البحر الرائق شرح كنز الدقائق ط احياء التراث

ج / 2 ص -5-            6 - "باب ما يفسد الصلاة وما يكره فيها"
يفسد الصلاة التكلم
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
6- باب ما يفسد الصلاة وما يكره فيها
لما كان سبق الحدث عارضا سماويا والمفسدات عارضا كسبيا قدم ذاك وأخر هذا.
والفساد والبطلان في العبادات سواء.
"قوله: يفسد الصلاة التكلم" لحديث مسلم "إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن". وفي رواية البيهقي "إنما هي" وما لا يصلح فيها مباشرته يفسدها مطلقا كالأكل والشرب والمكروه غير صالح من وجه دون وجه والنص يقتضي انتفاء الصلاح مطلقا.
أطلقه فشمل العمد والنسيان والخطأ والقليل والكثير لإصلاح صلاته أو لا عالما بالتحريم أو لا.
ولهذا عبر بالتكلم دون الكلام ليشمل الكلمة الواحدة كما عبر بها في المجمع لأن التكلم هو النطق يقال تكلم بكلام وتكلم كلاما كذا في ضياء الحلوم وسواء أسمع غيره أو لا.
وإن لم يسمع نفسه وصحح الحروف فعلى قول الكرخي تفسد وحكي عن الإمام محمد بن الفضل عدمه والاختلاف فيه نظير الاختلاف فيما إذا قرأ في صلاته ولم يسمع نفسه هل تجوز صلاته وقد بيناه كذا في الذخيرة.
وفي المحيط النفخ المسموع المهجي مفسد عندهما خلافا لأبي يوسف لهما أن الكلام اسم لحروف منظومة مسموعة من مخرج الكلام لأن الإفهام بهذا يقع وأدنى ما يقع به انتظام الحروف حرفان ا هـ. وينبغي أن يقال إن أدناه حرفان أو حرف مفهم كع أمر أو كذا ق.
فإن فساد الصلاة بهما ظاهر وشمل الكلام في النوم وهو قول كثير من المشايخ وهو المختار واختار فخر الإسلام وغيره أنها لا تفسد.
وأما ما رواه الحاكم وصححه "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا

 

ج / 2 ص -6-            والدعاء بما يشبه كلامنا،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عليه" فهو من باب المقتضى ولا عموم له لأنه ضروري فوجب تقديره على وجه يصح.
والإجماع منعقد على أن رفع الإثم مراد فلا يراد غيره وإلا لزم تعميمه وهو في غير محل الضرورة.
ولقائل أن يقول إن حديث ذي اليدين الثابت في صحيح مسلم فإنه تكلم في الصلاة حين سلم النبي صلى الله عليه وسلم على رأس الركعتين ساهيا وتكلم بعض الصحابة والنبي صلى الله عليه وسلم فكان حجة للجمهور بأن كلام الناسي ومن يظن أنه ليس فيها لا يفسدها.
فإن أجيب بأن حديث ذي اليدين منسوخ كان في الابتداء حين كان الكلام فيها مباحا فممنوع لأنه رواية أبي هريرة وهو متأخر الإسلام.
وإن أجيب بجواز أن يرويه عن غيره ولم يكن حاضرا فغير صحيح لما في صحيح مسلم عنه بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وساق الواقعة وهو صريح في حضوره ولم أر عنه جوابا شافيا.
وأراد من التكلم التكلم لغير ضرورة لما سيأتي أنه لو عطس أو تجشا فحصل منه كلام لا تفسد لتعذر الاحتراز عنه كما في المحيط ودخل في التكلم المذكور قراءة التوراة والإنجيل والزبور فإنه يفسد كما في المجتبى وقال في الأصل لم يجزه وفي جامع الكرخي فسدت وعن أبي يوسف إن أشبه التسبيح جاز.
"قوله: والدعاء بما يشبه كلامنا" أفرده وإن دخل في التكلم لأن الشافعي لا يفسدها بالدعاء.

 

ج / 2 ص -7-            والأنين والتأوه، وارتفاع بكائه من وجع أو مصيبة لا من ذكر جنة أو نار
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وينبغي أن يتعلق قوله بما يشبه كلامنا بالتكلم والدعاء وقد قدمنا بأن الدعاء بما يشبه كلامنا هو ما أمكن سؤاله من العباد كاللهم أطعمني أو اقض ديني وارزقني فلانة على الصحيح وما استحال طلبه من العباد فليس من كلامنا مثل العافية والمغفرة والرزق سواء كان لنفسه أو لغيره ولو لأخيه على الصحيح كما في المحيط وفي الظهيرية ولو قال أل ثم قال الحمد لله أو لم يقل لا تفسد صلاته.
وقال المرغيناني إن أنصاف الكلمة مثل كل الكلمة تفسد صلاته ثم ذكر ضابطا للدعاء بما يشبه كلامنا فقال الحاصل أنه إذا دعا بما جاء في الصلاة أو في القرآن أو في المأثور لا تفسد صلاته، وإن لم يكن في القرآن أو في المأثور ولا يستحيل سؤاله تفسد وإن كان يستحيل سؤاله لا تفسد ا هـ ويشكل عليه اللهم اغفر لعمي أو خالي فإنه نقل أنها تفسد اتفاقا كما قدمناه.
"قوله: والأنين والتأوه وارتفاع بكائه من وجع أو مصيبة لا من ذكر جنة أو نار". أي: يفسدها أما الأنين فهو أن يقول آه كما في الكافي والتأوه هو أن يقول أوه ويقال أوه الرجل تأويها وتأوه تأوها إذا قال أوه وقال في المغرب وهي كلمة توجع ورجل أواه كثير التأوه وذكر العلامة الحلبي في شرح المنية أن فيها ثلاث عشرة لغة فالهمزة مفتوحة في سائرها ثم قد تمد وقد لا تمد مع تشديد الواو المفتوحة وسكون الهاء فهاتان لغتان ولا تمد مع تشديد الواو المكسورة وسكون الهاء وكسرها فهاتان أخريان.
ومع سكون الواو وكسر الهاء فهذه خامسة ومع تشديد الواو مفتوحة ومكسورة بلا هاء فهاتان سادسة وسابعة و أو على مثال أو العاطفة فهذه ثامنة.
وتمد لكن يليها هاء ساكنة ومكسورة بلا واو فهاتان تاسعة وعاشرة والحادية عشرة والثانية عشرة أوياه بمد الهمزة وعدمه وفتح الواو المشدودة يليها ياء مثناه ثم ألف ثم هاء ساكنة.
والثالثة عشرة آووه بمد الهمزة وضم الواو الأولى وسكون الثانية بعدها هاء ساكنة وحينئذ فتسمية آه أنينا وأوه تأوها اصطلاح ا هـ.
يعني لا لغة لأن من لغات التأوه آه وهي العاشرة وأما ارتفاع البكاء فهو أن يحصل به حروف.
وقوله من وجع أو مصيبة قيد للثلاثة وقوله لا من ذكر جنة أو نار عائد إلى الكل

 

ج / 2 ص -8-            ...........................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أيضا فالحاصل أنها إن كانت من ذكر الجنة أو النار فهو دال على زيادة الخشوع ولو صرح بهما فقال اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار لم تفسد صلاته، وإن كان من وجع أو مصيبة فهو دال على إظهارهما فكأنه قال إني مصاب والدلالة تعمل عمل الصريح إذا لم يكن هناك صريح يخالفها.
وهذا كله عندهما وعن أبي يوسف إن قوله آه لا يفسد في الحالين وأوه يفسد وقيل الأصل عنده أن الكلمة إذا اشتملت على حرفين وهما زائدان أو أحدهما لا تفسد، وإن كانتا أصليتين تفسد.
وحروف الزوائد مجموعة في قولنا أمان وتسهيل ونعني بالزوائد أن الكلمة لو زيد فيها حرف لكان من هذه الحروف لا أن هذه الحروف زوائد أينما وقعت.
قال في الهداية وقول أبي يوسف لا يقوى لأن كلام الناس في متفاهمهم أي أهل العرف يتبع وجود حروف الهجاء وإفهام المعنى ويتحقق ذلك في حروف كلها زوائد ا هـ. وتعقبه الشارحون بأن أبا يوسف إنما يجعل حروف الزوائد كأن لم تكن إذا قلت لا إذا كثرت.
وأجاب عنه في فتح القدير بأنه أراد بالجمع الاثنين فصاعدا وجعل في الظهيرية محل الخلاف فيما إذا أمكن الامتناع عنه أما ما لا يمكن الامتناع عنه فلا يفسد عند الكل كالمريض إذا لم يملك نفسه من الأنين والتأوه لأنه حينئذ كالعطاس والجشاء إذا حصل بهما حروف.
قيد بالأنين ونحوه فإنه لو استعطف كلبا أو هرة أو ساق حمارا لم تفسد صلاته لأنه صوت لا هجاء له.
وقيد بارتفاع بكائه لأنه لو خرج دمعه من غير صوت لا تفسد صلاته بلا خلاف في كل حال كذا في شرح الجامع الصغير لقاضي خان والتأفيف كالأنين كأف وتف ثم أف اسم فعل لأتضجر وقيل لتضجرت وسواء أراد به تنقية موضع سجوده أو أراد به التأفيف فإن الصلاة تفسد عندهما مطلقا وقال أبو يوسف بعدمه لكن في المجتبى الصحيح أن خلافه إنما هو في المخفف وفي المشدد تفسد عندهم ويعارضه ما في الخلاصة أن الأصل عنده أن في الحرفين لا تفسد صلاته وفي أربعة أحرف تفسد وفي ثلاثة أحرف اختلف المشايخ فيها والأصح أنها لا تفسد ا هـ.

 

ج / 2 ص -9-            والتنحنح بلا عذر،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبما فيها اندفع ما اعترض به الشارحون على الهداية في قوله ويتحقق ذلك في حروف كلها زوائد كما لا يخفى.
وفي الخانية ولو لدغته عقرب أو أصابه وجع فقال بسم الله قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل تفسد صلاته ويكون بمنزلة الأنين وهكذا روي عن أبي حنيفة وقيل لا تفسد لأنه ليس من كلام الناس.
وفي النصاب وعليه الفتوى وجزم به في الظهيرية وكذا لو قال يا رب كما في الذخيرة وفي الظهيرية ولو وسوسه الشيطان فقال لا حول ولا قوة إلا بالله إن كان ذلك لأمر الآخرة لا تفسد وإن كان لأمر الدنيا تفسد خلافا لأبي يوسف.
ولو عود نفسه بشيء من القرآن للحمى ونحوها تفسد عندهم ا هـ بخلاف التعوذ لدفع الوسوسة لا تفسد مطلقا كما في القنية.
"قوله: والتنحنح بلا عذر" وهو أن يقول أح بالفتح والضم والعذر وصف يطرأ على المكلف يناسب التسهيل عليه فإن كان التنحنح لعذر فإنه لا يبطل الصلاة بلا خلاف وإن حصل به حروف لأنه جاء من قبل من له الحق فجعل عفوا، وإن كان من غير عذر ولا غرض صحيح فهو مفسد عندهما خلافا لأبي يوسف في الحرفين، وإن كان بغير عذر لكن لغرض صحيح كتحسين صوته للقراءة أو للإعلام أنه في الصلاة أو ليهتدي إمامه عند خطئه ففيه اختلاف فظاهر الكتاب والظهيرية اختيار الفساد لكن الصحيح عدمه لأن ما للقراءة ملحق بها كما في فتح القدير وغيره فلو قال بلا عذر وغرض صحيح لكان أولى إلا أن يستعمل العذر فيما هو أعم من المضطر إليه قيدنا بأن يظهر له حروف لأنه لو لم يظهر له حروف مهجاة فإنه لا يفسدها اتفاقا لكنه مكروه وهو محمل قول من قال إن التنحنح قصدا واختيارا مكروه لأنه عبث لعروه عن الفائدة.
وقيد بالتنحنح لأنه لو تثاءب فحصل منه صوت أو عطس فحصل منه صوت مع الحروف لا تفسد صلاته كذا في الظهيرية ثم قال التنحنح في الصلاة إن لم يكن مسموعا لا تفسد وإن كان مسموعا يفسد.
ظن بعض مشايخنا أن المسموع ما يكون مهجى نحو أح وتف وغير المسموع ما لا يكون مهجى إلى هذا مال شمس الأئمة الحلواني وبعض مشايخنا لم يشترطوا وإليه مال الشيخ الإمام خواهر زاده حتى قيل إذا قال في صلاته ما يساق به الحمار لا تفسد إذا لم يحصل به الحروف. ا هـ. واختار الأول صاحب الخلاصة وذكر أنه إذا لم يفسد فهو مكروه.

 

ج / 2 ص -10-         وجواب عاطس بيرحمك الله،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: وجواب عاطس بيرحمك الله" أي يفسدها لأنه من كلام الناس ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لقائله وهو معاوية بن الحكم
"إن صلاتنا هذه لا يصح فيها شيء من كلام الناس" فجعل التشميت منه قيد بكونه جوابا لأنه لو قال العاطس لنفسه يرحمك الله يا نفسي لا تفسد لأنه لما لم يكن خطابا لغيره لم يعتبر من كلام الناس كما إذا قال يرحمني الله وقيد بقوله: يرحمك الله لأنه لو قال العاطس أو السامع الحمد لله لا تفسد لأنه لم يتعارف جوابا وإن قصده وفيه اختلاف المشايخ.
ومحله عند إرادة الجواب أما إذا لم يرده بل قاله رجاء الثواب لا تفسد بالاتفاق كذا في غاية البيان ومحله أيضا عند عدم إرادة التفهيم فلو أراده تفسد صلاة السامع القائل الحمد لله لأنه تعليم للغير من غير حاجة كما في منية المصلي وشرحها وأشار المصنف بالجواب إلى أن المصلي لو عطس فقال له رجل يرحمك الله فقال العاطس آمين تفسد صلاته ولهذا قال في الظهيرية رجلان يصليان فعطس أحدهما فقال رجل خارج الصلاة يرحمك الله فقالا جميعا آمين تفسد صلاة العاطس ولا تفسد صلاة الآخر لأنه لم يدع له ا هـ. أي لم يجبه ويشكل عليه ما في الذخيرة إذا أمن المصلي لدعاء رجل ليس في الصلاة تفسد صلاته ا هـ. وهو يفيد فساد صلاة المؤمن الذي ليس بعاطس وليس ببعيد كما لا يخفى وأشار إلى أن المصلي إذا سمع الأذان فقال مثل ما يقول المؤذن إن أراد جوابه تفسد وإلا فلا وإن لم تكن له نية تفسد لأن الظاهر أنه أراد به الإجابة وكذلك إذا سمع اسم النبي صلى الله عليه وسلم فصلى عليه فهذا إجابة فتفسد وإن صلى عليه ولم يسمع اسمه لا تفسد.
ولو قال لبيك سيدي حين قرأ
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة: 1] ففيه قولان: والأحسن أن لا يفعل كذا في المحيط وفي الذخيرة معزيا إلى نوادر بشر عن أبي يوسف أنه إذا عطس الرجل في الصلاة حمد الله فإن كان وحده فإن شاء أسر به وحرك لسانه وإن شاء أعلن وإن كان خلف إمام أسر به وحرك لسانه ثم رجع أبو يوسف وقال لا يحرك لسانه مطلقا ا هـ. وهو متعين ولهذا قال في الخلاصة وينبغي أن يقول في نفسه والأحسن هو السكوت وفي القنية مسجد كبير يجهر المؤذن فيه بالتكبيرات فدخل فيه رجل نادى المؤذن أن يجهر بالتكبير فرفع الإمام للحال وجهر المؤذن بالتكبير فإن قصد جوابه فسدت صلاته،

 

ج / 2 ص -11-         وفتحه على إمامه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكذا لو قال عند ختم الإمام قراءته صدق الله وصدق الرسول وكذا إذا ذكر في تشهده الشهادتين عند ذكر المؤذن الشهادتين تفسد إن قصد الإجابة ا هـ.
"قوله: وفتحه على غير إمامه" أي يفسدها لأنه تعليم وتعلم لغير حاجة قيد به لأنه لو فتح على إمامه فلا فساد لأنه تعلق به إصلاح صلاته.
أما إن كان الإمام لم يقرأ الفرض فظاهر وأما إن كان قرأ ففيه اختلاف والصحيح عدم الفساد لأنه لو لم يفتح ربما يجري على لسانه ما يكون مفسدا فكان فيه إصلاح صلاته لإطلاق ما روي عن علي رضي الله عنه إذا استطعمكم الإمام فأطعموه واستطعامه سكوته.
ولهذا لو فتح على إمامه بعدما انتقل إلى آية أخرى لا تفسد صلاته وهو قول عامة المشايخ لإطلاق المرخص وفي المحيط ما يفيد أنه المذهب فإن فيه وذكر في الأصل والجامع الصغير أنه إذا فتح على إمامه يجوز مطلقا لأن الفتح وإن كان تعليما ولكن التعليم ليس بعمل كثير وأنه تلاوة حقيقة فلا يكون مفسدا وإن لم يكن محتاجا إليه وصحح في الظهيرية أنه لا تفسد صلاة الفاتح على كل حال وتفسد صلاة الإمام إذا أخذ من الفاتح بعد ما انتقل إلى آية أخرى وصحح المصنف في الكافي أنه لا تفسد صلاة الإمام أيضا.
فصار الحاصل أن الصحيح من المذهب أن الفتح على إمامه لا يوجب فساد صلاة أحد لا الفاتح ولا الآخذ مطلقا في كل حال ثم قيل ينوي الفاتح بالفتح على إمامه التلاوة.
والصحيح أنه ينوي الفتح دون القراءة لأن قراءة المقتدي منهي عنها والفتح على إمامه غير منهي عنه قالوا يكره للمقتدي أن يفتح على إمامه من ساعته وكذا يكره للإمام أن يلجئهم إليه بأن يقف ساكتا بعد الحصر أو يكرر الآية بل يركع إذا جاء أوانه أو ينتقل إلى آية أخرى لم يلزم من وصلها ما يفسد الصلاة أو ينتقل إلى سورة أخرى كما في المحيط واختلفت الرواية في وقت أوان الركوع ففي بعضها اعتبر أوانه المستحب وفي بعضها اعتبر فرض القراءة يعني إذا قرأ مقدار ما تجوز به الصلاة ركع كذا في السراج الوهاج وأراد من الفتح على غير إمامه تلقينه على قصد التعليم.
أما إن قصد قراءة القرآن فلا تفسد عند الكل كذا في الخلاصة وغيرها وأطلق في الفتح المذكور فشمل ما إذا تكرر منه أو كان مرة واحدة وهو الأصح لأنه لما اعتبر كلاما

 

ج / 2 ص -12-         والجواب بلا إله إلا الله،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جعل نفسه قاطعا من غير فصل بين القليل والكثير كما في الجامع الصغير وفصل في البدائع بأنه إن فتح بعد استفتاح فصلاته تفسد بمرة واحدة وإن كان من غير استفتاح فلا تفسد بمرة واحدة إنما تفسد بالتكرار ا هـ.
وهو خلاف المذهب كما سمعت وشمل ما إذا كان المفتوح عليه مصليا أو لا أشار المصنف إلى أنه لو أخذ المصلي غير الإمام بفتح من فتح عليه فإن صلاته تفسد كما في الخلاصة ثم اعلم أن هذا كله على قول أبي حنيفة ومحمد وأما على قول أبي يوسف فلا تفسد صلاة الفاتح مطلقا لأنه قرآن فلا يتغير بقصد القارئ عنده.
وفي القنية ارتج على الإمام ففتح عليه من ليس في صلاته وتذكر فإذا أخذ في التلاوة قبل تمام الفتح لم تفسد وإلا فتفسد لأن تذكره يضاف إلى الفتح.
وفتح المراهق كالبالغ ولو سمعه المؤتم ممن ليس في الصلاة ففتحه على إمامه يجب أن تبطل صلاة الكل لأن التلقين من خارج. ا هـ.
"قوله: والجواب بلا إله إلا الله" أي يفسدها عند أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف لا يكون مفسدا لأنه ثناء بصيغته فلا يتغير بعزيمته ولهما أنه أخرج الكلام مخرج الجواب وهو يحتمله فيجعل جوابا كتشميت العاطس وليس مقصود المصنف خصوص الجواب بهذه الكلمة بل كل كلمة هي ذكر أو قرآن قصد بها الجواب فهي على الخلاف.
كما إذا أخبر بخبر يسره فقال الحمد لله أو بأمر عجيب فقال سبحان الله ثم نص المشايخ على أشياء موجبة للفساد باتفاقهم وهو ما لو كان بين يدي المصلي كتاب موضوع وعنده رجل اسمه يحيى فقال:
{يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم: 12] أو رجل اسمه موسى وبيده عصا فقال له {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طـه:17] أو كان في السفينة وابنه خارجها فقال: {يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا} [هود: 42] أو طرق عليه الباب أو نودي من خارجه فقال: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنا} [آل عمران: 97] وأراد بهذه الألفاظ الخطاب لأنه لا يشكل على أحد أنه متكلم لا قارئ وهي مؤيدة لما قالاه واردة على أبي يوسف ومما أورد على أبي يوسف الفتح على غير إمامه فإنه مفسد عنده وهو قرآن كذا في فتح القدير وأجاب عنه في غاية البيان بأن الفساد عنده فيه لأمر آخر وهو التعليم والإيراد مدفوع من أصله لأن أبا يوسف لا يقول بالفساد بالفتح على غير إمامه كما ذكره الزيلعي وغيره.
ثم اختلف المشايخ فيما إذا أخبر بخبر يسوءه فاسترجع لذلك بأن قال إنا لله وإنا إليه

 

ج / 2 ص -13-         .........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
راجعون مريدا بذلك الجواب وصحح في الهداية والكافي الفساد عندهما خلافا لأبي يوسف وقال بعض المشايخ إنه مفسد اتفاقا ونسبه في غاية البيان إلى عامة المشايخ وقال قاضي خان إنه الظاهر.
ولعل الفرق على قوله أن الاسترجاع لإظهار المصيبة وما شرعت الصلاة لأجله والتحميد لإظهار الشكر والصلاة شرعت لأجله وحكم لا حول ولا قوة إلا بالله كالاسترجاع كما هو في منية المصلي وقدمنا أنه لو قالها لدفع الوسوسة لأمر الدنيا تفسد ولأمر الآخرة لا تفسد.
ثم أطلق المصنف الجواز بلا إله إلا الله وقيده في الكافي بصورة بأن قيل بين يديه أمع الله إله آخر فقال لا إله إلا الله والظاهر عدم التقييد بهذه الصورة لما في فتاوى قاضي خان أنه لو أخبر بخبر يهوله فقال لا إله إلا الله أو الله أكبر وأراد الجواب فسدت.
ومما ألحق بالجواب ما في المجتبى لو سبح أو هلل يريد زجرا عن فعل أو أمرا به فسدت عندهما وقيد بالجواب لأنه لو أراد به إعلامه أنه في الصلاة كما إذا استأذن على المصلي إنسان فسبح وأراد به إعلامه أنه في الصلاة لم يقطع صلاته وكذا لو عرض للإمام شيء فسبح المأموم لا بأس به لأن المقصود به إصلاح الصلاة فسقط حكم الكلام عند الحاجة إلى الإصلاح ولا يسبح للإمام إذا قام إلى الأخريين لأنه لا يجوز له الرجوع إذا كان إلى القيام أقرب فلم يكن التسبيح مفيدا كذا في البدائع وينبغي فساد الصلاة به لأن القياس فسادها به عند قصد الإعلام وإنما ترك للحديث الصحيح "من نابه شيء في صلاته فليسبح" فللحاجة لم يعمل بالقياس فعند عدمها يبقى الأمر على أصل القياس ثم رأيته في المجتبى قال ولو قام إلى الثالثة في الظهر قبل أن يقعد فقال المقتدي سبحان الله قيل لا تفسد وعن الكرخي تفسد عندهما.اهـ.
وقد قدمنا حكم ما إذا أجاب المؤذن أو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم ولو لعن الشيطان في الصلاة

 

ج / 2 ص -14-         والسلام ورده
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عند قراءة ذكره لا تفسد وفي الخانية والظهيرية ولو قرأ الإمام آية الترغيب أو الترهيب فقال المقتدي صدق الله وبلغت رسله فقد أساء ولا تفسد صلاته ا هـ.
وهو مشكل لأنه جواب لإمامه ولهذا قال في المبتغى بالمعجمة ولو سمع المصلي من مصل آخر ولا الضالين فقال آمين لا تفسد وقيل تفسد و عليه المتأخرون وكذا بقوله عند ختم الإمام قراءته صدق الله وصدق الرسول ا هـ.
وفي المجتبى ولو لبى الحاج تفسد صلاته ولو قال المصلي في أيام التشريق الله أكبر لا تفسد ولو أذن في الصلاة وأراد به الأذان فسدت صلاته وقال أبو يوسف لا تفسد حتى يقول حي على الصلاة حي على الفلاح ولو جرى على لسانه نعم إن كان هذا الرجل يعتاد في كلامه نعم تفسد صلاته وإن لم يكن عادة له لا تفسد لأن هذه الكلمة في القرآن فتجعل منه.
ثم اعلم أنه وقع في المجتبى وقيل لا تفسد في قولهم أي لا تفسد الصلاة بشيء من الأذكار المتقدمة إذا قصد بها الجواب في قول أبي حنيفة وصاحبيه ولا يخفى أنه خلاف المشهور المنقول متونا وشروحا وفتاوى.
لكن ذكر في الفتاوى الظهيرية في بعض المواضع أنه لو أجاب بالقول بأن يخبر بخبر يسره فقال الحمد لله رب العالمين أو بخبر يسوءه فقال إنا لله وإنا إليه راجعون تفسد صلاته والأصح أنه لا تفسد صلاته ا هـ وهو تصحيح مخالف للمشهور.
"قوله: والسلام ورده" لأنه من كلام الناس أطلقه فشمل العمد والسهو كما صرح به في الخلاصة وشمل ما إذا قال السلام فقط من غير أن يقول عليكم كما في الخلاصة أيضا وفي الهداية ما يخالفه فإنه قال بخلاف السلام ساهيا لأنه من الأذكار فيعتبر ذكرا في حالة النسيان وكلاما في حالة التعمد لما فيه من كاف الخطاب ا هـ. وتبعه الشارحون وهكذا قيد صدر الشريعة السلام بالعمد ولم يقيد الرد به.
قال الشمني لأن رد السلام مفسد عمدا كان أو سهوا لأن رد السلام ليس من الأذكار بل هو كلام وخطاب والكلام مفسد مطلقا ا هـ. وهكذا قيد السلام بالعمد في المجمع.
ولم أر من وفق بين العبارات وقد ظهر لي أن المراد بالسلام المفسد مطلقا أن يكون لمخاطب حاضر فهذا لا فرق فيه بين العمد والنسيان أي نسيان كونه في الصلاة وأن المراد

 

ج / 2 ص -15-         ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالسلام المفسد حالة العمد فقط أن لا يكون لمخاطب حاضر كما قالوا لو سلم على رأس الركعتين في الرباعية ساهيا فإن صلاته لا تفسد وكذا لو سلم المسبوق مع الإمام ثم بعد ذلك رأيت التصريح به في البدائع أن السلام على إنسان مبطل مطلقا وأما السلام وهو الخروج من الصلاة فإنه مفسد إن كان عمدا والله الموفق.
وفي القنية سلم قائما على ظن أنه أتم الصلاة ثم علم أنه لم يتم فسدت وقيل يبني لأنه سلم في غير محله بخلاف القعود وصلاة الجنازة ا هـ. وهو مقيد لإطلاقهم بما إذا كان السلام حالة القعود وفيها سلم المسبوق ساهيا ودعا بدعاء كان عادته أعاد ولو قال أستغفر الله وهو عادته لا يعيد ولو قال المسبوق بعد الترويحة سبحان الله إلى آخره كما هو المعتاد ينبغي أن لا تفسد قرأ المسبوق الفاتحة بعد سلام الإمام على المحتاج ناسيا فسدت ا هـ.
ثم هذا كله إذا سلم أو رد بلسانه أما إذا رد السلام بيده ففي الفتاوى الظهيرية والخلاصة وغيرهما لو سلم إنسان على المصلي فأشار إلى رد السلام برأسه أو بيده أو بأصبعه لا تفسد صلاته.
ولو طلب إنسان من المصلي شيئا فأومأ برأسه أو قيل له أجيد هذا فأومأ برأسه بلا أو بنعم لا تفسد صلاته ا هـ.
وفي المجمع لو رد السلام بلسانه أو بيده فسدت ومن العجب أن العلامة ابن أمير حاج الحلبي مع سعة إطلاعه قال إن بعض من ليس من أهل المذهب قد عزى إلى أبي حنيفة أن الصلاة تفسد بالرد باليد وأنه لم يعرف أن أحدا من أهل المذهب نقل الفساد في رد السلام باليد وإنما يذكرون عدم الفساد من غير حكاية خلاف في المذهب فيه بل وصريح كلام الطحاوي في شرح الآثار يفيد أن عدم الفساد قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وكأن هذا القائل فهم من نفي الرد بالإشارة الفساد على تقديره كما هو كذلك في الرد بالنطق لكن الثبت ما ذكرنا ا هـ.
فإن صاحب المجمع من أهل المذهب المتأخرين والحق ما ذكره العلامة الحلبي أن الفساد ليس بثابت في المذهب وإنما استنبطه بعض المشايخ في فرع نقله من الظهيرية والخلاصة وغيرهما أنه لو صافح المصلي إنسانا بنية السلام فسدت صلاته ونقل الزاهدي بعد نقله عن حسام الأئمة المودني أنه قال فعلى هذا تفسد أيضا إذا رد بالإشارة لأنه كالتسليم

 

ج / 2 ص -16-         وافتتاح العصر أو التطوع لا الظهر بعد ركعة الظهر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باليد وكذا ذكره البقالي وقال عند أبي يوسف لا تفسد ا هـ.
ويدل لعدم كونه مفسدا ما ثبت في سنن أبي داود وصححه الترمذي عن ابن عمر قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى قباء فصلى فيه قال فجاءته الأنصار فسلموا عليه وهو يصلي فقلت لبلال كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يرد السلام عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو يصلي قال يقول هكذا وبسط كفه وبسط جعفر بن عون كفه وجعل بطنه أسفل وجعل ظهره إلى فوق. وما عن صهيب مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه فرد علي إشارة. ولا أعلمه قال الإشارة بأصبعه رواه أبو داود والترمذي وحسنه.
فإن قلت إنها تقضي عدم الكراهة وقد صرحوا كما في منية المصلي وغيرها بكراهة السلام على المصلي ورده بالإشارة أجاب العلامة الحلبي بأنها كراهة تنزيهية وفعله عليه السلام لها إنما كان تعليما للجواز فلا يوصف بالكراهة وقد أطال رحمه الله الكلام هنا إطالة حسنة كما هو دأبه وحينئذ فيحتاج إلى الفرق بين المصافحة والرد باليد وقد علل الولوالجي لفسادها بالمصافحة بأنها سلام وهو مفسد وعلل الزيلعي بأنها كلام معنى ويرد عليه أن الرد بالإشارة كلام معنى فالظاهر استواء حكمهما وهو عدم الفساد للأحاديث الواردة في ذلك.
ثم اعلم أنه يكره السلام على المصلي والقارئ والجالس للقضاء أو البحث في الفقه أو التخلي ولو سلم عليهم لا يجب عليهم الرد لأنه في غير محله كذا ذكر الشارح وصرح في فتح القدير من باب الأذان أن السلام على المتغوط حرام ولا يخفى ما فيه إذ الدليل ليس بقطعي والله سبحانه أعلم.
قوله: وافتتاح العصر أو التطوع لا الظهر بعد ركعة الظهر" أي يفسدها انتقاله من صلاة إلى أخرى مغايرة للأولى فقوله بعد ركعة الظهر ظرف للافتتاح وصورتها صلى ركعة من

 

ج / 2 ص -17-         وقراءته من مصحف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الظهر ثم افتتح العصر أو التطوع بتكبيرة فقد أفسد الظهر.
وتفسير المسألة أن لا يكون صاحب ترتيب بأن بطل عنه بضيق الوقت أو بكثرة الفوائت.
فإن كان صاحب ترتيب فالمنتقل إلى العصر متطوع عند أبي حنيفة وأبي يوسف لأنه لا يلزم من بطلان الوصف بطلان الأصل عندهما.
وإن انتقل إلى عصر سابق على الظهر فقد انتقض وصف الفرضية قبل الدخول في العصر للترتيب وإنما انتقل عن تطوع لا فرض كذا في الكافي وإنما بطل ظهره لأنه صح شروعه في غيره لأنه نوى تحصيل ما ليس بحاصل فيخرج عنه ضرورة لمنافاة بينهما.
فمناط الخروج عن الأولى صحة الشروع في المغاير ولو من وجه فلذا لو كان منفردا في فرض فكبر ينوي الاقتداء أو النفل أو الواجب أو شرع في جنازة فجيء بأخرى فكبر ينويهما أو الثانية يصير مستأنفا على الثانية فقط بخلاف ما إذا لم ينو شيئا ولو كان مقتديا فكبر للانفراد يفسد ما أدى قبله ويصير مفتتحا ما أداه ثانيا وقوله لا الظهر يعني لو صلى ركعة من الظهر فكبر ينوي الاستئناف للظهر بعينها فلا يفسد ما أداه فيحتسب بتلك الركعة حتى لو لم يقعد فيما بقي القعدة الأخيرة باعتبارها فسدت الصلاة فلغت النية الثانية وتفرع عليه ما ذكره الولوالجي إذا صلى الظهر أربعا فلما سلم تذكر أنه ترك سجدة منها ساهيا ثم قام واستقبل الصلاة وصلى أربعا وسلم وذهب فسد ظهره لأن نية دخوله في الظهر ثانيا وقع لغوا فإذا صلى ركعة فقد خلط المكتوبة بالنافلة قبل الفراغ من المكتوبة ا هـ.
ومعلوم أن هذا إذا لم يتلفظ بلسانه فإن قال نويت أن أصلي إلى آخره فسدت الأولى وصار مستأنفا للمنوي ثانيا مطلقا لأن الكلام مفسد وقيد بالصلاة لأنه لو صام قضاء رمضان وأمسك بعد الفجر ثم نوى بعده نفلا لم يخرج عنه بنية النفل لأن الفرض والنفل في الصلاة جنسان مختلفان لا رجحان لأحدهما على الآخر في التحريمة وهما في الصوم والزكاة جنس واحد كذا في المحيط.
"قوله: وقراءته من مصحف" أي يفسدها عند أبي حنيفة وقالا هي تامة لأنها عبادة انضافت إلى عبادة إلا أنه يكره لأنه تشبه بصنيع أهل الكتاب.
ولأبي حنيفة وجهان أحدهما أن حمل المصحف والنظر فيه وتقليب الأوراق عمل كثير.
الثاني أنه تلقن من المصحف فصار كما إذا تلقن من غيره وعلى هذا الثاني لا فرق بين

 

ج / 2 ص -18-         ..........................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموضوع والمحمول عنده وعلى الأول يفترقان وصحح المصنف في الكافي الثاني وقال إنها تفسد بكل حال تبعا لما صححه شمس الأئمة السرخسي.
وربما يستدل لأبي حنيفة كما ذكره العلامة الحلبي بما أخرجه ابن أبي داود عن ابن عباس قال:
" نهانا أمير المؤمنين أن نؤم الناس في المصحف" فإن الأصل كون النهي يقتضي الفساد وأراد بالمصحف المكتوب فيه شيء من القرآن فإن الصحيح أنه لو قرأ من المحراب فسدت كما هو مقتضى الوجه الثاني كما صرحوا به وأطلقه فشمل القليل والكثير وما إذا لم يكن حافظا أو حافظا للقرآن وهو إطلاق الجامع الصغير.
وذهب بعضهم إلى أنه إنما تفسد إذا قرأ آية وبعضهم إذا قرأ الفاتحة وقال الرازي قول أبي حنيفة محمول على من لم يحفظ القرآن ولا يمكنه أن يقرأ إلا من مصحف.
فأما الحافظ فلا تفسد صلاته في قولهم جميعا وتبعه على ذلك السرخسي في جامعه الصغير على ما في النهاية وأبو نصر الصفار على ما في الذخيرة معللا بأن هذه القراءة مضافة إلى حفظه لا إلى تلقنه من المصحف وجزم به في فتح القدير والنهاية والتبيين وهو أوجه كما لا يخفى وفي الظهيرية ثم لم يذكر في الكتاب أنه إذا لم يكن قادرا إلا على القراءة من المصحف فصلى بغير قراءة هل تجوز والأصح أنها لا تجوز ا هـ.
ويخالفه ما في النهاية نقلا عن مبسوط شيخ الإسلام وكان الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل يقول في التعليل لأبي حنيفة أجمعنا على أن الرجل إذا كان يمكنه أن يقرأ من المصحف ولا يمكنه أن يقرأ على ظهر قلبه أنه لو صلى بغير قراءة أنه يجزئه ولو كانت القراءة من المصحف جائزة لما أبيحت الصلاة بغير قراءة ولكن الظاهر أنهما لا يسلمان هذه المسألة وبه قال بعض المشايخ. ا هـ.
والظاهر أن ما في الظهيرية متفرع على أن علة الفساد حمله والعمل الكثير فإذا لم يحفظ شيئا على ظهر قلبه يمكنه أن يقرأ من المصحف وهو موضوع فليس أميا لتجوز صلاته بغير قراءة وما ذكره الإمام الفضلي متفرع على الصحيح من أن علة الفساد تلقنه ولو كان

 

ج / 2 ص -19-         والأكل والشرب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
موضوعا فحينئذ لا قدرة له على القراءة فكان أميا وبهذا ظهر أن تصحيح الظهيرية مفرع على الضعيف وأطلق في المصلي فشمل الإمام والمنفرد فما في الهداية من تقييده بالإمام اتفاقي كما في غاية البيان ثم اعلم أن التشبيه بأهل الكتاب لا يكره في كل شيء وإنا نأكل ونشرب كما يفعلون إنما الحرام هو التشبه فيما كان مذموما وفيما يقصد به التشبيه كذا ذكره قاضي خان في شرح الجامع الصغير فعلى هذا لو لم يقصد التشبه لا يكره عندهما.
"قوله: والأكل والشرب" أي يفسدانها لأن كل واحد منهما عمل كثير وليس من أعمال الصلاة ولا ضرورة إليه وعلل قاضي خان وجه كونه كثيرا بقوله لأنه عمل اليد والفم واللسان.
قال العلامة الحلبي وهو مشكل بالنسبة إلى ما لو أخذ من خارج سمسمة فابتلعها أو وقع في فيه قطرة مطر فابتلعها فإنهم نصوا على فساد الصلاة في كل من هذه الصور مطلقااهـ.
أطلقه فشمل العمد والنسيان لأن حالة الصلاة مذكرة فلا يعفى النسيان بخلاف الصوم فإنه لا مذكر فيه وشمل القليل والكثير.
ولهذا فسره في الحاوي بقدر ما يصل إلى الحلق وقيده الشارح بما يفسد الصوم وما لا يفسد الصوم لا يبطل الصلاة ا هـ.
وهو ممنوع كليا فإنه لو ابتلع شيئا بين أسنانه وكان قدر الحمصة لا تفسد صلاته وفي الصوم يفسد وفرق بينهما الولوالجي وصاحب المحيط بأن فساد الصلاة معلق بعمل كثير ولم يوجد بخلاف فساد الصوم فإنه معلق بوصول المغذي إلى جوفه لكن في البدائع والخلاصة أنه لا فرق بين فساد الصلاة والصوم في قدر الحمصة وفي الظهيرية لو ابتلع دما خرج من بين أسنانه لم تفسد صلاته إذا لم يكن ملء الفم ا هـ.
وقالوا في باب الصوم لو خرج من بين أسنانه دم ودخل حلقه وهو صائم إن كان الغلبة للدم أو كانا سواء فطره لأن له حكم الخارج وإن كانت الغلبة للبزاق لا يضره كما في الوضوء فقد فرقوا بين الصلاة والصوم وفي الظهيرية لو قاء أقل من ملء الفم فعاد إلى جوفه وهو لا يملك إمساكه لم تفسد صلاته وإن أعاده إلى جوفه وهو قادر على أن يمجه يجب أن يكون على قياس الصوم عند أبي يوسف لا تفسد وعند محمد تفسد وإن تقيأ في صلاته إن كان أقل من ملء الفم لا تفسد وإن كان ملء الفم تفسد صلاته اهـ.

 

ج / 2 ص -20-         ...........................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي المحيط وغيره ولو مضغ العلك كثيرا فسدت وكذا لو كان في فمه إهليلجة فلاكها فإن دخل في حلقه منها شيء يسير من غير أن يلوكها لا تفسد وإن كثر ذلك فسدت.
وفي الخلاصة ولو أكل شيئا من الحلاوة وابتلع عينها فدخل في الصلاة فوجد حلاوتها في فيه وابتلعها لا تفسد صلاته ولو دخل الفانيد أو السكر في فيه ولم يمضغه لكن يصلي والحلاوة تصل إلى جوفه تفسد صلاته ا هـ.
وأشار بالأكل والشرب إلى أن كل عمل كثير فهو مفسد واتفقوا على أن الكثير مفسد والقليل لا لإمكان الاحتراز عن الكثير دون القليل فإن في الحي حركات من الطبع وليست من الصلاة فلو اعتبر العمل مفسدا مطلقا لزم الحرج في إقامة صحتها وهو مدفوع بالنص ثم اختلفوا فيما يعين الكثرة والقلة على أقوال أحدها ما اختاره العامة كما في الخلاصة والخانية أن كل عمل لا يشك الناظر أنه ليس في الصلاة فهو كثير وكل عمل يشتبه على الناظر أن عامله في الصلاة فهو قليل.
قال في البدائع وهذا أصح وتابعه الشارح والولوالجي وقال في المحيط إنه الأحسن وقال الصدر الشهيد إنه الصواب.
وذكر العلامة الحلبي أن الظاهر أن مرادهم بالناظر من ليس عنده علم بشروع المصلي في الصلاة فحينئذ إذا رآه على هذا العمل وتيقن أنه ليس في الصلاة فهو عمل كثير وإن شك فهو قليل.
ثانيها إن ما يقام باليدين عادة كثير وإن فعله بيد واحدة كالتعمم ولبس القميص وشد السراويل والرمي عن القوس وما يقام بيد واحدة قليل ولو فعله باليدين كنزع القميص وحل السراويل ولبس القلنسوة ونزعها ونزع اللجام وما أشبه ذلك كذا ذكره الشارح ولم يقيد في الخلاصة والخانية ما يقام باليدين بالعرف وقيد في الخانية ما يقام بيد واحدة بما إذا لم يتكرر والمراد بالتكرر ثلاث متواليات لما في الخلاصة وإن حك ثلاثا في ركن واحد تفسد صلاته هذا إذا رفع يده في كل مرة أما إذا لم يرفع في كل مرة فلا تفسد لأنه حك واحد ا هـ.
وهو تقييد غريب وتفصيل عجيب ينبغي حفظه لكن في الظهيرية معزيا إلى الصدر الشهيد حسام الدين لو حك موضعا من جسده ثلاث مرات بدفعة واحدة تفسد صلاته ا هـ.

 

ج / 2 ص -21-         ...........................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولم أر من صحح القول الثاني في تحديد العمل وقد يقال إنه غير صحيح فإنه لو مضغ العلك في صلاته فسدت صلاته كذا ذكره محمد كما في البدائع لأن الناظر إليه من بعيد لا يشك أنه في غير الصلاة وليس فيه استعمال اليد رأسا فضلا عن استعمال اليدين وكذا الأكل والشرب يعمل بيد واحدة وهو مبطل اتفاقا وكذا قولهم لو دهن رأسه أو سرح شعره سواء كان شعر رأسه أو لحيته تفسد صلاته.
لا يتخرج على أن العمل الكثير ما يقام باليدين لأن دهن الرأس وتسريح الشعر عادة يكون بيد واحدة إلا أن يريد بالدهن تناوله القارورة وصب الدهن منها بيده الأخرى وهو كذلك فإن في المحيط قال ولو صب الدهن على رأسه بيد واحدة لا تفسد وتعليل الولوالجي بأن تسريح الشعر يفعل باليدين ممنوع.
وأما قولهم ولو حملت صبيا فأرضعته تفسد فهو على سائر التفاسير لكن ما في الخلاصة والخانية المرأة إذا أرضعت ولدها تفسد صلاتها لأنها صارت مرضعة فشمل ما إذا حمل إليها فدفعت إليه الثدي فرضعها وأما إذا ارتضع من ثديها وهي كارهة ففي الظهيرية والخلاصة والخانية إن مص ثلاثا فسدت وإن لم ينزل اللبن فإن كان مصة أو مصتين فإن نزل لبن فسدت وإلا فلا وفي المنية والمحيط إن خرج اللبن فسدت وإلا فلا من غير تقييد بعدد وصححه في معراج الدراية.
وأما قولهم لو ضرب إنسانا بيد واحدة أو بسوط تفسد كما في المحيط والخلاصة و الظهيرية والمنية فلا يتفرع على ما يقام باليدين بل على الصحيح لكن في الظهيرية لو ضرب دابته مرة أو مرتين لا تفسد وإن ضربها ثلاثا في ركعة واحدة تفسد قال رضي الله عنه وعندي إذا ضرب مرة واحدة وسكن ثم ضرب مرة أخرى وسكن ثم ضرب مرة أخرى لا تفسد صلاته كما قلنا في المشي ا هـ.
وهذا يصلح أن يتفرع على القولين وأما اعتبارهم المرات الثلاث في الحك كما قدمناه عن الخلاصة فالظاهر تفريعه على قول من فسر العمل الكثير بما تكرر ثلاثا وهو القول الثالث لا على القولين الأولين.
وأما قولهم لو قتل القملة مرارا إن قتل قتلا متداركا تفسد وإن كان بين القتلات فرجة لا تفسد فيصلح تفريعه على الأقوال كلها.
وأما قولهم لو قبل المصلي امرأته بشهوة أو بغير شهوة أو مسها بشهوة فسدت ينبغي

 

ج / 2 ص -22-         ........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تفريعه على القول الأصح وكذا على قول من فسر العمل الكثير بما يستفحشه المصلي.
وأما على اعتبار ما يفعل باليدين أو بما تكرر ثلاثا فلا وهو مما يضعفهما كما لا يخفى وكذا لو جامعها فيما دون الفرج من غير إنزال بخلاف النظر إلى فرجها بشهوة فإنه لا يفسد على المختار كما في الخلاصة.
وأما قولهم كما في الخانية والخلاصة لو كانت المرأة هي المصلية دونه فقبلها فسدت بشهوة أو بغير شهوة ولو كان هو المصلي فقبلته ولم يشتهها فصلاته تامة فمشكل إذ ليس من المصلي فعل في الصورتين فمقتضاه عدم الفساد فيهما فإن جعلنا تمكينه من الفعل بمنزلة فعله اقتضى الفساد فيهما وهو الظاهر على اعتبار أن العمل الكثير ما لو نظر إليه الناظر لتيقن أنه ليس في الصلاة أو ما استفحشه المصلي لكن في شرح الزاهدي ولو قبل المصلية لا تفسد صلاتها وقال أبو جعفر إن كان بشهوة فسدت ا هـ. وهو مخالف لما في الخلاصة والخانية مساو لتقبيله وتقبيلها.
وفي منية المصلي المشي في الصلاة إذا كان مستقبل القبلة لا يفسد إذا لم يكن متلاحقا ولم يخرج من المسجد وفي الفضاء ما لم يخرج عن الصفوف هذا كله إذا لم يستدبر القبلة وأما إذا استدبرها فسدت.
وفي الظهيرية المختار في المشي أنه إذا أكثر أفسدها وأما قولهم كما في منية المصلي لو أخذ حجرا فرمى به تفسد ولو كان معه حجر فرمى لا تفسد وقد أساء فظاهره التفريع على الصحيح لا على تفسيره بما يقام باليدين.
وأما قولهم كما في الخلاصة وغيرها لو كتب قدر ثلاث كلمات تفسد وإن كان أقل لا فالظاهر تفريعه على أن الكثير ما يستكثره المبتلى به أو أنه ما تكرر ثلاثا متواليات وأما على الصحيح فالظاهر أن الفساد لا يتوقف على كتابة ثلاث كلمات بل يحصل الفساد بكتابة كلمة واحدة مستبينة على الأرض ونحوها.
وقد يشهد بذلك إطلاق ما في المحيط قال محمد لو كتب في صلاته على شيء فسدت وإن كتب على شيء لا يرى لا تفسد لأنه لا يسمى كتابة.
وأما قولهم كما في الذخيرة لو حرك رجلا لا على الدوام لا تفسد وإن حرك رجليه تفسد فمشكل لأن الظاهر أن تحريك اليدين في الصلاة لا يبطلها حتى يلحق بهما تحريك الرجلين والأوجه قول بعضهم إنه إن حرك رجليه قليلا لا تفسد وإن كان كثيرا فسدت كما في

 

ج / 2 ص -23-         ........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الذخيرة أيضا ولعله مفوض إلى ما يعده العرف قليلا أو كثيرا.
وفي الظهيرية إذا تخمرت المرأة فسدت صلاتها ولو أغلق الباب لا تفسد وإن فتح الباب المغلق تفسد وإن نزع القميص لا تفسد ولو لبس تفسد ولو شد السراويل تفسد ولو فتح لا تفسد ومن أخذ عنان دابته أو مقودها وهو نجس إن كان موضع قبضه نجسا لم يجز وإن كان النجس موضعا آخر جاز وإن كان يتحرك بتحركه هو المختار وإن جذبته الدابة حتى أزالته عن موضع سجوده تفسد ولو آذاه حر الشمس فتحول إلى الظل خطوة أو خطوتين لا تفسد وقيل في الثلاث كذلك والأول أصح ولو رفع رجل المصلي عن مكانه ثم وضعه من غير أن يحوله عن القبلة لا تفسد ولو وضعه على الدابة تفسد ولو زر قميصا أو قباء فسدت لا إن حله وإن ألجم دابة فسدت لا إن خلعه ولو لبس خفيه فسدت لا إن تنعل أو خلع نعليه كما لو تقلد سيفا أو نزعه أو ووضع الفتيلة في مسرجة أو تروح بمروحة أو بكمه أو سوى من عمامته كورا أو كورين أو لبس قلنسوة أو بيضة.
والحاصل أن فروعهم في هذا الباب قد اختلفت ولم تتفرع كلها على قول واحد بل بعضها على قول وبعضها على غيره كما يظهر للمتأمل.
والظاهر أن أكثرها تفريعات المشايخ لم تكن منقولة عن الإمام الأعظم ولهذا جعل الاختلاف في حد العمل الكثير والقليل في التجنيس إنما هو بين المشايخ وقد ذكرنا من الأقوال أربعة وذكروا قولا خامسا وهو أن العمل الكثير ما يكون مقصودا للفاعل بأن أفرد له مجلسا على حدة ولقد صدق من قال كثرة المقالات تؤذن بكثرة الجهالات.
ولقد صدق صاحب الفتاوى الظهيرية حيث قال في الفصل الثالث في قراءة القرآن إن كل ما لم يرو عن أبي حنيفة فيه قول بقي كذلك مضطربا إلى يوم القيامة كما حكي عن أبي يوسف أنه كان يضطرب في بعض المسائل وكان يقول كل مسألة ليس لشيخنا فيها قول فنحن فيها هكذا ا هـ.
وإلى هنا تبين أن المفسد للصلاة كلام الناس مطلقا والعمل الكثير.
ومن المفسد الموت والارتداد بالقلب والجنون والإغماء وكل حدث عمد وما أوجب الغسل كالاحتلام والحيض ومحاذاة المرأة بشروطه وترك ركن من غير قضاء أو شرط لغير عذر.
وأما استخلاف القارئ للأمي والفتح على غير إمامه فداخل تحت العمل الكثير.

 

ج / 2 ص -24-         ولو نظر إلى مكتوب وفهمه، أو أكل ما بين أسنانه، أو مر مار في موضع سجوده، لا تفسد وإن أثم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما ترك القعدة الأخيرة مع التقييد بالسجدة وقدرة المومئ على الركوع والسجود وتذكر صاحب الترتيب الفائتة فيها وطلوع الشمس في الفجر ودخول وقت العصر في الجمعة ونظائرها فمما يفسد وصف الفرضية لا أصل الصلاة وأما فسادها بتقدم الإمام أمام المصلي أو طرحه في صف النساء أو في مكان نجس أو سقوط الثوب عن عورته مع التعمد مطلقا ومع أداء ركن إن لم يتعمد علم أو لم يعلم ومع المكث قدره إن لم يؤد عند أبي حنيفة ومحمد كما في الظهيرية فراجع إلى فوت الشرط كما لا يخفى.
"قوله: ولو نظر إلى مكتوب وفهمه أو أكل ما بين أسنانه أو مر مار في موضع سجوده لا تفسد وإن أثم" أما الأول فلأن الفساد إنما يتعلق في مثله بالقراءة وبالنظر مع الفهم لم تحصل.
وصحح المصنف في الكافي أنه متفق عليه بخلاف من حلف لا يقرأ كتاب فلان فنظر إليه وفهمه فإنه يحنث عند محمد لأن المقصود فيه الفهم والوقوف على سره.
أطلق المكتوب فشمل ما هو قرآن وغيره لكن في القرآن لا تفسد إجماعا بالاتفاق كما في النهاية وشمل ما إذا استفهم أو لا لكن إذا لم يكن مستفهما لا تفسد بالإجماع وإن كان مستفهما ففي المنية تفسد عند محمد والصحيح عدمه اتفاقا لعدم الفعل منه ولشبهة الاختلاف.
قالوا ينبغي للفقيه أن لا يضع جزء تعليقه بين يديه في الصلاة لأنه ربما يقع بصره على ما في الجزء فيفهم ذلك فيدخل فيه شبهة الاختلاف ا هـ.
وعبر في النهاية بالوجوب على الفقيه أن لا يضع لكن قد علمت أن شبهة الاختلاف فيما إذا كان مستفهما وأما إذا لم يكن مستفهما فلا يعلل بما ذكر لعدم الاختلاف فيه بل لاشتغال قلبه به إذا خاف من وضعه بين يديه اشتغاله بالنظر إليه ولم يذكروا كراهة النظر إلى المكتوب متعمدا.
وفي منية المصلي ما يقتضيها فإنه قال ولو أنشأ شعرا أو خطبة ولم يتكلم بلسانه لا تفسد وقد أساء وعلل الإساءة شارحها باشتغاله بما ليس من أعمال الصلاة من غير ضرورة قال ثم ينبغي أن يكون عليه سجود السهو إذا أشغله ذلك عن أداء ركن أو واجب سهوا ا هـ.
وبهذا علم أن ترك الخشوع لا يخل بالصحة بل بالكمال ولذا قال في الخلاصة والخانية إذا تفكر في صلاته فتذكر شعرا أو خطبة فقرأهما بقلبه ولم يتكلم بلسانه لا تفسد صلاته ا هـ.

 

ج / 2 ص -25-         ........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما الثاني وهو أكله ما بين أسنانه فلأنه عمل قليل أطلقه فشمل ما إذا كان قدر الحمصة كما قدمناه عن المحيط والولوالجية من الفرق بين الصلاة والصوم وفي البدائع إن كان دون الحمصة لم يضره وإن كان قدر الحمصة فصاعدا فسدت صلاته وهكذا في شرح
الطحاوي.
وقال بعضهم لا تفسد صلاته بما دون ملء الفم وعليه مشى في الخلاصة حيث قال وقال الإمام خواهر زاده ولو أكل بعض اللقمة وبقي البعض في فيه حتى شرع في الصلاة وابتلع الباقي لا تفسد صلاته ما لم يكن ملء الفم.
فهذه ثلاثة أقوال في هذه المسألة كما ترى والشأن فيما هو الراجح منها وهو ينبني على معرفة العمل الكثير وفيه اختلاف كما سبق وينبغي أن يكون محل الاختلاف فيما إذا ابتلع ما بين أسنانه من غير مضغ أما إذا مضغه كثيرا فلا خلاف في فسادها كما قدمناه في مضغ العلك وعلى هذا فلو عبر المصنف بالابتلاع كما في الخلاصة والمحيط والولوالجية وكثير دون الأكل لكان أولى ثم إذا كان ابتلاع ما بين أسنانه غير مفسد بشرطه على الخلاف فهو مكروه كما صرح به في منية المصلي لأنه ليس من أعمال الصلاة ولا ضرورة فيه فكان مكروها وإن كان قليلا.
وأما الثالث وهو مرور المار في موضع سجود المصلي فإنما لا يفسدها عند عامة العلماء سواء كان المار امرأة أو حمارا أو كلبا أو غيرها لحديث الصحيحين عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي وأنا معترضة بين يديه فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي فإذا قام بسطتهما والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح. ولقوله عليه السلام
"لا يقطع الصلاة مرور شيء وادرءوا ما استطعتم فإنما هو شيطان" لكن ضعفه النووي وفي فتح القدير والذي يظهر أنه لا ينزل عن الحسن لأنه يروى من عدة طرق.
ثم الكلام في هذه المسألة في سبعة عشر موضعا:
الأول ما ذكره في الكتاب من عدم الفساد.

 

ج / 2 ص -26-         ........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الثاني أن المار آثم للحديث
"لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الوزر لوقف أربعين خير له من أن يمر بين يديه" قال الراوي: لا أدري أربعين عاما أو شهرا أو يوما. وأخرجه البزار وقال: "أربعين خريفا" وروى ابن ماجه وصححه ابن حبان عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم أحدكم ما له في أن يمر بين يدي أخيه معترضا في الصلاة كان لأن يقيم مائة عام خير له من الخطوة التي خطا".
وبهذا علم أن الكراهة تحريمية لتصريحهم بالإثم وهو المراد بقوله وإن أثم المار بين يديه.
الثالث: في الموضع الذي يكره المرور فيه وفيه اختلاف واختار المصنف أنه موضع سجوده وصححه في الكافي لأن هذا القدر من المكان حقه وفي تحريم ما وراءه تضييق على المارة وهو يفيد أن المراد بموضع سجوده موضع صلاته وهو من قدمه إلى موضع سجوده كما صرح به الشارح وهو مختار صاحب الهداية وشمس الأئمة السرخسي وقاضي خان وفي المحيط أنه الأحسن لأن ذلك القدر موضع صلاته دون ما وراءه وذكر التمرتاشي أن الأصح أنه إن كان بحال لو صلى صلاة خاشع لا يقع بصره على المار فلا يكره المرور نحو أن يكون منتهى بصره في قيامه إلى موضع سجوده وفي ركوعه إلى صدور قدميه وفي سجوده إلى أرنبة أنفه وفي قعوده إلى حجره وفي سلامه إلى منكبيه واختاره فخر الإسلام فإنه قال إذا صلى راميا ببصره إلى موضع سجوده فلم يقع عليه بصره لم يكره وهذا حسن وفي البدائع وقال بعضهم قدر ما يقع بصره على المار لو صلى بخشوع وفيما وراء ذلك لا يكره وهو الأصح ورجحه في النهاية بأنه أشبه إلى الصواب لأن المصلي إذا صلى على الدكان وحاذى أعضاء المار أعضاءه فإن المرور أسفل الدكان مكروه وهو ليس بموضع سجود المصلي فهي واردة

 

ج / 2 ص -27-         .................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على من اعتبر موضع السجود فما اختاره فخر الإسلام يمشي في كل الصور كما هو دأبه في اختياراته وأقره عليه في فتح القدير ووفق بينهما في العناية بأن المراد بموضع السجود الموضع القريب من موضع السجود فيئول إلى ما اختاره فخر الإسلام بدليل أن صاحب الهداية بعد اعتباره موضع السجود شرط عدم الحائل كالأسطوانة ولا يتصور أن يكون الحائل بينه وبين موضع سجوده وبدليل أنه صرح بمسألة المرور أسفل الدكان ا هـ.
وهو تكلف والذي يظهر للعبد الضعيف أن الراجح ما في الهداية وأنه لا يرد عليه شيء مما ذكر لأن مسألة الدكان إنما ترد عليه نقضا لو سكت عنها وأما إذا صرح بها فلا فكأنه قال العبرة بموضع السجود إن لم يكن يصلي على دكان فأما إذا كان يصلي عليها فالعبرة للمحاذاة كما هو ظاهر عبارته لمن تأملها وإنما شرط عدم الحائل لأنه يتصور وجود الحائل في موضع السجود كأن يصلي قريبا من جدار بالإيماء للمرض بحيث لو لم يكن الجدار لكان موضعه موضع السجود فلا منافاة كما في العناية أو أن اشتراط عدم الحائل إنما هو بيان لمحل الخلاف فإن المرور وراء الحائل ليس بمكروه اتفاقا كما هو ظاهر عبارتهم لا شرط في المرور في موضع السجود ومما يضعف تصحيح النهاية أنه يقتضي أن الموضع الذي يكره المرور فيه مختلف يكون في حالة القيام مخالفا لحالة الركوع وفي حالة الجلوس مخالفا للكل فيقتضي أنه لو مر إنسان بين يديه في موضع سجوده وهو جالس لا يكره لأن بصره لا يقع عليه حالة كونه خاشعا ولو مر في ذلك الموضع بعينه وهو قائم يكره لأن بصره يقع عليه حالة خشوعه وأنه لو مر داخل موضع سجوده وهو راكع لا يكره لأن بصره لا يقع عليه حالة خشوعه وأنه لو مر عن يمينه وهو يسلم بحيث يقع بصره عليه خاشعا يكره.
وهذا كله بعيد عن المذهب لعدم انضباطه كما لا يخفى والاختلاف في موضع المرور إنما هو منشأ بين المشايخ لعدم ذكره في الكتاب لمحمد بن الحسن كما في البدائع وحيث لم ينص صاحب المذهب على شيء فالترجيح لما في الهداية لانضباطه وهو بإطلاقه يشمل الصحراء والمسجد وفي المسجد اختلاف ففي الخلاصة وإذا كان في المسجد لا ينبغي لأحد أن يمر بينه وبين حائط القبلة وصحح في المحيط أنه لو مر عن بعد في المسجد فالأصح أنه لا يكره وكذا صححه فخر الإسلام كما في غاية البيان وذكر قاضي خان في شرحه أن المسجد إذا كان كبيرا فحكمه حكم الصحراء وفي الذخيرة من الفصل التاسع إن كان المسجد صغيرا يكره في أي موضع يمر.

 

ج / 2 ص -28-         ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإليه أشار محمد في الأصل فإنه قال في الإمام إذا فرغ من صلاته فإن كانت صلاة لا تطوع بعدها فهو بالخيار إن شاء انحرف عن يمينه أو شماله وإن شاء قام وذهب وإن شاء استقبل الناس بوجهه إذا لم يكن بحذائه رجل يصلي.
ولم يفصل بين ما إذا كان المصلي في الصف الأول أو في الصف الأخير وهذا هو ظاهر المذهب لأنه إذا كان وجهه مقابل وجه الإمام في حال قيامه يكره ذلك وإن كان بينهما صفوف.
ووجه الاستدلال بهذه المسألة أن محمدا جعل جلوس الإمام في محرابه وهو مستقبل له بمنزلة جلوسه بين يديه وموضع سجوده وكذا مرور المار في أي موضع يكون من المسجد بمنزلة مروره بين يديه وفي موضع سجوده وإن كان المسجد كبيرا بمنزلة الجامع قال بعضهم هو بمنزلة المسجد الصغير فيكره المرور في جميع الأماكن وقال بعضهم هو بمنزلة الصحراء ا هـ.
وبهذا علم أن ما صححه في الذخيرة في الفصل الرابع أن بقاع المسجد في ذلك كله على السواء إنما هو في المسجد الصغير.
ورجح في فتح القدير أنه لا فرق بين المسجد وغيره فإن المؤثم المرور بين يديه وكون ذلك البيت برمته اعتبر بقعة واحدة في حق بعض الأحكام لا يستلزم تغيير الأمر الحسي من المرور من بعيد فيجعل البعيد قريبا ا هـ.
فحاصل المذهب على الصحيح أن الموضع الذي يكره المرور فيه هو أمام المصلي في مسجد صغير وموضع سجوده في مسجد كبير أو في الصحراء أو أسفل من الدكان أمام المصلي لو كان يصلي عليها بشرط محاذاة أعضاء المار أعضاءه.
قال في النهاية إنما شرط هذا فإنه لو صلى على الدكان والدكان مثل قامة الرجل وهو سترة فلا يأثم المار وكذا السطح والسرير وكل مرتفع ومن مشايخنا من حده بقدر السترة وهو ذراع وهو غلط لأنه لو كان كذلك لما كره مرور الراكب وإن استتر بظهر إنسان جالس كان سترة وإن كان قائما اختلفوا فيه وإن استتر بدابة فلا بأس به وقالوا حيلة الراكب إذا أراد أن يمر ينزل فيصير وراء الدابة ويمرا فتصير الدابة سترة ولا يأثم وكذا لو مر رجلان متحاذيان فإن كراهة المرور وإثمه يلحق الذي يلي المصلي ا هـ.
الرابع: أنه ينبغي لمن يصلي في الصحراء أن يتخذ أمامه سترة لما رواه الحاكم وأحمد وغيرهما عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة ولا يدع أحدا

 

ج / 2 ص -29-         ........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 يمر بين يديه". وفي الصحيحين عن ابن عمر أيضا: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة فتوضع بين يديه فيصلي إليها والناس وراءه وكان يفعل ذلك في السفر". وفي منية المصلي وتكره الصلاة في الصحراء من غير سترة إذا خاف المرور بين يديه وينبغي أن تكون كراهة تحريم لمخالفة الأمر المذكور.
ولكن في البدائع والمستحب لمن يصلي في الصحراء إن ينصب شيئا ويستتر.
فأفاد أن الكراهة تنزيهية فحينئذ كان الأمر للندب لكنه يحتاج إلى صارف عن الحقيقة.
قال العلامة الحلبي في شرح المنية إنما قيد بقوله في الصحراء لأنها المحل الذي يقع فيه المرور غالبا وإلا فالظاهر كراهة ترك السترة فيما يخاف فيه المرور أي موضع كان.
الخامس أن المستحب أن يكون مقدارها ذراعا فصاعدا لحديث مسلم عن عائشة سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سترة المصلي فقال:
"بقدر مؤخرة الرحل" ومؤخرة بضم الميم وهمزة ساكنة وكسر الخاء المعجمة العود الذي في آخر الرحل من كور البعير وفسرها عطاء بأنها ذراع فما فوقه كما أخرجه أبو داود.
السادس اختلفوا في مقدار غلظها ففي الهداية وينبغي أن تكون في غلظ الإصبع لأن ما دونه لا يبدو للناظر وكان مستنده ما رواه الحاكم مرفوعا
"استتروا في صلاتكم ولو بسهم" ويشكل عليه ما رواه الحاكم عن أبي هريرة مرفوعا "يجزئ من الستر قدر مؤخرة الرحل ولو بدقة

 

ج / 2 ص -30-         ......................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شعرة" ولهذا جعل بيان الغلظ في البدائع قولا ضعيفا وأنه لا اعتبار بالعرض وظاهره أنه المذهب.
السابع: أن من السنة غرزها إن أمكن.
الثامن: أن في استنان وضعها عند تعذر غرزها اختلافا فاختار في الهداية أنه لا عبرة بالإلقاء وعزاه في غاية البيان إلى أبي حنيفة ومحمد وصححه جماعة منهم قاضي خان في شرح الجامع الصغير معللا بأنه لا يفيد المقصود وقيل يسن الإلقاء ونقله القدوري عن أبي يوسف ثم قيل يضعه طولا لا عرضا ليكون على مثال الغرز.
التاسع: أن السنة القرب منها لحديث أبي داود مرفوعا
"إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها" وذكر العلامة الحلبي أن السنة أن لا يزيد ما بينه وبينها على ثلاثة أذرع.
العاشر: أن السنة أن يجعلها على أحد حاجبيه لحديث أبي داود عن المقداد بن الأسود قال:
"ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى عود أو شجرة إلا جعله على حاجبه الأيمن أو الأيسر ولا يصمد إليه صمدا". أي لا يقابله مستويا مستقيما بل كان يميل عنه كذا في المغرب.
الحادي عشر: أن سترة الإمام تجزئ عن أصحابه كما هو ظاهر الأحاديث الثابتة في الصحيحين من الاقتصار على سترته صلى الله عليه وسلم.
وقد اختلف العلماء في أن سترة الإمام هل هي بنفسها سترة للقوم وله أو هي سترة له خاصة وهو سترة لمن خلفه فظاهر كلام أئمتنا الأول ولهذا قال في الهداية وسترة الإمام سترة للقوم.
الثاني عشر: أنه لا بأس بالمرور وراء السترة كما دل عليه حديث ابن عباس الثابت في

 

ج / 2 ص -31-         ..........................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصحيحين من مروره وراء السترة ولم ينكر عليه.
الثالث عشر: أنه إذا لم يجد ما يتخذه سترة فهل ينوب الخط بين يديه منابها ففيه روايتان الأولى أنه ليس بمسنون ومشى عليه كثير من المشايخ واختاره في الهداية لأنه لا يحصل المقصود به إذ لا يظهر من بعيد والثانية عن محمد أنه يخط لحديث أبي داود
"فإن لم يكن معه عصا فليخط خطا" وأجاب عنه في البدائع بأنه شاذ فيما تعم به البلوى وصرح النووي بضعفه وتعقب بتصحيح أحمد وابن حبان وغيرهما له كما ذكره العلامة الحلبي وجزم به المحقق في فتح القدير وقال إن السنة أولى بالاتباع مع أنه يظهر في الجملة إذ المقصود جمع الخاطر بربط الخيال به كي لا ينتشر.
الرابع عشر: في بيان كيفيته فمنهم من قال يخط بين يديه عرضا مثل الهلال ومنهم من قال يخطه بين يديه طولا وذكر النووي أنه المختار ليصير شبه ظل السترة.
الخامس عشر: درء المار بين يديه قالوا ويدرؤه إن لم يكن سترة أو مر بينه وبينها للأحاديث الواردة وهو بالإشارة باليد أو بالرأس أو بالعين أو بالتسبيح.
وزاد الولوالجي أنه يكون برفع الصوت بقراءة القرآن وينبغي أن يكون محله في الصلاة الجهرية فيما يجهر فيه منها وفي الهداية ويكره الجمع بين التسبيح والإشارة لأن بأحدهما كفاية قالوا هذا في حق الرجال.
أما النساء فإنهن يصفقن للحديث وكيفيته أن تضرب بظهور أصابع اليمنى على صفحة الكف من اليسرى ولأن في صوتهن فتنة فكره لهن التسبيح كذا في غاية البيان.
السادس عشر: أن ترك الدرء أفضل لما في البدائع ومن المشايخ من قال إن الدرء رخصة والأفضل أن لا يدرأ لأنه ليس من أعمال الصلاة وكذا رواه الماتريدي عن أبي حنيفة

 

ج / 2 ص -32-         وكره عبثه بثوبه وبدنه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والأمر بالدرء في الحديث لبيان الرخصة كالأمر بقتل الأسودين ا هـ.
وذكر الشارح عن السرخسي أن الأمر بالمقاتلة محمول على الابتداء حين كان العمل فيها مباحا وفي غاية البيان معنى المقاتلة الدفع العنيف.
السابع عشر: أنه لا بأس بترك السترة إذا أمن المرور ولم يواجه الطريق لأن اتخاذ السترة للحجاب عن المار ولا حاجة بها عند عدم المار روي عن محمد أنه تركه في طريق الحجاز غير مرة.
وقال العلامة الحلبي ويظهر أن الأولى اتخاذها في هذا الحال وإن لم يكره الترك لمقصود آخر وهو كف بصره عما وراءها وجمع خاطره بربط الخيال بها. ا هـ.
وقيدوا بقولهم ولم يواجه الطريق لأن الصلاة في الطريق أي في طريق العامة مكروهة وعلله في المحيط بما يفيد أنها كراهة تحريم بقوله لأن فيه منع الناس عن المرور والطريق حق الناس أعد للمرور فيه فلا يجوز شغله بما ليس له حق الشغل.
وإذا ابتلي بين الصلاة في الطريق وبين أرض غيره فإن كانت مزروعة فالأفضل أن يصلي في الطريق لأن له حقا في الطريق ولا حق له في الأرض وإن لم تكن مزروعة فإن كانت لمسلم يصلي فيها لأن الظاهر أنه يرضى به لأنه إذا بلغه يسر بذلك لأنه أحرز أجرا من غير اكتساب منه.
وفي الطريق لا إذن لأن الطريق حق المسلم والكافر وإن كانت لكافر يصلي على الطريق لأنه لا يرضى به. ا هـ.
"قوله: وكره عبثه بثوبه وبدنه" شروع في بيان المكروهات بعد بيان المفسدات لأن كلا منهما من العوارض إلا أنه قدم المفسد لقوته والمكروه في هذا الباب نوعان:
أحدهما: ما كره تحريما وهو المحمل عند إطلاقهم الكراهة كما ذكره في فتح القدير من كتاب الزكاة وذكر أنه في رتبة الواجب لا يثبت إلا بما يثبت به الواجب يعني بالنهي الظني الثبوت وأن الواجب يثبت بالأمر الظني الثبوت.
ثانيهما: المكروه تنزيها ومرجعه إلى ما تركه أولى وكثيرا ما يطلقونه كما ذكره العلامة الحلبي في مسألة مسح العرق فحينئذ إذا ذكروا مكروها فلا بد من النظر في دليله فإن كان نهيا ظنيا يحكم بكراهة التحريم إلا لصارف للنهي عن التحريم إلى الندب فإن لم يكن الدليل نهيا بل كان مفيدا للترك الغير الجازم فهي تنزيهية.

 

ج / 2 ص -33-        
........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
واختلف في تفسير العبث فذكر الكردي أنه فعل فيه غرض ليس بشرعي والسفه ما لا غرض فيه أصلا والمذكور في شرح الهداية وغيرها أن العبث الفعل لغرض غير صحيح حتى قال في النهاية وحاصله أن كل عمل هو مفيد للمصلي فلا بأس بأن يأتي به.
أصله ما روي
" أن النبي صلى الله عليه وسلم عرق في صلاة فسلت العرق عن جبينه". أي: مسحه لأنه كان يؤذيه فكان مفيدا.
وفي زمن الصيف كان إذا قام من السجود نفض ثوبه يمنة أو يسرة. لأنه كان مفيدا كي لا يبقى صورة فأما ما ليس بمفيد فهو العبث ا هـ.
وتعقبه العلامة الحلبي بأنه إذا كان يكره رفع الثوب كي لا يتترب.
وأنه قد وقع الخلاف في أنه يكره مسح التراب عن جبهته في الصلاة وأنه قد وقع الندب إلى تتريب الوجه في السجود فضلا عن الثوب فكون نفض الثوب من التراب عملا مفيدا وأنه لا بأس به مطلقا فيه نظر ظاهر.
وأما أنه لا بأس بسلت العرق في الصلاة فهو قول بعض المشايخ واختاره في الخانية وغيرها.
وفي منية المصلي ويكره أن يمسح عرقه أو التراب عن جبهته في أثناء الصلاة أو في التشهد قبل السلام.
ووفق بينهما بأن المراد بالعرق الممسوح عرق لم تدعه حاجة إلى مسحه وبالكراهة الكراهة التنزيهية فحينئذ لا منافاة بينها وبين قولهم لا بأس لأن تركه أولى ويحمل فعله صلى الله عليه وسلم إن ثبت على أن به حاجة إلى مسحه أو بيانا للجواز ا هـ.
وفي الخانية ولا بأس بأن يمسح جبهته من التراب أو الحشيش بعد الفراغ من الصلاة وقبله إذا كان يضره ذلك ويشغله عن الصلاة وإذا كان لا يضره ذلك يكره في وسط الصلاة ولا يكره قبل التشهد والسلام. ا هـ.
وصححه في المحيط وهو مع ما قدمناه من تعريف العبث يدل على أن الحك بيده في

 

ج / 2 ص -34-         وقلب الحصا إلا للسجود مرة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بدنه إنما يكون عبثا إذا كان لغير حاجة أما إذا أكله شيء في بدنه ضره وأشغله فلا بأس بحكه ولا يكون من العبث.
ثم ذكر الشارحون أنهم إنما قدموا مسألة العبث لأنها كلية وغيرها نوعية لأن تقليب الحصا والفرقعة والتخصر من أنواع العبث والكلي مقدم على النوعي.
وتعقبه في العناية بأن العبث بالثوب لا يشمل ما بعده من تقليب الحصا وغيره بل إنما قدموه لأنه أكثر وقوعا ا هـ.
وقد يقال إن الشامل للتقليب وغيره العبث بالبدن ولا يتم ما قاله إلا لو اقتصروا على العبث بالثوب ثم إن كراهة العبث تحريمية لما أخرجه القضاعي في مسند الشهاب مرسلا عن يحيى بن أبي كثير عن النبي صلى الله عليه وسلم:
"إن الله كره لكم ثلاثا العبث في الصلاة والرفث في الصيام والضحك في المقابر" وعلله في الهداية بأن العبث خارج الصلاة حرام فما ظنك في الصلاة ا هـ. وأراد به كراهة التحريم.
وأورد عليه في غاية البيان بأنه إذا كان حراما ينبغي أن يكون مفسدا كالقهقهة وأجاب بأن فساد القهقهة لا باعتبار حرمتها بل باعتبار أنها تنقض الطهارة وهي شرط ولهذا لا يفسدها النظر إلى الأجنبية وإن كان حراما إلا إذا كثر العبث فحينئذ يفسدها لكونه عملا كثيرا.
وفي الغاية للسروجي قوله ولأن العبث خارج الصلاة حرام فيه نظر لأن العبث خارجها بثوبه أو بدنه خلاف الأولى ولا يحرم والحديث قيد بكونه في الصلاة. ا هـ.
"قوله: وقلب الحصا إلا للسجود مرة" أي كره قلبه لغير ضرورة لما أخرج في الكتب الستة عن معيقيب أنه صلى الله عليه وسلم قال:
"لا تمسح الحصا وأنت تصلي فإن كنت لا بد فاعلا فواحدة".
وعن أبي ذر أنه قال: سألت خليلي عن كل شيء حتى سألته عن تسوية الحصا في الصلاة

 

ج / 2 ص -35-         وفرقعة الأصابع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقال:
"يا أبا ذر مرة أو ذر" ولأنه نوع عبث أما إذا كان لا يمكنه السجود عليه فيسويه مرة لأن فيه إصلاح صلاته كذا في الهداية يعني فيه تحصيل السجود على الوجه المطلوب شرعا وهو يفيد أن تسويته مرة لهذا الغرض أولى من تركها.
وصرح في البدائع بأن التسوية مرة رخصة وأن الترك أولى لأنه أقرب إلى الخشوع وفي النهاية والخلاصة إن الترك أحب إلي مستدلا في النهاية بما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الروايات
"وإن تركتها فهو خير لك من مائة ناقة سوداء الحدقة تكون لك"ا هـ.
فالحاصل أن التسوية لغرض صحيح مرة هل هي رخصة أو عزيمة وقد تعارض فيها جهتان فبالنظر إلى أن التسوية مقتضية للسجود على الوجه المسنون كانت التسوية عزيمة وبالنظر إلى أن تركها أقرب إلى الخشوع كان تركها عزيمة والظاهر من الأحاديث الثاني ويرجحه أن الحكم إذا تردد بين سنة وبدعة كان ترك البدعة راجحا على فعل السنة مع أنه قد كان يمكنه التسوية قبل الشروع في الصلاة وتقييد المصنف بالمرة هو ظاهر الرواية والزيادة عليها مكروهة وقيل يسويها مرتين ذكره في منية المصلي.
"قوله: وفرقعة الأصابع" وهو غمزها أو مدها حتى تصوت ونقل في الدراية الإجماع على كراهتها فيها ومن السنة ما رواه ابن ماجه مرفوعا
"لا تفرقع أصابعك وأنت تصلي" لكنه معلول بالحارث. وروى أحمد عن سهل بن معاذ رفعه "الضاحك في الصلاة والملتفت والمفرقع أصابعه بمنزلة واحدة" ولعل المراد التساوي في المعصية وإلا فالضحك مبطل لها.
وينبغي أن تكون كراهة الفرقعة تحريمية للنهي الوارد في ذلك ولأنها من أفراد العبث بخلاف الفرقعة خارج الصلاة لغير حاجة ولو لإراحة المفاصل فإنها تنزيهية على القول بالكراهة كما في المجتبى أنه كرهها كثير من الناس لأنها من الشيطان بالحديث ا هـ.
لكن لما لم يكن فيها خارجها نهي لم تكن تحريمية كما أسلفناه قريبا وألحق في المجتبى المنتظر للصلاة والماشي إليها بمن في الصلاة في كراهتها.
وروى في ذلك حديثا أنه
"نهى أن يفرقع الرجل أصابعه وهو جالس في المسجد ينتظر

 

ج / 2 ص -36-         والتحضر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصلاة" وفي رواية "وهو يمشي إليها".
وأشار المصنف إلى كراهة تشبيك الأصابع وهو أن يدخل إحدى أصابع يديه بين أصابع الأخرى في الصلاة كما صرح به في المحيط وغيره.
لما روى أحمد وأبو داود وغيرهما
مرفوعا "إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامدا إلى المسجد فلا يشبك بين يديه فإنه في الصلاة".
ونقل في الدراية إجماع العلماء على كراهته فيها.
ثم يظهر أيضا أنها تحريمية للنهي المذكور وظاهره الكراهة أيضا حالة السعي إلى الصلاة فإذا كان منتظرا لها بالأولى.
وذكر العلامة الحلبي أنه لم يقف على حكمه خارج الصلاة لمشايخنا والظاهر أنه في غير هذين الموضعين لا للعبث ليس بمكروه ولو لإراحة الأصابع وإن كان على سبيل العبث يكره تنزيها. ا هـ.
وقد قدمنا عن الهداية أن العبث خارج الصلاة حرام وحملناه على كراهة التحريم فينبغي أن يكون العبث خارجها لغير حاجة كذلك.
"قوله: والتخصر" وهو وضع اليد على الخاصرة وهي ما فوق الطفطفة والشراسيف كذا في المغرب لنهيه صلى الله عليه وسلم عنه كما في سنن أبي داود وهذا التفسير هو الصحيح وبه قال الجمهور من أهل اللغة والفقه والحديث ورد مفسرا هكذا عن ابن عمر كما في السنن وحكمته أنه في الصلاة راحة أهل النار كما رواه ابن حبان في صحيحه.

 

ج / 2 ص -37-         والالتفات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال ابن حبان: يعني فعل اليهود والنصارى في صلاتهم وهم أهل النار لا أن لهم راحة في النار أو أنه فعل المتكبرين ولا يليق بالصلاة أو أنه فعل الشيطان حتى قيل إن إبليس أهبط من الجنة لذلك فلهذا قال في المبسوط والمجتبى ويكره التخصر خارج الصلاة أيضا والذي يظهر أنها تحريمية فيها للنهي المذكور.
وقد فسر التخصر بغير هذا أيضا منها: أن يتوكأ في الصلاة على عصا ومنها: أن يختصر السورة فيقرأ من أولها آية أو آيتين ومنها أن يختصرها فيقرأ آخرها ومنها: أن يحذف آية السجدة ومنها: أن يختصر صلاته فلا يتم حدودها.
ولا شك في كراهة الإتكاء في الفرض لغير ضرورة كما صرحوا به لا في النفل على الأصح كما في المجتبى.
وأما الاختصار في القراءة فإن أخل بواجب بأن نقص عن ثلاث آيات مع الفاتحة كان مكروها كراهة تحريم لترك بعض الواجب وإلا فلا وقد صرح أصحاب الفتاوى بأن الصحيح أنه لا تكره القراءة من آخر السورة وقد صرحوا بكراهة قراءته السورة وترك آية السجدة في بابها.
وأما اختصار الصلاة بحيث لا يتم حدودها فإن لزم منه ترك واجب كره تحريما وإن أخل بسنة كره تنزيها هذا ما تقتضيه القواعد والله سبحانه الموفق للصواب.
"قوله: والالتفات" لما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت:سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة فقال:
"هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد". وروى الترمذي وصححه عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إياك والالتفات في الصلاة فإن الالتفات في الصلاة هلكة فإن كان لا بد ففي التطوع لا في الفريضة" ثم المذكور في عامة الكتب أن الالتفات المكروه هو تحويل وجهه عن القبلة وممن صرح به صاحب البدائع والنهاية والغاية والتبيين وفتح القدير والمجتبى والكافي وشرح المجمع وقيده في الغاية بأن يكون لغير عذر.

 

ج / 2 ص -38-         ........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما تحويل الوجه لعذر فغير مكروه، وينبغي أن تكون تحريمية كما هو ظاهر الأحاديث. قالوا: وإنما كره لغير عذر لأنه انحراف عن القبلة ببعض بدنه.
ولو انحرف عنها بجميع بدنه فسدت فإن انحرف ببعض بدنه كره كالعمل القليل فإنه مكروه لأن كثيره مفسد ويدل لعدم فسادها بهذا الالتفات قوله في الحديث
"يختلسها الشيطان من صلاة العبد" فإنه سماها صلاة معه وإنما لم يكره للعذر لحديث مسلم عن جابر" اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد فالتفت إلينا فرآنا قياما فأشار إلينا فقعدنا". وقد صرحوا بأن التفات البصر يمنة ويسرة من غير تحويل الوجه أصلا غير مكروه مطلقا والأولى تركه لغير حاجة.
والظاهر: أن فعله عليه السلام إياه كان لحاجة تفقد أحوال المقتدين به مع ما فيه من بيان الجواز وإلا فهو كان ينظر من خلفه كما ينظر أمامه كما في الصحيحين وقد خالف صاحب الخلاصة عامة الكتب في الالتفات المكروه فجعله مفسدا وعبارته: ولو حول المصلي وجهه عن القبلة من غير عذر فسدت وكذا في الخانية وجعل فيها الالتفات المكروه أن يحول بعض وجهه عن القبلة.
والأشبه ما في عامة الكتب من أن الالتفات المكروه أعم من تحويل جميع الوجه أو بعضه وذكر في منية المصلي أن كراهة الالتفات بالوجه فيما إذا استقبل من ساعته يعني فلو لم يستقبل من ساعته فسدت.
وكأنه جمع بين ما في الفتاوى وبين ما في عامة الكتب بحمل ما في الفتاوى على ما إذا لم يستقبل من ساعته وحمل ما في العامة على ما إذا استقبل من ساعته وكأنه ناظر إلى أنه إذا لم يستقبل من ساعته صار عملا كثيرا فأفسدها وإذا استقبل من ساعته كان عملا قليلا فكره وهو بعيد فإن الاستدامة على هذا القليل لا يجعله كثيرا وإنما كثيره تحويل صدره.

 

ج / 2 ص -39-         والإقعاء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد صرحوا بالفساد عند تحويل الصدر ولا بد من تقييده بعدم العذر كما في منية المصلي لتصريحهم كما سبق بأنه لو ظن أنه أحدث فاستدبر القبلة ثم علم أنه لم يحدث قبل الخروج من المسجد لا تبطل.
ومقتضى القواعد المذهبية: اشتراط أن يؤدي ركنا وهو مستدبر لما صرحوا به من أن انكشاف العورة إنما يفسدها إذا لم يستتر من ساعته حتى أدى ركنا أما إذا سترها قبل أداء الركن فلا.
فكذا استقبال القبلة بجامع الشرطية والمكث قدر أداء الركن فيه خلاف بين أبي يوسف ومحمد.
فأبو يوسف لا يجعله كأداء الركن ومحمد جعله كما عرف.
وذكر الشارح أنه يكره رفع بصره إلى السماء لقوله عليه السلام:
"ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة لينتهن أو لتخطفن أبصارهم".
وفي التجنيس ويكره أن يميل أصابع يديه ورجليه عن القبلة لأنه مأمور بتوجيهها قال عليه السلام
"فليوجه من أعضائه إلى القبلة ما استطاع".
"قوله: والإقعاء" لنهيه صلى الله عليه وسلم عن عقبة الشيطان - كما في الصحيحين وهو الإقعاء ولما في مسند أحمد عن أبي هريرة نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثلاثة:
عن نقرة كنقرة الديك وإقعاء كإقعاء الكلب والتفات كالتفات الثعلب. شبه من يسرع في الركوع والسجود ويخفف فيهما بالديك الذي يلتقط الحبة كما في النهاية.
وهي كراهة تحريم للنهي المذكور كما أسلفناه من الأصل ثم اختلفوا في الإقعاء المذكور في الحديث.
فصحح صاحب الهداية وعامتهم أنه أن يضع أليتيه على الأرض وينصب ركبتيه نصبا،

 

ج / 2 ص -40-         ......................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كما هو قول الطحاوي وزاد كثير: ويضع يديه على الأرض وزاد بعضهم: أن يضم ركبتيه إلى صدره؛ لأن إقعاء الكلب يكون بهذه الصفة إلا أن إقعاء الكلب يكون في نصب اليدين وإقعاء الآدمي في نصب الركبتين إلى صدره وذهب الكرخي إلى أنه أن ينصب قدميه ويقعد على عقبيه واضعا يديه على الأرض وهو عقب الشيطان الذي نهى عنه في الحديث والكل مكروه لأن فيه ترك الجلسة المسنونة كذا في البدائع وغاية البيان والمجتبى زاد في فتح القدير أن قوله الصحيح أي كون هذا هو المراد في الحديث لا أن ما قاله الكرخي غير مكروه بل يكره ذلك أيضا. ا هـ.
والعقبة: بضم العين وسكون القاف والعقب بفتح العين وكسر القاف بمعنى الإقعاء كذا في ((المغرب)) وفي ((فتح القدير)) "وأما ما روى مسلم عن طاووس:
"قلت لابن عباس في الإقعاء على القدمين فقال هي السنة فقلت إنا نراه جفاء بالرجل فقال بل هي سنة نبيك صلى الله عليه وسلم".
وما روى البيهقي عن ابن عمر وابن الزبير
" أنهم كانوا يقعون". فالجواب المحقق عنه أن الإقعاء على ضربين أحدهما مستحب أن يضع أليتيه على عقبيه وركبتاه في الأرض وهو المروي عن العبادلة.
والمنهي: أن يضع أليتيه ويديه على الأرض وينصب ساقيه ا هـ. وهو مخالف لما ذكره هو وغيره أن الإقعاء بنوعية مكروه.
والحق: أن هذا الجواب ليس لأئمتنا وإنما هو جواب البيهقي والنووي وغيرهما بناء على أنه مستحب عند الشافعي لأنك قد علمت كراهته عندنا بنوعيه.
ويمكن الجواب عنه إما بحمله على حالة العذر إن ثبت في بعض رواياته أنه كان في الصلاة أو بحمله على كونه خارج الصلاة إن لم يثبت أو لأن المانع والمبيح إذا تعارضا ولم يعلم التاريخ كان الترجيح للمانع وقد فسر صاحب المغرب عقب الشيطان بالإقعاء عند الكرخي فكان مانعا وينبغي أن تكون كراهته تنزيهية بخلاف النوع المتفق على كراهته.

 

ج / 2 ص -41-         وافتراش ذراعيه ورد السلام بيده والتربع بلا عذر وعقص شعره
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: وافتراش ذراعيه" لما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها وكان يعني النبي صلى الله عليه وسلم
"ينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع".
وافتراشهما إلقاؤهما على الأرض كما في المغرب قيل: وإنما نهى عن ذلك لأنها صفة الكسلان والتهاون بحاله مع ما فيه من التشبه بالسباع والكلاب والظاهر أنها تحريمية للنهي المذكور من غير صارف.
"قوله: ورد السلام بيده" أي بالإشارة وقد قدمناه في بيان المفسدات فراجعه.
"قوله: والتربع بلا عذر" لأن فيه ترك سنة القعود في الصلاة كذا علل في الهداية وغيرها وما قيل في وجه الكراهة أنه جلوس الجبابرة ليس بصحيح لأنه عليه السلام كان جل قعوده في غير الصلاة مع أصحابه التربع وكذا عمر رضي الله عنه كذا ذكره المصنف وغيره.
وتعليلهم: بأن فيه ترك السنة يفيد أنه مكروه تنزيها إذ ليس فيه نهي خاص ليكون فيه تحريما وقيد بكونه بلا عذر لأنه ليس بمكروه مع العذر لأن الواجب يترك مع العذر فالسنة أولى وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عبد الله
"أنه كان يرى عبد الله بن عمر يتربع في الصلاة إذا جلس ففعلته وأنا يومئذ حديث السن فنهاني عبد الله بن عمر وقال إنما سنة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى وتثني اليسرى فقلت إنك تفعل ذلك فقال إن رجلي لا يحملاني". وعليه يحمل ما في صحيح ابن حبان عن عائشة "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي متربعا". أو تعليما للجواز ثم الجلوس متربعا معروف وإنما سمي بالتربع لأن صاحب هذه الجلسة قد ربع نفسه كما يربع الشيء إذا جعل أربعا والأربع هنا الساقان والفخذان ربعها بمعنى أدخل بعضها تحت بعض.
"قوله: وعقص شعره" أي عقص شعر الرأس فيها بمعنى أن يفعل ذلك قبل الدخول فيها ثم يدخل كذلك لما روى أصحاب الكتب الستة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"أمرت أن أسجد على سبعة وأن لا أكف شعرا ولا ثوبا" وفي العقص كفه.

