البحر الرائق شرح كنز الدقائق ط احياء التراث

ج / 2 ص -268-       3- كتاب الجنائز
ولي المحتضر القبلة على يمينه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3- كتاب الجنائز
جمع جنازة، وهي بالكسر السرير وبالفتح الميت وقيل هما لغتان كذا في المغرب ومناسبته لما قبله أن الخوف والقتال يفضي إلى الموت أو لما فرغ من بيان الصلاة حال الحياة شرع في بيانها حال الموت وأخر الصلاة في الكعبة ليكون ختم كتاب الصلاة بما يتبرك بها حالا ومكانا.
وصفتها أنها فرض كفاية بالإجماع حتى لا يسع للكل تركها كالجهاد.
وسبب وجوبها الميت المسلم؛ لأنها شرعت قضاء لحقه؛ ولهذا تضاف إليه فيقال صلاة الجنازة بالفتح بمعنى الميت.
وركنها التكبيرات والقيام؛ لأن كل تكبيرة منها قائمة مقام ركعة وشرطها على الخصوص اثنان كونه مسلما وكونه مغسولا كذا في المحيط ويزاد على الشرطين كونه أمام المصلي كما صرحوا به.
وسننها: التحميد والثناء والدعاء وما ذكروه منها من كونه مكفنا بثلاثة أثواب أو بثيابه في الشهيد فهو تساهل كما في فتح القدير إذ ليس الكفن من سنن الصلاة.
"قوله: ولي المحتضر القبلة على يمينه" أي وجه وجه من حضره الموت فالمحتضر من قرب من الموت وعلامته أن يسترخي قدماه فلا ينتصبان وينعوج أنفه وينخسف صدغاه وتمتد جلدة الخصية؛ لأن الخصية تتعلق بالموت وتتدلى جلدتها، ولا يمتنع حضور الجنب والحائض وقت الاحتضار، وإنما يوجه إلى القبلة على يمينه؛ لأنه السنة المنقولة واختار مشايخنا بما وراء النهر الاستلقاء على ظهره وقدماه إلى القبلة؛ لأنه أيسر لخروج الروح وتعقبه في فتح القدير وغيره بأنه لم يذكر فيه وجه، ولم يعرف إلا نقلا والله أعلم بالأيسر منهما لكنه أيسر لتغميضه وشد لحيته وأمنع من تقوس أعضائه ثم إذا ألقي على القفا يرفع رأسه قليلا ليصير وجهه إلى القبلة دون السماء ا هـ. وفي المبتغى بالمعجمة والأصح أنه يوضع كما تيسر لاختلاف المواضع والأماكن ا هـ. وهذا كله إذا لم يشق عليه فإذا شق عليه ترك على حاله كذا في المجتبى وذكر في المحيط الاضطجاع للمريض أنواع:

 

ج / 2 ص -269-       ولقن الشهادة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحدها: في حالة الصلاة، وهو أن يستلقي على قفاه.
والثاني: إذا قرب من الموت يضجع على الأيمن واختير الاستلقاء.
والثالث: في حالة الصلاة على الميت يضجع على قفاه معترضا للقبلة.
والرابع: في اللحد يضجع على شقه الأيمن ووجهه إلى القبلة هكذا توارثت السنة ا هـ. وفي معراج الدراية والمرجوم لا يوجه ا هـ.
"قوله: ولقن الشهادة" بأن يقال عنده لا إله إلا الله محمد رسول الله ولا يؤمر بها للحديث الصحيح
"من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة"1  وهو تحريض على التلقين بها عند الموت فيفيد الاستحباب وحينئذ فلا حاجة إلى الاستدلال بالحديث الآخر: "لقنوا موتاكم قول لا إله إلا الله"2 فإن حقيقته التلقين بعد الموت، وقد اختلفوا فيه وقولهم إنه مجاز تسمية للشيء باسم ما يئول إليه قول لا دليل عليه؛ لأن الأصل الحقيقة، وقد أطال المحقق في فتح القدير في رده، وفي المجتبى وإذ قالها مرة، ولا يكثر عليه ما لم يتكلم بعد ذلك ولما أكثر على بن المبارك عند الوفاة قال: إذا قلت ذلك مرة فأنا على ذلك ما لم أتكلم؛ لأن الغرض من التلقين أن يكون لا إله إلا الله آخر قوله ا هـ. وفي القنية اشتد مرضه ودنا موته فالواجب على إخوانه وأصدقائه أن يلقنوه الشهادة ا هـ. وينبغي أن يكون مستحبا كما قدمناه؛ لأن الأمر في الحديث لم يكن على حقيقته بل استعمل في مجازه فلم يكن قطعي الدلالة فلم يفد الوجوب قالوا: وإذا ظهر منه كلمات توجب الكفر لا يحكم بكفره ويعامل معاملة موتى المسلمين حملا على أنه في حال زوال عقله؛ ولذا اختار بعض المشايخ أن يذهب عقله قبل موته لهذا الخوف وبعضهم اختاروا قيامه حال الموت، وقد اعتاد الناس قراءة"يس" عند المحتضر وسيأتي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1  أخرجه أبو داود، كتاب الجنائز، باب في التلقين [3116].
والحاكم في المستدرك [1/351].
وذكره الزيلعي في نصب الراية [2/253].
وذكره النووي في الأذكار [203]، برقم [386].
وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد [2/323].
2  أخرجه مسلم، كتاب الجنائز، باب تلقين الموتى لا إله إلا الله [916].
وأبو داود، كتاب الجنائز، باب في التلقين [3117].
وابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في تلقين الميت لا إله إلا الله [1445].
والنسائي، كتاب الجنائز، باب التلقين الميت [4/5].
وذكره الزيلعي في نصب الراية [2/253].

 

ج / 2 ص -270-       فإن مات شد لحياه وغمض عيناه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: فإن مات شد لحياه وغمض عيناه" بذلك جرى التوارث ثم فيه تحسينه فيستحسن وتقدم في الوضوء1 إن اللحي بفتح اللام منبت اللحية من الإنسان أو العظم الذي عليه الأسنان وعن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أبي سلمة بعد الوفاة، وقد شق بصره فأغمضه ثم قال:
"إن الروح إذا قبض تبعه البصر ثم قال اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا، وله يا رب العالمين وافسح له في قبره ونور له فيه"2 قال في المجتبى وينبغي أن يحفظه كل مسلم فيدعو به عند الحاجة، وفي النتف يصنع بالمحتضر عشرة أشياء.
يوجه إلى القبلة على قفاه أو يمينه.
ويمد أعضاؤه.
ويغمض عيناه.
ويقرأ عنده سورة يس.
ويحضر عنده من الطيب.
ويلقن لا إله إلا الله.
ويخرج من عنده الحائض والنفساء والجنب.
ويوضع على بطنه سيف لئلا ينتفخ.
ويقرأ عنده القرآن إلى أن يرفع ا هـ. أي إلى أن يرفع روحه، وفي التبيين ويقول مغمضه: بسم الله، وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم يسر عليه أمره وسهل عليه ما بعده وأسعده بلقائك واجعل ما خرج إليه خيرا مما خرج عنه، وفي المحيط وليسرع في جهازه لقوله عليه الصلاة والسلام
"عجلوا بموتاكم، فإن يك خيرا قدمتموه إليه، وإن يك شرا فبعدا لأهل النار"3.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1  انظر في الجزء الأول.
2  أخرجه مسلم، كتاب الجنائز، باب ما يقال عند المريض والميت وإغماض الميت. [920].
وأبو داود، كتاب الجنائز، باب تغميض الميت [3118].
وابن ماجة، كتاب الجنائز، باب ما جاء في تغميض الميت [1454].
وذكره الزيلعي في نصب الراية [2/254].
3  أخرجه بنحوه البخاري، كتاب الجنائز، باب السرعة بالجنازة [1315].
وأخرجه مسلم، كتاب الجنائز، باب الإسراع بالجنازة [944].
وأبو داود، كتاب الجنائز، باب الإسراع بالجنازة [3181].
 = والناسئي، كتاب الجنائز، باب السرعة بالجنازة [4/42].
وذكره الزيلعي في نصب الراية [2/289].

 

ج / 2 ص -271-       ووضع على سرير مجمر وترا، وستر عورته، وجرد، ووضئ بلا مضمضة، ولا استنشاق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: ووضع على سرير مجمر وترا" لئلا يعتريه نداوة الأرض ولينصب عنه الماء عند غسله، وفي التجمير تعظيمه وإزالة الرائحة الكريهة والوتر أحب إلى الله من غيره.
وكيفيته أن يدار بالمجمرة حول السرير مرة أو ثلاثا أو خمسا، ولا يزاد عليها كذا في التبيين، وفي النهاية والكافي وفتح القدير أو سبعا، ولا يزاد عليه.
وفي الظهيرية وكيفية الوضع عند بعض أصحابنا: الوضع طولا كما في حالة المرض إذا أراد الصلاة بإيماء ومنهم من اختار الوضع عرضا كما يوضع في القبر والأصح أنه يوضع كما تيسر ا هـ.
وظاهر كلامه أن السرير يجمر قبل وضعه عليه وأنه يوضع عليه كما مات، ولا يؤخر إلى وقت الغسل، وفي الغاية يفعل هذا عند إرادة غسله إخفاء للرائحة الكريهة وقال القدوري إذا أرادوا غسله وضعوه على سريره، والأول أشبه لما ذكرنا، وفي التبيين وتكره قراءة القرآن عنده إلى أن يغسل، وفي المغرب جمر ثوبه وأجمره بخره.
"قوله: وستر عورته" إقامة لواجب الستر ولأن النظر إليها حرام كما في عورة الحي وأطلق العورة فشملت الخفيفة والغليظة وصححه في التبيين وغاية البيان وصحح في الهداية والمجتبى أنها العورة الغليظة تيسيرا ولبطلان الشهوة وجعله في الكافي والظهيرية ظاهر الرواية، وفي المحيط ويغسل عورته تحت الخرقة بعد أن يلف على يده خرقة لتصير الخرقة حائلة بين يده وبين العورة؛ لأن اللمس حرام كالنظر.
"قوله: وجرد" أي من ثيابه ليمكنهم التنظيف وتغسيله عليه الصلاة والسلام في قميصه خصوصية له قالوا: يجرد كما مات؛ لأن الثياب تحمى فيسرع إليه التغيير.
"قوله: ووضئ بلا مضمضة، ولا استنشاق"؛ لأن الوضوء سنة الاغتسال غير أن إخراج الماء متعذر فيتركان، وفي الظهيرية ومن العلماء من قال يجعل الغاسل خرقة في أصبعه يمسح بها أسنانه، ولهاته ولثته ويدخل في منخريه أيضا ا هـ.
وفي المجتبى، وعليه العمل اليوم وظاهر كلام المصنف أن الغاسل يمسح رأس الميت في الوضوء، وهو ظاهر الرواية كالجنب، وفي رواية لا فيهما لكنه لا يؤخر غسل رجليه في هذا الوضوء، ولا يبدأ بغسل يديه بل بوجهه فخالف الجنب فيهما كذا في المحيط، ولم يذكر الاستنجاء

 

ج / 2 ص -272-      
وصب عليه ماء مغلي بسدر أو حرض وإلا فالقراح وغسل رأسه ولحيته بالخطمي، وأضجع على يساره فيغسل حتى يصل الماء إلى ما يلي التخت منه ثم على يمينه كذلك ثم أجلس مسندا إليه ومسح بطنه رفيقا، وما خرج منه غسله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للاختلاف فيه فعندهما يستنجي وعند أبي يوسف لا وأطلقه فشمل البالغ والصبي إلا أن الصبي الذي لا يعقل الصلاة لا يوضأ؛ لأنه لم يكن بحيث يصلي.
"قوله: وصب عليه ماء مغلي بسدر أو حرض" مبالغة في التنظيف؛ لأن تسخين الماء كذلك مما يزيد في تحقيق المطلوب فكان مطلوبا شرعا وما يظن مانعا، وهو كون سخونته توجب انحلاله في الباطن فيكثر الخارج هو عندنا داع لا مانع؛ لأن المقصود يتم إذ يحصل باستفراغ ما في الباطن تمام النظافة والأمان من تلويث الكفن عند حركة الحاملين له فعندنا الماء الحار أفضل على كل حال والحرض أشنان غير مطحون والمغلي من الإغلاء لا من الغلي والغليان؛ لأنه لازم كذا في المعراج.
"قوله: وإلا فالقراح" أي إن لم يتيسر ما ذكر فيصب عليه الماء الخالص؛ لأن المقصود هو الطهارة ويحصل به.
"قوله: وغسل رأسه ولحيته بالخطمي"؛ لأنه أبلغ في استخلاص الوسخ، وإن لم يكن فبالصابون ونحوه؛ لأنه يعمل عمله هذا إذا كان في رأسه شعر اعتبارا بحالة الحياة والخطمي بكسر الخاء نبت يغسل به الرأس كما في الصحاح ونقل القاضي عياض في تنبيهاته الفتح لا غير. والمراد به خطمي العراق.
"قوله: وأضجع على يساره فيغسل حتى يصل الماء إلى ما يلي التخت منه ثم على يمينه كذلك"؛ لأن السنة هي البداءة من الميامن والمراد بما يلي التخت منه الجنب المتصل بالتخت والتخت بالخاء المعجمة لا بالحاء المهملة؛ لأن بالحاء المهملة يوهم أن غسل ما يلي التحت من الجنب لا الجنب المتصل بالتخت أما بالخاء المعجمة يفهم الجنب المتصل كذا في معراج الدراية وبه اندفع ما ذكره العيني من جواز الوجهين.
"قوله: ثم أجلس مسندا إليه ومسح بطنه رفيقا، وما خرج منه غسله" تنظيفا له ثم اعلم أن المصنف ذكر غسله مرتين الأولى بقوله وأضجع على يساره فيغسل الثانية بقوله ثم على يمينه كذلك، ولم يذكر الغسلة الثالثة تمام السنة قال في المحيط بعد إقعاده ثم يضجعه على شقه الأيسر ويغسله؛ لأن التثليث مسنون في غسل الحي فكذا في غسل الميت، وما قيل من أنه ذكرها بقوله وصب عليه ماء مغلي فغير صحيح؛ لأنها ليست غسلة من الثلاث بدليل قوله بعد، وغسل

 

ج / 2 ص -273-       ولم يعد غسله ونشف في ثوب وجعل الحنوط على رأسه ولحيته والكافور على مساجده،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رأسه ولحيته بالخطمي فإن السنة أن يبدأ بغسلهما قبل الغسلة الأولى، وإنما هو كلام إجمالي لبيان كيفية الماء.
والحاصل أن السنة أنه إذا فرغ من وضوئه غسل رأسه ولحيته بالخطمي من غير تسريح ثم يضجعه على شقه الأيسر ويغسله وهذه مرة ثم على الأيمن كذلك وهذه ثانية ثم يقعده ويمسح بطنه كما ذكر ثم يضجعه على الأيسر فيصب الماء عليه وهذه ثالثة لكن ذكر خواهر زاده أن المرة الأولى بالماء القراح والثانية بالماء المغلي فيه سدر أو حرض، والثالثة بالماء الذي فيه الكافور، ولم يفصل صاحب الهداية في مياه الغسلات بين القراح وغيره، وهو ظاهر كلام الحاكم، وفي فتح القدير والأولى أن يغسل الأوليان بالسدر، ولم يذكر المصنف كمية الصبات، وفي المجتبى يصب الماء عليه عند كل إضجاع ثلاث مرات، وإن زاد على الثلاث جاز.
"قوله: ولم يعد غسله"؛ لأن الغسل عرفناه بالنص، وقد حصل مرة، وكذا لا تجب إعادة وضوئه؛ لأن الخارج منه من قبل أو دبر أو غيرهما ليس بحدث؛ لأن الموت حدث كالخارج فلما لم يؤثر الموت في الوضوء، وهو موجود لم يؤثر الخارج وضبط في معراج الدراية الغسل هنا بالضم وفي العناية يجوز فيه الضم والفتح وذكر في السراج الوهاج من بحث الطهارة أنه بفتح الغين كغسل الثوب قال والضابط أنك إذا أضفت إلى المغسول فتحت وإذا أضفت إلى غير المغسول ضممت.
"قوله: ونشف في ثوب" كي لا يبتل أكفانه وفي الولوالجية المنديل الذي يمسح به الميت بعد الغسل كالمنديل الذي يمسح به الحي ا هـ. يعني أنه طاهر.
"قوله: وجعل الحنوط على رأسه ولحيته"؛ لأن التطيب سنة، وذكر الرازي أن هذا الجعل مستحب.
والحنوط عطر مركب من أشياء طيبة، ولا بأس بسائر الطيب غير الزعفران والورس اعتبارا بالحياة، وقد ورد النهي1 عن المزعفر للرجال وبهذا يعلم جهل من يجعل الزعفران في الكفن عند رأس الميت في زماننا.
"قوله: والكافور على مساجده" زيادة في تكرمتها وصيانة للميت عن سرعة الفساد، وهي موضع سجوده جمع مسجد بالفتح لا غير كذا في المغرب واختلف فيها فذكر السرخسي أنها الجبهة والأنف واليدان والركبتان والقدمان وذكر القدوري في شرح الكرخي أنها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1  أخرجه البخاري في اللباس، باب النهي عن التزعفر للرجال [5846] ومسلم في اللباس [2101].

