآن قصار وبه صرح في النقاية وسمي مفصلا لكثرة الفصول فيه، وقيل لقلة النسوخ فيه وأطلق فشمل الإمام والمنفرد كما صرح به في المجتبى من أنه يسن في حق المنفرد ما يسن في حق الإمام من القراءة، وأفاد أن القراءة في الصلاة من غير المفصل خلاف السنة، ولهذا قال في المحيط، وفي الفتاوى قراءة القرآن على التأليف في الصلاة لا بأس بها؛ لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقرءون القرآن على التأليف في الصلاة، ومشايخنا استحسنوا قراءة المفصل ليستمع القوم ويتعلموا ا هـ. ولم يذكر المصنف عدد الآيات التي تقرأ في كل صلاة لاختلاف الآثار والمشايخ

 

ج / 1 ص -644-       وتطال أولى الفجر فقط
_________________
والمنقول في الجامع الصغير أنه يقرأ في الفجر في الركعتين سوى الفاتحة أربعين أو خمسين أو ستين آية واقتصر في الأصل على الأربعين وروى الحسن في المجرد ما بين ستين إلى مائة ووردت الأخبار بذلك عنه صلى الله عليه وسلم ثم قالوا يعمل بالروايات كلها بقدر الإمكان، واختلفوا في كيفية العمل به، فقيل: ما في المجرد من المائة محمل الراغبين وما في الأصل محمل الكسالى أو الضعفاء وما في الجامع الصغير من الستين محمل الأوساط، وقيل: ينظر إلى طول الليالي وقصرها وإلى كثرة الأشغال، وقلتها قال في فتح القدير الأولى أن يجعل هذا محمل اختلاف فعله عليه الصلاة والسلام بخلاف القول الأول فإنه لا يجوز فعله عليه؛ لأنهم لم يكونوا كسالى، فيجعل قاعدة لفعل الأئمة في زماننا ويعلم منه أنه لا ينقص في الحضر عن الأربعين وإن كانوا كسالى؛ لأن الكسالى محملها ا هـ.
فالحاصل أنه لا ينقص عن الأربعين في الركعتين في الفجر على كل حال على جميع الأقوال، وقال فخر الإسلام قال مشايخنا إذا كانت الآيات قصارا فمن الستين إلى مائة وإذا كانت أوساطا فخمسين وإذا كانت طوالا فأربعين وجعل المصنف الظهر كالفجر، والأكثرون على أنه يقرأ في الظهر بالطوال وذكر في منية المصلي معزيا إلى القدوري أن الظهر كالعصر يقرأ فيه بالأوساط وأما في عدد الآيات ففي الجامع الصغير أن الظهر كالفجر في العدد لاستوائهما في سعة الوقت، وقال في الأصل أو دونه؛ لأنه وقت الاشتغال فينقص عنه تحرزا عن الملال وعينه في الحاوي بأنه دون أربعين إلى ستين، وأما عدد الآي في العصر والعشاء فعشرون آية في الركعتين الأوليين منهما كما في المحيط وغيره أو خمسة عشر آية فيهما كما في الخلاصة وذكر قاضي خان في شرح الجامع الصغير أنه ظاهر الرواية، وأما قدر ما في المغرب ففي التحفة والبدائع سورة قصيرة خمس آيات أو ست آيات سوى الفاتحة وعزاه صاحب البدائع إلى الأصل وذكر في الحاوي أن حد التطويل في المغرب في كل ركعة خمس آيات أو سورة قصيرة وحد الوسط والاختصار سورة من قصار المفصل واختار في البدائع أنه ليس في القراءة تقدير معين بل يختلف باختلاف الوقت وحال الإمام والقوم والجملة فيه أنه ينبغي للإمام أن يقرأ مقدار ما يخف على القوم ولا يثقل عليهم بعد أن يكون على التمام وهكذا في الخلاصة.
" قوله: وتطال أولى الفجر فقط " بيان للسنة وهذا أعني إطالة الركعة الأولى من الفجر متفق عليه للتوارث على ذلك من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا كما في النهاية ولأنه وقت نوم وغفلة فيعين الإمام الجماعة بتطويلها رجاء أن يدركوها؛ لأنه لا تفريط منهم بالنوم ولم يبين المختصر حد التطويل وبينه في الكافي بأن يكون التفاوت بقدر الثلث والثلثين، الثلثان في

 

ج / 1 ص -645-       ...............................
_________________
الأولى والثلث في الثانية قال وهذا بيان الاستحباب أما بيان الحكم فالتفاوت، وإن كان فاحشا لا بأس به لورود الأثر. ا هـ. واختار في الخلاصة قدر النصف فإنه قال: وحد الإطالة في الفجر أن يقرأ في الركعة الثانية من عشرين إلى ثلاثين، وفي الأولى من ثلاثين إلى ستين آية.
وفي قوله دلالة على أنه لا يسن التطويل في غير الفجر، وهو قولهما خلافا لمحمد لحديث البخاري عن أبي قتادة أنه عليه الصلاة والسلام كان يطول الركعة الأولى من الظهر ويقصر الثانية وهكذا في العصر وهكذا في الصبح واستدل للمذهب بحديث أبي سعيد الخدري أنه عليه الصلاة والسلام كان يقرأ في صلاة الظهر في الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية، وفي العصر في الأوليين في كل ركعة خمس عشر آية فإنه نص ظاهر في المساواة في القراءة بخلاف حديث أبي قتادة فإنه يحتمل أن يكون التطويل فيه ناشئا من جملة الثناء والتعوذ والتسمية وقراءة ما دون الثلاث فيحمل عليه جمعا بين المتعارضين بقدر الإمكان.
وبحث فيه المحقق في فتح القدير بأن الحمل لا يتأتى في قوله وهكذا الصبح، وإن حمل على التشبيه في أصل الإطالة لا في قدرها فهو غير المتبادر ولذا قال في الخلاصة في قول محمد إنه أحب ا هـ. وتعقبه تلميذه الحلبي بأنه لا يتوقف قولهما باستنان تطويل الأولى على الثانية في الفجر من حيث القدر على الاحتجاج بهذا الحديث فإن لهما أن يثبتاه بدليل آخر فالأحب قولهما لا قوله وحيث ظهر قوة دليلهما كان الفتوى على قولهما فما في معراج الدراية من أن الفتوى على قول محمد ضعيف وفي المحيط معزيا إلى الفتاوى الإمام إذا طول القراءة في الركعة الأولى لكي يدركها الناس لا بأس إذا كان تطويلا لا يثقل على القوم ا هـ. فأفاد أن التطويل في سائر الصلوات إن كان لقصد الخير فليس بمكروه وإلا ففيه بأس، وهو بمعنى كراهة التنزيه وظاهر إطلاقهم أن الجمعة والعيدين على الخلاف، وهو كذلك في جامع المحبوبي، وفي نظم الزندوستي تستوي الركعتان في القراءة في الجمعة والعيدين بالاتفاق وقيد بالأولى؛ لأن إطالة الثانية

 

ج / 1 ص -646-       ولم يتعين شيء من القرآن لصلاة
_________________
على الأولى تكره إجماعا، وإنما يكره التفاوت بثلاث آيات، فإن كان آية أو آيتين لا يكره؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بالمعوذتين وإحداهما أطول من الأخرى بآية كذا في الكافي ويشكل على هذا الحكم ما ثبت في الصحيحين من قراءته صلى الله عليه وسلم في الجمعة والعيدين في الأولى بسبح اسم ربك الأعلى، وفي الثانية بهل أتاك حديث الغاشية مع أن الثانية أطول من الأولى بأكثر من ثلاث آيات فإن الأولى تسع عشرة آية والثانية ست وعشرون آية، وقد يجاب: بأن هذه الكراهة في غير ما وردت به السنة وأما ما ورد عنه عليه الصلاة والسلام في شيء من الصلوات فلا أو الكراهة تنزيهية وفعله عليه الصلاة والسلام تعليما للجواز لا يوصف بها والأول أولى؛ لأنهم صرحوا باستنان قراءة هاتين السورتين في الجمعة والعيدين وقيد بالفرض؛ لأنه يسوى في السنن والنوافل بين ركعاتها في القراءة إلا فيما وردت به السنة أو الأثر كذا في منية المصلي وصرح في المحيط بكراهة تطويل ركعة من التطوع ونقص أخرى وأطلق في جامع المحبوبي عدم كراهة إطالة الأولى على الثانية في السنن والنوافل؛ لأن أمرها سهل اختاره أبو اليسر ومشى عليه في خزانة الفتاوى كما ذكره في شرح منية المصلي فكان الظاهر عدم الكراهة.
" قوله: ولم يتعين شيء من القرآن لصلاة " لإطلاق قوله تعالى:
{فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}[المزمل:20] أراد بعدم التعيين عدم الفرضية وإلا فالفاتحة متعينة على وجه الوجوب لكل صلاة، وأشار إلى كراهة تعيين سورة لصلاة لما فيه من هجر الباقي وإيهام التفضيل كتعيين سورة السجدة وهل أتى على الإنسان في فجر كل جمعة وسبح اسم ربك وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد في الوتر كذا في الهداية وغيرها وظاهره أن المداومة مكروهة مطلقا سواء اعتقد أن الصلاة تجوز بغيره أو لا؛ لأن دليل الكراهة لم يفصل، وهو إيهام التفضيل وهجر الباقي فحينئذ لا حاجة إلى ما ذكره الطحاوي والإسبيجابي من أن الكراهة إذا رآه حتما يكره غيره أما لو قرأ للتيسير عليه أو تبركا بقراءته صلى الله عليه وسلم فلا كراهة لكن بشرط أن يقرأ غيرها أحيانا لئلا يظن الجاهل أن غيرها لا يجوز ا هـ. والأولى أن يجعل دليل كراهة المداومة إيهام التعيين لا هجر الباقي؛ لأنه إنما يلزم لو لم يقرأ الباقي في صلاة أخرى، وفي فتح القدير مقتضى الدليل

 

ج / 1 ص -647-       ولا يقرأ المؤتم بل يستمع وينصت، وإن قرأ آية الترغيب أو الترهيب أو خطب أو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم والنائي كالقريب
_________________
عدم المداومة على العدم كما يفعله حنفية العصر بل يستحب أن يقرأ ذلك أحيانا تبركا بالمأثور فإن الإيهام ينتفي بالترك أحيانا ولذا قالوا: السنة أن يقرأ في ركعتي الفجر بقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد وظاهر هذا إفادة المواظبة على ذلك وذلك؛ لأن الإيهام المذكور منتف بالنسبة إلى المصلي نفسه. ا هـ. وفيه نظر لما صرح به في غاية البيان من كراهة المواظبة على قراءة السور الثلاث في الوتر أعم من كونه في رمضان إماما أو لا، فما في فتح القدير مبني على أن العلة إيهام التعيين، وأما على ما علل به المشايخ من هجر الباقي فهو موجود سواء كان يصلي وحده أو إماما وسواء كان في الفرض أو في غيره فتكره المداومة مطلقا.
" قوله: ولا يقرأ المؤتم بل يستمع وينصت، وإن قرأ آية الترغيب أو الترهيب أو خطب أو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم والنائي كالقريب " للحديث المروي من طرق عديدة "من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة" فكان مخصصا لعموم قوله تعالى:
{فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ}[المزمل:20] بناء على أنه خص منه المدرك في الركوع إجماعا فجاز تخصيصه بعده بخبر الواحد ولعموم الحديث "لا صلاة إلا بقراءة"فإن قلت: حيث جاز تخصيصه بعده بخبر الواحد فينبغي تخصيص عمومها بالفاتحة عملا بخبر الفاتحة قلت: التخصيص الأول إنما هو في المأمورين ولم يقع تخصيص لعموم المقروء فلم يجز تخصيصه بالظني، أطلقه فشمل الصلاة الجهرية والسرية، وفي الهداية ويستحسن على سبيل الاحتياط فيما يروى عن محمد ويكره عندهما لما فيه من الوعيد وتعقبه في غاية البيان بأن محمدا صرح في كتبه بعدم القراءة خلف الإمام فيما يجهر فيه وفيما لا يجهر فيه قال وبه نأخذ وهو قول أبي حنيفة ويجاب عنه بأن صاحب الهداية لم يجزم بأنه قول محمد بل ظاهره أنها

 

ج / 1 ص -648-       ...............................
_________________
رواية ضعيفة، وفي فتح القدير والحق أن قول محمد كقولهما، والمراد من الكراهة كراهة التحريم، وفي بعض العبارات أنها لا تحل خلفه، وإنما لم يطلقوا اسم الحرمة عليها لما عرف من أن أصلهم أنهم لا يطلقونها إلا إذا كان الدليل قطعيا ودعوى الاحتياط في القراءة خلفه ممنوعة بل الاحتياط تركها؛ لأنه العمل بأقوى الدليلين، وقد روي عن عدة من الصحابة فساد الصلاة بالقراءة خلفه، فأقواهما المنع، وأشار بقوله بل يستمع وينصت إلى آخره إلى أن الآية نزلت في الصلاة وهي قوله تعالى:
{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[لأعراف:204] وهو قول أكثر أهل التفسير، ومنهم من قال نزلت في الخطبة قال في الكافي ولا تنافي بينهما فإنما أمروا بهما فيها لما فيها من قراءة القرآن، وحاصل الآية: أن المطلوب بها أمران: الاستماع والسكوت فيعمل بكل منهما والأول يخص الجهرية والثاني لا فيجري على إطلاقه فيجب السكوت عند القراءة مطلقا، ولما كان العبرة إنما هو لعموم اللفظ لا لخصوص السبب وجب الاستماع لقراءة القرآن خارج الصلاة أيضا، ولهذا قال في الخلاصة رجل يكتب الفقه وبجنبه رجل يقرأ القرآن ولا يمكنه استماع القرآن فالإثم على القارئ وعلى هذا لو قرأ على السطح في الليل جهرا والناس نيام يأثم، وفي القنية وغيرها: الصبي إذا كان يقرأ القرآن وأهله يشتغلون بالأعمال ولا يستمعون إن كان شرعوا في العمل قبل قراءته لا يأثمون وإلا أثموا.
وقوله " وإن " للوصل، وآية الترغيب هي ما كان فيها ذكر الجنة أو الرحمة، وآية الترهيب ما كان فيها ذكر النار، والترهيب التخويف، وفي عبارته رعاية الأدب حيث قال يستمع وينصت ولم يقل لا يسأل الجنة ولا يتعوذ النار، وإنما لم يسأل ويتعوذ لما فيه من الإخلال بفرض الاستماع ولأن الله تعالى وعده بالرحمة إذا استمع وأنصت ووعده حتم وإجابة الدعاء غير مجزوم به خصوصا المتشاغل عن سماع القرآن بالدعاء والضمير في قوله قرأ راجع إلى الإمام، وكذا في خطب وصلى وحينئذ فلفظ المؤتم حقيقة بالنسبة إلى قوله وإن قرأ آية الترغيب والترهيب، مجاز باعتبار ما يئول بالنسبة إلى الخطبة والصلاة ويجوز الجمع بين الحقيقة والمجاز بلفظ واحد عند كثير من العلماء وبهذا اندفع ما ذكره الشارح من الخلل في عبارة المختصر واستثنى المصنف في الكافي من قوله صلى ما إذا ذكر الخطيب آية
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ}[الأحزاب:56] فإن السامع يصلي في نفسه سرا ائتمارا للأمر وجعل البعيد كالقريب للخطيب في أنه يسكت هو الاحتياط كما في الهداية والله سبحانه وتعالى أعلم.

 

ج / 1 ص -649-       باب الإمامة
الجماعة سنة مؤكدة

_________________
" باب الإمامة "
اعلم أن الكلام هنا في مواضع:
الأول في بيان شرائط صحتها.
الثاني في بيان شرائط كمالها. الثالث في بيان من تكره إمامته.
الرابع في بيان صفتها.
الخامس في بيان أقلها.
السادس في بيان من تجب له.
السابع في بيان من تجب عليه.
الثامن في حكمة مشروعيتها.
أما الأول فحاصله مجملا ما ذكره الإمام الإسبيجابي أنه متى أمكن تضمين صلاة المقتدي في صلاة الإمام صح اقتداؤه به، وإن لم يمكن لا يصح اقتداؤه به والشيء إنما يتضمن ما هو مثله أو دونه ولا يتضمن ما هو فوقه وسيأتي بيانها مفصلا في قوله وفسد اقتداء رجل بامرأة إلى آخره.
وأما الثاني فهو أن الأصل أن بناء الإمامة على الفضيلة والكمال فكل من كان أكمل وأفضل فهو أحق بها وسيأتي مفصلا مع بيان من تكره إمامته. وأما صفتها فما ذكره بقوله:
" الجماعة سنة مؤكدة " أي قوية تشبه الواجب في القوة والراجح عند أهل المذهب الوجوب ونقله في البدائع عن عامة مشايخنا، وذكر هو وغيره أن القائل منهم أنها سنة مؤكدة ليس مخالفا في الحقيقة بل في العبارة؛ لأن السنة المؤكدة والواجب سواء خصوصا ما كان من شعائر الإسلام، ودليله من السنة المواظبة من غير ترك مع النكير على تاركها بغير عذر في أحاديث كثيرة، وفي المجتبى والظاهر أنهم أرادوا بالتأكيد الوجوب لاستدلالهم بالأخبار الواردة بالوعيد الشديد بترك الجماعة وصرح في المحيط بأنه لا يرخص لأحد في تركها بغير عذر حتى لو تركها أهل مصر يؤمرون بها فإن ائتمروا وإلا يحل مقاتلتهم، وفي القنية وغيرها بأنه يجب التعزير على تاركها بغير عذر ويأثم الجيران بالسكوت، وفيها لو انتظر الإقامة لدخول المسجد فهو مسيء، وفي المجتبى ومن سمع النداء كره له الاشتغال بالعمل، وعن عائشة أنه حرام يعني حالة الأذان،

 

ج / 1 ص -650-       ...............................
_________________
فيها ا هـ. وفي الخلاصة يجوز التعزير بأخذ المال ومن ذلك رجل لا يحضر الجماعة. ا هـ. وسيأتي إن شاء الله تعالى في محله أن معناه حبس ماله عنه مدة ثم دفعه له لا أخذه على وجه التملك كما قد يتوهم كما صرح به في البزازية، وذكر في غاية البيان معزيا إلى الأجناس أن تارك الجماعة يستوجب إساءة ولا تقبل شهادته إذا تركها استخفافا بذلك ومجانة، أما إذا تركها سهوا أو تركها بتأويل بأن يكون الإمام من أهل الأهواء أو مخالفا لمذهب المقتدي لا يراعي مذهبه فلا يستوجب الإساءة وتقبل شهادته ا هـ.
وفي شرح النقاية عن نجم الأئمة رجل يشتغل بتكرار الفقه ليلا ونهارا ولا يحضر الجماعة لا يعذر ولا تقبل شهادته، وقال أيضا رجل يشتغل بتكرار اللغة فتفوته الجماعة لا يعذر بخلاف تكرار الفقه قيل جوابه الأول فيمن واظب على ترك الجماعة تهاونا والثاني فيمن لا يواظب على تركها ا هـ. ولم يذكر المصنف بقية أحكامها.
فمنها أن أقلها اثنان واحد مع الإمام في غير الجمعة؛ لأنها مأخوذة من الاجتماع وهما أقل ما يتحقق بهما الاجتماع ولقوله عليه الصلاة والسلام "الاثنان فما فوقهما جماعة" وهو ضعيف كما في شرح منية المصلي وسواء كان ذلك الواحد رجلا أو امرأة حرا أو عبدا أو صبيا يعقل ولا عبرة بغير العاقل.
وفي السراج الوهاج لو حلف لا يصلي بجماعة وأم صبيا يعقل حنث في يمينه، ولا فرق في ذلك بين أن يكون في المسجد أو بيته حتى لو صلى في بيته بزوجته أو جاريته أو ولده فقد أتى بفضيلة الجماعة، ومنها أنها واجبة للصلوات الخمس إلا للجمعة فإنها شرط فيها وتجب

 

ج / 1 ص -651-       ...............................
_________________
لصلاة العيدين على القول بوجوبها، وتسن فيها على القول بسنيتها، وفي الكسوف والتراويح سنة وسيأتي أن الصحيح أنها في التراويح سنة على الكفاية ونص في جوامع الفقه على أنها فيها واجبة وهو غريب ويستحب في الوتر في رمضان على قول ولا يستحب فيه على قول وهي مكروهة في صلاة الخسوف وقيل لا، وأما ما عدا هذه الجملة ففي الخلاصة الاقتداء في الوتر خارج رمضان يكره، وذكر القدوري أنه لا يكره وأصل هذا أن التطوع بالجماعة إذا كان على سبيل التداعي يكره في الأصل للصدر الشهيد أما إذا صلوا بجماعة بغير أذان وإقامة في ناحية المسجد لا يكره، وقال شمس الأئمة الحلواني إن كان سوى الإمام ثلاثة لا يكره بالاتفاق، وفي الأربع اختلف المشايخ والأصح أنه يكره ا هـ. كذا في شرح المنية ولا يخفى أن الجماعة في العيدين وإن كانت واجبة أو سنة على القولين فيها فهي شرط الصحة على كل قول؛ لأن شرائط العيدين وجوبا وصحة شرائط الجمعة إلا الخطبة فلا تصح صلاة العيدين منفردا كالجمعة ولا يلزم من بطلان الوصف بطلان الأصل على المذهب.
ومنها حكم تكرارها في مسجد واحد ففي المجمع ولا نكررها في مسجد محلة بأذان ثان، وفي المجتبى ويكره تكرارها في مسجد بأذان وإقامة، وعن أبي يوسف إنما يكره تكرارها بقوم كثير أما إذا صلى واحد بواحد واثنين فلا بأس به، وعنه لا بأس به مطلقا إذا صلى في غير مقام الإمام وعن محمد إنما يكره تكرارها على سبيل التداعي أما إذا كان خفية في زاوية المسجد لا بأس به، وقال القدوري لا بأس بها في مسجد في قارعة الطريق، وفي أمالي قاضي خان مسجد ليس له إمام ولا مؤذن ويصلي الناس فيه فوجا فوجا فالأفضل أن يصلي كل فريق بأذان وإقامة على حدة، ولو صلى بعض أهل المسجد بأذان وإقامة مخافتة ثم ظهر بقيتهم فلهم أن يصلوا جماعة على وجه الإعلان ا هـ.
ومنها أنها لا تجب إلا على الرجال البالغين الأحرار القادرين عليها من غير حرج فلا تجب على شيخ كبير لا يقدر على المشي ومريض وزمن وأعمى، ولو وجد من يقوده ويحمله عند أبي حنيفة لما عرف أنه لا عبرة بقدرة الغير وحقق في فتح القدير أنه اتفاق والخلاف في الجمعة لا الجماعة وتسقط بعذر البرد الشديد والظلمة الشديدة، وذكر في السراج الوهاج أن منها المطر والريح في الليلة المظلمة، وأما في النهار فليست الريح عذرا وكذا إذا كان يدافع الأخبثين أو أحدهما أو كان إذا خرج يخاف أن يحبسه غريمه في الدين أو كان يخاف الظلمة أو يريد سفرا وأقيمت الصلاة فيخشى أن تفوته القافلة أو يكون قائما بمريض أو يخاف ضياع ماله

