البحر الرائق شرح كنز الدقائق ط احياء التراث
4- كتاب الزكاة
ذكر الزكاة بعد الصلاة؛ لأنهما مقترنان في
كتاب الله - تعالى - في اثنين وثمانين آية،
وهذا يدل على أن التعاقب بينهما في غاية
الوكادة والنهاية كما في المناقب البزازية.
وهي لغة الطهارة قال في ضياء الحلوم: سميت
زكاة المال زكاة؛ لأنها تزكي المال أي تطهره
وقال تعالى:
{خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً}
[الكهف: 81] وقيل سميت زكاة؛ لأن المال يزكو
بها أي ينمو ويكثر ثم ذكر فعل بالفتح يقال
زكاء المال زيادته ونماؤه، وزكا أيضا إذا طهر
ثم ذكر في باب التفعيل زكى المال أدى زكاته
وزكاه أخذ زكاته ا هـ. وفي الغاية أنها في
اللغة بمعنى النماء، وبمعنى الطهارة وبمعنى
البركة يقال زكت البقعة أي بورك فيها وبمعنى
المدح يقال زكى نفسه وبمعنى الثناء الجميل
يقال زكى الشاهد، وفي اصطلاح الفقهاء ما ذكره
المصنف.
"قوله: هي تمليك المال من فقير مسلم غير
هاشمي، ولا مولاه بشرط قطع المنفعة عن المملك
من كل وجه لله - تعالى -" لقوله تعالى:
{وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] والإيتاء هو التمليك ومراده تمليك جزء من ماله، وهو
ربع العشر أو ما يقوم مقامه وإنما كانت اسما
للفعل عند المحققين، وهو الأصح؛ لأنها توصف
بالوجوب، وهو من صفات الأفعال دون الأعيان
والمراد من إيتاء الزكاة إخراجها من العدم إلى
الوجود كما في قوله:
{أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: 72] كذا في المعراج ويؤيده أن موضوع الفقه كما قدمناه
فعل المكلف، وفي الشرع هي المال المؤدى؛ لأنه
- تعالى - قال: {وَآتُوا الزَّكَاةَ}، ولا يصح الإيتاء إلا للعين كذا في العناية وأورد الشارح على هذا
الحد الكفارة إذا ملكت؛ لأن التمليك بالوصف
المذكور موجود فيها ولو قال تمليك المال على
وجه لا بد له منه لانفصل عنها؛ لأن الزكاة يجب
فيها تمليك المال. ا هـ. وجوابه أن قوله من
فقير مسلم خرج مخرج الشروط، والإسلام ليس بشرط
في أخذ الكفارة كما سيأتي وأيضا ليس الجواز في
الكفارة باعتبار التمليك بل باعتبار أن الشرط
فيها التمكين الشامل للتمليك والإباحة.
ج / 2 ص -319-
شرط
وجوبها العقل والبلوغ والإسلام والحرية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والمال كما صرح به أهل الأصول ما يتمول ويدخر
للحاجة، وهو خاص بالأعيان فخرج تمليك المنافع
قال في الكشف الكبير في بحث القدرة الميسرة:
الزكاة لا تتأدى إلا بتمليك عين متقومة حتى لو
أسكن الفقير داره سنة بنية الزكاة لا يجزئه؛
لأن المنفعة ليست بعين متقومة. ا هـ. وهذا على
إحدى الطريقتين، وأما على الأخرى من أن
المنفعة مال فهو عند الإطلاق منصرف إلى العين.
وقيد بالتمليك احترازا عن الإباحة؛ ولهذا ذكر
الولوالجي وغيره أنه لو عال يتيما فجعل يكسوه
ويطعمه وجعله من زكاة ماله فالكسوة تجوز لوجود
ركنه، وهو التمليك، وأما الإطعام إن دفع
الطعام إليه بيده يجوز أيضا لهذه العلة، وإن
كان لم يدفع إليه، ويأكل اليتيم لم يجز
لانعدام الركن، وهو التمليك، ولم يشترط قبض
الفقير؛ لأن التمليك في التبرعات لا يحصل إلا
به، واحترز بالفقير الموصوف بما ذكر عن الغني
والكافر والهاشمي ومولاه، والمراد عند العلم
بحالهم كما سيأتي في المصرف ولم يشترط البلوغ
والعقل؛ لأنهما ليس بشرط؛ لأن تمليك الصبي
صحيح لكن إن لم يكن عاقلا، فإنه يقبض عنه وصيه
أو أبوه أو من يعوله قريبا أو أجنبيا أو
الملتقط كما في الولوالجية، وإن كان عاقلا
فقبض من ذكر، وكذا قبضه بنفسه، والمراد أن
يعقل القبض بأن لا يرمي به، ولا يخدع عنه
والدفع إلى المعتوه يجزئ كذا في فتح القدير.
وحكم المجنون المطبق معلوم من حكم الصبي الذي
لا يعقل، ولم يشترط الحرية لأن الدفع إلى غير
الحر جائز كما سيأتي في بيان المصرف وأفاد
بقوله بشرط أن الدفع إلى أصوله وإن علوا وإلى
فروعه، وإن سفلوا وإلى زوجته وزوجها وإلى
مكاتبه ليس بزكاة كما سيأتي مبينا وأشار إلى
أن الدفع إلى كل قريب ليس بأصل ولا فرع جائز،
وهو مقيد بما في الولوالجية رجل يعول أخته أو
أخاه أو عمه فأراد أن يعطيه الزكاة فإن لم
يفرض القاضي عليه النفقة جاز؛ لأن التمليك
بصفة القربة يتحقق من كل وجه، وإن فرض عليه
النفقة لزمانته إن لم يحتسب من نفقتهم جاز،
وإن كان يحتسب لا يجوز لأن هذا أداء الواجب عن
واجب آخر ا هـ. وقوله لله - تعالى - بيان لشرط
آخر، وهو النية، وهي شرط بالإجماع في العبادات
كلها للمقاصد.
"قوله: شرط وجوبها العقل والبلوغ والإسلام
والحرية" أي شرط افتراضها؛ لأنها فريضة محكمة
قطعية أجمع العلماء على تكفير جاحدها ودليله
القرآن وما في البدائع من أنه الكتاب والسنة
والإجماع والمعقول رده في الغاية بأن السنة لا
يثبت بها الفرض إلا أن تكون متواترة أو
مشهورة، والسنة الواردة أخبار آحاد صحاح، وبها
يثبت الوجوب دون الفرض والعقل لا يثبت به شيء
من الأحكام الشرعية، وإن أراد بالمعقول
المقاييس المستنبطة من الكتاب والسنة فلا يثبت
ج / 2 ص -320-
....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بها الفرضية ا هـ. وجوابه: أنهم في مثله
يجعلونه مؤكدا للقرآن القطعي لا مثبتا، وهو
كثير في كلامهم كإطلاق الواجب على الفرض، وهو
إما مجاز في العرف بعلاقة المشترك من لزوم
استحقاق العقاب بتركه عدل عن الحقيقة وهو
الفرض إليه بسبب أن بعض مقاديرها وكيفياتها
تثبت بأخبار الآحاد، أو حقيقة على ما قال
بعضهم: إن الواجب نوعان قطعي وظني فعلى هذا
يكون اسم الواجب من قبيل المشكك اسما أعم، وهو
حقيقة في كل نوع، وقد أسلفنا شيئا منه في أول
الطهارة وخرج المجنون والصبي، فلا زكاة في
مالهما كما لا صلاة عليهما للحديث المعروف
"رفع القلم عن ثلاث" وأما إيجاب النفقات والغرامات في مالهما فلأنهما من حقوق العباد
لعدم التوقف على النية، وأما إيجاب العشر
والخراج وصدقة الفطر فلأنها ليست عبادة محضة
لما عرف في الأصول وقد قدمنا في نقض الوضوء
حكم المعتوه في العبادات والاختلاف فيه وخرج
الكافر لعدم خطابه بالفروع سواء كان أصليا أو
مرتدا فلو أسلم المرتد لا يخاطب بشيء من
العبادات أيام ردته ثم كما هو شرط للوجوب شرط
لبقاء الزكاة عندنا حتى لو ارتد بعد وجوبها
سقطت كما في الموت كذا في معراج الدراية.
وقيد بالحرية احترازا عن العبد والمدبر وأم
الولد والمكاتب والمستسعى عند أبي حنيفة لعدم
الملك أصلا فيما عدا المكاتب والمستسعى، ولعدم
تمامه فيهما، ولو حذف الحرية واستغنى عنها
بالملك؛ إذ العبد لا ملك له وزاد في الملك قيد
التمام، وهو المملوك رقبة ويدا ليخرج المكاتب
والمشتري قبل القبض كما سيأتي لكان أوجز وأتم
وعندهما المستسعى حر مديون فإن ملك بعد قضاء
سعايته ما يبلغ نصابا كاملا تجب الزكاة وإلا
فلا، وفي البدائع والجنون نوعان أصلي وعارض.
أما الأصلي، وهو أن يبلغ مجنونا فلا خلاف بين
أصحابنا أنه يمنع انعقاد الحول على النصاب حتى
لا يجب عليه زكاة ما مضى من الأحوال بعد
الإفاقة، وإنما يعتبر ابتداء الحول من وقت
الإفاقة كالصبي إذا بلغ يعتبر ابتداء الحول من
وقت البلوغ.
وأما الطارئ، فإن دام سنة كاملة فهو في حكم
الأصلي، وإن كان في بعض السنة ثم أفاق
ج / 2 ص -321-
وملك
نصاب حولي فارغ عن الدين وحوائجه الأصلية نام،
ولو تقديرا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فعن محمد وجوبها وإن أفاق ساعة، وعنه إن أفاق
أكثر السنة وجبت وإلا فلا. ا هـ. وظاهر
الرواية قول محمد كما في الهداية وغيرها
والمغمى عليه كالصحيح كما في المجتبى.
"قوله: وملك نصاب حولي فارغ عن الدين وحوائجه
الأصلية نام، ولو تقديرا" لأنه عليه الصلاة
والسلام قدر السبب به، وقد جعله المصنف شرطا
للوجوب مع قولهم: إن سببها ملك مال معد مرصد
للنماء والزيادة فاضل عن الحاجة كذا في المحيط
وغيره لما أن السبب والشرط قد اشتركا في أن
كلا منهما يضاف إليه الوجود لا على وجه
التأثير فخرج العلة ويتميز السبب عن الشرط
بإضافة الوجوب إليه أيضا دون الشرط كما عرف في
الأصول وأطلق الملك فانصرف إلى الكامل، وهو
المملوك رقبة ويدا فلا يجب على المشتري فيما
اشتراه للتجارة قبل القبض، ولا على المولى في
عبده المعد للتجارة إذا أبق لعدم اليد، ولا
المغصوب، ولا المجحود إذا عاد إلى صاحبه كذا
في غاية البيان، ولا يلزم عليه ابن السبيل؛
لأن يد نائبه كيده كذا في معراج الدراية.
ومن موانع الوجوب الرهن إذا كان في يد المرتهن
لعدم ملك اليد بخلاف العشر حيث يجب فيه كذا في
العناية وأما كسب العبد المأذون فإن كان عليه
دين محيط فلا زكاة فيه على أحد بالاتفاق، وإلا
فكسبه لمولاه، وعلى المولى زكاته إذا تم الحول
نص عليه في المبسوط والبدائع والمعراج، وهو
بإطلاقه يتناول ما إذا تم الحول، وهو في يد
العبد لكن قال في المحيط: وإن لم يكن عليه دين
ففيه الزكاة ويزكي المولى متى أخذه من العبد
ذكره محمد في نوادر الزكاة وقيل ينبغي أن
يلزمه الأداء قبل الأخذ؛ لأنه مال مملوك
للمولى كالوديعة والأصح أنه لا يلزمه الأداء
قبل الأخذ؛ لأنه مال تجرد عن يد المولى؛ لأن
يد العبد يد أصالة عن نفسه لا يد نيابة عن
المولى بدليل أنه يملك التصرف فيه إثباتا
وإزالة فلم تكن يد المولى ثابتة عليه حقيقة،
ولا حكما فلا يلزمه الأداء ما لم يصل إليه
كالديون، ولا كذلك الوديعة ا هـ.
وفي المحيط معزيا إلى الجامع رجل له ألف درهم
لا مال له غيرها استأجر بها دارا عشر سنين لكل
سنة مائة فدفع الألف، ولم يسكنها حتى مضت
السنون والدار في يد الآجر زكى
ج / 2 ص -322-
....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الآجر في السنة الأولى عن تسعمائة، وفي
الثانية عن ثمانمائة إلا زكاة السنة الأولى ثم
يسقط لكل سنة زكاة مائة أخرى، وما وجب عليه
بالسنين الماضية؛ لأنه ملك الألف بالتعجيل
كلها فإذا لم يسلم الدار إليه سنة انقضت
الإجارة في العشر؛ لأنه استهلك المعقود عليه
قبل التسليم فزال عن ملكه مائة، وصار مصروفا
إلى الدين وكذلك في كل حول انتقص مائة ويصير
مائة دينا عليه ويرفع ذلك من النصاب ثم عند
أبي حنيفة يزكي للسنة الثانية سبعمائة وستين،
وعندهما سبعمائة وسبعة وسبعون ونصف؛ لأنه لا
زكاة في الكسور عنده وعندهما فيه زكاة، ولا
زكاة على المستأجر في السنة الأولى والثانية
لنقصان نصابه في الأولى ولعدم تمام الحول في
الثانية ويزكي في الثالثة ثلاثمائة؛ لأنه
استفاد مائة أخرى ثم يزكي لكل سنة مائة أخرى
وما استفاد قبلها إلا أنه يرفع عنه زكاة
السنين الماضية ا هـ. والمراد بكونه حوليا أن
يتم الحول عليه، وهو في ملكه لقوله عليه
الصلاة والسلام
"لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول"
قال في الغاية: سمي حولا؛ لأن الأحوال تحول
فيه.
وفي القنية العبرة في الزكاة للحول القمري،
وفي الخانية رجل تزوج امرأة على ألف ودفع
إليها، ولم يعلم أنها أمة فحال الحول عندها ثم
علم أنها كانت أمة زوجت نفسها بغير إذن
المولى، ورد الألف على الزوج روي عن أبي يوسف
أنه لا زكاة على واحد منهما، وكذلك الرجل إذا
حلق لحية إنسان فقضي عليه بالدية، ودفع الدية
إليه، وحال الحول ثم نبتت لحيته وردت الدية لا
زكاة على واحد منهما، وكذلك رجل أقر لرجل بدين
ألف درهم ودفع الألف إليه ثم تصادقا بعد الحول
أنه لم يكن عليه دين لا زكاة على واحد منهما
وكذلك رجل وهب لرجل ألفا ودفع الألف إليه ثم
رجع في الهبة بعد الحول بقضاء أو بغير قضاء
واسترد الألف لا زكاة على واحد منهما ا هـ.
وظاهره عدم وجوب الزكاة من الابتداء، وهو مشكل
في حق من كانت في يده وملكه، وحال الحول عليه
فالظاهر أن هذا بمنزلة هلاك المال بعد الوجوب،
وهو مسقط كما في الولوالجية وإلا فتحتاج
المتون إلى إصلاح كما لا يخفى.
وفي الخانية أيضا رجل اشترى عبدا للتجارة
يساوي مائتي درهم ونقد الثمن، ولم يقبض العبد
حتى حال الحول فمات العبد عند البائع كان على
بائع العبد زكاة المائتين وكذلك
ج / 2 ص -323-
....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على المشتري أما على البائع فلأنه ملك الثمن
وحال الحول عليه عنده، وأما على المشتري فلأن
العبد كان للتجارة وبموته عند البائع انفسخ
البيع والمشتري أخذ عوض العبد مائتي درهم فإن
كانت قيمة العبد مائة كان على البائع زكاة
المائتين لأنه ملك الثمن ومضى عليه الحول عنده
وبانفساخ البيع لحقه دين بعد الحول فلا تسقط
عنه زكاة المائتين، ولا زكاة على المشتري؛ لأن
الثمن زال عن ملكه إلى البائع فلم يملك
المائتين حولا كاملا وبانفساخ البيع استفاد
المائتين بعد الحول فلا تجب عليه الزكاة ا هـ.
وشرط فراغه عن الدين؛ لأنه معه مشغول بحاجته
الأصلية فاعتبر معدوما كالماء المستحق بالعطش،
ولأن الزكاة تحل مع ثبوت يده على ماله فلم تجب
عليه الزكاة كالمكاتب ولأن الدين يوجب نقصان
الملك؛ ولذا يأخذه الغريم إذا كان من جنس دينه
من غير قضاء، ولا رضا أطلقه فشمل الحال
والمؤجل، ولو صداق زوجته المؤجل إلى الطلاق أو
الموت وقيل المهر المؤجل لا يمنع؛ لأنه غير
مطالب به عادة بخلاف المعجل وقيل إن كان الزوج
على عزم الأداء منع، وإلا فلا؛ لأنه لا يعد
دينا كذا في غاية البيان ونفقة المرأة إذا
صارت دينا على الزوج إما بالصلح أو بالقضاء
ونفقة الأقارب إذا صارت دينا عليه إما بالصلح
أو بالقضاء عليه يمنع كذا في معراج الدراية.
وقيد نفقة الأقارب في البدائع بقيد آخر، وهو
قليل المدة فإن المدة إذا كانت طويلة فإنها
تسقط، ولا تصير دينا وشمل كلامه كل دين.
وفي الهداية: والمراد دين له مطالب من جهة
العباد حتى لا يمنع دين النذر والكفارة، ودين
الزكاة مانع حال بقاء النصاب؛ لأنه ينتقص به
النصاب، وكذا بعد الاستهلاك خلافا لزفر فيهما
ولأبي يوسف في الثاني؛ لأن له مطالبا، وهو
الإمام في السوائم، ونوابه في أموال التجارة
كان الملاك نوابه ا هـ. وكذا لا يمنع دين صدقة
الفطر، ووجوب الحج وهدي المتعة والأضحية.
وفي معراج الدراية: ودين النذر لا يمنع ومتى
استحق بجهة الزكاة بطل النذر فيه بيانه له
مائتا درهم نذر بأن يتصدق بمائة منها، وحال
الحول سقط النذر بقدر درهمين ونصف ويتصدق
للنذر بسبعة وتسعين ونصف، ولو تصدق بمائة منها
للنذر يقع درهمان ونصف عن الزكاة؛ لأنه متعين
بتعيين الله - تعالى - فلا يبطل بتعيينه لغيره
ولو نذر بمائة مطلقة لزمته؛ لأن محل المنذور
به الذمة فلو تصدق بمائة منها للنذر يقع
درهمان ونصف للزكاة، ويتصدق بمثلها عن النذر ا
هـ.
فلو كان له نصاب حال عليه حولان، ولم يزكه
فيهما لا زكاة عليه في الحول الثاني، ولو
ج / 2 ص -324-
....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان له خمس وعشرون من الإبل لم يزكها حولين
كان عليه في الحول الأول بنت مخاض، وللحول
الثاني أربع شياه، ولو كان له نصاب حال عليه
الحول فلم يزكه ثم استهلكه ثم استفاد غيره،
وحال على النصاب المستفاد الحول لا زكاة فيه
لاشتغال خمسة منه بدين المستهلك بخلاف ما لو
كان الأول لم يستهلك بل هلك، فإنه يجب في
المستفاد لسقوط زكاة الأول بالهلاك وبخلاف ما
لو استهلك قبل الحول حيث لا يجب شيء.
ومن فروعه ما إذا باع نصاب السائمة قبل الحول
بيوم بسائمة مثلها أو من جنس آخر أو بدراهم
يريد به الفرار من الصدقة، أو لا يريد لا يجب
عليه الزكاة في البدل إلا بحول جديد أو يكون
له ما يضمه إليه في صورة الدراهم، وهذا بناء
على أن استبداله السائمة بغيرها مطلقا استهلاك
بخلاف غير السائمة كذا في فتح القدير.
وفي البدائع وقالوا دين الخراج يمنع وجوب
الزكاة؛ لأنه يطالب به، وكذا إذا صار العشر
دينا في الذمة بأن أتلف الطعام العشري صاحبه
فأما وجوب العشر فلا يمنع؛ لأنه متعلق
بالطعام، وهو ليس من مال التجارة وذكر الشارح
وغيره إن كان للمديون نصب يصرف الدين إلى
الأيسر قضاء فيصرف إلى الدراهم والدنانير ثم
إلى عروض التجارة ثم إلى السوائم، فإن كانت
أجناسا صرف إلى أقلها حتى لو كان له أربعون من
الغنم وثلاثون من البقر وخمس من الإبل صرف إلى
الغنم أو إلى الإبل دون البقر؛ لأن التبيع فوق
الشاة، فإن استويا خير كأربعين من الغنم وخمس
من الإبل، وقيل: يصرف إلى الغنم لتجب الزكاة
في الإبل في العام القابل هكذا أطلقوا وقيده
في المبسوط بأن يحضر المصدق أي الساعي فإن لم
يحضره فالخيار إلى صاحب المال إن شاء صرف
الدين إلى السائمة وأدى الزكاة من الدراهم،
وإن شاء صرف الدين إلى الدراهم وأدى الزكاة من
السائمة؛ لأن في حق صاحب المال هما سواء ا هـ.
وفي المحيط: وأما الدين المعترض في خلال الحول
فإنه يمنع وجوب الزكاة بمنزلة هلاكه عند محمد
وعند أبي يوسف: لا يمنع بمنزلة نقصانه ا هـ.
وتقديمهم قول محمد يشعر بترجيحه، وهو كذلك كما
لا يخفى، وفائدة الخلاف تظهر فيما إذا أبرأه
فعند محمد: يستأنف حولا جديدا إلا عند أبي
يوسف كما في المحيط أيضا وأما الحادث بعد
الحول فلا يسقط الزكاة اتفاقا كذا في الخانية
وغيرها، وعلى هذا من ضمن دركا في بيع فاستحق
المبيع بعد الحول لم تسقط الزكاة؛ لأن الدين
إنما وجب عليه عند الاستحقاق كذا في غاية
البيان.
ج / 2 ص -325-
....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وشمل كلامه الدين بطريق الأصالة، وبطريق
الكفالة؛ ولذا قال في المحيط: لو استقرض ألفا
فكفل عنه عشرة ولكل ألف في بيته، وحال الحول
فلا زكاة على واحد منهم لشغله بدين الكفالة؛
لأن له أن يأخذ من أيهم شاء بخلاف ما إذا كان
له ألف وغصب ألفا، وغصبها منه آخر له ألف،
وحال الحول على مال الغاصبين ثم أبرأهما فإنه
يزكي الغاصب الأول ألفه، والغاصب الثاني لا؛
لأن الغاصب الأول لو ضمن يرجع على الثاني،
والثاني لو ضمن لا يرجع على الأول فكان قرار
الضمان عليه فصار الدين عليه مانعا ا هـ.
وظاهره أنه لو لم يبرئهما لا يكون الحكم كذلك،
وفي فتح القدير وغيره لا يخرج عن ملك النصاب
المذكور ما ملك بسبب خبيث؛ ولذا قالوا: لو أن
سلطانا غصب مالا وخلطه صار ملكا له حتى وجبت
عليه الزكاة وورث عنه على قول أبي حنيفة؛ لأن
خلط دراهمه بدراهم غيره عنده استهلاك أما على
قولهما فلا فلا يضمن فلا يثبت الملك؛ لأنه فرع
الضمان فلا يورث عنه؛ لأنه مال مشترك فإنما
يورث حصة الميت منه وفي الولوالجية وقوله:
أرفق بالناس؛ إذ قلما يخلو مال عن غصب ا هـ.
هكذا ذكروا، وهو مشكل لأنه، وإن كان ملكه عند
أبي حنيفة بالخلط فهو مشغول بالدين والشرط
الفراغ عنه فينبغي أن لا تجب الزكاة فيه على
قوله أيضا ولذا شرط في المبتغى بالمعجمة أن
يبرئه أصحاب الأموال؛ لأنه قبل الإبراء مشغول
بالدين، وهو قيد حسن يجب حفظه وقيد المصنف
بالزكاة؛ لأن الدين لا يمنع وجوب العشر
والخراج ويمنع صدقة الفطر كذا في الخانية وأما
التكفير بالمال فلا يمنع الدين وجوبه على
الأصح كذا في الكشف الكبير من بحث القدرة
الميسرة.
وفي الولوالجية رجل التقط ألف درهم وعرفها سنة
ثم تصدق بها وله ألف درهم ثم تم الحول على
ألفه زكاها استحسانا؛ لأن الألف المتصدق بها
لم تصر دينا عليه في الحال لجواز أن يجيز
صاحبها التصدق ا هـ.
وشرط فراغه عن الحاجة الأصلية؛ لأن المال
المشغول بها كالمعدوم وفسرها في شرح المجمع
لابن الملك بما يدفع الهلاك عن الإنسان تحقيقا
أو تقديرا فالثاني كالدين والأول كالنفقة ودور
السكنى وآلات الحرب والثياب المحتاج إليها
لدفع الحر أو البرد وكآلات الحرفة وأثاث
المنزل ودواب الركوب وكتب العلم لأهلها فإذا
كان له دراهم مستحقة ليصرفها إلى تلك الحوائج
صارت كالمعدومة كما أن الماء المستحق لصرفه
إلى العطش كان
ج / 2 ص -326-
....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كالمعدوم وجاز عنده التيمم ا هـ. فقد صرح بأن
من معه دراهم وأمسكها بنية صرفها إلى حاجته
الأصلية لا تجب الزكاة إذا حال الحول وهي عنده
ويخالفه ما في معراج الدراية في فصل زكاة
العروض أن الزكاة تجب في النقد كيفما أمسكه
للنماء أو للنفقة ا هـ. وكذا في البدائع في
بحث النماء التقديري، ومن آلات الحرفة الصابون
والحرض للغسال لا للبقال بخلاف العصفر
والزعفران للصباغ والدهن والعفص للدباغ فإنها
واجبة فيه؛ لأن المأخوذ فيه بمقابلة العين
وقوارير العطارين ولجم الخيل والحمير المشتراة
للتجارة ومقاودها وجلالها إن كان من غرض
المشتري بيعها بها ففيها الزكاة وإلا فلا كذا
في فتح القدير وما في النهاية من أن التقييد
بالأهل في الكتب ليس بمفيد لما أنه إن لم يكن
من أهلها وليست هي للتجارة لا تجب فيها الزكاة
وإن كثرت لعدم النماء، وإنما يفيد ذكر الأهل
في حق مصرف الزكاة فإذا كانت له كتب تساوي
مائتي درهم، وهو محتاج إليها للتدريس وغيره
يجوز صرف الزكاة إليه، وأما إذا كان لا يحتاج
إليها، وهي تساوي مائتي درهم لا يجوز صرف
الزكاة إليه ا هـ. فغير مفيد؛ لأن كلامهم في
بيان ما هو من الحوائج الأصلية، ولا شك أن
الكتب لغير الأهل ليست منها، وهو تقييد مفيد
كما لا يخفى، وشرط أن يكون النصاب ناميا
والنماء في اللغة بالمد الزيادة، والقصر
بالهمز خطأ يقال نما المال ينمي نماء وينمو
نموا وأنماه الله كذا في المغرب وفي الشرع هو
نوعان حقيقي وتقديري.
فالحقيقي: الزيادة بالتوالد والتناسل
والتجارات.
والتقديري: تمكنه من الزيادة بكون المال في
يده أو في يد نائبه فلا زكاة على من لم يتمكن
منها في ماله كمال الضمار.
وهو في اللغة: الغائب الذي لا يرجى فإذا رجي
فليس بضمار، وأصله الإضمار، وهو التغييب
والإخفاء، ومنه أضمر في قلبه شيئا.
وفي الشرع كل مال غير مقدور الانتفاع به مع
قيام أصل الملك كذا في البدائع فما في فتح
القدير من أن مهر المرأة التي تبين أنها أمة،
ودية اللحية التي تنبت بعد حلقها، والمال
المتصادق على عدم وجوبه، والهبة التي رجع فيها
بعد الحول من جملة مال الضمار فغير صحيح
مطلقا؛ لأن الذي كان في يده المال في الحول
كان متمكنا من الانتفاع به فلم يكن ضمارا في
حقه، وكذا من لم يكن في يده؛ إذ لا ملك له
ظاهرا في الحول، وإنما الحق في التعليل ما
قدمناه عن الولوالجي من أنه بمنزلة الهالك بعد
الوجوب.
ومال الضمار هو الدين المجحود والمغصوب إذا لم
يكن عليهما بينة فإن كان عليهما بينة
ج / 2 ص -327-
....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وجبت الزكاة إلا في غصب السائمة، فإنه ليس على
صاحبها الزكاة، وإن كان الغاصب مقرا كذا في
الخانية، وفيها أيضا من باب المصرف الدين
المجحود إنما لا يكون نصابا إذا حلفه القاضي
وحلف، أما قبل ذلك يكون نصابا حتى لو قبض منه
أربعين درهما يلزمه أداء الزكاة ا هـ. وعن
محمد: لا تجب الزكاة، وإن كان له بينة؛ لأن
البينة قد لا تقبل، والقاضي قد لا يعدل، وقد
لا يظهر بالخصومة بين يديه لمانع فيكون في حكم
الهالك، وصححه في التحفة كذا في غاية البيان
وصححه في الخانية أيضا وعزاه إلى السرخسي،
ومنه المفقود والآبق والمأخوذ مصادرة، والمال
الساقط في البحر، والمدفون في الصحراء المنسي
مكانه، فلو صار في يده بعد ذلك، فلا بد له من
حول جديد لعدم الشرط، وهو النمو، وأما المدفون
في حرز، ولو دار غيره إذا نسيه فليس منه فيكون
نصابا، واختلف المشايخ في المدفون في أرض
مملوكة أو كرم فقيل بالوجوب لإمكان الوصول،
وقيل: لا؛ لأنها غير حرز، وأما إذا أودعه ونسي
المودع، قالوا: إن كان المودع من الأجانب فهو
ضمار، وإن كان من معارفه وجبت الزكاة لتفريطه
بالنسيان في غير محله وقيدنا الدين بالمجحود؛
لأنه لو كان على مقر ملي أو معسر تجب الزكاة
لإمكان الوصول إليه ابتداء أو بواسطة التحصيل،
ولو كان على مقر مفلس فهو نصاب عند أبي حنيفة؛
لأن تفليس القاضي لا يصح عنده، وعند محمد لا
يجب لتحقق الإفلاس عنده بالتفليس وأبو يوسف مع
محمد في تحقق الإفلاس، ومع أبي حنيفة في حكم
الزكاة رعاية لجانب الفقراء كذا في الهداية
فأفاد أنه إذا قبض الدين زكاه لما مضى قال في
فتح القدير: وهو غير جار على إطلاقه بل ذلك في
بعض أنواع الدين ولنوضح ذلك فنقول: قسم أبو
حنيفة الدين على ثلاثة أقسام:
قوي، وهو بدل القرض، ومال التجارة.
ومتوسط: وهو بدل ما ليس
للتجارة كثمن ثياب البذلة وعبد الخدمة ودار
السكنى.
وضعيف: وهو بدل ما ليس بمال
كالمهر والوصية، وبدل الخلع والصلح عن دم
العمد والدية، وبدل الكتابة والسعاية ففي
القوي تجب الزكاة إذا حال الحول، ويتراخى
القضاء إلى أن يقبض أربعين درهما ففيها درهم،
وكذا فيما زاد بحسابه، وفي المتوسط لا تجب ما
لم يقبض نصابا، ويعتبر لما مضى من الحول في
صحيح الرواية، وفي الضعيف لا تجب ما لم يقبض
نصابا ويحول الحول بعد القبض عليه، وثمن
السائمة كثمن عبد الخدمة، ولو ورث دينا على
رجل فهو كالدين الوسط، وروي أنه كالضعيف
وعندهما الديون كلها سواء تجب الزكاة قبل
القبض وكلما قبض شيئا زكاه قل أو كثر إلا دين
الكتابة والسعاية وفي رواية أخرجا الدية أيضا
قبل الحكم بها وأرش الجراحة؛ لأنها ليست بدين
على الحقيقة؛ فلذا لا تصح الكفالة ببدل
الكتابة، ولا يؤخذ من
ج / 2 ص -328-
....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تركة من مات من العاقلة الدية؛ لأن وجوبها
بطريق الصلة إلا أن يقول: الأصل أن المسببات
تختلف بحسب اختلاف الأسباب، ولو آجر عبده أو
داره بنصاب إن لم يكونا للتجارة لا تجب ما لم
يحل الحول بعد القبض في قوله، وإن كان للتجارة
كان حكمه كالقوي؛ لأن أجرة مال التجارة كثمن
مال التجارة في صحيح الرواية ا هـ.
وفي الولوالجية: وأما إذا أعتق أحد الشريكين
عبدا مشتركا، واختار المولى تضمين المعتق إن
كان العبد للتجارة فحكمه حكم دين الوسط هو
الصحيح، وإن كان العبد للخدمة فكذلك أيضا، وإن
اختار استسعاء العبد فحكمه حكم الدين الضعيف ا
هـ.
ومقتضى الأول أن العبد إذا كان للتجارة فحكم
هذا الدين حكم الدين القوي وقد صرح به في
المحيط إلا أن الصحيح خلافه كما علمت ولعله
ليس بدلا من كل وجه بدليل أن المولى مخير ثم
قال الولوالجي: وهذا كله إذا لم يكن عنده مال
آخر للتجارة، فأما إذا كان عنده مال آخر
للتجارة يصير المقبوض من الدين الضعيف مضموما
إلى ما عنده فتجب فيها الزكاة، وإن لم يبلغ
نصابا، وكذا في المحيط، وفيه لو كان له مائتا
درهم دين فاستفاد في خلال الحول مائة درهم
فإنه يضم المستفاد إلى الدين في حوله بالإجماع
وإذا تم الحول على الدين لا يلزمه الأداء من
المستفاد ما لم يقبض أربعين درهما، وعندهما
يلزمه، وإن لم يقبض منه شيئا وفائدة الخلاف
تظهر فيما إذا مات من عليه مفلسا سقط عنه زكاة
المستفاد عنده؛ لأنه جعل مضموما إلى الدين
تبعا له فسقط بسقوطه، وعندهما تجب لأنه بالضم
صار كالموجود في ابتداء الحول فعليه زكاة
العين دون الدين ا هـ. وقدمنا أن المبيع قبل
القبض لا تجب زكاته على المشتري وذكر في
المحيط في بيان أقسام الدين أن المبيع قبل
القبض، قيل: لا يكون نصابا؛ لأن الملك فيه
ناقص بافتقاد اليد، والصحيح أنه يكون نصابا؛
لأنه عوض عن مال كانت يده ثابتة عليه، وقد
أمكنه احتواء اليد على العوض فتعتبر يده باقية
على النصاب باعتبار التمكن شرعا ا هـ فعلى هذا
قولهم: لا تجب الزكاة معناه قبل قبضه وأما بعد
قبضه فتجب زكاته فيما مضى كالدين القوي.
وفي المحيط: رجل وهب دينا له على رجل ووكل
بقبضه فلم يقبضه حتى وجبت فيه الزكاة فالزكاة
على الواهب؛ لأن قبض الموهوب له كقبض صاحب
المال ا هـ. ثم اعلم أن هذا كله فيما إذا لم
يبرئ صاحب الدين منه أما إذا أبرأ المديون منه
بعد الحول فإنه لا زكاة عليه فيه سواء كان ثمن
مبيع أو قرضا أو غير ذلك، صرح به قاضي خان في
فتاويه لكن قيده في المحيط بكون المديون معسرا
أما لو كان موسرا فهو استهلاك، وهو تقييد حسن
يجب حفظه، وذكر في القنية أن فيه روايتين، ولم
يبين المصنف رحمه الله ما يكون محلا للنماء
التقديري من الأموال.
ج / 2 ص -329-
....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وحاصله: أنها قسمان خلقي وفعلي.