 

ج / 2 ص -274-       ولا يسرح شعره ولحيته، ولا يقص ظفره وشعره
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجبهة واليدان والركبتان، ولم يذكر الأنف والقدمين كذا في غاية البيان، ولم يذكر المصنف في الغسل استعمال القطن؛ لأنه لم يرد في الروايات الظاهرة وعن أبي حنيفة أنه يجعل القطن المحلوج في منخريه وفمه وقال بعضهم في صماخيه وقال بعضهم في دبره أيضا قال في الظهيرية واستقبحه عامة المشايخ.
"قوله: ولا يسرح شعره ولحيته، ولا يقص ظفره وشعره"؛ لأنها للزينة، وقد استغنى عنها والظاهر أن هذا الصنيع لا يجوز قال في القنية أما التزين بعد موتها والامتشاط وقطع الشعر لا يجوز والطيب يجوز والأصح أنه يجوز للزوج أن يراها، وفي المجتبى ولا بأس بتقبيل الميت وذكر اللحية مع الشعر من باب عطف الجزء على الكل اهتماما بمنع تسريحها، وليس هو من قبيل التكرار كما توهمه الشارح، وفي الظهيرية، ولو تكسر ظفر الميت فلا بأس بأن يؤخذ روي ذلك عن أبي حنيفة وأبي يوسف ا هـ.
ولم يذكر المصنف صفة الغسل، ومن يغسل والغاسل وحكم الميت قبله وبعده.
أما الأول فهو من فروض الكفاية كالصلاة عليه وتجهيزه ودفنه حتى لو اجتمع أهل بلدة على تركها قوتلوا، ولو صلوا عليه قبل الغسل أعادوا الصلاة، وكذا إذا ذكروا قبل أن يهال عليه التراب ينزع اللبن ويخرج ويغسل ويصلى عليه، وإن أهالوه لم ينبش، ولم تعد الصلاة عليه، ولو بقي منه عضو فذكروه بعد الصلاة والتكفين يغسل ذلك العضو ويعاد، فإن بقي أصبع ونحوها بعد التكفين لا يغسل وقال محمد يغسل على كل حال كذا في المجتبى، وفي القنية وجد رأس آدمي لا يغسل، ولا يصلى عليه، ولو غسل صار الماء مستعملا، ولو مات في بيته فقالت الورثة لا نرضى بغسله فيه ليس لهم ذلك؛ لأن غسله في بيته من حوائجه، وهي مقدمة على الورثة ا هـ.
وفي الظهيرية والأفضل أن يغسل الميت مجانا، فإن ابتغى الغاسل الأجر فهو على وجهين إن كان هناك غيره يجوز أخذ الأجر وإلا فلا واختلفوا في استئجار الخياط لخياطة الكفن وأجرة الحاملين والحفار والدفان من رأس المال ا هـ. وفي الخانية إذا جرى الماء على الميت أو أصابه المطر عن أبي يوسف أنه لا ينوب عن الغسل؛ لأنا أمرنا بالغسل وجريان الماء وإصابة المطر ليس بغسل والغريق يغسل ثلاثا عند أبي يوسف وعن محمد إذا نوى الغسل عند الإخراج من الماء يغسل مرتين، وإن لم ينو يغسل ثلاثا وفي رواية يغسل مرة واحدة ا هـ. وفي فتح القدير الظاهر

 

ج / 2 ص -275-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اشتراط النية فيه لإسقاط وجوبه عن المكلف لا لتحصيل طهارته هو وشرط صحة الصلاة عليه ا هـ. وفي فتاوى قاضي خان ميت غسله أهله بغير نية أجزأهم ذلك ا هـ. واختاره في الغاية والإسبيجابي؛ لأن غسل الحي لا يشترط له النية فكذا غسل الميت.
وأما الثاني فالموتى ضربان من يغسل ومن لا يغسل.
والأول ضربان من يغسل ليصلى عليه، ومن يغسل لا للصلاة فالأول من مات بعد الولادة، وله حكم الإسلام والثاني الجنين الميت على ما سيأتي، وكذا الكافر غير الحربي إذا مات، وله ولي مسلم كما سيأتي.
والثاني ضربان: من لا يغسل إهانة وعقوبة كقتلى أهل البغي والحرب وقطاع الطريق وضرب لا يغسل إكراما وفضيلة كالشهداء ولو اختلط موتى المسلمين بموتى الكفار يغسلون إن كان المسلمون أكثر وإلا فلا، ومن لا يدرى أمسلم أم كافر؟ إن كان عليه سيما المسلمين أو في بقاع ديار الإسلام يغسل وإلا فلا. ولو وجد الأكثر من الميت أو النصف مع الرأس غسل وصلي عليه وإلا فلا.
وأما الغاسل فمن شرطه أن يحل له النظر إلى المغسول فلا يغسل الرجل المرأة، ولا المرأة الرجل والمجبوب والخصي فأما الخنثى المشكل المراهق إذا مات ففيه اختلاف، والظاهر أنه ييمم وإذا ماتت المرأة في السفر بين الرجال ييممها ذو رحم محرم منها، وإن لم يكن لف الأجنبي على يديه خرقة ثم ييممها، وإن كانت أمة ييممها الأجنبي بغير ثوب، وكذا إذا مات رجل بين النساء تيممه ذات رحم محرم منه أو زوجته أو أمته بغير ثوب وغيرهن بثوب والصبي الذي لا يشتهى والصبية كذلك غسلهما الرجال والنساء، ولا يغسل الرجل زوجته والزوجة تغسل زوجها دخل بها أو لا بشرط بقاء الزوجية عند الغسل حتى لو كانت مبانة بالطلاق، وهي في العدة أو محرمة بردة أو رضاع أو مصاهرة لم تغسله، ولم يغسل المولى أم ولده، وكذا مدبرته ومكاتبته وكذا على العكس في المشهور عن أبي حنيفة الكل في "المجتبى".
وفي الواقعات رجل له امرأتان قال إحداكما طالق ثلاثا بعد الدخول بهما ثم مات قبل أن يبين فليس لواحدة منهما أن تغسله لجواز أن كل واحدة منهما مطلقة، ولهما الميراث، وعليهما عدة الطلاق والوفاة.
ولو مات عن امرأته، وهي مجوسية لم تغسله؛ لأنه كان لا يحل له المس حال حياته فكذا بعد وفاته بخلاف التي ظاهر منها؛ لأن الحل قائم، فإن أسلمت قبل أن يغسل غسلته اعتبارا بحالة الحياة،

 

ج / 2 ص -276-       وكفنه سنة: إزار وقميص ولفافة،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكذا لو مات عن امرأته وأختها منه في عدته لم تغسله، فإن انقضت عدتها قبل أن يغسل غسلته لما قلنا اهـ.
وفي الولوالجية إذا ارتدت المنكوحة بعد موته أو قبلت ابنه لا تغسله، وكذا إذا وطئت بالشبهة؛ لأن هذه الأشياء تنافي النكاح وتحرم المس، وفيها إذا كان مع النساء رجل من أهل الذمة أو مع الرجال امرأة ذمية يعلمان الغسل؛ لأن السنة تتأدى بغسله ولكن لا يهتدي إلى السنة فيعلم، وفي المحيط لو مات عنها، وهي حامل فوضعت لا تغسله لانقضاء عدتها، وفي المجتبى وأما ما يستحب للغاسل فالأولى أن يكون أقرب الناس إلى الميت، فإن لم يعلم الغسل فأهل الأمانة والورع للحديث، فإن كان الغاسل جنبا أو حائضا أو كافرا جاز واليهودية والنصرانية كالمسلمة في غسل زوجها لكنه أقبح، وليس على من غسل ميتا غسل، ولا وضوء ا هـ.
وأما حكمه قبله ففيه اختلاف فقيل إنه محدث، وهو سبب وجوبه لا لنجاسة حلت به إنما وجب غسل جميع الجسد لعدم الحرج وقيل ينجس بالموت واقتصر عليه في المحيط مستدلا بأنه لو وقع في الماء القليل قبل الغسل نجسه، ولو صلى وهو حامل للميت لا يجوز فيجب تطهيره بالغسل شرعا كرامة له وشرفا ا هـ. وصححه في الكافي ونسبه في البدائع إلى عامة المشايخ قال في فتح القدير، وقد روي في حديث أبي هريرة:
"سبحان الله إن المؤمن لا ينجس حيا ولا ميتا"1، فإن صحت وجب ترجيح أنها للحدث ا هـ.
واتفقوا أن حكمه بعده إن كان مسلما الطهارة؛ ولذا يصلى عليه فما يتوهم من أن الحنفية إنما منعوا من الصلاة عليه في المسجد لأجل نجاسته خطأ واتفقوا على أن الكافر لا يطهر بالغسل، وأنه لا تصح صلاة حامله بعده.
"قوله: وكفنه سنة: إزار وقميص ولفافة" لحديث البخاري كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية2، وسحول بفتح السين قرية باليمن والإزار واللفافة من القرن إلى القدم والقرن هنا بمعنى الشعر واللفافة هي الرداء طولا، وفي بعض نسخ المختار أن الإزار من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1  تقدم تخريجه في [1/84].
2  أخرجه البخاري في الجنائز، باب الثياب البيض للكفن [1264].
والنسائي، كتاب الجنائز، باب كفن النبي صلى الله عليه وسلم [4/35].
وابن ماجة، كتاب الجنائز، باب ما جاء في كفن النبي صلى الله عليه وسلم [1470].
ومالك في الوطأ، كتاب الجنائز، باب ما جاء في كفن الميت [1/223].
وذكره الزيلعي في نصب الراية [2/ 261].

 

ج / 2 ص -277-       وكفاية: إزار ولفافة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المنكب إلى القدم هذا ما ذكروه وبحث فيه في فتح القدير بأنه ينبغي أن يكون إزار الميت كإزار الحي من السرة إلى الركبة؛ لأنه عليه السلام أعطى اللاتي غسلن ابنته حقوة1، وهي في الأصل معقد الإزار ثم سمي به الإزار للمجاورة.
والقميص من المنكب إلى القدم بلا دخاريص؛ لأنها تفعل في قميص الحي ليتبع أسفله للمشي وبلا جيب، ولا كمين، ولا يكف أطرافه، ولو كفن في قميص قطع جيبه ولبته كذا في التبيين والمراد بالجيب الشق النازل على الصدر، وفي العناية التكفين في ثلاثة أثواب هو السنة وذلك لا ينافي أن يكون أصل التكفين واجبا، ولم يذكر المصنف العمامة لما في المجتبى وتكره العمامة في الأصح، وفي فتح القدير واستحسنها بعضهم لما روي عن ابن عمر أنه كان يعممه ويجعل العذبة على وجهه2 ا هـ. وفي الظهيرية استحسنها بعضهم للعلماء والأشراف فقط، وأشار المصنف إلى أنه لا يزاد للرجل على ثلاثة وصرح في المجتبى بكراهتها واستثنى في روضة الزندوستي ما إذا أوصى بأن يكفن في أربعة أو خمسة فإنه يجوز بخلاف ما إذا أوصى أن يكفن في ثوبين فإنه يكفن في ثلاثة، ولو أوصى بأن يكفن بألف درهم كفن كفنا وسطا ا هـ. ولم يبين لون الأكفان لجواز كل لون لكن أحبها البياض، ولم يبين جنسها لجواز الكل لا ما لا يجوز لبسه حال الحياة كالحرير للرجال وقد قالوا في باب الشهيد إنه ينزع عنه الفرو والحشوة معللين بأنه ليس من جنس الكفن فظاهره أنه لا يجوز التكفين به إلا أن يقال ليس من جنسه المسنون، وهو الظاهر؛ لأن المقصود من الكفن ستره، وهو حاصل بهما.
وفي المجتبى والجديد والخلق فيه سواء بعد أن يكون نظيفا من الوسخ والحدث قال ابن المبارك أحب إلي أن يكفن في ثيابه التي كان يصلي فيها ا هـ. وفي الظهيرية ويكفن الميت كفن مثله وتفسيره أن ينظر إلى ثيابه في حال حياته لخروج الجمعة والعيدين فذلك كفن مثله وتحسن الأكفان للحديث
"حسنوا أكفان الموتى؛ لأنهم يتزاورون فيما بينهم ويتفاخرون بحسن أكفانهم" ا هـ.
"قوله: وكفاية: إزار ولفافة" لقوله عليه الصلاة والسلام في المحرم الذي وقصته ناقته
"كفنوه في ثوبين"3 واختلف فيهما فقيل قميص ولفافة وصحح الشارح ما في الكتاب، ولم يبين وجهه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1  أخرجه أبوداود، كتاب الجنائز، باب في كفن المرأة [3157].
وذكره الزيلعي في نصب الراية [2/263].
2  أخرجه عبد الرزاق في مصنفه [6183].
3  تقدم تخريجه في [1/71].

 

ج / 2 ص -278-       وضرورة: ما يوجد، ولف من يساره ثم يمينه، وعقد إن خيف انتشاره، وكفنها سنة: درع وإزار ولفافة وخمار وخرقة تربط بها ثدياها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وينبغي عدم التخصيص بالإزار واللفافة؛ لأن كفن الكفاية معتبر بأدنى ما يلبسه الرجل في حياته من غير كراهة، وهو ثوبان كما علل به في البدائع قالوا: ويكره أن يكفن في ثوب واحد حالة الاختيار؛ لأن في حال حياته تجوز صلاته في ثوب واحد مع الكراهة، وقالوا إذا كان بالمال قلة وبالورثة كثرة فكفن الكفاية أولى، وعلى القلب كفن السنة أولى ومقتضاه أنه لو كان عليه ثلاثة أثواب، وليس له غيرها، وعليه دين أن يباع واحد منهما للدين؛ لأن الثالث ليس بواجب حتى ترك للورثة عند كثرتهم فالدين أولى مع أنهم صرحوا كما في الخلاصة بأنه لا يباع شيء منها للدين كما في حالة الحياة إذا أفلس، وله ثلاثة أثواب، وهو لابسها ولا ينزع عنه شيء ليباع.
"قوله: وضرورة: ما يوجد" ثابت في أكثر النسخ، وقد شرح عليه مسكين وباكير وغيرهما، ولم يثبت في نسخة الزيلعي فأنكرها واستدل له بحديث مصعب بن عمير لم يوجد له شيء يكفن فيه إلا نمرة فكانت إذا وضعت على رأسه بدت رجلاه وإذا وضعت على رجليه خرج رأسه فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تغطى رأسه ويجعل على رجليه شيء من الإذخر.1 وهذا دليل على أن ستر العورة وحدها لا يكفي كذا في التبيين.
"قوله: ولف من يساره ثم يمينه" أي لف الكفن من يسار الميت ثم يمينه وكيفيته: أن تبسط اللفافة أولا ثم الإزار فوقها ويوضع الميت عليهما مقمصا ثم يعطف عليه الإزار وحده من قبل اليسار ثم من قبل اليمين ليكون الأيمن فوق الأيسر ثم اللفافة كذلك، وفي البدائع، فإن كان الإزار طويلا حتى يعطف على رأسه وسائر جسده فهو أولى.
"قوله: وعقد إن خيف انتشاره" صيانة عن الكشف.
"قوله: وكفنها سنة: درع وإزار ولفافة وخمار وخرقة تربط بها ثدياها" لحديث أم عطية أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى اللواتي غسلن ابنته خمسة أثواب.2 واختلف في اسمها ففي مسلم أنها زينب،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1  أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب إذا لم يجد كفناً إلا ما يواري رأسه أو قدميه [1276].
ومسلم، كتاب الجنائز، باب في كفن الميت [940].
وأبو داود، كتاب الوصايا، باب ما جاء في الدليل على أن الكفن من جميع المال [2876].
والنسائي، كتاب الجنائز، باب القميص في الكفن [4/38].
2  ذكره الزيلعي في نصب الراية [2/263] وقال: غريب من حديث أم عطية.
وأخرجه أبو داود في سننه من حديث ليلى بنت قانف، كتاب الجنائز، باب في كفن المرأة [3157].
 

 

ج / 2 ص -279-       وكفاية: إزار ولفافة وخمار وتلبس الدرع أولا ثم يجعل شعرها ضفيرتين على صدرها ثم الخمار فوقه تحت اللفافة ثم يعطف الإزار ثم اللفافة وتجمر الأكفان أولا وترا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي أبي داود أنها أم كلثوم وذكر بعضهم القميص لها، ولم يذكر الدرع، وهو الأولى للاختلاف في الدرع.
قال في المغرب درع المرأة ما تلبسه فوق القميص، وهو مذكر وعن الحلواني ما جيبه إلى الصدر والقميص ما شقه إلى المنكب، ولم أجده أنا في كتب اللغة ا هـ. واختلف في عرض الخرقة فقيل ما بين الثدي إلى السرة وقيل ما بين الثدي إلى الركبة كي لا ينتشر الكفن بالفخذين وقت المشي.
"قوله: وكفاية: إزار ولفافة وخمار" اعتبارا بلبسها حال حياتها من غير كراهة، ويكره أقل من ذلك وفي الخلاصة كفن الكفاية لها ثلاثة أثواب قميص وإزار ولفافة فلم يذكر الخمار، وفي فتح القدير، وما في الكتاب من عد الخمار أولى، لكن لم يعين في الهداية ما عدا الخمار بل قال: ثوبان وخمار ففسرهما في فتح القدير بالقميص واللفافة فهو مخالف لما في المتن والظاهر كما قدمناه عدم التعيين بل إما قميص وإزار أو إزاران؛ لأن المقصود ستر جميع البدن وهو حاصل بالكل لكن جعلهما إزارين زيادة في ستر الرأس والعنق كما لا يخفى قال في التبيين، وما دون الثلاثة كفن الضرورة في حقها.
"قوله: وتلبس الدرع أولا ثم يجعل شعرها ضفيرتين على صدرها ثم الخمار فوقه تحت اللفافة ثم يعطف الإزار ثم اللفافة" كما ذكرنا ثم الخرقة فوق الأكفان، وفي الجوهرة توضع الخرقة تحت اللفافة وفوق الإزار والقميص، وهو الظاهر
"قوله: وتجمر الأكفان أولا وترا"؛ لأنه عليه السلام أمر بإجمار أكفان امرأته1، والمراد به التطيب قبل أن يدرج فيها الميت وجميع ما يجمر فيه الميت ثلاث مواضع.
عند خروج روحه لإزالة الرائحة الكريهة.
وعند غسله.
وعند تكفينه. ولا يجمر خلفه، ولا في القبر، وفي المجتبى يحتمل أن يريد بالتجمير جمعها وترا قبل الغسل يقال أجمر كذا إذا جمعه ويحتمل أن يريد التطيب بعود يحرق في مجمرة وصرح في البدائع بأنه لا يزيد في تجميرها على خمس، وفي المجتبى المكفنون اثنا عشر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1  ذكره الزيلعي بلفظ: [أمر بإجمار أكفان ابنته] [2/264] وقال: قلت: غريب.