 

ج / 2 ص -42-         ...........................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وما رواه مسلم عن كريب أن ابن عباس رأى عبد الله بن الحارث يصلي ورأسه معقوص من ورائه فجعل يحله فلما انصرف قال مالك ولرأسي قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"إنما مثل هذا مثل الذي يصلي وهو مكتوف". ولهذا قال العلماء حكمة النهي عنه أن الشعر يسجد معه والظاهر أن الكراهة تحريمية للنهي المذكور بلا صارف ولا فرق فيه بين أن يتعمده للصلاة أو لا.
وهو في اللغة جمع الشعر على الرأس وقيل ليه وإدخال أطرافه في أصوله كذا في المغرب.
واختلف الفقهاء فيه على أقوال فقيل أن يجمعه وسط رأسه ثم يشده وقيل أن يلف ذوائبه حول رأسه كما يفعله النساء وقيل أن يجمعه من قبل القفا ويمسكه بخيط أو خرقة وكل ذلك مكروه كذا في غاية البيان وفي الظهيرية ويكره الاعتجار وهو لف العمامة حول رأسه وإبداء الهامة كما يفعله الشطار ا هـ.
وفي المحيط ويكره الاعتجار لأنه عليه السلام نهى عنه وهو أن يكور عمامته ويترك وسط رأسه مكشوفا كهيئة الأشرار وقيل أن يتنقب بعمامته فيغطي أنفه كمعجر النساء إما لأجل الحر أو البرد أو للتكبر وهو مكروه لقول ابن عباس:
"لا يغطي الرجل أنفه وهو يصلي". ا هـ.
وفي المغرب: وتفسير من قال هو أن يلف العمامة على رأسه ويبدي الهامة أقرب لأنه مأخوذ من معجر المرأة وهو ثوب كالعصابة تلفه المرأة على استدارة رأسها ا هـ.

 

ج / 2 ص -43-         وكف ثوبه وسدله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والمعجر على وزن منبر وعلل كراهة الاعتجار الإمام الولوالجي بأنه تشبه بأهل الكتاب قال وهو مكروه خارج الصلاة ففيها أولى.
"قوله: وكف ثوبه" للحديث السابق سواء كان من بين يديه أو من خلفه عند الانحطاط للسجود والكف هو الضم والجمع ولأن فيه ترك سنة اليد.
وذكر في المغرب عن بعضهم أن الائتزار فوق القميص من الكف ا هـ. فعلى هذا يكره أن يصلي مشدود الوسط فوق القميص ونحوه أيضا وقد صرح به في العتابية معللا بأنه صنيع أهل الكتاب لكن في الخلاصة أنه لا يكره كذا في شرح منية المصلي ويدخل أيضا في كف الثوب تشمير كميه كما في فتح القدير وظاهره الإطلاق.
وفي الخلاصة ومنية المصلي: قيد الكراهة بأن يكون رافعا كميه إلى المرفقين وظاهره أنه لا يكره إذا كان يرفعهما إلى ما دونهما والظاهر الإطلاق لصدق كف الثوب على الكل وذكر في المجتبى في كراهة تشمير الكمين قولين وذكر في القنية أن القول بإمساك الكمين أحوط ولا يخفى ما فيه وفي مذهب مالك تفصيل قد كنت رأيته لأئمتنا في بعض الفتاوى ولم يحضرني تعيينها الآن وهو أنه يكره إن كان للصلاة لا إذا كان لأجل شغل ثم حضرته الصلاة فصلى وهو على تلك الهيئة، ومن كف الثوب رفعه كي لا يتترب كما في منية المصلي وقيل لا بأس بصونه عن التراب كما في المجتبى.
"قوله: وسدله" لنهيه عليه السلام عنه كما أخرجه أبو داود والحاكم وصححه يقال سدل الثوب سدلا من باب طلب إذا أرسله من غير أن يضم جانبه.
وقيل: هو أن يلقيه على رأسه ويرخيه على منكبيه وأسدل خطأ كذا في المغرب.
وذكر في البدائع أن الكرخي فسره بأن يجعل ثوبه على رأسه أو على كتفيه ويرسل أطرافه من جوانبه إذا لم يكن عليه سراويل.
وعن أبي حنيفة أنه يكره السدل على القميص وعلى الإزار وقال: لأنه صنيع أهل

 

ج / 2 ص -44-         ..........................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكتاب فإن كان السدل بدون السراويل فكراهته لاحتمال كشف العورة عند الركوع وإن كان مع الإزار فكراهته لأجل التشبه بأهل الكتاب.
فهو مكروه مطلقا سواء كان للخيلاء أو لغيره للنهي من غير فصل ا هـ.
وفي فتح القدير أن السدل يصدق على أن يكون المنديل مرسلا من كتفيه كما يعتاده كثير فينبغي لمن على عنقه منديل أن يضعه عند الصلاة ويصدق أيضا على لبس القباء من غير إدخال اليدين في كميه وقد صرح بالكراهة فيه ا هـ.
وكذا صرح في النهاية بإدخال القباء المذكور في السدل وعزاه إلى مبسوط شيخ الإسلام والخلاصة لكن الذي في خلاصة الفتاوى المصلي إذا كان لابسا شقة أو فرجية ولم يدخل يديه اختلف المتأخرون في الكراهة والمختار أنه لا يكره ا هـ.
وظاهر ما في فتح القدير: أن الشد الذي يعتاد وضعه على الكتفين إذا أرسل طرفا على صدره وطرفا على ظهره لا يخرج عن الكراهة فإنه عين الوضع وظاهر كلامهم يقتضي أنه لا فرق بين أن يكون الثوب محفوظا من الوقوع أو لا.
فعلى هذا يكره في الطيلسان الذي يجعل على الرأس وقد صرح به في شرح الوقاية.
وصرح العلامة الحلبي بأن محل كراهة السدل عند عدم العذر وأما عند العذر فلا كراهة وأنه إن كان للتكبير فهو مكروه مطلقا.
واختلف المشايخ في كراهة السدل خارج الصلاة كما في الدراية وصحح في القنية من باب الكراهية أنه لا يكره.
ومن المكروه اشتمال الصماء لما رواه أبو داود عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما فإن لم يكن إلا ثوب فليتزر به ولا يشتمل اشتمال اليهود" ا هـ.
واشتمال اليهود هو الصماء: وهو إدارة الثوب على الجسد من غير إخراج اليد سمي بها لعدم منفذ يخرج يده منها كالصخرة الصماء.
وفسرها في المحيط: بأن يجمع طرفي ثوبه ويخرجهما تحت إحدى يديه على أحد كتفيه ا هـ.

 

ج / 2 ص -45-         ...........................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقيده في البدائع: بأن لا يكون عليه سراويل وإنما كره لأنه لا يؤمن انكشاف العورة ومحمد رحمه الله فصل بين الاضطباع ولبسة الصماء فقال إنما تكره الصماء إذا لم يكن عليه إزار فإن كان عليه إزار فهو اضطباع لأنه يدخل طرفي ثوبه تحت إحدى ضبعيه وهو مكروه لأنه لبس أهل الكبر ا هـ.
وفي الخلاصة وغيرها: لا بأس أن يصلي الرجل في ثوب واحد متوشحا به جميع بدنه ويؤم كذلك:
والمستحب أن يصلي الرجل في ثلاثة أثواب قميص وإزار وعمامة أما لو صلى في ثوب واحد متوشحا به جميع بدنه كإزار الميت تجوز صلاته من غير كراهة وتفسيره ما يجعله القصار في المقصرة، وإن صلى في إزار واحد يجوز ويكره وكذا في السراويل فقط لغير عذر وكذا مكشوف الرأس للتهاون والتكاسل لا للخشوع وفسر في الذخيرة التوشيح أن يكون الثوب طويلا يتوشح به فيجعل بعضه على رأسه وبعضه على منكبيه وعلى كل موضع من بدنه.
وذكر في شرح منية المصلي أن ستر المنكبين في الصلاة مستحب يكره تركه تنزيها عند أصحابنا وفسره في المغرب بأن يدخله تحت يده اليمنى ويلقيه على منكبه الأيسر كما يفعله المحرم ا هـ. وفسره ابن السكيت بأن يأخذ طرف الثوب الذي ألقاه على منكبه الأيمن من تحت يده اليسرى ويأخذ طرفه الذي ألقاه على الأيسر من تحت يده اليمنى ثم يعقدهما على صدره.
وقد ثبت في" الصحيحين عن عمر بن أبي سلمة
" أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد في بيت أم سلمة قد ألقى طرفيه على عاتقه". وفي لفظ: "مشتملا به واضعا طرفيه على عاتقيه".

 

ج / 2 ص -46-         والتثاؤب وتغميض عينيه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي لفظ:
مخالفا بين طرفيه. وفي حديث جابر: متوشحا به.
والألفاظ كلها بمعنى واحد كما ذكره النووي في شرح مسلم ومن المكروه التلثم وتغطية الأنف والوجه في الصلاة لأنه يشبه فعل المجوس حال عبادتهم النيران كذا ذكره الشارح.   
لكن التلثم هو تغطية الأنف والوجه كما في المحيط وفي الخلاصة ولو ستر قدميه في السجدة يكره.
"قوله: والتثاؤب" وهو التنفس الذي ينفتح منه الفم لدفع البخارات وهو ينشأ من امتلاء المعدة وثقل البدن لما في الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"التثاؤب من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع" والأدب أن يكظمه ما استطاع أي يرده ويحبسه لما روينا فإن لم يقدر فليضع يده أو كمه على فيه ووضع اليد ثابت في صحيح مسلم ووضع الكم قياس عليه.
وصرح في الخلاصة بأنه إن أمكنه عند التثاؤب أن يأخذ شفتيه بسنه فلم يفعل وغطى فاه بيده أو بثوبه يكره كذا روي عن أبي حنيفة ا هـ.
ووجهه: أن تغطية الفم منهي عنها في الصلاة لما رواه أبو داود وغيره وإنما أبيحت للضرورة ولا ضرورة إذا أمكنه الدفع ثم إذا وضع يده على فيه يضع ظهر يده كذا في مختارات النوازل قال العلامة الحلبي وهل يفعل ذلك بيده اليمنى أو اليسرى لم أقف عليه مسطورا لمشايخنا ا هـ. وهو عجيب مع كثرة مطالعته للمجتبى ونقله عنه وقد صرح بأنه يغطي فاه بيمينه وقيل بيمينه في القيام وفي غيره بيساره ا هـ. ومن المكروه التمطي لأنه من التكاسل.
"قوله: وتغميض عينيه" لما رواه ابن عدي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم
"إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يغمض عينيه".

 

ج / 2 ص -47-         وقيام الإمام لا سجوده في الطاق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلا أن في سنده من ضعف والكراهة مروية عن مجاهد وقتادة وعلله في البدائع بأن السنة: أن يرمي بصره إلى موضع سجوده وفي التغميض ترك هذه السنة ولأن كل عضو وطرف ذو حظ من هذه العبادة فكذا العين ا هـ.
وظاهركلامهم: أنه لا يغمض في السجود وقد قال جماعة من الصوفية نفعنا الله بهم يفتح عينيه في السجود لأنهما يسجدان وينبغي أن تكون الكراهة تنزيهية إذا كان لغير ضرورة ولا مصلحة أما لو خاف فوات خشوع بسبب رؤية ما يفرق الخاطر فلا يكره غمضهما بسبب ذلك بل ربما يكون أولى لأنه حينئذ لكمال الخشوع.
"قوله: وقيام الإمام لا سجوده في الطاق" أي المحراب لأن قيامه فيه يشبه صنيع أهل الكتاب بخلاف سجوده فيه وقيامه خارجه هكذا علل به في الهداية وهو أحد الطريقين للمشايخ وأصله أن محمدا صرح بالكراهة في الجامع الصغير ولم يفصل فاختلف المشايخ في سببها.
فقيل: كونه يصير ممتازا عنهم في المكان لأنه في معنى بيت آخر وذلك صنيع أهل الكتاب واقتصر عليه في الهداية واختاره الإمام السرخسي وقال: إنه الأوجه.
وقيل: اشتباه حاله على من على يمينه ويساره فعلى الطريقة الأولى يكره مطلقا وعلى الثانية لا يكره عند عدم الاشتباه.
وفي فتح القدير: ولا يخفى أن امتياز الإمام مقرر مطلوب في الشرع في حق المكان حتى كان التقدم واجبا عليه وغاية ما هنا كونه في خصوص مكان ولا أثر لذلك لأنه يحاذي وسط الصف وهو المطلوب إذ قيامه في غير محاذاته مكروه وغايته اتفاق الملتين في بعض الأحكام ولا بدع فيه على أن أهل الكتاب إنما يخصون الإمام بالمكان المرتفع على ما قيل فلا تشبه ا هـ.
وقد يقال: إن امتياز الإمام المطلوب في الشرع حاصل بتقدمه من غير أن يقف في مكان آخر فمتى أمكن تمييزه من غير تشبه بأهل الكتاب تعين فحينئذ وقوفه في المحراب تشبه بأهل الكتاب لغير حاجة فكره مطلقا.
ولهذا قال الولوالجي في فتاويه وصاحب التجنيس إذا ضاق المسجد بمن خلف

 

ج / 2 ص -48-         وانفراد الإمام على الدكان، وعكسه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإمام على القوم لا بأس بأن يقوم الإمام في الطاق لأنه تعذر الأمر عليه وإن لم يضق المسجد بمن خلف الإمام لا ينبغي للإمام أن يقوم في الطاق لأنه يشبه تباين المكانين ا هـ.
يعني: وحقيقة اختلاف المكان تمنع الجواز فشبهة الاختلاف توجب الكراهة وهو وإن كان المحراب من المسجد كما هي العادة المستمرة فصورته وهيئته اقتضت شبهة الاختلاف.
فالحاصل: أن مقتضى ظاهر الرواية كراهة قيامه في المحراب مطلقا سواء اشتبه حال الإمام أو لا وسواء كان المحراب من المسجد أم لا وإنما لم يكره سجوده في المحراب إذا كان قدماه خارجه لأن العبرة للقدم في مكان الصلاة حتى تشترط طهارته رواية واحدة بخلاف مكان السجود إذ فيه روايتان وكذا لو حلف لا يدخل دار فلان يحنث بوضع القدمين وإن كان باقي بدنه خارجها والصيد إذا كان رجلاه في الحرم ورأسه خارج منه فهو صيد الحرم ففيه الجزاء.
"قوله: وانفراد الإمام على الدكان وعكسه". أما الأول فلحديث الحاكم مرفوعا
"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم الإمام فوق ويبقى الناس خلفه". وعللوه بأنه تشبه بأهل الكتاب فإنهم يتخذون لإمامهم دكانا أطلقه فشمل ما إذا كان الدكان قدر قامة الرجل أو دون ذلك وهو ظاهر الرواية وصححه في البدائع لإطلاق النهي وقيده الطحاوي بقدر القامة ونفى الكراهة فيما دونه وقال قاضي خان في شرح الجامع الصغير إنه مقدر بذراع اعتبارا بالسترة وعليه الاعتماد وفي غاية البيان وهو الصحيح وفي فتح القدير وهو المختار لكن قال الأوجه الإطلاق وهو ما يقع به الامتياز لأن الموجب وهو شبه الازدراء يتحقق فيه غير مقتصر على قدر الذراع ا هـ.
فالحاصل: أن التصحيح قد اختلف والأولى العمل بظاهر الرواية وإطلاق الحديث.
وأما عكسه وهو انفراد القوم على الدكان بأن يكون الإمام أسفل فهو مكروه أيضا في ظاهر الرواية وروى الطحاوي عن أصحابنا أنه لا يكره لأن الموجب للكراهة التشبه بأهل الكتاب ولا تشبه هناك لأن مكان إمامهم لا يكون أسفل وجواب ظاهر الرواية أقرب إلى الصواب لأن كراهة كون المكان أرفع كان معلولا بعلتين التشبه بأهل الكتاب ووجود بعض المفسد وهو اختلاف

 

ج / 2 ص -49-         وليس ثوب فيه تصاوير
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المكان وهاهنا وجدت إحدى العلتين وهي وجود بعض المخالفة كذا في البدائع.
ومن المشايخ من علل الكراهة في الثانية بما في ذلك من شبه الازدراء بالإمام ولعله أولى وعلى ما ذكره الطحاوي من عدم الكراهة مشى قاضي خان في فتاويه وعزاه إلى النوادر وقال وعليه عامة المشايخ اهـ.
وهذا كله عند عدم العذر أما عند العذر كما في الجمعة والعيدين فإن القوم يقومون على الرفوف والإمام على الأرض ولم يكره ذلك لضيق المكان كذا في النهاية.
وذكر في شرح منية المصلي وهل يدخل في الحاجة في حق الإمام إرادة تعليم المأمومين أعمال الصلاة وفي حق المأمومين إرادة تبليغ انتقالات الإمام عند اتساع المكان وكثرة المصلين فعند الشافعي نعم قيل وهو رواية عن أبي حنيفة ا هـ.
قيد بالانفراد لأنه لو قام بعض القوم مع الإمام قيل يكره والأصح أنه لا يكره وبه جرت العادة في جوامع المسلمين في أغلب الأمصار كذا في المحيط وذكر في البدائع أن من اعتبر معنى التشبه قال لا يكره وهو قياس رواية الطحاوي لزوال معنى التشبه لأن أهل الكتاب لا يشاركون الإمام في المكان ومن اعتبر وجود بعض المفسد قال يكره وهو قياس ظاهر الرواية لوجود بعض المخالفة في المكان ا هـ وفيه نظر لا يخفى.
"قوله: ولبس ثوب فيه تصاوير" لأنه يشبه حامل الصنم فيكره وفي الخلاصة وتكره التصاوير على الثوب صلى فيه أو لم يصل ا هـ. وهذه الكراهة تحريمية.
وظاهر كلام النووي في شرح مسلم الإجماع على تحريم تصويره صورة الحيوان وأنه قال قال أصحابنا وغيرهم من العلماء تصوير صور الحيوان حرام شديد التحريم وهو من الكبائر لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد المذكور في الأحاديث يعني مثل ما في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم
"أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون يقال لهم أحيوا ما خلقتم" ثم قال وسواء صنعه لما يمتهن أو لغيره فصنعته حرام على كل حال لأن فيه مضاهاة لخلق الله

 

ج / 2 ص -50-         وأن يكون فوق رأسه أو بين يديه أو بحذائه صورة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعالى وسواء كان في ثوب أو بساط أو درهم ودينار وفلس وإناء وحائط وغيرها ا هـ. فينبغي أن يكون حراما لا مكروها إن ثبت الإجماع أو قطعية الدليل لتواتره قيد بالثوب لأنها لو كانت في يده وهو يصلي لا تكره لأنه مستور بثيابه كذا لو كان على خاتمه كما في الخلاصة.
وفي المحيط: رجل في يديه تصاوير وهو يؤم الناس لا تكره إمامته لأنها مستورة بالثياب فصار كصورة في نقش خاتم وهو غير مستبين ا هـ.
وهو يفيد: أن المستبين في الخاتم تكره الصلاة معه ويفيد أنه لا يكره أن يصلي ومعه صرة أو كيس فيه دنانير أو دراهم فيها صور صغار لاستتارها ويفيد أنه لو كان فوق الثوب الذي فيه صورة ثوب ساتر له فإنه لا يكره أن يصلي فيه لاستتارها بالثوب الآخر والله سبحانه أعلم.
"قوله: وأن يكون فوق رأسه أو بين يديه أو بحذائه صورة" لحديث الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم
"لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة" وفي المغرب الصورة عام في كل ما يصور مشبها بخلق الله تعالى من ذوات الروح وغيرها وقولهم ويكره التصاوير المراد بها التماثيل ا هـ. فالحاصل أن الصورة عام والتماثيل خاص والمراد هنا الخاص فإن غير ذي الروح لا يكره كالشجر لما سيأتي والمراد بحذائه يمينه ويساره ولم يذكر ما إذا كانت خلفه للاختلاف ففي رواية الأصل لا يكره لأنه لا يشبه العبادة.
وصرح في الجامع الصغير بالكراهة ومشى عليه في الخلاصة وبأنها إذا كانت في موضع قيامه أو جلوسه لا يكره لأنها استهانة بها وكذلك على الوسادة إن كانت قائمة يكره لأنه تعظيم لها وإن كانت مفروشة لا تكره كذا في المحيط قالوا وأشدها كراهة ما يكون على القبلة أمام المصلي والذي يليه ما يكون فوق رأسه والذي يليه ما يكون عن يمينه ويساره على الحائط والذي يليه ما يكون خلفه على الحائط أو الستر.
وإنما لم تكره الصلاة في بيت فيه صورة مهانة على بساط يوطأ أو مرفقة يتكأ عليها مع

 

ج / 2 ص -51-         ...........................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عموم الحديث من أن الملائكة لا تدخله وهو علة الكراهة لأن شر البقاع بقعة لا تدخلها الملائكة لوجود مخصص وهو ما في صحيح ابن حبان
"استأذن جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ادخل" فقال: كيف أدخل وفي بيتك ستر فيه تصاوير فإن كنت لا بد فاعلا فاقطع رءوسها أو اقطعها وسائد أو اجعلها بسطا".
وفي البخاري في كتاب المظالم عن عائشة رضي الله عنها
" أنها اتخذت على سهوة لها سترا فيه تماثيل فهتكه النبي صلى الله عليه وسلم قالت فاتخذت منه نمرقتين فكانتا في البيت نجلس عليهما". زاد أحمد في مسنده: "ولقد رأيته متكئا على أحدهما وفيه صورة".
والسهوة: كالصفة تكون بين البيت وقيل: بيت صغير كالخزانة والنمرقة: بكسر النون وسادة صغيرة والوسادة المخدة لكنه يقتضي عدم كراهة الصلاة على بساط فيه صورة وإن كانت في موضع السجود لأن ذلك ليس بمانع من دخول الملائكة كما أفادته النصوص المخصصة.
وإن علل بالتشبه بعبادة الأصنام فممنوع فإنهم لا يسجدون عليها وإنما ينصبونها ويتوجهون إليها إلا أن يقال إن فيها صورة التشبه بعبادتها حال القيام والركوع وفيه تعظيم لها إن سجد عليها.
ولهذا أطلق الكراهة في الأصل فيما إذا كان على البساط المصلى عليه صورة لأن الذي يصلى عليه معظم فوضع الصورة فيه تعظيم لها بخلاف البساط الذي ليس بمصلى وتقدم عن الجامع الصغير التقييد بموضع السجود فينبغي أن يحمل إطلاق الأصل عليه وأنها إذا كانت تحت قدميه لا يكره اتفاقا.
وفي الخلاصة ولا بأس بأن يصلي على بساط فيه تصاوير لكن لا يسجد عليها.
ثم قال ثم التمثال إن كان على وسادة أو بساط لا بأس باستعمالهما وإن كان يكره اتخاذهما

 

ج / 2 ص -52-         إلا أن تكون صغيرة أو مقطوع الرأس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثم اعلم: أن العلماء اختلفوا فيما إذا كانت الصورة على الدراهم والدنانير هل تمنع الملائكة من دخول البيت بسببها فذهب القاضي عياض إلى أنهم لا يمتنعون وأن الأحاديث مخصصة.
وذهب النووي إلى القول بالعموم ثم المراد بالملائكة المذكورين ملائكة الرحمة لا الحفظة لأنهم لا يفارقونه إلا في خلوته بأهله وعند الخلاء.
"قوله: إلا أن تكون صغيرة" لأن الصغار جدا لا تعبد فليس لها حكم الوثن فلا تكره في البيت والكراهة إنما كانت باعتبار شبه العبادة كذا قالوا وقد عرفت ما فيه والمراد بالصغيرة التي لا تبدو للناظر على بعد والكبيرة التي تبدو للناظر على بعد كذا في فتح القدير.
ونقل في النهاية: أنه كان على خاتم أبي موسى ذبابتان وأنه لما وجد خاتم دانيال عليه السلام في عهد عمر رضي الله عنه وجد عليه أسد و لبؤة بينهما صبي يلحسانه وذلك أن بخت نصر قيل له يولد مولود يكون هلاكك على يديه فجعل يقتل من يولد فلما ولدت أم دانيال ألقته في غيضة رجاء أن يسلم فقيض الله له أسدا يحفظه ولبؤة ترضعه فنقشه بمرأى منه ليتذكر نعم الله عليه ودفعه عمر إلى أبي موسى الأشعري وكان لابن عباس كانون محفوف بصور صغار ا هـ. وفي الخلاصة من كتاب الكراهة رجل صلى ومعه دراهم وفيها تماثيل ملك لا بأس به لصغرها. ا هـ.
"قوله: أو مقطوع الرأس" أي سواء كان من الأصل أو كان لها رأس ومحي وسواء كان القطع بخيط خيط على جميع الرأس حتى لم يبق لها أثر أو يطليه بمغرة ونحوها أو بنحته أو بغسله.
وإنما لم يكره لأنها لا تعبد بدون الرأس عادة ولما رواه أحمد عن علي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فقال:
"أيكم ينطلق إلى المدينة فلا يدع بها وثنا إلا كسره ولا قبرا إلا سواه ولا صورة إلا لطخها" ا هـ.
وأما قطع الرأس عن الجسد بخيط مع بقاء الرأس على حاله فلا ينفي الكراهة لأن من الطيور ما هو مطوق فلا يتحقق القطع بذلك ولهذا فسر في الهداية المقطوع بمحو الرأس كذا في

 

ج / 2 ص -53-         أو لغير ذي روح، وعد الآي والتسبيح
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النهاية قيد بالرأس لأنه لا اعتبار بإزالة الحاجبين أو العينين لأنها تعبد بدونها وكذا لا اعتبار بقطع اليدين أو الرجلين وفي الخلاصة وكذا لو محى وجه الصورة فهو كقطع الرأس.
"قوله: أو لغير ذي روح" لما تقدم أنه ليس بتمثال ولما في الصحيحين عن سعيد بن أبي الحسن قال جاء رجل إلى ابن عباس فقال:  إني رجل أصور هذه الصور فأفتني فيها. فقال له ادن مني: فدنا ثم قال له ادن مني فدنا حتى وضع يده على رأسه وقال أنبئك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفسا فتعذبه في جهنم" قال ابن عباس فإن كنت لا بد فاعلا فاصنع الشجر وما لا نفس له ا هـ.
ولا فرق في الشجر بين المثمر وغيره وهو مذهب العلماء كافة إلا مجاهدا فإنه كره المثمر.
وفي الخلاصة ولو رأى صورة في بيت غيره يجوز له محوها وتغييرها وفي النهاية عن محمد في الأجير لتصوير تماثيل الرجال أو ليزخرفها والأصباغ من المستأجر قال لا أجر له لأن عمله معصية.
وفي التفاريق هدم بيتا مصورا بالأصباغ ضمن قيمة البيت.
والأصباغ غير مصور. ا هـ.
"قوله: وعد الآي والتسبيح" أي ويكره عد الآيات من القرآن والتسبيح وكذا السور لأنه ليس من أعمال الصلاة أطلقه فشمل العد في الفرائض والنوافل جميعا باتفاق أصحابنا في ظاهر الرواية وروي عنهما في غير ظاهر الرواية أن العد باليد لا بأس به كذا في العناية وغيرها لكن في الكافي وقالا لا بأس به فجزم به عنهما وعلل لهما بأن المصلي يضطر إلى ذلك لمراعاة سنة القراءة والعمل بما جاءت به السنة في صلاة التسبيح.
وقال عليه السلام لنسوة سألته عن التسبيح
"اعددنه بالأنامل فإنهن مسئولات مستنطقات يوم

 

ج / 2 ص -54-         .........................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القيامة" وقوله في الهداية قلنا يمكنه أن يعد ذلك قبل الشروع إنما يأتي هذا في الآي دون التسبيحات ا هـ.
قالوا: ومحل الاختلاف هو العد باليد كما وقع التقييد به في الهداية سواء كان بأصابعه أو بخيط يمسكه أما الغمز برءوس الأصابع أو الحفظ بالقلب فهو غير مكروه اتفاقا والعد باللسان مفسد اتفاقا.
وقيد بالآي والتسبيح لأن عد الناس وغيرهم مكروه اتفاقا كذا في غاية البيان وقيد بالصلاة لأن العد خارج الصلاة لا يكره على الصحيح كما ذكره المصنف في المستصفى لأنه أسكن للقلب وأجلب للنشاط ولما رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم وقال: صحيح الإسناد عن سعد بن أبي وقاص أنه دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نوى أو حصا تسبح به فقال:
"أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا أو أفضل فقال سبحان الله عدد ما خلق في السماء وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض وسبحان الله عدد ما بين ذلك وسبحان الله عدد ما هو خالق والحمد لله مثل ذلك والله أكبر مثل ذلك ولا إله إلا الله مثل ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك" فلم ينهها عن ذلك وإنما أرشدها إلى ما هو أيسر وأفضل ولو كان مكروها لبين لها ذلك ثم هذا الحديث ونحوه مما يشهد بأنه لا بأس باتخاذ السبحة المعروفة لإحصاء عدد الأذكار إذ لا تزيد السبحة على مضمون هذا الحديث إلا بضم النوى ونحوه في خيط ومثل هذا لا يظهر تأثيره في المنع فلا جرم إن نقل اتخاذها والعمل بها عن جماعة من الصوفية الأخيار وغيرهم اللهم إلا إذا ترتب عليها رياء وسمعة فلا كلام لنا فيه وهذا الحديث أيضا يشهد لأفضلية هذا الذكر المخصوص على ذكر مجرد عن هذه الصيغة ولو تكرر يسيرا.

 

ج / 2 ص -55-         لا قتل الحية والعقرب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثم اعلم أن العلامة الحلبي ذكر أن كراهة العد باليد في الصلاة تنزيهية وظاهر النهاية أنها تحريمية فإنه قال والصحيح أنه لا يباح العد أصلا لأنه ليس في الكتاب فصل بين الفرض والنفل وقد يصير العد عملا كثيرا فيوجب فساد الصلاة وما روي في الأحاديث من قرأ في الصلاة كذا وكذا مرة
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}[الاخلاص:1] وكذا كذا تسبيحة فتلك الأحاديث لم يصححها الثقات أما صلاة التسبيح فقد أوردها الثقات وهي صلاة مباركة فيها ثواب عظيم ومنافع كثيرة فإنه يقدر أن يحفظ بالقلب وإن احتاج يعد بالأنامل حتى لا يصير عملا كثيرا ا هـ.
ثم صلاة التسبيح هذه ما رواها عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبد المطلب:
"يا عباس يا عماه ألا أعطيك ألا أمنحك ألا أحبوك ألا أفعل بك عشر خصال إذا أنت فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك أوله وآخره قديمه وحديثه خطأه وعمده صغيره وكبيره سره وعلانيته عشر خصال أن تصلي أربع ركعات تقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة فقل وأنت قائم سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمس عشرة مرة ثم تركع فتقول وأنت راكع عشرا ثم ترفع رأسك من الركوع فتقولها عشرا ثم تهوي ساجدا فتقولها وأنت ساجد عشرا ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشرا ثم تسجد الثانية فتقولها عشرا ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشرا فذلك خمس وسبعون في كل ركعة تفعل ذلك في أربع ركعات إن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل فإن لم تستطع ففي كل جمعة مرة فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة فإن لم تفعل ففي عمرك مرة" رواه أبو داود وابن ماجه والطبراني وقال في آخره "فلو كانت ذنوبك مثل زبد البحر أو رمل عالج غفر الله لك" قال الحافظ عبد العظيم المنذري وقد روي هذا الحديث من طرق كثيرة عن جماعة من الصحابة وأمثلها حديث عكرمة هذا وقد صححه جماعة ا هـ.
وذكر فخر الإسلام في شرح الجامع الصغير قال مشايخنا إن احتاج المرء إلى العد يعد إشارة لا إفصاحا ويعمل بقولهما في المضطر. ا هـ.
"قوله: لا قتل الحية والعقرب" أي لا يكره قتلهما لحديث الصحيحين
"اقتلوا الأسودين

 

ج / 2 ص -56-         .........................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في الصلاة الحية والعقرب" وفي صحيح مسلم مرفوعا "أمر عليه الصلاة والسلام بقتل الكلب [العقور] والحية والعقرب في الصلاة" وأقل مراتب الأمر الإباحة.
وفي شرح منية المصلي ويستحب قتل العقرب بالنعل اليسرى إن أمكن لحديث أبي داود كذلك ولا بأس بقياس الحية على العقرب في هذا ا هـ. أطلقه فشمل جميع أنواع الحيات وصححه في الهداية لإطلاق الحديث وجميع المواضع.
وفي المحيط قالوا: وينبغي أن لا تقتل الحية البيضاء التي تمشي مستوية لأنها جان لقوله عليه السلام:
"اقتلوا ذا الطفيتين والأبتر وإياكم والحية البيضاء فإنها من الجن" وقال الطحاوي: لا بأس بقتل الكل لأن النبي صلى الله عليه وسلم عهده مع الجن أن لا يدخلوا بيوت أمته وإذا دخلوا لم يظهروا لهم. فإذا دخلوا فقد نقضوا العهد فلا ذمة لهم والأولى هو الإعذار والإنذار فيقال ارجع بإذن الله فإن أبي قتله ا هـ. يعني: الإنذار في غير الصلاة.
وفي النهاية معزيا إلى صدر الإسلام والصحيح من الجواب أن يحتاط في قتل الحيات حتى لا يقتل جنيا فإنهم يؤذونه إيذاء كثيرا بل إذا رأى حية وشك أنه جني يقول له: خل طريق

 

ج / 2 ص -57-         .........................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المسلمين ومر فإن مرت تركه فإن واحدا من إخواني هو أكبر سنا مني قتل حية كبيرة بسيف في دار لنا فضربه الجن حتى جعلوه زمنا كان لا يتحرك رجلاه قريبا من الشهر ثم عالجناه وداويناه بإرضاء الجن حتى تركوه فزال ما به وهذا مما عاينته بعيني ا هـ.
وأطلق في القتل فشمل ما إذا كان بعمل كثير قال السرخسي وهو الأظهر لأن هذا عمل رخص فيه للمصلي فهو كالمشي بعد الحدث والاستقاء من البئر والتوضؤ ا هـ.
وتعقبه في النهاية بأنه مخالف لما عليه عامة رواية شروح الجامع الصغير ورواية مبسوط شيخ الإسلام فإنهم لم يبيحوا العمل الكثير في قتلها ا هـ.
وتعقبه أيضا في فتح القدير بأنه يقتضي أن الاستقاء غير مفسد في سبق الحدث وقد تقدم خلافه وبحثه بأنه لا يفسد للرخصة بالنص يستلزم مثله في علاج المار إذا كثر فإنه أيضا مأمور به بالنص كما قدمناه لكنه مفسد عندهما فما هو جوابه عن علاج المار هو جوابنا في قتل الحية ثم الحق فيما يظهر الفساد.
وقولهم: الأمر بالقتال لا يستلزم بقاء الصحة على نهج ما قالوه من الفساد في صلاة الخوف إذا قاتلوا في الصلاة بل أثره في رفع الإثم بمباشرة المفسد في الصلاة بعد أن كان حراما صحيح ا هـ.
وفي النهاية معزيا إلى الجامع الصغير البرهاني إنما يباح قتلها في الصلاة إذا مرت بين يديه وخاف أن تؤذيه وإلا فيكره، وقيد بالحية والعقرب لأن في قتل القملة والبرغوث اختلافا قال في الظهيرية فإن أخذ قملة في الصلاة كره له أن يقتلها لكن يدفنها تحت الحصى وهو قول أبي حنيفة وروي عنه إذا أخذ قملة أو برغوثا فقتله أو دفنه فقد أساء وعن محمد أنه يقتلها وقتلها أحب إلي من دفنها وأي ذلك فعل فلا بأس به وقال أبو يوسف يكره كلاهما في الصلاة ا هـ.
وذكر في شرح منية المصلي أن دفنهما مكروه في المسجد في غير الصلاة وأن الحاصل أنه يكره التعرض لكل منهما بالأخذ فضلا عن القتل أو الدفن عند عدم تعرضهما له بالأذى، وأما عند تعرضهما له بالأذى فإن كان خارج المسجد فلا بأس حينئذ بالأخذ والقتل أو الدفن بعد أن لا يكون ذلك بعمل كثير فإنه كما روي عن ابن مسعود من دفنها روي عن أنس:
"أنهم كانوا يقتلون القمل والبراغيث في الصلاة". ولعل أبا حنيفة إنما اختار الدفن على القتل لما

 

ج / 2 ص -58-         والصلاة إلى ظاهر قاعد يتحدث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيه من النزاهة عن إصابة دمهما ليد القاتل أو ثوبه في هذه الحالة وإن كان ذلك معفوا عنه وأن ابن مسعود فعل أحسن الجائزين وإن كان في المسجد فلا بأس بالقتل بالشرط المذكور ولا يطرحها في المسجد بطريق الدفن ولا غيره إلا إذا غلب على ظنه أنه يظفر بها بعد الفراغ من الصلاة وبهذا التفصيل يحصل الجمع بين ما عن أبي حنيفة من أنه يدفنها في الصلاة وبين ما عنه أنه لو دفنها في المسجد فقد أساء. ا هـ.
"قوله: والصلاة إلى ظهر قاعد يتحدث" أي لا تكره كذا في الجامع الصغير وفي رواية الحسن عن أبي حنيفة يكره له أن يصلي وقبله نيام أو قوم يتحدثون لما أخرجه البزار عن ابن عباس مرفوعا:
نهيت أن أصلي إلى النيام والمحدثين. وأجيب بأنه محمول في النائمين على ما إذا خاف ظهور صوت منهم يضحكه ويخجل النائم إذا انتبه وفي المحدثين على ما إذا كان لهم أصوات يخاف منها التغليط أو شغل البال.
ونحن نقول بالكراهة في هذا ثم يعارض الحديث المذكور في النائمين ويقدم عليه لقوته ما في الصحيحين عن عائشة قالت
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الليل كلها وأنا معترضة بينه وبين القبلة فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوترت. وإنما قيد بقوله يتحدث ليفيد عدم الكراهة إلى ظهر من لا يتحدث بالأولى ولعله متفق عليه وقد كان يفعله ابن عمر إذا لم يجد سارية يقول لنافع ول ظهرك وأفاد كلامهم هنا أنه لا كراهة على المتحدث.
ولهذا نقل الشارح عن الصحابة رضي الله عنهم أن بعضهم كانوا يقرءون القرآن وبعضهم يتذاكرون العلم والمواعظ وبعضهم يصلون ولم ينههم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولو كان مكروها لنهاهم ا هـ.
وقيد بالظهر لأن الصلاة إلى وجه أحد مكروهة كما في الجامع الصغير قال في المنية والاستقبال إلى المصلي مكروه سواء كان المصلي في الصف الأول أو في الصف الأخير ولهذا قال في الذخيرة يكره للإمام أن يستقبل المصلي وإن كان بينهما صفوف وهذا هو ظاهر المذهب ذكره في الفصل الرابع من كتاب الصلاة.
والحاصل أن استقبال المصلي إلى وجه الإنسان مكروه واستقبال الإنسان وجه المصلي

 

ج / 2 ص -59-         وإلى مصحف أو سيف معلق أو شمع أو سراج
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مكروه فالكراهة من الجانبين.
قال العلامة الحلبي وقد صرحوا بأنه لو صلى إلى وجه إنسان وبينهما ثالث ظهره إلى وجه المصلي لم يكره.
"قوله: وإلى مصحف أو سيف معلق" أي لا يكره أن يصلي وأمامه مصحف أو سيف سواء كان معلقا أو بين يديه.
أما المصحف فلأن في تقديمه تعظيمه وتعظيمه عبادة والاستخفاف به كفر فانضمت هذه العبادة إلى عبادة أخرى فلا كراهة.
ومن قال بالكراهة إذا كان معلقا معللا بأنه تشبه بأهل الكتاب مردود لأن أهل الكتاب يفعلونه للقراءة منه وليس كلامنا فيه.
وأما السيف فلأنه سلاح ولا يكره التوجه إليه فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي للعنزة. وهي سلاح.
"قوله: أو شمع أو سراج" لأنهما لا يعبدان والكراهة باعتبارها وإنما يعبدها المجوس إذا كانت في الكانون وفيها الجمر أو في التنور فلا يكره التوجه إليها على غير هذا الوجه.
وذكر في غاية البيان اختلاف المشايخ في التوجه إلى الشمع أو السراج والمختار أنه لا يكره ا هـ.
وينبغي أن يكون عدم الكراهة متفقا عليه فيما إذا كان الشمع على جانبيه كما هو المعتاد في مصر المحروسة في ليالي رمضان للتراويح.
قال ابن قتيبة في أدب الكاتب في باب ما جاء فيه لغتان استعمل الناس أضعفهما الشمع بالسكون والأوجه فتح الميم ا هـ.

 

ج / 2 ص -60-         وعلى بساط فيه تصاوير وإن لم يسجد عليها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: وعلى بساط فيه تصاوير إن لم يسجد عليها" أي لا يكره والتقييد المذكور بناء على ما في الجامع الصغير وقد قدمنا مفهومه وما في الأصل فلا حاجة إلى إعادته.
ثم اعلم: أن المصنف لم يستوف ذكر المكروهات في الصلاة فمنها أن كل سنة تركها فهو مكروه تنزيها كما صرح به في منية المصلي من قوله ويكره وضع اليدين على الأرض قبل الركبتين إذا سجد و رفعهما قبلهما إذا قام إلا من عذر وأن يرفع رأسه أو ينكسه في الركوع وأن يجهر بالتسمية والتأمين وأن لا يضع يديه في موضعهما إلا من عذر وأن يترك التسبيحات في الركوع والسجود وأن ينقص من ثلاث تسبيحات في الركوع والسجود وأن يأتي بالأذكار المشروعة في الانتقالات بعد تمام الانتقال وفيه خللان تركها في موضعها وتحصيلها في غير موضعها ذكره في مواضع متفرقة من مكروهات الصلاة.
وحاصله: أن السنة إذا كانت مؤكدة قوية لا يبعد أن يكون تركها مكروها كراهة تحريم كترك الواجب فإنه كذلك وإن كانت غير مؤكدة فتركها مكروه تنزيها كما في هذه الأمثلة وإن كان ذلك الشيء مستحبا أو مندوبا وليس بسنة كما هو على اصطلاحنا فينبغي أن لا يكون تركه مكروها أصلا كما صرحوا به من أنه يستحب يوم الأضحى أن لا يأكل أولا إلا من أضحيته قالوا ولو أكل من غيرها فليس بمكروه فلم يلزم من ترك المستحب ثبوت كراهته إلا أنه يشكل عليه ما قالوه من أن المكروه تنزيها مرجعه إلى خلاف الأولى. ولا شك أن ترك المستحب خلاف الأولى.
ومنها: ما في الخلاصة والولوالجية ولا ينبغي أن يقرأ في كل ركعة آخر سورة على حدة فإنه مكروه عند الأكثر وينبغي أن يقرأ في الركعتين آخر سورة واحدة وهو أفضل من السورة إن كان الآخر أكثر آية ا هـ.
وصحح قاضي خان في شرح الجامع الصغير عدم الكراهة وإن كان الأفضل خلافه.
ومنها: الانتقال من آية من سورة إلى آية أخرى من سورة أخرى أو آية من هذه السورة بينهما آيات وكذا الجمع بين السورتين بينهما سور أو سورة واحدة في ركعة واحدة مكروه وفي الركعتين إن كان بينهما سور لا يكره وإن كان بينهما سورة واحدة قال بعضهم يكره وقال بعضهم إن كانت السورة طويلة لا يكره كما إذا كانت بينهما سورتان قصيرتان.
ومنها: أن يقرأ في ركعة أخرى سورة وفي ركعة أخرى سورة فوق تلك السورة أو فعل ذلك في ركعة فهو مكروه وإن وقع هذا من غير قصد بأن قرأ في الركعة الأولى
{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ

 

ج / 2 ص -61-         .........................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النَّاسِ} [الناس:1] يقرأ في الركعة الثانية هذه السورة أيضا وهذا كله في الفرائض أما في النوافل لا يكره كذا في الخلاصة.
ومنها: ما إذا افتتح سورة وقصده سورة أخرى فلما قرأ آية أو آيتين أراد أن يترك تلك السورة ويفتتح التي أرادها يكره وكذا لو قرأ أقل من آية وإن كان حرفا.
ومنها: أن يصلي في ثياب البذلة والمهنة واحتج له في الذخيرة بأنه روي عن عمر رضي الله عنه أنه رأى رجلا فعل ذلك فقال أرأيتك لو كنت أرسلتك إلى بعض الناس أكنت تمر في ثيابك هذه فقال لا فقال عمر الله أحق أن يتزين له وروى البيهقي عنه صلى الله عليه وسلم:
" إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه فإن الله أحق أن يتزين له" والظاهر أنها تنزيهية وفسر ثياب البذلة في شرح الوقاية بما يلبسه في بيته ولا يذهب به إلى الأكابر.
ومنها: أن يحمل صبيا في صلاته وأما حمله صلى الله عليه وسلم أمامة بنت زينب في الصلاة فأجيب عنه بوجوه منها أنه منسوخ بقوله:
"إن في الصلاة لشغلا" وقد أطال الكلام فيه العلامة الحلبي.

 

ج / 2 ص -62-         .........................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومنها: أن يضع في فيه دراهم أو دنانير بحيث لا تمنعه عن القراءة وإن منعه عن أداء الحروف لا يجوز كما في الخلاصة وغيرها.
ومنها: أن يتم القراءة في الركوع كما في منية المصلي وفي موضع آخر أن يقرأ في غير حالة القيام.
ومنها: أن يقوم خلف الصف وحده مقتديا بالإمام إلا إذا لم يجد فرجة وكذا يكره للمنفرد أن يقوم في خلال الصفوف فيصلي فيخالفهم في القيام والقعود.
ومنها: أنه تكره الصلاة في معاطن الإبل والمزبلة والمجزرة والمغتسل والحمام والمقبرة وعلى سطح الكعبة.
وذكر في الفتاوى إذا غسل موضعا في الحمام ليس فيه تمثال وصلى فيه لا بأس به وكذا في المقبرة إذا كان فيها موضع آخر أعد للصلاة وليس فيه قبر ولا نجاسة.
ومنها: أنه يكره للإمام أن يعجلهم عن إكمال السنة.
ومنها: ويكره أن يمكث في مكانه بعد ما سلم في صلاة بعدها سنة إلا قدر ما يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام به ورد الأثر كما في
"منية المصلي".
ومنها أن يدخل في الصلاة وقد أخذه غائط أو بول وإن كان الاهتمام يشغله يقطعها وإن مضى عليها أجزأه وقد أساء وكذا إن أخذه بعد الافتتاح والأصل فيه ما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان" وجعل الشارح مدافعة الريح كالأخبثين.
وأن الحديث محمول على الكراهية ونفي الفضيلة حتى لو ضاق الوقت بحيث لو اشتغل بالوضوء يفوته يصلي لأن الأداء مع الكراهية أولى من القضاء.
ومنها: أن كل عمل قليل لغير عذر فهو مكروه كما لو تروح على نفسه بمروحة أو كمه والله سبحانه وتعالى أعلم.

 

ج / 2 ص -63-         فصل
كره استقبال القبلة بالفرج في الخلاء واستدبارها، وغلق باب المسجد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"فصل"
 لما فرغ من بيان الكراهة في الصلاة شرع في بيانها خارجها مما هو من توابعها.
"قوله: كره استقبال القبلة بالفرج في الخلاء واستدبارها" والخلاء بالمد بيت التغوط وأما بالقصر فهو النبت والكراهة تحريمية لما أخرجه الستة عنه صلى الله عليه وسلم :
"إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا" ولهذا كان الأصح من الروايتين كراهة الاستدبار كالاستقبال وهو بإطلاقه يتناول الفضاء والبنيان.
 وفي فتح القدير: ولو نسي فجلس مستقبلا فذكر يستحب له الانحراف بقدر ما يمكنه لما أخرجه الطبري مرفوعا
"من جلس يبول قبالة القبلة فذكر فانحرف عنها إجلالا لها لم يقم من مجلسه حتى يغفر له" وكما يكره للبالغ ذلك يكره له أن يمسك الصبي نحوها ليبول وقالوا يكره أن يمد رجليه في النوم وغيره إلى القبلة أو المصحف أو كتب الفقه إلا أن تكون على مكان مرتفع عن المحاذاة. ا هـ.
"قوله: وغلق باب المسجد" لأنه يشبه المنع من الصلاة قال تعالى:
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [البقرة: 114] والإغلاق يشبه المنع فيكره قال في الهداية وقيل لا بأس به إذا خيف على متاع المسجد ا هـ. وهو أحسن من التقييد بزماننا كما في عبارة بعضهم فالمدار خشية الضرر على المسجد فإن ثبت في زماننا في جميع الأوقات ثبت كذلك إلا

 

ج / 2 ص -64-         والوطء فوقه والبول والتخلي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في أوقات الصلاة أو لا فلا أو في بعضها ففي بعضها كذا في فتح القدير وفي العناية والتدبير في الغلق لأهل المحلة فإنهم إذا اجتمعوا على رجل وجعلوه متوليا بغير أمر القاضي يكون متوليا ا هـ.
وفي النهاية: وكان المتقدمون يكرهون شد المصاحف واتخاذ المشدة لها كي لا يكون ذلك في صورة المنع من قراءة القرآن فهذا مثله أو فوقه لأن المصحف ملك لصاحبه والمسجد ليس بملك لأحد ا هـ.
ومن هنا يعلم جهل بعض مدرسي زماننا من منعهم من يدرس في مسجد تقرر في تدريسه أو كراهتهم لذلك زاعمين الاختصاص بها دون غيرهم حتى سمعت من بعضهم أنه يضيفها إلى نفسه ويقول هذه مدرستي أو لا تدرس في مدرستي.
وأعجب من ذلك أنه إذا غضب على شخص يمنعه من دخول المسجد خصوصا بسبب أمر دنيوي وهذا كله جهل عظيم ولا يبعد أن يكون كبيرة فقد قال الله تعالى:
{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} [الجـن: 18] وما تلوناه من الآية السابقة فلا يجوز لأحد مطلقا أن يمنع مؤمنا من عبادة يأتي بها في المسجد لأن المسجد ما بني إلا لها من صلاة واعتكاف وذكر شرعي وتعليم علم وتعلمه وقراءة قرآن ولا يتعين مكان مخصوص لأحد حتى لو كان للمدرس موضع من المسجد يدرس فيه فسبقه غيره إليه ليس له إزعاجه وإقامته منه فقد قال الإمام الزاهدي في فتاويه المسماة بالقنية معزيا إلى فتاوى العصر له في المسجد موضع معين يواظب عليه وقد شغله غيره قال الأوزاعي له أن يزعجه وليس له ذلك عندنا ا هـ.
ومن الفروع الدالة على أن مدرس المسجد كغيره ما قاله في القنية أيضا ليس للمدرس في المسجد أن يجعل من بيته بابا إلى المسجد وإن فعل أدى ضمان نقصان الجدار إن وقع فيه ا هـ. وأعجب من ذلك أن بعض مدرسي الأروام يعتقد في المسجد الذي له مدرس أنه مدرسة وليس بمسجد حتى ينتهك حرمته بالمشي فيه بنعله المتنجس مع تصريح الواقف بجعله مسجدا وسيأتي شروط المسجد إن شاء الله تعالى في كتاب الوقف.
"قوله: والوطء فوقه والبول والتخلي" أي وكره الوطء فوق المسجد وكذا البول والتغوط لأن سطح المسجد له حكم المسجد حتى يصح الاقتداء منه بمن تحته ولا يبطل الاعتكاف بالصعود إليه ولا يحل للجنب الوقوف عليه والمراد بالكراهة كراهة التحريم.

 

ج / 2 ص -65-         .........................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وصرح الشارح بأن الوطء فيه حرام لقوله تعالى:
{وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة:187] وذكر في فتح القدير أن الحق أنها كراهة تحريم لأن الآية ظنية الدلالة لأنها محتملة كون التحريم للاعتكاف أو للمسجد وبمثلها لا يثبت التحريم ولأن تطهيره واجب لقوله تعالى: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125] ولما أخرجه المنذري مرفوعا "جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وبيعكم وشراءكم ورفع أصواتكم وسل سيوفكم وإقامة حدودكم وجمروها" في الجمع واجعلوا على أبوابها المطاهر. ا هـ.
واختلف المشايخ في كراهية إخراج الريح في المسجد وأشار المصنف إلى أنه لا يجوز إدخال النجاسة المسجد وهو مصرح به فلذا ذكر العلامة قاسم في بعض فتاويه أن قولهم إن الدهن المتنجس يجوز الاستصباح به مقيد بغير المساجد فإنه لا يجوز الاستصباح به في المسجد لما ذكرنا ولهذا قال في التجنيس وينبغي لمن أراد أن يدخل المسجد أن يتعاهد النعل والخف عن النجاسة ثم يدخل فيه احترازا عن تلويث المسجد وقد قيل: دخول المسجد متنعلا من سوء الأدب.
وكان إبراهيم النخعي يكره خلع النعلين ويرى الصلاة معها أفضل لحديث خلع النعال.
وعن علي رضي الله عنه
أنه كان له زوجان من نعل إذا توضأ انتعل بأحدهما إلى باب المسجد ثم يخلعه وينتعل بالآخر ويدخل المسجد إلى موضع صلاته. ولهذا قالوا إن الصلاة مع النعال والخفاف الطاهرة أقرب إلى حسن الأدب ا هـ.
وفي الخلاصة وغيرها: ويكره الوضوء والمضمضة في المسجد إلا أن يكون موضع فيه اتخذ للوضوء ولا يصلى فيه زاد في التجنيس لو سبقه الحدث وقت الخطبة يوم الجمعة فإن

 

ج / 2 ص -66-         .........................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وجد الطريق انصرف وتوضأ وإن لم يمكنه الخروج يجلس ولا يتخطى رقاب الناس فإن وجد ماء في المسجد وضع ثوبه بين يديه حتى يقع الماء عليه ويتوضأ بحيث لا ينجس المسجد ويستعمل الماء على التقدير ثم بعد خروجه من المسجد يغسل ثوبه وهذا حسن جدا.
ويكره مسح الرجل من الطين والردغة بأسطوانة المسجد أو بحائط من حيطان المسجد لأن حكمه حكم المسجد وإن مسح ببردي المسجد أو بقطعة حصير ملقاة فيه لا بأس به لأن حكمه ليس حكم المسجد ولا له حرمة المسجد وهكذا قالوا أن الأولى أن لا يفعل.
وإن مسح بتراب في المسجد فإن كان مجموعا لا بأس به وإن كان التراب منبسطا يكره هو المختار وإليه ذهب أبو القاسم الصفار لأن له حكم الأرض فكان من المسجد.
وإن مسح بخشبة موضوعة في المسجد فلا بأس به لأنه ليس لهذه الخشبة حكم المسجد فلا يكون لها حرمة المسجد وكذا إذا مسح بحشيش مجتمع أو حصير مخرق لا بأس به لأنه لا حرمة له إنما الحرمة للمسجد. ا هـ.
ولكون المسجد يصان عن القاذورات ولو كانت طاهرة يكره البصاق فيه ولا يلقى لا فوق البواري ولا تحتها للحديث المعروف "إن المسجد لينزوي من النخامة كما ينزوي الجلد من النار" ويأخذ النخامة بكمه أو بشيء من ثيابه فإن اضطر إلى ذلك كان البصاق فوق البواري خيرا من البصاق تحتها لأن البواري ليست من المسجد حقيقة ولها حكم المسجد فإذا ابتلي ببليتين يختار أهونهما فإن لم يكن فيها بوار يدفنها في التراب ولا يدعها على وجه الأرض وقالوا إذا نزح الماء النجس من البئر كره له أن يبل به الطين فيطين به المسجد على قول من اعتبر نجاسة الطين.
وفي الظهيرية يرها ويكره غرس الأشجار في المسجد لأنه يشبه البيعة إلا أن يكون به نفع للمسجد/كأن يكون ذا نز أو أسطوانية لا تستقر فيغرس ليجذب عروق الأشجار ذلك النز فحينئذ يجوز وإلا فلا.

 

ج / 2 ص -67-         ........................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإنما جوز مشايخنا في المسجد الجامع ببخارى لما فيه من الحاجة.
قالوا: ولا يتخذ في المسجد بئر ماء لأنه يخل حرمة المسجد فإنه يدخله الجنب والحائض وإن حفر فهو ضامن بما حفر إلا أن ما كان قديما فيترك كبئر زمزم في المسجد الحرام، ولا بأس برمي عش الخفاش والحمام لأن فيه تنقية المسجد من زرقها.
وقالوا: ولا يجوز أن تعمل فيه الصنائع لأنه مخلص لله تعالى فلا يكون محلا لغير العبادة غير أنهم قالوا في الخياط إذا جلس فيه لمصلحته من دفع الصبيان وصيانة المسجد لا بأس به للضرورة ولا يدق الثوب عند طيه دقا عنيفا والذي يكتب إن كان بأجر يكره وإن كان بغير أجر لا يكره.
قال في فتح القدير: هذا إذا كتب القرآن والعلم لأنه في عبادة.
أما هؤلاء المكتبون الذين يجتمع عندهم الصبيان واللغط فلا ولو لم يكن لغط لأنهم في صناعة لا عبادة إذ هم يقصدون الإجارة ليس هو لله بل للارتزاق.
ومعلم الصبيان القرآن كالكاتب إن كان لأجر لا وحسبة لا بأس به ا هـ.
وفي الخلاصة رجل يمر في المسجد ويتخذه طريقا إن كان لغير عذر لا يجوز وبعذر يجوز ثم إذا جاز يصلي كل يوم تحية المسجد مرة ا هـ.
وفي القنية يعتاد المرور في الجامع يأثم ويفسق ولو دخل المسجد للمرور فلما توسطه ندم قيل يخرج من باب غير الذي قصده وقيل يصلي ثم يتخير في الخروج وقيل إن كان محدثا يخرج من حيث دخل إعداما لما جنى ويكره تخصيص مكان في المسجد لنفسه لأنه يخل بالخشوع. أعظم المساجد حرمة المسجد الحرام ثم مسجد المدينة ثم مسجد بيت المقدس ثم الجوامع ثم مساجد المحال ثم مساجد الشوارع فإنها أخف مرتبة حتى لا يعتكف فيها أحد إذا لم يكن لها إمام معلوم ومؤذن ثم مساجد البيوت فإنه لا يجوز الاعتكاف فيها إلا للنساء.
وإذا قسم أهل المحلة المسجد وضربوا فيه حائطا ولكل منهم إمام على حدة ومؤذنهم واحد لا بأس به والأولى أن يكون لكل طائفة مؤذن.
كما يجوز لأهل المحلة أن يجعلوا المسجد الواحد مسجدين فلهم أن يجعلوا المسجدين واحدا لإقامة الجماعات أما للتدريس أو للتذكير فلا لأنه ما بني له وإن جاز فيه.

 

ج / 2 ص -68-         .........................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولا يجوز التعليم في دكان في فناء المسجد عند أبي حنيفة وعندهما يجوز إذا لم يضر بالعامة ا هـ.
ما في القنية ولا يخفى أن المسجد الجامع تدبيره وعمارته وإصلاحه للإمام أو نائبه كما صرحوا به في كتاب القسامة فللإمام أو نائبه أن يجعل الجامع مسجدين بضرب حائط ونحوه كما لأهل المحلة.
ولا بد أن نذكر أحكام تحية المسجد فنقول هي على حذف مضاف أي تحية رب المسجد لأن المقصود منها التقرب إلى الله تعالى لا إلى المسجد لأن الإنسان إذا دخل بيت الملك فإنما يحيي الملك لا بيته كذا ذكره العلامة الحلبي وقد حكى الإجماع على سنيتها غير أن أصحابنا يكرهونها في الأوقات المكروهة تقديما لعموم الحاظر على عموم المبيح وقد قدمنا أنه إذا تكرر دخوله في كل يوم فإنه يكفيه ركعتان لها في اليوم.
وذكر في الغاية أنها لا تسقط بالجلوس عند أصحابنا فإنه قال في الحاكم إذا دخل المسجد للحكم فهو بالخيار عندنا إن شاء صلى تحية المسجد عند دخوله وإن شاء صلاها عند انصرافه فلم تسقط بالجلوس لأنها لتعظيم المسجد وحرمته ففي أي وقت صلاها حصل المقصود من ذلك ا هـ.
وفي الظهيرية ثم اختلفوا في صلاة التحية أنه يجلس ثم يقوم ويصلي أو يصلي قبل أن يجلس قال بعضهم يجلس ثم يقوم وعامة العلماء قالوا يصلي كلما يدخل المسجد. ا هـ.
قلت: ويشهد لقول العامة وهو الصحيح كما في القنية ما في الصحيحين عن أبي قتادة الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين" وإنما قلنا بعدم سقوطها بالجلوس لما أخرجه ابن حبان في صحيحه عن أبي ذر قال: دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحده فقال: "يا أبا ذر إن للمسجد تحية وإن تحيته ركعتان فقم فاركعهما فقمت فركعتهما" ا هـ.
وقد قالوا إن كل صلاة صلاها عند دخوله فرضا أو سنة فإنها تقوم مقام التحية بلا نية,كما

 

ج / 2 ص -69-         لا فوق بيت فيه مسجد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في البدائع وغيره فلو نوى التحية مع الفرض فظاهر ما في المحيط وغيره أنه يصح عندهما وعند محمد لا يكون داخلا في الصلاة فإنهم قالوا لو نوى الدخول في الظهر والتطوع فإنه يجوز عن الفرض عند أبي يوسف وهو رواية عن أبي حنيفة وعند محمد لا يكون داخلا.
وصرح في الظهيرية بكراهة الحديث أي كلام الناس في المسجد لكن قيده بأن يجلس لأجله وفي فتح القدير الكلام المباح فيه مكروه يأكل الحسنات وينبغي تقييده بما في الظهيرية.
أما إن جلس للعبادة ثم بعدها تكلم فلا وأما النوم في المسجد فاختلف المشايخ فيه.
وفي التجنيس الأشبه بما تقدم من المسائل أنه يكره لأنه ما أعد لذلك وإنما بني لإقامة الصلاة وأما الجلوس في المسجد للمصيبة فمكروه لأنه لم يبن له وعن الفقيه أبي الليث أنه لا بأس به لأن النبي صلى الله عليه وسلم حين بلغه قتل جعفر وزيد بن حارثة جلس في المسجد والناس يأتونه ويعزونه. والمفتى به أنه لا يلازم غريمه في المسجد لأن المسجد بني لذكر الله تعالى ويجوز الجلوس في المسجد لغير الصلاة ولا بأس به للقضاء كالتدريس والفتوى. ا هـ.
وسيأتي إن شاء الله تعالى بقية أحكام المسجد في الوقف والكراهية والجنايات ومسألة الذهاب إلى الأقدم أو إلى مسجد حيه أو إلى من كان إمامه أصلح مذكورة في الخلاصة وغيرها بتفاريعها.
"قوله: لا فوق بيت فيه مسجد" أي لا يكره ما ذكر في بيت فيه أو فوقه في ذلك البيت مسجد وهو مكان في البيت أعد للصلاة فإنه لم يأخذ حكم المسجد وإن كان يستحب للإنسان رجلا كان أو امرأة أن يتخذ في داره مكانا خاليا لصلاته وبه أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه.
واختلفوا في مصلى الجنازة والعيد فصحح في المحيط في مصلى الجنائز أنه ليس له حكم المسجد أصلا وصحح في مصلى العيد كذلك إلا في حق جواز الاقتداء وإن لم تتصل الصفوف.
وفي النهاية وغيرها والمختار للفتوى في المسجد الذي اتخذ لصلاة الجنازة والعيد أنه مسجد في حق جواز الاقتداء وإن انفصل الصفوف رفقا بالناس وفيما عدا ذلك ليس له حكم المسجد. ا هـ.

 

ج / 2 ص -70-         ولا نقشه بالجص وماء الذهب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وظاهر ما في النهاية أنه يجوز الوطء والبول والتخلي في مصلى الجنائز والعيد ولا يخفى ما فيه فإن الباني لم يعده لذلك فينبغي أن لا تجوز هذه الثلاثة وإن حكمنا بكونه غير مسجد وإنما تظهر فائدته في بقية الأحكام التي ذكرناها ومن حل دخوله للجنب والحائض.
"قوله: ولا نقشه بالجص وماء الذهب" أي ولا يكره نقش المسجد وهو المذكور في الجامع الصغير بلفظ لا بأس به وقيل يكره للحديث: "إن من أشراط الساعة تزيين المساجد" وقيل: مستحب لأنه من عمارته وقد مدح الله فاعلها بقوله:
{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ} [التوبة: 18] وأصحابنا قالوا بالجواز من غير كراهة ولا استحباب لأن مسجد رسول الله كان مسقفا من جريد النخل وكان يكف إذا جاء المطر وكان كذلك إلى زمن عثمان ثم رفعه عثمان وبناه وبسط فيه الحصى كما هو اليوم كذلك ومحل الاختلاف في غير نقش المحراب أما نقشه فهو مكروه لأنه يلهي المصلي كما في فتح القدير وغيره.
قال المصنف في الكافي وهذا إذا فعل من مال نفسه أما المتولي فإنما يفعل من مال الوقف ما يحكم البناء دون النقش فلو فعل ضمن حينئذ لما فيه من تضييع المال فإن اجتمعت أموال المساجد وخاف الضياع بطمع الظلمة فيها لا بأس به حينئذ ا هـ.
وصرح في الغاية أن جعل البياض فوق السواد للنقاء موجب لضمان المتولي ولا يخفى أن محله ما إذا لم يكن الواقف فعل مثل ذلك أما إن كان كذلك فله البياض لقولهم في عمارة الوقف إنه يعمر كما كان وقيد بكونه للنقاء إذ لو قصد به إحكام البناء فإنه لا يضمن.
وقيدوا بالمسجد إذ نقش غيره موجب للضمان إلا إذا كان مكانا معدا للاستغلال تزيد الأجرة به فلا بأس به وأرادوا من المسجد داخله لقول صاحب النهاية ولأن في تزيينه ترغيب الناس في الاعتكاف والجلوس في المسجد لانتظار الصلاة وذلك حسن ا هـ. فيفيد أن تزيين خارجه مكروه وأما من مال الوقف فلا شك أنه لا يجوز للمتولي فعله مطلقا لعدم الفائدة فيه خصوصا إذا قصد به حرمان أرباب الوظائف كما شاهدناه في زماننا من دهنهم الحيطان الخارجة وسيأتي إن شاء الله تعالى بأتم من هذا في كتاب الوقف.
وفي النهاية وليس بمستحسن كتابة القرآن على المحاريب والجدران لما يخاف من سقوط الكتابة وأن توطأ

 

ج / 2 ص -71-         ...................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي جامع النسفي مصلى أو بساط فيه أسماء الله تعالى يكره بسطه واستعماله في شيء وكذا لو كان عليه الملك لا غير أو الألف واللام وحدها وكذا يكره إخراجه عن ملكه إذا لم يأمن من استعمال الغير فالواجب أن يوضع في أعلى موضع لا يوضع فوقه شيء وكذا يكره كتابة الرقاع وإلصاقها في الأبواب لما فيه من الإهانة ا هـ. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

 7- باب الوتر والنوافل
الوتر واجب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
7-باب الوتر والنوافل
لا خفاء في حسن تأخيرهما عن الفرائض.
والوتر في اللغة خلاف الشفع وأوتر: صلى الوتر_ كذا في المغرب وهو في الشرع صلاة مخصوصة وهي ثلاثة ركعات بعد العشاء.
والنفل في اللغة: الزيادة وفي الشريعة زيادة عبادة شرعت لنا لا علينا.
ووجوه اشتقاقه يدل على الزيادة ولهذا يسمى ولد الولد نافلة لأنه زيادة على الولد الصلبي وتسمى الغنيمة نفلا لأنها زيادة على أصل المال.
"قوله: الوتر واجب" وهذا آخر أقوال أبي حنيفة وهو الصحيح كذا في المحيط والأصح كما في الخانية وهو الظاهر من مذهبه كذا في المبسوط وروي عنه أنه فرض وعنه أنه سنة ووفق المشايخ بينهما بأنه فرض عملا واجب اعتقادا سنة ثبوتا ودليلا.
وأما عندهما فسنة عملا واعتقادا ودليلا لكن سنة مؤكدة آكد من سائر السنن المؤقتة كما في البدائع لظهور أثر السنن فيه حيث لا يؤذن له ولم يثبت عندهما دليل الوجوب فنفياه.
وأما استدلاله في الهداية لهما بأنه لا يكفر جاحده لا يفيد إذ إثبات اللازم لا يستلزم إثبات الملزوم المعين إلا إذا ساواه وهو هنا أعم فإن عدم الإكفار بالجحد لازم الوجوب كما هو لازم السنة والمدعي الوجوب لا الفرض.
وأما الإمام فثبت عنده دليل الوجوب وهو الحديث وأحسن ما يعين منه ما رواه أبو داود مرفوعا
"الوتر حق فمن لم يوتر فليس مني الوتر حق فمن لم يوتر فليس مني الوتر حق فمن لم يوتر فليس مني".

 

ج / 2 ص -72-         ........................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رواه الحاكم وصححه وما رواه مسلم مرفوعا
"أوتروا قبل أن تصبحوا" والأمر للوجوب.
وأما ما في الصحيحين من أنه عليه السلام أوتر على بعيره. فواقعة حال لا عموم لها فيجوز كونه كان للعذر والاتفاق على أن الفرض يصلى على الدابة لعذر الطين والمرض ونحوه أو أنه كان قبل وجوبه لأن وجوبه لم يقارن وجوب الخمس بل متأخر وقد روي أنه عليه السلام كان ينزل للوتر. وأما حديث الأعرابي [حين] قال له هل علي غيرها أي الصلوات الخمس فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:
"لا إلا أن تطوع".
فلا يدل على عدم وجوب الوتر كما زعمه النووي في شرح مسلم لأنه كان في أول الإسلام ثم وجب الوتر بعده بدليل أنه سأله عن العبادة المالية فأخبره بالزكاة فقال هل علي غيرها فقال:

 

ج / 2 ص -73-         ........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"لا" كما ذكر في الصلاة مع أن صدقة الفطر فرض عندهم بدليله فما هو جوابهم عنها فهو جوابنا عنه ولا يلزم من القول بوجوبه الزيادة على الفرائض الخمس القطعية لأنه ليس بفرض قطعي.
وذكر في البدائع حكاية هي أن يوسف بن خالد السمتي كان من أعيان فقهاء البصرة فسأل أبا حنيفة عنه فقال إنه واجب فقال له كفرت يا أبا حنيفة ظنا منه أنه يقول أنه فريضة فقال أبو حنيفة أيهولني إكفارك إياي وأنا أعرف الفرق بين الفرض والواجب كفرق ما بين السماء والأرض ثم بين له الفرق بينهما فاعتذر إليه وجلس عنده للتعلم ا هـ.
وفي المحيط لا يجوز الوتر قاعدا مع القدرة على القيام ولا على راحلته من غير عذر لأن عنده الوتر واجب وأداء الواجبات والفرائض على الراحلة من غير عذر لا يجوز وعندهما وإن كان سنة لكن صح عن النبي صلى الله عليه وسلم
"أنه كان يتنفل على راحلته من غير عذر في الليل وإذا بلغ الوتر نزل فيوتر على الأرض" ا هـ. فأفاد أنه لا يجوز قاعدا وراكبا من غير عذر باتفاق أبي حنيفة وصاحبيه.
وصرح في الهداية بأنه يجب قضاؤه إذا فاته بالإجماع وصححه في التجنيس وعلل له في المحيط بقوله أما عنده فلأنه واجب وأما عندهما فلقوله عليه السلام
"من نام عن وتر أو نسيه فليصله إذا ذكره" ا هـ.
وصرح في الكافي بأن وجوب قضائه ظاهر الرواية عنهما وروي عنهما عدمه وسيأتي أنه لا يصلى خلف النفل اتفاقا فظهر بهذا أنه لا فرق بين قوله بوجوبه وبين قولهما بسنيته من جهة الأحكام فإن السنة المؤكدة بمنزلة الواجب إلا في فساد الصبح بتذكره وفي قضائه بعد طلوع الفجر قبل طلوع الشمس قال في التجنيس عند أبي حنيفة يقضيه بعد طلوع الفجر قبل طلوع الشمس وبعد صلاة العصر لأنه واجب عنده فيجوز قضاؤه فيه كقضاء سائر الفرائض وعندهما لا لأنه سنة عندهما ا هـ.
لكن تعقب صاحب الهداية في فتح القدير بأنه سنة عندهما فوجوب القضاء محل النزاع وقد علمت دفعه بما في المحيط.

 

ج / 2 ص -74-         وهو ثلاث ركعات بتسليمه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي الظهيرية والولوالجية والتجنيس وغيرهما أهل قرية اجتمعوا على ترك الوتر أدبهم الإمام وحبسهم فإن لم يمتنعوا قاتلهم وإن امتنعوا عن أداء السنن فجواب أئمة بخارى بأن الإمام يقاتلهم كما يقاتلهم على ترك الفرائض لما روي عن عبد الله بن المبارك أنه قال لو أن أهل بلدة أنكروا سنة السواك لقاتلتهم كما نقاتل المرتدين ا هـ. وفي العمدة اجتمع قوم على ترك الأذان يؤدبهم الإمام وعلى ترك السنن يقاتلهم زاد في الخلاصة بأن هذا إذا تركها جفاء لكن رآها حقا فإن لم يرها حقا يكفر.
وذكر في التحقيق لصاحب الكشف أن الواجب نوعان واجب في قوة الفرض في العمل كالوتر عند أبي حنيفة حتى منع تذكره صحة الفجر كتذكر العشاء وواجب دون الفرض في العمل فوق السنة كتعيين الفاتحة حتى وجب سجود السهو بتركه ولكن لا تفسد الصلاة ا هـ.
وفي البدائع أن وجوبه لا يختص بالبعض دون البعض بل يعم الناس أجمع من الحر والعبد والذكر والأنثى إن كان أهلا للوجوب لعموم الدلائل.
"قوله: وهو ثلاث ركعات بتسليمة" أي الوتر لما رواه الحاكم وصححه وقال على شرطهما عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث لا يسلم إلا في آخرهن. قيل للحسن أن ابن عمر كان يسلم في الركعتين من الوتر فقال كان عمر أفقه منه وكان ينهض في الثانية بالتكبير ا هـ. ونقله الطحاوي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم :
"صلاة الليل مثنى مثنى وإذا خشي الصبح صلى واحدة فأوترت له ما صلى" فليس فيه دلالة على أن الوتر واحدة بتحريمة مستأنفة ليحتاج إلى الاشتغال بجوابه إذ يحتمل كلا من ذلك ومن كونه إذا خشي الصبح صلى واحدة متصلة ومع الاحتمال لا يقاوم الصرائح الواردة وقد روى الإمام أبو حنيفة بسنده أنه عليه السلام كان يقرأ في الأولى بـ{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1] وفي الثانية {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1] وفي الثالثة {قُلْ هُوَ

 

ج / 2 ص -75-         ...........................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللَّهُ أَحَدٌ} [الاخلاص:1].
وما وقع في السنن وغيرها من زيادة المعوذتين أنكرها الإمام أحمد وابن معين ولم يخترها أكثر أهل العلم كما ذكره الترمذي كذا في شرح منية المصلي.
وصحح الشارح الزيلعي أنه لا يجوز اقتداء الحنفي بمن يسلم من الركعتين في الوتر وجوزه أبو بكر الرازي ويصلي معه بقية الوتر لأن إمامه لم يخرج بسلامه عنده وهو مجتهد فيه كما لو اقتدى بإمام قد رعف واشتراط المشايخ لصحة اقتداء الحنفي في الوتر بالشافعي أن لا يفصله على الصحيح مفيد لصحته إذا لم يفصله اتفاقا.
ويخالفه ما ذكر في الإرشاد من أنه لا يجوز الاقتداء في الوتر بالشافعي بإجماع أصحابنا لأنه اقتداء المفترض بالمتنفل فإنه يفيد عدم الصحة فصل أو وصل فلذا قال بعده والأول أصح مشيرا إلى أن عدم الصحة إنما هو عند الفصل لا مطلقا معللا بأن اعتقاد الوجوب ليس بواجب على الحنفي ا هـ.
فمراده من الأول هو قوله في شروط الاقتداء بالشافعي ولا يقطع وتره بالسلام هو الصحيح ويشهد للشارح ما في السراج الوهاج أن الاقتداء به في العيدين صحيح ولم يرد فيه خلاف مع أنه سنة عند الشافعي وواجب عندنا.
وما نقله أصحاب الفتاوى عن ابن الفضل أن اقتداء الحنفي في الوتر بمن يرى أنه سنة كاليوسفي صحيح لأن كلا يحتاج إلى نية الوتر فلم تختلف نيتهما فأهدر اختلاف الاعتقاد في صفة الصلاة واعتبر مجرد اتحاد النية.
واستشكله في فتح القدير بما ذكره في التجنيس وغيره من أن الفرض لا يتأدى بنية النفل ويجوز عكسه فعلى هذا ينبغي أن لا يجوز وتر الحنفي اقتداء بوتر الشافعي بناء على أنه لم يصح شروعه في الوتر لأنه بنيته إياه إنما نوى النفل الذي هو الوتر فلا يتأدى الواجب بنية النفل؛

 

ج / 2 ص -76-         وقنت في ثالثته قبل الركوع أبدا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وحينئذ فالاقتداء به فيه بناء على المعدوم في زعم المقتدي.
نعم يمكن أن يقال لو لم يخطر بخاطره عند النية صفة من السنة أو غيرها بل مجرد الوتر ينتفي المانع فيجوز لكن إطلاق مسألة التجنيس يقتضي أنه لا يجوز وإن لم يخطر بخاطره نفلية وفرضية بعد أن كان المتقرر في اعتقاده نفليته وهو غير بعيد للمتأمل ا هـ.
وحاصله: ترجيح ما في الإرشاد وتضعيف تصحيح الزيلعي وما في الفتاوى عن ابن الفضل وليس فيما ذكره دليل عليه لأن ما في التجنيس وغيره إنما هو في الفرض القطعي والوتر ليس بفرض قطعي إنما هو واجب ظني ثبت بالسنة فلا يلزم اعتقاد وجوبه للاختلاف فيه فلم يلزم في صحته تعيين وجوبه بل تعيين كونه وترا بل صرح في المحيط والبدائع بأنه ينوي صلاة الوتر والعيدين فقط.
وصرح بعض المشايخ كما في شرح منية المصلي بأنه لا ينوي في الوتر أنه واجب للاختلاف في وجوبه فظهر بهذا أن المذهب الصحيح صحة الاقتداء بالشافعي في الوتر إن لم يسلم على رأس الركعتين وعدمها إن سلم والله الموفق للصواب.
ثم اعلم أن قوله في فتح القدير لكن إطلاق مسألة التجنيس يقتضي إلى آخره غفلة عما ذكره صاحب التجنيس في باب الوتر منه ولفظه إذا اقتدى في الوتر بمن يراه سنة وهو يراه واجبا ينظر إن كان نوى الوتر وهو يراه سنة أو تطوعا جاز الاقتداء بمنزلة من صلى الظهر خلف آخر وهو يرى أن الركوع سنة أو تطوع وإن كان افتتح الوتر بنية التطوع أو بنية السنية لا يصح الاقتداء لأنه يصير اقتداء المفترض بالمتنفل كذا ذكره الإمام الرستغفني.
هذا والذي ينبغي أن يفهم من قولهم أنه لا ينوي أنه واجب أنه لا يلزمه تعيين الوجوب لا أن المراد منعه من أن ينوي وجوبه لأنه لا يخلو إما أن يكون حنفيا أو غيره فإن كان حنفيا فينبغي أنه ينويه ليطابق اعتقاده وإن كان غيره فلا تضره تلك النية فإن من المعلوم أن انتفاء الوصف لا يوجب انتفاء الأصل فيبقى الأصل وهو صلاة الوتر هنا وقد كان يخرج به عن العهدة.
"قوله: وقنت في ثالثته قبل الركوع أبدا" لما أخرجه النسائي عن أبي بن كعب أنه عليه الصلاة والسلام كان يقنت قبل الركوع.

 

ج / 2 ص -77-         ...........................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وما في حديث أنس من
أنه عليه السلام قنت بعد الركوع. فالمراد منه أن ذلك كان شهرا منه فقط بدليل ما في الصحيح عن عاصم الأحول سألت أنسا عن القنوت في الصلاة قال نعم قلت أكان قبل الركوع أو بعده قال قبله قلت فإن فلانا أخبرني عنك أنك قلت بعده قال كذب إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الركوع شهرا. وظاهر الأحاديث يدل على القنوت في جميع السنة.
وأما ما رواه أبو داود
أن عمر رضي الله عنه جمع الناس على أبي بن كعب فكان يصلي بهم عشرين ليلة من الشهر يعني رمضان ولا يقنت بهم إلا في النصف الثاني فإذا كان العشر الأواخر تخلف فصلى في بيته. فلا يدل على تخصيصه بالنصف الثاني من رمضان لأن القنوت فيه يحتمل أن يكون طول القيام فإنه يقال عليه كما يقال على الدعاء و ترجح الأول لتخصيص النصف الأخير بزيادة الاجتهاد فليس هو المتنازع فيه.
والكلام في القنوت في خمسة مواضع في صفته ومحل أدائه ومقداره ودعائه وحكمه إذا فات.
أما الأول: فقد ذكره المصنف في باب صفة الصلاة من الواجبات وهو مذهب أبي حنيفة وعندهما سنة كالوتر ويشهد للوجوب قوله صلى الله عليه وسلم للحسن حين علمه القنوت
"اجعل هذا في وترك" والأمر للوجوب لكنه تعقبه في فتح القدير بأنه لم يثبت.
ومنهم من حاول الاستدلال بالمواظبة المفادة من الأحاديث وهو متوقف على كونها غير مقرونة بالترك مرة لكن مطلق المواظبة أعم من المقرونة به أحيانا وغير المقرونة ولا دلالة للأعم على الأخص وإلا لوجبت بهذه الكلمات عينا أو كانت أولى من غيرها لكن المتقرر عندهم الدعاء المعروف اللهم إنا نستعينك كما سيأتي ا هـ.

 

ج / 2 ص -78-         ...........................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأطلقه فشمل الأداء والقضاء فلذا قالوا ومن يقضي الصلوات والأوتار يقنت في الأوتار احتياطا وعلله الولوالجي في فتاويه بأنه إن كان عليه الوتر كان عليه القنوت وإن لم يكن عليه الوتر فالقنوت يكون في التطوع والقنوت في التطوع لا يضر ا هـ.
وهو يقتضي أن قضاءه ليس لكونه لم يؤد حقيقة بل احتياطا وليس هو بمستحب قال في مآل الفتاوى ولو لم يفته شيء من الصلوات وأحب أن يقضي جميع الصلوات التي صلاها متداركا لا يستحب له ذلك إلا إذا كان غالب ظنه فساد ما صلى ورد النهي عنه صلى الله عليه وسلم وما حكي عن أبي حنيفة أنه قضى صلاة عمره فإن صح النقل فنقول كان يصلي المغرب والوتر أربع ركعات بثلاث قعدات ا هـ.
وفي التجنيس شك في الوتر وهو في حالة القيام أنه في الثانية أم في الثالثة يتم تلك الركعة ويقنت فيها لجواز أنها الثالثة ثم يقعد فيقوم فيضيف إليها ركعة أخرى ويقنت فيها أيضا وهو المختار فرق بين هذا وبين المسبوق بركعتين في الوتر في شهر رمضان إذا قنت مع الإمام في الركعة الأخيرة من صلاة الإمام حيث لا يقنت في الركعة الأخيرة إذا قام إلى القضاء في قولهم جميعا.
والفرق أن تكرار القنوت في موضعه ليس بمشروع وهاهنا أحدهما في موضعه والآخر ليس في موضعه فجاز فأما المسبوق فهو مأمور بأن يقنت مع الإمام فصار ذلك موضعا له فلو أتى بالثاني كان ذلك تكرارا للقنوت في موضعه ا هـ.
وفي المحيط معزيا إلى الأجناس لو شك أنه في الأولى أو في الثانية أو في الثالثة فإنه يقنت في الركعة التي هو فيها ثم يقعد ثم يقوم فيصلي ركعتين بقعدتين ويقنت فيهما احتياطا وفي قول آخر لا يقنت في الكل أصلا لأن القنوت في الركعة الثانية والأولى بدعة وترك السنة أسهل من الإتيان بالبدعة والأول أصح لأن القنوت واجب وما تردد بين الواجب والبدعة يأتي به احتياطا ا هـ. وفي الذخيرة إن قنت في الأولى أو في الثانية ساهيا لم يقنت في الثالثة لأنه لا يتكرر في الصلاة الواحدة ا هـ.
وفيه نظر؛ لأنه إذا كان مع الشك في كونه في محله يعيده ليقع في محله كما قدمناه فمع اليقين بكونه في غير محله أولى أن يعيده كما لو قعد بعد الأولى ساهيا لا يمنعه أن يقعد بعد الثانية ولعل ما في الذخيرة مبني على القول الضعيف القائل بأنه لا يقنت في الكل أصلا كما لا يخفى وأما الثاني فقد ذكرناه.

 

ج / 2 ص -79-         ........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما مقداره فقد ذكر الكرخي أن مقدار القيام في القنوت مقدار سورة
{إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق:1] وكذا ذكر في الأصل لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ في القنوت اللهم إنا نستعينك, اللهم اهدنا.
وكلاهما على مقدار هذه السورة وروي أنه عليه السلام كان لا يطول في دعاء القنوت. كذا في البدائع وأما دعاؤه فليس فيه دعاء مؤقت كذا ذكر الكرخي في كتاب الصلاة لأنه روي عن الصحابة أدعية مختلفة في حال القنوت ولأن المؤقت من الدعاء يذهب بالرقة كما روي عن محمد فيبعد عن الإجابة ولأنه لا يؤقت في القراءة لشيء من الصلوات ففي دعاء القنوت أولى وقال بعض مشايخنا المراد من قوله ليس فيه دعاء مؤقت ما سوى اللهم إنا نستعينك لأن الصحابة اتفقوا عليه فالأولى أن يقرأه ولو قرأ غيره جاز ولو قرأ معه غيره كان حسنا والأولى أن يقرأ بعده ما علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي في قنوته "اللهم اهدني فيمن هديت" إلى آخره.
وقال بعضهم الأفضل في الوتر أن يكون فيه دعاء مؤقت لأن الإمام ربما يكون جاهلا فيأتي بدعاء يشبه كلام الناس فتفسد صلاته وما روي عن محمد من أن التوقيت في الدعاء يذهب برقة القلب محمول على أدعية المناسك دون الصلاة كذا في البدائع و رجح في شرح منية المصلي قول الطائفة الثانية لما ذكروا وتبركا بالمأثور الوارد به الأخبار وتوارثه الخلف عن السلف في سائر الأعصار ا هـ.
لكن ذكر الإسبيجابي أن ظاهر الرواية عدم توقيته ثم إن الدعاء المشهور عند أبي حنيفة اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونثني عليك الخير كله نشكرك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكفار ملحق لكن في المقدمة الغزنوية إن عذابك الجد ولم يذكره في الحاوي القدسي إلا أنه أسقط الواو من نخلع والظاهر ثبوتهما أما إثبات الجد

 

ج / 2 ص -80-         ..........................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ففي مراسيل أبي داود وأما إثبات الواو في ونخلع ففي رواية الطحاوي والبيهقي وبه اندفع ما ذكره الشمني في شرح النقاية أنه لا يقول الجد واتفقوا على أنه بكسر الجيم بمعنى الحق واختلفوا في ملحق وصحح الإسبيجابي كسر الحاء بمعنى لاحق بهم وقيل بفتحها ونص الجوهري على أنه صواب.
وأما نحفد فهو بفتح النون وكسر الفاء وبالدال المهملة من الحفد بمعنى السرعة ويجوز ضم النون يقال حفد بمعنى أسرع وأحفد لغة فيه حكاها ابن مالك في فعل وأفعل.
وصرح قاضي خان في فتاويه بأنه لو قرأها بالذال المعجمة بطلت صلاته ولعله لأنها كلمة مهملة لا معنى لها.
ثم اعلم أن المشايخ اختلفوا في حقيقة القنوت الذي هو واجب عنده فنقل في المجتبى عن شرح المؤذني القنوت طول القيام دون الدعاء وعن أبي عمرو لا أعرف من القنوت إلا طول القيام وبه فسر قوله تعالى
{أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ} [(الزمر: 9] وعن الفتاوى الصغرى القنوت في الوتر هو الدعاء دون القيام ا هـ.
وينبغي تصحيحه ومن لا يحسن القنوت بالعربية أو لا يحفظه ففيه ثلاثة أقوال مختارة قيل يقول يا رب ثلاث مرات ثم يركع وقيل يقول اللهم اغفر لي ثلاث مرات وقيل اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
والظاهر أن الاختلاف في الأفضلية لا في الجواز وأن الأخير أفضل لشموله وأن التقييد بمن لا يحسن العربية ليس بشرط بل يجوز لمن يعرف الدعاء المعروف أن يقتصر على واحد مما ذكر لما علمت أن ظاهر الرواية عدم توقيته.
وأما حكمه إذا فات محله فنقول إذا نسي القنوت حتى ركع ثم تذكر فإن كان بعد رفع الرأس من الركوع لا يعود وسقط عنه القنوت وإن تذكره في الركوع فكذلك في ظاهر الرواية كما في البدائع وصححه في الخانية.
وعن أبي يوسف أنه يعود إلى القنوت لشبهه بالقرآن كما لو ترك الفاتحة أو السورة فتذكرها في الركوع أو بعد رفع الرأس منه فإنه يعود وينتقض ركوعه والفرق على ظاهر الرواية أن نقض الركوع في المقيس عليه لا كماله لأنه يتكامل بقراءة الفاتحة والسورة لكونه لا يعتبر بدون القراءة أصلا وفي المقيس ليس نقضه لا كماله لأنه لا قنوت في سائر الصلوات والركوع معتبر بدونه فلو نقض لكان نقض الفرض للواجب كذا في البدائع فإن عاد إلى القيام وقنت ولم يعد الركوع

 

ج / 2 ص -81-         قوله: وقرأ في كل ركعة منه فاتحة الكتاب وسورة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم تفسد صلاته لأن ركوعه قائم لم يرتفض بخلاف المقيس عليه لأن بعوده صارت قراءة الكل فرضا والترتيب بين القراءة والركوع فرض فارتفض ركوعه فلو لم يركع بطلت فلو ركع وأدركه رجل في الركوع الثاني كان مدركا لتلك الركعة وإنما لم يشرع القنوت في الركوع مثل تكبيرات العيد إذا تذكرها في حال الركوع حيث يكبر فيه لأنه لم يشرع إلا في محض القيام غير معقول المعنى فلا يتعدى إلى ما هو قيام من وجه دون وجه وهو الركوع.
وأما تكبيرات العيد فلم تختص بمحض القيام لأن تكبيرة الركوع يؤتى بها في حال الانحطاط وهي محسوبة من تكبيرات العيد بإجماع الصحابة فإذا جاز أداء واحدة منها في غير محض القيام من غير عذر جاز أداء الباقي مع قيام العذر بالأولى.
ولم يقيد المصنف القنوت بالمخافتة للاختلاف فيه قال في الذخيرة استحسنوا الجهر في بلاد العجم للإمام ليتعلموا كما جهر عمر رضي الله عنه بالثناء حين قدم عليه وفد العراق.
ونص في الهداية على أن المختار المخافتة.
وفي المحيط على أنه الأصح.
وفي البدائع واختار مشايخنا بما وراء النهر الإخفاء في دعاء القنوت في حق الإمام والقوم جميعا لقوله تعالى:
{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] وقول النبي صلى الله عليه وسلم "خير الدعاء الخفي" وهو مروي في صحيح ابن حبان.
وفصل بعضهم بين أن يكون القوم لا يعلمونه فالأفضل للأم الجهر ليتعلموا وإلا فالإخفاء أفضل كما في الذخيرة ومن اختار الجهر به أن يكون دون جهر القراءة كما في منية المصلي.
"قوله: وقرأ في كل ركعة منه فاتحة الكتاب وسورة" بيان لمخالفته للفرائض فيقرأ في كل ركعة منه حتما ونقل في الهداية أنه بالإجماع وفي التجنيس لو ترك القراءة في الركعة الثالثة منه لم يجز في قولهم جميعا ا هـ.