فالخلقي: الذهب والفضة؛ لأنها
تصلح للانتفاع بأعيانها في دفع الحوائج
الأصلية فلا حاجة إلى الإعداد من العبد
للتجارة بالنية؛ إذ النية للتعيين، وهي متعينة
للتجارة بأصل الخلقة فتجب الزكاة فيها نوى
التجارة، أو لم ينو أصلا، أو نوى النفقة.
والفعلي: ما سواهما فإنما
يكون الإعداد فيها للتجارة بالنية إذا كانت
عروضا، وكذا في المواشي لا بد فيها من نية
الإسامة؛ لأنها كما تصلح للدر والنسل تصلح
للحمل وللركوب ثم نية التجارة والإسامة لا
تعتبر ما لم تتصل بفعل التجارة والإسامة ثم
نية التجارة قد تكون صريحا، وقد تكون دلالة
فالصريح أن ينوي عند عقد التجارة أن يكون
المملوك به للتجارة سواء كان ذلك العقد شراء
أو إجارة، وسواء كان ذلك الثمن من النقود أو
من العروض فلو نوى أن يكون للبذلة لا يكون
للتجارة وإن كان الثمن من النقود، فخرج ما
ملكه بغير عقد كالميراث فلا تصح فيه نية
التجارة إذا كان من غير النقود إلا إذا تصرف
فيه فحينئذ تجب الزكاة كذا في شرح المجمع
للمصنف.
وفي الخانية: ولو ورث سائمة كان عليه الزكاة
إذا حال الحول نوى، أو لم ينو، وخرج أيضا ما
إذا دخل من أرضه حنطة تبلغ قيمتها قيمة نصاب،
ونوى أن يمسكها ويبيعها وأمسكها حولا لا تجب
فيها الزكاة كما في الميراث، وكذا لو اشترى
بذرا للتجارة، وزرعها في أرض عشر استأجرها كان
فيها العشر لا غير كما لو اشترى أرض خراج أو
عشر للتجارة لم يكن عليه زكاة التجارة إنما
عليه حق الأرض من العشر أو الخراج، وخرج ما
ملكه بعقد ليس فيه مبادلة أصلا كالهبة والوصية
والصدقة أو ملكه بعقد هو مبادلة مال بغير مال
كالمهر، وبدل الخلع والصلح عن دم العمد وبدل
العتق فإنه لا تصح فيه نية التجارة، وهو
الأصح؛ لأن التجارة كسب المال ببدل هو مال،
والقبول هنا اكتساب المال بغير بدل أصلا فلم
يكن من باب التجارة فلم تكن النية مقارنة لعمل
التجارة كذا صححه في البدائع وقيدنا ببدل
الصلح عن دم العمد؛ لأن العبد للتجارة إذا
قتله عبد خطأ، ودفع به فإن المدفوع يكون
للتجارة كذا في الخانية ولو استقرض عروضا،
ونوى أن تكون للتجارة اختلف المشايخ والظاهر
أنها تكون للتجارة وإليه أشار في الجامع كما
في البدائع.
ولو اشترى عروضا للبذلة والمهنة ثم نوى أن
تكون للتجارة بعد ذلك لا تصير للتجارة ما لم
يبعها فيكون بدلها للتجارة؛ لأن التجارة عمل
فلا تتم بمجرد النية بخلاف ما إذا كان للتجارة
فنوى أن تكون للبذلة خرج عن التجارة بالنية،
وإن لم يستعمله؛ لأنها ترك العمل فتتم بها قال
ج / 2 ص -330-
وشرط
أدائها نية مقارنة للأداء أو لعزل ما وجب أو
تصدق بكله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشارح الزيلعي ونظيره المقيم والصائم
والكافر والعلوفة والسائمة حيث لا يكون
مسافرا، ولا مفطرا، ولا مسلما، ولا سائمة، ولا
علوفة بمجرد النية ويكون مقيما وصائما وكافرا
بالنية ا هـ. فقد سوى بين العلوفة والسائمة،
والمنقول في النهاية وفتح القدير أن العلوفة
لا تصير سائمة بمجرد النية، والسائمة تصير
علوفة بمجردها، وقد ظهر لي التوفيق بينهما أن
كلام الشارح محمول على ما إذا نوى أن تكون
السائمة علوفة، وهي في المرعى، ولم يخرجها بعد
فإنها بهذه النية لا تكون علوفة بل لا بد من
العمل، وهو إخراجها من المرعى، ولم يرد بالعمل
أن يعلفها، وكلام غيره محمول على ما إذا نوى
أن تكون علوفة بعد إخراجها من المرعى، وهذا
التوفيق يدل عليه ما في النهاية في تعريف
السائمة فليراجع وأما الدلالة فهي أن يشتري
عينا من الأعيان بعرض التجارة أو يؤاجر داره
التي للتجارة بعرض من العروض فيصير للتجارة،
وإن لم ينو التجارة صريحا لكن ذكر في البدائع
الاختلاف في بدل منافع عين معدة للتجارة ففي
كتاب الزكاة من الأصل أنه للتجارة بلا نية،
وفي الجامع ما يدل على التوقف على النية فكان
في المسألة روايتان، ومشايخ بلخ كانوا يصححون
رواية الجامع؛ لأن العين، وإن كانت للتجارة
لكن قد يقصد ببدل منافعها المنفعة فيؤاجر
الدابة لينفق عليها والدار للعمارة فلا تصير
للتجارة مع التردد إلا بالنية ا هـ.
ثم اعلم أنه يستثنى من اشتراط نية التجارة
للوجوب ما يشتريه المضارب فإنه يكون للتجارة،
وإن لم ينوها أو نوى الشراء للنفقة حتى لو
اشترى عبيدا بمال المضاربة ثم اشترى لهم كسوة
وطعاما للنفقة كان الكل للتجارة، وتجب الزكاة
في الكل؛ لأنه لا يملك إلا الشراء للتجارة
بمالها، وإن نص على النفقة بخلاف المالك إذا
اشترى عبيدا للتجارة ثم اشترى لهم طعاما
وثيابا للنفقة فإنه لا يكون للتجارة؛ لأنه
يملك الشراء لغير التجارة كذا في البدائع
ويدخل في نية التجارة ما يشتريه الصباغ بنية
أن يصبغ به للناس بالأجرة فإنه يكون للتجارة
بهذه النية.
وضابطه: أن ما يبقى أثره في العين فهو مال
التجارة، وما لا يبقى أثره فيها فليس منه
كصابون الغسال كما قدمناه ولم يذكر المصنف من
شرائط الوجوب العلم به حقيقة، أو حكما بالكون
في دار الإسلام كما في البدائع؛ لأنه شرط لكل
عبادة، وقد يقال: إنه ذكر الشروط العامة هنا
كالإسلام والتكليف فينبغي ذكره أيضا ا هـ.
"قوله: وشرط أدائها نية مقارنة للأداء أو لعزل
ما وجب أو تصدق بكله" بيان لشرط الصحة فإن
شرائطها ثلاثة أنواع.
شرائط وجوب، وهي ما ذكره إلا الحول، فإنه من
شروط وجوب الأداء بدليل جواز التعجيل
ج / 2 ص -331-
....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قبله بعد وجود السبب وأما النية فهي شرط الصحة
لكل عبادة كما قدمناه وقد علمت من قوله أولا
لله تعالى لكن المراد هنا بيان تفاصيلها،
والأصل اقترانها بالأداء كسائر العبادات إلا
أن الدفع يتفرق فيخرج باستحضار النية عند كل
دفع فاكتفى بوجودها حالة العزل دفعا للحرج،
وإنما سقطت عنه بلا نية فيما إذا تصدق بجميع
النصاب؛ لأن الواجب جزء منه، وقد وصل إلى
مستحقه، وإنما تشترط النية لدفع المزاحم فلما
أدى الكل زالت المزاحمة، أطلق المقارنة فشمل
المقارنة الحقيقية، وهو ظاهر، والحكمية كما
إذا دفع بلا نية ثم حضرته النية والمال قائم
في يد الفقير فإنه يجزئه، وهو بخلاف ما إذا
نوى بعد هلاكه وكما إذا وكل رجلا بدفع زكاة
ماله ونوى المالك عند الدفع إلى الوكيل فدفع
الوكيل بلا نية فإنه يجزئه؛ لأن المعتبر نية
الآمر؛ لأنه المؤدي حقيقة، ولو دفعها إلى ذمي
ليدفعها إلى الفقراء جاز لوجود النية من الآمر
ولو أدى زكاة غيره بغير أمره فبلغه فأجاز لم
يجز؛ لأنها وجدت نفاذا على المتصدق؛ لأنها
ملكه، ولم يصر نائبا عن غيره فنفذت عليه ولو
تصدق عنه بأمره جاز ويرجع بما دفع عند أبي
يوسف، وإن لم يشترط الرجوع كالأمر بقضاء الدين
وعند محمد لا رجوع له إلا بالشرط، وتمامه في
الخانية.
ولو أعطاه دراهم ليتصدق بها تطوعا فلم يتصدق
بها حتى نوى الآمر أن تكون زكاته ثم تصدق بها
أجزأه، وكذا لو قال تصدق بها عن كفارة يميني
ثم نوى عن زكاة ماله.
وفي الفتاوى رجلان دفع كل واحد منهما زكاة
ماله إلى رجل ليؤدي عنه فخلط مالهما ثم تصدق
ضمن الوكيل وكذا لو كان في يد رجل أوقاف
مختلفة فخلط إنزال الأوقاف وكذلك البياع
والسمسار والطحان إلا في موضع يكون الطحان
مأذونا بالخلط عرفا انتهى وبه يعلم حكم من
يجمع للفقراء، ومحله ما إذا لم يوكلوه فإن كان
وكيلا من جانب الفقراء أيضا فلا ضمان عليه
فإذا ضمن في صورة الخلط لا تسقط الزكاة عن
أربابها فإذا أدى صار مؤديا مال نفسه كذا في
التجنيس ولو لم يخلط الجابي فإنه يجوز دفع من
أعطى قبل أن تبلغ الدراهم مائتين، ولا يجوز
لمن أعطى بعد ما بلغت نصابا إن كان الفقير وكل
الجابي وعلم المعطي ببلوغه نصابا فإن لم يكن
الجابي وكيل الفقير جاز مطلقا، وإن لم يعلم
المعطي ببلوغه نصابا جاز في قول أبي حنيفة
ومحمد كذا في الظهيرية وللوكيل بدفع الزكاة أن
يدفعها إلى ولد نفسه كبيرا كان أو صغيرا، وإلى
امرأته إذا كانوا محاويج، ولا يجوز أن يمسك
لنفسه شيئا ا هـ. إلا إذا قال ضعها حيث شئت
فله أن يمسكها لنفسه كذا في الولوالجية.
وأشار المصنف إلى أنه لا يخرج بعزل ما وجب عن
العهدة بل لا بد من الأداء إلى الفقير لما في
الخانية لو أفرز من النصاب خمسة ثم ضاعت لا
تسقط عنه الزكاة ولو مات بعد إفرازها
ج / 2 ص -332-
....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت الخمسة ميراثا عنه ا هـ. بخلاف ما إذا
ضاعت في يد الساعي لأن يده كيد الفقراء كذا في
المحيط.
وفي التجنيس لو عزل الرجل زكاة ماله ووضعه في
ناحية من بيته فسرقها منه سارق لم تقطع يده
للشبهة وقد ذكر في كتاب السرقة من هذا الكتاب
أنه يقطع السارق غنيا كان أو فقيرا ا هـ.
بلفظه وإلى أنه لو أخر الزكاة ليس للفقير أن
يطالبه، ولا أن يأخذ ماله بغير علمه، وإن أخذ
كان لصاحب المال أن يسترده إن كان قائما،
ويضمنه إن كان هالكا فإن لم يكن في قرابة من
عليه الزكاة أو في قبيلته أحوج من هذا الرجل
فكذلك ليس له أن يأخذها له، وإن أخذ كان ضامنا
في الحكم أما فيما بينه وبين الله - تعالى -
يرجى أن يحل له الأخذ كذا في الخانية أيضا،
وإلى أنه لو مات من عليه الزكاة لا تؤخذ من
تركته لفقد شرط صحتها، وهو النية إلا إذا أوصى
بها فتعتبر من الثلث كسائر التبرعات، وإلى أنه
لو امتنع من أدائها فالساعي لا يأخذ منه كرها،
ولو أخذ لا يقع عن الزكاة لكونها بلا اختيار
ولكن يجبره بالحبس ليؤدي بنفسه؛ لأن الإكراه
لا يسلب الاختيار بل الطواعية فيتحقق الأداء
عن اختيار كذا في المحيط.
وفي مختصر الطحاوي: ومن امتنع عن أداء زكاة
ماله وأخذها الإمام كرها منه فوضعها في أهلها
أجزأه؛ لأن للإمام ولاية أخذ الصدقات فقام
أخذه مقام دفع المالك ا هـ. وفي القنية فيه
إشكال لأن النية فيها شرط، ولم توجد منه ا هـ.
وفي المجمع: ولا نأخذها من سائمة امتنع ربها
من أدائها بغير رضاه بل نأمره ليؤديها
اختيارا. ا هـ. والمفتى به التفصيل إن كان في
الأموال الظاهرة فإنه يسقط الفرض عن أربابها
بأخذ السلطان أو نائبه؛ لأن ولاية الأخذ له
فبعد ذلك إن لم يضع السلطان موضعها لا يبطل
أخذه عنه، وإن كان في الأموال الباطنة فإنه لا
يسقط الفرض؛ لأنه ليس للسلطان ولاية أخذ زكاة
الأموال الباطنة فلم يصح أخذه كذا في التجنيس
والواقعات والولوالجية.
وقيد بالتصدق بالكل؛ لأنه لو تصدق ببعض النصاب
بلا نية اتفقوا أنه لا يسقط زكاة كله واختلفوا
في سقوط زكاة ما تصدق به فقال محمد بسقوطه
وقال أبو يوسف: عليه زكاة كله إلا إذا كان
الموهوب مائة وستة وتسعين فحينئذ تسقط كذا في
المبتغى بالغين المعجمة وأطلق في التصدق بالكل
فشمل العين والدين فلو كان له على فقير دين
فأبرأه عنه سقط زكاته عنه نوى الزكاة أو لم
ينو لما قدمناه ولو أبرأه عن البعض سقط زكاة
ذلك البعض، ولا تسقط عنه زكاة الباقي ولو نوى
به الأداء عن الباقي؛ لأن الباقي يصير عينا
بالقبض فيصير مؤديا الدين عن العين والأصل فيه
أن أداء العين عن العين وعن الدين يجوز، وأداء
الدين عن العين، وعن دين سيقبض لا
ج / 2 ص -333-
يجوز،
وأداء الدين عن دين لا يقبض يجوز كذا في شرح
الطحاوي وحيلة الجواز أن يعطي المديون الفقير
خمسة زكاة ثم يأخذها منه قضاء عن دينه كذا في
المحيط.
ولو أمر فقيرا بقبض دين له على آخر نواه عن
زكاة عين عنده جاز؛ لأن الفقير يقبض عينا فكان
عينا عن عين كذا في الولوالجية وقيدنا بكون من
عليه الدين فقيرا؛ لأنه لو كان غنيا فوهبه بعد
الحول ففيه روايتان أصحهما الضمان كما في
المحيط وقد قدمناه وشمل أيضا ما إذا لم ينو
شيئا أصلا أو نوى غير الزكاة، وهو الصحيح فيما
إذا نوى التطوع أما إذا تصدق بكله ناويا النذر
أو واجبا آخر فإنه يقع عما نوى ويضمن قدر
الواجب كذا في التبيين، وفي شرح الطحاوي: لو
وجبت الزكاة في مائتي درهم فأدى خمسة ونوى ذلك
تطوعا سقطت عنه زكاة الخمسة، وهي ثمن درهم،
ولا تسقط عنه زكاة الباقي ا هـ. وينبغي أن
يكون مفرعا على قول محمد كما لا يخفى ولم
يشترط المصنف رحمه الله علم الآخذ بما يأخذه
أنه زكاة للإشارة إلى أنه ليس بشرط، وفيه
اختلاف والأصح كما في المبتغى والقنية أن من
أعطى مسكينا دراهم وسماها هبة أو قرضا ونوى
الزكاة فإنها تجزئه، ولم يشترط أيضا الدفع من
عين مال الزكاة لما قدمناه من أنه لو أمر
إنسانا بالدفع عنه أجزأه لكن اختلف فيما إذا
دفع من مال آخر خبيث، وظاهر القنية ترجيح
الإجزاء استدلالا بقولهم: مسلم له خمر فوكل
ذميا فباعها من ذمي فللمسلم أن يصرف هذا الثمن
إلى الفقراء من زكاة ماله. ا هـ. وفي الخانية:
إذا هلكت الوديعة عند المودع فدفع القيمة إلى
صاحبها، وهو فقير لدفع الخصومة يريد به الزكاة
لا يجزئه ا هـ.
وفي القنية عليه زكاة ودين أيضا والمال يفي
بأحدهما يقضي دين الغريم ثم يؤدي حق الكريم ا
هـ. وفي الظهيرية له خمس من الإبل وأربعون شاة
فأدى شاة لا ينوي عن أحدهما صرفها إلى أيهما
شاء كما لو كفر عن ظهار امرأتين بتحرير رقبة
كان له أن يجعل عن أيتهما شاء. ا هـ. وفي فتح
القدير والأفضل في الزكاة الإعلان بخلاف صدقة
التطوع.
وفي الولوالجية إذا أدى خمسة دراهم ونوى
الزكاة والتطوع جميعا يقع عن الزكاة عند أبي
يوسف وعند محمد عن النفل؛ لأن نية النفل عارض
نية الفرض فبقي مطلق النية لأبي يوسف أن نية
الفرض أقوى فلا يعارضها نية النفل ا هـ. وأطلق
في عزل ما وجب فشمل ما إذا عزل كل ما وجب أو
بعضه.
وفي الخانية من باب الأضحية: للوكيل بدفع
الزكاة أن يوكل بلا إذن، ولا يتوقف، وفي
القنية من باب الوكالة بأداء الزكاة لو أمره
أن يتصدق بدينار على فقير معين فدفعها إلى
فقير آخر لا يضمن ثم رقم برقم آخر أنه في
الزكاة يضمن، وله التعيين. ا هـ. والقواعد
تشهد للأول؛ لأنهم
ج / 2 ص -334-
................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قالوا: لو قال: لله علي
أن أتصدق بهذا الدينار على فلان له أن يتصدق
على غيره، وفي الواقعات ولو شك رجل في الزكاة
فلم يدر أزكى أم لا فإنه يعيد فرق بين هذا
وبين ما إذا شك في الصلاة بعد ذهاب الوقت
أصلاها أم لا، والفرق أن العمر كله وقت لأداء
الزكاة فصار هذا بمنزلة شك وقع في أداء الصلاة
أنه أدى أم لا، وهو في وقتها ولو كان كذلك
يعيد ا هـ.
ووقعت حادثة هي أن من شك
هل أدى جميع ما عليه من الزكاة أم لا بأن كان
يؤدي متفرقا، ولا يضبطه هل يلزمه إعادتها
ومقتضى ما ذكرنا لزوم الإعادة حيث لم يغلب على
ظنه دفع قدر معين ؛ لأنه ثابت في ذمته بيقين
فلا يخرج عن العهدة بالشك والله - سبحانه
وتعالى - أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
1- باب صدقة السوائم.
هي التي تكتفي بالرعي في
أكثر السنة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- باب صدقة السوائم
أي: زكاتها.
قالوا حيث أطلقت الصدقة في الكتاب العزيز
فالمراد بها الزكاة وبدأ أكثرهم ببيان السوائم
اقتداء بكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فإنها كانت مفتتحة بها ولكونها أعز أموال
العرب والسوائم جمع سائمة ولها معنيان لغوي
وفقهي قال في المغرب سامت الماشية رعت سوما
وأسامها صاحبها إسامة والسائمة عن الأصمعي كل
إبل ترسل ترعى، ولا تعلف في الأهل ا هـ وفي
ضياء الحلوم: السائمة المال الراعي.
"قوله: هي التي تكتفي بالرعي في أكثر السنة"
بيان للسائمة بالمعنى الفقهي؛ لأن اسم السائمة
لا يزول بالعلف اليسير ولأنه لا يمكن الاحتراز
عنه قيد بالأكثر لإفادة أنه لو علفها نصف
الحول فإنها لا تكون سائمة فلا زكاة فيها
لوقوع الشك في السبب؛ لأن المال إنما صار سببا
بوصف الإسامة فلا يجب الحكم مع الشك اعترض في
النهاية بأن مرادهم تفسير السائمة التي فيها
الحكم المذكور فهي تعريف بالأعم إذ بقي قيد
كون ذلك لغرض النسل والدر والتسمين وإلا فيشمل
الإسامة لغرض الحمل والركوب وليس فيها زكاة
وأقره عليه في فتح القدير وقد يجاب بأنهم إنما
تركوا هذا القيد لتصريحهم بعد ذلك بأن ما كان
للحمل والركوب فإنه لا شيء فيه وصرحوا أيضا
بأن العروض إذا كانت للتجارة يجب فيها زكاة
التجارة وقالوا: إن العرض خلاف النقد فيدخل
فيه الحيوانات.
ج / 2 ص -335-
ويجب
في خمس وعشرين إبلا بنت مخاض، وفيما دونه في
كل خمس شاة، وفي ست وثلاثين بنت لبون، وفي ست
وأربعين حقة، وفي إحدى وستين جذعة، وفي ست
وسبعين بنتا لبون، وفي إحدى وتسعين حقتان إلى
مائة وعشرين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وحاصله أنه إن أسامها للحمل أو للركوب فلا
زكاة أصلا أو للتجارة ففيها زكاة التجارة أو
للدر والنسل ففيها الزكاة المذكورة في هذا
الباب، وفي المحيط: ولو اشتراها للتجارة ثم
جعلها سائمة يعتبر الحول من وقت الجعل لأن حول
زكاة التجارة يبطل بجعلها للسوم؛ لأن زكاة
السوائم وزكاة التجارة مختلفان قدرا وسببا فلا
يبنى حول أحدهما على الآخر. اهـ.
فإن قلت قد اقتصر الزيلعي وغيره على أن المراد
بها التي تسام للدر والنسل فيفيد أنها لو كانت
كلها ذكورا لا تجب الزكاة فيها والمصرح به في
البدائع والمحيط أنه لا فرق بين كونها كلها
إناثا أو كونها كلها ذكورا أو بعضها ذكورا
وبعضها إناثا قلت المقصود من هذا الشرط نفي
كون الإسامة للحمل والركوب أو للتجارة لا
اشتراط أن تكون للدر والنسل ولذا زاد في
المحيط أن تسام لقصد الدر والنسل والزيادة
والسمن فالذكور فقط تسام للزيادة والسمن لكن
في البدائع لو أسامها للحم لا زكاة فيها
كالحمل والركوب وفي القنية: له إبل عوامل يعمل
بها في السنة أربعة أشهر ويسمنها في الباقي
ينبغي أن لا يجب فيها الزكاة ا هـ. والرعي
مصدر رعت الماشية الكلأ، والرعي بالكسر الكلأ
نفسه كذا في المغرب والمناسب هنا ضبطه بالفتح؛
لأن السائمة في الفقه هي التي ترعى، ولا تعلف
في الأهل لقصد الدر والنسل كما في فتح القدير
فلو حمل الكلأ إليها في البيت لا تكون سائمة
فلو ضبط الرعي في كلامهم هنا بالكسر لكانت
سائمة، ولا بد أن يكون الكلأ الذي ترعاه مباحا
كما قيده الشمني به.
لأن الكلأ في اللغة: كل ما رعت الدواب من
الرطب واليابس فيدخل فيه غير المباح.
"قوله: ويجب في خمس وعشرين إبلا بنت مخاض،
وفيما دونه في كل خمس شاة، وفي ست وثلاثين بنت
لبون، وفي ست وأربعين حقة، وفي إحدى وستين
جذعة، وفي ست وسبعين بنتا لبون، وفي إحدى
وتسعين حقتان إلى مائة وعشرين" بهذا اشتهرت
كتب الصدقات من رسول الله صلى الله عليه وسلم
والإبل ليس لها واحد من لفظها والنسبة إليها
إبلي بفتح الباء كقولهم في النسبة إلى سلمة
سلمي بالفتح لتوالي الكسرات مع الياء والمخاض
النوق الحوامل.
وابن المخاض هو الفصيل الذي حملت أمه قبل ابن
اللبون بسنة، وكذلك بنت المخاض، والمخاض أيضا:
وجع الولادة قال - تعالى: {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ} [مريم: 23].
وشاة لبون ذات لبن وابن اللبون الذي استكمل
سنتين، ودخل في الثالثة.
ج / 2 ص -336-
....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والحق من الإبل ما استكمل ثلاث سنين ودخل في
الرابعة.
والحقة: الأنثى، والجمع حقاق.
والجذع من البهائم قيل: الثني إلا أنه من
الإبل في السنة الخامسة، والأنثى جذعة هذا في
اللغة، وفي الشريعة: والمراد ببنت المخاض ما
تم لها سنة، وبنت اللبون ما تم لها سنتان،
وبالحقة ما تم لها ثلاث وبالجذعة ما تم لها
أربع ذكر الزيلعي في فصل المحرمات من النكاح
أن قيد كونها بنت مخاض أو بنت لبون خرج مخرج
العادة لا مخرج الشرط، فالمراد السن لا أن
تكون أمها مخاضا أو لبونا ا هـ.
واقتصر الفقهاء على هذه الأسنان الأربعة؛ لأن
ما عداها لا مدخل لها في الزكاة كالثني
والسديس والبازل تيسيرا على أرباب الأموال
بخلاف الأضحية، فإنها لا تجوز بهذه الأسنان؛
لأنه لا يجوز فيها إلا الثني، ولا يجوز الجذع
إلا من الضأن وقالوا: هذه الأسنان الأربعة
نهاية الإبل في الحسن والدر والنسل والقوة،
وما زاد عليه فهو رجوع كالكبر والهرم، والأصل
في هذا الباب أنه توقيفي، وما في المبسوط مما
يفيد أنه معقول المعنى فإنه قال: إن إيجاب
الشاة في خمسة من الإبل لأن المأمور به ربع
العشر بقوله عليه الصلاة والسلام
"هاتوا ربع عشر أموالكم"،
والشاة تقرب من ربع عشر فإن الشاة كانت تقوم
بخمسة دراهم هناك، وابنة مخاض بأربعين درهما
فإيجاب الشاة في الخمس كإيجابها في المائتين
من الدراهم ففيه نظر؛ لأنه قد ورد في الحديث
أن من وجب عليه سن فلم يوجد عنده فإنه يضع
العشرة موضع الشاة عند عدمها، وهو مصرح
بخلافه، وقيد المصنف السن الواجب في الإبل
بالإناث؛ لأنه لا يجوز فيها دفع الذكور كابن
المخاض إلا بطريق القيمة للإناث إلا فيما دون
خمس وعشرين من الإبل فإنه يجوز الذكر والأنثى؛
لأن النص ورد باسم الشاة فإنها تقع على الذكر
والأنثى بخلاف البقر والغنم فإنه يجوز في السن
الواجب فيهما الذكور والإناث كما سيصرح به من
التبيع والمسن.
وفي البدائع ولا يجوز في الصدقة إلا ما يجوز
في الأضحية وأطلق في الإبل فشمل
ثم في كل خمس شاة إلى
مائة وخمس وأربعين ففيها حقتان وبنت مخاض وفي
مائة وخمسين ثلاث حقاق ثم في كل خمس شاة، وفي
مائة وخمس وسبعين ثلاث حقاق وبنت مخاض وفي
مائة وست وثمانين ثلاث حقاق وبنت لبون وفي
مائة وست وتسعين أربع حقاق إلى مائتين ثم
تستأنف أبدا كما بعد مائة وخمسين
ج / 2 ص -337-
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الذكور والإناث كما قدمناه؛ لأن الشرع ورد
بنصابها باسم الإبل والبقر والغنم واسم الجنس
يتناول جميع الأنواع بأي صفة كانت كاسم
الحيوان وسواء كان متولدا من الأهليين أو من
أهلي ووحشي بعد أن كان الأم أهلية كالمتولد من
الشاة والظبي إذا كان أمه شاة والمتولد من
البقر الأهلي والوحشي إذا كان أمه أهلية فتجب
الزكاة فيه كذا في البدائع وشمل الصغار
والكبار لكن بشرط أن لا يكون الكل صغارا لما
سيصرح به بعد ذلك فالصغار تبع للكبار عند
الاختلاط وشمل الأعمى والمريض والأعرج في
العدد، ولا يؤخذ في الصدقة كما في الولوالجية
وشمل السمان والعجاف لكن قالوا: إذا كان له
خمس من الإبل مهازيل وجب فيها شاة بقدرهن،
ومعرفة ذلك أن ينظر إلى الشاة الوسط كم هي من
بنت المخاض الوسط فإن كانت قيمة بنت مخاض وسط
خمسين، وقيمة الشاة الوسط عشرة تبين أن الشاة
الوسط خمس بنت مخاض فوجب في المهازيل شاة
قيمتها قيمة خمس واحدة منها، وإن كان سدسها
فسدس، وعلى هذا قياسه وإن كان لا يبلغ قيمة
كلها قيمة بنت مخاض وسط ينظر إلى قيمة أعلاهن
فيجب فيها من الزكاة قدر خمس أعلاهن، فإن كانت
قيمة أعلاهن عشرين فخمسه أربعة فيجب فيها شاة
تساوي أربعة دراهم، وإن كانت قيمة أعلاهن
ثلاثين فخمسه ستة دراهم؛ لأنه لا وجه لإيجاب
الشاة الوسط؛ لأنه لعل قيمتها تبلغ قيمة واحدة
من العجاف أو تربو عليها فيؤدي إلى الإجحاف
بأرباب الأموال فأوجبنا شاة بقدرهن ليعتدل
النظر من الجانبين وكذا في العشرة منها يجب
شاتان بقدرهن إلى خمس وعشرين فيجب واحدة من
أفضلهن، وتمام تفريعات زكاة العجاف في
الزيادات والمحيط وغيرها.
"قوله: ثم في كل خمس شاة إلى مائة وخمس
وأربعين ففيها حقتان وبنت مخاض وفي مائة
وخمسين ثلاث حقاق ثم في كل خمس شاة، وفي مائة
وخمس وسبعين ثلاث حقاق وبنت مخاض وفي مائة وست
وثمانين ثلاث حقاق وبنت لبون وفي مائة وست
وتسعين أربع حقاق إلى مائتين ثم تستأنف أبدا
كما بعد مائة وخمسين" كما ورد ذلك في كتاب
عمرو بن حزم وفي المبسوط وفتاوى قاضي خان إذا
صارت مائتين فهو مخير إن شاء أدى فيها أربع
حقاق في كل خمسين حقة، وإن شاء أدى خمس بنات
لبون في كل أربعين بنت لبون.
وفي معراج الدراية أن له الخيار فيما إذا كانت
مائة وستا وتسعين إن شاء أدى أربع
ج / 2 ص -338-
............................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حقاق، وإن شاء صبر لتكمل
مائتين فيخير بينها وبين خمس بنات لبون، وإنما
قيد في الاستئناف بقوله كما بعد مائة وخمسين
ليفيد أنه ليس كالاستئناف الذي بعد المائة
والعشرين، والفرق بينهما أن في الاستئناف
الثاني إيجاب بنت لبون، وفي الاستئناف الأول
لم يكن لانعدام نصابه وأن الواجب في الاستئناف
الأول تغير من الخمس إلى الخمس إلى أن تستأنف
الفريضة، وفي الاستئناف الثاني لم يكن كذلك
فإذا زاد على المائتين خمس ففيها شاة مع
الأربع حقاق أو الخمس بنات لبون، وفي عشر
شاتان معها، وفي خمسة عشر ثلاث شياه معها، وفي
عشرين أربع معها فإذا بلغت مائتين وخمسا
وعشرين ففيها بنت مخاض معها إلى ست وثلاثين
فبنت لبون معها إلى ست وأربعين ومائتين ففيها
خمس حقاق إلى مائتين وخمسين ثم تستأنف كذلك
ففي مائتين وست وتسعين ست حقاق إلى ثلاثمائة،
وهكذا.
"قوله: والبخت كالعراب"
لأن اسم الإبل يتناولهما واختلافهما في النوع
لا يخرجهما من الجنس.
والبخت: جمع بختي، وهو
الذي تولد من العربي والعجمي منسوب إلى بخت
نصر.
والعراب: جمع عربي
للبهائم، وللأناسي عرب ففرقوا بينهما في
الجمع.
والعرب هم الذين
استوطنوا المدن والقرى العربية.
والأعراب أهل البدو
واختلف في نسبتهم فالأصح أنهم نسبوا إلى عربة
بفتحتين، وهي من تهامة؛ لأن أباهم إسماعيل
عليه السلام نشأ بها كذا في المغرب والله أعلم
بالصواب وإليه المرجع والمآب.
والبخت كالعراب
2- باب صدقة
البقر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2- باب صدقة البقر
قدمت على الغنم لقربها
من الإبل في الضخامة حتى شملها اسم البدنة.
وفي المغرب بقر بطنه شقه من باب طلب، والباقور
والبيقور والأبقور والبقر سواء، وفي
ج / 2 ص -339-
في ثلاثين بقرا تبيع ذو سنة أو تبيعة، وفي أربعين مسن ذو سنتين أو
مسنة، وفيما زاد بحسابه إلى ستين ففيها
تبيعان، وفي سبعين مسنة وتبيع، وفي ثمانين
مسنتان فالفرض يتغير في كل عشر من تبيع إلى
مسنة، والجاموس كالبقر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التكملة عن قطرب: الباقورة البقر ا هـ. والبقر
جنس واحده بقرة ذكرا كان أو أنثى كالتمر
والتمرة فالتاء للوحدة لا للتأنيث، وفي ضياء
الحلوم: الباقر جماعة البقر مع رعائها.
"قوله: في ثلاثين بقرا تبيع ذو سنة أو تبيعة،
وفي أربعين مسن ذو سنتين أو مسنة، وفيما زاد
بحسابه إلى ستين ففيها تبيعان، وفي سبعين مسنة
وتبيع، وفي ثمانين مسنتان فالفرض يتغير في كل
عشر من تبيع إلى مسنة" بهذا أمر رسول الله صلى
الله عليه وسلم معاذا حين بعثه إلى اليمن، ولا
خلاف فيما في المختصر إلا في قوله، وفيما زاد
على الأربعين فبحسابه ففيه روايات عن الإمام
فما في المختصر رواية عن أبي يوسف عنه فيجب في
الزائد إذا كان واحدة جزءا من أربعين جزء من
مسنة، وروى الحسن عنه أنه لا شيء فيما زاد إلى
خمسين ففي الخمسين مسنة وربع مسنة أو ثلث
تبيع، وروى أسد بن عمرو عنه أنه لا شيء في
الزيادة إلى ستين، وهو قولهما وظاهر الرواية
ما في المختصر كذا في غاية البيان لكن في
المحيط رواية أسد أعدل الأقوال وفي جامع الفقه
قولهما هو المختار وذكر الإسبيجابي أن الفتوى
على قولهما كما ذكره العلامة قاسم في تصحيحه
على القدوري، وسمي الحولي من أولاد البقر
بالتبيع؛ لأنه يتبع أمه بعد، والمسن من البقر
والشاء ما تم له سنتان، ومن الإبل ما دخل في
السنة الثامنة ثم لا يتعين الأنوثة في هذا
الباب، ولا في الغنم بخلاف الإبل؛ لأنها لا
تعد فضلا فيهما بخلاف الإبل، وفي المحيط معزيا
إلى الزيادات: له أربعون من البقر عجافا فعليه
مسنة بقدرهن، ومعرفة ذلك أن ينظر إلى قيمة
التبيع الوسط وقيمة المسنة الوسط، فإن كانت
قيمة التبيع أربعين، وقيمة المسنة خمسين تبين
أن المسنة مثل تبيع وربع تبيع فعليه واحدة من
أفضلهن وربع التي تليها، وإن كانت قيمة أفضلهن
ثلاثين، وقيمة التي تليها عشرين فعليه مسنة
قيمتها خمسة وثلاثون، وعلى هذا تجري المسائل.