 

ج / 1 ص -652-       ...............................
_________________
وكذا إذا حضر العشاء وأقيمت صلاة العشاء ونفسه تتوق إليه وكذا إذا حضر الطعام في غير وقت العشاء ونفسه تتوق إليه ا هـ.
وفي فتح القدير وإذا فاتته لا يجب عليه الطلب في المساجد بلا خلاف بين أصحابنا بل إن أتى مسجدا للجماعة آخر فحسن، وإن صلى في مسجد حيه منفردا فحسن، وذكر القدوري يجمع بأهله ويصلي بهم يعني وينال ثواب الجماعة، وقال شمس الأئمة الأولى في زماننا تتبعها وسئل الحلواني عمن يجمع بأهله أحيانا هل ينال ثواب الجماعة أو لا قال لا ويكون بدعة ومكروها بلا عذر. واختلف في الأفضل من جماعة مسجد حيه وجماعة المسجد الجامع وإذا كان مسجدان يختار أقدمهما فإن استويا فالأقرب فإن صلوا في الأقرب وسمع إقامة غيره فإن كان دخل فيه لا يخرج وإلا فيذهب إليه وهذا على الإطلاق تفريع على أفضلية الأقرب مطلقا لا على من فضل الجامع فلو كان الرجل متفقها فمجلس أستاذه لدرسه أو مجلس العامة أفضل بالاتفاق ا هـ.
وأما حكمة مشروعيتها فقد ذكر في ذلك وجوه:
أحدها قيام نظام الألفة بين المصلين ولهذه الحكمة شرعت المساجد في المحال لتحصيل التعاهد باللقاء في أوقات الصلوات بين الجيران.
ثانيها دفع حصر النفس أن تشتغل بهذه العبادة وحدها.
ثالثها تعلم الجاهل من العالم أفعال الصلاة، وذكر بعضهم أنها ثابتة بالكتاب وهو قوله تعالى:
{وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}[البقرة:43] فهي بالكتاب والسنة.
وأما فضائلها ففي السنة الصحيحة أن صلاة الجماعة تفضل صلاة المنفرد ببضع وعشرين درجة، وفي المضمرات أنه مكتوب في التوراة صفة أمة محمد وجماعتهم وأنه بكل رجل في

 

ج / 1 ص -653-       والأعلم أحق بالإمامة
_________________
صفوفهم تزاد في صلاتهم صلاة تعني إذا كانوا ألف رجل يكتب لكل رجل ألف صلاة.
" قوله: والأعلم أحق بالإمامة " أي أولى بها ولم يبين المعلوم وفسره في المضمرات بأحكام الصلاة، وفي السراج الوهاج بما يصلح الصلاة ويفسدها، وفي غاية البيان بالفقه وأحكام الشريعة والظاهر هو الأول ويقرب منه الثاني، وأما الثالث فمحمول على الأول لظهور أنه ليس المراد من الفقه غير أحكام الصلاة ولهذا وقع في عبارة أكثرهم الأعلم بالسنة باعتبار أن أحكام الصلاة لم تستفد إلا من السنة، وأما الصلاة في الكتاب فمجملة وقدم أبو يوسف الأقرأ لحديث الصحيحين "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم إسلاما ولا يؤم الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه" وأجاب عنه في الهداية بأن أقرأهم كان أعلمهم؛ لأنهم كانوا يتلقونه بأحكامه فقدم في الحديث ولا كذلك في زماننا فقدمنا الأعلم ولأن القراءة يفتقر إليها لركن واحد والعلم لسائر الأركان، وفي فتح القدير وأحسن ما يستدل به للمذهب حديث "مروا أبا بكر فليصل بالناس" وكان ثمة من هو أقرأ منه بدليل قوله عليه الصلاة والسلام
"أقرؤكم أبي" وكان أبو بكر أعلمهم بدليل قول أبي سعيد كان أبو بكر أعلمنا وهذا آخر

 

ج / 1 ص -654-       ثم الأقرأ ثم الأورع ثم الأسن
_________________
الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الخلاصة الأكثر على تقديم الأعلم فإن كان متبحرا في علم الصلاة لكن لم يكن له حظ في غيره من العلوم فهو أولى ا هـ.
وقيد في المجتبى الأعلم بأن يكون مجتنبا للفواحش الظاهرة، وإن لم يكن ورعا وقيد في السراج الوهاج تقديم الأعلم بغير الإمام الراتب، وأما الإمام الراتب فهو أحق من غيره، وإن كان غيره أفقه منه وقيد الشارح وجماعة تقديم الأعلم بأن يكون حافظا من القرآن قدر ما تقوم به سنة القراءة وقيده المصنف في الكافي بأن يكون حافظا قدر ما تجوز به الصلاة، وينبغي أن يكون المختار قولا ثالثا وهو أن يكون حافظا للقدر المفروض والواجب ولم أره منقولا لكن القواعد لا تأباه؛ لأن الواجب مقتضاه الإثم بالترك ويورث النقصان في الصلاة.
" قوله: ثم الأقرأ " محتمل لشيئين أحدهما أن يكون المراد به أحفظهم للقرآن وهو المتبادر.
الثاني أحسنهم تلاوة للقرآن باعتبار تجويد قراءته وترتيلها وقد اقتصر العلامة تلميذ المحقق ابن الهمام في شرح زاد الفقير عليه.
" قوله: ثم الأورع " أي الأكثر اجتنابا للشبهات والفرق بين الورع والتقوى أن الورع اجتناب الشبهات والتقوى اجتناب المحرمات ولم يذكر الورع في الحديث السابق وإنما ذكر فيه بعد القراءة الهجرة؛ لأنها كانت واجبة في ابتداء الإسلام قبل الفتح فلما انتسخت بعده أقمنا الورع مقامها واستثنى في معراج الدراية من نسخ وجوبها بعده ما إذا أسلم في دار الحرب فإنه تلزمه الهجرة إلى دار الإسلام لكن الذي نشأ في دار الإسلام أولى منه إذا استويا فيما قبلها.
" قوله: ثم الأسن " لحديث مالك بن الحويرث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ولصاحب له
"إذا حضرت الصلاة فأذنا ثم أقيما ثم ليؤمكما أكبركما" وقد استويا في الهجرة والعلم والقراءة وعلل له في البدائع بأن من امتد عمره في الإسلام كان أكثر طاعة وهو يدل على أن المراد بالأسن الأقدم إسلاما ويشهد له حديث الصحيحين المتقدم من قوله "فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم إسلاما" فعلى هذا لا يقدم شيخ أسلم قريبا على شاب نشأ في الإسلام أو أسلم قبله، وكلام المصنف ظاهر في تقديم الأورع على الأسن وهكذا في كثير من الكتب، وفي المحيط ما يخالفه

 

ج / 1 ص -655-       ...............................
_________________
فإنه قال: وإن كان أحدهما أكبر والآخر أورع فالأكبر أولى إذا لم يكن فيه فسق ظاهر ا هـ.
وأشار المصنف إلى أنهما لو استويا في سائر الفضائل إلا أن أحدهما أقدم ورعا قدم وقد صرح به في فتح القدير ثم اقتصر المصنف على هذه الأوصاف الأربعة أعني العلم والقراءة والورع والسن.
وقد ذكروا أوصافا أخر ففي المحيط فإن استويا في السن قالوا أحسنهما خلقا أولى، فإن استويا فأحسنهما وجها أولى وفسر الشمني الخلق بالإلف بين الناس وفسر المصنف في الكافي أحسنهم وجها بأكثرهم صلاة بالليل للحديث "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار"، وإن كان ضعيفا عند المحدثين، وذكر في البدائع أنه لا حاجة إلى هذا التكلف بل يبقى على ظاهره؛ لأن صباحة الوجه سبب لكثرة الجماعة خلفه وقدم في فتح القدير الحسب على صباحة الوجه، فإن استووا فأشرفهم نسبا وزاد الإمام الإسبيجابي على ذلك أوصافا ثلاثة أخرى وهي، فإن استووا فأكبرهم رأسا وأصغرهم عضوا، فإن استووا فأكثرهم مالا أولى حتى لا يطلع على الناس، فإن استووا في ذلك فأكثرهم جاها أولى وزاد في المعراج ثاني عشر وهو أنظفهم ثوبا.
واختلف في المسافر مع المقيم قيل هما سواء وقيل المقيم أولى وينبغي ترجيحه كما لا يخفى، وفي الخلاصة، فإن اجتمعت هذه الخصال في رجلين فإنه يقرع بينهما، أو الخيار إلى القوم وأشار المصنف بالأحقية إلى أن القوم لو قدموا غير الأقرأ مع وجوده فإنهم قد أساءوا ولكن لا يأثمون كما في التجنيس وغيره وهذا كله فيما إذا لم يكونا في بيت شخص أما إذا كانا في بيت إنسان فإنه يكره أن يؤم ويؤذن، وصاحب البيت أولى بالإمامة إلا أن يكون معه سلطان أو قاض فهو أولى؛ لأن ولايتهما عامة كذا ذكر الإسبيجابي ويشهد له حديث الصحيحين السابق وفي السراج الوهاج ويقدم الوالي على الجميع وعلى إمام المسجد وصاحب البيت، والمستأجر أولى من

 

ج / 1 ص -656-       وكره إمامة العبد والأعرابي والفاسق والمبتدع والأعمى وولد الزنا
_________________
المالك؛ لأنه أحق بمنافعه وكذا المستعير أولى من المعير ا هـ. وفي تقديم المستعير نظر لأن للمعير أن يرجع أي وقت شاء بخلاف المؤجر.
وفي الخلاصة وغيرها رجل أم قوما وهم له كارهون إن كانت الكراهية لفساد فيه أو؛ لأنهم أحق بالإمامة يكره له ذلك، وإن كان هو أحق بالإمامة لا يكره ذلك. ا هـ. وفي بعض الكتب والكراهة على القوم وهو ظاهر؛ لأنها ناشئة عن الأخلاق الذميمة وينبغي أن تكون تحريمية في حق الإمام في صورة الكراهة لحديث أبي داود عن ابن عمر مرفوعا
"ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة من تقدم قوما وهم له كارهون ورجل أتى الصلاة دبارا" والدبار أن يأتيها بعد أن تفوته "ورجل اعتبد محرره" كذا في شرح المنية.
" قوله: وكره إمامة العبد والأعرابي والفاسق والمبتدع والأعمى وولد الزنا " بيان للشيئين الصحة والكراهة أما الصحة فمبنية على وجود الأهلية للصلاة مع أداء الأركان وهما موجودان من غير نقص في الشرائط والأركان ومن السنة حديث
"صلوا خلف كل بر وفاجر"، وفي صحيح البخاري أن ابن عمر كان يصلي خلف الحجاج وكفى به فاسقا كما قاله الشافعي، وقال

 

ج / 1 ص -657-       ...............................
_________________
المصنف إنه أفسق أهل زمانه، وقال الحسن البصري لو جاءت كل أمة بخبيثاتها وجئنا بأبي محمد لغلبناهم وإمامة عتبان بن مالك الأعمى لقومه مشهورة في الصحيحين واستخلاف ابن أم مكتوم الأعمى على المدينة كذلك في صحيح ابن حبان، وأما الكراهة فمبنية على قلة رغبة الناس في الاقتداء بهؤلاء فيؤدي إلى تقليل الجماعة المطلوب تكثيرها تكثيرا للأجر ولأن العبد لا يتفرغ للتعلم والغالب على الأعراب الجهل والفاسق لا يهتم لأمر دينه والأعمى لا يتوقى النجاسة وليس لولد الزنا أب يربيه ويؤدبه ويعلمه فيغلب عليه الجهل. أطلق الكراهة في هؤلاء وقيد كراهة إمامة الأعمى في المحيط وغيره بأن لا يكون أفضل القوم، فإن كان أفضلهم فهو أولى وعلى هذا يحمل تقديم ابن أم مكتوم؛ لأنه لم يبق من الرجال الصالحين للإمامة في المدينة أحد أفضل منه حينئذ ولعل عتبان بن مالك كان أفضل من كان يؤمه أيضا وعلى قياس هذا إذا كان الأعرابي أفضل الحاضرين كان أولى ولهذا قال في منية المصلي أراد بالأعرابي الجاهل وهو ظاهر في كراهة إمامة العامي الذي لا علم عنده وينبغي أن يكون كذلك في العبد وولد الزنا إذا كان أفضل القوم فلا كراهة إذا لم يكونا محتقرين بين الناس لعدم العلة للكراهة والأعرابي من يسكن البادية عربيا كان أو عجميا، وأما من يسكن المدن فهو عربي وفي المجتبى وهذه الكراهة تنزيهية لقوله في الأصل إمامة غيرهم أحب إلي وهكذا في معراج الدراية، وفي الفتاوى لو صلى خلف فاسق أو مبتدع ينال فضل الجماعة لكن لا ينال كما ينال خلف تقي ورع لقوله صلى الله عليه وسلم
"من صلى خلف عالم تقي فكأنما صلى خلف نبي" قال ابن

 

ج / 1 ص -658-        ...............................
_________________ أمير حاج ولم يجده المخرجون نعم أخرج الحاكم في مستدركه مرفوعا
"إن سركم أن يقبل الله صلاتكم فليؤمكم خياركم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم"، وذكر الشارح وغيره أن الفاسق إذا تعذر منعه يصلي الجمعة خلفه، وفي غيرها ينتقل إلى مسجد آخر وعلل له في المعراج بأن في غير الجمعة يجد إماما غيره فقال في فتح القدير وعلى هذا فيكره الاقتداء به في الجمعة إذا تعددت إقامتها في المصر على قول محمد وهو المفتى به؛ لأنه بسبيل من التحول حينئذ، وفي السراج الوهاج، فإن قلت: فما الأفضلية أن يصلي خلف هؤلاء أو الانفراد؟ قيل أما في حق الفاسق فالصلاة خلفه أولى لما ذكر في الفتاوى كما قدمناه، وأما الآخرون فيمكن أن يكون الانفراد أولى لجهلهم بشروط الصلاة ويمكن أن يكون على قياس الصلاة خلف الفاسق والأفضل أن يصلي خلف غيرهم ا هـ.
فالحاصل أنه يكره لهؤلاء التقدم ويكره الاقتداء بهم كراهة تنزيه، فإن أمكن الصلاة خلف غيرهم فهو أفضل وإلا فالاقتداء أولى من الانفراد وينبغي أن يكون محل كراهة الاقتداء بهم عند وجود غيرهم وإلا فلا كراهة كما لا يخفى وأشار المصنف إلى أنه لو اجتمع معتق وحر أصلي فالحر الأصلي أولى بعد الاستواء في العلم والقراءة كما في الخلاصة.
وأما المبتدع فهو صاحب البدعة وهي كما في المغرب اسم من ابتدع الأمر إذا ابتدأه وأحدثه كالرفقة من الارتفاق والخلفة من الاختلاف ثم غلبت على ما هو زيادة في الدين أو نقصان منه ا هـ. وعرفها الشمني بأنها ما أحدث على خلاف الحق المتلقى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من علم أو عمل أو حال بنوع شبهة واستحسان وجعل دينا قويما وصراطا مستقيما ا هـ. وأطلق المصنف في المبتدع فشمل كل مبتدع هو من أهل قبلتنا وقيده في المحيط والخلاصة والمجتبى وغيرها بأن لا تكون بدعته تكفره، فإن كانت تكفره فالصلاة خلفه لا تجوز وعبارة

 

ج / 1 ص -659-       ...............................
_________________
الخلاصة هكذا وفي الأصل الاقتداء بأهل الأهواء جائز إلا الجهمية والقدرية والروافض الغالي ومن يقول بخلق القرآن والخطابية والمشبهة.
وجملته أن من كان من أهل قبلتنا ولم يغل في هواه حتى يحكم بكفره تجوز الصلاة خلفه وتكره، ولا تجوز الصلاة خلف من ينكر شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم أو ينكر الكرام الكاتبين أو ينكر الرؤية؛ لأنه كافر، وإن قال إنه لا يرى لجلاله وعظمته فهو مبتدع والمشبه إن قال إن لله يدا أو رجلا كما للعباد فهو كافر، وإن قال إنه جسم لا كالأجسام فهو مبتدع، والرافضي إن فضل عليا على غيره فهو مبتدع، وإن أنكر خلافة الصديق فهو كافر ومن أنكر الإسراء من مكة إلى بيت المقدس فهو كافر ومن أنكر المعراج من بيت المقدس فليس بكافر ا هـ. وألحق في فتح القدير عمر بالصديق في هذا الحكم ولعل مرادهم بإنكار الخلافة إنكار استحقاقهما الخلافة فهو مخالف لإجماع الصحابة لا إنكار وجودها لهما وعلل لعدم كفره في قوله لا كالأجسام بأنه ليس فيه إلا إطلاق لفظ الجسم عليه وهو موهم للنقص فرفعه بقوله لا كالأجسام فلم يبق إلا مجرد الإطلاق وذلك معصية تنهض سببا للعقاب لما قلنا من الإيهام بخلاف ما لو قاله على التشبيه فإنه كافر وقيل يكفر بمجرد الإطلاق أيضا وهو حسن بل هو أولى بالتكفير ا هـ.

 

ج / 1 ص -660-       ...............................
_________________
فالحاصل أنه يكفر في لفظين هو جسم كالأجسام هو جسم، ويصير مبتدعا في الثالث هو جسم لا كالأجسام ثم قال واعلم أن الحكم بكفر من ذكرنا من أهل الأهواء مع ما ثبت عن أبي حنيفة والشافعي من عدم تكفير أهل القبلة من المبتدعة كلهم محمله على أن ذلك المعتقد نفسه كفر فالقائل به قائل بما هو كفر، وإن لم يكفر بناء على كون قوله ذلك عن استفراغ وسعه مجتهدا في طلب الحق لكن جزمهم ببطلان الصلاة خلفه لا يصحح هذا الجمع اللهم إلا أن يراد بعدم الجواز خلفهم عدم الحل أي عدم حل أن يفعل وهو لا ينافي الصحة وإلا فهو مشكل والله سبحانه أعلم. بخلاف مطلق اسم الجسم مع التشبيه فإنه يكفر لاختياره إطلاق ما هو موهم للنقص بعد علمه بذلك، ولو نفى التشبيه لم يبقى منه إلا التساهل والاستخفاف بذلك ا هـ.
وهكذا استشكل هذه الفروع مع ما صح عن المجتهدين المحقق سعد التفتازاني في شرح العقائد، وفيما أجاب به في فتح القدير نظر؛ لأن تعليله في الخلاصة فيمن أنكر الرؤية ونحوها بأنه كافر يرد هذا الحمل فالأولى ما ذكره هو في باب البغاة أن هذه الفروع المنقولة في الفتاوى من التكفير لم تنقل عن الفقهاء أي المجتهدين وإنما المنقول عنهم عدم تكفير من كان من قبلتنا حتى لم يحكموا بتكفير الخوارج الذين يستحلون دماء المسلمين وأموالهم وسب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لكونه عن تأويل وشبهة ولا عبرة بغير المجتهدين ا هـ.
وذكر في المسايرة أن ظاهر قول الشافعي وأبي حنيفة أنه لا يكفر أحد منهم، وإن روي عن أبي حنيفة أنه قال لجهم اخرج عني يا كافر حملا على التشبيه وهو مختار الرازي، وذكر

 

ج / 1 ص -661-       ...............................
_________________
في شرحها للكمال بن أبي شريف أن عدم تكفيرهم هو المنقول عن جمهور المتكلمين والفقهاء فإن الشيخ أبا الحسن الأشعري قال في كتاب مقالات الإسلاميين اختلف المسلمون بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم في أشياء ضلل بعضهم بعضا وتبرأ بعضهم عن بعض فصاروا فرقا متباينين إلا أن الإسلام يجمعهم ويعمهم ا هـ.
وقال الإمام الشافعي أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية؛ لأنهم يشهدون بالزور لموافقيهم وما ذكره المصنف أنه ظاهر قول أبي حنيفة جزم بحكايته عنه الحاكم صاحب المختصر في كتاب المنتقى وهو المعتمد ا هـ.
فالحاصل أن المذهب عدم تكفير أحد من المخالفين فيما ليس من الأصول المعلومة من الدين ضرورة، ويدل عليه قبول شهادتهم إلا الخطابية ولم يفصلوا في كتاب الشهادات فدل ذلك على أن هذه الفروع المنقولة من الخلاصة وغيرها بصريح التكفير لم تنقل عن أبي حنيفة وإنما هي من تفريعات المشايخ كألفاظ التكفير المنقولة في الفتاوى والله سبحانه هو الموفق. وفي جمع الجوامع وشرحه ولا نكفر أحدا من أهل القبلة ببدعة كمنكري صفات الله تعالى وخلقه أفعال عباده وجواز رؤيته يوم القيامة ومنا من كفرهم أما من خرج ببدعته من أهل القبلة كمنكري حدوث العالم والبعث والحشر للأجسام والعلم بالجزئيات فلا نزاع في كفرهم لإنكارهم بعض ما علم مجيء الرسول به ضرورة ا هـ.
وفي الخلاصة عن الحلواني يمنع عن الصلاة خلف من يخوض في علم الكلام ويناظر صاحب الأهواء وحمله في المجتبى على من يريد بالمناظرة أن يزل صاحبه، وأما من أراد الوصول به إلى الحق وهداية الخلق فهو ممن يتبرك بالاقتداء به ويندفع البلاء عن الخلق بهدايته

