البحر الرائق شرح كنز الدقائق ط احياء التراث

ج / 2 ص -406-       5- كتاب الصوم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
5- كتاب الصوم
أخره عن الزكاة، وإن كان عبادة بدنية مقدمة على المالية لقرانها بالصلاة في آيات كثيرة.
وذكر محمد رحمه الله الصوم عقب الصلاة في الجامع الكبير والصغير نظرا لما قلنا.
وهو في اللغة ترك الإنسان الأكل، وإمساكه عنه ثم جعل عبارة عن هذه العبادة المخصوصة.
ومن مجازه صام الفرس على آريه إذا لم يعتلف.
ومنه قول النابغة خيل صيام كذا في المغرب.
وفي الشرع ما سيذكره المصنف ولو قال كتاب الصيام لكان أولى لما في الفتاوى الظهيرية: ولو قال لله علي صوم فعليه صوم يوم واحد، ولو قال فعلي صيام عليه صيام ثلاثة أيام كما في قوله تعالى:
{فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ} [البقرة: 196] ا هـ.
وركنه حقيقته الشرعية التي هي الإمساك المخصوص.
وسببه مختلف ففي المنذور النذر؛ ولذا قلنا: لو نذر صوم شهر بعينه كرجب أو يوما بعينه فصام غيره أجزأ عن المنذور؛ لأنه تعجيل بعد وجوب السبب، وفيه خلاف محمد كما في المجمع.
وصوم الكفارات سببه ما يضاف إليه من الحنث والقتل والظهار والفطر.
وسبب رمضان شهود جزء من الشهر اتفاقا لكن اختلفوا فذهب السرخسي إلى أن السبب مطلق شهود الشهر حتى استوى في السببية الأيام والليالي، وذهب الدبوسي وفخر الإسلام وأبو اليسر إلى أن السبب الأيام دون الليالي أي الجزء الذي لا يتجزأ من كل يوم سبب لصوم ذلك اليوم فيجب صوم جميع الأيام مقارنا إياه، وثمرة الخلاف تظهر فيمن أفاق في أول ليلة من الشهر ثم جن قبل أن يصبح ومضى الشهر، وهو مجنون ثم أفاق فعلى قول السرخسي يلزمه القضاء، ولو لم يتقرر السبب في حقه بما شهد من الشهر حال إفاقته لم يلزمه، وعلى قول غيره لا يلزمه القضاء، وصححه السراج الهندي في شرح المغني؛ لأن الليل ليس بمحل للصوم فكان الجنون والإفاقة فيه سواء، وعلى هذا الخلاف لو أفاق ليلة في وسط الشهر ثم أصبح مجنونا، وكذا لو أفاق في آخر

 

ج / 2 ص -407-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يوم من رمضان بعد الزوال وجمع في الهداية بين القولين بأنه لا منافاة فشهود جزء منه سبب لكله ثم كل يوم سبب وجوب أدائه.
غاية الأمر أنه تكرر سبب وجوب صوم اليوم باعتبار خصوصه ودخوله في ضمن غيره كذا في فتح القدير، والذي يظهر أن صاحب الهداية يختار غير قول السرخسي؛ لأن السرخسي يقول: كل يوم مع ليلته سبب للوجوب لا اليوم وحده، وتمام تقريره في الأصول.
وشرائطه ثلاثة:
شرط وجوب: وهو الإسلام والبلوغ والعقل كذا في النهاية وفتح القدير، وفي غاية البيان ذكر الأولين ثم قال: ولا يشترط العقل لا للوجوب، ولا للأداء ولهذا إذا جن في بعض الشهر ثم أفاق يلزمه القضاء بخلاف استيعاب الشهر حيث لا يلزمه القضاء للحرج واختاره صاحب الكشف فقال: إن المجنون أهل للوجوب إلا أن الشرع أسقط عنه عند تضاعف الواجبات دفعا للحرج واعتبر الحرج في حق الصوم باستغراق الجنون جميع الشهر ا هـ.
وفي البدائع وأما العقل فهل هو من شرائط الوجوب وكذا الإفاقة واليقظة قال عامة مشايخنا: ليست من شرائط الوجوب بل من شرائط وجوب الأداء مستدلين بوجوب القضاء على المغمى عليه والنائم بعد الإفاقة والانتباه بعد مضي بعض الشهر أو كله وكذا المجنون إذا أفاق في بعض الشهر وقال بعض أهل التحقيق من مشايخ ما وراء النهر: إنه شرط الوجوب وعندهم لا فرق بينه وبين وجوب الأداء وأجابوا عما استدل به العامة بأن وجوب القضاء لا يستدعي سابقة الوجوب لا محالة وإنما يستدعي فوت العبادة عن وقتها، والقدرة على القضاء من غير حرج وهكذا وقع الاختلاف في الطهارة عن الحيض والنفاس فذهب أهل التحقيق إلى أنها شرط الوجوب فلا وجوب على الحائض والنفساء، وقضاء الصوم لا يستدعي سابقة الوجوب كما تقدم، وعند العامة ليست بشرط، وإنما الطهارة عنهما شرط الأداء، وتمامه في البدائع ولعله لا ثمرة له.
والنوع الثاني من الشرائط شرط وجوب الأداء، وهو الصحة والإقامة.
والثالث شرط صحته، وهو الإسلام والطهارة عن الحيض والنفاس، والنية كذا في البدائع واقتصر في فتح القدير على ما عدا الأول؛ لأن الكافر لا نية له باشتراطها، ولم يجعلوا العقل والإفاقة شرطين للصحة؛ لأن من نوى الصوم من الليل ثم جن في النهار أو أغمي عليه يصح صومه في ذلك اليوم، وإنما لم يصح في اليوم الثاني لعدم النية؛ لأنها من المجنون والمغمى عليه لا تتصور لا لعدم أهلية الأداء.

 

ج / 2 ص -408-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما البلوغ فليس من شرط الصحة لصحته من الصبي العاقل؛ ولهذا يثاب عليه كذا في البدائع وزاد في فتح القدير العلم بالوجوب أو الكون في دار الإسلام؛ لأن الحربي إذا أسلم في دار الحرب، ولم يعلم بفرضية رمضان ثم علم ليس عليه قضاء ما مضى وزاد في النهاية على شرائط الصحة الوقت القابل ليخرج الليل، وفيه بحث؛ لأن التعليق بالنهار داخل في مفهوم الصوم لا قيد له؛ ولهذا كان التحقيق في الأصول أن القضاء والنذر المطلق وصوم الكفارة من قبيل المطلق عن الوقت لا من المقيد به كما ذهب إليه فخر الإسلام.
وحكمه سقوط الواجب، ونيل ثوابه إن كان صوما لازما، وإلا فالثاني كذا في فتح القدير، وفيه بحث؛ لأن صوم الأيام المنهية لا ثواب فيه فالأولى أن يقال وإلا فالثاني إن لم يكن منهيا عنه، وإلا فالصحة فقط.
وأقسامه فرض وواجب ومسنون ومندوب ونفل ومكروه تنزيها وتحريما.
فالأول رمضان وقضاؤه والكفارات.
والواجب المنذور.
والمسنون عاشوراء مع التاسع.
والمندوب صوم ثلاثة من كل شهر ويندب فيها كونها الأيام البيض وكل صوم ثبت بالسنة طلبه والوعد عليه كصوم داود عليه الصلاة والسلام وعلى سائر الأنبياء والنفل ما سوى ذلك مما لم يثبت كراهته.
 والمكروه تنزيها عاشوراء مفردا عن التاسع، ونحو يوم المهرجان.
وتحريما أيام التشريق والعيدين كذا في فتح القدير واستثنى في عمدة الفتاوى من كراهة صوم يوم النيروز والمهرجان أن يصوم يوما قبله فلا يكره كما في يوم الشك والأظهر أن يضم المنذور بقسميه إلى المفروض كما اختاره في البدائع والمجمع ورجحه في فتح القدير للإجماع على لزومه وأن يجعل قسم الواجب صوم التطوع بعد الشروع فيه، وصوم قضائه عند الإفساد، وصوم الاعتكاف كذا في البدائع أيضا، وبما ذكره المحقق اندفع ما في البدائع من قوله، وعندنا يكره الصوم في يومي العيد وأيام التشريق، والمستحب هو الإفطار فإنه يفيد أن الصوم فيها مكروه تنزيها، وليس بصحيح؛ لأن الإفطار واجب متحتم.
ولهذا صرح في المجمع بحرمة الصوم فيها وينبغي أن يكون كل صوم رغب فيه الشارع صلى الله عليه وسلم بخصوصه يكون مستحبا، وما سواه يكون مندوبا مما لم تثبت كراهيته لا نفلا؛ لأن