ا هـ.
"قوله: والجاموس كالبقر"؛ لأن اسم البقر
يتناولهما؛ إذ هو نوع منه فيكمل نصاب البقر
به،
ج / 2 ص -340-
....................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وتجب فيه زكاتها وعند
الاختلاط تؤخذ الزكاة من أغلبها إن كان بعضها
أكثر من بعض، وإن لم يكن فيأخذ أعلى الأدنى
وأدنى الأعلى، ولا يرد عليه ما إذا حلف لا
يأكل لحم البقر فأكله فإنه لا يحنث كما في
الهداية؛ لأن أوهام الناس لا تسبق إليه في
ديارنا لقلته، وفي فتاوى قاضي خان من فصل
الأكل من الأيمان قال بعضهم لو حلف لا يأكل
لحم البقر فأكل لحم الجاموس حنث، ولو حلف أن
لا يأكل لحم الجاموس فأكل لحم البقر لا يحنث،
وهذا أصح، وينبغي أن لا يحنث في الفصلين للعرف
ا هـ. فعلى هذا التصحيح كان التشبيه في قوله
كالجاموس عاما في الأيمان أيضا ويوافقه ما في
المحيط والجواميس بمنزلة البقر؛ ولهذا لو حلف
لا يشتري بقرا فاشترى جاموسا يحنث بخلاف البقر
الوحشي؛ لأنه ملحق بخلاف الجنس كالحمار الوحشي
وإن ألفت فيما بيننا لا يلتحق بالأهلي حكما
حتى يبقى حلال الأكل فكذا البقر الوحشي. ا هـ.
والحق ما في الهداية،
وفي التبيين.
وقوله والجاموس كالبقر
ليس بجيد لأنه يوهم أنه ليس ببقر ا هـ. وجوابه
أنه لما كان في العرف ليس ببقر كان ذلك كافيا
في التغاير المقتضي لصحة التشبيه، وعبارة
الولوالجي أحسن، وهي والجواميس من البقر؛
لأنها نوع منه والله أعلم بالصواب وإليه
المرجع والمآب.
فصل في الغنم
في أبعين شاة شاة، وفي مائة وإحدى وعشرين
شاتان، وفي مائتين وواحدة ثلاث شياه، وفي
أبعمائة أربع شياه، ثم في كل شاة شاة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في الغنم
سميت به؛ لأنه ليس لها آلة الدفاع فكانت غنيمة
لكل طالب.
"قوله: في أربعين شاة شاة، وفي مائة وإحدى
وعشرين شاتان، وفي مائتين وواحدة ثلاث شياه،
وفي أربعمائة أربع شياه ثم في كل مائة شاة
شاة" بالإجماع وقدمنا أن الشاة تشمل الذكر
والأنثى، وفي المحيط والمتولد بين الغنم
والظباء يعتبر فيه الأم فإن كانت غنما وجبت
فيها الزكاة ويكمل به النصاب وإلا فلا، وفي
الولوالجية لو كان لرجل مائة وعشرون شاة حتى
وجبت فيها شاة ليس للساعي أن يفرقها فيجعلها
أربعين أربعين فيأخذ ثلاث شياه؛ لأن باتحاد
الملك صار الكل نصابا ولو كان بين رجلين
أربعون شاة حتى لم يجب على كل واحد منهما
الزكاة ليس للساعي أن يجمعها ويجعلها نصابا
ويأخذ الزكاة منها لأن ملك كل واحد منهما قاصر
على النصاب ا هـ. وفي العجاف إن كانت شاة وسط
تعينت، وإلا واحدة من أفضلها فإن كانت نصابين
ج / 2 ص -341-
والمعز
كالضأن، ويؤخذ الثني في زكاته لا الجذع، ولا
شيء في الخيل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أو ثلاثة كمائة وإحدى وعشرين أو مائتين
وواحدة، وفيها عدد الواجب وسط تعينت هي أو
قيمتها وإن بعضه تعين هو وكمل من أفضلها بقية
الواجب فتجب الواحدة الوسط وواحدة أو اثنتان
عجفا، وأن يحسب ما يكون الواجب والموجود
وتمامه في الزيادات.
"قوله: والمعز كالضأن" لأن النص ورد باسم
الشاة والغنم، وهو شامل لهما فكانا جنسا
واحدا، وفي فتح القدير: والضأن والمعز سواء أي
في تكميل النصاب لا في أداء الواجب. ا هـ. وفي
المعراج الضأن جمع ضائن كركب جمع راكب من ذوات
الصوف، والضأن اسم للذكر والنعجة للأنثى
والمعز ذات الشعر اسم للأنثى، واسم الذكر
التيس.
"قوله: ويؤخذ الثني في زكاته لا الجذع" لقول
علي رضي الله عنه: لا يجزئ في الزكاة إلا
الثني فصاعدا وأطلقه فشمل الضأن والمعز، ولا
خلاف أنه لا يؤخذ في المعز إلا الثني كما ذكره
قاضي خان واختلف في الضأن فما في المختصر ظاهر
الرواية ويقابله جواز الجذع، وهو قولهما قياسا
على الأضحية، وهو ممتنع؛ لأن جواز التضحية به
عرف نصا فلا يلحق به غيره والثني ما تم له سنة
واختلف في الجذع ففي الهداية أنه ما أتى عليه
أكثرها، وذكر الناطفي أنه ما تم له ثمانية
أشهر، وذكر الزعفراني أنه ما تم له سبعة أشهر،
وذكر الأقطع قال الفقهاء: الجذع من الغنم ما
له ستة أشهر ا هـ. وهو الظاهر.
وحاصله: أن الجذع من الغنم عند الفقهاء ابن
نصف سنة، ومن البقر ابن سنة، ومن الإبل ابن
أربع سنين والثني عندهم ما تم له سنة من
الغنم، ومن البقر ابن سنتين، ومن الإبل ابن
خمسة، والمذكور في التبيين من كتاب الأضحية أن
الثني من الضأن والمعز سواء، وهو ما تم له
سنة، ولم أر سن الجذع من المعز عند الفقهاء
وإنما نقلوه عن الأزهري أن الجذع من المعز ما
تم له سنة.
"قوله: ولا شيء في الخيل" اختيار لقولهما
لحديث البخاري مرفوعا
"ليس على المسلم في عبده، ولا في فرسه صدقة"، ولا يرد عليه أن فيها زكاة التجارة إذا كانت لها اتفاقا؛ لأن
كلامه في
ج / 2 ص -342-
ولا في
الحمير والبغال ولا في الحملان والفصلان
والعجاجيل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
زكاة السوائم لا مطلق الزكاة، وأما عند أبي
حنيفة فلا يخلو إما أن تكون سائمة أو علوفة،
وكل منهما لا يخلو إما أن تكون للتجارة أو لا،
فإن كانت للتجارة وجبت فيها زكاة التجارة
سائمة كانت أو علوفة؛ لأنها من العروض، وإن لم
تكن للتجارة فلا يخلو إما أن تكون للحمل
والركوب أو لا فإن كانت للحمل والركوب فلا شيء
فيها مطلقا، وإن كانت لغيرهما فإما أن تكون
سائمة أو علوفة فإن كانت علوفة فلا شيء فيها،
وإن كانت سائمة للدر والنسل فلا يخلو، فإن
كانت ذكورا وإناثا فلا يخلو فإن كانت من أفراس
العرب فصاحبها بالخيار إن شاء أعطى عن كل فرس
دينارا، وإن شاء قومها وأعطى عن كل مائتين
خمسة دراهم، وهو مأثور عن عمر رضي الله عنه
كما في الهداية، وإن لم تكن من أفراس العرب
فإنها تقوم ويؤدي عن كل مائتين خمسة دراهم،
والفرق أن أفراس العرب لا تتفاوت تفاوتا فاحشا
بخلاف غيرها كما في الخانية، وإن كانت ذكورا
فقط، أو إناثا فقط فعنه روايتان المشهور منهما
عدم الوجوب؛ لأنها غير معدة للاستنماء؛ لأن
معنى النسل لا يحصل منها، ومعنى السمن فيها
غير معتبر؛ لأنه غير مأكول اللحم كذا في
المحيط وصححه في البدائع، وفي التبيين الأشبه
أن تجب في الإناث؛ لأنها تتناسل بالفحل
المستعار، ولا تجب في الذكور لعدم النماء،
ورجح قوله شمس الأئمة وصاحب التحفة وتبعهما في
فتح القدير وذكر في الخانية أن الفتوى على
قولهما وأجمعوا أن الإمام لا يأخذ منهم صدقة
الخيل جبرا ا هـ. واختلف المشايخ على قوله في
اشتراط نصاب لها، والصحيح أنه لا يشترط لعدم
النقل بالتقدير.
"قوله: ولا في الحمير والبغال" لقوله عليه
السلام "لم ينزل علي فيهما شيء" والمقادير ثبتت سماعا إلا أن تكون للتجارة لأن الزكاة حينئذ تتعلق
بالمالية كسائر أموال التجارة.
"قوله: ولا في الحملان والفصلان والعجاجيل"
الحملان بضم الحاء، وفي الديوان
ج / 2 ص -343-
....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بكسرها جمع حمل بفتحتين ولد الشاة والفصلان
جمع فصيل ولد الناقة قبل أن يصير ابن مخاض
والعجاجيل جمع عجول بمعنى عجل، ولد البقرة
وعدم الوجوب في الصغار من السوائم قولهما،
وقال أبو يوسف تجب واحدة منها، وفي المحيط
تكلموا في صورة المسألة فإنها مشكلة؛ لأن
الزكاة لا تجب بدون مضي الحول وبعد الحول لم
تبق صغارا، قيل: إن صورتها أن الحول هل ينعقد
على هذه الصغار بأن ملكها في أول الحول ثم تم
الحول عليها هل تجب الزكاة فيها، وإن لم تبق
صغارا، وقيل صورتها إذا كانت لها أمهات فمضت
ستة أشهر فولدت أولادا ثم ماتت الأمهات، وبقيت
الأولاد ثم تم الحول عليها، وهي صغار هل تجب
الزكاة فيها أم لا، وهو الأصح لأبي يوسف أنا
لو أوجبنا فيها ما يجب في المسان كما قال زفر
أجحفنا بأرباب الأموال ولو أوجبنا فيها شاة
أضررنا بالفقراء فأوجبنا واحدة منها استدلالا
بالمهازيل، وإن نقصان الوصف لما أثر في تخفيف
الواجب لا في إسقاطه فكذلك في إسقاط السن
والصحيح قول أبي حنيفة؛ لأن النص أوجب للزكاة
أسنانا مرتبة، ولا مدخل للقياس في ذلك، وهو
مفقود في الصغار ا هـ. وفي معراج الدراية أنها
مصورة فيما إذا كان له خمس وعشرون من النوق
قال: وإنما لم تصور خمسة؛ لأن أبا يوسف أوجب
واحدة منها، وذلك لا يتصور في أقل من خمس
وعشرين، وهذا الخلاف فيما إذا لم يكن مع
الصغار كبير فأما إذا كان فتجب بالإجماع حتى
لو كان مع تسع وثلاثين حملا مسن تجب ويؤخذ
المسن، وكذلك في الإبل والبقر ا هـ.
وفي غاية البيان معزيا إلى الزيادات رجل له
تسعة وثلاثون حملا ومسنة واحدة فإن كانت
المسنة وسطا أخذت، وإن كانت جيدة لم تؤخذ،
ويؤدي صاحب المال شاة وسطا، وإن كانت دون
الوسط لم يجب إلا هذه فإن هلكت الكبيرة بعد
الحول بطل الواجب كله عند أبي حنيفة ومحمد؛
لأن الصغار كانت تبعا للكبار عندهما وعند أبي
يوسف يجب في الباقي تسعة وثلاثون جزءا من
أربعين جزءا من حمل؛ لأن الفضل على الحمل إنما
وجب باعتبار الكبيرة فبطل بهلاكها وإذا هلك
الكل إلا الكبيرة فإن فيها جزءا من أربعين
جزءا من شاة مسنة، وكذلك رجل له أربعة وعشرون
فصيلا وبنت مخاض سمينة أو وسط وكذلك تسعة
وعشرون عجولا، وفيها مسنة أو تبيعة ثم الأصل
الذي يعتبر في حال اختلاط الصغار والكبار أن
يكون العدد الواجب في الكبار موجودا كما إذا
كان له مسنتان ومائة وتسعة عشر حملا؛ فإنه يجب
مسنتان في قولهما: أما إذا كان له مسنة ومائة
وعشرون حملا يجب مسنة واحدة عند أبي حنيفة
ومحمد وعند أبي يوسف تجب مسنة وحمل، وكذلك
تسعة وخمسون عجولا وتبيع حيث يؤخذ التبيع فحسب
عندهما؛ لأنه ليس فيها ما يجزئ في الوجوب غيره
وقال أبو يوسف: يؤخذ التبيع وعجل معه وتمامه
في شرح الزيادات لقاضي خان.
ج / 2 ص -344-
ولا في
العلوفة والعوامل ولا في العفو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: ولا في العلوفة والعوامل" للحديث
"ليس في الحوامل والعوامل والعلوفة صدقة" ولأن السبب هو المال النامي، ودليله الإسامة أو الإعداد للتجارة
ولم يوجد أو؛ لأن في العلوفة تتراكم المؤنة
فينعدم النماء معنى، والمراد بنفي الزكاة عن
العلوفة زكاة السائمة؛ لأنها لو كانت للتجارة
وجبت فيها زكاة التجارة، والمراد بنفيها عن
العوامل التعميم والعلوفة بفتح العين ما يعلف
من الغنم وغيرها الواحد والجمع سواء والعلوفة
بالضم جمع علف يقال علفت الدابة، ولا يقال:
أعلفتها والدابة معلوفة وعليف كذا في غاية
البيان وقدمنا عن القنية أنه لو كان له إبل
عوامل يعمل بها في السنة أربعة أشهر ويسمنها
في الباقي ينبغي أن لا تجب فيها الزكاة.
"قوله: ولا في العفو" أي لا زكاة في العفو،
وهو لغة مشترك بين أفضل المال وأفضل المرعى
والمعروف والإعطاء من غير مسألة والفاضل عن
النفقة والمكان الذي لم يوطأ والصفح والإعراض
عن عقوبة المذنب.
وشرعا ما بين النصب كالأربعة الزائدة على
الخمسة من الإبل إلى العشر، وكالعشرة الزائدة
على خمس وعشرين من الإبل فعند أبي حنيفة وأبي
يوسف الزكاة في النصاب لا في العفو وعند محمد
وزفر فيهما حتى لو هلك العفو، وبقي النصاب
يبقى كل الواجب عند الأولين، ويسقط بقدره عند
الآخرين فلو كان له تسع من الإبل أو مائة
وعشرون من الغنم فهلك بعد الحول من الإبل
أربعة، ومن الغنم ثمانون لم يسقط شيء من
الزكاة عند أبي حنيفة وأبي يوسف وعند محمد
وزفر يسقط في الأول أربعة أتساع شاة، وفي
الثانية ثلثا شاة، وفي الهداية وغيرها أن
الهلاك يصرف بعد العفو إلى النصاب الأخير ثم
إلى الذي يليه إلى أن ينتهي عند الإمام؛ لأن
الأصل هو النصاب الأول، وما زاد عليه تابع،
وعند أبي يوسف يصرف إلى العفو أولا ثم إلى
النصب شائعا، وفي المحيط أن هذه رواية ضعيفة
عن أبي يوسف وظاهر الرواية عنه كقول إمامه
وتظهر فائدته فيما إذا كان له مائة وإحدى
وعشرون شاة فهلك إحدى وثمانون بقي من الواجب
شاة عند الإمام وعند الثلاثة يجب أربعون جزءا
من مائة وإحدى وعشرين جزءا من شاتين ولو هلك
شاة فقط بقي من الواجب شاة عنده وعند الثلاثة
يسقط جزء واحد من مائة وإحدى وعشرين جزءا من
شاتين ويبقى الباقي، وإذا كان له أربعون من
الإبل فهلك نصفها بعد الحول فعند الإمام
الواجب أربع شياه، وعند أبي يوسف عشرون جزءا
من ستة وثلاثين جزءا من بنت اللبون، وعند محمد
نصف بنت لبون، ولو هلك عشرة من خمس وعشرين
فعنده الواجب ثلاث شياه، وعند الثلاثة ثلاثة
ج / 2 ص -345-
ولا
الهالك بعد الوجوب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أخماس بنت المخاض، وفي غاية البيان ينبغي لك
أن تعلم أن العفو عند أبي حنيفة في جميع
الأموال وعندهما لا يتصور العفو إلا في
السوائم؛ لأن ما زاد على مائتي درهم لا عفو
فيه عندهما ا هـ.
"قوله: ولا الهالك بعد الوجوب" أي لا شيء في
الهالك بعد الوجوب فإن هلك المال كله سقط
الواجب كله، وإن بعضه فبحسابه، وقال الشافعي:
يضمن إذا هلك بعد التمكن من الأداء، وهو مبني
على أن الزكاة تجب في العين أو في الذمة
فعندنا تجب في العين، وهو المشهور من قول
الشافعي، وفي قول له تجب في الذمة والعين
مرتهنة بها كذا في غاية البيان ثم الظواهر
تؤيد ما قلنا مثل قوله عليه الصلاة والسلام
"هاتوا ربع العشور من كل أربعين درهما درهم" أطلقه فشمل ما إذا تمكن من الأداء وفرط في التأخير حتى هلك، وما
إذا منع الإمام أو الساعي بعد الطلب حتى هلك،
وفي الثاني خلاف وعامتهم على السقوط، وهو
الصحيح؛ لأنه لم يفوت بهذا المنع ملكا على
أحد، ولا يدا فصار كما لو طلب واحد من الفقراء
ورجحه في فتح القدير بأنه الأشبه بالفقه لأن
الساعي، وإن تعين لكن للمالك رأي في اختيار
محل الأداء بين العين والقيمة ثم القيمة شائعة
في محال كثيرة، والرأي يستدعي زمانا فالحبس
لذلك ا هـ. وقيد بالهلاك؛ لأنه لو استهلكه بعد
الحول لا تسقط عنه لوجود التعدي واختلف فيما
لو حبس السائمة للعلف أو للماء حتى هلكت قيل
هو استهلاك فيضمن وقيل لا يضمن كالوديعة إذا
منعها لذلك حتى هلكت لم يضمن كذا في المعراج
وقدمنا أن الإبراء عن الدين بعد الحول مطلقا
ليس باستهلاك فلا زكاة فيه.
وفي الخانية واستبدال مال التجارة بمال
التجارة ليس باستهلاك وبغير مال التجارة
استهلاك واستبدال مال السائمة بالسائمة
استهلاك وإقراض النصاب بعد الحول ليس
باستهلاك، وإن توى المال على المستقرض، وكذا
لو أعار ثوب التجارة بعد الحول ا هـ. وإنما
كان بيع السائمة استهلاكا مطلقا؛ لأن الوجوب
فيها متعلق بالصورة والمعنى فبيعها يكون
استهلاكا لا استبدالا، فإذا باعها، فإن كان
المصدق حاضرا فهو بالخيار إن شاء أخذ قيمة
الواجب من البائع وتم البيع في الكل، وإن شاء
أخذ الواجب من العين المشتراة وبطل البيع في
القدر المأخوذ، وإن لم يكن حاضرا وقت البيع
وحضر بعد التفرق عن المجلس فإنه لا يأخذه من
المشتري، وإنما يأخذ قيمة الواجب من البائع
ولو باع طعاما وجب فيه العشر فالمصدق بالخيار
إن شاء أخذ من البائع، وإن شاء من المشتري
سواء حضر قبل الافتراق أو بعده لأنه تعلق
العشر بالعين أكثر من تعلق الزكاة
ج / 2 ص -346-
....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بها ألا ترى أن العشر لا يعتبر فيه المالك
بخلاف الزكاة، ولو مات من عليه العشر قبل
أدائه من غير وصية يؤخذ من تركته بخلاف الزكاة
كذا في البدائع، وفي معراج الدراية ولو استبدل
السائمة بجنسها ينقطع حكم الحول؛ لأن وجوب
الزكاة في السائمة باعتبار عينها، وفي غيرها
باعتبار ماليتها فالعين الثانية في السائمة
غير الأولى لفوات متعلق الوجوب بخلاف العروض؛
لأن متعلق الوجوب هو المالية، وهي باقية مع
الاستبدال ا هـ.
وقيدوا بالاستبدال؛ لأن إخراج مال الزكاة عن
ملكه بغير عوض كالهبة من غير الفقير والوصية
أو بعوض ليس بمال بأن تزوج امرأة أو صالح به
عن دم العمد أو اختلعت به المرأة فهو استهلاك
فيضمن به الزكاة، وقولهم: إن استبدال مال
التجارة بمثله ليس باستهلاك يستثنى منه ما إذا
حابى بما لا يتغابن الناس في مثله فإنه يضمن
قدر زكاة المحاباة، ويكون دينا في ذمته، وزكاة
ما بقي تتحول إلى العين تبقى ببقائها كما في
البدائع فإذا صار مستهلكا بالهبة بعد الحول
فإذا رجع بقضاء أو غيره لا شيء عليه لو هلكت
عنده بعده؛ لأن الرجوع فسخ من الأصل، والنقود
تتعين في مثله فعاد إليه قديم ملكه ثم هلك فلا
ضمان، ولو رجع بعد ما حال الحول عند الموهوب
له فكذلك خلافا لزفر فيما لو كان بغير قضاء
فإنه يقول: يجب على الموهوب له فإنه مختار
فكان تمليكا قلنا بل غير مختار؛ لأنه لو امتنع
عن الرد أجبر كذا في فتح القدير وقولهم: إن
الرجوع فسخ من الأصل ليس على إطلاقه فقد صرحوا
في الهبة أن الواهب لا يملك الزوائد المنفصلة
برجوعه، وفي الظهيرية: ولو وهب النصاب ثم
استفاد مالا في خلال الحول ثم رجع في الهبة
يستأنف الحول في المستفاد من حين استفاده فهذه
المسألة تدل على أن الرجوع في الهبة ليس فسخا
للهبة من الأصل؛ إذ لو كان فسخا لما وجب
استئناف في المستفاد من وقت الاستفادة ا هـ.
بلفظه.
ثم اعلم أنه لو وهب النصاب في خلال الحول ثم
تم الحول عند الموهوب له ثم رجع الواهب بقضاء،
أو غيره فلا زكاة على واحد منهما كما في
الخانية، وهي من حيل إسقاط الزكاة قبل الوجوب
كما لا يخفى، وفي المعراج: ولو حال الحول على
مائتي درهم ثم ورث مثلها فخلطه بها وهلك النصف
سقط نصف الزكاة؛ لأن أحدهما ليس بتابع للآخر
بخلاف ما لو ربح بعد الحول مائتين ثم هلك نصف
الكل مختلطا لم يسقط شيء؛ لأن الربح تبع فيصرف
الهلاك إليه كالعفو، وعندهما لا يتصور العفو
في غير السوائم ا هـ. وسوى في المحيط بين
الإرث والربح عندهما في عدم السقوط، وعند محمد
يسقط نصفها وتمام تفاريعها فيه.
وفي المعراج ولو باع السوائم قبل تمام الحول
بيوم فرارا عن الوجوب قال محمد يكره،
ج / 2 ص -347-
ولو
وجب سن، ولم يوجد دفع أعلى منها، وأخذ الفضل
أو دونها، ورد الفضل أو دفع القيمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال أبو يوسف لا يكره، وهو الأصح ولو باعها
للنفقة لا يكره بالإجماع ولو احتال لإسقاط
الواجب يكره بالإجماع، ولو فر من الوجوب بخلا
لا تأثيما يكره بالإجماع. ا هـ.
"قوله: ولو وجب سن، ولم يوجد دفع أعلى منها،
وأخذ الفضل أو دونها، ورد الفضل أو دفع
القيمة" بيان لمسألتين:
الأولى: لو وجب عليه سن كبنت
مخاض مثلا، ولم تكن عنده فصاحب المال مخير إن
شاء دفع الأعلى واسترد الفضل أو الأدنى ورد
الفضل فقد جعل الخيار للمالك دون الساعي فيهما
وقد صرح به في المبسوط، وقال ليس للساعي إذا
عين المالك سنا أن يأبى ذلك في الصورتين
واستثنى في الهداية من ذلك ما إذا أراد المالك
دفع الأعلى وأخذ الفضل من الساعي فإنه لا
إجبار على الساعي؛ لأنه شراء فحينئذ لم يكن
للمالك خيار في هذه الصورة، وتبعه في التبيين
وتعقبه في غاية البيان بأن الزكاة وجبت بطريق
اليسر فإذا كان للساعي ولاية الامتناع من قبول
الأعلى يلزم العسر، وفي ذلك العود على الموضوع
بالنقض فلا يجوز وأيضا فيه خلاف السنة؛ لأن من
لزمه الحقة تقبل منه الجذعة إذا لم تكن عنده
حقة وكذلك من لزمه بنت لبون وعنده حقة يقبل
منه الحقة ويعطي المصدق عشرين درهما أو شاتين
كما في صحيح البخاري وهو دليلنا على دفع
القيمة في الزكاة وهي في المسألة الثانية،
وتقدير الفضل بالعشرين أو الشاتين بناء على
الغالب لا أنه تقدير لازم ا هـ.
وأما قولهم: إنه شراء، ولا إجبار فيه فممنوع
لأنه ليس شراء حقيقيا، ولم يلزم من الإجبار
ضرر بالساعي لأنه عامل لغيره فالظاهر إطلاق
المختصر من أن الخيار للمالك فيهما لكن ذكر
محمد في الأصل أن الخيار للمصدق أي الساعي
ورده في النهاية والمعراج بأن الصواب خلافه
وذكر في البدائع أن الخيار لصاحب المال دون
المصدق إلا في فصل واحد، وهو ما إذا أراد صاحب
المال أن يدفع بعض العين لأجل الواجب فالمصدق
بالخيار بين أن لا يأخذ وبين أن يأخذ بأن كان
الواجب بنت لبون فأراد أن يدفع بعض الحقة
بطريق القيمة فالمصدق إن شاء قبل وإن شاء لم
يقبل لما فيه من تشقيص العين والتشقيص في
الأعيان عيب فكان له أن لا يقبل ا هـ. وتعقبه
الزيلعي بأنه غير مستقيم لوجهين.
أحدهما: أنه مع العيب يساوي
قدر الواجب، وهو المعتبر في الباب.
والثاني: أن فيه إجبار المصدق
على شراء الزائد ا هـ. وقد قدمنا أن جبره على
شراء الزائد مستقيم، ولا يخفى أن في التشقيص
إضرارا بالفقراء فلم يملك رب المال ذلك
فاستقام ما في البدائع لكن قيد المصنف الخيار
المذكور بين الأمور الثلاثة بعدم وجود السن
الواجب كما في
ج / 2 ص -348-
....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أكثر الكتب، وهو قيد اتفاقي؛ لأن الخيار ثابت
مع وجود السن الواجب ولذا قال في المعراج وظن
بعض أصحابنا أن أداء القيمة بدل عن الواجب حتى
لقب المسألة بالإبدال وليس كذلك فإن المصير
إلى البدل لا يجوز إلا عند عدم الأصل، وأداء
القيمة مع وجود المنصوص عليه جائز عندنا ا هـ.
وفي البدائع اختلف أصحابنا فعند الإمام الواجب
فيما عدا السوائم جزء من النصاب معنى لا صورة،
وعندهما صورة ومعنى لكن يجوز إقامة غيره مقامه
معنى واختلف في السوائم على قوله فقيل هي
كغيرها وقيل الواجب المنصوص عليه من حيث
المعنى، وعندهما الواجب المنصوص عليه صورة
ومعنى لكن يجوز إقامة غيره مقامه معنى ويبتنى
على هذا الأصل مسائل الجامع له مائتا قفيز
حنطة للتجارة تساوي مائتي درهم، ولا مال له
غيرها فإن أدى من عينها يؤدي خمسة أقفزة بلا
خلاف، وإن أدى قيمتها فعنده تعتبر القيمة يوم
الوجوب في الزيادة والنقصان، وعندهما في
الفصلين يعتبر يوم الأداء واختلف على قوله في
السوائم فقيل يوم الوجوب وقيل يوم الأداء حسب
الاختلاف السابق وتمامه فيه، وفي المحيط يعتبر
في قيمة السوائم يوم الأداء بالإجماع، وهو
الأصح وذكر في الجامع لو فسدت الحنطة بما
أصابها حتى صارت قيمتها مائة فإنه يؤدي درهمين
ونصفا بلا خلاف إذا اختار القيمة لأنه هلك جزء
من العين فسقط ما تعلق به من الواجب، وإن زادت
في نفسها قيمة فالعبرة ليوم الوجوب ا هـ. وفي
الهداية ويجوز دفع القيمة في الزكاة والكفارة
وصدقة الفطر والعشر والنذر ا هـ.
وفي فتح القدير لو أدى ثلاث شياه سمان عن أربع
وسط أو بعض بنت لبون عن بنت مخاض جاز؛ لأن
المنصوص عليه الوسط فلم يكن الأعلى داخلا في
النص، والجودة معتبرة في غير الربويات فتقوم
مقام الشاة الرابعة بخلاف ما لو كان مثليا بأن
أدى أربعة أقفزة جيدة عن خمسة وسط وهي تساويها
لا يجوز أو كسوة بأن أدى ثوبا يعدل ثوبين لم
يجز إلا عن ثوب واحد أو نذر أن يهدي شاتين أو
يعتق عبدين وسطين فأهدى شاة، أو أعتق عبدا
يساوي كل منهما وسطين لا يجوز أما الأول فلأن
الجودة غير معتبرة عند المقابلة بجنسها فلا
تقوم الجودة مقام القفيز الخامس، وأما الثاني
فلأن المنصوص عليه مطلق الثوب في الكفارة لا
بقيد الوسط فكان الأعلى وغيره داخلا تحت النص،
وأما الثالث فلأن القربة في الإراقة والتحرير،
وقد التزم إراقتين وتحريرين فلا يخرج عن
العهدة بواحدة بخلاف النذر بالتصدق بأن نذر أن
يتصدق بشاتين وسطين فتصدق بشاة بقدرهما جاز؛
لأن المقصود إغناء الفقير، وبه تحصل القربة،
وهو يحصل بالقيمة، وعلى ما قلنا: لو نذر أن
يتصدق بقفيز دقل فتصدق بنصفه جيدا يساوي تمامه
لا يجزئه؛ لأن الجودة لا قيمة لها هنا للربوية
وللمقابلة بالجنس بخلاف جنس آخر لو تصدق بنصف
قفيز
ج / 2 ص -349-
ويؤخذ
الوسط
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منه يساويه جاز ا هـ. قيد المصنف بالزكاة؛
لأنه لا يجوز دفع القيمة في الضحايا والهدايا
والعتق؛ لأن معنى القربة إراقة الدم وذلك لا
يتقوم وكذلك الإعتاق لأن معنى القربة فيه
إتلاف الملك ونفي الرق، وذلك لا يتقوم كذا في
غاية البيان، ولا يخفى أنه مقيد ببقاء أيام
النحر، وأما بعدها فيجوز دفع القيمة كما عرف
في الأضحية، والسن هي المعروفة، والمراد بها
هنا ذات سن إطلاقا للبعض على الكل أو سمى بها
صاحبها كما سمى المسنة من النوق بالناب؛ لأن
السن مما يستدل به على عمر الدواب، ووقع هنا
إطلاق المصدق على الساعي، وهو مشتبه برب المال
والفرق بينهما أنه إن كان بالصاد المخففة
والدال المشددة المكسورة فهو بمعنى آخذ
الصدقة، وإن كان بالصاد المشددة والدال
المكسورة المشددة فهو المعطي لها.
"قوله: ويؤخذ الوسط" أي في الزكاة لقوله عليه
الصلاة والسلام
"لا تأخذوا من حزرات أموال الناس أي كرائمها وخذوا من حواشي أموالهم" أي من
أوساطها ولأن فيه نظرا من الجانبين كذا في
الهداية، والحزرات جمع حزرة بتقديم الزاي
المنقوطة على الراء المهملة، وفي الخانية، ولا
تؤخذ الربا والأكولة والماخض وفحل الغنم؛
لأنها من الكرائم، وقد نهينا عن أخذ الكرائم،
ولا تؤخذ الهرم، ولا ذات عوار إلا أن يشاء
المصدق. ا هـ. والأكولة الشاة السمينة التي
أعدت للأكل والربا بضم الراء المشددة وتشديد
الباء مقصورة، وهي التي تربي ولدها كذا في
المغرب والماخض التي في بطنها ولد وقد أطال
فيه في البدائع وذكر أنه ليس للساعي أخذ
الأدون، وهو مخالف لما في الخانية، وفي فتح
القدير أن الأدلة تقتضي أن لا يجب في الأخذ من
العجاف التي ليس فيها وسط اعتبار أعلاها
وأفضلها، وقد قدمنا عنهم خلافا في صدقة
السوائم ا هـ.
وفي المعراج وذكر الحاكم الجليل في المنتقى
الوسط أعلى الأدون، وأدون الأعلى وقيل: إذا
كان عشرون من الضأن وعشرون من المعز يأخذ
الوسط، ومعرفته أن يقوم الوسط من المعز والضأن
فتؤخذ شاة تساوي نصف قيمة كل واحد منهما مثلا
الوسط من المعز تساوي عشرة دراهم، والوسط من
الضأن عشرين فتؤخذ شاة قيمتها خمسة عشر ا هـ.
وكذا في البدائع، وفيه ولو كان له خمس من
الإبل كلها بنات مخاض أو كلها بنات لبون أو
حقاق أو جذاع ففيها شاة وسط.
ج / 2 ص -350-
ويضم
مستفاد من جنس نصاب إليه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي الفتاوى الظهيرية إذا كان لرجل نخيل تمر
جيد برني، ودقل قال أبو حنيفة: يؤخذ من كل
نخلة حصتها من العشر وقال محمد: يؤخذ من الوسط
إذا كانت أصنافا ثلاثة: جيد ووسط ورديء. ا هـ.
وهذا يقتضي أن أخذ الوسط إنما هو فيما إذا
اشتمل المال على جيد ووسط ورديء أو على صنفين
منهما أما لو كان المال كله جيدا كأربعين شاة
أكولة فإنه يجب واحدة من الكرائم لا شاة وسط
عند الإمام خلافا لمحمد كما لا يخفى.
"قوله: ويضم مستفاد من جنس نصاب إليه"؛ لأن
النبي صلى الله عليه وسلم أوجب في خمس وعشرين
من الإبل بنت مخاض إلى خمس وثلاثين فإذا زادت
واحدة ففيها بنت لبون من غير فصل بين الزيادة
في أول الحول أو في أثنائه ولأنه عند المجانسة
يتعسر التمييز فيعسر اعتبار الحول لكل مستفاد
وما شرط الحول إلا للتيسير والمراد بالضم أن
تجب الزكاة في الفائدة عند تمام الحول على
الأصل قيد بالجنس؛ لأن المستفاد من خلاف جنسه
كالإبل مع الشياه لا تضم؛ لأنه لا يؤدي إلى
التعسير؛ لأنه لا ينعقد الحول عليه ما لم يبلغ
نصابا ثم كل ما يستفيده من هذا الجنس يضمه
إليه، وقيد بالنصاب؛ لأنه لو كان النصاب ناقصا
وكمل مع المستفاد فإن الحول ينعقد عليه عند
الكمال كذا في الإسبيجابي بخلاف ما لو كان له
نصاب في أول الحول فهلك بعضه في أثناء الحول
فاستفاد تمام النصاب أو أكثر يضم أيضا عندنا؛
لأن نقصان النصاب في أثناء الحول لا يقطع حكم
الحول فصار المستفاد مع النقصان كالمستفاد مع
كماله كذا في غاية البيان وأطلق في المستفاد
فشمل المستفاد بميراث أو هبة أو شراء أو وصية
وسيأتي أن أحد النقدين يضم إلى الآخر، وأن
العروض للتجارة تضم إلى النقدين للجنسية
باعتبار قيمتها.