 

ج / 1 ص -662-       وتطويل الصلاة
_________________
واهتدائه، وأما الصلاة خلف الشافعية فحاصل ما في المجتبى أنه إذا كان مراعيا للشرائط والأركان عندنا فالاقتداء به صحيح على الأصح ويكره وإلا فلا يصح أصلا وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في باب الوتر ولا خصوصية للشافعية بل الصلاة خلف كل مخالف للمذهب كذلك.
" قوله: وتطويل الصلاة " أي وكره للإمام تطويلها للحديث
"إذا أم أحدكم الناس فليخفف" واستثنى المحقق في فتح القدير صلاة الكسوف فإن السنة فيها التطويل حتى تنجلي الشمس وأراد بالتطويل ما زاد على القدر المسنون كما في السراج الوهاج لا كما قد يتوهمه بعض الأئمة فيقرأ يسيرا في الفجر كغيرها، وفي المضمرات شرح القدوري أي لا يزيد على القراءة المستحبة ولا يثقل على القوم ولكن يخفف بعد أن يكون على التمام والاستحباب ا هـ. وذكره في فتح القدير بحثا وعلل له بأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن التطويل وكانت قراءته هي المسنونة فلا بد من كون ما نهى عنه غير ما كان دأبه إلا لضرورة كما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قرأ بالمعوذتين في الفجر فلما فرغ قيل له أوجزت قال "سمعت بكاء صبي فخشيت أن تفتتن أمه" وفي منية المصلي ويكره للإمام أن يعجلهم عن إكمال السنة، والظاهر أنها في تطويل الصلاة كراهة تحريم للأمر بالتخفيف وهو للوجوب إلا لصارف ولإدخال الضرر على الغير وأطلقه فشمل ما إذا كان القوم يحصون أو لا رضوا بالتطويل أو لا لإطلاق الحديث، وأطلق في التطويل فشمل إطالة القراءة أو الركوع أو السجود أو الأدعية واختار الفقيه أبو الليث أنه يطيل

 

ج / 1 ص -663-       وجماعة النساء، فإن فعلن تقف الإمام وسطهن كالعراة
_________________
الركوع لإدراك الجائي إذا لم يعرفه، فإن عرفه فلا وأبو حنيفة منع منه مطلقا؛ لأنه شرك أي رياء.
" قوله: وجماعة النساء " أي وكره جماعة النساء؛ لأنها لا تخلو عن ارتكاب محرم وهو قيام الإمام وسط الصف فيكره كالعراة كذا في الهداية وهو يدل على أنها كراهة تحريم؛ لأن التقدم واجب على الإمام للمواظبة من النبي صلى الله عليه وسلم عليه وترك الواجب موجب لكراهة التحريم المقتضية للإثم ويدل على كراهة التحريم في جماعة العراة بالأولى واستثنى الشارحون جماعتهن في صلاة الجنازة فإنها لا تكره؛ لأنها فريضة وترك التقدم مكروه فدار الأمر بين فعل المكروه لفعل الفرض أو ترك الفرض لتركه فوجب الأول بخلاف جماعتهن في غيرها، ولو صلين فرادى فقد تسبق إحداهن فتكون صلاة الباقيات نفلا والتنفل بها مكروه فيكون فراغ تلك موجبا لفساد الفريضة لصلاة الباقيات كتقييد الخامسة بالسجدة لمن ترك القعدة وأفاد أن إمامة المرأة للنساء صحيحة واستثنى في السراج الوهاج مسألة وهي ما لو استخلف الإمام امرأة وخلفه رجال ونساء فسدت صلاة الرجال والنساء والإمام والمقدمة في قول أصحابنا الثلاثة خلافا لزفر أما فساد صلاة الرجال فظاهر، وأما فساد صلاة النساء فلأنهم دخلوا في تحريمة كاملة فإذا انتقلوا إلى تحريمة ناقصة لم يجز كأنهم خرجوا من فرض إلى فرض آخر.
" قوله: فإن فعلن تقف الإمام وسطهن كالعراة " لأن عائشة رضي الله عنها فعلت كذلك وحمل فعلها الجماعة على ابتداء الإسلام ولأن في التقدم زيادة الكشف وأراد بالتعبير بقوله تقف أنه واجب فلو تقدمت أثمت كما صرح به في فتح القدير والصلاة صحيحة فإذا توسطت لا تزول الكراهة وإنما أرشدوا إلى التوسط؛ لأنه أقل كراهية من التقدم كذا في السراج الوهاج، ولو تأخرت لم يصح الاقتداء بها عندنا لعدم شرطه وهو عدم التأخر عن المأموم، وذكر في المغرب الإمام من يؤتم به أي يقتدى به ذكرا كان أو أنثى، وفي الواو مع السين الوسط بالتحريك اسم لعين ما بين طرفي الشيء كمركز الدائرة، وبالسكون اسم مبهم لداخل الدائرة مثلا ولذلك كان ظرفا فالأول يجعل مبتدأ وفاعلا ومفعولا به وداخلا عليه حرف الجر ولا يصح شيء من هذا في الثاني تقول وسطه خير من طرفه واتسع وسطه وضربت وسطه وجلست في وسط الدار، وجلست وسطها بالسكون لا غير، ويوصف بالأول مستويا فيه المذكر والمؤنث والاثنان والجمع قال الله تعالى
{جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً}[البقرة:143] ولله علي أن أهدي شاتين وسطا إلى بيت الله أو أعتق عبدين وسطا، وقد بني منه أفعل التفضيل فقيل للذكر الأوسط وللمؤنث الوسطى قال تعالى {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ}[المائدة:89] يعني المتوسط بين الإسراف والتقتير، وقد أكثروا في ذلك وهو في محل الرفع على البدل من إطعام أو كسوتهم معطوف عليه والصلاة الوسطى العصر وهو المشهور ا هـ. وضبطه هنا في السراج الوهاج بسكون السين لا غير، وفي الصحاح كل

 

ج / 1 ص -664-       ويقف الواحد عن يمينه والاثنان خلفه
_________________
موضع صلح فيه بين فهو وسط بالتسكين كجلست وسط القوم، وإن لم يصلح فيه فهو بالتحريك كجلست وسط الدار وربما سكن وليس بالوجه ا هـ. وفي ضياء الحلوم الوسط بالسكون ظرف مكان وبفتح السين اسم تقول وسط رأسه دهن بسكون السين وفتح الطاء فهذا ظرف وإذا فتحت السين رفعت الطاء وقلت: وسط رأسه دهن فهذا اسم ا هـ. وفي معراج الدراية والتشبيه بالعراة ليس من كل وجه بل في أفضلية الإفراد وأفضلية قيام الإمام وسطهن، وأما العراة فيصلون قعودا وهو أفضل والنساء قائمات، وفي الخلاصة يصلون قعودا بإيماء، وإن صلوا بقيام وركوع وسجود بجماعة أجزأهم، وذكر الإسبيجابي وكذلك يكره أن يؤم النساء في بيت وليس معهن رجل ولا محرم منه مثل زوجته وأمته وأخته، فإن كانت واحدة منهن فلا يكره وكذلك إذا أمهن في المسجد لا يكره وإطلاق المحرم على من ذكر تغليب وإلا فليس هو محرما لزوجته وأمته.
" قوله: ويقف الواحد عن يمينه والاثنان خلفه لحديث ابن عباس
"أنه عليه الصلاة والسلام صلى به وأقامه عن يمينه" وهو ظاهر في محاذاة اليمين وهي المساواة وهذا هو المذهب خلافا لما عن محمد من أنه يجعل أصبعه عند عقب الإمام وأفاد الشارح أنه لو وقف عن يساره فإنه يكره يعني اتفاقا، ولو وقف خلفه فيه روايتان أصحهما الكراهة، وأطلق في الواحد فشمل البالغ والصبي واحترز به عن المرأة فإنها لا تكون إلا خلفه فلو كان معه رجل وامرأة فإنه يقيم الرجل عن يمينه والمرأة خلفهما، وإن كان رجلان وامرأة أقام الرجلين خلفه والمرأة خلفهما وإنما يتقدم الرجلين لأنه عليه الصلاة والسلام تقدم على أنس واليتيم حين صلى بهما وهو دليل

 

ج / 1 ص -665-       ويصف الرجال ثم الصبيان ثم النساء
_________________
الأفضلية وما ورد من فعل ابن مسعود من أنه توسطهما فهو دليل الإباحة كذا في الهداية وغيرها، وذكر الإسبيجابي أنه لو كان معه رجلان فإمامهم بالخيار إن شاء تقدم، وإن شاء أقام فيما بينهما، ولو كانوا جماعة فينبغي للإمام أن يتقدم، ولو لم يتقدم إلا أنه أقام على ميمنة الصف أو على ميسرته أو قام في وسط الصف فإنه يجوز ويكره وينبغي أن يكون بحذاء الإمام من هو أفضل، ولو قال المصنف كما في النقاية لكان أولى والزائد خلفه لشمول الزائد الاثنين والأكثر.
وفي الخلاصة، ولو كان المقتدي عن يمين الإمام فجاء ثالث وجذب المؤتم إلى نفسه بعد ما كبر الثالث لا تفسد صلاته وأشار المصنف إلى أن العبرة إنما هو للقدم لا للرأس فلو كان الإمام أقصر من المقتدي تقع رأس المقتدي قدام الإمام يجوز بعد أن يكون محاذيا بقدمه أو متأخرا قليلا وكذا في محاذاة المرأة كما سيأتي، وإن تفاوتت الأقدام صغرا وكبرا فالعبرة بالساق والكعب والأصح ما لم يتقدم أكثر قدم المقتدي لا تفسد صلاته كذا في المجتبى، وفي الظهيرية، ولو جاء والصف متصل انتظر حتى يجيء الآخر، فإن خاف فوت الركعة جذب واحدا من الصف إن علم أنه لا يؤذيه، وإن اقتدى به خلف الصفوف جاز لما روي أن أبا بكرة قام خلف الصف فدب راكعا حتى التحق بالصف فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
"يا أبا بكرة زادك الله حرصا في الدين"، ولو كان في الصحراء ينبغي أن يكبر أولا ثم يجذبه، ولو جذبه أولا فتأخر ثم كبر هو قيل تفسد صلاة الذي تأخر ذكره الزندوستي في نظمه والمعنى فيه أن هذا إجابة بالفعل فيعتبر بالإجابة بالقول، ولو أجاب بالقول فسدت كما إذا أخبر بخبر يسره فقال الحمد لله والأصح أنه لا تفسد صلاته ا هـ. وفي القنية والقيام وحده أولى في زماننا لغلبة الجهل على العوام.
" قوله: ويصف الرجال ثم الصبيان ثم النساء " لقوله عليه الصلاة والسلام
"ليليني منكم أولو الأحلام والنهى" ولأن المحاذاة مفسدة فيؤخرون، وليلني أمر الغائب من الولي وهو القرب

 

ج / 1 ص -666-       ...............................
_________________
والأحلام جمع حلم بضم الحاء وهو ما يراه النائم أريد به البالغون مجازا؛ لأن الحلم سبب البلوغ، والنهى جمع نهية وهي العقل كذا في غاية البيان ولم يذكر الخناثى كما في المجمع وغيره لندرة وجوده، وذكر الإسبيجابي أنه يقوم الرجال صفا مما يلي الإمام ثم الصبيان بعدهم ثم الخناثى ثم الإناث ثم الصبيات المراهقات.
وفي شرح منية المصلي المذكور في عامة الكتب أربعة أقسام. قيل وليس هذا الترتيب لهذه الأقسام بحاصر لجملة الأقسام الممكنة فإنها تنتهي إلى اثني عشر قسما والترتيب الحاصر لها أن يقدم الأحرار البالغون، ثم الأحرار الصبيان، ثم العبيد البالغون، ثم العبيد الصبيان، ثم الأحرار الخناثى الكبار، ثم الأحرار الخناثى الصغار، ثم الأرقاء الخناثى الكبار، ثم الأرقاء الخناثى الصغار، ثم الحرائر الكبار، ثم الحرائر الصغار، ثم الإماء الكبار، ثم الإماء الصغار ا هـ. وظاهر كلامهم متونا وشروحا تقديم الرجال على الصبيان مطلقا سواء كانوا أحرارا أو عبيدا فإن الصبي الحر وإن كان له شرف الحرية لكن المطلوب هنا قرب البالغ العاقل بالحديث السابق نعم يقدم البالغ الحر على البالغ العبد، والصبي الحر على الصبي العبد والحرة البالغة على الأمة البالغة والصبية الحرة على الصبية الأمة لشرف الحرية من غير معارض ولم أر صريحا حكم ما إذا صلى ومعه رجل وصبي، وإن كان داخلا تحت قوله والاثنان خلفه وظاهر حديث أنس أنه يسوي بين الرجل والصبي ويكونان خلفه فإنه قال فصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا ويقتضي أيضا أن الصبي الواحد لا يكون منفردا عن صف الرجال بل يدخل في صفهم وأن محل هذا الترتيب إنما هو عند حضور جمع من الرجال وجمع من الصبيان فحينئذ تؤخر الصبيان بخلاف المرأة الواحدة فإنها تتأخر عن الصفوف كجماعتهن.
وينبغي للقوم إذا قاموا إلى الصلاة أن يتراصوا ويسدوا الخلل ويسووا بين مناكبهم في الصفوف ولا بأس أن يأمرهم الإمام بذلك وينبغي أن يكملوا ما يلي الإمام من الصفوف، ثم ما يلي ما يليه وهلم جرا وإذا استوى جانبا الإمام فإنه يقوم الجائي عن يمينه، وإن ترجح اليمين فإنه يقوم عن يساره وإن وجد في الصف فرجة سدها وإلا فينتظر حتى يجيء آخر كما قدمناه، وفي فتح القدير وروى أبو داود والإمام أحمد عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال: "أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولينوا بأيدي إخوانكم ولا تذروا فرجات للشيطان ومن وصل صفا

 

ج / 1 ص -667-       وإن حاذته مشتهاة في صلاة مطلقة مشتركة تحريمة وأداء في مكان متحد بلا حائل فسدت صلاته إن نوى إمامتها
_________________
وصله الله ومن قطع صفا قطعه الله". وروى البزار بإسناد حسن عنه صلى الله عليه وسلم
"من سد فرجة في الصف غفر له". وفي أبي داود عنه صلى الله عليه وسلم قال "خياركم ألينكم مناكب في الصلاة" وبهذا يعلم جهل من يستمسك عند دخول داخل بجنبه في الصف ويظن أن فسحه له رياء بسبب أنه يتحرك لأجله بل ذلك إعانة له على إدراك الفضيلة وإقامة لسد الفرجات المأمور بها في الصف والأحاديث في هذا كثيرة شهيرة ا هـ.
وفي القنية والقيام في الصف الأول أفضل من الثاني، وفي الثاني أفضل من الثالث هكذا؛ لأنه روي في الأخبار أن الله تعالى إذا أنزل الرحمة على الجماعة ينزلها أولا على الإمام، ثم تتجاوز عنه إلى من بحذائه في الصف الأول، ثم إلى الميامن، ثم إلى المياسر، ثم إلى الصف الثاني وروي عنه عليه السلام أنه قال
"يكتب للذي خلف الإمام بحذائه مائة صلاة وللذي في الجانب الأيمن خمسة وسبعون صلاة وللذي في الجانب الأيسر خمسون صلاة وللذي في سائر الصفوف خمسة وعشرون صلاة". وجد في الصف الأول فرجة دون الثاني فله أن يصلي في الصف الأول ويخرق الثاني؛ لأنه لا حرمة له لتقصيرهم حيث لم يسدوا الصف الأول. ا هـ.
" قوله: وإن حاذته مشتهاة في صلاة مطلقة مشتركة تحريمة وأداء في مكان متحد بلا حائل فسدت صلاته إن نوى إمامتها " بيان لفائدة تأخيرها ولحكم محاذاتها للرجل والقياس أن لا تفسد اعتبارا بصلاتها وبمحاذاة الأمرد. وجه الاستحسان حديث مسلم السابق من أنه صلى الله عليه وسلم جعل العجوز خلف الصف، ولولا أن المحاذاة مفسدة ما تأخرت العجوز؛ لأن الانفراد خلف الصف مكروه

 

ج / 1 ص -668-       ...............................
_________________
عندنا ومفسد عند أحمد ولحديث ابن مسعود
"أخروهن من حيث أخرهن الله" والحنفية يذكرونه مرفوعا والمحقق ابن الهمام منع رفعه بل هو موقوف على ابن مسعود، وهو يفيد افتراض تأخرهن عن الرجال؛ لأنه وإن كان آحادا وقع بيانا لمجمل الكتاب وهو قوله تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}[البقرة:228] فإذا لم يشر إليها بالتأخر بعدما دخلت في الصلاة ونوى الإمام إمامتها فقد ترك فرض المقام فبطلت صلاته وإذا أشار إليها بالتأخر فلم تتأخر تركت حينئذ فرض المقام فبطلت صلاتها دونه ولم يمكنه التقدم بخطوة أو خطوتين؛ لأنه مكروه فلا يؤمر به وهذا هو الفرق بينها وبينه، وهذا في محاذاة غير الإمام.
أما في محاذاة إمامها فصلاتهما فاسدة أيضا؛ لأنه إذا فسدت صلاة الإمام فسدت صلاة المأموم وفي فتاوى قاضي خان المرأة إذا صلت مع زوجها في البيت إن كان قدمها بحذاء قدم الزوج لا تجوز صلاتهما بالجماعة، وفي المحيط إذا حاذت إمامها فسدت صلاة الكل.
وأما محاذاة الأمرد فقال في فتح القدير صرح الكل بعدم الفساد إلا من شذ ولا متمسك له في الرواية كما صرحوا به ولا في الدراية لتصريحهم بأن الفساد في المرأة غير معلول بعروض الشهوة بل هو لترك فرض المقام وليس هذا في الصبي ومن تساهل فعلل به صرح بنفيه في الصبي مدعيا عدم اشتهائه ا هـ. وعلى هذا فما في معراج الدراية عن الملتقط من أن الأمرد من قرنه إلى قدمه عورة مبني على القول الشاذ الذي يلحقه بالمرأة، وذكر الشارح وغيره أن المعتبر في المحاذاة الساق والكعب في الأصح وبعضهم اعتبر القدم ا هـ. وهو قاصر الإفادة فإنه كما صرحوا به المرأة الواحدة تفسد صلاة ثلاثة إذا وقفت في الصف من عن يمينها ومن عن يسارها ومن خلفها ولا شك أن المحاذاة بالساق والكعب لم تتحقق فيمن خلفها فالتفسير الصحيح للمحاذاة ما في المجتبى والمحاذاة المفسدة أن تقوم بجنب الرجل من غير حائل أو قدامه ا هـ.
فالحاصل أن مماسة بدنها لبدنه ليست بشرط بل أن تكون عن جنبه بلا حائل ولا فرجة وسيأتي تفسير الحائل والفرجة ولهذا لو كان أحدهما على الدكان دون القامة والآخر على الأرض فسدت صلاته لوجود المحاذاة لبعض بدنها لكونها عن جنبه وليس هنا محاذاة بالساق والكعب ولا بالقدم، وفي الخانية والظهيرية المرأة إذا صلت في بيتها مع زوجها إن كانت قدماها خلف قدم الزوج إلا أنها طويلة يقع رأسها في السجود قبل رأس الإمام جازت صلاتهما؛ لأن العبرة للقدم ا هـ.

 

ج / 1 ص -669-       ...............................
_________________
وقال قاضيخان في باب ما يفسد الصلاة: وحد المحاذاة أن يحاذي عضو منها عضوا من الرجل حتى لو كانت المرأة على الظلة والرجل بحذائها أسفل منها أو خلفها إن كان يحاذي الرجل شيئا منها تفسد صلاته وقيد بالمشتهاة؛ لأن غير المشتهاة لا تفسد صلاته، وإن كانت مميزة واختلفوا في حد المشتهاة وصحح الشارح وغيره أنه لا اعتبار بالسن من السبع على ما قيل أو التسع على ما قيل وإنما المعتبر أن تصلح للجماع بأن تكون ضخمة عبلة والعبلة المرأة التامة الخلق وأطلقها فشملت الأجنبية والزوجة والمحرم والمشتهاة حالا أو ماضيا مراهقة أو بالغة فدخلت العجوز الشوهاء ولم يقيدها بالعاقلة كما فعل غيره؛ لأن المجنونة لم تصح صلاتها فلم يوجد الاشتراك وقيد بالصلاة؛ لأنها لو لم تكن في الصلاة فلا فساد وقيد الصلاة بالإطلاق وهي ما عهد مناجاة للرب سبحانه وتعالى وهي ذات الركوع أو السجود أو الإيماء للعذر للاحتراز عن المحاذاة في صلاة الجنازة فإنها لا تفسد وقيد بالاشتراك؛ لأن محاذاة المصلية لمصل ليس في صلاتها لا تفسد صلاته لكنه مكروه كما في فتح القدير وقيد الاشتراك بالتحريمة والأداء؛ لأن اللاحق إذا حاذته اللاحقة عند الذهاب إلى الوضوء أو عند المجيء قبل الاشتغال بعمل الصلاة فلا فساد وإن وجد الاشتراك حالة المحاذاة تحريمة لعدم الاشتراك أداء حالة المحاذاة؛ لأن هذه الحالة ليست حالة الأداء وكذا المسبوق إذا حاذته المسبوقة بعد سلام الإمام عند قضاء ما سبقا به لعدم الاشتراك في الأداء؛ لأن المسبوق منفرد فيما يقضي إلا في مسائل سنذكرها، وإن وجد الاشتراك في التحريمة وليس من شرط الاشتراك في التحريمة تحصيل الركعة الأولى مع الإمام، ولهذا قال في السراج الوهاج ولا يشترط أن تدرك أول الصلاة في الصحيح بل لو سبقها بركعة أو بركعتين فحاذته فيما أدركت تفسد عليه ا هـ. فالمشاركة في التحريمة بناء صلاتها على صلاة من حاذته أو على صلاة إمام من حاذته فحينئذ لا تمكن المشاركة في الأداء بدون المشاركة في التحريمة فلذا ذكروا المشاركة تحريمة وأداء ولم يكتفوا بالمشاركة في الأداء، وفي فتح القدير ثم لو قيل بدل مشتركة تحريمة وأداء مشتركة أداء ويفسرها بأن يكون لهما إمام فيما يؤديانه حالة المحاذاة أو أحدهما إمام للآخر لعم الاشتراكين ا هـ. قلنا نعم يعم لكن يلزم من الاشتراك أداء الاشتراك تحريمة فلهذا ذكروهما.
والحاصل أن المقتدي إما مدرك أو لاحق غير مسبوق أو لاحق مسبوق أو مسبوق غير لاحق.