 

ج / 2 ص -409-       هو ترك الأكل والشرب والجماع من الصبح إلى الغروب بنية من أهله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشارع قد رغب في مطلق الصوم فترتب على فعله الثواب بخلاف النفلية المقابلة للندبية فإن ظاهره يقتضي عدم الثواب فيه، وإلا فهو مندوب كما لا يخفى.
ومن المكروه صوم يوم الشك على ما سنذكره إن شاء الله - تعالى، ومنه صوم الوصال وقد فسره أبو يوسف و محمد بصوم يومين لا فطر بينهما، ومنه صوم يوم عرفة للحاج إن أضعفه، ومنه صوم يوم السبت بانفراد للتشبه باليهود بخلاف صوم يوم الجمعة فإن صومه بانفراده مستحب عند العامة كالاثنين والخميس وكره الكل بعضهم، ومنه صوم الصمت بأن يمسك عن الطعام والكلام جميعا كذا في البدائع، ومنه أيضا صوم ستة من شوال عند أبي حنيفة متفرقا كان أو متتابعا وعن أبي يوسف كراهته متتابعا لا متفرقا لكن عامة المتأخرين لم يروا به بأسا.
ثم اعلم أن الصيامات اللازمة فرضا ثلاثة عشر سبعة منها يجب فيها التتابع، وهي رمضان وكفارة القتل وكفارة الظهار وكفارة اليمين وكفارة الإفطار في رمضان والنذر المعين وصوم اليمين المعين.
وستة لا يجب فيها التتابع، وهي قضاء رمضان وصوم المتعة، وصوم كفارة الحلق وصوم جزاء الصيد وصوم النذر المطلق، وصوم اليمين بأن قال: والله لأصومن شهرا ثم إذا أفطر يوما فيما يجب فيه التتابع هل يلزمه الاستقبال أو لا فنقول: كل صوم يؤمر فيه بالتتابع لأجل الفعل، وهو الصوم يكون التتابع شرطا فيه وكل صوم يؤمر فيه بالتتابع لأجل أن الوقت مفوت ذلك يسقط التتابع، وإن بقي الفعل واجب القضاء.
فالأول كصوم كفارة القتل والظهار واليمين والإفطار، ويلحق به النذر المطلق إذا ذكر التتابع فيه أو نواه.
والثاني كرمضان والنذر المعين واليمين بصوم يوم معين كذا ذكره صاحب البدائع والإسبيجابي مختصرا.
 ومحاسنه كثيرة منها شكر النعمة التي هي المفطرات الثلاثة؛ لأن بضدها تتبين الأشياء، ومنها أنه وسيلة إلى التقوى؛ لأنها إذا انقادت إلى الامتناع عن الحلال طمعا في مرضاته - تعالى، فالأولى أن تنقاد للامتناع عن الحرام، وإليه الإشارة بقوله - تعالى:
{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] ومنها كسر الشهوة الداعية إلى المعاصي، ومنها الاتصاف بصفة الملائكة الروحانية، ومنها علمه بحال الفقراء ليرحمهم فيطعمهم، ومنها موافقته لهم.
"قوله: هو ترك الأكل والشرب والجماع من الصبح إلى الغروب بنية من أهله" أي:

 

ج / 2 ص -410-       وصح صوم رمضان والنذر المعين والنفل بنية من الليل إلى ما قبل نصف النهار
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصوم في الشرع الإمساك عن المفطرات الثلاث حقيقة أو حكما في وقت مخصوص من شخص مخصوص مع النية وإنما فسرنا الترك بالإمساك المذكور في كلام القدوري ليكون فعل المكلف ؛ لأنه لا تكليف إلا بفعل حتى قالوا: إن المكلف به في النهي كف النفس لا ترك الفعل؛ لأنه لا تكليف إلا بمقدور، والمعدوم غير مقدور؛ لأن تفسير القادر بمن إن شاء فعل، وإن لم يشأ لم يفعل لا، وإن شاء ترك، وتمامه في تحرير الأصول.
وقلنا حقيقة وحكما ليدخل من أفطر ناسيا فإنه ممسك حكما واختص الصوم باليوم لتعذر الوصال المنهي عنه، وكونه على خلاف العادة وعليه مبنى العبادة؛ إذ ترك الأكل بالليل معتاد واشترطت النية لتمييز العبادة عن العادة كما سيأتي.
وأراد بالأهل من اجتمعت فيه شروط الصحة وتقدم أنها ثلاثة فخرج الكافر والحائض والنفساء والمراد باشتراط الطهارة عن الحيض والنفاس اشتراط عدمهما إلا أن يكون المراد منها الاغتسال كذا في النهاية والمراد بترك الأكل ترك إدخال شيء بطنه أعم من كونه مأكولا أو لا لما سيأتي من إبطاله بإدخال نحو الحديد، ولا يرد ما وصل إلى الدماغ فإنه مفطر كما سيأتي لما أن بين الدماغ والجوف منفذا فما وصل إلى الدماغ وصل إلى الجوف كما صرح به في البدائع على ما سيأتي، وفي البزازية استنشق فوصل الماء إلى فمه، ولم يصل إلى دماغه لا يفسد صومه.
"قوله: وصح صوم رمضان والنذر المعين والنفل بنية من الليل إلى ما قبل نصف النهار" شروع في بيان النية التي هي شرط الصحة لكل صوم، وعرفها في المحيط بأن يعرف بقلبه أنه صوم، ووقتها بعد الغروب، ولا يجوز قبله، والتسحر نية كذا في الظهيرية ولم يتكلم على فرضية رمضان لما أنها من الاعتقادات لا لفقه لثبوتها بالقطعي المتأيد بالإجماع؛ ولهذا يحكم بكفر جاحده وكانت فرضيته بعد ما صرفت القبلة إلى الكعبة بشهر في شعبان على رأس ثمانية عشر شهرا من الهجرة، وهو في الأصل من رمض إذا احترق سمي به؛ لأن الذنوب تحترق فيه، وهو غير منصرف للعلمية والألف والنون قال الجوهري: يجمع على أرمضاء ورمضانات، وقال الفراء: يجمع على رماضين كسلاطين وشياطين، وقال ابن الأنباري: رماض جمع رمضان، وتقدم حكم النذر أنه فرض على الأظهر والمراد بالنفل ما عدا الفرض، والواجب أعم من أن يكون سنة أو مندوبا

 

ج / 2 ص -411-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أو مكروها. وأشار إلى أنه لو نوى عند الغروب لا تصح نيته؛ لأنه قبل الوقت كما قدمناه.
وفي فتاوى الظهيرية: ولو نوى أن يتسحر في آخر الليل ثم يصبح صائما لم تصح هذه النية كما لو نوى بعد العصر صوم الغد ا هـ.
واستدل الطحاوي لعدم اشتراط التبييت في رمضان بحديث الصحيحين في يوم عاشوراء
"من أكل فليمسك بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم" وكان صومه فرضا حتى فرض رمضان فصار سنة ففيه دليل على أن من تعين عليه صوم يوم، ولم ينوه ليلا تجزئه النية نهارا فوجب حمل حديث السنن الأربعة "لا صيام لمن لم ينو الصيام من الليل" على نفي الكمال؛ لأن الأفضل في كل صوم أن ينوي وقت طلوع الفجر إن أمكنه أو من الليل كما في البدائع أو على أن المراد لم ينو كون الصوم من الليل فيكون الجار، وهو من الليل متعلقا بصيام الثاني لا ينوي فحاصله لا صيام لمن لم يقصد أنه صائم من الليل أي من آخر أجزائه فيكون نفيا لصحة الصوم من حين نوى من النهار، وعلى تقدير كونه لنفي الصحة وجب أن يخص عمومه بما روينا عندهم وعندنا لو كان قطعيا خص بعضه خصص به بعض فكيف، وقد اجتمع فيه عدم الظنية والتخصيص؛ إذ قد خصص منه النفل بحديث مسلم عن عائشة دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: "هل عندكم شيء" فقلنا: لا فقال: "إني إذا صائم".
فالحاصل أن صوم عاشوراء أصل وألحق به صوم رمضان، والمنذور المعين في حكمه، وهو عدم النية من الليل، ومقتضاه إلحاق كل صوم واجب به لكن القياس إنما يصلح مخصصا للخبر

 