وفي المحيط: لو كان له مائتا درهم دينا
فاستفاد في خلال الحول مائة درهم فإنه يضم
المستفاد إلى الدين في حوله بالإجماع، وإذا تم
الحول على الدين فعند أبي حنيفة لا يلزمه
الأداء من المستفاد ما لم يقبض أربعين درهما
وعندهما يلزمه، وإن لم يقبض من الدين شيئا
وفائدة الخلاف تظهر فيما إذا مات من عليه
مفلسا سقط عنه زكاة المستفاد عنده، وعندهما
يجب ا هـ.
وأشار بقوله إليه أي إلى النصاب إلى أنه لا بد
من بقاء النصاب المضموم إليه ولذا قال في
المحيط ولو وهب له ألف ثم استفاد ألفا قبل
الحول ثم رجع الواهب في الهبة بقضاء قاض فلا
زكاة عليه في الألف الفائدة حتى يمضي حول من
حين ملكها؛ لأنه بطل حول الأصل،
ج / 2 ص -351-
ولو
أخذ العشر والخراج والزكاة بغاة لم يؤخذ أخرى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهو الموهوب فيبطل في حق التبع ا هـ. وفي
المبسوط ولو ضاع المال الأول فإنه يستقبل
الحول على المستفاد منه منذ ملكه فإن وجد
درهما من دراهم الأول قبل الحول بيوم ضمه إلى
ما عنده فيزكي الكل؛ لأن بالضياع لا ينعدم أصل
الملك، وإنما تنعدم يده وتصرفه فإذا ارتفع ذلك
قبل كمال الحول كان كأن الضياع لم يكن ا هـ.
ولا يخفى أن الضم المذكور عند عدم مانع أما
إذا وجد مانع منه فلا ضم ولذا قال في المحيط،
ولا يضم أثمان الإبل والبقر والغنم المزكاة
إلى ما عنده من النصاب من جنسه عند أبي حنيفة؛
لأن في الضم تحقيق الثنى في الصدقة؛ لأن الثنى
إيجاب الزكاة مرتين على مالك واحد في مال واحد
في حول واحد، وأنه منفي لقوله عليه الصلاة
والسلام
"لا ثنيا في الصدقة"، وعندهما يضم ولو جعل السائمة علوفة بعدما زكاها ثم باعها يضم
ثمنها إلى ما عنده لخروجها عن مال الزكاة فصار
كمال آخر فلم يؤد إلى الثنى، وكذا لو جعل
العبد المؤدي زكاته للخدمة ثم باعه يضم ثمنه
إلى ما عنده ولو أدى صدقة الفطر عن عبد الخدمة
أو أدى عشر طعامه ثم باعه ضم ثمنه إلى ما
عنده؛ لأنه ليس ببدل مال أديت الفطرة عنه؛ لأن
الفطرة إنما تجب بسبب رأس يمونه ويلي عليه دون
المالية ألا ترى أنها تجب عن أولاده الأحرار،
والثمن بدل المالية والعشر إنما يجب بسبب أرض
نامية لا بالخارج فلم يثبت الاتحاد حتى لو باع
الأرض النامية لا يضم ثمنها إلى ما عنده عند
أبي حنيفة ومن عنده نصابان من جنس واحد أحدهما
ثمن إبل مزكاة فاستفاد نصابا من جنسها فإنه
يضم إلى أقربهما حولا؛ لأنهما استويا في علة
الضم وترجح أحدهما باعتبار القرب لكونه أنفع
للفقراء، ولو كان المستفاد ربحا أو ولدا ضمه
إلى أصله، وإن كان أبعد حولا؛ لأنه يرجح
باعتبار التفرع والتولد؛ لأنه تبع؛ وحكم التبع
لا يقطع عن الأصل، ولو أدى زكاة الدراهم ثم
اشترى بها سائمة وعنده من جنسها سائمة لم
يضمها إليه؛ لأنها بدل مال أديت الزكاة عنه. ا
هـ.
"قوله: ولو أخذ العشر والخراج والزكاة بغاة لم
يؤخذ أخرى" أي لم يؤخذ مرة أخرى؛ لأن الإمام
لم يحمهم، والجباية بالحماية قال في الهداية
وأفتوا بأن يعيدوها دون الخراج؛ لأنهم مصارف
الخراج لكونهم مقاتلة، والزكاة مصرفها
الفقراء، ولا يصرفونها إليهم، وقيل: إذا نوى
بالدفع التصدق عليهم سقط عنه وكذا الدفع إلى
كل جائر؛ لأنهم بما عليهم من التبعات فقراء
والأول أحوط ا هـ.
أطلق في الزكاة فشمل الأموال الظاهرة والباطنة
ولذا قال في المبسوط: الأصح أن أرباب الأموال
إذا نووا عند الدفع إلى الظلمة التصدق عليهم
سقط عنهم جميع ذلك، وكذا جميع ما
ج / 2 ص -352-
....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يؤخذ من الرجل من الجبايات والمصادرات؛ لأن ما
بأيديهم أموال المسلمين وما عليهم من التبعات
فوق مالهم فهم بمنزلة الغارمين والفقراء حتى
قال محمد بن سلمة: يجوز دفع الصدقة لعلي بن
عيسى بن ماهان والي خراسان وكان أميرا ببلخ
وجبت عليه كفارة يمين فسأل فأفتوه بالصيام
فجعل يبكي ويقول لحشمه: إنهم يقولون لي: ما
عليك من التبعات فوق ما لك من المال فكفارتك
كفارة يمين من لا يملك شيئا.
قال في فتح القدير: وعلى هذا لو أوصى بثلث
ماله للفقراء فدفع إلى السلطان الجائز سقط
ذكره قاضي خان في الجامع الصغير وعلى هذا
فإنكارهم على يحيى بن يحيى تلميذ مالك حيث
أفتى بعض ملوك المغاربة في كفارة عليه بالصوم
غير لازم وتعليلهم بأنه اعتبار للمناسب
المعلوم الإلغاء غير لازم لجواز أن يكون
للاعتبار الذي ذكرناه من فقرهم لا لكونه أشق
عليه من الإعتاق ليكون هو المناسب المعلوم
الإلغاء، وكونهم لهم مال، وما أخذوه خلطوه به،
وذلك استهلاك إذا كان لا يمكن تمييزه عنه عند
أبي حنيفة فيملكه، ويجب عليه الضمان حتى
قالوا: تجب عليهم فيه الزكاة ويورث عنهم غير
ضائر لاشتغال ذمتهم بمثله، والمديون بقدر ما
في يده فقير ا هـ. وظاهر ما صححه السرخسي أنه
لا فرق بين الأموال الظاهرة والباطنة وصحح
الولوالجي عدم الجواز في الأموال الباطنة قال:
وبه يفتى؛ لأنه ليس للسلطان ولاية الزكاة في
الأموال الباطنة فلم يصح الأخذ ا هـ.
وفي الظهيرية: الأفضل لصاحب المال الظاهر أن
يؤدي الزكاة إلى الفقراء بنفسه؛ لأن هؤلاء لا
يضعون الزكاة مواضعها فأما الخراج فإنهم
يضعونه مواضعه؛ لأن موضع الخراج المقاتلة
وهؤلاء مقاتلة ا هـ. وفي التبيين واشتراط
أخذهم الخراج ونحوه وقع اتفاقا حتى لو لم
يأخذوا منه سنين، وهو عندهم لم يؤخذ منهم شيء
أيضا لما ذكرنا ا هـ. والضمير في قوله: وهو
عندهم عائد إلى من وجب عليه الخراج ونحوه،
وضمير الجماعة في عندهم عائد إلى البغاة أي
ومن وجب عليه عند البغاة وأطلق فيمن وجب عليه
الخراج فشمل الذمي كالمسلم وأشار المصنف إلى
أن الحربي لو أسلم في دار الحرب وأقام فيها
سنين ثم خرج إلينا لم يأخذ منه الإمام الزكاة
لعدم الحماية ونفتيه بأدائها إن كان عالما
بوجوبها وإلا فلا زكاة عليه؛ لأن الخطاب لم
يبلغه، وهو شرط الوجوب.
ج / 2 ص -353-
ولو
عجل ذو نصاب لسنين أو لنصب صح
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: ولو عجل ذو نصاب لسنين أو لنصب صح" أما
الأول فلأنه أدى بعد سبب الوجوب فيجوز لسنة
ولسنين كما إذا كفر بعد الجرح.
وأما الثاني: فلأن النصاب الأول هو الأصل في
السببية، والزائد عليه تابع له قيد بقوله: ذو
نصاب؛ لأنه لو عجل قبل أن يملك تمامه ثم تم
الحول على النصاب لا يجوز، وفيه شرطان آخران
أن لا ينقطع النصاب في أثناء الحول، وأن يكون
كاملا في آخره فتفرع على الأول أنه لو عجل
ومعه نصاب ثم هلك كله ثم استفاد فتم الحول على
النصاب لم يجز المعجل بخلاف ما إذا بقي في يده
منه شيء، وعلى الثاني ما لو عجل شاة من أربعين
وحال الحول، وعنده تسعة وثلاثون فإن كان صرفها
إلى الفقراء فالمعجل نفل بخلاف ما إذا أدى بعد
الحول إلى الفقير وانتقص النصاب بأدائه فإن
الزكاة واجبة، وإن كانت قائمة في يد الساعي
فالصحيح وقوعها زكاة فلا يستردها؛ لأن الدفع
إلى المصدق لا يزيل ملكه عن المدفوع، ولا فرق
بين السوائم والنقود في هذا، ولا فرق بين أن
تكون الزكاة في يد الساعي حقيقة أو استهلكها
أو أنفقها على نفسه قرضا أو أخذها الساعي من
عمالته؛ لأنه كقيام العين حكما بخلاف ما إذا
صرفها الساعي إلى الفقراء أو إلى نفسه، وهو
فقير فإنه كصرفها بنفسه فلا يجوز المعجل كما
لو ضاعت من يد الساعي قبل الحول، ووجدها بعده
فلا زكاة، وللمالك أن يستردها فلو لم يستردها
حتى دفعها الساعي إلى الفقراء لم يضمن إلا إن
كان المالك نهاه.
ثم اعلم أن وقوعها زكاة فيما إذا أخذها الساعي
من عمالته إنما هو في غير السوائم أما في
السوائم فلا تقع زكاة لنقصان النصاب، ويستردها
المالك، ويضمن الساعي قيمتها لو باعها ويكون
الثمن له، وإنما كان كذلك في السائمة؛ لأنها
لما خرجت عن ملك المعجل بذلك السبب فحين تم
الحول يصير ضامنا بالقيمة، والسائمة لا يكمل
نصابها بالدين بخلاف نصاب الدراهم لأنه يكمل
بالدين، وهذا كله إذا لم يستفد قدر ما عجل،
ولم ينتقص ما عنده، فإن استفاد صار المؤدى
زكاة في الوجوه كلها من وقت التعجيل، وإلا
يلزم هنا كون الدين زكاة عن العين في بعض
الوجوه، ولا يجب عليه زكاة المستفاد وإن انتقص
ما في يده فلا تجب في الوجوه كلها فيسترد إن
كان في يد الساعي، وإن استهلكها، أو أكلها
قرضا أو بجهة العمالة ضمن، ولو تصدق بها على
الفقراء أو نفسه، وهو فقير لا يضمن إلا إن
تصدق بها بعد الحول فيضمن عنده علم بالنقصان
أو لم يعلم، وعندهما إن علم، وإن كان نهاه ضمن
عند الكل، وأما الفقير فلا رجوع عليه في شيء
من الصور؛ لأنه وقع صدقة تطوعا لو لم يجز
المعجل عنها.
والحاصل أن وجوه هذه المسألة ثلاثة وكل وجه
على سبعة؛ لأن المعجل إما أن يكون في
ج / 2 ص -354-
....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يد الساعي أو استهلكه أو أنفقه على نفسه قرضا
أو عمالة أو صدقة أو صرفه إلى الفقراء أو ضاع
من يد الساعي قبل الحول فهي إحدى وعشرون وقد
علم أحكامها وبسطه في شرح الزيادات لقاضي خان.
والمسألة الثانية: أعني ما إذا عجل لنصب بعد
ملك نصاب واحد مقيدة بما إذا ملك ما عجل عنه
في سنة التعجيل فلو كان عنده مائتا درهم فعجل
زكاة ألف فإن استفاد مالا أو ربح حتى صارت
ألفا ثم تم الحول وعنده ألف فإنه يجوز التعجيل
وسقط عنه زكاة الألف، وإن تم الحول، ولم يستفد
شيئا ثم استفاد فالمعجل لا يجزئ عن زكاتها،
فإذا تم الحول من حين الاستفادة كان عليه أن
يزكي صرح به في المبسوط وأفاده الإسبيجابي
والكاكي والسغناقي وغيرهم، وبهذا ظهر ما في
فتاوى قاضي خان من أنه لو كان له خمس من الإبل
الحوامل يعني الحبالى فعجل شاتين عنها وعما في
بطنها ثم نتجت خمسا قبل الحول أجزأه ما عجل،
وإن عجل عما تحمل في السنة الثانية لا يجوز. ا
هـ. لأنه لما عجل عما تحمله في الثانية لم
يوجد المعجل عنه في سنة التعجيل ففقد الشرط
فلم يجز عما تحمله في الثانية، وهو المراد من
نفي الجواز وليس المراد نفي الجواز مطلقا
لظهور أنه يقع عما في ملكه وقت التعجيل في
الحول الثاني فهو تعجيل زكاة ما في ملكه
لسنتين؛ لأن التعيين في الجنس الواحد لغو.
وكذا لو كان له ألف درهم بيض، وألف سود فعجل
خمسة وعشرين عن البيض فهلكت البيض قبل تمام
الحول ثم تم لا زكاة عليه في السود ويكون
المخرج عنها وكذا عكسه.
وكذا لو عجل عن الدنانير وله دراهم ثم هلكت
الدنانير كان ما عجل عن الدراهم باعتبار
القيمة وكذا عكسه قيدنا بالهلاك؛ لأنه لو عجل
عن أحد المالين ثم استحق المال الذي عجل عنه
قبل الحول لم يكن المعجل عن الباقي وكذا لو
استحق بعد الحول لأن في الاستحقاق عجل عما لم
يملكه فبطل تعجيله كذا في فتاوى قاضي خان وبما
ذكرناه اندفع ما في فتح القدير من الاعتراض
على الفرع الأول المنقول من الفتاوى كما لا
يخفى وقيدنا بكون الجنس متحدا؛ لأنه لو كان له
خمس من الإبل وأربعون من الغنم فعجل شاة عن
أحد الصنفين ثم هلك لا يكون عن الآخر ولو كان
له عين ودين فعجل عن العين فهلكت قبل الحول
جاز عن الدين، وإن هلكت بعده لا يقع عنه،
والدراهم والدنانير وعروض التجارة جنس واحد
بدليل الضم كما قدمناه وصرح به في المحيط هنا،
وفي الولوالجية وغيرها رجل عنده أربعمائة درهم
فظن أن عنده خمسمائة درهم فأدى زكاة خمسمائة
فله أن يحتسب الزيادة للسنة الثانية؛ لأنه
أمكن أن تجعل الزيادة تعجيلا ا هـ.
فقولنا فيما مضى: يشترط أن يملك ما عجل عنه في
حوله يستثنى منه ما إذا عجل غلطا عن
ج / 2 ص -355-
....................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شيء يظن أنه في ملكه،
ثم اعلم أنه لو عجل زكاة ماله فأيسر الفقير
قبل تمام الحول أو مات أو ارتد جاز عن الزكاة؛
لأنه كان مصرفا وقت الصرف فصح الأداء إليه فلا
ينتقض بهذه العوارض كذا في الولوالجية.
وأشار المصنف بجواز
التعجيل بعد ملك النصاب إلى جواز تعجيل عشر
زرعه بعد النبات قبل الإدراك أو عشر الثمر بعد
الخروج قبل البلوغ؛ لأنه تعجيل بعد وجود
السبب، وبعدم جوازه قبل ملك النصاب إلى عدم
جواز تعجيل العشر قبل الزرع أو قبل الغرس
واختلف في تعجيله قبل النبات بعد الزرع أو
بعدما غرس الشجر قبل خروج الثمرة فعند محمد لا
يجوز؛ لأن التعجيل للحادث لا للبذر، ولم يحدث
شيء وجوزه أبو يوسف؛ لأن السبب الأرض النامية
وبعد الزراعة صارت نامية ورده محمد بأن السبب
الأرض النامية بحقيقة النماء فيكون التعجيل
قبلها واقعا قبل السبب فلا يجوز كذا في
الولوالجية، ولا يخفى أن الأفضل لصاحب المال
عدم التعجيل للاختلاف في التعجيل عند العلماء
ولم أره منقولا، والله أعلم بالصواب وإليه
المرجع والمآب.
3- باب زكاة المال
يجب في مائتي درهم وعشرين مثقالا ربع العشر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3- باب زكاة المال
ما تقدم أيضا زكاة مال؛ لأن المال كما روي عن
محمد كل ما يتملكه الناس من نقد وعروض وحيوان
وغير ذلك إلا أن في عرفنا يتبادر من اسم المال
النقد والعروض وقدم الفضة على الذهب في بعض
المصنفات اقتداء بكتب رسول الله صلى الله عليه
وسلم.
"قوله: يجب في مائتي درهم وعشرين مثقالا ربع
العشر"، وهو خمسة دراهم في المائتين، ونصف
مثقال في العشرين، والعشر بالضم أحد الأجزاء
العشرة وإنما وجب ربع العشر لحديث مسلم "ليس
فيما دون خمس أواق من الورق صدقة"
والأوقية أربعون درهما كما رواه
ج / 2 ص -356-
الدارقطني ولحديث علي وغيره في الذهب وعبر
المصنف بالوجوب تبعا للقدوري في قوله الزكاة
واجبة قالوا: لأن بعض مقاديرها وكيفياتها ثبتت
بأخبار الآحاد وقد صرح السيد نكركان في شرح
المنار أن مقادير الزكوات ثبتت بالتواتر كنقل
القرآن وأعداد الركعات، وهذا يقتضي كفر جاحد
المقدار في الزكوات قيد بالنصاب؛ لأن ما دونه
لا زكاة فيه ولو كان نقصانا يسيرا يدخل بين
الوزنين؛ لأنه وقع الشك في كمال النصاب فلا
يحكم بكماله مع الشك كذا في البدائع.
"قوله: ولو تبرا أو حليا" بيان لعدم الفرق بين
المصكوك وغيره كالمهر الشرعي، وفي غير الذهب
والفضة لا تجب الزكاة ما لم تبلغ قيمته نصابا
مصكوكا من أحدهما؛ لأن لزومها مبني على
المتقوم، والعرف أن تقوم بالمصكوك، وكذا نصاب
السرقة احتيالا للدرء قال في ضياء الحلوم
التبر الذهب والفضة قبل أن يصاغا ويعملا وحلي
المرأة معروف وجمعه حلي وحلي بضم الحاء وكسرها
قال تعالى: {مِنْ حُلِيِّهِمْ} [الأعراف: 148] يقرأ بالواحد والجمع بضم الحاء وكسرها ا هـ.
والمراد بالحلي هنا ما تتحلى به المرأة من ذهب
أو فضة، ولا يدخل الجوهر واللؤلؤ بخلافه في
الأيمان فإنه ما تتحلى به المرأة مطلقا فتحنث
بلبس اللؤلؤ أو الجوهر في حلفها لا تتحلى ولو
لم يكن مرصعا على المفتى به.
ودليل وجوب الزكاة في الحلي أحاديث في السنن
منها قوله عليه الصلاة والسلام لعائشة لما
تزينت له بالفتخات:
"أتؤدين زكاتهن" قالت: لا
قال:
"هو حسبك من النار" والفتخات جمع فتخة، وهي الخاتم الذي لا فص له، وفي المعراج وأما
حكم الزكاة في الحلي والأواني يختلف بين أداء
الزكاة من عينها وبين أدائها من قيمتها مثلا
له إناء فضة وزنه مائتان وقيمته ثلاثمائة فلو
زكى من عينه زكى ربع عشره ولو أدى من قيمته
فعند محمد يعدل إلى خلاف جنسه، وهو الذهب؛ لأن
الجودة معتبرة أما عند أبي حنيفة لو أدى خمسة
من غير الإناء سقطت عنه الزكاة؛ لأن الحكم
مقصور على الوزن فلو أدى من الذهب ما يبلغ
قيمته قيمة خمسة دراهم من غير الإناء لم يجز
في قولهم جميعا؛ لأن الجودة متقومة عند
المقابلة بخلاف الجنس فإن أدى القيمة وقعت عن
القدر المستحق كذا في الإيضاح، وفي البدائع:
تجب الزكاة في الذهب والفضة مضروبا أو تبرا أو
ج / 2 ص -357-
ثم في
كل خمس بحسابه والمعتبر وزنهما أداء، ووجوباً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حليا مصوغا أو حلية سيف أو منطقة أو لجام أو
سرج أو الكواكب في المصاحف والأواني وغيرها
إذا كانت تخلص عن الإذابة سواء كان يمسكها
للتجارة أو للنفقة أو للتجمل أو لم ينو شيئا.
ا هـ.
"قوله: ثم في كل خمس بحسابه" بضم الخاء
المعجمة أحد الأجزاء الخمسة، وهو أربعون من
المائتين وأربعة مثاقيل من العشرين دينارا
فيجب في الأول درهم، وفي الثاني قيراطان أفاد
المصنف أنه لا شيء فيما نقص عن الخمس فالعفو
من الفضة بعد النصاب تسعة وثلاثون فإذا ملك
نصابا وتسعة وسبعين درهما فعليه ستة، والباقي
عفو، وهكذا ما بين الخمس إلى الخمس عفو في
الذهب، وهذا عند أبي حنيفة وقالا: يجب فيما
زاد بحسابه من غير عفو لقوله عليه الصلاة
والسلام: وفيما زاد على المائتين فبحسابه. وله
قوله عليه السلام في حديث معاذ:
"لا تأخذ من الكسور شيئا" وقوله في حديث عمرو بن حزم
"ليس فيما دون الأربعين صدقة" ولأن الحرج مدفوع، وفي إيجاب الكسور ذلك لتعذر الوقوف، وفي المعراج
معنى الحديث الأول لا تأخذ من الشيء الذي يكون
المأخوذ منه كسورا فسماه كسورا باعتبار ما يجب
فيه وقيل من زائدة، وفيه نوع تأمل ا هـ. ومما
ينبني على هذا الخلاف لو كان له مائتان وخمسة
دراهم مضى عليها عامان عنده عليه عشرة،
وعندهما خمسة؛ لأنه وجب عليه في العام الأول
خمسة وثمن فبقي السالم من الدين في العام
الثاني مائتان إلا ثمن درهم فلا تجب فيه
الزكاة وعنده لا زكاة في الكسور فيبقى السالم
مائتين ففيها خمسة أخرى كذا في فتح القدير
ويبتني على الخلاف أيضا الهلاك بعد الحول إن
هلك عشرون من مائتي درهم بقي فيها أربعة دراهم
عنده وعندهما أربعة ونصف كذا في المعراج وذكر
في المحيط، ولا يضم إحدى الزيادتين إلى الأخرى
ليتم أربعين درهما أو أربعة مثاقيل عند أبي
حنيفة؛ لأنه لا تجب الزكاة في الكسور عنده،
وعندهما يضم لأنها تجب في الكسور.
"قوله: والمعتبر وزنهما أداء ووجوبا" أما
الأول، وهو اعتبار الوزن في الأداء فهو قول
أبي حنيفة وأبي يوسف وقال زفر تعتبر القيمة
وقال محمد يعتبر الأنفع للفقراء حتى لو أدى عن
خمسة دراهم جياد خمسة زيوفا قيمتها أربعة جياد
جاز عند الإمامين خلافا لمحمد وزفر ولو أدى
ج / 2 ص -358-
في
الدراهم وزن سبعة وهي أن تكون العشرة منها وزن
سبعة مثاقيل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أربعة جيدة قيمتها خمسة ردية عن خمسة ردية لا
يجوز إلا عند زفر ولو كان إبريق فضة وزنه
مائتان وقيمته بصياغته ثلاثمائة إن أدى من
العين يؤدي ربع عشره، وهو خمسة قيمتها سبعة
ونصف، وإن أدى خمسة قيمتها خمسة جاز عند هما،
وقال محمد وزفر: لا يجوز إلا أن يؤدي الفضل
فلو أدى من خلاف جنسه تعتبر القيمة بالإجماع.
وأما الثاني: وهو اعتبار الوزن في حق الوجوب
دون العدد والقيمة فمجمع عليه حتى لو كان له
إبريق فضة وزنها مائة وخمسون وقيمتها مائتان
فلا زكاة فيها وكذا الذهب، وفي البدائع: ولو
كانت الفضة مشتركة بين اثنين فإن كان يبلغ
نصيب كل واحد مقدار النصاب تجب الزكاة، وإلا
فلا، ويعتبر في حال الشركة ما يعتبر في حال
الانفراد.
"قوله: وفي الدراهم وزن سبعة، وهو أن تكون
العشرة منها وزن سبعة مثاقيل" والمثقال، وهو
الدينار عشرون قيراطا والدرهم أربعة عشر
قيراطا والقيراط خمس شعيرات أي المعتبر في
الدراهم إلى آخره والأصل فيه أن الدراهم كانت
مختلفة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفي
زمن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما على ثلاث
مراتب فبعضها كان عشرين قيراطا مثل الدينار
وبعضها كان اثني عشر قيراطا ثلاثة أخماس
الدينار وبعضها عشرة قراريط نصف الدينار
فالأول وزن عشرة من الدنانير والثاني وزن ستة
أي كل عشرة منه وزن ستة من الدنانير والثالث
وزن خمسة أي كل عشرة منه وزن خمسة من الدنانير
فوقع التنازع بين الناس في الإيفاء والاستيفاء
فأخذ عمر من كل نوع درهما فخلطه فجعله ثلاثة
دراهم متساوية فخرج كل درهم أربعة عشر قيراطا
فبقي العمل عليه إلى يومنا هذا في كل شيء في
الزكاة ونصاب السرقة والمهر وتقدير الديات
وذكر في المغرب أن هذا الجمع والضرب كان في
عهد بني أمية وذكر المرغيناني أن الدرهم كان
شبيه النواة وصار مدورا على عهد عمر فكتبوا
عليه وعلى الدينار لا إله إلا الله محمد رسول
الله وزاد ناصر الدولة ابن حمدان صلى الله
عليه وسلم.
وفي الغاية أن درهم مصر أربعة وستون حبة، وهو
أكبر من درهم الزكاة فالنصاب منه مائة وثمانون
درهما وحبتان وتعقبه في فتح القدير بأن فيه
نظرا على ما اعتبروه في درهم الزكاة؛ لأنه إن
أراد بالحبة الشعيرة فدرهم الزكاة سبعون شعيرة
إذا كان العشرة وزن سبعة مثاقيل والمثقال مائة
شعيرة فهو إذن أصغر لا أكبر، وإن أراد بالحبة
أنه شعيرتان كما وقع تفسيرها في
ج / 2 ص -359-
وغالب
الورق ورق لا عكسه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعريف السجاوندي فهو خلاف الواقع إذ الواقع أن
درهم مصر لا يزيد على أربعة وستين شعيرة؛ لأن
كل ربع منه مقدر بأربع خرانيب والخرنوبة مقدرة
بأربع قمحات وسط ا هـ.
وذكر الولوالجي أن الزكاة تجب في الغطارفة إذا
كانت مائتين؛ لأنها اليوم من دراهم الناس، وإن
لم تكن من دراهم الناس في الزمن الأول، وإنما
يعتبر في كل زمان عادة أهل ذلك الزمان ألا ترى
أن مقدار المائتين لوجوب الزكاة من الفضة إنما
تعتبر بوزن سبعة، وإن كان مقدار المائتين في
الزكاة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان
بوزن خمسة، وفي زمن عمر رضي الله عنه بوزن ستة
فيعتبر دراهم أهل كل بلد بوزنهم، ودنانير كل
بلد بوزنهم، وإن كان الوزن يتفاوت ا هـ. وكذا
في الخلاصة وعن ابن الفضل أنه كان يوجب في كل
مائتي درهم بخارية خمسة منها، وبه أخذ السرخسي
واختاره في المجتبى وجمع النوازل والعيون
والمعراج والخانية وذكره في فتح القدير غير
أنه قال بعده إلا أني أقول: ينبغي أن يقيد بما
إذا كانت لهم دراهم لا تنقص عن أقل ما كان
وزنا في زمنه عليه السلام، وهي ما تكون العشرة
وزن خمسة لأنها أقل ما قدر النصاب بمائتين
منها حتى لا تجب في المائتين من الدراهم
المسعودية الكائنة بمكة مثلا، وإن كانت دراهم
قوم وكأنه أعمل إطلاق الدراهم والأواقي في
الموجود، وما يمكن أن يوجد ويستحدث.
"قوله: وغالب الورق ورق لا عكسه" يعني أن
الدراهم إذا كانت مغشوشة، فإن كان الغالب هو
الفضة فهي كالدراهم الخالصة؛ لأن الغش فيها
مستهلك لا فرق في ذلك بين الزيوف والنبهرجة
وما غلب فضته على غشه تناوله اسم الدراهم
مطلقا والشرع أوجب باسم الدراهم، وإن غلب الغش
فليس كالفضة كالستوقة فينظر إن كانت رائجة أو
نوى التجارة اعتبرت قيمتها فإن بلغت نصابا من
أدنى الدراهم التي تجب فيها الزكاة، وهي التي
غلبت فضتها وجبت فيها الزكاة وإلا فلا، وإن لم
تكن أثمانا رائجة، ولا منوية للتجارة فلا زكاة
فيها إلا أن يكون ما فيها من الفضة يبلغ مائتي
درهم بأن كانت كثيرة ويتخلص من الغش؛ لأن
الصفر لا تجب الزكاة فيها إلا بنية التجارة،
ج / 2 ص -360-
ؤوفي
عروض تجارة بلغت نصاب ورق أو ذهب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والفضة لا يشترط فيها نية التجارة فإن كان ما
فيها لا يتخلص فلا شيء عليه؛ لأن الفضة فيه قد
هلكت كذا في كثير من الكتب.
وفي غاية البيان الظاهر أن خلوص الفضة من
الدراهم ليس بشرط بل المعتبر أن تكون في
الدراهم فضة بقدر النصاب فأما الغطارفة فقيل
يجب في كل مائتين منها خمسة منها عددا؛ لأنها
من أعز الأثمان والنقود عندهم وقال السلف:
ينظر إن كانت أثمانا رائجة أو سلعا للتجارة
تجب الزكاة في قيمتها كالفلوس، وإن لم تكن
للتجارة فلا زكاة فيها؛ لأن ما فيها من الفضة
مستهلك لغلبة النحاس عليها فكانت كالستوقة،
وفي البدائع وقول السلف أصح وحكم الذهب
المغشوش كالفضة المغشوشة وقيد المصنف بالغالب
لأن الغش والفضة لو استويا ففيه اختلاف واختار
في الخانية والخلاصة الوجوب احتياطا، وفي
معراج الدراية وكذا لاتباع إلا وزنا، وفي
المجتبى المفهوم من كتاب الصرف أن للمساوي حكم
الذهب والفضة، ومما ذكر في الزكاة أنه لا يكون
له حكم الذهب والفضة وقيدنا المخالط للورق بأن
يكون غشا؛ لأنه لو كان ذهبا فإن كانت الفضة
مغلوبة فكله ذهب؛ لأنه أعز وأغلى قيمة، وإن
كانت الفضة غالبة فإن بلغ الذهب نصابه ففيه
زكاة الذهب، وإن بلغت الفضة نصابها فزكاة
الفضة، وفي المغرب الغطريفية كانت من أعز
النقود ببخارى منسوبة إلى غطريف بن عطاء
الكندي أمير خراسان أيام الرشيد.
"قوله: وفي عروض تجارة بلغت نصاب ورق أو ذهب"
معطوف على قوله أول الباب في مائتي درهم أي
يجب ربع العشر في عروض التجارة إذا بلغت نصابا
من أحدهما، وهي جمع عرض لكنه بفتح الراء حطام
الدنيا كما في المغرب لكنه ليس بمناسب هنا؛
لأنه يدخل فيه النقدان والصواب أن يكون جمع
عرض بسكونها، وهو كما في ضياء الحلوم ما ليس
بنقد، وفي الصحاح العرض بسكون الراء المتاع
وكل شيء فهو عرض سوى الدراهم والدنانير ا هـ
فيدخل الحيوان، ولا يرد عليه ما أسيم من
الحيوانات للدر والنسل لظهور أن المراد غيره
لتقدم ذكر زكاة السوائم.
والعرض بالضم الجانب منه، ومنه أوصى بعرض ماله
أي جانب منه بلا تعيين.
والعرض بكسر العين ما يحمد الرجل ويذم عند
وجوده وعدمه كذا في معراج الدراية قيد بكونها
للتجارة؛ لأنها لو كانت للغلة فلا زكاة فيها؛
لأنها ليست للمبايعة ولو اشترى عبدا للخدمة
ناويا بيعه إن وجد ربحا لا زكاة فيه، ولا يرد
عليه ما إذا كان في العرض مانع من نية التجارة
كأن
ج / 2 ص -361-
....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اشترى أرض خراج ناويا للتجارة أو اشترى أرض
عشر وزرعها فإنها لا تكون للتجارة لما يلزم
عليه من الثنى كما قدمناه وجواب منلا خسرو بأن
الأرض ليست من العروض بناء على تفسير أبي عبيد
إياها بما لا يدخله كيل، ولا وزن، ولا يكون
عقارا، ولا حيوانا مردود لما علمت أن الصواب
تفسيرها هنا بما ليس بنقد ولذا لا يرد على
المصنف ما لو اشترى بذرا للتجارة وزرعه فإنه
لا زكاة فيه، وإنما يجب العشر فيه؛ لأن بذره
في الأرض أبطل كونه للتجارة لأن مجرد كونه نوى
الخدمة في عبد التجارة أسقط وجوب الزكاة فلأن
يسقط التصرف الأقوى أولى، وكذا لو لم يزرعه
ففيه الزكاة وبهذا سقط اعتبار الزيلعي كما لا
يخفى.
واعلم أن نية التجارة في الأصل تعتبر ثابتة في
بدله، وإن لم يتحقق شخصها فيه، وهو ما قوبض به
مال التجارة فإنه يكون للتجارة بلا نية؛ لأن
حكم البدل حكم الأصل وكذا لو كان العبد
للتجارة فقتله عبد خطأ، ودفع به فإن المدفوع
يكون للتجارة بخلاف القتل عمدا، وأجرة دار
التجارة وعبد التجارة بمنزلة ثمن مال التجارة
في الصحيح من الرواية كذا في الخانية وذكر في
الكافي ولو ابتاع مضارب عبدا وثوبا له وطعاما
وحمولة وجبت الزكاة في الكل، وإن قصد غير
التجارة؛ لأنه لا يملك الشراء إلا للتجارة
بخلاف رب المال حيث لا يزكي الثوب والحمولة؛
لأنه يملك الشراء لغير التجارة ا هـ.