 

ج / 2 ص -82-         .........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما عندهما فلأنه نفل وفي النفل تجب القراءة في الكل وكذا على قول أبي حنيفة لأن الوتر عنده واجب يحتمل أنه نفل ولكن يترجح جهة الفرضية بدليل فيه شبهة فكان الاحتياط فيه وجوب القراءة في الكل وقد قدمنا من فعله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ في الركعة الأولى
{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1] وفي الثانية {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1] وفي الثالثة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الاخلاص:1].
فالحاصل أن قراءة آية في كل ركعة منه فرض وتعيين الفاتحة مع قراءة ثلاث آيات في كل ركعة واجب والسور الثلاث فيه سنة لكن ذكر في النهاية أنه لا ينبغي أن يقرأ سورة متعينة على الدوام لأن الفرض هو مطلق القراءة بقوله تعالى:
{فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] والتعيين على الدوام يفضي إلى أن يعتقد بعض الناس أنه واجب وأنه لا يجوز غيره لكن لو قرأ بما ورد به الآثار أحيانا يكون حسنا ولكن لا يواظب لما ذكرنا ا هـ.
وقد يقال أنهم رجحوا جهة النفلية فيه احتياطا في القراءة فينبغي أن لا يقضي في الوقت المكروه كما بعد طلوع الفجر وبعد صلاة العصر احتياطا لجهة النفلية لأن النفل فيه ممنوع وقد قدمنا عن التجنيس خلافه وفيه: والوتر بمنزلة النفل في حق القراءة إلا أنه يشبه المغرب من حيث إنه لو استتم قائما في الثالثة قبل القعود ثم تذكر لا يعود لأنها صلاة واحدة وفي النفل يعود لأن كل شفع صلاة على حدة ا هـ.
وفي المجتبى ولا تجب القعدة الأولى في الوتر.
وفي الامتحان صلى الوتر ولم يقعد في الثانية ناسيا ثم تذكر في الركوع لا يعود وإن عاد لا ينتقض ركوعه ا هـ.
ولا يخفى ما فيه لأن القعدة الأولى واجبة في الفرض والنفل والوتر ذو شبه لهما فوجبت القعدة الأولى فيه.
وقد تقدم أنه يرفع يديه عند تكبيرة القنوت كما يرفعهما عند الافتتاح.
وفي النهاية معزيا إلى محمد بن الحنفية قال الدعاء أربعة دعاء رغبة ودعاء رهبة ودعاء تضرع ودعاء خفية.
ففي دعاء الرغبة يجعل بطون كفيه نحو السماء وفي دعاء الرهبة يجعل ظهر كفيه إلى

 

ج / 2 ص -83-         ولا يقنت في غيره
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وجهه كالمستغيث من الشيء وفي دعاء التضرع يعقد الخنصر والبنصر ويحلق بالإبهام والوسطى ويشير بالسبابة ودعاء الخفية ما يفعله المرء في نفسه ولم يذكر المصنف الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت للاختلاف فيها واختار الفقيه أبو الليث أن الأولى الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم لأن القنوت دعاء والأولى في الدعاء أن يكون مشتملا عليها.
وذهب أبو القاسم الصفار إلى أنه لا يصلي فيه لأنه ليس موضعها ومشى عليه في الخلاصة.
والحق هو الأول لما رواه النسائي بإسناد حسن أن في حديث القنوت وصلى الله على محمد ولما رواه الطبراني عن علي
"كل دعاء محجوب حتى يصلى على محمد" وفي الواقعات ويستحب في كل دعاء أن تكون فيه الصلاة على النبي اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ا هـ.
وهو يقتضي أنه يصلي عليه في القنوت بهذه الصيغة وهو الأولى.
ومن الغريب ما في المجتبى لو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت لا يصلي في القعدة الأخيرة وكذا لو صلى عليه في القعدة الأولى سهوا لا يصلي عليه في القعدة الأخيرة ولا يصلي في القنوت ا هـ.
"قوله: ولا يقنت في غيره" أي في غير الوتر لما رواه الإمام أبو حنيفة عن ابن مسعود رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقنت في الفجر قط إلا شهرا واحدا لم ير قبل ذلك ولا بعده وإنما قنت في ذلك الشهر يدعو على أناس من المشركين. وكذا في الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام قنت شهرا يدعو على قوم من العرب ثم تركه.
وقد أطال المحقق ابن الهمام هنا في الكلام مع الشافعي كما هو دأبه ولسنا بصدده.

 

ج / 2 ص -84-         ويتبع المؤتم قانت الوتر لا الفجر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي شرح النقاية معزيا إلى الغاية وإن نزل بالمسلمين نازلة قنت الإمام في صلاة الجهر وهو قول الثوري وأحمد وقال جمهور أهل الحديث القنوت عند النوازل مشروع في الصلوات كلها ا هـ.
"قوله: ويتبع المؤتم قانت الوتر" وقال محمد لا يأتي به المأموم بل يؤمن لأن للقنوت شبهة القرآن لاختلاف الصحابة في قوله اللهم إنا نستعينك أنه من القرآن أو لا فأورث شبهة وهو لا يقرأ حقيقة القرآن فكذا ما له شبهة والمختار ما في الكتاب كما في المحيط وغيره وصححوه لأنه دعاء حقيقة كسائر الأدعية والثناء والتشهد والتسبيحات وظاهر الرواية أنه لا يكره قراءته للجنب لأنه ليس بقرآن وعليه الفتوى كما في الولو الجية".
"قوله: لا الفجر" أي لا يتبع المؤتم الإمام القانت في صلاة الفجر وهذا عند أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف يتابعه لأنه تبع للإمام والقنوت مجتهد فيه ولهما أنه منسوخ فصار كما لو كبر خمسا في الجنازة حيث لا يتابعه في الخامسة وإذا لم يتابعه فيه فقيل يقعد تحقيقا للمخالفة لأن الساكت شريك الداعي بدليل مشاركة الإمام في القراءة وإذا قعد فقدت المشاركة ولا يقال كيف يقعد تحقيقا للمخالفة وهي مفسدة للصلاة لأن المخالفة فيما هو من الأركان والشرائط مفسدة لا في غيرها.
قال في الهداية والأظهر وقوفه ساكتا وصححه قاضي خان وغيره لأن فعل الإمام يشتمل على مشروع وغيره فما كان مشروعا يتبعه فيه وما كان غير مشروع لا يتبعه كذا في العناية.
وقد يقال إن طول القيام بعد رفع الرأس من الركوع ليس بمشروع فلا يتابعه فيه قال في الهداية ودلت المسألة على جواز الاقتداء بالشفعوية وإذا علم المقتدي منه ما يزعم به فساد صلاته كالفصد وغيره لا يجزئه ا هـ.
ووجه دلالتها أنه لو لم يصح الاقتداء به لم يصح اختلاف علمائنا في أنه يسكت أو يتابعه ووقع في بعض نسخها بالشافعية وهو الصواب لما عرف من وجوب حذف ياء النسب إذا نسب إلى ما هي فيه ووضع الياء الثانية مكانها حتى تتحد الصورة قبل النسبة الثانية وبعدها والتمييز حينئذ من خارج فالياء المشددة فيه ياء النسبة لا آخر الكلمة ككرسي.
وذكر في النهاية بنو شافع من بني المطلب ابن عبد مناف منهم الإمام الشافعي الفقيه رحمه

 

ج / 2 ص -85-         ...........................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الله ومن قال في نسبته الشفعوي فهو عامي وحقه أن يقال بالشافعي المذهب.
فحاصله أن صاحب الهداية جوز الاقتداء بالشافعي بشرط أن لا يعلم المقتدي منه ما يمنع صحة صلاته في رأي المقتدي كالفصد ونحوه وعدد مواضع عدم صحة الاقتداء به في العناية وغاية البيان بقوله كما إذا لم يتوضأ من الفصد والخارج من غير السبيلين وكما إذا كان شاكا في إيمانه بقوله أنا مؤمن إن شاء الله أو متوضئا من القلتين أو يرفع يديه عند الركوع وعند رفع الرأس من الركوع أو لم يغسل ثوبه من المني ولم يفركه أو انحرف عن القبلة إلى اليسار أو صلى الوتر بتسليمتين أو اقتصر على ركعة أو لم يوتر أصلا أو قهقه في الصلاة ولم يتوضأ أو صلى فرض الوقت مرة ثم أم القوم فيه زاد في النهاية وأن لا يراعي الترتيب في الفوائت وأن لا يمسح ربع رأسه وزاد قاضي خان وأن يكون متعصبا والكل ظاهر ما عدا خمسة أشياء:
الأول: مسألة التوضؤ من القلتين فإنه صحيح عندنا إذا لم يقع في الماء نجاسة ولم يختلط بمستعمل مساو له أو أكثر فلا بد أن يقيد قولهم بالقلتين المتنجس ماؤهما أو المستعمل بالشرط المذكور لا مطلقا.
الثاني: مسألة رفع اليدين من وجهين.
الأول: أن الفساد برفع اليدين عند الركوع وعند رفع الرأس منه رواية شاذة رواها مكحول النسفي عن أبي حنيفة وليست بصحيحة رواية ودراية لأن المختار في العمل الكثير المفسد لها ما لو رآه شخص من بعيد ظنه ليس في الصلاة لا ما يقام باليدين ولأن وضع هذه المسألة يدل على جواز الاقتداء بالشافعي وبقائه إلى وقت القنوت حتى اختلفوا هل يتابعه فيه أو لا كما في الهداية مع وجود رفع اليدين في الركعات الثلاث.
الثاني: أن الفساد عند الركوع لا يقتضي عدم صحة الاقتداء من الابتداء مع أن عروض البطلان غير مقطوع به حتى يجعل كالمتحقق عند الشروع لأن الرفع جائز الترك عندهم لسنيته.
الثالث: مسألة الانحراف عن القبلة إلى اليسار لأن الانحراف المانع عندنا أن يجاوز المشارق إلى المغارب كما نقله في فتح القدير في استقبال القبلة والشافعية لا ينحرفون هذا الانحراف.

 

ج / 2 ص -86-         ........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرابع: مسألة التعصب وهو تعصب لأن التعصب على تقدير وجوده منهم إنما يوجب الفسق لا الكفر والفسق لا يمنع صحة الاقتداء والظاهر من الشارطين لعدمه أنه يوجب الكفر لكونه في الدين وهو بعيد كما لا يخفى.
الخامس: مسألة الاستثناء في الإيمان فاعلم أن عبارتهم قد اختلفت في هذه المسألة فذهب طائفة من الحنفية إلى تكفير من قال أنا مؤمن إن شاء الله ولم يقيدوه بأن يكون شاكا في إيمانه ومنهم الأتقاني في غاية البيان وصرح في روضة العلماء بأن قوله إن شاء الله يرفع إيمانه فيبقى بلا إيمان فلا يجوز الاقتداء به وذكر في الفتاوى الظهيرية من المواعظ أن معاذ بن جبل سئل عمن يستثنى في الإيمان فقال إن الله تبارك وتعالى ذكر في كتابه ثلاثة أصناف قال تعالى في موضع
{أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً} [الأنفال: 4] وقال في موضع آخر {أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً} [النساء: 151] وقال في موضع آخر {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ} [النساء: 143] فمن قال بالاستثناء في الإيمان فهو من جملة المذبذبين ا هـ. وفي الخلاصة والبزازية من كتاب النكاح عن الإمام أبي بكر محمد بن الفضل من قال أنا مؤمن إن شاء الله فهو كافر لا تجوز المناكحة معه قال الشيخ أبو حفص في فوائده لا ينبغي للحنفي أن يزوج بنته من رجل شفعوي المذهب وهكذا قال بعض مشايخنا ولكن يتزوج بنتهم زاد في البزازية تنزيلا لهم منزلة أهل الكتاب ا هـ.
وذهب طائفة إلى تكفير من شك منهم في إيمانه بقوله أنا مؤمن إن شاء الله على وجه الشك لا مطلقا وهو الحق لأنه لا مسلم يشك في إيمانه وقول الطائفة الأولى أنه يكفر غلط لأنه لا خلاف بين العلماء في أنه لا يقال أنا مؤمن إن شاء الله للشك في ثبوته للحال بل ثبوته في الحال مجزوم به كما نقله المحقق ابن الهمام في المسايرة وإنما محل الاختلاف في جوازه لقصد إيمان الموافاة فذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى منعه وعليه الأكثرون وأجاز كثير من العلماء منهم الشافعي وأصحابه لأن بقاءه إلى الوفاة عليه وهو المسمى بإيمان الموافاة غير معلوم ولما كان ذلك هو المعتبر في النجاة كان هو الملحوظ عند المتكلم في ربطه بالمشيئة وهو أمر مستقبل فالاستثناء فيه اتباع لقوله تعالى:
{وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً. إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 23] وقال أئمة الحنفية لما كان ظاهر التركيب الإخبار بقيام الإيمان به في الحال مع اقتران كلمة الاستثناء به كان تركه أبعد عن التهمة فكان تركه واجبا وأما من علم قصده فربما تعتاد النفس التردد لكثرة إشعارها بترددها في ثبوت الإيمان واستمراره وهذه مفسدة إذ قد يجر

 

ج / 2 ص -87-         ........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلى وجوده آخر الحياة الاعتياد خصوصا والشيطان منقطع مجرد نفسه لسبيل لا شغل له سواك فيجب ترك المؤدي إلى هذه المفسدة ا هـ.
فالحاصل أنه لا فائدة في هذا الشرط وهو قول الطائفة الثانية أن لا يكون شاكا في إيمانه إذ لا مسلم يشك فيه وأما التكفير بمطلق الاستثناء فقد علمت غلطه وأقبح من ذلك من منع مناكحتهم وليس هو إلا محض تعصب نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا خصوصا قد نقل الإمام السبكي في رسالة ألفها في هذه المسألة أن القول بدخول الاستثناء في الإيمان هو قول أكثر السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم والشافعية والمالكية والحنابلة ومن المتكلمين الأشعرية والكلابية قال وهو قول سفيان الثوري ا هـ. فالقول بتكفير هؤلاء من أقبح الأشياء ثم اعلم أنه قد صرح في النهاية والعناية وغيرهما بكراهة الاقتداء بالشافعي إذا لم يعلم حاله حتى صرح في النهاية بأنه إذا علم منه مرة عدم الوضوء من الحجامة ثم غاب عنه ثم رآه يصلي فالصحيح جواز الاقتداء به مع الكراهة فصار الحاصل أن الاقتداء بالشافعي على ثلاثة أقسام.
الأول: أن يعلم منه الاحتياط في مذهب الحنفي فلا كراهة في الاقتداء به.
الثاني: أن يعلم منه عدمه فلا صحة لكن اختلفوا هل يشترط أن يعلم منه عدمه في خصوص ما يقتدي به أو في الجملة صحح في النهاية الأول وغيره اختار الثاني وفي فتاوى الزاهدي إذا رآه احتجم ثم غاب فالأصح أنه يصح الاقتداء به لأنه يجوز أن يتوضأ احتياطا وحسن الظن به أولى.
الثالث: أن لا يعلم شيئا فالكراهة ولا خصوصية لمذهب الشافعي بل إذا صلى حنفي خلف مخالف لمذهبه فالحكم كذلك وظاهر الهداية أن الاعتبار لاعتقاد المقتدي ولا اعتبار لاعتقاد الإمام حتى لو شاهد الحنفي إمامه الشافعي مس امرأة ولم يتوضأ ثم اقتدى به فإن أكثر مشايخنا قالوا يجوز وهو الأصح كما في فتح القدير وغيره.
وقال الهندواني وجماعة لا يجوز و رجحه في النهاية بأنه يصل لما أن زعم الإمام أن صلاته ليست بصلاة فكان الاقتداء حينئذ بناء الموجود على المعدوم في زعم الإمام وهو الأصل فلا يصح الاقتداء ا هـ.

 

ج / 2 ص -88-         والسنة قبل الفجر وبعد الظهر والمغرب والعشاء ركعتان وقبل الظهر والجمعة وبعدها أربع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ورد بأن المقتدي يرى جوازها والمعتبر في حقه رأي نفسه لا غيره وأيضا ينبغي حمل حال الإمام على التقليد لأبي حنيفة حملا لحال المسلم على الصلاح ما أمكن فيتحد اعتقادهما وإلا لزم منه تعمد الدخول في الصلاة بغير طهارة على اعتقاده وهو حرام إلا أن تفرض المسألة أن المأمور علم به والإمام لم يعلم بذلك كما ذكره الشارح فيقتصر على الجواب الأول.
"قوله: والسنة قبل الفجر وبعد الظهر والمغرب والعشاء ركعتان وقبل الظهر والجمعة وبعدها أربع" شرع في بيان النوافل بعد ذكر الواجب فذكر أنها نوعان سنة ومندوب.
فالأول في كل يوم ما عدا الجمعة ثنتا عشرة ركعة وفي يوم الجمعة أربع عشرة ركعة والأصل فيه ما رواه الترمذي وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من ثابر على ثنتي عشرة ركعة من السنة بنى الله له بيتا في الجنة". وذكرها كما في الكتاب وروى مسلم "أنه عليه الصلاة والسلام كان يصليها".
وبدأ المصنف بسنة الفجر لأنها أقوى السنن باتفاق الروايات لما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد تعاهدا منه على ركعتي الفجر. وفي لفظ لمسلم
"ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها".

 

ج / 2 ص -89-         ..........................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي أوسط الطبراني عنها أيضا: لم أره ترك الركعتين قبل صلاة الفجر في سفر ولا حضر ولا صحة ولا سقم. وقد ذكروا ما يدل على وجوبها قال في الخلاصة أجمعوا أن ركعتي الفجر قاعدا من غير عذر لا يجوز كذا روى الحسن عن أبي حنيفة ا هـ.
وفي النهاية قال مشايخنا العالم إذا صار مرجعا في الفتاوى يجوز له ترك سائر السنن لحاجة الناس إلى فتواه إلا سنة الفجر ا هـ.
وفي المضمرات معزيا إلى العتابي من أنكر سنة الفجر يخشى عليه الكفر وفي الخلاصة الظاهر من الجواب أن السنة لا تقضى إلا سنة الفجر ومما يدل على وجوبها ما في سنن أبي داود عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا تدعوا ركعتي الفجر ولو طردتكم الخيل" فقد وجدت المواظبة عليها بما قدمناه والنهي عن تركها لكن المنقول في أكثر الكتب أنها سنة مؤكدة وإن قلنا إنها بمعنى الواجب هنا لم يصح لأنها تتأدى بمطلق النية.
قال في التجنيس رجل صلى ركعتين تطوعا وهو يظن أن الفجر لم يطلع فإذا الفجر طالع يجزئه عن ركعتي الفجر هو الصحيح لأن السنة تطوع فتتأدى بنية التطوع ا هـ.
لكن في الخلاصة الأصح أنها لا تنوب وهو يدل على الوجوب وفيها أيضا عن متفرقات شمس الأئمة الحلواني رجل صلى أربع ركعات في الليل فتبين أن الركعتين الآخرتين بعد طلوع الفجر تحتسب عن ركعتي الفجر عندهما وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة قال وبه يفتى ا هـ. ورده في التجنيس بأن الأصح أنها لا تنوب عن ركعتي الفجر كما إذا صلى الظهر ستا وقد قعد على رأس الرابعة فإنه لا تنوب الركعتان عن ركعتي السنة في الصحيح من الجواب كذا هذا وهذا لأن السنة ما واظب النبي صلى الله عليه وسلم عليها ومواظبته عليه السلام كانت بتحريمة

 

ج / 2 ص -90-         .......................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مبتدأة وفي الخلاصة والسنة في ركعتي الفجر ثلاث.
أحدها: أن يقرأ في الركعة الأولى
{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وفي الثانية الإخلاص.
والثانية: أن يأتي بهما أول الوقت.
والثالثة: أن يأتي بهما في بيته وإلا فعلى باب المسجد وإلا ففي المسجد الشتوي إن كان الإمام في الصيفي أو عكسه إن كان يرجو إدراكه وإن كان المسجد واحدا يأتي بهما في ناحية من المسجد ولا يصليهما مخالطا للصف مخالفا للجماعة فإن فعل ذلك يكره أشد الكراهة ولا يطول القراءة فيهما ولو تذكر في الفجر أنه لم يصل ركعتي الفجر لم يقطع ا هـ.
وذكر الولوالجي إمام يصلي الفجر في المسجد الداخل فجاء رجل يصلي الفجر في المسجد الخارج اختلف المشايخ فيه قال بعضهم يكره وقال بعضهم لا يكره لأن ذلك كله كمكان واحد بدليل جواز الاقتداء لمن كان في المسجد الخارج بمن كان في المسجد الداخل وإذا اختلف المشايخ فالاحتياط أن لا يفعل ا هـ.
وفي القنية إذا لم يسع وقت الفجر إلا الوتر والفجر أو السنة والفجر فإنه يوتر ويترك السنة عند أبي حنيفة وعندهما السنة أولى من الوتر ا هـ.
وفي المحيط ولو صلى ركعتي الفجر مرتين بعد الطلوع فالسنة آخرهما لأنه أقرب إلى المكتوبة ولم يتخلل بينهما صلاة والسنة ما تؤدى متصلا بالمكتوبة ا هـ.
وفي القنية واختلف في آكد السنن بعد سنة الفجر فقيل الأربع قبل الظهر والركعتان بعده والركعتان بعد المغرب كلها سواء والأصح أن الأربع قبل الظهر آكد ا هـ.
وهكذا صححه في العناية والنهاية لأن فيها وعيدا معروفا قال عليه الصلاة والسلام
"من ترك أربعا قبل الظهر لم تنله شفاعتي".
وفي التجنيس والنوازل والمحيط رجل ترك سنن الصلوات الخمس إن لم ير السنن حقا فقد كفر لأنه ترك استخفافا وإن رأى حقا منهم من قال لا يأثم والصحيح أنه يأثم لأنه جاء الوعيد بالترك ا هـ. وتعقبه في فتح القدير بأن الإثم منوط بترك الواجب وقد قال صلى الله عليه وسلم للذي قال والذي بعثك بالحق لا أزيد على ذلك شيئا:
"أفلح إن صدق" ا هـ. ويجاب عنه بأن السنة

 

ج / 2 ص -91-         ........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المؤكدة بمنزلة الواجب في الإثم بالترك كما صرحوا به كثيرا وصرح به في المحيط هنا وأنه لا يجوز ترك السنن المؤكدة ولو صلى وحده وهو أحوط ا هـ وبأن حديث الأعرابي كان متقدما وقد شرع بعده أشياء كالوتر فجاز أن تكون السنن المؤكدة كذلك لما قدمنا أنه لم يذكر له صدقة الفطر وقد اتفقوا على أنه يأثم بتركها وفي النهاية وذكر الحلواني أنه لا بأس بأن يقرأ بين الفريضة والسنة الأوراد.
وفي شرح الشهيد القيام إلى السنة متصلا بالفرض مسنون وفي الشافي كان عليه الصلاة والسلام: إذا سلم يمكث قدر ما يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك يعود السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام. وكذلك عن البقالي ولم يمر بي لو تكلم بعد الفريضة هل تسقط السنة قيل تسقط وقيل لا تسقط ولكن ثوابه أنقص من ثوابه قبل التكلم ا هـ.
وفي القنية الكلام بعد الفرض لا يسقط السنة ولكن ينقص ثوابه وكل عمل ينافي التحريمة أيضا وهو الأصح ا هـ. وفي الخلاصة لو صلى ركعتي الفجر أو الأربع قبل الظهر واشتغل بالبيع والشراء أو الأكل فإنه يعيد السنة أما بأكل لقمة أو شربة لا تبطل السنة ا هـ.
وفي المجتبى وفي الأربع قبل الظهر والجمعة وبعدها لا يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في القعدة الأولى ولا يستفتح إذا قام إلى الثالثة بخلاف سائر ذوات الأربع من النوافل ا هـ. وصحح في فتاواه أنه لا يأتي بهما في الكل لأنها صلاة واحدة ا هـ. ولا يخفى ما فيه فالظاهر الأول والدليل على استنان الأربع قبل الجمعة ما رواه مسلم مرفوعا:
"من كان مصليا قبل الجمعة فليصل أربعا" مع ما رواه ابن ماجه عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركع من قبل الجمعة أربعا لا

 

ج / 2 ص -92-         وندب الأربع قبل العصر والعشاء وبعدها والست بعد المغرب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يفصل في شيء منهن. وعلى استنان الأربع بعدها ما في صحيح مسلم عن أبي هريرة مرفوعا
"إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعا" وفي رواية "إذا صليتم بعد الجمعة فصلوا أربعا" وذكر في البدائع أنه ظاهر الرواية وعن أبي يوسف أنه ينبغي أن يصلي أربعا ثم ركعتين وذكر محمد في كتاب الاعتكاف أن المعتكف يمكث في المسجد الجامع مقدار ما يصلي أربعا أو ستا ا هـ.
وفي الذخيرة والتجنيس وكثير من مشايخنا على قول أبي يوسف وفي منية المصلي والأفضل عندنا أن يصلي أربعا ثم ركعتين وفي القنية صلى الفريضة وجاء الطعام فإن ذهب حلاوة الطعام أو بعضها يتناول ثم يأتي بالسنة وإن خاف الوقت يأتي بالسنة ثم يتناول الطعام ولو نذر بالسنن وأتى بالمنذور به فهو السنة.
وقال تاج الدين أبو صاحب المحيط لا يكون آتيا بالسنة لأنه لما التزمها صارت أخرى فلا تنوب مناب السنة ولو أخر السنة بعد الفرض ثم أداها في آخر الوقت لا تكون سنة وقيل تكون سنة ا هـ.
والأفضل في السنن أداؤها في المنزل إلا التراويح وقيل إن الفضيلة لا تختص بوجه دون وجه وهو الأصح لكن كل ما كان أبعد من الرياء وأجمع للخشوع والإخلاص فهو أفضل كذا في النهاية وفي الخلاصة في سنة المغرب إن خاف لو رجع إلى بيته شغله شأن آخر يأتي بها في المسجد وإن كان لا يخاف صلاها في المنزل وكذا في سائر السنن حتى الجمعة والوتر في البيت أفضل ا هـ.
"قوله: وندب الأربع قبل العصر والعشاء وبعدها والست بعد المغرب" بيان للمندوب من

 

ج / 2 ص -93-         .......................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النوافل أما الأربع قبل العصر فلما رواه الترمذي وحسنه عن علي رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قبل العصر أربع ركعات يفصل بينهن بالتسليم على الملائكة المقربين ومن تبعهم من المسلمين والمؤمنين. وروى أبو داود عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل العصر ركعتين. فلذا خيره في الأصل بين الأربع وبين الركعتين والأفضل الأربع وإنما لم تكن الركعتان سنة راتبة لأنها ثابتة بيقين ويكون الأربع مستحبا لأنه لم يذكر في حديث عائشة رضي الله عنها للعصر سنة راتبة أصلا كما في البدائع فلذا لم يجعل له سنة وأما الأربع قبل العشاء فذكروا في بيانه أنه لم يثبت أن التطوع بها من السنن الراتبة فكان حسنا لأن العشاء نظير الظهر في أنه يجوز التطوع قبلها وبعدها كذا في البدائع ولم ينقلوا حديثا فيه بخصوصه لاستحبابه وأما الأربع بعدها ففي سنن أبي داود عن شريح بن هانئ قال سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ما صلى العشاء قط فدخل بيتي إلا صلى فيه أربع ركعات أو ست ركعات.
قال في فتح القدير الذي يقتضيه النظر كون الأربع بعد العشاء سنة لنقل المواظبة عليها في أبي داود فإنه نص في مواظبته على الأربع دون الست للمتأمل ا هـ.
وقد يقال إنما لم تكن الأربع سنة لما في الصحيحين عن ابن عمر قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين بعد الجمعة. وحدثتني حفصة بنت عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين خفيفتين بعدما يطلع الفجر. ا هـ. فهو معارض لنقل المواظبة على الأربع فلذا لم تكن سنة وأما الستة بعد المغرب فلما روى ابن عمر رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال:
"من صلى بعد المغرب ست ركعات كتب من الأوابين وتلا

 

ج / 2 ص -94-         ........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله تعالى:
{فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً} [الاسراء: 25] وذكر في التجنيس أنه يستحب أن يصلي الست بثلاث تسليمات ولم يذكر المصنف من المندوبات الأربع بعد الظهر وصرح باستحبابها جماعة من المشايخ لحديث أبي داود والترمذي والنسائي وحكى في فتح القدير اختلافا بين أهل عصره في مسألتين.
الأولى: هل السنة المؤكدة محسوبة من المستحب في الأربع بعد الظهر وبعد العشاء وفي الست بعد المغرب أو لا؟
الثانية: على تقدير الأول هل يؤدي الكل بتسليمة واحدة أو بتسليمتين واختار الأول فيهما وأطال الكلام فيه إطالة حسنة كما هو دأبه.
وظاهره أنه لم يطلع عليه في كلام من تقدمه ولم يذكر المصنف من المندوبات صلاة الضحى للاختلاف فيها فقيل لا تستحب لما في صحيح البخاري من إنكار ابن عمر لها وقيل مستحبة لما في صحيح مسلم عن عائشة أنه عليه السلام كان يصلي الضحى أربع ركعات ويزيد ما شاء. وهذا هو الراجح ولا يخالفه ما في الصحيحين عنها ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحى قط وإني لأسبحها. لاحتمال أنها أخبرت في النفي عن رؤيتها ومشاهدتها وفي الإثبات عن خبره عليه السلام أو خبر غيره عنه أو أنها أنكرتها مواظبة وإعلانا ويدل لذلك كله قولها وإني لأسبحها وفي رواية الموطإ وإني لأستحبها من الاستحباب وهو أظهر في المراد وظاهر ما في المنية يدل على أن أقلها ركعتان وأكثرها ثنتا عشرة ركعة لما رواه الطبراني في الكبير عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من صلى الضحى ركعتين لم يكتب من

 

ج / 2 ص -95-         ........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الغافلين ومن صلى أربعا كتب من العابدين ومن صلى ستا كفى ذلك اليوم ومن صلى ثمانيا كتبه الله من القانتين ومن صلى اثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتا في الجنة وما من يوم وليلة إلا ولله من يمن به على عباده وصدقة وما من الله على أحد من عباده أفضل من أن يلهمه ذكره.
قال المنذري ورواته ثقات ولم أر بيان أول وقتها وآخره لمشايخنا هنا ولعلهم تركوه للعلم به وهو أنه من ارتفاع الشمس إلى زوالها كما لا يخفى ثم رأيت صاحب البدائع صرح به في كتب الأيمان فيما إذا حلف ليكلمنه الضحى فقال أنه من الساعة التي تحل فيها الصلاة إلى الزوال وهو وقت صلاة الضحى ا هـ.
ومن المندوبات تحية المسجد وقد قدمناها في أحكام المسجد قبيل باب الوتر وصرح في الخلاصة باستحبابها وأنها ركعتان.
ومن المندوبات ركعتان عقيب الوضوء كما في شرح النقاية والتبيين.
ومن المندوبات صلاة الاستخارة وقد أفصحت السنة ببيانها فعن جابر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول:
"إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال عاجل أمري وآجله فقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال عاجله فاصرفه عني واصرفني عنه وقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به قال ويسمي حاجته" رواه البخاري وغيره.

 

ج / 2 ص -96-         ........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن المندوبات صلاة الحاجة وهي ركعتان كما ذكره في شرح منية المصلي مع ما قبله من الاستخارة والأحاديث بها مذكورة في "لترغيب والترهيب."
ومن المندوبات صلاة الليل حثت السنة الشريفة عليها كثيرا وأفادت أن لفاعلها أجرا كبيرا فمنها ما في صحيح مسلم مرفوعا: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل" وروى ابن خزيمة مرفوعا:
"عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وقربة إلى ربكم ومكفرة للسيئات ومنهاة عن الإثم" وروى الطبراني مرفوعا "لا بد من صلاة بليل ولو حلب شاة وما كان بعد صلاة العشاء فهو من الليل" ا هـ.
وهو يفيد أن هذه السنة تحصل بالتنفل بعد صلاة العشاء قبل النوم وقد تردد في فتح القدير في صلاة التهجد أهي سنة في حقنا أم تطوع وأطال الكلام على وجه التحقيق كما هو دأبه وأوسع منه ما ذكره في أواخر "رح منية المصلي."
ومن المندوبات إحياء ليالي العشر من رمضان وليلتي العيدين وليالي عشر ذي الحجة وليلة النصف من شعبان كما وردت به الأحاديث وذكرها في الترغيب والترهيب مفصلة والمراد بإحياء الليل قيامه وظاهره الاستيعاب ويجوز أن يراد غالبه ويكره الاجتماع على إحياء ليلة من هذه الليالي في المساجد.
قال في الحاوي القدسي ولا يصلى تطوع بجماعة غير التراويح وما روي من الصلوات في الأوقات الشريفة كليلة القدر وليلة النصف من شعبان وليلتي العيد وعرفة والجمعة وغيرها تصلى فرادى انتهى ومن هنا يعلم كراهة الاجتماع على صلاة الرغائب التي تفعل في

 

ج / 2 ص -97-         وكره الزيادة على أربع في نفل النهار وعلى ثمان ليلاً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رجب في أول ليلة جمعة منه وأنها بدعة وما يحتاله أهل الروم من نذرها لتخرج عن النفل والكراهة فباطل وقد أوضحه العلامة الحلبي وأطال فيه إطالة حسنة كما هو دأبه وفي "فتاوى البزازية"
"قوله: وكره الزيادة على أربع في نفل النهار وعلى ثمان ليلا" أي بتسليمة والأصل فيه أن النوافل شرعت توابع للفرائض والتبع لا يخالف الأصل فلو زيدت على الأربع في النهار لخالفت الفرائض وهذا هو القياس في الليل إلا أن الزيادة على الأربع إلى الثمان عرفناه بالنص وهو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: كان يصلي بالليل خمس ركعات سبع ركعات تسع ركعات إحدى عشرة ركعة ثلاث عشرة ركعة. والثلاث من كل واحد من هذه الأعداد الوتر وركعتان سنة الفجر فيبقى ركعتان وأربع وست وثمان فيجوز إلى هذا القدر بتسليمة واحدة من غير كراهة.
واختلف المشايخ في الزيادة على الثمان بتسليمة واحدة مع اختلاف التصحيح فصحح الإمام السرخسي عدم الكراهة معللا بأن فيه وصل العبادة بالعبادة وهو أفضل ورده في البدائع بأنه يشكل بالزيادة على الأربع في النهار قال والصحيح أنه يكره لأنه لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى وفي منية المصلي أن الزيادة المذكورة مكروهة بالإجماع أي بإجماع أبي حنيفة وصاحبيه وبه يضعف قول السرخسي وصحح في الخلاصة ما ذهب إليه السرخسي ويشهد له ما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها في حديث طويل أنه كان يصلي تسع ركعات لا يجلس فيهن إلا في الثامنة فيذكر الله تعالى ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم فيصلي التاسعة ثم يقعد فيذكر الله تعالى ويحمده ويدعوه ثم يسلم تسليما يسمعنا. إلا أن هذا يقتضي عدم جواز القعود فيها أصلا إلا بعد الثامنة وجواز التنفل بالوتر من الركعات وكلمتهم على وجوب القعدة على رأس الركعتين من النفل مطلقا وإنما الخلاف في الفساد بتركها وعلى كراهة التنفل بالوتر من الركعات.
ومن العجب ما ذكره الطحاوي من رده استدلالهم على إباحة الثمان بتسليمة واحدة بما ثبت عن عائشة من رواية الزهري أنه كان يسلم من كل اثنتين منهن ولم نجد عنه من فعله ولا من قوله أنه أباح أن يصلي في الليل بتكبيرة أكثر من ركعتين وبذلك نأخذ وهو أصح القولين في ذلك انتهى.

 

ج / 2 ص -98-         والأفضل فيهما الرباع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وذكر في غاية البيان أن الحق ما قاله الطحاوي لأن استدلالهم استدلال بالمحتمل فلا يكون حجة وهذا لأنه يحتمل أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي أربع ركعات فرض العشاء وأربع ركعات سنة العشاء وثلاث ركعات الوتر فيكون المجموع إحدى عشرة ركعة وليس في حديث عائشة قيد التطوع حتى يدل على إباحة الثمان على أن عائشة في رواية الزهري عن عروة فسرت الإجمال وأزالت الاحتمال فلم يدل على إباحة ثمان ركعات بتسليمة انتهى لأن ما ذكرناه عن صحيح مسلم صريح في رد كلام الطحاوي ومن تبعه لأن الثمان كانت نفلا بتسليمة واحدة.
"قوله: والأفضل فيهما الرباع" أي الأفضل في الليل والنهار أربع ركعات بتسليمة واحدة عند أبي حنيفة وقالا في الليل ركعتان لحديث الصحيحين عن ابن عمر أن رجلا قال يا رسول الله كيف صلاة الليل؟ قال:
"مثنى مثنى فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة" ولأبي حنيفة ما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها ما كان يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ولا في غيره على إحدى عشر ركعة يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا. وما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان عليه الصلاة والسلام يصلي الضحى أربعا ولا يفصل بينهن بسلام.
وما تقدم من حديث أبي أيوب وغيره في سنة الظهر والجمعة ثم الجواب عن دليلهما كما أفاده المحقق في فتح القدير مختصرا أن مقتضى لفظ الحديث إما مثنى في حق الفضيلة بالنسبة إلى الأربع أو في حق الإباحة بالنسبة إلى الفرد وترجيح أحدهما بمرجح وفعله صلى الله عليه وسلم ورد على كلا النحوين لكن عقلنا زيادة فضيلة الأربع لأنها أكثر مشقة على النفس بسبب طول تقييدها في مقام الخدمة ورأيناه صلى الله عليه وسلم قال:
"إنما أجرك على قدر نصبك" فحكمنا بأن المراد الثاني لا

 

ج / 2 ص -99-         وطول القيام أحب من كثرة السجود
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
واحدة أو ثلاث ولهذا ذكر في زيادات الزيادات أن من نذر أن يصلي أربعا بتسليمة فصلاها بتسليمتين لم يجزه ولو نذر أن يصلي أربعا بتسليمتين فصلاها بتسليمة واحدة جاز عن نذره وفي المحيط وإنما اخترنا في التراويح مثنى مثنى لأنها تؤدى بالجماعة وأداؤها على الناس مثنى مثنى أخف وأيسر.
"قوله: وطول القيام أحب من كثرة السجود" أي أفضل من عدد الركعات وقد اختلف النقل عن محمد في هذه المسألة فنقل الطحاوي عنه في شرح الآثار كما في الكتاب وصححه في البدائع ونسب ما قابله إلى الشافعي ووجهه ما رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"أفضل الصلاة طول القنوت" والمراد بالقنوت القيام بدليل ما رواه أحمد وأبو داود مرفوعا: "أي الصلاة أفضل قال عليه الصلاة والسلام طول القيام" ولأن ذكره القراءة وذكر الركوع والسجود التسبيح ونقل عنه في المجتبى أن كثرة الركوع والسجود أفضل لقوله عليه الصلاة والسلام للسائل كما في صحيح مسلم: "عليك بكثرة السجود ولآخر أعني على نفسك بكثرة السجود" وقوله عليه الصلاة والسلام: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"، ولأن السجود

 

ج / 2 ص -100-       والقراءة فرض في ركعتي الفرض.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غاية التواضع والعبودية ولتعارض الأدلة توقف الإمام أحمد في هذه المسألة ولم يحكم فيها بشيء وفصل الإمام أبو يوسف كما في المجتبى والبدائع فقال إذا كان له ورد من الليل بقراءة من القرآن فالأفضل أن يكثر عدد الركعات وإلا فطول القيام أفضل لأن القيام في الأول لا يختلف ويضم إليه زيادة الركوع والسجود انتهى.
والذي ظهر للعبد الضعيف: أن كثرة الركعات أفضل من طول القيام لأن القيام إنما شرع وسيلة إلى الركوع والسجود كما صرحوا به في صلاة المريض من أنه لو قدر على القيام ولم يقدر على الركوع والسجود سقط عنه القيام مع قدرته عليه لعجزه عما هو المقصود فلا تكون الوسيلة أفضل من المقصود وأما لزومه لكثرة القراءة فلا يفيد الأفضلية أيضا لأن القراءة ركن زائد كما صرحوا به مع الاختلاف في أصل ركنيتها بخلاف الركوع والسجود أجمعوا على ركنيتهما وأصالتهما كما قدمناه مع تخلف القيام عن القراءة في الفرض فيما زاد على الركعتين فترجح هذا القول بما ذكرنا بعد تعارض الدلائل المتقدمة.
"قوله: والقراءة فرض في ركعتي الفرض" أي فرض عملي كما في السراج الوهاج للاختلاف فيه بين العلماء ولم يقيد الركعتين بالأوليين لأن تعيينهما للقراءة ليس بفرض وإنما هو واجب على المشهور في المذهب وصرح به المصنف في عد الواجبات وصحح في البدائع أن محلها الركعتان الأوليان عينا في الصلاة الرباعية وقال بعضهم ركعتان منها غير عين مع اتفاقهم على أنه لو قرأ في الأخريين فقط فإنها صحيحة وأنه يجب عليه سجود السهو إن كان ساهيا على كلا القولين المذكورين.
ففائدة الاختلاف إنما هو في سبب سجود السهو فعلى ما صححه سببه تغيير الفرض عن محله وتكون قراءته في الأخريين قضاء عن قراءته في الأوليين وعلى قول البعض سببه ترك الواجب وقراءته في الأخريين أداء لا قضاء والأمر سهل وما في غاية البيان من أن تعيين القراءة في الأوليين أفضل إن شاء قرأ فيهما وإن شاء قرأ في الأخريين أو في إحدى الأوليين وإحدى الأخريين ضعيف لتصريح الجم الغفير بالوجوب في الأوليين لا بالأفضلية وإنما كانت فرضا في ركعتين لقوله تعالى
{فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وهو لا يقتضي التكرار فكان مؤداه افتراضها في ركعة إلا أن الثانية اعتبرت شرعا كالأولى فإيجاب القراءة فيها

 

 

ج / 2 ص -101-       وكل النفل والوتر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إيجاب فيهما دلالة وأما قوله عليه السلام في حديث المسيء صلاته
"ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم قال في آخره ثم افعل ذلك في صلاتك كلها" فلا يثبت به الفرض لأن القطعي لا يثبت بالظني وإنما لم تكن القراءة في الأخريين واجبة في الفرض كما هو الصحيح من المذهب مع وجود الأمر المذكور المقضي للوجوب لوجود صارف له عنه وهو قول الصحابة على خلافه كما رواه ابن أبي شيبة عن علي وابن مسعود قال اقرأ في الأوليين وسبح في الأخريين لكن ذكر المحقق في فتح القدير أنه لا يصلح صارفا إلا إذا لم يرد عن غيرهما من الصحابة خلاف وإلا فاختلافهم في الوجوب لا يصرف دليل الوجوب عنه فالأحوط رواية الحسن رحمه الله بالوجوب في الأخريين انتهى وقد يقال أن مقتضاه لزوم قراءة ما تيسر في الأخريين وجوبا لا تعيين الفاتحة كما هو رواية الحسن فليس موافقا لكل من الروايتين وفي القنية لم يقرأ في الأوليين وقرأ في الأخريين الفاتحة في الصلاة على قصد الثناء والدعاء لا يجزئه انتهى مع أن المنقول في التجنيس أنه إذا قرأ الفاتحة في الصلاة على قصد الثناء جازت صلاته لأنه وجدت القراءة في محلها فلا يتغير حكمها بقصده وهكذا في الظهيرية ثم ذكر بعده ما في القنية عن شمس الأئمة الحلواني ووجهه أن القراءة ليست في محلها فتغيرت بقصده كما يشير إليه تعليله في التجنيس.
"قوله: وكل النفل والوتر" أي القراءة فرض في جميع ركعات النفل والوتر أما النفل فلأن كل شفع منه صلاة على حدة والقيام إلى الثالثة كتحريمة مبتدأة ولهذا لا يجب بالتحريمة الأولى إلا ركعتان في المشهور عن أصحابنا ولهذا قالوا يستفتح في الثالثة وأما الوتر فللاحتياط كذا في الهداية وزاد في فتح القدير ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في كل قعدة وقياسه أن يتعوذ في كل شفع انتهى إلا أنه لا يتم لأنه لا يشمل السنة الرباعية المؤكدة كسنة الظهر القبلية فإن القراءة فرض في جميع ركعاتها مع أن القيام إلى الثالثة ليس كتحريمة مبتدأة بل هي صلاة واحدة ولهذا لا يستفتح في الشفع الثاني ولا يصلي في القعدة الأولى ولا يبطل خيارها بقيامها فيها إلى الشفع الثاني وإن أريد بالنفل في كلامهم ما ليس سنة مؤكدة لم يتم أيضا لخلوه عن إفادة حكم القراءة في السنة المؤكدة وإنما لم تكن القعدة على رأس كل شفع فرضا كما هو قول محمد وهو القياس لأنها فرض للخروج من الصلاة فإذا قام إلى الثالثة تبين أن ما قبلها لم يكن أو أن الخروج

 

ج / 2 ص -102-       ولزم النفل بالشروع ولو عند الغروب والطلوع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من الصلاة فلم تبق القعدة فريضة بخلاف القراءة فإنها ركن مقصود بنفسه فإذا تركه تفسد صلاته.
"قوله: ولزم النفل بالشروع ولو عند الغروب والطلوع" بيان لما وجب على العبد من الصلاة بالتزامه وهو نوعان:
ما وجب بالقول وهو النذر.
وما وجب بالفعل وهو الشروع في النفل فنبدأ به تبعا للكتاب فنقول إن إبطال العمل حرام بالنص
{وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] فيلزمه الإتمام لأن الاحتراز عن إبطال العمل فيما لا يحتمل الوصف بالتحري لا يكون إلا بالتمام لأن المؤدى وقع قربة بدليل أنه لو مات بعد القدر المؤدى يصير مثابا وقد اتفق أصحابنا على لزوم القضاء في إفساد الصلاة والصوم سواء كان بعذر كالحيض في خلالهما أو بغير عذر وأنه يحل الإفساد لعذر فيهما وأنه لا يحل الإفساد في الصلاة لغير عذر واختلفوا في إباحته في الصوم لغير عذر ففي ظاهر الرواية لا يباح وفي رواية المنتقى يباح كما سيأتي في الصوم.
وقوله ولو عند الغروب بيان لكونه لازما له إذا شرع فيه في وقت مكروه وهو ظاهر الرواية فإذا أفسده لزمه قضاؤه بخلاف الصوم إذا شرع في وقت مكروه فإنه لا قضاء عليه بالإفساد وسيأتي الفرق إن شاء الله تعالى في الصوم.
وفي "البدائع": وعندنا الأفضل أن يقطعها وإن أتم فقد أساء ولا قضاء عليه لأنه أداها كما وجبت فإذا قطعها لزمه القضاء انتهى وينبغي أن يكون القطع واجبا خروجا على المكروه تحريما وليس بإبطال للعمل لأنه إبطال ليؤديه على وجه أكمل فلا يعد إبطالا ولو قضاه في وقت مكروه آخر أجزأه لأنها وجبت ناقصة وأداها كما وجبت فيجوز كما لو أتمها في ذلك الوقت أطلق الشروع فانصرف إلى الصحيح فلو لم يكن صحيحا لا قضاء عليه كما لو شرع في صلاة أمي متطوعا أو في صلاة امرأة أو جنب أو محدث كما في البدائع وانصرف إلى القصدي فالشروع في الصلاة المظنونة غير موجب.
والمراد بالشروع: هو الدخول فيها بتكبيرة الافتتاح أو بالقيام إلى الشفع الثاني بعد الفراغ من الأول صحيحا فإذا أفسد الشفع الثاني لزمه قضاؤه فقط ولا يسري إلى الأول لما تقدم أن كل شفع منه صلاة على حدة إلا إذا صلى ثلاث ركعات بقعدة واحدة فإن الأصح أنه لا يجوز وفسد الشفع الأول لأن ما اتصل به القعدة وهي الركعة الأخيرة فسدت لأن التنفل بالركعة الواحدة غير

 

ج / 2 ص -103-       .......................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مشروع فيفسد ما قبلها كذا في البدائع ثم هذا النفل إذا صار لازما بالشروع لا يخرج عن أصل النفلية ولهذا لو اقتدى متطوعا بإمام مفترض ثم قطعه ثم اقتدى به ولم ينو القضاء فإنه يخرج عن العهدة ولو نوى تطوعا آخر ذكر في الأصل أنه ينوب عما لزمه بالإفساد وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف وذكر في زيادات الزيادات أنه لا ينوب كما في البدائع أيضا.
وأما ما يجب بالقول وهو النذر ففي القنية أداء النفل بعد النذر أفضل من أدائه بدون النذر ثم نقل أنه لو أراد أن يصلي نوافل قيل ينذرها ثم يصليها وقيل يصليها كما هي انتهى ويشكل عليه ما رواه مسلم في صحيحه من النهي عن النذر وهو مرجح لقول من قال لا ينذرها لكن بعضهم حمل النهي على النذر المعلق على شرط لأنه يصير حصول الشرط كالعوض للعبادة فلم يكن مخلصا ووجه من قال بنذرها وإن كانت تصير واجبة بالشروع أن الشروع في النذر يكون واجبا فيحصل له ثواب الواجب به بخلاف النفل.
والأحسن عند العبد الضعيف أنه لا ينذرها خروجا عن عهدة النهي بيقين ثم المنذور قسمان منجز ومعلق.
فالمنجز يلزم الوفاء به إن كان عبادة مقصودة بنفسها ومن جنسها واجب فيحرم عليه الوفاء بنذر معصية ولا يلزمه بنذر مباح من أكل وشرب ولبس وجماع وطلاق ولا بنذر ما ليس بعبادة مقصودة كنذر الوضوء لكل صلاة وكذا لو نذر سجدة التلاوة خلافا لما في القنية من أنها تلزمه بخلاف ما إذا قال سجدة لا تلزمه ولا بنذر ما ليس من جنسه واجب كعيادة المريض وتشييع الجنازة.
قال في البدائع ومن شروطه أن يكون قربة مقصودة فلا يصح النذر بعيادة المرضى وتشييع الجنائز والوضوء والاغتسال ودخول المسجد ومس المصحف والأذان وبناء الرباطات والمساجد وغير ذلك وإن كانت قربا لأنها غير مقصودة فلو قال لله علي أن أصلي أو أصلي صلاة أو علي صلاة لزمه ركعتان وكذا لو قال لله علي أن أصلي يوما لزمه ركعتان كما في القنية فلو نذر صلوات شهر فعليه صلوات شهر كالمفروضات مع الوتر دون

 

ج / 2 ص -104-       ........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السنن لكنه يصلي الوتر والمغرب أربعا ولو نذر أن يصلي ركعة لزمه ركعتان أو ثلاثا فأربع لأن ذكر بعض ما لا يتجزأ كذكر كله كما عرف ولو نذر نصف ركعة لزمه ركعتان عند أبي يوسف وهو المختار كما في الخلاصة والتجنيس.
ولو نذر أن يصلي الظهر ثمانيا أو أن يزكي النصاب عشرا أو حجة الإسلام مرتين لا يلزمه الزائد لأنه التزام غير المشروع فهو نذر بمعصية كما لو نذر صلاة بغير وضوء لأنها ليست بعبادة بخلاف ما لو نذرها بغير قراءة أو عريانا فإنها تلزمه بقراءة مستورا على المختار لأنها بغير قراءة عبادة كصلاة المأموم والأمي وبغير ثواب لعادمه.
والظاهر أن مرادهم بغير وضوء بغير طهارة أصلا تجوزا بالخاص عن العام ليكون المشروع الأصلي في مثله هو الخاص وإلا فالصلاة بغير وضوء مشروعة بالتيمم عند العجز عن استعمال الماء وينبغي أن يلزم النذر بالصلاة بغير طهارة على قول أبي يوسف كما قال به بغير وضوء لأنه يقول بمشروعيتها لفاقد الطهورين كما عرف وكأنه لندرته لم يفرع عليه.
وفي شرح المجمع لمصنفه لو قال صلاة بطهارة بلا طهارة يلزمه بطهارة اتفاقا وأما المعلق فظاهر الرواية أنه يلزمه الوفاء به عند وجود الشرط كما في الظهيرية و اختار المحققون أنه إن كان معلقا على شرط يريد كونه لجلب منفعة أو دفع مضرة كأن شفى الله مريضي أو مات عدوي فلله علي صوم أو صدقة أو صلاة لا يجزئه إلا فعل عينه.
وإن كان معلقا على شرط لا يريد كونه كأن دخلت الدار أو كلمت فلانا كان مخيرا بين الوفاء به وبين كفارة اليمين وصححه في الهداية وقال إن أبا حنيفة رجع عن غيره وكذا في الظهيرية وبه كان يفتي إسماعيل الزاهد ثم في المعلق لا يجوز تعجيله قبل وجود الشرط بخلاف المضاف كأن نذر أن يصلي في غد فصلى اليوم فإنه يجوز عندهما خلافا لمحمد.
والفرق أن المعلق لا ينعقد سببا في الحال بل عند الشرط والمضاف ينعقد في الحال كما عرف في الأصول وأوضحناه في لب الأصول ولو عين مكانا فصلى فيما هو أشرف منه أو دونه جاز خلافا لزفر في الثاني.
وذكر في المصفى أن أقوى الأماكن المسجد الحرام ثم مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ثم مسجد بيت المقدس ثم الجامع ثم مسجد الحي ثم البيت.
وذكر في الغاية بعد مسجد بيت المقدس مسجد قباء ثم الأقدم فالأقدم ثم الأعظم وذكر النووي أن هذه الفضيلة مختصة بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان في زمانه دون ما زيد فيه بعده فعلى

 

ج / 2 ص -105-       وقضى ركعتين لو نوى أربعاً وأفسده بعد القعود الأول أو قبله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا تكون الصلاة في مسجد بيت المقدس أفضل من الصلاة في تلك الزيادة إلا أن يكون فناء هذا المسجد في حكمه في الفضيلة تشريفا له وهي كانت من فنائه قبل أن تجعل منه والله أعلم بالصواب.
وفي عدة المفتي للصدر الشهيد مريض قال إن شفاني الله تعالى على أن أقدر فأصلي ركعة فلله علي أن أتصدق بدرهم هكذا إلى أربعة دراهم فقدر على أربع ركعات يجب عليه التصدق بعشرة دراهم انتهى ووجهه أنه يلزمه بالركعة الأولى درهم وبالثانية درهمان وبالثالثة ثلاثة وبالرابعة أربعة فالجملة عشرة دراهم وفي القنية أوجب على نفسه صلاة في وقت بعينه يتعين ولو فات يقضيها كالصوم ولو نذر أن يصلي أربعا بتسليمة يصلي في التشهد ويستفتح إذا قام إلى الثالثة ا هـ.
"قوله: وقضى ركعتين لو نوى أربعا وأفسده بعد القعود الأول أو قبله" يعني فيلزمه الشفع الثاني إن أفسده بعد القعود الأول والشروع في الثاني والشفع الأول فقط إن أفسده قبل القعود بناء على أنه لا يلزمه بتحريمة النفل أكثر من الركعتين وإن نوى أكثر منهما وهو ظاهر الرواية عن أصحابنا إلا بعارض الاقتداء وصحح في الخلاصة رجوع أبي يوسف إلى قولهما فهو باتفاقهم لأن الوجوب بسبب الشروع لم يثبت وضعا بل لصيانة المؤدي وهو حاصل بتمام الركعتين فلا تلزم الزيادة بلا ضرورة قيد بقوله نوى أربعا لأنه لو شرع في النفل ولم ينو لا يلزمه إلا ركعتان اتفاقا.
وقيد بالشروع لأنه لو نذر صلاة ونوى أربعا لزمه أربع بلا خلاف كما في الخلاصة لأن سبب الوجوب فيه هو النذر بصيغته وضعا وأطلق في النفل فشمل السنة المؤكدة كسنة الظهر فلا يجب بالشروع فيها إلا ركعتان حتى لو قطعها قضى ركعتين في ظاهر الرواية عن أصحابنا لأنها نفل وعلى قول أبي يوسف يقضي أربعا في التطوع ففي السنة أولى ومن المشايخ من اختار قوله في السنة المؤكدة لأنها صلاة واحدة بدليل الأحكام من أنه لا يستفتح في الشفع الثاني ولو أخبر الشفيع بالبيع فانتقل إلى الشفيع الثاني لا تبطل شفعته وكذا المخيرة وتمنع صحة الخلوة وظاهر ما في فتح القدير والتبيين والبدائع الاتفاق على هذه الأحكام وينبغي أن تختص بقول أبي يوسف وتنعكس على ما هو ظاهر الرواية لكن ذكر في شرح منية المصلي أن هذه الأحكام مسلمة عند أهل المذهب فلذا اختار ابن الفضل قول أبي يوسف ونص صاحب النصاب على أنه لا يصح حيث قال وإن قطع سنة الظهر على رأس الركعتين أو الثالثة وشرع في الفرض لزمه قضاء الأربع وهو الأصح لأنه بالشروع صار بمنزلة الفرض انتهى.

 

ج / 2 ص -106-       أو لم يقرأ فيهن شيئا أو قرأ في الأوليين أو الأخريين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقيدنا بقولنا إلا بعارض الاقتداء لأن المتطوع لو اقتدى بمصلي الظهر ثم قطعها فإنه يقضي أربعا سواء اقتدى به في أولها أو في القعدة الأخيرة لأنه بالاقتداء التزم صلاة الإمام وهي أربع كذا في البدائع.
وقيد بقوله بعد القعود لأنه لو صلى ثلاث ركعات ولم يقعد وأفسدها لزمه أربع ركعات على الصحيح كما قدمناه وقد ذكره في شرح منية المصلي بحثا وهو منقول في البدائع كما سلف فقولهم إن كل شفع في النفل صلاة على حدة مقيد بما إذا قعد على رأس الركعتين وإلا فالكل صلاة واحدة بمنزلة الفرض فإذا أفسده لزمه الكل.
"قوله: أو لم يقرأ فيهن شيئا أو قرأ في الأوليين أو الأخريين" أي قضى ركعتين في هذه المسائل الثلاث وهي من المسائل المعروفة بالثمانية والأصل فيها أن الشفع الأول متى فسد بترك القراءة تبقى التحريمة عند أبي يوسف لأن القراءة ركن زائد ألا ترى أن للصلاة وجودا بدونها غير أنه لا صحة للأداء إلا بها وفساد الأداء لا يزيد على تركه فلا تبطل التحريمة وعند محمد متى فسد الشفع الأول لا تبقى التحريمة فلا يصح الشروع في الشفع الثاني لأن القراءة فرض في كل من الركعتين فكما يفسد الشفع بترك القراءة فيهما يفسد بتركها في إحداهما وإذا فسدت الأفعال لم تبق التحريمة لأنها تعقد للأفعال وقد فسدت وعند الإمام أبي حنيفة إن فسد الشفع الأول بترك القراءة فيهما بطلت التحريمة فلا يصح الشروع في الشفع الثاني وإن فسد بترك القراءة في إحداهما بقيت التحريمة فصح الشروع في الشفع الثاني إلا أن القياس ما قاله محمد لكن فسادها بترك القراءة في ركعة واحدة مجتهد فيه لأن الحسن البصري كان يقول بجوازها بوجود القراءة في ركعة واحدة.
وقوله وإن كان فاسدا لكن إنما عرفنا فساده بدليل اجتهادي غير موجب على اليقين بل يجوز أن يكون الصحيح قوله غير أنا عرفنا صحة ما ذهبنا إليه وفساد ما ذهب إليه بغالب الرأي فلم يحكم ببطلان التحريمة الثانية بيقين بالشك وإذا عرف هذا فنقول إذا ترك القراءة في الأربع قضى الركعتين الأوليين فقط عندهما لبطلان التحريمة خلافا لأبي يوسف لبقائها عنده فيقضي الشفعين وإن ترك القراءة في الأخريين فقد أفسدهما فقط فيلزمه قضاؤهما إجماعا وإذا ترك القراءة في الأوليين فقط لزمه قضاؤهما فقط إجماعا لفسادهما ولم يصح الشروع في الشفع الثاني عندهما هما حتى لو قهقه فيه لا تنتقض طهارته وعند أبي يوسف قد صح ولم يفسد لوجود القراءة

 

ج / 2 ص -107-       وأربعا لو قرأ في إحدى الأوليين وإحدى الأخريين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيه وأشار المصنف بهذه الثلاث إلى ثلاث أخرى أيضا فتصير المسائل ستا من الثمانية.
إحداها: لو قرأ في الأوليين وإحدى الأخريين فعليه قضاء الأخريين إجماعا.
ثانيها: لو قرأ في الأخريين وإحدى الأوليين فعليه قضاء الأوليين إجماعا.
ثالثها: لو قرأ في إحدى الأخريين لا غير لزمه قضاء الأوليين عندهما وعند أبي يوسف يقضي أربعا وقد قدمنا أن فساد الشفع الثاني يسري إلى الأول إذا لم يقعد بينهما فقوله أو قرأ في الأوليين مقيد بما إذا قعد على رأس الركعتين وإلا فعليه قضاء الأربع كما في العناية وفي البدائع هذا كله إذا قعد بين الشفعين قدر التشهد.
فأما إذا لم يقعد تفسد صلاته عند محمد بترك القعدة فلا تتأتى هذه التفريعات عنده انتهى ثم اعلم أن هذه المسائل الست تسع من حيث التصوير لأن الرابعة صادقة بصورتين ما إذا ترك في الركعة الثالثة أو ترك في الركعة الرابعة والخامسة صادقة بصورتين أيضا ما إذا ترك في الركعة الأولى أو ترك في الثانية والسادسة صادقة بصورتين أيضا ما إذا قرأ في الثالثة أو قرأ في الرابعة فالمسائل التي يجب فيها ركعتان تسع في التحقيق فإن هذه المسائل وإن اشتهرت بالثمانية لكن هي في التحقيق خمسة عشر تسع منها يلزم فيها ركعتان وست منها يلزم فيها أربع أشار إليها بقوله.
"وأربعا لو قرأ في إحدى الأوليين وإحدى الأخريين" وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف على رواية محمد لبقاء التحريمة عندهما لما عرف في الأصل السابق وعند محمد عليه قضاء الأوليين لا غير لأن التحريمة قد ارتفعت عنده قال في الهداية وقد أنكر أبو يوسف هذه الرواية عنه وقال رويت لك عن أبي حنيفة أنه يلزمه قضاء ركعتين ومحمد لم يرجع عن روايته عنه انتهى وقال فخر الإسلام واعتمد مشايخنا رواية محمد ويحتمل أن يكون ما حكى أبو يوسف من قول أبي حنيفة قياسا وما ذكره محمد استحسانا ذكر القياس والاستحسان في الأصل ولم يذكره في الجامع الصغير انتهى.
وذكر قاضي خان في شرح الجامع الصغير أن ما رواه محمد هو ظاهر الرواية عن أبي حنيفة وفي فتح القدير واعتمد المشايخ رواية محمد مع تصريحهم في الأصول بأن تكذيب الفرع الأصل يسقط الرواية إذا كان صريحا والعبارة المذكورة في الكتاب وغيره عن أبي يوسف من مثل الصريح على ما يعرف في ذلك الموضع فليكن لا بناء على أنه رواية بل تفريع صحيح

 

ج / 2 ص -108-       في إحدى الأوليين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على أصل أبي حنيفة وإلا فهو مشكل انتهى وبما ذكرناه عن قاضي خان ارتفع الإشكال لتصريحه بأنها ظاهر الرواية كأنه لثبوتها بالسماع لمحمد من أبي حنيفة لا بواسطة أبي يوسف فلذا اعتمدها المشايخ وفي غاية البيان معزيا إلى فخر الإسلام كان أبو يوسف يتوقع من محمد أن يروي كتابا عنه فصنف محمد هذا الكتاب أي الجامع الصغير وأسنده عن أبي يوسف إلى أبي حنيفة فلما عرض على أبي يوسف استحسنه وقال حفظ أبو عبد الله إلا مسائل خطأه في روايتها عنه فلما بلغ ذلك محمد ا قال حفظتها ونسي وهي ست مسائل مذكورة في شرح الجامع الصغير انتهى ولم يبينها وذكر العلامة السراج الهندي في شرح المغني فقال:
الأولى: مسألة ترك القراءة وقد علمتها.
الثانية: مستحاضة توضأت بعد طلوع الشمس تصلي حتى يخرج وقت الظهر قال أبو يوسف إنما رويت لك حتى يدخل وقت الظهر.
الثالثة: المشتري من الغاصب إذا أعتق ثم أجاز المالك البيع نفد العتق قال إنما رويت لك أنه لا ينفد.
الرابعة: المهاجرة لا عدة عليها ويجوز نكاحها إلا أن تكون حبلى فحينئذ لا يجوز نكاحها قال إنما رويت لك أنه يجوز نكاحها ولكن لا يقربها زوجها حتى تضع الحمل.
الخامسة: عبد بين اثنين قتل مولى لهما فعفا أحدهما بطل الدم كله عند أبي حنيفة وقالا يدفع ربعه إلى شريكه أو يفديه بربع الدية وقال أبو يوسف إنما حكيت لك عن أبي حنيفة كقولنا وإنما الاختلاف الذي رويته في عبد قتل مولاه عمدا وله ابنان فعفا أحدهما إلا أن محمدا ذكر الاختلاف فيهما وذكر قول نفسه مع أبي يوسف في الأولى.
السادسة: رجل مات وترك ابنا له وعبدا لا غير فادعى العبد أن الميت كان أعتقه في صحته وادعى رجل على الميت ألف دينار وقيمة العبد ألف فقال الابن صدقتما يسعى العبد في قيمته وهو حر ويأخذها الغريم بدينه وقال أبو يوسف إنما رويت لك ما دام يسعى في قيمته أنه عبد انتهى.
وأشار المصنف بهذه المسألة إلى مسألة أخرى تمام الثمانية"و" هي ما إذا قرأ"في إحدى الأوليين" لا غير فإنه يلزمه قضاء أربع عندهما وعند محمد ركعتان وفي التحقيق هي إشارة إلى خمسة أخرى فمسائل لزوم الأربع ست تمام الخمسة عشر فإن مسألة الكتاب أعني ما إذا قرأ في إحدى الأوليين وإحدى الأخريين صادقة بأربع صور لأن إحدى الأوليين صادقة بصورتين ما إذا قرأ في الأولى فقط أو في الثانية فقط وإحدى الأخريين صادقة بصورتين ما إذا قرأ في الثالثة

 

ج / 2 ص -109-       ولا يصلي بعد صلاة مثلها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقط أو في الرابعة فقط ومسألة ما إذا قرأ في إحدى الأوليين لا غير صادقة بصورتين ما إذا قرأ في الأولى فقط أو في الثانية فقط فصار الحاصل أن مسائل ترك القراءة خمسة عشر كما قدمناه وقد ذكرناها في العناية مجملة وقال فعليك بتمييز المتداخلة بالتفتيش في الأقسام وقد يسر الله تعالى ذلك للعبد الضعيف مفصلة مميزة فلله الحمد والمنة.
وفي البدائع ولو كان خلفه رجل اقتدى به فحكمه حكم إمامه يقضي ما يقضي إمامه لأن صلاة المقتدي متعلقة بصلاة الإمام صحة وفسادا ولو تكلم المقتدي وقد أتم الإمام الأربع فإن تكلم قبل قعود الإمام فعليه قضاء الأوليين فقط لأنه لم يلتزم الشفع الأخير وإن تكلم بعد قعوده قبل قيامه إلى الثالثة لا شيء عليه وأما إذا قام إلى الثالثة ثم تكلم المقتدي لم تذكر في الأصل وذكر عصام أن عليه قضاء أربع وخصه أبو المعين بقولهما أما عند محمد فيلزمه قضاء الأخير لا غير انتهى وفي المحيط ولو اقتدى به في الأخريين وصلاهما مع الإمام قضى الأوليين لأنه بالاقتداء التزم ما لزم الإمام.
"قوله: ولا يصلي بعد صلاة مثلها" هذا لفظ الحديث كما في كتب الفقه وجعله في فتح القدير وغاية البيان أثرا عن عمر رضي الله عنه وقال عبد الله بن مسعود لا يصلي على أثر صلاة مثلها وهذا الحديث خص منه البعض لأنه يصلي سنة الفجر ثم الفرض وهما مثلان وكذا يصلي سنة الظهر أربعا ثم يصلي الفرض أربعا وكذا يصلي الظهر ركعتين في السفر ثم يصلي السنة ركعتين فلما لم يمكن إجراؤه على العموم وجب حمله على أخص الخصوص كما هو الحكم في العام إذا لم يمكن العمل بعمومه فقال محمد في الجامع الصغير المراد منه أن لا يصلي بعد أداء الظهر نافلة ركعتان بقراءة وركعتان بغير قراءة يعني لا تصلى النافلة كذلك حتى لا تكون مثلا للفرض بل يقرأ في جميع ركعات النفل.
قال قاضي خان في شرح الجامع الصغير ولو حمل على النهي عن تكرار الجماعة في المسجد أو على النهي عن قضاء الفرائض مخافة الخلل في المؤدى كان حسنا فإن ذلك مكروه انتهى واستدل في فتح القدير للأول بما في أبي داود عن سليمان بن يسار قال أتيت ابن عمر على البلاط وهم يصلون قلت ألا تصلي معهم قال قد صليت إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"لا

 

ج / 2 ص -110-       ويتنفل قاعداً مع قدرته على القيام ابتداء وبناء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تصلوا صلاة في يوم مرتين" وروى مالك في الموطإ حدثنا نافع أن رجلا سأل ابن عمر فقال إني أصلي في بيتي ثم أدرك الصلاة مع الإمام أفأصلي معه فقال ابن عمر نعم فقال أيتهما أجعل صلاتي فقال ابن عمر ليس ذلك إليك إنما ذلك إلى الله يجعل أيتهما شاء فهذا من ابن عمر دليل على أن الذي روي عن سليمان بن يسار عنه إنما أراد كلتاهما على وجه الفرض أو إذا صلى في جماعة فلا يعيد وفيه نفي لقول الشافعي انتهى.
فالحاصل أن تكرار الصلاة إن كان مع الجماعة في المسجد على هيئته الأولى فمكروه وإلا فإن كان في وقت يكره التنفل بعد الفرض فمكروه كما بعد الصبح والعصر وإلا فإن كان لخلل في المؤدى فإن كان ذلك الخلل محققا إما بترك واجب أو بارتكاب مكروه فغير مكروه بل واجب كما قدمناه مرارا وصرح به في الذخيرة وقال إنه لا يتناوله النهي وإن كان ذلك الخلل غير محقق بل نشأ عن وسوسة فهو مكروه.
وفي مآل الفتاوى ولو لم يفته شيء من الصلوات وأحب أن يقضي جميع الصلوات التي صلاها متداركا لا يستحب له ذلك إلا إذا كان غالب ظنه فساد ما صلى لورود النهي عنه صلى الله عليه وسلم وما حكي عن أبي حنيفة أنه قضى صلاة عمره فإن صح النقل فنقول كان يصلي المغرب والوتر أربع ركعات بثلاث قعدات انتهى وذكر في النهاية أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى الفجر ضحى النهار بعد ليلة التعريس قال له أصحابه من الغد ألا نعيد صلاة الأمس فقال:
"إن الله ينهاكم عن الربا أفيقبله منكم" كذا ذكره فخر الإسلام وبما قررناه ظهر أن ذكر المصنف في المختصر لفظ الحديث مع أن عمومه ليس بمراد مما لا ينبغي.
"قوله: ويتنفل قاعدا مع قدرته على القيام ابتداء وبناء" بيان أيضا لما خالف فيه النفل الفرائض والواجبات وهو جوازه بالقعود مع القدرة على القيام وقد حكي فيه إجماع العلماء وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى كان يصلي كثيرا من صلاته

 

ج / 2 ص -111-       .......................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهو جالس. وروى البخاري عن عمران بن الحصين مرفوعا:
"من صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم" وقد ذكر الجمهور كما نقله النووي أنه محمول على صلاة النفل قاعدا مع القدرة على القيام وأما إذا صلاه مع عجزه فلا ينقص ثوابه عن ثوابه قائما وأما الفرض فلا يصح قاعدا مع القدرة على القيام ويأثم ويكفر إن استحله وإن صلى قاعدا لعجزه أو مضطجعا لعجزه فثوابه كثوابه ا هـ.
وتعقبه الأكمل في شرح المشارق بأنه ورد في بعض رواياته:
"ومن صلى نائما أي مضطجعا فله نصف أجر القاعد" ولا يمكن حمله على النفل مع القدرة إذ لا يصح مضجعا اللهم إلا أن يحكم بشذوذ هذه الرواية.
وفي النهاية انعقد الإجماع على أن صلاة القاعد لعذر بعجزه عن القيام مساوية لصلاة القائم في الفضيلة والأجر انتهى وفيه نظر لما نقله النووي عن بعضهم أنه على النصف من صلاة القائم مع العذر وعليه حمل الحديث فلا إجماع إلا أن يريد به إجماع أئمتنا.
وذكر في المجتبى بعدما نقل الحديث قالوا وهذا في حق القادر أما العاجز فصلاته بإيماء أفضل من صلاة القائم الراكع الساجد لأنه جهد المقل انتهى ولا يخفى ما فيه بل الظاهر المساواة كما في النهاية وقد عد من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن نافلته قاعدا مع القدرة على القيام كنافلته قائما تشريفا له صلى الله عليه وسلم ويشهد له ما في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر وقال حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إن صلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة" قال: فأتيته فوجدته يصلي قاعدا فوضعت يدي على رأسه فقال: "ما لك يا عبد الله بن عمر"؟ وقلت حدثت يا رسول الله أنك قلت صلاة الرجل قاعدا على نصف الصلاة وأنت تصلي قاعدا قال: "أجل ولكني لست كأحد منكم" انتهى.

 

ج / 2 ص -112-       .......................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أطلق في التنفل فشمل السنة المؤكدة والتراويح لكن ذكر قاضي خان في فتاويه من باب التراويح الأصح أن سنة الفجر لا يجوز أداؤها قاعدا من غير عذر والتراويح يجوز أداؤها قاعدا من غير عذر والفرق أن سنة الفجر مؤكدة لا خلاف فيها والتراويح في التأكيد دونها انتهى.
وقد نقلناه في سنة الفجر في موضعها من رواية الحسن وهكذا صححه حسام الدين ثم قال الصحيح أنه لا يستحب في التراويح لمخالفته للتوارث وعمل السلف وهذا كله في الابتداء.
وأما قوله وبناء بأن شرع فيه قائما ثم قعد من غير عذر فهو قول أبي حنيفة وهذا استحسان وعندهما لا يجزئه وهو قياس لأن الشروع معتبر بالنذر وله أنه لم يباشر القيام فيما بقي ولما باشر صحة بدونه بخلاف النذر لأنه التزمه نصا حتى لو لم ينص على القيام لا يلزمه القيام عند بعضهم كما لو نذر صلاة لأنه في النفل وصف زائد فلا يلزمه إلا بشرط وعند البعض يلزمه القيام لأن إيجاب العبد معتبر بإيجاب الله وأينما أوجبها الله تعالى أوجبها قائما والصحيح الأول كالتتابع في الصوم كذا في المحيط وغاية البيان.
ورجح الثاني في فتح القدير بحثا بأن الصلاة عبارة عن القيام والقراءة إلى آخرها فهو الركن الأصلي غير أنه يجوز تركه إلى القعود رخصة في النفل فلا ينصرف المطلق إلا إليه قيدنا بكونه شرع قائما ثم قعد لأنه لو كان على عكسه فإنه يجوز اتفاقا وهو فعله صلى الله عليه وسلم كما روت عائشة أنه كان يفتتح التطوع قاعدا فيقرأ ورده حتى إذا بقي عشر آيات ونحوها قام إلى آخره وهكذا كان يفعل في الركعة الثانية.
وذكر في التجنيس أن الأفضل أن يقوم فيقرأ شيئا ثم يركع ليكون موافقا للسنة ولو لم يقرأ ولكنه استوى قائما ثم ركع جاز وإن لم يستو قائما وركع لا يجزئه لأنه لا يكون ركوعا قائما ولا ركوعا قاعدا انتهى وليس هو بناء القوي على الضعيف لأن القعود والقيام في النفل سواء والفرق لمحمد بين هذا وبين قوله ببطلان صلاة المريض إذا قدر على القيام في أثناء صلاته أن تحريمة المتطوع لم تنعقد للقعود ألبتة بل للقيام لأنه أصل هو قادر عليه ثم جاز له شرعا تركه

 

ج / 2 ص -113-       وراكبا خارج المصر موميا إلى أي جهة توجهت دابته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بخلاف المريض لأنه لم يقدر على القيام فما انعقد إلا للمقدور وهو القعود ولم يذكر المصنف كيفية القعود في النفل للاختلاف فيه ففي الذخيرة والنهاية أنه في التشهد يقعد كما يقعد في سائر الصلوات إجماعا سواء كان بعذر أو بغيره أما حالة القراءة فعن أبي حنيفة تخييره بين القعود والتربع والاحتباء ونقله الكرخي عن محمد وعن أبي يوسف يحتبي وعنهما يتربع ثم قال أبو يوسف محل القعدة عند السجود وقال محمد عند الركوع وعن زفر أنه يقعد في جميع الصلاة كما في التشهد قال الفقيه أبو الليث وعليه الفتوى واختاره الإمام السرخسي لأنه المعهود شرعا في الصلاة واختار الإمام خواهر زاده الاحتباء لأن عامة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر العمر كان محتبيا ولأنه يكون أكثر توجيها لأعضائه إلى القبلة لأن الساقين يكونان متوجهين كما يكون حالة القيام ا هـ.
وتفسير الاحتباء أن ينصب ركبتيه ويجمع يديه عند ساقيه كذا في غاية البيان وذكر في الخلاصة عن أبي حنيفة فيه ثلاث روايات فحينئذ فالإفتاء على إحدى الروايات ولا حاجة إلى أن تضاف إلى زفر كما لا يخفى.
وقيد بالتنفل قاعدا لأن المتنفل مضطجعا لا يجوز عند عدم العذر كما سبق والشروع وهو منحن قريبا من الركوع لا يصح أيضا في التنفل كما يشير إليه كلام التجنيس السابق وصرح به في موضع من شرح منية المصلي.
"قوله: وراكبا خارج المصر موميا إلى أي جهة توجهت دابته" أي يتنفل راكبا لحديث الصحيحين عن ابن عمر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي النوافل على راحلته في كل وجه يومئ إيماء ولكنه يخفض السجدة من الركعتين. أطلقه فشمل ما إذا كان مسافرا أو مقيما خرج إلى بعض النواحي لحاجة و صححه في النهاية وما إذا قدر على النزول أو لا وقيد بخارج المصر لأنه لا يجوز التنفل عليها في المصر وقال أبو يوسف لا بأس به وقال محمد يجوز ويكره كذا في الخلاصة.
واختلفوا في حد خارج المصر والأصح أنها تجوز في كل موضع يجوز للمسافر أن يقصر فيه كما ذكره في الظهيرية وغيرها وأشار بقوله توجهت دابته دون أن يقول وجه دابته إليه إلى أن محل جوازها عليها ما إذا كانت واقفة أو سارت بنفسها أما إذا كانت تسير بتسيير صاحبها فلا تجوز الصلاة عليها لا فرضا ولا نفلا كما في الخلاصة وإلى أنه لا يشترط استقبال القبلة في

 

ج / 2 ص -114-       .......................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الابتداء لأنه لما جاز الصلاة إلى غير جهة الكعبة جاز الافتتاح إلى غير جهتها كذا في غاية البيان وإلى أنه إذا صلى إلى غير ما توجهت به دابته لا يجوز لعدم الضرورة إلى ذلك كذا في السراج الوهاج.
ولم يشترط المصنف طهارة الدابة لأنها ليست بشرط على قول الأكثر سواء كانت على السرج أو على الركابين أو الدابة لأن فيها ضرورة فيسقط اعتبارها وصرح في المحيط والكافي بأنه الأصح وفي الخلاصة بأنه ظاهر المذهب من غير تفصيل وعلله في البدائع بأنه لما سقط اعتبار الأركان الأصلية فلأن يسقط شرط طهارة المكان أولى وقيد بالنفل لأن الفرض والواجب بأنواعه لا يجوز على الدابة من غير عذر من الوتر والمنذور وما لزمه بالشروع والإفساد وصلاة الجنازة والسجدة التي تليت على الأرض لعدم لزوم الحرج في النزول ولا يلزمه الإعادة إذا استطاع النزول كما في الظهيرية وغيرها ومن الأعذار أن يخاف اللص أو السبع على نفسه أو ماله ولم يقف له رفقاؤه وكذا إذا كانت الدابة جموحا لا يقدر على ركوبها إلا بمعين أو هو شيخ كبير لا يجد من يركبه ومن الأعذار الطين والمطر بشرط أن يكون بحال يغيب وجهه في الطين أما إذا لم يكن كذلك والأرض ندية فإنه يصلي هناك كما في الخلاصة.
والظاهر أن اعتبار المعين هنا إنما هو على قولهما لما عرف أن أبا حنيفة لا يعتبر قدرة الغير وفي فتاوى قاضي خان والظهيرية الرجل إذا حمل امرأته من القرية إلى المصر كان لها أن تصلي على الدابة في الطريق إذا كانت لا تقدر على الركوب والنزول انتهى.
والظاهر منه أنها لا تقدر بنفسها من غير معين حتى إذا قدرت على الركوب والنزول بمحرمها أو زوجها فإنه لا يجب عليها ذلك ويجوز لها صلاة الفرض على الدابة لأن أبا حنيفة لا يجعل قدرة الإنسان بغيره كقدرته بنفسه لكن ذكر في منية المصلي أنه إذا لم يكن معها محرم فإنه تجوز صلاتها على الدابة إذا لم تقدر على النزول والظاهر أن اشتراط عدم المحرم معها مفرع على قولهما فقط ولم أر حكم ما إذا كان راكبا مع امرأته أو أمه كما وقع للفقير مع أمه في سفر الحج ولم تقدر المرأة على النزول والركوب أيجوز للرجل المعادل لها أن يصلي الفرض على الدابة كما يجوز للمرأة إذا كان لا يتمكن من النزول وحده لميل المحمل بنزوله وحده وينبغي أن يكون له ذلك كما لا يخفى وأطلق في الدابة فشمل جميع الدواب وقيد به لأنه لا تجوز صلاة الماشي بالإجماع كذا في المجتبى.
وأطلق في النفل فشمل السنن المؤكدة قال في الهداية والسنن الرواتب نوافل وعن

 

ج / 2 ص -115-       وبنى بنزوله لا بعكسه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أبي حنيفة أنه ينزل لسنة الفجر لأنها آكد من سائرها انتهى بل روي عنه أنها واجبة وعلى هذا أداؤها قاعدا كما أسلفناه وقد قدمنا أنه ينزل للوتر اتفاقا بينه وبينهما وأطلق في الركوب خارج المصر فشمل ما إذا كان خارجه ابتداء وانتهاء إلى سلامه أو ابتداء فقط لما في الخلاصة ولو افتتحها خارج المصر ثم دخل المصر أتم على الدابة وقال كثير من أصحابنا ينزل ويتمها على الأرض انتهى وفي الظهيرية وإذا صلى على الدابة في محمل وهو يقدر على النزول لا يجوز له أن يصلي على الدابة إذا كانت الدابة واقفة إلا أن يكون المحمل على عيدان على الأرض أما الصلاة على العجلة إن كان طرف العجلة على الدابة وهي تسير أو لا تسير فهي صلاة على الدابة تجوز في حالة العذر ولا تجوز في غير حالة العذر وإن لم يكن طرف العجلة على الدابة جاز وهو بمنزلة الصلاة على السرير انتهى.
وهذا كله في الفرض أما في النفل فيجوز على المحمل والعجلة مطلقا كما لا يخفى وفي الخلاصة وكيفية الصلاة على الدابة أن يصلي بالإيماء ويجعل السجود أخفض من الركوع من غير أن يضع رأسه على شيء سائرة أو واقفة دابته ويصلون فرادى فإن صلوا بجماعة فصلاة الإمام تامة وصلاة القوم فاسدة وعن محمد يجوز إذا كان البعض بجنب البعض انتهى.
وفي الظهيرية رجلان في محمل واحد فاقتدى أحدهما بالآخر في التطوع أجزأهما وهذا لا يشكل إذا كانا في شق واحد وإذا كانا في شقين اختلف المشايخ قال بعضهم إذا كان أحد الشقين مربوطا بالآخر يجوز وإذا لم يكن مربوطا لا يجوز وقال بعضهم يجوز كيفما كان إذا كانا على دابة واحدة كما لو كانا على الأرض ا هـ.
وفي منية المصلي ولو سجد على شيء وضع عنده أو على سرجه لا يجوز لأن الصلاة على الدابة شرعت بالإيماء ا هـ. وينبغي حمله على ما إذا لم يكن بحيث يخفض رأسه وإلا فقد صرحوا في صلاة المريض أنه لا يرفع إلى وجهه شيئا يسجد عليه فإن فعل وهو يخفض رأسه أجزأه لوجود الإيماء وإن وضع ذلك على جبهته لا يجزئه لانعدامه كذا في الهداية وغيرها.
"قوله: وبنى بنزوله لا بعكسه" أي إذا افتتح النفل راكبا ثم نزل بنى ولا يبني إذا افتتحه نازلا ثم ركب لأن إحرام الراكب انعقد مجوزا للركوع والسجود لقدرته على النزول فإذا أتى بهما صح وإحرام النازل انعقد موجبا للركوع والسجود فلا يقدر على ترك ما لزمه من غير عذر وعن أبي يوسف أنه يستقبل إذا نزل أيضا وكذا عند محمد إذا نزل بعدما صلى ركعة والأصح هو الظاهر كذا في الهداية.

 

ج / 2 ص -116-       وسن في رمضان عشرون ركعة بعد العشاء قبل الوتر وبعده بجماعة والختم مرة بجلسة بعد كل أربع بقدرها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله من غير عذر بيان للواقع لا للاحتراز عن العذر فإن المنقول في الخانية أن المصلي إذا ركب الدابة فسدت صلاته ورد في غاية البيان تعليل من فرق بينهما بأن النزول عمل قليل والركوب عمل كثير بأنه ممنوع لأنه لو رفع المصلي ووضع على السرج لا يبني مع أن العمل لم يوجد فضلا عن العمل الكثير والفرق الصحيح ما في الهداية ا هـ.
وأورد في النهاية أن القول بالبناء فيما إذا نزل يؤدي إلى بناء القوي على الضعيف وذلك لا يجوز كالمريض إذا صلى بعض صلاته بالإيماء ثم قدر على الأركان لا يجوز له البناء تحرزا عما قلنا وأجاب بأن الإيماء من المريض دون الإيماء من الراكب لأن الإيماء من المريض بدل عن الأركان والإيماء من الراكب ليس ببدل عنها لأن البدل في العبادات اسم لما يصار إليه عند عجز غيره والمريض أعجزه مرضه عن الأركان فكان الإيماء بدلا عنها والراكب لم يعجزه الركوب عن الأركان لأنه يملك الانتصاب على الركابين فيكون ذلك منه قياما وكذلك يمكنه أن يخر راكعا وساجدا ومع هذا أطلق الشارع في الإيماء فلا يكون الإيماء بدلا فكان قويا في نفسه فلا يؤدي إلى بناء القوي على الضعيف.
وفرق في المحيط بوجه آخر هو أن في المريض ليس له أن يفتتح الصلاة بالإيماء مع القدرة على الركوع والسجود فلذلك إذا قدر على ذلك في خلال صلاته لا يبني أما الراكب هنا له أن يفتتح الصلاة بالإيماء على الدابة مع القدرة فالنزول لا يمنعه من البناء.
قال في النهاية قلت وعلى هذا الفرق يجب أن لا يبني في المكتوبة فيما إذا افتتحها راكبا ثم نزل لأنه ليس له أن يفتتحها بالإيماء على الدابة عند القدرة فلذلك قيد المسألة في الهداية بالتطوع وذكر الإمام الإسبيجابي أن استقبال المريض فيما إذا صح في خلال صلاته إنما كان في المكتوبة ولا رواية عنهم في التطوع في حق المريض فاحتمل أن المريض لا يستقبل أيضا في التطوع فحينئذ لا يحتاج إلى الفرق ويحتمل أنه يستقبل بخلاف الراكب والفرق ما بيناه. ا هـ.
"قوله: وسن في رمضان عشرون ركعة بعد العشاء قبل الوتر وبعده بجماعة والختم مرة بجلسة بعد كل أربع بقدرها" بيان لصلاة التراويح وإنما لم يذكرها مع السنن المؤكدة قبل النوافل المطلقة لكثرة شعبها ولاختصاصها بحكم من بين سائر السنن والنوافل وهو الأداء بجماعة والتراويح جمع ترويحة وهي في الأصل مصدر بمعنى الاستراحة سميت به الأربع ركعات المخصوصة لاستلزامها استراحة بعدها كما هو السنة فيها وصرح المصنف بأنها سنة وصححه صاحب الهداية والظهيرية.