ج / 2 ص -412-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا ناسخا، ولو جرينا على تمام لازم هذا القياس لكان ناسخا لحديث السنن؛ إذ لم يبق تحته شيء حينئذ فوجب أن يحاذى به مورد النص، وهو الواجب المعين من رمضان ونظيره من النذر المعين، ولا يمكن أن يلغى قيد التعيين في مورد النص الذي رويناه فإنه حينئذ يكون إبطالا لحكم لفظ بلا لفظ بنص فيه، وإنما اختص اعتبارها بوجودها في أكثر النهار؛ لأن ما رويناه من حديث الصحيحين واقعة حال لا عموم لها في جميع أجزاء النهار، واحتمل كون إجازة الصوم في تلك الواقعة لوجود النية فيها في أكثره واحتمل كونها للتجويز في النهار مطلقا في الواجب فقلنا بالأول؛ لأنه أحوط خصوصا، ومعنا نص السنن بمنعها من النهار مطلقا وعضده المعين، وهو أن للأكثر من الشيء الواحد حكم الكل، وإنما اختص بالصوم دون الحج والصلاة، فإن قران النية فيهما شرط حقيقة أو حكما كالمتقدمة بلا فاصل؛ لأن الصوم ركن واحد ممتد فبالوجود في آخره يعتبر قيامها في كله بخلافهما، فإنهما أركان فيشترط قرانها بالعقد على أدائها، وإلا خلت بعض الأركان عنها فلم يقع ذلك الركن عبادة واعتبر المصنف النية إلى ما قبل نصف النهار ليكون أكثر اليوم منويا.
ولهذا عبر في الوافي بنية أكثره، وهي أولى لما أن النهار يطلق في اللغة على زمن أوله طلوع الشمس كما في النهاية وغيرها لكن هو في الشرع واليوم سواء من طلوع الفجر، وفي غاية البيان جعل أوله من طلوع الفجر لغة وفقها وعلى كل حال فهي أولى من عبارة القدوري ومختصر الكرخي والطحاوي ما بينه وبين الزوال؛ لأن ساعة الزوال نصف النهار من طلوع الشمس ووقت الصوم من طلوع الفجر كذا في المبسوط والظاهر أن الاختلاف في العبارة لا في الحكم.
وفي الفتاوى الظهيرية: الصائم المتطوع إذا ارتد عن الإسلام ثم رجع إلى الإسلام قبل الزوال ونوى الصوم قال زفر لا يكون صائما، ولا قضاء عليه إن أفطر، وقال أبو يوسف: يكون صائما، وعليه القضاء إذا أفطر، وذكر بعده وعلى هذا الخلاف: إذا أسلم النصراني في غير رمضان قبل الزوال، ونوى التطوع كان صائما عند أبي يوسف خلافا لزفر وأطلق المصنف فأفاد أنه لا فرق بين الصحيح والمريض والمقيم والمسافر؛ لأنه لا تفصيل فيما ذكرنا من الدليل.
وقال زفر: لا يجوز الصوم للمسافر والمريض إلا بنية من الليل؛ لأن الأداء غير مستحق عليهما فصار كالقضاء ورد بأنه من باب التغليظ، والمناسب لهما التخفيف.
وفي فتاوى قاضي خان: مريض أو مسافر لم ينو الصوم من الليل في شهر رمضان ثم نوى بعد طلوع الفجر قال أبو يوسف: يجزئهما، وبه أخذ الحسن قال صاحب الكشف الكبير: فهذا يشير إلى أن عند أبي حنيفة ومحمد لا يجزئهما ا هـ. وهذه الإشارة مدفوعة بصريح المنقول من أن عندنا

 

ج / 2 ص -413-       وبمطلق النية، ونية النفل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا فرق كما ذكره في المبسوط والنهاية والولوالجية وغيرها.
"قوله: وبمطلق النية ونية النفل" أي صح صوم رمضان وما معه بمطلق النية وبنية النفل أما في رمضان فلأن الشارع عينه لفرض الصوم فانتفى شرعية غيره من الصيام فيه فلم يشترط له نية التعيين فصح بنية صوم مباين له كالنفل والكفارات بناء على لغو الجهة التي عينها فيبقى الصوم المطلق، وبمطلق النية يصح صومه كالأخص نحو زيد يصاب بالأعم كيا إنسان وجمهور العلماء على خلافه قال في التحرير: وهو الحق؛ لأن نفي شرعية غيره إنما توجب صحته لو نواه ونفي صحة ما نواه من الغير لا يوجب وجود نية ما يصح، وهو يصرح بقوله لم أرده بل لو ثبت لكان جبرا، ولا جبر في العبادات وقولهم: الأخص يصاب بالأعم إنما يصح إذا أراد الأخص بالأعم، ولو أراده لارتفع الخلاف، وأعجب من هذا ما روي عن زفر أن التعيين شرعا يوجب الإصابة بلا نية ا هـ.
وقد يقال بأنه نوى أصل الصوم ووصفه، والوقت لا يقبل الوصف فلغت نية الوصف، وبقيت نية الأصل؛ إذ ليس من ضرورة بطلان الوصف بطلان الأصل، والإعراض إن ثبت فإنما هو في ضمن نية النفل أو القضاء وقد لغت بالاتفاق فيلغو ما في ضمنها، ولا يلزم الجبر؛ لأن معنى القربة في أصل الصوم يتحقق لبقاء الاختيار للعبد فيه، ولا يتحقق في الصفة؛ إذ لا اختيار له فيها فلا يتصور منه إبدال هذا الوصف بوصف آخر في هذا الزمان فيسقط اعتبار نية الصفة فعلم أنه لا يلزم الجبر إلا لو قلنا بوقوع الصوم من غير نية أصلا، وما ألزمنا به الشافعي هنا من لزوم الجبر لزمه في الحج فإنه صححه فرضا بنية النفل فما هو جوابه فهو جوابنا.
وأما في النذر المعين فلأنه معتبر بإيجاب الله - تعالى، وإنما قال: وبنية النفل، ولم يقل: وبنية مباينة لما أن النفل لا يصح بنية واجب آخر بل يقع عما نوى ولما أن المنذور المعين لا يصح بنية واجب آخر بل يقع عما نوى بخلاف رمضان، والفرق بينهما أن التعيين إنما جعل بولاية الناذر، وله إبطال صلاحية ماله، وهو النفل لا ما عليه، وهو القضاء ونحوه، ورمضان متعين بتعيين الشارع، وليس له ولاية إبطال صلاحيته لغيره من الصيام لكن بقي عليه إفادة صحة رمضان بنية واجب آخر ويمكن أن يكون ذكر نية النفل إشارة إليه بجامع إلغاء الجهة لتعيينه، وإذا وقع عما نوى فهل يلزمه قضاء المنذور المعين لا ذكر لها في ظاهر الرواية والأصح وجوب القضاء كذا في الفتاوى الظهيرية.
ولا يرد عليه المسافر فإنه لو نوى واجبا آخر في رمضان يصح عند أبي حنيفة ويقع عما نوى لإثبات الشارع الترخص له، وهو في الميل إلى الأخف، وهو في صوم الواجب المغاير؛ لأنه في

 