وفي فتح القدير ويحمل عدم تزكية الثوب لرب
المال ما دام لم يقصد بيعه معه فإنه ذكر في
فتاوى قاضي خان النخاس إذا باع دواب للبيع
واشترى لها جلالا ومقاود فإن كان لا يدفع ذلك
مع الدابة إلى المشتري لا زكاة فيها، وإن كان
يدفعها معها وجب فيها وكذا العطار إذا اشترى
قوارير ا هـ. وقد يفرق بأن ثوب العبد يدخل في
بيعه بلا ذكر تبعا حتى لا يكون له قسط من
الثمن فلم يكن مقصودا أصلا فوجوده كعدمه بخلاف
جل الدواب والقوارير فإنه مبيع قصدا ولذا لم
يدخل في المبيع بلا ذكر، وإنما قال نصاب ورق،
ولم يقل نصاب فضة؛ لأن الورق بكسر الراء اسم
للمضروب من الفضة كما في المغرب، ولا بد أن
تبلغ العروض قيمة نصاب من الفضة المضروبة كما
في الذخيرة والخانية؛ لأن لزومها مبني على
التقوم، والعرف أن تقوم بالمصكوك كما قدمناه
وأشار بقوله ورق أو ذهب إلى أنه مخير إن شاء
قومها بالفضة، وإن شاء بالذهب؛ لأن الثمنين في
تقدير قيم الأشياء بهما سواء، وفي النهاية لو
كان تقويمه بأحد النقدين يتم النصاب وبالآخر
لا فإنه يقومه بما يتم به النصاب بالاتفاق ا
هـ.
وفي الخلاصة أيضا ما يفيد الاتفاق على هذا وكل
منهما ممنوع فقد قال في الظهيرية رجل له عبد
للتجارة إن قوم بالدراهم لا تجب فيه الزكاة،
وإن قوم بالدنانير تجب
ج / 2 ص -362-
ونقصان
النصاب في الحول لا يضر إن كمل في طرفيه، وتضم
قيمة العروض إلى الثمنين والذهب إلى الفضة
قيمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فعند أبي حنيفة يقوم بما تجب فيه الزكاة دفعا
لحاجة الفقير وسدا لخلته، وقال أبو يوسف: يقوم
بما اشترى فإن اشتراه بغير النقدين يقوم
بالنقد الغالب ا هـ. فالحاصل أن المذهب تخييره
إلا إذا كان لا يبلغ بأحدهما نصابا تعين
التقويم بما يبلغ نصابا، وهو مراد من قال يقوم
بالأنفع ولذا قال في الهداية وتفسير الأنفع أن
يقومها بما يبلغ نصابا ويقوم العرض بالمصر
الذي هو فيه حتى لو بعث عبدا للتجارة في بلد
آخر يقوم في ذلك الذي فيه العبد وإن كان في
مفازة تعتبر قيمته في أقرب الأمصار إلى ذلك
الموضع كذا في فتح القدير، وهو أولى مما في
التبيين من أنه إذا كان في المفازة يقوم في
المصر الذي يصير إليه ثم عند أبي حنيفة تعتبر
القيمة يوم الوجوب، وعندهما يوم الأداء،
وتمامه في فتح القدير.
"قوله: ونقصان النصاب في الحول لا يضر إن كمل
في طرفيه"؛ لأنه يشق اعتبار الكمال في أثنائه
إما لا بد منه في ابتدائه للانعقاد وتحقيق
الغناء، وفي انتهائه للوجوب، ولا كذلك فيما
بين ذلك لأنه حالة البقاء قيد بنقصان النصاب
أي قدره؛ لأن زوال وصفه كهلاك الكل كما إذا
جعل السائمة علوفة؛ لأن العلوفة ليست من مال
الزكاة أما بعد فوات بعض النصاب بقي بعض المحل
صالحا لبقاء الحول وشرط الكمال في الطرفين
لنقصانه في الحول؛ لأن نقصانه بعد الحول من
حيث القيمة لا يسقط شيئا من الزكاة عند أبي
حنيفة، وعندهما عليه زكاة ما بقي كذا في
الخلاصة وذكر في المجتبى الدين في خلال الحول
لا يقطع حكم الحول، وإن كان مستغرقا، وقال
زفر: يقطع ا هـ. ومن فروع المسألة إذا كان له
غنم للتجارة تساوي نصابا فماتت قبل الحول
فسلخها ودبغ جلدها فتم الحول كان عليه فيها
الزكاة إن بلغت نصابا ولو كان له عصير للتجارة
فتخمر قبل الحول ثم صار خلا فتم الحول لا زكاة
فيها قالوا: لأن في الأول الصوف الذي على
الجلد متقوم فيبقى الحول ببقائه، وفي الثاني
بطل تقوم الكل بالخمرية فهلك كل المال إلا أنه
يخالف ما روى ابن سماعة عن محمد اشترى عصيرا
قيمته مائتا درهم فتخمر بعد أربعة أشهر فلما
مضى سبعة أشهر أو ثمانية أشهر إلا يوما صار
خلا يساوي مائتي درهم فتمت السنة كان عليه
الزكاة؛ لأنه عاد للتجارة كما كان كذا في
الخانية.
"قوله: وتضم قيمة العروض إلى الثمنين والذهب
إلى الفضة قيمة" أما الأول فلأن الوجوب في
الكل باعتبار التجارة، وإن افترقت جهة
الإعداد.
وأما الثاني: فللمجانسة من حيث الثمنية، ومن
هذا الوجه صار سببا، وضم إحدى النقدين إلى
ج / 2 ص -363-
الآخر
قيمة مذهب الإمام وعندهما الضم بالأجزاء، وهو
رواية عنه حتى إن من كان له مائة درهم وخمسة
مثاقيل ذهب تبلغ قيمتها مائة درهم فعليه
الزكاة عنده خلافا لهما هما يقولان المعتبر
فيهما القدر دون القيمة حتى لا تجب الزكاة في
مصوغ وزنه أقل من مائتين، وقيمته فوقهما، وهو
يقول الضم للمجانسة، وهي تتحقق باعتبار القيمة
دون الصورة فيضم بها، وفي المحيط لو كان له
مائة درهم وعشرة دنانير قيمتها أقل من مائة
تجب الزكاة عندهما واختلفوا على قوله والصحيح
الوجوب لأنه إن لم يمكن تكميل نصاب الدراهم
باعتبار قيمة الدنانير أمكن تكميل نصاب
الدنانير باعتبار قيمة الدراهم؛ لأن قيمتها
تبلغ عشرة دنانير فتكمل احتياطا لإيجاب الزكاة
ا هـ. وبهذا ظهر بحث الزيلعي منقولا، وضعف
كلام المصنف في الكافي حيث قال: إن القيمة لا
تعتبر عند تكامل الأجزاء عنده كمائة وعشرة
دنانير ظنا منه أن إيجاب الزكاة في هذه
المسألة على الصحيح لتكامل الأجزاء لا باعتبار
القيمة وليس كما ظن بل الإيجاب باعتبار القيمة
كما أفاده تعليل المحيط فإن حاصله اعتبار
القيمة من جهة كل من النقدين لا من جهة أحدهما
عينا فإنه إن لم يتم النصاب باعتبار قيمة
الذهب بالفضة يتم باعتبار قيمة الفضة بالذهب
فكيف يكون تعليلا لعدم اعتبار القيمة مطلقا
عند تكامل الأجزاء مع أنه يرد عليه لو زادت
قيمة أحدهما، ولم تنقص قيمة الآخر كمائة درهم
وعشرة دنانير تساوي مائة وثمانين فإن مقتضى
كلامه من عدم اعتبار القيمة عند تكامل الأجزاء
أن لا يلزمه إلا خمسة والظاهر لزوم سبعة
اعتبارا للقيمة أخذا من دليله من أن الضم ليس
إلا للمجانسة، وإنما هي باعتبار المعنى، وهو
القيمة لا باعتبار الصورة.
وقد صرح به في المحيط فقال لو كان له مائة
درهم وعشرة دنانير قيمتها مائة وأربعون فعند
أبي حنيفة تجب ستة دراهم، وعندهما هو نصاب تام
نصفه ذهب ونصفه فضة فيجب في كل نصف ربع عشره،
وفيه أيضا لو كان له مائة وخمسون درهما وخمسة
دنانير قيمتها خمسون تجب الزكاة بالإجماع، ولو
كان له إبريق فضة وزنه مائة، وقيمته لصناعته
مائتان لا تجب الزكاة باعتبار القيمة؛ لأن
الجودة والصنعة في أموال الربا لا قيمة لها
عند انفرادها، ولا عند المقابلة بجنسها ا هـ.
وفي المعراج لو كان له مائة وخمسون درهما
وخمسة دنانير، وقيمة الدنانير لا تساوي خمسين
درهما تجب الزكاة على قولهما، واختلف المشايخ
على قوله قال بعضهم: لا تجب؛ لأن الضم باعتبار
القيمة عنده، ويضم الأقل إلى الأكثر؛ لأن
الأقل تابع للأكثر فلا يكمل النصاب به، وقال
الفقيه أبو جعفر: تجب على قوله، وهو الصحيح
ويضم الأكثر إلى الأقل ا هـ. وهو دليل على أنه
لا اعتبار بتكامل الأجزاء عنده، وإنما يضم أحد
النقدين إلى الآخر قيمة، ولا فرق بين ضم الأقل
إلى الأكثر أو عكسه والله أعلم.
ج / 2 ص -364-
4- باب العاشر
هو من نصبه الإمام ليأخذ الصدقات من التجارة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4- باب العاشر
أخره عما قبله لتمحض ما قبله زكاة بخلاف ما
يأخذه العاشر كما سيأتي، وهو فاعل من عشرته
أعشره عشرا بالضم، والمراد هنا ما يدور اسم
العشر في متعلق أخذه فإنه إنما يأخذ العشر من
الحربي لا المسلم والذمي أو تسمية للشيء
باعتبار بعض أحواله، وهو أخذه العشر من الحربي
لا من المسلم والذمي، والإدوار مركب فيتعسر
التلفظ به والعشر منفرد فلا يتعسر.
"قوله: هو من نصبه الإمام ليأخذ الصدقات من
التجار" أي من نصبه الإمام على الطريق ليأخذ
الصدقات من التجار المارين بأموالهم عليه
قالوا: وإنما ينصب ليأمن التجار من اللصوص
ويحميهم منهم فيستفاد منه أنه لا بد أن يكون
قادرا على الحماية؛ لأن الجباية بالحماية؛
ولذا قال في الغاية: ويشترط في العامل أن يكون
حرا مسلما غير هاشمي فلا يصح أن يكون عبدا
لعدم الولاية، ولا يصح أن يكون كافرا؛ لأنه لا
يلي على المسلم بالآية، ولا يصح أن يكون مسلما
هاشميا لأن فيها شبهة الزكاة ا هـ. بلفظه وبه
يعلم حكم تولية اليهود في زماننا على بعض
الأعمال، ولا شك في حرمة ذلك أيضا قيدنا بكونه
نصب على الطريق للاحتراز عن الساعي، وهو الذي
يسعى في القبائل ليأخذ صدقة المواشي في
أماكنها والمصدق بتخفيف الصاد وتشديد الدال
اسم جنس لهما كذا في البدائع.
وحاصله أن مال الزكاة نوعان ظاهر، وهو
المواشي، والمال الذي يمر به التاجر على
العاشر.
وباطن، وهو الذهب والفضة وأموال التجارة في
مواضعها أما الظاهر فللإمام ونوابه، وهم
المصدقون من السعاة والعشار ولاية الأخذ للآية {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] ولجعله للعاملين عليها حقا فلو لم يكن للإمام
مطالبتهم لم يكن له وجه، ولما اشتهر من بعثه
عليه الصلاة والسلام للقبائل لأخذ الزكاة،
وكذا الخلفاء بعده حتى قاتل الصديق مانعي
الزكاة، ولا شك أن السوائم تحتاج إلى الحماية؛
لأنها تكون في البراري بحماية السلطان وغيرها
من الأموال إذا أخرجه في السفر احتاج إلى
الحماية بخلاف الأموال الباطنة إذا لم يخرجها
مالكها من المصر لفقد هذا المعنى وفي البدائع:
وشرط ولاية الأخذ وجود الحماية من الإمام فلا
شيء لو غلب الخوارج على مصر أو قرية وأخذوا
منهم الصدقات، ومنها وجوب الزكاة؛ لأن المأخوذ
زكاة فيراعى شرائطها كلها، ومنها ظهور المال
وحضور المالك فلو حضر وأخبر بما في بيته أو
حضر ماله مع مستبضع
ج / 2 ص -365-
فمن
قال لم يتم الحول أو علي دين أو أديت أنا أو
إلى عاشر آخر وحلف صدق إلا في السوائم في دفعه
بنفسه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ونحوه فلا أخذ، وفي التبيين أن هذا العمل
مشروع، وما ورد من ذم العشار محمول على من
يأخذ أموال الناس ظلما كما تفعله الظلمة اليوم
روي أن عمر أراد أن يستعمل أنس بن مالك على
هذا العمل فقال له: أتستعملني على المكس من
عملك فقال: ألا ترضى أن أقلدك ما قلدنيه رسول
الله صلى الله عليه وسلم ا هـ. وفي الخانية من
قسم الجبايات والمؤن بين الناس على السوية
يكون مأجورا. ا هـ.
"قوله: فمن قال لم يتم الحول أو علي دين أو
أديت أنا أو إلى عاشر آخر وحلف صدق إلا في
السوائم في دفعه بنفسه" أما الأول والثاني
فلإنكاره الوجوب وقدمنا أن شرط ولاية الأخذ
وجود الزكاة فكل ما وجوده مسقط فالحكم كذلك
إذا ادعاه، والمراد بنفي تمام الحول نفيه عما
في يده، وما في بيته؛ لأنه لو كان في بيته مال
آخر قد حال عليه الحول، وما مر به لم يحل عليه
الحول واتحد الجنس فإن العاشر لا يلتفت إليه
لوجوب الضم في متحد الجنس إلا لمانع كما
قدمناه وقيد في المعراج الدين بدين العباد،
وقدمنا أن منه دين الزكاة، وأطلق المصنف في
الدين فشمل المستغرق للمال والمنقص للنصاب،
وهو الحق، وبه اندفع ما في غاية البيان من
التقييد بالمحيط لماله واندفع ما في الخبازية
من أن العاشر يسأله عن قدر الدين على الأصح
فإن أخبره بما يستغرق النصاب يصدقه، وإلا لا
يصدقه. ا هـ. لأن المنقص له مانع من الوجوب
فلا فرق كما في المعراج وأشار المصنف إلى أن
المار إذا قال ليس في هذا المال صدقة فإنه
يصدق مع يمينه كما في المبسوط، وإن لم يبين
سبب النفي وفيه أيضا إذا أخبر التاجر العاشر
أن متاعه مروي أو هروي واتهمه العاشر فيه،
وفيه ضرر عليه حلفه وأخذ منه الصدقة على قوله؛
لأنه ليس له ولاية الإضرار به وقد نقل عن عمر
أنه قال لعماله: ولا تفتشوا على الناس متاعهم.
وأما الثالث: فلأنه ادعى وضع الأمانة موضعها،
ومراده إذا كان في تلك السنة عاشر آخر، وإلا
فلا يصدق لظهور كذبه بيقين، ومراده أيضا ما
إذا أدى بنفسه في المصر إلى الفقراء؛ لأن
الأداء كان مفوضا إليه فيه وولاية الأخذ
بالمرور لدخوله تحت الحماية؛ لأنه لو ادعى
الأداء بنفسه إليهم بعد الخروج من المصر لا
يقبل، وإنما لا يصدق في قوله أديت بنفسي صدقة
السوائم إلى الفقراء في المصر؛ لأن حق الأخذ
للسلطان فلا يملك إبطاله بخلاف الأموال
الباطنة ثم قيل الزكاة هو الأول،
ج / 2 ص -366-
وكل
شيء صدق فيه المسلم صدق فيه الذمي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والثاني سياسة وقيل هو الثاني والأول ينقلب
نفلا هو الصحيح كذا في الهداية وظاهر قوله
ينقلب نفلا أنه لو لم يأخذ منه الإمام لعلمه
بأدائه إلى الفقراء فإن ذمته تبرأ ديانة، وفيه
اختلاف المشايخ كما في المعراج.
وفي جامع أبي اليسر لو أجاز الإمام إعطاءه لم
يكن به بأس؛ لأنه إذا أذن له الإمام في
الابتداء أن يعطي إلى الفقراء بنفسه جاز فكذا
إذا أجاز بعد الإعطاء ا هـ. وإنما حلف، وإن
كانت العبادات يصدق فيها بلا تحليف لتعلق حق
العبد، وهو العاشر في الأخذ، وهو يدعي عليه
معنى لو أقر به لزمه فيحلف لرجاء النكول بخلاف
حد القذف؛ لأن القضاء بالنكول متعذر في الحدود
على ما عرف وبخلاف الصلاة والصوم لأنه لا مكذب
له فيها فاندفع قول أبي يوسف أنه لا يحلف؛
لأنها عبادة. وأشار المصنف بالاكتفاء بالحلف
إلى أنه لا يشترط إخراج البراءة فيما إذا ادعى
الدفع إلى عاشر آخر تبعا للجامع الصغير؛ لأن
الخط يشبه الخط فلم يعتبر علامة، وهو ظاهر
الرواية كما في البدائع وشرطه في الأصل؛ لأنه
ادعى ولصدق دعواه علامة فيجب إبرازها، وفي
المعراج ثم على قول من يشترط إخراج البراءة هل
يشترط اليمين معها فقد اختلف فيه، وفي البدائع
إذا أتى بالبراءة على خلاف اسم ذلك المصدق
فإنه يقبل قوله مع يمينه على جواب ظاهر
الرواية؛ لأن البراءة ليست بشرط فكان الإتيان
بها، والعدم بمنزلة واحدة ا هـ. وقد يقال: إنه
دليل كذبه فهو نظير ما لو ذكر الحد الرابع
وغلط فيه فإنه لا تسمع الدعوى، وإن جاز تركه
إلا أن يقال إنها عبادة بخلاف حقوق العباد
المحضة.
وفي المحيط حلف أنه أدى الصدقة إلى مصدق آخر
وظهر كذبه أخذه بها، وإن ظهر بعد سنين؛ لأن حق
الأخذ ثابت فلا يسقط باليمين الكاذبة. ا هـ.
"قوله: وكل شيء صدق فيه المسلم صدق فيه الذمي"
لأن ما يؤخذ منهم ضعف ما يؤخذ من المسلم
فيراعى فيه شرائط الزكاة تحقيقا للتضعيف، وفي
التبيين لا يمكن إجراؤه على عمومه فإن ما يؤخذ
من الذمي جزية، وفي الجزية لا يصدق إذا قال
أديتها أنا؛ لأن فقراء أهل الذمة ليسوا بمصارف
لهذا الحق، وليس له ولاية الصرف إلى مستحقه،
وهو مصالح المسلمين ا هـ. وقولهم: ما يؤخذ من
الذمي جزية أي حكمه حكمها من كونه يصرف
مصارفها لا أنه جزية حتى لا تسقط جزية رأسه في
تلك السنة نص عليه الإسبيجابي، واستثنى في
البدائع نصارى بني تغلب؛ لأن عمر
ج / 2 ص -367-
لا
الحربي إلا في أم ولده، وأخذ منا ربع العشر،
ومن الذمي ضعفه ومن الحربي العشر بشرط نصاب،
وأخذهم منا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صالحهم من الجزية على الصدقة المضاعفة فإذا
أخذ العاشر منهم ذلك سقطت الجزية. ا هـ.
"قوله: لا الحربي إلا في أم ولده" أي لا يصدق
الحربي في شيء إلا في جارية في يده قال هي أم
ولدي فإنه يصدق وكذا في الجواري؛ لأن الأخذ
منه بطريق الحماية لا زكاة، ولا ضعفها فلا
يراعى فيه الشروط المتقدمة؛ ولذا كان الأولى
أن يقال: لا يلتفت إلى كلامه أو لا يترك الأخذ
منه إذا ادعى شيئا مما ذكرناه دون أن يقال:
ولا يصدق؛ لأنه لو كان صادقا بأن ثبت صدقه
ببينة عادلة من المسلمين المسافرين معه من دار
الحرب أخذ منه كذا في فتح القدير ويستثنى من
العموم ما إذا قال الحربي أديت إلى عاشر آخر
وثمة عاشر آخر فإنه لا يؤخذ منه ثانيا؛ لأنه
يؤدي إلى الاستئصال جزم به منلا شيخ في شرح
الدرر وذكره في الغاية بلفظ ينبغي أن لا يؤخذ
منه ثانيا وتبعه في التبيين وأشار باستثناء أم
الولد إلى أنه لو قال في حق غلام معه هذا ولدي
فإنه يصح، ولا يعشر؛ لأن النسب يثبت في دار
الحرب كما يثبت في دار الإسلام، وأمومية الولد
تبع للنسب وقيده في المحيط بأن كان يولد مثله
لمثله؛ لأنه لو كان لا يولد مثله لمثله فإنه
يعتق عليه عند أبي حنيفة ويعشر؛ لأنه إقرار
بالعتق فلا يصدق في حق غيره ا هـ. وقيد بأم
الولد؛ لأنه لو أقر بتدبير عبده لا يصدق؛ لأن
التدبير لا يصح في دار الحرب كذا في المعراج،
وفي النهاية لو مر بجلود الميتة فإن كانوا
يدينون أنها مال أخذ منها، وإلا فلا ا هـ.
والحاصل أنه لا يؤخذ إلا من مال.
"قوله: وأخذ منا ربع العشر، ومن الذمي ضعفه،
ومن الحربي العشر بشرط نصاب، وأخذهم منا" بذلك
أمر عمر رضي الله عنه سعاته وقدمنا أن المأخوذ
من المسلم زكاة، ومن الذمي صدقة مضاعفة تصرف
مصارف الجزية، وليست بجزية حقيقة، ومن الحربي
بطريق الحماية، وتصرف مصارف الجزية كما في
غاية البيان، ويصح أن يتعلق قوله بشرط نصاب
بالثلاثة، وهو متفق عليه في المسلم والذمي
وأما في الحربي فظاهر المختصر أنه إذا مر بأقل
منه لا يؤخذ منه وفي الجامع الصغير، وإن مر
حربي بخمسين درهما لم يؤخذ منه شيء إلا أن
يكونوا يأخذون منا من مثلهم؛ لأن الأخذ بطريق
المجازاة، وفي كتاب الزكاة لا نأخذ من القليل
وإن كانوا يأخذون منا لأن
ج / 2 ص -368-
ولم
يثن في حول بلا عود، وعشر الخمر لا الخنزير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القليل لم يزل عفوا، وهو للنفقة عادة فأخذهم
منا من مثله ظلم وخيانة، ولا متابعة عليه،
والأصل فيه أنه متى عرفنا ما يأخذون منا أخذ
منهم مثله؛ لأن عمر أمر بذلك، وإن لم نعرف أخذ
منهم العشر لقول عمر رضي الله عنه فإن أعياكم
فالعشر وإن كانوا يأخذون الكل نأخذ منهم
الجميع إلا قدر ما يوصله إلى مأمنه في الصحيح،
وإن لم يأخذوا منا لا نأخذ منهم ليستمروا عليه
ولأنا أحق بالمكارم، وهو المراد بقوله وأخذهم
منا؛ لأنه بطريق المجازاة كذا في التبيين، وفي
كافي الحاكم أن العاشر لا يأخذ العشر من مال
الصبي الحربي إلا أن يكونوا يأخذون من أموال
صبياننا شيئا. ا هـ.
"قوله: ولم يثن في حول بلا عود" أي بلا عود
إلى دار الحرب؛ لأن الأخذ في كل مرة يؤدي إلى
الاستئصال بخلاف ما إذا عاد ثم خرج إلينا لأن
ما يؤخذ منه بطريق الأمان، وقد استفاده في كل
مرة، وفي المحيط ولو عاد الحربي إلى دار
الحرب، ولم يعلم به العاشر ثم خرج ثانيا لم
يأخذه بما مضى؛ لأن ما مضى سقط لانقطاع
الولاية، ولو مر المسلم والذمي على العاشر،
ولم يعلم بهما ثم علم في الحول الثاني يؤخذ
منهما لأن الوجوب قد ثبت والمسقط لم يوجد. ا
هـ.
"قوله: وعشر الخمر لا الخنزير" أي أخذ نصف عشر
قيمة الخمر من الذمي وعشر قيمته من الحربي لا
أنه يؤخذ العشر بتمامه منهما، ولا أن المأخوذ
من عين الخمر؛ لأن المسلم منهي عن اقترابها،
ووجه الفرق بين الخمر والخنزير على الظاهر أن
القيمة في ذوات القيم لها حكم العين، والخنزير
منها، وفي ذوات الأمثال ليس لها هذا الحكم،
والخمر منها ولأن حق الأخذ منها للحماية
والمسلم يحمي خمر نفسه للتخليل فكذا يحميها
على غيره، ولا يحمي خنزير نفسه بل يجب تسييبه
بالإسلام فكذا لا يحميه على غيره وسيأتي في
آخر باب المهر ما أورد على التعليل الأول
وجوابه.
وفي الغاية تعرف قيمة الخمر بقول فاسقين تابا
أو ذميين أسلما، وفي الكافي يعرف ذلك بالرجوع
إلى أهل الذمة ا هـ. قيدنا بخمر الذمي والحربي
لأن العاشر لا يأخذ من المسلم إذا مر بالخمر
اتفاقا كذا في الفوائد وقيد المسألة في
المبسوط وإلا قطع بأن يمر الذمي بالخمر
والخنزير للتجارة ويشهد له قول عمر ولوهم
بيعها وخذوا العشر من أثمانها، وفي المعراج
قوله مر ذمي بخمر أو خنزير أي مر بهما بنية
التجارة وهما يساويان مائتي درهم لما ذكرنا من
رعاية الشروط في حقه ا هـ. وجلود الميتة
كالخمر فإنه كان مالا في الابتداء ويصير مالا
في الانتهاء بالدبغ.
ج / 2 ص -369-
...................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: وما في بيته" معطوف على الخنزير أي لا
يعشر المال الذي في بيته لما قدمنا أن من
شروطه مروره بالمال عليه فيلزمه الزكاة فيما
بينه وبين الله - تعالى -.
"قوله: والبضاعة" أي لا يأخذ من مال البضاعة
شيئا لأن الوكيل ليس بنائب عنه في أداء
الزكاة، وفي المغرب البضاعة قطعة من المال،
وفي الاصطلاح ما يدفعه المالك لإنسان يبيع
فيه، ويتجر ليكون الربح كله للمالك، ولا شيء
للعامل.
"قوله: ومال المضاربة وكسب المأذون" أي لا
يأخذ العشر من المضارب والمأذون؛ لأنه لا ملك
لهما، ولا نيابة من المالك، وهذا هو الصحيح في
الثلاثة، ولو كان في المضاربة ربح عشر حصة
المضارب إن بلغت نصابا لملك نصيبه من الربح،
ولو كان مولى المأذون معه يؤخذ منه؛ لأن المال
له إلا إذا كان على العبد دين محيط بماله
ورقبته لانعدام الملك عنده، وللشغل عندهما.
"قوله: وثنى إن عشر الخوارج" أي أخذ منه ثانيا
إن مر على عاشر الخوارج فعشروه؛ لأن التقصير
من جهته حيث مر عليهم بخلاف ما إذا ظهروا على
مصر أو قرية كما قدمناه والله تعالى أعلم.
وما في بيته، والبضاعة، ومال المضاربة، وكسب المأذون
وثني إن عشر الخوارج.
5- باب الركاز
خمس معدن نقد ونحو حديد في أرض خراج أو عشر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
5- باب الركاز
هو المعدن أو الكنز؛ لأن
كلا منهما مركوز في الأرض، وإن اختلف الراكز
وشيء راكز ثابت كذا في المغرب فظاهره أنه
حقيقة فيهما مشتركا معنويا وليس خاصا بالدفين،
ولو دار الأمر فيه بين كونه مجازا فيه، أو
متواطئا؛ إذ لا شك في صحة إطلاقه على المعدن
كان التواطؤ متعينا وبه اندفع ما في غاية
البيان والبدائع من أن الركاز حقيقة في
المعدن؛ لأنه خلق فيها مركبا، وفي الكنز مجاز
بالمجاورة.
وفي المغرب عدن بالمكان أقام به، ومنه المعدن
لما خلقه الله - تعالى - في الأرض من الذهب
والفضة؛ لأن الناس يقيمون فيه الصيف والشتاء،
وقيل لإنبات الله فيه جوهرهما وإثباته إياه في
الأرض حتى عدن فيها أي ثبت. ا هـ.
"قوله: خمس معدن نقد ونحو حديد في أرض خراج أو
عشر" لقوله عليه الصلاة والسلام
ج / 2 ص -370-
....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"وفي الركاز الخمس"، وهو من الركز فانطلق على المعدن ولأنه كان في أيدي الكفرة وحوته
أيدينا غلبة فكان غنيمة، وفي الغنيمة الخمس
إلا أن للغانمين يدا حكمية لثبوتها على الظاهر
وأما الحقيقة فللواجد فاعتبرنا الحكمية في حق
الخمس والحقيقة في حق الأربعة الأخماس حتى
كانت للواجد.
والنقد الذهب والفضة ونحو الحديد كل جامد
ينطبع بالنار كالرصاص والنحاس والصفر، وقيد به
احترازا عن المائعات كالقار والنفط والملح،
وعن الجامد الذي لا ينطبع كالجص والنورة
والجواهر كالياقوت والفيروزج والزمرد فلا شيء
فيها وأطلق في الواجد فشمل الحر والعبد
والمسلم والذمي البالغ والصبي والذكر والأنثى
كما في المحيط وأما الحربي المستأمن إذا عمل
بغير إذن الإمام لم يكن له شيء؛ لأنه لا حق له
في الغنيمة، وإن عمل بإذنه فله ما شرط لأنه
استعمله فيه وإذا عمل رجلان في طلب الركاز
وأصابه أحدهما يكون للواجد؛ لأنه عليه الصلاة
والسلام جعل أربعة أخماسه للواجد، وإذا استأجر
أجراء للعمل في المعدن فالمصاب للمستأجر؛
لأنهم يعملون له، وعن أبي يوسف: لو وجد ركازا
فباعه بعوض فالخمس على الذي في يده الركاز
ويرجع على البائع بخمس الثمن كذا في المحيط،
وفي المبسوط ومن أصاب ركازا وسعه أن يتصدق
بخمسه على المساكين فإذا أطلع الإمام على ذلك
أمضى له ما صنع؛ لأن الخمس حق الفقراء وقد
أوصله إلى مستحقه، وهو في إصابة الركاز غير
محتاج إلى الحماية فهو كزكاة الأموال الباطنة
ا هـ.
وفي البدائع: ويجوز دفع الخمس إلى الوالدين
والمولودين الفقراء كما في الغنائم، ويجوز
للواجد أن يصرفه إلى نفسه إذا كان محتاجا، ولا
تغنيه الأربعة الأخماس بأن كان دون المائتين
أما إذا بلغ مائتين فإنه لا يجوز له تناول
الخمس ا هـ.
وهو دليل على وجوب الخمس مع فقر الواجد وجواز
صرفه لنفسه، ولا يقال: ينبغي أن لا يجب الخمس
مع الفقر كاللقطة؛ لأنا نقول: إن النص عام
فيتناوله كذا في المعراج.
وقيد بكونه في أرض خراج أو عشر ليخرج الدار
فإنه لا شيء فيها لكن ورد عليه الأرض التي لا
وظيفة فيها كالمفازة؛ إذ يقتضي أنه لا شيء في
المأخوذ منها، وليس كذلك فالصواب أن
ج / 2 ص -371-
لا
داره، وأرضه، وكنز وباقيه للمختط له
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يجعل ذلك لقصد الاحتراز بل للتنصيص على أن
وظيفتهما المستمرة لا تمنع الأخذ مما يوجد
فيها كذا في فتح القدير.
وفي المغرب خمس القوم إذا أخذ خمس أموالهم من
باب طلب ا هـ. واستشهد له في ضياء الحلوم بقول
عدي بن حاتم الطائي ربعت في الجاهلية وخمست في
الإسلام والخمس بضمتين وقد تسكن الميم وبه قرئ
في قوله تعالى –
{فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] ا هـ. فعلم أن قوله في المختصر: خمس بتخفيف الميم؛
لأنه متعد فجاز بناء المفعول منه، وبه اندفع
قول من قرأه خمس بتشديد الميم ظنا منه أن
المخفف لازم لما علمت أن المخفف متعد، وأنه من
باب طلب.
"قوله: لا داره وأرضه" أي لا خمس في معدن وجده
في داره أو أرضه فاتفقوا على أن الأربعة
الأخماس للمالك سواء، وجده هو أو غيره؛ لأنه
من توابع الأرض بدليل دخوله في البيع بغير
تسمية فيكون من أجزائها.
واختلفوا في وجوب الخمس قال أبو حنيفة: لا خلا
داره، وأرضه، وكنز وباقيه للمختط له
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: لا داره وأرضه" أي لا خمس في معدن وجده
في داره أو أرضه فاتفقوا على أن الأربعة
الأخماس للمالك سواء، وجده هو أو غيره؛ لأنه
من توابع الأرض بدليل دخوله في البيع بغير
تسمية فيكون من أجزائها.
واختلفوا في وجوب الخمس قال أبو حنيفة: لا خمس
في الدار والبيت والمنزل والحانوت مسلما كان
المالك، أو ذميا كما في المحيط، وفي الأرض عنه
روايتان اختار المصنف أنها كالدار وقالا: يجب
الخمس لإطلاق الدليل، وله أنه من أجزاء الأرض
مركب فيها، ولا مؤنة في سائر الأجزاء فكذا في
هذا الجزء؛ لأن الجزء لا يخالف الجملة بخلاف
الكنز فإنه غير مركب فيها، والفرق بين الأرض
والدار على إحدى الروايتين، وهي رواية الجامع
الصغير أن الدار ملكت خالية عن المؤن دون
الأرض؛ ولذا وجب العشر أو الخراج في الأرض دون
الدار فكذا هذه المؤنة حتى قالوا: لو كان في
الدار نخلة تطرح كل سنة أكرارا من الثمار لا
يجب فيه شيء لما قلنا بخلاف الأرض، وفي
البدائع: هذا كله إذا وجد في دار الإسلام فأما
إذا وجده في دار الحرب فإن وجده في أرض غير
مملوكة فهو له، ولا خمس فيه كما في الكنز،
وأورد على كون المعدن من أجزاء الأرض جواز
التيمم به، وليس بجائز، وأجاب في المعراج بأنه
من أجزائها، وليس من جنسها كالخشب.
"قوله: وكنز" بالرفع عطف على"معدن" أي: وخمس
كنز، وهو دفين الجاهلية فيكون الخمس لبيت
المال، وله أن يصرفه إلى نفسه إن كان فقيرا
كما قدمناه في المعدن ووجوب الخمس اتفاق لعموم
الحديث "وفي الركاز الخمس" كما قدمناه.
"قوله: وباقيه للمختط له" أي الأخماس الأربعة
للذي ملكه الإمام البقعة أول الفتح، وإن
مس في الدار والبيت
والمنزل والحانوت مسلما كان المالك، أو ذميا
كما في المحيط، وفي الأرض عنه روايتان اختار
المصنف أنها كالدار وقالا: يجب الخمس لإطلاق
الدليل، وله أنه من أجزاء الأرض مركب فيها،
ولا مؤنة في سائر الأجزاء فكذا في هذا الجزء؛
لأن الجزء لا يخالف الجملة بخلاف الكنز فإنه
غير مركب فيها، والفرق بين الأرض والدار على
إحدى الروايتين، وهي رواية الجامع الصغير أن
الدار ملكت خالية عن المؤن دون الأرض؛ ولذا
وجب العشر أو الخراج في الأرض دون الدار فكذا
هذه المؤنة حتى قالوا: لو كان في الدار نخلة
تطرح كل سنة أكرارا من الثمار لا يجب فيه شيء
لما قلنا بخلاف الأرض، وفي البدائع: هذا كله
إذا وجد في دار الإسلام فأما إذا وجده في دار
الحرب فإن وجده في أرض غير مملوكة فهو له، ولا
خمس فيه كما في الكنز، وأورد على كون المعدن
من أجزاء الأرض جواز التيمم به، وليس بجائز،
وأجاب في المعراج بأنه من أجزائها، وليس من
جنسها كالخشب.