 

ج / 1 ص -670-       ...............................
_________________
فالمدرك من أدرك الركعات كلها مع الإمام فإذا حاذته أبطلت صلاته لوجود الاشتراك تحريمة وأداء.
واللاحق الغير المسبوق هو الذي أدرك الركعة الأولى وفاتته ركعة أو أكثر منها بعذر كنوم أو حدث أو غفلة أو زحمة أو لأنه من الطائفة الأولى في صلاة الخوف وحكمه أنه إذا زال عذره فإنه يبدأ بقضاء ما فاته بالعذر، ثم يتابع الإمام إن لم يفرغ وهذا واجب لا شرط حتى لو عكس فإنه يصح فلو نام في الثالثة واستيقظ في الرابعة فإنه يأتي بالثالثة بلا قراءة؛ لأنه لاحق فيها فإذا فرغ منها قبل أن يصلي الإمام الرابعة صلى معه الرابعة، وإن بعد فراغ الإمام صلى الرابعة وحدها بلا قراءة أيضا؛ لأنه لاحق فلو تابع الإمام، ثم قضى الثالثة بعد فراغ الإمام صح وأثم ومن حكمه أنه مقتد حكما فيما يقضي، ولهذا لا يقرأ ولا يلزمه سجود بسهوه وإذا تبدل اجتهاده في القبلة تبطل صلاته، ولو سبقه الحدث وهو مسافر فدخل مصره للوضوء بعد فراغ الإمام لا ينقلب أربعا وكذا لو نوى الإقامة بعد فراغ الإمام وقد جعلوا فعله في الأصول أداء شبيها بالقضاء فلهذا لا يتغير فرضه بنية الإقامة؛ لأنها لا تؤثر في القضاء ومما ألحق باللاحق المقيم إذا اقتدى بمسافر فإنه بعد سلام إمامه كاللاحق، ولهذا لا يقرأ ولا يسجد لسهوه ولا يقتدي به كما في الخانية.
وأما اللاحق المسبوق فهو من لم يدرك الركعة الأولى مع الإمام وفاته بعد الشروع ركعة أو أكثر بعذر، ولهذا اختار المحقق في فتح القدير أن اللاحق هو من فاته بعد ما دخل مع الإمام بعض صلاة الإمام ليشمل اللاحق المسبوق وتعريفهم اللاحق بأنه من أدرك أول صلاة الإمام وفاته شيء منها بعذر تساهل ا هـ.
لكن يرد عليه المقيم إذا اقتدى بمسافر فإنه لاحق ولم يشمله تعريفه إلا أن يقال إنه ملحق به وليس هو حقيقة وحكمه إذا زال عذره ما قال في المجمع أن يصلي فيما أدرك ما نام فيه، ثم يقضي ما فاته، ولو تابع فيما بقي، ثم قضى الفائت، ثم ما نام فيه أجزناه وقدمنا أنه يصح مع الإثم لترك الواجب.
وأما المسبوق فقط فهو من لم يدرك الركعة الأولى مع الإمام وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان أحكامه عند قوله وصح استخلاف المسبوق وقالوا لو اقتديا في الركعة الثالثة، ثم أحدثا صريحا من قوة احترازه ولم يذكر المصنف أيضا مقدار الرفع الذي يكون فاصلا بين السجدتين

 

ج / 1 ص -671-       ...............................
_________________
فذهبا للوضوء، ثم حاذته في القضاء ينظر، فإن حاذته في الأولى أو الثانية وهي الثالثة والرابعة للإمام تفسد صلاته لوجود الشركة فيهما تقديرا لكونهما لاحقين فيهما، وإن حاذته في الثالثة والرابعة لا تفسد لعدم المشاركة فيهما لكونهما مسبوقين وهذا بناء على أن اللاحق المسبوق يقضي أولا ما لحق فيه، ثم ما سبق فيه وهذا عند زفر ظاهر وعندنا، وإن صح عكسه لكن يجب هذا باعتباره تفسد وقيد باتحاد المكان؛ لأنه لو اختلف فلا فساد سواء كان هناك حائل أو لا، ولهذا قال في السراج الوهاج لو كان على الدكان أو الحائط وهو قدر قامة وهي على الأرض لا تفسد لعدم اتحاد المكان وهكذا في الكافي قال في النوازل قوم صلوا على ظهر ظلة في المسجد وبحذائهم من تحتهم نساء أجزأتهم صلاتهم لعدم اتحاد المكان بخلاف ما إذا كان قدامهم نساء فإنها فاسدة؛ لأنه تخلل بينهم وبين الإمام صف من النساء وهو مانع من الاقتداء كما سيأتي، وفي المجتبى اقتدين على رفة المسجد وتحته صفوف الرجال لا تفسد صلاتهم وقيد بعدم الحائل؛ لأنه لو كان بينها وبينه حائل فلا فساد وأدناه قدر مؤخرة الرجل أو مقدمته؛ لأن أدنى أحوال الصلاة القعود فقدرنا الحائل به وهو قدر ذراع كذلك في المحيط وفي المجتبى لو كان بينهما أسطوانة أو سترة قدر مؤخرة الرحل أو عود أو قصبة منتصبة للسترة أو حائط أو دكان قدر الذراع لا تفسد، وذكر الشارح أن أدناه قدر مؤخرة الرحل وغلظه مثل غلظ الأصبع، ولم يذكر المصنف الفرجة من غير حائل وظاهر كلامه أنه لا عبرة بها وأن المرأة إذا كانت عن يمينه أو عن يساره وبينهما فرجة بلا حائل فإنها تفسد صلاته، وذكر الشارح وغيره أن الفرجة كالحائل وأدناها قدر ما يقوم فيها الرجل، ولو كان أحدهما على دكان قدر قامة الرجل والآخر أسفل لا تفسد صلاته لعدم تحقق المحاذاة وصرح في معراج الدراية بأنه لو كان بينهما فرجة تسع الرجل أو أسطوانة قيل لا تفسد، وكذا إذا قامت أمامه وبينهما هذه الفرجة وصرح به في المجتبى عن صلاة البقالي.
ويشكل عليه ما اتفقوا على نقله عن أصحابنا كما في غاية البيان لو قامت امرأة بحذاء الإمام، وقد نوى إمامتها تفسد صلاة الإمام والقوم، وإن قامت في الصف تفسد صلاة رجلين من جانبيها وصلاة رجل خلفها، ولو تقدمت على الإمام لا تفسد صلاة الإمام والقوم ولكن تفسد صلاتها، ولو كان صف من النساء بين الإمام والرجال لا يصح اقتداء الرجال بالإمام ويجعل حائلا، ولو كان في صف الرجال ثنتان من النساء تفسد صلاة رجل عن يمينهما وصلاة رجل عن يسارهما وصلاة رجلين خلفهما فقط، ولو كان ثلاثة تفسد صلاة ثلاثة ثلاثة خلفهن إلى آخر الصفوف وواحد عن أيمانهن وواحد عن يسارهن؛ لأن الثلاثة جمع صحيح فصار كالصف فيمنع

 

ج / 1 ص -672-       ...............................
_________________
صحة الاقتداء في حق من صرن حائلات بينه وبين إمامه.
وفي المحيط عن الجرجاني لو كبرت في الصف الأول وركعت في الصف الثاني وسجدت في الصف الثالث فسدت صلاة من عن يمينها ويسارها وخلفها في كل صف؛ لأنها أدت في كل صف ركنا من الأركان فصار كالمدفوع إلى صف النساء، ووجه إشكاله أن الرجل الذي هو خلفها أو الصف الذي هو خلفهن بينها وبينه فرجة قدر قامة الرجل، وقد جعلوا الفرجة كالحائل فيمن عن جانبها أو خلفها كما قدمناه عن المجتبى وغيره فتعين أن يحمل على ما إذا كان خلفها من غير فرجة محاذيا لها بحيث لا يكون بينهما وبينه قدر قامة الرجل، ولهذا قال في السراج الوهاج، ولو قامت المرأة وسط الصف فإنها تفسد صلاة ثلاثة: واحد عن يمينها وواحد عن يسارها وواحد خلفها بحذائها ولا تفسد صلاة الباقين ا هـ. فقد شرط أن يكون من خلفها محاذيا لها للاحتراز عما إذا كان بينه وبينها فرجة، وكذا صرح الزيلعي الشارح فقال في المرأتين يفسدان صلاة رجلين خلفهما بحذائهما، ثم رأيت بعد ذلك مصرحا به في الكافي للحاكم الشهيد، وفي المجتبى، ولو كان الرجل على سترة أو رف والمرأة قدامه تفسد سواء كان قدر قامة الرجل أو دونه وهذا إذا لم يكن على الرف سترة فأما إذا كان عليه سترة قدر ذراع لا تفسد في جميع الأحوال ا هـ. وقدمنا عن النوازل أنهن لو كن بحذائهم لا تفسد وقيد بنية الإمامة؛ لأنه لو لم ينو الإمام إمامتها لا تفسد صلاة من حاذته مطلقا ولا حاجة إلى هذا القيد؛ لأنه علم من قوله مشتركة؛ لأنه لا اشتراك إلا بنية الإمام إمامتها فإذا لم ينو إمامتها لم يصح اقتداؤها وجرى أكثرهم على هذا العموم حتى في الجمعة والعيدين؛ لأنه يلزمه الفساد من جهتها بتقدير محاذاتها فاشترط التزامه والمأموم تبع لإمامه، ومنهم من لا يشترطها فيهما وصححه صاحب الخلاصة؛ لأنها لا تتمكن من الوقوف بجنب الإمام للازدحام ولا تقدر أن تؤديها وحدها ويشترط نية الإمام وقت الشروع لا بعده ولا يشترط حضورها عند النية في رواية ويشترط في أخرى كما في السراج الوهاج والظاهر الأول.
وأشار بقوله فسدت صلاته إلى أنها لو اقتدت به مقارنة لتكبيره محاذية له وقد نوى إمامتها لم تنعقد تحريمة الإمام وهو الصحيح كما في فتاوى قاضي خان؛ لأن المفسد للصلاة إذا قارن الشروع منع من الانعقاد ولو نوى إمامة النساء إلا واحدة فهو كما نوى فإذا حاذته لا تبطل صلاته ولا يشترط اتحاد صلاتهما حتى لو اقتدت به في الظهر وهو يصلي العصر وحاذته أبطلت صلاته على الصحيح كما في السراج الوهاج؛ لأن اقتداءها، وإن لم يصح فرضا يصح نفلا على المذهب

 

ج / 1 ص -673-       ولا يحضرن الجماعات
_________________
فكان بناء النفل على الفرض لكن هو متفرع على أحد القولين في بقاء أصل الصلاة عند فساد الاقتداء وسنبين ما هو المذهب فيه، وفي نظائره ولم يذكر المصنف كونها في ركن كامل للخلاف فيه ففي فتاوى قاضي خان المحاذاة مفسدة قلت أو كثرت وفي المجمع أن أبا يوسف يفسدها بالمحاذاة قدر أداء ركن واشترط محمد أداء الركن ففيها ثلاثة أقوال، وظاهر إطلاق المصنف اختيار الأول ولم يذكر أيضا اتحاد الجهة قالوا ولا بد منه حتى لو اختلفت كما في جوف الكعبة وبالتحري في الليلة المظلمة فلا فساد بالمحاذاة.
" قوله: ولا يحضرن الجماعات " لقوله تعالى:
{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}[الأحزاب:33] وقال صلى الله عليه وسلم "صلاتها في قعر بيتها أفضل من صلاتها في صحن دارها وصلاتها في صحن دارها أفضل من صلاتها في مسجدها وبيوتهن خير لهن" ولأنه لا يؤمن الفتنة من خروجهن أطلقه فشمل الشابة والعجوز والصلاة النهارية والليلية قال المصنف في الكافي والفتوى اليوم على الكراهة في الصلاة كلها لظهور الفساد ومتى كره حضور المسجد للصلاة فلأن يكره حضور مجالس الوعظ خصوصا عند هؤلاء الجهال الذين تحلوا بحلية العلماء أولى. ذكره فخر الإسلام ا هـ. وفي فتح القدير المعتمد منع الكل في الكل إلا العجائز المتفانية فيما يظهر لي دون العجائز المتبرجات وذوات الرمق. ا هـ. وقد يقال هذه الفتوى التي اعتمدها المتأخرون مخالفة لمذهب الإمام وصاحبيه فإنهما نقلوا أن الشابة تمنع مطلقا اتفاقا، وأما العجوز فلها حضور الجماعة عند أبي حنيفة في الصلاة إلا في الظهر والعصر والجمعة، وقالا يخرج العجائز في الصلاة كلها كما في الهداية والمجمع وغيرهما فالإفتاء بمنع العجوز في الكل مخالف للكل فالاعتماد على مذهب الإمام.
وفي الخلاصة من كتاب النكاح يجوز للزوج أن يأذن لها بالخروج إلى سبعة مواضع: زيارة الوالدين وعيادتهما وتعزيتهما أو أحدهما وزيارة المحارم، فإن كانت قابلة أو غسالة أو كان لها على آخر حق تخرج بالإذن وبغير الإذن والحج على هذا، وفيما عدا ذلك من زيارة غير

 

ج / 1 ص -674-       وفسد اقتداء رجل بامرأة أو صبي
_________________
المحارم وعيادتهم والوليمة لا يأذن لها ولا تخرج، ولو أذن وخرجت كانا عاصيين وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى.
" قوله: وفسد اقتداء رجل بامرأة أو صبي " أما الأول فلما قدمناه من الحديث ونقل في المجتبى الإجماع عليه، وأما إمامة الصبي فلأن صلاته نفل لعدم التكليف فلا يجوز بناء الفرض عليه لما سيأتي، قيد بالرجل؛ لأن اقتداء المرأة بالمرأة صحيح مكروه، وكذا اقتداء الصبي بالصبي صحيح.
وقيد بالمرأة؛ لأن الاقتداء بالرجل جائز سواء نوى الإمامة أو لا، وبالخنثى فيه تفصيل، فإن كان المقتدي رجلا فهو غير صحيح لجواز أن يكون امرأة، وإن كان امرأة فهو صحيح إلا أنه يتقدم ولا يقوم وسط الصف حتى لا تفسد صلاته بالمحاذاة، وإن كان خنثى لا يجوز لجواز أن يكون امرأة والمقتدي رجلا كذا ذكر الإسبيجابي.
وقيد بفساد الاقتداء؛ لأن صلاة الإمام تامة على كل حال وأطلق فساد الاقتداء بالصبي فشمل الفرض والنفل وهو المختار كما في الهداية وهو قول العامة كما في المحيط، وهو ظاهر الرواية كما ذكره الإسبيجابي وغيره؛ لأن نفل البالغ مضمون حتى يجب القضاء إذا أفسده ونفل الصبي ليس بمضمون حتى لا يجب القضاء عليه بالإفساد فيكون نفل الصبي دون نفل البالغ فلا يجوز أن يبني القوي على الضعيف ولا يرد عليه الاقتداء بالظان أي بمن ظن أن عليه فرضا، ثم تبين خلافه فإن الاقتداء به صحيح نفلا مع أن نفل المقتدي مضمون عليه بالإفساد حتى يلزمه القضاء ونفل الإمام ليس بمضمون عليه حتى لا يلزمه القضاء؛ لأنه مجتهد في وجوب قضائه على الظان فإن زفر يقول بوجوبه فاعتبر الظن العارض عدما في حق المقتدي بخلاف الصبي، ومشايخ بلخ جوزوا اقتداء البالغ بالصبي في غير الفرض قياسا على المظنون، وقد علمت جوابه، وفي النهاية والاختلاف راجع إلى أن صلاة الصبي هل هي صلاة أم لا؟ قيل ليست بصلاة وإنما يؤمر بها تخلقا، ولهذا لو صلت المراهقة بغير قناع فإنه يجوز وقيل هي صلاة، ولهذا لو قهقه المراهق في الصلاة يؤمر بالوضوء ا هـ.

 

ج / 1 ص -675-       وطاهر بمعذور وقارئ بأمي ومكتس بعار
_________________
فظاهره ترجيح أنها ليست بصلاة، ولهذا كان المختار عدم جواز الاقتداء به في كل صلاة، وفي السراج الوهاج لو اقتدى الرجل بالمرأة، ثم أفسدها لا يلزمه القضاء ولا يكون تطوعا وظاهره مع ما في المختصر صحة الشروع وسيأتي اختلاف التصحيح فيه، وفي نظائره وأشار المصنف إلى أنه لا يجوز الاقتداء بالمجنون بالأولى لكن شرط في الخلاصة أن يكون مطبقا أما إذا كان يجن ويفيق يصح الاقتداء به في حالة الإفاقة قال ولا يجوز الاقتداء بالسكران.
" قوله: وطاهر بمعذور " أي وفسد اقتداء طاهر بصاحب العذر المفوت للطهارة؛ لأن الصحيح أقوى حالا من المعذور والشيء لا يتضمن ما هو فوقه والإمام ضامن بمعنى تضمن صلاته صلاة المقتدي، وقيد المعذور في المجتبى بأن يقارن الوضوء الحدث أو يطرأ عليه للاحتراز عما إذا توضأ على الانقطاع وصلى كذلك فإنه يصح الاقتداء به؛ لأنه في حكم الطاهر وقيد بالطاهر؛ لأن اقتداء المعذور صحيح إن اتحد عذرهما، وأما إن اختلف فلا يجوز أن يصلي من به انفلات ريح خلف من به سلس البول؛ لأن الإمام معه حدث ونجاسة فكان الإمام صاحب عذرين والمأموم صاحب عذر، وكذا لا يصلي من به سلس البول خلف من به انفلات ريح وجرح لا يرقى؛ لأن الإمام صاحب عذرين كذا في السراج الوهاج وظاهره أن سلس البول والجرح من قبيل المتحد، وكذا سلس البول واستطلاق البطن، وفي المجتبى واقتداء المستحاضة بالمستحاضة والضالة بالضالة لا يجوز كالخنثى المشكل بالمشكل ا هـ. لعله لجواز أن يكون الإمام حائضا أما إذا انتفى الاحتمال فينبغي الجواز؛ لأنه من قبيل المتحد، وفي الخلاصة وإمامة المفتصد لغيره من الأصحاء صحيحة إذا كان يأمن خروج الدم. ا هـ..
" قوله: وقارئ بأمي " أي وفسد اقتداء حافظ الآية من القرآن بمن لا يحفظها وهو المسمى بالأمي فهو عندنا من لا يحسن القراءة المفروضة وعند الشافعي من لا يحسن الفاتحة وإنما فسد؛ لأن القارئ أقوى حالا منه؛ لأنه يصلي مع عدم ركنها للضرورة ولا ضرورة في حق المقتدي وسيأتي أن صلاة الأمي الإمام تفسد أيضا عند أبي حنيفة وعلم منه أنه لا يجوز اقتداء القارئ بالأخرس بالأولى وأشار إلى أنه لا يجوز اقتداء الأمي بالأخرس؛ لأن الأمي أقوى حالا منه لقدرته على التحريمة وإلى جواز اقتداء الأخرس بالأمي.
" قوله: ومكتس بعار " لأن صلاة العاري جائزة مع فقد الشرط للضرورة ولا ضرورة في حق المقتدي، وفي السراج الوهاج لو قال ولا مستور العورة خلف العاري لكان أولى؛ لأن من ستر

 

ج / 1 ص -676-       وغير مومئ بمومئ ومفترض بمتنفل وبمفترض آخر
_________________
عورته بالسروال أو نحوه لا يسمى مكتسيا في العرف وتصح صلاة المكتسي خلفه؛ لأنه مستور العورة ا هـ. لكن اختلفوا في السراويل هل يكون كسوة شرعا في كفارة اليمين؟ وصحح صاحب الخلاصة أنه لا يجوز للرجل ولا للمرأة أي لا يكون كسوة، قيد بالمكتسي؛ لأنه لو أم العاري عراة ولابسين فصلاة الإمام ومن هو مثله جائزة بلا خلاف، وكذا صاحب الجرح السائل بمثله وبصحيح بخلاف الأمي إذا أم أميا وقارئا فإن صلاة الكل فاسدة عند أبي حنيفة؛ لأن الأمي يمكن أن يجعل صلاته بقراءة إذا اقتدى بقارئ؛ لأن قراءة الإمام له قراءة وليست طهارة الإمام وسترته طهارة وسترة للمأموم حكما فافترقا.
" قوله: وغير مومئ بمومئ " أي فسد اقتداء من يقدر على الركوع والسجود بمن لا يقدر عليهما للعذر لقوة حال المقتدي، قيد به؛ لأن اقتداء المومئ بالمومئ صحيح للمماثلة كما سيأتي.
" قوله: ومفترض بمتنفل وبمفترض آخر " أي وفسد اقتداء المفترض بإمام متنفل أو بإمام يصلي فرضا غير فرض المقتدي؛ لأن الاقتداء بناء، ووصف الفرضية معدوم في حق الإمام في الأولى وهو مشاركة وموافقة فلا بد من الاتحاد وهو معدوم في الثانية والذي صح عند أئمتنا وترجح أن معاذ بن جبل كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم نفلا وبقومه فرضا لقوله حين شكوا تطويله بهم يا معاذ إما أن تصلي معي وإما أن تخفف على قومك كما رواه الإمام أحمد فشرع له أحد الأمرين الصلاة معه ولا يصلي بقومه أو الصلاة بقومه على وجه التخفيف ولا يصلي معه. هذا حقيقة اللفظ أفاده منعه من الإمامة إذا صلى معه عليه السلام ولا تمتنع إمامته مطلقا بالاتفاق فعلم أنه منعه من الفرض.
والحاصل أن اتحاد الصلاتين شرط لصحة الاقتداء وذلك بأن يمكنه الدخول في صلاته بنية صلاة الإمام فتكون صلاة الإمام متضمنة لصلاة المقتدي وهو المراد بقوله عليه الصلاة والسلام
"الإمام ضامن" أي تتضمن صلاته صلاة المقتدي وأشار بمنع اقتداء المفترض بالمتنفل