ج / 2 ص -414-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذمته، وفرض الوقت لا يكون في ذمته إلا إذا أدرك عدة من أيام أخر، وفي النفل عنه روايتان أصحهما عدم صحة ما نوى، ووقوعه عن فرض الوقت؛ لأن فائدة النفل الثواب، وهو فرض الوقت أكثر كما لو أطلق النية كذا في التقرير فعلم بهذا أن المسافر يصح صومه عن رمضان بمطلق النية وبنية النفل على الأصح فيهما مع وجود الروايتين فيهما؛ فلهذا لم يستثنه في المختصر.
وأما المريض إذا نوى واجبا آخر أو نفلا ففيه ثلاثة أقوال فقيل يقع عن رمضان؛ لأنه لما صام التحق بالصحيح واختاره فخر الإسلام وشمس الأئمة وجمع وصححه صاحب المجمع.
وقيل يقع عما نوى كالمسافر واختاره صاحب الهداية وأكثر المشايخ، وقيل بأنه ظاهر الرواية، وينبغي أن يقع عن رمضان في النفل على الصحيح كالمسافر على ما قدمناه.
وقيل بالتفصيل بين أن يضره الصوم فتتعلق الرخصة بخوف الزيادة فيصير كالمسافر يقع عما نوى وبين أن لا يضره الصوم كفساد الهضم فتتعلق الرخصة بحقيقته فيقع عن فرض الوقت واختاره صاحب الكشف وتبعه المحقق في فتح القدير والتحرير وتعقبه الأكمل في التقرير بأن المعلوم أن المريض الذي لا يضره الصوم غير مرخص له الفطر عند أئمة الفقه كما شهدت كتبهم بذلك فمن لا يضره الصوم صحيح، وليس الكلام فيه.
ثم اعلم أنه وقع في عبارة القوم أصولا وفروعا أن رمضان يصح مع الخطأ في الوصف فذهب جماعة من المشايخ إلى أن مسألة نية الصوم النفل في رمضان من الصحيح المقيم إنما هي مصورة في يوم الشك بأن شرع بهذه النية ثم ظهر أنه من رمضان حتى يكون هذا الظن معفوا فأما لو وجدت في غيره يخشى عليه الكفر؛ لأنه ظن أن الأمر بالإمساك المعين يتأدى بغيره وبمثل هذا الظن يخشى عليه الكفر كذا في التقرير، وفي النهاية ما يرده فإنه قال في دليل الشافعي: إنه لو اعتقد المشروع في هذا الوقت أنه نفل يكفر، وقال في رده: إنه لما لغا نية النفل لم تتحقق نية الإعراض، وبه يبطل قوله: إنه لو اعتقد فيه أنه نفل يكفر ا هـ.
والحاصل أنه ملازم بين نية النفل واعتقاد عدم الفرضية أو ظنه فقد يكون معتقدا للفرضية، ومع ذلك نوى النفل فلا يكون بنية النفل كافرا إلا إذا انضم إليها اعتقاد النفلية، وكذا لا يخشى عليه الكفر إلا إذا انضم إليها الظن المذكور والله - سبحانه وتعالى- أعلم.
ثم اعلم أن أبا حنيفة جرى على أصله في المواضع كلها من أن الأصل ينفك عن الوصف؛ فلهذا قال: إذا بطلت صفة الفرضية في الصلاة لا يبطل أصلها وإذا بطلت الصفة في الصوم بقي أصله، وإذا قال لها: أنت طالق كيف شئت وقع أصل الطلاق وكان الوصف مفوضا إليها وهما قالا

 

ج / 2 ص -415-       وما بقي لم يجز إلا بنية معينة مبيتة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في هذه المسألة بأن ما لا يقبل الإشارة من الأمور الشرعية فحاله ووصفه بمنزلة أصله فيتعلق الأصل بتعلقه فخالفا هذا الأصل في الصوم وخالفه أبو يوسف في الصلاة؛ لأنه موافق لأبي حنيفة فيها وجرى عليه محمد في الصلاة فإنه قال ببطلان الأصل إذا بطل الوصف فيها وقد فرق بعضهم لمحمد بين الصوم والصلاة ورده الأكمل في تقريره وقال في بحث كيف أن أصلهما المذكور ليس بصحيح؛ لأن صحته تستلزم انتفاء الفاسد على مذهبنا واللازم باطل؛ لأن الأحكام عندنا تنقسم إلى جائز وفاسد وباطل، بيان الملازمة أن الربا مثلا وسائر العقودات الفاسدة مشروعة بأصلها غير مشروعة بوصفها بالاتفاق، وهي مما لا يقبل الإشارة فلو كان ما ذكرناه صحيحا لكان الأصل فيه مثل الوصف والوصف غير مشروع وما كان غير مشروع بحسب الأصل والوصف فهو باطل اتفاقا لا فاسد أو كان الوصف مثل الأصل والأصل مشروع فكان الربا جائزا لا فاسدا، وهو باطل إجماعا ا هـ.
"قوله: وما بقي لم يجز إلا بنية معينة مبيتة" أي ما بقي من الصيام، وهو قضاء رمضان والكفارات وجزاء الصيد والحلق والمتعة والنذر المطلق لا يصح بمطلق النية، ولا بنية مباينة، ولا بد فيه من التعيين لعدم تعين الوقت له، ولا بد فيه أيضا من النية من الليل أو ما هو في حكمه، وهو المقارنة لطلوع الفجر بل هو الأصل؛ لأن الواجب قران النية بالصوم لا تقديمها، وإنما جاز التقديم للضرورة.
ومن فروع لزوم التبييت في غير المعين لو نوى القضاء نهارا فلم يصح هل يقع عن النفل في فتاوى النسفي نعم، ولو أفطر يلزمه القضاء قيل: هذا إذا علم أن صومه عن القضاء لم يصح بنية النهار أما إذا لم يعلم فلا يلزم بالشروع كما في المظنون كذا في فتح القدير والذي يظهر ترجيح الإطلاق فإن الجهل بالأحكام في دار الإسلام ليس بمعتبر خصوصا أن هذه المسألة أعني عدم جواز القضاء بنية نهارا متفق عليها فيما يظهر فليس كالمظنون ولا يخفى أن قضاء النفل بعد إفساده وقضاء المنذور المعين داخل تحت قوله وما بقي ثم اعلم أن النية من الليل كافية في كل صوم بشرط عدم الرجوع عنها حتى لو نوى ليلا أن يصوم غدا ثم عزم في الليل على الفطر لم يصبح صائما فلو أفطر لا شيء عليه إن لم يكن رمضان، ولو مضى عليه لا يجزئه؛ لأن تلك النية انتقضت بالرجوع، ولو نوى الصائم الفطر لم يفطر حتى يأكل، وكذا لو نوى التكلم في الصلاة كذا في الظهيرية ولو قال: نويت صوم غد إن شاء الله - تعالى - فعن الحلواني يجوز استحسانا؛ لأن المشيئة

 

ج / 2 ص -416-       إنما تبطل اللفظ، والنية فعل القلب وصححه في فتاوى الظهيرية.
واعلم أنه يتفرع على كيفية النية ووقتها مسألة الأسير في دار الحرب إذا اشتبه عليه رمضان فتحرى وصام شهرا عن رمضان فلا يخلو إما أن يوافق أو لا بالتقديم أو بالتأخير فإن وافق جاز، وإن تقدم لم يجز، وإن تأخر، فإن وافق شوالا يجوز بشرط موافقة الشهرين في العدد وتعيين النية وتبييتها، ولا يشترط نية القضاء في الصحيح فإن كان كل منهما كاملا قضى يوما واحدا لأجل يوم الفطر، وإن كان رمضان كاملا وشوال ناقصا قضى يومين يوما لأجل يوم العيد ويوما لأجل النقصان، وعلى العكس لا شيء عليه، وإن وافق صومه هلال ذي الحجة، فإن كان رمضان كاملا وذو الحجة كاملا قضى أربعة أيام يوم النحر وأيام التشريق، وإن كان رمضان كاملا وذو الحجة ناقصا قضى خمسة أيام، وعلى عكسه قضى ثلاثة أيام، وإن وافق صومه شهرا آخر سوى هذين الشهرين، فإن كان الشهران كاملين أو ناقصين أو كان رمضان ناقصا، والآخر كاملا فلا شيء عليه، وعلى عكسه قضى يوما، ولو صام بالتحري سنين كثيرة ثم تبين أنه صام في كل سنة قبل شهر رمضان فهل يجوز صومه في الثانية عن الأولى، وفي الثالثة عن الثانية، وفي الرابعة عن الثالثة قيل: يجوز، وقيل: لا يجوز كذا في البدائع مختصرا وصحح في المحيط أنه إن نوى صوم رمضان مبهما يجوز عن القضاء، وإن نوى عن السنة الثانية مفسرا لا يجوز وقد علم من هذا أن من فاته رمضان وكان ناقصا يلزمه قضاؤه بعدد الأيام، لا شهر كامل ولهذا قال في البدائع قالوا فيمن أفطر شهرا بعذر ثلاثين يوما ثم قضى شهرا بالهلال فكان تسعة وعشرين أن عليه قضاء يوم آخر؛ لأن المعتبر عدد الأيام التي أفطر فيها دون الهلال؛ لأن القضاء على قدر الفائت.
ولو صام أهل مصر تسعة وعشرين وأفطروا للرؤية، وفيهم مريض لم يصم فإن علم ما صام أهل مصره فعليه قضاء تسعة وعشرين يوما، وإن لم يعلم صام ثلاثين يوما؛ لأنه الأصل والنقصان عارض ا هـ.
وفي عدة الفتاوى لو قال لله علي صوم شوال وذي القعدة وذي الحجة فصامهن بالرؤية وكان هلال ذي القعدة وذي الحجة ثلاثين وشوال تسعة وعشرين فعليه صوم خمسة أيام: الفطر والأضحية وأيام التشريق.
ولو قال: لله علي صوم ثلاثة أشهر فصامهن فعليه قضاء تسعة أيام؛ لأنه أشار إلى غائب فيلزم لكل شهر ثلاثون ا هـ. وبما ذكرنا علم من يراجع فتح القدير أنه لم يستوف الأقسام كلها