ج / 2 ص -372-
وزئبق،
لا ركاز دار الحرب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان ميتا فلورثته إن عرفوا، وإلا فهو لأقصى
مالك للأرض أو لورثته كذا في البدائع وقيل
يوضع في بيت المال، ورجحه في فتح القدير، وفي
التحفة جعله لبيت المال إن لم يعرف الأقصى
وورثته، وهذا كله عندهما، وقال أبو يوسف: إن
الباقي للواحد كالمعدن؛ لأن الاستحقاق بتمام
الحيازة، وهي منه، ولهما أن يد المختط له سبقت
إليه، وهي يد الخصوص فيملك به ما في الباطن،
وإن كانت على الظاهر كما إذا اصطاد سمكة في
بطنها درة ثم بالبيع لم تخرج عن ملكه؛ لأنه
مودع فيها بخلاف المعدن؛ لأنه من أجزائها
فينتقل إلى المشتري ومحل الخلاف فيما إذا لم
يدعه مالك الأرض فإن ادعى أنه ملكه فالقول
قوله اتفاقا كذا في المعراج.
أطلق في الكنز فشمل النقد وغيره من السلاح
والآلات وأثاث المنازل والفصوص والقماش؛ لأنها
كانت ملكا للكفار فحوته أيدينا قهرا فصارت
غنيمة وقيدناه بدفين الجاهلية بأن كان نقشه
صنما أو اسم ملوكهم المعروفين للاحتراز عن
دفين أهل الإسلام كالمكتوب عليه كلمة الشهادة
أو نقش آخر معروف للمسلمين فهو لقطة؛ لأن مال
المسلمين لا يغنم وحكمها معروف، وإن اشتبه
الضرب عليهم فهو جاهلي في ظاهر المذهب؛ لأنه
الأصل وقيل يجعل إسلاميا في زماننا لتقادم
العهد وأشار بقوله للمختط له إلى أنه وجده في
أرض مملوكة؛ لأنه لو وجده في أرض غير مملوكة
كالجبال والمفازة فهو كالمعدن يجب خمسه وباقيه
للواجد مطلقا حرا كان أو عبدا كما ذكرناه.
وفي المغرب الخطة المكان المختط لبناء دار أو
غير ذلك من العمارات، وفي المعراج إنما قالوا
للمختط له؛ لأن الإمام إذا أراد قسمة الأراضي
يخط لكل واحد من الغانمين ويجعل تلك الناحية
له.
"قوله: وزئبق" أي خمس الزئبق عند أبي حنيفة
ومحمد وعن أبي يوسف لا شيء فيه؛ لأنه مائع
ينبع من الأرض كالقير ولهما أنه ينطبع مع غيره
فإنه حجر يطبخ فيسيل منه الزئبق فأشبه الرصاص،
وهو بكسر الباء بعد الهمزة الساكنة كذا في
المغرب وقيل هو حيوان؛ لأنه ذو حس يتحرك
بالإرادة؛ ولهذا يقتل كذا في المعراج، وفي فتح
القدير أنه بالياء وقد تهمز، ومنهم حينئذ من
يكسر الموحدة بعد الهمزة مثل زيبر الثوب، وهو
ما يعلو جديده من الوبرة لأخذه لا على وجه
القهر والغلبة.
"قوله: لا ركاز دار حرب" أي لا يخمس ركاز في
دار الحرب؛ لأنه ليس بغنيمة لأخذه لا على وجه
القهر والغلبة لانعدام غلبة المسلمين عليه.
ج / 2 ص -373-
وفيروزج ولؤلؤ وعنبر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أطلق في الركاز فشمل الكنز والمعدن.
والقدوري وضع المسألة في الكنز ليبين حكم
المعدن بالأولى لعدم الاختلاف فيه بخلاف الكنز
فإن شيخ الإسلام أوجب الخمس فيه كما في
المعراج.
وأطلق في دار الحرب فشمل ما إذا وجده في أرض
غير مملوكة أو في مملوكة لهم لكن إذا كانت غير
مملوكة فالكل له سواء دخل بأمان أو لا؛ لأن
حكم الأمان يظهر في المملوك لا في المباح، وإن
كانت مملوكة لبعضهم فإن دخل بأمان رده إلى
صاحبها لحرمة أموالهم عليه بغير الرضا، وإن لم
يرده إليه ملكه ملكا خبيثا فسبيله التصدق به،
فلو باعه صح لقيام ملكه لكن لا يطيب للمشتري
بخلاف بيع المشتري شراء فاسدا؛ لأن الفساد
يرتفع ببيعه لامتناع فسخه حينئذ، وإن دخل بغير
أمان حل له ويستثنى من إطلاق المصنف ما إذا
دخل جماعة ذوو منعة دار الحرب وظفروا بشيء من
كنوزهم فإنه يجب فيه الخمس لكونه غنيمة لحصول
الأخذ على طريق القهر والغلبة.
"قوله: وفيروزج ولؤلؤ وعنبر" أي لا تخمس هذه
الأشياء أما الأول فلأنه حجر مضيء يوجد في
الجبال، وقد ورد في الحديث "لا خمس في الحجر" ونحوه الياقوت والجواهر كما قدمناه من كل جامع لا ينطبع أطلقه، وهو
مقيد بما إذا أخذها من معدنها أما إذا وجدت
كنزا، وهي دفين الجاهلية ففيه الخمس؛ لأنه لا
يشترط في الكنز إلا المالية لكونه غنيمة.
وأما الثاني فالمراد به كل حلية تستخرج من
البحر حتى الذهب والفضة فيه بأن كانت كنزا في
قعر البحر، وهذا عندهما وقال أبو يوسف يجب في
جميع ما يخرج من البحر لأنه مما تحويه يد
الملوك ولهما أن قعر البحر لا يرد عليه قهر
أحد فانعدمت اليد وهي شرط الوجوب.
فالحاصل أن الكنز لا تفصيل فيه بل يجب فيه
الخمس كيفما كان سواء كان من جنس الأرض أو لم
يكن بعد أن كان مالا متقوما، وأما المعدن
فثلاثة أنواع كما قدمناه أول الباب واللؤلؤ
مطر الربيع يقع في الصدف فيصير لؤلؤا والصدف
حيوان يخلق فيه اللؤلؤ.
والعنبر حشيش ينبت في البحر أو خثى دابة في
البحر والله - سبحانه – أعلم.
ج / 2 ص -374-
6- باب العشر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
6- باب العشر
هو واحد الأجزاء العشرة،
والكلام فيه في مواضع في بيان فرضيته وكيفيتها
وسببها وشرائطها وقدر المفروض ووقته وصفته
وركنه وشرائطه وما يسقطه.
أما الأول فثابت بالكتاب قوله تعالى:
{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] على قول عامة أهل التأويل هو العشر أو نصفه.
وبالسنة "ما سقته السماء ففيه العشر وما سقي
بغرب أو دالية ففيه نصف العشر".
وبالإجماع.
وأما الكيفية فما تقدم في الزكاة أنه على
الفور أو التراخي.
وأما سببها فالأرض النامية بالخارج حقيقة
بخلاف الخراج فإن سببه الأرض النامية حقيقة أو
تقديرا بالتمكين فلو تمكن، ولم يزرع وجب
الخراج دون العشر، ولو أصاب الزرع آفة لم يجبا
وقدمنا حكم تعجيل العشر وأنه على ثلاثة أوجه
في مسألة تعجيل الزكاة.
وأما شرائطها: فنوعان شرط الأهلية وشرط
المحلية.
فالأول نوعان: أحدهما
الإسلام، وأنه شرط ابتداء هذا الحق فلا يبتدأ
إلا على مسلم بلا خلاف وأما كونه يتحول إلى
الكافر فسيأتي مفصلا.
والثاني: العلم بالفرضية، وهو
عام في كل عبادة أيضا.
وأما العقل والبلوغ فليسا من شرائط الوجوب حتى
يجب العشر في أرض الصبي والمجنون؛ لأن فيه
معنى المؤنة؛ ولهذا جاز للإمام أن يأخذه جبرا،
ويسقط عن صاحب الأرض إلا أنه لا ثواب له إلا
إذا أدى اختيارا؛ ولذا لو مات من عليه العشر
والطعام قائم يؤخذ منه بخلاف الزكاة وكذا ملك
الأرض ليس بشرط للوجوب لوجوبه في الأرض
الموقوفة ويجب في أرض المأذون والمكاتب ويجب
على المؤجر عنده وعندهما على المستأجر
كالمستعير ويسقط عن المؤجر بهلاكه قبل الحصاد
لا بعده، وفي المزارعة على قولهما فالعشر
عليهما بالحصة، وعلى قوله على رب الأرض لكن
يجب في حصته في عينه، وفي حصة المزارع يكون
دينا في ذمته، وفي الأرض المغصوبة على الغاصب
إن لم تنقصها الزراعة، وإن نقصتها فعلى رب
الأرض عنده، وعندهما في الخارج ولو كانت الأرض
خراجية فخراجها على رب الأرض في الوجوه كلها
بالإجماع إلا في الغصب إذا لم تنقصها الزراعة
فخراجها على الغاصب وإن نقصتها فعلى رب الأرض
كذا في
ج / 2 ص -375-
يجب في
عسل أرض العشر ومسقى سماء وسيح بلا شرط نصاب
وبقاء إلا الحطب والقصب والحشيش
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البدائع وغيره، وفي الخلاصة والظهيرية أن
الخراج إنما يكون على الغاصب إذا كان جاحدا
ولا بينة للمالك وزرعها الغاصب أما إذا كان
مقرا، أو للمالك بينة عادلة، ولم تنقصها
الزراعة فالخراج على رب الأرض ا هـ.
وأما شرائط المحلية فأن تكون عشرية فلا عشر في
الخارج من أرض الخراج؛ لأنهما لا يجتمعان
وسيأتي بيان العشرية ووجود الخارج، وأن يكون
الخارج منها مما يقصد بزراعته نماء الأرض فلا
عشر في الحطب ونحوه وسيأتي بيان قدره.
وأما وقته فوقت خروج الزرع وظهور الثمر عند
أبي حنيفة وعند أبي يوسف وقت الإدراك وعند
محمد عند التنقية والجذاذ وأما ركنه فالتمليك
كالزكاة وشرائط الأداء ما قدمناه في الزكاة
وأما ما يسقطه فهلاك الخارج من غير صنعه،
وبهلاك البعض يسقط بقدره، وإن استهلكه غير
المالك أخذ الضمان منه وأدى عشره، وإن استهلكه
المالك ضمن عشره وصار دينا في ذمته، ومنها
الردة، ومنها موت المالك من غير وصية إذا كان
قد استهلكه كذا في البدائع مختصرا.
"قوله: يجب في عسل أرض العشر ومسقى سماء وسيح
بلا شرط نصاب وبقاء إلا الحطب والقصب والحشيش"
أي يجب العشر فيما ذكر أما في العسل فللحديث
"في العسل العشر" ولأن النحل يتناول من
الأنوار والثمار، وفيهما العشر فكذا فيما
يتولد منهما بخلاف دود القز؛ لأنه يتناول
الأوراق، ولا عشر فيها أطلقه فتناول القليل
والكثير، وهو مذهب الإمام وقدر أبو يوسف نصابه
بخمسة أوسق، وعن محمد بخمسة أفراق كل فرق ستة
وثلاثون رطلا قيد بأرض العشر؛ لأن العسل إذا
كان في أرض الخراج فلا شيء فيه لما ذكر أن
وجوب العشر فيه لكونه بمنزلة الثمر، ولا شيء
في ثمار أرض الخراج لامتناع وجوب العشر
والخراج في أرض واحدة.
وفي المعراج: وقول محمد لا شيء فيه أي في
العسل ولكن الخراج يجب باعتبار التمكن من
الاستنزال ا هـ.
وفي المبسوط أن صاحب الأرض يملك العسل الذي في
أرضه، وإن لم يتخذها لذلك حتى له أن يأخذه ممن
أخذه من أرضه بخلاف الطير إذا فرخ في أرض رجل
فجاء رجل وأخذه فهو
ج / 2 ص -376-
....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للآخذ لأن الطير لا يفرخ في موضع ليترك فيه بل
ليطير فلم يصر صاحب الأرض محررا للفرخ بملكه ا
هـ.
ولو وجد العسل في المفازة أو الجبل ففيه
اختلاف فعندهما يجب العشر، وقال أبو يوسف: لا
شيء فيه؛ لأن الأرض ليست بمملوكة ولهما أن
المقصود من ملكها النماء وقد حصل وعلى هذا كل
ما يوجد في الجبال من الثمار والجوز وبهذا علم
أن التقييد بأرض العشر للاحتراز عن أرض الخراج
فقط فلو قال: يجب في عسل أرض غير الخراج لكان
أولى.
وأما وجوبه فيما سقي بالمطر أو بالسيح كماء
النيل فمتفق عليه للأدلة السابقة وأما قوله
بلا شرط نصاب وبقاء فمذهب الإمام وشرطاهما
فصار الخلاف في موضعين لهما في الأول قوله
عليه الصلاة والسلام
"ليس في حب، ولا تمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق"
رواه مسلم وله إطلاق الآية
{وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة: 267] والحديث
"فيما سقت السماء العشر"
وتأويل مرويهما أن المنقى زكاة التجارة؛ لأنهم
كانوا يتبايعون بالأوساق، وقيمة الوسق أربعون
درهما أو تعارض الخاص والعام فقدم العام؛ لأنه
أحوط، ولهما في الثاني الحديث
"ليس في
الخضراوات صدقة" وله التمسك بالعمومات، وإنما استثنى الثلاثة؛ لأنه لا يقصد بها
استغلال الأرض غالبا حتى لو استغل بها أرضه
وجب العشر، وعلى هذا كل ما لا يقصد به استغلال
الأرض لا يجب فيه العشر مثل السعف والتبن،
وكذا كل حب لا يصلح للزراعة كبزر البطيخ
والقثاء لكونها غير مقصودة في نفسها، وكذا لا
عشر فيما هو تابع للأرض كالنحل والأشجار؛ لأنه
بمنزلة جزء الأرض؛ لأنه يتبعها في البيع وكذا
كل ما يخرج من الشجر كالصمغ والقطران؛ لأنه لا
يقصد
ج / 2 ص -377-
ونصفه
في مسقي غرب، ودالية، ولا ترفع المؤن، وضعفه
في أرض عشرية لتغلبي، وإن أسلم أو اتباعها منه
مسلم، أو ذمي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
به الاستغلال، ويجب في العصفر والكتان وبزره؛
لأن كل واحد منها مقصود فيه ثم اختلفا فيما لا
يوسق كالزعفران والقطن فاعتبر أبو يوسف قيمة
أدنى ما يوسق كالذرة واعتبر محمد خمسة أعداد
من أعلى ما يقدر به نوعه فاعتبر في القطن خمسة
أحمال كل حمل ثلاثمائة من، وفي الزعفران خمسة
أمناء ولو كان الخارج نوعين يضم أحدهما إلى
الآخر لتكميل النصاب إذا اتحد الجنس، وإن كان
جنسين كل واحد أقل من خمسة أوسق فإنه لا يضم،
ونصاب القصب السكر على قول أبي يوسف أن تبلغ
قيمته قيمة خمسة أوسق من أدنى ما يوسق وعند
محمد نصاب السكر خمسة أمناء فإذا بلغ القصب
قدرا يخرج منه خمسة أمناء سكر وجب فيه العشر
على قوله، وينبغي أن يكون نصاب القصب عنده
خمسة أطنان كما في عرف ديارنا.
"قوله: ونصفه في مسقى غرب ودالية" أي ويجب نصف
العشر فيما سقي بآلة للحديث والغرب دلو عظيم
والدالية دولاب عظيم تديره البقر، وإن سقي بعض
السنة بآلة، والبعض بغيرها فالمعتبر أكثرها
كما مر في السائمة والعلوفة، وإن استويا يجب
نصف العشر نظرا للفقراء كما في السائمة، وظاهر
الغاية وجوب ثلاثة أرباع العشر.
"قوله: ولا ترفع المؤن" أي لا تحسب أجرة
العمال ونفقة البقر وكري الأنهار وأجرة الحافظ
وغير ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حكم
بتفاوت الواجب لتفاوت المؤنة فلا معنى لرفعها
أطلقه فشمل ما فيه العشر وما فيه نصفه فيجب
إخراج الواجب من جميع ما أخرجته الأرض عشرا أو
نصفا إلا أن ما تكلفه يأخذه بلا عشر أو نصفه
ثم يخرج الواجب من الباقي كما توهمه بعض
الناس.
"قوله: وضعفه في أرض عشرية لتغلبي، وإن أسلم
أو ابتاعها منه مسلم أو ذمي" أي يجب عشران في
أرض إلى آخره، وفيه ثلاث مسائل.
الأولى: الأرض العشرية إذا
اشتراها تغلبي فالمذهب تضعيفه عليه لإجماع
الصحابة.
الثانية: إذا أسلم التغلبي
فالتضعيف باق عليه؛ لأن التضعيف صار وظيفة
الأرض فيبقى بعد إسلامه كالخراج.
الثالثة: إذا اشتراها منه
مسلم أو ذمي فكذلك؛ لأنها انتقلت إليه
بوظيفتها كالخراج فإن
ج / 2 ص -378-
وخراج
إن اشترى ذمي أرضا عشرية من مسلم وعشر إن
أخذها مسلم بالشفعة أو رد على البائع للفساد
وإن جعل مسلم داره بستانا فمؤنته تدور مع مائه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المسلم أهل للبقاء عليه، وإن لم يكن أهلا
لابتدائه ورد الواجب أبو يوسف في المسألتين
إلى عشر واحد لزوال الداعي إلى التضعيف.
"قوله: وخراج إن اشترى ذمي أرضا عشرية من
مسلم" أي يجب الخراج؛ لأن في العشر معنى
العبادة، والكفر ينافيها، ولا وجه إلى
التضعيف؛ لأن الكلام في غير التغلبي بخلاف
الخراج؛ لأنه عقوبة والإسلام لا ينافيها كالرق
وبه اندفع قول أبي يوسف من تضعيف العشر عليه،
وقول محمد ببقاء العشر.
وحاصل هذه المسائل أن الأرض إما عشرية أو
خراجية أو تضعيفية والمشترون مسلم وذمي وتغلبي
فالمسلم إذا اشترى العشرية أو الخراجية بقيت
على حالها، أو التضعيفية فكذلك عند أبي حنيفة
ومحمد وقال أبو يوسف ترجع إلى عشر واحد فإذا
اشترى التغلبي الخراجية بقيت خراجية أو
التضعيفية فهي تضعيفية أو العشرية من مسلم
ضوعف عليه العشر عندهما خلافا لمحمد وإذا
اشترى ذمي غير تغلبي خراجية أو تضعيفية بقيت
على حالها أو عشرية صارت خراجية إن استقرت في
ملكه عنده، ولم يشترط القبض في المختصر لوجوب
الخراج وشرطه في الهداية؛ لأن الخراج لا يجب
إلا بالتمكن من الزراعة، وذلك بالقبض.
"قوله: وعشر إن أخذها مسلم بالشفعة أو رد على
البائع للفساد" أما الأول فلتحول الصفقة إلى
الشفيع كأنه اشتراها من المسلم.
وأما الثاني فلأنه بالرد والفسخ جعل البيع كأن
لم يكن؛ لأن حق المسلم، وهو البائع لم ينقطع
بهذا البيع لكونه مستحق الرد وأشار بقوله
للفساد إلى كل موضع كان الرد فيه فسخا كالرد
بخيار الشرط والرؤية مطلقا والرد بخيار العيب
إن كان بقضاء وأما بغير قضاء فهي خراجية على
حالها كالإقالة؛ لأنها فسخ في حق المتعاقدين
بيع جديد في حق ثالث فصار شراء من الذمي
فتنتقل إلى المسلم بوظيفتها فاستفيد من وضع
المسألة أن للذمي أن يردها بعيب قديم، ولا
يكون وجوب الخراج عليها عيبا حادثا؛ لأنه
يرتفع بالفسخ بالقضاء فلا يمنع الرد.
"قوله: وإن جعل مسلم داره بستانا فمؤنته تدور
مع مائه" يعني فإن سقاه بماء العشر فهو عشري،
وإن سقاه بماء الخراج فهو خراجي، وإن سقاه مرة
من ماء العشر، ومرة من ماء الخراج فعليه
العشر؛ لأنه أحق بالعشر من الخراج كذا في غاية
البيان واستشكل العتابي وجوب الخراج على
المسلم ابتداء حتى نقل في غاية البيان أن
الإمام السرخسي ذكر في كتاب الجامع أن عليه
ج / 2 ص -379-
بخلاف الذمي وداره حر، كعين قير ونفط في أرض عشر ولو في أرض خراج
يجب الخراج
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العشر بكل حال؛ لأنه أحق بالعشر من الخراج،
وهو الأظهر ا هـ. وجوابه أن الممنوع وضع
الخراج عليه ابتداء جبرا أما باختياره فيجوز،
وقد اختاره هنا حيث سقاه بماء الخراج فهو كما
إذا أحيا أرضا ميتة بإذن الإمام وسقاها بماء
الخراج فإنه يجب عليه الخراج والبستان يحوط
عليها حائط، وفيها أشجار متفرقة كذا في
المعراج قيد بجعلها بستانا؛ لأنه لو لم يجعلها
بستانا، وفيها نخل تغل أكرارا لا شيء فيها
وأما الذمي فإن الخراج واجب عليه مطلقا، ولا
يعتبر الماء، وهو المراد بقوله.
"بخلاف الذمي"؛ لأنه أهل له لا للعشر.
"قوله: وداره حر"؛ لأن عمر رضي الله عنه جعل
المساكن عفوا وعليه إجماع الصحابة وكذا
المقابر وتقييده في الهداية بالمجوسي ليفيد
النفي في غيره من أهل الكتاب بالدلالة لأن
المجوسي أبعد عن الإسلام لحرمة مناكحته
وذبائحه.
"قوله: كعين قير ونفط في أرض عشر، ولو في أرض
خراج يجب الخراج"؛ لأنه ليس من إنزال الأرض،
وإنما هو عين فوارة كعين الماء فلا عشر، ولا
خراج إن لم يكن وراء موضع القير والنفط أرض
فارغة صالحة للزراعة، وأما إذا كان وراءه موضع
صالح للزراعة فلا يجب شيء إن كان في أرض
العشر؛ لأن العشر لا يكفي فيه التمكن من
الزراعة بل لا بد من حقيقة الخارج، وأما إن
كان في أرض خراج وجب الخراج؛ لأنه يكفي لوجوبه
التمكن من الزراعة، وقد حصل، وهو المراد بما
في المختصر والقير هو الزفت، ويقال القار
والنفط بالفتح والكسر، وهو أفصح دهن يعلو
الماء، وفي معراج الدراية، ولا يمسح موضع
القير في رواية ابن سماعة عن محمد؛ لأن موضعه
لا يصلح للزراعة وقال بعض مشايخنا: يمسح؛ لأن
موضع القير تبع للأرض فيمسح معه تبعا وإن كان
لا يصلح للزراعة كأرض في بعض جوانبها سبخة
فإنها تمسح مع الأرض ويوضع الخراج فيها لكونها
تابعة لما يصلح للزراعة ا هـ. وظاهر المختصر
يدل على قول البعض فإنه أوجب الخراج مطلقا،
ولم يذكر المصنف الفرق بين الأرض الخراجية
والعشرية فالأرض العشرية أرض العرب كلها قال
محمد هي من العذيب إلى مكة وعدن أبين إلى أقصى
حجر باليمن بمهرة وذكر الكرخي أنها أرض الحجاز
وتهامة واليمن ومكة والطائف والبرية، ومنها
الأرض التي أسلم أهلها طوعا أو فتحت قهرا
وقسمت بين الغانمين.
وأما الأرض الخراجية فما فتحت قهرا وتركت في
أيدي أربابها وأرض نصارى بني تغلب، والموات
التي أحياها ذمي مطلقا أو مسلم وسقاها بماء
الخراج وماء الخراج هو ماء الأنهار الصغار
التي حفرها الأعاجم مما يدخل تحت الأيدي وماء
العيون والقنوات المستنبطة من مال بيت المال.
ج / 2 ص -380-
..................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وماء العشر هو ماء
السماء والآبار والعيون والأنهار العظام التي
لا تدخل تحت الأيدي كسيحون وجيحون ودجلة
والفرات والنيل لعدم إثبات يد عليها وعن أبي
يوسف أنها خراجية لإمكان إثبات اليد عليها بشد
السفن بعضها على بعض حتى تصير شبه القنطرة كذا
في البدائع وغيرها والله أعلم
7- باب المصرف
هو الفقير المسكين وهو أسوأ حالاً من الفقير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
7- باب المصرف
هو في اللغة المعدل قال - تعالى: {وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفاً} [الكهف: 53] كذا في ضياء الحلوم، ولم يقيده في الكتاب بمصرف الزكاة
ليتناول الزكاة والعشر وخمس المعادن مما قدمه
كما أشير إليه في النهاية وينبغي إخراج خمس
المعادن؛ لأن مصرفه الغنائم كما صرح به
الإسبيجابي وغيره وقد ذكر الأصناف السبعة وسكت
عن المؤلفة قلوبهم للإشارة إلى السقوط للإجماع
الصحابي، وهو من قبيل انتهاء الحكم لانتهاء
علته الغائبة التي كان لأجلها الدفع فإن الدفع
كان للإعزاز وقد أعز الله الإسلام وأغنى عنهم
واختار في العناية أنه ليس من باب النسخ؛ لأن
الإعزاز الآن في عدم الدفع فهو تقرير لما كان
لا نسخ وتعقبه في فتح القدير بأن هذا لا ينفي
النسخ؛ لأن إباحة الدفع إليهم حكم شرعي كان
ثابتا وقد ارتفع وهم كانوا ثلاثة أقسام قسم
كان الإعطاء ليتألفهم على الإسلام وقسم كان
يعطيهم لدفع شرهم وقسم أسلموا، وفيهم ضعف فكان
يتألفهم ليثبتوا، ولا يقال إن نسخ الكتاب
بالإجماع لا يجوز؛ لأن الناسخ دليل الإجماع لا
هو بناء على أنه لا إجماع إلا عن مستند فإن
ظهر وإلا وجب الحكم بأنه ثابت على أن الآية
التي ذكرها عمر رضي الله عنه تصلح لذلك، وهو
قوله تعالى:
{وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ
شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ
فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29].
"قوله: هو الفقير والمسكين، وهو أسوأ حالا من
الفقير" أي المصرف الفقير والمسكين والمسكين
أدنى حالا وفرق بينهما في الهداية وغيرها بأن
الفقير من له أدنى شيء والمسكين من لا شيء له
وقيل على العكس ولكل وجه والأول هو الأصح، وهو
المذهب كذا في الكافي والأولى أن يفسر الفقير
بمن له ما دون النصاب كما في النقاية أخذا من
قولهم يجوز دفع الزكاة إلى من يملك ما دون
النصاب أو قدر نصاب غير تام، وهو مستغرق في
الحاجة، ولا خلاف في أنهما صنفان هو الصحيح؛
لأن العطف في الآية يقتضي المغايرة، وإنما
الخلاف في أنهما صنفان
ج / 2 ص -381-
والعامل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أو صنف واحد في غير الزكاة كالوصية والوقف
والنذر فقال أبو حنيفة بالأول، وهو الصحيح كما
في غاية البيان وأبو يوسف بالثاني فلو أوصى
بثلث ماله لفلان وللفقراء والمساكين فعلى
الصحيح لفلان ثلث الثلث وعلى غيره نصف الثلث
وإنما جاز صرف الزكاة إلى صنف واحد لمعنى لا
يوجد في الوصية، وهو دفع الحاجة وذا يحصل
بالصرف إلى صنف واحد والوصية ما شرعت لدفع
حاجة الموصى له فإنها تجوز للغني أيضا وقد
يكون للموصي أغراض كثيرة لا يوقف عليها فلا
يمكن تعليل نص كلامه فيجري على ظاهر لفظه من
غير اعتبار المعنى كذا في البدائع ولهذا لو
أوصى بثلث ماله للأصناف السبعة فصرف إلى صنف
واحد لا يجوز وقيل يجوز كذا في المحيط.
وفي الخانية والذي له دين على إنسان إذا احتيج
إلى النفقة يجوز له أن يأخذ من الزكاة قدر
كفايته إلى حلول الأجل، وإن كان الدين غير
مؤجل فإن كان من عليه الدين معسرا يجوز له أخذ
الزكاة في أصح الأقاويل؛ لأنه بمنزلة ابن
السبيل، وإن كان المديون موسرا معترفا لا يحل
له أخذ الزكاة وكذا إذا كان جاحدا وله عليه
بينة عادلة، وإن لم تكن بينة عادلة لا يحل له
أخذ الزكاة ما لم يرفع الأمر إلى القاضي
فيحلفه فإذا حلف بعد ذلك يحل له أخذ الزكاة ا
هـ.
والمراد من الدين ما يبلغ نصابا كما لا يخفى،
وفي فتح القدير: ولو دفع إلى فقيرة لها مهر
دين على زوجها يبلغ نصابا، وهو موسر بحيث لو
طلبت أعطاها لا يجوز، وإن كان بحيث لا يعطي لو
طلبت جاز ا هـ. وهو مقيد لعموم ما في الخانية
والمراد من المهر ما تعورف تعجيله؛ لأن ما
تعورف تأجيله فهو دين مؤجل لا يمنع أخذ
الزكاة، ويكون في الأول عدم إعطائه بمنزلة
إعساره ويفرق بينه وبين سائر الديون بأن رفع
الزوج للقاضي مما لا ينبغي للمرأة بخلاف غيره
لكن في البزازية، وإن كان موسرا أو المعجل قدر
النصاب لا يجوز عندهما وبه يفتى للاحتياط،
وعند الإمام يجوز مطلقا وسيأتي بيان النصب
الثلاثة آخر الباب إن شاء الله - تعالى –.
"قوله: والعامل" تقدم تفسيره في باب العاشر
وعبر بالعامل دون العاشر ليشمل الساعي أيضا،
وقدمنا الفرق بينهما فيعطى ما يكفيه وأعوانه
بالوسط مدة ذهابهم وإيابهم ما دام المال باقيا
إلا إذا استغرقت كفايته الزكاة فلا يزاد على
النصف؛ لأن التنصيف عين الإنصاف قيدنا بالوسط؛
لأنه لا يجوز له أن يتبع شهوته في المأكل
والمشرب والملبس؛ لأنها حرام لكونها إسرافا
محضا، وعلى الإمام أن يبعث من يرضى بالوسط من
غير إسراف، ولا تقتير كذا في غاية البيان، وفي
البزازية المصدق إذا أخذ عمالته قبل الوجوب أو
القاضي استوفى رزقه قبل المدة جاز، والأفضل
عدم
ج / 2 ص -382-
والمكاتب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التعجيل لاحتمال أن لا يعيش إلى المدة ا هـ.
وقيدنا ببقاء المال؛ لأنه لو أخذ الصدقة،
وضاعت في يده بطلت عمالته، ولا يعطى من بيت
المال شيئا كذا في الأجناس عن الزيادات وما
يأخذه العامل صدقة فلا تحل العمالة لهاشمي
لشرفه كما سيأتي وإنما حلت للغني مع حرمة
الصدقة عليه؛ لأنه فرغ نفسه لهذا العمل فيحتاج
إلى الكفاية، والغني لا يمنع من تناولها عند
الحاجة كابن السبيل كذا في البدائع.
والتحقيق أن فيه شبها بالأجرة وشبها بالصدقة
فللأول يحل للغني، ولا يعطى لو هلك المال، أو
أداها صاحب المال إلى الأمام، وللثاني لا يحل
للهاشمي، ويسقط الواجب عن أرباب الأموال لو
هلك المال في يده؛ لأن يده كيد الإمام، وهو
نائب عن الفقراء، ولا تكون مقدرة، وفي النهاية
رجل من بني هاشم استعمل على الصدقة فأجري له
منها رزق فإنه لا ينبغي له أن يأخذ من ذلك وإن
عمل فيها ورزق من غيرها فلا بأس بذلك ا هـ.
وهو يفيد صحة توليته، وإن أخذه منها مكروه لا
حرام، ومن أحكام العامل ما ذكره في البزازية
أن العامل إذا ترك الخراج على المزارع بدون
علم السلطان يحل له لو مصرفا كالسلطان إذا ترك
الخراج له.
"قوله: والمكاتب" أي يعان المكاتب في فك
رقبته، وهو المراد بقوله - تعالى:
{وَفِي
الرِّقَابِ} [البقرة: 177] هو منقول عن الحسن البصري وغيره في تفسير الطبري
وأطلقه فشمل ما إذا كان مولاه فقيرا أو غنيا
وهل ما يدفع للمكاتب منها يكون ملكا له أو لا
فالذي في بعض التفاسير أنه لا يملك قال القاضي
البيضاوي: والعدول عن اللام إلى في للدلالة
على أن الاستحقاق للجهة لا للرقاب وقيل
للإيذان بأنهم أحق بها ا هـ. وقال الطيبي في
حاشية الكشاف إنما عدل عن اللام إلى"في"في
الأربعة الأخيرة؛ لأن الأربعة الأول ملاك لما
عسى أن يدفع إليهم، والأربعة الأخيرة لا
يملكون ما يدفع إليهم إنما يصرف المال في
مصالح تتعلق بهم؛ لأن التعدية بفي مقدر بالصرف
فمال الرقاب يملكه السادة والمكاتبون لا يحصل
في أيديهم شيء والغارمون بصرف نصيبهم لأرباب
الديون، وكذلك في سبيل الله - تعالى، وابن
السبيل مندرج في سبيل الله، وأفرد بالذكر
تنبيها على خصوصية، وهو مجرد عن الحرفين جميعا
أي اللام، وفي عطفه على اللام ممكن، وفي أقرب
ا هـ. فقد صرح بأن الأربعة الأخيرة لا يملكون
شيئا، ويستفاد منه أنهم ليس لهم صرف المال في
غير الجهة التي أخذوا لأجلها، وفي البدائع:
وإنما جاز دفع الزكاة إلى المكاتب؛ لأن الدفع
إليه تمليك، وهو ظاهر في أن الملك يقع للمكاتب
فبقية الأربعة بالطريقة الأولى لكن بقي هل لهم
على هذا الصرف إلى غير الجهة، وفي المحيط وقد
قالوا: إنه لا يجوز لمكاتب هاشمي؛ لأن الملك
يقع للمولى من وجه، والشبهة ملحقة بالحقيقة في
حقهم ا هـ.
ج / 2 ص -383-
والمديون، ومنقطع الغزاة، وابن السبيل فيدفع
إلى كلهم، أو إلى صنف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي شرح المجمع، وإن عجز المكاتب يحل لمولاه،
وإن كان غنيا، وعلى هذا الفقير إذا استغنى،
وابن السبيل إذا وصل إلى ماله.
"قوله: والمديون" أطلقه كالقدوري وقيده في
الكافي بأن لا يملك نصابا فاضلا عن دينه؛ لأنه
المراد بالغارم في الآية، وهو في اللغة من
عليه دين، ولا يجد قضاء كما ذكره القتبي،
وإنما لم يقيده المصنف؛ لأن الفقر شرط في
الأصناف كلها إلا العامل، وابن السبيل إذا كان
له في وطنه مال بمنزلة الفقير، وفي الفتاوى
الظهيرية: والدفع إلى من عليه الدين أولى من
الدفع إلى الفقير.
"قوله: ومنقطع الغزاة" هو المراد بقوله -
تعالى:
{وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة:
60]، وهو اختيار منه لقول أبي يوسف، وعند محمد
منقطع الحاج، وقيل: طلبه العلم واقتصر عليه في
الفتاوى الظهيرية وفسره في البدائع بجميع
القرب فيدخل فيه كل من سعى في طاعة الله -
تعالى، وسبيل الخيرات إذا كان محتاجا ا هـ.
ولا يخفى أن قيد الفقير لا بد منه على الوجوه
كلها فحينئذ لا تظهر ثمرته في الزكاة، وإنما
تظهر في الوصايا والأوقاف كما تقدم نظيره في
الفقراء والمساكين.