 

ج / 1 ص -677-       ...............................
_________________
إلى منع اقتداء الناذر بالناذر؛ لأن صلاة الإمام نفل بالنسبة إلى المقتدي؛ لأن التزامه إنما يظهر عليه فقط إلا إذا نذر أحدهما عين ما نذره الآخر فاقتدى أحدهما بالآخر فإنه يجوز للاتحاد وإلى أنه لو أفسد كل منهما التطوع ثم اقتدى أحدهما بالآخر في قضائه فإنه لا يجوز لما ذكرناه للاختلاف كما لو اقتدى من أفسد بمن يصلي منذورة إلا إذا كان اقتدى أحدهما بالآخر تطوعا ثم أفسداه، ثم قضياه بالاقتداء يجوز للاتحاد، ومصليا ركعتي الطواف كالناذرين؛ لأن طواف هذا غير طواف الآخر وهو السبب فهو اقتداء الواجب بالنفل وينبغي أن يصح الاقتداء على القول بسنية ركعتي الطواف كما لا يخفى وأشار بمنع مفترض خلف مفترض آخر إلى منع اقتداء الناذر بالحالف؛ لأن المنذورة أقوى من المحلوف بها لأنها واجبة قصدا ووجوب المحلوف بها عارض لتحقيق البر، ولهذا صح اقتداء الحالف بالحالف والحالف بالناذر وصورة الحلف بها كما في الخلاصة أن يقول والله لأصلين ركعتين، وذكر الولوالجي أن اقتداء الحالف بالمتطوع أو المفترض جائز بخلاف اقتداء الناذر بالمتطوع أو المفترض فإنه لا يجوز ا هـ وهذا يدل على أن صلاة الحالف لم تخرج عن كونها نفلا بالحلف، وقد يقال إنها واجبة لتحقق البر فينبغي أن لا يجوز خلف المتطوع، ولو اقتدى من يرى وجوب الوتر فيه بمن يرى سنيته صح للاتحاد ولا يختلف باختلاف الاعتقاد، ولو اقتدى من يصلي سنة بمن يصلي سنة أخرى فإنه يجوز كسنة العشاء خلف من يصلي التراويح أو سنة الظهر البعدية خلف من يصلي القبلية كما في الخلاصة والمجتبى وأطلق في منع اقتداء المفترض بالمتنفل فشمل الاقتداء في جميع الأفعال، وفي بعضها وهو قول العامة فلا يرد ما ذكره محمد من أن الإمام إذا رفع رأسه من الركوع فاقتدى به إنسان فسبق الإمام الحدث قبل السجود فاستخلفه صح ويأتي بالسجدتين ويكونان نفلا للخليفة حتى يعيدهما بعد ذلك وفرضا في حق من أدرك أول الصلاة لمنع النفلية في حق الخليفة بل هما فرض عليه، ولذا لو تركهما فسدت؛ لأنه قام مقام الأول فلزمه ما لزمه وكذا لا يرد المتنفل إذا اقتدى بالمفترض في الشفع الثاني فإنه يجوز مع أنه اقتداء المفترض بالمنتفل في حق القراءة لكون صلاة المقتدي أخذت حكم الفرض بسبب الاقتداء، ولذا لزمه قضاء ما لم يدركه مع الإمام من الشفع الأول ولذا لو أفسد على نفسه يلزمه قضاء الأربع.
والتحقيق ما في غاية البيان من أن قراءة المأموم محظورة فكيف يقال إنها مفروضة؟ فالحق أن الإيراد ساقط من أصله، وفي المجتبى وغيره لا يصح اقتداء المسبوق بالمسبوق ولا

 

ج / 1 ص -678-       ...............................
_________________
اللاحق باللاحق، وكذا المقيمان إذا اقتديا بالمسافر، ثم اقتدى أحدهما بالآخر في القضاء ولو صليا الظهر ونوى كل واحد منهما إمامة صاحبه صحت صلاتهما، ولو نويا الاقتداء فسدت ومن مختلفي الفرض الظهر خلف الجمعة أو عكسه، وذكر الإسبيجابي أن من اقتدى في موضع يجب عليه الانفراد كالمسبوق إذا اقتدى بمسبوق أو انفرد في موضع يجب عليه الاقتداء فسدت صلاته كما إذا قام المسبوق إلى قضاء ما سبق به، ثم تذكر الإمام أن عليه سجدة التلاوة ولم يعد المسبوق إلى متابعة الإمام، ثم المصنف رحمه الله ذكر في هذه المواضع الثمانية فسد الاقتداء، ولم يذكر هل يصير شارعا أو لا للاختلاف قالوا فيه روايتان وصحح في السراج الوهاج أنه يصير شارعا في صلاة نفسه وصحح في المحيط وغيره أنه لا يصير شارعا قال في المعراج وفي المحيط الصحيح هو الأول يعني عدم الشروع؛ لأنه نص عليه محمد في الأصل حتى لو كان متطوعا لا يلزمه القضاء، وذكر الشارح أن الأشبه أن يقال إن فسد لفقد شرط الصلاة كالطاهر خلف المعذور لا يكون شارعا فيه، وإن كان للاختلاف بين الصلاتين ينبغي أن يكون شارعا فيه غير مضمون بالقضاء لاجتماع شرائطه فصار كالظان.
وثمرة الخلاف تظهر في حق بطلان الوضوء بالقهقهة ا هـ. ويرد هذا التفصيل ما ذكره الحاكم في كافيه من أن المرأة إذا نوت العصر خلف مصلي الظهر لم تجز صلاتها ولم تفسد على الإمام صلاته ا هـ. فهو صريح في عدم صحة شروعها لاختلاف الصلاتين، وقال في موضع آخر رجل قارئ دخل في صلاة أمي تطوعا أو في صلاة امرأة أو جنب أو على غير وضوء، ثم أفسدها فليس عليه قضاؤها؛ لأنه لم يدخل في صلاة تامة ا هـ. فعلم بهذا أن المذهب تصحيح المحيط من عدم صحة الشروع؛ لأن الكافي جمع كلام محمد في كتبه التي هي ظاهر الرواية ولم يذكر المصنف ما يمنع الاقتداء من الحائل.
وذكر في الكافي للحاكم أنه إذا كان بين المصلي والإمام طريق يمر فيه الناس أو نهر عظيم لم تجز صلاته إلا أن تكون الصفوف متصلة على الطريق فيجوز حينئذ، وقدم قبله أن صف النساء مفسد لصلاة الصفوف التي وراءه كلها استحسانا فالمانع ثلاثة، وفيه أنه لو كان بينه وبين الإمام حائط أجزأته صلاته ا هـ. أطلق في الحائط فشمل الصغير والكبير وما يشتبه فيه حال الإمام أو لا لكن قيده في الخلاصة وغيرها بعدم الاشتباه، فإن أمكنه الوصول إلى الإمام فهو صحيح اتفاقا، وإن لم يمكنه ولم يشتبه اختلفوا فيه، ولو قام على سطح المسجد واقتدى بالإمام أو في المئذنة مقتديا بالإمام في المسجد، فإن كان لهما باب في المسجد ولا يشتبه يجوز في قولهم، فإن كان من خارج المسجد ولا يشتبه فعلى الخلاف، وفي الخلاصة اختار الصحة، وكذا على جدار بين داره وبين المسجد بخلاف ما إذا اقتدى من سطح داره المتصلة بالمسجد فإنه لا يصح مطلقا.

 

ج / 1 ص -679-       لا اقتداء متوضئ بمتيمم
_________________
وفي المحيط، ولو اقتدى بالإمام في الصحراء وبينهما قدر صفين فصاعدا لا يصح الاقتداء ودونه يصح وصحح أن النهر العظيم ما تجري فيه السفن وفي المجتبى وفناء المسجد له حكم المسجد يجوز الاقتداء فيه، وإن لم تكن الصفوف متصلة ولا تصح في دار الضيافة إلا إذا اتصلت الصفوف ا هـ. وبهذا علم أن الاقتداء من صحن الخانقاه الشيخونية بالإمام في المحراب صحيح، وإن لم تتصل الصفوف؛ لأن الصحن فناء المسجد، وكذا اقتداء من بالخلاوي السفلية صحيح؛ لأن أبوابها في فناء المسجد ولم يشتبه حال الإمام، وأما اقتداء من بالخلاوي العلوية بإمام المسجد فغير صحيح حتى الخلوتين اللتين فوق الإيوان الصغير، وإن كان مسجدا؛ لأن أبوابها خارجة عن فناء المسجد سواء اشتبه حال الإمام أو لا كالمقتدي من سطح داره المتصلة بالمسجد فإنه لا يصح مطلقا وعلله في المحيط باختلاف المكان.
" قوله: لا اقتداء متوضئ بمتيمم " أي لا يفسد أطلقه فشمل الاقتداء في صلاة الجنازة أو غيرها ولا خلاف في صحته في صلاة الجنازة كما في الخلاصة واختلفوا في غيرها فذهب محمد إلى فساده، وذهبا إلى صحته.
والخلاف مبني على أن الخلفية هل هي بين الآلتين وهما الماء والتراب وبه قالا أو بين الطهارتين وبه أخذ محمد فعنده هو بناء القوي على الضعيف وعندهما الطهارتان سواء وتمامه في الأصول وترجح المذهب بفعل عمرو بن العاص حين صلى بقومه بالتيمم لخوف البرد من غسل الجنابة وهم متوضئون ولم يأمرهم عليه الصلاة والسلام بالإعادة حين علم، وشمل ما إذا كان مع المتوضئين ماء أو لا لكن قيده في المجتبى بأن لا يكون مع المتوضئين ماء أما إذا كان معهم ماء فلا يصح الاقتداء، وذكر في فتح القدير أن هذا التقييد يبتنى على فرع.
إذا رأى المتوضئ المقتدي بمتيمم ماء في الصلاة لم يره الإمام فسدت صلاته لاعتقاده فساد

 

ج / 1 ص -680-       وغاسل بماسح وقائم بقاعد وبأحدب
_________________
صلاة الإمام لوجود الماء وينبغي أن يحكم أن محل الفساد عندهم إذا ظن علم إمامه به؛ لأن اعتقاده فساد صلاة إمامه بذلك. ا هـ.
ثم اعلم أن في طهارة التيمم جهة الإطلاق باعتبار عدم توقتها وجهة الضرورة باعتبار أن المصير إليها ضرورة عدم القدرة على الماء فاعتبر محمد جهة الضرورة في هذا الباب احتياطا وجهة الإطلاق في باب الرجعة احتياطا وهما اعتبرا جهة الإطلاق هنا لحديث عمرو بن العاص وجهة الضرورة في الرجعة كما سيأتي إيضاحه فيها إن شاء الله تعالى، وفي المجتبى معزيا إلى أبي بكر الرازي جواز إمامة من توضأ بسؤر الحمار وتيمم المتوضئين.
" قوله: وغاسل بماسح " لاستواء حالهما؛ لأن الخف مانع سراية الحدث إلى القدم وما حل بالخف يزيله المسح بخلاف المستحاضة؛ لأن الحدث موجود حقيقة، وإن جعل في حقها معدوما للضرورة. أطلق الماسح فشمل ماسح الخف وماسح الجبيرة وهو أولى بالجواز؛ لأنه كالغسل لما تحته.
" قوله: وقائم بقاعد وبأحدب " أي لا يفسد اقتداء قائم بقاعد وبأحدب أما الأول فهو قولهما وحكم محمد بالفساد نظرا إلى أنه بناء القوي على الضعيف ولهما اقتداء الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته وهو قاعد وهم قيام وهو آخر أحواله فتعين العمل به بناء على أنه عليه الصلاة والسلام كان إماما وأبو بكر مبلغا للناس تكبيره وبه استدل على جواز رفع المؤذنين أصواتهم في الجمعة والعيدين وغيرهما كما في المجتبى وليس هو بناء القوي على الضعيف؛ لأن القعود قيام من وجه كالركوع لانتصاب أحد نصفيه وصار كالاقتداء بالمنحنى من الهرم ولا يرد عليه الإيماء فإنه بعض الركوع والسجود ومع ذلك فلم يصح اقتداء الراكع والساجد بالمومئ لوجهين:
أحدهما أن القيام ليس بركن مقصود، ولهذا جاز تركه في النفل من غير عذر فجاز أن يسد الناقص مسده لعدم فوات المقصود فكان حال الإمام مثل حال المقتدي في المقصود وهو نهاية التعبد بخلاف الركوع والسجود فإنهما ركنان مقصودان، وقد فاتا في حق الإمام المومئ ولأن

 

ج / 1 ص -681-       وموم بمثله ومتنفل بمفترض
_________________
القعود يسمى قياما يقال لمن قعد ناهضا عن نومه قام عن فراشه وقام عن مضجعه ويقال للمضطجع قم واقرأ فإذا نهض وقعد يكون ممتثلا لأمره بالقيام بخلاف الإيماء فإنه لا يسمى سجودا، وذكر في المجتبى فرقا إجماليا وهو أن المتنفل يتخير بين القيام والقعود ولا يتخير بين الإيماء والسجود ولا بين القعود والاستلقاء، وفي الحقائق الخلاف في قاعد يركع ويسجد؛ لأنه لو كان يومئ والقوم يركعون ويسجدون لا يجوز اتفاقا ومحل الاختلاف الاقتداء في الفرض والواجب حيث كان للإمام عذر أما في النفل فيجوز اتفاقا واختلف في اقتداء القائم بالقاعد في التراويح والأصح أنه جائز عند الكل كما في فتاوى قاضي خان.
وأما الثاني وهو اقتداء القائم بالأحدب فأطلقه فشمل ما إذا بلغ حدبه حد الركوع وما إذا لم يبلغ ولا خلاف في الثاني، واختلفوا في الأول ففي المجتبى أنه جائز عندهما وبه أخذ عامة العلماء خلافا لمحمد، وفي الفتاوى الظهيرية لا تصح إمامة الأحدب للقائم هكذا ذكر محمد في مجموع النوازل وقيل يجوز والأول أصح ا هـ. ولا يخفى ضعفه فإنه ليس هو أدنى حالا من القاعد؛ لأن القعود استواء النصف الأعلى، وفي الحدب استواء النصف الأسفل ويمكن أن يحمل على قول محمد وأشار إلى أن اقتداء القاعد خلف مثله جائز اتفاقا، وكذا الاقتداء بالأعرج أو من بقدمه عوج، وإن كان غيره أولى، وفي الخلاصة ولا يجوز اقتداء النازل بالراكب، ولو صلوا على الدابة بجماعة جازت صلاة الإمام ومن كان معه على دابته ولا تجوز صلاة غيره في ظاهر الرواية.
" قوله: ومومئ بمثله " أي لا يفسد اقتداء مومئ بمومئ لاستواء حالهما أطلقه فشمل ما إذا كان الإمام يومئ قائما أو قاعدا بخلاف ما إذا كان الإمام مضطجعا والمؤتم قاعدا أو قائما فإنه لا يجوز لقوة حال المأموم؛ لأن القعود معتبر بدليل وجوبه عليه عند القدرة بخلاف القيام؛ لأنه ليس بمقصود لذاته، ولهذا لا يجب عليه القيام مع القدرة عليه إذا عجز عن السجود، وفي الشراح أنه المختار ردا لما صححه التمرتاشي من الجواز عند الكل.
" قوله: ومتنفل بمفترض " أي لا يفسد اقتداء متنفل بمفترض؛ لأنه بناء الضعيف على القوي والقراءة في النفل وإن كانت فرضا في الأخيرتين نفلا في الفرض لكن إنما تكون فرضا إذا كان المصلي منفردا أما إذا كان مقتديا فلا؛ لأنها محظورة كذا في الغاية ولأنه بالاقتداء صار تبعا للإمام في القراءة فكانت نفلا فيهما في حقه كإمامه أطلقه فشمل اقتداء من يصلي التراويح بالمكتوبة، وذكر في فتاوى قاضي خان اختلافا وأن الصحيح عدم الجواز وهو مشكل فإنه بناء الضعيف على القوي وأشار إلى أن اقتداء المتنفل بمثله جائز، وفي اقتداء الحنفي في الوتر بمن

 

ج / 1 ص -682-       وإن ظهر أن إمامه محدث أعاد وإن اقتدى أمي وقارئ بأمي أو استخلف أميا في الأخريين فسدت صلاتهم
_________________
يراه سنة اختلاف المشايخ، ولو تكلم الإمام في شفع الترويحة، ثم أمهم في ذلك الشفع جاز، وكذا إذا اقتدى في سنة العشاء بمن يصلي التراويح أو في السنة بعد الظهر بمن يصلي الأربع قبل الظهر صح. ا هـ
" قوله: وإن ظهر أن إمامه محدث أعاد " أي على سبيل الفرض فالمراد بالإعادة الإتيان بالفرض لا الإعادة في اصطلاح الأصوليين الجابرة للنقص في المؤدى فلو قال بطلت لكان أولى، وإنما بطلت صلاة المأموم؛ لأن الاقتداء بناء والبناء على المعدوم محال ولا فرق في ذلك بين أن يظهر أن الإمام عدم ركنا أو شرطا، وفي المجتبى ولو أخبرهم الإمام أنه أمهم شهرا بغير طهارة أو مع علمه بالنجاسة المانعة لا يلزم الإعادة؛ لأنه صرح بكفره، وقول الفاسق غير مقبول في الديانات فكيف قول الكافر ا هـ. وهو مشكل فإنه لا يكفر إذا صلى بالنجاسة المانعة عمدا للاختلاف في وجوب إزالتها فإن مالكا يقول في قول بسنيتها، وفي المبتغى بالمعجمة ومن علم أن إمامه على غير طهارة أعاد وإلا فلا ولا يلزم على الإمام أن يعلم الجماعة بحاله ولا يأثم بتركه، وفي معراج الدراية ولا يلزم على الإمام الإعلام إذا كانوا قوما غير معينين، وفي المجتبى، ولو أم قوما محدث أو جنب، ثم علم بعد التفرق يجب الإخبار بقدر الممكن بلسانه أو كتاب أو رسول على الأصح، وفي خزانة الأكمل؛ لأنه سكت عن خطإ معفو عنه، وعن الوبري يخبرهم، وإن كان مختلفا فيه ونظيره إذا رأى غيره يتوضأ من ماء نجس أو على ثوبه نجاسة. ا هـ..
" قوله: وإن اقتدى أمي وقارئ بأمي أو استخلف أميا في الأخريين فسدت صلاتهم " أما في المسألة الأولى فهو عند أبي حنيفة، وقالا صلاة الإمام ومن لم يقرأ تامة؛ لأنه معذور أم قوما معذورين وغير معذورين فصار كما إذا أم العاري عراة ولابسين وله أن الإمام ترك فرض القراءة مع القدرة عليها فتفسد صلاته وهذا لأنه لو اقتدى بالقارئ تكون قراءته قراءة له بخلاف تلك المسألة وأمثالها؛ لأن الموجود في حق الإمام لا يكون موجودا في حق المقتدي. قيد بالاقتداء لأنه لو كان يصلي الأمي وحده والقارئ وحده فإنه جائز هو الصحيح؛ لأنه لم يظهر منهما رغبة في الجماعة كذا في الهداية، وفي النهاية لو افتتح الأمي، ثم حضر القارئ ففيه قولان، ولو حضر الأمي بعد افتتاح القارئ فلم يقتد به وصلى منفردا الأصح أن صلاته فاسدة وأشار بفساد الصلاة إلى صحة شروع القارئ لاستوائهما في فرض التحريمة وإنما اختلفا في القراءة ولا يقال لم لا يلزم القضاء على المقتدي إذا أفسد، وقد صح شروعه؛ لأنا نقول لما شرع في صلاة الأمي أوجبها على نفسه بغير قراءة فلم يلزمه القضاء كنذر صلاة بغير قراءة لا تلزمه إلا في رواية

 

ج / 1 ص -683-       ...............................
_________________
عن أبي يوسف كذا في غاية البيان وصحح في الذخيرة عدم صحة شروعه، وفائدته تظهر في انتقاض وضوئه بالقهقهة وأطلق فشمل ما إذا علم الأمي أن خلفه قارئا أو لم يعلم وهو ظاهر الرواية؛ لأن الفرائض لا يختلف فيها الحال بين الجهل والعلم وشمل ما إذا نوى الأمي إمامة القارئ أو لم ينو؛ لأن الوجه المذكور وهو ترك الفرض مع القدرة عليه بعد ظهور الرغبة في صلاة الجماعة يوجب الفساد، وإن لم ينو ودل كلامه على أن القارئ والأخرس إذا اقتديا بالأخرس فهو كذلك بالأولى لكن ينبغي أن لا يصح شروع القارئ اتفاقا لعدم الاستواء في التحريمة، وفي المجتبى لو أم من يقرأ بالفارسية وهو لا يحسن العربية القارئين جاز عنده خلافا لهما، والأخرس إذا أم خرسانا جازت صلاتهم بالاتفاق، وفي إمامة الأخرس الأمي اختلاف المشايخ ا هـ فالحاصل أن إمامة الإنسان لمماثله صحيحة إلا إمامة المستحاضة والضالة والخنثى المشكل لمثله غير صحيحة ولمن دونه صحيحة مطلقا ولمن فوقه لا تصح مطلقا، وأما في المسألة الثانية فهو عندنا خلافا لزفر لتأدي فرض القراءة ولنا أن كل ركعة صلاة فلا تخلو عن القراءة إما تحقيقا أو تقديرا ولا تقدير في حق الأمي لانعدام الأهلية فقد استحلف من لا يصلح للإمامة ففسدت صلاتهم. أما صلاة الإمام فلأنه عمل كثير وصلاة القوم مبنية عليها، وشمل كلامه ما إذا قدمه في التشهد أي قبل الفراغ منه أما لو استخلفه بعده فهو صحيح بالإجماع لخروجه من الصلاة بصنعه وقيل تفسد صلاتهم عنده لا عندهما والصحيح الأول. كذا في غاية البيان وإنما اعتبر أبو حنيفة في مسائل الأمي قدرة الغير مع أن من أصله أن القادر بقدرة غيره ليس بقادر؛ لأنه مقيد بما إذا تعلق باختيار ذلك الغير أما هنا الأمي قادر على الاقتداء بالقارئ من غير اختيار القارئ فينزل قادرا على القراءة، ولهذا قالوا لو تحرم ناويا أن يؤم أحدا فائتم به رجل صح اقتداؤه، وفي المغرب الأمي في اللغة منسوب إلى أمة العرب وهي لم تكن تكتب ولا تقرأ فاستعير لكل من لا يعرف الكتابة والقراءة، وفي فتح القدير والأمي يجب عليه كل الاجتهاد في تعلم ما تصح به الصلاة، ثم في القدر الواجب وإلا فهو آثم وقدمنا نحوه في إخراج الحرف الذي يقدر على إخراجه وسئل ظهير الدين عن القيام هل يتقدر بالقراءة فقال لا، وكذلك ذكر في اللاحق في الشافي ا هـ. أي في الكتاب المسمى بالشافي للبيهقي، وفي الخلاصة وإمامة الألثغ لغيره ذكر الفضيلي أنها جائزة وصحح في المجتبى عدم الجواز والله سبحانه وتعالى أعلم.