 

ج / 2 ص -417-       ويثبت رمضان برؤية هلاله أو بعد شعبان ثلاثين يوما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: ويثبت رمضان برؤية هلاله أو بعد شعبان ثلاثين يوما" لحديث الصحيحين
"صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما" والوجه في إثبات الرمضانية والعيد أن يدعي عند القاضي بوكالة رجل معلقة بدخول رمضان بقبض دين فيقر الخصم بالوكالة وينكر دخول رمضان فيشهد الشهود بذلك فيقضي القاضي عليه بالمال فيثبت مجيء رمضان؛ لأن إثبات مجيء رمضان لا يدخل تحت الحكم حتى لو أخبر رجل عدل القاضي بمجيء رمضان يقبل ويأمر الناس بالصوم يعني في يوم الغيم ولا يشترط لفظ الشهادة وشرائط القضاء أما في العيد فيشترط لفظ الشهادة، وهو يدخل تحت الحكم؛ لأنه من حقوق العباد كذا في الخلاصة من كتاب الشهادات وبهذا علم أن عبارة المصنف في الوافي أولى وأوجز، وهي: ويصام برؤية الهلال أو إكمال شعبان؛ لأن الصوم لا يتوقف على الثبوت وليس يلزم من رؤيته ثبوته لما تقدم أن مجرد مجيئه لا يدخل تحت الحكم، ولم يتعرض لوجوب التماسه، ولا شك في وجوبه على الناس وجوب كفاية، وينبغي في كلام بعضهم بمعناه ووقته ليلة الثلاثين؛ ولهذا قال في الاختيار: يجب التماسه في اليوم التاسع والعشرين وقت الغروب، وقول بعضهم في التاسع والعشرين تساهل نعم لو رئي في التاسع والعشرين بعد الزوال كان كرؤيته ليلة الثلاثين اتفاقا، وإنما الخلاف في رؤيته قبل الزوال يوم الثلاثين فعند أبي حنيفة ومحمد هو للمستقبلة وعند أبي يوسف هو للماضية والمختار قولهما لكن لو أفطروا لا كفارة عليهم؛ لأنهم أفطروا بتأويل ذكره قاضي خان، وفي الفتاوى الظهيرية وتكره الإشارة عند رؤية الهلال تحرزا عن التشبه بأهل الجاهلية. وأشار المصنف إلى أنه لا عبرة بقول المنجمين قال في غاية البيان: ومن قال: يرجع فيه إلى قولهم فقد خالف الشرع؛ لأنه روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أتى كاهنا أو منجما فصدقه بما قال فهو كافر بما أنزل على محمد".

 

ج / 2 ص -418-       ولا يصام يوم الشك إلا تطوعاً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: ولا يصام يوم الشك إلا تطوعا" وهو استواء طرفي الإدراك من النفي والإثبات، وموجبه هنا أحد أمرين إما أن يغم عليهم هلال رمضان، أو هلال شعبان فأكملت عدته، ولم ير هلال رمضان؛ لأن الشهر ليس الظاهر فيه أن يكون ثلاثين بل يكون تسعة وعشرين كما يكون ثلاثين فيستوي هاتان الحالتان بالنسبة إليه كما يعطيه الحديث المعروف في الشهر فاستوى الحال حينئذ في الثلاثين أنه من المنسلخ أو المستهل إذا كان غيم فيكون مشكوكا بخلاف ما إذا لم يكن؛ لأنه لو كان من المستهل لرئي عند الترائي فلما لم ير كان الظاهر أن المنسلخ ثلاثون فيكون هذا اليوم منه غير مشكوك في ذلك كذا ذكروا وقد قدمنا عن البدائع أن كونه ثلاثين هو الأصل، والنقصان عارض؛ ولهذا وجب على المريض الذي أفطر رمضان قضاء ثلاثين يوما إذا لم يعلم صوم أهل بلده فلو كان على السواء لم يلزم الزائد بالشك؛ لأن ظهور كونه كاملا إنما هو عند الصحو أما عند الغيم فلا إلا أن يقال: الأصل الصحو والغيم عارض، ولا عبرة به قبل تحققه، وهم إنما ذكروا التساوي عند تحقق الغيم، ولم يتعرض لصفة صوم غير التطوع، ولا لصفته من الإباحة والاستحباب أما صوم غير التطوع، فإن جزم بكونه عن رمضان كان مكروها كراهة تحريم للتشبه بأهل الكتاب؛ لأنهم زادوا في صومهم، وعليه حمل حديث النهي عن التقدم بصوم يوم أو يومين، وفي استحبابه إن وافق صوما كان يعتاده على الأصح، ويجزئه إن بان أنه من رمضان لما تقدم، وإلا فهو تطوع غير مضمون بالإفساد؛ لأنه في معنى المظنون، وإن جزم بكونه عن واجب آخر فهو مكروه كراهة تنزيه التي مرجعها خلاف الأولى؛ لأن النهي عن التقدم خاص بصوم رمضان لكن كره لصورة النهي المحمول على رمضان فإن ظهر أنه من رمضان أجزأه عنه لما عرف إن كان مقيما وإلا أجزأه عن الذي نواه كما لو ظهر أنه من شعبان على الأصح وإن جزم بالتطوع فلا كلام في عدم كراهته وإنما الخلاف في استحبابه إن لم يوافق صومه والأفضل أن يتلوم، ولا يأكل، ولا ينوي الصوم ما لم يتقارب انتصاف النهار فإن تقارب، ولم يتبين الحال اختلفوا فيه فقيل الأفضل صومه وقيل فطره وعامة المشايخ على أنه ينبغي للقضاة والمفتين أن يصوموا تطوعا، ويفتوا بذلك خاصتهم ويفتوا العامة بالإفطار، وكان محمد بن سلمة وأبو نصر يقولان: الفطر أحوط؛ لأنهم أجمعوا أنه لا إثم عليه لو أفطروا واختلفوا في الصوم قال بعضهم: يكره ويأثم كذا في الفتاوى الظهيرية، وقولهم: يصوم القاضي والمفتي المراد أنه يصوم من تمكن من ضبط نفسه عن الإضجاع عن النية وملاحظة كونه عن الفرض إن كان غد من رمضان؛ ولهذا قالوا: ويفتوا بالصوم خاصتهم وأما إذا ردد فإن كان في أصلها كأن نوى أن يصوم غدا عن رمضان إن كان رمضان وإلا فليس بصائم وهذه صحيحة فليس بصائم.

 

ج / 2 ص -419-       من رأى هلال رمضان أو الفطر ورد قوله صام فإن أفطر قضى فقط
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي الفتاوى الظهيرية وعن محمد ينبغي أن يغرم ليلة يوم الشك على أنه إن كان غد من رمضان فهو صائم عن رمضان، وإن لم يكن من رمضان فليس بصائم، وهذا مذهب أصحابنا ا هـ. وإن ردد في وصفها فله صورتان:
أحدهما: ما إذا نوى أن يصوم عن رمضان إن كان غد منه وإلا فعن واجب آخر، وهو مكروه لتردده بين مكروهين فإن ظهر أنه من رمضان أجزأه عنه وإلا كان تطوعا غير مضمون بالإفساد، ولا يكون عن الواجب لعدم الجزم به.
والثانية: إذا نوى أن يصوم عن رمضان إن كان منه وإلا فتطوع فهو مكروه لنية الفرض من وجه، فإن ظهر أنه منه أجزأه، وإلا فتطوع غير مضمون لدخول الإسقاط في عزيمته من وجه، ولم يتعرض المصنف لصوم ما قبله وصرح في الكافي بأنه إن وافق يوم الشك صوما كان يصومه فالصوم أفضل وكذا إن صام كله أو نصفه أو ثلاثة من آخره، ولم يقيد بكون صوم الثلاثة عادة وصرح في التحفة بكراهة الصوم قبل رمضان بيوم أو يومين لمن ليس له عادة لقوله عليه السلام
"لا تتقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يوافق صوما كان يصومه أحدكم" وإنما كره خوفا من أن يظن أنه زيادة على رمضان إذا اعتادوا ذلك فالحاصل أن من له عادة فلا كراهة في حقه مطلقا، ومن ليس له عادة فلا كراهة في التقدم بثلاثة فأكثر ويكره في اليوم واليومين.
وأما صوم الشك فلا يكره بنية التطوع مطلقا.
"قوله: من رأى هلال رمضان أو الفطر ورد قوله صام فإن أفطر قضى فقط" لقوله تعالى في هلال رمضان
{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185]، وهذا قد شهده والحديث في هلال الفطر "صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون" والناس لم يفطروا في هذا اليوم فوجب عليه موافقتهم ولأن تفرده مع شدة حرص الناس على طلبه دليل غلطه، وإنما لم تجب الكفارة فيما إذا رأى هلال رمضان، ولم يصم؛ لأن القاضي رد شهادته بدليل شرعي، وهو تهمة الغلط فأورث شبهة، وهذه الكفارة تندرئ بالشبهات؛ لأنها ألحقت بالعقوبات باعتبار أن معنى العقوبة فيها أغلب