 

ج / 2 ص -280-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرجل والمرأة وقد تقدما.
والثالث: المراهق المشتهى وهو كالبالغ.
والرابع: المراهقة التي تشتهى، وهي كالمرأة.
والخامس: الصبي الذي لم يراهق فيكفن في خرقتين إزار ورداء، وإن كفن في واحد أجزأ.
والسادس: الصبية التي لم تراهق فعن محمد كفنها ثلاثة وهذا أكثر.
والسابع: السقط فيلف، ولا يكفن كالعضو من الميت.
والثامن: الخنثى المشكل فيكفن كتكفين الجارية وينعش ويسجى قبره.
والتاسع: الشهيد وسيأتي.
والعاشر: المحرم، وهو كالحلال عندنا.
والحادي عشر: المنبوش الطري فيكفن كالذي لم يدفن.
والثاني عشر: المنبوش المتفسخ فيكفن في ثوب واحد ا هـ.
ولم يذكر المصنف من يجب عليه الكفن، وهو من ماله إن كان له مال يقدم على الدين والوصية والإرث إلى قدر السنة ما لم يتعلق بعين ماله حق الغير كالرهن والمبيع قبل القبض والعبد الجاني فلو نبش عليه وسرق كفنه، وقد قسم الميراث أجبر القاضي الورثة على أن يكفنوه من الميراث، وإن كان عليه دين، فإن لم يكن قبض الغرماء بدأ بالكفن؛ لأنه بقي على ملك الميت والكفن مقدم على الدين، وإن كانوا قبضوا لا يسترد منهم؛ لأنه زال ملك الميت بخلاف الميراث؛ لأن ملك الوارث عين ملك المورث حكما؛ ولهذا يرد عليه بالعيب فصار ملك المورث قائما ببقاء خلفه، واستثنى أبو يوسف الزوجة فإن كفنها على زوجها لكن اختلفت العبارات في تحرير مذهب أبي يوسف ففي فتاوى قاضي خان والخلاصة والظهيرية، وعلى قول أبي يوسف يجب الكفن على الزوج، وإن تركت مالا، وعليه الفتوى ا هـ. وكذا في المجتبى وزاد، ولا رواية فيها عن أبي حنيفة، وفي المحيط والتجنيس والواقعات وشرح المجمع للمصنف إذا لم يكن لها مال فكفنها على الزوج عند أبي يوسف، وعليه الفتوى؛ لأنه لو لم يجب عليه لوجب على الأجانب، وهو بيت المال وهو قد كان أولى بإيجاب الكسوة عليه حال حياتها فرجح على سائر الأجانب وقال محمد يجب تجهيزها في بيت المال.
وقيد شارح المجمع بيسار الزوج عند أبي يوسف فظاهره أنه إذا كان لها مال فكفنها في مالها اتفاقا والظاهر ترجيح ما في الفتاوى الخانية؛ لأنه ككسوتها والكسوة واجبة عليه غنية كانت أو فقيرة غنيا كان أو فقيرا وصححه الولوالجي في فتاواه من النفقات، فإن لم يكن للميت مال فكفنه على من تجب عليه نفقته وكسوته في حياته وكفن العبد على سيده والمرهون

 

ج / 2 ص -281-       فصل
السلطان أحق بصلاته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على الراهن والمبيع في يد البائع عليه، فإن لم يكن له من تجب النفقة عليه فكفنه في بيت المال، فإن لم يكن فعلى المسلمين تكفينه، فإن لم يقدروا سألوا الناس ليكفنوه بخلاف الحي إذا لم يجد ثوبا يصلي فيه ليس على الناس أن يسألوا له ثوبا والفرق أن الحي يقدر على السؤال بنفسه والميت عاجز، فإن سألوا له وفضل من الكفن شيء يرد إلى المتصدق، وإن لم يعلم يتصدق به على الفقراء اعتبارا بكسوته كذا في المجتبى.
وفي التجنيس والواقعات إذا لم يعلم المتصدق يكفن به مثله من أهل الحاجة، وإن لم يتيسر يصرف إلى الفقراء وفيهما لو كفن ميتا من ماله ثم وجد الكفن فله أن يأخذه، وهو أحق به؛ لأن الميت لم يملكه وفيهما حي عريان وميت ومعهما ثوب واحد، فإن كان للحي فله لبسه، ولا يكفن به الميت؛ لأنه محتاج إليه، وإن كان ملك الميت والحي وارثه يكفن به الميت ولا يلبسه؛ لأن الكفن مقدم على الميراث وإذا تعدد من وجبت النفقة عليه على ما يعرف في النفقات فالكفن عليهم على قدر ميراثهم كما كانت النفقة واجبة عليهم، ولو مات معتق شخص، ولم يترك شيئا، وله خالة موسرة يؤمر معتقه بتكفينه وقال محمد على خالته.
وفي الخانية من لا يجبر على النفقة في حياته كأولاد الأعمام والعمات والأخوال والخالات لا يجبر على الكفن زاد في الظهيرية، وإن كان وارثا وفي البدائع، ولا يجب على المرأة كفن زوجها بالإجماع كما لا يجب عليها كسوته في الحياة، وفي القنية، ولو مات ولا شيء له وجب كفنه على ورثته فكفنه الحاضر من مال نفسه ليرجع على الغائب منهم بحصتهم ليس له الرجوع إذا أنفق عليه بغير إذن القاضي قال محمد رحمه الله كالعبد أو الزرع أو النخل بين شريكين أنفق أحدهما عليه ليرجع على الغائب لا يرجع إذا فعله بغير إذن القاضي ا هـ.
فصل
"قوله: السلطان أحق بصلاته" يعني إذا حضر؛ لأن في التقدم عليه استخفافا به، ولما مات الحسن قدم الحسين سعيد بن العاص1 وقال: لولا السنة ما قدمتك أطلق في السلطان وأراد به من له سلطنة أي حكم وولاية على العامة سواء كان الخليفة أو غيره فيقدم الخليفة إن حضر ثم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1  وهو الصحابي المشهور وكان أحد من ندبه عثمان لكتابة المصحف مات سنة سبع أو ثمان وخمسين للهجرة. اهـ. سير أعلام النبلاء [3/444].

 

ج / 2 ص -282-       وهي فرض كفاية، وشرطها إسلام الميت وطهارته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نائب المصر ثم القاضي ثم صاحب الشرط ثم خليفته ثم خليفة القاضي، وهذا ما نقله الفقيه أبو جعفر والإمام الفضلي إنما نقل تقديم السلطان، وهو الخليفة فقط، وأما من عداه فليس له التقدم على الأولياء إلا برضاهم قال في الظهيرية والخانية إنه قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف وزفر ا هـ. فعلى هذا فالمراد من السلطان في المختصر هو الوالي الذي لا والي فوقه لكن المذكور في المحيط والبدائع والتبيين والمجمع وشرحه التفصيل المتقدم عن أبي جعفر واقتصر عليه في فتح القدير وصرح في الخلاصة بأنه المختار فكان هو المذهب وقدم أبو يوسف الولي مطلقا وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة، وما في الأصل من أن إمام الحي أولى بها فمحمول على ما إذا لم يحضر السلطان، ولا من يقوم مقامه توفيقا بينهما؛ لأن السلطان قل ما يحضر الجنائز كذا في البدائع وغيره ومعنى الأحقية وجوب تقديمه.
"قوله: وهي فرض كفاية" أي الصلاة عليه للإجماع على افتراضها وكونها على الكفاية، وما ورد في بعض العبارات من أنها واجبة فالمراد الافتراض وقد صرح في القنية والفوائد التاجية بكفر من أنكر فرضيتها؛ لأنه أنكر الإجماع ا هـ. وهل يصح النذر بها صرحوا بأنه لا يصح النذر بالتكفين، ولا بتشييع الجنازة لعدم القربة المقصودة ولا شك أن صلاة الجنازة قربة مقصودة.
"قوله: وشرطها إسلام الميت وطهارته" فلا تصح على الكافر للآية
{وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً} [التوبة: 84]، ولا تصح على من لم يغسل؛ لأنه له حكم الإمام من وجه لا من كل وجه وهذا الشرط عند الإمكان فلو دفن بلا غسل، ولم يمكن إخراجه إلا بالنبش صلي على قبره بلا غسل للضرورة بخلاف ما إذا لم يهل عليه التراب بعد فإنه يخرج ويغسل، ولو صلي عليه بلا غسل جهلا مثلا، ولا يخرج إلا بالنبش تعاد لفساد الأولى، وقيل: تنقلب الأولى صحيحة عند تحقق العجز فلا تعاد.
وفي المحيط، ولو لف في كفنه، وقد بقي عضو منه لم يصبه الماء ينقض الكفن ويغسل ثم يصلى عليه، ولو بقي أصبع واحدة ونحوها ينقض الكفن عند محمد ويغسل وعندهما لا ينقض الكفن؛ لأنه لا يتيقن بعدم وصول الماء إليه فلعله أسرع إليه الجفاف لقلته فلا يحل نقض الكفن بالشك؛ لأنه لا يحل نقضه إلا بعذر بخلاف العضو؛ لأنه لا يسرع إليه الجفاف، ولو صلى الإمام بلا طهارة أعادوا؛ لأنه لا صحة لها بدون الطهارة فإذا لم تصح صلاة الإمام لم تصح صلاة القوم، ولو كان الإمام على طهارة والقوم على غيرها لا تعاد؛ لأن صلاة الإمام صحت فلو أعادوا

 

ج / 2 ص -283-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تتكرر الصلاة، وأنه لا يجوز وبهذا تبين أنه لا تجب صلاة الجماعة فيها ا هـ. وزاد في فتح القدير وغيره شرطا ثالثا في الميت، وهو وضعه أمام المصلى فلا تجوز على غائب ولا على حاضر محمول على دابة أو غيرها، ولا موضوع متقدم عليه المصلي؛ لأنه كالإمام من وجه دون وجه لصحة الصلاة على الصبي وأما صلاته على النجاشي1 فإما لأنه رفع له عليه الصلاة والسلام سريره حتى رآه بحضرته فتكون صلاة من خلفه على ميت يراه الإمام وبحضرته دون المأمومين وهذا غير مانع من الاقتداء وإما أن يكون مخصوصا بالنجاشي، وقد أثبت كلا منهما بالدليل في فتح القدير وأجاب في البدائع بثالث، وهو أنها الدعاء لا الصلاة المخصوصة وهذه الشرائط في الميت، وأما شرائطها بالنظر إلى المصلي فشرائط الصلاة الكاملة من الطهارة الحقيقية والحكمية واستقبال القبلة وستر العورة والنية وقدمنا حكم ما لو ظهر المصلي محدثا وقيد المصنف بطهارة الميت احترازا عن طهارة مكانه قال في الفوائد التاجية إن كان على جنازة لا شك أنه يجوز، وإن كان بغير جنازة لا رواية لهذا، وينبغي أن يجوز؛ لأن طهارة مكان الميت ليس بشرط؛ لأنه ليس بمؤد ومنهم من علل بأن كفنه يصير حائلا بينه وبين الأرض؛ لأنه ليس بلابس بل هو ملبوس فيكون حائلا ا هـ. وفي القنية الطهارة من النجاسة في الثوب والبدن والمكان وستر العورة شرط في حق الإمام والميت جميعا، وقد قدمنا في باب شروط الصلاة أنه لو قام على النجاسة، وفي رجليه نعلان لم يجز، ولو افترش نعليه وقام عليهما جازت، وبهذا يعلم ما يفعل في زماننا من القيام على النعلين في صلاة الجنازة لكن لا بد من طهارة النعلين كما لا يخفى.
وأما أركانها ففي فتح القدير إن الذي يفهم من كلامهم أنها:
الدعاء والقيام والتكبير لقولهم إن حقيقتها هو الدعاء والمقصود منها، ولو صلى عليها قاعدا من غير عذر لا يجوز وقالوا كل تكبيرة بمنزلة ركعة وقالوا يقدم الثناء والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه سنة الدعاء، ولا يخفى أن التكبيرة الأولى شرط؛ لأنها تكبيرة الإحرام ا هـ. وفيه نظر؛ لأن المصرح به بخلافه قال في المحيط:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1  وهو أصحمة ملك الحبشة، معدود في الصحابة، وكان ممن حسن إسلامه وهو صحابي من وجه وتابعي من وجه.
وحديث الصلاة عليه أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب التكبير على الجنائز أربعاً [1334].
ومسلم، كتاب الجنائز، باب التكبير على الجنازة [951].
والنسائي، كتاب الجنائز، باب الصفوف على الجنازة [4/69].
وأبو داود، باب الصلاة على المسلم يموت في بلاد الشرك [3204].

 

ج / 2 ص -284-       ثم إمام الحي، ثم الولي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما ركنها فالتكبيرات والقيام، وأما سننها فالتحميد والثناء والدعاء فيها ا هـ.
فقد صرح بأن الدعاء سنة وقولهم في المسبوق يقضي التكبير نسقا بغير دعاء يدل عليه ولا نسلم أن التكبيرة الأولى شرط بل الأربع أركان قال في المحيط كبر على جنازة فجيء بأخرى أتمها واستقبل الصلاة على الأخرى؛ لأنه لو نواها للأخرى أيضا يصير مكبرا ثلاثا وأنه لا يجوز، وإن زاد على الأربع لا يجوز؛ لأن الزيادة على الأربع لا تتأدى بتحريمة واحدة، وفي الغاية للسروجي، فإن قلت: التكبيرة الأولى للإحرام، وهي شرط، وقد تقدم أنه يجوز بناء الصلاة على التحريمة الأولى لكونها غير ركن قيل له التكبيرات الأربع في صلاة الجنازة قائمة مقام الأربع ركعات بخلاف المكتوبة وصلاة النافلة ا هـ. وأما ما يفسدها فما أفسد الصلاة أفسدها إلا المحاذاة كذا في البدائع وتكره في الأوقات المكروهة، وقد تقدم، ولو أمت امرأة فيها تأدت الصلاة، ولو أحدث الإمام فاستخلف غيره فيها جاز هو الصحيح كذا في الظهيرية.
"قوله: ثم إمام الحي" أي الجماعة؛ لأنه رضيه في حال حياته وظاهره أن تقديمه واجب؛ لأنه عطفه على ما تقديمه واجب وهو السلطان مع تصريحهم بأن تقديمه مستحب بخلاف السلطان قال في غاية البيان، وإنما قالوا تقديمه مستحب؛ لأن في التقدم عليه لا يلزم إفساد أمر العامة بخلاف التقدم على السلطان حيث يلزم ذلك فلذا وجب تقديمه ا هـ.
وفي شرح المجمع للمصنف إنما يستحب تقديم إمام مسجد حيه على الولي إذا كان أفضل من الولي ذكره في الفتاوى ا هـ. وهو قيد حسن، وكذا في المجتبى، وفي جوامع الفقه إمام المسجد الجامع أولى من إمام الحي ا هـ. وهذا يدل على أن المراد بإمام الحي إمام المسجد الخاص للمحلة، وقد وقع الاشتباه في إمام المصلى المبنية لصلاة الأموات في الأمصار فإن الباني يشرط لها إماما خاصا ويجعل له معلوما من وقفه فهل هو مقدم على الولي إلحاقا له بإمام الحي أو لا ؟ مع القطع بأنه ليس بإمام الحي لتعليلهم إياه بأن الميت رضي بالصلاة خلفه حال حياته وهذا خاص بإمام مسجد محلته والذي ظهر لي أنه إن كان مقررا من جهة القاضي فهو كنائبه، وإن كان المقرر له الناظر فهو كالأجنبي.
"قوله: ثم الولي"؛ لأنه أقرب الناس إليه والولاية له في الحقيقة كما في غسله وتكفينه، وإنما يقدم السلطان عليه إذا حضر كي لا يكون ازدراء به، ثم الترتيب في الأولياء كترتيب العصبات في الإنكاح لكن إذا اجتمع أبو الميت وابنه كان الأب أولى بالاتفاق على الأصح؛ لأن للأب فضيلة على الابن وزيادة سن، والفضيلة والزيادة تعتبر ترجيحا في استحقاق الإمامة كما في سائر الصلوات كذا في البدائع فلو كان الأب جاهلا والابن عالما ينبغي تقديم الابن كما في سائر

 

ج / 2 ص -285-       وله أن يأذن لغيره
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصلوات إلا أن يقال إن صفة العلم لا توجب التقديم في صلاة الجنازة لعدم احتياجها للعلم ويعتبر الأسن فيها فالأخوان لأب وأم أسنهما أولى، فإن أراد الأسن أن يقدم أحدا كان للأصغر أن يمنع، فإن قدم كل واحد منهما رجلا آخر فالذي قدمه الأسن أولى وكذلك الابنان على هذا، وكذلك أبناء العم، فإن كان الأخ الأصغر لأب وأم والأكبر لأب فالأصغر أولى كما في الميراث، فإن قدم الأصغر جدا فليس للأكبر أن يمنعه، فإن كان الأخ لأب وأم غائبا وكتب لإنسان ليتقدم فللأخ لأب أن يمنعه، وحد الغيبة أن لا يقدر على أن يقدم ويدرك الصلاة ولا ينتظر الناس قدومه، والمريض في المصر بمنزلة الصحيح يقدم من شاء، وليس للأبعد منعه، ولو ماتت امرأة، ولها أب وابن بالغ عاقل وزوج فالأب أحق بها ثم الابن إن كان من غير الزوج، فإن كان منه فالزوج أحق من الولد، ولو مات ابن، وله أب وأبو أب فالولاية لأبيه ولكنه يقدم أباه جد الميت تعظيما له، وكذا المكاتب إذا مات عبده ومولاه حاضر فالولاية للمكاتب لكنه يقدم مولاه احتراما ومولى العبد أحق بالصلاة عليه من ابنه الحر على المفتى به لبقاء ملكه حكما، وكذا المكاتب إذا مات عن غير وفاء، فإن ترك وفاء، فإن أديت كتابته أو كان المال حاضرا لا يخاف عليه التوى1 والتلف، فالابن أحق وإلا فالمولى وسائر القرابات أولى من الزوج، وكذا مولى العتاقة وابنه ومولى الموالاة؛ لأن الزوجية انقطعت بينهما بالموت، وفي المجتبى والجار أحق من غيره.
"قوله: وله أن يأذن لغيره" أي للولي الإذن في صلاة الجنازة، وهو يحتمل شيئين.
أحدهما: الإذن في التقدم؛ لأنه حقه فيملك إبطاله وقدمنا أن محله ما إذا لم يكن هناك ولي غيره أو كان وهو بعيد أما إذا كانا وليين مستويين فأذن أحدهما أجنبيا فللآخر أن يمنعه.
ثانيهما: أن يأذن للناس في الانصراف بعد الصلاة قبل الدفن؛ لأنه لا ينبغي لهم أن ينصرفوا إلا بإذنه، وذكر الشارح معنى آخر، وهو الإعلام بموته ليصلوا عليه لا سيما إذا كان الميت يتبرك به وكره بعضهم أن ينادى عليه في الأزقة والأسواق؛ لأنه نعي أهل الجاهلية، وهو مكروه والأصح أنه لا يكره؛ لأن فيه تكثير الجماعة من المصلين عليه والمستغفرين له وتحريض الناس على الطهارة والاعتبار به والاستعداد، وليس ذلك نعي أهل الجاهلية، وإنما كانوا يبعثون إلى القبائل ينعون مع ضجيج وبكاء وعويل وتعديد، وهو مكروه بالإجماع ا هـ. وهي كراهة تحريم للحديث المتفق عليه
"ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية"2 وقال

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1  التوى: على وزن الحصى وقد يمد الهلاك. ا هـ. مصباح مادة توى.
2  أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب ليس منا من ضرب الخدود [2197].