 

ج / 2 ص -117-       ..........................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وذكر في الخلاصة أن المشايخ اختلفوا في كونها سنة وانقطع الاختلاف برواية الحسن عن أبي حنيفة أنها سنة وذكر في الاختيار أن أبا يوسف سأل أبا حنيفة عنها وما فعله عمر فقال التراويح سنة مؤكدة ولم، يتخرجه عمر من تلقاء نفسه ولم يكن فيه مبتدعا ولم يأمر به إلا عن أصل لديه وعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ولا ينافيه قول القدوري أنها مستحبة كما فهمه في الهداية عنه لأنه إنما قال يستحب أن يجتمع الناس وهو يدل على أن الاجتماع مستحب وليس فيه دلالة على أن التراويح مستحبة كذا في العناية وفي شرح منية المصلي وحكى غير واحد الإجماع على سنيتها وقد سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وندبنا إليها وأقامها في بعض الليالي ثم تركها خشية أن تكتب على أمته كما ثبت ذلك في الصحيحين وغيرهما ثم وقعت المواظبة عليها في أثناء خلافة عمر رضي الله عنه ووافقه على ذلك عامة الصحابة رضي الله عنهم كما ورد ذلك في السنن ثم ما زال الناس من ذلك الصدر إلى يومنا هذا على إقامتها من غير نكير وكيف لا وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم:
"عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ" كما رواه أبو داود وأطلقه فشمل الرجال والنساء كما صرح به في الخانية والظهيرية.
وقوله عشرون ركعة بيان لكميتها وهو قول الجمهور لما في الموطإ عن يزيد بن رومان قال كان الناس يقومون في زمن عمر بن الخطاب بثلاث وعشرين ركعة وعليه عمل الناس شرقا وغربا لكن ذكر المحقق في فتح القدير ما حاصله أن الدليل يقتضي أن تكون السنة من العشرين ما فعله صلى الله عليه وسلم منها ثم تركه خشية أن تكتب علينا والباقي مستحب وقد ثبت أن ذلك كان إحدى عشرة ركعة بالوتر كما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة فإذن يكون المسنون على أصول مشايخنا ثمانية منها والمستحب اثنا عشر انتهى.
وذكر العلامة الحلبي أن الحكمة في كونها عشرين أن السنن شرعت مكملات للواجبات وهي عشرون بالوتر فكانت التراويح كذلك لتقع المساواة بين المكمل والمكمل انتهى وأراد بالعشرين أن تكون بعشر تسليمات كما هو المتوارث يسلم على رأس كل ركعتين فلو صلى الإمام أربعا بتسليمة ولم يقعد في الثانية فأظهر الروايتين عن أبي حنيفة وأبي يوسف عدم الفساد.
ثم اختلفوا هل تنوب عن تسليمة أو تسليمتين؟ قال أبو الليث تنوب عن تسليمتين وقال

 

ج / 2 ص -118-       .........................ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أبو جعفر وابن الفضل تنوب عن واحدة وهو الصحيح كذا في الظهيرية والخانية وفي المجتبى وعليه الفتوى ولو قعد على رأس الركعتين فالصحيح أنه يجوز عن تسليمتين وهو قول العامة.
وفي منية المصلي إذا شكوا أنهم صلوا تسع تسليمات أو عشر تسليمات ففيه اختلاف والصحيح أنهم يصلون بتسليمة أخرى فرادى ولو سلم الإمام على رأس ركعة ساهيا في الشفع الأول ثم صلى ما بقي على وجهها قال مشايخ بخارى يقضي الشفع الأول لا غير.
وقال مشايخ سمرقند عليه قضاء الكل وهذا إذا لم يفعل بعد السلام المذكور شيئا مما يفسد الصلاة من أكل أو شرب أو كلام أما إذا فعل شيئا من ذلك فليس عليه إلا قضاء الشفع الأول لا غير كما في الذخيرة والخلاصة وغيرهما.
وفي المحيط لو صلى التراويح كلها بتسليمة واحدة وقد قعد على رأس كل ركعتين فالأصح أنه يجوز عن الكل لأنه قد أكمل الصلاة ولم يخل بشيء من الأركان إلا أنه جمع المتفرق واستدام التحريمة فكان أولى بالجواز لأنه أشق وأتعب للبدن انتهى وظاهره أنه لا يكره وقد صرح بعدم الكراهة في منية المصلي ولا يخفى ما فيه لمخالفته المتوارث مع تصريحهم بكراهة الزيادة على ثمان في مطلق التطوع ليلا فلأن يكره هنا أولى فلهذا نقل العلامة الحلبي أن في النصاب وخزانة الفتاوى الصحيح أنه لو تعمد ذلك يكره فلو لم يقعد إلا في آخرها فقد علمت أن الصحيح أنه يجزئه عن تسليمة واحدة فيما لو صلى أربعا بتسليمة فكذلك هنا وقوله بعد العشاء قبل الوتر وبعده بيان لوقتها وفيه ثلاثة أقوال.
الأول: ما اختاره إسماعيل الزاهدي وجماعة من بخارى أن الليل كله وقت لها قبل العشاء وبعده وقبل الوتر وبعده لأنها قيام الليل ولم أر من صححه.
الثاني: ما قاله عامة مشايخ بخارى وقتها ما بين العشاء إلى الوتر وصححه في الخلاصة ورجحه في غاية البيان بأن الحديث ورد كذلك وكان أبي رضي الله عنه يصلي بهم التراويح كذلك.
الثالث: ما اختاره المصنف وعزاه في الكافي إلى الجمهور وصححه في الهداية والخانية والمحيط لأنها نوافل سنت بعد العشاء وثمرة الاختلاف تظهر فيما لو صلاها قبل العشاء فعلى القول الأول هي صلاة التراويح وعلى الأخيرين لا وفيما إذا صلاها بعد الوتر فعلى الثاني لا وعلى الثالث نعم هي صلاة التراويح وتظهر فيما إذا فاتته ترويحة أو ترويحتان ولو اشتغل بها يفوته الوتر بالجماعة فعلى الأول يشتغل بالوتر ثم يصلي ما فاته من التراويح وعلى

 

ج / 2 ص -119-       ........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الثاني يشتغل بالترويحة الفائتة لأنه لا يمكنه الإتيان بعد الوتر كذا في الخلاصة وينبغي أن يكون الثالث كالثاني كما لا يخفى ولو فاتته ترويحة وخاف لو اشتغل بها تفوته متابعة الإمام فمتابعة الإمام أولى وقد اختلفوا فيما لو تذكر تسليمة بعد الوتر فقيل لا يصلون بجماعة وقيل يصلون بها كما في منية المصلي وينبغي أن يكون مفرعا على القول الثاني والثالث.
وفي فتاوى قاضي خان ويستحب تأخير التراويح إلى ثلث الليل والأفضل استيعاب أكثر الليل بالتراويح فإن أخروها إلى ما بعد نصف الليل فالصحيح أنه لا بأس به وإذا فاتت التراويح لا تقضى بجماعة والأصح أنها لا تقضى أصلا فإن قضاها وحده كان نفلا مستحبا لا تراويح كسنة المغرب والعشاء وقوله بجماعة متعلق بسن بيان لكون الجماعة سنة فيها وفيها ثلاثة أقوال.
الأول: ما اختاره المصنف أنه سنة على الأعيان حتى أن من صلى التراويح منفردا فقد أساء لتركه السنة وإن صليت في المساجد وبه كان يفتي ظهير الدين المرغيناني لصلاته عليه السلام إياها بالجماعة وبيان العذر في تركها.
الثاني: ما اختاره الطحاوي في مختصره حيث قال يستحب أن يصلي التراويح في بيته إلا أن يكون فقيها عظيما يقتدى به فيكون في حضوره ترغيب لغيره وفي امتناعه تقليل الجماعة مستدلا الحديث  "أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة"وهو قول أبي يوسف كما في "لكافي"
الثالث: ما صححه في المحيط والخانية واختاره في الهداية وهو قول أكثر المشايخ على ما في الذخيرة وقول الجمهور على ما في الكافي إن إقامتها بالجماعة سنة على الكفاية حتى لو ترك أهل المسجد كلهم الجماعة فقد أساءوا وأثموا وإن أقيمت التراويح بالجماعة في المسجد وتخلف عنها أفراد الناس وصلى في بيته لم يكن مسيئا لأن أفراد الصحابة يروى عنهم التخلف كابن عمر على ما رواه الطحاوي والجواب عن دليل الطحاوي أن قيام رمضان مستثنى

 

ج / 2 ص -120-       ........................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من الحديث لفعله صلى الله عليه وسلم إياه في المسجد ثم فعل الخلفاء الراشدين بعده إذ لا يختار المفضول ويجمعون عليه وأما من تخلف من الصحابة فإما لعذر أو لأنه أفضل في اجتهاده وهو معارض بما هو أولى منه وهو اتفاق الجم الغفير على خلافه.
فالحاصل أن القول الأول والثالث اتفقا على أفضليتها وإنما الكلام في الإساءة بالترك من البعض وأطلق المصنف في الجماعة ولم يقيدها بالمسجد لما في الكافي والصحيح أن للجماعة في بيته فضيلة وللجماعة في المسجد فضيلة أخرى فهو حاز إحدى الفضيلتين وترك الفضيلة الأخرى انتهى وفي الخلاصة إذا صلى الترويحة الواحدة إمامان كل إمام ركعتين اختلف المشايخ والصحيح أنه لا يستحب ولكن كل ترويحة يؤديها إمام واحد إمام يصلي التراويح في مسجدين كل مسجد على وجه الكمال لا يجوز لأنه لا يتكرر ولو اقتدى بالإمام في التراويح وهو قد صلى مرة لا بأس به ويكون هذا اقتداء المتطوع بمن يصلي السنة ولو صلوا التراويح ثم أرادوا أن يصلوا ثانيا يصلون فرادى انتهى.
وقوله والختم مرة معطوف على عشرون بيان لسنة القراءة فيها وفيه اختلاف والجمهور على أن السنة الختم مرة فلا يترك لكسل القوم ويختم في الليلة السابع والعشرين لكثرة الإخبار أنها ليلة القدر ومرتين فضيلة وثلاث مرات في كل عشر مرة أفضل كذا في الكافي وذكر في المحيط والاختيار أن الأفضل أن يقرأ فيها مقدار ما لا يؤدي إلى تنفير القوم في زماننا لأن تكثير الجمع أفضل من تطويل القراءة.
وفي المجتبى والمتأخرون كانوا يفتون في زماننا بثلاث آيات قصار أو آية طويلة حتى لا يمل القوم ولا يلزم تعطيلها وهذا حسن فإن الحسن روى عن أبي حنيفة أنه إن قرأ في المكتوبة بعد الفاتحة ثلاث آيات فقد أحسن ولم يسئ هذا في المكتوبة فما ظنك في غيرها ا هـ.
وفي التجنيس ثم بعضهم اعتادوا قراءة
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} في كل ركعة وبعضهم اختاروا قراءة سورة الفيل إلى آخر القرآن وهذا حسن لأنه لا يشتبه عليه عدد الركعات ولا يشتغل قلبه بحفظها فيتفرغ للتدبر والتفكر ا هـ.
وصرح في الهداية بأن أكثر المشايخ على أن السنة فيها الختم وفي مختارات النوازل أن يقرأ في كل ركعة عشر آيات وهو الصحيح لأن السنة فيها الختم لأن جميع عدد الركعات في جميع الشهر ستمائة ركعة وجميع آيات القرآن ستة آلاف ا هـ. ونص في الخانية على أنه الصحيح وفي فتح القدير وغيره وإذا كان إمام مسجد حيه لا يختم فله أن يترك إلى غيره.
فالحاصل أن المصحح في المذهب أن الختم سنة لكن لا يلزم منه عدم تركه إذا لزم منه تنفير القوم

 

ج / 2 ص -121-       .......................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وتعطيل كثير من المساجد خصوصا في زماننا فالظاهر اختيار الأخف على القوم كما تفعله الأئمة في زماننا من بداءتهم بقراءة سورة التكاثر في الركعة الأولى وبقراءتهم سورة الإخلاص في الثانية إلى أن تكون قراءتهم في الركعة التاسعة عشر سورة تبت وفي العشرين سورة الإخلاص وليس فيه كراهة في الشفع الأول من الترويحة الأخيرة بسبب الفصل بين الركعتين بسورة واحدة لأنه خاص بالفرائض كما هو ظاهر الخلاصة وغيرها إلا أنه قد زاد بعض الأئمة من فعلها على هذا الوجه منكرات من هذرمة القراءة وعدم الطمأنينة في الركوع والسجود وفيما بينهما وفيما بين السجدتين مع اشتمالها على ترك الثناء والتعوذ والبسملة في أول كل شفع وترك الاستراحة فيما بين كل ترويحتين.
وفي الخلاصة والأفضل التعديل في القراءة بين التسليمات كذا روي عن أبي حنيفة فإن فضل البعض على البعض في القراءة لا بأس به أما التسليمة الواحدة إن فضل الثانية على الأولى لا شك أنه لا يستحب وإن فضل الأولى على الثانية على الخلاف في الفرض الإمام إذا فرغ من التشهد في التراويح إن علم أن الزيادة على قدر التشهد لا تثقل يأتي بالدعوات وإن علم أنها تثقل يقتصر على الصلاة لأن الصلاة فرض عند الشافعي فيحتاط ا هـ. وعلله في فتح القدير بأن الصلاة فرض أو سنة ولا تترك السنن للجماعات كالتسبيحات ا هـ.
وقوله بجلسة متعلق بسن بيان لكونه سنة فيها وتعقبه الشارح بأنه مستحب لا سنة وصرح في الهداية باستحبابه بين الترويحتين وبين الخامسة وبين الوتر لعادة أهل الحرمين و استحسن البعض الاستراحة على خمس تسليمات وليس بصحيح ا هـ.
وفي الكافي والاستراحة على خمس تسليمات تكره عند الجمهور لأنه خلاف عمل أهل الحرمين ا هـ. وذكر العلامة الحلبي ويعرف من هذا كراهة ترك الاستراحة مقدار ترويحة على رأس سائر الأشفاع كما هو شأن أكثر أئمة أهل زماننا في البلاد الشامية والمصرية بطريق أولى ا هـ. ولا يخفى ما فيه لأن الاستراحة لم توجد أصلا في مسألة الكافي إلا على خمس تسليمات مع أنها ليست محل الاستراحة ولهذا قال الإمام حسام الدين في تأليف له خاص بالتراويح لاستراحة على خمس تسليمات لا تستحب على قول الأكثر وهذا هو الصحيح فإن الصحيح أنه لا يستحب إلا عند تمام كل ترويحة وهي خمس ترويحات ا هـ. بخلاف فعل الأئمة فإن

 

ج / 2 ص -122-       ويوتر بجماعة في رمضان فقط
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاستراحة قد وجدت وإن لم تكن تامة فكيف تكون مكروهة بالأولى وقد قالوا أنهم مخيرون في حالة الجلوس إن شاءوا سبحوا وإن شاءوا قرءوا القرآن وإن شاءوا صلوا أربع ركعات فرادى وإن شاءوا قعدوا ساكتين وأهل مكة يطوفون أسبوعا ويصلون ركعتين وأهل المدينة يصلون أربع ركعات فرادى وبهذا علم أنه لو قال بانتظار بعد كل ترويحة بدل قوله بجلسة لكان أولى وفي الخانية يكره للمقتدي أن يقعد في التراويح فإذا أراد الإمام أن يركع يقوم لأن فيه إظهار التكاسل في الصلاة والتشبه بالمنافقين قال تعالى:
{وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء: 142] ا هـ.
"قوله: ويوتر بجماعة في رمضان فقط" أي على وجه الاستحباب وعليه إجماع المسلمين كما في الهداية واختلفوا في الأفضل ففي الخانية الصحيح أن أداء الوتر بجماعة في رمضان أفضل لأن عمر رضي الله عنه كان يؤمهم في الوتر وفي النهاية اختار علماؤنا أن يوتر في منزله لا بجماعة لأن الصحابة لم يجتمعوا على الوتر بجماعة في رمضان كما اجتمعوا على التراويح لأن عمر كان يؤمهم فيه في رمضان وأبي بن كعب كان لا يؤمهم ا هـ.
ورجح الأول في فتح القدير بأنه صلى الله عليه وسلم كان أوتر بهم ثم بين العذر في تأخره عن مثل ما صنع فيما مضى فالوتر كالتراويح فكما أن الجماعة فيها سنة فكذلك في الوتر ولو صلوا الوتر بجماعة في غير رمضان فهو صحيح مكروه كالتطوع في غير رمضان بجماعة وقيده في الكافي بأن يكون على سبيل التداعي أما لو اقتدى واحد بواحد أو اثنان بواحد لا يكره وإذا اقتدى ثلاثة بواحد اختلفوا فيه وإن اقتدى أربعة بواحد كره اتفاقا ا هـ.
وفي القنية صلى العشاء وحده فله أن يصلي التراويح مع الإمام ولو تركوا الجماعة في الفرض ليس لهم أن يصلوا التراويح جماعة لأنها تبع للجماعة ولو لم يصل التراويح جماعة مع الإمام فله أن يصلي الوتر معه ثم ذكر بعده أنه لو صلى التراويح مع غيره له أن يصلي الوتر معه هو الصحيح ا هـ. ومن رام الزيادة على ما ذكرناه من أحكام التراويح فعليه بمؤلف خاص بها للإمام الأجل حسام الدين قد اطلعت عليه والله الموفق للصواب.

 

ج / 2 ص -123-       8- باب إدراك الفريضة
                  
صلى ركعة من الظهر فأقيم يتم شفعا ويقتدي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
8- باب إدراك الفريضة
 حقيقة هذا الباب مسائل شتى تتعلق بالفرائض في الأداء الكامل وكله مسائل الجامع
"قوله: صلى ركعة من الظهر فأقيم يتم شفعا ويقتدي" لأن الأصل أن نقض العبادة قصدا بلا عذر حرام لقوله تعالى:
{وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] ولإفضائه إلى السفه خصوصا إذا كانت فرضا وأن النقض للإكمال إكمال معنى فيجوز كنقض المسجد للإصلاح وكنقض الظهر للجمعة وكمن أصاب جبهته شوك في سجوده فرفع ثم وضع لم يجعل سجدتين وللجماعة مزية على الصلاة منفردا بالحديث فجاز نقض الصلاة منفردا لإحراز الجماعة ولكن هذا إذا لم تثبت شبهة الفراغ من صلاته منفردا فإن ثبتت شبهته لا ينقضها لأن العبادة بعدما فرغ منها لا تقبل البطلان إلا بالردة.
فنقول إن صلى ركعة من الظهر يضم إليها أخرى ثم يسلم ويدخل مع القوم لأنه يمكنه إحراز الجماعة مع إحراز النفل بإضافة ركعة أخرى إليها إذ التطوع شرع شفعا لا وترا ومتى أمكن إدراك العبادتين لا يصار إلى إبطال أحدهما وقد صرح الكل هنا بأنه إنما يضم ركعة أخرى صيانة للمؤدى عن البطلان وهو صريح فيمن صلى ركعة فقط فهي باطلة لا أنها صحيحة مكروهة كما توهمه بعض حنفية عصرنا.
فإن قيل لو ضم تفوته تكبيرة الافتتاح قلنا ذلك أيسر من إبطال العمل إذ صيانته عن البطلان واجبة وإدراكها فضيلة وجاز الإبطال لما هو سنة لأنه إكمال معنى كما قدمناه والمعاني أحق بالاعتبار من الصور كمن تذكر في الركوع السورة فإنه يرفضه لأجلها مع أنها واجبة وهو فرض لأن في رفضه إقامته على أكمل الوجوه فصار حسنا مع أنه إبطال للوصف فقط وقول محمد بطلان الوصف يستلزم بطلان الأصل هو فيما إذا لم يتمكن من إخراج نفسه عن العهدة بالمضي كما إذا قيد خامسة الظهر بسجدة ولم يكن قعد الأخيرة أما إذا كان متمكنا من المضي لكنه أذن له الشرع في عدمه فلا يبطل أصلها بل تبقى نفلا إذا ضم الثانية أراد بالظهر الفرض الرباعي وأراد بالإقامة شروع الإمام في موضع هو فيه لا إقامة المؤذن لأنه لا يقطع صلاته إذا أقام

 

ج / 2 ص -124-       ........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المؤذن وإن لم يقيد بالسجدة بل يتمها ركعتين كما في غاية البيان وغيره.
ولو أقيمت في المسجد وهو في البيت أو كان في مسجد فأقيمت في مسجد آخر الفريضة لا يقطعها مطلقا كما ذكره الشارح وغيره وقيد بالركعة التي تتم بالسجدة لأنه لو لم يقيد الأولى بالسجدة فإنه يقطع ويشرع مع الإمام وهو الصحيح لأنه بمحل الرفض والقطع للإكمال كذا في الهداية وفي المحيط والكافي هو الأشبه.
وقيد بالفرض لأنه لو كان في النفل لا يقطع مطلقا وإنما يتمه ركعتين واختلفوا في السنة قبل الظهر أو الجمعة إذا أقيمت أو خطب الإمام فالصحيح أنه يتمها أربعا كما صرح به الولوالجي وصاحب المبتغى والمحيط ثم الشمني لأنها صلاة واحدة وليس القطع للإكمال بل للإبطال صورة ومعنى وقيل يقطع على رأس الركعتين ورجحه في فتح القدير بحثا بأنه يتمكن من قضائها بعد الفرض ولا إبطال في التسليم على الركعتين فلا يفوت فرض الاستماع والأداء على الوجه الأكمل بلا سبب ا هـ.
والظاهر ما صححه المشايخ لأنه لا شك أن في التسليم على رأس الركعتين إبطال وصف السنية لا لإكمالها وتقدم أنه لا يجوز ويشهد لهم إثبات أحكام الصلاة الواحدة للأربع من عدم الاستفتاح والتعوذ في الشفع الثاني إلى غير ذلك كما قدمناه وأراد من الظهر الظهر المؤدى لأنه لو شرع في قضاء الفوائت ثم أقيمت لا يقطع كالنفل والمنذورة كالفائتة كذا في الخلاصة.
وقيدنا بكون الإبطال حراما لغير عذر لأنه لو كان لعذر فإنه جائز كالمرأة إذا فار قدرها والمسافر إذا ندت دابته أو خاف فوت درهم من ماله بل قد يكون واجبا كالقطع لإنجاء غريق.
وفي فتاوى الولوالجي المصلي إذا دعاه أحد أبويه فلا يجيبه ما لم يفرغ من صلاته إلا أن يستغيث به لأن قطع الصلاة لا يجوز إلا لضرورة وكذلك الأجنبي إذا خاف أن يسقط من سطح أو تحرقه النار أو يغرقه الماء وجب عليه أن يقطع الصلاة هذا إذا كان في الفرض فأما في النوافل إذا ناداه أحد أبويه إن علم أنه في الصلاة وناداه لا بأس به أن لا يجيبه وإن لم يعلم يجيبه ا هـ.
ومن العذر ما إذا شرع في نفل فحضرت جنازة خاف إن لم يقطعها تفوته فإنه يقطعها ويصلي عليها لأنه لا يتمكن من المصلحتين معا وقطع النفل معقب للقضاء بخلاف الجنازة لو اختار تفويتها كان لا إلى خلف كذا في"فتح القدير"

 

ج / 2 ص -125-       ولو صلى ثلاثا يتم ويقتدي متطوعا، فإن صلى ركعة من الفجر أو المغرب فأقيم يقطع ويقتدي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: ولو صلى ثلاثا يتم ويقتدي متطوعا" لأن للأكثر حكم الكل فلا يحتمل النقض وإنما يقتدي متطوعا لأن الفرض لا يتكرر في وقت واحد وصرح في الحاوي القدسي أن ما يؤدى مع الإمام نافلة يدرك بها فضيلة الجماعة ولا يرد عليه العصر فإنه لا يقتدي بعدها لما علم من باب الأوقات المكروهة ولهذا قيد بالظهر وقيد بالثلاث لأنه لو كان في الثالثة ولم يقيدها بالسجدة فإنه يقطعها لأنه بمحل الرفض ويتخير إن شاء عاد وقعد وسلم وإن شاء كبر قائما ينوي الدخول في صلاة الإمام كذا في الهداية.
وفي المحيط الأصح أنه يقطع قائما بتسليمة واحدة لأن القعود مشروط للتحلل وهذا قطع وليس بتحلل فإن التحلل عن الظهر لا يكون على رأس الركعتين وتكفيه تسليمة واحدة للقطع ا هـ. وهكذا صححه في غاية البيان معزيا إلى فخر الإسلام واختلفوا فيما إذا عاد هل يعيد التشهد قيل نعم لأن الأول لم يكن قعود ختم وقيل يكفيه ذلك التشهد لأنه لما قعد ارتفض ذلك القيام فكأنه لم يقم وأورد على قوله ويقتدي متطوعا أن التطوع بجماعة مكروه خارج رمضان وأجيب بنعم إذا كان الإمام والقوم متطوعين أما إذا أدى الإمام الفرض والقوم النفل فلا لقوله عليه الصلاة والسلام للرجلين: "إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما صلاة قوم فصليا معهم واجعلا صلاتكما معهم سبحة" أي: نافلة كذا في الكافي.
"قوله: فإن صلى ركعة من الفجر أو المغرب فأقيم يقطع ويقتدي" لأنه لو أضاف إليها أخرى لفاتته الجماعة لوجود الفراغ حقيقة في الفجر أو شبهه في المغرب لأن للأكثر حكم الكل وشمل كلامه ما إذا قام إلى الثانية ولم يقيدها بالسجدة وقيد بالركعة احترازا عما إذا قيد الثانية بسجدة فإنه لا يقطعها ويتمها ولا يشرع مع الإمام لكراهة النفل بعد الفجر وكذا بعد المغرب في ظاهر الرواية علله في الكافي بأنه إن وافق إمامه خالف السنة بالتنفل بالثلاث وإن وافق السنة فجعلها أربعا خالف إمامه وكل ذلك بدعة فإن شرع أتمها أربعا لأنه أحوط إذ فيه زيادة الركعة وموافقة السنة أحق لأن مخالفة الإمام مشروعة في الجملة كالمسبوق فيما يقضي والمقتدي إذا اقتدى بالمسافر ومخالفة السنة لم تشرع أصلا كذا في الكافي وعلله في الهداية بأن التنفل بالثلاث مكروه وفي غاية البيان أنه بدعة وفي شرح"الجامع الصغير" لقاضيخا أنه حرام.

 

ج / 2 ص -126-       وكره خروجه من مسجد أذن فيه حتى يصلى وإن صلى لا إلا في الظهر, والعشاء إن شرع في الإقامة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والظاهر ما في الهداية ويراد بالكراهة التحريمية لأن المشايخ يستدلون بأنه عليه السلام نهى عن البتيراء. كما في غاية البيان وهو من قبيل ظني الثبوت قطعي الدلالة فيفيد كراهة التحريم على أصولنا ولو سلم مع الإمام فعن بشر لا يلزمه شيء وقيل فسدت ويقضي أربعا لأنه التزم بالاقتداء ثلاثا فيلزمه أربع كما لو نذر ثلاثا وإذا أتمها أربعا يصلي ركعة ويقعد لأن الأولى من الصلاة ثانية صلاته ولو تركها جازت في الاستحسان لا القياس ولو صلى الإمام أربعا ساهيا بعدما قعد على رأس الثلاث وقد اقتدى به الرجل متطوعا قال ابن الفضل تفسد صلاة المقتدي لأن الرابعة وجبت على المقتدي بالشروع وعلى الإمام بالقيام إليها فصار كرجل أوجب على نفسه أربع ركعات بالنذر فاقتدى فيهن بغيره لا تجوز صلاة المقتدي كذا هذا كذا في"فتح القدير."
قال في الخلاصة المختار فساد صلاة المقتدي قعد الإمام على رأس الثالثة أو لم يقعد ا هـ.
"قوله: وكره خروجه من مسجد أذن فيه حتى يصلي وإن صلى لا إلا في الظهر والعشاء إن شرع في الإقامة" لحديث ابن ماجه "من أدرك الأذان في المسجد ثم خرج لم يخرج لحاجة وهو لا يريد الرجوع فهو منافق" وأخرج الجماعة إلا البخاري عن أبي الشعثاء قال كنا مع أبي هريرة في المسجد فخرج رجل حين أذن المؤذن للعصر قال أبو هريرة أما هذا فقد عصى أبا القاسم. والموقوف في مثله كالمرفوع وهذا يدل على أن الكراهة تحريمية وهي المحمل عند إطلاقها كما قدمناه واستثنى المشايخ منها ما إذا كان ينتظم به أمر جماعة أخرى بأن كان مؤذنا أو إماما في مسجد تتفرق الجماعة بغيبته فإنه يخرج بعد النداء لأنه ترك صورة تكميل معنى والعبرة للمعنى

 

ج / 2 ص -127-       ومن خاف فوت الفجر إن أدى سنته ائتم وتركها وإلا لا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
زاد في النهاية أو يكون خرج ليصلي في مسجد حيه مع الجماعة فلا بأس به مطلقا من غير قيد بالإمام والمؤذن ا هـ.
ولا يخفى ما فيه إذ خروجه مكروه تحريما والصلاة في مسجد حيه مندوبة فلا يرتكب المكروه لأجل المندوب ولا دليل يدل على تقييدها بما ذكره وأطلقه المصنف فشمل ما أذن فيه وهو داخله أو دخل بعد الأذان والظاهر أن مرادهم من الأذان فيه هو دخول الوقت وهو داخله سواء أذن فيه أو في غيره كما أن الظاهر من الخروج من غير صلاة عدم الصلاة مع الجماعة سواء خرج أو كان ماكثا في المسجد من غير صلاة كما نشاهده في زماننا من بعض الفسقة حتى لو كانت الجماعة يؤخرون لدخول الوقت المستحب كالصبح مثلا فخرج إنسان من المسجد بعد دخول الوقت ثم رجع وصلى مع الجماعة ينبغي أن لا يكون مكروها ولم أره كله منقولا.
وقوله وإن صلى لا أي وإن صلى الفرض وحده لا يكره خروجه قبل أن يصلي مع الجماعة لأنه قد أجاب داعي الله مرة فلا يجب عليه ثانيا والظاهر أن مرادهم عدم كراهة الخروج لا عدمها مطلقا لأن من صلى وحده فقد ارتكب المكروه وهو ترك الجماعة لأنها على الصحيح إما سنة مؤكدة أو واجبة ولم أر من نبه عليه.
واستثنى المصنف الظهر والعشاء عند الشروع في الإقامة فإنه يكره لمن صلى وحده أن يخرج قبل الصلاة مع الجماعة لأنه يتهم بمخالفة الجماعة عيانا والنفل بعد هاتين الصلاتين ليس بمكروه وأما في الفجر والعصر فلا يكره له الخروج لكراهة التنفل بعدهما وأما في المغرب فلما فيه من التنفل بالثلاث أو مخالفة الإمام إن أتمها أربعا وكل منهما مكروه كما سبق ولم يذكر المصنف حكم المكث في المسجد بلا صلاة أما في موضع لا يكره التنفل فالكراهة ظاهرة وأما في موضع يكره التنفل فذكر في المحيط أنه في العصر والمغرب والفجر يخرج لكراهة التطوع بعدها فإن مكث وإن لم يدخل معهم يكره لأن مخالفة الجماعة وزر عظيم ا هـ.
"قوله: ومن خاف فوت الفجر إن أدى سنته ائتم وتركها وإلا لا" لأن الأصل أن سنة الفجر لها فضيلة عظيمة قال عليه الصلاة والسلام
"ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها" وكذا ما قدمناه وكذا للجماعة بالأحاديث المتقدمة فإذا تعارضا عمل بها بقدر الإمكان وإن لم يمكن بأن خشي فوت الركعتين أحرز أحقهما وهو الجماعة لورود الوعد والوعيد في الجماعات والسنة وإن ورد الوعد فيها لم يرد الوعيد بتركها ولأن ثواب الجماعة أعظم لأنها مكملة ذاتية والسنة مكملة خارجية والذاتية أقوى وشمل كلامه ما إذا كان يرجو إدراكه في التشهد فإنه يأتي بالسنة وظاهر ما في الجامع الصغير حيث قال إن خاف أن تفوته الركعتان دخل مع الإمام أن لا يأتي بالسنة.

 

ج / 2 ص -128-       ......................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي الخلاصة ظاهر المذهب أنه يدخل مع الإمام ورجحه في البدائع بأن للأكثر حكم الكل فكأن الكل قد فاته فيقدم الجماعة ونقل في الكافي والمحيط أنه يأتي بها عندهما خلافا لمحمد لأن إدراك القعدة عندهما كإدراك ركعة في الجمعة خلافا له وقد جعل المصنف لسنة الفجر حكمين أما الفعل إن لم يخف فوت الجماعة وهو المراد بفوت الفجر بقرينة قوله أيتم وأما الترك إن خاف فوت الجماعة فاندفع ما ذكره الفقيه إسماعيل الزاهد من أنه ينبغي أن يفتتح ركعتي الفجر ثم يقطعهما ويدخل مع الإمام حتى تلزمه بالشروع فيتمكن من القضاء بعد الفجر وهو مردود من وجهين:
أحدهما ما ذكره الإمام السرخسي أن ما وجب بالشروع لا يكون أقوى مما وجب بالنذر وقد نص محمد أن المنذورة لا تؤدى بعد الفجر قبل طلوع الشمس.
ثانيهما ما ذكره قاضي خان في شرح الجامع الصغير أن المشايخ نكروا عليه ذلك لأن هذا أمر بافتتاح الصلاة على قصد أن يقطع ولا يتم وأنه غير مستحسن ثم إن هنا قيدا تركه المصنف في قوله وإلا لا وهو أن يجد مكانا عند باب المسجد يصلي السنة فيه فإن لم يجد فينبغي أن لا يصلي السنة لأن ترك المكروه مقدم على فعل السنة كذا في فتح القدير وهو متفرع على أحد القولين لما في المحيط ولو صلاهما في المسجد الخارج والإمام يصلي في المسجد الداخل قيل لا يكره لأنه لا يتصور بصورة المخالفة للقوم لاختلاف المكان حقيقة وقيل يكره لأن ذلك كله كمكان واحد فإذا اختلف المشايخ فيه كان الأفضل أن لا يفعل ا هـ.
فالحاصل أن حكم المصلي نافلة أو سنة لا يخلو إما أن يكون قبل شروع الإمام في الفرض أو بعده فإن كان الأول لا يخلو إما أن يكون وقت إقامة المؤذن أو قبله فإن كان قبل إقامة المؤذن فله أن يأتي بهما في أي موضع أراد من المسجد أو غيره إلا في الطريق كما قدمناه وإن كان وقت إقامة المؤذن ففي البدائع إذا دخل المسجد للصلاة وقد كان المؤذن أخذ في الإقامة يكره له التطوع سواء كان ركعتي الفجر أو غيرهما لأنه يتهم بأنه لا يرى صلاة الجماعة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفن مواقف التهم" ا هـ. وبحث العلامة الحلبي بأن هذا الظن يزول عنه في ثاني الحال إذا شوهد شروعه فيها بعد فراغه من السنة وقد نص محمد في كتب الصلاة من الأصل في المؤذن يأخذ في الإقامة أيكره أن يتطوع قال نعم إلا ركعتي الفجر.

 

ج / 2 ص -129-       ولم تقض إلا تبعاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
واختلف المشايخ في فهمه فمنهم من قال موضوعها فيما إذا انتهى إلى الإمام وقد سبقه بالتكبير فيأتي بركعتي الفجر وعامتهم على الإطلاق سواء وصل إلى الإمام بعد شروعه أو قبله في الإقامة كما ذكره فخر الإسلام ا هـ. يعني فما في البدائع من التعميم لركعتي الفجر ليس على قول العامة ويشهد له ما في الحاوي القدسي والمحيط ولا يتطوع إذا أخذ المؤذن في الإقامة إلا ركعتي الفجر ا هـ.
إلا أنه قد يقال إن ما يوقع في التهمة لا يرتكب وإن ارتفعت بعده كما ورد عن علي إياك وما يسبق إلى القلوب إنكاره وإن كان عندك اعتذاره وإن كان الثاني فيكره له أن يشتغل بنفل أو سنة مؤكدة إلا سنة الفجر على التفصيل السابق ثم السنة في السنن أن يأتي بها في بيته أو عند باب المسجد وإن لم يمكن ففي المسجد الخارج وإن كان المسجد واحدا فخلف الأسطوانة ونحو ذلك أو في آخر المسجد بعيدا عن الصفوف في ناحية منه وتكره في موضعين.
الأول: أن يصليها مخالطا للصف مخالفا للجماعة.
الثاني: أن يكون خلف الصف من غير حائل بينه وبين الصف والأول أشد كراهة من الثاني وأما السنن التي بعد الفرائض فالأفضل فعلها في المنزل إلا إذا خاف الاشتغال عنها لو ذهب إلى البيت فيأتي بها في المسجد في أي مكان منه ولو في مكان صلى فيه فرضه والأولى أن يتنحى خطوة ويكره للإمام أن يصلي في مكان صلى فيه فرضه كذا في الكافي وغيره.
"قوله: ولم تقض إلا تبعا" أي لم تقض سنة الفجر إلا إذا فاتت مع الفرض فتقضى تبعا للفرض سواء قضاها مع الجماعة أو وحده لأن الأصل في السنة أن لا تقضى لاختصاص القضاء بالواجب والحديث ورد في قضائها تبعا للفرض في غداة ليلة التعريس فبقي ما وراءه على الأصل فأفاد المصنف أنها لا تقضى قبل طلوع الشمس أصلا ولا بعد الطلوع إذا كان قد أدى الفرض وشمل كلامه ما إذا قضاهما بعد الزوال أو قبله ولا خلاف في الثاني واختلف المشايخ في الأول على قولهما والصحيح كما في غاية البيان أنها لا تقضى تبعا لأن النص ورد بقضائها في الوقت المهمل بخلاف القياس وما ورد على خلاف القياس فغيره عليه لا يقاس وهي واردة على المصنف فلو قال ولم تقض إلا تبعا قبل الزوال لكان أولى وقيد بسنة الفجر لأن سائر السنن لا تقضى بعد الوقت لا تبعا ولا مقصودا واختلف المشايخ في قضائها تبعا للفرض في الوقت والظاهر قضاؤها وأنها سنة لاختلاف الشيخين في قضاء الأربع قبل الظهر قبل الركعتين أو بعدهما كما سيأتي.

 

ج / 2 ص -130-       وقضى التي قبل الظهر في وقته قبل شفعه ولم يصل الظهر جماعة بإدراك ركعة بل أدرك فضلها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: وقضى التي قبل الظهر في وقته قبل شفعه" بيان لشيئين أحدهما القضاء والثاني محله.
أما الأول ففيه اختلاف والصحيح أنها تقضى كما ذكره قاضي خان في شرحه مستدلا بما عن عائشة أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان إذا فاتته الأربع قبل الظهر قضاهن بعده. وظاهر كلام المصنف أنها سنة لا نفل مطلق وذكر قاضي خان أنه إذا قضاها فهي لا تكون سنة عند أبي حنيفة وعندهما سنة وتبعه الشارح وتعقبه في فتح القدير بأنه من تصرف المصنفين فإن المذكور من وضع المسألة الاتفاق على قضاء الأربع وإنما الاختلاف في تقديمها أو تأخيرها والاتفاق على أنها تقضى اتفاق على وقوعها سنة إلى آخر ما ذكره.
وأما الثاني فاختلف فيه النقل عن الشيخين فذكر في الجامع الصغير للحسامي أن أبا يوسف يقدم الركعتين ومحمد يؤخرهما وفي المنظومة وشروحها على العكس وفي غاية البيان ويحتمل أن يكون عن كل واحد من الإمامين روايتان ورجح في فتح القدير تقديم الركعتين لأن الأربع فاتت عن الموضع المسنون فلا يفوت الركعتين عن موضعهما قصدا بلا ضرورة ا هـ. وحكم الأربع قبل الجمعة كالأربع قبل الظهر كما لا يخفى.
"قوله: ولم يصل الظهر جماعة بإدراك ركعة" لما في الجامع الكبير إذا قال عبده حر إن صلى الظهر بجماعة فسبق ببعضها لم يحنث وهو شامل لما إذا سبق بركعة أو بأكثر وذكر قاضي خان في شرحه أن الظاهر الجواب أنه إذا فاتته ركعة مع الإمام وصلى الثلاث معه لا يحنث لأنه لم يصل الكل مع الإمام فلو قال المصنف بإدراك بعضها لكان أولى لكن ذكر الإمام السرخسي أنه يحنث لأن للأكثر حكم الكل ولا يحنث إذا صلى ركعتين فقط اتفاقا كما لا يخفى أما على الأول فظاهر وأما على قول السرخسي فلأنه ليس بأكثر حتى يقام مقام الكل ومما يضعف قول السرخسي ما اتفقوا عليه في باب الأيمان أنه لو حلف لا يأكل هذا الرغيف لا يحنث إلا بأكل كله فإن الأكثر لا يقام مقام الكل لكن في الخلاصة من كتاب الأيمان لو حلف لا يقرأ سورة فقرأها إلا حرفا حنث ولو قرأها إلا آية طويلة لا يحنث.
"قوله: بل أدرك فضلها" أي فضل الجماعة لأن من أدرك آخر الشيء فقد أدركه ولحديث

 

ج / 2 ص -131-       وتطوع قبل الفرض إن أمن فوت الوقت وإلا لا وإن أدرك إمامه راكعا فكبر ووقف حتى رفع رأسه لم يدرك الركعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصحيح
"من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة" وهو مجمع عليه وإنما خص محمد ا بالذكر في الهداية لأن الشبهة وردت على قوله أن مدرك الإمام في التشهد في صلاة الجمعة لا يكون مدركا للجمعة فكان مقتضى قوله أن لا يدرك فضيلة الجماعة في هذه المسألة لأنه مدرك للأقل فأزال الوهم بذكر محمد وذكر في الكافي وغيره أنه لو قال عبده حر إن أدرك الظهر فإنه يحنث بإدراك ركعة لأن إدراك الشيء بإدراك آخره يقال أدركت أيامه أي آخرها وفي الخلاصة من كتاب الأيمان من الفصل الحادي عشر لو قال عبده حر إن أدرك الظهر مع الإمام فأدرك الإمام في التشهد ودخل في صلاته فإنه يحنث ا هـ. فعلم أن إدراك الركعة ليس بشرط فلو قال المصنف بل يكون مدركا لها لكان أولى ليشمل الثواب والحنث في اليمين المذكورة.
وفي غاية البيان أن المسبوق يكون مدركا لثواب الجماعة لكن لا يكون ثوابه مثل ثواب من أدرك أول الصلاة مع الإمام لفوات التكبيرة الأولى ا هـ. وقد صرح الأصوليون بأن فعل المسبوق أداء قاصر بخلاف المدرك فإنه أداء كامل وأما اللاحق فصرحوا بأن ما يقضيه بعد فراغ الإمام أداء شبيه بالقضاء فظاهر كلام الشارح أن اللاحق كالمدرك لكونه خلف الإمام حكما ولهذا لا يقرأ ا هـ. فيقتضي أن يحنث في يمينه لو حلف لا يصلي بجماعة ولو فاته مع الإمام الأكثر فظاهر كلامهم أن من أدرك الإمام في التشهد فقد أدرك فضلها.
"قوله: وتطوع قبل الفرض إن أمن فوت الوقت وإلا لا" أي وإن لم يأمن لا يتطوع لأن صلاة التطوع عند ضيق الوقت حرام لتفويتها الفرض وإن لم يضق الوقت فله أن يتطوع فإن كانت سنة مؤكدة ولم تفته الجماعة فإنه يسن في حقه الإتيان بها باتفاق المشايخ وإن فاتته الجماعة ففيه اختلاف والصحيح أنه يسن الإتيان بها كما ذكره قاضي خان في شرحه لكونها مكملات للفرائض وإن لم تكن مؤكدة فإن كان من المستحبات يستحب الإتيان بها وإلا فهو مخير.
"قوله: وإن أدرك إمامه راكعا فكبر ووقف حتى رفع رأسه لم يدرك الركعة" خلافا لزفر هو يقول أدرك الإمام فيما له حكم القيام ولنا أن الشرط هو المشاركة في أفعال الصلاة ولم يوجد لا في القيام ولا في الركوع وذكر قاضي خان أن ثمرة الخلاف تظهر في أن هذا عنده لاحق في هذه الركعة حتى يأتي بها قبل فراغ الإمام وعندنا هو مسبوق بها حتى يأتي بها بعد فراغ الإمام

 

ج / 2 ص -132-       ولو ركع مقتد فأدركه إمامه فيه صح
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأجمعوا أنه لو انتهى إلى الإمام وهو قائم فكبر ولم يركع مع الإمام حتى ركع الإمام ثم ركع أنه يصير مدركا لتلك الركعة وأجمعوا أنه لو اقتدى به في قومة الركوع لم يصر مدركا لتلك الركعة ا هـ.
وفي المصفى وهذا إذا أمكنه الركوع أما إذا لم يمكنه لا يعتد به عند زفر أيضا وفي حيرة الفقهاء إمام افتتح الصلاة فلما ركع ورفع رأسه من الركوع ظن أنه لم يقرأ السورة فرجع وقرأ ثم علم أنه كان قرأ السورة فجاء رجل ودخل معه في الصلاة ثم ركع ثانيا فإن هذا المسبوق يصير داخلا في الصلاة لكن عليه أن يقضي ركعة لأن الركوع الأول كان فرضا تاما والآخر نفلا فصار كأن المسبوق لم يدرك الركوع من هذه الركعة ا هـ.
وفي فتح القدير ومدرك الإمام في الركوع لا يحتاج إلى تكبيرتين خلافا لبعضهم ولو نوى بتلك التكبيرة الواحدة الركوع لا الافتتاح جاز ولغت نيته ا هـ. ثم اعلم أنه إذا لم يكن مدركا للركعة فإنه يجب عليه أن يتابع الإمام في السجدتين وإن لم يحتسبا له كما لو اقتدى بالإمام بعدما رفع الإمام رأسه من الركوع صرح قاضي خان في فتاويه بأن عليه المتابعة في السجدتين وإن لم يحتسبا له وصرح به في العمدة وصرح في الذخيرة بأن المتابعة فيهما واجبة ومقتضاه أنه لو تركهما لا تفسد صلاته وقد توقفنا في ذلك مدة حتى رأيت في التجنيس معزيا إلى فتاوى أئمة سمرقند أنه لا تفسد لو ترك وعبارته رجل انتهى إلى الإمام وقد سجد سجدة فكبر ونوى الاقتداء به ومكث قائما حتى قام الإمام ولم يتابعه في السجدة ثم تابعه في بقية الصلاة فلما فرغ الإمام قام وقضى ما سبق به تجوز الصلاة إلا أنه يصلي تلك الركعة الفائتة بسجدتيها بعد فراغ الإمام وإن كانت المتابعة حين يشرع واجبة في تلك السجدة ا هـ.
"قوله: ولو ركع مقتد فأدركه إمامه فيه صح" وقال زفر لا يجزئه لأن ما أتى به قبل الإمام غير معتد به فكذا ما ينبه عليه ولنا أن الشرط هو المشاركة في جزء واحد كما في الطرف الأول قيد بكون إمامه شاركه فيه لأن المقتدي لو رفع رأسه قبل أن يركع الإمام فإنه لا يصح اتفاقا لعدم المشاركة فيه والمتابعة وأراد بالركوع كل ركن سبقه المأموم به وقيده في الذخيرة بأن يركع المقتدي بعد فراغ الإمام من القراءة أما لو ركع قبل أن يأخذ الإمام في القراءة ثم قرأ الإمام وركع والرجل راكع فأدركه في الركوع لا يجزئه عن الركوع لأنه ركع قبل أوانه ولو ركع بعدما قرأ الإمام ثلاث آيات ثم أتم القراءة وأدركه جاز ولو ركع الإمام بعدما قرأ الفاتحة ونسي السورة فرفع المقتدي معه ثم عاد الإمام إلى السورة ثم ركع والمقتدي على ركوعه الأول أجزأه الركوع ولو تذكر الإمام في ركوعه في الركعة الثالثة أنه ترك سجدة من الركعة الثانية فاستوى الإمام فسجد

 

ج / 2 ص -133-       .........................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للثانية وأعاد التشهد ثم قام وركع للثالثة والرجل على حاله راكع لم يجز المقتدي ذلك الركوع والوجه ظاهر ا هـ.
وذكر المصنف في الكافي في مسألة الكتاب أنه يصح ويكره لقوله عليه الصلاة والسلام
"لا تبادروني بالركوع والسجود" وقوله عليه السلام "أما يخشى الذي يركع قبل الإمام ويرفع أن يحول الله رأسه رأس حمار" ا هـ.
وهو يفيد أنها كراهة تحريم للنهي المذكور وفي الخلاصة المقتدي إذا أتى بالركوع والسجود قبل الإمام هذه على خمسة أوجه إما أن يأتي بهما قبله أو بعده أو بالركوع قبله وسجد معه أو بالركوع معه وسجد قبله أو أتى بهما قبله ويدركه الإمام في آخر الركعات فإن أتى بالركوع والسجود قبل الإمام في كلها يجب عليه قضاء ركعة بلا قراءة ويتم صلاته وإذا ركع معه وسجد قبله يجب عليه قضاء ركعتين وإذا ركع قبله وسجد معه يقضي أربعا بلا قراءة وإذا ركع بعد الإمام وسجد بعده جازت صلاته ا هـ. ووجهه في فتح القدير بأن مدرك أول صلاة الإمام لاحق وهو يقضي قبل فراغ الإمام ففي الصورة الأولى فاتته الركعة الأولى فركوعه وسجوده في الثانية قضاء عن الأولى وفي الثالثة عن الثانية وفي الرابعة عن الثالثة ويقضي بعد الإمام ركعة بغير قراءة لأنه لاحق وفي الثانية تلتحق سجدتاه في الثانية بركوعه في الأولى لأنه كان معتبرا ويلغو ركوعه في الثانية لوقوعه عقب ركوعه الأول بلا سجود بقي عليه ركعة ثم ركوعه في الثالثة مع الإمام معتبر ويلتحق به سجوده في رابعة الإمام فيصير عليه الثانية والرابعة فيقضي ركعتين وقضاء الأربع في الثالثة ظاهر ا هـ.
وفي الخلاصة المقتدي إذا رفع رأسه من السجدة قبل الإمام وأطال الإمام السجدة فظن المقتدي أن الإمام في السجدة الثانية فسجد ثانيا والإمام في السجدة الأولى إن نوى متابعة الإمام أو نوى السجدة التي فيها الإمام أو نوى السجدة الأولى جاز وإن نوى السجدة الثانية وكان الإمام في الأولى فرفع الإمام رأسه من السجدة وانحط للثانية فقبل أن يضع الإمام جبهته على الأرض

 

ج / 2 ص -134-       ...................................
ـــــــــــــــ
للسجدة رفع المقتدي من الثانية لا تجوز سجدة المقتدي وكان عليه إعادة تلك السجدة ولو لم يعد تفسد صلاته ا هـ. والله أعلم.

9- باب قضاء الفوائت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
9- باب قضاء الفوائت
لما كان القضاء فرع الأداء أخره وقد قسم الأصوليون المأمور به إلى أداء وإعادة وقضاء.
فالأداء ابتداء فعل الواجب في وقته المقيد به سواء كان ذلك الوقت العمر أو غيره وإنما لم نقل أنه فعل الواجب كما قال غيرنا لأنه لا يشترط فعله كله في وقته ليكون أداء لأن وجود التحريمة في الوقت كاف لكون الفعل أداء.
والإعادة فعل مثله في وقته لخلل غير الفساد وعدم صحة الشروع وهو المراد بقولهم كل صلاة أديت مع كراهة التحريم فسبيلها الإعادة فكانت واجبة فلذا دخلت في أقسام المأمور به.
والقضاء له تعريفان:
أحدهما: على المذهب الصحيح من أن القضاء يجب بما يجب به الأداء هو فعل الواجب بعد وقته وإن عرف بما يشمل غير الواجب من السنن التي تقضى فيبدل الواجب بالعبادة فيقال هو فعل العبادة بعد وقتها ولا يكون خارجا عن المقسم لأن المندوب مأمور به أيضا بقوله تعالى:  
{وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: 77] لكنه مجاز فلهذا لم يدخله أكثرهم في تعريفه وإطلاق القضاء في عبارة الفقهاء على ما ليس بواجب مجاز كما وقع في عبارة المختصر حيث قال وقضى التي قبل الظهر وكذا إطلاق الفقهاء القضاء للحج بعد فساده مجاز إذ ليس له وقت يصير بخروجه قضاء.
ثانيهما: على القول المرجوح من أن القضاء يجب بسبب جديد فهو تسليم مثل الواجب ومن زاد عليه بالأمر كصاحب المنار فقد تناقض كلامه لأن المفعول بعد الوقت عين الواجب بالأمر لا مثله إذ المستفاد من الأمر طلب شيئين الفعل وكونه في وقته فإذا عجز عن الثاني لفواته بقي الأمر مقتضيا للأول فتصريحه بالمثل مقتض لكونه بسبب جديد وتصريحه بالأمر مقتض لكونه عينه وتمام تحقيقه في كتابنا المسمى بلب الأصول مختصر تحرير الأصول ولم يظهر للاختلاف المذكور في سبب القضاء أثر كما يعلمه من طالع كتب الأصول وفي كشف الأسرار أن المثلية في القضاء في حق إزالة المأثم لا في إحراز الفضيلة. ا هـ.
والظاهر أن المراد بالمأثم ترك الصلاة فلا يعاقب عليها إذا قضاها وأما إثم تأخيرها عن

 

ج / 2 ص -135-       والترتيب بين الفائتة والوقتية وبين الفوائت مستحق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقت الذي هو كبيرة فباق لا يزول بالقضاء المجرد عن التوبة بل لا بد منها هذا ويجوز تأخير الصلاة عن وقتها لعذر كما قال الولوالجي في فتاويه القائلة إذا اشتغلت بالصلاة تخاف أن يموت الولد لا بأس بأن تؤخر الصلاة وتقبل على الولد لأن تأخير الصلاة عن الوقت يجوز بعذر ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخر الصلاة عن وقتها يوم الخندق. وكذا المسافر إذا خاف من اللصوص وقطاع الطريق جاز لهم أن يؤخروا الوقتية لأنه بعذر ا هـ. وفي المجتبى الأصح أن تأخير الفوائت لعذر السعي على العيال وفي الحوائج يجوز قيل وإن وجب على الفور يباح له التأخير وعن أبي جعفر سجدة التلاوة والنذر المطلق وقضاء رمضان موسع وضيق الحلواني والعامري ا هـ. وذكر الولوالجي من الصوم أن قضاء الصوم على التراخي وقضاء الصلاة على الفور إلا لعذر.
"قوله: والترتيب بين الفائتة والوقتية وبين الفوائت مستحق" مفيد لشيئين أحدهما بالعبارة والآخر بالاقتضاء.
أما الثاني فهو لزوم قضاء الفائتة فالأصل فيه أن كل صلاة فاتت عن الوقت بعد ثبوت وجوبها فيه فإنه يلزم قضاؤها سواء تركها عمدا أو سهوا أو بسبب نوم وسواء كانت الفوائت كثيرة أو قليلة فلا قضاء على مجنون حالة جنونه ما فاته في حالة عقله كما لا قضاء عليه في حالة عقله لما فاته حالة جنونه ولا على مرتد ما فاته زمن ردته ولا على مسلم أسلم في دار الحرب ولم يصل مدة لجهله بوجوبها ولا على مغمى عليه أو مريض عجز عن الإيماء ما فاته في تلك الحالة وزادت الفوائت على يوم وليلة ومن حكمه أن الفائتة تقضى على الصفة التي فاتت عنه إلا لعذر وضرورة فيقضي المسافر في السفر ما فاته في الحضر من الفرض الرباعي أربعا والمقيم في الإقامة ما فاته في السفر منها ركعتين كما سيأتي في آخر صلاة المسافر.
وقد قالوا إنما تقضى الصلوات الخمس والوتر على قول أبي حنيفة وصلاة العيد إذا فاتت مع الناس على تفصيل يأتي في بابها وسنة الفجر تبعا للفرض قبل الزوال والقضاء فرض في الفرض واجب في الواجب سنة في السنة ثم ليس للقضاء وقت معين بل جميع أوقات العمر وقت له إلا ثلاثة وقت طلوع الشمس ووقت الزوال ووقت الغروب فإنه لا تجوز الصلاة في هذه الأوقات لما مر في محله.

 

ج / 2 ص -136-       ........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما الأول وهو الترتيب بين الفائتة والوقتية وبين الفوائت فهو واجب عندنا يفوت الجواز بفوته فهو شرط كما صرح به في المحيط لكنه ليس بشرط حقيقة لأن بتركه لا تفوت الصحة أصلا بل الأمر موقوف كما سيأتي ولو كان شرطا لم يسقط بالنسيان كغيره من الشروط ولما لم يكن واجبا اصطلاحيا ولا فرضا لعدم قطعية الدليل ولا شرطا كذلك من كل وجه أبهم أمره فعبر بالاستحقاق.
والدليل على وجوبه ما في الصحيحين من حديث جابر أن عمر بن الخطاب شغل بسبب كفار قريش يوم الخندق وقال يا رسول الله ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس أن تغرب فقال عليه الصلاة والسلام:
"والله ما صليتها" قال: فنزلنا بطحان فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوضأنا فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بعدما غربت الشمس وصلينا بعدها المغرب. ولو كان الترتيب مستحبا لما أخر عليه الصلاة والسلام لأجله المغرب التي تأخيرها مكروه بناء على أن الكراهة للتحريم فلا ترتكب لفعل مستحب وبناء على أن التأخير قدر أربع ركعات مكروه، لكن لا دليل على كونه واجبا يفوت الجواز بفوته، وقد أطال فيه المحقق في فتح القدير إطالة حسنة كما هو دأبه وغرضنا في هذا الكتاب تحرير المذهب في الأحكام لا تحرير الدلائل.
وأما الترتيب بين الفوائت فلما رواه أحمد وغيره من أنه عليه الصلاة والسلام: شغل عن أربع صلوات يوم الخندق فقضاهن مرتبة. وقال في حديث آخر:
"صلوا كما رأيتموني أصلي" فدل على الوجوب قيد بالفائتة لأن غير الفائتة لا يقضى ولهذا قال في الظهيرية والخلاصة رجل يقضي صلوات عمره مع أنه لم يفته شيء منها احتياطا قال بعضهم يكره وقال بعضهم لا يكره لأنه أخذ بالاحتياط لكنه لا يقضي بعد صلاة الفجر ولا بعد صلاة العصر ويقرأ في الركعات كلها الفاتحة مع السورة. ا هـ.

 

ج / 2 ص -137-       .......................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد قدمنا عن مآل الفتاوى أنه يصلي المغرب أربعا بثلاث قعدات وكذا الوتر وذكر في القنية قولين فيها وأن الإعادة أحسن إذا كان فيها اختلاف المجتهدين وقد قدمنا أن الإعادة فعل مثله في وقته لخلل غير الفساد وعدم صحة الشروع وظاهره أن بخروج الوقت لا إعادة ويتمكن الخلل فيها مع أن قولهم كل صلاة أديت مع الكراهة فسبيلها الإعادة وجوبا مطلق وفي القنية ما يفيد التقييد بالوقت فإنه قال إذا لم يتم ركوعه ولا سجوده يؤمر بالإعادة في الوقت لا بعده ثم رقم رقما آخر أن الإعادة أولى في الحالتين ا هـ.
فعلى القولين لا وجوب بعد الوقت.
فالحاصل أن من ترك واجبا من واجباتها أو ارتكب مكروها تحريميا لزمه وجوبا أن يعيد في الوقت فإن خرج الوقت بلا إعادة أثم ولا يجب جبر النقصان بعد الوقت فلو فعل فهو أفضل ولهذا حمل صاحب القنية قولهم بكراهة قضاء صلاة عمره مرة ثانية على ما إذا لم يكن فيها شبهة الخلاف ولم تكن مؤداة على وجه الكراهة وفي التجنيس وغيره رجل فاتته صلاة من يوم واحد ولا يدري أي صلاة هي يعيد صلاة يوم وليلة لأن صلاة يوم كانت واجبة بيقين فلا يخرج عن عهدة الواجب بالشك وإذا شك في صلاة أنه صلاها أم لا فإن كان في الوقت أن يعيد لأن سبب الوجوب قائم وإنما لا يعمل هذا السبب بشرط الأداء قبله وفيه شك وإن خرج الوقت ثم شك فلا شيء عليه لأن سبب الوجوب قد فات وإنما يجب القضاء بشرط عدم الأداء قبله وفيه شك وإن شك في نقصان الصلاة أنه ترك ركعة وإن لم يفرغ من الصلاة فعليه إتمامها ويقعد في كل ركعة وإن شك بعدما فرغ وسلم لا شيء عليه لما قلنا ا هـ.
وذكر في الخلاصة في مسألة الشك في الصلاة هل صلاها أو لا وكان في الوقت لو كان الشك في صلاة العصر يقرأ في الركعة الأولى والثانية ولا يقرأ في الثالثة والرابعة ا هـ.
وكان وجهه أن التنفل بعد صلاة العصر مكروه فإن قرأ في الكل أو في الأوليين كان متنفلا بالأربع أو بالأوليين على تقدير أنه صلى الفرض أولا وإذا ترك القراءة في ركعة من كل شفع تمحض للفرض على تقدير أنه لم يصل أو للفساد على تقدير أنه صلى الفرض أولا فلم يكن متنفلا على كل تقدير لكن مقتضاه أن يقول يقرأ في كل شفع من الشفعين في ركعة ويترك القراءة في ركعة من كل شفع من غير تعيين الأولى والثانية للقراءة لأن القراءة في الفرض في

 

ج / 2 ص -138-       ويسقط بضيق الوقت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ركعتين غير عين كما سبق تقريره وقد يقال إن التنفل المكروه والقصدي وهذا ليس كذلك فلا يكون مكروها كما لا يخفى فيقرأ في الأولين أو في الكل.
وفي الحاوي القدسي لو شك في إتمام صلاته فأخبره عدلان أنك لا تتم أعاد وبقول الواحد لا تجب الإعادة ا هـ. وفيه بحث لأن خبر الواحد العدل مقبول في الديانات اللهم إلا أن يقال إن فيه إلزاما من كل فشابه حقوق العباد وقيده في المحيط بالإمام وعلله لأنها شهادة لأن حكمه يلزم الغير دون المخبر وشهادة الفرد لا تقبل ا هـ.
فيفيد أنه لو لم يكن إماما فقول الواحد مقبول فإطلاق الحاوي ليس بالحاوي وفي الحاوي أيضا لو تذكر أنه ترك القراءة في ركعة من صلاة يوم وليلة قضى الفجر والوتر ا هـ.
ووجهه إن ترك القراءة في ركعة واحدة لا يبطلها في سائر الصلوات إلا الفجر والوتر وينبغي تقييده بأن لا يكون مسافرا أما لو كان مسافرا فينبغي أن يعيد صلاة يوم وليلة كما لا يخفى.
وفي المحيط رجل صلى شهرا ثم تذكر أنه ترك عشر سجدات من هذه الصلوات يقضي صلوات عشرة أيام لجواز أنه ترك كل سجدة في يوم ا هـ. وتوضيحه أن العشر سجدات تجعل مفرقة على عشر صلوات احتياطا فصار كأنه ترك صلاة من صلوات كل يوم وإذا ترك صلاة ولم يرد تعينها يقضي صلاة يوم كامل فلزمه قضاء العشرة الأيام وفي القنية صبي بلغ وقت الفجر ولم يصل الفجر وصلى الظهر مع تذكره يجوز ولا يجب الترتيب بهذا القدر ا هـ. وهو إن صح يكون مخصصا للمتون وفي صحته نظر عندي لأنه بالبلوغ صار مكلفا اللهم إلا أن يكون جاهلا به فيعذر لقرب عهده من زمن الصبا.
"قوله: ويسقط بضيق الوقت" أي يسقط الترتيب المستحق بضيق وقت المكتوبة لأنه وقت للوقتية بالكتاب ووقت للفائتة بخبر الواحد وهو قوله عليه الصلاة والسلام
"من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" والكتاب مقدم على خبر الواحد فلو قدم الفائتة في هذه الحالة ولم يكن وقت كراهة فهي صحيحة لأن النهي عن تقديمها لمعنى في غيرها وهو لزوم تفويت الوقتية وهو لا يعدم المشروعية واختلف في المراد بالنهي هنا فقيل نهي الشارع لأن الأمر بالشيء نهي عن ضده وقيل نهي الإجماع لإجماعهم على أنه لا يقدم الفائتة وهو الأصح كذا في المعراج وإنما قلنا صحيحة ولم نقل جائزة لأن هذا الفعل حرام كما لو اشتغل بالنافلة عند ضيق الوقت يحكم بصحتها مع الإثم وتفسير ضيق الوقت أن يكون الباقي منه لا يسعهما معا عند الشروع في

 

ج / 2 ص -139-       والنسيان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نفس الأمر لا بحسب ظنه حتى لو ظن ضيقه فصلى الوقتية فلما فرغ ظهر أن فيه سعة بطل ما أداه.
وفي المجتبى ومن عليه العشاء فظن ضيق وقت الفجر فصلاها وفي الوقت سعة يكررها إلى أن تطلع الشمس وفرضه ما يلي الطلوع وما قبله تطوع ولو كان فيه سعة عند الشروع فشرع في الوقتية وأطال القراءة فلما فرغ ضاق الوقت بطل ما أداه واختلفوا فيما إذا كان الباقي منه يسع بعض الفوائت فقط فظاهر كلامهم ترجيح أنه لا تجوز الوقتية ما لم يقض ذلك البعض وفي المجتبى خلافه فإنه ولو فاتته أربع والوقت لا يسع إلا الفائتتين والوقتية فالأصح أنه تجوز الوقتية. ا هـ.. وظاهر كلام المصنف اعتبار أصل الوقت في الضيق لا الوقت المستحب ولم يذكر في ظاهر الرواية ولذا وقع الاختلاف فيه بين المشايخ ونسب الطحاوي الأول إلى أبي حنيفة وأبي يوسف والثاني إلى محمد كما في الذخيرة.
وثمرته تظهر فيما لو تذكر في وقت العصر أنه لم يصل الظهر وعلم أنه لو اشتغل بالظهر يقع قبل التغير ويقع العصر أو بعضها فيه فعلى الأول يصلي الظهر ثم العصر وعلى الثاني يصلي العصر ثم الظهر بعد الغروب واختار الأول قاضي خان في شرح الجامع الصغير وذكره بصيغة عندنا وفي المبسوط وأكثر مشايخنا على أنه يلزمه مراعاة الترتيب هاهنا عند علمائنا الثلاثة وصحح في المحيط الثاني فقال والأصح أنه يسقط الترتيب لما فيه من تغيير حكم الكتاب وهو نقصان الوقتية بخبر الواحد وذلك لا يجوز ا هـ. فعلى هذا المراد يسقط بضيق الوقت المستحب ورجحه في الظهيرية بما في المنتقى من أنه إذا افتتح العصر في أول وقتها وهو ناس للظهر ثم احمرت الشمس ثم ذكر الظهر مضى في العصر قال فهذا نص على أن العبرة للوقت المستحب ا هـ.
فحينئذ انقطع اختلاف المشايخ لأن المسألة حيث لم تذكر في ظاهر الرواية وثبتت في رواية أخرى تعين المصير إليها وفي المجتبى إن لم يمكنه أداء الوقتية إلا مع التخفيف في قصر القراءة والأفعال فيرتب ويقتصر على أقل ما تجوز به الصلاة.
"قوله: والنسيان" أي ويسقط الترتيب بالنسيان وهو عدم تذكر الشيء وقت حاجته وهو عذر سماوي مسقط للتكليف لأنه ليس في وسعه ولأن الوقت وقت للفائتة بالتذكر وما لم يتذكر لا يكون وقتا لها ومما ألحق بالنسيان الظن فليس مسقطا رابعا كما قد يتوهم فهو قسمان معتبر وغير معتبر واختلفت عباراتهم فيه ففي كشف الأسرار شرح أصول فخر الإسلام أن الظن إنما يكون معتبرا إذا كان الرجل مجتهدا قد ظهر عنده أن مراعاة الترتيب ليست بفرض فهو دليل شرعي كالنسيان وأما إذا كان ذاكرا وهو غير مجتهد فمجرد ظنه ليس بدليل شرعي فلا يعتبر ا هـ. فجعل

 

ج / 2 ص -140-       .......................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المعتبر ظن المجتهد لا غيره وذكر شارحو الهداية كصاحب النهاية وفتح القدير أن فساد الصلاة إن كان قويا كعدم الطهارة استتبع الصلاة التي بعده وإن كان ضعيفا كعدم الترتيب لا يستتبع وفرعوا على ذلك فرعين:
أحدهما: لو صلى الظهر بغير طهارة ثم صلى العصر ذاكرا لها وجب عليه إعادة العصر لأن فساد الظهر قوي لعدم الطهارة فأوجب فساد العصر وإن ظن عدم وجوب الترتيب.
ثانيهما: لو صلى هذه الظهر بعد هذه العصر ولم يعد العصر حتى صلى المغرب ذاكرا لها فالمغرب صحيحة إذا ظن عدم وجوب الترتيب لأن فساد العصر ضعيف لقول بعض الأئمة بعدمه فلا يستتبع فساد المغرب وذكر الإمام الإسبيجابي له أصلا فقال إذا صلى وهو ذاكر للفائتة وهو يرى أنه يجزئه فإنه ينظر إن كانت الفائتة وجب إعادتها بالإجماع أعاد التي صلى وهو ذاكر لها وإن كان عليه الإعادة عندنا وفي قول بعض العلماء ليس عليه وهو يرى أن ذلك يجزئه فلا إعادة عليه وذكر الفرعين المذكورين.
وعلل في شرح المجمع للمصنف للفرع الثاني بأن المانع من الجواز كون الفائتة متروكة بيقين فلم يتناولها النص المقتضي لمراعاة الترتيب لاختصاصه بالمتروك بيقين والحق أن المجتهد لا كلام فيها أصلا وأن ظنه معتبر مطلقا سواء كانت تلك الفائتة وجب إعادتها بالإجماع أو لا إذ لا يلزمه اجتهاد أبي حنيفة ولا غيره وإن كان مقلدا فإن كان مقلدا لأبي حنيفة فلا عبرة برأيه المخالف لمذهب إمامه فيلزمه إعادة المغرب أيضا وإن كان مقلدا للشافعي فلا يلزمه إعادة العصر أيضا وإن كان عاميا ليس له مذهب معين فمذهبه فتوى مفتيه كما صرحوا به فإن أفتاه حنفي أعاد العصر والمغرب وإن أفتاه شافعي فلا يعيدهما ولا عبرة برأيه وإن لم يستفت أحدا وصادف الصحة على مذهب مجتهد أجزأه ولا إعادة عليه ويدل عليه ما ذكره في الخلاصة معزيا إلى الفتاوى الصغرى رجل يرى التيمم إلى الرسغ والوتر ركعة ثم رأى التيمم إلى المرفق والوتر ثلاثا لا يعيد ما صلى وإن فعل عن جهل من غير أن يسأل أحدا ثم سأل فأمر بالثلاث يعيد ما صلى شفعوي المذهب إذا صار حنفيا وقد فاتته صلوات في وقت كان شفعويا ثم أراد أن يقضيها في الوقت الذي صار حنفيا يقضي على مذهب أبي حنيفة ا هـ.
وفي المجتبى من جهل فرضية الترتيب لا يجب عليه كالناسي وهو قوله جماعة من أئمة بلخ وفي القدوري الكبير ترك الظهر وصلى العصر ذاكرا حتى فسد ثم قضى الظهر وصلى

 

ج / 2 ص -141-       وصيرورتها ستاً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المغرب قبل إعادة العصر صح مغربه ولو علم أن عليه إعادة العصر لم تجز مغربه ولم يفصل في الأصل بين ما إذا كان عالما أو جاهلا قال رحمه الله وهذا معنى قولهم الفاسد لا يوجب الترتيب هذا ما ظهر للعبد الضعيف هذا وقد ذكر في المحيط معزيا إلى النوادر لو صلى الظهر على ظن أنه متوضئ ثم توضأ وصلى العصر ثم تبين يعيد الظهر خاصة لأنه بمنزلة الناسي في حق الظهر فلم يلزمه مراعاة الترتيب ا هـ. وليس بمخالف لما قدمناه عنهم لأن فيما قدمناه كان وقت العصر ذاكرا أنه صلى الظهر بغير طهارة وفي مسألة النوادر التذكر حصل بعد أداء العصر.
"قوله: وصيرورتها ستا" أي ويسقط الترتيب بصيرورة الفوائت ست صلوات لدخولها في حد الكثرة المفضية للحرج لو قلنا بوجوبه والكثرة بالدخول في حد التكرار وهو أن تكون الفوائت ستا وهو الصحيح وبه اندفع ما روي عن محمد أن المعتبر دخول السادسة واندفع ما في السراج الوهاج وغاية البيان وكثير أن المعتبر دخول وقت السابعة لتصير الفوائت ستا إذ لا يتوقف صيرورتها ستا على دخول السابعة كما لو ترك صلاة يوم كامل وفجر اليوم الثاني فإن الفوائت صارت ستة بطلوع الشمس في اليوم الثاني ولم يدخل وقت السابعة وقد يقال لما كان فائدة السقوط صحة الوقتية وهي لا تكون إلا بدخول وقت السابعة اعتبر وقت السابعة وجوابه أن فائدة السقوط لم تنحصر فيما ذكر لأنه بدخول وقت السابعة لا يجب عليه الترتيب فيما بين الفوائت أيضا كما سيأتي.
وعبارة المصنف أولى من عبارة الهداية والقدوري حيث قالا إلا أن تزيد الفوائت على ست صلوات استثناء من قوله رتبها في القضاء لما يلزم من ظاهرها من كون الفوائت سبعا على ما في فتح القدير أو تسعا على ما في النهاية وإن أجاب عنه في غاية البيان بأن المراد بالفوائت الأوقات مجازا للاشتباه مع ما قدمناه من عدم اشتراط دخول وقت السابعة وصرح في المحيط بأن ظاهر الرواية أن الترتيب يسقط بصيرورة الفوائت ستا موافقا لما في المختصر وصححه في الكافي وبه اندفع ما صححه الشارح الزيلعي من أن المعتبر في سقوط الترتيب أن تبلغ الأوقات المتخللة منذ فاتته ستة أوقات وإن أدى ما بعدها في أوقاتها ولهذا ذكر في الفتاوى الظهيرية لو تذكر فائتة بعد شهر لا تجوز الوقتية مع تذكر الفائتة إلا إذا كانت الفوائت ستا وقال الصدر الشهيد حسام الدين في واقعاته أنه يجوز ا هـ.
وفي التجنيس أن الجواز مختار الطحاوي والفقيه أبي الليث وبه نأخذ لأن المتخلل بينهما أكثر من ست صلوات ا هـ. وفي الولوالجية وهو المختار عند المشايخ وهو موافق لتصحيح الشارح.
وحاصله أنهم اختلفوا هل المعتبر صيرورة الفوائت ستا في نفسها ولو كانت متفرقة أو

 

ج / 2 ص -142-       ......................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كون الأوقات المتخللة ستا وثمرته تظهر فيما ذكرنا من الفروع والظاهر اعتماد ما وافق المتون من اعتبار صيرورة الفوائت ستا حقيقة وما ذكره الشارح الزيلعي ثمرة للخلاف المذكور من أنه لو ترك ثلاث صلوات مثلا الظهر من يوم والعصر من يوم والمغرب من يوم ولا يدري أيتها أولى فعلى اعتبار الأوقات سقط الترتيب لأن المتخلل بين الفوائت كثيرة فيصلي ثلاثا فقط وعلى اعتبار الفوائت في نفسها لا يسقط فيصلي سبع صلوات والأول أصح ا هـ. فغير صحيح لوجهين:
الأول: أنه لا يتصور على قول أبي حنيفة كون المتخللات ست فوائت لأن مذهبه أن الوقتية المؤداة مع تذكر الفائتة تفسد فسادا موقوفا إلى أن يصلي كمال خمس وقتيات فإن لم يعد شيئا منها حتى دخل وقت السادسة صارت كلها صحيحة كما سيأتي فقوله وقيل يعتبر أن تبلغ الفوائت ستا ولو كانت متفرقة غير متصور على قوله فلا يبني عليه شيء.
الثاني: أن اختلاف المشايخ في لزوم السبع أو الثلاث ليس مبنيا على ما ذكر وإنما هو مبني على أن العبرة في سقوط الترتيب لتحقيق فوت الست حقيقة أو معنى فمن أوجب السبع نظر إلى الأول لأنه لم يفته إلا ثلاث فلم يسقط الترتيب فيعيد ما صلى أولا ومن اقتصر على الثلاث نظر إلى الثاني لأن بإيجاب السبع بإيجاب الترتيب تصير الفوائت كسبع معنى فإذا كان الترتيب يسقط بست فأولى أن يسقط بسبع.
فالحاصل أنا لو قلنا بوجوب الترتيب للزمه قضاء سبع وهي كسبع فوائت فلذا أسقطنا الترتيب وقول من أسقطه أوجه لأن المعنى الذي لأجله سقط الترتيب بالست وهو الدخول في حد الكثرة المقتضية للحرج موجود في إيجاب سبع بعينه واقتصر عليه في التجنيس من غير حكاية خلاف ثم ذكر بعده الخلاف وقال إن السقوط هو مختارنا وغيره لا يعتمد عليه وذكر الولوالجي أن من أوجب الترتيب فيه لا اعتماد عليه لأنه قد زاد على يوم وليلة فلا يبقى الترتيب واجبا. ا هـ. وصححه في الحقائق معللا بأن إعادة ثلاث صلوات في وقت الوقتية لأجل الترتيب مستقيم أما إيجاب سبع صلوات في وقت واحد لا يستقيم لتضمنه تفويت الوقتية ا هـ. يعني: أنه مظنة تفويت الوقتية.
فالحاصل أنه لا يلزمه إلا قضاء ما تركه من غير إعادة شيء على المذهب الصحيح إذا كانت الفوائت ثلاثا أو أكثر فيلزمه قضاء ثلاث في الفرع المذكور ولو ترك مع ذلك عشاء من يوم آخر لزمه أربع ولو ترك صبحا آخر لزمه خمس ولا يعيد شيئا مما صلاه وعلى القول الضعيف ففي المسألة الأولى يصلي سبعا لأنه إما أن يصلي ظهرا بين عصرين أو عصرا بين ظهرين لاحتمال أن

 

ج / 2 ص -143-       .......................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يكون ما صلاه أولا هو الآخر فيعيده ثم يصلي المغرب ثم يعيد ما صلاه أولا لاحتمال كون المغرب أولا.
وفي المسألة الثانية يقضي خمس عشرة صلاة السبعة الأولى كما ذكرنا ثم يصلي بعدها العشاء ثم يعيد السبعة الأولى لاحتمال أن تكون العشاء هي الأولى.
وفي المسألة الثالثة يقضي إحدى وثلاثين صلاة الخمسة عشر الأولى ثم يصلي الفجر ثم يعيد الخمسة عشر لاحتمال أن يكون الفجر هي الأولى وإنما قيدنا بكون الفائت ثلاثة فأكثر لأنه لو فاتته صلاتان الظهر من يوم والعصر من يوم ولا يدري الأول فعند أبي حنيفة يلزمه قضاء ثلاث صلوات وهو إما ظهر بين عصرين أو عصر بين ظهرين لأن المتروك أولا إن كان هو المؤدى أولا فالأخير نفل وإلا فالأول نفل وقالا لا يلزمه إلا صلاتان إلحاقا له بالناسي فيسقط الترتيب وأبو حنيفة ألحقه بناسي التعيين وهو من فاته صلاة لم يدر ما هي ولم يقع تحريه على شيء يعيد صلاة يوم وليلة بجامع تحقق طريق يخرج بها عن العهدة بيقين فيجب سلوكها وهذا الوجه يصرح بإيجاب الترتيب في القضاء عنده فيجب الطريق التي يعينها لا كما قيل أنه مستحب عندهم فلا خلاف بينهم وفي فتاوى قاضي خان أن الفتوى على قولهما كأنه تخفيف على الناس لكسلهم وإلا فدليلهما لا يترجح على دليله وقد ذكر في آخر الحاوي القدسي أنه إذا اختلف أبو حنيفة وصاحباه فالأصح أن الاعتبار لقوة الدليل.
فالحاصل: أن الأصح المفتى به أنه لا يلزمه القضاء إلا بقدر ما ترك سواء كان المتروك صلاتين أو أكثر وقد أفاد كلام المصنف أن الفوائت إذا كثرت سقط الترتيب فيما بين الفوائت نفسها كما سقط بينها وبين الوقتية وقد صرح به في الهداية وجزم به في المحيط وعلله في غاية البيان بأن الكثرة إذا كانت مسقطة للترتيب في غيرها كانت مسقطة له في نفسها بالطريق الأولى لأن العلة إذا كان لها أثر في غير محلها فلأن يكون لها أثر في محلها أولى. ا هـ.
ونص الزاهدي على أنه الأصح وبهذا اندفع ما في الظهيرية والخانية من أن الفوائت لو كثرت وأراد أن يقضيها فإنه يراعي الترتيب في القضاء وتفسير ذلك أنه إذا قضى فائتة ثم فائتة فإن كان بين الأولى والثانية فوائت ست يجوز له قضاء الثانية وإن كانت أقل من ست لا يجوز قضاء الثانية ما لم يقض ما قبلها.
وقيل في الفوائت إذا كثرت سقط الترتيب حتى لو قضى ثلاثين فجرا ثم قضى ثلاثين ظهرا ثم قضى ثلاثين عصرا جاز ا هـ. وأفاد كلامه أيضا أنه لا فرق بين الفوائت القديمة والحديثة حتى لو ترك صلاة شهر فسقا ثم أقبل على الصلاة ثم ترك فائتة حادثة فإن الوقتية جائزة مع تذكر الفائتة

 

ج / 2 ص -144-       ولم يعد بعودها إلى القلة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحادثة لانضمامها إلى الفوائت القديمة وهي كثيرة فلم يجب الترتيب ولأن بالحديثة ازدادت الكثرة فيتأكد السقوط ولأنه لو اشتغل بهذه الفائتة لكان ترجيحا بلا مرجح ولو اشتغل بالكل تفوت الوقتية فتعين ما ذكرنا.
وقال بعضهم إن المسقط الفوائت الحديثة وأما القديمة فلا تسقط ويجعل الماضي كأن لم يكن زجرا له عن التهاون بالصلوات فلا تجوز الوقتية مع تذكرها وصححه في معراج الدراية معزيا إلى المحيط للصدر الشهيد وفي التجنيس وعليه الفتوى وذكر في المجتبى أن الأول أصح وفي الكافي والمعراج وعليه الفتوى فقد اختلف التصحيح والفتوى كما رأيت والعمل بما وافق إطلاق المتون أولى خصوصا أن على القول الثاني يؤدي إلى التهاون لا إلى زجره عنه فإن من اعتاد تفويت الصلوات لو أفتى بعدم الجواز يفوت أخرى ثم وثم حتى تبلغ الحديثة حد الكثرة كما في الكافي.
"قوله: ولم يعد بعودها إلى القلة" أي لم يعد وجوب الترتيب بعود الفوائت إلى القلة بسبب القضاء بعد سقوطه بكثرتها كما إذا ترك رجل صلاة شهر مثلا ثم قضاها إلا صلاة ثم صلى الوقتية ذاكرا لها فإنها صحيحة لأن الساقط قد تلاشى فلا يحتمل العود كالماء القليل إذا تنجس فدخل عليه الماء الجاري حتى كثر وسال ثم عاد إلى القلة لا يعود نجسا واختاره الإمام السرخسي والإمام البزدوي حيث قالا ومتى سقط الترتيب لم يعد في أصح الروايتين وصححه أيضا في الكافي والمحيط وفي معراج الدراية وغيره وعليه الفتوى.
وقيل يعود الترتيب وليس هو من قبيل عود الساقط بل من قبيل زوال المانع كحق الحضانة إذا ثبت للأم ثم تزوجت ثم ارتفعت الزوجية فإنه يعود لها واختاره في الهداية وقال إنه الأظهر مستدلا بما روي عن محمد فيمن ترك صلاة يوم وليلة وجعل يقضي من الغد مع كل وقتية فائتة فالفوائت جائزة على كل حال والوقتيات فاسدة إن قدمها لدخول الفوائت في حد القلة وإن أخرها فكذلك إلا العشاء الأخيرة لأنه لا فائتة عليه في ظنه حال أدائها ا هـ. ورده في الكافي والتبيين بأنه لا دلالة فيه لأن الترتيب لو سقط لجازت الوقتية التي بدأ بها ولأن الترتيب إنما يسقط بخروج وقت السادسة ولم يخرج هنا ولا يمكن حمله على ما روي عن محمد أن الترتيب يسقط بدخول وقت السادسة لأن حكمه بفساد الوقتية التي بدأ بها يمنع من ذلك إذ لو كان مراده على تلك الرواية لما فسدت التي بدأ بها أول مرة لسقوط الترتيب عنده وذكره في فتح القدير وارتضاه ورده الشيخ قاسم في حاشيته على الزيلعي بأنه مبني على ما روي عن محمد فقد نص جماعة من محققي المشايخ على أن من أصل محمد أنه إذا دخل وقت السادسة سقط الترتيب إلا

 

ج / 2 ص -145-       .......................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن سقوطه يتقرر بخروج وقت السادسة فإذا أدى وقتية توقف جوازها على قضاء الفائتة وعدمه فإذا قضي دخلت الفوائت في حد القلة فبطلت الوقتية لأنها أديت عند ذكر الفائتة ولذا صرح في رواية سماعة عن محمد في تعليل ذلك بقوله لأنه كلما قضى فائتة عادت الفوائت أربعا وفسدت الوقتية إلا العشاء فإنه صلاها وعنده أن جميع ما عليه قد قضاه فأشبه الناسي ا هـ. وما أجيب به في المعراج من أن المسألة مفروضة فيمن مد الوقتية التي شرع فيها إلى آخر الوقت ثم قضى الفائتة بعد خروج الوقت ولا بد أن يكون الشروع في سعة الوقت إذ لو كان عند الضيق لكانت الوقتية صحيحة رد بقوله في الكتاب صلى مع كل فائتة وقتية ومع للقران وذكر في فتح القدير ولا يخفى أن إبطال الدليل المعين لا يستلزم بطلان المدلول فكيف بالاستشهاد.
وحاصله بطلان أن يكون ذلك نصا عن محمد في المسألة فليكن كذلك فهو غير منصوص عليه من المتقدمين لكن الوجه يساعده بجعله من قبيل انتهاء الحكم بانتهاء علته وذلك أن سقوط الترتيب كان بعلة الكثرة المفضية إلى الحرج أو أنها مظنة تفويت الوقتية فما قلت زالت العلة فعاد الحكم الذي كان قبل كحق الحضانة ا هـ. وفيه نظر لأنا قد نقلنا عن الإمامين السرخسي والبزدوي كما في غاية البيان أنه متى سقط الترتيب لم يعد في أصح الروايتين وفي المحيط لم يعد في أصح الروايات فكيف يقال إنه غير منصوص عليه من المتقدمين وهو أصح الروايات عن المتقدمين إذ الروايات إنما هي منسوبة إليهم لا إلى المشايخ وليس هو من قبيل زوال المانع في التحقيق لأن المقتضي للترتيب مع كثرة الفوائت ليس بموجود أصلا ولذا اتفقت كلمتهم متونا وشروحا على أن الترتيب يسقط بثلاثة أشياء فصرح الكل بالسقوط والساقط لا يعود اتفاقا بخلاف حق الحضانة فإنه المقتضي لها موجود مع التزوج لأنه القرابة المحرمية مع صغر الولد وقد منع التزوج من عمل المقتضي فإذا زال التزوج زال المانع فعمل المقتضي عمله فالفارق بين البابين وجود المقتضي وعدمه ولذا كان الأصح في مسألة المني إذا فرك من الثوب ثم أصابه ماء وأخواتها عدم عود النجاسة كما ذكرنا ولو قال المصنف ولم يعد بزوالها ليكون الضمير راجعا إلى الثلاثة أعني ضيق الوقت والنسيان وصيرورتها ستا لكان أولى لأن الحكم كذلك فيها.
قال في المجتبى ولو سقط الترتيب لضيق الوقت ثم خرج الوقت لا يعود على الأصح حتى لو خرج في خلال الوقتية لا تفسد على الأصح وهو مؤد على الأصح لا قاض واقتداء المسافر بعد غروب الشمس في العصر بمقيم شرع فيه في الوقت لا يصح وكذا لو سقط مع النسيان ثم تذكر لا يعود ولو نسي الظهر وافتتح العصر ثم ذكره عند احمرار الشمس يمضي لضيق

 

ج / 2 ص -146-       فلو صلى فرضا ذاكرا فائتة ولو وترا فسد فرضه موقوفا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقت وكذا لو غربت وكذا لو افتتحها عند الاصفرار ذاكرا ثم غربت ا هـ. وقوله واقتداء المسافر ينتجه كونه مؤديا كما لا يخفى.
والذي ظهر للعبد الضعيف أن ما ذكره في المجتبى من عدم عوده بالتذكر خطا لأن كلمتهم اتفقت عند ذكر المسائل الاثنى عشرية السابقة أنه لو تذكر فائتة وهو يصلي فإن كان قبل القعود قدر التشهد بطلت صلاته اتفاقا وإن كان بعد القعود بطلت عنده وعندهما لا تبطل فقد حكموا بعوده بالتذكر ولهذا قال في معراج الدراية والنهاية أنه لو سقط بالنسيان وضيق الوقت فإنه يعود بالتذكر وسعة الوقت بالاتفاق ا هـ.
ولذا والله أعلم اقتصر في المختصر على عدم العود بقلة الفوائت وإن حمل ما في المجتبى على تذكره بعد الفراغ من الصلاة فيكون محل الخلاف الترتيب بين الفائتة والوقتية في المستقبل لا فيما صلاه حالة النسيان وتذكر قبل الفراغ فبعيد مخالف لسياق كلامه في ضيق الوقت لتصريحه فيه بعدم العود ولو خرج في خلاله بقي هاهنا كلام وهو أنه بعد أن حكم باستحقاق الترتيب بين الفائتة والوقتية وبين الفوائت حكم بسقوطه بثلاثة أشياء فشمل النوعين وقد قدمنا أن سقوطه بكثرة الفوائت يشمل النوعين وأما بالنسيان فالظاهر شموله لهما وأما بضيق الوقت فهو خاص بالترتيب بين الفائتة والوقتية وأما الترتيب فيما بين الفوائت فلا يسقط به حتى لو قدم المتأخرة من الفوائت عند ضيق الوقت لا يجوز لأنه ليس بمسقط حقيقة وإنما قدمت الوقتية عند العجز عن الجمع بينهما لقوتها مع بقاء الترتيب كما ذكره الشارح.
"قوله: فلو صلى فرضا ذاكرا فائتة ولو وترا فسد فرضه موقوفا" أي فساد هذا الفرض موقوف على قضاء الفائتة قبل أن تصير الفوائت كثيرة مع الفائتة فإن قضاها قبله فسد هذا الفرض وما صلاه بعده متذكرا وإن لم يقضها حتى صارت الفوائت مع الفائتة ست صلوات فما صلاه متذكرا لها صحيح قال في المبسوط هذه المسألة هي التي يقال واحدة تصحح خمسا وواحدة تفسد خمسا فالواحدة المصححة للخمس هي السادسة قبل قضاء المتروكة والواحدة المفسدة للخمس هي المتروكة تقضى قبل السادسة ا هـ.
وهذا عند أبي حنيفة وعندهما الفساد متحتم لا يزول وهو القياس لأن سقوط الترتيب حكم والكثرة علة له فإنما يثبت الحكم إذا ثبتت العلة في حق ما بعدها فأما في حق نفسها فلا وهذا لأن العلة ما تحل بالمحل فيتغير لحلوله المحل فلا يجوز أن يكون نفس العلة محلا للعلة للاستحالة ولأبي حنيفة أن الحكم مع العلة يقترنان لما عرف في الأصول والكثرة صفة هذا المجموع وحكمها سقوط الترتيب فإذا ثبتت صفة الكثرة بوجود الأخيرة استندت الصفة إلى

 

ج / 2 ص -147-       ........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أولها بحكمها فيجوز الكل كمرض الموت لما ثبت له هذا الوصف استند إليه بحكمه ولهذا لو أعادها بلا ترتيب جازت عندهما أيضا وهذا لأن المانع من الجواز قلتها وقد زالت فيزول المنع.
وفي العناية لا يقال كل واحدة من آحادها جزؤها متقدمة عليها فكيف يكون معلولا لها لأنها جزؤها من حيث الوجود ولا كلام فيه وإنما الكلام من حيث الجواز وذلك متأخر لأنه لم يكن ثابتا لكل واحدة منها قبل الكثرة ولا يمتنع أن يتوقف حكم على أمر حتى يتبين حاله كتعجيل الزكاة إلى الفقير يتوقف كونها فرضا على تمام الحول والنصاب نام فإن تم على نمائه كان فرضا وإلا نفل وكون المغرب في طريق مزدلفة فرضا على عدم إعادتها قبل الفجر فإن أعادها كانت نفلا والظهر يوم الجمعة على عدم شهودها فإن شهدها كانت نفلا وصحة صلاة المعذور إذا انقطع العذر فيها على عوده في الوقت الثاني فإن لم يعد فسدت وإلا صحت وكون الزائد على العادة حيضا على عدم مجاورة العشرة فإن جاوزت فاستحاضة وإلا حيض وصحة الصلاة التي صلتها صاحبة العادة فيما إذا انقطع دمها دون العادة فاغتسلت وصلت على عدم العود فإن عادت ففاسدة وإلا فصحيحة.
ثم اعلم أن المذكور في الهداية وشروحها كالنهاية والعناية وغاية البيان وكذا في الكافي والتبيين وأكثر الكتب أن انقلاب الكل جائزا موقوف على أداء ست صلوات وعبارة الهداية ثم العصر تفسد فسادا موقوفا حتى لو صلى ست صلوات ولم يعد الظهر انقلب الكل جائزا والصواب أن يقال حتى لو صلى خمس صلوات وخرج وقت الخامسة من غير قضاء الفائتة انقلب الكل جائزا لأن الكثرة المسقطة بصيرورة الفوائت ستا فإذا صلى خمسا وخرج وقت الخامسة صارت الصلوات ستا بالفائتة المتروكة أولا وعلى ما صوره يقتضي أن تصير الصلوات سبعا وليس بصحيح.
وقد ذكره في فتح القدير بحثا ثم أطلعني الله عليه بفضله منقولا في المجتبى وعبارته ثم اعلم أن فساد الصلاة بترك الترتيب موقوف عند أبي حنيفة فإن كثرت وصارت الفواسد مع الفائتة ستا ظهر صحتها وإلا فلا ا هـ. ولقد أحسن رحمه الله وأجاد هنا كما هو دأبه في التحقيق ونقل الغرائب وعلى هذا فقول صاحب المبسوط إن الواحدة المصححة للخمس هي السادسة قبل قضاء المتروكة غير صحيح لأن المصحح للخمس خروج وقت الخامسة كما علمت وأطلق المصنف التوقف فشمل ما إذا ظن وجوب الترتيب أو ظن عدمه وتعليلهم أيضا يرشد إليه فما في شرح المجمع للمصنف معزيا إلى المحيط من أن عدم وجوب الإعادة عنده إذا لم يعلم من فاتته الصلاة وجوب الترتيب وفساد صلاته بدونه أما إذا علم فعليه إعادة الكل اتفاقا لأن العبد

 

ج / 2 ص -148-       .......................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مكلف بما عنده ضعيف وعلله في فتح القدير بأن التعليل المذكور يقطع بإطلاق الجواب ظن عدم الوجوب أولا وقيد بفساد الفريضة لأنه لا يبطل أصل الصلاة عند أبي حنيفة وأبي يوسف وعند محمد يبطل لأن التحريمة عقدت للفرض فإذا بطلت الفرضية بطلت التحريمة أصلا ولهما أنها عقدت لأصل الصلاة بوصف الفريضة فلم يكن من ضرورة بطلان الوصف بطلان الأصل كذا في الهداية وفائدته تظهر في انتقاض الطهارة بالقهقهة كذا في الغاية وأطلق في التذكر ولم يقيده بالعلم لما في الولوالجية رجل دخل في صلاة الظهر ثم شك في صلاة الفجر أنه صلاها أم لا فلما فرغ من صلاته تيقن أنه لم يصل الفجر يصلي الفجر ثم يعيد الظهر لأنه لما تحقق ظنه صار كأنه في الابتداء متيقن كالمسافر إذا تيمم وصلى ثم رأى في صلاته سرابا فمضى على صلاته ثم ظهر بعد فراغه من الصلاة أنه كان ماء يتوضأ ويعيد الصلاة كذا هاهنا ا هـ.
وفي المحيط رجل لم يصل الفجر وصلى بعدها أربع صلوات من يوم شهرا قيل لا تجزئه الصلوات الأربعة في اليوم الأول وتجزئه في اليوم الثاني لسقوط الترتيب عنه لكثرة الفوائت ولا تجزئه في اليوم الثالث لكثرة الترتيب وهكذا يجري فمن كل عشرة صلوات ستة صلوات فاسدة وأربعة منها جائزة وكذا لو صلى الفجر شهرا ولم يصل سائر الصلوات يجزئه خمس عشرة صلاة من الفجر لا يجزئه غيرها وقيل أنه يجزئه الصلوات الأربعة في كل يوم إلا في اليوم الأول ويجزئه كل الفجر إلا الفجر في اليوم الثاني لأنه صلى الفجر الثاني وعليه أربع صلوات فلم يجزه لقلة الفوائت وبعد ذلك كثرت الفوائت فسقط الترتيب والترتيب متى سقط لا يعود ا هـ.
واقتصر على القول الأول في التجنيس وقال أنه يؤيد قول من لا يعتبر الفوائت القديمة في إسقاط الترتيب وقد أجاب الإمام حسام الدين في نظيره في الفصل الذي قبله بخلاف هذا. ا هـ. فالمفتى به هو القول الثاني كما لا يخفى وقوله ولو وترا بيان لقول أبي حنيفة لأن عنده الوتر فرض عملي فوجب الترتيب بينه وبين الوقتية حتى لو صلى الفجر ذاكرا للوتر فسد فجره عنده موقوفا كما تقدم وعندهما لا يفسد لأن الوتر سنة ولا ترتيب بين الفرائض والسنن حتى لو تذكر فائتة في تطوعه لم يفسد لأنه عرف واجبا في الفرض بخلاف القياس فلا يلحق به غيره.
"تتمة" ترك الصلاة عمداً كسلاً يضرب ويحبس حتى يصليها ولا يقتل وإذا جحد واستخف وجوبها يقتل وفي الكافي ومن قضى الفوائت ينوي أول ظهر لله عليه أو آخر ظهر لله عليه احتياطا ولو لم يقل الأول والآخر وقال نويت الظهر الفائتة جاز في الخلاصة غلام احتلم بعدما

 

ج / 2 ص -149-       ....................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صلى العشاء ولم يستيقظ حتى طلع الفجر ليس عليه قضاء العشاء والمختار أن عليه قضاء العشاء وإذا استيقظ قبل الطلوع عليه قضاء العشاء بالإجماع وهي واقعة محمد بن الحسن سألتها أبا حنيفة فأجابه بما ذكرنا فأعاد العشاء.
إذا فاتت صلاة عن وقتها ينبغي أن يقضيها في بيته ولا يقضيها في المسجد.
إذا مات الرجل وعليه صلوات فائتة وأوصى بأن يعطى كفارة صلاته يعطى لكل صلاة نصف صاع من بر وللوتر نصف صاع ولصوم يوم نصف صاع وإنما يعطى من ثلث ماله وإن لم يترك مالا تستقرض ورثته نصف صاع ويدفع إلى المسكين ثم يتصدق المسكين على بعض ورثته ثم يتصدق ثم وثم حتى يتم لكل صلاة ما ذكرنا ولو قضاها ورثته بأمره لا يجوز وفي الحج يجوز ا هـ. وفي الظهيرية اتفق المشايخ على تنفيذ هذه الوصية من ثلث ماله واختلفوا هل يقوم الإطعام مقام الصلاة قال محمد بن مقاتل ومحمد بن سلمة يقوم وقال البلخي لا يقوم ولا رواية في سجدة التلاوة أنه يجب أولا ولو أعطى فقيرا واحدا جملة جاز بخلاف كفارة اليمين ولو أعطى عن خمس صلوات تسعة أمناء فقيرا ومنا فقيرا آخر قال أبو بكر الإسكاف يجوز ذلك كله وقال أبو القاسم وهو اختيار الفقيه أبي الليث يجوز عن أربع صلوات دون الخامسة لأنه متفرق ولا يجوز أن يعطي كل مسكين أقل من نصف صاع في كفارة اليمين فكذلك هذا.
فالحاصل أن كفارة الصلاة تفارق كفارة اليمين في حق أنه لا يشترط فيها العدد وتوافقها من حيث إنه لو أدى أقل من نصف صاع إلى فقير واحد لا يجوز ا هـ. والله أعلم

 

10- باب سجود السهو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
10- باب سجود السهو
لما فرغ من ذكر الأداء والقضاء شرع في بيان ما يكون جابرا النقصان يقع فيهما كذا في العناية والأولى أن يقال لما فرغ من ذكر الصلاة نفلها وفرضها أداء وقضاء شرع فيما يكون جابرا لنقصان يقع فيها فإن سجود السهو في مطلق الصلاة ولا يختص بالفرائض وهذه الإضافة من باب إضافة الحكم إلى السبب وهي الأصل في الإضافات لأن الإضافة للاختصاص وأقوى وجوه الاختصاص اختصاص المسبب بالسبب وذكر في التحرير أنه لا فرق في اللغة بين النسيان والسهو وهو عدم الاستحضار في وقت الحاجة وفرق بينهما في السراج الوهاج بأن النسيان

 

ج / 2 ص -150-       يجب بعد السلام سجدتان بتشهد وتسليم بترك واجب وإن تكرر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عزوب الشيء عن النفس بعد حضوره والسهو وقد يكون عما يكون كان الإنسان عالما به وعما لا يكون عالما به.
وظاهر كلام الجم الغفير أنه لا يجب السجود في العمد وإنما تجب الإعادة إذا ترك واجبا عمدا جبرا لنقصانه وذكر الولوالجي في فتاويه أن الواجب إذا تركه عمدا لا ينجبر بسجدتي السهو ولأنهما عرفتا جابرتين بالشرع والشرع ورد حالة السهو وجعلهما مثلا لهذا الفائت لا فوقه لأن الشيء لا يجبر بما فوقه والنقصان المتمكن بترك الواجب عامدا فوق النقصان المتمكن بتركه ساهيا وهذا الجابر إذا كان مثلا للفائت سهوا كان أدون من الفائت عمدا والشيء لا يجبر بما هو دونه ا هـ.
وحاصله أن الملاءمة بين السبب والمسبب شرط والعمد جناية محضة والسجدة عبادة فلا تصلح سببا لها وهذا بإطلاقه يفيد أنه لا فرق بين واجب وواجب فما في المجتبى من أنه لا سجود في تركه عمدا إلا في مسألتين ذكره فخر الإسلام البديعي إذا ترك القعدة الأولى عمدا أو شك في بعض أفعال صلاته فتفكر عمدا حتى شغله ذلك عن ركن قلت له كيف يجب سجود السهو بالعمد قال ذلك سجود العذر لا سجود السهو ا هـ. وما في الينابيع عن الناطفي لا يجب سجود السهو في العمد إلا في موضعين.
الأول: تأخير إحدى سجدتي الركعة الأولى إلى آخر الصلاة.
والثاني: ترك القعدة الأولى ا هـ. فتحصل أنها ثلاثة مواضع مشكل ولعلهم نظروا إلى أن هذه الواجبات الثلاثة أدنى الواجبات فصلح أن يجبرها سجود السهو حالة العمد أما القعدة الأولى فللاختلاف في وجوبها بل قد أطلق أكثر مشايخنا عليها اسم السنة كما قدمناه وكذا الثاني والثالث لم يكن لهما دليل صريح في الوجوب.
"قوله: يجب بعد السلام سجدتان بتشهد وتسليم بترك واجب وإن تكرر" بيان لأحكام:
الأول وجوب سجدتي السهو وهو ظاهر الرواية لأنه شرع لرفع نقص تمكن في الصلاة ورفع ذلك واجب وذكر القدوري أنه سنة كذا في المحيط وصحح في الهداية وغيرها الوجوب لأنها تجب لجبر نقصان تمكن في العبادة فتكون واجبة كالدماء في الحج ويشهد له من السنة ما ورد في الأحاديث الصحيحة من الأمر بالسجود والأصل في الأمر أن يكون للوجوب ومواظبة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على ذلك.