 

ج / 2 ص -420-       وقبل بعلة خبر عدل، ولو قنا أو أنثى لرمضان وحرين أو حر وحرتين للفطر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بدليل عدم وجوبها على المعذور والمخطئ بخلاف بقية الكفارات فإنه اجتمع فيها معنى العبادة والعقوبة، والعبادة أغلب كما عرف في تحرير الأصول قيد بقوله ورد قوله أي ورد القاضي أخباره احترازا عما إذا أفطر قبل أن يرد القاضي شهادته فإنه لا رواية فيه عن المتقدمين.
واختلف المشايخ في وجوب الكفارة وصحح في المحيط عدم وجوبها ورجحه في غاية البيان باعتبار أنه يوم مختلف في وجوب صومه فإن الحسن وابن سيرين وعطاء قالوا بأنه لا يصومه إلا مع الإمام واحترازا عما إذا قبل الإمام شهادته، وهو فاسق وأمر الناس بالصوم فأفطر هو أو واحد من أهل بلده لزمته الكفارة، وبه قال عامة المشايخ خلافا للفقيه أبي جعفر؛ لأنه صوم يوم الناس فلو كان عدلا ينبغي أن لا يكون في وجوب الكفارة خلاف؛ لأن وجه النفي كونه ممن لا يجوز القضاء بشهادته، وهو منتف كذا في فتح القدير وأفاد أن التفرد بالرؤية من غير ثبوت عند الحاكم موجب لإسقاط الكفارة فدخل ما إذا رآه الحاكم وحده، ولم يصم فإنه لا كفارة عليه؛ ولهذا قالوا: لا ينبغي للإمام إذا رآه وحده أن يأمر الناس بالصوم، وكذا في الفطر بل حكمه حكم غيره فليس له أن يخرج إلى العيد برؤيته وحده، وله أن يصوم إذا رآه، والوالي إذا أخبر صديقه صام إن صدقه، ولا يفطر، وإن أفطر لا كفارة عليه كذا في البزازية، وفي فتاوى قاضي خان: ومن رأى هلال رمضان في الرستاق، وليس هناك وال وقاض فإن كان ثقة يصوم الناس بقوله، وفي الفطر إن أخبر عدلان برؤية الهلال لا بأس بأن يفطروا ا هـ. وأشار بوجوب صومه إذا رأى هلال الفطر وحده إلى أن المنفرد برؤية هلال رمضان إذا صام وأكمل ثلاثين يوما لم يفطر إلا مع الإمام؛ لأن الوجوب علته الاحتياط، والاحتياط بعد ذلك في تأخير الإفطار ولو أفطر لا كفارة عليه اعتبارا للحقيقة التي عنده، وأطلق في الرائي فشمل من لا تقبل شهادته، ومن تقبل كذا في الفتاوى الظهيرية. وأشار إلى رد قول الفقيه أبي جعفر من أن معنى قول الإمام أبي حنيفة فيما إذا رأى هلال الفطر لا يفطر لا يأكل، ولا يشرب ولكن ينبغي أن يفسد صوم ذلك اليوم، ولا يتقرب به إلى الله - تعالى -؛ لأنه يوم عيد عنده، وإلى رد ما قاله بعض مشايخنا من أنه إذا أيقن برؤية هلال الفطر أفطر لكن يأكل سرا كذا في الفتاوى الظهيرية، وفيها أيضا: وإذا صام أهل مصر بغير رؤية، ورجل برؤية فنقص له يوم جاز.
"قوله: وقبل بعلة خبر عدل، ولو قنا أو أنثى لرمضان وحرين أو حر وحرتين للفطر"؛ لأن صوم رمضان أمر ديني فأشبه رواية الإخبار؛ ولهذا لا يختص بلفظ الشهادة خلافا لشيخ الإسلام، ولا يشترط الدعوى لكن قال في الفتاوى الظهيرية: إنه قولهما أما على قول الإمام أبي حنيفة فينبغي أن يشترط الدعوى أما في شهادة الفطر والأضحى فيشترط لفظ الشهادة، وتشترط العدالة في الكل؛

 

ج / 2 ص -421-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لأن قول الفاسق في الديانات التي يمكن تلقيها من العدول غير مقبول كالهلال ورواية الإخبار، ولو تعدد كفاسقين فأكثر كذا في الولوالجية بخلاف ما لا يتيسر تلقيه منهم حيث يتحرى في خبر الفاسق كالإخبار بطهارة الماء ونجاسته وحل الطعام وحرمته وبخلاف الهدية والوكالة، وما لا إلزام فيه من المعاملات حيث يقبل خبره بدون التحري للزوم الضرورة، ولا دليل سواه فوجب قبوله مطلقا وحقيقة العدالة ملكة تحمل على ملازمة التقوى والمروءة، والشرط أدناها، وهو ترك الكبائر والإصرار على الصغائر، وما يخل بالمروءة كما عرف تحقيقه في تعريف الأصول فلزم أن يكون مسلما عاقلا بالغا، وأما الحرية والبصر وعدم الحد في قذف وعدم الولاء والعداوة فمختص بالشهادة، وعن أبي حنيفة نفي رواية المحدود والظاهر خلافه لقبول رواية أبي بكرة بعد ما تاب، وكان قد حد في قذف، وأما مجهول الحال، وهو المستور فعن أبي حنيفة قبوله وظاهر الرواية عدمه؛ لأن المراد بالعدل في ظاهر الرواية من ثبتت عدالته، وأن الحكم بقوله فرع ثبوتها، ولا ثبوت في المستور، وما ذكره الطحاوي من عدم اشتراط العدالة فمحمول على قبول المستور الذي هو إحدى الروايتين، وصحح البزازي في فتاويه قبول المستور، وهو خلاف ظاهر الرواية كما علمت أما مع تبين الفسق فلا قائل به عندنا وفرعوا عليه ما لو شهدوا في تاسع عشرين رمضان أنهم رأوا هلال رمضان قبل صومهم بيوم وإن كانوا في هذا المصر لا تقبل شهادتهم؛ لأنهم تركوا الحسبة، وإن جاءوا من خارج قبلت، وفي البزازية: الفاسق إذا رآه وحده يشهد؛ لأن القاضي ربما يقبل شهادته لكن القاضي يرده ا هـ.
وأما في هلال الفطر فلأنه تعلق به نفع العباد، وهو الفطر فأشبه سائر حقوقهم فيشترط فيه ما يشترط في سائر حقوقهم من العدالة والحرية والعدد وعدم الحد في قذف ولفظ الشهادة والدعوى على خلاف فيه إن أمكن ذلك وإلا فقد تقدم أنهم لو كانوا في بلدة لا قاضي فيها، ولا والي فإن الناس يصومون بقول الثقة ويفطرون بإخبار عدلين للضرورة وأطلقه فشمل ما لو كان المخبر من مصر أو جاء من خارجه، وهو ظاهر الرواية خلافا فللإمام الفضلي حيث قال: إنما يقبل الواحد العدل إذا فسر، وقال: رأيته خارج البلد في الصحراء، أو يقول: رأيته في البلدة من بين خلل السحاب أما بدون هذا التفسير فلا يقبل كذا في الظهيرية، وأشار إلى أنه يقبل في هلال رمضان شهادة واحد عدل على شهادة واحد عدل بخلاف الشهادة على الشهادة في سائر الأحكام حيث لا تقبل ما لم يشهد على شهادة رجل واحد رجلان، أو رجل وامرأتان لما ذكرنا أنه من باب الإخبار لا من باب الشهادة كذا في البدائع وكذا تقبل فيه شهادة العبد على العبد كذا في البزازية، وكذا شهادة المرأة على المرأة كذا في الظهيرية، وإلى أنهم لو صاموا بشهادة واحد وغم هلال شوال فإنهم لا يفطرون فتثبت الرمضانية بشهادته لا الفطر خلافا لما روي عن محمد أنهم يفطرون، وصححه في غاية البيان.