 

ج / 2 ص -286-       فإن صلى عليه غير الولي، والسلطان أعاد الولي ولم يصل غيره بعده
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عليه السلام
"لعن الله الحالقة والصالقة والشاقة"1 والصالقة التي ترفع صوتها بالمصيبة، ولا بأس بإرسال الدمع والبكاء من غير نياحة.
"قوله: فإن صلى عليه غير الولي والسلطان أعاد الولي"؛ لأن الحق له والمراد من السلطان من له حق التقدم على الولي فإن الكلام فيما إذا تقدم على الولي من ليس له حق التقدم فليس للولي الإعادة إذا صلى القاضي أو نائبه أو إمام الحي لما في الخلاصة والولوالجية والظهيرية والتجنيس والواقعات، ولو صلى رجل والولي خلفه، ولم يرض به إن صلى معه لا يعيد؛ لأنه صلى مرة، وإن لم يتابعه، فإن كان المصلي السلطان أو الإمام الأعظم في البلدة أو القاضي أو الوالي على البلدة أو إمام حي ليس له أن يعيد؛ لأنهم أولى بالصلاة منه، وإن كان غيرهم فله الإعادة ا هـ.
وأشار المصنف إلى أن الموصى له بالتقدم ليس بمقدم على الولي؛ لأن الوصية باطلة على المفتى به صرح بذلك أصحاب الفتاوى قالوا، ولو أعادها الولي ليس لمن صلى عليها أن يصلي مع الولي مرة أخرى وظاهر كلامهم أن الولي إذا لم يعد فلا إثم على أحد لما أن الفرض، وهو قضاء حق الميت قد تأدى بصلاة الأجنبي والإعادة إنما هي لأجل حقه لا لإسقاط الفرض وهذا أولى مما في غاية البيان من أن حكم الصلاة التي صليت بلا إذن الولي موقوف إن أعاد الولي تبين أن الفرض ما صلى الولي، وإن لم يعد سقط الفرض بالأولى ا هـ. فإنه يقتضي أن لمن صلى أولا أن يصلي مع الولي، وليس كذلك وبما ذكرناه عن الفتاوى المذكورة ظهر ضعف ما في غاية البيان من أن إمام الحي إذا صلى بلا إذن الولي، فإن للولي الإعادة، وإنما لم يعد إذا صلى السلطان لخوف الازدراء به، وقد صرح في المجمع وشرحه بأن إمام الحي كالسلطان في عدم إعادة الولي.
"قوله: ولم يصل غيره بعده" أي بعد ما صلى الولي؛ لأن الفرض قد تأدى بالأولى والتنفل بها غير مشروع إلا لمن له الحق، وهو الولي عند تقدم الأجنبي إن قلنا إن إعادة الولي نفل وإلا

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

= ومسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم ضرب  الخدود وشق الجيوب والدعاء بدعوى الجاهلية [103].
وابن ماجة، كتاب الجنائزن باب ما جاء في النهي عن ضرب الخدود وشق الجيوب [1584].
والنسائي، كتاب الجنائز، باب ضرب الخدود [4/20].
وابن حبان في صحيحه [3149].
1  انظر كنز العمال [46027]. وأخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما ينهى من احللق عند المصيبة [1296] بلفظ: "إن رسول الله برئ من الصالقة، والمالقة والشاقة".

 

ج / 2 ص -287-       فإن دفن بلا صلاة صلي على قبره ما لم يتفسخ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فلا استثناء، وقد اختلف المشايخ في إعادة من هو مقدم على الولي إذا صلى الولي كالسلطان والقاضي فذهب صاحب النهاية والعناية إلى أن المراد بالغير من ليس له تقدم على الولي أما من كان مقدما على الولي فله الإعادة بعد صلاة الولي؛ لأن الولي إذا كان له الإعادة إذا صلى غيره مع أنه أدنى فالسلطان والقاضي لهما الإعادة بالطريق الأولى، وهو مصرح به في رواية النوادر ويشهد له ما في الفتاوى.
وفي السراج الوهاج قوله: فإن صلى الولي عليه لم يجز أن يصلي أحد بعده يعني سلطانا كان أو غيره ففيه دلالة على تقديم حق الولي من حيث إنه جوز له الإعادة، ولم يجوز للسلطان إذا صلى الولي فافهم ذلك ا هـ. وكذا ذكر المصنف في المستصفى، وقد ظهر للعبد الضعيف أن الأول محمول على ما إذا تقدم الولي مع وجود من هو مقدم عليه؛ لأنه حيث حضر فالحق له فكانت صلاة الولي تعديا، والثاني محمول على ما إذا لم يحضر غير الولي فصلى الولي ثم جاء المقدم عليه فليس له الإعادة؛ لأن الفرض قد سقط بصلاة من له ولايتها - والله سبحانه وتعالى أعلم - ثم رأيت بعد ذلك في المجتبى ما يفيده قال: فإن صلى عليه الولي لم يجز أن يصلي عليه أحد بعده وهذا إذا كان حق الصلاة له بأن لم يحضر السلطان، وأما إذا حضر وصلى عليه الولي يعيد السلطان ا هـ.
"قوله: فإن دفن بلا صلاة صلي على قبره ما لم يتفسخ"؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر امرأة من الأنصار. أطلقه فشمل ما إذا كان مدفونا بعد الغسل أو قبله كما قدمناه، وهو رواية ابن سماعة عن محمد لكن صحح في غاية البيان معزيا إلى القدوري وصاحب التحفة أنه لا يصلى على قبره؛ لأن الصلاة بدون الغسل ليست بمشروعة، ولا يؤمر بالغسل لتضمنه أمرا حراما، وهو نبش القبر فسقطت الصلاة ا هـ. وقيد بالدفن؛ لأنه لو وضع في قبره، ولم يهل عليه التراب فإنه يخرج ويصلى عليه كما قدمناه وقيد بعدم التفسخ؛ لأنه لا يصلى عليه بعد التفسخ؛ لأن الصلاة شرعت على بدن الميت فإذا تفسخ لم يبق بدنه قائما، ولم يقيد المصنف بمدة؛ لأن الصحيح أن ذلك جائز إلى أن يغلب على الظن تفسخه والمعتبر فيه أكبر الرأي على الصحيح من غير تقدير بمدة كذا في شرح المجمع وغيره وظاهره أنه لو شك في تفسخه يصلى عليه والمذكور في غاية البيان

 

ج / 2 ص -288-       وهي أربع تكبيرات بثناء بعد الأولى وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الثانية ودعاء بعد الثالثة وتسليمتين بعد الرابعة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنه لو شك لا يصلى عليه رواه ابن رستم عن محمد ا هـ. وإنما كان هذا هو الأصح؛ لأنه يختلف باختلاف الأوقات في الحر والبرد وباختلاف حال الميت في السمن والهزال وباختلاف الأمكنة فيحكم فيه غالب الرأي، فإن قيل روي عنه عليه السلام أنه صلى على شهداء أحد بعد ثمانين سنة. فالجواب أن معناه والله أعلم أنه دعا لهم قال الله تعالى:  
{وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103] والصلاة في الآية بمنزلة الدعاء وقيل إنهم لم تتفرق أعضاؤهم فإن معاوية لما أراد أن يحولهم وجدهم كما دفنوا فتركهم كذا في البدائع وحكم صلاة من لا ولاية له كعدم الصلاة أصلا فيصلى على قبره ما لم يتمزق كذا في المجتبى.
"قوله: وهي أربع تكبيرات بثناء بعد الأولى وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الثانية ودعاء بعد الثالثة وتسليمتين بعد الرابعة" لما روي أنه عليه الصلاة والسلام صلى على النجاشي فكبر أربع تكبيرات وثبت عليها حتى توفي. فنسخت ما قبلها والبداءة بالثناء ثم الصلاة سنة الدعاء؛ لأنه أرجى للقبول، ولم يعين المصنف الثناء وروى الحسن أنه دعاء الاستفتاح والمراد بالصلاة الصلاة عليه في التشهد، وهو الأولى كما في فتح القدير، ولم يذكر القراءة؛ لأنها لم تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي المحيط والتجنيس ولو قرأ الفاتحة فيها بنية الدعاء فلا بأس به، وإن قرأها بنية القراءة لا يجوز؛ لأنها محل الدعاء دون القراءة ا هـ. ولم يعين المصنف الدعاء؛ لأنه لا توقيت فيه سوى أنه بأمور الآخرة، وإن دعا بالمأثور فما أحسنه وأبلغه ومن المأثور حديث عوف بن مالك أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه:
"اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار" قال عوف حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك

 

ج / 2 ص -289-       فلو كبر الإمام خمسا لم يتبع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الميت. رواه مسلم وقيد بقوله بعد الثالثة؛ لأنه لا يدعو بعد التسليم كما في الخلاصة وعن الفضلي لا بأس به، ومن لا يحسن الدعاء يقول: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات كذا في المجتبى، ولم يبين المدعو له؛ لأنه يدعو لنفسه أولا؛ لأن دعاء المغفور له أقرب إلى الإجابة ثم يدعو للميت و للمؤمنين والمؤمنات؛ لأنه المقصد منها، وهو لا يقتضي ركنية الدعاء كما توهمه في فتح القدير؛ لأن نفس التكبيرات رحمة للميت، وإن لم يدع له وأشار بقوله وتسليمتين بعد الرابعة إلى أنه لا شيء بعدها غيرهما وهو ظاهر المذهب وقيل يقول اللهم آتنا في الدنيا حسنة إلى آخره وقيل
{رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا} إلى آخره وقيل يخير بين السكوت والدعاء، ولم يبين المنوي بالتسليمتين للاختلاف ففي التبيين وفتح القدير ينوي بهما الميت مع القوم.
وفي الظهيرية ولا ينوي الإمام الميت في تسليمتي الجنازة بل ينوي من عن يمينه في التسليمة الأولى، ومن عن يساره في التسليمة الثانية. ا هـ. وهو الظاهر؛ لأن الميت لا يخاطب بالسلام عليه حتى ينوي به إذ ليس أهلا له، وقد تقدم في كيفية الصلاة أنه لا ترفع الأيدي في صلاة الجنازة سوى تكبيرة الافتتاح، وهو ظاهر الرواية وكثير من أئمة بلخ اختاروا رفع اليد في كل تكبيرة فيها، وكان نصير بن يحيى يرفع تارة، ولا يرفع أخرى ولا يجهر بما يقرأ عقب كل تكبيرة؛ لأنه ذكر والسنة فيه المخافتة كذا في البدائع وفيه هل يرفع صوته بالتسليم لم يتعرض له في ظاهر الرواية وذكر الحسن بن زياد أنه لا يرفع؛ لأنه للإعلام، ولا حاجة له؛ لأن التسليم مشروع عقب التكبير بلا فصل ولكن العمل في زماننا على خلافه ا هـ. وفي الفوائد التاجية إذا سلم على ظن أنه أتم التكبير ثم علم أنه لم يتم فإنه يبني؛ لأنه سلم في محله، وهو القيام فيكون معذورا، وفي الظهيرية وغيرها رجل كبر على جنازة فجيء بجنازة أخرى فكبر ينويه ونوى أن لا يكبر على الأولى فقد خرج من الأولى إلى صلاة الثانية، وإن كبر الثانية ينوي بها عليهما لم يكن خارجا وعن أبي يوسف إذا كبر ينوي به التطوع وصلاة الجنازة جاز عن التطوع ا هـ.
"قوله: فلو كبر الإمام خمسا لم يتبع"؛ لأنه منسوخ، ولا متابعة فيه، ولم يبين ماذا يصنع وعن أبي حنيفة روايتان.
في رواية يسلم للحال، ولا ينتظر تحقيقا للمخالفة.
وفي رواية يمكث حتى يسلم معه إذا سلم ليكون متابعا فيما تجب فيه المتابعة وبه يفتى

 

ج / 2 ص -290-       ولا يستغفر لصبي، ولا لمجنون ويقول: "اللهم اجعله لنا فرطا واجعله لنا أجرا وذخرا واجعله لنا شافعا ومشفعا" وينتظر المسبوق ليكبر معه لا من كان حاضرا في حالة التحريمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كذا في الواقعات ورجحه في فتح القدير بأن البقاء في حرمة الصلاة بعد فراغها ليس بخطأ مطلقا إنما الخطأ في المتابعة في الخامسة، وفي بعض المواضع إنما لا يتابعه في الزوائد على الأربعة إذا سمع من الإمام أما إذا لم يسمع إلا من المبلغ فيتابعه وهذا حسن، وهو قياس ما ذكروه في تكبيرات العيدين ا هـ. وذكر ابن الملك في شرح المجمع قالوا وينوي الافتتاح عند كل تكبيرة لجواز أن تكبيرة الإمام للافتتاح الآن وأخطأ المنادي وقيد بتكبيرات الجنازة؛ لأن الإمام في العيد لو زاد على ثلاث فإنه يتبع؛ لأنه مجتهد فيها حتى لو تجاوز الإمام في التكبير حد الاجتهاد لا يتابع أيضا كذا في شرح المجمع.
"قوله: ولا يستغفر لصبي، ولا لمجنون ويقول:
"اللهم اجعله لنا فرطا واجعله لنا أجرا وذخرا واجعله لنا شافعا ومشفعا" كذا ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسم ولأنه لا ذنب لهما والفرط بفتحتين الذي يتقدم الإنسان من ولده يقال اللهم اجعله لنا فرطا أي أجرا متقدما والفرط الفارط، وهو الذي يسبق الوراد إلى الماء، وفي الحديث "أنا فرطكم على الحوض" أي أتقدمكم إليه كذا في ضياء الحلوم والأنسب هو المعنى الثاني هنا كما اقتصر عليه في غاية البيان لئلا يلزم التكرار في قوله واجعله لنا أجرا.
والذخر بضم الذال وسكون الخاء الذخيرة والمشفع بفتح الفاء مقبول الشفاعة وذكر اليمني في شرح الشهاب في بحث "إنما الأعمال بالنيات" أن الثواب هو الحاصل بأصول الشرع. والحاصل بالمكملات يسمى أجرا؛ لأن الثواب لغة بدل العين والأجر بدل المنفعة فالمنفعة تابعة للعين، وقد يطلق الأجر ويراد به الثواب وبالعكس ا هـ.
ولم أر من صرح بأنه يدعو لسيد العبد الميت وينبغي أن يدعو له فيها كما يدعو للميت.
"قوله: وينتظر المسبوق ليكبر معه لا من كان حاضرا في حالة التحريمة" أي: وينتظر المسبوق في صلاة الجنازة تكبير الإمام ليكبر مع الإمام للافتتاح فلو كبر الإمام تكبيرة أو

 

ج / 2 ص -291-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تكبيرتين لا يكبر الآتي حتى يكبر الأخرى بعد حضوره عند أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف يكبر حين يحضر؛ لأن الأولى للافتتاح والمسبوق يأتي به، ولهما أن كل تكبيرة قائمة مقام ركعة والمسبوق لا يبتدئ بما فاته إذ هو منسوخ كذا في الهداية، وهو مفيد لما ذكرناه أن التكبيرات الأربع أركان وليست الأولى شرطا كما توهمه في فتح القدير إلا أن يكون على قول أبي يوسف كما لا يخفى، ولو كبر كما حضر، ولم ينتظر لا تفسد عندهما لكن ما أداه غير معتبر كذا في الخلاصة وأشار المصنف إلى أنه لو أدرك الإمام بعدما كبر الرابعة فاتته الصلاة على قولهما خلافا لأبي يوسف وأفاد أنه لو جاء بعد التكبيرة الأولى فإنه يكبر بعد سلام الإمام عندهما خلافا لأبي يوسف ثم عندهما يقضي ما فاته بغير دعاء؛ لأنه لو قضى الدعاء رفع الميت فيفوت له التكبير وإذا رفع الميت قطع التكبير؛ لأن الصلاة على الميت ولا ميت يتصور.
وفي الظهيرية، ولو رفعت بالأيدي، ولم توضع على الأكتاف ذكر في ظاهر الرواية أنه لا يأتي، وإنما لا ينتظر من كان حاضرا حالة التحريمة اتفاقا؛ لأنه بمنزلة المدرك، ألا ترى أنه لو كبر تكبيرة الافتتاح بعد الإمام يقع أداء لا قضاء أطلقه فشمل ما إذا كبر الإمام للثانية أو لم يكبر، فإن لم يكبر الإمام الثانية كبر الحاضر للأولى للحال، وإن لم يكبر الحاضر حتى كبر الإمام الثانية كبر معه الثانية وقضى الأولى للحال كذا في المجتبى، وكذا إن لم يكبر في الثانية والثالثة والرابعة يكبر ويقضي ما فاته للحال.
قال في المحيط ولو كبر الإمام أربعا والرجل حاضر فإنه يكبر ما لم يسلم الإمام ويقضي الثلاث وهذا قول أبي يوسف، وعليه الفتوى، وقد روى الحسن أنه لا يكبر، وقد فاتته ا هـ.
فما في الحقائق من أن الفتوى على قول أبي يوسف إنما هو في مسألة الحاضر لا في مسألة المسبوق، وقد يقال إن الرجل إذا كان حاضرا ولم يكبر حتى كبر الإمام اثنين أو ثلاثا فلا شك أنه مسبوق كما لو كان حاضرا، وقد صلى الإمام ركعة أو ركعتين فإنه مسبوق وحضوره من غير فعل لا يجعله مدركا فينبغي أن يكون كالمسألة الأولى وأن يكون الفرق بين الحاضر وغيره إنما هو في التكبيرة الأولى فقط كما لا يخفى، وفي الواقعات، وإن لم يكبر الحاضر حتى كبر الإمام ثنتين كبر الثانية منهما، ولم يكبر الأولى حتى يسلم الإمام؛ لأن الأولى ذهب محلها فكان قضاء والمسبوق لا يشتغل بالقضاء قبل فراغ الإمام ا هـ.
وهو مخالف لما ذكرناه عن المجتبى من أنه يكبر الأولى للحال قضاء، وما في الواقعات أولى قيد بالمسبوق؛ لأن اللاحق فيها كاللاحق في سائر الصلوات كذا في المجتبى وذكر في الواقعات لو كبر مع الإمام التكبيرة الأولى، ولم يكبر الثانية والثالثة يكبرهما أولا ثم يكبر مع

 