 

ج / 2 ص -151-       .....................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي معراج الدراية إنما جبر النقصان في باب الحج بالدم وفي باب الصلاة بالسجود لأن الأصل أن الجبر من جنس الكسر وللمال مدخل في باب الحج فيجبر نقصانه بالدم ولا مدخل للمال في باب الصلاة فيجبر النقصان بالسجدة. ا هـ. وظاهر كلامهم أنه إذا لم يسجد فإنه يأثم بترك الواجب ولترك سجود السهو ثم اعلم أن الوجوب مقيد بما إذا كان الوقت صالحا حتى أن من عليه السهو في صلاة الصبح إذا لم يسجد حتى طلعت الشمس بعد السلام الأول سقط عنه السجود وكذا إذا سها في قضاء الفائتة فلم يسجد حتى احمرت وكذا في الجمعة إذا خرج وقتها وكل ما يمنع البناء إذا وجد بعد السلام يسقط السهو.
الثاني محله المسنون بعد السلام سواء كان السهو بإدخال زيادة في الصلاة أو نقصان منها وعند الشافعي قبله فيهما وعند مالك قبله في النقصان وبعده في الزيادة وألزمه أبو يوسف فيما إذا كان عنهما فتحير وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه سجد قبل السلام وصح أنه سجد بعده فتعارضت روايتا فعله فرجعنا إلى قوله المروي في سنن أبي داود أنه عليه الصلاة والسلام قال
"لكل سهو سجدتان بعد السلام". وفي صحيح البخاري في باب التوجه نحو القبلة حيث كان في

 

ج / 2 ص -152-       .........................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حديث قال فيه
"إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ثم ليسجد سجدتين" فهذا تشريع عام قولي بعد السلام عن سهو الشك والتحري ولا قائل بالفصل بينه وبين تحقق الزيادة والنقص وهذا الخلاف في الأولوية حتى لو سجد قبل السلام لا يعيده لأنه لو أعاد يتكرر وإنه خلاف الإجماع وذلك كان مجتهدا فيه وروي عن أصحابنا أنه لا يجزئه ويعيده كذا في المحيط وفي غاية البيان أن الجواز ظاهر الرواية وفي التجنيس لو كان الإمام يرى سجدتي السهو قبل السلام والمأموم بعد السلام قال بعضهم يتابع الإمام لأن حرمة الصلاة باقية فيترك رأيه برأي الإمام تحقيقا للمتابعة وقال بعضهم لا يتابع ولو تابعه لا إعادة عليه ا هـ.
وكان القول الأول مبني على ظاهر الرواية والثاني على غيرها كما لا يخفى وذكر الفقيه أبو الليث في الخزانة أنه قبل السلام مكروه والظاهر أنها كراهة تنزيه وعلل في الهداية لكونه بعد السلام أن سجود السهو مما لا يتكرر فيؤخر عن السلام حتى لو سها عن السلام ينجبر به وصور في غاية البيان السهو عن السلام بأن قام إلى الخامسة مثلا ساهيا يلزمه سجود السهو لتأخر السلام وصورة الإسبيجابي وصاحب التجنيس بما إذا بقي قاعدا على ظن أنه سلم ثم تبين أنه لم يسلم فإنه يسلم ويسجد للسهو ولكون سجود السهو لا يتكرر لو شك في سجود السهو فإنه يتحرى ولا يسجد لهذا السهو وحكي أن محمد بن الحسن قال للكسائي ابن خالته فلم لا تشتغل بالفقه فقال من أحكم علما فذلك يهديه إلى سائر العلوم.
فقال محمد رحمه الله أنا ألقي عليك شيئا من مسائل الفقه فتخرج جوابه من النحو فقال هات قال فما تقول فيمن سها في سجود السهو فتفكر ساعة فقال لا سجود عليه فقال من أي باب من النحو خرجت هذا الجواب فقال من باب أن المصغر لا يصغر فتحير من فطنته.
وأطلق المصنف في السلام فانصرف إلى المعهود في الصلاة وهو تسليمتان كما هو في الحديث وصححه في الظهيرية والهداية وذكر في التجنيس أنه المختار وعلل على البزدوي فقال لم يجن ملك الشمال حتى تترك السلام عليه وعزاه في البدائع إلى عامتهم واختار فخر الإسلام أنه يسجد بعد التسليمة الأولى ويكون تلقاء وجهه لا ينحرف وذكر في المحيط أنه الأصوب لأن الأول للتحليل والثاني للتحية وهذا السلام للتحليل لا للتحية فكان ضم الثاني إلى

 

ج / 2 ص -153-       ......................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأول عبثا واختاره المصنف في الكافي وقال إن عليه الجمهور وإليه أشار في الأصل وهو الصواب فقد تعارض النقل عن الجمهور وهناك قولان آخران أحدهما أنه يسلم عن يمينه فقط وصححه في المجتبى ثانيهما لو سلم التسليمتين سقط عنه سجود السهو لأنه بمنزلة الكلام حكاه الشارح عن خواهر زاده فقد اختلف التصحيح فيها والذي ينبغي الاعتماد عليه تصحيح المجتبى أنه يسلم عن يمينه فقط لأن السلام عن اليمين معهود وبه يحصل التحليل فلا حاجة إلى غيره.
الثالث: فيما يفعله بين السجدتين فذكر أنه التشهد والسلام والظاهر وجوبهما كما صرح به في المجتبى ولما في الحاوي القدسي أن كل قعدة في الصلاة غير الأخيرة فهي واجبة ولم يذكر تكبير السجود وتسبيحه ثلاثا للعلم به وكل منهما مسنون كما في المحيط وغيره.
وأشار بالتشهد والسلام إلى أن التشهد والسلام في القعود الأخير قد ارتفعا بالسجود وإنما لم يرفع السجود القعود لأنه أقوى من السجود لفرضيته ولذا قال في التجنيس لو سجدهما ولم يقعد لم تفسد صلاته لأن القعود ليس بركن واتفقوا على أنه في السجدة الصلبية لو تذكرها بعد قعوده فسجدها فإن القعود قد ارتفض فيقعد للفرض لأن السجدة الصلبية أقوى من القعدة وفيما إذا تذكر سجدة تلاوة فسجدها روايتان أصحهما أنها كالصلبية لأنها أثر القراءة وهي ركن فأخذت حكمها وعليه تفريع ما في عمدة الفتاوى إذا سلم الإمام وتفرق القوم ثم تذكر في مكانه أن عليه سجدة التلاوة ويسجد ويقعد قدر التشهد فإن لم يقعد فسدت صلاة الإمام وصلاة القوم تامة لأن ارتفاض القعدة في حق الإمام ثبت بعد انقطاع المتابعة ا هـ.
ولم يذكر حكم الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في القعدتين والأدعية للاختلاف فصحح في البدائع والهداية أنه يأتي بالصلاة والدعاء في قعدة السهو لأن الدعاء موضعه آخر الصلاة ونسبة الأول إلى عامة المشايخ بما وراء النهر وقال فخر الإسلام أنه اختيار عامة أهل النظر من مشايخنا وهو المختار عندنا واختار الطحاوي أنه يأتي بهما فيهما وذكر قاضي خان وظهير الدين أنه الأحوط وجزم به في منية المصلي في الصلاة ونقل الاختلاف في الدعاء وقيل أنه يأتي بهما في الأول فقط وصححه الشارح معزيا إلى المفيد لأنها للختم.
الرابع سببه ترك واجب من واجبات الصلاة الأصلية سهوا وهو المراد بقوله بترك واجب لا كل واجب بدليل ما سنذكره من أنه لو ترك ترتيب السور لا يلزمه شيء مع كونه واجبا وهو أجمع ما قيل فيه وصححه في الهداية وأكثر الكتب وما في القدوري من قوله أو ترك فعلا مسنونا أراد به فعلا واجبا ثبت وجوبه بالسنة وقد عدها المصنف في باب صفة الصلاة اثني عشر واجبا.

 

ج / 2 ص -154-      
........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأول قراءة الفاتحة فإن تركها في إحدى الأوليين أو أكثرها وجب عليه السجود وإن ترك أقلها لا يجب لأن للأكثر حكم الكل كذا في المحيط وسواء كان إماما أو منفردا كذا في التجنيس وفي المجتبى إذا ترك من الفاتحة آية وجب عليه السجود وإن تركها في الآخرين لا يجب إن كان في الفرض وإن كان في النفل أو الوتر وجب عليه لوجوبها في الكل وقد قدمنا أنه لو تركها في الأوليين لا يقضيها في الآخرين في ظاهر الرواية بخلاف السورة وبينا الفرق.
الثاني ضم سورة إلى الفاتحة وقد قدمنا أن المراد بها ثلاث آيات قصار أو آية طويلة فلو لم يقرأ شيئا مع الفاتحة أو قرأ آية قصيرة لزمه السجود كذا ذكره الشارح وظاهره أنه لو ضم إلى الفاتحة آيتين قصيرتين وترك آية فإنه لا سهو عليه لأن للأكثر حكم الكل كما قالوا في الفاتحة بل أولى لأن وجوب الفاتحة آكد للاختلاف بين العلماء في ركنيتها لكن في الظهيرية لو قرأ الفاتحة وآيتين فخر راكعا ساهيا ثم تذكر فعاد وأتم ثلاث آيات فعليه سجود السهو وفي المحيط ولو ترك السورة فذكرها قبل السجود عاد وقرأها وكذا لو ترك الفاتحة فذكرها قبل السجود قرأها ويعيد السورة لأنها تقع فرضا بالقراءة بخلاف ما لو تذكر القنوت في الركوع فإنه لا يعيد ومتى عاد في الكل فإنه يعيد ركوعه لارتفاضه وفي الخلاصة ويسجد للسهو فيما إذا عاد أو لم يعد إلى القراءة وقد قدمنا في ذكر الواجبات أنه يجب تقديم الفاتحة على السورة وأنه يجب أن لا يؤخر السورة عن قراءة الفاتحة فكذا لو بدأ بالسورة ثم تذكر يبدأ بالفاتحة ثم يقرأ السورة ويسجد للسهو وإن قرأ من السورة حرفا كذا في المجتبى وقيده في فتح القدير بأن يكون مقدار ما يتأدى به ركن عن قراءة الفاتحة ولو قرأ الفاتحة مرتين يجب عليه السجود لتأخير السورة كذا في الذخيرة وغيرها وذكر قاضي خان وجماعة أنها إن قرأها مرتين على الولاء وجب السجود وإن فصل بينهما بالسورة لا يجب وصححه الزاهدي للزوم تأخير السورة في الأول لا في الثاني إذ ليس الركوع واجبا بأثر السورة فإنه لو جمع بين سورتين بعد الفاتحة لم يمتنع ولا يجب عليه شيء بفعل مثل ذلك في الآخرين لأنهما محل القراءة وهي ليست بواجبة فيهما وقراءة أكثر الفاتحة ثم إعادتها كقراءتها مرتين كما في الظهيرية ولو ضم السورة إلى الفاتحة في الآخرين لا سهو عليه في الأصح وفي التجنيس لو قرأ سورة ثم قرأ في الثانية سورة قبلها ساهيا لا يجب عليه السجود لأن مراعاة ترتيب السور من واجبات نظم القرآن لا من واجبات الصلاة فتركها لا يوجب سجود السهو.

 

ج / 2 ص -155-       ........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الثالث تعيين القراءة في الأوليين فلو قرأ في الآخرين أو في إحدى الأوليين وإحدى الآخرين ساهيا لزمه السجود وهو خاص بالفرض أما في النفل والوتر فلا بد من القراءة في الكل واختلفوا في قراءته في الآخرين هل هي قضاء عن الأوليين أو أداء فذكر القدوري أنها أداء لأن الفرض هو القراءة في ركعتين غير عين وقال غيره أنه قضاء استدلالا بعدم صحة اقتداء المسافر بالمقيم بعد خروج الوقت وإن لم يكن الإمام قرأ في الشفع الأول ولو كانت في الآخرين أداء لجاز لأنه يكون اقتداء المفترض بالمفترض في حق القراءة فلما لم يجز علم أنها قضاء وأن الآخرين خلت عن القراءة وبوجوب القراءة على مسبوق أدرك إمامه في الآخرين ولم يكن قرأ في الأوليين كذا في البدائع.
الرابع رعاية الترتيب في فعل مكرر فلو ترك سجدة من ركعة فتذكرها في آخر صلاة سجدها وسجد للسهو لترك الترتيب فيه وليس عليه إعادة ما قبلها وكذا لو قدم الركوع على القراءة لزمه السجود لكن لا يعتد بالركوع فيفترض إعادته بعد القراءة وفي المجتبى وفي تأخير سجدة التلاوة روايتان وجزم في التجنيس بعدم الوجوب لأن سجدة التلاوة ليس بواجب أصلي في الصلاة.
الخامس: تعديل الأركان وهو الطمأنينة في الركوع والسجود وقد اختلف في وجوب السجود بتركه بناء على أنه واجب أو سنة والمذهب الوجوب ولزوم السجود بتركه ساهيا وصححه في البدائع قال في التجنيس وهذا التفريع على قول أبي حنيفة ومحمد لأن تعديل الأركان فرض عند أبي يوسف.
السادس: القعود الأول وكذا كل قعدة ليست أخيرة سواء كان في الفرض أو في النفل فإنه يلزمه سجود السهو بتركها ساهيا.
السابع: التشهد فإنه يجب سجود السهو بتركه ولو قليلا في ظاهر الرواية لأنه ذكر واحد منظوم فترك بعضه كترك كله ولا فرق بين القعدة الأولى أو الثانية ولهذا قال في الظهيرية لو ترك قراءة التشهد ساهيا في القعدة الأولى أو الثانية وتذكر بعد السلام يلزمه سجود السهو وعن أبي يوسف لا يلزمه قالوا إن كان المصلي إماما يأخذ بقول أبي يوسف وإن لم يكن إماما يأخذ بقول محمد وفي فتح القدير ثم قد لا يتحقق ترك التشهد على وجه يوجب السجود إلا في الأول أما في التشهد الثاني فإنه لو تذكره بعد السلام يقرأ ثم يسلم ثم يسجد فإن تذكره بعد شيء يقطع البناء لم يتصور إيجاب السجود.
ومن فروع هذا أنه لو اشتغل بعد السلام والتذكر به فلما قرأ بعضه سلم قبل تمامه فسدت

 

ج / 2 ص -156-       .......................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صلاته عند أبي يوسف لأن بعوده إلى قراءة التشهد ارتفض قعوده فإذا سلم قبل إتمامه فقد سلم قبل قعوده قدر التشهد وعند محمد تجوز صلاته لأن قعوده ما ارتفض أصلا لأن محل قراءة التشهد القعدة فلا ضرورة إلى رفضها وعليه الفتوى ا هـ.
وظاهره أنه لو تذكره بعد السلام ولم يقرأه لا يسجد للسهو بتركه لأنه لما تذكره وأمكنه فعله ولم يفعله صار كأنه تركه عمدا فلا يلزمه السجود وإنما يكون مسيئا ولو وجب عليه السجود لتحقق وجوبه بتركه وعلى هذا تصير كلية أن من ترك واجبا سهوا وأمكنه فعله بعد تذكره فلم يفعله لا سجود عليه كمن تركه عمدا وفي الهداية ثم ذكر التشهد يحتمل القعدة الأولى والثانية والقراءة فيهما وكل ذلك واجب وفيها سجدة هو الصحيح واعترض عليه بالقعدة الأخيرة فإنها فرض لا واجب فأجاب في المعراج بأن المراد غيرها إذ التخصيص شائع بقرينة ذكره لها سابقا أنها فرض وما أجاب به في غاية البيان من حمل الترك فيها على تأخيرها فاسد لأنه أراد حقيقة الترك في غيرها فلو أراد التأخير فيها لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز وكذا لو أراد بالواجب حينئذ الفرض فيها والواجب الاصطلاحي في غيرها وهو جمع كذلك كذا في الغاية ورده في الكافي بأن الممنوع اجتماعهما مرادين بلفظ واحد وهو لم يتعرض للإرادة بل قال يحتمل هذا وذاك ولا فساد كاحتمال القرء الحيض والطهر كما في المجتبى وغيره وما في النهاية من أن الأوجه فيه أن يحمل على رواية الحسن عن أبي حنيفة بأنه تجوز الصلاة بدون القعدة الأخيرة ليس بأوجه لأنها رواية ضعيفة جدا لأنهم نقلوا الإجماع على فرضيتها كما قدمناه والظاهر أنه سهو وقع من صاحب الهداية.
الثامن لفظ السلام ولا يتصور إيجاب السجود بتركه لأنه بعد القعود الأخير إذا لم يأت بمناف فإنه يسلم وإن أتى بمناف فلا سجود ولهذا قال في التجنيس والسهو عن السلام يوجب سجود السهو والسهو عنه أن يطيل القعدة ويقع عنده أنه خرج من الصلاة ثم يعلم ذلك فيسلم ويسجد لأنه أخر واجبا أو ركنا على اختلاف الأصلين ا هـ. وإنما يتصور إيجابه بتأخيره كما قدمناه وذكرنا في باب صفة الصلاة أن الواجب منه التسليمة الأولى وهي السلام دون عليكم ورحمة الله وفي البدائع أنه لو سلم عن يساره أولا لا سهو عليه لأنه ترك السنة وفي الظهيرية وإذا سلم الرجل عن يمينه وسها عن التسليمة الأخرى فما دام في المسجد يأتي بالأخرى وإن استدبر القبلة وعامة المشايخ على أنه لا يأتي متى استدبر القبلة ا هـ.

 

ج / 2 ص -157-       .....................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التاسع قنوت الوتر وقدمنا أنه لا يختص بدعاء وأنه لا يعود إليه لو ركع على الصحيح كما في المجتبى وغيره فحينئذ يتحقق تركه بالركوع وأنه سنة عندهما كالوتر فالوجوب بتركه إنما هو قوله فقط وفي فتح القدير ولو قرأ القنوت في الثالثة ونسي قراءة الفاتحة أو السورة أو كليهما فتذكر بعدما ركع قام وقرأ وأعاد القنوت والركوع لأنه رجع إلى محله قبله ويسجد للسهو بخلاف ما لو نسي سجدة التلاوة ومحلها فتذكرها في الركوع أو السجود أو القعود فإنه ينحط لها ثم يعود إلى ما كان فيه فيعيده استحبابا ا هـ. ومما ألحق به تكبيره وجزم الشارح بوجوب السجود بتركها وذكر في الظهيرية أنه لو ترك تكبيرة القنوت فإنه لا رواية لهذا وقيل يجب سجود السهو اعتبارا بتكبيرات العيد وقيل لا يجب ا هـ. وينبغي ترجيح عدم الوجوب لأنه الأصل ولا دليل عليه بخلاف تكبيرات العيد فإن دليل الوجوب المواظبة مع قوله تعالى:
{وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28].
العاشر: تكبيرات العيدين قال في البدائع إذا تركها أو نقص منها أو زاد عليها أو أتى بها في غير موضعها فإنه يجب عليه السجود وذكر في كشف الأسرار أن الإمام إذا سها عن التكبيرات حتى ركع فإنه يعود إلى القيام لأنه قادر على حقيقة الأداء فلا يعمل بشبه بخلاف المسبوق إذا أدرك الإمام في الركوع فإنه يأتي بالتكبيرات في الركوع لأنه عجز عن حقيقته فيعمل بشبهه ا هـ. ومما ألحق بها تكبيرة الركوع الثاني من صلاة العيد فإنه يجب سجود السهو بتركها لأنها واجبة تبعا لتكبيرات العيد بخلاف تكبيرة الركوع الأول لأنها ليست ملحقة بها ذكره الشارح وصاحب المجتبى وفي البدائع ولو نسي التكبير في أيام التشريق لا سهو عليه لأنه لم يترك واجبا من واجبات الصلاة.
الحادي عشر والثاني عشر الجهر على الإمام فيما يجهر فيه والمخافتة مطلقا فيما يخافت فيه واختلفت الرواية في المقدار والأصح قدر ما تجوز به الصلاة في الفصلين لأن اليسير من الجهر والإخفاء لا يمكن الاحتراز عنه وعن الكثير يمكن وما تصح به الصلاة كثير غير أن ذلك عنده آية واحدة وعندهما ثلاث آيات وهذا في حق الإمام دون المنفرد لأن الجهر والمخافتة من خصائص الجماعة كذا في الهداية وذكرها قاضي خان في فتاويه أن ظاهر الرواية وجوب السجود على الإمام إذا جهر فيما يخافت أو خافت فيما يجهر قل ذلك أو كثر وكذا في الظهيرية والذخيرة زاد في الخلاصة وعليه اعتماد شمس الأئمة الحلواني لا على رواية النوادر وفي الظهيرية وروى أبو سليمان أن المنفرد إذا ظن أنه إمام فجهر كما يجهر الإمام

 

ج / 2 ص -158-       ...................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يلزمه سجود السهو ا هـ. وهو مبني على وجوب المخافتة عليه وهو رواية الأصل وهو الصحيح كما في البدائع وفي العناية أن ظاهر الرواية أن الإخفاء ليس بواجب عليه وذكر الولوالجي أنه إذا جهر فيما يخافت فيه يجب سجدة السهو قل أو كثر وإذا خافت فيما يجهر به لا يجب ما لم يكن قدر ما يتعلق به وجوب الصلاة على الاختلاف الذي مر وهذا أصح ا هـ. فقد اختلف الترجيح على ثلاثة أقوال وينبغي عدم العدول عن ظاهر الرواية الذي نقله الثقات من أصحاب الفتاوى كما لا يخفى وذكر في الخلاصة أنه لو أسمع رجلا أو رجلين لا يكون جهرا والجهر أن يسمع الكل ا هـ. وصرحوا بأنه إذا جهر سهوا بشيء من الأدعية والأثنية ولو شهدا فإنه لا يجب عليه السجود قال العلامة الحلبي ولا يعري القول بذلك في التشهد من تأمل ا هـ. وقد اقتصر المصنف على هذه الواجبات في باب صفة الصلاة وبقي واجب آخر وهو عدم تأخير الفرض والواجب وعدم تغييرهما وعليه تفرع مسائل.
منها لو ركع ركوعين أو سجد ثلاثا في ركعة لزمه السجود لتأخير الفرض وهو السجود في الأول والقيام في الثاني وكذا لو قعد في محل القيام أو قام في محل القعود المفروض وإنما قيدنا بالفروض لأنه لو قام في محل الواجب فقد لزمه السجود لترك الواجب لا لتأخيره وكذا لو قرأ آية في الركوع أو السجود أو القومة فعليه السهو كما في الظهيرية وغيرها وعلله في المحيط بتأخير ركن أو واجب عليه وكذا لو قرأها في القعود إن بدأ بالقراءة وإن بدأ بالتشهد ثم قرأها فلا سهو عليه كما في المحيط وفي البدائع لو قرأ القرآن في ركوعه أو في سجوده لا سهو عليه لأنه ثناء وهذه الأركان مواضع الثناء ا هـ. ولا يخفى ما فيه فالظاهر الأول.
ومنها لو كرر الفاتحة في الأوليين فعليه السهو لتأخير السورة.
ومنها لو تشهد في قيامه بعد الفاتحة لزمه السجود وقبلها لا على الأصح لتأخير الواجب في الأول وهو السورة وفي الثاني محل الثناء وهو منه وفي الظهيرية لو تشهد في القيام إن كان في الركعة الأولى لا يلزمه شيء وإن كان في الثانية اختلف المشايخ فيه، والصحيح أنه لا يجب ا هـ. فقد اختلف التصحيح والظاهر الأول المنقول في التبيين وغيره.
ومنها لو كرر التشهد في القعدة الأولى فعليه السهو لتأخير القيام ولو كذا لو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فيها لتأخيره واختلفوا في قدره والأصح وجوبه باللهم صل على محمد وإن لم يقل وعلى آله وذكر في البدائع أنه يجب عليه السجود عنده وعندهما لا يجب لأنه لو وجب لوجب لجبر النقصان ولا يعقل نقصان في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو حنيفة رحمه الله يقول لا يجب عليه بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بل بتأخير الفرض وهو القيام إلا أن التأخير حصل بالصلاة

 

ج / 2 ص -159-       .........................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيجب عليه من حيث إنها تأخير لا من حيث إنها صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ا هـ. وقد حكي في المناقب أن أبا حنيفة رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال له كيف أوجبت على من صلى علي سجود السهو فأجابه بكونه صلى عليك ساهيا فاستحسنه منه ولو كرر التشهد في القعدة الأخيرة فلا سهو عليه وفي شرح الطحاوي لم يفصل وقال لا سهو عليه فيهما كذا في الخلاصة.
ومنها إذا شك في صلاته فتفكر حتى استيقن ولا يخلو إما أن يشك في شيء من هذه الصلاة أو في صلاة قبلها وكل على وجهين أما إن طال تفكره بأن كان مقدار ما يمكنه أن يؤدي فيه ركنا من أركان الصلاة أو لم يطل وإن لم يطل فلا سهو عليه سواء كان تفكره بسبب شك في هذه الصلاة أو في غيرها لأن الفكر القليل لا يمكن الاحتراز عنه فكان عفوا دفعا للحرج وإن طال تفكره فإن كان في غير هذه الصلاة فلا سهو عليه وإن كان فيها فعليه السهو واستحسانا لتأخير الأركان عن أوقاتها فتمكن النقصان فيها بخلاف ما إذا شك في صلاة أخرى وهو في هذه الصلاة لأن الموجب للسهو في هذه الصلاة سهو هذه الصلاة لا سهو صلاة أخرى كذا في البدائع وفي الذخيرة هذا إذا كان التفكر يمنعه عن التسبيح أما إذا كان يسبح أو يقرأ ويتفكر فلا سهو عليه.
وفي الظهيرية ولو سبقه الحدث فذهب ليتوضأ فشك أنه صلى ثلاثا أو أربعا وشغله ذلك عن وضوئه ساعة ثم استيقن فأتم وضوءه فعليه السهو لأنه في حرمة الصلاة فكان الشك في هذه الحالة بمنزلة الشك في حالة الأداء وإذا قعد في صلاته قدر التشهد ثم شك في شيء من صلاته أنه صلى ثلاثا أو أربعا حتى شغله ذلك عن التسليم ثم استيقن وأتم صلاته فعليه السهو ا هـ. فالأحسن أن يفسر طول التفكير بأن يشغله عن مقدار أداء ركن أو واجب ليدخل السلام كما في المحيط.
قيد بترك الواجب لأنه لا يجب بترك سنة كالثناء والتعوذ والتسمية وتكبيرات الركوع والسجود وتسبيحاتها ورفع اليدين في تكبيرة الافتتاح وتكبيرات العيدين والتأمين والتسميع والتحميد كذا في المحيط والخلاصة وجزم الشارح بوجوب السجود بترك التسمية مصدرا به ثم قال وقيل لا يجب وكذا في المجتبى وصرح في القنية بأن الصحيح وجوب التسمية في كل ركعة وتبعه العلامة ابن وهبان في منظومته وكله مخالف لظاهر المذهب المذكور في المتون والشروح والفتاوى من أنها سنة لا واجب فلا يجب بتركها شيء ولو ترك فرضا فإنه لا ينجبر بالسجود بل تبطل الصلاة أصلا وفي البدائع وأما بيان أن المتروك ساهيا هل يقضى أو لا فنقول أنه يقضى إن أمكنه التدارك بالقضاء سواء كان من الأفعال أو الأذكار وإن لم يمكن

 

ج / 2 ص -160-       .......................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإن كان المتروك فرضا فسدت وإن كان واجبا لا تفسد ولكنه ينقص ويدخل في حد الكراهة فإذا ترك سجدة صلبية من ركعة قضاها في آخرها إذا تذكر ولا تلزمه إعادة ما بعدها وإذا كانا سجدتين قضاهما ويبدأ بالأولى ثم بالثانية لأن القضاء على حسب الأداء ولو كانت إحداهما سجدة تلاوة وتركها من الأولى والأخرى صلبية تركها من الثانية يراعي الترتيب أيضا فيبدأ بالتلاوية عند عامة العلماء ولو كان المتروك ركوعا فلا يتصور فيه القضاء وكذا إذا ترك سجدتين من ركعة لأنه لا يعتد بالسجود قبل الركوع لعدم مصادفته محله فلو قرأ وسجد ولم يركع ثم قام فقرأ وركع وسجد فهذا قد صلى ركعة ولا يكون هذا الركوع قضاء عن الأول وكذا لو قرأ وركع ولم يسجد ثم رفع رأسه فقرأ ولم يركع ثم سجد فهذا قد صلى ركعة ولا يكون هذا السجود قضاء عن الأول وكذا إذا قرأ وركع ثم رفع رأسه وقرأ وركع وسجد فإنما صلى ركعة والصحيح أن المعتبر الركوع الأول لكونه صادف محله فوقع الثاني مكررا وكذا إذا قرأ ولم يركع وسجد ثم قام فقرأ وركع ولم يسجد ثم قام فقرأ ولم يركع وسجد فإنما صلى ركعة وأما الأذكار فإذا ترك القراءة في الأوليين قضاها في الآخرين وقد تقدم حكم ترك الفاتحة أو السورة في الأوليين وإذا ترك التشهد في القعدة الأخيرة ثم قام فتذكر عاد وتشهد إذا لم يقيد بالسجدة بخلافه في الأولى كما سيأتي مفصلا.
الخامس: أنه لا يتكرر الوجوب بترك أكثر من واجب حتى لو ترك جميع واجبات الصلاة ساهيا فإنه لا يلزمه أكثر من سجدتين لأنه تأخر عن زمان العلة وهو وقت وقوع السهو مع أن الأحكام الشرعية لا تؤخر عن عللها فعلم أنه لا يتكرر إذ الشرع لم يرد به وسيأتي أن المسبوق يتابع إمامه في سجود السهو وثم إذا قام إلى القضاء وسها فإنه يسجد ثانيا فقد تكرر سجود السهو وأجاب عنه في البدائع بأن التكرار في صلاة واحدة غير مشروع وهما صلاتان حكما وإن كانت التحريمة واحدة لأن المسبوق فيما يقضي كالمنفرد ونظيره المقيم إذا اقتدى بالمسافر فسها الإمام يتابعه المقيم في السهو وإن كان المقيم ربما يسهو في إتمام صلاته وعلى تقدير السهو ويسجد في أصح الروايتين لكن لما كان منفردا في ذلك كان صلاتين حكما ا هـ. وعلله في المحيط بأن السجدة المتقدمة لا ترفع النقصان المتأخر فأما السجدة المتأخرة فإنها ترفع النقصان المتقدم ولا يشكل عليه ما في عمدة الفتاوى للصدر الشهيد وخزانة الفقه لأبي الليث من أن التشهد يقع في صلاة واحدة عشر مرات وصورته رجل أدرك الإمام في التشهد الأول من المغرب وتشهد معه ثم يتشهد معه في الثانية وكان على الإمام سهو فتشهد معه في الثالثة ثم ذكر الإمام أن عليه سجدة التلاوة فإنه يسجد معه ويتشهد معه الرابعة ثم يسجد للسهو ويتشهد معه الخامسة فإذا سلم الإمام فإنه يقوم إلى قضاء ما سبق به فيصلي ركعة ويتشهد السادسة فإذا صلى ركعة أخرى يتشهد

 

ج / 2 ص -161-       وبسهو إمامه لا بسهوه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السابعة وكان قد سها فيما يقضي فيسجد ويتشهد الثامنة ثم تذكر أنه قرأ آية السجدة في قضائه فإنه يسجد ويتشهد التاسعة ثم يسجد للسهو ويتشهد للعاشرة ا هـ. مع أنه قد تكرر السجود للسهو في صلاة واحدة حقيقة وحكما وهي صلاة الإمام والمسبوق بسبب السجدة الخامسة فيهما وأما التشهد الرابع فلكونه بسبب سجود التلاوة ارتفع تشهد القعدة لا أن لسجود التلاوة تشهدا لأن سجود التلاوة رفع ما كان قبله من التشهد والقعود وسجود السهو فكأنه لم يسجد للسهو فلذا يسجد آخرا كما لو سجد للسهو ثم نوى الإقامة حتى صار فرضه أربعا فإنه يعيد سجود السهو وفي الظهيرية إذا سها الإمام ثم سها خليفته سجد الثاني سجدتين وكفاه.
"قوله: وبسهو إمامه لا بسهوه" معطوف على قوله بترك واجب فأفاد أن السجود له سببان إما ترك الواجب أو سهو إمامه فإنه يجب عليه متابعته إذا سجد لأنه عليه الصلاة والسلام سجد له وتبعه القوم ولأنه تبع لإمامه فيلزمه حكم فعله كالمفسد ونية الإقامة أطلقه فشمل ما إذا كان مقتديا به وقت السهو أو لم يكن وما إذا سجد سجدة واحدة ثم اقتدى به فإنه يتابعه في الأخرى ولا يقضي الأولى كما لا يقضيهما لو اقتدى به بعد ما سجدهما لأنه حين دخل في تحريمة الإمام كان النقص قد انجبر بالسجدتين أو بإحداهما ولا يعقل وجوب جابر من غير نقص وقيد بأن يكون الإمام سجد لأنه لو سقط عن الإمام بسبب من الأسباب بأن تكلم أو أحدث متعمدا أو خرج من المسجد فإنه يسقط عن المقتدي بخلاف تكبير التشريق حيث يأتي به المؤتم وإن تركه الإمام لكونه لا يؤدي في حرمتها وشمل كلامه المدرك والمسبوق واللاحق فإنه يلزمهم بسهو إمامهم لكن اللاحق لا يتابع الإمام في سجود السهو إذا انتبه في حال اشتغال الإمام بسجود السهو أو جاء إليه من الوضوء في هذه الحالة إنما يبدأ بقضاء ما فاته ثم يسجد في آخر صلاته والمسبوق والمقيم خلف المسافر يتابعان الإمام في سجود السهو ثم يشتغلان بالإتمام والفرق أن اللاحق التزم متابعة الإمام فيما اقتدى به على نحو ما يصلي الإمام وإنه اقتدى به في جميع الصلاة فيتابعه في جميعها على نحو ما أدى الإمام والإمام أدى الأول فالأول وسجد لسهوه في آخر صلاته فكذا اللاحق فأما المسبوق فقد التزم بالاقتداء به متابعة بقدر ما هو صلاة الإمام وقد أدرك هذا القدر فيتابعه فيه ثم ينفرد وكذا المقيم المقتدي بالمسافر فلو كان مسبوقا بثلاث ولاحقا بركعة فسجد إمامه للسهو فإنه يقضي ركعة بغير قراءة لأنه لاحق ويتشهد ويسجد للسهو لأن ذلك موضع سجود الإمام ثم يصلي ركعة بقراءة ويقعد لأنها ثانية صلاته ولو كان على العكس سجد للسهو بعد الثالثة كذا في المحيط ولو سجد اللاحق مع الإمام للسهو لم يجزه لأنه في غير أوانه

 

ج / 2 ص -162-       .......................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في حقه فعليه أن يعيد إذا فرغ من قضاء ما عليه ولكن لا تفسد صلاته لأنه ما زاد إلا سجدتين بخلاف المسبوق إذا تابع الإمام في سجود السهو ثم تبين أنه لم يكن على الإمام سهو حيث تفسد صلاة المسبوق لكونه اقتدى في موضع الانفراد لا لزيادة السجدتين ولم يوجد في اللاحق لأنه مقتد في جميع ما يؤدي كذا في البدائع وفصل في المحيط بين أن يعلم أنه ليس على إمامه سهو فيفيد وبين أن لا يعلم أنه لم يكن عليه فلا يفسد لأن كثيرا ما يقع لجهلة الأئمة فسقط اعتبار المفسد هنا للضرورة ا هـ.
ولو لم يتابع المسبوق إمامه وقام إلى قضاء ما سبق به فإنه يسجد في آخر صلاته استحسانا لأن التحريمة متحدة فجعل كأنها صلاة واحدة ولو سها فيما يقضي ولم يسجد لسهو إمامه كفاه سجدتان ولو سجد مع الإمام ثم سها فيما يقضي فعليه السهو ثانيا لما مر أن ذلك أداء السهو في صلاتين حكما فلم يكن تكرارا ثم المسبوق إنما يتابع الإمام في السهو لا في السلام فيسجد معه ويتشهد فإذا سلم الإمام قام إلى القضاء فإن سلم فإن كان عامدا فسدت وإلا فلا ولا سجود عليه إن سلم قبل الإمام أو معه وإن سلم بعده لزمه لكونه منفردا حينئذ وعلى هذا لو أحدث الإمام بعد السلام قبل السجود فاستخلف مسبوقا وارتكب خلاف الأولى وتقدم ينبغي أن يستخلف مدركا ليسجد بهم ويسجد هو معهم فإن لم يسجد مع خليفته سجد في آخر صلاته فإن لم يجد المسبوق مدركا وكانوا كلهم مسبوقين قاموا وقضوا ما سبقوا به فرادى ثم إذا فرغوا يسجدون ولو قام المسبوق إلى قضاء ما سبق به بعدما سلم الإمام ثم تذكر الإمام أن عليه سجود السهو قبل أن يقيد المسبوق ركعة بسجدة فعليه أن يرفض ذلك ويعود إلى متابعة الإمام ثم إذا سلم الإمام قام إلى قضاء ما سبق به ولا يعتد بما فعل من القيام والقراءة والركوع ولو لم يعد إلى الإمام ومضى على صلاته يجوز ويسجد للسهو بعدما فرغ من القضاء استحسانا ولو تذكر الإمام أن عليه سجدتي السهو بعد ما قيد المسبوق ركعته بسجدة فإنه لا يعود إلى الإمام ولا يتابعه في سجود السهو ولو تابعه فيها تفسد صلاته لزيادة ركعة وقد ذكرنا بقية مسائل المسبوق في باب الحدث في الصلاة ولو سها الإمام في صلاة الخوف سجد للسهو وتابعه فيها الطائفة الثانية وأما الطائفة الأولى فإنما يسجدون بعد الفراغ من الإتمام لأن الثانية بمنزلة المسبوقين والأولى بمنزلة اللاحقين وإنما لم يلزم المأموم سهو نفسه لأنه لو سجد وحده كان مخالفا لإمامه إن سجد قبل السلام وإن أخره إلى ما بعد سلام الإمام يخرج من الصلاة بسلام الإمام لأنه سلام عمد ممن لا سهو عليه ولو تابعه الإمام ينقلب التبع أصلا وشمل كلامه المدرك واللاحق فإنه مقتد في جميع صلاته بدليل أنه لا قراءة عليه فلا سجود لو سها فيما يقضيه مطلقا وأما المقيم إذا اقتدى بالمسافر ثم قام لإتمام صلاته وسها فذكر الكرخي أنه كاللاحق فلا سجود عليه بدليل أنه لا يقرأ وذكر في

 

ج / 2 ص -163-       وإن سها عن القعود الأول وهو إليه أقرب عاد وإلا لا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأصل أنه يلزمه السجود وصححه في البدائع لأنه إنما اقتدى بالإمام بقدر صلاة الإمام فإذا انقضت صلاة الإمام صار منفردا فيما وراء ذلك وإنما لا يقرأ فيما يتم لأن القراءة فرض في الأوليين وقد قرأ الإمام فيهما وشمل المسبوق فيما يؤديه مع الإمام وأما فيما يقضيه فهو كالمنفرد كما تقدم وعليه يفرع ما إذا سلم ساهيا فإن كان قبل الإمام أو معه فلا سهو وإن كان بعده فعليه كما ذكرناه وفي المحيط وغيره وينبغي للمسبوق أن يمكث ساعة بعد فراغ الإمام ثم يقوم لجواز أن يكون على الإمام سهو.
"قوله: وإن سها عن القعود الأول وهو إليه أقرب عاد وإلا لا" أي إلى القعود لأن الأصل أن ما يقرب من الشيء يأخذ حكمه كفناء المصر وحريم البئر فإن كان أقرب إلى القعود بأن رفع أليتيه من الأرض وركبتاه عليها أو ما لم ينتصب النصف الأسفل وصححه في الكافي فكأنه لم يقم أصلا فإن كان إلى القيام أقرب فكأنه قد قام وهو فرض قد تلبس به فلا يجوز رفضه لأجل واجب وهو القعدة وهذا التفصيل مروي عن أبي يوسف واختاره مشايخ بخارى وارتضاه أصحاب المتون وفي الكافي واستحسن مشايخنا روايته وذكر في المبسوط أن ظاهر الرواية إذا لم يستتم قائما يعود وإذا استتم قائما لا يعود لأنه جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم
" أنه قام من الثانية إلى الثالثة قبل أن يقعد فسبحوا به فعاد" وروي أنه لم يعد وكان بعدما استتم قائما وهذا لأنه لما استتم قائما اشتغل بفرض القيام فلا يترك. ا هـ. وصححه الشارح وفي فتح القدير أنه ظاهر المذهب والتوفيق بين الفعلين المرويين بالحمل على حالتي القرب من القيام وعدمه ليس بأولى منه بالحمل على الاستواء وعدمه ثم لو عاد في موضع وجوب عدمه اختلفوا في فساد صلاته فصحح الشارح الفساد لتكامل الجناية برفض الفرض بعد الشروع فيه لأجل ما ليس بفرض وفي المبتغى بالغين المعجمة أنه غلط لأنه ليس بترك وإنما هو تأخير كما لو سها عن

 

ج / 2 ص -164-       ........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السورة فركع فإنه يرفض الركوع ويعود إلى القيام ويقرأ لأجل الواجب وكما لو سها عن القنوت فركع فإنه لو عاد وقنت لا تفسد على الأصح وقد يقال أنه لو عاد وقرأ السورة صارت السورة فرضا فقد عاد من فرض إلى فرض والقنوت له شبهة القرآنية على ما قيل أنه كان قرآنا فنسخ فقد عاد إلى ما فيه شبهة القرآنية أو عاد إلى فرض وهو القيام فإن كل ركن طوله فإنه يقع فرضا كله وفي فتح القدير وفي النفس من التصحيح شيء وذلك أن غاية الأمر في الرجوع إلى القعدة الأولى أن تكون زيادة قيام ما في الصلاة وهو وإن كان لا يحل فهو بالصحة لا يخل لما عرف أن زيادة ما دون ركعة لا يفسد إلا أن يفرق باقتران هذه الزيادة بالرفض لكن قد يقال المستحق لزوم الإثم أيضا بالرفض أما الفساد فلم يظهر وجه استلزامه إياه فترجع بهذا البحث القول المقابل للمصحح ا هـ.
فظاهره أنه لم يطلع على تصحيح آخر وقد ذكر في المجتبى ومعراج الدراية أنه لو عاد بعد الانتصاب مخطئا قيل يتشهد لنقضه القيام.
والصحيح أنه لا يتشهد ويقوم ولا ينتقض قيامه بقعود لم يؤمر به كمن نقض الركوع بسورة لا ينتقض ركوعه ا هـ. فقد اختلف التصحيح كما رأيت والحق عدم الفساد ولا يلزم سجدة التلاوة فإنه يترك الفرض لأجلها وهي واجبة لأن ذلك ثبت بالنص على خلاف القياس وأراد بالقعود الأول القعود في صلاة الفرض رباعيا كان أو ثلاثيا وكذا في صلاة الوتر كما في المحيط أما في النفل إذا قام إلى الثالثة من غير قعدة فإنه يعود ولو استتم قائما ما لم يقيدها بسجدة كذا في السراج الوهاج وحكى فيه خلافا في المحيط قيل لا يعود لأنه صار كالفرض وقيل يعود ما لم يقيدها بالسجدة لأن كل شفع صلاة على حدة في حق القراءة فأمرناه بالعود إلى القعدة احتياطا ومتى عاد تبين أن القعدة وقعت فرضا فيكون رفض الفرض لمكان الفرض فيجوز ا هـ. وهذا كله في حق الإمام والمنفرد وأما المأموم إذا قام ساهيا فإنه يعود ويقعد لأن القعود فرض عليه بحكم المتابعة إليه أشار في السراج الوهاج فإنه قال إذا تشهد الإمام وقام من القعدة الأولى إلى الثالثة فنسي بعض من خلفه التشهد حتى قاموا جميعا فعلى من لم يتشهد أن يعود ويتشهد ثم يتبع إمامه وإن خاف أن تفوته الركعة الثالثة لأنه تبع لإمامه فيلزمه أن يتشهد بطريق المتابعة وهذا بخلاف المنفرد لأن التشهد الأول في حقه سنة وبعدما اشتغل بفرض القيام لا يعود إلى السنة وهاهنا التشهد فرض عليه بحكم المتابعة ا هـ. وكذا في القنية ففي القعود أولى وظاهره أنه لو لم يعد تبطل صلاته لترك الفرض وفي المجمع ولو نام لاحق سها إمامه عن القعدة الأولى فاستيقظ بعد الفراغ أمرناه بترك القعدة ا هـ. وفي آخر فتاوى الولوالجي من مسائل متفرقة مريض يصلي بالإيماء فلما بلغ حالة التشهد فظن أنه حالة القيام

 

ج / 2 ص -165-       ويسجد للسهو، وإن سها عن الأخير عاد ما لم يسجد, وسجد للسهو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فاشتغل بالقراءة ثم تذكر أنه حالة التشهد فلا يخلو إما إن كان التشهد الأول أو التشهد الثاني فإن كان التشهد الأول فحالة القراءة تنوب عن القيام فلا يعود إلى التشهد ويتم الصلاة وإن كان التشهد الثاني رجع إلى التشهد ويتم الصلا وكذلك الجواب في الصحيح إذا قام قبل أن يتشهد ا هـ.
"قوله: ويسجد للسهو" خاص بقوله وإلا لا كما صححه المصنف في الكافي تبعا لصاحب الهداية لترك الواجب وأما إذا كان إلى القعود أقرب وعاد فلا سجود عليه كما إذا لم يقم لأن الشرع لم يعتبره قياما وإلا لم يطلق له القعود فكان معتبرا قعودا أو انتقالا للضرورة وهذا الاعتبار ينافيه اعتبار التأخير المستتبع لوجوب السجود وفي الخلاصة وفي رواية إذا قام على ركبتيه لينهض يقعد وعليه السهو ويستوي فيه القعدة الأولى والثانية وعليه الاعتماد وإن رفع أليتيه عن الأرض وركبتاه على الأرض ولم يرفعهما لا سهو عليه كذا روي عن أبي يوسف وفي الأجناس عليه السهو ويستوي في ذلك القعدة الأولى والأخيرة ا هـ.
فالحاصل على هذا المعتمد أنه إن كان إلى القعود أقرب فإنه يعود مطلقا فإن رفع ركبتيه من الأرض لزمه السجود وإلا فلا وهو مخالف للتصحيح السابق في بعضه وفي الولوالجية المختار وجوب السجود لأنه بقدر ما اشتغل بالقيام صار مؤخرا واجبا وجب وصله بما قبله من الركن فصارتا كالواجب فيجب عليه سجدتا السهو ا هـ. فاختلف الترجيح على أقوال ثلاثة والأكثر على الأول.
"قوله: وإن سها عن الأخير عاد ما لم يسجد" لأن فيه إصلاح صلاته فأمكنه ذلك لأن ما دون الركعة بمحل الرفض أراد بالأخير القعود المفروض ليشمل الفرض الرباعي والثلاثي والثنائي فإن قعوده ليس متعددا إلا أن يقال إنه يسمى أخيرا باعتبار أنه آخر الصلاة لا باعتبار أنه مسبوق بمثله أطلقه فشمل ما إذا لم يقعد أصلا أو جلس جلسة خفيفة أقل من قدر التشهد وإذا عاد احتسب له الجلسة الخفيفة حتى لو كان كلا الجلستين مقدار التشهد ثم تكلم بعده جازت صلاته كما قدمناه في باب صفة الصلاة عن "الولوالجية".
ق"وله: وسجد للسهو" لتأخيره فرضا وهو القعود الأخير وعلله في الهداية بأنه أخر واجبا فقالوا أراد به الواجب القطعي وهو الفرض وهو أولى مما في العناية من تفسير بإصابة لفظ السلام لأنه لم يؤخره عن محله لأن محله بعد القعود ولم يقعد وإنما آخر القعود والأولى أن يقال أراد به الواجب الذي يفوت الجواز بفوته إذ ليس دليلها قطعيا.

 

ج / 2 ص -166-       فإن سجد بطل فرضه برفعه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: فإن سجد بطل فرضه برفعه" لأنه استحكم شروعه في النافلة قبل إكمال أركان المكتوبة ومن ضرورته خروجه عن الفرض وهذا لأن الركعة بسجدة واحدة صلاة حقيقة حتى يحنث في يمينه لا يصلي وقوله برفعه أي برفع الوجه عن الأرض إشارة إلى أن المختار للفتوى أنه لا يبطل بوضع الجبهة كما هو مروي عن أبي يوسف لأن تمام الشيء بآخره وآخر السجدة الرفع إذ الشيء إنما ينتهي بضده ولهذا لو سجد قبل إمامه فأدركه إمامه فيه جاز ولو تمت بالوضع لما جاز لأن كل ركن أداه قبل إمامه لا يجوز ولأنه لو تم قبل الرفع لم ينقضه الحدث لكن الاتفاق على لزوم إعادة كل ركن وجد فيه سبق الحدث بقيد البناء وثمرة الاختلاف فيما إذا أحدث في السجود فانصرف وتوضأ ثم تذكر أنه لم يقعد في الرابعة قال أبو يوسف لا يعود إلى القعود وبطل فرضه وقال محمد يعود ويتم فرضه قالوا أخبر أبو يوسف بجواب محمد فقال زه صلاة فسدت يصلحها الحدث وهذا معنى ما يسأله العامة أي صلاة يصلحها الحدث فهي هذه الصلاة على قول محمد وزه كلمة استعجاب وإنما قالها أبو يوسف تهكما وقيل الصواب بالضم والزاي ليست بخالصة كذا في المغرب.
وفي فتح القدير وهذا أعني صحة البناء بسبب سبق الحدث إذا لم يتذكر في ذلك السجود أنه ترك سجدة صلبية من صلاته فإن تذكر ذلك فسدت اتفاقا ا هـ. ولا يخفى ما فيه بل لا يصح هذا التقييد لأنه إذا سبقه الحدث وهو ساجد لم يخلط النفل بالفرض قبل إكماله عند محمد سواء تذكر أن عليه سجدة صلبية أو لا إذ لا فرق بين أن يكون عليه ركن واحد أو ركنان وعبارة الخلاصة أولى وهي ولو قيد الخامسة بالسجدة فتذكر أنه ترك سجدة صلبية من صلاته لا تنصرف هذه السجدة إليها لما أنه تشترط النية في السجدة وصلاته فاسدة ا هـ.
وإذا بطل فرض الإمام برفعه بطل فرض المأموم سواء كان قعد أو لا ولذا ذكر قاضي خان في فتاويه ولو أن الإمام لم يقعد على رأس الرابعة وقام إلى الخامسة ساهيا وتشهد المقتدي وسلم قبل أن يقيد الإمام الخامسة بالسجدة ثم قيدها بالسجدة فسدت صلاتهم جميعا ا هـ. وسواء كان المأموم مسبوقا أو مدركا كما في الظهيرية وإذا لم يبطل فرض الإمام بعوده قبل السجود لم يبطل فرض المأموم وإن سجد لما في المحيط لو صلى إمام ولم يقعد في الرابعة من الظهر وقام إلى الخامسة فركع وتابعه القوم ثم عاد الإمام إلى القعدة ولم يعلم القوم حتى سجدوا سجدة لا تفسد صلاتهم لأنهم لما عاد الإمام إلى القعدة ارتفض ركوعه فيرتفض ركوع القوم أيضا تبعا له لأنه بناء عليه فبقي لهم زيادة سجدة وذلك لا يفسد الصلاة ا هـ. وهذا مما يلغز به فيقال مصل ترك القعدة الأخيرة وقيد الخامسة بسجدة ولم تبطل صلاته ومصل قعد ولم يعتبر قعوده وبطلت

 

ج / 2 ص -167-       وصارت نفلاً فيضم إليها سادسة, وإن قعد في الرابعة ,ثم قام عاد وسلم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بتركه وقيد بقوله ولم يعلم القوم لما في المجتبى أنه لو عاد الإمام إلى القعود قبل السجود وسجد المقتدي عمدا تفسد وفي السهو خلاف والأحوط الإعادة ا هـ. وفي فتح القدير ولا يخفى عدم متابعتهم له فيما إذا قام قبل القعدة وإذا عاد لا يعيدوا التشهد.
"قوله: فصارت نفلا فيضم إليها سادسة" لما سبق مرارا من أنه لا يلزم من بطلان الوصف بطلان الأصل عندهما خلافا لمحمد فيضم سادسة لأن التنفل بالوتر غير مشروع ولو لم يضم فلا شيء عليه لأنه ظان وشروعه ليس بملزم وإذا اقتدى به إنسان في الخامسة ثم أفسدها فعلى قول محمد لا يتصور القضاء وعندهما يقضي ستا لشروعه في تحريمه الست بخلاف ما إذا عاد الإمام قبل السجدة فإنه يقضي أربعا ثم صرح المصنف في الوافي بأن ضم السادسة مندوب وتركه في المختصر للاختلاف وفي عبارة القدوري تبعا لرواية الأصل إشارة إلى الوجوب فإنه قال وكان عليه أن يضم إليها ركعة سادسة ووجهه في فتح القدير بعدم جواز التنفل بالوتر وفي المبسوط وأحب إلي أن يشفع الخامسة لأن النفل شرع شفعا لا وترا كذا في البدائع وإلا ظهر الندب لأن عدم جواز التنفل بالوتر إنما هو عند القصد أما عند عدمه فلا ولهذا لا يلزمه شيء لو قطعه.
وفي السراج الوهاج أن ضم السادسة في سائر الصلوات إلا في العصر فإنه لا يضم إليها لأنه يكون تطوعا قبل المغرب وذلك مكروه وفي قاضي خان إلا الفجر فإنه لا يضيف إليها لأن التنفل قبلها وبعدها مكروه ا هـ. وسيأتي أن الصحيح أنه لو قعد على رأس الرابعة وقام إلى الخامسة وقيدها بسجدة فإنه يضم سادسة ولو كان في الأوقات المكروهة فينبغي أن لا يكره هنا أيضا على الصحيح إذ لا فرق بينهما ولم يذكر المصنف سجود السهو لأن الأصح عدمه لأن النقصان بالفساد لا ينجبر بالسجود ثم اعلم أنه لا فرق في عدم البطلان عند العود قبل السجود والبطلان إن قيد بالسجود بين العمد والسهو.
ولذا قال في الخلاصة فإن قام إلى الخامسة عمدا أيضا لا تفسد ما لم يقيد الخامسة بالسجدة عندنا ثم اعلم أيضا أن البطلان بالتقييد بالسجدة أعم من أن يكون قد قرأ في الركعة الخامسة أو لا كما في الخلاصة وقد يقال إن المفسد خلط النفل بالفرض قبل إكماله والركعة بلا قراءة في النفل غير صحيحة فلم يوجد الخلط فكان زيادة ما دون الركعة وهو ليس بمفسد.
"قوله: وإن قعد في الرابعة ثم قام عاد وسلم" لأن التسليم في حالة القيام غير مشروع وأمكنه الإقامة على وجهه بالقعود لأن ما دون الركعة بمحل الرفض ثم إذا عاد لا يعيد التشهد وكذا لو نام قاعدا وقال الناطفي يعيد ثم قيل القوم يتبعونه فإن عاد عادوا معه وإن مضى

 

ج / 2 ص -168-       وإن سجد للخامسة تم فرضه وضم إليه سادسة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في النافلة اتبعوه لأن صلاتهم تمت بالقعدة والصحيح أنهم لا يتبعونه لأنه لا اتباع في البدعة فإن عاد قبل تقييد الخامسة بالسجدة اتبعوا بالسلام فإن قيد سلموا في الحال.
"قوله: وإن سجد للخامسة تم فرضه وضم إليه سادسة" أي لم يفسد فرضه بسجوده كما فسد فيما إذا لم يقعد هذا هو المراد بالتمام وإلا فصلاته ناقصة كما سيأتي وإنما لم يفسد لأن الباقي أصابه لفظ السلام وهي واجبة وإنما يضم إليها أخرى لتصير الركعتان له نفلا للنهي عن الركعة الواحدة وإذا ضم فإنه يتشهد ويسلم ثم يسجد للسهو كما سيأتي ثم لا ينوبان عن سنة الظهر هو الصحيح لأن المواظبة عليهما إنما كانت بتحريمة مبتدأة أطلق في الضم فشمل ما إذا كان في وقت مكروه كما بعد الفجر والعصر لأن التطوع إنما يكره فيهما إذا كان عن اختيار أما إذا لم يكن عن اختيار فلا وعليه الاعتماد وكذا في الخانية وهو الصحيح كذا في التبيين وعليه الفتوى كذا في المجتبى لكن اختلف في الضم في غير وقت الكراهة قيل بالوجوب وقيل بالاستحباب كما قدمناه وأما في وقت الكراهة فقيل بالكراهة والمعتمد المصحح أنه لا بأس به كما عبروا به بمعنى أن الأولى تركه.
فظاهره: أنه لم يقل أحد بوجوبه ولا باستحبابه وفرق الشارح بين الفجر والعصر فصح أنه لا يكره في العصر وجزم بالكراهة في الصبح وفيه نظر إذ لا فرق بين الفجر والعصر فكما صحح عدمها في العصر لزمه تصحيح عدمها في الفجر ولذا سوى بينهما في فتح القدير وقال والنهي عن التنفل القصدي بعدهما ولذا إذا تطوع من آخر الليل فلما صلى ركعة طلع الفجر الأول أن يتمها ثم يصلي ركعتي الفجر لأنه لم يتنفل بأكثر من ركعتي الفجر قصدا ا هـ. وصرح في التجنيس بأن الفتوى على رواية هشام من عدم الفرق بين الصبح والعصر في عدم كراهة الضم وإن لم يتم الركعتين نفلا فلا شيء عليه كما قدمناه.
وفي المحيط وإن شرع معه رجل في الخامسة يصلي ركعتين عند أبي يوسف وعند محمد ستا بناء على أن إحرام الفرض انقطع بالانتقال إلى النفل عند أبي يوسف لأن من ضرورة الانتقال إلى النفل انقطاع الفرض فلم يصح شارعا إلا في هذا الشفع وعند محمد لم ينقطع إحرام الفرض وهو الأصح لأنه صار شارعا في النفل من غيره تكبيرة جديدة ولو انقطعت التحريمة لاحتاج إلى تكبيرة جديدة لأن الإحرام الجديد لا ينعقد إلا بتكبيرة جديدة ولما بقيت التحريمة صار شارعا في الكل ولو قطع المقتدي هذا النفل قال محمد لا شيء عليه لأنها غير مضمونة على الإمام فلا تصير مضمونة على المقتدي وقال أبو يوسف يلزمه قضاء ركعتين وهو الأصح لأن النفل مضمون في الأصل وإنما لم يصر مضمونا على الإمام هنا لعارض وهو

 

ج / 2 ص -169-       وسجد للسهو، ولو سجد للسهو في شفع التطوع لم يبن شفعا آخر عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شروعه فيه ساهيا وقد انعدم هذا العارض في حق المقتدي صلاة الإمام مضمونة في حق المقتدي بخلاف اقتداء البالغ بالصبي في النوافل فلا يصح عند عامة المشايخ لأن التطوع إنما لم يصر مضمونا على الصبي بأمر أصلي وهو الصبا فلا يمكن أن يجعل معدوما في حق المقتدي فبقي بمنزلة اقتداء المفترض بالمتنفل ا هـ.
فالحاصل أن المصحح قول محمد في كونه يصلي ستا وقول أبي يوسف في لزوم ركعتين لو أفسدها وفي السراج الوهاج وعليه الفتوى وقد قدمنا أنه إذا اقتدى به في الخامسة ولم يكن قعد الإمام قدر التشهد ولم يعد فإنه يلزمه الست والفرق بين المسألتين أن في المسألة الأولى التزم صلاة الإمام وهي ست ركعات نفلا والشروع في النفل لا يوجب أكثر من ركعتين إلا بالاقتداء وهاهنا الإمام لم يكن متنفلا إلا بركعتين فلزم المأموم ركعتان.
وفي السراج الوهاج إذا قعد في الرابعة قدر التشهد وقام إلى الخامسة ساهيا واقتدى به رجل لا يصح اقتداؤه ولو عاد إلى القعدة لأنه لما قام إلى الخامسة فقد شرع في النفل فكان اقتداء المفترض بالمتنفل ولو لم يقعد التشهد صح الاقتداء لأنه لم يخرج من الفرض قبل أن يقيدها بسجدة ا هـ.
"قوله: وسجد للسهو" الظاهر رجوعه إلى كل من المسألتين فإن كانت الأولى وهي ما إذا عاد وسلم فظاهر لأنه أخر الواجب وهو السلام وكذا إذا شك في صلاته فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا فاشتغل بفكره حتى أخر السلام لزمه السهو وإن كانت الثانية وهي ما إذا لم يعد حتى سجد ففيه ثلاثة أقوال فعند أبي يوسف سبب سجوده النقصان المتمكن في النفل بالدخول فيه لا على الوجه المسنون لأنه لا وجه لأن يجب لجبر نقصان في الفرض لأنه قد انتقل منه إلى النفل ومن سها في صلاة لا يجب عليه أن يسجد في أخرى وعند محمد هو لجبر نقصان تمكن بالدخول فيه في الفرض بترك الواجب وهو السلام وصحح الماتريدي أنه جابر للنقص المتمكن في الإحرام فينجبر النقص المتمكن في الفرض والنفل جميعا واختاره في الهداية.
"قوله: ولو سجد للسهو في شفع التطوع لم يبن شفعا آخر عليه" لأن السجود يبطل لوقوعه في وسط الصلاة وهو غير مشروع إلا على سبيل المتابعة وظاهر كلامهم أنه يكره البناء كراهة تحريم لتصريحهم بأنه غير مشروع وفي فتح القدير الحاصل أن نقض الواجب وإبطاله لا يجوز إلا إذا استلزم تصحيحه نقض ما هو فوقه ا هـ. وإنما قال لم يبن ولم يقل لم يصح البناء لأن البناء صحيح وإن كان مكروها لبقاء التحريمة واختلفوا في إعادة سجود السهو والمختار إعادته لأن ما أتى به من السجود وقع في وسط الصلاة فلا يعتد به كالمسافر إذا نوى الإقامة بعدما

 

ج / 2 ص -170-       ولو سلم الساهي فاقتدى به غيره فإن سجد صح وإلا لا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سجد للسهو ويلزم الأربع ويعيد السجود قيد بشفع التطوع لأنه لو كان مسافرا فسجد للسهو ثم نوى الإقامة فله ذلك لأنه لو لم يبن وقد لزمه الإتمام بنية الإقامة بطلت صلاته وفي البناء نقض الواجب ونقض الواجب أدنى فيحتمل دفعا للأعلى لكن يرد على التقييد بشفع التطوع أنه لو صلى فرضا تاما وسجد للسهو ثم أراد أن يبني نفلا عليه ليس له ذلك لما تقدم فلو قال فلو سجد في صلاة لم يبن صلاة عليها إلا في المسافر لكان أولى ولذا لم يقيد في الخلاصة بالتطوع وإنما قال وإذا صلى ركعتين وسها فيها فسجد لسهوه بعد السلام ثم أراد أن يبني عليها ركعتين لم يكن له ذلك بخلاف المسافر إلا أن يقال إن الحكم في الفرض يكون بالأولى لأنه يكره البناء على تحريمته سواء كان سجد للسهو أو لا بخلاف شفع التطوع.
"قوله: ولو سلم الساهي فاقتدى به غيره فإن سجد صح وإلا لا" قال محمد هو صحيح سجد الإمام أو لم يسجد لأن عنده سلام من عليه السهو لا يخرجه عن الصلاة أصلا لأنها وجبت جبرا للنقصان فلا بد أن يكون في إحرام الصلاة وعندهما يخرجه على سبيل التوقف لأنه محلل في نفسه وإنما لا يعمل لحاجته إلى أداء السجدة فلا تظهر دونها ولا حاجة على اعتبار عدم العود ويظهر الاختلاف في صحة الاقتداء وفي انتقاض الطهارة بالقهقهة وتغيير الفرض بنية الإقامة في هذه الحالة كذا في الهداية وغيرها.
وظاهره أن الطهارة تنتقض عنده بالقهقهة مطلقا وعندهما إن عاد إلى السجود انتقضت وإلا فلا كما صرح به في غاية البيان وهو غلط فإنه لا تفصيل فيه بين السجود وعدمه عندهما لأن القهقهة أوجبت سقوط سجود السهو عند الكل لفوات حرمة الصلاة لأنها كلام وإنما الحكم هو النقض عنده وعدمه عندهما كما صرح به في المحيط وشرح الطحاوي وظاهره أيضا أنه لو نوى الإقامة فالأمر موقوف عندهما إن سجد لزمه الإتمام وإلا فلا وعند محمد يتم مطلقا وقد صرح به في غاية البيان وهو غلط أيضا فإن الحكم فيه إذا نوى الإقامة قبل السجود أنه لا يتغير فرضه عندهما ويسقط عند سجود السهو لأنه لو سجد فقد عاد إلى حرمة الصلاة فيتغير فرضه أربعا فيقع سجوده في خلال الصلاة فلا يعتد به فلا فائدة في الإشغال به وعنده يتمها أربعا ويسجد في آخر صلاته كذا في المحيط.
وذكر في معراج الدراية أن عندهما لا يتغير فرضه سواء سجد للسهو أو لا لأنه لو تغير قبل السجود لصحت النية قبل السجود ولو صحت لوقعت السجدة وفي وسط الصلاة فصار كأنه لم يسجد أصلا فلو صحت لصحت بلا سجود لا وجه له عندهما لأنه يحصل بعد الخروج فلا يتغير فرضه ا هـ.

 

ج / 2 ص -171-       وسجد للسهو,وإن سلم للقطع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقيدنا بكونه نوى الإقامة قبل السجود لأنه لو نواها بعدما سجد سجدة أو سجدتين تغير فرضه اتفاقا ويسجد في آخرها للسهو ولأن النية صادفت حرمة الصلاة فصار مقيما كذا في المحيط.
وما في غاية البيان من أن ثمرة الاختلاف تظهر في مسألة رابعة وهي ما اقتدى به إنسان في هذه الحالة ثم وجد منه ما ينافي الصلاة قصدا هل يقضي أم لا فعند محمد يقضي سجد الإمام أو لم يسجد لصحة الاقتداء وعندهما لا يقضي لعدم صحة الاقتداء فليست مسألة رابعة بل متفرعة على مسألة المتن وهي صحة الاقتداء فإنه إن صح الاقتداء أو أفسدها لزمه القضاء وإلا فلا وجعل في الخلاصة ثمرة الاختلاف تظهر أيضا في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والأدعية فعند محمد يأتي بهما في القعدة الأخيرة وهي قعدة سجود السهو لأنها قعدة الختم عنده وعندهما يأتي بهما في قعدة الصلاة لأنه لما عاد إلى السجود تبين أنه لم يكن خارجا فكانت الأولى قعدة الختم والله أعلم.
"قوله: وسجد للسهو وإن سلم للقطع" رفع لإيهام التخيير بين السجود وعدمه من قوله فإن سجد صح وإلا لا فأفاد أن السجود واجب وإن قصد بسلامه قطع صلاته لأن هذا السلام غير قاطع لحرمة الصلاة أما عند محمد فظاهر لأنه لا يخرجه عن حرمتها أصلا عنده وأما عندهما فلا يخرجه خروجا باتا فلا ينقطع الإحرام مطلقا فلما نوى القطع تكون نيته مبدلة للمشروع فلغت كنية الإبانة بصريح الطلاق وكنية الظهر ستا بخلاف ما إذا نوى الكفر فإنه يحكم بكفره لزوال الاعتقاد قيد بسجود السهو لأنه لو سلم وهو ذاكر للسجدة الصلبية تفسد صلاته والفرق أن سجود السهو يؤتى به في حرمة الصلاة وهي باقية والصلبية يؤتى بها في حقيقتها وقد بطلت بالسلام العمد وفي فتح القدير واعلم أن ما قدمناه من قولنا إن سلام من عليه السهو لا يخرجه عن حرمة الصلاة لا يستلزم وقوعه قاطعا وإلا لم يعد إلى حرمتها بل الحاصل من هذا أنه إذا وقع في محله كان محللا مخرجا وبعد ذلك فإن لم يكن عليه شيء مما يجب وقوعه في حرمة الصلاة كان قاطعا مع ذلك وإن كان فإن سلم ذاكر له وهو من الواجبات فقد قطع وتقرر النقص وتعذر جبره إلا أن يكون ذلك الواجب نفس سجود السهو وإن كان ركنا فسدت وإن سلم غير ذاكر أن عليه شيئا لم يصر خارجا وعلى هذا تجري الفروع ا هـ. وأما إذا سلم وعليه سجدة التلاوة فقد ذكر في الخلاصة وغيرها ولو سلم وعليه سجدة التلاوة وسجدتا السهو إن سلم وهو غير ذاكر لهما أو ذاكر للسهو خاصة فإن سلامه لا يكون قاطعا للصلاة ويسجد للتلاوة أولا ثم يتشهد ويسلم ثم يسجد للسهو وإن سلم وهو ذاكر لهما أو ذاكر للتلاوة خاصة فإن

 

ج / 2 ص -172-       وإن شك أنه كم صلى أول مرة استأنف وإن كثر تحرى وإلا أخذ بالأقل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سلامه يكون قاطعا وسقطت عنه التلاوة والسهو وإن سلم وعليه سجدة صلبية وسجدتا السهو إن سلم وهو غير ذاكر لهما أو ذاكر للسهو فإن سلامه لا يكون قاطعا ويسجد للصلبية ويتشهد ويسلم ثم يسجد للسهو وإن سلم وهو ذاكر لهما أو ذاكر للصلبية خاصة فإن سلامه يكون قاطعا وفسدت صلاته ولو سلم وعليه السجدة الصلبية والتلاوة والسهو إن سلم وهو غير ذاكر للكل أو ذاكر للسهو لا يكون سلامه قاطعا ويسجد للأول فالأول إن كانت سجدة التلاوة أولا فإنه يسجدها وإن كانت الصلبية أولا فإنه يسجدها ثم يتشهد بعدها وسلم ثم يسجد سجدتي السهو وإن كان ذاكرا للصلبية أو التلاوة أولهما فسدت صلاته وصار سلامه قاطعا للصلاة لأنه سلام سهو في حق أحدهما وسلام عمد في حق الآخر وسلام السهو لا يخرج وسلام العمد يخرج فترجح جانب الخروج احتياطا ولو سلم وعليه السهو والتكبير والتلبية بأن كان محرما وهو في أيام التشريق فإنه لا يسقط عنه ذلك كله سواء كان ذاكرا للكل أو ساهيا للكل ا هـ وبهذا علم أن قوله وسجد للسهو وإن سلم للقطع مقيد بما إذا لم يكن عليه سجدة صلبية أو سجدة تلاوة متذكرا لها فإن كانت صلبية فسدت الصلاة وإن كانت تلاوة لم تفسد وسقط عنه سجود السهو كما سقط عنه سجود التلاوة وفي نفسي من سقوط سجود السهو شيء لأن التلاوة إنما سقطت لكون الصلاتية لا تقضى خارجها وقد صار خارجا وأما سجود السهو فإنه لا يؤدي في نفس الصلاة وإنما يؤدي في حرمتها وقد علل في فتح القدير لسقوطهما بامتناع البناء بسبب الانقطاع إلا إذا تذكر أنه لم يتشهد فإنه يتشهد ويسجد للتلاوة وصلاته تامة ا هـ.
علل لسقوطها في البدائع بأنه سلام عمد صار به خارجا من الصلاة ا هـ. ولعله لما صار قاطعا بالنسبة إلى التلاوة صار قاطعا لسجود السهو بطريق التبعية بخلاف ما إذا لم يكن عليه تلاوية ولا صلبية فإنه لم يجعل قاطعا بالنسبة إلى شيء وفي الولوالجية ولو سها فسلم ثم قام فكبر ودخل في صلاة أخرى فرضا كان أو نفلا لا يجب عليه سجود السهو لأن التحريمة الأولى قد انقطعت وهذه تحريمة قد استؤنفت فالنقصان الذي حصل في التحريمة الأولى لا يمكن جبره بفعله في التحريمة الأخرى.
"قوله: وإن شك أنه كم صلى أول مرة استأنف وإن كثر تحرى وإلا أخذ بالأقل" لقوله عليه الصلاة والسلام
"إذا شك أحدكم في صلاته فليستقبل" بحمله على ما إذا كان أول شك

 

ج / 2 ص -173-       ........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عرض له توفيقا بينه وبين ما في الصحيح مرفوعا
"إذا شك أحدكم فليتحر الصواب فليتم عليه" بحمله على ما إذا كان الشك يعرض له كثيرا وبين ما رواه الترمذي مرفوعا "إذا سها أحدكم في صلاته فلم يدر واحدة صلى أو ثنتين فليبن على واحدة وإن لم يدر ثنتين صلى أو ثلاثا فليبن على ثنتين فإن لم يدر ثلاثا صلى أو أربعا فليبن على ثلاث وليسجد سجدتين قبل أن يسلم" وصححه بحمله على ما إذا لم يكن له ظن فإنه يبني على الأقل ويساعد هذا الجمع المعنى وهو أنه قادر على إسقاط ما عليه دون حرج لأن الحرج بإلزام الاستقبال إنما يلزم عند كثرة عروض الشك له وصار كما إذا شك أنه صلى أو لا والوقت باق يلزمه الصلاة لقدرته على حكم الظاهر وحمل عدم الفساد الذي تظافر عليه الحديثان الآخران على ما إذا كان يكثر منه للزوم الحرج بتقدير الإلزام وهو منتف شرعا بالنافي فوجب أن حكمه بالعمل بما يقع عليه التحري قيد بالشك في الصلاة لأنه لو شك في أركان الحج ذكر الجصاص أنه يتحرى كما في الصلاة وقال عامة مشايخنا يؤدي ثانيا لأن تكرار الركن والزيادة عليه لا تفسد الحج وزيادة الركعة تفسد الصلاة فكان التحري في باب الصلاة أحوط كذا في المحيط وفي البدائع أنه يبني في الحج على الأقل في ظاهر الرواية وأفاد كلامه أن الشك كان قبل الفراغ منها فلو شك بعد الفراغ منها أنه صلى ثلاثا أو أربعا لا شيء عليه ويجعل كأنه صلى أربعا حملا لأمره على الصلاح كذا في المحيط والمراد بالفراغ منها الفراغ من أركانها سواء كان قبل السلام أو بعده كذا في الخلاصة واستثنى في فتح القدير ما إذا وقع الشك في التعيين ليس غير بأن تذكر بعد الفراغ أنه ترك فرضا وشك في تعيينه قالوا: يسجد سجدة واحدة ثم يقعد ثم يقوم فيصلي ركعة بسجدتين ثم يقعد ثم يسجد إلى آخره ولا حاجة إلى هذا الاستثناء لأن كلامنا في الشك بعد الفراغ وهذا قد تذكر ترك ركن يقينا إنما وقع الشك في تعيينه نعم يستثنى منه ما ذكره في الخلاصة من أنه لو أخبره رجل عدل بعد السلام أنك صليت الظهر ثلاثا وشك في صدقه وكذبه فإنه يعيد احتياطا لأن الشك في صدقه شك في الصلاة بخلاف ما إذا كان عنده أنه صلى أربعا فإنه لا يلتفت إلى قول المخبر وكذا لو وقع الاختلاف بين الإمام والقوم إن كان الإمام على يقين لا يعيد وإلا أعاد بقولهم ولو اختلف القوم قال بعضهم صلى ثلاثا وقال بعضهم صلى أربعا والإمام مع أحد

 

ج / 2 ص -174-       ........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفريقين يأخذ بقول الإمام وإن كان معه واحد فإن أعاد الإمام الصلاة وأعاد القوم معه مقتدين به صح اقتداؤهم لأنه إن كان الإمام صادقا يكون هذا اقتداء المتنفل بالمتنفل وإن كان كاذبا يكون اقتداء المفترض بالمفترض إلى آخر ما في الخلاصة.
وقيد بكون الشك في العدد بتغييره بكلمة كم لأن مصلي الظهر إذا صلى ركعة بنية الظهر ثم شك في الثانية أنه في العصر ثم شك في الثالثة أنه في التطوع ثم شك في الرابعة أنه في الظهر قالوا يكون في الظهر والشك ليس بشيء ولو تذكر مصلي العصر أنه ترك سجدة ولا يدري أنه تركها من صلاة الظهر أو من صلاة العصر الذي هو فيها فإنه يتحرى فإن لم يقع تحريه على شيء يتم العصر ويسجد سجدة واحدة لاحتمال أنه تركها من العصر ثم يعيد الظهر احتياطا ثم يعيد العصر فإن لم يعد فلا شيء عليه واختلفوا في معنى قولهم أول مرة فأكثر مشايخنا كما في الخلاصة والخانية والظهيرية على أن معناه أول ما وقع له في عمره يعني لم يكن سها في صلاة قط بعد بلوغه كما ذكره الشارح وذهب الإمام السرخسي إلى أن معناه أن السهو ليس بعادة له لا أنه لم يسه قط وقال فخر الإسلام أي في هذه الصلاة واختاره ابن الفضل كما في الظهيرية وكلاهما قريب كذا في غاية البيان.
وفائدة الخلاف بين العبارات أنه إذا سها في صلاته أول مرة واستقبله ثم وقف سنين ثم سها على قول شمس الأئمة يستأنف لأنه لم يكن من عادته وإنما حصل له مرة واحدة والعادة إنما هي من المعاودة وعلى العبارتين الأخريين يجتهد في ذلك كذا في السراج الوهاج وفيه نظر بل يستأنف على عبارة السرخسي وفخر الإسلام ويتحرى على قول الأكثر فقط لأنه أول سهو وقع له في تلك الصلاة فيستأنف على قول فخر الإسلام كما لا يخفى وهذا الاختلاف يفسر قولهم وإن كثر تحرى فعلى قول الأكثر المراد بالكثرة مرتان بعد بلوغه وعلى قول فخر الإسلام مرتان في صلاة واحدة وفي المجتبى وقيل مرتين في سنته ولعله على قول السرخسي وأشار المصنف إلى أنه لو شك في بعض وضوئه وهو أول ما عرض له غسل ذلك الموضع وإن كان يعرض له كثيرا لا يلتفت إليه كذا في معراج الدراية وفي المجتبى والمبتغى ومن شك أنه كبر للافتتاح أو لا أو هل أحدث أو لا أو هل أصابت النجاسة ثوبه أو لا أو مسح رأسه أم لا استقبل إن كان أول مرة وإلا فلا ا هـ. بخلاف ما لو شك أن هذه تكبيرة الافتتاح أو القنوت فإنه لا يصير شارعا لأنه لا يثبت له شروع بعد الجعل للقنوت ولا يعلم أنه نوى ليكون للافتتاح والمراد بالاستقبال الخروج من الصلاة بعمل مناف لها والدخول في صلاة أخرى والاستقبال بالسلام قاعدا أولى لأنه عرف محللا دون الكلام ومجرد النية لغو لا يخرج بها من الصلاة كذا قالوا وظاهره أنه لا بد من عمل فلو لم يأت بمناف وأكملها على غالب ظنه لم تبطل إلا أنها

 

ج / 2 ص -175-       .......................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تكون نفلا ولزمه أداء الفرض لو كانت الصلاة التي شك فيها فرضا فلو كانت نفلا ينبغي أن يلزمه قضاؤه وإن أكملها لوجوب الاستئناف ولم أر هذا التفريع منقولا إلا أن قول الشارح وغيره أن الاستقبال لا يتصور إلا بالخروج عن الأولى وذلك بعمل مناف يدل على عدم بطلانها بمجرد الشك كما لا يخفى والتحري طلب الأحرى وهو ما يكون أكبر رأيه عليه وعبروا عنه تارة بالظن وتارة بغالب الظن وذكروا أن:
الشك تساوي الأمرين.
والظن: رجحان جهة الصواب.
والوهم رجحان جهة الخطأ فإن لم يترجح عنده شيء بعد الطلب فإنه يبني على الأقل فيجعلها واحدة لو شك أنها ثانية وثانية لو شك أنها ثالثة وثالثة لو شك أنها رابعة وعند البناء على الأقل يقعد في كل موضع يتوهم أنه محل قعود فرضا كان القعود أو واجبا كي لا يصير تاركا فرض القعدة أو وأحبها فإن وقع في رباعي أنها الأولى أو الثانية يجعلها الأولى ثم يقعد ثم يقوم فيصلي ركعة أخرى ويقعد ثم يقوم فيصلي ركعة أخرى ويقعد ثم يقوم فيصلي ركعة أخرى فيأتي بأربع قعدات قعدتان مفروضتان وهي الثالثة والرابعة وقعدتان واجبتان لكن اقتصر في الهداية على قوله يقعد في كل موضع يتوهم أنه آخر صلاته كي لا يصير تاركا فرض القعدة فنسبه في فتح القدير إلى القصور، والعذر له إن قعوده في موضع يتوهم أنه محل القعود الواجب ليس متفقا عليه بل فيه اختلاف المشايخ كما نقله في المجتبى فلعل ما في الهداية مبني على أحد القولين وإن كان الظاهر خلافه وهو القعود مطلقا وظاهر كلامهم يدل على أن القعود في كل موضع يتوهم أنه آخر صلاته فرض ولو شك أنها الثانية أو الثالثة أتمها وقعد ثم قام فصلى أخرى وقعد ثم الرابعة وقعد ولو شك في صلاة الفجر وهو في القيام أنها الثالثة أو الأولى لا يتم ركعته بل يقعد قدر التشهد وبرفض القيام ثم يقوم فيصلي ركعتين ويقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة ثم يتشهد ثم يسجد للسهو وإن شك وهو ساجد فإن شك أنها الأولى أو الثانية فإنه يمضي فيها سواء شك في السجدة الأولى أم الثانية لأنها إن كانت الأولى لزمه المضي فيها وإن كانت الثانية يلزمه تكميلها وإذا رفع رأسه من السجدة الثانية يقعد قدر التشهد ثم يقوم فيصلي ركعة ولو شك في صلاة الفجر في سجوده أنه صلى ركعتين أو ثلاثا إن كان في السجدة الأولى أمكنه إصلاح صلاته لأنه إن كان صلى ركعتين كان عليه إتمام هذه الركعة لأنها ثانية فيجوز وإن كانت ثالثة من وجه لا تفسد صلاته عند محمد لأنه كما تذكر في السجدة الأولى ارتفعت تلك السجدة وصارت كأنها لم تكن كما لو سبقه الحدث في السجدة الأولى في

 

ج / 2 ص -176-       وإن توهم مصلي الظهر أنه أتمها فسلم ثم علم أنه صلى ركعتين أتمها وسجد للسهو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الركعة الخامسة وهي مسألة زه، وإن كان هذا الشك في السجدة الثانية فسدت صلاته ولو شك في الفجر أنها ثانية أم ثالثة ولم يقع تحريه على شيء وكان قائما يقعد في الحال ثم يقوم ويصلي ركعة ويقعد وإن كان قاعدا والمسألة بحالها يتحرى إن وقع تحريه أنها ثانية مضى على صلاته وإن وقع تحريه أنها ثالثة يتحرى في القعدات إن وقع تحريه أنه لم يقعد على رأس الركعتين فسدت صلاته وإن لم يقع تحريه على شيء فسدت صلاته أيضا وكذا في ذوات الأربع إذا شك أنها الرابعة أو الخامسة ولو شك أنها ثالثة أو خامسة فعلى ما ذكرنا في الفجر فيعود إلى القعدة ثم يصلي ركعة أخرى ويتشهد ثم يقوم فيصلي ركعة أخرى ويقعد ويسجد للسهو ولو شك في الوتر وهو قائم أنها ثانيته أو ثالثته يتم تلك الركعة ويقنت فيها ويقعد ثم يقوم فيصلي ركعة أخرى ويقنت فيها أيضا هو المختار إلى هنا عبارة "الخلاصة".
ولم يذكر المصنف رحمه الله سجود السهو في مسائل الشك تبعا لما في الهداية وهو مما لا ينبغي إغفاله فإنه يجب السجود في جميع صور الشك سواء عمل بالتحري أو بنى على الأقل كذا في فتح القدير وترك المحقق قيدا لا بد منه مما لا ينبغي إغفاله وهو أن يشغله الشك قدر أداء ركن ولم يشتغل حالة الشك بقراءة ولا تسبيح كما قدمناه أول الباب لكن ذكره في السراج الوهاج أن في فصل البناء على الأقل يسجد للسهو وفي فصل البناء على غلبة الظن أن شغله تفكره مقدار أداء الركن وجب السهو وإلا فلا ا هـ. وكأنه في فصل البناء على الأقل حصل النقص مطلقا باحتمال الزيادة فلا بد من جابر وفي الفصل الثاني النقصان بطول التفكير لا بمطلقه.
"قوله: وإن توهم مصلي الظهر أنه أتمها فسلم ثم علم أنه صلى ركعتين أتمها وسجد للسهو" لأنه عليه السلام فعل كذلك في حديث ذي اليدين ولأن السلام ساهيا لا يبطل لكونه دعاء من وجه قيد به لأنه لو سلم على ظن أنه مسافر أو على ظن أنها الجمعة أو كان قريب العهد بالإسلام فظن أن فرض الظهر ركعتان أو كان في صلاة العشاء فظن أنها التراويح فسلم أو سلم ذاكرا أن عليه ركنا فإن صلاته تبطل لأنه سلم عامدا وفي المجتبى ولو سلم المصلي عمدا قبل التمام قيل تفسد وقيل لا تفسد حتى يقصد به خطاب آدمي ا هـ. فينبغي أن لا

 

ج / 2 ص -177-       ........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تفسد في هذا المسائل على القول الثاني ومراده من قوله ثم علم أنه صلى ركعتين العلم بعدم تمامها ليدخل فيه ما إذا علم أنه ترك سجدة صلبية أو تلاوية بعد السلام وحكمه أنه إن كان في المسجد ولم يتكلم وجب عليه أن يأتي به وإن انصرف عن القبلة لأن سلامه لم يخرجه عن الصلاة حتى لو اقتدى به إنسان بعد هذا السلام صار داخلا فإن سجد سجد معه وإن لم يسجد فسدت صلاته إذا كان المتروك صلبية وفسدت صلاة الداخل بفسادها بعد صحة الاقتداء ووجب القضاء على الداخل حتى لو دخل في فرض رباعي مثلا يلزمه قضاء الأربع إن كان الإمام مقيما وركعتين إن كان مسافرا وإن كان في الصحراء فانصرف إن جاوز الصفوف خلفه أو يمنة أو يسرة فسدت في الصلبية وتقرر النقص وعدم الجبر في التلاوة وإن مشى أمامه لم يذكر في ظاهر الرواية وحكمه إن كان له سترة بنى ما لم يجاوزها وإن لم يكن له سترة فقيل إن مشى قدر الصفوف خلفه عاد أو أكثر امتنع وهو مروي عن أبي يوسف اعتبارا لأحد الجانبين بالآخر وقيل إن جاوز موضع سجوده لا يعود وهو الأصح لأن ذلك القدر في حكم خروجه من المسجد فكان مانعا من الاقتداء كذا في فتح القدير.
وذكر في التجنيس إذا سلم الرجل في صلاة الفجر وعليه سجود السهو فسجد ثم تكلم ثم تذكر أنه ترك سجدة صلبية إن تركها من الركعة الأولى فسدت صلاته لأنها صارت دينا في ذمته فصارت قضاء وانعدمت نية القضاء وإن تركها من الركعة الثانية لا تفسد إلا رواية عن أبي يوسف لأنها لم تصر دينا في ذمته فنابت سجدتا السهو وعن الصلبية ولو كانت المسألة بحالها إلا أنه لما سلك للفجر تذكر أن عليه سجدة التلاوة فسجد لها ثم تذكر أن عليه سجدة صلبية فصلاته فاسدة في الوجهين لأن سجدة التلاوة دين عليه فانصرف نيته إلى قضاء الدين فلا تنصرف السجدة إلى غير القضاء ا هـ.
وفي الظهيرية وإذا سلم ساهيا وعليه سجدة فإن كانت سجدة تلاوة يأتي بها وفي ارتفاض القعدة روايتان والأصح رواية الارتفاض وإن كانت صلبية يأتي بها وترفض القعدة ا هـ. وفي التجنيس إذا صلى رجل من المغرب ركعتين وقعد قدر التشهد فزعم أنه أتمها فسلم ثم قام فكبر ينوي الدخول في سنة المغرب ثم تذكر أنه لم يصل المغرب وقد سجد للسنة أولا فصلاة المغرب فاسدة لأنه كبر ونوى الشروع في صلاة أخرى فيكون ناقلا من الفرض إلى النفل إتمامها وأما إذا سلم ثم تذكر أنه لم يتم فحسب أن صلاته قد فسدت وقام وكبر للمغرب ثانيا وصلى ثلاثا إن صلى ركعة وقعد قدر التشهد أجزأه المغرب الأول لأن نية المغرب ثانيا لا تصح بقي مجرد التكبير وذا لا يخرجه عن الصلاة ا هـ. ومسائل السجدات معلومة في كتب الفتاوى وغيرها فلا نطيل بذكرها والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