 

ج / 1 ص -684-       باب الحدث في الصلاة
وإن سبقه حدث توضأ وبنى

_________________
" باب الحدث في الصلاة ".
ثابت في بعض النسخ ولا شك أنه من العوارض وهو ليس بمفسد في كل الأحوال فقدمه على ما يفسدها وقدمنا أن الحدث مانعية شرعية قائمة بالأعضاء إلى غاية استعمال المزيل.
" قوله: وإن سبقه حدث توضأ وبنى " والقياس فسادها؛ لأن الحدث ينافيها والمشي والانحراف يفسدانها فأشبه الحدث العمد ولنا قوله عليه الصلاة والسلام
"من قاء أو رعف أو أمذى فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلاته ما لم يتكلم" ولا نزاع في صحته مرسلا وهو حجة عندنا وعند أكثر أهل العلم ومذهبنا ثابت عن جماعة من الصحابة وكفى بهم قدوة فوجب ترك القياس به والبلوى فيما يسبق دون ما يتعمده فلا يلحق به، ثم لجواز البناء شروط:
الأول: أن يكون الحدث سماويا وهو المراد بالسبق وهو ما لا اختيار للعبد فيه ولا في سببه فلا يبني بشجة وعضة، ولو منه لنفسه واختلفوا فيما إذا وقعت طوبة من سطح أو سفرجلة من شجر أو تعثر في شيء موضوع في المسجد فأدماه وصححوا عدم البناء فيما إذا سبقه الحدث من عطاسه أو تنحنحه، ولو سقط من المرأة كرسفها مبلولا بغير صنعها بنت وبتحريكها لا تبن عنده خلافا لهما.
الثاني: أن يكون الحدث موجبا للوضوء فلا يبني من نام فاحتلم في الصلاة ولا من أصابته نجاسة مانعة من الصلاة من غير سبق حدث سواء كانت من بدنه أو من خارج.
الثالث: أن لا يكون الحدث يندر وجوده فلا يبني بإغماء وقهقهة وهذا والثاني سيصرح به المصنف وإدخال الكلام هنا كما في فتح القدير مع أن الكلام مفسد لا حدث لكون شرطه أن لا يأتي بمناف بعده.
الرابع: أن لا يفعل فعلا له منه بد فلو فعله استقبل كما لو استقى الماء من البئر على المختار أو كان دلوه متخرقا فخرزه، وكذا لو وجد ماء للوضوء فذهب إلى ماء أبعد منه من غير عذر النسيان ونحوه إلا إذا كان الماء القريب في بئر كما قدمناه وإلا إذا كان قليلا قدر صفين

 

ج / 1 ص -685-       ...............................
_________________
كما إذا وجد مشرعة من الماء فتركها وذهب إلى أخرى بجنبها فإنه يبني، وكذا لو رد الباب عليه باليدين لا لقصد ستر العورة فلو كان له لا تفسد أو بيد واحدة لا تفسد مطلقا، وكذا لو حمل آنية لغير حاجة بيديه فلو كان لحاجة لا تفسد مطلقا أو بيد واحدة لا تفسد مطلقا، وكذا لو توضأ ورجع، ثم تذكر أنه نسي شيئا فذهب وأخذه فسدت، ولو كشف عورته للاستنجاء بطلت صلاته في ظاهر الرواية، وكذا إذا كشفت المرأة ذراعيها للوضوء وهو الصحيح، وفي الظهيرية عن أبي علي النسفي أنه إذا لم يجد بدا منه لم تفسد، وكذا المرأة إذا احتاجت إلى البناء لها أن تكشف عورتها وأعضاءها في الوضوء وتغسل إذا لم تجد بدا من ذلك. ا هـ.
ويتوضأ من سبقه الحدث ثلاثا ثلاثا ويستوعب رأسه بالمسح ويتمضمض ويستنشق ويأتي بسائر السنن.
وقيل يتوضأ مرة مرة، وإن زاد فسدت والأول أصح؛ لأن الفرض يقوم بالكل كذا في الظهيرية، ولو غسل نجاسة مانعة أصابته، فإن كان من سبق الحدث بنى، وإن كانت من خارج لا يبني، وإن كانت منهما لا يبني، ولو ألقى الثوب المتنجس من غير حدثه وعليه غيره من الثياب أجزأه كذا في الظهيرية.
الخامس: أن لا يأتي بمناف للصلاة فلو تكلم بكلام الناس بعد الحدث فسدت، وفي الظهيرية لو طلب الماء بالإشارة أو اشتراه بالتعاطي فسدت.
السادس: أن ينصرف من ساعته فلو مكث قدر أداء ركن بغير عذر فسدت، ولو كان لعذر فلا كما لو أحدث بالنوم ومكث ساعة، ثم انتبه فإنه يبني أو مكث لعذر الزحمة كما في الخانية، وفي المنتقى إن لم ينو بمقامه الصلاة لا تفسد؛ لأنه لم يؤد جزءا من الصلاة مع الحدث قلنا هو في حرمتها فما وجد منه صالحا لكونه جزءا منها انصرف إلى ذلك غير مقيد بالقصد إذا كان غير محتاج إليه، وفي الظهيرية لو أخذه الرعاف ولم ينقطع يمكث إلى أن ينقطع، ثم يتوضأ ويبني.
السابع: أن لا يؤدي ركنا مع الحدث فلو سبقه الحدث في سجوده فرفع رأسه قاصدا الأداء استقبل، وكذا لو قرأ في ذهابه لا إن سبح على الأصح؛ لأنه ليس من الأجزاء، وفي المجتبى

 

ج / 1 ص -686-       ...............................
_________________
أحدث في ركوعه أو في سجوده لا يرفع مستويا فتفسد صلاته بل يتأخر محدودبا، ثم ينصرف ا هـ وظاهره عدم اشتراط قصد الأداء.
الثامن: أن لا يؤدي ركنا مع المشي في حالة الرجوع فلو قرأ بعد الوضوء استقبل.
التاسع: أن لا يظهر حدثه السابق بعد الحدث السماوي فلو سبقه حدث فذهب فانقضت مدة مسحه أو كان متيمما فرأى الماء أو كانت مستحاضة فخرج الوقت استقبل على الأصح كما في المحيط.
العاشر: إذا كان مقتديا أن يعود إلى الإمام إن لم يكن فرغ الإمام وكان بينهما حائل يمنع جواز الاقتداء فلو كان منفردا خير بين العود والإتمام في مكان الوضوء واختلفوا في الأفضل، ولو كان مقتديا فرغ إمامه فلا يعود فلو عاد اختلفوا في فساد صلاته فلو لم يكن بينهما مانع فله الاقتداء من مكانه من غير عود.
الحادي عشر: أن لا يتذكر فائتة عليه بعد الحدث السماوي وهو صاحب ترتيب.
الثاني عشر: إذا كان إماما لا يستخلف من لا يصلح للإمامة فلو استخلف امرأة استقبل.
" قوله: واستخلف لو إماما " معطوف على توضأ أي من سبقه حدث وكان إماما فإنه يستخلف رجلا مكانه يأخذ بثوب رجل إلى المحراب أو يشير إليه والسنة أن يفعله محدودب الظهر واضعا يده في أنفه يوهم أنه قد رعف لينقطع عنه كلام الناس، ولو تكلم بطلت صلاتهم، ولو ترك ركوعا يشير بوضع يده على ركبتيه أو سجودا يشير بوضعها على جبهته أو قراءة يشير بوضعها على فمه، وإن بقي عليه ركعة واحدة يشير بأصبع واحدة، وإن كان اثنين فبأصبعين هذا إذا لم يعلم الخليفة ذلك أما إذا علم فلا حاجة إلى ذلك ولسجدة التلاوة بوضع أصبعه على الجبهة واللسان وللسهو على صدره وقيل يحول رأسه يمينا وشمالا كذا في الظهيرية، ثم الاستخلاف ليس بمتعين حتى لو كان الماء في المسجد فإنه يتوضأ ويبني ولا حاجة إلى الاستخلاف كما ذكره الشارح وإذا لم يكن في المسجد فالأفضل الاستخلاف كما ذكره المصنف في المستصفى بناء على أن الأفضل للإمام والمقتدي البناء صيانة للجماعة وللمنفرد الاستقبال تحرزا عن الخلاف وصححه في السراج الوهاج، وظاهر كلام المتون أن الاستئناف أفضل في حق الكل فما في شرح المجمع لابن الملك من أنه يجب على الإمام الاستخلاف صيانة لصلاة القوم ففيه نظر وإذا استخلف لا يخرج الإمام عن الإمامة بمجرده، ولهذا لو اقتدى به إنسان من ساعته قبل الوضوء فإنه صحيح على الصحيح كما في المحيط، ولهذا قال في

 

ج / 1 ص -687-       ...............................
_________________
الظهيرية والخانية إن الإمام لو توضأ في المسجد وخليفته قائم في المحراب ولم يؤد ركنا فإنه يتأخر الخليفة ويتقدم الإمام ولو خرج الإمام الأول من المسجد وتوضأ، ثم رجع إلى المسجد وخليفته لم يؤد ركنا فالإمام هو الثاني، ثم الاستخلاف حقيقي وحكمي فالأول ظاهر والثاني أن يتقدم رجل واحد من القوم قبل أن يخرج الإمام من المسجد فإن صلاتهم جائزة، ولو تقدم رجلان فأيهما سبق إلى مكان الإمام فهو أولى، ولو قدم الإمام رجلا والقوم رجلا فمن قدمه الإمام فهو أولى، وإن نويا معا الإمامة جاز صلاة المقتدي بخليفة الإمام وفسدت على المقتدي بخليفة القوم، وإن تقدم أحدهما إن كان خليفة الإمام فكذلك، وإن كان خليفة القوم فاقتدوا به ثم نوى الآخر فاقتدى به البعض جاز صلاة الأولين دون الآخرين، ولو قدم بعض القوم رجلا والبعض رجلا فالعبرة للأكثر، ولو استويا فسدت صلاتهم، ولو استخلف الإمام من آخر الصفوف، ثم خرج من المسجد إن نوى الخليفة الإمامة من ساعته صار إماما فتفسد صلاة من كان متقدمه دون صلاته وصلاة الإمام الأول ومن على يمينه وشماله في صفه ومن خلفه وإن نوى أن يكون إماما إذا قام مقام الأول وخرج الأول قبل أن يصل الخليفة إلى مكانه أو قبل أن ينوي الإمامة فسدت صلاتهم، وشرط جواز صلاة الخليفة والقوم أن يصل الخليفة إلى المحراب قبل أن يخرج الإمام عن المسجد ولم يبين محمد حال الإمام، وذكر الطحاوي أن صلاته فاسدة أيضا، وذكر أبو عصمة أن صلاته لا تفسد وهو الأصح ولو لم يستخلف في المسجد واستخلف من الرحبة، وفيها قوم جازت صلاة الكل إذا كانت الرحبة متصلة بالمسجد كذا في الظهيرية وإذا استخلف الإمام رجلا فإنه يتعين للإمامة إن قام مقام الأول حتى لو تأخر بعد التقدم فسدت صلاته وإذا قام الخليفة مقامه صار الأول مقتديا به خرج من المسجد أو لا حتى لو تذكر فائتة أو تكلم لم تفسد صلاة القوم ومقتضى ما قدمناه أنه لا يصير مقتديا بالخليفة ما دام في المسجد وللخليفة الاستخلاف إذا أحدث فلو استخلف الخليفة من غير حدث إن قدمه قبل أن يقوم في مكان الإمامة والإمام في المسجد جاز، ولو تذكر الخليفة أنه على غير وضوء فقدم آخر ولم يقم في موضع الإمامة جاز إذا كان الأول في المسجد، ولو أحدث الخليفة بعد ما قام في موضع الإمامة فانصرف فقبل أن يخرج دخل الأول متوضئا فقدمه جاز، ولو لم يقم الخليفة في موضع الإمامة حتى أحدث فدخل الأول فقدمه لم يجز والمسألة متأولة وتأويلها إذا كان مع الإمام رجل آخر سواه، ولو كبر الخليفة ينوي الاستقبال جازت صلاة من استقبل وفسدت صلاة من لم يستقبل، وكذا صلاة الإمام الأول تفسد إن بنى على صلاة نفسه.
وفي الخلاصة، فإن نوى الثاني بعد ما تقدم إلى المحراب أن لا يكون خليفة للأول ويصلي صلاة نفسه لم يفسد ذلك صلاة من اقتدى به.

 

ج / 1 ص -688-       كما لو حصر عن القراءة
_________________
وفي المجتبى والإمام المحدث على إمامته ما لم يخرج من المسجد أو يقوم خليفته مقامه أو يستخلف القوم غيره أو يتقدم بنفسه.
وفي الظهيرية رجلان وجدا في السفر ماء قليلا فقال أحدهما هو نجس وقال الآخر هو طاهر فتوضأ أحدهما وتيمم الآخر، ثم أمهما من توضأ بماء مطلق، ثم سبقه الحدث يصلي كل واحد من المقتديين وحده من غير أن يقتدي بالآخر فلو رجع الإمام بعد ما توضأ يقتدي بمن يظنه طاهرا ا هـ. ظاهره أنه لا فرق بين أن يخرج الإمام من المسجد أو لم يخرج وإذا خرج الإمام من المسجد خرج عن الإمامة ولم يبق لهما إمام، وقد صرحوا ببطلان صلاة المقتدي في هذه الحالة ولذا قال في المحيط رجل أم رجلا فأحدثا معا وخرجا من المسجد فصلاة الإمام تامة وصلاة المقتدي فاسدة؛ لأنه لم يبق له إمام في المسجد ا هـ. فبقاؤهما فيها من غير إمام مشكل إلا أن يقال ذلك للضرورة إذ لا يمكن اقتداء أحدهما بالآخر؛ لأن المتيمم إن تقدم ففي اعتقاد المتوضئ أن تيممه باطل لطهارة الماء عنده وإن تقدم المتوضئ ففي اعتقاد المتيمم أنه توضأ بماء نجس والله سبحانه أعلم.
وفي المجتبى، وفي جواز الاستخلاف في صلاة الجنازة اختلاف المشايخ.
" قوله: كما لو حصر عن القراءة " أي جاز لمن سبقه الحدث الاستخلاف إذا كان إماما كما جاز للإمام الاستخلاف إذا عجز عن القراءة وحصر بوزن تعب فعلا ومصدرا العي وضيق الصدر ويقال حصر يحصر حصرا من باب علم ويجوز أن يكون حصر فعل ما لم يسم فاعله من حصره إذا حبسه من باب نصر ومعناه منع وحبس عن القراءة بسبب خجل أو خوف قال في غاية البيان وبالوجهين حصل لي السماع، وقد وردت اللغتان بهما في كتب اللغة كالصحاح وغيره، وأما إنكار المطرزي ضم الحاء فهو في مكسور العين؛ لأنه لازم لا يجيء له مفعول ما لم يسم فاعله لا في مفتوح العين لأنه متعد يجوز بناء الفعل منه للمفعول وصورة المسألة إذا لم يقدر الإمام على القراءة لأجل خجل يعتريه أما إذا نسي القراءة أصلا لا يجوز الاستخلاف بالإجماع؛ لأنه صار أميا واستخلاف الأمي لا يجوز هذا كله عند أبي حنيفة، وقالا لا يجوز؛ لأنه يندر وجوده وله أن الاستخلاف في الحدث بعلة العجز وهو هنا ألزم والعجز عن القراءة غير نادر وأشار بالمنع عن القراءة إلى أنه لم يقرأ مقدار الفرض فيفيد أنه لو قرأه لا يجوز الاستخلاف إجماعا لعدم الحاجة إليه وذكره في المحيط بصيغة قيل وظاهره أن المذهب الإطلاق وهو الذي ينبغي اعتماده لما

 

ج / 1 ص -689-       وإن خرج من المسجد بظن الحدث أو جن أو احتلم أو أغمي عليه استقبل
_________________
صرحوا في فتح المصلي على إمامه بأنها لا تفسد على الصحيح سواء قرأ الإمام ما تجوز به الصلاة أو لا، فكذلك هنا يجوز الاستخلاف مطلقا وقيد بالمنع عنها؛ لأنه لو أصاب الإمام وجع في البطن فاستخلف رجلا لم يجز فلو قعد وأتم صلاته جاز، ولو صار الإمام حاقنا بحيث لا يمكنه المضي فذكر في غير رواية الأصولي أن على قول أبي حنيفة ليس له أن يستخلف وعلى قول أبي يوسف له ذلك أبو حنيفة فرق بين هذا وبين مسألة الحصر في القراءة كذا في الظهيرية والحاقن الذي له بول كثير كذا في المغرب، وفي غاية البيان، ثم عندهما إذا لم يستخلف كيف يصنع؟ قال بعض الشارحين يتم صلاته بلا قراءة إلحاقا له بالأمي وهذا سهو؛ لأن مذهبهما أنه يستقبل وبه صرح فخر الإسلام في شرح الجامع الصغير؛ لأنه قال في عامة الكتب أن الحصر لما كان نادرا أشبه الجنابة وبها لا تتم الصلاة فكذا بالحصر ا هـ. والعجب من الشارح أنه جعل الحصر عن القراءة كالجنابة ونقل عنهما أنه يتمها بغير قراءة، وكذا المحقق في فتح القدير، وفي البائع وعندهما لا يجوز وتفسد صلاتهم وهو شاهد لما في غاية البيان والظاهر أن عنهما روايتين.
" قوله: وإن خرج من المسجد بظن الحدث أو جن أو احتلم أو أغمي عليه استقبل " أما فسادها بالخروج من المسجد لتوهم الحدث ولم يكن موجودا فلوجود المنافي من غير عذر والقياس فسادها بالانحراف عن القبلة مطلقا لما ذكرنا لكن استحسنوا بقاءها عند عدم الخروج؛ لأنه انصرف على قصد الإصلاح؛ لأنه لو تحقق ما توهمه بنى على صلاته فألحق قصد الإصلاح بحقيقته ما لم يختلف المكان بالخروج، وقد فهم بعضهم من هذا كما ذكره في التجنيس أن المصلي إذا حول صدره عن القبلة لا تفسد صلاته وأن القول بفسادها أليق بقولهما وليس بشيء؛ لأن أبا حنيفة إنما قال بعدم فساد صلاته عند عدم الخروج لأجل أنه معذور بتوهم الحدث، وأما من حول صدره عن القبلة فهو متمرد عاص لا يستحق التخفيف فالقول بالفساد أليق بقول الكل كما لا يخفى، قيد بظن الحدث؛ لأنه لو ظن أنه افتتح على غير وضوء أو كان ماسحا على الخفين فظن أن مدة مسحه قد انقضت أو كان متيمما فرأى سرابا فظنه ماء أو كان في الظهر فظن أنه لم يصل الفجر أو رأى حمرة في ثوبه فظن أنها نجاسة فانصرف حيث تفسد صلاته، وإن لم يخرج من المسجد؛ لأن الانصراف على سبيل الرفض، ولهذا لو تحقق ما توهمه يستقبل وهذا هو الأصل والاستخلاف كالخروج من المسجد؛ لأنه عمل كثير فيبطلها وإنما عبر بالظن دون التوهم؛ لأنه الطرف الراجح والوهم هو الطرف المرجوح وصور مسألة الظن الشمني بأن خرج شيء من أنفه فظن أنه رعف فظاهره أنه لو لم يكن للظن دليل بأن شك في خروج ريح ونحوه فإنه يستقبل مطلقا بالانحراف عملا بما هو القياس لكني لم أره منقولا وإنما في التجنيس لو شك الإمام في الصلاة فاستخلف فسدت صلاتهم ولو خاف سبق الحدث فانصرف، ثم سبقه الحدث

 

ج / 1 ص -690-       ...............................
_________________ فالاستئناف لازم عند أبي حنيفة خلافا لأبي يوسف كذا في المجمع، والدار ومصلى الجنازة والجبانة كالمسجد إذ له حكم البقعة الواحدة كذا قالوا إلا في المرأة فإنها إن خرجت عن مصلاها فسدت صلاتها وليس البيت لها كالمسجد للرجل، وقال القاضي الإمام أبو علي النسفي لا تفسد صلاتها والبيت لها كالمسجد للرجل كذا في فتاوى قاضي خان، وإن كان يصلي في الصحراء فمقدار الصفوف له حكم المسجد إن مشى يمنة أو يسرة أو خلفا، وإن مشى أمامه وليس بين يديه سترة فالصحيح هو التقدير بموضع السجود، وإن كان وحده فمسجده موضع سجوده من الجوانب الأربع إلا إذا مشى أمامه وبين يديه سترة فيعطى لداخلها حكم المسجد كذا في البدائع.
وفي فتح القدير والأوجه إذا لم يكن سترة أن يعتبر موضع سجوده؛ لأن الإمام منفرد في حق نفسه والمنفرد حكمه ذلك ا هـ. وهذا البحث هو ما صححه في البدائع فعلم أن ما في الهداية من أن الإمام إذا لم يكن بين يديه سترة فمقدار الصفوف خلفه ضعيف وأما فسادها بما ذكر من الجنون والإغماء والاحتلام فلأنه يندر وجود هذه العوارض فلم تكن في معنى ما ورد به النص من القيء والرعاف، وكذلك إذا قهقه؛ لأنه بمنزلة الكلام وهو قاطع لقوله عليه الصلاة والسلام
"وليبن على صلاته ما لم يتكلم"، وكذا لو نظر إلى امرأة فأنزل. ومحل الفساد بهذه الأشياء قبل القعود قدر التشهد أما بعده فلا لما سنذكره من أن تعمد الحدث بعده لا يفسدها فهذا أولى، ولا يخلو الموصوف بها عن اضطراب أو مكث وكيفما كان فالصنع منه موجود على القول باشتراطه للخروج، أما في الاضطراب فظاهر، وأما في المكث فلأنه يصير به مؤديا جزءا من الصلاة مع الحدث والأداء صنع منه.
وفي العناية وإنما قال أو نام فاحتلم؛ لأن النوم بانفراده ليس بمفسد، وكذا الاحتلام المنفرد عن النوم وهو البلوغ بالسن فجمع بينهما بيانا للمراد ا هـ. فعلى هذا الاحتلام هو البلوغ أعم من الإنزال أو السن فالمراد في المختصر هو الأول، وفي الظهيرية المصلي إذا نعس في صلاته فاضطجع قيل تنتقض طهارته فيتوضأ ويبني وقيل لا تفسد صلاته ولا تنتقض طهارته ا هـ.
ولعل المصنف إنما عبر بالاستقبال في هذه المسائل كغيره دون الفساد لما أن الفساد فيها ليس مقصودا فيثاب على ما فعله منها بخلاف ما إذا أفسدها قصدا فإنه لا ثواب له فيما أداه بل يأثم؛ لأن قطعها لغير ضرورة حرام.