"قوله: وابن السبيل" هو المنقطع عن ماله لبعده
عنه والسبيل الطريق فكل من يكون مسافرا يسمى
ابن السبيل، وهو غني بمكانه حتى تجب الزكاة في
ماله، ويؤمر بالأداء إذا وصلت إليه يده، وهو
فقير يدا حتى تصرف إليه الصدقة في الحال
لحاجته كذا في الكافي فإن قلت: منقطع الغزاة
أو الحج إن لم يكن في وطنه مال فهو فقير، وإلا
فهو ابن السبيل فكيف تكون الأقسام سبعة.
قلت: هو فقير إلا أنه زاد عليه بالانقطاع في
عبادة الله - تعالى - فكان مغايرا للفقير
المطلق الخالي عن هذا القيد كذا في النهاية،
وفي الظهيرية الاستقراض لابن السبيل خير من
قبول الصدقة، وفي فتح القدير: ولا يحل له أن
يأخذ أكثر من حاجته وألحق به كل من هو غائب عن
ماله، وإن كان في بلده، ولا يقدر عليه إلا به،
وفي المحيط، وإن كان تاجرا له دين على الناس
لا يقدر على أخذه، ولا يجد شيئا يحل له أخذ
الزكاة؛ لأنه فقير يدا كابن السبيل ا هـ. وهو
أولى من جعله غارما كما في فتح القدير وقد
قدمنا في بحث الفقير تفصيلا له فراجعه.
"قوله: فيدفع إلى كلهم أو إلى صنف"؛ لأن
المراد بالآية بيان الأصناف التي يجوز الدفع
إليهم لا تعيين الدفع لهم ويدل له من الكتاب
قوله تعالى:
{وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:
271]، ومن السنة أنه عليه الصلاة والسلام أتاه
مال من الصدقة فجعله في صنف واحد
ج / 2 ص -384-
لا إلى
ذمي وصح غيرها، وبناء مسجد، وتكفين ميت، وقضاء
دينه، وشراء قن يعتق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهم المؤلفة قلوبهم ثم أتاه مال آخر فجعله في
الغارمين. ولم يصرح في الكتاب بجواز الاقتصار
على شخص واحد من صنف واحد، ولا شك فيه عندنا؛
لأن الجمع المعرف باللام مجاز عن الجنس ولهذا
لو حلف لا يتزوج النساء، ولا يشتري العبيد
يحنث بالواحد فالمعنى في الآية أن جنس الزكاة
لجنس الفقير فيجوز الصرف إلى واحد؛ لأن
الاستغراق ليس بمستقيم؛ إذ يصير المعنى أن كل
صدقة لكل فقير، ولا يرد خالعني على ما في يدي
من الدراهم، ولا شيء في يدها فإنه يلزمها
ثلاثة ولو حلف لا يكلمه الأيام أو الشهور يقع
على العشرة عنده، وعلى الأسبوع والسنة عندهما؛
لأنه أمكن العهد فلا يحمل على الجنس فالحاصل
أن حمل الجمع على الجنس مجازا وعلى العهد أو
الاستغراق حقيقة، ولا مسوغ للحلف إلا عند تعذر
الأصل وعلى هذا تنصف الموصى به لزيد والفقراء
كالوصية لزيد وفقير.
"قوله: لا إلى ذمي" أي لا تدفع إلى ذمي لحديث
معاذ
"خذها من أغنيائهم وردها في فقرائهم" لا لأن التنصيص على الشيء ينفي الحكم عما عداه بل للأمر بردها إلى
فقراء المسلمين فالصرف إلى غيرهم ترك للأمر،
وحديث معاذ مشهور تجوز الزيادة به على الكتاب
ولئن كان خبر واحد فالعام خص منه البعض
بالدليل القطعي، وهو الفقير الحربي بالآية
وأصوله وفروعه بالإجماع فيخص الباقي بخبر
الواحد كما عرف في الأصول.
"قوله: وصح غيرها" أي وصح دفع غير الزكاة إلى
الذمي واجبا كان أو تطوعا كصدقة الفطر
والكفارات والمنذور لقوله تعالى:
{لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي
الدِّينِ}
[الممتحنة: 8] الآية، وخصت الزكاة بحديث معاذ،
وفيه خلاف أبي يوسف، ولا يرد عليه العشر؛ لأن
مصرفه مصرف الزكاة كما قدمناه فلا يدفع إلى
ذمي، والصرف في الكل إلى فقراء المسلمين أحب،
وقيد بالذمي؛ لأن جميع الصدقات فرضا كانت أو
واجبة أوتطوعا لا تجوز للحربي اتفاقا كما في
غاية البيان لقوله تعالى:
{إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي
الدِّينِ}
[الممتحنة: 9] وأطلقه فشمل المستأمن، وقد صرح
به في النهاية.
"قوله: وبناء مسجد وتكفين ميت وقضاء دينه
وشراء قن يعتق" بالجر بالعطف على ذمي،
ج / 2 ص -385-
وأصله
وإن علا وفرعه وإن سفل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والضمير في دينه للميت وعدم الجواز لانعدام
التمليك الذي هو الركن في الأربعة؛ لأن الكفن
على ملك المتبرع حتى لو افترس الميت السبع كان
الكفن للمتبرع لا لورثة الميت، وقضاء دين
الغير لا يقتضي التمليك من ذلك الغير الحي
فالميت أولى بدليل أنه لو قضى دين غيره ثم
تصادق الدائن والمديون على عدمه رجع المتبرع
على الدائن لا على المديون، والإعتاق إسقاط لا
تمليك قيد بقضاء دين الميت؛ لأنه لو قضى دين
الحي إن قضاه بغير أمره يكون متبرعا، ولا
يجزئه عن الزكاة وإن قضاه بأمره جاز، ويكون
القابض كالوكيل له في قبض الصدقة كذا في غاية
البيان وقيده في النهاية بأن يكون المديون
فقيرا، ولا بد منه، ويستفاد منه أن رجوع
المتبرع بقضاء الدين عند التصادق على الدائن
محمول على ما إذا كان بغير أمر المديون أما
إذا كان بأمره فهو تمليك منه فلا رجوع عند
التصادق بأنه لا دين على الدائن، وإنما يرجع
على المديون، وهو بعمومه يتناول ما لو دفعه
ناويا الزكاة، وينبغي أن لا رجوع فيها كما
بحثه المحقق في فتح القدير فليراجع، والحيلة
في الجواز في هذه الأربعة أن يتصدق بمقدار
زكاته على فقير ثم يأمره بعد ذلك بالصرف إلى
هذه الوجوه فيكون لصاحب المال ثواب الزكاة
وللفقير ثواب هذه القرب كذا في المحيط.
وأشار المصنف إلى أنه لو أطعم يتيما بنيتها لا
يجزئه لعدم التمليك إلا إذا دفع له الطعام
كالكسوة إذا كان يعقل القبض، وإلا فلا، ولو
دفع الصغير إلى وليه كذا في الخانية والمراد
بالعقل هنا أنه لا يرمي به، ولا يخدع عنه.
"قوله: وأصله، وإن علا وفرعه، وإن سفل" بالجر
أي لا يجوز الدفع إلى أبيه وجده، وإن علا، ولا
إلى ولده وولد ولده، وإن سفل؛ لأن المنفعة لم
تنقطع عن الملك من كل وجه كما قدمه في تعريف
الزكاة؛ لأن الواجب عليه الإخراج عن ملكه رقبة
ومنفعة، ولم يوجد في الأصول والفروع الإخراج
عن ملكه منفعة وإن وجد رقبة، وفي عبده وجد
الإخراج منفعة لا رقبة كذا في المستصفى، وفيه
إشارة إلى أن هذا الحكم لا يخص الزكاة بل كل
صدقة واجبة لا يجوز دفعها لهم كأحد الزوجين
كالكفارات وصدقة الفطر والنذور، وقيد بأصله
وفرعه؛ لأن من سواهم من القرابة يجوز الدفع
لهم، وهو أولى لما فيه من الصلة مع الصدقة
كالإخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال
والخالات الفقراء.
ولهذا قال في الفتاوى الظهيرية: يبدأ في
الصدقات بالأقارب ثم الموالي ثم الجيران وذكر
في موضع آخر معزيا إلى أبي حفص الكبير: لا
تقبل صدقة الرجل، وقرابته محاويج فيسد حاجتهم.
وفي المحيط: ولو دفع إلى أخته، ولها مهر على
زوجها الموسر يبلغ نصابا يجوز عند أبي
ج / 2 ص -386-
وزوجته
وزوجها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حنيفة، ولا يحل عندهما وبه يفتى احتياطا ولو
دفع زكاته إلى من نفقته واجبة عليه من القرائب
جاز إذا لم يحتسبها من النفقة، وفي القنية:
دفع زكاته في مرض موته إلى أخيه ثم مات، وهو
وارثه وقعت موقعها ثم رقم بأنه لا يصح كمن
أوصى بالحج ليس للوصي أن يدفعه إلى قريب
الميت؛ لأنه وصية كذا هذا ثم رقم بأنه يصح لكن
للورثة الرد باعتبار أنه وصية ا هـ. والذي
يظهر ترجيح الأول، وأطلق في فرعه فشمل ثابت
النسب منه وغيره إذا كان مخلوقا من مائه فلا
يدفع إلى المخلوق من مائه بالزنا، ولا إلى أم
ولده الذي نفاه وخرج ولد المنعي إليها زوجها
إذا تزوجت ثم ولدت ثم جاء الأول حيا فإن على
قول أبي حنيفة المرجوع عنه الأولاد للأول، ومع
هذا يجوز دفع زكاة الأول إليهم وتجوز شهادتهم
له كذا في معراج الدراية لعدم الفرعية ظاهرا
وعلى هذا فينبغي على هذا القول أن لا يجوز
للثاني دفع الزكاة إليهم لوجود الفرعية حقيقة،
وإن لم يثبت النسب منه لكن المنقول في الفتاوى
الولوالجية أنه يجوز للثاني الدفع إليهم وتجوز
شهادتهم له على قول الإمام وروي رجوعه وعليه
الفتوى وعليه فللأول الدفع إليهم دون الثاني،
وعلم من تعليل المسألة بعدم انقطاع المنفعة عن
المملك أن خمس المعادن يجوز صرفه إلى الأصول
والفروع وأحد الزوجين؛ لأن له أن يحبس الخمس
لنفسه إذا كانت الأربعة الأخماس لا تغنيه
فأولى أن يجوز لغيره؛ لأنه أبعد من نفسه كذا
ذكر الإسبيجابي وقيد بالصدقة الواجبة؛ لأن
صدقة التطوع الأولى دفعها إلى الأصول والفروع
كذا في البدائع.
"قوله: وزوجته وزوجها" أي لا يجوز الدفع
لزوجته، ولا دفع المرأة لزوجها لما قدمناه من
عدم قطع المنفعة عنه من كل وجه، وفي دفعها له
خلافهما لقوله عليه الصلاة والسلام "لك أجران أجر
الصدقة وأجر الصلة" قاله
لامرأة ابن مسعود وقد سألته عن التصدق عليه،
قلنا: هو محمول على النافلة كذا في الهداية
أطلق الزوجة فشمل الزوجة من وجه فلا يجوز
الدفع إلى معتدة من بائن، ولو بثلاث كذا في
المعراج.
واعلم أن في شهادة أحد الزوجين لصاحبه تعتبر
الزوجية وقت الأداء، وفي الرجوع في الهبة وقت
الهبة، وفي الوصية وقت الموت، وفي الإقرار لها
في مرض موته الاعتبار لوقت الإقرار، وفي
ج / 2 ص -387-
وعبده
ومكاتبه ومدبره وأم ولده ومعتق البعض وغني
يملك نصابا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحدود يعتبر كلا الطرفين حتى لو سرق من
امرأته ثم أبانها أو من أجنبية ثم تزوجها ثم
اختصمها لم يقطع كذا في النهاية، وفي فتاوى
قاضي خان من الشهادات ما يدل على أن العبرة
فيها لوقت الحكم وسيأتي إن شاء الله - تعالى،
وفي الظهيرية: رجل دفع زكاة ماله إلى رجل
وأمره بالأداء فأعطى الوكيل ولد نفسه الكبير
أو الصغير أو امرأته وهم محاويج جاز، ولا يمسك
لنفسه شيئا، ولو أن صاحب المال قال له: ضعه
حيث شئت له أن يمسك لنفسه ا هـ.
"قوله: وعبده ومكاتبه ومدبره وأم ولده ومعتق
البعض" أي لا يجوز الدفع إلى هؤلاء لعدم
التمليك أصلا في غير المكاتب ولعدم تمامه فيه؛
لأن له حقا في كسب مكاتبه؛ ولذا لو تزوج بأمة
مكاتبه لم يجز بمنزلة تزوجه بأمة نفسه، ومعتق
البعض كالمكاتب وإذا كان معتق البعض لغيره فقد
قدم أن الدفع لمكاتب الغير هو المراد بالرقاب
فلا يرد عليه هنا، وهذا إذا كان العبد كله
معتق بعضه فلو كان بين اثنين فأعتق أحدهما
حصته، وهو معسر، واختار الساكت الاستسعاء
فللمعتق الدفع؛ لأنه مكاتب لشريكه، وليس
للساكت الدفع؛ لأنه مكاتبه، وهذا إذا كان
الشريك أجنبيا فإن كان ولده فلا؛ لأن الدفع
لمكاتب الولد غير جائز كالدفع لابنه، وإن كان
المعتق موسرا واختار الساكت تضمينه فللساكت
الدفع للعبد؛ لأنه أجنبي عنه، وليس للمعتق
الدفع إذا اختار استسعاءه؛ لأنه مكاتبه لما
أنه بالضمان مخير بين إعتاق الباقي أو
الاستسعاء.
"قوله: وغني يملك نصابا" أي لا يجوز الدفع له
لحديث معاذ المشهور
"خذها من أغنيائهم وردها في فقرائهم" أطلقه فشمل النصاب النامي السالم من الدين الفاضل عن الحوائج
الأصلية الموجب لكل واجب مالي، والنصاب الذي
ليس بنام الفارع عما ذكر الموجب لثلاثة صدقة
الفطر والأضحية ونفقة القريب فإن كلا منهما
محرم لأخذ الزكاة، ولا يرد عليه الغني بقوت
يومه فإنه لا يملك نصابا وتسمية الشارحين له
نصابا وجعلهم النصب ثلاثة مجاز؛ لما في
الصحاح: النصاب من المال القدر الذي يجب فيه
الزكاة إذا بلغه نحو مائتي درهم وخمس من
الإبل؛ إذ ليس قوت اليوم مقدرا لكن في ضياء
الحلوم نصاب كل شيء أصله، ومنه النصاب المعتبر
في وجوب الزكاة، وهو يقتضي إطلاق النصاب عليه
حقيقة؛ إذ قوت اليوم أصل تحريم السؤال وقيدنا
بكونه فارغا عن الحوائج الأصلية؛ لأنه لو كان
مستغرقا بها حلت له فتحل لمن ملك كتبا تساوي
نصابا، وهو من أهلها للحاجة لا إن زادت على
قدرها أو كان جاهلا، والفقيه غني بكتبه ولو
كان محتاجا إليها لقضاء دينه فيجب بيعها كما
في القنية من باب الحبس من القضاء،
ج / 2 ص -388-
....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويحل لمن له دور وحوانيت تساوي نصبا، وهو
محتاج لغلتها لنفقته ونفقة عياله على خلاف فيه
ولمن عنده طعام سنة تساوي نصابا لعياله على ما
هو الظاهر بخلاف قضاء الدين فإنه يجب عليه بيع
قوته إلا قوت يومه كما في القنية من الحبس
وحلت لمن له نصاب، وعليه دين مستغرق أو منقص
للنصاب وحلت لمن له كسوة الشتاء لا يحتاج
إليها في الصيف، وللمزارع إذا كان له ثوران لا
إن زاد وبلغ نصابا، ولا تحل لمن له دار تساوي
نصبا، والفاضل عن سكناه يبلغ نصابا وقيد بملك
النصاب؛ لأن من ملك ما دونه يحل له أخذها إذا
كان قيمته لا تبلغ نصابا، ولو كان صحيحا
مكتسبا قيدنا به؛ لأنه لو كان تسعة عشر دينارا
تساوي ثلاثمائة درهم لا تحل له الزكاة كذا في
المحيط عن محمد.
وفي الفتاوى الظهيرية خلافه قال: وقال هشام:
سألت محمدا عن رجل له تسعة عشر دينارا تساوي
ثلاثمائة درهم هل يسعه أن يأخذ قال نعم، ولا
يجب عليه صدقة فطره، وقيد بالزكاة؛ لأن النفل
يجوز للغني كما للهاشمي، وأما بقية الصدقات
المفروضة والواجبة كالعشر والكفارات والنذور
وصدقة الفطر فلا يجوز صرفها للغني لعموم قوله
عليه الصلاة والسلام
"لا تحل صدقة
لغني" خرج النفل منها؛ لأن الصدقة على الغني هبة كذا في البدائع وأما
صدقة الوقف فيجوز صرفها إلى الأغنياء إن سماهم
الواقف، وإلا فلا؛ لأنها من الصدقة الواجبة
كذا في البدائع أيضا وفرعوا على منع دفع
الزكاة للغني ما لو دفع قوم زكاتهم إلى من
يجمعها لفقير فاجتمع عند الآخذ أكثر من مائتين
فإن كان جمعه له بأمره قالوا: كل من دفع قبل
أن يبلغ ما في يد الجابي مائتين جازت زكاته،
ومن دفع بعده لا يجوز إلا أن يكون الفقير
مديونا فيعتبر هذا التفصيل في مائتين تفضل بعد
دينه فإن كان بغير أمره جاز الكل مطلقا؛ لأنه
في الأول هو وكيل عن الفقير فما اجتمع عنده
يملكه، وفي الثاني وكيل الدافعين فما اجتمع
عنده ملكهم كذا في فتح القدير.
وللغني أن يشتري الصدقة الواجبة من الفقير
ويأكلها، وكذا لو وهبها له علم أن تبدل الملك
كتبدل العين فلو أباحها له، ولم يملكها منه
ذكر أبو المعين النسفي أنه لا يحل تناوله
ج / 2 ص -389-
وعبده
وطفله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للغني وقال خواهر زاده يحل كذا في الفوائد
التاجية والذي يظهر ترجيح الأول؛ لأن الإباحة
لو كانت كافية لما قال عليه الصلاة والسلام في
واقعة بريرة
"هو لها صدقة ولنا هدية" كما لا يخفى إلا أن يقال بالفرق بين الهاشمي والغني وإن قيل به
فصحيح لما تقدم أن الشبهة في حق الهاشمي
كالحقيقة بدليل منع الهاشمي من العمالة بخلاف
الغني، ودخل تحت النصاب النامي المذكور أولا
الخمس من الإبل السائمة فإن ملكها أو نصابا من
السوائم من أي مال كان لا يجوز دفع الزكاة له
سواء كان يساوي مائتي درهم أو لا، وقد صرح به
شراح الهداية عند قوله من أي مال كان.
وفي معراج الدراية قوله: ويجوز دفعها إلى من
يملك أقل من ذلك، ولكنه لا يطيب للآخذ؛ لأنه
لا يلزم من جواز الدفع جواز الأخذ كظن الغني
فقيرا ا هـ. وهو غير صحيح؛ لأن المصرح به في
غاية البيان وغيرها أنه يجوز أخذها لمن ملك
أقل من النصاب كما يجوز دفعها نعم الأولى عدم
الأخذ لمن له سداد من عيش كما صرح به في
البدائع.
"قوله: وعبده وطفله" أي لا يجوز دفع الزكاة،
وما ألحق بها لعبد الغني وولده الصغير؛ لأن
الملك في العبد يقع لمولاه، وهو ليس بمصرف كذا
في الكافي فأفاد أن المراد بالعبد غير المديون
المستغرق لما في يده ورقبته، وأما هو فيجوز
دفعها له لعدم ملك المولى إكسابه في هذه
الحالة عند الإمام لما عرف خلافا لهما وأطلق
العبد فشمل القن والمدبر وأم الولد والزمن
الذي ليس في عيال مولاه، ولم يجد شيئا أو كان
مولاه غائبا خلافا لما روي عن أبي يوسف في
الأخير واختاره في الذخيرة؛ لأنه لا ينفي وقوع
الملك لمولاه بهذا العارض وقد يجاب بأنه عند
غيبة مولاه الغني وعدم قدرته على الكسب لا
ينزل عن حال ابن السبيل كذا في فتح القدير وقد
يقال: إن الملك هنا يقع للمولى وهو ليس بمصرف
وأما ابن السبيل فمصرف فالأولى الإطلاق كما هو
المذهب وقد تقدم أن الدفع إلى مكاتب الغني
جائز وإنما منع من الدفع لطفل الغني؛ لأنه يعد
غنيا بغناء أبيه كذا قالوا، وهو يفيد أن الدفع
لولد الغنية جائز؛ إذ لا يعد غنيا بغناء أمه
ولو لم يكن له أب، وقد صرح به في القنية وأطلق
الطفل فشمل الذكر والأنثى ومن هو في عيال الأب
أو لا على الصحيح لوجود العلة وقيد بالطفل؛
لأن الدفع لولد الغني إذا كان
ج / 2 ص -390-
وبني
هاشم ومواليهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كبيرا جائز مطلقا وقيد بعبده وطفله؛ لأن الدفع
إلى أبي الغني وزوجته جائز سواء فرض لها نفقة
أو لا.
"قوله: وبني هاشم ومواليهم" أي لا يجوز الدفع
لهم لحديث البخاري
"نحن - أهل بيت - لا تحل لنا الصدقة" ولحديث أبي داود
"مولى القوم من أنفسهم، وإنا لا تحل لنا
الصدقة" قد أطلق في بني هاشم فشمل من كان ناصرا للنبي صلى الله عليه وسلم
ومن لم يكن ناصرا له منهم كولد أبي لهب فيدخل
من أسلم منهم في حرمة الصدقة لكونه هاشميا،
فإن تحريم الصدقة حكم يختص بالقرابة من بني
هاشم لا بالنصرة كذا في غاية البيان، وقيده
المصنف في الكافي تبعا لما في الهداية وشروحها
بآل علي وعباس وجعفر وعقيل وحارث بن عبد
المطلب ومشى عليه الشارح الزيلعي والمحقق في
فتح القدير وصرحا بإخراج أبي لهب وأولاده في
هذا الحكم؛ لأن حرمة الصدقة لبني هاشم كرامة
من الله - تعالى - لهم ولذريتهم حيث نصروه
عليه الصلاة والسلام في جاهليتهم وإسلامهم،
وأبو لهب كان حريصا على أذى النبي صلى الله
عليه وسلم فلم يستحقها بنوه واختاره المصنف في
المستصفى وروى حديثا
"لا قرابة بيني وبين أبي لهب"
ونص في البدائع على أن الكرخي قيد بني هاشم
بالخمسة من بني هاشم فكان المذهب التقييد؛ لأن
الإمام الكرخي ممن هو أعلم بمذهب أصحابنا،
وقيد ببني هاشم؛ لأن بني المطلب تحل لهم
الصدقة وليسوا كبني هاشم، وإن استووا في
القرابة؛ لأن عبد مناف جد النبي صلى الله عليه
وسلم لأنه صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد
الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ولعبد
مناف أربعة بنين هاشم والمطلب ونوفل وعبد شمس
والخمسة المذكورون من بني هاشم؛ لأن العباس
والحارث عمان للنبي صلى الله عليه وسلم، وجعفر
وعقيل أخوان لعلي بن أبي طالب، وهو عم النبي
صلى الله عليه وسلم وكان لأبي طالب أربعة من
الأولاد، ولد له طالب
ج / 2 ص -391-
....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فمات، ولم يعقب وكان بينه وبين عقيل عشر سنين
وبين عقيل وجعفر عشر سنين وبين جعفر وعلي عشر
سنين، وأمهم فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد
مناف كذا في غاية البيان وجمهرة النسب.
وقال المصنف في الكافي: وهذا في الواجبات
كالزكاة والنذر والعشر والكفارة أما التطوع
والوقف فيجوز الصرف إليهم؛ لأن المؤدي في
الواجب يطهر نفسه بإسقاط الفرض فيتدنس المؤدى
كالماء المستعمل، وفي النفل تبرع بما ليس عليه
فلا يتدنس به المؤدى كمن تبرد بالماء ا هـ.
وإنما لم تلحق صدقة التطوع لهم بالوضوء على
الوضوء فيتدنس به المؤدى؛ لأن الأصل يقتضي
عدمه، وإنما قلنا به في الماء للنص الوارد:
الوضوء على الوضوء نور على نور إذ ازدياد
النور يقتضي زوال الظلمة بقدره لا محالة كذا
في النهاية مختصرا، وفيها عن العتابي أن النفل
جائز لهم بالإجماع كالنفل للغني وتبعه صاحب
المعراج واختاره في المحيط مقتصرا عليه، وعزاه
إلى النوادر ومشى عليه الأقطع في شرح القدوري
واختاره في غاية البيان، ولم ينقل غيره شارح
المجمع فكان هو المذهب وأثبت الشارح الزيلعي
الخلاف في التطوع على وجه يشعر بترجيح الحرمة
وقواه المحقق في فتح القدير من جهة الدليل
لإطلاقه وقد سوى المصنف في الكافي بين التطوع
والوقف كما سمعت وهكذا في المحيط، وفي شرح
الطحاوي وغيره أن الحل مقيد بما سماهم أما إذا
لم يسمهم فلا؛ لأنها صدقة واجبة ورده المحقق
في فتح القدير باب صدقة الوقف كالنفل؛ لأنه
متبرع بتصدقه بالوقف إذ لا إيقاف واجب وكان
منشأ الغلط وجوب دفعها على الناظر وبذلك لم
تصر صدقة واجبة على المالك بل غاية الأمر أنه
وجوب اتباع شرط الواقف على الناظر ا هـ. وفيه
نظر؛ إذ الإيقاف قد يكون واجبا كما إذا كان
منذورا كأن قال: إن قدم أبي فعلي أن أقف هذه
الدار صرح المحقق نفسه في كتاب الوقف بذلك
وأورد سؤالا كيف يلزم النذر به وليس من جنسه
واجب؟
وأجاب بأنه يجب على الإمام أن يقف مسجدا من
بيت المال للمسلمين، وإن لم يكن في بيت المال
شيء فعلى المسلمين، وفي الفتاوى الظهيرية من
كتاب الزكاة من فصل النذر رجل سقط منه شيء،
فقال: إن وجدته فلله علي أن أقف أرضي هذه على
أبناء السبيل فوجده كان عليه الوفاء به، فإن
وقف أرضه على من يجوز له صرف الزكاة إليه من
الأقارب والأجانب جاز ا هـ. وأطلق الحكم في
بني هاشم، ولم يقيده بزمان، ولا بشخص للإشارة
إلى رد رواية أبي عصمة عن الإمام أنه يجوز
الدفع إلى بني هاشم في زمانه؛ لأن عوضها، وهو
خمس الخمس لم يصل إليها
ج / 2 ص -392-
ولو
دفع بتحر فبان أنه غني أو هاشمي أو كافر أو
أبوه أو ابنه صح ولو عبده أو مكاتبه لا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لإهمال الناس أمر الغنائم وإيصالها إلى
مستحقها وإذا لم يصل إليهم العوض عادوا إلى
المعوض وللإشارة إلى رد الرواية بأن الهاشمي
يجوز له أن يدفع زكاته إلى هاشمي مثله؛ لأن
ظاهر الرواية المنع مطلقا وقيد بمولى الهاشمي؛
لأن مولى الغني يجوز الدفع إليه؛ لأن الغني
أهل لها لكن الغني مانع، ولا مانع في حق
المولى، والحديث ليس على عمومه أعني مولى
القوم من أنفسهم ولهذا قال الإسبيجابي في
تفسيره يعني في حل الصدقة وحرمتها، وإلا فمولى
القوم ليس منهم من جميع الوجوه ألا ترى أنه
ليس بكفؤ لهم وأن مولى المسلم إذا كان كافرا
تؤخذ منه الجزية، وإن كان مولى التغلبي تؤخذ
منه الجزية لا المضاعفة ا هـ. وفي آخر مبسوط
الإمام السرخسي من كتاب الكسب وتكلم الناس في
حق سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أتحل
لهم الصدقة أم لا فمنهم من يقول: ما كان يحل
أخذ الصدقة لسائر الأنبياء أيضا، ولكن كانت
تحل لقراباتهم ثم إن الله - تعالى - أكرم
نبينا بأن حرم الصدقة على قرابته إظهارا
لفضيلته وقيل بل كانت الصدقة تحل لسائر
الأنبياء وهذه خصوصية لنبينا عليه أفضل الصلاة
والسلام.
"قوله: ولو دفع بتحر فبان أنه غني أو هاشمي أو
كافر أو أبوه أو ابنه صح ولو عبده أو مكاتبه
لا" لحديث البخاري
"لك ما نويت يا زيد ولك ما أخذت يا معن" حين دفعها زيد إلى ولده معن وليس المراد بالتحري الاجتهاد بل غلبة
الظن بأنه مصرف بعد الشك في كونه مصرفا وإنما
قلنا هذا؛ لأنه لو دفع باجتهاد دون ظن أو بغير
اجتهاد أصلا أو بظن أنه بعد الشك ليس بمصرف ثم
تبين المانع فإنه لا يجزئه وكذا لو لم يتبين
شيء فهو على الفساد حتى يتبين أنه مصرف، ولو
دفع إلى من يظن أنه ليس بمصرف ثم يتبين أنه
مصرف يجزئه والفرق بين هذا وبين من صلى
باجتهاد إلى جهة يظن أنها ليست القبلة حيث لا
تجزئه الصلاة، وإن ظهر أنها القبلة بل قال
الإمام يخشى عليه الكفر أن الصلاة الفرض بغير
القبلة معصية، والمعصية لا تنقلب طاعة ودفع
المال إلى غير الفقير قربة يثاب عليها وقيدنا
بكونه بعد الشك؛ لأنه لو دفعها ولم يخطر بباله
أنه مصرف أم لا فهو على الجواز إلا إذا تبين
أنه غير مصرف؛ لأن الظاهر أنه صرف الصدقة إلى
محلها حيث نوى الزكاة عند الدفع والظاهر لا
يبطل إلا باليقين حتى لو شك فيه بعد ذلك، ولم
يظهر له شيء لا تلزمه الإعادة؛ لأن الظاهر
الأول لا يبطل بالشك وليس له أن يسترد ما دفعه
إذا تبين أنه ليس بمصرف ووقع تطوعا كذا في
البدائع واختلف المشايخ في كونه يطيب للفقير
وعلى القول بأنه لا يطيب قيل: يتصدق به لخبثه،
وقيل: يرده على الدافع كذا في معراج
ج / 2 ص -393-
....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدراية وأطلق الكافر فشمل الذمي والحربي وقد
صرح بهما في المبتغى بالمعجمة، وفي المحيط إذا
ظهر أنه حربي فيه روايتان والفرق على إحداهما
أنه لم توجد صفة القربة أصلا والحق المنع فقد
قال في غاية البيان معزيا إلى التحفة وأجمعوا
أنه إذا ظهر أنه حربي، ولو مستأمنا لا يجوز،
وكذا في معراج الدراية معللا بأن صلته لا تكون
برا شرعا؛ ولذا لم يجز التطوع إليه فلم يقع
قربة، ولا يخفى أن أحد الزوجين كالأصول
والفروع وأن المدبر وأم الولد داخلان تحت
العبد والمستسعى كالمكاتب عنده وعندهما حر
مديون كذا في البدائع.
وقيد بالزكاة؛ لأنه لو أوصى بثلث ماله للفقراء
فأعطاهم الوصي ثم تبين أنهم أغنياء لم يجز،
وهو ضامن بالاتفاق؛ لأن الزكاة حق الله -
تعالى - فاعتبر فيها الوسع، والوصية حق العباد
فاعتبر فيها الحقيقة ألا ترى أن النائم إذا
أتلف شيئا يضمن، ولا يأثم كذا في معراج
الدراية وقياسه أن الوصي بشراء دار ليوقفها
إذا اشترى، ونقد الثمن ثم ظهر أنها وقف الغير
وضاع الثمن أن يضمن الوصي، وهي واقعة في
زماننا ولأنه اختلط أواني طاهرة بنجسه أو ثياب
كذلك وكانت الغلبة للطاهر فتحرى فيها ثم تبين
خطؤه يعيد الصلاة أو قضى القاضي باجتهاده ثم
ظهر نص بخلافه بطل قضاؤه، وهو الذي قاس عليه
أبو يوسف مسألة الكتاب، والفرق لهما أن العلم
بالثوب الطاهر والماء الطاهر والنص ممكن فلم
يأت بالمأمور به قيدنا بكون الغلبة للطاهر؛
لأن الغلبة لو كانت للنجس أو استويا لا يتحرى
بل يتيمم كذا في المعراج، وفي النهاية جعل هذا
الحكم مختصا بالأواني أما الثياب النجسة إذا
اختلطت بالطاهرة فإنه يتحرى مطلقا، ولو كانت
النجسة أكثر أو مساوية وتبعه في فتح القدير
وقد أخذاه من مبسوط السرخسي من كتاب التحري
وفرق بينهما بأن الضرورة لا تتحقق في الأواني؛
لأن التراب طهور له بدل عند العجز عن الماء
الطاهر فلا يضطر إلى التحري للوضوء عند غلبة
النجاسة لما أمكنه إقامة الفرض بالبدل حتى لو
تحققت الضرورة للشرب عند العطش وعدم الماء
الطاهر يجوز التحري للشرب في مسألة الثياب
الضرورة مست للتحري؛ لأنه ليس للستر بدل يتوصل
به إلى إقامة الفرض يوضحه أن في مسألة الأواني
لو كانت كلها نجسة لا يؤمر بالتوضؤ بها ولو
فعل لا تجوز صلاته فكذا إذا كانت الغلبة له،
وفي مسألة الثياب، وإن كانت الكل نجسة يؤمر
بالصلاة في بعضها فكذا إذا كانت الغلبة لها.
ثم اعلم أن التحري يجري في مسائل:
منها الزكاة كما قدمناه.
ومنها القبلة وقد تقدم في الصلاة.
ومنها مسائل المساليخ المختلطة بالميتة ففي
حالة الاضطرار للأكل يجوز التحري في
ج / 2 ص -394-
وكره
الإغناء وندب عن السؤال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفصول كلها، وفي حالة الاختيار لا يجوز
التحري إلا إذا كان الحلال غالبا.
ومنها مسألة الزيت إذا اختلط بودك الميتة فإن
كان المحرم غالبا أو مساويا فإنه لا يجوز
الانتفاع به أصلا للأكل، ولا غيره، وإن كان
الحلال غالبا ففي حالة الاضطرار يجوز الأكل
والانتفاع به، وفي حالة الاختيار يحرم الأكل
وتناوله ويجوز الانتفاع به من حيث الاستصباح
ودبغ الجلود.
ومنها مسألة الموتى إذا اختلط موتى المسلمين
بموتى الكفار فإن كانت الغلبة لموتى المسلمين
فإنه يصلى عليهم ويدفنون في مقابر المسلمين،
وإن غلب موتى الكفار أو تساويا لا يصلى على
أحد منهم إلا من يعلم أنه مسلم بالعلامة، وفي
ظاهر الرواية يدفنون في مقابر المشركين.
ومنها مسألتا الأواني المختلطة والثياب
المختلطة وقد تقدمتا وأما التحري في الفروج
فلا يجوز بحال حتى لو أعتق واحدة من جواريه
بعينها ثم نسيها لم يسعه التحري للوطء، ولا
للبيع ومن أراد معرفة الدلائل والفرق بين
المسائل وزيادة التعريفات في مسائل التحري
فعليه بكتاب التحري من المبسوط أول الجزء
الرابع، واعلم أن التحري:
في اللغة الطلب والابتغاء، وهو والتوخي سواء
إلا أن لفظ التوخي يستعمل في المعاملات
والتحري في العبادات.