 

ج / 2 ص -178-       1 - باب صلاة المريض
تعذر عليه القيام أو خاف زيادة المرض صلى قاعدا يركع ويسجد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
11- باب صلاة المريض
ذكرها عقب سجود السهو لأنها من العوارض السماوية والأول أعم موقعا لشموله المريض والصحيح فكانت الحاجة إلى بيانه أمس فقدمه وتصور مفهوم المرض ضروري إذ لا شك أن فهم المراد من لفظ المرض أجلى من فهمه من قولنا معنى يزول بحلوله في بدن الحي اعتدال الطبائع الأربع بل ذلك يجري مجرى التعريف بالأخفى.
وعرفه في كشف الأسرار بأنه حالة للبدن خارجة عن المجرى الطبيعي والإضافة فيه من باب إضافة الفعل إلى فاعله كقيام زيد أو إلى محله كتحريك الخشب.
"قوله: تعذر عليه القيام أو خاف زيادة المرض صلى قاعدا يركع ويسجد" لقوله تعالى:
{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 191] قال ابن مسعود وجابر وابن عمر الآية نزلت في الصلاة أي قياما إن قدروا وقعودا إن عجزوا عنه وعلى جنوبهم إن عجزوا عن القعود ولحديث عمر بن حصين أخرجه الجماعة إلا مسلما قال كانت بي بواسير فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال صلى الله عليه وسلم "صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنبك"، زاد النسائي "فإن لم تسطيع فمستلقيا لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" ثم المصنف رحمه الله أراد بالتعذر التعذر الحقيقي بحيث لو قام سقط بدليل أنه عطف عليه التعذر الحكمي وهو خوف زيادة المرض واختلفوا في التعذر فقيل ما يبيح الإفطار وقيل التيمم وقيل بحيث لو قام سقط وقيل ما يعجزه عن القيام بحوائجه.
والأصح أن يلحقه ضرر بالقيام كذا في النهاية والمجتبى وغيرهما وإذا كان التعذر أعم من الحقيقي والحكمي فلا حاجة إلى جعل التعذر بمعنى التعسر وإنهم لا يريدون به عدم الإمكان كما في الذخيرة وفي المجتبى حد المرض المسقط للقيام والجمعة والمبيح للإفطار والتيمم

 

ج / 2 ص -179-       وموميا إن تعذر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
زيادة العلة أو امتداد المرض أو اشتداده أو يجد به وجعا ا هـ.
قيد بتعذر القيام أي جميعه لأنه لو قدر عليه متكئا أو متعمدا على عصا أو حائط لا يجزئه إلا كذلك خصوصا على قولهما فإنهما يجعلان قدرة الغير قدرة له قال الهندواني إذا قدر على بعض القيام يقوم ذلك ولو قدر آية أو تكبيرة ثم يقعد وإن لم يفعل ذلك خفت أن تفسد صلاته هذا هو المذهب ولا يروى عن أصحابنا خلافه وكذا إذا عجز عن القعود وقدر على الاتكاء والاستناد إلى إنسان أو إلى حائط أو إلى وسادة لا يجزئه إلا كذلك ولو استلقى لا يجزئه ودخل تحت العجز الحكمي ما لو صام رمضان صلى قاعدا وإن أفطر صلى قائما يصوم ويصلي قاعدا وما لو عجز عن السجود وقدر على القيام فإنه لا يجب عليه القيام وما لو صلى قائما سلس بوله ولو صلى قاعدا لا فإنه يصلي قاعدا بخلاف ما لو كان لو قام أو قعد سال بوله ولو استلقى لا فإنه يصلي قاعدا ولا يستلقي لأنها مستلقيا لا تجوز عند الاختيار بحال كما لا تجوز مع الحدث فاستويا وتمامه في المحيط وما لو كان في بطنها ولد فأخرجت إحدى يديه وتخاف خروج الوقت تصلي بحيث لا يلحق الولد ضرر لأن الجمع بين حق الله وحق الولد ممكن كما في التجنيس وما لو خاف من العدو إن صلى قائما أو كان في خباء لا يستطيع أن يقيم صلبه فيه وإن خرج لم يستطع أن يصلي من الطين والمطر أنه يصلي قاعدا ومن به أدنى علة وهو في طريق فخاف إن نزل عن المحمل للصلاة بقي في الطريق فإنه يجوز أن يصلي الفرائض على محمله وكذا المريض الراكب إذا لم يقدر على النزول ولا على من ينزله بخلاف ما لو قدر على من ينزله واختلف المشايخ فيما إذا كان يستطيع القيام لو صلى في بيته ولو خرج إلى الجماعة يعجز عن القيام والأصح أنه يخرج إلى الجماعة ويصلي قاعدا كذا في الولوالجية وقدمنا في باب صفة الصلاة أن الفتوى على خلافه.
"قوله: وموميا إن تعذر" أي يصلي موميا وهو قاعد إن تعذر الركوع والسجود لما قدمناه ولأن الطاعة بحسب الطاقة وفي المجتبى وقد كان كيفية الإيماء بالركوع والسجود مشتبها على أنه يكفيه بعض الانحناء أم أقصى ما يمكنه إلى أن ظفرت بحمد الله على الرواية وهو ما ذكره شمس الأئمة الحلواني أن المومي إذا خفض رأسه للركوع شيئا ثم للسجود جاز ولو وضع بين يديه وسائد وألصق جبهته عليها ووجد أدنى الانحناء جاز عن الإيماء وإلا فلا ومثله في تحفة الفقهاء وذكر أبو بكر إذا كان بجبهته وأنفه عذر يصلي بالإيماء ولا يلزمه تقريب الجبهة إلى الأرض بأقصى ما يمكنه وهذا نص في بابه ا هـ.
ثم إذا صلى المريض قاعدا بركوع وسجود أو بإيماء كيف يقعد؟ أما في حال التشهد فإنه

 

ج / 2 ص -180-       وجعل سجوده أخفض، ولا يرفع إلى وجهه شيئا يسجد عليه فإن فعل وهو يخفض رأسه صح وإلا لا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يجلس كما يجلس للتشهد بالإجماع وأما في حالة القراءة وحال الركوع روي عن أبي حنيفة أنه يجلس كيف شاء من غير كراهة إن شاء محتبيا وإن شاء متربعا وإن شاء على ركبتيه كما في التشهد وقال زفر يفترش رجله اليسرى في جميع صلاته والصحيح ما روي عن أبي حنيفة لأن عذر المرض أسقط عنه الأركان فلأن يسقط عنه الهيئات أولى كذا في البدائع وفي الخلاصة والتجنيس والولوالجية الفتوى على قول زفر لأن ذلك أيسر على المريض ولا يخفى ما فيه بل الأيسر عدم التقييد بكيفية من الكيفيات والمذهب الأول وفي الخلاصة وإن لم يقدر على السجود من جرح أو خوف أو مرض فالكل سواء ومن صلى وبجبهته جرح لا يستطيع السجود عليه لم يجزه الإيماء وعليه أن يسجد على أنفه وإن لم يسجد على أنفه لم يجزه ثم قال وفي الزيادات رجل بحلقه جراح لا يقدر على السجود ويقدر على غيره من الأفعال فإنه يصلي قاعدا بالإيماء ا هـ.
وبهذا ظهر أن تعذر أحدهما كاف للإيماء بهما وفي البدائع أن الركوع يسقط عمن يسقط عنه السجود وإن كان قادرا على الركوع ا هـ. ولم أر حكم ما إذا تعذر الركوع دون السجود وكأنه غير واقع وفي القنية أخذته شقيقة لا يمكنه السجود يومئ.
"قوله: وجعل سجوده أخفض" أي أخفض من ركوعه لأنه قائم مقامهما فأخذ حكمهما وعن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في صلاة المريض: إن لم يستطع أن يسجد أومأ وجعل سجوده أخفض من ركوعه. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"من لم يقدر على السجود فليجعل سجوده ركوعا وركوعه إيماء والركوع أخفض من الإيماء" كذا في البدائع وظاهره كغيره أنه يلزمه جعل السجود أخفض من الركوع حتى لو سواهما لا يصح ويدل عليه أيضا ما سيأتي.
"قوله: ولا يرفع إلى وجهه شيئا يسجد عليه فإن فعل وهو يخفض رأسه صح وإلا لا" أي وإن لم يخفض رأسه لم يجز لأن الفرض في حقه الإيماء ولم يوجد فإن لم يخفض فهو حرام لبطلان الصلاة المنهي عنه بقوله تعالى:
{وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وأما نفس الرفع المذكور فمكروه صرح به في البدائع وغيره لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على مريض يعوده

 

ج / 2 ص -181-       وإن تعذر القعود أومأ مستلقيا أو على جنبه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فوجده يصلي كذلك فقال إن قدرت أن تسجد على الأرض فاسجد وإلا فأوم برأسك. وروي أن عبد الله بن مسعود دخل على أخيه يعوده فوجده يصلي ويرفع إليه عود فيسجد عليه فنزع ذلك من يد من كان في يده وقال هذا شيء عرض لكم الشيطان أوم بسجودك وروي أن ابن عمر رأى ذلك من مريض فقال أتتخذون مع الله آلهة ا هـ.
واستدل للكراهة في المحيط بنهيه عليه السلام عنه وهو يدل على كراهة التحريم وأراد بخفض الرأس خفضها للركوع ثم للسجود أخفض من الركوع حتى لو سوى لم يصح كما ذكره الولوالجي في فتاويه ولو رفع المريض شيئا يسجد عليه ولم يقدر على الأرض لم يجز إلا أن يخفض برأسه لسجوده أكثر من ركوعه ثم يلزقه بجبينه فيجوز لأنه لما عجز عن السجود وجب عليه الإيماء والسجود على الشيء المرفوع ليس بالإيماء إلا إذا حرك رأسه فيجوز لوجود الإيماء لا لوجود السجود على ذلك الشيء ا هـ. وصححه في الخلاصة.
قيد بكون فرضه الإيماء لعجزه عن السجود إذ لو كان قادرا على الركوع والسجود فرفع إليه شيء فسجد عليه قالوا إن كان إلى السجود أقرب منه إلى القعود جاز وإلا فلا كذا في المحيط وفي السراج الوهاج ثم إذا وجد الإيماء فهو مصل بالإيماء على الأصح لا بالسجود حتى لا يجوز اقتداء من يركع ويسجد به.
"قوله: وإن تعذر القعود أومأ مستلقيا أو على جنبه" لأن الطاعة بحسب الاستطاعة والتخير بين الاستلقاء على القفا والاضطجاع على الجنب جواب الكتب المشهورة كالهداية وشروحها.
وفي القنية مريض اضطجع على جنبه وصلى وهو قادر على الاستلقاء قيل يجوز والأظهر أنه لا يجوز وإن تعذر الاستلقاء يضطجع على شقه الأيمن أو الأيسر ووجهه إلى القبلة ا هـ. وهذا الأظهر خفي والأظهر الجواز وقدم المصنف الاستلقاء لبيان الأفضل وهو جواب المشهور من الروايات وعن أبي حنيفة أن الأفضل أن يصلي على شقه الأيمن وبه أخذ الشافعي لحديث عمران بن حصين السابق وللتصريح به في الآية ولأن استقبال القبلة يحصل به ولهذا يوضع في الحد هكذا ليكون مستقبلا للقبلة فأما المستلقي يكون مستقبل السماء وإنما يستقبل القبلة رجلاه فقط ولنا ما روي عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في المريض:
"إن لم

 

ج / 2 ص -182-       ........................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يستطع قاعدا فعلى القفا يومئ إيماء"1 ولأن التوجه إلى القبلة بالقدر الممكن فرض وذلك في الاستلقاء لأن الإيماء هو تحريك الرأس فإذا صلى مستلقيا يقع إيماؤه إلى القبلة وإذا صلى على الجنب يقع منحرفا عنها ولا يجوز الانحراف عنها من غير ضرورة وقيل إن المرض الذي كان بعمران باسور فكان لا يستطيع أن يستلقي على قفاه والمراد في الآية الاضطجاع يقال فلان وضع جنبه إذا نام وإن كان مستلقيا بخلاف الوضع في اللحد لأنه ليس على الميت فعل يجب توجيهه إلى القبلة ليوضع مستلقيا فكان الاستقبال في الوضع على الجنب وأطلق في تعذر القعود فشمل التعذر الحكمي كما لو قدر على القعود ولكن بزغ الماء من عينيه فأمره الطبيب أن يستلقي أياما على ظهره ونهاه عن القعود والسجود أجزأه أن يستلقي ويصلي بالإيماء لأن حرمة الأعضاء كحرمة النفس كذا في البدائع.
وفي الخلاصة وإذا لم يقدر على القعود صلى مضطجعا على قفاه متوجها نحو القبلة ورأسه إلى المشرق ورجلاه إلى المغرب وفي المجتبى وينبغي للمستلقي أن ينصب ركبتيه إن قدر حتى لا يمد رجليه إلى القبلة وفي العناية يجعل وسادة تحت رأسه حتى يكون شبه القاعد ليتمكن من الإيماء بالركوع والسجود لأن حقيقة الاستلقاء تمنع الأصحاء عن الإيماء فكيف بالمرضى واقتصار المصنف على بيان البدل للأركان الثلاثة أعني القيام والركوع والسجود إشارة إلى أن القراءة لا بدل لها عند العجز عنها فيصلي بغير القراءة.
وفي المجتبى قيل في الأمي والأخرس يجب تحريك الشفة واللسان كتلبية الحج وقيل لا يجب وإذا لم يعرف إلا قوله الحمد لله يأتي به في كل ركعة ولا يكررها بخلاف التحيات في التشهد فإنه يكررها قدر التشهد لكون القعود مقدرا ا هـ.
وأشار بسقوط الأركان عند العجز إلى سقوط الشرائط عند العجز عنها بالأولى فلو كان وجه المريض إلى غير القبلة ولم يقدر على التحويل إليها بنفسه ولا بغيره يصلي كذلك لأنه ليس في وسعه إلا ذلك ولا إعادة عليه بعد البرء في ظاهر الجواب لأن العجز عن تحصيل الشرائط لا يكون فوق العجز عن تحصيل الأركان وثمة لا تجب الإعادة فهاهنا أولى كذا في البدائع وفي الخلاصة فإن وجد أحدا يحوله فلم يأمره وصلى إلى غير القبلة جاز عند أبي حنيفة بناء على أن الاستطاعة بقوة الغير ليست بثابتة عنده وعلى هذا لو صلى على فراش نجس ووجد أحدا

 

ج / 2 ص -183-       وإلا أخرت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يحوله إلى مكان طاهر ثم قال مريض مجروح تحته ثياب نجسة إن كان بحال لا يبسط تحته شيء إلا تنجس من ساعته له أن يصلي على حاله وكذا لو لم يتنجس الثاني إلا أنه يزداد مرضه له أن يصلي فيه ا هـ.
وفي الولوالجية المريض إذا كان لا يمكنه الوضوء أو التيمم وله جارية فعليها أن توضئه لأنها مملوكة وطاعة المالك واجبة إذا عري عن المعصية وإذا كان له امرأة لا يجب عليها أن توضئه لأن هذا ليس من حقوق النكاح إلا إذا تبرعت فهو إعانة على البر والعبد المريض إذا كان لا يستطيع أن يتوضأ يجب على مولاه أن يوضئه بخلاف المرأة المريضة حيث لا يجب على الزوج أن يتعاهدها لأن المعاهدة إصلاح الملك وإصلاح الملك على المالك وأما المرأة حرة فكان إصلاحها عليها ا هـ.
وفي التجنيس قال أبو حنيفة في متوضئ لا يقدر على مكان طاهر وقد حضرت الصلاة صلى بالإيماء ثم يعيد ما صلى بالإيماء قضاء لحق الوقت بالتشبه وإنما يعيد لأن العذر جاء من قبل العبد وقال محمد لا يصلي الماشي وهو يمشي ولا السابح وهو يسبح في البحر ولا السائف وهو يضرب بالسيف لأن هذه الأفعال منافية للصلاة ولهذا شغل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاته يوم الخندق لأجل القتال، ثم قال الغريق في البحر إذا حضرته الصلاة إن وجد ما يتعلق به أو كان ماهرا في السباحة بحيث يمكنه الصلاة بالإيماء من غير أن يحتاج فيه إلى عمل كثير افترض عليه أداء الصلاة لأنه قادر ولو لم يجد ما يتعلق به ولم يكن ماهرا في السباحة يعذر بالتأخير إلى أن يخرج لأنه غير قادر على أداء الصلاة ا هـ. وفي القنية مريض لا يمكنه الصلاة إلا بأصوات مثل أوه ونحوه يجب عليه أن يصلي ولو اعتقل لسانه يوما وليلة فصلى صلاة الأخرس ثم انطلق لسانه لا تلزمه الإعادة.
"قوله: وإلا أخرت" أي وإن لم يقدر على الإيماء برأسه أخرت الصلاة إلى القدرة وفي الهداية وقوله أخرت عنه إشارة إلى أنه لا تسقط الصلاة عنه وإن كان العجز أكثر من يوم وليلة إذا كان مفيقا هو الصحيح لأنه يفهم مضمون الخطاب بخلاف المغمى عليه ا هـ. وذهب شيخ الإسلام وقاضي خان وقاضي غني إلى أن الصحيح هو السقوط عن الكثرة لا القلة وفي الظهيرية وهو ظاهر الرواية وعليه الفتوى وفي الخلاصة وهو المختار لأن مجرد العقل لا يكفي لتوجه الخطاب وصحح في البدائع وجزم به الولوالجي وصاحب التجنيس مخالفا لما في الهداية واختاره المصنف في الكافي وصححه في الينابيع ورجحه في فتح القدير

 

ج / 2 ص -184-       ولم يوم بعينه وقلبه وحاجبه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالقياس على المغمى عليه ا هـ. وعلى هذا فمعنى قوله عليه السلام فالله أحق بقبول العذر أي عذر السقوط وعلى ما اختاره صاحب الهداية معناه بقبول عذر التأخير كذا في معراج الدراية واستشهد قاضي خان بما ذكره محمد فيمن قطعت يداه من المرفقين ورجلاه من الساقين لا صلاة عليه فثبت أن مجرد العقل لا يكفي لتوجه الخطاب ورده في التبيين بأنه لا دليل فيه على السقوط لأن هناك العجز متصل بالموت وكلامنا فيما إذا صح المريض حتى لو مات المريض أيضا من ذلك الوجه ولم يقدر على الصلاة لا يجب عليه القضاء حتى لا يلزمه الإيصاء به فصار كالمسافر والمريض إذا أفطرا في رمضان وماتا قبل الإقامة والصحة ا هـ.
ثم اعلم أن ظاهر ما في بعض الكتب يوهم أن في المسألة ثلاثة أقوال.
عدم السقوط مطلقا.
والسقوط مطلقا.
والتفصيل وليس كذلك فإن الفوائت إذا كانت صلاة يوم وليلة أو أقل فعليه القضاء بالإجماع كما في البدائع وغاية البيان إنما محل الاختلاف فيما إذا كثرت وزادت على يوم وليلة فليس فيها إلا قولان ولأن قاضي خان صحح التفصيل في الفتاوى وصاحب الهداية صحح عدم السقوط مطلقا فيما إذا برأ من مرضه أما إذا مات منه فإنه يلقى الله ولا شيء عليه اتفاقا ينبغي أن يقال إن محله إذا لم يقدر في مرضه على الإيماء بالرأس أما إن قدر عليه بعد عجزه فإنه يلزمه القضاء وإن كان القضاء يجب موسعا لتظهر فائدته في الإيصاء بالإطعام عنه وفي السراج الوهاج أن هذا المسألة على أربعة أوجه.
إن دام به المرض أكثر من يوم وليلة وهو لا يعقل لا يقضي إجماعا.
وإن كان أقل من يوم وليلة أو يوما وليلة وهو يعقل قضى إجماعا.
وإن كان أكثر وهو يعقل أو أقل وهو لا يعقل فهو محل الاختلاف وفي القنية ولا فدية في الصلاة حالة الحياة بخلاف الصوم ولو كان يشتبه على المريض أعداد الركعات أو السجدات لنعاس يلحقه لا يلزمه الأداء ولو أداها بتلقين غيره ينبغي أن يجزئه ا هـ.
"قوله: ولم يوم بعينه وقلبه وحاجبه" وقال زفر يومئ بحاجبه فإن عجز فبعينيه فإن عجز فبقلبه وقال الشافعي بعينيه وقلبه وقال الحسن: بحاجبيه وقلبه ويعيد إذا صح والصحيح مذهبنا لحديث عمران وابن عمر:
"فإن لم يستطع الإيماء برأسه فالله أحق بقبول العذر منه" ولأن

 

ج / 2 ص -185-       وإن تعذر الركوع والسجود لا القيام أومأ قاعدا ولو مرض في صلاته يتم بما قدر ولو صلى قاعدا يركع ويسجد فصح بنى ولو كان موميا لا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فرض السجود تعلق بالرأس دون العين والقلب والحاجب فلا ينقل إليها كاليد واعتبارا بالصوم والحج حيث لا ينتقلان إلى القلب بالعجز وفي فتاوى قاضي خان المريض إذا عجز عن الإيماء فحرك رأسه عن أبي حنيفة أنه قال تجوز صلاته وقال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل لا يجوز لأنه لم يوجد منه الفعل ا هـ. فعلى هذا حقيقة الإيماء إنما هي طأطأة الرأس.
"قوله: وإن تعذر الركوع والسجود لا القيام أومأ قاعدا" لأن ركنية القيام للتوصل به إلى السجدة لما فيها من نهاية التعظيم وإذا كان لا يتعقبه السجود لا يكون ركنا فيتخير والأفضل هو الإيماء قاعدا لأنه أشبه بالسجود ولا ترد صلاة الجنازة حيث لم يلزمه ثمة سقوط القيام بسبب سقوط السجود لأن صلاة الجنازة ليست بصلاة حقيقة بل هي دعاء وفي المجتبى وإن أومأ بالسجود قائما لم يجزه وهذا أحسن وأقيس كما لو أومأ بالركوع جالسا لا يصح على الأصح. ا هـ. والظاهر من المذهب جواز الإيماء بهما قائما وقاعدا كما لا يخفى.
وذكر الولوالجي في فتاواه رجل به جرح إن صلى بالإيماء قائما لا يسيل جرحه وإن ركع وسجد يسيل جرحه يصلي قائما ويومئ للركوع ثم يجلس ويومئ للسجود ليكون أداء الصلاة مع الطهارة فإن لم يفعل كذلك وصلى قائما هكذا ويومئ إيماء لا تجوز صلاته لأن الإيماء للسجود جالسا أقرب إلى حقيقة السجود ا هـ. وأومأ بالهمز كذا في السراج الوهاج.
"قوله: ولو مرض في صلاته يتم بما قدر" يعني قاعدا يركع ويسجد أو مومئا إن تعذر أو مستلقيا إن لم يقدر لأنه بناء الأدنى على الأعلى فصار كالاقتداء وهذا هو المشهور وعن أبي يوسف أنه إذا صار إلى حالة الإيماء يستقبل الصلاة لأن تحريمته انعقدت موجبة للركوع والسجود فلا تجوز بدونهما ووجه المشهور أنه إذا بنى كان بعض الصلاة كاملا وبعضها ناقصا وإذا استقبل كانت كلها ناقصة فلأن يؤدي بعضها كاملا أولى وهو الصحيح.
"قوله: ولو صلى قاعدا يركع ويسجد فصح بنى ولو كان موميا لا" أي لو كان يصلي بالإيماء فصح لا يبني لأنه لا يجوز اقتداء الراكع بالمومئ فكذا البناء ويجوز اقتداء القائم بالقاعد الذي يركع ويسجد خلافا لمحمد كما سبق قيد بكونه صلى بالإيماء لأنه لو كان افتتحها بالإيماء ثم قدر قبل أن يركع ويسجد بالإيماء جاز له أن يتمها لأنه لم يؤد ركنا بالإيماء وإنما هو مجرد تحريمة فلا يكون بناء القوي على الضعيف وأشار إلى أنه لو كان يومئ مضطجعا ثم قدر على

 

ج / 2 ص -186-       وللمتطوع أن يتكئ على شيء إن أعيا ولو صلى في فلك قاعدا بلا عذر صح
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القعود ولم يقدر على الركوع والسجود فإنه يستأنف وهو المختار لأن حالة القعود أقوى فلا يجوز بناؤه على الضعيف.
"قوله: وللمتطوع أن يتكئ على شيء إن أعيا" أي تعب لأنه عذر أطلق في الشيء فشمل العصا والحائط وأشار إلى أن له أن يقعد أيضا عند أبي حنيفة وعندهما لا يجوز له القعود إلا إذا عجز لما مر من قبل وقيد بقوله إن أعيا لأن الاتكاء مكروه بغير عذر لأنه إساءة في الأدب وفيه اختلاف المشايخ والصحيح كراهته من غير عذر وعدم كراهة القعود من غير عذر عنده.
"قوله: ولو صلى في فلك قاعدا بلا عذر صح" يعني صلى فرضا قاعدا بلا عذر صحت عند أبي حنيفة وقد أساء كما في البدائع وقالا لا يجزئه إلا من علة لأن القيام مقدور عليه فلا يترك وله أن الغالب فيها دوران الرأس وهو كالمحقق الآن أن القيام أفضل لأنه أبعد عن شبهة الخلاف والخروج أفضل إن أمكنه لأنه أمكن لقلبه والخلاف في غير المربوطة والمربوطة كالشط هو الصحيح كذا في الهداية وهو مقيد بالمربوطة بالشط أما إذا كانت مربوطة في لجة البحر فالأصح إن كان الريح يحركها شديدا فهي كالسائرة وإلا فكالواقفة ثم ظاهر الهداية والنهاية والاختيار جواز الصلاة في المربوطة في الشط مطلقا وفي الإيضاح فإن كانت موقوفة في الشط وهي على قرار الأرض فصلى قائما جاز لأنها إذا استقرت على الأرض فحكمها حكم الأرض فإن كانت مربوطة ويمكنه الخروج لم تجز الصلاة فيها لأنها إذا لم تستقر فهي كالدابة بخلاف ما إذا استقرت فإنها حينئذ كالسرير واختاره في المحيط والبدائع.
وفي الخلاصة وأجمعوا أنه لو كان بحالة يدور رأسه لو قام تجوز الصلاة فيها قاعدا وأراد بالصلاة قاعدا أن تكون بركوع وسجود لأنها لو كانت بالإيماء لا تجوز اتفاقا لأنه لا عذر وأطلقها فشمل ما إذا كان منفردا أو بجماعة فلو اقتدى به رجل في سفينة أخرى فإن كانت السفينتان مقرونتين جاز لأنهما بالاقتران صارتا كشيء واحد وإن كانتا منفصلتين لم يجز لأن تخلل ما بينهما بمنزلة النهر وذلك يمنع صحة الاقتداء وإن كان الإمام في سفينة والمقتدون على الحد والسفينة واقفة فإن كانت بينه وبينهم طريق أو مقدار نهر عظيم لم يصح اقتداؤهم به لأن الطريق ومثل هذا النهر يمنعان صحة الاقتداء ومن وقف على أطلال السفينة يقتدي بالإمام في السفينة صح اقتداؤه إلا أن يكون أمام الإمام لأن السفينة كالبيت واقتداء الواقف على السطح بمن هو في البيت صحيح إذا لم يكن أمام الإمام ولا يخفى عليه حاله كذا هاهنا كذا في البدائع وقيد بترك القيام لأنه لو ترك استقبال وجهه إلى القبلة وهو قادر عليه لا يجزئه في قولهم جميعا فعليهم أن

 

ج / 2 ص -187-       ومن جن أو أغمي عليه خمس صلوات قضى ولو أكثر لا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يستقبلوا بوجههم القبلة كلما دارت السفينة يحول وجهه إليها كذا في الإسبيجابي.
"قوله: ومن جن أو أغمي عليه خمس صلوات قضى ولو أكثر لا" وهذا استحسان والقياس أن لا قضاء عليه إذا استوعب الإغماء وقت صلاة كاملة لتحقق العجز وجه الاستحسان أن المدة إذا طالت كثرت الفوائت فيحرج في الأداء وإذا قصرت قلت فلا حرج والكثير أن يزيد على يوم وليلة لأنه يدخل في حد التكرار والجنون كالإغماء على الصحيح.
وفي تحرير الأصول الجنون ينافي شرط العبادات وهي النية فلا تجب مع الممتد منه مطلقا للحرج وما لا يمتد طارئا جعل كالنوم من حيث إنه عارض يمنع فهم الخطاب زال قبل الامتداد ولأنه لا ينفي أصل الوجوب إذ هو بالذمة وهي له حتى ورث وملك وكان أهلا للثواب كأن نوى صوم الغد فجن فيه ممسكا كله صح فلا يقضي لو أفاق بعده ا هـ. قيد بالجنون والإغماء لأن النوم لا يسقط مطلقا حتى لو نام أكثر من يوم وليلة يقضي لو أفاق بعده ا هـ. قيد بالجنون وليلة غالبا فلا يحرج في القضاء بخلاف الإغماء لأنه مما يمتد عادة وقيده بدوام الإغماء لأنه إذا كان يفيق فيها فإنه ينظر فإن كان لإفاقته وقت معلوم مثل أن يخف عنه المرض عند الصبح مثلا فيفيق قليلا ثم يعاوده فيغمى عليه تعتبر هذه الإفاقة فيبطل ما قبلها من حكم الإغماء إذا كان أقل من يوم وليلة وإن لم يكن لإفاقته وقت معلوم لكنه يفيق بغتة فيتكلم بكلام الأصحاء ثم يغمى عليه فلا عبرة بهذه الإفاقة أطلق في الإغماء والجنون فشمل ما إذا كان بسبب فزع من سبع أو خوف من عدو فلا يجب القضاء إذا امتد إجماعا لأن الخوف بسبب ضعف قلبه وهو مرض إلا أنه يرد عليه ما إذا زال عقله بالخمر أو أغمي عليه بسبب شرب البنج أو الدواء فإنه لا يسقط عنه القضاء في الأول وإن طال اتفاقا لأنه حصل بما هو معصية فلا يوجب التخفيف ولهذا يقع طلاقه ولا يسقط أيضا في الثاني عند أبي حنيفة لأن النص ورد في إغماء حصل بآفة سماوية فلا يكون واردا في إغماء حصل بصنع العباد لأن العذر إذا جاء من جهة غير من له الحق لا يسقط الحق وقال محمد يسقط القضاء إذا كثر لأنه إنما حصل بما هو مباح كذا في المحيط وشمل ما إذا كان الجنون أصليا كما إذا بلغ مجنونا وزال وهو قول محمد فالعارض والأصلي عنده سواء في سقوط القضاء إذا كثر وعدمه إذا قل وقال أبو يوسف الأصلي كالصبا فلا قضاء مطلقا كذا في السراج الوهاج.
وقيد بالصلاة في تسوية الجنون بالإغماء لأن بينهما فرقا في الصوم فإنه إذا أغمي عليه قبل شهر رمضان حتى مضى رمضان كله ثم أفاق فإنه يلزمه قضاء شهر رمضان فلو جن قبل رمضان وأفاق بعدما مضى شهر رمضان لا يلزمه قضاء الصوم كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى ,وظاهر

 

ج / 2 ص -188-       .......................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كلامه أن الأكثرية من حيث الصلوات فإن الأكثر من خمس صلوات ست فأكثر وهو قول محمد ورواية عن أبي حنيفة وهو الأصح وعند أبي يوسف وهو رواية عنه أيضا العبرة للزيادة من حيث الساعات وفائدته تظهر فيما إذا أغمي عليه قبل الزوال فأفاق من الغد بعد الزوال فعند أبي يوسف لا يجب القضاء وعند محمد يجب إذا أفاق قبل خروج وقت الظهر والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب

12- باب سجود التلاوة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
12- باب سجود التلاوة
كان من حق هذا الباب أن يقترن بسجود السهو؛ لأن كلا منهما سجدة لكن لما كان صلاة المريض بعارض سماوي كالسهو وألحقتها المناسبة به فتأخر سجود التلاوة ضرورة، وهو من قبيل إضافة الحكم إلى سببه، وإنما لم يقل سجود؛ التلاوة والسماع بيانا سببين؛ لأن السماع سبب أيضا لما أن التلاوة لما كانت سببا للسماع أيضا كان ذكرها مشتملا على السماع من وجه فاكتفي به، وفي إضافة السجود إلى التلاوة إشارة إلى أنه إذا كتبها أو تهجاها لا يجب عليه سجود، ولا تفسد الصلاة بالهجاء؛ لأنه موجود في القرآن وشرائطها شرائط الصلاة إلا التحريمة؛ لأنها لتوحيد الأفعال المختلفة، ولم يوجد.
وركنها وضع الجبهة على الأرض أو ما يقوم مقامه من الركوع كما سيأتي أو من الإيماء للمريض أو كان راكبا على الدابة في السفر وتلاها أو سمعها، والقياس أن لا يجزئه الإيماء على الراحلة؛ لأنها واجبة فلا يجوز أداؤها على الراحلة من غير عذر لكنهم استحسنوه؛ لأن التلاوة أمر دائم بمنزلة التطوع فكان في اشتراط النزول له حرج بخلاف الفرض والمنذور، وما وجب من السجدة على الأرض لا يجوز على الدابة، وما وجب على الدابة يجوز على الأرض؛ لأن ما وجب على الأرض وجبت تامة فلا تسقط بالإيماء، ولو تلاها على الدابة فنزل ثم ركب فأداها بالإيماء جاز ويفسدها ما يفسد الصلاة من الحدث العمد والكلام والقهقهة، وعليه إعادتها كما لو وجدت في سجدة الصلاة، وقيل هذا على قول محمد؛ لأن العبرة عنده لتمام الركن، وهو الرفع، ولم يحصل بعده فأما عند أبي يوسف فقد حصل قبل هذه العوارض، والعبرة عنده للوضع فينبغي أن لا يفسدها، وفي الخانية أنها تفسد على ظاهر الجواب اتفاقا إلا أنه لا وضوء عليه في القهقهة، وكذا محاذاة المرأة لا تفسدها كما في صلاة الجنازة، ولو نام فيها لا تنتقض طهارته كالصلبية على الصحيح وسيأتي بقية أحكامها.

 

ج / 2 ص -189-       تجب بأربع عشرة آية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: تجب بأربع عشرة آية" أي تجب سجدة التلاوة بسبب تلاوة آية من أربع عشرة آية في أربع عشرة سورة وهي: الأعراف في آخرها والرعد والنحل وبني إسرائيل ومريم والأولى من الحج والفرقان والنمل والم تنزيل وص وحم السجدة والنجم والانشقاق والعلق هكذا كتب في مصحف عثمان، وهو المعتمد فهي أربع في النصف الأول وعشر في النصف الآخر، وإنما كانت واجبة لقوله عليه الصلاة والسلام
"السجدة على من سمعها" وعلى للإلزام ولما رواه مسلم عن أبي هريرة في الإيمان يرفعه "إذا قرأ ابن آدم السجدة اعتزل الشيطان يبكي يقول يا: ويله أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فامتنعت فلي النار" والأصل أن الحكيم إذا حكى عن غير الحكيم كلاما، ولم يعقبه بالإنكار كان دليل صحته فهذا ظاهر في الوجوب من أن آي السجدة تفيده أيضا؛ لأنها ثلاثة أقسام:
قسم فيه الأمر الصريح به.
وقسم تضمن حكاية استنكاف الكفرة حيث أمروا به.
وقسم فيه حكاية فعل الأنبياء السجود، وكل من الامتثال والاقتداء ومخالفة الكفرة واجب إلا أن يدل دليل في معين على عدم لزومه لكن دلالتها فيه ظنية فكان الثابت الوجوب لا الفرض والاتفاق على أن ثبوتها على المكلفين مقيد بالتلاوة لا مطلقا فلزم كذلك.
ثم هي واجبة على التراخي إن لم تكن صلاتية؛ لأن دلائل الوجوب مطلقة عن تعيين الوقت فيجب في جزء من الوقت غير عين ويتعين ذلك بتعيينه فعلا، وإنما يتضيق عليه الوجوب في آخر عمره كما في سائر الواجبات الموسعة وأما المتلوة في الصلاة فإنها تجب على سبيل التضييق لقيام دليل التضييق، وهو أنها وجبت بما هو من أفعال الصلاة وهو القراءة فالتحقت بأقوالها وصارت جزءا من أجزائها؛ ولهذا قلنا إذا تلا آية السجدة، ولم يسجد، ولم يركع حتى طالت القراءة ثم ركع ونوى السجدة لم تجز، وكذا إذا نواها في السجدة الصلبية؛ لأنها صارت دينا، والدين يقضى بما له لا بما عليه.

 

ج / 2 ص -190-       منها أولى الحج، وص
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما بيان من تجب عليه فكل من كان أهلا لوجوب الصلاة عليه إما أداء أو قضاء فهو من أهل وجوب السجدة عليه، ومن لا فلا؛ لأن السجدة جزء من أجزاء الصلاة فيشترط لوجوبها أهلية وجوب الصلاة من الإسلام والعقل والبلوغ والطهارة من الحيض والنفاس حتى لا تجب على كافر وصبي ومجنون وحائض ونفساء قرءوا أو سمعوا، وتجب على المحدث والجنب، وكذا تجب على السامع بتلاوة هؤلاء إلا المجنون لعدم أهليته لانعدام التمييز كالسماع من الصدى كذا في البدائع.
والصدى ما يعارض الصوت في الأماكن الخالية، وفي القنية ولا يجب على المحتضر الإيصاء بسجدة التلاوة وقيل يجب، ولا تجب نية التعيين في السجدات ا هـ.
وفي التجنيس وهل يكره تأخيرها عن وقت القراءة ذكر في بعض المواضع أنه إذا قرأها في الصلاة فتأخيرها مكروه، وإن قرأها خارج الصلاة لا يكره تأخيرها وذكر الطحاوي أن تأخيرها مكروه مطلقا، وهو الأصح ا هـ. وهي كراهة تنزيهية في غير الصلاتية؛ لأنها لو كانت تحريمية لكان وجوبها على الفور وليس كذلك.
"قوله: منها أولى الحج، وص" ذكرهما للاختلاف فيهما فقد نفى الشافعي السجود في"ص", ولم يخص الأولى من"الحج"بل قال إن الثانية منها أيضا فهي عنده أيضا أربع عشرة آية ونفى مالك السجود في المفصل وبيان الحجج معلوم في المطولات ولنا إلا بصدد تحرير المذهب غالبا، وفي التجنيس التالي والسامع ينظر كل واحد منهما إلى اعتقاد نفسه كالسجدة الثانية في سورة الحج ليس بموضع السجدة عندنا وعند الشافعي هو موضع السجدة ؛ لأن السامع ليس بتابع للتالي تحقيقا حتى يلزمه العمل برأيه؛ لأنه لا شركة بينهما ا هـ.
ثم في سورة حم السجدة عندنا السجدة عند قوله:
 {وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38]، وهو مذهب عبد الله بن عباس ووائل بن حجر وعند الشافعي عند قوله:  {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37]، وهو مذهب علي ومروي عن ابن مسعود وابن عمر ورجح أئمتنا الأول أخذا بالاحتياط عند اختلاف مذاهب الصحابة فإن السجدة لو وجبت عند قوله:  {تَعْبُدُونَ} فالتأخير إلى قوله:  {لا يَسْأَمُونَ} لا يضر ويخرج عن الواجب، ولو وجبت عند قوله:  {لا يَسْأَمُونَ} لكانت السجدة المؤداة قبله حاصلة قبل وجوبها ووجود سبب وجوبها فيوجب نقصانا في الصلاة لو كانت صلاتية، ولا نقص فيما قلنا أصلا وهذا هو أمارة التبحر في الفقه كذا في البدائع.

 

ج / 2 ص -191-       على من تلا، ولو إماما أو سمع، ولو غير قاصد أو مؤتما لا بتلاوته
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: على من تلا، ولو إماما أو سمع، ولو غير قاصد أو مؤتما لا بتلاوته" بيان لسببها، وهو أحد ثلاثة.
 التلاوة: ولو لم يوجد السماع كتلاوة الأصم.
والسماع: بتلاوة غيره.
والاقتداء بإمام تلاها، وإن لم يسمع المأموم تبعا لإمامه بأن قرأ الإمام سرا أو لم يكن حاضرا عند القراءة واقتدى به قبل أن يسجد لها؛ ولذا قالوا إن الأبكم إذا رأى قوما يسجدون لا يجب عليه السجود؛ لأنه لم يقرأ، ولم يسمع والمصنف جعل المؤتم معطوفا على غير قاصد فأفاد أن المؤتم يلزمه بسماعه، وليس كذلك، وإنما يلزمه باقتدائه، وإن لم يسمع فلو قال المصنف أو اقتدى معطوفا على تلا لكان أولى كما لا يخفى فقد قال في المجتبى الموجب لها أحد ثلاثة: التلاوة والسماع والائتمام، وإنما قال: ولو إماما لما أن المنقول في البدائع: أنه يكره للإمام أن يتلو آية السجدة في صلاة يخافت فيها بالقراءة فإنه لا ينفك عن مكروه من ترك السجدة إن لم يسجد أو التلبيس على القوم إن سجد ا هـ.
وكذا لا ينبغي أن لا يقرأها في الجمعة والعيدين لما ذكرنا كما في السراج الوهاج فربما يتوهم من ذلك عدم وجوبها على الإمام فصرح به نفيا له، وقد قدمنا شرائط الوجوب على التالي والسامع، وصحح المصنف في الكافي أن السبب في حق السامع التلاوة، والسماع شرط وسنحققه من بعد - إن شاء الله تعالى-.
وأطلق في التلاوة والسماع فشمل ما إذا كانت التلاوة بالعربية أو الفارسية، وهو في التالي بالاتفاق فهم أو لم يفهم وفي السامع عند أبي حنيفة بعد أن أخبر أنها آية السجدة وعندهما إن كان السامع يعلم أنه يقرأ القرآن فعليه السجدة وإلا فلا وفي البدائع وهذا غير سديد؛ لأنهما إن جعلا الفارسية قرآنا لزم الوجوب مطلقا كالعربية، وإن لم يجعلاها قرآنا لم يجب، وإن فهم.
وأطلق في السماع فشمل السامع ممن تجب عليه الصلاة أولا إلا المجنون كما قدمناه، وكذا الطير على المختار، وإن سمعها من نائم اختلفوا فيه والصحيح هو الوجوب كذا في الخانية.
وفي شرح المجمع لو قرأها السكران تجب عليه، وعلى من سمعها منه؛ لأن عقله اعتبر ثابتا زجرا له وأفاد بقوله لا بتلاوته أنه لا يجب على المأموم بتلاوته، ولا على السامع منه وأطلقه فشمل عدم السجود في الصلاة وبعد الفراغ عندهما وقال محمد يسجدونها إذا فرغوا؛

 

ج / 2 ص -192-       ولو سمعها المصلي من غيره سجد بعد الصلاة، ولو سجد فيها أعادها لا الصلاة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لأن السبب قد تقرر ولا مانع بخلاف حالة الصلاة؛ لأنه يؤدي إلى خلاف موضوع الإمامة لو تابعه الإمام أو التلاوة لو تابعه المؤتم، ولهما أن المقتدي محجور عن القراءة لنفاذ تصرف الإمام عليه وتصرف المحجور لا حكم له بخلاف الجنب والحائض؛ لأنهما منهيان عن القراءة إلا أنه لا يجب على الحائض بتلاوتها كما لا يجب بسماعها لانعدام أهلية الصلاة بخلاف الجنب وشمل أيضا من سمعها من المؤتم، وليس في الصلاة، وهو قول البعض وصحح في الهداية الوجوب؛ لأن الحجر ثبت في حقهم فلا يعدوهم، وتعقبه في غاية البيان بأنه لما علم أن هذا الشخص محجور عليه وجب عليه أن يقول بعدم وجوب السجود على السامع خارج الصلاة؛ لأنه قد ثبت من أصولنا أن تصرف المحجور، ولا حكم له ا هـ. وهو مردود؛ لأن تصرف المحجور لغيره صحيح كالصبي إذا حجر عليه يظهر في حقه لا في حق غيره حتى يصح تصرفه لغيره وذكر الشارح، ولو تلا آية السجدة في الركوع أو السجود أو التشهد لا يلزم السجود للحجر عن القراءة فيه قال المرغيناني وعندي أنها تجب وتتأدى فيه ا هـ. وذكر في المجتبى في الفرق بين الجنب والحائض وبين المقتدي أن القدر الذي يجب به السجدة مباح لهما على الأصح دون المقتدي.
"قوله: ولو سمعها المصلي من غيره سجد بعد الصلاة" لتحقق سببها، وهو السماع قيد بقوله بعد الصلاة؛ لأنه لا يسجدها فيها؛ لأنها ليست بصلاتية؛ لأن سماعه هذه السجدة ليس من أفعال الصلاة فيكون إدخالها فيها منهيا عنه؛ لأن المصلي عند اشتغاله بسجدة التلاوة كان مأمورا بإتمام ركن هو فيه أو بانتقال إلى ركن آخر فيكون منهيا عن هذه السجدة، فإن قيل يجب أن يسجدها قبل الفراغ؛ لأن سبب الوجوب السماع، وهو وجد في الصلاة ؟ قلنا نعم وجد فيها لكنه حصل بناء على التلاوة، والتلاوة حصلت خارج الصلاة فتؤدى خارجها.
"قوله: ولو سجد فيها أعادها لا الصلاة" أي أعاد السجدة، ولا يلزمه إعادة الصلاة؛ لأنها ناقصة للنهي فلا يتأدى بها الكامل وهذا؛ لأن حكم هذه التلاوة مؤخر إلى ما بعد الفراغ عن الصلاة فلا تصير سببا إلا بعده فلا يجوز تقديمه على سببه بخلاف ما لو تلاها في الأوقات المكروهة حيث يجوز أداؤها فيها، وإن كانت ناقصة لتحقق السبب للحال ومحل إعادتها ما إذا لم يقرأها المصلي السامع غير المؤتم وأما إن قرأها وسجد لها فيها فإنه لا إعادة عليه أما إن كانت تلاوتها سابقة على سماعها فهو ظاهر الرواية؛ لأن التلاوة الأولى من أفعال صلاته والثانية لا فحصلت الثانية تكرار الأولى من حيث الأصل والأولى باقية فجعل وصف الأولى للثانية فصارت من الصلاة فيكتفى بسجدة واحدة، وإن سمعها أولا من أجنبي ثم تلاها المصلي وسجد لها فيها ففيه روايتان وجزم في السراج الوهاج لا يعيدها ولو تلاها وسجد لها ثم أحدث

 

ج / 2 ص -193-       ولو سمع من إمام فائتم به قبل أن يسجد سجد معه وبعده لا، وإن لم يقتد سجدها ولم تقض الصلاتية خارجها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فذهب وتوضأ ثم عاد إلى مكانه وبنى على صلاته ثم قرأ ذلك الأجنبي تلك الآية فعلى هذا المصلي أن يسجدها إذا فرغ من صلاته؛ لأنه تحول عن مكانه فسمع الثانية بعد ما تبدل المجلس فرق بين هذا وبين ما إذا قرأ آية سجدة ثم سبقه الحدث فذهب، وتوضأ ثم جاء وقرأ مرة أخرى لا تلزمه سجدة، وإن قرأ الثانية بعدما تبدل المكان والفرق أن في المسألة الأولى المكان قد تبدل حقيقة وحكما أما الحقيقة فظاهر وأما الحكم فلأن السماع ليس من أفعالها بخلاف الثانية وتمامه في البدائع، وإنما لم يعد الصلاة؛ لأن زيادة ما دون الركعة لا يفسدها وقيده في التجنيس والمجتبى والولوالجية بأن لا يتابع المصلي السامع القارئ، فإن سجد القارئ فتابعه المصلي فيها فسدت صلاته للمتابعة ولا تجزئه السجدة عما سمع ا هـ. وقد قدمنا أن زيادة سجدة واحدة بنية المتابعة لغير إمامه مبطلة لصلاته.
وفي النوادر، ولو قرأ الإمام السجدة فسجد فظن القوم أنه ركع فبعضهم ركع وبعضهم ركع وسجد سجدة وبعضهم ركع وسجد سجدتين فمن ركع، ولم يسجد يرفض ركوعه ويسجد للتلاوة، ومن ركع وسجد فصلاته تامة وسجدته تجزئه عن سجدة التلاوة، ومن ركع وسجد سجدتين فصلاته فاسدة؛ لأنه انفرد بركعة واحدة تامة ا هـ. وذكر في الخلاصة في مسألة الكتاب لا تفسد صلاته هو الصحيح بناء على أن زيادة سجدة واحدة ساهيا أو سجدتين لا تفسد صلاته بالإجماع وإن كان عمدا فكذلك، وإن ذكر في الجامع الصغير أنه يفسد عند محمد وذلك ليس بصحيح ذكره الصدر الشهيد في المبسوط ا هـ.
"قوله: ولو سمع من إمام فائتم به قبل أن يسجد سجد معه وبعده لا" أي لو ائتم به بعد أن سجدها الإمام لا يسجدها؛ لأنه في الأول تابع له فيسجد معه، وإن لم يسمع، وفي الثاني صار مدركا لها بإدراك تلك الركعة كمن أدرك الإمام في ركوع ثالثة الوتر فإنه لا يقنت فيما يأتي به بعد فراغ الإمام قيد بقوله سجد معه؛ لأن الإمام لو لم يسجد لا يسجد المأموم، وإن سمعها؛ لأنه إن سجدها في الصلاة وحده صار مخالف إمامه، وإن سجد بعد الفراغ وهي صلاتية لا تقضى خارجها وأطلق في قوله وبعده لا فشمل ما إذا دخل معه في الركعة الثانية، فيه اختلاف وظاهر الهداية يقتضي أن يسجد لها بعد الفراغ؛ لأنه لما لم يدرك ركعة التلاوة لم يصر مدركا لها وليست صلاتية فيقضي خارجها وقيل هي صلاتية فلا تقضى خارجها.
"قوله: وإن لم يقتد سجدها" لتقرر السبب في حقه وعدم المانع.
"قوله: ولم تقض الصلاتية خارجها" أي خارج الصلاة؛ لأن السجدة المتلوة في الصلاة

 

ج / 2 ص -194-       ........................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أفضل من غيرها؛ لأن قراءة القرآن في الصلاة أفضل منها في غيرها فلم يجز أداؤها خارج الصلاة؛ لأن الكامل لا يتأدى بالناقص وهذا إذا لم تفسد الصلاة أما إن تلاها في الصلاة، ولم يسجد ثم فسدت الصلاة فعليه السجدة خارجها؛ لأنها لما فسدت بقي مجرد تلاوة فلم تكن صلاتية، ولو أداها فيها ثم فسدت لا يعيد السجدة؛ لأن بالمفسد لا يفسد جميع أجزاء الصلاة، وإنما يفسد الجزء المقارن فيمتنع البناء عليه كذا في القنية ويستثنى من فسادها ما إذا فسدت بالحيض.
قال في الخلاصة: المرأة إذا قرأت آية السجدة في صلاتها فلم تسجد حتى حاضت تسقط عنها السجدة، وفي فتح القدير ثم صواب النسبة فيه صلوية برد ألفه واوا وحذف التاء، وإذا كانوا قد حذفوها في نسبة المذكر إلى المؤنث كنسبة الرجل إلى بصرة مثلا فقالوا بصري لا بصرتي كي لا يجتمع تاءان في نسبة المؤنث فيقولون بصرتية فكيف بنسبة المؤنث إلى المؤنث ا هـ. وفي العناية أنه خطأ مستعمل، وهو عند الفقهاء خير من صواب نادر انتهى. ثم مقتضى قواعدهم أنه إذا لم يسجد في الصلاة حتى فرغ فإنه يأثم؛ لأنه لم يؤد الواجب، ولم يمكن قضاؤها لما ذكرنا وهذا من الواجبات الذي إذا فات وقته تقرر الإثم على المكلف، والمخرج له عنه التوبة كسائر الذنوب وإياك أن تفهم من قولهم بسقوطها عدم الإثم فإنه خطأ فاحش كما رأيت بعضهم يقع فيه ثم رأيت بعد ذلك التصريح به في البدائع قال وإذا لم يسجد لم يبق عليه إلا الإثم ومحل سقوطها ما إذا لم يركع لصلاته، ولم يسجد لها صلبية أما إن ركع أو سجد صلبية فإنه ينوب عنها إذا كان على الفور، ولم يذكره المصنف رحمه الله.
وحاصله على ما ذهب إليه الأصوليون أن الركوع ينوب عن سجدة التلاوة قياسا لما فيه من معنى الخضوع، ولا ينوب استحسانا؛ لأنه خلاف المأمور به وقدم القياس هنا على الاستحسان لقوة أثره الباطن وعكسه في المجتبى فقال: تلاها وركع للتلاوة مكان السجود يجزئه قياسا لا استحسانا والأصح أنه يجزئه استحسانا لا قياسا وبه قال علماؤنا ا هـ. ووجه الأصح أن القياس لا يقتضي عدم جوازه؛ لأنه الأمر الظاهر بالسجود، والركوع خلاف السجود ولكن الحق الأول لتصريح محمد به فإنه قال في الكتاب، فإن أراد أن يركع بالسجدة نفسها هل يجزئه ذلك قال أما في القياس فالركوع في ذلك، والسجدة سواء؛ لأن كل ذلك صلاة وأما في الاستحسان فينبغي له أن يسجد وبالقياس نأخذ ا هـ.
وحاصله على ما ذكره الفقهاء كما في البدائع ملخصا أن المتلوة خارج الصلاة تؤدى على نعت سجدات الصلاة المتلوة في الصلاة، الأفضل أن يسجد لها ثم إذا سجد وقام يكره له أن يركع كما رفع رأسه سواء كان آية السجدة في وسط السورة أو عند ختمها، وبقي بعدها إلى الختم

 

ج / 2 ص -195-       ........................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قدر آيتين أو ثلاث فينبغي أن يقرأ ثم يركع فينظر إن كانت الآية في الوسط فإنه ينبغي أن يختمها ثم يركع، وإن كانت عند الختم فينبغي أن يقرأ آيات من سورة أخرى ثم يركع، وإن كان بقي إلى الختم قدر آيتين أو ثلاث كما في بني إسرائيل وإذا السماء انشقت ينبغي أن يقرأ بقية السورة ثم يركع، فإن وصل إليها سورة أخرى فهو أفضل، ولو لم يسجد، وإنما ركع ذكر في الأصل أن القياس أنهما سواء والاستحسان أنه لا يجزئه وبالقياس نأخذ والتفاوت ما بينهما أن ما ظهر من المعاني فقياس، وما خفي فاستحسان ولا ترجيح في الخفي لخفائه ولا للظاهر لظهوره فيرجع إلى طلب الرجحان إلى ما اقترن بهما من المعاني فمتى قوي الخفي أخذوا به ومتى قوي الظاهر أخذوا به وهاهنا قوي دليل القياس فأخذوا به لما روي عن ابن مسعود وابن عمر أنهما أجازا أن يركع عن السجود في الصلاة، ولم يرد عن غيرهما خلافه فكان كالإجماع ثم اختلفوا في محل القياس والاستحسان فذكر العامة أنه في إقامة الركوع مقام السجدة في الصلاة وقال بعضهم إنه خارج الصلاة بأن تلاها في غير الصلاة فركع، وليس هذا بسديد بل لا يجزئه ذلك قياسا واستحسانا؛ لأن الركوع خارج الصلاة لم يجعل قربة فلا ينوب مناب القربة وعن محمد بن سلمة أن السجدة الصلبية هي التي تقوم مقام سجدة التلاوة لا الركوع ويرده ما صرح به محمد في الكتاب كما أسلفناه، ولو لم يركع حتى طالت القراءة لم يجز، وإن نواه عن السجدة، وكذا السجدة الصلبية لا تنوب عنها إذا طالت القراءة؛ لأنها صارت دينا لوجوبها مضيقا والدين يقضى بما له لا بما عليه والركوع والسجود عليه فلا يتأدى به الدين وإذا لم تطل القراءة لا يحتاج الركوع أو السجدة الصلبية في إقامتها عن سجود التلاوة إلى النية فالفرض ينوب عن تحية المسجد، وإن لم ينو، ومن المشايخ من قال يحتاج إلى النية وذكر الإسبيجابي أنه لو لم توجد النية منه عند الركوع لا يجزئه، ولو نوى في الركوع فيه قولان، ولو نوى بعد رفع الرأس منه لا يجوز بالإجماع وأكثر المشايخ لم يقدروا لطول القراءة شيئا فكان الظاهر أنهم فوضوا ذلك إلى رأي المجتهد وبعضهم قالوا: إن قرأ آية أو آيتين لم تطل وإن قرأ ثلاثا طالت وصارت بمحل القضاء والظاهر أن الثلاث لا تعدم الفور ا هـ. واختار قاضي خان أن الركوع خارج الصلاة ينوب

 

ج / 2 ص -196-       ولو تلاها خارج الصلاة فسجد وأعادها فيها سجد أخرى. وإن لم يسجد أولاً كفته واحدة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عنها، وفي المجتبى، وإنما ينوب الركوع عنها بشرطين.
أحدهما: النية.
والثاني: أن لا يتخلل بين التلاوة والركوع ثلاث آيات إلا إذا كانت الآيات الثلاث من آخر السورة كبني إسرائيل وإذا السماء انشقت ا هـ. واختلف فيما إذا ركع على الفور للصلاة وسجد هل المجزئ عن سجدة التلاوة الركوع أو السجود فقيل الركوع؛ لأنه أقرب، وقيل السجود؛ لأن الركوع بدون النية لا يجزئ، وفي السجود اختلاف وفائدته تظهر فيما إذا تلا الفاتحة وعشرين آية مثلا، آخرها آية السجدة وركع عقبها ثم رفع رأسه وقرأ عشر آيات مثلا ثم سجد، ولم يكن نواها في الركوع يجب عليه سجدة التلاوة على حدة أما إذا سجد عقب الركوع فإنه خرج عن العهدة لا محالة في ظاهر الرواية نواها في الركوع أو لم ينو ا هـ.
وفي القنية، ولو نواها في الركوع عقب التلاوة، ولم ينوها المقتدي لا ينوب عنه ويسجد إذا سلم الإمام ويعيد القعدة، ولو تركها تفسد صلاته ا هـ. ثم قال السجود أولى من الركوع لها في صلاة الجهر دون المخافتة وقيد المصنف بكونها لا تقضى خارجها؛ لأنه لو أخرها من ركعة إلى ركعة فإنها تقضى ما دام في الصلاة؛ لأن الصلاة واحدة لكن لا يلزم جواز التأخير بل المراد الإجزاء لما في البدائع من أنها واجبة على الفور، وأنه إذا أخرها حتى طالت القراءة تصير قضاء ويأثم؛ لأن هذه السجدة صارت من أفعال الصلاة ملحقة بنفس التلاوة؛ ولذا فعلت فيها مع أنها ليست من أصل الصلاة بل زائدة بخلاف غير الصلاتية فإنها واجبة على التراخي على ما هو المختار. ا هـ.
"قوله: ولو تلاها خارج الصلاة فسجد وأعادها فيها" أي أعاد تلاوتها في الصلاة"سجد أخرى"؛ لأن الصلاتية أقوى فلا تكون تبعا للأضعف.
"قوله: وإن لم يسجد أولا كفته واحدة" وهي صلاتية تنوب عنها وعن الخارجية؛ لأن المجلس متحد والصلاتية أقوى فصارت الأولى تبعا لها فلو لم يسجد في الصلاة سقطتا؛ لأن الخارجية أخذت حكم الصلاتية فسقطت تبعا لها أراد بالاكتفاء أن يكون بشرط اتحاد المجلس، فإن تبدل مجلس التلاوة مع مجلس الصلاة فلكل سجدة، وإنما أفردها بالذكر مع دخولها تحت قوله كمن كررها في مجلس لا في مجلسين لمخالفتها لها في أنه إذا سجد للخارجية لا تكفي عن الصلاتية بخلاف ما إذا لم تكن صلاتية وسجد للأولى ثم أعادها فإن السجدة السابقة تكفي.
والحاصل أنه يجب التداخل في هذه على وجه تكون الثانية مستتبعة للأولى إن لم يسجد للأولى؛ لأن اتحاد المجلس يوجب التداخل، وكون الثانية قوية منع من جعل الأولى مستتبعة إذ استتباع الضعيف للقوي عكس المعقول ونقض للأصول فوجب التداخل على الوجه المذكور،

 

ج / 2 ص -197-       كمن كررها في مجلس لا في مجلسين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأشار إلى أنه لو تلاها المصلي بعدما سمعها من غيره مرة أو مرارا تكفيه سجدة واحدة وقيد بكون الأولى تلاها خارج الصلاة؛ لأنه لو قرأها في الصلاة أولا ثم سلم فأعادها في مكانه ذكر في كتاب الصلاة أنه يلزمه أخرى؛ لأن المتلوة في الصلاة لا وجود لها لا حقيقة، ولا حكما والموجود هو الذي يستتبع دون المعدوم بخلاف ما إذا كانت الأولى خارجة وأنها باقية بعد التلاوة حكما وذكر في النوادر وأنه لا يلزمه ووفق الزاهد السرخسي بينهما بحمل الأولى على ما إذا أعادها بعد الكلام وحمل الثاني على ما إذا كان قبله فلو لم يسجدها في الصلاة حتى سجدها الآن قال في الأصل أجزأه هاهنا، وهو محمول على ما إذا أعادها بعد السلام قبل الكلام؛ لأنه لم يخرج عن حرمة الصلاة فكأنه كررها في الصلاة وسجد إذ لا يستقيم هذا الجواب فيما إذا أعادها بعد الكلام؛ لأن الصلاتية قد سقطت عنه بالكلام كذا في البدائع وصحح التوفيق في المحيط وهذا يفيد أن الصلاتية تقضى بعد السلام قبل أن يتكلم وإن لم يأت بمناف لحرمتها فينبغي أن يقيد قولهم الصلاتية لا تقضى خارجها بهذا وأن يراد بالخارج الخارج عن حرمتها.
"قوله: كمن كررها في مجلس لا في مجلسين" فإنه يكفيه واحدة في الأول دون الثاني والأصل فيه ما روي أن جبريل عليه السلام كان ينزل بالوحي فيقرأ آية السجدة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله كان يسمع ويتلقن ثم يقرأ على أصحابه وكان لا يسجد إلا مرة واحدة، وهو مروي عن عدة من الصحابة ولأن المجلس جامع المتفرقات ولأن في إيجاب السجدة لكل تلاوة حرجا خصوصا للمعلمين والمتعلمين، وهو منفي بالنص قيد بسجدة التلاوة؛ لأن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بأن سمعه أو ذكره في مجلس واحد مرارا فيها اختلاف فبعضهم قاسها عليها وبعضهم منعه وأوجبها لكل مرة؛ لأنه من حقوق العباد، ولا تداخل فيها، وهو جفاء له كما ورد في الحديث وقدمنا ترجيحه وأما تشميت من عطس في مجلس واحد مرارا فأوجبه بعضهم كل مرة والصحيح أنه إن زاد على الثلاث لا يشمته لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال للعاطس في مجلسه بعد الثلاث قم فانتثر فإنك مزكوم وفي المجتبى ولا خلاف في وجوب تعظيم اسمه تعالى عند ذكره في كل مرة.

 

ج / 2 ص -198-       ........................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأطلقه فشمل ما إذا تلا مرارا ثم سجدوا ما إذا تلا وسجد ثم تلا بعده مرارا في مجلس واحد، وهو تداخل في السبب دون الحكم ومعناه أن يجعل التلاوة المتعددة كتلاوة واحدة تكون الواحدة منها سببا والباقي تبع لها وهو أليق بالعبادات إذ السبب متى تحقق لا يجوز ترك حكمه؛ ولهذا يحكم بوجوبها في موضع الاحتياط حتى تبرأ ذمته بيقين والتداخل في الحكم أليق في العقوبات؛ لأنها شرعت للزجر فهو ينزجر بواحدة فيحصل المقصود فلا حاجة إلى الثانية، والفرق بينهما أن التداخل في السبب ينوب فيه الواحدة عما قبلها وعما بعدها، وفي التداخل في الحكم لا تنوب إلا عما قبلها حتى لو زنى ثم زنى في المجلس يحد ثانيا بخلاف حد القذف إذا أقيم مرة ثم قذفه مرارا لم يحد؛ لأن العار قد اندفع بالأول لظهور كذبه وقيد بكون الآية واحدة؛ لأن من قرأ القرآن كله في مجلس واحد لزمه أربع عشرة سجدة؛ لأن المجلس لا يجعل الكلمات المختلفة الجنس بمنزلة كلام واحد كمن أقر لإنسان بألف درهم ولآخر بمائة دينار ولعبده بالعتق لا يجعل المجلس الواحد الكل إقرارا واحدا، وكذا الحرج منتف وأطلق في المجلس فشمل ما إذا طال فإنه لا يتبدل به حتى لو تلاها في الجامع في زاوية ثم تلاها في زاوية أخرى لا يجب عليه إلا سجدة واحدة وكذلك حكم السماع وكذلك البيت والمحمل والسفينة في حكم التلاوة والسماع سواء كانت السفينة واقفة أو جارية وكذلك لا يختلف بمجرد القيام ولا بخطوة وخطوتين وكلمة أو كلمتين، ولا بلقمة أو لقمتين بخلاف ما إذا كان كثيرا وبخلاف ما إذا نام مضطجعا أو باع ونحوه فإنه يتبدل المجلس وكذا لو أرضعت صبيا وكل عمل يعلم أنه قطع للمجلس بخلاف التسبيح ونحوه فإنه ليس بقاطع كالنوم قاعدا وفي الدوس وتسدية الثوب ورحا الطحن والانتقال من غصن إلى غصن والسبح في نهر أو حوض يتكرر على الأصح، ولو كررها راكبا على الدابة وهي تسير يتكرر إلا إذا كان في الصلاة؛ لأن الصلاة جامعة للأماكن إذ الحكم بصحة الصلاة دليل اتحاد المكان قالوا إذا كان معه غلام يمشي، وهو في الصلاة راكبا وكررها تكرر الوجوب على الغلام دون الراكب وهذا إذا كان في ركعة واحدة وأما إذا كان كررها في ركعتين فالقياس أن تكفيه واحدة، وهو قول أبي يوسف الأخير، وفي

 

ج / 2 ص -199-       ........................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاستحسان أن يلزمه لكل تلاوة سجدة وهو قول أبي يوسف الأول وهو قول محمد.
وهذه من المسائل الثلاث التي رجع فيها أبو يوسف عن الاستحسان إلى القياس إحداها هذه.
والثانية أن الرهن بمهر المثل لا يكون رهنا بالمتعة قياسا وهو قول أبي يوسف الأخير، وفي الاستحسان أن يكون رهنا بها، وهو قوله الأول وقول محمد.
والثالثة إذا جنى العبد جناية فيما دون النفس واختار المولى الفداء ثم مات المجني عليه القياس أن يخير المولى ثانيا، وهو قوله الأخير، وفي الاستحسان لا يخير، وهو قوله الأول وقول محمد، وعلى هذا الخلاف إذا صلى على الأرض وقرأ آية السجدة في ركعتين، ولو سمعها المصلي الراكب من رجل ثم سارت الدابة ثم سمعها ثانيا عليه سجدتان هو الصحيح؛ لأنها ليست بصلاتية، ولو سارت الدابة ثم نزل فتلاها أخرى يلزمه أخرى كذا في المحيط.
وفي فتح القدير واعلم أن تكرار الوجوب في التسدية بناء على المعتاد في بلادهم من أنها أن يغرس الحائك خشبات يسوي فيها السدى ذاهبا وآيبا أما على ما هي ببلاد الإسكندرية وغيرها بأن يدبرها على دائرة عظمى، وهو جالس في مكان واحد فلا يتكرر الوجوب ا هـ.
فالحاصل أن اختلاف المجلس حقيقي باختلاف المكان، وحكمي باختلاف الفعل، ولو تبدل مجلس السامع دون التالي تكرر الوجوب على السامع واختلفوا في عكسه والأصح أنه لا يتكرر على السامع؛ لأن السبب في حقه السماع، ولم يتبدل مجلسه فيه، وعلى ما صححه المصنف في الكافي من أن السبب في حقه التلاوة والسماع شرط يتكرر الوجوب عليه؛ لأن الحكم يضاف إلى السبب لا الشرط، وإنما تكرر الوجوب عليه في المسألة الأولى مع اتحاد مجلس السبب؛ لأن الشرع أبطل تعدد التلاوة المتكررة في حق التالي حكما لاتحاد مجلسه لا حقيقة فلم يظهر ذلك في حق السامع فاعتبرت حقيقة التعدد فتكرر الوجوب فعلى هذا يتكرر على السامع إما بتبدل مجلسه أو بتبدل مجلس التالي، وفي القنية تلا آية السجدة ويريد أن يكررها للتعليم في المجلس فالأولى أن يبادر فيسجد ثم يكرر ا هـ. وقد يقال إن الأولى أن يكررها ثم يسجد آخرا لما أن بعضهم قال: إن التداخل في الحكم لا في السبب حتى لو سجد للأولى ثم أعادها لزمته أخرى كحد الشرب والزنا نقله في المجتبى فالاحتياط على هذا التأخير كما لا يخفى، وفي القنية أيضا، ولو صليا على الدابة فقرأ أحدهما آية السجدة في الصلاة مرة، والآخر في صلاته مرتين وسمع كلاهما من صاحبه فعلى من تلاها مرتين سجدة واحدة خارج الصلاة،

 

ج / 2 ص -200-       وكيفيته أن يسجد بشرائط الصلاة بين تكبيرتين بلا رفع يد وتشهد وتسليم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعلى صاحبه سجدتان. ا هـ. وقد يقال: بل الواجب على من تلاها مرتين سجدتان أيضا صلاتية بتلاوته وخارجية بتلاوة صاحبه ثم رأيته - بحمد الله تعالى - في فتاوى قاضي خان أن على كل منهما سجدتين صلاتية بتلاوته وخارجية بسماعه من صاحبه، وأطال الكلام في بيانه فراجعه.
"قوله: وكيفيته أن يسجد بشرائط الصلاة بين تكبيرتين بلا رفع يد وتشهد وتسليم" أي وكيفية السجود وقدمنا أنه يستثنى من شرائط الصلاة التحريمة والمراد بالتكبيرتين تكبيرة الوضع وتكبيرة الرفع وكل منهما سنة كما صححه في البدائع لحديث أبي داود في السنن من فعله عليه الصلاة والسلام كذلك، وإنما لا يرفع يديه عند التكبيرة؛ لأن هذا التكبير مفعول لأجل الانحطاط لا للتحريمة كما في سجود الصلاة، وكذا التكبير للرفع كما في سجود الصلاة، وهو المروي من فعله عليه السلام وابن مسعود من بعده، وإنما لا يتشهد، ولا يسلم؛ لأنه للتحليل، وهو يستدعي سبق التحريمة وهي معدومة واختلفوا فيما يقوله في هذه السجدة والأصح أنه يقول: سبحان ربي الأعلى ثلاثا كسجدة الصلاة ولا ينقص منها وينبغي أن لا يكون ما صحح على عمومه، فإن كانت السجدة في الصلاة، فإن كانت فريضة قال سبحان ربي الأعلى أو نفلا قال ما شاء مما ورد كسجد وجهي للذي خلقه إلى آخره وقوله: اللهم اكتب لي بها عندك أجرا وضع عني بها وزرا واجعلها لي عندك ذخرا وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود وإن كان خارج الصلاة قال كل ما أثر من ذلك كذا في فتح القدير ومما يستحب لأدائها أن يقوم فيسجد؛ لأن الخرور سقوط من القيام والقرآن ورد به وهو مروي عن عائشة رضي الله عنها، وإن لم يفعل لم يضره، وما وقع في السراج الوهاج من أنه إذا كان قاعدا لا يقوم لها فخلاف المذهب، وفي المضمرات يستحب أن يقوم ويسجد ويقوم بعد رفع الرأس من السجدة ولا يقعد ا هـ. والثاني غريب وأفاد في القنية أنه يقوم لها وإن كانت كثيرة وأراد أن يسجدها مترادفة ومن المستحب أن يتقدم التالي ويصف القوم خلفه فيسجدون، ويستحب أن لا يرفع القوم رءوسهم قبله وليس هو اقتداء له حقيقة؛ لأنه لو فسدت سجدة لإمام بسبب، لا يتعدى إليهم، وفي المجتبى معزيا إلى شيخ الإسلام: لا يؤمر التالي بالتقديم ولا بالصف ولكنه يسجد ويسجدون معه حيث كانوا وكيف

 

 

ج / 2 ص -201-       وكره أن يقرأ سورة ويدع آية السجدة لا عكسه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانوا وذكر أبو بكر أن المرأة تصلح إماما للرجل فيها ا هـ.
وفي السراج الوهاج ثم إذا أراد السجود ينويها بقلبه ويقول بلسانه: أسجد لله سجدة التلاوة الله أكبر كما يقول أصلي لله تعالى صلاة كذا.
"قوله: وكره أن يقرأ سورة ويدع آية السجدة لا عكسه"؛ لأنه يشبه الاستنكاف عنها عمدا في الأول، وفي الثاني مبادرا لها قال محمد: وأحب إلي أن يقرأ قبلها آية أو آيتين وذكر قاضي خان إن قرأ معها آية وآيتين فهو أحب وهذا أعم من الأول لصدقه بما إذا قرأ بعدها آية أو آيتين بخلاف الأول وعلله بقوله دفعا لوهم التفضيل أي تفضيل آي السجدة على غيرها إذ لكل من حيث إنه كلام الله تعالى في رتبة، وإن كان لبعضها بسبب اشتماله على ذكر صفات الحق جل جلاله زيادة فضيلة باعتبار المذكور لا باعتباره من حيث هو قرآن، وفي الكافي قيل: من قرأ آي السجدة كلها في مجلس واحد وسجد لكل منها كفاه الله ما أهمه، وما ذكر في البدائع في كراهة ترك آية السجدة من سورة يقرؤها؛ لأن فيه قطعا لنظم القرآن وتغييرا لتأليفه، واتباع النظم والتأليف مأمور به قال الله تعالى:
 {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة:18] أي تأليفه فكان التغيير مكروها يقتضي كراهة ذلك كذا في فتح القدير وأقول: وإن كان ذلك مقتضاه لكن صرح بعده في البدائع بخلافه فقال: ولو قرأ آية السجدة من بين السور لم يضره ذلك؛ لأنها من القرآن، وقراءة ما هو من القرآن طاعة كقراءة سورة من بين السور وقيده قاضي خان بأن يكون في غير الصلاة فظاهر أنه لو كان في الصلاة كره فهو مقيد لقوله لا عكسه ثم قال في البدائع، ولو قرأ آية السجدة وعنده ناس، فإن كانوا متوضئين متأهبين للسجدة قرأها جهرا، وإن كانوا غير متأهبين ينبغي أن يخفض قراءتها؛ لأنه لو جهر بها لصار موجبا عليهم شيئا ربما يتكاسلون عن أدائه فيقعون في المعصية ا هـ. وذكر الشارح، ولو قرأ آية السجدة إلا الحرف الذي في آخرها لا يسجد، ولو قرأ الحرف الذي يسجد فيه وحده لا يسجد إلا أن يقرأ أكثر آية السجدة بحرف السجدة، وفي مختصر البحر لو قرأ واسجد وسكت، ولم يقرأ واقترب تلزمه السجدة ا هـ.
وفي فتاوى قاضي خان رجل سمع آية السجدة من قوم من كل واحد منهم حرفا ليس عليه أن يسجد؛ لأنه لم يسمعها من تال - والله سبحانه أعلم وبعباده أرحم.

 

ج / 2 ص -202-       13- باب المسافر
من جاوز بيوت مصره مريدا سيرا وسطا ثلاثة أيام في بر أو بحر أو جبل قصر الفرض الرباعي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
13- باب المسافر
أي باب صلاة المسافر؛ لأن الكلام في أبواب الصلاة، ولا شك أن السفر عارض مكتسب كالتلاوة وإلا أن التلاوة عارض هو عبادة في نفسه إلا بعارض بخلاف السفر إلا بعارض فلذا أخر هذا الباب عن ذاك.
والسفر لغة قطع المسافة من غير تقدير بمدة؛ لأنه عبارة عن الظهور؛ ولهذا حمل أصحابنا رحمهم الله قوله صلى الله عليه وسلم:
"ليس على الفقير والمسافر أضحية" على الخروج من بلد أو قرية حتى سقط الأضحية بذلك القدر كذا في المجتبى، وذكر في غاية البيان والسراج الوهاج أن من الأحكام التي تغيرت بالسفر الشرعي سقوط الأضحية وجعله كالقصر وظاهره أنها لا تسقط إلا بالسفر الشرعي وسيأتي تحقيقه - إن شاء الله تعالى - في محله، والإضافة في صلاة المسافر إضافة الشيء إلى شرطه والفعل إلى فاعله.
"قوله: من جاوز بيوت مصره مريدا سيرا وسطا ثلاثة أيام في بر أو بحر أو جبل قصر الفرض الرباعي" بيان للموضع الذي يبتدأ فيه القصر ولشرط القصر ومدته وحكمه.
أما الأول فهو مجاوزة بيوت المصر لما صح عنه عليه السلام: أنه قصر العصر بذي الحليفة. وعن علي أنه خرج من البصرة فصلى الظهر أربعا ثم قال: إنا لو جاوزنا هذا الخص لصلينا ركعتين والخص بالخاء المعجمة والصاد المهملة بيت من قصب كذا ضبطه في السراج الوهاج ويدخل في بيوت المصر ربضه، وهو ما حول المدينة من بيوت ومساكن ويقال لحرم المسجد ربض أيضا وظاهر كلام المصنف أنه لا يشترط مجاوزة القرية المتصلة بربض المصر، وفيه اختلاف وظاهر المجتبى ترجيح عدم الاشتراط، وهو الذي يفيده كلام أصحاب المتون،

 

ج / 2 ص -203-       ........................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كالهداية أيضا وجزم في فتح القدير بالاشتراط واعترض به على الهداية وصحح قاضي خان في فتاويه أنه لا بد من مجاوزة القرية المتصلة بربض المصر بخلاف القرية المتصلة بفناء المصر فإنه يعتبر مجاوزة الفناء لا القرية، ولم يذكر المصنف مجاوزة الفناء للاختلاف وفصل قاضي خان في فتاواه فقال: إن كان بينه وبين المصر أقل من قدر غلوة، ولم يكن بينهما مزرعة يعتبر مجاوزة الفناء أيضا، وإن كانت بينهما مزرعة أو كانت المسافة بينه وبين المصر قدر غلوة يعتبر مجاوزة عمران المصر ا هـ.
وأطلق في المجاوزة فانصرفت من الجانب الذي خرج منه، ولا يعتبر مجاوزة محلة بحذائه من الجانب الآخر، فإن كانت في الجانب الذي خرج منه محلة منفصلة عن المصر، وفي القديم كانت متصلة بالمصر لا يقصر الصلاة حتى يجاوز تلك المحلة كذا في الخلاصة، وذكر في المجتبى أن قدر الغلوة ثلثمائة ذراع إلى أربعمائة، وهو الأصح وفي المحيط وكذا إذا عاد من سفره إلى مصر لم يتم حتى يدخل العمران.
وأما الثاني فهو أن يقصد مسيرة ثلاثة أيام فلو طاف الدنيا من غير قصد إلى قطع مسيرة ثلاثة أيام لا يترخص، وعلى هذا قالوا: أمير خرج مع جيشه في طلب العدو، ولم يعلم أين يدركهم فإنهم يصلون صلاة الإقامة في الذهاب، وإن طالت المدة وكذلك المكث في ذلك الموضع أما في الرجوع، فإن كانت مدة سفر قصروا، وعلى اعتبار القصد تفرع في صبي ونصراني خرجا قاصدين مسيرة ثلاثة أيام ففي أثنائها بلغ الصبي وأسلم الكافر يقصر الذي أسلم فيما بقي ويتم الذي بلغ لعدم صحة القصد والنية من الصبي حين أنشأ السفر بخلاف النصراني والباقي بعد صحة النية أقل من ثلاثة أيام وسيأتي أيضا، وإنما اكتفى بالنية في الإقامة واشترط العمل معها في السفر لما أن في السفر الحاجة إلى الفعل، وهو لا يكفيه مجرد النية ما لم يقارنها عمل من ركوب أو مشي كالصائم إذا نوى الإفطار لا يكون مفطرا ما لم يفطر، وفي الإقامة الحاجة إلى ترك الفعل، وفي الترك يكفي مجرد النية كعبد التجارة إذا نواه للخدمة.
وأشار المصنف إلى أن النية لا بد أن تكون قبل الصلاة؛ ولذا قال في التجنيس إذا افتتح الصلاة في السفينة حال إقامته في طرف البحر فنقلها الريح، وهو في السفينة ونوى السفر يتم صلاة المقيم عند أبي يوسف خلافا لمحمد؛ لأنه اجتمع في هذه الصلاة ما يوجب الأربع وما يمنع فرجحنا ما يوجب الأربع احتياطا ا هـ. وفيه أيضا ومن حمل غيره ليذهب معه والمحمول لا يدري أين يذهب معه فإنه يتم الصلاة حتى يسير ثلاثا؛ لأنه لم يظهر المغير وإذا سار ثلاثا فحينئذ قصر؛ لأنه وجب عليه القصر من حين حمله، ولو كان صلى ركعتين من يوم حمل وسار به مسيرة ثلاثة

 

ج / 2 ص -204-       ........................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أيام فإن صلاته تجزئه، وإن سار به أقل من مسيرة ثلاثة أيام أعاد كل صلاة صلاها ركعتين؛ لأنه تبين أنه صلى صلاة المسافرين، وهو مقيم، وفي الوجه الأول تبين أنه مسافر ا هـ. ففي هذه المسألة يكون مسافرا بغير قصد، وهو غير مشكل لما سيأتي أن الاعتبار بنية المتبوع لا التابع، وأما التقدير بثلاثة أيام فهو ظاهر المذهب، وهو الصحيح لإشارة قوله صلى الله عليه وسلم
"يمسح المقيم يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام" عم الرخصة الجنس، ومن ضرورته عموم التقدير، وتمام تحقيقه في فتح القدير.
والمراد باليوم النهار دون الليل؛ لأن الليل للاستراحة فلا يعتبر والمراد ثلاثة أيام من أقصر أيام السنة وهل يشترط سفر كل يوم إلى الليل اختلفوا فيه والصحيح أنه لا يشترط حتى لو بكر في اليوم الأول ومشى إلى الزوال ثم في اليوم الثاني كذلك ثم في اليوم الثالث كذلك فإنه يصير مسافرا؛ لأن المسافر لا بد له من النزول لاستراحة نفسه ودابته فلا يشترط أن يسافر من الفجر إلى الفجر؛ لأن الآدمي لا يطيق ذلك، وكذلك الدواب فألحقت مدة الاستراحة بمدة السفر لأجل الضرورة كذا في السراج الوهاج وبه اندفع ما في فتح القدير؛ لأن أقل اليوم إذا كان ملحقا بأكثره للضرورة لم يكن فيه مخالفة للحديث المفيد للثلاثة كما أن الليل للاستراحة، وهو مذكور في الحديث.
وأشار المصنف إلى أنه لا اعتبار بالفراسخ، وهو الصحيح؛ لأن الطريق لو كان وعرا بحيث يقطع في ثلاثة أيام أقل من خمسة عشر فرسخا قصر بالنص، وعلى التقدير بها لا يقصر فيعارض النص فلا يعتبر سوى سير الثلاثة، وفي النهاية الفتوى على اعتبار ثمانية عشر فرسخا، وفي المجتبى فتوى أكثر أئمة خوارزم على خمسة عشر فرسخا ا هـ. وأنا أتعجب من فتواهم في هذا وأمثاله بما يخالف مذهب الإمام خصوصا المخالف للنص الصريح وفي فتاوى قاضي خان أن الرجل إذا قصد بلده وإلى مقصده طريقان: أحدهما مسيرة ثلاثة أيام ولياليها، والآخر دونها فسلك الطريق الأبعد كان مسافرا عندنا ا هـ. وإن سلك الأقصر يتم وهذا جواب واقعة الملاحين بخوارزم فإن من الجرجانية إلى مدانق اثني عشر فرسخا في البر، وفي جيحون أكثر من عشرين فرسخا فجاز لركاب السفينة والملاحين القصر والإفطار فيه صاعدا ومنحدرا كذا في المجتبى.
وذكر الإسبيجابي: المقيم إذا قصد مصرا من الأمصار، وهو ما دون مسيرة ثلاثة أيام لا يكون

 

ج / 2 ص -205-       ........................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسافرا، ولو أنه خرج من ذلك المصر الذي قصد إلى مصر آخر، وهو أيضا أقل من ثلاثة أيام فإنه لا يكون مسافرا، وإن طاف آفاق الدنيا على هذا السبيل لا يكون مسافرا ا هـ.
وفي السراج الوهاج إذا كانت المسافة ثلاثة أيام بالسير المعتاد فسار إليها على البريد سيرا مسرعا أو على الفرس جريا حثيثا فوصل في يومين قصر ا هـ. والمراد بسير البر والجبل أن يكون بالإبل ومشي الأقدام والمراد بالإبل إبل القافلة دون البريد وأما السير في البحر فيعتبر ما يليق بحاله، وهو أن يكون مسافة ثلاثة فيه إذا كانت تلك الرياح معتدلة، وإن كانت تلك المسافة بحيث تقطع في البر في يوم كما في الجبل يعتبر كونها من طريق الجبل بالسير الوسط ثلاثة أيام، وإن كانت تقطع من طريق السهل بيوم.
فالحاصل أن تعتبر المدة من أي طريق أخذ فيه؛ ولهذا عمم المصنف رحمه الله وخرج سير البقر بجر العجلة ونحوه؛ لأنه أبطأ السير كما أن أسرعه سير الفرس والبريد والوسط ما ذكرنا، وفي البدائع ثم يعتبر في كل ذلك السير المعتاد فيه وذلك معلوم عند الناس فيرجع إليهم عند الاشتباه.
وأما الثالث أعني حكم السفر فهو تغيير بعض الأحكام فذكر المصنف منها قصر الصلاة والمراد وجوب قصرها حتى لو أتم فإنه آثم عاص؛ لأن الفرض عندنا من ذوات الأربع ركعتان في حقه لا غير ومن مشايخنا من لقب المسألة بأن القصر عندنا عزيمة وإلا كمال رخصة قال في البدائع وهذا التقليب على أصلنا خطأ؛ لأن الركعتين في حقه ليستا قصرا حقيقة عندنا بل هما تمام فرض المسافر وإلا كمال ليس رخصة في حقه بل إساءة ومخالفة للسنة ولأن الرخصة اسم لما تغير عن الحكم الأصلي بعارض إلى تخفيف ويسر، ولم يوجد معنى التغيير في حق المسافر رأسا إذ الصلاة في الأصل فرضت ركعتين في حق المقيم والمسافر ثم زيدت ركعتين في حق المقيم كما روته عائشة رضي الله عنها فانعدم معنى التغيير في حقه أصلا، وفي حق المقيم وجد التغيير لكن إلى الغلظ والشدة لا إلى السهولة واليسر، والرخصة تنبئ عن

 

ج / 2 ص -206-       فلو أتم وقعد في الثانية صح وإلا لا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذلك فلم يكن ذلك رخصة حقيقة في حق المقيم أيضا، ولو سمى فإنما هو مجاز لوجود بعض معاني الحقيقة، وهو التغيير ا هـ. فعلى هذا لو قال في جواب الشرط صلى الفرض الرباعي ركعتين لكان أولى وقيد بالفرض؛ لأنه لا قصر في الوتر والسنن واختلفوا في ترك السنن في السفر فقيل: الأفضل هو الترك ترخيصا وقيل الفعل تقربا وقال الهندواني: الفعل حال النزول والترك حال السير، وقيل يصلي سنة الفجر خاصة، وقيل سنة المغرب أيضا.
وفي التجنيس والمختار أنه إن كان حال أمن وقرار يأتي بها؛ لأنها شرعت مكملات والمسافر إليه محتاج، وإن كان حال خوف لا يأتي بها؛ لأنه ترك بعذر ا هـ. وقيد بالرباعي؛ لأنه لا قصر في الفرض الثنائي والثلاثي فالركعات المفروضة حال الإقامة سبع عشرة وحال السفر إحدى عشرة، وفي عمدة الفتاوى للصدر الشهيد إذا قال لنسائه من لم يدر منكن كم ركعة فرض يوم وليلة فهي طالق فقالت: إحداهن عشرون ركعة والأخرى سبعة عشر ركعة والأخرى خمس عشرة والأخرى إحدى عشرة لا تطلق واحدة منهن أما السبعة عشر لا يشكل ومن قالت عشرون ركعة فقد ضمت الوتر إليها، ومن قالت خمس عشرة فيوم الجمعة، ومن قالت إحدى عشرة ففرض المسافر ا هـ. أطلق الإرادة فشملت إرادة الكافر.
قال في الخلاصة: صبي ونصراني خرجا إلى سفر مسيرة ثلاثة أيام ولياليها فلما سارا يومين أسلم النصراني وبلغ الصبي فالنصراني يقصر الصلاة فيما بقي من سفره والصبي يتم الصلاة بناء على أن نية الكافر معتبرة، وهو المختار، والإمام الجليل الفضلي سوى بينهما يعني كلاهما يتمان الصلاة ا هـ.
"قوله: فلو أتم وقعد في الثانية صح وإلا لا" أي، وإن لم يقعد على رأس الركعتين لم يصح فرضه؛ لأنه إذا قعد فقد تم فرضه وصارت الأخريات له نفلا كالفجر وصار آثما لتأخير السلام، وإن لم يقعد فقد خلط النفل بالفرض قبل إكماله وأشار إلى أنه لا بد أن يقرأ في الأوليين فلو ترك فيهما أو في إحداهما وقرأ في الأخريين لم يصح فرضه وهذا كله إن لم ينو الإقامة، فإن نواها قال الإسبيجابي لو صلى المسافر ركعتين وقرأ فيهما وتشهد ثم نوى الإقامة قبل التسليم أو بعدما قام إلى الثالثة قبل أن يقيدها بسجدة فإنه يتحول فرضه إلى الأربع إلا أنه يعيد القيام والركوع؛ لأنه فعله بنية التطوع فلا ينوب عن الفرض وهو مخير في القراءة فلو قيدها بسجدة ثم نواها لم يتحول فرضه ويضيف إليها أخرى، ولو أفسدها لا شيء عليه، ولو لم يتشهد وقام إلى الثالثة ثم نوى الإقامة تحول فرضه أربعا اتفاقا، فإن لم يقم صلبه عاد إلى التشهد، وإن أقامه لا يعود وهو مخير في القراءة، ولو قام إلى الثالثة ثم نوى قبل السجدة تحول الفرض ويعيد القيام والركوع،

 

ج / 2 ص -207-       حتى يدخل مصره أو ينوي الإقامة نصف شهر في بلد أو قرية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولو قيد بالسجدة فقد تأكد الفساد فيضيف أخرى فتكون الأربع تطوعا على قولهما خلافا لمحمد فعنده لا تنقلب بعد الفساد تطوعا، ولو ترك القراءة وأتى بالتشهد ثم نوى الإقامة قبل أن يسلم أو قام إلى الثالثة ثم نوى الإقامة قبل أن يقيدها بالسجدة فإنه يتحول إلى الأربع ويقرأ في الأخريين قضاء عن الأوليين، ولو قيد الثالثة بسجدة ثم نوى فسدت اتفاقا ويضيف رابعة لتكون تطوعا عندهما ا هـ.
"قوله: حتى يدخل مصره أو ينوي الإقامة نصف شهر في بلد أو قرية" متعلق بقوله قصر أي قصر إلى غاية دخول المصر أو نية الإقامة في موضع صالح للمدة المذكورة فلا يقصر، أطلق في دخول مصره فشمل ما إذا نوى الإقامة به أو لا، وشمل ما إذا كان في الصلاة كما إذا سبقه حدث، وليس عنده ماء فدخله للماء إلا اللاحق إذا أحدث ودخل مصره ليتوضأ لا يلزمه الإتمام، ولا يصير مقيما بدخوله المصر كذا في الفتاوى الظهيرية وشمل ما إذا كان سار ثلاثة أيام أو أقل لكن المذكور في الشرح أنه يتم إذا سار أقل بمجرد العزم على الرجوع، وإن لم يدخل مصره؛ لأنه نقض للسفر قبل الاستحكام إذ هو يحتمل النقض.
قال في فتح القدير وقياسه أن لا يحل فطره في رمضان إذا كان بينه وبين بلده يومان، وفي المجتبى لا يبطل السفر إلا بنية الإقامة أو دخول الوطن أو الرجوع قبل الثلاثة ا هـ. والمذكور في الخانية والظهيرية وغيرهما أنه إذا رجع لحاجة نسيها ثم تذكرها، فإن كان له وطن أصلي يصير مقيما بمجرد العزم على الرجوع، وإن لم يكن له وطن أصلي يقصر ا هـ. والذي يظهر أنه لا بد من دخول المصر مطلقا؛ لأن العلة مفارقة البيوت قاصدا مسيرة ثلاثة أيام لا استكمال سفر ثلاثة أيام بدليل ثبوت حكم السفر بمجرد ذلك فقد تمت العلة لحكم السفر فيثبت حكمه ما لم تثبت علة حكم الإقامة وروى البخاري تعليقا أن عليا خرج فقصر، وهو يرى البيوت فلما رجع قيل له: هذه الكوفة قال لا حتى ندخلها يريد أنه صلى ركعتين والكوفة بمرأى منهم فقيل له إلى آخره وقيد بنية الإقامة؛ لأنه لو دخل بلدا، ولم ينو أنه يقيم فيها خمسة عشر يوما، وإنما يقول غدا أخرج أو بعد غد أخرج حتى بقي على ذلك سنين قصر، وفي المجتبى والنية إنما تؤثر بخمس شرائط.
أحدها: ترك السير حتى لو نوى الإقامة، وهو يسير لم يصح.
وثانيها: صلاحية الموضع حتى لو أقام في بحر أو جزيرة لم تصح واتحاد الموضع والمدة والاستقلال بالرأي اهـ.