 

ج / 1 ص -691-       وإن سبقه حدث بعد التشهد توضأ وسلم وإن تعمده أو تكلم تمت صلاته
_________________
" قوله، وإن سبقه حدث بعد التشهد توضأ وسلم "؛ لأن التسليم واجب ولا بد له من الوضوء ليأتي به فالوضوء والسلام واجبان فلو لم يفعل كره تحريما. والشروط التي قدمناها لصحة البناء لا بد منها للسلام حتى لو لم يتوضأ فورا أو أتى بمناف بعده فاته السلام ووجب عليه إعادتها لإقامة الواجب؛ لأنه حكم كل صلاة أديت مع كراهة التحريم، وإن كان إماما استخلف من يسلم بالقوم.
" قوله: وإن تعمده أو تكلم تمت صلاته " أي تعمد الحدث لحديث الترمذي عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"إذا أحدث يعني الرجل، وقد جلس في آخر صلاته قبل أن يسلم فقد جازت صلاته" ومعنى قوله تمت صلاته تمت فرائضها، ولهذا لم تفسد بفعل المنافي وإلا فمعلوم أنها لم تتم بسائر ما ينسب إليها من الواجبات لعدم خروجه بلفظ السلام وهو واجب بالاتفاق حتى أن هذه الصلاة تكون مؤداة على وجه مكروه فتعاد على وجه غير مكروه كما هو الحكم في كل صلاة أديت مع الكراهة كذا في شرح منية المصلي، وفيه أنه لا خلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه في أن من سبقه الحدث بعده يتوضأ ويسلم وإنما الخلاف فيما إذا لم يتوضأ حتى أتى بمناف فعند أبي حنيفة بطلت صلاته لعدم الخروج بصنعه وعندهما لا تبطل؛ لأنه ليس بفرض عندهما ا هـ. وفيه نظر بل لا يكاد يصح؛ لأنه إذا أتى بمناف بعد سبق الحدث فقد خرج منها بصنعه، ولهذا قال الشارح الزيلعي، وكذا إذا سبقه الحدث بعد التشهد، ثم أحدث متعمدا قبل أن يتوضأ تمت صلاته ولم يحك خلافا وإنما ثمرة الخلاف تظهر فيما إذا خرج منها لا بصنعه كالمسائل الاثني عشرية كما سنقرره إن شاء الله تعالى. وشمل تعمد الحدث القهقهة عمدا فصلاته تامة وبطل وضوءه لوجودها في أثناء الصلاة فصار كنية الإقامة في هذه الحالة، وكذا لو قهقه في سجود السهو، وإن قهقه الإمام أو أحدث متعمدا ثم قهقه القوم فعليه الوضوء دونهم لخروجهم منها بحدث الإمام بخلاف قهقهتهم بعد سلامه؛ لأنهم لا يخرجون منها بسلامة فبطلت طهارتهم، وإن قهقهوا معا أو القوم ثم الإمام فعليهم الوضوء. والحاصل أن القوم يخرجون من الصلاة بحدث الإمام عمدا اتفاقا، ولهذا لا يسلمون ولا يخرجون منها بسلامه عندهما خلافا لمحمد، وأما بكلامه فعن أبي حنيفة روايتان في رواية كالسلام فيسلمون وتنتقض طهارتهم بالقهقهة، وفي رواية كالحدث العمد فلا سلام ولا نقض بها كذا في المحيط.

 

ج / 1 ص -692-       وبطلت إن رأى متيمم ماء تمت مدة مسحه
_________________
" قوله: وبطلت إن رأى متيمم ماء " أي بطلت صلاته بالقدرة على استعمال الماء ولا عبرة بالرؤية المجردة عن القدرة بدليل ما قدمه في بابه وإنما بطلت؛ لأن عدم الماء شرط في الابتداء فكان شرط البقاء كسائر الشروط وكالمكفر بالصوم إذا أيسر ليس له البناء؛ لأنه برؤية الماء ظهر حكم الحدث السابق فكأنه شرع على غير وضوء بخلاف ما إذا سبقه الحدث؛ لأنه شرع بوضوء تام أطلقه فشمل ما إذا رأى المتيمم قبل سبق الحدث أو بعده، وفي الثاني خلاف والصحيح هو البطلان كما في المحيط وجزم به الشارح واختار في النهاية أنه يبني دون فساد، وفي فتح القدير والذي يظهر أن الأسباب المتعاقبة كالبول ثم الرعاف ثم القيء إذا أوجبت أحداثا متعاقبة يجزئه عنها وضوء واحد فالأوجه ما في شرح الكنز وهو الموافق لما قدمناه من قول محمد فيمن حلف لا يتوضأ من الرعاف فبال، ثم رعف، ثم توضأ أنه يحنث وإن قلنا لا يوجب كما قدمنا النظر فيه في باب الغسل فالأوجه ما في النهاية وهو الحق في اعتقادي لكن كلام النهاية ليس عليه بل على ما نقل عن محمد في باب الغسل فلا تتفرغ مسألة التيمم على الوجه الذي ذكره على ما هو ظاهر اختياره ا هـ.
والذي يظهر أن هذا ليس مبنيا على هذا الفرع فإنهم عللوا الاستقبال بأنه لما ظهر الحدث السابق تبين كونه شرع بغير طهارة فليس له البناء سواء قلنا إنها توجب أحداثا أو حدثا كما لا يخفى، وذكر الشارح وتقييده بالمتيمم لبطلان الصلاة عند رؤية الماء لا يفيد؛ لأنه لو كان متوضئ يصلي خلف متيمم فرأى المؤتم الماء بطلت صلاته لعلمه أن إمامه قادر على الماء بإخباره وصلاة الإمام تامة لعدم قدرته، ولو قال وبطلت إن رأى متيمم أو المقتدى به ماء لشمل الكل ا هـ. وأقره عليه في فتح القدير، وفيه نظر؛ لأن المقتدي بالمتيمم إذا رأى ماء لم يعلم به الإمام فإن صلاة المقتدي لم تبطل أصلا وإنما بطل وصفها وهو الفرضية وكلامه في بطلان أصلها برؤية الماء، ولهذا صرح في المحيط بأن المتوضئ خلف المتيمم إذا رأى الماء أو كان على الإمام فائتة لا يذكرها والمؤتم يذكرها أو كان الإمام على غير القبلة وهو لا يعلمه والمؤتم يعلمه فقهقه المؤتم فعليه الوضوء عندهما خلافا لمحمد وزفر بناء على أن الفرضية متى فسدت لا تنقطع التحريمة عندهما خلافا لمحمد ا هـ وأيضا نفي الفائدة مطلقا ممنوع فإن المتوضئ إذا رأى ماء لا يضره فقد أفاد.
" قوله: أو تمت مدة مسحه " أطلقه فشمل ما إذا كان واجدا للماء أو لم يكن واجدا وهو اختيار بعض المشايخ، وذكر قاضي خان في فتاويه أنه لو تمت المدة وهو في الصلاة ولا ماء يمضي على الأصح في صلاته إذ لا فائدة في النزع؛ لأنه للغسل ولا ماء خلافا لمن قال من

 

ج / 1 ص -693-       أو نزع خفيه بعمل يسير أو تعلم أمي سورة أو وجد عار ثوبا أو قدر موم أو تذكر فائتة
_________________
المشايخ تفسد. ا هـ. واختار القول بالفساد في فتح القدير، وقد قدمناه في بابه.
" قوله: أو نزع خفيه بعمل يسير " بأن كانا واسعين لا يحتاج فيهما إلى المعالجة في النزع قيد به؛ لأن العمل الكثير يخرج به عن الصلاة فتتم صلاته حينئذ اتفاقا والظاهر أن ذكر الخف بلفظ المثنى اتفاقي؛ لأن الحكم كذلك في الخف الواحد لما قدمه في بابه من أن نزع الخف ناقض للمسح ولذا أفرده في المجمع.
" قوله: أو تعلم أمي سورة " وهو منسوب إلى أمة العرب وهي الأمة الخالية عن العلم والكتابة والقراءة فاستعير لمن لا يعرف الكتابة والقراءة والمراد بالتعلم تذكره إياها بعد النسيان؛ لأن التعلم لا بد له من التعليم وذلك فعل ينافي الصلاة فتتم صلاته اتفاقا وقيل سمعه بلا اختيار وحفظه بلا صنع بأن سمع سورة الإخلاص مثلا من قارئ فحفظها من غير احتياج إلى التلبس بما يفسد الصلاة من عمل كثير كذا قالوا وقوله سورة وقع اتفاقا؛ لأن عند أبي حنيفة الآية تكفي وهما وإن قالا بافتراض ثلاث آيات لم يشترطا السورة وأطلق فشمل كل مصل، وفيما إذا كان يصلي خلف قارئ اختلاف المشايخ فعامتهم على أنها تفسد؛ لأن الصلاة بالقراءة حقيقة فوق الصلاة بالقراءة حكما فلا يمكنه البناء عليها وقيل لا تبطل وصححه في الفتاوى الظهيرية قال الأمي إذا تعلم سورة خلف القارئ فإنه يمضي على صلاته وهو الصحيح ا هـ. ووجهه أن قراءة الإمام قراءة له فقد تكامل أول الصلاة وآخرها وبناء الكامل على الكامل جائز. قال أبو الليث لا تبطل صلاته اتفاقا وبه نأخذ.
" قوله: أو وجد عار ثوبا " أي ثوبا تجوز فيه الصلاة بأن لم تكن فيه نجاسة مانعة من الصلاة أو كانت فيه وعنده ما يزيل به النجاسة أو لم يكن عنده ما يزيل به النجاسة ولكن ربعه أو أكثر منه طاهر وهو ساتر للعورة.
" قوله: أو قدر موم " أي على الركوع والسجود؛ لأن آخر صلاته أقوى فلا يجوز بناؤه على الضعيف.
" قوله: أو تذكر فائتة " أي عليه أو على إمامه ولم يسقط الترتيب بعد، وقد قدمنا أن المأموم إذا تذكر فائتة على إمامه ولم يتذكرها الإمام فسد وصف الفرضية لا أصلها، وكذا إذا تذكر فائتة عليه فإن أصل الصلاة لم يبطل، وإنما انقلبت نفلا لما عرف أن بطلان الوصف لا يوجب

 

ج / 1 ص -694-       أو استخلف أميا أو طلعت الشمس في الفجر أو دخل وقت العصر في الجمعة
_________________
بطلان الأصل عندهما خلافا لمحمد، وفي السراج الوهاج، ثم هذه الصلاة لا تبطل قطعا عند أبي حنيفة بل تبقى موقوفة إن صلى بعدها خمس صلوات وهو يذكر الفائتة فإنها تنقلب جائزة ا هـ. فذكر المصنف لها في سلك الباطل اعتماد على ما يذكره في باب الفوائت.
" قوله: أو استخلف أميا " يعني عند سبق الحدث على ما اختاره في الهداية؛ لأن فساد الصلاة بحكم شرعي وهو عدم صلاحيته للإمامة في حق القارئ لا بالاستخلاف؛ لأنه غير مفسد حتى جاز استخلافه القارئ واختار فخر الإسلام أنه لا فساد بالاستخلاف بعد التشهد بالإجماع وصححه في الكافي وغاية البيان؛ لأن استخلاف الأمي فعل مناف للصلاة فيكون مخرجا منها وكونه ليس بمناف لها إنما هو في مطلق الاستخلاف، وأما الاستخلاف المقيد وهو استخلاف الأمي فهو مناف لها.
" قوله: أو طلعت الشمس في الفجر أو دخل وقت العصر في الجمعة " لأنها مفسدة للصلاة من غير صنعه ومذهب الشافعي وغيره عدم فسادها بطلوعها تمسكا بقوله صلى الله عليه وسلم
"من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها" ولنا حديث عقبة بن عامر الجهني المتقدم من النهي عنها في الأوقات الثلاثة فإنه يفيد بطريق الاستدلال الفساد بطلوع الشمس وإذا تعارضا قدم النهي، فيجب حمل ما رووا على ما قبل النهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة.
فإن قيل كيف يتحقق الخلاف في البطلان بدخول وقت العصر في الجمعة فإن الدخول عنده إذا صار ظل كل شيء مثليه وعندهما إذا صار مثله ؟
قلنا هذا على قول الحسن بن زياد فإن عنده وقتا مهملا بين خروج الظهر ودخول العصر فإذا صار الظل مثله يتحقق الخروج عندهما والصلاة تامة وعنده باطلة كذا في الكافي، وفيه

 

ج / 1 ص -695-       أو سقطت جبيرته عن برء أو زال عذر المعذور
_________________
نظر؛ لأنهم قالوا أو دخل وقت العصر ولم يقولوا أو خرج وقت الظهر وقيل يمكن أن يقعد في الصلاة بعد ما قعد قدر التشهد مقدار ما صار الظل مثليه فحينئذ يتحقق الخلاف كذا في المعراج والظاهر في الجواب ما نقله في المعراج عن المستصفى بعد هذا الكلام من أن هذا على اختلاف القولين فعندهما إذا صار الظل مثله وعنده إذا صار مثليه.
" قوله: أو سقطت جبيرته عن برء أو زال عذر المعذور " قيد بالبرء؛ لأن سقوطها لا عن برء لا يبطل الصلاة اتفاقا لما بيناه في بابه والمراد بزوال العذر استمرار انقطاعه وقتا كاملا فإذا انقطع عذره بعد القعود فالأمر موقوف، فإن دام وقتا كاملا بعد الوقت الذي صلى فيه ووقع الانقطاع فيه فحينئذ يظهر أنه انقطاع هو برء فيظهر الفساد عند أبي حنيفة فيقضيها وإلا فمجرد الانقطاع لا يدل عليه؛ لأنه لو عاد في الوقت الثاني فالصلاة الأولى صحيحة كما قدمناه في بابه، وقد ذكر هنا اثني عشر مسألة ولقبها اثنا عشرية عند أصحابنا وهي مشهورة عندهم بهذه النسبة إلا أن هذا الإطلاق غير جائر من حيث العربية؛ لأنه إنما ينسب إلى صدر العدد المركب في مثله بعد أن يكون علما على ما عرف في فنه فيقال في النسبة إلى خمسة عشر علما على رجل أو غيره خمسي وأما إذا لم يكن مسمى به وأريد به العدد فلا ينسب إليه أصلا؛ لأن الجزأين حينئذ مقصودان بالمعنى فلو حذف أحدهما اختل المعنى، ولو لم يحذف استثقل، قالوا وقد زيد عليها مسائل فمنها إذا كان يصلي بالثوب النجس فوجد ماء يغسل به وهو مستفاد من مسألة ما إذا وجد العاري ثوبا، ومنها ما إذا كان يصلي القضاء فدخل عليه الأوقات المكروهة وهو مستفاد من مسألة طلوع الشمس في الفجر، ومنها إذا خرج الوقت على المعذور وهي ترجع إلى ظهور الحدث السابق.
ومنها الأمة إذا كانت تصلي بغير قناع فأعتقت في هذه الحالة ولم تستتر من ساعتها وهو مستفاد مما إذا وجد العاري ثوبا ففي التحقيق لا زيادة على ما هو المشهور وحاصلها يرجع إلى ظهور الحدث السابق وقوة حاله بعد ضعفها وطرو الوقت الناقص على الكامل، وفي السراج الوهاج أن الصلاة في هذه المسائل إذا بطلت لا تنقلب نفلا إلا في ثلاث مسائل وهو ما إذا تذكر فائتة أو طلعت الشمس أو خرج وقت الظهر في يوم الجمعة أطلق المصنف في بطلانها بهذه العوارض فشمل ما قبل القعود وما بعده ولا خلاف في بطلانها في الأول وأما في حدوثها بعده فقال أبو حنيفة بالبطلان، وقالا بالصحة؛ لأنه معنى مفسد لها فصار كالحدث والكلام، وقد حدثت

 

ج / 1 ص -696-       ...............................
_________________
بعد التمام فلا فساد واختلف المشايخ على قول أبي حنيفة فذهب البردعي إلى أنه إنما قال بالبطلان؛ لأن الخروج من الصلاة بصنع المصلي فرض عنده؛ لأنها لا تبطل إلا بترك فرض ولم يبق عليه سوى الخروج بصنعه وتبعه على ذلك العامة كما في العناية وذهب الكرخي إلى أنه لا خلاف بينهم أن الخروج بصنعه منها ليس بفرض لقوله صلى الله عليه وسلم لابن مسعود "إذا قلت: هذا أو فعلت هذا فقد تمت صلاتك، فإن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد" وليس فيه نص عن أبي حنيفة، وإنما استنبطه البردعي من هذه المسائل وهو غلط منه؛ لأنه لو كان فرضا كما زعمه لاختص بما هو قربة وهو السلام، وإنما حكم الإمام بالبطلان باعتبار أن هذه المعاني مغيرة للفرض فاستوى في حدوثها أول الصلاة وآخرها أصله نية الإقامة قال الإمام الأقطع في شرح القدوري وهذه العلة مستمرة في جميع المسائل إلا في طلوع الشمس إلا أنه يقيسه على بقية المسائل بعلة أنه معنى مفسد للصلاة حصل بغير فعله بعد التشهد ا هـ. ولا حاجة إلى الاستثناء؛ لأن طلوع الشمس بعد الفجر مغير للفرض من الفرض إلى النفل كرؤية الماء فإنها مغيرة للفرض؛ لأنه كان فرضه التيمم فتغير فرضه إلى الوضوء بسبب سابق على الصلاة، وكذا سائر أخواتها بخلاف الكلام فإنه قاطع لا مغير والحدث العمد والقهقهة مبطلة لا مغيرة قال في المجتبى وعلى قول الكرخي المحققون من أصحابنا، وذكر في المعراج معزيا إلى شمس الأئمة والصحيح ما قاله الكرخي، وقال صاحب التأسيس ما قاله أبو الحسن أحسن؛ لأن الأول ليس بمنصوص عن أبي حنيفة ورجح المحقق في فتح القدير قولهما بأن اقتضاء الحكم الاختيار لينتفي الجبر إنما هو في المقاصد لا في الوسائل، ولهذا لو حمل مغمى عليه إلى المسجد فأفاق فتوضأ فيه أجزأه عن السعي، ولو لم يحمل وجب عليه السعي للتوسل فكذا إذا تحقق القاطع في هذه الحالة بلا اختيار حصل المقصود من القدرة على صلاة أخرى، ولو لم يتحقق وجب عليه فعل هو قربة قاطع فلو فعل مختارا قاطعا محرما أثم لمخالفة الواجب.
والجواب بأن الفساد عنده لا لعدم الفعل بل للأداء مع الحدث بالرؤية، وانقضاء المدة

 

ج / 1 ص -697-       وصح استخلاف المسبوق
_________________
وانقطاع العذر يظهر الحدث السابق فيستند النقص فيظهر في هذه لقيام حرمتها حالة الظهور بخلاف المنقضية ليس بمطرد ا هـ وهذا كله على تعليل البردعي وأما على تخريج الكرخي فلا يرد كما لا يخفى، وذكر الشارح أنه لو سلم الإمام وعليه سهو فعرض له واحد منها، فإن سجد بطلت صلاته وإلا فلا، ولو سلم القوم قبل الإمام بعدما قعد قدر التشهد، ثم عرض له واحد منها بطلت صلاته دون القوم، وكذا إذا سجد هو للسهو ولم يسجد القوم، ثم عرض له.
" قوله: وصح استخلاف المسبوق " لوجود المشاركة في التحريمة، والأولى للإمام أن يقدم مدركا؛ لأنه أقدر على إتمام صلاته وينبغي لهذا المسبوق أن لا يتقدم لعجزه عن السلام فلو تقدم يبتدئ من حيث انتهى إليه الإمام لقيامه مقامه، وإذا انتهى إلى السلام يقدم مدركا يسلم بهم فلو استخلف في الرباعية مسبوقا بركعتين فصلى الخليفة ركعتين ولم يقعد فسدت صلاته، ولو أشار إليه الإمام أنه لم يقرأ في الأوليين لزمه أن يقرأ في الأخريين لقيامه مقام الإمام وإذا قرأ التحقت بالأوليين فخلت الأخريان عن القراءة فصار كأن الخليفة لم يقرأ في الأخريين فإذا قام إلى قضاء ما سبقه لزمه القراءة فيما سبق به من الركعتين فقد لزمه القراءة في جميع الفرض الرباعي، ولو لم يعلم المسبوق الخليفة كمية صلاة الإمام ولا القوم بأن كان الكل مسبوقين مثله إن كان الإمام سبقه الحدث وهو قائم صلى الذي تقدم ركعة وقعد مقدار التشهد، ثم قام وأتم صلاة نفسه والقوم لا يقتدون به ولكنهم يمكثون إلى أن يفرغ هذا من صلاته فإذا فرغ قام القوم فيقضون ما بقي من صلاتهم وحدانا؛ لأن من الجائز أن الذي بقي على الإمام آخر الركعات فحين صلى الخليفة تلك الركعة تمت صلاة الإمام فلو اقتدوا به فيما يقضي هو كانوا اقتدوا بمسبوق فيما يقضي فتفسد صلاتهم، ولا يشتغلون بالقضاء لجواز أن يكون بعض ما يقضي هذا الخليفة مما بقي على الإمام الأول فيكون القوم قد انفردوا قبل فراغ إمامهم من جميع أركان الصلاة فتفسد صلاتهم فالأحوط في ذلك ما قلنا كذا في الظهيرية وفي فتح القدير ويقعد هذا الخليفة فيما بقي على الإمام الأول على كل ركعة وهكذا في الخلاصة ولم يبينوا ما إذا سبقه الحدث وهو قاعد واقتدوا به وهو قاعد فاستخلف واحدا منهم ولم يعلموا أنها الأولى أو الثانية والفرض رباعي كالظهر وينبغي على قياس ما ذكروه أن يصلي الخليفة ركعتين وحده وهم جلوس فإذا فرغ منهما قاموا وصلى كل واحد منهم أربعا وحده والخليفة ما بقي ولا يشتغلون بالقضاء قبل فراغه من الأوليين لما ذكرناه لاحتمال أن تكون القعدة التي للإمام هي الأخيرة، وحينئذ ليس لهم الاقتداء ويحتمل أن