ج / 2 ص -292-       ويقوم من الرجل والمرأة بحذاء الصدر ولم يصلوا ركبانا، ولا في مسجد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإمام ما بقي ا هـ. وهو معنى ما في المجتبى في اللاحق.
"قوله: ويقوم من الرجل والمرأة بحذاء الصدر"؛ لأنه موضع القلب وفيه نور الإيمان فيكون القيام عنده إشارة إلى الشفاعة لإيمانه وهذا ظاهر الرواية، وهو بيان الاستحباب حتى لو وقف في غيره أجزأه كذا في كافي الحاكم، وما في الصحيحين 
" أنه عليه الصلاة والسلام صلى على امرأة ماتت في نفاسها فقام وسطها " لا ينافي كونه الصدر بل الصدر وسط باعتبار توسط الأعضاء إذ فوقه يداه ورأسه وتحته بطنه وفخذاه ويحتمل أنه وقف كما قلنا إلا أنه مال إلى العورة في حقها فظن الراوي ذلك لتقارب المحلين كذا في فتح القدير.
"قوله: ولم يصلوا ركبانا"؛ لأنها صلاة من وجه لوجود التحريمة فلا يجوز تركه القيام من غير عذر احتياطا وما في غاية البيان من أنها ليست بأكثر من القيام فإذا ترك القيام انعدمت أصلا فلم يجز تركه فيه نظر؛ لأنه يقتضي أن ركنها القيام فقط وهو غير صحيح قيدنا بكونه بغير عذر؛ لأنه لو تعذر النزول لطين ومطر جاز الركوب فيها وأشار إلى أنها لا تجوز قاعدا مع القدرة على القيام، ولو كان ولي الميت مريضا فصلى قاعدا وصلى الناس خلفه قياما ما أجزأهم في قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد يجزئ الإمام، ولا يجزئ المأموم بناء على اقتداء القائم بالقاعد.
"قوله: ولا في مسجد" لحديث أبي داود مرفوعا
"من صلى على ميت في المسجد فلا أجر له"، وفي رواية فلا شيء له أطلقه فشمل ما إذا كان الميت والقوم في المسجد أو كان الميت خارج المسجد والقوم في المسجد أو كان الإمام مع بعض القوم خارج المسجد والقوم الباقون في المسجد أو الميت في المسجد و الإمام والقوم خارج المسجد وهو المختار خلافا لما أورده النسفي كذا في الخلاصة، وهذا الإطلاق في الكراهة بناء على أن المسجد إنما بني للصلاة المكتوبة وتوابعها من النوافل والذكر وتدريس العلم وقيل لا يكره إذا كان الميت خارج المسجد، وهو مبني على أن الكراهة لاحتمال تلويث المسجد والأول هو الأوفق لإطلاق

 

ج / 2 ص -293-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحديث كذا في فتح القدير فما في غاية البيان والعناية من أن الميت وبعض القوم إذا كانا خارج المسجد والباقون فيه لا كراهة اتفاقا ممنوع، وقد يقال إن الحديث يحتمل ثلاثة أشياء:
أن يكون الظرف، وهو قوله في مسجد ظرفا للصلاة والميت وحينئذ فللكراهة شرطان كون الصلاة في المسجد، وكون الميت فيه فإذا فقد أحدهما فلا كراهة.
الثاني: أن يكون ظرفا للصلاة فقط فلا يكره إذا كان الميت في المسجد والقوم كلهم خارجه.
الثالث: أن يكون ظرفا للميت فقط وحينئذ حيث كان خارجه فلا كراهة، وما اختاروه كما نقلناه لم يوافق واحدا من الاحتمالات الثلاثة؛ لأنهم قالوا بالكراهة إذا وجد أحدهما في المسجد: المصلي أو الميت، كما قال في المجتبى وتكره سواء كان الميت والقوم في المسجد أو أحدهما ولعل وجهه أنه لما لم يكن دليل على واحد من الاحتمالات بعينه قالوا بالكراهة بوجود أحدهما أيا كان وظاهر كلام المصنف أن الكراهة تحريمية؛ لأنه عطفه على ما لا يجوز من الصلاة راكبا، وهي إحدى الروايتين مع أن فيه إيهاما؛ لأن في المعطوف عليه لم تصح الصلاة أصلا، وفي المعطوف هي صحيحة والأخرى أنها تنزيهية ورجحه في فتح القدير بأن الحديث ليس نهيا غير مصروف، ولا قرن الفعل بوعيد بظني بل سلب الأجر، وسلب الأجر لا يستلزم ثبوت استحقاق العقاب لجواز الإباحة ثم قرر تقريرا حاصله أنه لا خلاف بيننا وبين الشافعي على هذه الرواية؛ لأنه يقول بالجواز في المسجد لكن الأفضل خارجه، وهو معنى كراهة التنزيه وبه يحصل الجمع بين الأحاديث ا هـ. لكن تترجح كراهة التحريم بالرواية الأخرى التي رواها الطيالسي كما في الفتاوى القاسمية من صلى على ميت في المسجد فلا صلاة له، ولم يقيد المصنف كصاحب المجمع المسجد بالجماعة كما قيده في الهداية لعدم الحاجة إليه؛ لأنهم يحترزون به عن المسجد المبني لصلاة الجنازة فإنها لا تكره فيه مع أن الصحيح أنه ليس بمسجد؛ لأنه ما أعد للصلاة حقيقة؛ لأن صلاة الجنازة ليست بصلاة حقيقة وحاجة الناس ماسة إلى أنه لم يكن مسجدا توسعة للأمر عليهم.
واختلفوا أيضا في مصلى العيدين أنه هل هو مسجد والصحيح أنه مسجد في حق جواز الاقتداء، وإن لم تتصل الصفوف؛ لأنه أعد للصلاة حقيقة لا في حرمة دخول الجنب والحائض كذا في المحيط وغيره.

 

ج / 2 ص -294-      
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
واعلم أن ظاهر الحديث وكلامهم أنه لا أجر أصلا لمن صلى عليها في المسجد، ولا يلزم منه عدم سقوط الفرض لعدم الملازمة بينهما.
ولم يذكر المصنف رحمه الله ما إذا اجتمعت الجنائز للصلاة قالوا الإمام بالخيار إن شاء صلى عليهم دفعة واحدة، وإن شاء صلى على كل جنازة صلاة على حدة، فإن أراد الثاني فالأفضل أن يقدم الأفضل فالأفضل، فإن لم يفعل فلا بأس به، وأما كيفية وضعها، فإن كان الجنس متحدا، فإن شاءوا جعلوها صفا واحدا كما يصطفون في حال حياتهم عند الصلاة، وإن شاءوا وضعوا واحدا بعد واحد مما يلي القبلة ليقوم الإمام بحذاء الكل هذا جواب ظاهر الرواية، وفي رواية الحسن أن الثاني أولى من الأول وإذا وضعوا واحدا بعد واحد ينبغي أن يكون الأفضل مما يلي الإمام ثم إن وضع رأس كل واحد بحذاء رأس صاحبه فحسن، وإن وضع رأس كل واحد عند منكب الأول فحسن، وإن اختلف الجنس وضع الرجل بين يدي الإمام ثم الصبي وراءه ثم الخنثى ثم المرأة ثم الصبية والأفضل أن يجعل الحر مما يلي الإمام ويقدم على العبد، ولو كان الحر صبيا كما في الظهيرية، وإن كان عبدا وامرأة حرة فالعبد يوضع مما يلي الإمام والمرأة خلفه.
وفي فتح القدير، ولو اجتمعوا في قبر واحد فوضعهم على عكس هذا فيقدم الأفضل فالأفضل إلى القبلة وفي الرجلين يقدم أكبرهما سنا وقرآنا وعلما كما فعله عليه السلام في قتلى أحد من المسلمين. ا هـ. وفي البدائع، ولو كان رجل وامرأة قدم الرجل مما يلي القبلة والمرأة خلفه اعتبارا بحال الحياة، ولو اجتمع رجل وامرأة وصبي وخنثى وصبية دفن الرجل مما يلي القبلة ثم الصبي خلفه ثم الخنثى ثم الأنثى ثم الصبية؛ لأنهم هكذا يصطفون خلف الإمام حالة الحياة وهكذا توضع جنائزهم عند الصلاة فكذا في القبر ا هـ. وهو سهو في قوله وهكذا توضع جنائزهم لما ذكرنا أنه على عكسه والله أعلم.
"قوله: ومن استهل صلي عليه وإلا لا" استهلال الصبي في اللغة أن يرفع صوته بالبكاء عند ولادته وقول من قال هو أن يقع حيا تدريس كذا في المغرب وضبطه في العناية بأنه بالبناء للفاعل.
وفي الشرع أن يكون منه ما يدل على حياته من رفع صوت أو حركة عضو، ولو أن يطرف بعينه.
وذكر المصنف أن حكمه الصلاة عليه ويلزمه أن يغسل وأن يرث ويورث وأن يسمى،

 

ج / 2 ص -295-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإن لم يبق بعده حيا لإكرامه؛ لأنه من بني آدم ويجوز أن يكون له مال يحتاج أبوه إلى أن يذكر اسمه عند الدعوى به، ولم يقيد المصنف بوجود الحياة فيه إلى أن يخرج أكثره، ولا بد منه لما في المحيط.
قال أبو حنيفة إذا خرج بعض الولد وتحرك ثم مات، فإن كان خرج أكثره صلي عليه، وإن كان أقله لم يصل عليه ا هـ. وفي آخر المبتغى بالمعجمة الولد إذا خرج رأسه، وهو يصيح ثم مات قبل أن يخرج لم يرث، ولم يصل عليه ما لم يخرج أكثر بدنه حيا، فإن كان ذبحه رجل حال ما يخرج رأسه فعليه الغرة، وإن قطع أذنه وخرج حيا ثم مات فعليه الدية ا هـ.
وفي المجتبى والبدائع اختلف في الاستهلال فعن أبي حنيفة لا يقبل فيه إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين؛ لأن الصياح والحركة يطلع عليها الرجال وقالا يقبل قول النساء فيه إلا الأم فلا يقبل قولها في الميراث إجماعا؛ لأنها متهمة بجرها المغنم إلى نفسها، وإنما قبل قول النساء عندهما؛ لأن هذا المشهد لا يشهده الرجال وقول القابلة مقبول في حق الصلاة في قولهم وأمه كالقابلة كما في البدائع لكن قيد بالعدالة فقال؛ لأن خبر الواحد في الديانات مقبول إذا كان عدلا ا هـ.
ولما كانت الحركة دليل الحياة قالوا الحبلى إذا ماتت وفي بطنها ولد يضطرب يشق بطنها ويخرج الولد لا يسع إلا ذلك كذا في الظهيرية وأفاد بقوله وإلا لا أنه إذا لم يستهل لا يصلى عليه ويلزم منه أن لا يغسل، ولا يرث ولا يورث، ولا يسمى واتفقوا على ما عدا الغسل والتسمية واختلفوا فيهما فظاهر الرواية عدمهما وروى الطحاوي فعلهما، وفي الهداية أنه المختار؛ لأنه نفس من وجه.
وفي شرح المجمع للمصنف إذا وضع المولود سقطا تام الخلقة قال أبو يوسف يغسل إكراما لبني آدم وقالا يدرج في خرقة ولا يغسل والصحيح قول أبي يوسف وإذا لم يكن تام الخلق لا يغسل إجماعا ا هـ. وبهذا ظهر ضعف ما في فتح القدير والخلاصة من أن السقط الذي لم تتم خلقة أعضائه المختار أنه يغسل ا هـ. لما سمعت من الإجماع على عدم غسله ولعله سبق نظرهما إلى الذي تم خلقه أو سهو من الكاتب.
ثم اعلم أن قولهم هنا بأن من ولد ميتا لا يرث ولا يورث ليس على إطلاقه لما في آخر الفتاوى الظهيرية من المقطعات ومتى انفصل الحمل ميتا إنما لا يرث إذا انفصل بنفسه فأما إذا

 

ج / 2 ص -296-       كصبي سبي مع أحد أبويه إلا أن يسلم أحدهما أو هو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل فهو من جملة الورثة بيانه إذا ضرب إنسان بطنها فألقت جنينا ميتا فهذا الجنين من جملة الورثة؛ لأن الشارع أوجب على الضارب الغرة ووجوب الضمان بالجناية على الحي دون الميت وإذا حكمنا بحياته كان له الميراث ويورث عنه نصيبه كما يورث عنه بدل نفسه، وهو الغرة ا هـ. وهكذا في آخر المبسوط من ميراث الحمل، وفي المبتغى السقط الذي لم تتم أعضاؤه هل يحشر قيل إذا نفخ فيه الروح يحشر وإلا فلا وقيل إذا استبان بعض خلقه يحشر ا هـ. وفي الظهيرية والذي يقتضيه مذهب علمائنا أنه إذا استبان بعض خلقه فإنه يحشر، وهو قول الشعبي وابن سيرين ا هـ.
"قوله: كصبي سبي مع أحد أبويه" أي لا يصلى عليه؛ لأنه تبع لهما للحديث "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه" إلى آخره وتقدم في غسل الجنابة معنى الفطرة وأفاد بقوله:
" قوله: إلا أن يسلم أحدهما" أنه يصلى عليه لإسلامه تبعا للمسلم منهما؛ لأنه يتبع خيرهما دينا وأفاد بقوله:
"أو هو" أنه يصلى عليه إذا أسلم وأبواه كافران لصحة إسلامه عندنا وأطلقه وقيده في الهداية بأن يعقل الإسلام واختلف في تفسيره فقيل أن يعقل المنافع والمضار وأن الإسلام هدى واتباعه خير له ذكره في العناية وفسره في فتح القدير بأن يعقل صفة الإسلام، وهو ما في الحديث
"أن تؤمن بالله أي بوجوده وبربوبيته لكل شيء وملائكته أي بوجود ملائكته وكتبه أي إنزالها ورسله أي إرسالهم إليهم عليهم السلام واليوم الآخر أي البعث بعد الموت والقدر خيره وشره من الله تعالى" وهذا دليل أن مجرد قول لا إله إلا الله لا يوجب الحكم بالإسلام ما لم يؤمن بما ذكرنا، وعلى هذا قالوا لو اشترى جارية أو تزوج امرأة فاستوصفها صفة الإسلام فلم تعرفه لا تكون مسلمة والمراد من عدم المعرفة ليس ما يظهر من التوقف في جواب ما الإيمان ؟ ما الإسلام ؟ كما يكون من بعض العوام لقصورهم في التعبير بل قيام الجهل بذلك بالباطن مثلا بأن البعث هل يوجد أو لا ؟ وأن الرسل وإنزال الكتب عليهم كان أو لا ؟ لا يكون في اعتقاده اعتقاد طرف الإثبات للجهل البسيط فعن ذلك قالت لا أعرفه وقل ما يكون ذلك لمن نشأ

 

ج / 2 ص -297-       أو لم يسب أحدهما معه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في دار الإسلام فإنا نسمع ممن قد يقول في جواب ما قلنا لا أعرف، وهو من التوحيد والإقرار والخوف من النار وطلب الجنة بمكان بل وذكر ما يصلح استدلالا في أثناء أحوالهم وتكلمهم على التصريح ما يصرح باعتقاد هذه الأمور وكانوا يظنون أن جواب هذه الأشياء إنما يكون بكلام خاص منظوم وعبارة عالية خاصة فيحجمون عن الجواب ا هـ. فعلى هذا فينبغي أن لا يسأل العامي والمرأة على هذا الوجه بأن يقال ما الإيمان، وإنما يذكر حقيقة الإيمان وما يجب الإيمان به بحضرتهما ثم يقال له هل أنت مصدق بهذا فإذا قال نعم كان ذلك كافيا.
وأفاد بقوله"أو لم يسب أحدهما معه" أنه يصلى عليه إذا دخل دار الإسلام، ولم يكن معه أحد أبويه تبعا لدار الإسلام، وفي التبيين أي إذا لم يسب مع الصبي أحد أبويه فحينئذ يصلى عليه تبعا للسابي أو الدار ا هـ. فجعل كلام المصنف شاملا لتبعية السابي، ولتبعية الدار والظاهر أنه لم يتعرض لتبعية السابي.
فإن السبي في اللغة الأسر والسبي الأسرى المحمولون من بلد إلى بلد كما في ضياء الحلوم.
وفائدة تبعية السابي إنما تظهر في دار الحرب بأن وقع صبي في سهم رجل ومات الصبي في دار الحرب فإنه يصلى عليه تبعا للسابي وظاهر ما في ضياء الحلوم أنه لا بد من الحمل من دار الحرب إلى دار الإسلام حتى يسمى سبيا، وفي فتح القدير واختلف بعد تبعية الولاد فالذي في الهداية تبعية الدار، وفي المحيط عند عدم أحد الأبوين يكون تبعا لصاحب اليد وعند عدم صاحب اليد يكون تبعا للدار ولعله أولى فإن من وقع في سهمه صبي من الغنيمة في دار الحرب فمات يصلى عليه ويجعل مسلما تبعا لصاحب اليد ا هـ. وفيه نظر؛ لأن تبعية اليد عند عدم الكون في دار الإسلام متفق عليه فلا يصلح مرجحا لما في المحيط من تقدم تبعية اليد على الدار.
فالحاصل أن الاتفاق على التبعية بالجهات الثلاث، وإنما محل الاختلاف في تقديم الدار على اليد فصاحب الهداية وقاضي خان وجمع على تقديم الدار على اليد، وهو الأوجه لما نقله في كشف الأسرار شرح أصول فخر الإسلام أنه لو سرق ذمي صبيا وأخرجه إلى دار الإسلام ومات الصبي فإنه يصلى عليه ويصير مسلما بتبعية الدار، ولا يعتبر الأخذ حتى وجب تخليصه من يده ا هـ. ولم يحك فيه خلافا، وهي واردة على ما في المحيط فإن مقتضاه أن لا يصلى عليه تقديما لتبعية اليد على الدار إلا أن يكون على الخلاف وأطلق المصنف في الصبي، ولم يقيده بغير العاقل وقيده المحقق ابن الهمام في تحريره بغير العاقل قال: وإن كان عاقلا استقل بإسلامه فلا

 