وفي الشريعة طلب الشيء بغالب الرأي عند تعذر
الوقوف على حقيقته، وهو غير الشك والظن.
فالشك أن يستوي طرفا العلم والجهل.
والظن ترجح أحدهما من غير دليل، والتحري ترجح
أحدهما بغالب الرأي، وهو دليل يتوصل به إلى
طرف العلم، وإن كان لا يتوصل به إلى ما يوجب
حقيقة العلم ويلحق بالتحري في مسألة الزكاة ما
لو كان المدفوع إليه جالسا في صف الفقراء يصنع
صنيعهم أو كان عليه زي الفقراء أو سأله فأعطاه
فهذه الأسباب بمنزلة التحري كذا في المبسوط
أيضا يعني أنه لو ظهر أنه غني لا إعادة عليه.
"قوله: وكره الإغناء وندب عن السؤال" أي كره
أن يدفع إلى فقير ما يصير به غنيا وندب
الإغناء عن سؤال الناس وإنما صح الإغناء؛ لأن
الغنى حكم الأداء فيتعقبه لكن يكره لقرب الغنى
منه كمن صلى وبقربه نجاسة كما في الهداية، وفي
فتح القدير وقوله: فيتعقبه صريح في تعقب حكم
العلة إياها في الخارج، ولم يتعقبه وتعقبه في
النهاية والمعراج بأنه ليس بمستقيم
ج / 2 ص -395-
وكره
نقلها إلى بلد آخر لغير قريب، وأحوج
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على الأصح من مذهبنا من أن حكم العلة الحقيقية
لا يجوز تأخره عنها بل هما كالاستطاعة مع
الفعل يقترنان وأجابا بأن معنى قوله أن الغنى
حكم الأداء أي حكمه حكم الأداء؛ لأن الأداء
علة الملك، والملك علة الغنى فكان الغنى مضافا
إلى الأداء بواسطة الملك كالإعتاق في شراء
القريب فكان للأداء شبهة السبب الحقيقي،
والسبب الحقيقي مقدم على الحكم حقيقة، وما
يشبه السبب من العلل له شبهة التقدم ا هـ.
وإنما عممنا في المدفوع، ولم نقيده بمائتي
درهم؛ لأنه لو كان له مائة وتسعة وتسعون درهما
فتصدق عليه بدرهمين قال أبو يوسف: يأخذ واحدا،
ويرد واحدا كذا في الفتاوى الظهيرية وإنما
قيدنا بقولنا يصير غنيا؛ لأنه لو دفع مائتي
درهم فأكثر لمديون لا يفضل له بعد دينه نصاب
لا يكره وكذا لو كان معيلا إذا وزع المأخوذ
على عياله لم يصب كلا منهم نصاب وأطلق في
استحباب الإغناء عن السؤال، ولم يقيده بأداء
قوت يومه كما وقع في غاية البيان؛ لأن الأوجه
النظر إلى ما يقتضيه الأحوال في كل فقير من
عيال وحاجة أخرى كدين وثوب وغير ذلك والحديث
وارد في صدقة الفطر كذا في فتح القدير وقال
فخر الإسلام من أراد أن يتصدق بدرهم فاشترى به
فلوسا ففرقها فقد قصر في أمر الصدقة؛ لأن
الجمع كان أولى من التفريق.
"قوله: وكره نقلها إلى بلد آخر لغير قريب
وأحوج" أما الصحة فلإطلاق قوله تعالى: {إِنَّمَا
الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ}
[التوبة: 60] من غير قيد بالمكان، وأما حديث
معاذ المشهور
"خذها من أغنيائهم وردها في فقرائهم" فلا ينفي الصحة؛ لأن الضمير راجع إلى فقراء المسلمين لا إلى أهل
اليمن، أو لأنه ورد لبيان أنه عليه الصلاة
والسلام لا طمع له في الصدقات ولأنه صح عنه
أنه كان يقول لأهل اليمن: ائتوني بخميس أو
لبيس - وهما الصغار من الثياب - آخذه منكم في
الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم. وخير
لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان
في زمنه فهو تقرير، وإن كان في زمن أبي بكر
فذاك إجماع لسكوتهم عنه، وعدم الكراهة في
نقلها للقريب للجمع بين أجري الصدقة والصلة
وللأحوج؛ لأن المقصود منها سد خلة المحتاج فمن
كان أحوج كان أولى، وليس عدم الكراهة منحصرا
في هاتين؛ لأنه لو نقلها إلى فقير في بلد آخر
أورع وأصلح كما فعل معاذ رضي الله عنه لا
يكره؛ ولهذا قيل: التصدق على العالم الفقير
أفضل كذا في المعراج، ولا يكره نقلها في دار
الحرب إلى فقراء دار الإسلام؛ ولهذا ذكر في
نوادر المبسوط رجل مكث في دار الحرب سنين
فعليه زكاة ماله الذي خلف ها هنا ومال استفاده
في دار الحرب لكن
ج / 2 ص -396-
ولا
يسأل من له قوت يومه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تصرف زكاة الكل إلى فقراء المسلمين الذين في
دار الإسلام؛ لأن فقراءهم أفضل من فقراء دار
الحرب ا هـ. وكذا لا يكره نقل الزكاة المعجلة
مطلقا ولهذا قال في الخلاصة: لا يكره أن ينقل
زكاة ماله المعجلة قبل الحول لفقير غير أحوج
ومديون ا هـ.
فاستثنى على هذا ستة، هذا والمعتبر في الزكاة
مكان المال في الروايات كلها، وفي صدقة الفطر
مكان الرأس المخرج عنه في الصحيح مراعاة
لإيجاب الحكم في محل وجود سببه كذا في فتح
القدير وصحح في المحيط أنه في صدقة الفطر يؤدي
حيث هو، ولا يعتبر مكان الرأس من العبد
والولد؛ لأن الواجب في ذمة المولى حتى لو هلك
العبد لم يسقط عنه فاختلف التصحيح كما ترى
فوجب الفحص عن ظاهر الرواية والرجوع إليها،
والمنقول في النهاية معزيا إلى المبسوط أن
العبرة لمكان من تجب عليه لا بمكان المخرج عنه
موافقا لتصحيح المحيط فكان هو المذهب؛ ولهذا
اختاره قاضي خان في فتاويه مقتصرا عليه، وحكى
الخلاف في البدائع فعن محمد يؤدي عن عبيده حيث
هو، وهو الأصح وعند أبي يوسف حيث هم، وحكى
القاضي في شرح مختصر الطحاوي أن أبا حنيفة مع
أبي يوسف.
"قوله: ولا يسأل من له قوت يومه" أي لا يحل
سؤال قوت يومه لمن له قوت يومه لحديث الطحاوي:
"من سأل
الناس عن ظهر غنى فإنه يستكثر من جمر جهنم"
قلت يا رسول الله وما ظهر غنى قال:
"أن يعلم أن عند أهله ما يغذيهم وما يعشيهم"
قيدنا بسؤال القوت؛ لأن سؤال الكسوة المحتاج
إليها لا يكره وقيدنا بالسؤال؛ لأن الأخذ لمن
ملك أقل من نصاب جائز بلا سؤال كما قدمناه،
وقيد بمن له القوت؛ لأن السؤال لمن لا قوت
يومه له جائز، ولا يرد عليه القوي المكتسب
فإنه لا يحل سوال القوت له إذا لم يكن له قوت
يومه؛ لأنه قادر بصحته واكتسابه على قوت اليوم
فكأنه مالك له، واستثنى من ذلك في غاية البيان
الغازي فإن طلب الصدقة جائز له، وإن كان قويا
مكتسبا لاشتغاله بالجهاد عن الكسب ا هـ.
وينبغي أن يلحق به طالب العلم لاشتغاله عن
الكسب بالعلم؛ ولهذا قالوا: إن نفقته على
أبيه، وإن كان صحيحا مكتسبا كما لو كان زمنا،
وإذا حرم السؤال عليه إذا ملك قوت يومه فهل
يحرم الإعطاء له إذا علم حاله قال الشيخ أكمل
الدين في شرح المشارق وأما الدفع إلى مثل ذلك
السائل عالما بحاله فحكمه في القياس أن يأثم
ج / 2 ص -397-
..................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بذلك؛ لأنه إعانة على
الحرام لكنه يجعل هبة وبالهبة للغني أو لمن لا
يكون محتاجا إليه لا يكون آثما ا هـ. ويلزم
عليه أن الصدقة على من ملك قوت يومه فقط تكون
هبة حتى يثبت فيها أحكام الهبة من صحة الرجوع
فإنهم قالوا: الصدقة على الغني هبة فله الرجوع
بخلافها على الفقير، وهو بعيد فإن الظاهر أن
مرادهم بالغني من ملك نصابا لكن يمكن دفع
القياس المذكور بأن الدفع ليس إعانة على
الحرام؛ لأن الحرمة في الابتداء إنما هي
بالسؤال، وهو متقدم على الدفع، ولا يكون الدفع
إعانة إلا لو كان الأخذ هو المحرم فقط فليتأمل
والله - تعالى - أعلم.
8- باب صدقة الفطر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
8- باب صدقة الفطر
لما كان لها مناسبة بالزكاة لكونها عبادة
مالية وبالصوم؛ لأن شرط وجوبها الفطر بعد
الصوم ذكرها بينهما، والصدقة العطية التي يراد
بها المثوبة عنده - تعالى - وسميت بها؛ لأنها
تظهر صدق رغبة الرجل في تلك المثوبة كالصداق
يظهر به صدق رغبة الزوج في المرأة.
والفطر لفظ إسلامي اصطلح عليه الفقهاء كأنه من
الفطرة بمعنى الخلقة.وقد أمر رسول الله صلى
الله عليه وسلم بها في السنة التي فرض فيها
رمضان قبل أن تفرض زكاة المال وكان يخطب قبل
الفطر بيومين يأمر بإخراجها كذا في شرح
النقاية والكلام ها هنا في كيفيتها وكميتها
وشرطها وحكمها وسببها وركنها ووقت وجوبها ووقت
الاستحباب.
فالأول أنها واجبة كما في الكتاب وأراد به
الوجوب المصطلح عليه عندنا، وإن كان ورد في
السنة لفظ فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم
زكاة الفطر؛ لأن معناه أمر أمر إيجاب، والأمر
الثابت بظني إنما يفيد الوجوب، والإجماع
المنعقد على وجوبها ليس قطعيا ليكون الثابت
الفرض؛ لأنه لم ينقل تواترا؛ ولهذا قالوا: من
أنكر وجوبها لا يكفر.
واختلفوا هل هي على الفور أو التراخي فقيل تجب
وجوبا مضيقا في يوم الفطر عينا، وقيل: تجب
موسعا في العمر كالزكاة وصححه في البدائع
معللا بأن الأمر بأدائها مطلق عن الوقت فلا
تضييق إلا في آخر العمر، ورده المحقق في تحرير
الأصول بأنه من قبيل المقيد
ج / 2 ص -398-
تجب
على كل حر مسلم ذي نصاب فضل عن مسكنه،
وثيابته، وأثاثه، وفرسه وسلاحه، وعبيده
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالوقت لا المطلق لقوله عليه الصلاة والسلام:
"أغنوهم في هذا اليوم عن المسألة" فبعده قضاء فالراجح القول الأول وأما بيان كميتها وشرطها وسببها
ووقتها فسيأتي مفصلا.
وأما ركنها فهو نفس الأداء إلى المصرف فهي
التمليك كالزكاة فلا تتأدى بطعام الإباحة،
وأما حكمها فهو الخروج عن عهدة الواجب في
الدنيا ووصول الثواب في الآخرة والإضافة فيها
من إضافة الشيء إلى شرطه، وهو مجاز؛ لأن
الحقيقة إضافة الحكم إلى سببه، وهو الرأس
بدليل التعدد بتعدد الرأس وجعلوها في الأصول
عبادة فيها معنى المؤنة؛ لأنها وجبت بسبب
الغير كما تجب مؤنته ولذا لم يشترط لها كمال
الأهلية فوجبت في مال الصبي والمجنون خلافا
لمحمد بخلاف العشر فإنه مؤنة فيها معنى
العبادة؛ لأن المؤنة ما به بقاء الشيء، وبقاء
الأرض في أيدينا به، والعبادة لتعلقه بالنماء
وإذا كانت الأرض الأصل كانت المؤنة غالبة
وللعبادة لا يبتدأ الكافر به، ولا يبقى عليه
خلافا لمحمد كما تقدم.
"قوله: تجب على حر مسلم ذي نصاب فضل عن مسكنه
وثيابه وأثاثه وفرسه وسلاحه وعبيده"؛ لأن
العبد لا يملك، وإن ملك فكيف يملك، ورواية على
في بعض الروايات بمعنى عن والكافر ليس من أهل
العبادة فلا تجب ولو كان له عبد مسلم أو ولد
مسلم، وهي وجبت لإغناء الفقير للحديث
"أغنوهم في هذا اليوم عن المسألة"
والإغناء من غير الغنى لا يكون والغنى الشرعي
مقدر بالنصاب، وشرط أن يكون فاضلا عن حوائجه
الأصلية؛ لأن المستحق بالحاجة كالمعدوم كالماء
المستحق للعطش فخرج النصاب المشغول بالدين،
ولما كان حوائج عياله الأصلية كحوائجه لم
يذكرها فإنه لا بد أن يكون النصاب فاضلا عن
حوائجه وحوائج عياله كما صرح به في الفتاوى
الظهيرية، ولم يقيد النصاب بالنمو كما في
الزكاة لما قدمناه ولأنها وجبت بقدرة ممكنة لا
ميسرة؛ ولهذا لو هلك المال بعد الوجوب لا يسقط
بخلاف الزكاة كما عرف في الأصول، ولم يقيد
بالبلوغ والعقل لما قدمناه فيجب على الولي أو
الوصي إخراجها من مال الصبي والمجنون حتى لو
لم يخرجها وجب الأداء بعد البلوغ كذا في
البدائع وكما يخرج الولي من ماله عنه يخرج عن
عبيده للخدمة كذا في الفتاوى الظهيرية.
وأشار بعد النصاب من الشروط إلى أنه ليس سببا
فأفاد أنه لو عجل صدقة الفطر قبل ملك النصاب
ثم ملك صح؛ لأن السبب هو الرأس كذا في
البزازية إلا إذا كان الأب مجنونا فقيرا فإن
صدقة فطره واجبة على ابنه كذا في الاختيار
وكذا الولد الكبير إذا كان مجنونا فإن صدقة
فطره على أبيه سواء بلغ مجنونا أو جن بعد
بلوغه خلافا لما عن محمد في الثاني وخرج
الأقارب، ولو
ج / 2 ص -399-
عن
نفسه وطفله الفقير وعبده لخدمته ومدبره وأم
ولده لا عن زوجته وولده الكبير ومكاتبه أو
عبده أو عبيد لهما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في عياله، وإذا أدى عن الزوجة والولد الكبير
بغير إذنهما جاز وظاهر الظهيرية أنه لو أدى
عمن في عياله بغير أمره جاز مطلقا بغير تقييد
بالزوجة والولد.
"قوله: عن نفسه وطفله الفقير وعبده لخدمته
ومدبره وأم ولده لا عن زوجته وولده الكبير
ومكاتبه أو عبده أو عبيد لهما" شروع في بيان
السبب، وهو رأسه وما كان في معناه ممن يمونه،
ويلي عليه ولاية كاملة مطلقة للحديث "أدوا عمن تمونون" وما بعد عن يكون سببا لما قبلها وزيدت الولاية للإجماع على أنه لو
مان صغيرا أجنبيا لله - تعالى - لم يجب أن
يخرج عنه لعدم الولاية ولأن الأئمة الثلاثة
قالوا بوجوبها عن الأبوين المعسرين، وعن الولد
الكبير في أحد قولي الشافعي، ولا ولاية عليهم
فزيادة الولاية لم يدل عليها نص، ولم يقع
عليها إجماع كذا قاله بعض المتأخرين، ويمكن أن
يقال: إن نفقة الفقير واجبة على الإمام في بيت
المال، ولا تجب صدقة فطره إجماعا وليس ذلك إلا
لعدم الولاية، وفيه بحث؛ لأن المراد أدوا على
من يلزمكم مؤنته كما صرح به المحقق نفسه في
تقرير عدم لزومها عن العبد المكاتب والمستسعى
والمشترك فيه بحث؛ لأن المراد أدوا عمن تلزمكم
مؤنته كولده الصغير أو العبيد فخرج الصغير
الأجنبي إذا مانه لعدم الوجوب لا لعدم الولاية
كذا في فتح القدير وخرجت الزوجة والولد الكبير
لعدم الولاية وكذا الأصول والأقارب وخرج العبد
المشترك أو العبيد لعدم كمال الولاية والمؤنة
وخرج ولد الولد فإن صدقة فطره لا تجب على جده
عند عدم أبيه أو فقره على ظاهر الرواية لعدم
الولاية المطلقة فإن ولايته ناقصة لانتقالها
إليه من الأب فصارت كولاية الوصي، وتعقبه في
فتح القدير بالفرق بين الجد والوصي لوجوب
النفقة على الجد دون الوصي فلم يبق إلا مجرد
انتقال الولاية، ولا أثر له بالفرق بين الجد
والوصي كمشتري العبد، ولا مخلص إلا بترجيح
رواية الحسن أن على الجد صدقة فطرهم، وهذه
مسائل يخالف فيها الجد الأب في ظاهر الرواية،
ولا يخالف في رواية الحسن هذه والتبعية في
الإسلام وجر الولاء والوصية لقرابة فلان ا هـ.
وقد يجاب عنه بانتقال الولاية له أثر في عدم
الوجوب للقصور؛ لأنها لا تثبت إلا بشرط عدم
الأب، ولا نسلم أن ولاية المشتري انتقلت له من
البائع بل انقطعت ولاية البائع بالبيع وثبت
للمشتري ولاية مطلقة غير منتقلة لحكم الشرع له
بذلك كأنه ملكه من الابتداء واختار رواية
الحسن في الاختيار وأطلق الطفل فشمل الذكر
والأنثى للعلة المذكورة، وهو وجوب نفقته عليه
وثبوت الولاية الكاملة عليه له فاستفيد منه أن
البنت الصغيرة إذا زوجت وسلمت إلى
ج / 2 ص -400-
ويتوقف
لو مبيعاً بخيار
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الزوج ثم جاء يوم الفطر لا يجب على الأب صدقة
فطرها لعدم المؤنة عليه لها كما صرح به في
الخلاصة.
وشمل الولد بين الأبوين فإن على كل واحد منهما
صدقة تامة كذا في الفتاوى الظهيرية وقيد الطفل
بالفقر؛ لأن الطفل الغني بملك نصاب تجب صدقة
فطره في ماله كما قدمناه كنفقته وقيد العبد
بكونه للخدمة؛ لأنه لو كان للتجارة لا تجب
صدقة فطره؛ لأنه يؤدي إلى الثنى، وهو تعدد
الوجوب المالي في مال واحد؛ فلذا لم تجب عن
عبيد عبده، ولو كان غير مديون لكونهم للتجارة
كذا في النهاية.
وفي القنية: له عبد للتجارة لا يساوي نصابا
وليس له مال الزكاة سواه لا تجب صدقة فطرة
العبد، وإن لم يؤد إلى الثنى؛ لأن سبب وجوب
الزكاة فيه موجود، والمعتبر سبب الحكم لا
الحكم ا هـ.
وأطلقه فشمل المديون والمستأجر والمرهون إذا
كان عنده وفاء بالدين والعبد الجاني عمدا كان
أو خطأ والعبد المنذور بالتصدق به والعبد
المعلق عتقه بمجيء يوم الفطر والعبد الموصى
برقبته لإنسان وبخدمته لآخر فإنها على الموصى
له بالرقبة بخلاف النفقة فإنها على الموصى له
بالخدمة كذا في الفتاوى الظهيرية.
وأشار بقوله عبده لخدمته إلى أنه لا يخرج عن
عبده الآبق، ولا عن المغصوب المجحود إلا بعد
عوده فيلزمه لما مضى، ولا عن عبده المأسور؛
لأنه خارج عن يده وتصرفه فأشبه المكاتب، ولا
عن خادمه بإجارة أو إعارة، ولا عن الحيوانات
سوى الرقيق، ولا عن الحمل، وإلى أنه ليس في
رقيق الأخماس ورقيق القوام مثل زمزم ورقيق
الفيء والسبي ورقيق الغنيمة والأسرى قبل
القسمة صدقة؛ إذ ليس لهم مالك معين كذا في
البدائع.
"قوله: ويتوقف لو مبيعا بخيار" أي يتوقف وجوب
صدقة الفطر لو مر يوم الفطر والمبيع فيه خيار
فمن استقر الملك له فهو عليه؛ لأن الملك
والولاية موقوفان فكذا ما يبتنى عليهما أطلق
الخيار فشمل ما إذا كان الخيار للبائع أو
للمشتري أو لهما قيد بوجوب الصدقة؛ لأن النفقة
تجب على من كان الملك له وقت الوجوب؛ لأنها لا
تحتمل التوقف؛ لأنها تجب لحاجة المملوك للحال
فلو جعلناها موقوفة لمات المملوك جوعا
فاعتبرنا الملك فيها للحال ضرورة كذا في
الكافي، ولا يخفى أن الخيار إذا كان للمشتري
فعند الإمام خرج المبيع عن ملك البائع، ولم
يدخل في ملك المشتري، ومع ذلك فالنفقة واجبة
على المشتري إجماعا كما صرح به في الجوهرة شرح
ج / 2 ص -401-
نصف
صاع من بر أو دقيقه أو سويقه أو زبيب أو صاع
تمر أو شعير، وهو ثمانية أرطال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القدوري من خيار الشرط، ولم يعلله، ولعل وجهه
أن المشتري لما ملك التصرف فيه إجماعا كانت
نفقته عليه بخلاف البائع لا يملك التصرف.
وأشار إلى أن وجوب زكاة مال التجارة متوقف
أيضا بأن اشتراه للتجارة بشرط الخيار فتم
الحول في مدة الخيار فعندنا يضم إلى من يصير
له إن كان عنده نصاب فيزكيه مع نصابه، وإلى
أنه لو لم يكن في البيع خيار، ولم يقبضه
المشتري حتى مر يوم الفطر فالأمر موقوف، فإن
قبضه المشتري فالفطرة عليه، وإلا فإن رده على
البائع بخيار عيب أو رؤية بقضاء أو بغير قضاء
فعلى البائع؛ لأنه عاد إليه قديم ملكه منتفعا
به وإلا بأن مات قبل قبضه فلا صدقة على واحد
منهما لقصور ملك المشتري وعوده إلى البائع غير
منتفع به فكان كالآبق بل أشد.
وفي الفتاوى الظهيرية: وفي الموقوف إن أجاز
المالك البيع بعد يوم الفطر فعلى المجيز
والعبد المشتري شراء فاسدا إذا مر عليه يوم
الفطر في يد المشتري فالصدقة على البائع إذا
رده، وإن لم يرده ولكن باعه المشتري أو أعتقه
فالصدقة على المشتري، والعبد المجعول مهرا إن
كان بعينه تجب الصدقة على المرأة قبضته أو لم
تقبضه؛ لأنها ملكته بنفس العقد؛ ولهذا جاز
تصرفها قبل القبض فإن طلقها قبل الدخول بها ثم
مر يوم الفطر إن لم يكن المهر مقبوضا فلا صدقة
على أحد، وإن كان مقبوضا فكذلك عند أبي حنيفة
وعندهما تجب عليها، وفي الأصل لا صدقة في عبد
المهر في يد الزوج ا هـ. ما في الظهيرية
بلفظه.
"قوله: نصف صاع من بر أو دقيقه أو سويقه أو
زبيب أو صاع تمر أو شعير، وهو ثمانية أرطال"
بدل من الضمير في تجب أي تجب صدقة الفطر، وهي
نصف صاع إلى آخره لحديث الصحيحين فرض رسول
الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر على الذكر
والأنثى والحر والمملوك صاعا من تمر، أو صاعا
من شعير فعدل الناس به مدين من حنطة، والكلام
مع المخالفين في المسألة طويل قد استوفاه
المحقق في فتح القدير، وفي جعله دقيق البر
وسويقه كالبر إشارة إلى أن دقيق الشعير وسويقه
كهو كما صرح به في الكافي وأفاد أنه لا اعتبار
للقيمة في الدقيق والسويق كأصلهما؛ لأن
المنصوص عليه لا تعتبر فيه القيمة بخلاف غيره
حتى لو أدى نصف صاع من تمر قيمته صاع من بر أو
أكثر لا يجوز لكن صرح المصنف في الكافي بأن
الأولى اعتبار القدر والقيمة في الدقيق
والسويق وإن نص على الدقيق في بعض الأخبار إلا
أنه ليس بمشهور فالاحتياط فيما قلنا، وهو أن
يعطي نصف صاع دقيق حنطة أو صاع دقيق شعير
يساويان نصف صاع بر وصاع شعير لا أقل من نصف
يساوي نصف صاع من بر أو أقل من صاع يساوي صاع
شعير، ولا نصف لا يساوي نصف صاع بر أو صاع لا
يساوي صاع شعير كذا في فتح القدير.
ج / 2 ص -402-
....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقيد بالدقيق والسويق؛ لأن الصحيح في الخبز
أنه لا يجوز إلا باعتبار القيمة لعدم ورود
النص به فكان كالزكاة وكالذرة وغيرها من
الحبوب التي لم يرد بها النص، وكالأقط، وجعله
الزبيب كالبر رواية الجامع الصغير وجعلاه
كالتمر، وهو رواية عن أبي حنيفة وصححها أبو
اليسر ورجحها المحقق في فتح القدير من جهة
الدليل، وفي شرح النقاية والأولى أن يراعي في
الزبيب القدر والقيمة، والضمير في قوله، وهو
عائد إلى الصاع وتقديره بما ذكر مذهب أبي
حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف: خمسة أرطال وثلث،
وبه قال الأئمة الثلاثة، ومنهم من رفع الخلاف
بينهم فإن أبا يوسف لما حرره وجده خمسة وثلثا
برطل أهل المدينة، وهو أكبر من رطل أهل بغداد؛
لأنه ثلاثون إستارا، والبغدادي عشرون وإذا
قابلت ثمانية بالبغدادي بخمسة وثلث بالمدني
وجدتها سواء. وهو الأشبه؛ لأن محمدا لم يذكر
في المسألة خلاف أبي يوسف ولو كان لذكره على
المعتاد، وهو أعرف بمذهبه، ورده في الينابيع
بأن الصحيح أن الاختلاف بينهم ثابت بالحقيقة،
والإستار بكسر الهمزة أربعة مثاقيل ونصف كذا
في شرح الوقاية.
وفي تقديره الصاع بالأرطال دليل أنه يعتبر نصف
صاع أو صاع من حيث الوزن لا من حيث الكيل، وهو
مذهب أبي حنيفة. وعن محمد يعتبر كيلا؛ لأن
النص جاء بالصاع، وهو اسم للمكيال حتى لو وزن
أربعة أرطال فدفعها إلى الفقير لا يجزئه لجواز
كون الحنطة ثقيلة لا تبلغ نصف صاع، وإن وزنت
أربعة أرطال كذا قالوا لكن قولهم في تقدير
الصاع إنه يعتبر بما لا يختلف كيله ووزنه، وهو
بالعدس والماش فما وسع ثمانية أرطال أو خمسة
وثلثا من ذلك فهو الصاع كما صرح به في الخانية
يقتضي رفع الخلاف المذكور في تقدير الصاع كيلا
ووزنا كذا في فتح القدير، وفي الفتاوى
الظهيرية: ولو أدى منوين من الحنطة بالوزن لا
يجوز عند أبي حنيفة إلا كيلا، وهو قول محمد
إلا أن يتيقن أنه يبلغ نصف صاع، وقال أبو
يوسف: يجوز ا هـ. وهو مخالف لما نقل من الخلاف
أولا، وفيها أيضا ويجوز نصف صاع من تمر ومثله
من شعير، ولا يجوز نصف صاع من التمر ومد من
الحنطة وجوزه في الكفارة وذكر الإمام
الزندوستي في نظمه فإن أدى نصف صاع من شعير
ونصف صاع من تمر أو نصف صاع تمر ومنا واحدا من
الحنطة أو نصف صاع شعير وربع صاع حنطة جاز
عندنا خلافا للشافعي فإن عنده لا يجوز إلا إذا
كان الكل من جنس واحد ا هـ. وأطلق المصنف نصف
الصاع والصاع، ولم يقيده بالجيد؛ لأنه لو أدى
نصف صاع رديء
ج / 2 ص -403-
صبح
يوم الفطر فمن مات قبله أو أسلم أو ولد بعده
لا تجب، وصح لو قدم أو أخر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جاز، وإن أدى عفينا أو به عيب أدى النقصان،
وإن أدى قيمة الرديء أدى الفضل كذا في الفتاوى
الظهيرية، ولم يتعرض المصنف لأفضلية العين أو
القيمة فقيل بالأول وقيل بالثاني والفتوى
عليه؛ لأنه أدفع لحاجة الفقير كذا في الظهيرية
واختار الأول في الخانية إذا كانوا في موضع
يشترون الأشياء بالحنطة كالدراهم.
"قوله: صبح يوم الفطر فمن مات قبله أو أسلم أو
ولد بعده لا تجب" بيان لوقت وجوب أدائها، وهو
منصوب على أنه ظرف ليجب أول الباب وعند
الشافعي بغروب الشمس من اليوم الأخير من رمضان
ومبنى الخلاف على أن قول ابن عمر في الحديث
السابق فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة
الفطر. المراد به الفطر المعتاد في سائر الشهر
فيكون الوجوب بالغروب أو الفطر الذي ليس
بمعتاد فيكون الوجوب بطلوع الفجر ورجحنا
الثاني؛ لأنه لو كان الفطر المعتاد لسائر
الشهر لوجب ثلاثون فطرة فكان المراد صدقة يوم
الفطر، ويدل عليه الحديث
"صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون"
أي وقت فطركم يوم تفطرون كذا في البدائع، ولم
يتعرض في الكتاب لوقت الاستحباب، وصرح به في
كافيه فقال: ويستحب أن يخرج الناس الفطرة قبل
الخروج إلى المصلى يعني بعد طلوع الفجر من يوم
العيد لحديث الحاكم كان يأمرنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم أن نخرج صدقة الفطر قبل الصلاة
وكان يقسمها قبل أن ينصرف إلى المصلى، ويقول:
"أغنوهم عن الطوف في هذا البلد اليوم".
"قوله: وصح لو قدم أو أخر" أي صح أداؤها إذا
قدمه على يوم الفطر أو أخره أما التقديم
فلكونه بعد السبب؛ إذ هو الرأس، وأما الفطر
فشرط الوجوب كما قدمناه؛ ولهذا قالوا: لو قال
لعبده: إذا جاء يوم الفطر فأنت حر فجاء يوم
الفطر عتق العبد ويجب على المولى صدقة فطره
قبل العتق بلا فصل؛ لأن المشروط متعقب عن
الشرط في الوجود لا مقارن بخلاف العلة فإن
المعلول يقارنها، وكذا لو كان للتجارة يجب على
المولى زكاة التجارة إذا تم الحول بانفجار
الصبح من يوم الفطر، ونظيرهما ما لو قال
لعبده: إن بعتك فأنت حر حيث يصح البيع كذا في
النهاية فصار كتقديم الزكاة على الحول بعد ملك
النصاب بمعنى أنه لا فارق لا أنه قياس فاندفع
به ما في فتح القدير من أن حكم الأصل على خلاف
القياس فلا يقاس لكنه وجد فيه دليل وهو
ج / 2 ص -404-
....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حديث البخاري وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو
بيومين وأطلق في التقديم فشمل ما إذا دخل
رمضان وقبله وصححه المصنف في الكافي، وفي
الهداية والتبيين وشروح الهداية، وفي فتاوى
قاضي خان وقال خلف بن أيوب: يجوز التعجيل إذا
دخل رمضان، وهكذا ذكره الإمام محمد بن الفضل،
وهو الصحيح في فتاوى الظهيرية والصحيح أنه
يجوز تعجيلها إذا دخل شهر رمضان، وهو اختيار
الشيخ الإمام أبي بكر محمد بن الفضل وعليه
الفتوى ا هـ.
فقد اختلف التصحيح كما ترى لكن تأيد التقييد
بدخول رمضان بأن الفتوى عليه فليكن العمل
عليه، وسبب هذا الاختلاف أن مسألة التعجيل على
يوم الفطر لم تذكر في ظاهر الرواية كما صرح في
البدائع لكن صحح هو أنه يجوز التعجيل مطلقا
كما في الهداية وأما التأخير فلأنها قربة
مالية فلا تسقط بعد الوجوب إلا بالأداء
كالزكاة حتى لو مات ولده الصغير أو مملوكه يوم
الفطر لا يسقط عنه أو افتقر بعد ذلك فكذلك،
وفي أي وقت أدى كان مؤديا لا قاضيا كما في
سائر الواجبات الموسعة كذا في البدائع وقد
تقدم أن التحقيق أنه بعد اليوم الأول قاض لا
مؤد؛ لأنه من قبيل المقيد بالوقت بقوله صلى
الله عليه وسلم
"أغنوهم في هذا
اليوم عن المسألة" ومقتضاه
أنه يأثم بتأخيره عن اليوم الأول على القول
بأنه مقيد، وعلى أنه مطلق فلا إثم؛ ولهذا قال:
في الفتاوى الظهيرية: ولا يكره التأخير ولم
يتعرض في الكتاب لجواز تفريق صدقة شخص على
مساكين، وظاهر ما في التبيين وفتح القدير أن
المذهب المنع وأن القائل بالجواز إنما هو
الكرخي وصرح الولوالجي وقاضي خان وصاحب المحيط
والبدائع بالجواز من غير ذكر خلاف فكان هو
المذهب كجواز تفريق الزكاة.
وأما الحديث المأمور فيه بالإغناء فيفيد
الأولوية، وقد نقل في التبيين الجواز من غير
ذكر خلاف في باب الظهار، وأما دفع صدقة جماعة
إلى مسكين واحد فلا خلاف في جوازه.
فروع:
المرأة إذا أمرها زوجها بأداء صدقة الفطر
فخلطت حنطته بحنطتها بغير إذن الزوج، ودفعت
إلى الفقير جاز عنها لا عن الزوج عند أبي
حنيفة خلافا لهما وهي محمولة على قولهما إذا
أجاز الزوج كذا في الفتاوى الظهيرية وعلله في
حيرة الفقهاء بأنها لما خلطت بغير إذنه صارت
مستهلكة لحصته؛ لأن الخلط استهلاك عنده يقطع
حق صاحبه عن العين، وفي قولهما: لا يقطع وتجوز
عنه لهذه العلة.
ج / 2 ص -405-
....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي البدائع: ولا يبعث الإمام على صدقة الفطر
ساعيا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث.
ذكر الزندوستي أن الأفضل صرف الزكاتين يعني
زكاة المال، وصدقة الفطر إلى أحد هؤلاء السبعة
الأول إخوته الفقراء وأخواته ثم إلى أولاد
إخوته وأخواته المسلمين ثم إلى أعمامه الفقراء
ثم إلى أخواله وخالاته وسائر ذوي أرحامه
الفقراء إلى جيرانه ثم إلى أهل مسكنه ثم إلى
أهل مصره.
وقال الشيخ الإمام أبو حفص الكبير البخاري: لا
تقبل صدقة الرجل وقرابته محاويج حتى يبدأ بهم
فيسد حاجتهم ثم أعطى في غير قرابته إن أحب كذا
في الفتاوى الظهيرية.
وفي الولوالجية: وصدقة الفطر كالزكاة في
المصارف ا هـ.
وينبغي أن يستثني الذمي كما سبق في المصرف،
وفي عمدة الفتاوى للصدر الشهيد: ولو دفع صدقة
فطره إلى زوجة عبده جاز، وإن كانت نفقتها عليه
ا هـ. والله أعلم |