 

ج / 2 ص -422-       وإلا فجمع عظيم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما إذا صاموا بشهادة اثنين فإنهم يفطرون اتفاقا كذا في البدائع وحكى البزازي فيه خلافا، والعلة غيم أو غبار أو نحوهما هنا، وفي الأصول الخارج المتعلق بالحكم المؤثر فيه وأشار إلى أن الجارية المخدرة إذا رأت هلال رمضان وبالسماء علة وجب عليها أن تخرج في ليلتها وتشهد بغير إذن مواليها كما صرح به البزازي.
واعلم أن ما كان من باب الديانات فإنه يكتفى فيه بخبر الواحد العدل كهلال رمضان وما كان من حقوق العباد، وفيه إلزام محض كالبيوع والأملاك فشرطه العدد والعدالة، ولفظ الشهادة مع باقي شروطها، ومنه الفطر إلا أن يكون الملزم به غير مسلم فلا يشترط في الشاهد الإسلام، وإلا ما لا يطلع عليه الرجال كالبكارة والولادة والعيوب في العورة فلا عدد، ولا ذكورة.
وما لا إلزام فيه كالإخبار بالوكالات والمضاربات والإذن في التجارة والرسالات في الهدايا والشركات فلا شرط سوى التمييز مع تصديق القلب.
وما كان فيه إلزام من وجه كعزل الوكيل وحجر المأذون وفسخ الشركة والمضاربة فالرسول والوكيل فيها كما قبله عندهما وشرط الإمام عدالته أو العدد كما عرف في تحرير الأصول وفي البزازية وقعت في بخارى سنة إحدى وسبعين وسبعمائة أن الناس صاموا يوم الأربعاء فجاء اثنان أو ثلاثة يوم الأربعاء التاسع والعشرين وأخبروا أنهم رأوا ليلة الثلاثاء، وهذا الأربعاء يوفي الثلاثين اتفقت الأجوبة أن بالسماء علة عيدوا يوم الخميس وإلا لا صاموا ثمانية وعشرين بلا رؤية ثم رأوا هلال الفطر إن أكملوا عدة شعبان ثلاثين، وقد كانوا رأوا هلال شعبان قضوا يوما، وإن صاموا تسعا وعشرين لا قضاء عليهم أصلا، فإن كانوا أتموا شعبان من غير رؤية هلاله أيضا قضوا يومين ا هـ.
"قوله: وإلا فجمع عظيم" أي، وإن لم يكن بالسماء علة فيهما يشترط أن يكون فيهما الشهود جمعا كثيرا يقع العلم بخبرهم أي علم غالب الظن لا اليقين؛ لأن التفرد من بين الجم الغفير بالرؤية مع توجههم طالبين لما توجه هو إليه مع فرض عدم المانع وسلامة الإبصار، وإن تفاوتت الأبصار في الحدة ظاهر في غلطه قياسا على تفردنا قل زيادة من بين سائر أهل مجلس مشاركين له في السماع فإنها ترد، وإن كان ثقة مع أن التفاوت في حدة السمع واقع أيضا كما هو في الإبصار مع أنه لا نسبة لمشاركته في السماع بمشاركته في الترائي كثرة، والزيادة المقبولة ما علم فيه تعدد المجالس أو جهل فيه الحال من الاتحاد والتعدد كذا في فتح القدير وغيره وبهذا اندفع تشنيع المتعصبين في زماننا على مذهبنا حيث زعموا أن عدم قبول الاثنين لا دليل له، وهو مردود؛ لأن القياس حيث لا سمع أحد الأدلة الشرعية، والقياس المذكور صحيح لوجود ركنه وشرائطه،

 

ج / 2 ص -423-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولم يريدوا بالتفرد تفرد الواحد، وإلا لأفاد قبول الاثنين، وهو منتف بل المراد تفرد من لم يقع العلم بخبرهم من بين أضعافهم من الخلائق، وهذا هو ظاهر الرواية، وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يقبل فيه شهادة رجلين أو رجل وامرأتين سواء كان بالسماء علة أو لم يكن كما روي عنه في هلال رمضان كذا في البدائع، ولم أر من رجحها من المشايخ، وينبغي العمل عليها في زماننا؛ لأن الناس تكاسلت عن ترائي الأهلة فانتفى قولهم مع توجههم طالبين لما توجه هو إليه فكان التفرد غير ظاهر في الغلط.
ولهذا وقع في زماننا في سنة خمس وخمسين وتسعمائة أن أهل مصر افترقوا فرقتين فمنهم من صام، ومنهم من لم يصم وهكذا وقع لهم في الفطر بسبب أن جمعا قليلا شهدوا وعندنا قاضي القضاة الحنفي، ولم يكن بالسماء علة فلم يقبلهم فصاموا وتبعهم جمع كثير على الصوم، وأمروا الناس بالفطر وهكذا في هلال الفطر حتى إن بعض المشايخ الشافعية صلى العيد بجماعة دون غالب أهل البلدة وأنكر عليهم ذلك لمخالفة الإمام، ولم يقدر الجمع الكثير في ظاهر الرواية بشيء فروي عن أبي يوسف أنه قدره بعد القسامة خمسين رجلا، وعن خلف بن أيوب خمسمائة ببلخ قليل وقيل: ينبغي أن يكون من كل مسجد جماعة واحد أو اثنان وعن محمد أنه يفوض مقدار القلة والكثرة إلى رأي الإمام كذا في البدائع.
وفي فتح القدير والحق ما روي عن محمد وأبي يوسف أيضا أن العبرة لتواتر الخبر ومجيئه من كل جانب.
وفي الفتاوى الظهيرية، وإن كانت السماء مصحية لا تقبل شهادة الواحد في ظاهر الرواية بل يشترط العدد واختلفوا في تقديره ا هـ. فظاهره أن ظاهر الرواية لا يشترط الجمع العظيم، وإنما يشترط العدد، وهو يصدق على اثنين فكان مرجحا لرواية الحسن التي اخترناها آنفا، ويدل على ذلك أيضا ما في الفتاوى الولوالجية، وإن كانت السماء مصحية لا تقبل شهادة الواحد عن أبي حنيفة أنه يقبل؛ لأنه اجتمع في هذه الشهادة ما يوجب القبول، وهو العدالة والإسلام وما يوجب الرد، وهو مخالفة الظاهر فرجح ما يوجب القبول احتياطا؛ لأنه إذا صام يوما من شعبان كان خيرا من أن يفطر يوما من رمضان وجه ظاهر الرواية أنه اجتمع ما يوجب القبول وما يوجب الرد فرجح جانب الرد؛ لأن الفطر في رمضان من كل وجه جائز بعذر كما في المريض والمسافر وصوم رمضان قبل رمضان لا يجوز بعذر من الأعذار فكان المصير إلى ما يجوز بعذر أولى ثم إذا لم تقبل شهادة الواحد واحتيج إلى زيادة العدد عن أبي حنيفة أنه تقبل شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، وعن أبي يوسف أنه لا يقبل ما لم يشهد على ذلك جمع عظيم، وذلك مقدر بعدد القسامة، وعن خلف بن

 