ج / 2 ص -298-      
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يرتد بردة من أسلم منهما. ا هـ. وهو ظاهر كلام الزيلعي فإنه علل تبعية اليد بأن الصغير الذي لا يعبر عن نفسه بمنزلة المتاع وعزاه إلى شرح الزيادات فظاهرهما أنه لو سبي صبي عاقل مع أحد أبويه الكافر فإنه لا يكون كافرا تبعا لأبيه الكافر ويكون مسلما تبعا للدار ويحتاج إلى صريح النقل وكلامهم يدل على خلافه فإنهم جعلوا الولد تابعا لأبويه إلى البلوغ ولا تزول التبعية إلى البلوغ نعم تزول التبعية إذا اعتقد دينا غير دين أبويه إذا عقل الأديان فحينئذ صار مستقلا.
وفي الظهيرية وإذا ارتد الزوجان والمرأة حامل فوضعت المرأة الولد ثم مات الولد لا يصلى عليه وحكم الصلاة عليه يخالف حكم الميراث ا هـ.
ثم اعلم أن المراد بالتبعية التبعية في أحكام الدنيا لا في العقبى فلا يحكم بأن أطفالهم من أهل النار ألبتة بل فيه خلاف قيل يكونون خدم أهل الجنة وقيل إن كانوا قالوا: بلى يوم أخذ العهد عن اعتقاد ففي الجنة وإلا ففي النار، وعن محمد أنه قال فيهم إني أعلم أن الله لا يعذب أحدا بغير ذنب وهذا ينفي التفصيل وتوقف فيهم أبو حنيفة كذا في فتح القدير.
وفي القنية صبي سبي مع أبيه ثم مات أبوه في دار الإسلام ثم مات الصبي لا يصلى عليه لتقرر التبعية بالموت ا هـ. وحكم المجنون البالغ في هذه الأحكام كحكم الصبي العاقل فيكون فيه الأوجه الثلاثة في التبعية كما صرح به الأصوليون.
"قوله: ويغسل ولي مسلم الكافر ويكفنه ويدفنه" بذلك أمر علي رضي الله عنه أن يفعل بأبيه حين مات وهذه عبارة معيبة غير محررة أما الأول فلأن المسلم ليس بولي الكافر، وما في العناية من أنه أراد به القريب فغير مفيد؛ لأن المؤاخذة على نفس التعبير به بعد إرادة القريب به وأطلقه فشمل ذوي الأرحام كالأخت والخال والخالة.
وأما الثاني فلأنه أطلق في الغسل والتكفين والدفن فينصرف إلى ما قدمه من تجهيز المسلم وليس كذلك، وإنما يغسل غسل الثوب النجس من غير وضوء، ولا بداءة بالميامن، ولا يكون الغسل طهارة له حتى لو حمله إنسان وصلى لم تجز صلاته ويلف في خرقة بلا اعتبار

 

ج / 2 ص -299-       ويؤخذ سريره بقوائمه الأربع، ويعجل به بلا خبب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عدد، ولا حنوط، ولا كافور ويحفر له حفيرة من غير مراعاة سنة اللحد ولأنه أطلق في الكافر، وهو مقيد بغير المرتد.
أما المرتد فلا يغسل، ولا يكفن، وإنما يلقى في حفيرة كالكلب، ولا يدفع إلى من انتقل إلى دينهم كما في فتح القدير ولأنه أطلق جواب المسألة، وهو مقيد بما إذا لم يكن له قريب كافر، فإن كان خلي بينه وبينهم ويتبع الجنازة من بعيد وقيد المصنف بالولي المسلم؛ لأن المسلم إذا مات، وله قريب كافر فإن الكافر لا يتولى تجهيزه، وإنما يفعله المسلمون.
ويكره أن يدخل الكافر في قبر قرابته المسلم ليدفنه، وما استدل به الزيلعي على أن الكافر يمكن من تجهيز قريبه المسلم من قول القدوري إذا مات مسلم، ولم يوجد رجل يغسله يعلم النساء الكافر فاستدلال غير صحيح؛ لأن كلامنا فيما إذا وجد المسلمون ودليله فيما إذا لم يوجد من الرجال أحد فلو قال ويغسل ويكفن ويدفن المسلم قريبه الكافر الأصلي عند الاحتياج من غير مراعاة السنة لكان أولى.
"قوله: ويؤخذ سريره بقوائمه الأربع" بذلك وردت السنة وفيه تكثير الجماعة وزيادة الإكرام والصيانة ويرفعونه أخذا باليد لا وضعا على العنق كما تحمل الأمتعة، وفي مختصر الكرخي ويكره أن يحمل بين عمودي السرير من مقدمه أو مؤخره؛ لأن السنة فيه التربيع ويكره حمله على الظهر والدابة.
وذكر الإسبيجابي أن الصبي الرضيع أو الفطيم أو فوق ذلك قليلا إذا مات فلا بأس بأن يحمله رجل واحد على يديه ويتداوله الناس بالحمل على أيديهم، ولا بأس بأن يحملها على يديه، وهو راكب، وإن كان كبيرا يحمل على الجنازة ا هـ.
"قوله: ويعجل به بلا خبب" وهو بمعجمة مفتوحة وموحدتين ضرب من العدو وقيل هو كالرمل.
وحد التعجيل المسنون أن يسرع به بحيث لا يضطرب الميت على الجنازة للحديث
"أسرعوا بالجنازة فإن كانت صالحة قربتموه إلى الخير، وإن كانت غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم". والأفضل أن يعجل بتجهيزه كله من حين يموت، ولو مشوا به بالجنب كره؛ لأنه ازدراء بالميت وإضرار بالمتبعين، وفي القنية، ولو جهز الميت صبيحة يوم الجمعة يكره تأخير الصلاة ودفنه ليصلي عليه الجمع العظيم بعد صلاة الجمعة، ولو خافوا فوت الجمعة بسبب دفنه يؤخر

 

ج / 2 ص -300-       وجلوس قبل وضعها، ومشى قدامها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدفن وتقدم صلاة العيد على صلاة الجنازة وتقدم صلاة الجنازة على الخطبة والقياس أن تقدم على صلاة العيد لكنه قدم صلاة العيد مخافة التشويش وكي لا يظنها من في أخريات الصفوف أنها صلاة العيد ا هـ.
"قوله: وجلوس قبل وضعها" أي بلا جلوس لمتبعها قبل وضعها؛ لأنه قد تقع الحاجة إلى التعاون، والقيام أمكن منه فكان الجلوس قبله مكروها ولأن الجنازة متبوعة وهم أتباع والتبع لا يقعد قبل قعود الأصل، قيد بقوله قبل وضعها؛ لأنهم يجلسون إذا وضعت عن أعناق الرجال ويكره القيام بعد وضعها كما في الخانية والعناية وفي المحيط خلافه قال والأفضل أن لا يجلسوا ما لم يسووا عليه التراب لما روي أنه عليه الصلاة والسلام كان يقوم حتى يسوي عليه التراب، ولأن في القيام إظهار العناية بأمر الميت وأنه مستحب ا هـ. والأولى الأول لما في البدائع فأما بعد الوضع فلا بأس بالجلوس لما روي عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يجلس حتى يوضع الميت في اللحد فكان قائما مع أصحابه على رأس قبر فقال يهودي هكذا نصنع بموتانا فجلس صلى الله عليه وسلم وقال لأصحابه خالفوهم. ا هـ. أي في القيام فلذا كره وقيدنا بمتبعها؛ لأن من لم يرد اتباعها ومرت عليه فالمختار أنه لا يقوم لها لما روي عن علي رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بالقيام في الجنازة ثم جلس بعد ذلك وأمرنا بالجلوس. بهذا اللفظ لأحمد رحمه الله وصحح في الظهيرية أن من في المصلى لا يقوم لها إذا رآها قبل أن توضع.
"قوله: ومشى قدامها" أي بلا مشي لمتبعها أمامها؛ لأن المشي خلفها أفضل عندنا للأحاديث الواردة باتباع الجنائز، وقد نقل فعل السلف على الوجهين.
والترجيح بالمعنى فالشافعي يقول هم شفعاء والشفيع يتقدم ليمهد المقصود ونحن نقول هم مشيعون فيتأخرون والشفيع المتقدم هو الذي لا يستصحب المشفوع له في الشفاعة، وما نحن فيه بخلافه بل قد ثبت شرعا إلزام تقديمه حالة الشفاعة له أعني حالة الصلاة فثبت شرعا عدم اعتبار ما اعتبره قالوا ويجوز المشي أمامها إلا أن يتباعد عنها أو يتقدم الكل فيكره ولا يمشي عن يمينها، ولا عن شمالها.
وذكر الإسبيجابي: ولا بأس بأن يذهب إلى صلاة الجنازة راكبا غير أنه يكره له التقدم أمام

 

 

ج / 2 ص -301-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجنازة بخلاف الماشي ا هـ. وبهذا يضعف ما نقله ابن الملك في شرح المجمع معزيا إلى أبي يوسف فقال رأيت أبا حنيفة يتقدم الجنازة، وهو راكب ثم قعد حتى تأتيه كذا في النوادر ا هـ.
وفي الظهيرية والمشي فيها أفضل من الركوب كصلاة الجمعة، وفي الغاية اتباع الجنائز أفضل من النوافل إذا كان لجوار أو قرابة أو صلاح مشهور وإلا فالنوافل أفضل وينبغي لمن تبع جنازة أن يطيل الصمت ويكره رفع الصوت بالذكر وقراءة القرآن وغيرهما في الجنازة والكراهة فيها كراهة تحريم في فتاوى العصر وعند مجد الأئمة التركماني وقال علاء الدين الناصري ترك الأولى ا هـ.
وفي الظهيرية، فإن أراد أن يذكر الله يذكره في نفسه لقوله تعالى:  
{إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55] أي الجاهرين بالدعاء، وعن إبراهيم أنه كان يكره أن يقول الرجل، وهو يمشي معها استغفروا له غفر الله لكم.
وفي البدائع، ولا ينبغي أن يرجع من يتبع جنازة حتى يصلي؛ لأن الاتباع كان للصلاة عليها فلا يرجع قبل حصول المقصود، ولا ينبغي للنساء أن يخرجن في الجنازة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهن عن ذلك وقال:
"انصرفن مأزورات غير مأجورات".
ويكره النوح والصياح في الجنازة ومنزل الميت للنهي عنه فأما البكاء فلا بأس به، وإن كان مع الجنازة نائحة أو صائحة زجرت، فإن لم تنزجر فلا بأس بأن تتبع الجنازة، ولا يمتنع لأجلها؛ لأن الاتباع سنة فلا تترك ببدعة من غيره ا هـ.
وفي المجتبى قال البقالي إذا استمع إلى باكية ليلين فلا بأس إذا أمن الوقوع في الفتنة لاستماعه عليه الصلاة والسلام لبواكي حمزة ولا تتبع بنار في مجمرة، ولا شمع، ولا بأس بمرثية الميت شعرا كان أو غيره.
والتعزية للمصاب سنة للحديث
"من عزى مصابا فله مثل أجره" قال البقالي، ولا بأس بالجلوس للعزاء ثلاثة أيام في بيت أو مسجد، وقد جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قتل جعفر وزيد بن

 

ج / 2 ص -302-       وضع مقدمها على يمينك ثم مؤخرها ثم مقدمها على يسارك ثم مؤخرها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حارثة والناس يأتون ويعزونه. والتعزية في اليوم الأول أفضل والجلوس في المسجد ثلاثة أيام للتعزية مكروه، وفي غيره جاءت الرخصة ثلاثة أيام للرجال وتركه أحسن ويكره للمعزي أن يعزي ثانيا ا هـ.
وهي كما في التبيين أن يقول أعظم الله أجرك وأحسن عزاك وغفر لميتك، ولا بأس بالجلوس إليها ثلاثا من غير ارتكاب محظور من فرش البسط والأطعمة من أهل البيت؛ لأنها تتخذ عند السرور، ولا بأس بأن يتخذ لأهل الميت طعام ا هـ.
وفي الخانية، وإن اتخذ ولي الميت طعاما للفقراء كان حسنا إذا كانوا بالغين، وإن كان في الورثة صغير لم يتخذ ذلك من التركة ا هـ.
وفي الظهيرية ويكره الجلوس على باب الدار للتعزية؛ لأنه عمل أهل الجاهلية، وقد نهي عنه، وما يصنع في بلاد العجم من فرش البسط والقيام على قوارع الطرق من أقبح القبائح ا هـ.
وفي التجنيس ويكره الإفراط في مدح الميت عند جنازته؛ لأن الجاهلية كانوا يذكرون في ذلك ما هو شبه المحال وفيه قال عليه الصلاة والسلام
"من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه، ولا تكنوا" ا هـ.
وفي القنية عن شداد أكره التعزية عند القبر ذكره في المجرد ا هـ.
وفي الظهيرية وهل يعذب الميت ببكاء أهله عليه فقال بعضهم يعذب لقوله عليه الصلاة والسلام
"إن الميت ليعذب ببكاء أهله" وقال عامة العلماء لا يعذب لقوله تعالى:  {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] وتأويل الحديث أنهم في ذلك الزمان كانوا يوصون بالنوح عليهم فقال عليه الصلاة والسلام ذلك ا هـ.
"قوله: وضع مقدمها على يمينك ثم مؤخرها ثم مقدمها على يسارك ثم مؤخرها" بيان

 

ج / 2 ص -303-       ويحفر القبر ويلحد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لإكمال السنة في حملها عند كثرة الحاملين إذا تناوبوا في حملها وقوله ثم مؤخرها أي على يمينك وقوله ثانيا ثم مؤخرها أي على يسارك وهذا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن في كل شيء. وإذا حمل هكذا حصلت البداءة بيمين الحامل ويمين الميت، وإنما بدأ بالأيمن المقدم دون المؤخر؛ لأن المقدم أول الجنازة والبداءة بالشيء إنما يكون من أوله ثم يضع مؤخرها الأيمن على يمينه؛ لأنه لو وضع مقدمها الأيسر على يساره لاحتاج إلى المشي أمامها، والمشي خلفها أفضل ولأنه لو فعل ذلك أو وضع مؤخرها الأيسر على يساره تقدم الأيسر على الأيمن، وإنما يضع مقدمها الأيسر على يساره؛ لأنه لو فعل هكذا يقع الفراغ خلف الجنازة فيمشي خلفها، وهو أفضل لذلك كان كمال السنة كما وصفنا ا هـ. وينبغي أن يحمل من كل جانب عشر خطوات للحديث "من حمل جنازة أربعين خطوة كفرت أربعين كبيرة" كذا في البدائع وذكر الإسبيجابي، وفي حالة المشي بالجنازة يقدم الرأس وإذا نزلوا به المصلى فإنه يوضع عرضا للقبلة والمقدم بفتح الدال وكسرها والكسر أفصح كذا في الغاية، وكذا المؤخر، وفي ضياء الحلوم المقدم بضم الميم وفتح الدال مشددة نقيض المؤخر يقال ضرب مقدم وجهه، وهو الناصية ا هـ.
"قوله: ويحفر القبر ويلحد" لحديث صاحب السنن مرفوعا
"اللحد لنا والشق لغيرنا" يقال لحدت الميت وألحدت له لغتان واللحد بفتح اللام وضمها كذا في الغاية، وهو أن يحفر القبر بتمامه ثم يحفر في جانب القبلة منه حفيرة يوضع فيها الميت ويجعل ذلك كالبيت المسقف.
والشق أن يحفر حفيرة في وسط القبر يوضع فيها الميت واستحسنوا الشق فيما إذا كانت الأرض رخوة لتعذر اللحد، وإن تعذر اللحد فلا بأس بتابوت يتخذ للميت لكن السنة أن يفرش فيه التراب كذا في غاية البيان، ولا فرق بين أن يكون التابوت من حجر أو حديد كذا في التبيين وذكر في الظهيرية معزيا إلى السرخسي في الجامع الصغير أنه لا يجوز أن تطرح

 

ج / 2 ص -304-       ويدخل من قبل القبلة , ويقول واضعه: باسم الله  وعلى ملة رسول الله , ووجه إلى القبلة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المضربة في القبر، وما روي عن عائشة فغير مشهور ولا يؤخذ به ا هـ.
واختلفوا في عمق القبر فقيل قدر نصف القامة وقيل إلى الصدر، وإن زادوا فحسن.
وفي المحيط وغيره، ومن مات في السفينة يغسل ويكفن ويصلى عليه ويرمى في البحر ا هـ. وهو مقيد بما إذا لم يكن البر إليه قريبا كما في فتح القدير، وفي الواقعات لا ينبغي أن يدفن الميت في الدار، وإن كان صغيرا؛ لأن هذه السنة كانت للأنبياء.
"قوله: ويدخل من قبل القبلة" وهو أن توضع الجنازة في جانب القبلة من القبر ويحمل الميت منه فيوضع في اللحد فيكون الآخذ له مستقبل القبلة حال الأخذ واختار الشافعي السل وهو أن توضع الجنازة على يمين القبلة ويجعل رجلا الميت إلى القبر طولا ثم يؤخذ برجليه وتدخل رجلاه في القبر ويذهب به إلى أن تصير رجلاه إلى موضعهما ويدخل رأسه القبر واضطربت الروايات في إدخاله عليه الصلاة والسلام ورجحنا الأول؛ لأن جانب القبلة معظم فيستحب الإدخال منه.
"قوله: ويقول واضعه باسم الله، وعلى ملة رسول الله" كذا ورد في الحديث وقال السرخسي أي باسم الله وضعناك، وعلى ملة رسول الله سلمناك وزاد في الظهيرية بالله، وفي الله وزاد في البدائع، وفي سبيل الله ثم قال الماتريدي، وليس هذا بدعاء للميت؛ لأنه إذا مات على ملة رسول الله لم يجز أن تبدل عليه الحالة، وإن مات على غير ذلك لم يبدل إلى ملة رسول الله ولكن المؤمنين شهداء الله في الأرض يشهدون بوفاته على الملة وعلى هذا جرت السنة، ولا يضر وتر دخل القبر أم شفع، واختار الشافعي الوتر اعتبارا بعدد الكفن والغسل والإجمار ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دفن أدخله العباس والفضل بن العباس وعلي وصهيب كذا في البدائع وذو الرحم المحرم أولى بإدخال المرأة القبر وكذا الرحم غير المحرم أولى من الأجنبي، فإن لم يكن فلا بأس للأجانب وضعها، ولا يحتاج إلى النساء للوضع.
"قوله: ووجه إلى القبلة" بذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكون على شقه الأيمن كما قدمناه.