 

ج / 2 ص -208-       ........................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأطلق النية فشمل الحكمة كما لو وصل الحاج إلى الشام وعلم أن القافلة إنما تخرج بعد خمسة عشر يوما وعزم أن لا يخرج إلا معهم لا يقصر؛ لأنه كناوي الإقامة كذا في المحيط وشمل ما إذا نواها في خلال الصلاة في الوقت فإنه يتم سواء كان في أولها أو وسطها أو في آخرها وسواء كان منفردا أو مقتديا أو مدركا أو مسبوقا أما اللاحق إذا أدرك أول الصلاة، والإمام مسافر فأحدث أو نام فانتبه بعد فراغ الإمام ونوى الإقامة لم يتم؛ لأن اللاحق في الحكم كأنه خلف الإمام فإذا فرغ الإمام فقد استحكم الفرض فلا يتغير في حق الإمام فكذا في حق اللاحق، ولو نواها بعد ما صلى ركعة ثم خرج الوقت فإنه يتحول فرضه إلى الأربع، ولو خرج الوقت، وهو في الصلاة فنوى الإقامة فإنه لا يتحول فرضه إلى الأربع في حق تلك الصلاة كذا في الخلاصة وقيد بنصف شهر؛ لأن نية إقامة ما دونها لا توجب الإتمام لما روي عن ابن عباس وابن عمر أنهما قدراها بذلك والأثر في المقدرات كالخبر وأقام صلى الله عليه وسلم بمكة مع أصحابه سبعة أيام، وهو يقصر وقيد بالبلد والقربة؛ لأن نية الإقامة لا تصح في غيرهما فلا تصح في مفازة، ولا جزيرة ولا بحر، ولا سفينة، وفي الخانية والظهيرية والخلاصة ثم نية الإقامة لا تصح إلا في موضع الإقامة ممن يتمكن من الإقامة وموضع الإقامة العمران والبيوت المتخذة من الحجر والمدر والخشب لا الخيام والأخبية والوبر ا هـ.
وقيد الشارحون اشتراط صلاحية الموضع بأن يكون سار ثلاثة أيام فصاعدا أما إذا لم يسر ثلاثة أيام فلا يشترط أن تكون الإقامة في بلد أو قرية بل تصح، ولو في المفازة وفيه من البحث ما قدمناه.
وقول المصنف حتى يدخل مصره أولى من قول صاحب المجمع إلى أن يدخل وطنه؛ لأن الوطن مكان الإنسان ومحله كما في المغرب، وليس الإتمام متوقفا على دخوله بل على دخول مصره، وإن لم يدخل وطنه ويصير المصر مصرا للإنسان بكونه ولد فيه واختلفوا فيما إذا دخل المسافر مصرا و تزوج بها والظاهر أنه يصير مقيما لحديث عمر رضي الله عنه ولقوله عليه الصلاة والسلام
"من تزوج في بلدة فهو منها" والمسافرة تصير مقيمة بنفس التزوج عندهم كذا في القنية.

 

ج / 2 ص -209-      
لا بمكة ومنى. وقصر إن نوى أقل منها أو لم ينو وبقي سنين، أو نوى عسكر ذلك بأرض الحرب وإن حاصروا مصرا و حاصروا أهل البغي في دارنا في غيره
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: لا بمكة ومنى" أي لو نوى الإقامة بمكة خمسة عشر يوما فإنه لا يتم الصلاة؛ لأن الإقامة لا تكون في مكانين إذ لو جازت في مكانين لجازت في أماكن فيؤدي إلى أن السفر لا يتحقق؛ لأن إقامة المسافر في المراحل لو جمعت كانت خمسة عشر يوما أو أكثر إلا إذا نوى أن يقيم بالليل في أحدهما فيصير مقيما بدخوله فيه؛ لأن إقامة المرء تضاف إلى مبيته يقال فلان يسكن في حارة كذا، وإن كان بالنهار في الأسواق ثم بالخروج إلى الموضع الآخر لا يصير مسافرا.
وذكر في كتاب المناسك أن الحاج إذا دخل مكة في أيام العشر ونوى الإقامة نصف شهر لا يصح؛ لأنه لا بد له من الخروج إلى عرفات فلا يتحقق الشرط، وقيل كان سبب تفقه عيسى بن أبان هذه المسألة، وذلك أنه كان مشغولا بطلب الحديث قال فدخلت مكة في أول العشر من ذي الحجة مع صاحب لي وعزمت على الإقامة شهرا وجعلت أتم الصلاة فلقيني بعض أصحاب أبي حنيفة فقال أخطأت فإنك تخرج إلى منى وعرفات فلما رجعت من منى بدا لصاحبي أن يخرج وعزمت على أن أصاحبه وجعلت أقصر الصلاة فقال لي صاحب أبي حنيفة أخطأت فإنك مقيم بمكة فما لم تخرج منها لا تصير مسافرا فقلت أخطأت في مسألة في موضعين فرحلت إلى مجلس محمد واشتغلت بالفقه.
قال في البدائع، وإنما أوردنا هذه الحكاية ليعلم مبلغ العلم فيصير مبعثة للطلبة على طلبه قيد بالمصرين ومراده موضعان صالحان للإقامة لا فرق بين المصرين أو القريتين أو المصر والقرية للاحتراز عن نية الإقامة في موضعين من مصر واحد أو قرية واحدة فإنها صحيحة؛ لأنهما متحدان حكما، ألا ترى أنه لو خرج إليه مسافرا لم يقصر.
"قوله: وقصر إن نوى أقل منها أو لم ينو وبقي سنين" أي أقل من نصف شهر، وقد قدمنا تقريره.
"قوله: أو نوى عسكر ذلك بأرض الحرب وإن حاصروا مصرا و حاصروا أهل البغي في دارنا في غيره" معطوف على قوله نوى أقل منه أي وقصر إن نوى عسكر نصف شهر بأرض الحرب ولا فرق بين أن يكون العسكر مشغولين بالقتال أو المحاصرة، ولا فرق في المحاصرة بين أن تكون للمدينة أو للحصن بعد أن دخلوا المدينة، ولا فرق بين أن يكون العسكر في أرض الحرب أو أرض الإسلام مع أهل البغي في غير المصر؛ لأن نية الإقامة في دار الحرب أو البغي لا تصح؛ لأن حالهم يخالف عزيمتهم للتردد بين القرار والفرار؛ ولهذا قال أصحابنا في تاجر دخل

 

ج / 2 ص -210-       بخلاف أهل الأخبية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مدينة لحاجة، ونوى أن يقيم خمسة عشر يوما لقضاء تلك الحاجة لا يصير مقيما؛ لأنه متردد بين أن يقضي حاجته فيرجع وبين أن لا يقضي فيقيم فلا تكون نيته مستقرة كنية العسكر في دار الحرب، وهذا الفصل حجة على من يقول من أراد الخروج إلى مكان ويريد أن يترخص ترخص السفر ينوي مكانا أبعد منه وهذا غلط كذا ذكر التمرتاشي ا هـ. كذا في معراج الدراية، وعلى هذا واقعة الفتوى وهي أن إنسانا يحلف بالطلاق أنه يسافر في هذا الشهر فينوي مسيرة ثلاثة أيام ويقصد مكانا قريبا فهذا لم يكن مخلصا له لتعارض نيته إذ الأولى ليست بنية أصلا وأطلق في العسكر فشمل ما إذا كانت الشوكة لهم وقيد به؛ لأن من دخل دار الحرب بأمان فنوى إقامة نصف شهر فيها فإنه يتم أربعا؛ لأن أهل الحرب لا يتعرضون له لأجل الأمان كذا في النهاية.
وأشار إلى أن الأسير لو انفلت من أيدي الكفار وتوطن في غار ونوى الإقامة خمسة عشر يوما لم يصر مقيما كما لو علم أهل الحرب بإسلامه فهرب منهم يريد السفر ثلاثة أيام ولياليها لم تعتبر نيته كذا في الخلاصة وفي فتاوى قاضي خان وحكم الأسير في دار الحرب حكم العبد لا تعتبر نيته والرجل الذي يبعث إليه الوالي أو الخليفة ليؤتى به إليه فهو بمنزلة الأسير.
وفي التجنيس عسكر المسلمين إذا دخلوا دار الحرب وغلبوا في مدينة إن اتخذوها دارا يتمون الصلاة، وإن لم يتخذوها دارا و لكن أرادوا الإقامة بها شهرا أو أكثر فإنهم يقصرون؛ لأنها في الوجه الثاني بقيت دار حرب وهم محاربون فيها، وفي الوجه الأول ا هـ.
"قوله: بخلاف أهل الأخبية" حيث تصح منهم نية الإقامة في الأصح، وإن كانوا في المفازة؛ لأن الإقامة أصل فلا تبطل بالانتقال من مرعى إلى آخر إلا إذا ارتحلوا عن موضع إقامتهم في الصيف وقصدوا موضع إقامتهم في الشتاء وبينهما مسيرة ثلاثة أيام فإنهم يصيرون مسافرين في الطريق وظاهر كلام البدائع أن أهل الأخبية مقيمون لا يحتاجون إلى نية الإقامة فإنه جعل المفاوز لهم كالأمصار والقرى لأهلها ولأن الإقامة للرجل أصل والسفر عارض وهم لا ينوون السفر، وإنما ينتقلون من ماء إلى ماء ومن مرعى إلى آخر ا هـ.
والأخبية جمع خباء: البيت من صوف أو وبر، فإن كان من الشعر فليس بخباء كذا في ضياء الحلوم، وفي المغرب: الخباء الخيمة من الصوف ا هـ.
والمراد هنا الأعم لما في البدائع من التسوية بين من يسكن في بيت صوف أو بيت شعر وقيد بأهل الأخبية؛ لأن غيرهم من المسافرين لو نوى الإقامة معهم فعن أبي يوسف روايتان وعند أبي حنيفة لا يصيرون مقيمين، وهو الصحيح كذا في البدائع، وفي المجتبى: والملاح مسافر إلا عند الحسن وسفينته أيضا ليست بوطن.

 

ج / 2 ص -211-       ولو اقتدى مسافر بمقيم في الوقت صح وأتم، وبعده لا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: ولو اقتدى مسافر بمقيم في الوقت صح وأتم"؛ لأنه يتغير فرضه إلى الأربع للتبعية كما تتغير نية الإقامة لاتصال المغير بالسبب، وهو الوقت وفرض المسافر قابل للتغير حال قيام الوقت كنية الإقامة فيه وإذا كان التغيير لضرورة الاقتداء فلو أفسده صلى ركعتين لزواله بخلاف ما لو اقتدى بالمقيم في فرضه ينوي النفل حيث يصلي أربعا إذا أفسده؛ لأنه التزم أداء صلاة الإمام وهنا لم يقصد سوى إسقاط فرضه غير أنه تغير ضرورة متابعته ويستثنى من مسألة الكتاب ما لو اقتدى المقيم بالمسافر فأحدث الإمام فاستخلف المقيم فإنه لا يتغير فرضه إلى الأربع مع أنه صار مقتديا بالخليفة المقيم؛ لأنه لما كان المؤتم خليفة عن المسافر كان المسافر كأنه الإمام فيأخذ الخليفة صفة الأول حتى لو لم يقعد على رأس الركعتين فسدت صلاة الكل ثم في اقتداء المسافر بالمقيم إذا لم يجلس الإمام قدر التشهد في الركعتين عامدا أو ساهيا وتابعه المسافر فقد قيل تفسد صلاة المسافر، وقيل لا تفسد كذا في السراج الوهاج والفتوى على عدم الفساد؛ لأن صلاته صارت أربعا بالتبعية كذا في التجنيس وصححه في القنية.
وأشار المصنف إلى أن الإمام المسافر لو نوى الإقامة لزم المأموم المسافر الإتمام، وإن لم ينو للتبعية فلو أم المسافر مسافرين ومقيمين فلما صلى ركعتين وتشهد فقبل أن يسلم تكلم واحد من المسافرين أو قام فذهب ثم نوى الإمام الإقامة فإنه يتحول فرضه وفرض المسافرين الذين لم يتكلموا إلى الأربع وصلاة من تكلم تامة فلو تكلم بعد نية الإمام الإقامة فسدت صلاته ولزمه صلاة المسافر ركعتين ذكره الإسبيجابي.
"قوله: وبعده لا" أي بعد خروج الوقت لا يصح اقتداء المسافر بالمقيم؛ لأن فرضه لا يتغير بعد الوقت لانقضاء السبب كما لا يتغير بنية الإقامة فيكون اقتداء المفترض بالمتنفل في حق القعدة أو القراءة أو التحريمة كذا ذكر الشارح والمذكور في الهداية وغيرها في حق القعدة أو القراءة، ولم أر من ذكر التحريمة غير الشارح والحدادي وتوضيحه أن المسافر إذا اقتدى بالمقيم أول الصلاة فإن القعدة تصير فرضا في حق المأموم وغير فرض في حق الإمام، وهو المراد بالنفل في عبارتهم؛ لأنه ما قابل الفرض فيدخل فيه الواجب فإن القعدة الأولى واجبة، وإن اقتدى به في الشفع الثاني وكان الإمام قد قرأ في الشفع الأول فالقراءة في الشفع الثاني نافلة في حق الإمام فرض في حق المأموم، فإن كان الإمام صلى الشفع الأول بغير قراءة واقتدى به في الشفع الثاني ففيه روايتان كما في البدائع ومقتضى المتون عدم الصحة مطلقا ومقتضى التعليل في هذه المسألة الصحة؛ لأنه ليس اقتداء المفترض بالمتنفل لا في حق القعدة، ولا

 

ج / 2 ص -212-       وبعكسه صح فيهما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القراءة وأما التحريمة فهي لا تكون إلا فرضا، ولم يظهر قول الحدادي؛ لأن تحريمة الإمام اشتملت على الفرض لا غير.
وأجاب في المحيط عما إذا لم يقرأ في الأوليين وقرأ في الأخريين بأن القراءة في الأخريين قضاء عن الأوليين والقضاء يلتحق بمحله فلا يبقى للأخرين قراءة ا هـ. يعني: فلا يصح مطلقا وقيد في السراج الوهاج عدم صحة الاقتداء بعد الوقت بقيدين.
الأول: أن تكون فائتة في حق الإمام والمأموم.
الثاني: أن تكون الصلاة رباعية أما إذا كانت ثنائية أو ثلاثية أو كانت فائتة في حق الإمام مؤداة في حق المأموم كما إذا كان المأموم يرى قول أبي حنيفة في الظهر والإمام يرى قولهما وقول الشافعي فإنه يجوز دخوله معه في الظهر بعد المثل قبل المثلين فإنها صحيحة. ا هـ.
وهو تقييد حسن لكن الأولى أن يكون الشرط كونها فائتة في حق المأموم فقط سواء كانت فائتة في حق الإمام أو لا بأن صلى ركعة من الظهر مثلا أو ركعتين ثم خرج الوقت فاقتدى به مسافر؛ لأن الظهر فائتة في حق المسافر لا في حق المقيم والقيد الأول مفهوم من قوله صح وأتم فإنه يفيد أن الكلام في الرباعية الذي يظهر فيها القصر والإتمام بل لا حاجة إليه أصلا؛ لأن السفر مؤثر في الرباعي فقط وقيد بكون الاقتداء بعد خروج الوقت؛ لأنه لو اقتدى به في الوقت ثم خرج الوقت قبل الفراغ من الصلاة لا تبطل صلاته، ولا يبطل اقتداؤه به؛ لأنه لما صح اقتداؤه به وصار تبعا له صار حكمه حكم المقيمين، وإنما يتأكد وجوب الركعتين بخروج الوقت في حق المسافر، ولو نام خلف الإمام حتى خرج الوقت انتبه أتمها أربعا، ولو تكلم بعد خروج الوقت أو قبل خروجه يصلي ركعتين عندنا كذا في البدائع.
"قوله: وبعكسه صح فيهما"، وهو اقتداء المقيم بالمسافر فهو صحيح في الوقت وبعده؛ لأن صلاة المسافر في الحالين واحدة والقعدة فرض في حقه غير فرض في حق المقتدي وبناء الضعيف على القوي جائز، وقد أم النبي صلى الله عليه وسلم وهو مسافر أهل مكة وقال:
"أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر "، وهو جمع سافر كركب جمع راكب ويستحب أن يقول ذلك بعد السلام كل مسافر صلى

 

ج / 2 ص -213-      
........................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بمقيم لاحتمال أن خلفه من لا يعرف ، ولا يتيسر له الاجتماع بالإمام قبل ذهابه فيحكم حينئذ بفساد صلاة نفسه بناء على ظن إقامة الإمام ثم إفساده بسلامه على رأس الركعتين وهذا محمل ما في الفتاوى إذا اقتدى بالإمام لا يدري أمسافر هو أم مقيم لا يصح؛ لأن العلم بحال الإمام شرط الأداء بجماعة ا هـ. لا أنه شرط في الابتداء لما في المبسوط رجل صلى الظهر بالقوم بقرية أو مصر ركعتين وهم لا يدرون أمسافر هو أم مقيم فصلاتهم فاسدة سواء كانوا مقيمين أم مسافرين؛ لأن الظاهر من حال من في موضع الإقامة أنه مقيم والبناء على الظاهر واجب حتى يتبين خلافه، فإن سألوه فأخبرهم أنه مسافر جازت صلاتهم ا هـ.
وفي القنية، وإن كان خارج المصر لا تفسد ويجوز الأخذ بالظاهر في مثله، وإنما كان قول الإمام ذلك مستحبا؛ لأنه لم يتعين معرفا صحة سلامه لهم فإنه ينبغي أن يتموا ثم يسألوه فتحصل المعرفة واختلفوا هل يقوله بعد التسليمة الأولى أو بعد التسليمتين الأصح الثاني كذا في السراج الوهاج.
ولو قام المقتدي المقيم قبل سلام الإمام فنوى الإمام الإقامة قبل سجوده رفض ذلك وتابع الإمام، فإن لم يفعل وسجد فسدت؛ لأنه ما لم يسجد لم يستحكم خروجه عن صلاة الإمام قبل سلام الإمام وقد بقي ركعتان على الإمام بواسطة التغير فوجب عليه الاقتداء فيهما فإذا انفرد فسدت بخلاف ما لو نوى الإمام بعدما سجد المقتدي فإنه يتم منفردا فلو رفض وتابع فسدت لاقتدائه حيث وجب الانفراد كذا في فتح القدير.
وفي الخانية والخلاصة: مسافر أم قوما مقيمين فلما صلى ركعتين نوى الإقامة لا لتحقيق الإقامة بل ليتم صلاة المقيمين لا يصير مقيما، ولا ينقلب فرضه أربعا ا هـ. وفي العمدة مسافر سبقه الحدث فقدم مقيما يتم صلاة الإمام ويتأخر ويقدم مسافرا يسلم ثم يتم المقيم صلاته، وفي الخلاصة مسافر أم مسافرين فأحدث فقدم مسافرا آخر فنوى الثاني الإقامة لا يجب على القوم إن يصلوا أربعا ا هـ. وفي الهداية وإذا صلى المسافر بالمقيم ركعتين سلم وأتم المقيمون صلاتهم؛ لأن المقتدي التزم الموافقة في الركعتين فينفرد في الباقي كالمسبوق إلا أنه لا يقرأ في الأصح؛ لأنه مقتد تحريمة لا فعلا والفرض صار مؤدى فيتركها احتياطا بخلاف المسبوق؛ لأنه أدرك قراءة نافلة فلم يتأد الفرض فكان الإتيان أولى ا هـ.
وفي الخانية لا قراءة عليهم فيما يقضون، ولا سهو عليهم إذا سهوا، ولا يقتدي أحدهم بالآخر ا هـ. فلو اقتدى أحدهم بالآخر فسدت صلاة المقتدي؛ لأنه اقتدى في موضع يجب عليهم الانفراد وصلاة الإمام تامة كذا في البدائع وفي القنية اقتدى مقيم بمسافر فترك القعدة مع

 

ج / 2 ص -214-       ويبطل الوطن الأصلي بمثله لا السفر ووطن الإقامة بمثله والسفر والأصلي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إمامه فسدت فالقعدتان فرض في حقه وقيل لا تفسد وهي نفل في حق المقتدي ا هـ.
"قوله: ويبطل الوطن الأصلي بمثله لا السفر ووطن الإقامة بمثله والسفر والأصلي"؛ لأن الشيء يبطل بما هو مثله لا بما هو دونه فلا يصلح مبطلا له وروي أن عثمان رضي الله عنه كان حاجا يصلي بعرفات أربعا فاتبعوه فاعتذر، وقال: إني تأهلت بمكة وقال النبي صلى الله عليه وسلم
"من تأهل ببلدة فهو منها" والوطن الأصلي هو وطن الإنسان في بلدته أو بلدة أخرى اتخذها دارا وتوطن بها مع أهله وولده، وليس من قصده الارتحال عنها بل التعيش بها وهذا الوطن يبطل بمثله لا غير، وهو أن يتوطن في بلدة أخرى وينقل الأهل إليها فيخرج الأول من أن يكون وطنا أصليا حتى لو دخله مسافرا لا يتم قيدنا بكونه انتقل عن الأول بأهله؛ لأنه لو لم ينتقل بهم، ولكنه استحدث أهلا في بلدة أخرى فإن الأول لم يبطل ويتم فيهما وقيد بقوله بمثله؛ لأنه لو باع داره ونقل عياله وخرج يريد أن يتوطن بلدة أخرى ثم بدا له أن لا يتوطن ما قصده أولا ويتوطن بلدة غيرها فمر ببلده الأول فإنه يصلي أربعا؛ لأنه لم يتوطن غيره، وفي المحيط، ولو كان له أهل بالكوفة، وأهل بالبصرة فمات أهله بالبصرة وبقي له دور وعقار بالبصرة قيل البصرة لا تبقى وطنا له؛ لأنها إنما كانت وطنا بالأهل لا بالعقار، ألا ترى أنه لو تأهل ببلدة لم يكن له فيها عقار صارت وطنا له، وقيل تبقى وطنا له؛ لأنها كانت وطنا له بالأهل والدار جميعا فبزوال أحدهما لا يرتفع الوطن كوطن الإقامة يبقى ببقاء الثقل وإن أقام بموضع آخر ا هـ.
وفي المجتبى نقل القولين فيما إذا نقل أهله ومتاعه وبقي له دور وعقار ثم قال وهذا جواب واقعة ابتلينا بها وكثير من المسلمين المتوطنين في البلاد، ولهم دور وعقار في القرى البعيدة منها يصيفون بها بأهلهم ومتاعهم فلا بد من حفظها أنهما وطنان له لا يبطل أحدهما بالآخر وقوله لا السفر أي لا يبطل الأصلي بالسفر حتى يصير مقيما بالعود إليه من غير نية الإقامة، وكذا لا يبطل بوطن الإقامة وأما وطن الإقامة فهو الوطن الذي يقصد المسافر الإقامة فيه، وهو صالح لها نصف شهر، وهو ينتقض بواحد من ثلاثة بالأصلي؛ لأنه فوقه وبمثله وبالسفر؛ لأنه ضده أطلقه فأفاده أن تقديم السفر ليس بشرط لثبوت الوطن الأصلي ووطن الإقامة فالأصلي بالإجماع ووطن الإقامة فيه روايتان ظاهر الرواية أنه ليس بشرط، وفي أخرى عن محمد إنما يصير الوطن وطن إقامة بشرط أن يتقدمه سفر، ويكون بينه وبين ما صار إليه منه مدة سفر حتى لو خرج من مصره لا لقصد السفر فوصل إلى قرية ونوى الإقامة بها خمسة عشر يوما لا تصير تلك القرية وطن الإقامة، وإن كان بينهما مدة سفر لعدم تقدم السفر، وكذا إذا قصد مسيرة سفر

 

ج / 2 ص -215-       وفائتة السفر والحضر تقضى ركعتين وأربعا، والمعتبر فيه آخر الوقت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وخرج فلما وصل إلى قرية مسيرتها من وطنه دون مدة السفر نوى الإقامة بها خمسة عشر يوما لا يصير مقيما، ولا تصير تلك القرية وطن الإقامة مثاله قاهري خرج إلى بلبيس فنوى الإقامة بها نصف شهر ثم خرج منها، وإن قصد مسيرة ثلاثة أيام وسافر بطل وطنه ببلبيس حتى لو مر به في العود لا يتم، وإن لم يقصد ذلك، وخرج إلى الصالحية، فإن نوى الإقامة بها نصف شهر أتم بها وبطل وطنه ببلبيس حتى لو عاد إليه مسافرا لا يتم، وإن لم ينو الإقامة بها لم يبطل وطنه ببلبيس حتى يتم إذا دخله وإن عاد إلى مصر بطل الوطنان حتى لو عاد إليهما في سفرة أخرى لا يتم إذا لم ينو الإقامة، ولم يذكر المصنف رحمه الله وطن السكنى، وهو المكان الذي ينوي أن يقيم فيه أقل من خمسة عشر يوما تبعا للمحققين قالوا: لأنه لا فائدة فيه؛ لأنه يبقى فيه مسافرا على حاله فصار وجوده كعدمه وذكر الشارح أن عامتهم على أنه يفيد في رجل خرج من مصره إلى قرية لحاجة، ولم يقصد السفر، ونوى أن يقيم فيها أقل من خمسة عشر يوما فإنه يتم فيها؛ لأنه مقيم ثم خرج من القرية لا للسفر ثم بدا له أن يسافر قبل أن يدخل مصره وقبل أن يقيم ليلة في موضع آخر فسافر فإنه يقصر، ولو مر بتلك القرية ودخلها أتم؛ لأنه لم يوجد ما يبطله مما هو فوقه أو مثله ا هـ. وصحح في السراج الوهاج المجمع عدم اعتباره.
وقول الشارح، ولو مر بها أتم لا يصح؛ لأن السفر باق لم يوجد ما يبطله، وهو مبطل لوطن السكنى على تقدير اعتباره؛ لأن السفر يبطل وطن الإقامة فكيف لا يبطل وطن السكنى فقوله؛ لأنه لم يوجد ما يبطله ممنوع.
"قوله: وفائتة السفر والحضر تقضى ركعتين وأربعا" لف ونشر مرتب أي فائتة السفر تقضى ركعتين وفائتة الحضر تقضى أربعا؛ لأن القضاء بحسب الأداء بخلاف ما لو فاتته في المرض في حالة لا يقدر على الركوع والسجود حيث يقضيها في الصحة راكعا وساجدا أو فاتته في الصحة حيث يقضيها في المرض بالإيماء؛ لأن الواجب هناك الركوع والسجود إلا أنهما يسقطان عنه بالعجز فإذا قدر أتى بهما بخلاف ما نحن فيه فإن الواجب على المسافر ركعتان كصلاة الفجر، وعلى المقيم أربع فلا يتغير بعد الاستقرار.
"قوله: والمعتبر فيه آخر الوقت" أي المعتبر في وجوب الأربع أو الركعتين عند عدم الأداء في أول الوقت الجزء الأخير من الوقت، وهو قدر ما يسع التحريمة، فإن كان فيه مقيما وجب عليه

 

ج / 2 ص -216-       والعاصي كغيره، وتعتبر نية الإقامة والسفر من الأصل دون التبع أي المرأة والعبد والجندي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أربع، وإن كان مسافرا فركعتان؛ لأنه المعتبر في السببية عند عدم الأداء في أول الوقت إن أدى آخره وإلا فكل الوقت هو السبب ليثبت الواجب عليه بصفة الكمال وفائدة إضافته إلى الجزء الأخير اعتبار حال المكلف فيه فلو بلغ صبي أو أسلم كافر وأفاق مجنون أو طهرت الحائض أو النفساء في آخر الوقت بعد مضي الأكثر تجب عليهم الصلاة، ولو كان الصبي قد صلاها في أوله وبعكسه لو جن أو حاضت أو نفست فيه لم يجب لفقد الأهلية عند وجود السبب، وفائدة إضافته إلى الكل عند خلوه من الأداء أنه لا يجوز قضاء عصر اليوم وقت التغير في اليوم الآتي، ولو كان السبب هو الجزء الأخير لجاز وتمام تحقيقه في كتابنا المسمى بلب الأصول مختصر تحرير الأصول وسيأتي في الجمعة أن المعتبر أول الوقت في وجوبها واعتبر زفر رحمه الله تعالى في السببية الجزء الذي يلزمه الشروع فيه، واختاره القدوري كما في البدائع؛ لأن الوقت جعل سببا ليؤدي فيه فإذا تأخر عن أول الوقت وبقي مقدار ما يسع الركعتين يجعل سببا فيتغير فرضه، وإن لم يبق مقدار ذلك كان السبب أول الوقت، وهو كان مقيما حينئذ إلا أنه يشكل عليه ما إذا أقام المسافر في آخر جزء من الوقت فإن عليه أربع ركعات اتفاقا كذا في المصفى فيحتاج زفر إلى الفرق قيدنا بعدم الأداء أول الوقت؛ لأنه لو صلى صلاة السفر أول الوقت ثم أقام في الوقت لا يتغير فرضه كذا في الخانية وذكر في الخلاصة رجل صلى الظهر في منزله، وهو مقيم ثم خرج إلى السفر وصلى العصر في سفره في ذلك اليوم ثم تذكر أنه ترك شيئا في منزله فرجع إلى منزله لأجل ذلك ثم تذكر أنه صلى الظهر والعصر بغير وضوء قالوا: يجب عليه أن يصلي الظهر ركعتين والعصر أربعا، ولو صلى الظهر والعصر، وهو مقيم ثم سافر قبل غروب الشمس والمسألة بحالها يصلي الظهر أربعا والعصر ركعتين ا هـ. قيد بالصلاة؛ لأن المعتبر في الصوم أول جزء من اليوم حتى لو أسلم بعد طلوع الفجر لا يلزمه صوم ذلك اليوم لكونه معيارا.
"قوله: والعاصي كغيره" أي في الترخص برخص المسافر لإطلاق النصوص، ولأن السفر الموجب للرخص ليس بمعصية إنما هو فيما جاوره كخروجه عاقا لوالديه أو عاصيا على الإمام أو آبقا من مولاه أو خرجت المرأة بلا محرم أو في العدة أو قاطعا للطريق وقد تكون بعده كما إذا خرج للحج أو للجهاد ثم قطع الطريق، والقبح المجاور لا يعدم المشروعية أصلا كالصلاة في الأرض المغصوبة والبيع وقت النداء فصلح السفر مناطا للرخصة.
"قوله: وتعتبر نية الإقامة والسفر من الأصل دون التبع أي المرأة والعبد والجندي" تفسير

 

ج / 2 ص -217-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للتبع؛ لأن الأصل هو المتمكن من الإقامة والسفر دون التبع لكن لا يلزم التبع الإتمام إلا بعد علمه بنية المتبوع كما في توجه الخطاب الشرعي وعزل الوكيل، وقيل يلزمه كالعزل الحكمي، وهو أحوط كما في فتح القدير، وهو ظاهر الرواية كما في الخلاصة والأول أصح؛ لأن في لزوم الحكم قبل العلم حرجا وضررا، وهو مدفوع شرعا بخلاف الوكيل فإنه غير ملجإ إلى البيع فإن له أن لا يبيع فيمكنه دفع الضرر بالامتناع عن البيع فإذا باع بناء على ظاهر أمره ولحقه ضرر كان الضرر ناشئا من جهته من وجه ومن جهة الموكل من وجه فيصح العزل حكما لا قصدا وهاهنا التبع مأمور بقصر صلاته منهي عن إتمامها فكان مضطرا فلو صار فرضه أربعا بإقامة الأصل، وهو لا يشعر به لحقه ضرر عظيم من جهة غيره بكل وجه وأنه منفي كذا في المحيط وشرح الطحاوي، وعلى هذا فما في الخلاصة من أن العبد إذا أم مولاه في السفر فنوى المولى الإقامة صحت حتى لو سلم العبد على رأس الركعتين كان عليهما إعادة تلك الصلاة ا هـ. وكذا العبد إذا كان مع مولاه في السفر فباعه من مقيم والعبد كان في الصلاة ينقلب فرضه أربعا حتى لو سلم على رأس الركعتين كان عليه إعادة تلك الصلاة ا هـ. مبني على غير الصحيح إن فرض عدم علم العبد أو على الكل إن علم أطلق في تبعية المرأة والجندي، وقيدوه بأن تستوفي المرأة مهرها المعجل وإلا فلا تكون تبعا فالعبرة بنيتها؛ لأن لها أن تحبس نفسها عن الزوج للمعجل دون المؤجل ولا تسكن حيث يسكن هو وبأن يكون الجندي يرزق من بيت المال، وإن كان رزقه في ماله فالعبرة لنيته؛ لأن له أن يذهب حيث شاء لطلب الرزق وأطلق في العبد فشمل القن والمدبر وأم الولد وأما المكاتب فينبغي أن لا يكون تبعا؛ لأن له السفر بغير إذن المولى فلا يلزمه طاعته، وليس مراد المصنف قصر التبع على هؤلاء الثلاثة بل هو كل من كان تبعا لإنسان ويلزمه طاعته فيدخل الأجير مع مستأجره والمحمول مع حامله والغريم مع صاحب الدين إن كان معسرا مفلسا، فإن كان مليا فالنية إليه؛ لأنه يمكنه قضاء الدين فيقيم في أي موضع شاء وأما الأعمى مع قائده، فإن كان القائد أجيرا فالعبرة لنية الأعمى، وإن كان متطوعا في قيادة تعتبر نيته والعبد بين شريكين إذا سافر معهما ثم نوى أحدهما الإقامة قيل لا يصير العبد مقيما لوقوع الشك في صيرورته مقيما فيبقى مسافرا وقيل يصير مقيما ترجيحا لنية الإقامة احتياطا لأمر العبادة كذا في المحيط ومحله ما إذا لم يكن بينهما مهايأة، فإن كان بينهما مهايأة في الخدمة فإن العبد يصلي صلاة الإقامة وإذ خدم المولى الذي لم ينو الإقامة يصلي صلاة السفر.

 

ج / 2 ص -218-       ......................
ـــــــــــــــــــــ
وفي نسخة القاضي الإمام العبد إذا خرج مع مولاه، ولا يعلم سير المولى فإنه يسأله إن أخبره أن مسيره مدة السفر صلى صلاة المسافرين، وإن كان دون ذلك صلى صلاة الإقامة، وإن لم يخبره بذلك إن كان مقيما قبل ذلك صلى صلاة الإقامة، وإن كان مسافرا قبل صلى صلاة المسافرين كذا في الخلاصة.
وفي القنية مسافر ومقيم اشتريا عبدا الأصح أن العبد يصلي صلاة المقيم ودخل تحت الجندي الأمير مع الخليفة كما في الخلاصة وفيها وعلى هذا الحجاج إذا وصلوا بغداد شهر رمضان، ولم ينووا الإقامة صلوا صلاة المقيمين ا هـ.
وظاهره أن الحجاج تبع لأمير القافلة، وليس كذلك، ولا ينبغي إدخاله في هذا المبحث بل علته أنهم لما علموا أن القافلة لا تخرج إلا بعد خمسة عشر يوما نزل ذلك منزلة نيتهم الإقامة نصف شهر كما علل به في التجنيس، وفي المحيط مسلم أسره العدو إن كان مسيرة العدو ثلاثة أيام يقصر، وإن كان دون ذلك يتم وإن لم يعلم يسأل، كما مر في العبد، ولو دخل مسافر مصرا فأخذه غريمه فحبسه، فإن كان معسرا قصر؛ لأنه لم ينو الإقامة، ولا يحل للطالب حبسه، وإن كان موسرا إن عزم أن يقضي دينه أو لم يعزم شيئا قصر، وإن عزم واعتقد أن لا يقضيه أتم والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.

14- باب صلاة الجمعة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
14- باب صلاة الجمعة
مناسبته مع ما قبله تنصيف الصلاة لعارض إلا أن التنصيف هنا في خاص من الصلاة، وهو الظهر وفيما قبله في كل رباعية وتقديم العام هو الوجه ولسنا نعني أن الجمعة تنصيف الظهر بعينه بل هي فرض ابتداء نسبته النصف منها.
وهي فريضة محكمة بالكتاب والسنة والإجماع يكفر جاحدها وقد أطال المحقق في فتح القدير في بيان دلائلها ثم قال، وإنما أكثرنا فيه نوعا من الإكثار لما نسمع عن بعض الجهلة أنهم ينسبون إلى مذهب الحنفية عدم افتراضها ومنشأ غلطهم ما سيأتي من قول القدوري، ومن صلى الظهر في منزله يوم الجمعة، ولا عذر له كره وجازت صلاته، وإنما أراد حرم عليه وصحت الظهر فالحرمة لترك الفرض، وصحة الظهر لما سنذكره، وقد صرح أصحابنا بأنها فرض آكد من الظهر وبإكفار جاحدها ا هـ.
أقول: وقد كثر ذلك من جهلة زماننا أيضا ومنشأ جهلهم صلاة الأربع بعد الجمعة بنية

 

ج / 2 ص -219-       شرط أدائها المصر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الظهر، وإنما وضعها بعض المتأخرين عند الشك في صحة الجمعة بسبب رواية عدم تعددها في مصر واحد وليست هذه الرواية بالمختارة، وليس هذا القول أعني اختيار صلاة الأربع بعدها مرويا عن أبي حنيفة وصاحبيه حتى وقع لي أني أفتيت مرارا بعدم صلاتها خوفا على اعتقاد الجهلة بأنها الفرض، وأن الجمعة ليست بفرض وسنوضحه من بعد - إن شاء الله تعالى - وأما شرائطها فنوعان.
شراط صحة.
وشرائط وجوب.
فالأول: ستة كما ذكره المصنف.
المصر والسلطان والوقت والخطبة والجماعة والأذان العام.
والثاني: ستة أيضا كما سيأتي.
وهي بضم الميم وإسكانها وفتحها حكى ذلك الفراء والواحدي من الاجتماع كالفرقة من الافتراق أضيف إليها اليوم والصلاة ثم كثر الاستعمال حتى حذف منها المضاف وجمعت فقيل: جمعات وجمع كذا في المغرب وكان يوم الجمعة في الجاهلية يسمى عروبة بفتح العين المهملة وضم الراء وبالباء الموحدة وأول من سماها يوم الجمعة كعب بن لؤي ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أقام يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس في بني عمرو بن عوف وأسس مسجدهم ثم خرج من عندهم فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاها في المسجد الذي في بطن الوادي، وادي راتونا فكانت أول جمعة صلاها عليه الصلاة والسلام بالمدينة.
"قوله: شرط أدائها المصر" أي شرط صحتها أن تؤدى في مصر حتى لا تصح في قرية، ولا مفازة لقول علي رضي الله عنه لا جمعة، ولا تشريق، ولا صلاة فطر، ولا أضحى إلا في مصر جامع أو في مدينة عظيمة رواه ابن أبي شيبة وصححه ابن حزم وكفى بقوله قدوة وإماما، وإذا لم تصح في غير المصر فلا تجب على غير أهله.
وفي الخلاصة القروي إذا دخل المصر يوم الجمعة إن نوى أن يمكث فيه يوم الجمعة

 

ج / 2 ص -220-       وهو كل موضع له أمير وقاض ينفذ الأحكام ويقيم الحدود
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لزمته الجمعة، وإن نوى الخروج من ذلك المصر من يومه قبل دخول وقت الصلاة لا تلزمه وبعد دخول وقت الجمعة تلزمه قال الفقيه إن نوى الخروج من يومه ذلك، وإن كان بعد دخول وقت الجمعة لا تلزمه. المصري إذا أراد أن يسافر يوم الجمعة لا بأس به إذا خرج من العمران قبل خروج وقت الظهر؛ لأن الجمعة إنما تجب في آخر الوقت، وهو مسافر في آخر الوقت والمسافر إذا قدم المصر يوم الجمعة على عزم أن لا يخرج يوم الجمعة لا تلزمه الجمعة ما لم ينو الإقامة خمسة عشر يوما ا هـ.
"قوله: وهو كل موضع له أمير وقاض ينفذ الأحكام ويقيم الحدود" أي حد المصر المذكور هو ظاهر المذهب كما ذكره الإمام السرخسي زاد في الخلاصة ويشترط المفتي إذا لم يكن القاضي أو الوالي مفتيا وأسقط في الظهيرية الأمير فقال المصر في ظاهر الرواية أن يكون فيه مفت وقاض يقيم الحدود وينفذ الأحكام وبلغت أبنيته أبنية منى ا هـ. واحترز المصنف بقوله ويقيم الحدود عن المحكم والمرأة إذا كانت قاضية فإنهما لا يقيمان الحدود، وإن نفذ الأحكام واكتفى بذكر الحدود عن القصاص؛ لأن من ملك إقامتها ملكه كذا في فتح القدير وظاهره أن البلدة إذا كان قاضيها أو أميرها امرأة لا يكون مصرا فلا تصح إقامة الجمعة فيها والظاهر خلافه.
قال في البدائع وأما المرأة والصبي العاقل فلا تصح منها إقامة الجمعة؛ لأنهما لا يصلحان للإمامة في سائر الصلوات ففي الجمعة أولى إلا أن المرأة إذا كانت سلطانا فأمرت رجلا صالحا للإمامة حتى يصلي بهم الجمعة جاز؛ لأن المرأة تصلح سلطانا أو قاضية في الجملة فتصح إنابتها ا هـ. وفي حد المصر أقوال كثيرة اختاروا منها قولين:
أحدهما: ما في المختصر.
ثانيهما: ما عزوه لأبي حنيفة أنه بلدة كبيرة فيها سكك وأسواق ولها رساتيق وفيها وال يقدر على إنصاف المظلوم من الظالم بحشمه وعلمه أو علم غيره والناس يرجعون إليه في الحوادث قال في البدائع، وهو الأصح وتبعه الشارح، وهو أخص مما في المختصر، وفي المجتبى وعن أبي يوسف أنه ما إذا اجتمعوا في أكبر مساجدهم للصلوات الخمس لم يسعهم، وعليه فتوى أكثر الفقهاء وقال أبو شجاع هذا أحسن ما قيل فيه، وفي الولوالجية وهو الصحيح، وفي الخلاصة الخليفة إذا سافر، وهو في القرى ليس له أن يجمع بالناس، ولو مر بمصر من أمصار ولايته فجمع بها، وهو مسافر جاز.

 

ج / 2 ص -221-       أو مصلاه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: أو مصلاه" أي مصلى المصر؛ لأنه من توابعه فكان في حكمه والحكم غير مقصور على المصلى بل يجوز في جميع أفنية المصر؛ لأنها بمنزلة المصر في حوائج أهله والفناء في اللغة سعة أمام البيوت وقيل ما امتد من جوانبه كذا في المغرب، واختلفوه فيما يكون من توابع المصر في حق وجوب الجمعة على أهله فاختار في الخلاصة والخانية أنه الموضع المعد لمصالح المصر متصل به، ومن كان مقيما في عمران المصر وأطرافه، وليس بين ذلك الموضع وبين عمران المصر فرجة فعليه الجمعة، ولو كان بين ذلك الموضع وبين عمران المصر فرجة من مزارع أو مراع كالقلع ببخارى لا جمعة على أهل ذلك الموضع، وإن سمعوا النداء والغلوة والميل والأميال ليس بشرط ا هـ. واختار في البدائع ما قاله بعضهم أنه إن أمكنه أن يحضر الجمعة ويبيت بأهله من غير تكلف تجب عليه الجمعة وإلا فلا، قال وهذا أحسن ا هـ. واختار في المحيط اعتبار الميلين فقال وعن أبي يوسف في المنتقى لو خرج الإمام عن المصر مع أهله لحاجة مقدار ميل أو ميلين فحضرت الجمعة جاز أن يصلي بهم الجمعة، وعليه الفتوى؛ لأن فناء المصر بمنزلته فيما هو من حوائج أهله وأداء الجمعة منها ا هـ.
وذكر الولوالجي في فتاويه أن المختار للفتوى قدر الفرسخ؛ لأنه أسهل على العامة، وهو ثلاثة أميال ا هـ. وذكر في المضمرات وقال الشيخ الإمام الأجل حسام الدين يجب على أهل المواضع القريبة إلى البلد التي هي توابع العمران الذين يسمعون الأذان على المنارة بأعلى الصوت، وهو الصحيح لزوما وإيجابا ا هـ. فقد اختلف التصحيح والفتوى كما رأيت ولعل الأحوط ما في البدائع فكان أولى وذكر في غاية البيان أن فناء المصر ملحق به في وجوب الجمعة لا في إتمام الصلاة بدليل أنه يقصر الصلاة فيه ذهابا وإيابا وفي المضمرات معزيا إلى فتاوى الحجة وجوب الجمعة على ثلاثة أقسام.
فرض: على البعض.
وواجب على البعض.
وسنة على البعض.
أما الفرض فعلى الأمصار وأما الواجب فعلى نواحيها، وأما السنة فعلى القرى الكبيرة والمستجمعة للشرائط ا هـ.

 

ج / 2 ص -222-       ومنى مصر لا عرفات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفيه نظر؛ لأنها فرض على من هو من توابع الأمصار لا يجوز التخلف عنها وأما القرى، فإن أراد الصلاة فيها فغير صحيحة على المذهب، وإن أراد تكلفهم وذهابهم إلى المصر فممكن لكنه بعيد وأغرب من هذا ما في القنية من أنه يلزم حضور الجمعة في القرى، ويعمل بقول علي رضي الله عنه إياك وما يسبق إلى القلوب إنكاره وإن كان عندك اعتذاره، فليس كل سامع نكرا تطيق أن تسمعه عذرا ا هـ. وإن المذهب عدم صحتها في القرى فضلا عن لزومها.
وفي التجنيس، ولا تجب الجمعة على أهل القرى، وإن كانوا قريبا من المصر؛ لأن الجمعة إنما تجب على أهل الأمصار. ا هـ. وفي فتح القدير، وقد وقع الشك في بعض قرى مصر مما ليس فيها وال وقاض نازلان بها بل لها قاض يسمى قاضي الناحية، وهو قاضي يولى الكورة بأسرها فيأتي القرية أحيانا فيفصل ما اجتمع فيها من التعلقات وينصرف ووال كذلك هل هو مصر نظرا إلى أن لها واليا أولا نظر إلى عدمهما بها والذي يظهر اعتبار كونهما مقيمين بها وإلا لم تكن قرية أصلا إذ كل قرية مشمولة بحكم، وقد يفرق بين قرية لا يأتيها حاكم يفصل بها الخصومات حتى يحتاجوا إلى دخول المصر في كل حادثة يفصلها، وبين ما يأتيها فيفصل فيها وإذا اشتبه على الإنسان ذلك فينبغي أن يصلي أربعا بعد الجمعية وينوي بها آخر فرض أدركت وقته، ولم أؤد بعد، فإن لم تصح الجمعة وقعت ظهره، وإن صحت كانت نفلا ا هـ. وفي القنية مصلي الجمعة في الرستاق لا ينوي الفرض بل ينوي صلاة الإمام ويصلي الظهر وأيهما قدم جاز ا هـ.
"قوله: ومنى مصر لا عرفات" فتجوز الجمعة بمنى، ولا تجوز بعرفات أما الأول فهو قولهما وقال محمد لا تجوز بمنى كعرفات واختلفوا في بناء الخلاف فقيل: مبني على أنها من توابع مكة عندهما خلافا له وهذا غير سديد؛ لأن بينهما أربع فراسخ، وتقدير التوابع للمصرية غير صحيح والصحيح أنه مبني على أنها تتمصر في أيام الموسم عندهما؛ لأن لها بناء وتنقل إليها الأسواق ويحضرها وال وقاض بخلاف عرفات؛ لأنها مفازة فلا تتمصر باجتماع الناس وحضرة السلطان أطلق المصنف فشمل ما إذا كان المصلي بها الجمعة الخليفة أو أمير الحجاز أو أمير العراق أو أمير مكة أو أمير الموسم مقيما كان أو مسافرا، وقد أخرجوا منه أمير الموسم، وهو الذي أمر بتسوية أمور الحجاج لا غير فإنه لا يجوز له إقامتها سواء كان مقيما أو مسافرا إلا إذا كان مأذونا من جهة أمير العراق أو أمير مكة، وقيل إن كان مقيما يجوز، وإن كان مسافرا لا يجوز والصحيح هو الأول كذا في البدائع وشمل التجميع بها في غير أيام الموسم.
وفي المحيط قيل: إنما تجوز الجمعة عندهما بمنى في أيام الموسم لا في غيرها، وقيل تجوز في جميع الأيام؛ لأن منى من فناء مكة ا هـ. وقد علمت فساد كونها من فناء مكة فترجح

 

ج / 2 ص -223-       وتؤدى في مصر في مواضع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تخصيص جوازها بأيام الموسم وأنها تصير مصرا في تلك الأيام وقرية في غيرها قال في فتح القدير: وهذا يفيد أن الأولى في قرى مصر أن لا تصح فيها إلا حال حضور المتولي فإذا حضر صحت وإذا ظعن امتنعت ا هـ.
وفي التجنيس، ولو نزل الخليفة أو والي العراق في المنازل التي في طريق مكة كالتغلبية ونحوها جمع؛ لأنها قرى تتمصر بمكان الحج فصار كمنى وأطلق في عرفات فشمل ما إذا كان الخليفة حاضرا بالإجماع كذا في البدائع، وإنما لا تقام صلاة العيد بمنى اتفاقا للتخفيف لا لكونها ليست مصرا.
"قوله: وتؤدى في مصر في مواضع" أي يصح أداء الجمعة في مصر واحد بمواضع كثيرة، وهو قول أبي حنيفة ومحمد، وهو الأصح؛ لأن في الاجتماع في موضع واحد في مدينة كبيرة حرجا بينا، وهو مدفوع كذا ذكر الشارح وذكر الإمام السرخسي أن الصحيح من مذهب أبي حنيفة جواز إقامتها في مصر واحد في مسجدين وأكثر وبه نأخذ لإطلاق: لا جمعة إلا في مصر شرط المصر فقط، وفي فتح القدير الأصح الجواز مطلقا خصوصا إذا كان مصرا كبيرا كمصر فإن في إلزام اتحاد الموضع حرجا بينا لاستدعائه تطويل المسافة على الأكثر وذكر في باب الإمامة أن الفتوى على جواز التعدد مطلقا وبما ذكرناه اندفع ما في البدائع من أن ظاهر الرواية جوازها في موضعين، ولا يجوز في أكثر من ذلك، وعليه الاعتماد ا هـ.
فإن المذهب الجواز مطلقا وإذا علمت ذلك فما في القنية ولما ابتلي أهل مرو بإقامة الجمعتين بها مع اختلاف العلماء في جوازهما ففي قول أبي يوسف والشافعي، ومن تابعهما باطلتان إن وقعتا معا وإلا فجمعة المسبوقين باطلة أمر أئمتهم بأداء الأربع بعد الجمعة حتما احتياطا ثم اختلفوا في نيتها والأحسن أن ينوي آخر ظهر عليه والأحوط أن يقول نويت آخر ظهر أدركت وقته، ولم أصله بعد؛ لأن ظهر يومه إنما يجب عليه بآخر الوقت في ظاهر المذهب، ثم اختلفوا في القراءة فقيل يقرأ الفاتحة والسورة في الأربع وقيل في الأوليين كالظهر، وهو اختياري، والمختار عندي أن يحكم فيها رأيه واختلفوا أنه هل يجب مراعاة الترتيب في الأربع بعد الجمعة بمرور العصر حسب اختلافهم في نيته، واختلفوا في سبق الجمعة بماذا يعتبر إذا اجتمعا في مصر واحد فقيل: بالشروع وقيل: بالفراغ وقيل بهما والأول أصح ا هـ. مبني كله على القول الضعيف المخالف للمذهب فليس الاحتياط في فعلها؛ لأنه العمل بأقوى الدليلين، وقد علمت أن مقتضى الدليل هو الإطلاق.
وأما ما استدل به من يمنع التعدد من أنها سميت جمعة لاستدعائها الجماعات فهي جامعة

 

ج / 2 ص -224-       لها فلا يفيده؛ لأنه حاصل مع التعدد؛ ولهذا قال العلامة ابن جرباش في النجعة في تعداد الجمعة لا يقال: إن القول بالاجتماع المطلق قول بالاحتياط، وهو متعين في مثله ليخرج به المكلف عن عهدة ما كلف به بيقين؛ لأن الاجتماع أخص من مطلق الاجتماع، ووجود الأخص يستلزم وجود الأعم من غير عكس ولأن الاحتياط هو العمل بأقوى الدليلين، ولم يوجد دليل عدم جواز التعدد بل قضية الضرورة عدم اشتراطه، وقد قال الله تعالى:  {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وقال تعالى:  {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] ا هـ. بلفظه مع ما لزم من فعلها في زماننا من المفسدة العظيمة، وهو اعتقاد الجهلة أن الجمعة ليست بفرض لما يشاهدون من صلاة الظهر فيظنون أنها الفرض، وأن الجمعة ليست بفرض فيتكاسلون عن أداء الجمعة فكان الاحتياط في تركها وعلى تقدير فعلها ممن لا يخاف عليه مفسدة منها فالأولى أن تكون في بيته خفية خوفا من مفسدة فعلها والله سبحانه الموفق للصواب.
"قوله: والسلطان أو نائبه" معطوف على المصر، والسلطان هو الوالي الذي لا والي فوقه، وإنما كان شرطا للصحة؛ لأنها تقام بجمع عظيم وقد تقع المنازعة في التقديم والتقدم، وقد تقع في غيره فلا بد منه تتميما لأمره ودخل تحت النائب العبد إذا قلد عمل ناحية فصلى بهم الجمعة جاز، ولا تجوز الأنكحة بتزويجه، ولا قضائه ودخل القاضي والشرطي لكن قال في الخلاصة وليس للقاضي أن يصلي الجمعة بالناس إذا لم يؤمر به ويجوز لصاحب الشرط، وإن لم يؤمر به وهذا في عرفهم ا هـ.
وفيها والي مصر مات، ولم يبلغ الخليفة موته حتى مضت بهم جمع، فإن صلى بهم خليفة الميت أو صاحب الشرط أو القاضي أجزأهم، ولو اجتمعت العامة على تقديم رجل لم يأمره القاضي، ولا خليفة الميت لم يجز، ولم تكن جمعة، ولو لم يكن ثمة قاض ولا خليفة الميت فاجتمع العامة على تقديم رجل جاز للضرورة، ولو مات الخليفة، وله ولاة وأمراء على أشياء من أمور المسلمين كانوا على ولايتهم يقيمون الجمع ا هـ.
وأطلق في السلطان فشمل العادل والجائر والمتغلب؛ ولهذا قال في الخلاصة: والمتغلب الذي لا عهد له أي لا منشور له إن كان سيرته فيما بين الرعية سيرة الأمراء ويحكم فيما بينهم بحكم الولاية تجوز الجمعة بحضرته ا هـ. والعبرة لأهلية النائب وقت الصلاة لا وقت الاستنابة حتى لو أمر الصبي أو الذمي وفوض إليهما الجمعة قبل يوم الجمعة فبلغ الصبي وأسلم الذمي

 

ج / 2 ص -225-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان لهما أن يصليا الجمعة، ولا ينافيه ما ذكره في الخلاصة قبله النصراني إذا أمر على مصر ثم أسلم ليس له أن يصلي الجمعة بالناس حتى يؤمر بعد الإسلام، وكذا الصبي إذا أمر ثم أدرك، وكذا لو استقضى صبي أو نصراني ثم أدرك الصبي وأسلم النصراني لم يجز حكمهما ا هـ. لأنه في الأول فوض إليه أمر الجمعة صريحا، وفي الثاني لا وظاهر ما في الخانية أن الفرق إنما هو قول بعض المشايخ وأن الراجح عدم الفرق؛ لأن التفويض وقع باطلا فعلى هذا المعتبر أهليته وقت الاستنابة، ولا خفاء في أن من فوض إليه أمر العامة في مصر فإن له أن يقيم الجمعة، وإن لم يفوضها إليه السلطان صريحا كما في الخلاصة من أن من فوض إليه أمر العامة من أصحاب السلطان فإن له إقامتها، ولا يخفى أن له الاستنابة كتولية خطيب في جامع كما هو الواقع في الأمصار وهذا متفق عليه، وإنما وقع الاشتباه في أن الخطيب المقرر من جهة الحاكم هل له أن يستنيب من غير ضرورة فصرح مثلا خسرو في شرح الدرر والغرر بأن الخطيب ليس له الاستنابة إلا أن يفوض إليه ذلك وهذا مما يجب حفظه والناس عنه غافلون ا هـ.
وقد عمل بذلك بعض القضاة في زماننا حتى أخرج خطيبا من وظيفته بسبب استنابته من غير إذن، وفي النجعة في تعداد الجمعة للعلامة ابن جرباش أحد شيوخ مشايخي إن إذن السلطان أو نائبه إنما هو شرط لإقامتها عند بناء المسجد ثم بعد ذلك لا يشترط الإذن لكل خطيب فإذا قرر الناظر خطيبا في مسجد فله إقامتها بنفسه وبنائبه وأن الإذن منسحب لكل من خطب وعبارته والحاصل أن حق التقدم في إمامة الجمعة حق الخليفة إلا أنه لا يقدر على إقامة هذا الحق بنفسه في كل الأمصار فيقسمها غيره بنيابته فالسابق في هذه النيابة في كل بلدة الأمير الذي ولي على تلك البلدة ثم الشرطي ثم القاضي ثم الذي ولاه قاضي القضاة.
وفي العتابية عن ابن المبارك الشرطي أولى من القاضي.
وفي الخانية الإمام إذا أحدث بعدما صلى ركعة من الجمعة فتقدم واحد من القوم لا بتقديم أحد لا تجوز صلاتهم خلفه، وإن قدمه واحد من جماعة السلطان ممن فوض إليه أمر العامة يجوز وإذ قد عرفت هذا فيتمشى عليه ما وقع في زماننا هذا من استئذان السلطان في إقامة الجمعة فيما يستجد من الجوامع فإن إذنه بإقامتها في ذلك الموضع لربه مصحح لإذن رب الجامع لمن يقيمه خطيبا ولإذن ذلك الخطيب لمن عساه أن يستنيبه، ولا يكون ذلك إذنا لمجهول ليقع فاسدا على ما توهمه البعض؛ لأنه لا بد أن يسأل السلطان في ذلك شخص معين بالضرورة لنفسه أو لغيره، فبروز الإذن يكون على وجه التعيين لا محالة؛ لأن الإذن إن كان للسائل فظاهر وإن كان لغيره فكذلك؛ لأن إذنه يقع إذنا للمسئول له وهو معلوم عند السائل معين له بل للإمام أيضا؛ لأن

 

ج / 2 ص -226-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السائل يجري ذكره عنده بما يصحح السؤال له، وهو كاف في صحة الإذن فإن مثل ذلك كاف في تولية القضاة والولاة، ألا ترى أن شخصا نائبا عن الإمام أو قريبا غائبا عن حضرته لو وصف له بأوصاف حميدة فولاه حال غيبته عنه صح، ولا يشترط معرفة شخصه في صحة توليته له فما بالك بما نحن فيه.
وإذا صح الإذن أعطي لمن أذن له حكم الوالي والقاضي في صحة الإقامة منه وممن يأذن له؛ لأن المصحح لصحتها ممن سوى الإمام من الإمام والشرطيين والقضاة إنما هو إقامة الإمام لهم وإذنه المحصل لدفع الفتنة الذي هو السبب الداعي لاشتراط الإمام في صحة إقامة الجمعة، وهو حاصل فيما ذكرنا فلا التفات لمتعنت - والله سبحانه وتعالى أعلم - ا هـ.
كلامه، وهو كلام حسن لكنه لم يستند فيه إلى نقل عن المشايخ وظاهر كلامهم يدل عليه.
قال الولوالجي في فتاويه الإمام إذا خطب فأمر من لم يشهد الخطبة أن يجمع بهم فأمر ذلك الرجل من شهد الخطبة فجمع بهم جاز؛ لأن الذي لم يشهد الخطبة من أهل الصلاة فصح التفويض إليه لكنه عجز لفقد شرط الصلاة، وهو سماع الخطبة فملك التفويض إلى الغير، ولو جمع هو، ولم يأمر لغيره لا يجوز بخلاف ما لو شرع في الصلاة ثم استخلف من لم يشهد الخطبة فإنه يجوز وكذلك إن تكلم هذا المقدم فاستقبل بهم جاز؛ لأنه إنما يؤدي الصلاة بالتحريمة الأولى ا هـ.
ووجه الدلالة أن الإمام إن كان المراد به نائب الوالي وهو الخطيب فقد جوز له الاستنابة في إقامة الجمعة، ولم يقيده بالحدث، ولا بالعذر وجوز لنائبه أن يستنيب مع أنه لم يفوض إليه ذلك صريحا.
وإن كان المراد بالإمام الوالي فقد جوز لنائبه أن يستنيب، وكل منهما يدل على جواز الاستنابة للخطيب من غير إذن، وقال في الهداية من باب القضاء، وليس للقاضي أن يستخلف على القضاء إلا أن يفوض إليه ذلك بخلاف المأمور بإقامة الجمعة حيث له أن يستخلف؛ لأنه على شرف الفوات لتوقته فكان الأمر به إذنا بالاستخلاف دلالة ولا كذلك القضاء ا هـ.
فقد جوز للمأموم بإقامتها الاستنابة، ولم يقيد بالعذر فدل على جوازها مطلقا وأما تقييد الشارح الزيلعي الاستخلاف بأن يكون أحدث فلا دليل عليه والظاهر من عباراتهم الإطلاق وذكر في البدائع أن كل من ملك إقامة صلاة الجمعة فإنه يملك إقامة غيره مقامه ا هـ.
وهو صريح في جواز الاستنابة للخطيب مطلقا أو كالصريح فيه وأيضا ليس الحدث قبل

 

ج / 2 ص -227-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصلاة من الضروريات لإمكان أن يذهب الخطيب للوضوء ثم يأتي فيصلي، وقد اتفقت كلمتهم على أن له الاستخلاف بشرط أن يكون النائب شهد الخطبة ليكون كأن النائب خطب بنفسه، ولم يقيدوا بإذن الحاكم فدل على ما قلنا.
وفي فتاوى الولوالجي إذا أحدث الإمام فقال لواحد فيهم اخطب، ولا تصل بهم فذهب، ولم يجئ أجزأه أن يخطب ويصلي بهم؛ لأنه نهاه عن الصلاة لكي يأتي فيصلي بهم فإذا لم يأت كان هذا تفويض الصلاة إليه، وقد وقع لبعض قضاة العساكر في زماننا بالقاهرة أنه كان يرى بأنه لا يصح تقريره في وظيفة الخطابة، وإنما يقرر فيها الحاكم، وهو المسمى بالباشا ولعله استند في ذلك إلى ما قدمناه عن الخلاصة من أن القاضي لا يقيمها إلا بإذن لكن قال في الظهيرية بعد نقل ما في الخلاصة وعن أبي يوسف أنه قال أما اليوم فالقاضي يصلي بهم الجمعة؛ لأن الخلفاء يأمرون القضاة أن يجمعوا بالناس لكن قيل أراد بهذا قاضي القضاة الذي يقال له قاضي قضاة الشرق والغرب كأبي يوسف في وقته أما في زماننا فالقاضي وصاحب الشرط لا يوليان ذلك ا هـ.
فالحاصل أن السلطان إذا ولى إنسانا قاضي القضاة بمصر فإن له أن يولي الخطباء ولا يتوقف على إذن كما أن له أن يستخلف للقضاء، وإن لم يؤذن له مع أن القاضي ليس له الاستخلاف إلا بإذن السلطان؛ لأن توليته قاضي القضاة إذن بذلك دلالة كما صرح به في فتح القدير من باب القضاء لكن ذكر في التجنيس أن في إقامة الجمعة للقاضي روايتين وبرواية المنع يفتى في ديارنا إذا لم يؤمر به، ولم يكتب في منشوره.
وأشار المصنف رحمه الله تعالى إلى أن الإمام إذا منع أهل المصر أن يجمعوا لم يجمعوا كما أن له يمصر موضعا كان له أن ينهاهم.
قال الفقيه أبو جعفر هذا إذا نهاهم مجتهدا بسبب من الأسباب وأراد أن يخرج ذلك المصر من أن يكون مصرا أما إذا نهاهم متعنتا أو إضرارا بهم فلهم أن يجمعوا على رجل يصلي بهم الجمعة، ولو أن إماما مصر مصرا ثم نفر الناس عنه لخوف عدو أو ما أشبه ذلك ثم عادوا إليه فإنهم لا يجمعوا إلا بإذن مستأنف من الإمام كذا في الخلاصة ودل كلامهم أن النائب إذا عزل قبل الشروع في الصلاة ليس له إقامتها؛ لأنه لم يبق نائبا لكن شرطوا أن يأتيه الكتاب بعزله أو يقدم عليه الأمير الثاني، فإن وجد أحدهما فصلاته باطلة، فإن صلى صاحب شرط جاز؛ لأن عمالهم على حالهم حتى يعزلوا كذا في الخلاصة وبه علم أن الباشا بمصر إذا عزل فالخطباء على حالهم، ولا يحتاجون إلى إذن جديد من الثاني إلا إذا عزلهم وقيدنا بكونه علم العزل قبل الشروع؛ لأنه لو شرع

 

ج / 2 ص -228-       ووقت الظهر فتبطل بخروجه، والخطبة قبلها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثم حضر وال آخر فإنه يمضي في صلاته كرجل أمره الإمام أن يصلي بالناس الجمعة ثم حجر عليه، وهو في الصلاة لا يعمل حجره؛ لأن شروعه صح، وإن حجر عليه قبل الشروع عمل حجره.
"قوله: ووقت الظهر" أي شرط صحتها أن تؤدى في وقت الظهر فلا تصح قبله، ولا بعده؛ لأن شرعية الجمعة مقام الظهر على خلاف القياس؛ لأنه سقوط أربع بركعتين فتراعى الخصوصيات التي ورد الشرع بها مما لم يثبت دليل على نفي اشتراطها، ولم يصلها عليه السلام خارج الوقت في عمره ولا بدون الخطبة فيه فيثبت اشتراطهما وكون الخطبة في الوقت بخلاف ما قام الدليل على عدم اشتراطه ككونها خطبتين بينهما جلسة إلى غير ذلك مما هو مسنون أو واجب كما سيأتي بيانه.
"قوله: فتبطل بخروجه" أي صلاة الجمعة بخروج وقت الظهر، ولو بعد القعود قدر التشهد لفوات شرطها فلا يبنى الظهر لاختلاف الصلاتين قدرا وحالا واسما أطلقه فشمل كل مصل لها؛ ولهذا قال في المحيط لو نام خلف الإمام في الجمعة، ولم ينتبه حتى خرج الوقت فسدت صلاته؛ لأنه لو أتم لصار قاضيا وقضاء الجمعة في غير وقتها لا يجوز، ولو انتبه في الوقت لم تفسد؛ لأنه صار مؤديا للجمعة في وقتها ا هـ.
وفي تهذيب القلانسي من باب المواقيت، وفي الجمعة لو خرج وقت الظهر تنقلب تطوعا عند أبي حنيفة وعندهما يبطل أصلا ا هـ.
ولا يخفى مخالفة أبي يوسف أصله هنا فإنه موافق للإمام في أنه إذا بطل الوصف لا يبطل الأصل، وفي السراج الوهاج معزيا إلى النوادر إمام صلى بالناس الجمعة فدخل معه رجل في الصلاة فزحمه الناس فلم يستطع الركوع والسجود حتى فرغ الإمام ودخل وقت العصر فإنه يتم الجمعة بغير قراءة بخلاف ما لو كان في الفجر والمسألة بحالها ثم طلعت الشمس حيث تفسد صلاته لعدم مصادفة الوقت وينبغي أن يكون ما في النوادر ضعيفا؛ لأن ما في المحيط يخالفه؛ لأنه لا فرق في اللاحق بين أن يكون عذره النوم أو الزحمة.
"قوله: والخطبة قبلها" أي وشرط صحتها الخطبة وكونها قبل الصلاة لما قدمناه من أن النبي صلى الله عليه وسلم ما صلاها دون الخطبة ونقل في فتح القدير الإجماع على اشتراط نفس الخطبة ولأنها شرط وشرط الشيء سابق عليه، ولو قال فيه أي في وقت الظهر لكان أولى؛ لأنه شرط حتى لو خطب قبله وصلى فيه لم تصح وشرط الشارح أن يكون بحضرة جماعة تنعقد بهم الجمعة، وإن كانوا صما أو نياما وظاهره أنه لا يكفي لوقوعها الشرط حضور واحد، وفي الخلاصة ما يخالفه فإنه قال لو خطب وحده، ولم يحضره أحد لا يجوز، وفي الأصل قال فيه

 

ج / 2 ص -229-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روايتان، ولو حضر واحد أو اثنان وخطب وصلى بالثلاثة جاز، ولو خطب بحضرة النساء لم يجز إن كن وحدهن انتهى.
وفي فتح القدير المعتمد أنه لو خطب وحده فإنه يجوز أخذا من قولهم يشترط عنده في التسبيحة والتحميدة أن يقال على قصد الخطبة فلو حمد لعطاس لا يجزي عن الواجب انتهى. وفيه نظر ظاهر؛ لأنه لا يدل على ما ذكره بشيء من أنواع الدلالات كما لا يخفى وصحح في الظهيرية أنه لو خطب وحده وأنه لا يجوز، وفي المضمرات معزيا إلى الزاد وهل تقوم الخطبة مقام الركعتين اختلف المشايخ منهم من قال تقوم؛ ولهذا لا تجوز إلا بعد دخول الوقت ومنهم من قال: لا تقوم، وهو الأصح؛ لأنه لا يشترط لها سائر شروط الصلاة من استقبال القبلة والطهارة وغير ذلك انتهى.
وفي البدائع ثم هي وإن كانت قائمة مقام الركعتين شرط وليست بركن؛ لأن صلاة الجمعة لا تقام بالخطبة فلم تكن من أركانها ا هـ.
وفي فتح القدير واعلم أن الخطبة شرط الانعقاد في حق من ينشئ التحريمة للجمعة لا في حق كل من صلاها واشتراط حضور الواحد أو الجمع ليتحقق معنى الخطبة؛ لأنها من النسبيات فعن هذا قالوا: لو أحدث الإمام فقدم من لم يشهدها جاز أن يصلي بهم الجمعة؛ لأنه بنى تحريمته على تلك التحريمة المنشأة فالخطبة شرط انعقاد الجمعة في حق من ينشئ التحريمة فقط، ألا ترى إلى صحتها من المقتدين الذين لم يشهدوا الخطبة فعلى هذا كان القياس فيما لو أفسد هذا الخليفة أن لا يجوز أن يستقبل بهم الجمعة لكنهم استحسنوا جواز استقباله بهم؛ لأنه لما قام مقام الأول التحق به حكما فلو فسد الأول استقبل بهم فكذلك الثاني فلو كان الأول أحدث قبل الشروع فقدم من لم يشهد الخطبة لا يجوز ا هـ.
ولم يشترط المصنف أنه يصلي عقب الخطبة بلا تراخ ففيه إشارة إلى أنه ليس بشرط فلذا قالوا: إن الخطبة تعاد على وجه الأولوية لو تذكر الإمام فائتة في صلاة الجمعة، ولو كانت الوتر حتى فسدت الجمعة لذلك فاشتغل بقضائها، وكذا لو كان أفسد الجمعة فاحتاج إلى إعادتها أو افتتح التطوع بعد الخطبة وإن لم يعد الخطبة أجزأه وكذا إذا خطب جنبا كذا في فتح القدير، ولم يفرق بين الفصل القليل والكثير وفرق بينهما في الخلاصة فقال: ولو خطب محدثا أو جنبا ثم توضأ أو اغتسل وصلى جاز، ولو خطب ثم رجع إلى بيته فتغدى أو جامع واغتسل ثم جاء استقبل الخطبة، وكذا في المحيط معللا بأن الأول من أعمال الصلاة بخلاف الثاني فإن ظاهره أن الاستقبال في الثاني لازم وإلا، فلا فرق بين الكل وقد صرح في السراج الوهاج بلزوم

 

ج / 2 ص -230-       وسن خطبتان بجلسة بينهما وطهارة قائما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاستئناف وبطلان الخطبة وهذا هو الظاهر؛ لأنه إذا طال الفصل لم يبق خطبة للجمعة بخلاف ما إذا قل وقد علم من تفاريعهم أنه لا يشترط في الإمام أن يكون هو الخطيب، وقد صرح في الخلاصة بأنه لو خطب صبي بإذن السلطان وصلى الجمعة رجل بالغ يجوز.
"قوله: وسن خطبتان بجلسة بينهما وطهارة قائما" كما روي عن أبي حنيفة أنه قال ينبغي أن يخطب خطبة خفيفة يفتتح بحمد الله تعالى ويثني عليه ويتشهد ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويعظ ويذكر ويقرأ سورة ثم يجلس جلسة خفيفة ثم يقوم فيخطب خطبة أخرى يحمد الله تعالى ويثني عليه ويتشهد ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمؤمنين والمؤمنات كما في البدائع، وقد علم من هذا أنه لا يعظ في الثانية؛ ولهذا قال في التجنيس أن الثانية كالأولى إلا أنه يدعو للمسلمين مكان الوعظ وظاهره أنه يسن قراءة آية في الثانية كالأولى.
والحاصل: كما في المجتبى أن الكلام في الخطبة في أربعة مواضع في الخطبة والخطيب والمستمع وشهود الخطبة.
أما الخطبة فتشتمل على فرض وسنة فأما الفرض فشيئان الوقت وذكر الله تعالى.
وأما سننها فخمسة عشر أحدها الطهارة حتى كرهت للمحدث والجنب وقال أبو يوسف لا يجوز وثانيها القيام وثالثها استقبال القوم بوجهه ورابعها قال أبو يوسف في الجوامع التعوذ في نفسه قبل الخطبة وخامسها أن يسمع القوم الخطبة، فإن لم يسمع أجزأه وسادسها ما روى الحسن عن أبي حنيفة أنه يخطب خطبة خفيفة.
وهي تشتمل على عشرة: أحدها - البداءة بحمد الله وثانيها - الثناء عليه بما هو أهله وثالثها - الشهادتان ورابعها - الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وخامسها - العظة والتذكير وسادسها - قراءة القرآن وتاركها مسيء وروي أنه صلى الله عليه وسلم قرأ فيها سورة العصر ومرة أخرى
{لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ}، وأخرى {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ}، وسابعها - الجلوس بين الخطبتين وثامنها - أن يعيد في الخطبة الثانية الحمد لله والثناء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تاسعها - أن يزيد فيها الدعاء للمؤمنين والمؤمنات وعاشرها - تخفيف الخطبتين بقدر سورة من طوال المفصل ويكره التطويل.
وأما الخطيب فيشترط فيه أن يتأهل للإمامة في الجمعة، والسنة في حقه الطهارة والقيام،

 

ج / 2 ص -231-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والاستقبال بوجهه للقوم وترك السلام من خروجه إلى دخوله في الصلاة وترك الكلام، وقال الشافعي إذا استوى على المنبر سلم على القوم وقوله صلى الله عليه وسلم
"إذا خرج الإمام فلا صلاة، ولا كلام" يبطل ذلك.
وأما المستمع فيستقبل الإمام إذا بدأ بالخطبة وينصت، ولا يتكلم ولا يرد السلام، ولا يشمت، ولا يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وقالا يصلي السامع في نفسه، وفي جواز قراءة القرآن وذكر الفقه والنظر فيه لمن يستمع الخطبة اختلاف المشايخ ويكره لمستمع الخطبة ما يكره في الصلاة كالأكل والشرب والعبث والالتفات.
وأما التخطي فمكروه عند أبي حنيفة وقالا إنما يكره بعد خروج الإمام وقال الرازي إنما يجوز قبله إذا لم يؤذ أحدا فأما تخطي السؤال فمكروه في جميع الأحوال بالإجماع.
وأما شهود الخطبة: فشرط في حق الإمام دون المأموم ا هـ. ما في "المجتبى".
وأطلق المصنف في الجلسة، ولم يبين قدرها للاختلاف فعند الطحاوي مقدار ما يمس موضع جلوسه من المنبر، وفي ظاهر الرواية مقدار ثلاث آيات كما في التجنيس وغيره ومن الغريب ما ذكره في السراج الوهاج أنه يستحب للإمام إذا صعد المنبر، وأقبل على الناس أن يسلم عليهم لأنه استدبرهم في صعوده ا هـ.
ومن المستحب أن يرفع الخطيب صوته كما في السراج الوهاج ومنه أن يكون الجهر في الثانية دون الأولى كما في شرح الطحاوي، وفي التجنيس وينبغي أن تكون الخطبة الثانية الحمد لله نحمده ونستعينه إلى آخره؛ لأن هذا هو الثانية التي كان يخطب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الخلفاء الراشدين مستحسن بذلك جرى التوارث ويذكر العمين ا هـ. ثم قولهم إن السنة في المستمع استقبال الإمام مخالف لما عليه عمل الناس من استقبال المستمع للقبلة؛ ولهذا قال في التجنيس والرسم في زماننا أن القوم يستقبلون القبلة قال؛ لأنهم لو استقبلوا الإمام لخرجوا في تسوية الصفوف بعد فراغه لكثرة الزحام وجزم في الخلاصة بأنه يستحب استقباله إن كان أمام الإمام، وإن كان عن يمين الإمام أو عن يساره قريبا من الإمام ينحرف إلى الإمام مستعدا للسماع ومن السنة أن يكون الخطيب على منبر اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

ج / 2 ص -232-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي المضمرات معزيا إلى روضة العلماء: الحكمة في أن الخطيب يتقلد سيفا ما قد سمعت الفقيه أبا الحسن الرستغفني يقول: كل بلدة فتحت عنوة بالسيف يخطب الخطيب على منبرها متقلدا بالسيف يريهم أنها فتحت بالسيف فإذا رجعتم عن الإسلام فذلك السيف باق في أيدي المسلمين نقاتلكم به حتى ترجعوا إلى الإسلام وكل بلدة أسلم أهلها طوعا يخطبون فيها بلا سيف ومدينة النبي صلى الله عليه وسلم فتحت بالقرآن فيخطب الخطيب بلا سيف وتكون تلك البلدة عشرية ومكة فتحت بالسيف فيخطب مع السيف ا هـ.
وهذا مفيد لكونه يتقلد بالسيف لا أنه يمسكه بيده كما هو المتعارف مع أن ظاهر ما في الخلاصة كراهة ذلك فإنه قال ويكره أن يخطب متكئا على قوس أو عصا لكن قال في الحاوي القدسي إذا فرغ المؤذنون قام الإمام والسيف بيساره، وهو متكئ عليه ا هـ. وهو صريح فيه إلا أن يفرق بين السيف وغيره، وفي المجتبى ويخطب بالسيف في البلدة التي فتحت بالسيف.
وفي السراج الوهاج وأما الدعاء للسلطان في الخطبة فلا يستحب لما روي أن عطاء سئل عن ذلك فقال: إنه محدث، وإنما كانت الخطبة تذكيرا، وفي الخلاصة وغيرها الدنو من الإمام أفضل من التباعد على الصحيح ومنهم من اختار التباعد حتى لا يسمع مدح الظلمة في الخطبة؛ ولهذا اختار بعضهم أن الخطيب ما دام في الحمد والمواعظ فعليهم الاستماع فإذا أخذ في مدح الظلمة والثناء عليهم فلا بأس بالكلام حينئذ وحكي في الظهيرية والخانية عن إبراهيم النخعي وإبراهيم بن مهاجر أنهما كانا يتكلمان وقت الخطبة فقيل لإبراهيم النخعي في ذلك فقال إني صليت الظهر في داري ثم رحت إلى الجمعة تقية؛ ولذلك تأويلان أحدهما أن الناس كانوا في ذلك الزمان فريقين فريق منهم لا يصلي الجمعة؛ لأنه كان لا يرى الجائر سلطانا وسلطانهم يومئذ كان جائرا فإنهم كانوا لا يصلون الجمعة من أجل ذلك.
وكان فريق منهم يترك الجمعة؛ لأن السلطان كان يؤخر الجمعة عن وقتها في ذلك الزمان فكانوا يأتون الظهر في دارهم ثم يصلون مع الإمام ويجعلونها سبحة أي نافلة ا هـ.
وقد سمعت في زماننا أن بعضهم يترك الجمعة متأولا بالتأويل الأول وهو فاسد؛ لأن فاعله مجتهد رأى ذلك وأما المقلد لأبي حنيفة فحرام عليه ذلك؛ لأن مذهب إمامه أن الجائر سلطان كما قدمناه وفي أول التجنيس معزيا إلى الفقيه أبي الليث ينبغي أن يكون في مجلس الواعظ الخوف والرجاء، ولا يجعل كله خوفا ولا كله رجاء؛ لأنه ورد النهي عن ذلك ولأن الأول يفضي إلى القنوط والثاني إلى الأمن فيجمع بينهما.

 

ج / 2 ص -233-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال الإمام أبو بكر الرستغفني يجب أن يتكلم في الرحمة والرجاء لقوله عليه الصلاة والسلام
"يسروا، ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا" ولأن من رجع إلى الباب بالكرامة يكون أثبت ا هـ. وفي القنية قال أبو يوسف في الجامع ينبغي للخطيب إذا صعد المنبر أن يتعوذ بالله في نفسه قبل الخطبة ا هـ.
وفي ضياء الحلوم مختصر شمس العلوم خطب على المنبر خطبة بضم الخاء وخطب المرأة خطبة بكسر الخاء قال الله تعالى:
{مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: 235]، وفي الحديث "لا يخطبن أحدكم على خطبة أخيه" ا هـ.
وفي الحاوي القدسي والسنة أن يكون جلوس الإمام في مخدعه عن يمين المنبر، فإن لم يكن ففي جهته أو ناحيته وتكره صلاته في المحراب قبل الخطبة وليلبسن السواد اقتداء بالخلفاء وللتوارث في الأعصار والأمصار ا هـ. ولم أر فيما عندي من كتب أئمتنا حكم المرقى الذي يخرج الخطيب من مخدعه ويقرأ الآية كما هو المعهود هل هو مسنون أم لا وفي البدائع ويكره للخطيب أن يتكلم في حال خطبته إلا إذا كان أمرا بمعروف فلا يكره لكونه منها.
وفي خزانة الفقه لأبي الليث الخطب ثمان: خطبة الجمعة وخطبة عيد الفطر وخطبة عيد الأضحى وخطبة النكاح وخطبة الاستسقاء في قول أبي يوسف ومحمد وثلاث خطب في الحج واحدة منها بلا جلسة بمكة قبل يوم التروية بعد الظهر والثاني بعرفات قبل الظهر يجلس فيها جلسة خفيفة والثالثة بعد يوم النحر بيوم في منى يخطب خطبة واحدة بعد الظهر.
فيبدأ في ثلاث خطب منها بالتحميد وهي خطبة الجمعة والاستسقاء وخطبة النكاح.
وفي خمس يبدأ بالتكبير وهي خطبة عيد الفطر والأضحى وثلاث خطب الحج إلا أن الخطبة التي بمكة وعرفة يبدأ فيها بالتكبير ثم بالتلبية ثم بالخطبة ا هـ.

 

ج / 2 ص -234-       وكفت تحميدة أو تهليلة أو تسبيحة والجماعة: وهم ثلاثة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: وكفت تحميدة أو تهليلة أو تسبيحة" أي وكفى في الخطبة المفروضة مطلق ذكر الله تعالى على وجه القصد عند أبي حنيفة لإطلاقه في الآية الشريفة وقالا: الشرط أن يأتي بكلام يسمى خطبة في العرف وأقله قدر التشهد إلى عبده ورسوله تقييدا له بالمتعارف كما قالاه في القراءة وأبو حنيفة عمل بالقاطع والظني فقال بافتراض مطلق الذكر للآية وباستنان الخطبة المتعارفة لفعله عليه الصلاة والسلام تنزيلا للمشروعات على حسب أدلتها ويؤيده قصة عثمان المذكورة في كتب الفقه وهي أنه لما خطب في أول جمعة ولي الخلافة صعد المنبر فقال: الحمد لله فأرتج عليه فقال إن أبا بكر وعمر كانا يعدان لهذا المقام مقالا وأنتم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوال وستأتيكم الخطب بعد وأستغفر الله لي ولكم ونزل وصلى بهم، ولم ينكر عليه أحد منهم فكان إجماعا وأرتج بالتخفيف على الأصح أي استغلق عليه الخطبة فلم يقدر على إتمامها كذا في المغرب ومراد عثمان بقوله إنكم إلى إمام إلى آخره أن الخلفاء الذين يأتون بعد الخلفاء الراشدين تكون على كثرة المقال مع قبح الفعال فأنا، وإن لم أكن قوالا مثلهم فأنا على الخير دون الشر فأما أن يريد بهذا القول تفضيل نفسه على الشيخين فلا كذا في النهاية.
قيدنا الخطبة بالمفروضة؛ لأن المسنونة لا يكفي فيها مطلقه بل لا بد أن يأتي بما قدمناه وقيدنا بالقصد؛ لأنه لو عطس على المنبر فقال: الحمد لله على عطاسه لا ينوب عن الخطبة عند أبي حنيفة أيضا كما في التسمية على الذبيحة، وعن أبي حنيفة في رواية أخرى أنه يجزئه.
والفرق على هذه الرواية، وهو أن المأمور به في الخطبة الذكر مطلقا لقوله تعالى:
 {فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] وقد وجد، وفي باب الذبيحة المأمور الذكر عليه وذلك بأن يقصده والأول أصح كذا في التجنيس.
"قوله: والجماعة وهم ثلاثة" أي شرط صحتها أن يصلي مع الإمام ثلاثة فأكثر لإجماع العلماء على أنه لا بد فيها من الجماعة كما في البدائع، وإنما اختلفوا في مقدارها فما ذكره المصنف قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف اثنان سوى الإمام؛ لأنهما مع الإمام ثلاثة، وهي جمع مطلق؛ ولهذا يتقدمهما الإمام ويصطفان خلفه، ولهما أن الجمع المطلق شرط انعقاد الجمعة في حق كل واحد منهم وشرط جواز صلاة كل واحد منهم ينبغي أن يكون سواه فيحصل هذا الشرط ثم يصلي، ولا يحصل هذا الشرط إلا إذا كان سوى الإمام ثلاثة إذ لو كان مع الإمام اثنان لم يوجد في حق كل واحد منهم الشرط بخلاف سائر الصلوات؛ لأن الجماعة فيها ليست بشرط كذا في البدائع.

 

ج / 2 ص -235-       سوى الإمام فإن نفروا قبل سجوده بطلت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أطلق الثلاثة فشمل العبيد والمسافرين والمرضى والأميين والخرس لصلاحيتهم للإمامة في الجمعة إما لكل واحد أو لمن هو مثل حالهم في الأمي والأخرس فصلحا أن يقتديا بمن فوقهما كذا في المحيط، ولا يرد عليه النساء والصبيان فإن الجمعة لا تصح بهم وحدهم لعدم صلاحيتهم للإمامة فيها بحال؛ لأن النساء خرجن بالتاء في ثلاثة أي ثلاثة رجال، وكذا الصبي؛ لأنه ليس برجل كامل والمطلق ينصرف إلى الكامل وشمل ثلاثة غير الثلاثة الذين حضروا الخطبة لما في التجنيس وغيره إذا خطب بحضرة جماعة ثم نفروا وجاء آخرون لم يشهدوا الخطبة فصلى بهم الجمعة أجزأهم.
"قوله: سوى الإمام فإن نفروا قبل سجوده بطلت" بيان لكون الجماعة شرط انعقاد الأداء لا شرط انعقاد التحريمة عند أبي حنيفة وعندهما شرط انعقاد التحريمة.
وفائدته أنهم لو نفروا بعد التحريمة قبل تقييد الركعة بالسجدة فسدت الجمعة ويستقبل الظهر عنده وعندهما يتم الجمعة؛ لأنها شرط انعقاد التحريمة في حق المقتدي فكذا في حق الإمام والجامع أن تحريمة الجمعة إذا صحت صح بناء الجمعة عليها؛ ولهذا لو أدركه إنسان في التشهد صلى الجمعة عنده، وهو قول أبي يوسف إلا أن محمدا تركه هنا لما سيأتي ولأبي حنيفة أن الجماعة في حق الإمام لو جعلت شرط انعقاد التحريمة لأدى إلى الحرج؛ لأن تحريمته حينئذ لا تنعقد بدون مشاركة الجماعة إياه فيها وذا لا يحصل إلا أن تقع تكبيراتهم مقارنة لتكبيرة الإمام، وأنه مما يتعذر مراعاته وبالإجماع ليس بشرط فإنهم لو كانوا حضروا وكبر الإمام ثم كبروا صح تكبيره وصار شارعا في الصلاة وصحت مشاركتهم إياه فلم يجعل شرط انعقاد التحريمة لعدم الإمكان فجعلت شرط انعقاد الأداء، وهو بتقييد الركعة بالسجدة؛ لأن الأداء فعل والحاجة إلى كون الفعل أداء للصلاة.
وفعل الصلاة هو القيام والقراءة والركوع والسجود؛ ولهذا لو حلف لا يصلي فما لم يقيد الركعة بسجدة لا يحنث فإذا لم يقيدها لم يوجد الأداء فلم ينعقد فشرط دوام مشاركة الجماعة الإمام إلى الفراغ عن الأداء، ولا معتبر ببقاء النسوان والصبيان، ولا بما دون الثلاث من الرجال؛ لأن الجمعة لا تنعقد بهم فلو قال: فإن نفر واحد منهم لكان أولى قيد بقوله قبل سجوده أي الإمام؛ لأنهم لو نفروا بعد سجوده فإنها لا تبطل عندنا خلافا لزفر بناء على أنها عنده شرط بقائها منعقدة إلى آخر الصلاة كالطهارة وستر العورة وعندنا ليست بشرط للبقاء لما عرف في البدائع.
ومن فروع المسألة ما لو أحرم الإمام، ولم يحرموا حتى قرأ وركع فأحرموا بعدما ركع فإن .

 

ج / 2 ص -236-       والإذن العام. وشرط وجوبها: الإقامة والذكورة والصحة والحرية وسلامة العينين والرجلين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أدركوه في الركوع صحت الجمعة لوجود المشاركة في الركعة الأولى وإلا فلا لعدمها بخلاف المسبوق فإنه تبع للإمام فيكتفي بالانعقاد في حق الأصل لكونه بانيا على صلاته، ولا يخفى أن مراد المصنف أنهم نفروا قبل سجوده، ولم يعودوا قبل سجوده وإلا فلو نفروا قبله وعادوا إليه قبله فلا فساد كما في الخلاصة وفيها وإذا كبر الإمام ومعه قوم متوضئون فلم يكبروا معه حتى أحدثوا ثم جاء آخرون وذهب الأولون جاز استحسانا، ولو كانوا محدثين فكبر ثم جاء آخرون استقبل التكبير ا هـ.
"قوله: والإذن العام" أي شرط صحتها الأداء على سبيل الاشتهار حتى لو أن أميرا أغلق أبواب الحصن وصلى فيه بأهله وعسكره صلاة الجمعة لا تجوز كذا في الخلاصة، وفي المحيط، فإن فتح باب قصره وأذن للناس بالدخول جاز ويكره؛ لأنه لم يقض حق المسجد الجامع وعللوا الأول بأنها من شعائر الإسلام وخصائص الدين فيجب إقامتها على سبيل الاشتهار، وفي المجتبى فانظر إلى السلطان يحتاج إلى العامة في دينه ودنياه احتياج العامة إليه فلو أمر إنسانا يجمع بهم في الجامع، وهو في مسجد آخر جاز لأهل الجامع دون أهل المسجد إلا إذا علم الناس بذلك ا هـ. ولم يذكر صاحب الهداية هذا الشرط؛ لأنه غير مذكور في ظاهر الرواية، وإنما هو رواية النوادر كما في البدائع.
"قوله: وشرط وجوبها: الإقامة والذكورة والصحة والحرية وسلامة العينين والرجلين" فلا تجب على مسافر، ولا على امرأة، ولا مريض، ولا عبد ولا أعمى، ولا مقعد؛ لأن المسافر يحرج في الحضور، وكذا المريض والأعمى والعبد مشغول بخدمة المولى والمرأة بخدمة الزوج فعذروا دفعا للحرج والضرر، ولم أر حكم الأعمى إذا كان مقيما بالجامع الذي تصلى فيه الجمعة، وأقيمت وهو حاضر هل تجب عليه لعدم الحرج أو لا، وإنما لم يذكر العقل والبلوغ والإسلام؛ لأنها شرط كل تكليف فلا حاجة إلى ذكرها هنا كما في الخلاصة وأما الشيخ الكبير الذي ضعف فهو ملحق بالمريض فلا يجب عليه.
وفي فتح القدير والمطر الشديد والاختفاء من السلطان الظالم مسقط فلو قال المصنف وشرط وجوبها الإقامة والذكورة والصحة والحرية ووجود البصر والقدرة على المشي وعدم الحبس والخوف والمطر الشديد لكان أشمل وأشار المصنف باشتراط الحرية إلى عدم وجوبها على المكاتب والمأذون والعبد الذي حضر مع مولاه باب المسجد لحفظ الدابة، ولم يخل بالحفظ والعبد الذي يؤدي الضريبة لفقد الشرط لكن هل له صلاتها بغير إذن المولى.