 

ج / 1 ص -698-       ...............................
_________________
تكون الأولى وحينئذ ليس لهم الانفراد وحقيقة المسبوق هو من لم يدرك أول صلاة الإمام والمراد بالأول الركعة الأولى وله أحكام كثيرة.
فمنها أنه منفرد فيما يقضي إلا في أربع مسائل.
إحداها أنه لا يجوز اقتداؤه ولا الاقتداء به؛ لأنه بان تحريمة فلو اقتدى مسبوق بمسبوق فسدت صلاة المقتدي قرأ أو لم يقرأ دون الإمام واستثنى منلا خسرو في الدرر والغرر من قولهم لا يصح الاقتداء بالمسبوق أن إمامه لو أحدث فاستخلفه صح استخلافه وصار إماما ا هـ. وهو سهو؛ لأن كلامهم فيما إذا قام إلى قضاء ما سبق به وهو في هذه الحالة لا يصح الاقتداء به أصلا فلا استثناء، ولو ظن الإمام أن عليه سهوا فسجد للسهو فتابعه المسبوق فيه، ثم علم أنه ليس عليه سهو ففيه روايتان والأشهر أن صلاة المسبوق تفسد؛ لأنه اقتدى في موضع الانفراد قال الفقيه أبو الليث في زماننا لا تفسد؛ لأن الجهل في القراء غالب كذا في الظهيرية، ولو لم يعلم لم تفسد في قولهم كذا في الخانية ولو قام الإمام إلى الخامسة في صلاة الظهر فتابعه المسبوق إن قعد الإمام على رأس الرابعة تفسد صلاة المسبوق، وإن لم يقعد لم تفسد حتى يقيد الخامسة بالسجدة فإذا قيدها بالسجدة فسدت صلاة الكل؛ لأن الإمام إذا قعد على الرابعة تمت صلاته في حق المسبوق فلا يجوز للمسبوق متابعته، ولو نسي أحد المسبوقين المتساويين كمية ما عليه فقضى ملاحظا للآخر بلا اقتداء به صح.
ثانيها لو كبر ناويا للاستئناف يصير مستأنفا قاطعا للأولى بخلاف المنفرد على ما يأتي.
ثالثها لو قام لقضاء ما سبق به وعلى الإمام سجدتا سهو قبل أن يدخل معه كان عليه أن يعود فيسجد معه ما لم يقيد الركعة بسجدة، فإن لم يعد حتى سجد يمضي وعليه أن يسجد في آخر صلاته بخلاف المنفرد لا يجب عليه السجود لسهو وغيره.
رابعها يأتي بتكبير التشريق اتفاقا بخلاف المنفرد لا يجب عليه عند أبي حنيفة، وفيما سوى ذلك هو منفرد لعدم المشاركة فيما يقضيه حقيقة وحكما.
ومن أحكامه أنه لو سلم مع الإمام ساهيا أو قبله لا يلزمه سجود السهو؛ لأنه مقتد، وإن سلم بعده لزمه، وإن سلم مع الإمام على ظن أن عليه السلام مع الإمام فهو سلام عمد فتفسد كذا في الظهيرية.
ومن أحكامه أنه لا يقوم إلى القضاء قبل التسليمتين بل ينتظر فراغ الإمام بعدهما لاحتمال سهو على الإمام فيصبر حتى يفهم أنه لا سهو عليه إذ لو كان لسجد وقيده في فتح القدير

 

ج / 1 ص -699-       ...............................
_________________
بحثا بأن محله ما إذا اقتدى بمن يرى سجود السهو بعد السلام إما إذا اقتدى بمن يراه قبله فلا.
قلت: الخلاف بين الأئمة إنما هو في الأولوية فربما اختار الإمام الشافعي أن يسجد بعد السلام عملا بالجائز فلهذا أطلقوا استنظاره.
ومن أحكامه أنه لا يقوم المسبوق قبل السلام بعد قدر التشهد إلا في مواضع إذا خاف وهو ماسح تمام المدة لو انتظر سلام الإمام أو خاف المسبوق في الجمعة والعيدين والفجر أو المعذور خروج الوقت أو خاف أن يبتدره الحدث.
أو أن تمر الناس بين يديه ولو قام في غيرها بعد قدر التشهد صح ويكره تحريما؛ لأن المتابعة واجبة بالنص قال عليه السلام
"إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه" وهذه مخالفة له إلى غير ذلك من الأحاديث المفيدة للوجوب، ولو قام قبله قال في النوازل إن قرأ بعد فراغ الإمام من التشهد ما تجوز به الصلاة جاز وإلا فلا. هذا في المسبوق بركعة أو ركعتين، فإن كان بثلاث فإن وجد منه قيام بعد تشهد الإمام جاز وإن لم يقرأ؛ لأنه سيقرأ في الباقيتين والقراءة فرض في كل الركعتين، ولو قام حيث يصح وفرغ قبل سلام الإمام وتابعه في السلام قيل تفسد والفتوى على أن لا تفسد، وإن كان اقتداؤه بعد المفارقة مفسدا؛ لأن هذا مفسد بعد الفراغ فهو كتعمد الحدث في هذه الحالة.
ومن أحكامه أن الإمام لو تذكر سجدة فإما تلاوية أو صلبية، فإن كانت تلاوية وسجدها إن لم يقيد المسبوق ركعته بسجدة فإنه يرفض ذلك ويتابعه ويسجد معه للسهو، ثم يقوم إلى القضاء، ولو لم يعد فسدت صلاته؛ لأن عود الإمام إلى سجود التلاوة يرفع القعدة وهو بعد لم يصر منفردا؛ لأن ما أتى به دون ركعة فيرتفض في حقه أيضا وإذا ارتفضت لا يجوز له الانفراد؛ لأن هذا أوان افتراض المتابعة والانفراد في هذه الحالة مفسد للصلاة ولو تابعه بعد تقييدها بالسجدة فيها فسدت رواية واحدة، وإن لم يتابعه فظاهر الرواية كما في المحيط عدم الفساد، وفي الظهيرية وهو أصح الروايتين؛ لأن ارتفاضها في حق الإمام لا يظهر في حق المسبوق، ولو تذكر الإمام سجدة صلبية وعاد إليها يتابعه، وإن لم يتابعه فسدت، وإن كان قيد ركعته بالسجدة تفسد في الروايات كلها عاد أو لم يعد؛ لأنه انفرد وعليه ركنان السجدة والقعدة وهو عاجز عن متابعته بعد إكمال الركعة، والأصل أنه إذا اقتدى في موضع الانفراد أو انفرد في موضع الاقتداء تفسد.

 

ج / 1 ص -700-       ...............................
_________________
ومن أحكامه أنه يقضي أول صلاته في حق القراءة وآخرها في حق التشهد حتى لو أدرك مع الإمام ركعة من المغرب فإنه يقرأ في الركعتين بالفاتحة والسورة، ولو ترك القراءة في أحدهما فسدت صلاته وعليه أن يقضي ركعة بتشهد؛ لأنها ثانيته، ولو ترك جازت استحسانا لا قياسا، ولو أدرك ركعة من الرباعية فعليه أن يقضي ركعة ويقرأ فيها الفاتحة والسورة ويتشهد؛ لأنه يقضي الآخر في حق التشهد ويقضي ركعة يقرأ فيها كذلك ولا يتشهد وفي الثالثة يتخير والقراءة أفضل، ولو أدرك ركعتين يقضي ركعتين يقرأ فيهما ويتشهد، ولو ترك في أحدهما فسدت.
ومن أحكامه أنه لو بدأ بقضاء ما فاته ففي الخانية والخلاصة يكره ذلك؛ لأنه خالف السنة ولا تفسد صلاته وصححه في الحاوي الحصيري معزيا إلى الجامع الصغير، وفي الظهيرية تفسد صلاته وهو الأصح؛ لأنه عمل بالمنسوخ وقواه بما قالوا إن المسبوق لو أدرك الإمام في السجدة الأولى فركع وسجد سجدتين لا تفسد صلاته بخلاف ما لو أدرك في السجدة الثانية فركع وسجد سجدتين حيث تفسد صلاته واختاره في البدائع معللا بأنه انفرد في موضع وجب عليه الاقتداء وهو مفسد فقد اختلف التصحيح وإلا ظهر القول بالفساد لموافقته القاعدة.
ومن أحكامه أنه يتابعه في السهو ولا يتابعه في التسليم والتكبير والتلبية فإن تابعه في التسليم والتلبية فسدت صلاته، وإن تابعه في التكبير وهو يعلم أنه مسبوق لا تفسد صلاته وإليه مال شمس الأئمة السرخسي كذا في الظهيرية. والمراد من التكبير تكبير التشريق وأشار المصنف بصحة استخلاف المسبوق إلى صحة استخلاف اللاحق والمقيم إذا كان الإمام مسافرا وهو خلاف الأولى؛ لأنهما لا يقدران على الإتمام ولا ينبغي لهما التقدم، وإن تقدما يقدما مدركا للسلام أما المقيم فلأن المسافرين خلفه لا يلزمهم الإتمام بالاقتداء به كما لا يلزمهم بنية الأول الإقامة بعد الاستخلاف أو بنية الخليفة لو كان مسافرا في الأصل. أما لو نوى الإمام الأول الإقامة قبل الاستخلاف، ثم استخلف فإنه يتم الخليفة صلاة المقيمين، وفي الظهيرية مسافر صلى ركعة فجاء مسافر آخر واقتدى به فأحدث الإمام واستخلف المسبوق فذهب الإمام الأول للوضوء ونوى الإقامة والإمام الثاني نوى الإقامة أيضا، ثم جاء الإمام الأول كيف يفعل قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل إذا حضر الأول يقتدي بالثاني في الذي هو باقي صلاته فإذا صلى الإمام الثاني الركعة الثانية يقعد قدر التشهد ويستخلف رجلا مسافرا من الذي أدرك أول صلاته حتى يسلم بالقوم، ثم يقوم الثاني فيصلي ثلاث ركعات والإمام الأول يصلي ركعتين بعد سلام الإمام الثاني ولا يتغير فرض القوم بنية الإمام الثاني ولا فرض الإمام الأول ا هـ وفي فتح القدير وأما اللاحق فإنما يتحقق في حقه تقديم غيره إذا خالف الواجب بأن بدأ بإتمام صلاة

 

ج / 1 ص -701-       فلو أتم صلاة الإمام تفسد بالمنافي صلاته دون القوم كما تفسد بقهقهة إمامه لدى اختتامه لا بخروجه من المسجد وكلامه
_________________
الإمام فإنه حينئذ يقدم غيره للإتمام، ثم يشتغل بما فاته معه أما إذا فعل الواجب بأن قدم ما فاته مع الإمام ليقع الأداء مرتبا فيشير إليهم إذا تقدم أن لا يتابعوه فينتظرونه حتى يفرغ مما فاته مع الإمام، ثم يتابعونه ويسلم بهم ا هـ. وفيه نظر بل يتحقق في حقه تقديم الغير مطلقا؛ لأنه يلزم من فعل الواجب انتظارهم وهو مكروه فلذا إذا تقدم له أن يتأخر ويقدم رجلا كما في المحيط.
وفي الظهيرية المسبوق يخالف اللاحق في القضاء في ستة أشياء: في محاذاة المرأة والقراءة والسهو والقعدة الأولى إذا تركها الإمام، وفي ضحك الإمام في موضع السلام، وفي نية الإمام الإقامة إذا قيد المسبوق الركعة بسجدة. ا هـ. وقد تقدم في بحث المحاذاة شيء من أحكام اللاحق.
" قوله: فلو أتم صلاة الإمام تفسد بالمنافي صلاته دون القوم " أي لو أتم المسبوق الخليفة صلاة الإمام المحدث فأتى بما ينافي الصلاة من ضحك أو كلام أو خروج من المسجد أو انحراف عن القبلة تفسد صلاته دون صلاة القوم؛ لأن المفسد في حقه وجد في خلال الصلاة، وفي حقهم بعد إتمام أركانها أراد بالقوم المدركين، وأما من حاله مثل حاله فصلاته فاسدة لما ذكرنا ولم يتعرض لصلاة الإمام المحدث؛ لأن فيه اختلافا والصحيح أنه إن كان فرغ لا تفسد صلاته، وإن لم يفرغ تفسد صلاته؛ لأنه صار مأموما بالخليفة بعد الخروج من المسجد ولذا قالوا، ولو تذكر الخليفة فائتة فسدت صلاة الإمام الأول والثاني والقوم، ولو تذكرها الأول بعد ما خرج من المسجد فسدت صلاته خاصة أو قبل خروجه فسدت صلاته وصلاة الخليفة والقوم، وقالوا لو صلى الإمام المحدث ما بقي من صلاته في منزله قبل فراغ هذا المستخلف تفسد صلاته؛ لأن انفرداه قبل فراغ الإمام لا يجوز.
" قوله: كما تفسد بقهقهة إمامه لدى اختتامه لا بخروجه من المسجد وكلامه " أي كما تفسد صلاة المسبوق بحدث إمامه عامدا بعد القعود قدر التشهد ولا تفسد صلاة المسبوق بخروج إمامه من المسجد وكلامه بعد القعود، ولا خلاف في الثاني وخالفا في الأول قياسا على الثاني؛ لأن صلاة المقتدي مبنية على صلاة الإمام صحة وفسادا ولم تفسد صلاة الإمام اتفاقا في الكل فكذا المقتدي وفرق الإمام بأن الحدث مفسد للجزء الذي يلاقيه من صلاة الإمام فيفسد مثله من صلاة المقتدي غير أن الإمام لا يحتاج إلى البناء والمسبوق محتاج إليه والبناء على الفاسد

 

ج / 1 ص -702-       ولو أحدث في ركوعه أو سجوده توضأ وبنى وأعادهما ولو ذكر راكعا أو ساجدا سجدة فسجدها لم يعدهما
_________________
فاسد بخلاف السلام؛ لأنه منه والكلام في معناه، ولهذا لا يخرج المقتدي منها بسلام الإمام وكلامه وخروجه فيسلم ويخرج بحدثه عمدا فلا يسلم بعده، قيد بالمسبوق؛ لأن صلاة المدرك لا تفسد اتفاقا، وفي صلاة اللاحق روايتان وصحح في السراج الوهاج الفساد وصحح في الظهيرية عدمه معللا بأن النائم كأنه خلف الإمام والإمام قد تمت صلاته فكذلك صلاة النائم تقديرا ا هـ وفيه نظر؛ لأن الإمام لم يبق عليه شيء بخلاف اللاحق وفي فتح القدير لو كان في القوم لاحق إن فعل الإمام ذلك بعد أن قام يقضي ما فاته مع الإمام لا تفسد وإلا تفسد عنده وقيد بكونه عند اختتامه؛ لأن الحدث العمد لو حصل قبل القعود بطلت صلاة الكل اتفاقا، وقيدوا فساد المسبوق عنده بما إذا لم يتأكد انفراده فلو قام قبل سلامه تاركا للواجب فقضى ركعة فسجد لها ثم فعل الإمام ذلك لا تفسد صلاته؛ لأنه استحكم انفراده حتى لا يسجد لو سجد الإمام لسهو عليه ولا تفسد صلاته لو فسدت صلاة الإمام بعد سجوده.
" قوله: ولو أحدث في ركوعه أو سجوده توضأ وبنى وأعادهما "؛ لأن إتمام الركن بالانتقال ومع الحدث لا يتحقق فلا بد من الإعادة أما على قول محمد فظاهر، وأما عند أبي يوسف فالسجدة، وإن تمت بالوضع لكن الجلسة بين السجدتين فرض عنده ولا تتحقق هي بغير طهارة، والانتقال من ركن إلى ركن فرض بالإجماع، وذكر المصنف في الكافي أن التمام على نوعين: تمام ماهية وتمام مخرج عن العهدة، فالسجدة وإن تمت بالوضع ماهية لم تتم تماما مخرجا عن العهدة ا هـ. فالإعادة هنا على سبيل الفرض وهي مجاز عن الأداء؛ لأنهما لم يصحا فلذا لو لم يعد فسدت صلاته، ولو كان إماما فقدم غيره ودام المقدم على ركوعه وسجوده؛ لأنه يمكنه الإتمام بالاستدامة عليه، ولهذا قال في الظهيرية، ولو أحدث الإمام في الركوع فقدم غيره فالخليفة لا يعيد الركوع ويتم. كذلك ذكره شمس الأئمة السرخسي وقيد المصنف في الكافي بناءه بما إذا لم يرفع مريدا الأداء فلو سبقه الحدث في الركوع فرفع رأسه قائلا سمع الله لمن حمده فسدت صلاته وصلاة القوم، ولو رفع رأسه من السجود، وقال الله أكبر مريدا به أداء ركن فسدت صلاة الكل، وإن لم يرد به أداء الركن ففيه روايتان عن أبي حنيفة. ا هـ. وقد قدمناه.
" قوله: ولو ذكر راكعا أو ساجدا سجدة فسجدها لم يعدهما "؛ لأن الانتقال مع الطهارة شرط، وقد وجد؛ لأن الترتيب ليس بشرط فيما شرع مكررا من أفعال الصلاة، وذكر المصنف في

 

ج / 1 ص -703-       ويتعين المأموم الواحد للاستخلاف بلا نية
_________________
الوافي في هذه المسألة أنه يعيدهما ولا تناقض؛ لأن ما في الكنز لبيان عدم اللزوم وما في أصله لبيان الأفضل لتقع الأفعال مرتبة بالقدر الممكن وكان ينبغي أن تكون إعادتهما واجبة؛ لأن الترتيب المذكور واجب قال المصنف في الكافي ولئن كان الترتيب واجبا فقد سقط بعذر النسيان وتبعه المحقق في فتح القدير، وفيه نظر لآن الترتيب الساقط بعذر النسيان إنما هو ترتيب الفوائت، وأما الواجب في الصلاة إذا تركه ناسيا فإن حكمه سجود السهو وجوابه أنهم لم يمنعوا وجوب سجود السهو، وإنما الكلام في إعادته لأجل تركه الترتيب فالمعلل له عدم لزوم الإعادة لا عدم وجوب السجود. أطلق في السجدة فشملت الصلاتية والتلاوية وقيد بالتذكر في الركوع والسجود؛ لأنه لو تذكر سجدة صلبية في القعود الأخير فسجدها أو تذكر في الركوع أنه لم يقرأ السورة فعاد لقراءتها ارتفض ما كان فيه؛ لأن الترتيب فيه فرض كما أسلفناه في صفة الصلاة، وفي فتح القدير له أن يقضي السجدة المتروكة عقب التذكر وله أن يؤخرها إلى آخر الصلاة فيقضيها هناك ا هـ. وبما ذكر هنا ظهر ضعف ما في فتاوى قاضي خان من أن الإمام لو صلى ركعة وترك منها سجدة وصلى أخرى وسجد لها فتذكر المتروكة في السجود أنه يرفع رأسه من السجود ويسجد المتروكة، ثم يعيد ما كان فيها؛ لأنها ارتفضت فيعيدها استحسانا ا هـ. فإنك قد علمت أنها لا ترتفض وأن الإعادة مستحبة ومقتضى الارتفاض افتراض الإعادة وهو مقتض لافتراض الترتيب، وقد اتفقوا على وجوبه.
" قوله: ويتعين المأموم الواحد للاستخلاف بلا نية " لما فيه من صيانة الصلاة، وتعيين الأول لقطع المزاحمة ولا مزاحم وصار الإمام مؤتما إذا خرج من المسجد، وإن لم يخرج من المسجد فهو على إمامته حتى يجوز الاقتداء به، وكذا لو توضأ في المسجد يستمر على إمامته. أطلق في المأموم فشمل من يصلح للإمامة ومن لا يصلح مثل المرأة والصبي والخنثى والأمي والأخرس والمتنفل خلف المفترض والمقيم خلف المسافر في القضاء ففيه ثلاثة أقوال.
قيل بفساد صلاة الإمام خاصة.
وقيل بفساد صلاتهما.
والأصح فساد صلاة المقتدي دون الإمام كما في المحيط وغاية البيان؛ لأن الإمامة لم تتحول عنه فبقي إماما وبقي المقتدي بلا إمام له فحينئذ يتعين للإمامة فإطلاق المختصر

 

ج / 1 ص -704-       ...............................
_________________
منصرف لمن يصلح للإمامة ومحل الاختلاف عند عدم الاستخلاف، وأما إذا استخلفه فأجمعوا على بطلان صلاة الإمام المستخلف وقيد بكون المأموم واحدا؛ لأنه لو كان متعددا فلا يتعين إلا بتعيين الإمام أو القوم أو يتعين هو بالمتقدم ويقتدي به لعدم الأولوية كما قدمناه.
وفي التجنيس رجل أم رجلا واحدا فأحدثا جميعا وخرجا جميعا من المسجد فصلاة الإمام تامة؛ لأنه منفرد يبني على صلاته وصلاة المقتدي فاسدة؛ لأنه مقتد ليس له إمام في المسجد. ا هـ. والله سبحانه وتعالى أعلم.