 

ج / 2 ص -305-       وتحل العقدة ويسوى اللبن عليه والقصب لا الآجر والخشب، ويسجى قبرها لا قبره
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي الظهيرية وإذا دفن الميت مستدبر القبلة وأهالوا التراب عليه فإنه لا ينبش ليجعل مستقبل القبلة، ولو بقي فيه متاع لإنسان فلا بأس بالنبش لإخراج المتاع وروي أن المغيرة بن شعبة سقط خاتمه في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فما زال بالصحابة حتى رفع اللبن وأخذ خاتمه وقبل بين عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم كان يفتخر بذلك ويقول أنا أحدثكم برسول الله صلى الله عليه وسلم.
"قوله: وتحل العقدة" لوقوع الأمن من الانتشار.
"قوله: ويسوى اللبن عليه والقصب"؛ لأنه جعل على قبره عليه الصلاة والسلام اللبن وطن من قصب واللبن واحده لبنة على وزن كلمة ما يتخذ من الطين والطن بضم الطاء الحزمة واختلف في المنسوج من القصب، وما ينسج من البردي يكره في قولهم؛ لأنه للتزيين كذا في المجتبى.
"قوله: لا الآجر والخشب"؛ لأنهما لإحكام البناء والقبر موضع البلاء ولأن بالآجر أثر النار فيكره تفاؤلا كذا في الهداية فعلى الأول يسوى بين الحجر والآجر، وعلى الثاني يفرق بينهما كذا في الغاية وأورد الإمام حميد الدين الضرير على التعليل الثاني أن الماء يسخن بالنار ومع ذلك يجوز استعماله فعلم أن أثر النار لا يضر وأجاب عنه في غاية البيان بالفرق؛ لأن أثر النار في الآجر محسوس بالمشاهدة، وفي الماء ليس بمشاهد أطلق المصنف في منعهما وقيده الإمام السرخسي بأن لا يكون الغالب على الأراضي النز والرخاوة، فإن كان فلا بأس بهما كاتخاذ تابوت من حديد لهذا وقيده في شرح المجمع بأن يكون حوله أما لو كان فوقه لا يكره؛ لأنه يكون عصمة من السبع ا هـ. وفي المغرب الآجر الطين المطبوخ.
"قوله: ويسجى قبرها لا قبره"؛ لأن مبنى حالهن على الستر، والرجال على الكشف إلا أن

 

ج / 2 ص -306-       ويهال التراب، ويسنم القبر، ولا يربع، ولا يجصص
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يكون لمطر أو ثلج في المغرب سجى الميت بثوب ستره.
"قوله: ويهال التراب" سترا له ويكره أن يزاد على التراب الذي أخرج من القبر؛ لأن الزيادة عليه بمنزلة البناء ويستحب أن يحثى عليه التراب، ولا بأس برش الماء على القبر؛ لأنه تسوية له، وعن أبي يوسف كراهته؛ لأنه يشبه التطيين.
"قوله: ويسنم القبر، ولا يربع"؛ لأنه عليه الصلاة والسلام نهى عن تربيع القبور. ومن شاهد قبر النبي عليه الصلاة والسلام أخبر أنه مسنم في المغرب قبر مسنم مرتفع غير مسطح ويسنم قدر شبر وقيل قدر أربع أصابع، وما ورد في الصحيح من حديث علي
"أن لا أدع قبرا مشرفا إلا سويته" فمحمول على ما زاد على التسنيم وصرح في الظهيرية بوجوب التسنيم، وفي المجتبى باستحبابه.
"قوله: ولا يجصص" لحديث جابر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه وأن يكتب عليه وأن يوطأ. و التجصيص طلي البناء بالجص بالكسر والفتح كذا في المغرب، وفي الخلاصة، ولا يجصص القبر ولا يطين، ولا يرفع عليه بناء قالوا أراد به السفط الذي يجعل في ديارنا على القبر وقال في الفتاوى اليوم اعتادوا السفط، ولا بأس بالتطيين. ا هـ.
وفي الظهيرية، ولو وضع عليه شيء من الأشجار أو كتب عليه شيء فلا بأس به عند البعض ا هـ. والحديث المتقدم يمنع الكتابة فليكن المعول عليه لكن فصل في المحيط فقال: وإن احتيج إلى الكتابة حتى لا يذهب الأثر ولا يمتهن فلا بأس به فأما الكتابة من غير عذر فلا ا هـ.
وفي المجتبى ويكره أن يطأ القبر أو يجلس أو ينام عليه أو يقضي عليه حاجة من بول أو غائط أو يصلى عليه أو إليه ثم المشي عليه يكره، وعلى التابوت يجوز عند بعضهم كالمشي على السقف. ا هـ.
وفي الخلاصة: ولو وجد طريقا في المقبرة، وهو يظن أنه طريق أحدثوه لا يمشي في ذلك،

 

ج / 2 ص -307-       ولا يخرج من القبر إلا أن تكون الأرض مغصوبة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإن لم يقع ذلك في ضميره لا بأس بأن يمشي فيه ا هـ. وفي فتح القدير ويكره الجلوس على القبر ووطؤه حينئذ فما تصنعه الناس ممن دفنت أقاربه ثم دفنت حواليهم خلق من وطء تلك القبور إلى أن يصل إلى قبر قريبه مكروه ا هـ. وفي المحيط وغيره، ولا يدفن اثنان وثلاثة في قبر واحد إلا عند الحاجة يوضع الرجل مما يلي القبلة ثم خلفه الغلام ثم خلفه الخنثى ثم خلفه المرأة ويجعل بين كل ميتين حاجزا من التراب ليصير في حكم قبرين هكذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم في شهداء أحد وقال قدموا أكثرهم قرآنا. ا هـ. وفي فتح القدير ويكره الدفن في الأماكن التي تسمى فساقي ا هـ. وهي من وجوه: الأول عدم اللحد الثاني دفن الجماعة في قبر واحد لغير ضرورة الثالث اختلاط الرجال بالنساء من غير حاجز كما هو الواقع في كثير منها الرابع تجصيصها والبناء عليها، وفي البدائع قال أبو حنيفة رحمه الله، ولا ينبغي أن يصلى على ميت بين القبور وكان علي وابن عباس يكرهان ذلك، فإن صلوا أجزأهم ا هـ.
"قوله: ولا يخرج من القبر إلا أن تكون الأرض مغصوبة" أي بعد ما أهيل التراب عليه لا يجوز إخراجه لغير ضرورة للنهي الوارد عن نبشه وصرحوا بحرمته وأشار بكون الأرض مغصوبة إلى أنه يجوز نبشه لحق الآدمي كما إذا سقط فيها متاعه أو كفن بثوب مغصوب أو دفن في ملك الغير أو دفن معه مال أحياء لحق المحتاج قد أباح النبي صلى الله عليه وسلم نبش قبر أبي رعال لعصا من ذهب معه. كذا في المجتبى قالوا، ولو كان المال درهما ودخل فيه ما إذا أخذها الشفيع فإنه ينبش أيضا لحقه كما في فتح القدير وذكر في التبيين أن صاحب الأرض مخير إن شاء أخرجه منها وإن شاء ساواه مع الأرض وانتفع بها زراعة أو غيرها وأفاد كلام المصنف أنه لو وضع لغير القبلة أو على شقه الأيسر أو جعل رأسه في موضع رجليه أو دفن بلا غسل وأهيل عليه التراب فإنه لا ينبش قال في البدائع؛ لأن النبش حرام حقا لله تعالى.
وفي فتح القدير واتفقت كلمة المشايخ في امرأة دفن ابنها، وهي غائبة في غير بلدها فلم

 

ج / 2 ص -308-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تصبر وأرادت نقله أنه لا يسعها ذلك فتجويز شواذ بعض المتأخرين لا يلتفت إليه ا هـ.
وأطلق المصنف فشمل ما إذا بعدت المدة أو قصرت كما في الفتاوى، ولم يتكلم المصنف على نقل الميت من مكان إلى آخر قبل دفنه قال في الواقعات والتجنيس: القتيل أو الميت يستحب لهما أن يدفنا في المكان الذي قتل أو مات فيه في مقابر أولئك القوم لما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها زارت قبر أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما وكان مات بالشام وحمل من هناك فقالت: لو كان الأمر فيك بيدي ما نقلتك ولدفنتك حيث مت لكن مع هذا إذا نقل ميلا أو ميلين أو نحو ذلك فلا بأس، وإن نقل من بلد إلى بلد فلا إثم فيه؛ لأنه روي أن يعقوب صلوات الله عليه مات بمصر فحمل إلى أرض الشام وموسى عليه السلام حمل تابوت يوسف عليه السلام بعد ما أتى عليه زمان إلى أرض الشام من مصر ليكون عظامه مع عظام آبائه وسعد بن أبي وقاص مات في ضيعة على أربعة فراسخ من المدينة فحمل على أعناق الرجال إلى المدينة ا هـ.
وفي التبيين، ولو بلي الميت وصار ترابا جاز دفن غيره في قبره وزرعه والبناء عليه. ا هـ.
وفي الواقعات عظام اليهود لها حرمة إذا وجدت في قبورهم كحرمة عظام المسلمين حتى لا تكسر؛ لأن الذمي لما حرم إيذاؤه في حياته لذمته فتجب صيانة نفسه عن الكسر بعد موته ا هـ.
ولم يتكلم المصنف رحمه الله على زيارة القبور، ولا بأس ببيانه تكميلا للفائدة قال في البدائع، ولا بأس بزيارة القبور والدعاء للأموات إن كانوا مؤمنين من غير وطء القبور لقوله صلى الله عليه وسلم "إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها" ولعمل الأمة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا ا هـ.
وصرح في المجتبى بأنها مندوبة وقيل تحرم على النساء والأصح أن الرخصة ثابتة لهما وكان صلى الله عليه وسلم يعلم السلام على الموتى:
"السلام عليكم أيها الدار من المؤمنين والمسلمين وإنا - إن شاء الله - بكم لاحقون أنتم لنا فرط ونحن لكم تبع فنسأل الله العافية"، ولا بأس بقراءة القرآن عند

 

ج / 2 ص -309-      
..........................
ـــــــــــــــــــــ
 القبور وربما تكون أفضل من غيره ويجوز أن يخفف الله عن أهل القبور شيئا من عذاب القبر أو يقطعه عند دعاء القارئ وتلاوته وفيه ورد آثار
"من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف الله عنهم يومئذ وكان له بعدد من فيها حسنات". ا هـ وفي فتح القدير ويكره عند القبر كلما لم يعهد من السنة والمعهود منها ليس إلا زيارتها والدعاء عندها قائما كما كان يفعل صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى البقيع ا هـ.
وفي الخلاصة ويكره قطع الحطب والحشيش من المقبرة إلا إذا كان يابسا، ولا يستحب قطع الحشيش الرطب ا هـ. وذكر في الظهيرية مسألة السؤال في القبر وليست فقهية و إنما هي كلامية فلذا تركناها والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.

 

1- باب صلاة الشهيد
هو من قتله أهل الحرب أو البغي أو قطاع الطريق أو وجد في المعركة وبه أثر أو قتله مسلم ظلما، ولم يجب بقتله دية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- باب الشهيد
 إنما بوب له مع أن المقتول ميت بأجله عند أهل السنة لاختصاصه بالفضيلة فكان إفراده كإفراد جبريل مع الملائكة.
وهو فعيل بمعنى مفعول؛ لأن الملائكة يشهدون موته إكراما له فكان مشهودا أو؛ لأنه مشهود له بالجنة أو بمعنى فاعل؛ لأنه حي عند الله حاضر.
"قوله: هو من قتله أهل الحرب أو البغي أو قطاع الطريق أو وجد في المعركة وبه أثر أو قتله مسلم ظلما، ولم يجب بقتله دية" بيان لشرائطه، قيد بكونه مقتولا؛ لأنه لو مات حتف أنفه أو تردى من موضع أو احترق بالنار أو مات تحت هدم أو غرق لا يكون شهيدا أي في حكم الدنيا وإلا فقد شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم للغريق وللحريق والمبطون والغريب بأنهم شهداء.

 

ج / 2 ص -310-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فينالون ثواب الشهداء كذا في البدائع.
وفي التجنيس رجل قصد العدو ليضربه فأخطأ فأصاب نفسه فمات يغسل؛ لأنه ما صار مقتولا بفعل مضاف إلى العدو ولكنه شهيد فيما ينال من الثواب في الآخرة؛ لأنه قصد العدو لا نفسه ا هـ. وأطلق في قتله فشمل القتل مباشرة أو تسببا؛ لأن موته مضاف إليهم حتى لو أوطئوا دابتهم مسلما أو نفروا دابة مسلم فرمته أو رموه من السور أو ألقوا عليه حائطا أو رموا بنار فأحرقوا سفنهم أو ما أشبه ذلك من الأسباب كان شهيدا، ولو انفلتت دابة مشرك ليس عليها أحد فوطئت مسلما أو رمى مسلم إلى الكفار فأصاب مسلما أو نفرت دابة مسلم من سواد الكفار أو نفر المسلمون منهم فألجئوهم إلى خندق أو نار أو نحوه أو جعلوا حولهم الشوك فمشى عليها مسلم فمات بذلك لم يكن شهيدا خلافا لأبي يوسف؛ لأن فعله يقطع النسبة إليهم، وكذا فعل الدابة دون حامل، وإنما لم يكن جعل الشوك حولهم تسبيبا؛ لأن ما قصد به القتل فهو تسبيب، وما لا فلا، وهم إنما قصدوا به الدفع لا القتل، وأراد بمن المسلم فإن الكافر ليس بشهيد.
وأراد بالأثر هنا ما يكون علامة على القتل كالجرح وسيلان الدم من عينيه أو أذنه لا ماء يسيل من أنفه أو ذكره أو دبره، فإن كان يسيل من فيه، فإن ارتقى من الجوف وكان صافيا كان علامة على القتل، وإن نزل من الرأس أو كان جامدا فلا.
وفي البدائع إن أثر الضرب والخنق كأثر الجرح وقيدنا بكونه في المعركة، وهي موضع الحرب؛ لأنه لو وجد في عسكر المسلمين قتيل قبل لقاء العدو فليس بشهيد؛ لأنه ليس قتيل العدو؛ ولهذا تجب فيه القسامة والدية بخلاف ما إذا كان بعد لقائهم فإنه قتيلهم ظاهرا كذا في البدائع، وإنما لم يكتف بقوله أو قتله مسلم ظلما عن ذكر أهل البغي وقطاع الطريق مع كونهم مسلمين قتلوا ظلما؛ لأن قتيل أهل البغي وقطاع الطريق لا يشترط أن يكون قتله بحديدة بل بكل آلة سلاحا كان أو غيره مباشرة أو تسبيبا كقتيل أهل الحرب.
قال في معراج الدراية؛ لأنه لما كان القتال مع أهل البغي وقطاع الطريق مأمورا به ألحق بقتال أهل الحرب فعمت الآلة كما عمت هناك ا هـ. بخلاف قتل غيرهم فإنه يشترط أن يكون بحديدة كما سنذكره وقيد بقوله ظلما؛ لأن من قتله مسلم حقا كالمقتول بحد أو قصاص أو عدا على قوم فقتلوه فليس بشهيد وكذا لو مات في حد أو تعزير أو غيره وقيد بقوله، ولم يجب بقتله دية؛ لأن من قتله مسلم ظلما خطأ أو عمدا بالمثقل أو غيره فليس بشهيد لوجوب الدية بقتله وكذا لو وجد مذبوحا، ولم يعلم قاتله كما سيأتي، وكذا لو وجد في محلة مقتول، ولم يعلم قاتله فإنه لا يدرى أقتل ظالما أو مظلوما عمدا أو خطأ.

 

ج / 2 ص -311-       فيكفن ويصلى عليه بلا غسل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي المجتبى وإذا التقت سريتان من المسلمين وكل واحدة ترى أنهم مشركون فأجلوا عن قتلى من الفريقين قال محمد لا دية على أحد، ولا كفارة؛ لأنهم دافعون عن أنفسهم، ولم يذكر حكم الغسل ويجب أن يغسلوا؛ لأن قاتلهم لم يظلمهم ا هـ.
واحترز بقوله بقتله أي بسببه عما إذا وجبت الدية بالصلح أو بقتل الأب ابنه أو شخصا آخر ووارثه ابنه فإن المقتول شهيد؛ لأن نفس القتل لم يوجب الدية بل يوجب القصاص، وإنما سقط للصلح أو للشبهة، وإنما كان المال عوضا مانعا، ولم يكن وجوب القصاص عوضا مانعا؛ لأن القصاص للميت من وجه وللوارث من وجه آخر، وهي تشفي الصدور وللمصلحة العامة وهو ما في شرعيته من حياة الأنفس فلم يكن عوضا مطلقا فلا تبطل الشهادة بالشك كذا في شرح المجمع للمصنف.
وذكر في المجتبى والبدائع أن الشرائط ست العقل والبلوغ والقتل ظلما وأنه لا يجب به عوض مالي والطهارة عن الجنابة وعدم الارتثاث ا هـ.
وإنما لم يذكر المصنف بقيتها لما سيصرح به من مفهوماتها لكن بقي من قتل مدافعا عن نفسه أو عن ماله أو عن أهل الذمة من غير أن يكون القاتل واحدا من الثلاثة في الكتاب فإن المقتول شهيد كما صرح به في المحيط وعطفه على الثلاثة وجعله سببا رابعا، ولا يمكن دخوله تحت قوله أو قتله مسلم ظلما؛ لأن المدافع المذكور شهيد بأي آلة قتل بحديدة أو حجر أو خشب كما صرح به في المحيط.
ومقتول المسلم ظلما لا يكون شهيدا إلا إذا قتل بحديدة كما قدمناه، ومن هنا يظهر أن عبارة المجمع هنا لم تكن محررة فإنه لم يفصل في مقتول المسلم ظلما بل أدخل الباغي وقاطع الطريق تحت المسلم وجعل حكم مقتولهم واحدا، وليس بصحيح، وإن أراد بالمسلم ما عداهما فليس في عبارته استيفاء للشهيد ويرد على الكل ما قتله ذمي ظلما فإنه في حكم المسلم هنا كما صرح به ابن الملك في شرح المجمع قال: والمكابرون في المصر ليلا بمنزلة قطاع الطريق ا هـ. والبغي في عبارة المختصر مجرور وقطاع الطريق مرفوع.
"قوله: فيكفن ويصلى عليه بلا غسل" بيان لحكمه أما عدم الغسل فلحديث السنن أنه عليه الصلاة والسلام أمر بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم، وما علل به الحسن البصري لعدم الغسل بأنهم كانوا جرحى فقد قال السرخسي إنه ليس بصحيح

 