 

ج / 2 ص -237-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال في التجنيس وإذا أراد العبد أن يخرج إلى الجمعة أو إلى العيدين بغير إذن مولاه إن كان يعلم أن مولاه يرضى بذلك جاز وإلا فلا يحل له الخروج بغير إذنه؛ لأن الحق له في ذلك، ولو رآه فسكت حل له الخروج إليها؛ لأن السكوت بمنزلة الرضى وعن محمد في العبد يسوق دابة مولاه إلى الجامع فإنه يشتغل بالحفظ، ولا يصلي الجمعة؛ لأنه لم يوجد الرضا بأداء الجمعة والأصح أن له ذلك إذا كان لا يخل بحق المولى في إمساك دابته ا هـ.
وفي السراج الوهاج، فإن أذن للعبد مولاه وجب عليه الحضور وقال بعضهم يتخير وصحح الوجوب على المكاتب ومعتق البعض، ولا يخفى ما فيه وجزم في الظهيرية في العبد الذي أذن له مولاه بالتخيير، وهو أليق بالقواعد فأشار باشتراط سلامة العينين إلى عدم وجوبها على الأعمى مطلقا أما إذا لم يجد قائدا فمجمع عليه، وإن وجده إما بطريق التبرع أو الإجارة أو معه مال يستأجره به فكذلك عند أبي حنيفة وعندهما تجب عليه وأشار باقتصاره على هذه الشروط إلى أنها لا تسقط عن الأجير.
وفي الخلاصة وللمستأجر منع الأجير عن حضور الجمعة وهذا قول الإمام أبي حفص وقال الإمام أبو علي الدقاق ليس له أن يمنعه لكن تسقط عنه الأجرة بقدر اشتغاله بذلك إن كان بعيدا، وإن كان قريبا لا يحط عنه شيء، وإن كان بعيدا أو اشتغل قدر ربع النهار حط عنه ربع الأجرة، فإن قال الأجير حط عني الربع بمقدار اشتغالي بالصلاة لم يكن له ذلك ا هـ. وظاهر المتون يشهد للدقاق، ولا حاجة إلى ذكر سلامة العينين والرجلين لدخولهما تحت الصحة كما وقع في كثير من الكتب مع أن ظاهر العبارة مشكل؛ لأنه يقتضي أن إحداهما لو لم تسلم فإنه لا تجب عليه صلاة الجمعة مع أن الأمر بخلافه؛ لأنه ليس بأعمى، ولا بمقعد فلو قال ووجود البصر والقدرة على المشي لكان أولى إلا أن يقال إن الألف واللام إذا دخلت على المثنى أبطلت معنى التثنية كالجمع فصار بمعنى المفرد وألحق بالمريض الممرض، وفي السراج الوهاج الأصح أنه إن بقي المريض ضائعا بخروجه لم يجب عليه.
وفي التجنيس الرجل إذا أراد السفر يوم الجمعة لا بأس به إذا خرج من العمران قبل خروج وقت الظهر؛ لأن الوجوب بآخر الوقت وآخر الوقت هو مسافر فلم يجب عليه صلاة الجمعة قال رضي الله عنه وحكي عن شمس الأئمة الحلواني أنه كان يقول لي في هذه المسألة إشكال، وهو أن اعتبار آخر الوقت إنما يكون فيما ينفرد بأدائه، وهو سائر الصلوات فأما الجمعة لا ينفرد هو بأدائها، وإنما يؤديها الإمام والناس فينبغي أن يعتبر وقت أدائهم حتى إذا كان لا يخرج من المصر قبل أداء الناس ينبغي أن يلزمه شهود الجمعة. ا هـ.

 

ج / 2 ص -238-       ومن لا جمعة عليه إن أداها جاز عن فرض الوقت، وللمسافر والعبد والمريض أن يؤم فيها وتنعقد بهم، ومن لا عذر له لو صلى الظهر قبلها كره
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: ومن لا جمعة عليه إن أداها جاز عن فرض الوقت"؛ لأنهم تحملوه فصاروا كالمسافر إذا صام وأشار بقوله جاز عن الفرض إلى أنهم أهل للتكليف فلا يرد عليه الصبي والمجنون، وإن دخلا تحت قوله، ومن لا جمعة عليه؛ ولهذا فصل في البدائع فيمن لا جمعة عليه فقال إن كان صبيا وصلاها فهي تطوع له وإن كان مجنونا فلا صلاة له أصلا وأما من كان أهلا للوجوب كالمريض والمسافر والمرأة والعبد يجزئهم ويسقط عنهم الظهر قيد بالجمعة؛ لأن من لا حج عليه إذا أدى الحج، فإن كان لفقد المال فإن الحج يسقط عنه حتى لو أيسر بعده فإنه لا حج عليه لما ذكرنا، وإن كان لعدم أهليته كالعبد إن أدى الحج مع مولاه فإنه لا يحكم بجوازه فرضا حتى يؤاخذ بحجة الإسلام بعد حريته والفرق أن المنع من الجمعة كان نظرا للمولى النظر هاهنا في الحكم بالجواز؛ لأنا لو لم نجوز، وقد تعطلت منافعه على المولى لوجب عليه الظهر فتتعطل عليه منافعه ثانيا فينقلب النظر ضررا وذا ليس بحكمة فتبين في الآخرة أن النظر في الحكم بالجواز فصار مأذونا دلالة كالعبد المحجور عليه إذا أجر نفسه أنه لا يجوز، ولو سلم من العمل يجوز ويجب عليه كمال الأجرة لما ذكرنا كذا هذا بخلاف الحج فإن هناك لا يتبين أن النظر للمولى في الحكم بالجواز؛ لأنه لا يؤاخذ للحال بشيء آخر إذا لم يحكم بجوازه بل يخاطب بحجة الإسلام بعد الحرية فلا يتعطل على المولى منافعه كذا في البدائع، ولم أر نقلا صريحا هل الأفضل لمن لا جمعة عليه صلاة الجمعة أو صلاة الظهر لكن ظاهر الهداية والعناية وغاية البيان أن الأفضل لهم صلاة الجمعة؛ لأنهم ذكروا أن صلاة الظهر لهم يوم الجمعة رخصة فدل أن العزيمة صلاة الجمعة وينبغي أن يستثنى منه المرأة فإن صلاتها في بيتها أفضل والله سبحانه وتعالى أعلم.
"قوله: وللمسافر والعبد والمريض أن يؤم فيها" أي في الجمعة وقال زفر لا يجزئه؛ لأنه لا فرض عليه وأشبه الصبي والمرأة ولنا أن هذه رخصة فإذا حضروا تقع فرضا على ما بينا أما أداء الصبي فمسلوب الأهلية، والمرأة لا تصلح لإمامة الرجال.
"قوله: وتنعقد بهم" أي الجمعة بالمسافر والعبد والمريض للإشارة إلى رد قول الشافعي أن هؤلاء تصح إمامتهم لكن لا يعتد بهم في العدد الذي تنعقد بهم الجمعة وذلك؛ لأنهم لما صلحوا للإمامة فلأن يصلحوا للاقتداء أولى كذا في العناية.
"قوله: ومن لا عذر له لو صلى الظهر قبلها كره" أي حرم قطعا، وإنما ذكر الكراهة اتباعا للقدوري مع أنه مما لا ينبغي فإنه أوقع بعض الجهلة في ضلالة من اعتقاد جواز تركها، وقد قدمنا

 

ج / 2 ص -239-       فإن سعى إليها بطل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن من أنكر فريضتها فهو كافر بالله تعالى قال في فتح القدير لا بد من كون المراد حرم عليه ذلك وصحت؛ لأنه ترك الفرض القطعي باتفاقهم الذي هو آكد من الظهر فكيف لا يكون مرتكبا محرما غير أن الظهر تقع صحيحة ا هـ.
فالحاصل أن فرض الوقت هو الظهر عندنا بدلالة الإجماع على أن بخروج الوقت يصلي الظهر بنية القضاء فلو لم يكن أصل فرض الوقت الظهر لما نوى القضاء ثم هو مأمور بإسقاطه والإتيان بالجمعة وعند زفر فرض الوقت هو الجمعة.
وفائدة الاختلاف تظهر في ثلاثة أحدها في هذه المسألة ثانيها لو نوى فرض الوقت يصير شارعا في الظهر عندنا وعنده في الجمعة ثالثها لو تذكر فائتة عليه وكان لو اشتغل بالقضاء تفوته الجمعة دون الظهر فإنه يقضي ويصلي الظهر بعده عندنا وعنده يصلي الجمعة، ولو كان بحال تفوته الظهر والجمعة لا يقضيها اتفاقا كذا في أكثر الكتب وفي المحيط ذكر ثلاثة أقوال عندهما فرض الوقت الظهر لكن العبد مأمور بإسقاطه عنه بأداء الجمعة وعند محمد الفرض هو الجمعة، وله أن يسقط بالظهر رخصة وروي عنه الفرض أحدهما لا بعينه ويتعين ذلك بأدائه وعند زفر والشافعي الفرض هو الجمعة والظهر بدل عنها في حق المعذور ا هـ. وقد ظهر للعبد الضعيف صحة كلام القدوري ومن تبعه في التعبير بالكراهة؛ لأن صلاة الظهر قبل أداء الجمعة من الإمام ليست مفوتة للجمعة حتى تكون حراما إنما المفوت لها عدم سعيه فإن سعيه بعد صلاة الظهر إليها فرض كما صرحوا به، فإن لم يسع فقد فوتها فحرم عليه ذلك وأما الصلاة، وأنها مكروهة فقط باعتبار أنها قد تكون سببا للتفويت باعتبار اعتماده عليها، وهم إنما حكموا على صلاة الظهر بالكراهة، ولم يقل أحد إن ترك الجمعة بغير عذر مكروه حتى يلزم ما ذكر من الإيقاع في جهالة فقوله في فتح القدير؛ لأن ترك الفرض القطعي ممنوع لما علمت أنه لا يلزم من صلاة الظهر ترك الفرض - والله سبحانه الموفق للصواب - قيد بقوله قبلها؛ لأنه لو صلى الظهر في منزله بعدما صلى الإمام الجمعة يجوز اتفاقا بلا كراهة كذا في غاية البيان مع أنه قد فوت الجمعة فنفس الصلاة غير مكروهة وتفويت الجمعة حرام، وهو مؤيد لما قلنا وقيد بقوله لا عذر له؛ لأن المعذور إذا صلى الظهر قبل الإمام فلا كراهة اتفاقا.
"قوله: فإن سعى إليها بطل" أي الظهر المؤدى عند أبي حنيفة بمجرد السعي إليها؛ لأنه مأمور بعد صلاة الظهر ينقضها بالذهاب إلى الجمعة فالذهاب إليها شروع في طريق نقضها المأمور به فيحكم بنقضها به احتياطا لترك المعصية وقالا لا تبطل حتى يدخل مع الإمام واختلفوا في معنى السعي إليها والمختار أنه الانفصال عن داره حتى لا يبطل قبله على المختار؛ لأن السعي

 

ج / 2 ص -240-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرافض لها هو السعي إليها على الخصوص ومثل ذلك السعي إنما يكون بعد خروجه من باب داره والمراد من السعي المشي لا الإسراع فيه، وإنما عبروا به اتباعا للآية وقيد بقوله سعى؛ لأنه لو كان جالسا في المسجد بعدما صلى الظهر فإنه لا يبطل حتى يشرع مع الإمام اتفاقا كذا في الحقائق.
وقيد بقوله: إليها لأنه لو خرج لحاجة أو خرج، وقد فرغ الإمام لم يبطل ظهره إجماعا فالبطلان به مقيد بما إذا كان يرجو إدراكها بأن خرج والإمام فيها أو لم يكن شرع وأطلق فشمل ما إذا لم يدركها لبعد المسافة مع كون الإمام فيها وقت الخروج أو لم يكن شرع، وهو قول البلخيين.
قال في السراج الوهاج، وهو الصحيح؛ لأنه توجه إليها وهي لم تفت بعد حتى لو كان بيته قريبا من المسجد وسمع الجماعة في الركعة الثانية وتوجه بعدما صلى الظهر في منزله بطل الظهر على الأصح أيضا لما ذكرنا، وفي النهاية إذا توجه إليها قبل أن يصليها الإمام ثم إن الإمام لم يصلها لعذر أو لغيره اختلفوا في بطلان ظهره والصحيح أنها لا تبطل، وكذا لو توجه إليها والإمام والناس فيها إلا أنهم خرجوا منها قبل إتمامها لنائبة فالصحيح أنه لا يبطل ظهره، ثم اعلم أن الضمير المستتر في قوله سعى يعود إلى مصلي الظهر لا إلى من لا عذر له ليكون أفيد وأشمل فإنه لا فرق بين المعذور وغيره في بطلان ظهره بسعيه كما في غاية البيان والسراج الوهاج لكن التعليل المذكور أولا لا يشمله؛ لأن المعذور ليس بمأمور بالسعي إليها مطلقا فكيف يبطل به فينبغي أن لا يبطل الظهر بالسعي، ولا بشروعه في صلاة الجمعة؛ لأن الفرض قد سقط عنه، ولم يكن مأمورا بنقضه فتكون الجمعة نفلا منه كما قال به زفر والشافعي وظاهر ما في المحيط أن ظهره إنما يبطل بحضوره الجمعة لا بمجرد سعيه كما في غير المعذور وهو أخف إشكالا وأسند المصنف البطلان إلى الظهر ليفيد أن أصل الصلاة لم يبطل فينقلب نفلا كما في السراج الوهاج.
وذكر في الظهيرية والخلاصة الرستاقي إذا سعى يوم الجمعة إلى مصر يريد به إقامة الجمعة وإقامة حوائج نفسه في المصر ومعظم مقصوده إقامة الجمعة ينال ثواب السعي إلى الجمعة، وإن كان قصده إقامة الحوائج لا غير أو كان معظم مقصودة إقامة الحوائج لا ينال ثواب السعي إلى الجمعة ا هـ. وبهذا يعلم أن من شرك في عبادته فإن العبرة للأغلب.
وقيد بسعي المصلي؛ لأن المأموم لو لم يسع إليها وسعى إمامه فإنه لا يبطل ظهر المأموم، وإن بطل ظهر إمامه؛ لأن بطلانه في حق الإمام بعد الفراغ فلا يضر المأموم كما صرح به في المحيط.

 

ج / 2 ص -241-       وكره للمعذور والمسجون أداء الظهر بجماعة في المصر، ومن أدركها في التشهد أو في سجود السهو أتم جمعة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: وكره للمعذور والمسجون أداء الظهر بجماعة في المصر"؛ لأن المعذور، وقد يقتدي به غيره فيؤدي إلى تركها، وما علل به في الهداية أولا بقوله لما فيه من الإخلال بالجمعة إذ هي جامعة للجماعات مبني على عدم جواز تعددها في مصر واحد، وهو خلاف المنصوص عليه رواية ودراية قيد بالمصر؛ لأن الجماعة غير مكروهة في حق أهل السواد؛ لأنه لا جمعة عليهم وأفاد بالكراهة أن الصلاة صحيحة لاستجماع شرائطها، وفي فتاوى الولوالجي قوم لا يجب عليهم أن يحضروا الجمعة لبعد الموضع صلوا الظهر جماعة؛ لأنه لا يؤدي إلى تقليل الجماعة في الجمعة ا هـ. فإن كانوا في السواد فظاهر، وإن كانوا في المصر فهي مستثناة من كلام المصنف، ولو حذف المصنف المعذور والمسجون لكان أولى فإن أداء الظهر بجماعة مكروه يوم الجمعة مطلقا.
قال في الظهيرية: جماعة فاتتهم الجمعة في المصر فإنهم يصلون الظهر بغير أذان، ولا إقامة، ولا جماعة ا هـ. وذكر الولوالجي، ولا يصلي يوم الجمعة جماعة في مصر، ولا يؤذن، ولا يقيم في سجن وغيره لصلاة، ولو زاد أو أداؤه منفردا قبل صلاة الإمام لكان أولى لما في الخلاصة ويستحب للمريض أن يؤخر الصلاة إلى أن يفرغ الإمام من صلاة الجمعة وإن لم يؤخره يكره هو الصحيح ا هـ. ولعله إما لاحتمال أن يقتدي به غيره فيؤدي إلى تركها أو يعافى فيحضرها وقد اقتصر في المجتبى على الثاني، وإنما صرح بالمسجون مع دخوله في المعذور للاختلاف في أهل السجن فإن في السراج الوهاج أن المسجونين إن كانوا ظلمة قدروا على إرضاء الخصوم، وإن كانوا مظلومين أمكنهم الاستغاثة وكان عليهم حضور الجمعة وقيد بالجماعة لما في التفاريق أن المعذور يصلي الظهر بأذان وإقامة وإن كان لا تستحب الجماعة وقيد بالظهر؛ لأن في غيرها لا بأس أن يصلوا جماعة وأشار المصنف إلى أن المساجد تغلق يوم الجمعة إلا الجامع لئلا يجتمع فيها جماعة كذا في السراج الوهاج وظاهر كلامهم أن الكراهة في مسألة الكتاب تحريمية؛ لأن الجماعة مؤدية إلى الحرام وما أدى إليه فهو مكروه تحريما.
"قوله: ومن أدركها في التشهد أو في سجود السهو أتم جمعة" يعني عند أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد: إن أدرك معه أكثر الركعة الثانية بنى عليها الجمعة وإن أدرك أقلها بنى عليها الظهر؛ لأنه جمعة من وجه ظهر من وجه لفوات بعض الشرائط في حقه فيصلي أربعا اعتبارا للظهر ويقعد لا محالة على رأس الركعتين اعتبارا للجمعة ويقرأ في الأخريين لاحتمال النفلية، ولهما أنه مدرك للجمعة في هذه الحالة حتى تشترط نية الجمعة وهي ركعتان، ولا وجه

 

ج / 2 ص -242-       وإذا خرج الإمام فلا صلاة، ولا كلام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لما ذكر؛ لأنهما مختلفان لا ينبني أحدهما على تحريمة الآخر ووجود الشرائط في حق الإمام يجعل موجودا في حق المسبوق وأشار المصنف رحمه الله إلى أنه لا بد أن ينوي الجمعة دون الظهر حتى لو نوى الظهر لم يصح اقتداؤه كذا في المبسوط، وفي المضمرات أنه مجمع عليه وأشار أيضا إلى أن الإمام يسجد للسهو وفي الجمعة والعيدين والمختار عند المتأخرين أن لا يسجد في الجمعة والعيدين لتوهم الزيادة من الجهال كذا في السراج الوهاج وغيره ثم إذا قام هذا المسبوق إلى قضائه كان مخيرا في القراءة إن شاء جهر، وإن شاء خافت كذا في السراج الوهاج أيضا.
وفي المجتبى، ولو زحمه الناس فلم يستطع السجود فوقف حتى سلم الإمام فهو لاحق يمضي في صلاته بغير قراءة ا هـ. وقيدنا الجمعة؛ لأن من أدرك الإمام في صلاة العيد في التشهد فإنه يتم العيد اتفاقا كذا في فتح القدير من صلاة العيد، وذكر في السراج أن عند محمد لم يصر مدركا للعيد، وفي الظهيرية معزيا إلى المنتقى مسافر أدرك الإمام يوم الجمعة في التشهد يصلي أربعا بالتكبير الذي دخل فيه ا هـ. وهو مخصص لما في المتون مقتض لحملها على ما إذا كانت الجمعة واجبة على المسبوق أما إذا لم تكن واجبة فإنه يتم ظهرا.
"قوله: وإذا خرج الإمام فلا صلاة، ولا كلام" لما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن علي وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم كانوا يكرهون الصلاة والكلام بعد خروج الإمام وقول الصحابي حجة ولأن الكلام يمتد طبعا فيخل بالاستماع والصلاة قد تستلزمه أيضا وبه اندفع قولهما أنه لا بأس بالكلام إذا خرج قبل أن يخطب وإذا نزل قبل أن يكبر وأجمعوا أن الخروج قاطع للصلاة، وفي العيون المراد إجابة المؤذن أما غيره من الكلام فيكره إجماعا كذا في السراج الوهاج وفسر الشارح الخروج بالصعود على المنبر وهكذا في المضمرات وذكر في السراج الوهاج يعني خرج من المقصورة وظهر عليهم وقيل صعد المنبر، فإن لم يكن في المسجد مقصورة يخرج منها لم يتركوا القراءة والذكر إلا إذا قام الإمام إلى الخطبة ا هـ. وفي شرح المجمع عباره الخروج واردة على عادة العرب من أنهم يتخذون للإمام مكانا خاليا تعظيما لشأنه فيخرج منه حين أراد الصعود هكذا شاهدناه في ديارهم، والقاطع في ديارنا يكون قيام الإمام للصعود ا هـ.
فالحاصل أن الإمام إن كان في خلوة فالقاطع انفصاله عنها وظهوره للناس وإلا فقيامه

 

ج / 2 ص -243-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للصعود وأطلق في الصلاة فشمل السنة وتحية المسجد ويدل عليه الحديث
"إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب يوم الجمعة أنصت فقد لغوت" فإنه يفيد بطريق الدلالة منعهما بالأولى؛ لأن المنع من الأمر بالمعروف وهو أعلى من السنة وتحية المسجد، وما في صحيح مسلم من قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا جاء أحدكم والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما" فمحمول على ما قيل تحريم الكلام فيها دفعا للمعارضة، وجوابهم بحمله على ما إذا أمسك عن الخطبة حتى يفرغ من صلاته كما أجابوا به في واقعة سليك الغطفاني فغير مناسب لمذهب الإمام لما علمت أنه يمنع الصلاة بمجرد خروجه قبل الخطبة إلى أن يفرغ من الصلاة.
وفي فتح القدير، ولو خرج وهو في السنة يقطع على ركعتين ا هـ. وهو قول ضعيف وعزاه قاضي خان إلى النوادر قال فإذا قطع يلزمه أربع ركعات، والصحيح خلافه كما في المحيط.
قال الولوالجي في "فتاواه": إذا شرع في الأربع قبل الجمعة ثم افتتح الخطبة أو الأربع قبل الظهر ثم أقيمت هل يقطع على رأس الركعتين تكلموا فيه والصحيح أنه يتم، ولا يقطع؛ لأنها بمنزلة صلاة واحدة واجبة ا هـ. وكذا في المبتغى بالغين المعجمة، ولا يرد عليه قضاء فائتة لم يسقط الترتيب بينهما وبين الوقتية فإنها لا تكره كما في السراج الوهاج؛ لأنه أطلق فيها لما قدمه أن الترتيب واجب بمعنى الشرط، وأطلق في منع الكلام فشمل الخطيب قال في البدائع: ويكره للخطيب أن يتكلم في حال الخطبة إلا إذا كان أمرا بمعروف فلا يكره لما روي أن عمر كان يخطب يوم الجمعة فدخل عليه عثمان فقال له أية ساعة هذه ؟ فقال له: ما زدت حين سمعت النداء يا أمير المؤمنين على أن توضأت فقال والوضوء أيضا، وقد علمت أن رسول الله أمر بالاغتسال ا هـ.

 

ج / 2 ص -244-       ويجب السعي وترك البيع بالأذان الأول
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فاستفيد منه أنه لا يسلم إذا صعد المنبر وروي أنه يسلم كما في السراج الوهاج وشمل التسبيح والذكر والقراءة، وفي النهاية اختلف المشايخ على قول أبي حنيفة قال بعضهم إنما كان يكره ما كان من كلام الناس أما التسبيح ونحوه فلا وقال بعضهم كل ذلك مكروه، والأول أصح ا هـ. وكذا في العناية وذكر الشارح أن الأحوط الإنصات ا هـ. ويجب أن يكون محل الاختلاف قبل شروعه في الخطبة ويدل عليه قوله على قول أبي حنيفة وأما وقت الخطبة فالكلام مكروه تحريما، ولو كان أمرا بمعروف أو تسبيحا أو غيره كما صرح به في الخلاصة وغيرها وزاد فيها أن ما يحرم في الصلاة يحرم في الخطبة من أكل وشرب وكلام وهذا إن كان قريبا، فإن كان بعيدا فقد تقدم من المصنف أن النائي كالقريب، وهو الأحوط في المحيط، وهو الأصح وأما دراسة الفقه والنظر في كتب الفقه ففيه اختلاف وعن أبي يوسف أنه كان ينظر في كتابه ويصححه وقت الخطبة، ولو لم يتكلم لكن أشار بيده أو بعينه حين رأى منكرا الصحيح أنه لا بأس به وشمل تشميت العاطس ورد السلام وعن أبي يوسف لا يكره الرد، وهو خلاف المذهب واختلفوا في الحمد إذا عطس السامع وصححوا أنه يرد في نفسه لكن ذكر الولوالجي أن الأصوب أنه لا يجب فيهما؛ لأنه يختل الإنصات وأنه مأمور به، وعليه الفتوى وكذا اختلفوا في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند سماع اسمه والصواب أنه يصلي في نفسه كما في فتح القدير، ولا يرد على المصنف لو رأى رجلا عند بئر فخاف وقوعه فيها أو رأى عقربا تدب إلى إنسان فإنه يجوز له أن يحذره وقت الخطبة؛ لأن ذلك يجب لحق آدمي، وهو محتاج إليه، والإنصات لحق الله تعالى ومبناه على المسامحة كما في السراج الوهاج، وفي المجتبى الاستماع إلى خطبة النكاح والختم وسائر الخطب واجب والأصح الاستماع إلى الخطبة من أولها إلى آخرها، وإن كان فيها ذكر الولاة ا هـ. ثم اعلم أن ما تعورف من أن المرقى للخطيب يقرأ الحديث النبوي وأن المؤذنين يؤمنون عند الدعاء ويدعون للصحابة بالرضى وللسلطان بالنصر إلى غير ذلك فكله حرام على مقتضى مذهب أبي حنيفة رحمه الله وأغرب منه أن المرقى ينهى عن الأمر بالمعروف بمقتضى الحديث الذي يقرؤه ثم يقول: أنصتوا رحمكم الله، ولم أر نقلا في وضع هذا المرقى في كتب أئمتنا.
"قوله: ويجب السعي وترك البيع بالأذان الأول" لقوله تعالى:  
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9]، وإنما اعتبر الأذان الأول لحصول الإعلام به ومعلوم أنه بعد الزوال إذ الأذان قبله ليس بأذان وهذا القول هو الصحيح في المذهب وقيل العبرة للأذان الثاني الذي يكون بين يدي المنبر؛ لأنه لم يكن في زمنه عليه الصلاة والسلام إلا هو، وهو ضعيف؛ لأنه لو اعتبر في وجوب السعي لم يتمكن من السنة القبلية

 

ج / 2 ص -245-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن الاستماع بل ربما يخشى عليه فوات الجمعة، وفي صحيح البخاري مسندا إلى السائب بن يزيد قال: كان النداء ليوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء قال البخاري الزوراء موضع بالسوق بالمدينة، وفي فتح القدير، وقد تعلق بما ذكرنا بعض من نفى أن للجمعة سنة فإنه من المعلوم أنه كان عليه السلام إذا رقي المنبر أخذ بلال في الأذان فإذا أكمله أخذ عليه السلام في الخطبة فمتى كانوا يصلون السنة ومن ظن أنهم إذا فرغ من الأذان قاموا فركعوا فهو من أجهل الناس وهذا مدفوع بأن خروجه عليه السلام كان بعد الزوال بالضرورة فيجوز كونه بعد ما كان يصلي الأربع ويجب الحكم بوقوع هذا المجوز لما قدمنا من عموم أنه كان عليه السلام يصلي إذا زالت الشمس أربعا، وكذا يجب في حقهم؛ لأنهم أيضا يعلمون الزوال كالمؤذن بل ربما يعلمونه بدخول الوقت ليؤذن ا هـ. والمراد من البيع ما يشغل عن السعي إليها حتى لو اشتغل بعمل آخر سوى البيع فهو مكروه أيضا كذا في السراج الوهاج وأشار بعطف ترك البيع على السعي إلى أنه لو باع أو اشترى حالة السعي فهو مكروه أيضا وصرح في السراج الوهاج بعدمها إذا لم يشغله وصرح بالوجوب ليفيد أن الاشتغال بعمل آخر مكروه كراهة تحريم؛ لأنه في رتبته ويصح إطلاق اسم الحرام عليه كما وقع في الهداية وبه اندفع ما في غاية البيان من أن فيه نظرا؛ لأن البيع وقت الأذان جائز لكنه مكروه فإن المراد بالجواز الصحة لا الحل وبه اندفع أيضا ما ذكره القاضي الإسبيجابي من أن البيع وقت النداء مكروه للآية، ولو فعل كان جائزا والأمر بالسعي من الله تعالى على الندب والاستحباب لا على الحتم والإيجاب ا هـ. فإنه يفيد أن الكراهة تنزيهية، وليس كذلك بل تحريمية اتفاقا؛ ولهذا وجب فسخه لو وقع، وأيضا قوله أن الأمر بالسعي للندب غير صحيح؛ لأنهم استدلوا به على فرضية صلاة الجمعة فعلم أنه للوجوب وقول الأكمل في شرح المنار إن الكراهة تنزيهية مردود لما علمت، وإنما لم يقل ويفترض السعي مع أنه فرض للاختلاف في وقته هل هو الأذان الأول أو الثاني أو العبرة لدخول الوقت في المضمرات والذي يبيع ويشتري في المسجد أو على باب المسجد أعظم إثما وأثقل وزرا

 

ج / 2 ص -246-       .........................................
ــــــــــــــــــــــــ
"قوله: فإذا جلس على المنبر أذن بين يديه وأقيم بعد تمام الخطبة" بذلك جرى التوارث، والضمير في قوله بين يديه عائد إلى الخطيب الجالس، وفي القدوري بين يدي المنبر، وهو مجاز إطلاقا لاسم المحل على الحال كما في السراج الوهاج فأطلق اسم المنبر على الخطيب، وفي كثير من الكتب لو سمع النداء وقت الأكل يتركه إذا خاف فوت الجمعة كخروج وقت المكتوبات بخلاف الجماعة في سائر الصلوات.
وفي المحيط وغيره ويستحب لمن حضر الجمعة أن يدهن ويمس طيبا إن وجده ويلبس أحسن ثيابه ويغتسل ويجلس في الصف الأول؛ لأن الصلاة فيه أفضل ثم تكلموا في الصف الأول قيل هو خلف الإمام في المقصورة وقيل ما يلي المقصورة وبه أخذ الفقيه أبو الليث؛ لأنه يمنع العامة عن الدخول في المقصورة فلا تتوصل العامة إلى نيل فضيلة الصف الأول ومن مات يوم الجمعة يرجى له فضل.
وفي البدائع وينبغي للإمام أن يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة مقدار ما يقرأ في صلاة الظهر، ولو قرأ في الأولى بسورة الجمعة وفي الثانية بسورة المنافقين أو في الأولى بـ
{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، وفي الثانية بسورة {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} فحسن تبركا بفعله عليه السلام ولكن لا يواظب على قراءتها بل يقرأ غيرها في بعض الأوقات كي لا يؤدي إلى هجر الباقي ولا يظنه العامة حتما، وفي الخلاصة، ولا يحل للرجل أن يعطي سؤال المساجد هكذا ذكر في الفتاوى.
قال الصدر الشهيد المختار أن السائل إذا كان لا يمر بين يدي المصلي، ولا يتخطى رقاب الناس، ولا يسأل إلحافا ويسأل لأمر لا بد له منه لا بأس بالسؤال والإعطاء وإذا حضر الرجل الجامع، وهو ملآن إن تخطى يؤذي الناس لم يتخط، وإن كان لا يؤذي أحدا بأن كان لا يطأ ثوبا ولا جسدا فلا بأس بأن يتخلى ويدنو من الإمام وعن أصحابنا بأنه لا بأس بالتخطي ما لم يأخذ الإمام في الخطبة - والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.

فإذا جلس على المنبر أذن بين يديه وأقيم بعد تمام الخطبة
15- باب صلاة  العيدين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
15- باب العيدين
أي صلاة العيدين، ولا خفاء في وجه المناسبة وسمي به لما أن لله - سبحانه وتعالى - فيه عوائد الإحسان إلى عباده أو؛ لأنه يعود ويتكرر أو؛ لأنه يعود بالفرح والسرور أو تفاؤلا بعوده

 

ج / 2 ص -247-       تجب صلاة العيد على من تجب عليه الجمعة بشرائطها سوى الخطبة، وندب يوم الفطر أن يطعم ويغتسل ويستاك ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على من أدركه كما سميت القافلة قافلة تفاؤلا بقفولها أي برجوعها وجمعه أعياد وكان حقه أعواد؛ لأنه من العود ولكن جمع بالياء للزومها في الواحد أو للفرق بينه وبين عود الخشب فإنه يجمع على عيدان وعود اللهو فإنه يجمع على أعواد كما في العيني، وكانت صلاة عيد الفطر في السنة الأولى من الهجرة كما رواه أبو داود مسندا إلى أنس رضي الله عنه قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ولهم يومان يلعبون فيهما فقال ما هذان اليومان ؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما يوم الأضحى ويوم الفطر".
"قوله: تجب صلاة العيد على من تجب عليه الجمعة بشرائطها سوى الخطبة" تصريح بوجوبها، وهو إحدى الروايتين عن أبي حنيفة، وهو الأصح كما في الهداية والمختار كما في الخلاصة، وهو قول الأكثرين كما في المجتبى ويدل عليه من جهة الرواية قول محمد في الأصل، ولا يصلي نافلة في جماعة إلا قيام رمضان وصلاة الكسوف فإنه لم يستثن العيد فعلم أنه ليس من النوافل ومن جهة الدليل مواظبته صلى الله عليه وسلم عليها من غير ترك، وفي رواية أخرى أنها سنة لقول محمد في الجامع الصغير في العيدين يجتمعان في يوم واحد قال يشهدهما جميعا ولا يترك واحدا منهما والأولى منهما سنة والأخرى فريضة قال في غاية البيان وهذا أظهر، ولم يعلله، وهو كذلك لوجهين أحدهما أن الجامع الصغير صنفه بعد الأصل فما فيه هو المعول عليه وثانيهما أنه صرح بالسنة بخلاف ما في الأصل والظاهر أنه لا خلاف في الحقيقة؛ لأن المراد من السنة السنة المؤكدة بدليل قوله، ولا يترك واحدا منهما وكما صرح به في المبسوط، وقد ذكرنا مرارا أنها بمنزلة الواجب عندنا؛ ولهذا كان الأصح أنه يأثم بترك المؤكدة كالواجب، وفي المجتبى الأصح أنها سنة مؤكدة وأفاد أن جميع شرائط الجمعة وجوبا وصحة شرائط للعيد إلا الخطبة فإنها ليست بشرط حتى لو لم يخطب أصلا صح وأساء لترك السنة، ولو قدمها على الصلاة صحت وأساء، ولا تعاد الصلاة وبه اندفع ما في السراج الوهاج من أن المملوك تجب عليه العيد إذا أذن له مولاه، ولا تجب عليه الجمعة؛ لأن الجمعة لها بدل، وهو الظهر، وليس كذلك العيد فإنه لا بدل له؛ لأن منافعه لا تصير مملوكة له بالإذن فحاله بعد الإذن كحاله قبله، وفي القنية صلاة العيد في الرساتيق تكره كراهة تحريم ا هـ؛ لأنه اشتغال بما لا يصح؛ لأن المصر شرط الصحة.
"قوله: وندب يوم الفطر أن يطعم ويغتسل ويستاك ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه" اقتداء

 

ج / 2 ص -248-       ويؤدي صدقة الفطر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالنبي صلى الله عليه وسلم ويستحب كون ذلك المطعوم حلوا لما روى البخاري كان عليه الصلاة والسلام لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهن وترا. وأما ما يفعله الناس في زماننا من جمع التمر مع اللبن والفطر عليه فليس له أصل في السنة وظاهر كلامهم تقديم الأحسن من الثياب في الجمعة والعيدين، وإن لم يكن أبيض، والدليل دال عليه فقد روى البيهقي أنه عليه الصلاة والسلام كان يلبس يوم العيد بردة حمراء، وفي فتح القدير واعلم أن الحلة الحمراء عبارة عن ثوبين من اليمن فيهما خطوط حمر وخضر لا أنها أحمر بحت فليكن محمل البردة أحدهما ا هـ. بدليل نهيه عليه السلام عن لبس الأحمر كما رواه أبو داود والقول مقدم على الفعل، والحاظر مقدم على المبيح لو تعارضا فكيف إذا لم يتعارضا بالحمل المذكور وزاد في الحاوي القدسي أن من المستحبات التزين وأن يظهر فرحا وبشاشة ويكثر من الصدقة حسب طاقته وقدرته وزاد في القنية استحباب التختم والتبكير، وهو سرعة الانتباه والابتكار، وهو المسارعة إلى المصلى وصلاة الغداة في مسجد حيه والخروج إلى المصلى ماشيا والرجوع في طريق آخر والتهنئة بقوله تقبل الله منا ومنكم لا تنكر، وفي المجتبى، فإن قلت عد الغسل هاهنا مستحبا، وفي الطهارة سنة قلت للاختلاف فيه والصحيح أنه سنة وسماه مستحبا لاشتمال السنة على المستحب وعد سائر المستحبات المذكورة هنا في بعض الكتب سنة ا هـ.
"قوله: ويؤدي صدقة الفطر" معطوف على يطعم فيقتضي أن يكون الأداء مندوبا، وهو كذلك؛ لأن الكلام كله قبل الخروج إلى المصلى فلصدقة الفطر أحوال.
أحدها: قبل دخول يوم العيد، وهو جائز.
ثانيها: يومه قبل الخروج وهو مستحب.
ثالثها: يومه بعد الصلاة، وهو جائز.
رابعها: بعد يوم الفطر، وهو صحيح ويأثم بالتأخير إلا أنه يرتفع بالأداء كمن أخر الحج بعد القدرة فإنه يأثم ثم يزول بالأداء كما سيأتي، وإنما استحب الأداء قبله للحديث
"من أداها قبل

 

ج / 2 ص -249-       ثم يتوجه إلى المصلى غير مكبر، ومتنفل قبلها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات" ولقوله عليه الصلاة والسلام "أغنوهم في هذا اليوم عن المسألة"، ولأن المستحب أن يأكل قبل الخروج إلى المصلى فيقدم للفقير ليأكل قبلها فيتفرغ قلبه للصلاة.
"قوله: ثم يتوجه إلى المصلى" ضبطه في غاية البيان بالرفع وقال لا بالنصب، ولم يبين وجهه، ووجهه أن التوجه واجب، وليس بمستحب؛ ولهذا أتى بأسلوب آخر، وهو العطف بثم وفي السراج الوهاج المستحب أن يتوجه ماشيا، ولا يركب في الرجوع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما ركب في عيد، ولا جنازة، ولا بأس أن يركب في الرجوع؛ لأنه غير قاصد إلى قربة، وفي التجنيس والخروج إلى الجبانة سنة لصلاة العيد، وإن كان يسعهم المسجد الجامع عند عامة المشايخ هو الصحيح ا هـ.
وفي المغرب الجبانة المصلى العام في الصحراء، وعلى هذا فيجوز أن يكون منصوبا عطفا على يطعم؛ لأن التوجه إلى المصلى مندوب كما أفاده في التجنيس، وإن كانت صلاة العيد واجبة حتى لو صلى العيد في الجامع، ولم يتوجه إلى المصلى فقد ترك السنة، وإنما أتى بثم لإفادة أن التوجه متراخ عن جميع الأفعال السابقة، وفي الخلاصة، ولا يخرج المنبر إلى الجبانة يوم العيد واختلف المشايخ في بناء المنبر في الجبانة قال بعضهم يكره وقال بعضهم: لا يكره وفي نسخة الإمام خواهر زاده هذا حسن في زماننا وعن أبي حنيفة أنه لا بأس به ا هـ.
"قوله: غير مكبر ومتنفل قبلها" أي قبل صلاة العيد.
أما الأول فظاهر كلامه أنه لا يكبر يوم الفطر قبل صلاة العيد لا جهرا، ولا سرا، وأنه لا فرق بين التكبير في البيت أو في الطريق أو في المصلى قبل الصلاة لكن أفاد بعد ذلك أن أحكام الأضحى كالفطر إلا أنه يكبر في الطريق جهرا فصار معنى كلامه هنا أنه لا يكبر في الطريق جهرا، وفي غاية البيان المراد من نفي التكبير بصفة الجهر؛ لأن التكبير خير موضوع لا خلاف في جوازه بصفة الإخفاء ا هـ.
وفي الخلاصة ما يخالفه قال: ولا يكبر يوم الفطر وعندهما يكبر ويخافت، وهو إحدى الروايتين عن أبي حنيفة والأصح ما ذكرنا أنه لا يكبر في عيد الفطر ا هـ. فأفاد أن الخلاف في أصله لا في صفته وأن الاتفاق على عدم الجهرية ورده في فتح القدير بأنه ليس بشيء إذ لا

 

ج / 2 ص -250-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يمنع من ذكر الله بسائر الألفاظ في شيء من الأوقات بل من إيقاعه على وجه البدعة فقال أبو حنيفة رفع الصوت بالذكر بدعة ويخالف الأمر من قوله تعالى:  
{وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ} [الأعراف: 205] فيقتصر على مورد الشرع، وقد ورد به في الأضحى، وهو قوله تعالى:  {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] جاء في التفسير أن المراد التكبير في هذه الأيام ا هـ. وهو مردود؛ لأن صاحب الخلاصة أعلم بالخلاف منه ولأن ذكر الله تعالى إذا قصد به التخصيص بوقت دون وقت أو بشيء دون شيء لم يكن مشروعا حيث لم يرد الشرع به؛ لأنه خلاف المشروع وكلامهم إنما هو فيما إذا خص يوم الفطر بالتكبير؛ ولهذا قال في غاية البيان من باب المهر عند ذكر المتعة وقوله: ولا يكبر في طريق المصلى عند أبي حنيفة أي حكما للعيد ولكن لو كبر؛ لأنه ذكر الله تعالى يجوز ويستحب ا هـ.
فالحاصل أن الجهر بالتكبير بدعة في كل وقت إلا في المواضع المستثناة وصرح قاضي خان في فتاويه بكراهة الذكر جهرا وتبعه على ذلك صاحب المستصفى، وفي الفتاوى العلامية وتمنع الصوفية من رفع الصوت والصفق وصرح بحرمته العيني في شرح التحفة وشنع على من يفعله مدعيا أنه من الصوفية واستثنى من ذلك في القنية ما يفعله الأئمة في زماننا فقال إمام يعتاد في كل غداة مع جماعته قراءة آية الكرسي وآخر البقرة و شهد الله، ونحوه جهرا لا بأس به والأفضل الإخفاء ثم قال التكبير جهرا في غير أيام التشريق لا يسن إلا بإزاء العدو أو اللصوص وقاس عليه بعضهم الحريق والمخاوف كلها ثم رقم برقم آخر قاص وعنده جمع كثير يرفعون أصواتهم بالتهليل والتسبيح جملة لا بأس به والإخفاء أفضل، ولو اجتمعوا في ذكر الله والتسبيح والتهليل يخفون والإخفاء أفضل عند الفزع في السفينة أو ملاعبتهم بالسيوف، وكذا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. ا هـ. وأما التكبير خفية، فإن قصد أن يكون لأجل يوم الفطر فهو مكروه أيضا، وإلا فهو مستحب، ولو كان يوم الفطر.
وأما الثاني، وهو التنفل قبلها فهو مكروه وأطلقه فشمل ما إذا كان في المصلى أو في البيت ولا خلاف فيما إذا كان في المصلى واختلفوا فيما إذا تنفل في البيت فعامتهم على الكراهة، وهو الأصح كما في غاية البيان وقيد بقوله قبلها؛ لأن التنفل بعدها فيه تفصيل، فإن كان في المصلى فمكروه عند العامة وإن كان في البيت فلا ودليل الكراهة ما في الكتب الستة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم
"خرج فصلى بهم العيد لم يصل قبلها، ولا بعدها"

 

ج / 2 ص -252-       وهي ثلاث في كل ركعة، يوالي بين القراءتين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: وهي ثلاث في كل ركعة" أي الزوائد ثلاث تكبيرات في كل ركعة، وهو قول ابن مسعود رضي الله عنه وبه أخذ أئمتنا أبو حنيفة وصاحباه وأما ما في الخلاصة وعن أبي يوسف كما قال ابن عباس رضي الله عنهما خمس في الأولى وخمس في الثانية أو أربع على اختلاف الروايات والأئمة في زماننا يكبرون على مذهب ابن عباس؛ لأن الخلفاء شرطوا عليهم ذلك ا هـ. فليس مذهبا لأبي يوسف، وإنما فعله امتثالا لأمر هارون الرشيد.
قال في السراج الوهاج لما انتقلت الولاية إلى بني العباس أمروا الناس بالعمل في التكبيرات بقول جدهم وكتبوا ذلك في مناشيرهم وهذا تأويل ما روي عن أبي يوسف أنه قدم بغداد فصلى بالناس صلاة العيد وخلفه هارون الرشيد فكبر تكبير ابن عباس فيحتمل أن هارون أمره أن يكبر تكبير جده ففعله امتثالا لأمره وأما مذهبه فهو على تكبير ابن مسعود رضي الله عنه؛ لأن التكبير ورفع الأيدي خلاف المعهود فكان الأخذ فيه بالأقل أولى ا هـ. وكذا هو مروي عن محمد قال في الظهيرية إنهما فعلا ذلك امتثالا لأمر الخليفة لا مذهبا، ولا اعتقادا وذكر في المجتبى ثم يأخذ بأي هذه التكبيرات شاء، وفي رواية عن أبي يوسف ومحمد قال في الموطإ بعد ذكر الروايات فما أخذت به فحسن، ولو كان فيها ناسخ ومنسوخ لكان محمد بن الحسن أولى بمعرفته لقدمه في علم الحديث والفقه وقيل الآخر ناسخ للأول والصحيح ما قلناه والأخذ بتكبيرات ابن مسعود أولى ا هـ. وبهذا ظهر أن الخلاف في الأولوية.
وفي المحيط، ولو كبر الإمام أكثر من تكبير ابن مسعود اتبعه ما لم يكبر أكثر مما جاء به الآثار؛ لأنه مولى عليه فيلزمه العمل برأي الإمام وذلك إلى ستة عشر، فإن زاد لا يلزمه متابعته؛ لأنه مخطئ بيقين، ولو سمع التكبيرات من المكبرين يأتي بالكل احتياطا، وإن كثر لاحتمال الغلط من المكبرين؛ ولهذا قيل ينوي بكل تكبيرة الافتتاح لاحتمال التقدم على الإمام في كل تكبيرة ا هـ. ثم قال الأصل أن المنفرد يتبع رأي نفسه في التكبيرات والمقتدي يتبع رأي إمامه، ومن أدرك الإمام راكعا في صلاة العيد فخشي أن يرفع رأسه يركع ويكبر في ركوعه عندهما خلافا لأبي يوسف، ولو أدركه في القيام فلم يكبر حتى ركع لا يكبر في الركوع على الصحيح كما لو ركع الإمام قبل أن يكبر فإن الإمام لا يكبر في الركوع، ولا يعود إلى القيام ليكبر في ظاهر الرواية، ومن فاتته أول الصلاة مع الإمام يكبر في الحال ويكبر برأي نفسه.
"قوله: يوالي بين القراءتين" اقتداء بابن مسعود رضي الله عنه ولتكون التكبيرات مجتمعة؛ لأنها من أعلام الشريعة ولذلك وجب الجهر بها والجمع يحقق معنى الشعائر والإعلام هذا إلا أن في الركعة الأولى تخللت الزوائد بين تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع فوجب الضم إلى

 

ج / 2 ص -253-       ويرفع يديه في الزوائد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إحداهما والضم إلى تكبيرة الافتتاح أولى؛ لأنها سابقة، وفي الركعة الثانية الأصل فيه تكبيرة الركوع لا غيره فوجب الضم إليها ضرورة كذا في المحيط والهداية، والظاهر أن المراد بالوجوب في عبارتهما الثبوت لا المصطلح عليه؛ لأن الموالاة بينهما مستحبة لما تقدم من أن الخلاف في الأولوية ثم المسبوق بركعة إذا قام إلى القضاء فإنه يقرأ ثم يكبر؛ لأنه لو بدأ بالتكبير يصير مواليا بين التكبيرات، ولم يقل به أحد من الصحابة، ولو بدأ بالقراءة يصير فعله موافقا لقول علي فكان أولى كذا في المحيط، وهو مخصص لقولهم إن المسبوق يقضي أول صلاته في حق الأذكار ويكبر المسبوق على رأي نفسه بخلاف اللاحق فإنه يكبر على رأي إمامه؛ لأنه خلف الإمام حكما كذا في السراج الوهاج، وفي المجتبى الأصل أن من قدم المؤخر أو أخر المقدم ساهيا أو اجتهادا، فإن كان لم يفرغ مما دخل فيه يعيد، وإن فرغ لا يعود ا هـ.
وفي المحيط إن بدأ الإمام بالقراءة سهوا ثم تذكر، فإن فرغ من قراءة الفاتحة والسورة يمضي في صلاته، وإن لم يقرأ إلا الفاتحة كبر وأعاد القراءة لزوما؛ لأن القراءة إذا لم تتم كان امتناعا عن الإتمام لا رفضا للفرض، ولو تحول رأيه بعد ما صلى ركعة وكبر بالقول الثاني، فإن تحول إلى قول ابن عباس بعدما كبر بقول ابن مسعود وقرأ إن لم يفرغ من القراءة يكبر ما بقي من تكبيرات ابن عباس ويعيد القراءة، وإن فرغ من القراءة كبر ما بقي، ولا يعيد القراءة.
"قوله: ويرفع يديه في الزوائد" توضيح لما أبهمه سابقا بقوله، ولا يرفع الأيدي إلا في"فقعس صمعج"فإن العين الأولى للإشارة إلى العيدين فبين هنا أنه خاص بالزوائد دون تكبيرة الركوع فإن تكبيرتي الركوع لما ألحقت بالزوائد في كونهما واجبتين حتى يجب السهو بتركهما ساهيا كما صرح به في السراج الوهاج ربما توهم أنهما التحقتا بهما في الرفع أيضا فنص على أنه خاص بالزوائد وعن أبي يوسف لا يرفع يديه فيها، وهو ضعيف ويستثنى منه ما إذا كبر راكعا لكونه مسبوقا كما قدمناه فإنه لا يرفع يديه كما ذكره الإسبيجابي وقيل يرفع يديه.
وأشار المصنف إلى أنه يسكت بين كل تكبيرتين؛ لأنه ليس بينهما ذكر مسنون عندنا؛ ولهذا يرسل يديه عندنا وقدره مقدار ثلاث تسبيحات لزوال الاشتباه، وذكر في المبسوط أن هذا التقدير ليس بلازم بل يختلف بكثرة الزحام وقلته؛ لأن المقصود إزالة الاشتباه، ولم يذكر هنا الجهر بالقراءة لما علم سابقا في فضل القراءة ويقرأ فيهما كما يقرأ في الجمعة، وفي الظهيرية لو صلى خلف إمام لا يرى رفع اليدين عند تكبيرات الزوائد يرفع يديه، ولا يوافق الإمام في الترك ا هـ.

 

ج / 2 ص -254-       ويخطب بعدها خطبتين ويعلم الناس فيها أحكام صدقة الفطر. ولم تقض إن فاتت مع الإمام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: ويخطب بعدها خطبتين" اقتداء بفعله عليه الصلاة والسلام بخلاف الجمعة فإنه يخطب قبلها؛ لأن الخطبة فيها شرط والشرط متقدم أو مقارن، وفي العيد ليست بشرط؛ ولهذا إذا خطب قبلها صح وكره؛ لأنه خالف السنة كما لو تركها أصلا، وفي المجتبى ويبدأ بالتحميد في خطبة الجمعة وخطبة الاستسقاء وخطبة النكاح ويبدأ بالتكبيرات في خطبة العيدين ويستحب أن يستفتح الأولى بتسع تكبيرات تترى والثانية بسبع قال عبد الله بن عتبة بن مسعود: هو من السنة ويكبر قبل أن ينزل من المنبر أربع عشرة ا هـ. ويجب السكوت والاستماع في خطبة العيدين وخطبة الموسم كذا في المجتبى.
"قوله: ويعلم الناس فيها أحكام صدقة الفطر"؛ لأنها شرعت لأجله قال في السراج الوهاج وأحكامها خمسة على من تجب ولمن تجب ومتى تجب وكم تجب ومم تجب.
أما على من تجب فعلى الحر المسلم المالك للنصاب.
وأما لمن تجب فللفقراء والمساكين.
وأما متى تجب فبطلوع الفجر.
وأما كم تجب فنصف صاع من بر أو صاع من تمر أو شعير أو زبيب.
وأما مم تجب فمن أربعة أشياء المذكورة وأما ما سواها فبالقيمة.
"قوله: ولم تقض إن فاتت مع الإمام"؛ لأن الصلاة بهذه الصفة لم تعرف قربة إلا بشرائط لا تتم بالمنفرد فمراده نفي صلاتها وحده وإلا فإذا فاتت مع إمام وأمكنه أن يذهب إلى إمام آخر فإنه يذهب إليه؛ لأنه يجوز تعدادها في مصر واحد في موضعين وأكثر اتفاقا إنما الخلاف في الجمعة وأطلقه فشمل ما إذا كان في الوقت أو خرج الوقت، وما إذا لم يدخل مع الإمام أصلا أو دخل معه وأفسدها فلا قضاء عليه أصلا وقال أبو يوسف إذا أفسدها بعد الشروع يقضي؛ لأن الشروع في الإيجاب كالنذر كذا في المحيط، ولا يخفى أنه إذا لم يلزمه القضاء فالإثم عليه لترك الواجب من غير عذر كالسجدة الصلاتية إذا لم يسجد لها حتى فرغ من صلاته، وفي البدائع وأما حكمها إذا فسدت أو فاتت فكل ما يفسد سائر الصلوات والجمعة يفسدها من خروج الوقت، ولو بعد القعود وفوت الجماعة على التفصيل والاختلاف المذكور في الجمعة غير أنها إن فسدت بنحو حدث عمد يستقبلها، وإن فسدت بخروج الوقت سقطت، ولا يقضيها عندنا كالجمعة ولكنه يصلي أربعا مثل صلاة الضحى إن شاء؛ لأنها إذا فاتته لا يمكن تداركها بالقضاء

 

ج / 2 ص -255-       وتؤخر بعذر إلى الغد فقط وهي أحكام الأضحى لكن هنا يؤخر الأكل عنها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لفقد الشرائط فلو صلى مثل الضحى لنيل الثواب كان حسنا، وهو مروي عن ابن مسعود.
"قوله: وتؤخر بعذر إلى الغد فقط"؛ لأن الأصل فيها أن لا تقضى لكن ورد الحديث بتأخيرها إلى الغد للعذر فبقي ما عداه على الأصل فلا تؤخر إلى الغد بغير عذر، ولا إلى ما بعده بعذر ولما قدم أن انتهاء وقته زوال الشمس من اليوم الأول لم يحتج إلى التقييد هنا فالعبارة الجيدة وتؤخر بعذر إلى الزوال من الغد فقط، ولم يذكر في الكتب المعتبرة اختلاف في هذا وذكر في المجتبى عن الطحاوي في شرح الآثار أن هذا قول أبي يوسف وقال أبو حنيفة إن فاتت في اليوم الأول لم تقض لأبي يوسف حديث أنس قال أخبرني عمومتي من الأنصار أن الهلال خفي على الناس في آخر ليلة من شهر رمضان فأصبحوا صياما فشهدوا عند النبي صلى الله عليه وسلم بعد الزوال أنهم رأوا الهلال في الليلة الماضية فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالفطر فأفطروا وخرج بهم من الغد فصلى بهم صلاة العيد.
ولأبي حنيفة أن الأصل أن لا تقضى لكن تركناه في الأضحى لخصائص العيد ثمة، وهو جواز النحر وحرمة الصوم وفيما عداه جرينا على الأصل قال الطحاوي في حديث أنس
"وليخرجوا لعيدهم من الغد"، وليس فيه أنه صلى صلاة العيد بهم فيحتمل أن يكون خروجهم لإظهار سواد المسلمين وإرهابا لعدوهم ا هـ.
"قوله: وهي أحكام الأضحى" أي الأحكام المذكورة لعيد الفطر ثابتة لعيد الأضحى صفة وشرطا ووقتا ومندوبا لاستوائهما دليلا واستثنى المصنف رحمه الله من ذلك فقال:
"لكن هنا يؤخر الأكل" للاتباع فيهما، وهو مستحب، ولا يلزم من ترك المستحب ثبوت الكراهة إذ لا بد لها من دليل خاص فلذا كان المختار عدم كراهة الأكل قبل الصلاة وأطلقه فشمل من لا يضحي وقيل إنه لا يستحب التأخير في حقه وشمل من كان في المصر، ومن كان في السواد وقيده في غاية البيان بأن هذا في حق المصري أما القروي فإنه يذوق من حين أصبح، ولا يمسك كما في عيد الفطر؛ لأن الأضاحي تذبح في القرى من الصباح.

 

ج / 2 ص -256-       ويكبر في الطريق جهرا ويعلم الأضحية وتكبير التشريق في الخطبة وتؤخر بعذر إلى ثلاثة أيام، والتعريف ليس بشيء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: ويكبر في الطريق جهرا" للاتباع أيضا وظاهره أنه ليس بمستحب في البيت وفي المصلى، وفي المحيط ويكبر في حال خروجه إلى المصلى جهرا فإذا انتهى إلى المصلى يترك، وفي رواية لا يقطعها ما لم يفتتح الإمام الصلاة؛ لأنه وقت التكبير فإنه يكبر عقب الصلاة جهرا ويسن الجهر بالتكبير إظهارا للشعائر ا هـ. وجزم في البدائع بالأولى وعمل الناس في المساجد على الرواية الثانية.
"قوله: ويعلم الأضحية وتكبير التشريق في الخطبة"؛ لأنها شرعت لتعليم أحكام الوقت هكذا ذكروا مع أن تكبير التشريق يحتاج إلى تعليمه قبل يوم عرفة ليتعلموه يوم عرفة فإنه ابتداؤه فينبغي للخطيب أن يعلمهم أحكامه في الجمعة التي قبل عيد الأضحى كما أنه ينبغي له أن يعلمهم أحكام صدقة الفطر في الجمعة التي قبل عيد الفطر ليتعلموها ويخرجوها قبل الخروج إلى المصلى، ولم أره منقولا والعلم أمانة في عنق العلماء ويستفاد من كلامهم أن الخطيب إذا رأى بهم حاجة إلى معرفة بعض الأحكام وأنه يعلمهم إياها في خطبة الجمعة خصوصا في زماننا من كثرة الجهل وقلة العلم فينبغي أن يعلمهم أحكام الصلاة كما لا يخفى.
"قوله: وتؤخر بعذر إلى ثلاثة أيام"؛ لأنها موقتة بوقت الأضحية فتجوز ما دام وقتها باقيا، ولا تجوز بعد خروجه؛ لأنها لا تقضى قيد بالعذر؛ لأن تأخيرها لغير عذر عن اليوم الأول مكروه بخلاف تأخير عيد الفطر لغير عذر فإنه لا يجوز، ولا يصلى بعده فالتقييد بالعذر هنا لنفي الكراهة، وفي عيد الفطر للصحة كذا في أكثر الكتب المعتمدة، وفي المجتبى، وإنما قيده بالعذر؛ لأنه لو تركها في اليوم الأول بغير عذر لم يصلها بعد كذا في صلاة الجلابي، وهو من جملة غرائبه رحمه الله.
"قوله: والتعريف ليس بشيء"، وهو في اللغة الوقوف بعرفات والمراد به هنا وقوف الناس يوم عرفة في غير عرفات تشبها بالواقفين بها واختلف في معنى هذا اللفظ ففي فتح القدير أن ظاهره أنه مطلوب الاجتناب فيكون مكروها، وفي النهاية ليس بشيء يتعلق به الثواب، وهو يصدق على الإباحة، وفي غاية البيان أي ليس بشيء في حكم الوقوف لقول محمد في الأصل دم السمك ليس بشيء في حكم الدماء وهذا؛ لأنه شيء حقيقة لكونه موجودا إلا أنه لما لم يكن معتبرا نفى عنه اسم الشيء، وإنما لم يعتبر تعريفهم؛ لأن الوقوف لما كان عبادة مخصوصة بمكان لم يجز فعله إلا في ذلك المكان كالطواف وغيره ألا ترى أنه لا يجوز الطواف حول سائر البيوت تشبها بالطواف حول الكعبة ا هـ. وظاهره أن الكراهة تحريمية، وفي الذخيرة من كتاب

 

ج / 2 ص -257-       وسن بعد فجر عرفة إلى ثمان مرة الله أكبر إلى آخره بشرط إقامة ومصر ومكتوبة وجماعة مستحبة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحظر والإباحة التضحية بالديك أو الدجاج في أيام الأضحية ممن لا أضحية عليه لعسرته بطريق التشبيه بالمضحين مكروه؛ لأن هذا من رسوم المجوس ا هـ.
"قوله: وسن بعد فجر عرفة إلى ثمان مرة الله أكبر إلى آخره بشرط إقامة ومصر ومكتوبة وجماعة مستحبة" بيان لتكبير التشريق، والإضافة فيه بيانية أي التكبير الذي هو التشريق فإن التكبير لا يسمى تشريقا إلا إذا كان بتلك الألفاظ في شيء من الأيام المخصوصة فهو حينئذ متفرع على قول الكل وبهذا اندفع ما في غاية البيان من أن هذه الإضافة وقعت على قولهما؛ لأنه لا تكبير في أيام التشريق عند أبي حنيفة ا هـ. فإن التكبير في هذا الوقت الخاص يسمى تشريقا فإذا صار علما عليه خرج من إفادته معناه الأصلي من تشريق اللحم مع أنه إن روعي هذا المعنى لم يكن متفرعا على قول أحد؛ لأنهم اتفقوا على تكبير التشريق في يوم عرفة، وليس المعنى موجودا فيه، وما في الحقائق من أنه إنما أضيف إلى التشريق مع أنه يؤتى به في غيرها لما أن أكثره في أيام التشريق للأكثر حكم الكل يئول إلى أنه على قولهما كما لا يخفى، وعلى هذا فما في الخلاصة والبدائع من أن أيام النحر ثلاثة وأيام التشريق ثلاثة ويمضي ذلك كله في أربعة أيام العاشر من ذي الحجة للنحر خاصة والثالث عشر للتشريق خاصة واليومان فيما بينهما للنحر والتشريق جميعا ا هـ. فبيان للواقع من أفعال الناس من أنهم يشرقون اللحم في أيام مخصوصة لا بيان لتكبير التشريق لاتفاقهم على أن اليوم الأول من أيام النحر يكبر فيه ثم صرح في البدائع بأن التشريق في اللغة كما يطلق على إلقاء لحوم الأضاحي بالمشرقة يطلق على رفع الصوت بالتكبير قاله النضر بن شميل؛ ولذا استدل أبو حنيفة على اشتراط المصر لوجوب التكبير بقول علي لا جمعة، ولا تشريق، ولا فطر، ولا أضحى إلا في مصر جامع فحينئذ ظهر أن الإضافة فيه على قول الكل ثم سماه في الكتاب سنة تبعا للكرخي مع أنه واجب على الأصح كما في غاية البيان للأمر في قوله تعالى:
 {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] ولقوله تعالى:  {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28] على القول بأن كلا منهما أيام التشريق.
 وقيل المعدودات أيام التشريق، والمعلومات أيام العشر وقيل: المعلومات يوم النحر ويومان بعده، والمعدودات أيام التشريق؛ لأنه أمر في المعدودات بالذكر مطلقا، وفي المعلومات الذكر
{ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} وهي الذبائح ومطلق الأمر للوجوب وإطلاق اسم السنة على الواجب جائز؛ لأن السنة عبارة عن الطريقة المرضية أو السيرة الحسنة وكل واجب هذا

 

ج / 2 ص -258-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صفته كذا في البدائع، ولا يخفى أنه مجاز عرفا فيحتاج إلى قرينة وإلا انصرف إلى المعنى الحقيقي وهي في كلام المصنف قوله بعده وبالاقتداء يجب على المرأة والمسافر فصرح بالوجوب بالاقتداء، ولولا أنه واجب لما وجب بالاقتداء وقد يقال إن الأمر في الآية يفيد الافتراض؛ لأنه قطعي فلا بد له من صارف منه إلى الوجوب والحق كما قدمناه مرارا أن السنة المؤكدة والواجب متساويان في الرتبة فلذا تارة يصرحون في الشيء بأنه سنة ويصرحون فيه بعينه بأنه واجب لعدم التفاوت في استحقاق الإثم بتركه وبين وقته فأفاد أن أوله عقب فجر يوم عرفة فالمراد ببعد عقب في عبارته، ولا خلاف فيه وأفاد آخره بقوله إلى ثمان أي مع ثمان صلوات فلذا لم يقل ثمانية وهي من الغايات التي تدخل في المغيا كذا في المصفى وهذا عند أبي حنيفة فالتكبير عنده عقب ثمان صلوات فينتهي بالتكبير عقب العصر يوم النحر وعندهما ينتهي بالتكبير عقب العصر من آخر أيام التشريق وهي ثلاث وعشرون صلاة، وهو قول عمر وعلي ورجحاه؛ لأنه الأكثر، وهو الأحوط في العبادات ورجح أبو حنيفة قول ابن مسعود؛ لأن الجهر بالتكبير بدعة فكان الأخذ بالأقل أولى احتياطا وقد ذكروا في مسائل السجدات أن ما تردد بين بدعة وواجب فإنه يؤتى به احتياطا وما تردد بين بدعة وسنة يترك احتياطا كما في المحيط وغيره، وهو يقتضي ترجيح قولهما؛ ولهذا ذكر الإسبيجابي وغيره أن الفتوى على قولهما، وفي الخلاصة، وعليه عمل الناس اليوم، وفي المجتبى والعمل والفتوى في عامة الأمصار وكافة الأعصار على قولهما وهذا بناء على أنه إذا اختلف أبو حنيفة وصاحباه فالأصح أن العبرة بقوة الدليل كما في آخر الحاوي القدسي، وهو مبني على أن قولهما في كل مسألة مروي عنه أيضا كما ذكره في الحاوي أيضا وإلا فكيف يفتى بغير قول صاحب المذهب وبه اندفع ما ذكره في فتح القدير من ترجيح قوله هنا ورد فتوى المشايخ بقولهما إلا أن يريدوا بالواجب المذكور في باب السجدات الفرض ويلتزم أن ما تردد بين بدعة وواجب اصطلاحي فإنه يترك كالسنة فيترجح قوله: وفي قوله مرة إشارة إلى رد ما نقل عن الشافعي أنه يكرر التكبير ثلاثا وقول: الله أكبر إلى آخره بيان لألفاظه، وهو الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد وقد ذكر الفقهاء أنه مأثور عن الخليل عليه السلام وأصله أن جبريل عليه السلام لما جاء بالفداء خاف العجلة على إبراهيم فقال الله أكبر الله أكبر فلما رآه إبراهيم عليه السلام قال لا إله إلا الله والله أكبر فلما علم إسماعيل الفداء قال إسماعيل الله أكبر ولله الحمد كذا في غاية البيان وكثير من الكتب، ولم يثبت عند المحدثين كما في فتح القدير، وقد صرحوا بأن الذبيح إسماعيل وفيه

 

ج / 2 ص -259-       اختلاف بين السلف والخلف فطائفة قالوا به، وطائفة قالوا بأنه إسحاق والحنفية مائلون إلى الأولى ورجحه الإمام أبو الليث السمرقندي في البستان بأنه أشبه بالكتاب والسنة فأما الكتاب فقوله تعالى {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات:107] ثم قال بعد قصة الذبح {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ} [الصافات: 112] الآية وأما الخبر فما روي عنه عليه السلام "أنا ابن الذبيحين" يعني أباه عبد الله وإسماعيل واتفقت الأمة أنه كان من ولد إسماعيل وقال أهل التوراة مكتوب في التوراة أنه كان إسحاق، فإن صح ذلك فيها آمنا به ا هـ.
وأما محل أدائه فدبر الصلاة وفورها من غير أن يتخلل ما يقطع حرمة الصلاة حتى لو ضحك قهقهة أو أحدث متعمدا أو تكلم عامدا أو ساهيا أو خرج من المسجد أو جاوز الصفوف في الصحراء لا يكبر؛ لأن التكبير من خصائص الصلاة حيث لا يؤتى به إلا عقب الصلاة فيراعى لإتيانه حرمتها وهذه العوارض تقطع حرمتها، ولو صرف وجهه عن القبلة، ولم يخرج من المسجد، ولم يجاوز الصفوف أو سبقه الحدث يكبر؛ لأن حرمة الصلاة باقية والأصل أن كل ما يقطع البناء يقطع التكبير وما لا فلا وإذا سبقه الحدث، فإن شاء ذهب وتوضأ ورجع فكبر وإن شاء كبر من غير تطهير؛ لأنه لا يؤدى في تحريمة الصلاة فلا يشترط له الطهارة قال الإمام السرخسي والأصح عندي أنه يكبر، ولا يخرج من المسجد للطهارة؛ لأن التكبير لما لم يفتقر إلى الطهارة كان خروجه مع عدم الحاجة قاطعا لفور الصلاة فلا يمكنه التكبير بعد ذلك فيكبر للحال جزما كذا في البدائع وشرط الإقامة احترازا عن المسافر فلا تكبير عليه، ولو صلى المسافرون في المصر جماعة على الأصح كما في البدائع وقيد بالمصر احترازا عن أهل القرى وقيد بالمكتوب احترازا عن الواجب كصلاة الوتر والعيدين وعن النافلة فلا تكبير عقبها، وفي المجتبى والبلخيون يكبرون عقب صلاة العيد؛ لأنها تؤدى بجماعة فأشبه الجمعة ا هـ.
وفي مبسوط أبي الليث، ولو كبر على إثر صلاة العيد لا بأس به؛ لأن المسلمين توارثوا هكذا فوجب أن يتبع توارث المسلمين ا هـ. وفي الظهيرية عن الفقيه أبي جعفر قال سمعت أن مشايخنا كانوا يرون التكبير في الأسواق في الأيام العشر ا هـ. وفي المجتبى لا تمنع العامة عنه وبه نأخذ وتدخل الجمعة في المكتوبة كما في المحيط وأراد بالمكتوبة الصلاة

 

ج / 2 ص -260-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المفروضة من الصلوات الخمس فلا تكبير عقب صلاة الجنازة وإن كانت مكتوبة وقيد بالجماعة فلا تكبير على المنفرد وقيد بكونها مستحبة احترازا عن جماعة النساء والعراة، ولم يشترط الحرية؛ لأنها ليست بشرط على الأصح حتى لو أم العبد قوما وجب عليه، وعليهم التكبير وذكر الشارح أن الحاصل أن شروطه شروط الجمعة غير الخطبة والسلطان والحرية في رواية، وهو الأصح ا هـ. وليس بصحيح إذ ليس الوقت والإذن العام من شروطه وهذا كله عند أبي حنيفة أخذا من قول علي لا جمعة، ولا تشريق، ولا فطر، ولا أضحى إلا في مصر جامع فإن المراد بالتشريق التكبير كما قدمناه؛ لأن تشريق اللحم لا يختص بمكان دون مكان وأما عندهما فهو واجب على كل من يصلي المكتوبة؛ لأنه تبع لها فيجب على المسافر والمرأة والقروي قال في السراج الوهاج والجوهرة والفتوى على قولهما في هذا أيضا.
فالحاصل أن الفتوى على قولهما في آخر وقته وفيمن يجب عليه وأطلق المصنف في التكبير عقب هذه الصلوات فشمل الأداء والقضاء وهي رباعية لا تكبير في ثلاثة منها.
الأولى: فاتته في غير أيام التشريق فقضاها فيها.
ثانيها: فاتته في هذه الأيام فقضاها في غير هذه الأيام.
ثالثها: فاتته في هذه الأيام فقضاها فيها من السنة القابلة، ولا تكبير في الأوليين اتفاقا، وفي الثالثة خلاف أبي يوسف والصحيح ظاهر الرواية والتكبير إنما هو في الرابعة، وهي ما إذا فاتته في هذه الأيام فقضاها فيها من هذه السنة فإنه يكبر لقيام وقته كالأضحية ثم الذي يؤدى عقب الصلاة ثلاثة أشياء.
سجود السهو.
وتكبير التشريق.
والتلبية إلا أن السهو يؤدى في تحريمة الصلاة حتى صح الاقتداء بالساهي بعد سلامه والتكبير يؤدى في حرمتها لا في تحريمتها حتى لم يصح الاقتداء بالإمام بعد السلام قبل التكبير والتلبية لا تؤدى في شيء منها؛ ولذا قال في الخلاصة ويبدأ الإمام بسجود السهو ثم بالتكبير ثم بالتلبية إن كان محرما، وفي فتاوى الولوالجي لو بدأ بالتلبية سقط السجود والتكبير ولما لم يكن مؤدى في تحريمتها لو تركه الإمام فعلى القوم أن يأتوا به كسامع السجدة مع تاليها بخلاف ما إذا لم يسجد الإمام للسهو فإنهم لا يسجدون قال يعقوب صليت بهم المغرب يوم عرفة

 

ج / 2 ص -261-       وبالاقتداء يجب على المرأة والمسافر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فسهوت أن أكبر بهم فكبر بهم أبو حنيفة رحمه الله، وقد استنبط من هذه الواقعة أشياء.
منها هذه المسألة.
ومنها أن تعظيم الأستاذ في إطاعته لا فيما يظنه طاعة؛ لأن أبا يوسف تقدم بأمر أبي حنيفة.
ومنها أنه ينبغي للأستاذ إذا تفرس في بعض أصحابه الخير أن يقدمه ويعظمه عند الناس حتى يعظموه.
ومنها أن التلميذ لا ينبغي أن ينسى حرمة أستاذه، وإن قدمه أستاذه وعظمه، ألا ترى أن أبا يوسف شغله ذلك عن التكبير حتى سها.
"قوله: وبالاقتداء يجب على المرأة والمسافر" أي باقتدائهما بمن يجب عليه يجب عليهما بطريق التبعية والمرأة تخافت بالتكبير؛ لأن صوتها عورة، وكذا يجب على المسبوق؛ لأنه مقتد تحريمة لكن لا يكبره مع الإمام ويكبر بعد ما قضى ما فاته، وفي الأصل، ولو تابعه لا تفسد صلاته وفي التلبية تفسد كذا في الخلاصة والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

16- باب صلاة الكسوف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
16- باب صلاة الكسوف.
مناسبته للعيد هو أن كلا منهما يؤدى بالجماعة نهارا بغير أذان، ولا إقامة وأخرها عن العيد؛ لأن صلاة العيد واجبة على الأصح يقال كسفت الشمس تكسف كسوفا وكسفها الله كسفا يتعدى، ولا يتعدى قال جرير يرثي عمر بن عبد العزيز1:

الشمس طالعة ليست بكاسفة   تبكي عليك نجوم الليل والقمرا2

أي ليست تكسف ضوء النجوم مع طلوعها لقلة ضوئها وبكائها عليك ولأجل ذلك لم يظهر لها نور فعلى هذا انتصب قوله نجوم على المفعول به والقمر معطوف عليه وتمامه في

ــــــــــــــــــــــــــــــــ
1  كان من أئمة الاجتهاد، ويعد خامس الخلفاء، ويعد خامس الخلفاء الراشدين، ولي إمارة المدينة في عهد الوليد، دامت خلافته سنتين وستة أشهر وأيام كخلافة الصديق، توفي سنة إحدى ومائة هـ، ودفن بدير سمعان من أرض المعرة. اهـ. سير علام النبلاء [5/114] شذرات الذهب [1/119].
2  البيت من البحر البسيط. انظر الديوان [736] ولسان العرب مادة الشمس.

 

ج / 2 ص -262-       يصلي ركعتين كالنفل إمام الجمعة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السراج الوهاج ومنهم من جعل الكسوف للشمس والقمر ومنهم من جعل الكسوف للشمس والخسوف للقمر والأصل في صلاة الكسوف حديث البخاري
"إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد من الناس ولكنهما آيتان من آيات الله فإذا رأيتموها فصلوا 1"، وفي رواية "فادعوا".
"قوله: يصلي ركعتين كالنفل إمام الجمعة" بيان لمقدارها ولصفة أدائها.
أما مقدارها فذكر أنها ركعتان، وهو بيان لأقلها؛ ولذا قال في المجتبى إن شاءوا صلوها ركعتين أو أربعا أو أكثر كل ركعتين بتسليمة أو كل أربع.
وأما صفة أدائها فهي صفة أداء النفل من أن كل ركعة بركوع واحد وسجدتين ومن أنه لا أذان له، ولا إقامة، ولا خطبة وينادى: الصلاة جامعة ليجتمعوا إن لم يكونوا اجتمعوا ومن أنها لا تصلى في الأوقات المكروهة ومن أنه لا يكره تطويل القيام والركوع والسجود والأدعية والأذكار الذي هو من خصائص النوافل واحترز بقوله كالنفل عن قول أبي يوسف فإنه قال كهيئة صلاة العيد وتقييده بإمام الجمعة بيان للمستحب قال القاضي الإسبيجابي ويستحب في كسوف الشمس ثلاثة أشياء: الإمام والوقت والموضع.
أما الإمام فالسلطان أو القاضي ومن له ولاية إقامة الجمعة والعيدين. وأما الوقت فهو الذي يباح فيه التطوع والموضع الذي يصلى فيه صلاة العيد أو المسجد الجامع، ولو صلوا في موضع آخر أجزأهم ولكن الأول أفضل، ولو صلوا وحدانا في منازلهم جاز ويكره أن يجمع في كل ناحية ا هـ. وبه اندفع ما في السراج الوهاج أن في ذكر الإمام إشارة إلى أنه لا بد من شرائط الجمعة، وهو كذلك إلا الخطبة ا هـ. لكن جعله الوقت من المستحبات لا يصح؛ لأنه لا تجوز الصلاة في الأوقات المكروهة، ولم يبين المصنف رحمه الله صفتها من الوجوب والسنية و قد ذكر في البدائع قولين وذكر محمد في الأصل ما يدل على عدم الوجوب فإنه قال، ولا تصلى نافلة في جماعة إلا قيام رمضان وصلاة الكسوف استثناها من النافلة والمستثنى من جنس المستثنى منه فدل على كونها نافلة لكن مطلق الأمر في قوله عليه الصلاة والسلام
"فصلوا" يدل على الوجوب إلا لصارف، وما قد يتوهم من أنه ذكره مع قوله "وادعوا" فإن الدعاء ليس بواجب إجماعا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 أخرجه البخاري، كتاب الكسوف، باب الجهر بالقراءة في الكسوف [1065].
ومسلم، كتاب الكسوف، باب صلاة الكسوف [901].
وابن ماجة، كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في صلاة الكسوف [1263].
وابن خزيمة في صحيحه [1387].
وابن حبان في صحيحه [2842].

 

ج / 2 ص -263-       بلا جهر وخطبة ثم يدعو حتى تنجلي الشمس، وإلا صلوها فرادى كالخسوف والظلمة والريح والفزع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فكذا الصلاة غير صحيح؛ لأن القران في النظم لا يوجب القران في الحكم.
"قوله: بلا جهر" تصريح بما علم من قوله كالنفل؛ لأن النفل النهاري لا يكون جهرا لدفع قولهما من الجهر لحديث ابن عباس صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الكسوف فقام بنا قياما طويلا نحوا من سورة البقرة، ولو جهر لما احتيج إلى الحزر، وقد تركنا الدلائل الكثيرة في هذا الباب والكلام مع الشافعي والصاحبين روما للاختصار قال في المجتبى وأما قدر القراءة فيها فروي أنه عليه السلام قام في الركعة الأولى بقدر سورة البقرة، وفي الثانية بقدر سورة آل عمران، فإن طول القراءة خفف الدعاء أو على العكس ا هـ.
"قوله: وخطبة" أي بلا خطبة؛ لأنه عليه الصلاة والسلام أمر بها، ولم يبين الخطبة، وما ورد من خطبته يوم مات إبراهيم وكسفت الشمس فإنما كان للرد على من قال إنها كسفت لموته لا لأنها مشروعة له؛ ولذا خطب بعد الانجلاء، ولو كانت سنة له لخطب قبله كالصلاة والدعاء.
"قوله: ثم يدعو حتى تنجلي الشمس" أي يدعو الإمام والناس معه حتى تنجلي الشمس للحديث المتقدم أطلقه فأفاد أن الداعي مخير إن شاء دعا جالسا مستقبل القبلة، وإن شاء دعا قائما يستقبل الناس بوجهه قال الحلواني وهذا أحسن، ولو قام ودعا معتمدا على عصا أو قوس كان أيضا حسنا وأفاد بكلمة ثم أن السنة تأخير الدعاء عن الصلاة؛ لأنه هو السنة في الأدعية وفي المحيط، ولا يصعد الإمام على المنبر للدعاء، ولا يخرج.
"قوله: وإلا صلوها فرادى" أي إن لم يحضر إمام الجمعة صلى الناس فرادى تحرزا عن الفتنة إذ هي تقام بجمع عظيم وروي عن أبي حنيفة أن لكل إمام مسجد أن يصلي بجماعة، والصحيح ظاهر الرواية؛ لأن أداء هذه الصلوات بالجماعة عرف بإقامة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنما يقيمها الآن من هو قائم مقامه، فإن لم يقمها الإمام صلى الناس فرادى إن شاءوا ركعتين، وإن شاءوا أربعا والأربع أفضل ثم إن شاءوا طولوا القراءة، وإن شاءوا قصروا، واشتغلوا بالدعاء حتى تنجلي الشمس كذا في البدائع.
"قوله: كالخسوف والظلمة والريح والفزع" أي حيث يصلي الناس فرادى؛ لأنه قد خسف القمر في عهده عليه السلام مرارا، ولم ينقل أنه جمع الناس له ولأن الجمع فيه متعسر كالزلازل والصواعق وانتشار الكواكب والضوء الهائل بالليل والثلج والأمطار الدائمة وعموم الأمراض والخوف الغالب من العدو ونحو ذلك من الأفزاع والأهوال؛ لأن ذلك كله من

 

ج / 2 ص -264-       ..........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــ
الآيات المخوفة والله تعالى يخوف عباده ليتركوا المعاصي ويرجعوا إلى الطاعة التي فيها فوزهم وخلاصهم وأقرب أحوال العبد في الرجوع إلى ربه الصلاة وذكر في البدائع أنهم يصلون في منازلهم، وفي المجتبى وقيل الجماعة جائزة عندنا لكنها ليست بسنة والله أعلم.

17- باب الاستسقاء
له صلاة لا بجماعة، ودعاء واستغفار لا قلب رداء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
17- باب الاستسقاء
هو طلب السقيا من الله تعالى بالثناء عليه والفزع إليه والاستغفار، وقد ثبت ذلك بالكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب فقوله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام حين أجهد قومه القحط والجدب
{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً. يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً} [نوح:10-11].
 وأما السنة فصح في الآثار الكثيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى مرارا وكذا الخلفاء بعده والأمة أجمعت عليه خلفا عن سلف من غير نكير.
"قوله: له صلاة لا بجماعة" عند أبي حنيفة بيان لكونها مشروعة في حق المنفرد وأن الجماعة ليست بمشروعة لها، ولم يبين صفتها، وقد اختلف فيها والظاهر ما في الكتاب من أنها جائزة وليست بسنة وقالا يصلي الإمام ركعتين لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه ركعتين كصلاة العيد1 قلنا فعله مرة وتركه أخرى فلم يكن سنة كذا في الهداية.
"قوله: ودعاء واستغفار" أي للاستسقاء دعاء واستغفار لما تلونا.
"قوله: لا قلب رداء" أي ليس فيه قلب رداء؛ لأنه دعاء فيعتبر بسائر الأدعية، ولا فرق بين الإمام والقوم وقالا يقلب الإمام رداءه واختاره القدوري، وهو أن يجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن ليقلب الله تعالى الحال من الجدب إلى الخصب ومن العسر إلى اليسر وقيل أن يجعل أعلاه أسفل وفي المدور يعتبر اليمين واليسار.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1  أخرجه النسائي، كتاب الاستسقاء، باب كيف صلاة الاستسقاء [3/163].
وابن ماجة، كتبا إقامة الصلاة، باب ما جاء في صلاة الاستسقاء [1266].
والحاكم في المستدرك [1/326].
والبيهقي، كتاب صلاة الاستسقاء، باب الإمام يخرج متبذلاً متواضعاً متضرعاً [3/344]. وابن حبان في صحيحه [2862].

 

ج / 2 ص -265-       وإنما يخرجون ثلاثة أيام، ولا يحضر أهل الذمة الاستسقاء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: وإنما يخرجون ثلاثة أيام" يعني متتابعات ويخرجون مشاة في ثياب خلق غسيلة أو مرقعة متذللين متواضعين خاشعين لله تعالى ناكسي رءوسهم ويقدمون الصدقة في كل يوم قبل خروجهم ويجددون التوبة ويستغفرون للمسلمين ويتواضعون بينهم ويستسقون بالضعفة والشيوخ وفي المجتبى والأولى أن يخرج الإمام بالناس، وإن امتنع وقال اخرجوا جاز، وإن خرجوا بغير إذنه جاز، ولا يخرج في الاستسقاء منبر بل يقوم الإمام والقوم قعود، فإن أخرجوا المنبر جاز لحديث عائشة رضي الله عنها أنه أخرج المنبر لاستسقائه صلى الله عليه وسلم1، وقيد بالخروج ثلاثة أيام؛ لأنه لم ينقل أكثر منها.
"قوله: ولا يحضر أهل الذمة الاستسقاء" لنهي عمر رضي الله عنه2 ولأن المقصود هو الدعاء قال تعالى:
{وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ} [غافر: 50]، وفي فتاوى قاضي خان اختلفوا في أنه هل يجوز أن يقال يستجاب دعاء الكافرين، ولم يرجح وذكر الولوالجي أن الفتوى على أنه يجوز أن يقال يستجاب دعاؤه ا هـ. وأطلق المصنف الخروج للاستسقاء واستثنى في فتح القدير مكة وبيت المقدس فيجتمعون في المسجد، ولم يستثن مسجد المدينة لعله لضيقه وإلا فهو أفضل من بيت المقدس والله تعالى أعلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــ
1  أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب رفع اليدين في الاستسقاء [1173].
والحاكم في المستدرك [1/328].
والبيهقي، كتاب صلاة الاستسقاء، باب ذكر الأخبار التي تدل على أنه دعا أو خطب قبل الصلاة [3/349].
وابن حبان في صحيحه [2860].
2  لم أعثر عليه، وانظر كلام الإمام ابن عبد البر في التمهيد ففيه ما يشفي الصدر [17/175].

18- باب الخوف.
إذا اشتد الخوف من عدو أو سبع وقف الإمام طائفة بإزاء العدو، وصلى ركعة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
18- باب الخوف
أي صلاته ووجه المناسبة أن شرعية كل منهما لعارض خوف وقدم الاستسقاء؛ لأن العارض هناك انقطاع المطر، وهو سماوي وهنا اختياري، وهو الجهاد الذي سببه كفر الكافر.
قوله: "إن اشتد من عدو أو سبع وقف الإمام طائفة بإزاء العدو وصلى بطائفة ركعة

 

ج / 2 ص -266-       وركعتين لو مقيما ومضت هذه إلى العدو وجاءت تلك فصلى بهم ما بقي وسلم وذهبوا إليهم وجاءت الأولى وأتموا بلا قراءة وسلموا ثم الأخرى وأتموا بقراءة، وسلموا، ثم الأخرى وأتموا بقراءة وصلى في المغرب بالأولى ركعتين، وبالثانية ركعة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وركعتين لو مقيما ومضت هذه إلى العدو وجاءت تلك فصلى بهم ما بقي وسلم وذهبوا إليهم وجاءت الأولى وأتموا بلا قراءة وسلموا ثم الأخرى وأتموا بقراءة" هكذا صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر1 وهناك كيفيات أخرى معلومة في الخلافيات وذكر في المجتبى أن الكل جائز، وإنما الخلاف في الأولى، وفي العناية ليس الاشتداد شرطا عند عامة مشايخنا قال في التحفة سبب جواز صلاة الخوف نفس قرب العدو من غير ذكر الخوف والاشتداد وقال فخر الإسلام في مبسوطه: المراد بالخوف عند البعض حضرة العدو لا حقيقة الخوف؛ لأن حضرة العدو أقيمت مقام الخوف على ما عرف في أصلنا في تعليق الرخصة بنفس السفر لا حقيقة المشقة؛ لأن السفر سبب المشقة فأقيم مقامها فكذا حضرة العدو وهنا سبب الخوف فأقيم مقامه حقيقة الخوف ا هـ.
وفي فتح القدير واعلم أن صلاة الخوف على الصفة المذكورة إنما تلزم إذا تنازع القوم في الصلاة أما إذا لم يتنازعوا فالأفضل أن يصلي بإحدى الطائفتين تمام الصلاة ويصلي بالطائفة الأخرى إمام آخر تمامها ا هـ. وذكر الإسبيجابي أن من انصرف منهم إلى وجه العدو راكبا فإنه لا يجوز، سواء كان انصرافه من القبلة إلى العدو أو عكسه، وإنما تتم الطائفة الأولى بلا قراءة؛ لأنهم لاحقون؛ ولذا لو حاذتهم امرأة فسدت صلاتهم والثانية بقراءة؛ لأنهم مسبوقون؛ ولذا لو حاذتهم امرأة لا تفسد صلاتهم ويدخل تحته المقيم خلف المسافر حتى يقضي ثلاث ركعات بلا قراءة إن كان من الطائفة الأولى وبقراءة إن كان من الثانية والمسبوق إن أدرك ركعة من الشفع الأول فهو من الطائفة الأولى وإلا فهو من الثانية وأطلق في الصلاة فشمل كل صلاة تؤدى بجماعة كالصلوات الخمس ومنها الجمعة، وكذا العيد، وفي المجتبى ويسجد للسهو في صلاة الخوف لعموم الحديث ويتابعه من خلفه ويسجد اللاحق في آخر صلاته.
"قوله: وصلى في المغرب بالأولى ركعتين وبالثانية ركعة"؛ لأن الركعتين شطر في المغرب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1  أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة ذات الرقاع [4133].
ومسلم، كتاب الصلاة، باب صلاة الخوف [839].
وأبو داود، كتاب الصلاة، باب من قال يصلي بكل طائفة ركعة ... [1243].
والبيهقي، كتاب صلاة الخوف، باب من يقال يصلي بكل طائفة ركعة... [3/260].
وابن حبان في صحيحه [2880].

 

ج / 2 ص -267-       ومن قاتل بطلت صلاته وإن اشتد الخوف صلوا ركباناً فرادى بالإيماء إلى أي جهة قدروا ولم تجز بلا حضور عدو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولهذا شرع القعود عقيبهما ولأن الواحد لا يتجزأ فكانت الطائفة الأولى أولى بها للسبق فإذا ترجحت عند التعارض لزم اعتباره ومسائل خطأ الإمام وتفاريعهم تركناها عمدا للاستغناء عنها.
"قوله: ومن قاتل بطلت صلاته"؛ لأنه عمل كثير مفسد للصلاة، وهو مراده بالمقاتلة وإلا فلو قاتل بعمل قليل كالرمية لا تفسد كما علم في مفسدات الصلاة، واستدل في المجتبى بحديث المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم شغل عن أربع صلوات يوم الخندق فصلاهن من بعد ما مضى من الليل1، ولو جاز مع القتال لما أخرهن عن وقتهن ا هـ. وأشار المصنف إلى أن السابح في البحر إذا لم يمكنه أن يرسل أعضاءه ساعة فإنه لا يصلي، فإن صلى لا تصح، وإن أمكنه ذلك فإنه يصلي بالإيماء كذا في المجتبى.
"قوله: فإذا اشتد الخوف صلوا ركبانا فرادى بالإيماء إلى أي جهة قدروا" لقوله تعالى:  
{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} [البقرة: 239] قيد بقوله: فرادى لأنه لا يجوز بجماعة لعدم الاتحاد في المكان إلا إذا كان راكبا مع الإمام على دابة واحدة فإنه يجوز اقتداء المتأخر منهما بالمتقدم اتفاقا ويرد على المصنف ما إذا صلى راكبا في المصر فإنه لا يجوز إلا أن يقال إنه معلوم مما قدمه من أن التطوع لا يجوز في المصر راكبا فكذا الفرض للضرورة وقيد بالركوب؛ لأنه لا يجوز ماشيا في غير المصر؛ لأن المشي عمل كثير مفسد للصلاة كالغريق السابح كما قدمناه، وفي المحيط والراكب إن كان طالبا لا يجوز صلاته على الدابة لعدم ضرورة الخوف في حقه، وإن كان مطلوبا فلا بأس أن يصلي وهو سائر؛ لأن السير فعل الدابة حقيقة، وإنما أضيفت إليه معنى بتسييره فإذا جاء العذر انقطعت الإضافة إليه بخلاف ما لو صلى، وهو يمشي حيث لا يجوز؛ لأن المشي فعله حقيقة، وهو مناف للصلاة ا هـ.
"قوله : ولم تجز بلا حضور عدو" لعدم الضرورة حتى لو رأوا سوادا فظنوا أنه عدو فصلوا صلاة الخوف ثم بان أنه ليس بعدو أعادوها لما قلنا إلا إذا بان لهم قبل أن يتجاوز الصفوف, فإن لهم أن يبنوا استحسانا وهذا كله في حق القوم وأما الإمام فصلاته جائزة بكل حال لعدم المفسد في حقه والله أعلم .