ج / 2 ص -312-       ويدفن بدمه وثيابه إلا ما ليس من الكفن ويزاد وينقص، ويغسل إن قتل جنبا أو صبيا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لأنه لو كان عم الغسل باعتبار الجراحة لكان التيمم مشروعا، وأما الصلاة فلصلاته عليه السلام على حمزة وغيره يوم أحد، ولحديث البخاري أنه صلى على قتلى أحد بعد ثمان سنين، وما قيل من أنهم أحياء والحي لا يصلى عليه فمدفوع بأنه حكم أخروي لا دنيوي بدليل ثبوت أحكام الموتى لهم من قسمة تركاتهم وبينونة نسائهم إلى غير ذلك، وما قيل من أنها للاستغفار وهم مغفور لهم فمنتقض بالنبي والصبي كما في الهداية وما في فتح القدير من أنه لو اقتصر على النبي لكان أولى فإن الدعاء في الصلاة على الصبي لأبويه فمدفوع من أن كلامه في نفس الصلاة لا في المدعو له ولأن الصبي ليس بمستغن عن الرحمة فنفس الصلاة عليه رحمة له ونفس الدعاء الوارد لأبويه دعاء له؛ لأنه إذا كان فرطا لأبويه فقد تقدمهما في الخير لا سيما، وقد قالوا إن حسنات الصبي له لا لأبويه، ولهما ثواب التعليم.
"قوله: ويدفن بدمه وثيابه إلا ما ليس من الكفن ويزاد وينقص" بيان لحكم آخر له وأشار إلى أنه يكره أن ينزع عنه جميع ثيابه ويجدد الكفن ذكره الإسبيجابي وقالوا ما ليس من جنس الكفن الفرو والحشو والقلنسوة والسلاح والخف وقدمنا فيه كلاما.
واختلفوا في معنى قولهم يزاد وينقص ففي غاية البيان وغيرها يزاد إن كان ما عليه ناقصا عن كفن السنة وينقص إن كان ما عليه زائدا على كفن السنة، وفي معراج الدراية وبه استدل المشايخ على جواز الزيادة في الكفن على الثلاث وفيه ويجعل الحنوط للشهيد كالميت.
"قوله: ويغسل إن قتل جنبا أو صبيا" بيان لشرطين آخرين للشهادة الأول الطهارة من الجنابة الثاني التكليف أما الأول فهو قوله وقالا الجنب شهيد؛ لأن ما وجب بالجنابة سقط بالموت، وله أن الشهادة عرفت مانعة غير رافعة فلا ترفع الجنابة وقد صح أن حنظلة لما استشهد جنبا غسلته الملائكة، وعلى هذا الخلاف الحائض والنفساء إذا طهرتا، وكذا قيل الانقطاع في الصحيح من الرواية كذا في الهداية، وفي معراج الدراية، وإنما لم يعد النبي صلى الله عليه وسلم غسل حنظلة؛ لأن الواجب تأدى بدليل قصة آدم عليه السلام، ولم تعد أولاده غسله، وهو الجواب عن قولهما لو كان واجبا لوجب على بني آدم ولما اكتفى به إذ الواجب نفس الغسل فأما الغاسل يجوز من كان كما في قصة آدم ا هـ.
وفيه أن هذا الغسل عنده للجنابة لا للموت قيد بقوله جنبا؛ لأنه لو قتل محدثا حدثا أصغر فإنه لا يغسل والفرق بين الحدثين عنده هو أن سقوط غسل أعضاء الوضوء لمعنى ضروري؛ لأن الموت لا يخلو عن حدث قبله لعدم خلوه من زوال العقل فكانت الشهادة رافعة له ضرورة، ولا ضرورة في الجنابة؛ لأن الموت يخلو عنها فلا تكون رافعة في حقها، وفي الخبازية هذا الجواب

 

ج / 2 ص -313-       أو ارتث بأن أكل أو شرب أو نام أو تداوى أو مضى وقت الصلاة، وهو يعقل أو نقل من المعركة أو أوصى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في النفساء مجرى على إطلاقه؛ لأن أقل النفاس لا حد له أما في الحائض فمصورة فيما إذا استمر بها الدم ثلاثة أيام ثم قتلت قبل الانقطاع أو بعده أما لو رأت يوما أو يومين دما وقتلت لا تغسل بالإجماع ذكره التمرتاشي لعدم كونها حائضا ا هـ.
وأما الثاني فعلى الخلاف أيضا لهما أن الصبي أحق بهذه الكرامات، وله أن السيف كفى عن الغسل في حق شهداء أحد بوصف كونه مطهرة، ولا ذنب للصبي فلم يكن في معناهم فعلى هذا الخلاف المجنون، وقد يقال ينبغي تخصيصه بمجنون بلغ مجنونا أما من بلغ عاقلا ثم جن فهو محتاج إلى ما يطهره إذ ذنوبه الماضية لم تسقط عنه بجنونه إلا أن يقال إن المجنون إذا استمر على جنونه حتى مات لم يؤاخذ بما مضى؛ لأنه لا قدرة له على التوبة، ولم أر نقلا في هذا الحكم.
"قوله: أو ارتث بأن أكل أو شرب أو نام أو تداوى أو مضى وقت الصلاة، وهو يعقل أو نقل من المعركة أو أوصى" بيان للشرط السادس، وهو عدم الارتثاث، وهو في اللغة من الرث، وهو الشيء البالي وسمي به مرتثا؛ لأنه قد صار خلقا في حكم الشهادة وقيل مأخوذ من الترثيث، وهو الجريح وفي مجمل اللغة ارتث فلان أي حمل من المعركة رثيثا أي جريحا وحاصله في الشرع أن ينال بعد مرافق الحياة فبطلت شهادته في حكم الدنيا فيغسل، وهو شهيد في حكم الآخرة فينال الثواب الموعود للشهداء وذكر في البدائع أن المرتث في الشرع من خرج عن صفة القتلى وصار إلى حال الدنيا بأن جرى عليه شيء من أحكامها أو وصل إليه شيء من منافعها ا هـ.
وهو أضبط مما تقدم أطلق في الأكل والشرب والنوم والتداوي فشمل القليل والكثير وأطلق في مضي الوقت فشمل ما إذا كان قادرا على الأداء أو لا لضعف بدنه لا لزوال عقله، وقيده في التبيين بأن يقدر على أدائها حتى يجب القضاء بتركها ورده في فتح القدير بقوله الله أعلم بصحته.
وفيه إفادة أنه إذا لم يقدر على الأداء لا يجب القضاء، فإن أراد إذا لم يقدر للضعف مع حضور العقل فكونه يسقط به القضاء قول طائفة والمختار هو ظاهر كلامه في باب صلاة المريض أنه لا يسقط، وإن أراد لغيبة العقل فالمغمى عليه يقضي ما لم يزد على صلاة يوم وليلة فمتى يسقط القضاء مطلقا لعدم قدرة الأداء من الجريح ا هـ.
وقد يقال: إن مراده الأول وكون عدم القدرة للضعف لا يسقط القضاء على الصحيح هو فيما

 

ج / 2 ص -314-       أو قتل في المصر، ولم يعلم أنه قتل بحديدة ظلما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذا قدر بعده أما إذا مات على حاله فلا إثم لعدم القدرة عليها بالإيماء وقيد بقوله، وهو يعقل؛ لأنه لو مضى الوقت، وهو لا يعقل لا يغسل، وإن زاد على يوم وليلة أو نفل من المعركة لعدم الانتفاع بحياته فلو أخر، وهو يعقل وجعله قيدا في الكل لكان أولى كما أنه لا بد من استثناء من نقل من المعركة خوفا من أن تطأه الخيل فإنه لا يغسل؛ لأنه ما نال شيئا من الراحة كما في الهداية وتعقبه في غاية البيان بأنا لا نسلم أن الحمل من المصرع ليس بنيل راحة ا هـ.
وصرح في البدائع بأن النقل من المعركة يزيده ضعفا ويوجب حدوث آلام لم تحدث لولا النقل والموت يحصل عقب ترادف الآلام فيكون النقل مشاركا للجراحة في إثارة الموت فلم يمت بسبب الجراحة يقينا فلذا لم يسقط الغسل بالشك ا هـ. فالارتثاث فيه ليس للراحة بل لما ذكره، وأطلق في النقل فشمل ما إذا وصل إلى بيته حيا أو مات على الأيدي كما في البدائع وأشار إلى أنه لو قام من مكانه إلى مكان آخر فإنه يكون مرتثا بالأولى كما في البدائع وإلى أنه لو باع أو ابتاع فهو مرتث وأطلق في الوصية فشملت ما كان بأمور الدنيا وبأمور الآخرة وفيه اختلاف معروف والأظهر أنه لا خلاف فجواب أبي يوسف بأنه يكون مرتثا فيما إذا كان بأمور الدنيا وجواب محمد بعدمه فيما إذا كان بأمور الآخرة؛ لأن الوصية بأمور الدنيا من أمر الأحياء فقد أصابه مرافق الحياة فنقص معنى الشهادة فأما الوصية بأمور الآخرة من أمور الموتى وصنيع من أيس من نفسه فيوصي بما يكفن به ويخلص رقبته ويبرد جلدته من النار ويدخر لنفسه ذخيرة الآخرة كما في وصية سعد بن الربيع لما بلغه سلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحمد لله على سلامته الآن طابت نفسي للموت أقرئ رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام وأقرئ الأنصار مني السلام وقل لهم: لا عذر لكم عند الله إن قتل محمد وفيكم عين تطرف كذا في المحيط وشمل الوصية بكلام قليل أو كثير كما في غاية البيان واستثنى في الخانية الوصية بكلمتين وقالوا إذا تكلم، فإن كان طويلا كان مرتثا وإلا فلا ويمكن حمله على كلام ليس بوصية توفيقا بينهما لكن ذكر أبو بكر الرازي أنه لو أكثر من كلامه في الوصية فطال غسل؛ لأن الوصية بشيء من أمر الميت فإذا طالت أشبهت أمور الدنيا كذا في غاية البيان ومن الارتثاث ما إذا أواه فسطاط أو خيمة كذا في الهداية يعني، وهو في مكانه وإلا فهي مسألة النقل من المعركة، وفي التبيين وهذا كله إذا وجد بعد انقضاء الحرب، وأما قبل انقضائها فلا يكون مرتثا بشيء مما ذكرنا ا هـ.
"قوله: أو قتل في المصر، ولم يعلم أنه قتل بحديدة ظلما" أي مظلوما؛ لأن الواجب فيه القسامة والدية فخف أثر الظلم قيد بالمصر؛ لأنه لو وجد في مفازة ليس بقربها عمران لا تجب فيه قسامة، ولا دية فلا يغسل لو وجد به أثر القتل كذا في معراج الدراية فالمراد بالمصر العمران وما بقربه مصرا كان أو قرية وقيد بكونه لم يعلم أنه قتل بحديدة؛ لأنه لو علم ذلك بأن وجد مذبوحا، فإن

 

ج / 2 ص -315-       أو قتل بحد أو قصاص لالبغي وقطع طريق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
علم قاتله فهو شهيد لوجوب القصاص، وإن لم يعلم قاتله فلا لعدم وجوبه فقوله ظلما داخل تحت النفي يعني لم يعلم أنه قتل مظلوما بحديدة فكان فيه شيئان:
أحدهما: عدم العلم بكونه قتل بحديدة.
ثانيهما: عدم العلم بكونه مظلوما بأن لم يعلم قاتله؛ لأنه إذا لم يعلم قاتله لم يتحقق كونه مظلوما، وأما إذا علم فقد تحقق كونه مظلوما فلا يكون كلام المصنف مخلا بشيء كما قد يتوهم.
وحاصل المسألة أن من قتل بغير المحدد وعلم قاتله أو لا فإنه ليس بشهيد عند أبي حنيفة أصلا سواء كان بالمثقل أو بغيره لوجوب الدية، ومن قتل بالمحدد، ولم يعلم قاتله فليس بشهيد لوجوب الدية، والاقتصار على وجوب الدية في التعليل أولى مما قدمناه من ضم القسامة كما في الهداية؛ لأنه يرد عليه المقتول في الجامع أو الشارع الأعظم فإنه ليس بشهيد حيث لم يعلم قاتله، وليس فيه قسامة، وإنما تجب الدية في بيت المال فقط فلو قتل في العمران بغير المحدد مطلقا أو بالمحدد، ولم يعلم قاتله لشمل الكل لكن قد علم حكم ما إذا قتل بغير المحدد مطلقا من أول الباب، وفي البدائع لو قتل في المصر بغير المحدد لا يكون شهيدا أو إن كان في المفازة كان شهيدا؛ لأنه يوجب القتل بحكم قطع الطريق لا المال، ولو نزل عليه اللصوص ليلا في المصر فقتل بسلاح أو غيره أو قتله قطاع الطريق خارج المصر بسلاح أو غيره فهو شهيد؛ لأن القتيل لم يخلف في هذه المواضع بدلا هو مال ا هـ. وبهذا يعلم أن من قتله اللصوص في بيته، ولم يعلم له قاتل معين منهم لعدم وجودهم فإنه لا قسامة، ولا دية على أحد؛ لأنهما لا يجبان إلا إذا لم يعلم القاتل وهنا قد علم أن قاتله اللصوص، وإن لم يثبت عليهم لفرارهم فليحفظ هذا فإن الناس عنه غافلون.
"قوله: أو قتل بحد أو قود" أي يغسل؛ لأنه صح أنه عليه الصلاة والسلام غسل ماعزا. ولأنه بذل نفسه لحق واجب عليه فلم يكن في معنى شهداء أحد.
"قوله: لا لبغي وقطع طريق" أي لا يغسل من قتل للبغي أو قطع الطريق وإذا لم يغسلا لم يصل عليهما؛ لأن عليا رضي الله عنه لم يصل على البغاة، ولم ينكر عليه فكان إجماعا وقطاع الطريق بمنزلتهم أطلقه فشمل ما إذا قتلوا في حال الحرب أو أخذوا وقتلوا بعده كذا روي عن محمد وفرق الصدر الشهيد بينهما فوافق في الأول وقال بالصلاة في الثاني قال في

 

ج / 2 ص -316-       .........................................
ــــــــــــ
لتبيين وهذا تفصيل حسن أخذ به الكبار من المشايخ والمعنى فيه أن القتل في الثاني حد أو قصاص في قاطع الطريق، وفي البغاة لكسر شوكتهم فنزل منزلته لعود منفعته إلى العامة وهذا التفصيل ربما يشير إليه قوله لبغي فإن من قتل بعد الحرب لم يقتل لبغي، وإنما قتل قصاصا وألحق بقاطع الطريق المكابرون في المصر بالسلاح ليلا كذا في غاية البيان والخناق الذي خنق غير مرة كذا في الإسبيجابي وحكم أهل العصبية كحكم البغاة ومن قتل أحد أبويه لا يصلى عليه إهانة له كذا في التبيين، ولم يذكر المصنف حكم قاتل نفسه عمدا للاختلاف فعندهما يصلى عليه، وهو الأصح؛ لأنه فاسق غير ساع في الأرض بالفساد كذا في النهاية وقال أبو يوسف لا يصلى عليه، وهو الأصح؛ لأنه باغ على نفسه كذا في غاية البيان معزيا إلى القاضي علي السعدي فقد اختلف التصحيح كما ترى لكن تأيد قول أبي يوسف بما في صحيح مسلم عن جابر بن سمرة قال أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه ا هـ. وفي فتاوى قاضي خان قريبا من كتاب الوقف رجلان أحدهما قتل نفسه والآخر قتل غيره كان قاتل نفسه أعظم وزرا وإثما. ا هـ. قيدنا بكونه قتل نفسه عمدا؛ لأنه لو قتلها خطأ فإنه يغسل ويصلى عليه اتفاقا والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.

 

2- باب الصلاة في الكعبة
صح فرض ونفل فيها وفوقها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3- باب الصلاة في الكعبة
ختم كتاب الصلاة بما يتبرك به حالا ومكانا وأولاه للشهيد؛ لأنه معدول به عن سائر الصلوات لجواز جعل الظهر فيها إلى ظهر الإمام.
"قوله: صح فرض ونفل فيها وفوقها"؛ لأنه صلى الله عليه وسلم صلى في جوف الكعبة يوم الفتح. ولأنها

 

ج / 2 ص -317-       ومن جعل ظهره إلى ظهر الإمام فيها صح، وإلى وجهه لا يصح، وإن تحلقوا حولها لمن هو أقرب إليها من إمامه إن لم يكن في جانبه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 صلاة استجمعت شرائطها لوجود استقبال القبلة؛ لأن استيعابها ليس بشرط، وإنما جازت فوقها؛ لأن الكعبة هي العرصة والهواء إلى عنان السماء عندنا دون البناء؛ لأنه ينقل، ألا ترى أنه لو صلى على أبي قبيس جاز، ولا بناء بين يديه إلا أنه يكره لما فيه من ترك التعظيم، وقد ورد النهي عنه.
وفي الغاية الكعبة هي البناء المرتفع مأخوذ من الارتفاع والنتو ومنه الكاعب فكيف يقال الكعبة هي العرصة والصواب القبلة هي العرصة كما ذكره صاحب المحيط والوبري وفي المجتبى: وقد رفع البناء في عهد ابن الزبير ليبني على قواعد الخليل، وفي عهد الحجاج كذلك ليعيدها إلى الحالة الأولى والناس يصلون، والأحرار والعبيد والرجال والنساء في ذلك سواء.
"قوله: ومن جعل ظهره إلى ظهر الإمام فيها صح"؛ لأنه متوجه إلى القبلة، ولا يعتقد إمامه على الخطأ بخلاف مسألة التحري.
"قوله: وإلى وجهه لا" أي لو جعل ظهره إلى وجه إمامه لا يصح لتقدمه على إمامه وسكت عما إذا جعل وجهه إلى وجه الإمام؛ لأنه صحيح لما قدمناه لكنه مكروه بلا حائل؛ لأنه يشبه عبادة الصورة وعما إذا جعل وجهه إلى جوانب الإمام، وهو جائز بلا كراهة فهي أربعة تصح بلا كراهة في صورتين ومعها في صورة، ولا تصح في أخرى.
"قوله: وإن حلقوا حولها صح لمن هو أقرب إليها إن لم يكن في جانبه"؛ لأنه متأخر حكما؛ لأن التقدم والتأخر لا يظهر إلا عند اتحاد الجهة فمن كان وجهه إلى الجهة التي توجه الإمام إليها، وهو عن يمينه أو يساره وتقدم عليه بأن كان أقرب إلى الحائط من الإمام فهو غير صحيح لتقدمه فهو في معنى من جعل ظهره إلى وجه الإمام، ولو قام الإمام في الكعبة وتحلق المقتدون حولها جاز إذا كان الباب مفتوحا؛ لأنه كقيامه في المحراب في غيرها من المساجد والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.

 

ج / 2 ص -318-       هي تمليك المال من فقير مسلم هاشمي , ولا مولاه بشرط قطع المنفعة عن المملك من كل وجه لله تعالى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