ج / 2 ص -424-       والأضحى كالفطر، ولا عبرة باختلاف المطالع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أيوب خمسمائة ببلخ قليل، وعن أبي حفص الكبير أنه شرط الوفاء، وعن محمد ما استكثره الحاكم فهو كثير وما استقله فهو قليل هذا إذا كان الذي شهد بذلك في المصر أما إذا جاء من مكان آخر خارج المصر فإنه تقبل شهادته إذا كان عدلا ثقة؛ لأنه يتيقن في الرؤية في الصحاري ما لم يتيقن في الأمصار لما فيها من كثرة الغبار، وكذا إذا كان في المصر في موضع مرتفع، وهلال الفطر إذا كانت السماء مصحية كهلال رمضان ا هـ.
فهذا يدل على ترجيح رواية الحسن وأن ظاهر الرواية اعتبار العدد لا الجمع الكثير لكن فرق بين من كان بالمصر وخارجه وبين المكان المرتفع وغيره قول الطحاوي: أما ظاهر الرواية فلا يقبل فيه خبر الواحد مطلقا كما في غاية البيان وفتح القدير.
"قوله: والأضحى كالفطر" أي هلال ذي الحجة كهلال شوال فلا يثبت بالغيم إلا برجلين أو رجل وامرأتين وأما حالة الصحو فالكل سواء لا بد من زيادة العدد على ما قدمناه، وإنما كان كهلاله دون رمضان؛ لأنه تعلق به حق العباد، وهو التوسع بلحوم الأضاحي وذكر في النوادر عن أبي حنيفة أنه كرمضان؛ لأنه تعلق به أمر ديني، وهو وجوب الأضحية، والأول ظاهر المذهب كذا في الخلاصة، وهو ظاهر الرواية، وهو الأصح كذا في الهداية وشروحها والتبيين وصحح الثاني صاحب التحفة فاختلف التصحيح لكن تأيد الأول بأنه المذهب، ولم يتعرض لحكم بقية الأهلة التسعة وذكر الإمام الإسبيجابي في شرح مختصر الطحاوي الكبير وأما في هلال الفطر والأضحى وغيرهما من الأهلة فإنه لا يقبل فيه إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين عدول أحرار غير محدودين كما في سائر الأحكام ا هـ.
"قوله: ولا عبرة باختلاف المطالع" فإذا رآه أهل بلدة، ولم يره أهل بلدة أخرى وجب عليهم أن يصوموا برؤية أولئك إذا ثبت عندهم بطريق موجب، ويلزم أهل المشرق برؤية أهل المغرب، وقيل: يعتبر فلا يلزمهم برؤية غيرهم إذا اختلف المطلع، وهو الأشبه كذا في التبيين، والأول ظاهر الراوية، وهو الأحوط كذا في فتح القدير، وهو ظاهر المذهب، وعليه الفتوى كذا في الخلاصة أطلقه فشمل ما إذا كان بينهما تفاوت بحيث يختلف المطلع أولا وقيدنا بالثبوت المذكور؛ لأنه لو شهد جماعة أن أهل بلد كذا رأوا هلال رمضان قبلكم بيوم فصاموا، وهذا اليوم ثلاثون بحسابهم، ولم يروا هؤلاء الهلال لا يباح فطر غد، ولا تترك التراويح هذه الليلة؛ لأن هذه الجماعة لم يشهدوا بالرؤية، ولا على شهادة غيرهم، وإنما حكوا رؤية غيرهم، ولو شهدوا أن قاضي بلد كذا شهد عنده اثنان برؤية الهلال في ليلة كذا وقضى بشهادتهما جاز لهذا القاضي أن يحكم بشهادتهما؛ لأن قضاء القاضي حجة، وقد شهدوا به، وأما ما استدل به الشارح على اعتبار اختلاف المطالع من واقعة الفضل

 

ج / 2 ص -425-       ...........................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مع عبد الله بن عباس حين أخبره أنه رأى الهلال بالشام ليلة الجمعة ورآه الناس وصاموا وصام معاوية فلم يعتبره، وإنما اعتبر ما رآه أهل المدينة ليلة السبت فلا دليل فيه؛ لأنه لم يشهد على شهادة غيره، ولا على حكم الحاكم ولئن سلم فلأنه لم يأت بلفظ الشهادة ولئن سلم فهو واحد لا يثبت بشهادته وجوب القضاء على القاضي، والمطالع جمع مطلع بكسر اللام موضع الطلوع كذا في ضياء الحلوم.

1- باب ما يفسد الصوم وما لا يفسده
فإن أكل الصائم، أو شرب، أو جامع ناسياً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- باب ما يفسد الصوم وما لا يفسده
الفساد والبطلان في العبادات بمعنى واحد، وهو عدم الصحة، وهي عند الفقهاء اندفاع وجوب القضاء بالإتيان بالشرائط، والأركان، وقد يظن أنه الصحة والفساد في العبادات من أحكام الشرع الوضعية، وقد أنكر ذلك، وإنما حكمنا به عقلي على ما عرف في تحرير الأصول بخلافهما في المعاملات، فإن ترتب أثر المعاملة مطلوب التفاسخ شرعا هو الفساد، وغير مطلوب التفاسخ هو الصحة، وعدم ترتب الأثر أصلا هو البطلان.
"قوله: فإن أكل الصائم، أو شرب أو جامع ناسيا إلى آخره" لحديث الجماعة إلا النسائي
"من نسي، وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه" والمراد بالصوم الشرعي لا اللغوي الذي هو مطلق الإمساك للاتفاق على أن الحمل على المفهوم الشرعي حيث أمكن في لفظ الشارع واجب خصوصا قد ورد في صحيح ابن حبان "ولا قضاء عليك" وعند البزار

 

ج / 2 ص -426-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 "فلا يفطر" وألحق الجماع به دلالة للاستواء في الركنية لا قياسا فاندفع به القياس المقتضي للفطر لفوات الركن.
وحقيقة النسيان عدم استحضار الشيء وقت حاجته قالوا: وليس عذرا في حقوق العباد، وفي حقوقه - تعالى - عذر في سقوط الإثم أما الحكم فإن كان مع مذكر، ولا داعي إليه كأكل المصلي لم يسقط لتقصيره بخلاف سلامه في القعدة فإنه ساقط لوجود الداعي، وإن لم يكن مع مذكر وله داع كأكل الصائم سقط، وإن لم يكن معه مذكر، ولا داع فأولى بالسقوط كترك الذابح التسمية، وخرج ما إذا أكل ناسيا فذكره إنسان بالصوم، ولم يتذكر فأكل فسد صومه في الصحيح خلافا لبعضهم كذا في الظهيرية؛ لأنه أخبر بأن هذا الأكل حرام عليه، وخبر الواحد في الديانات مقبول فكان يجب أن يلتفت إلى تأمل الحال لوجود المذكر والأولى أن لا يذكره إن كان شيخا؛ لأن ما يفعله الصائم ليس بمعصية فالسكوت عنه ليس بمعصية، ولأن الشيخوخة مظنة المرحمة، وإن كان شابا يقوى على الصوم يكره أن لا يخبره والظاهر أنها تحريمية؛ لأن الولوالجي قال: يلزمه أن يخبره ويكره تركه أطلقه فشمل الفرض والنفل، ولو بدأ بالجماع ناسيا فتذكر إن نزع من ساعته لم يفطر، وإن دام على ذلك حتى أنزل فعليه القضاء ثم قيل: لا كفارة عليه، وقيل: هذا إذا لم يحرك نفسه بعد التذكر حتى أنزل فإن حرك نفسه بعده فعليه الكفارة كما لو نزع ثم أدخل، ولو جامع عامدا قبل الفجر وطلع النزع في الحال فإن حرك نفسه فهو على هذا نظير ما قالوا لو أولج ثم قال لها: إن جامعتك فأنت طالق أو حرة إن نزع أو لم ينزع، ولم يتحرك حتى أنزل لم تطلق، ولا تعتق، وإن حرك نفسه طلقت وعتقت ويصير مراجعا بالحركة الثانية، ويجب للأمة العقر، ولا حد عليها كذا في فتح القدير.
وفي الفتاوى الظهيرية رجل أصبح يوم الشك متلوما ثم أكل ناسيا ثم ظهر أنه من رمضان ونوى صوما ذكر في الفتاوى أنه لا يجوز، وفي البقالي النسيان قبل النية كما بعدها، وصححه في القنية قيد بالناسي؛ لأنه لو كان مخطئا أو مكرها فعليه القضاء خلافا للشافعي، فإنه يعتبر بالناسي، ولنا أنه لا يغلب وجوده وعذر النسيان غالب، ولأن النسيان من قبل من له الحق، والإكراه من قبل غيره فيفترقان كالمقيد والمريض العاجز عن الأداء بالرأس في قضاء الصلاة حيث يقضي المقيد لا المريض وأما حديث
"رفع عن أمتي الخطأ" فهو من باب الاقتضاء، وقد أريد الحكم الأخروي فلا حاجة إلى إرادة الدنيوي؛ إذ هو لا عموم له كما عرف في الأصول، وحقيقة الخطأ أن يقصد بالفعل غير المحل الذي يقصد به الجناية كالمضمضة تسري إلى الحلق.

 

ج / 2 ص -427-       أو احتلم، أو أنزل بنظر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والفرق بين صورة الخطأ والنسيان هنا أن المخطئ ذاكر للصوم، وغير قاصد للشرب.
والناسي عكسه في غاية البيان، وقد يكون المخطئ غير ذاكر للصوم وغير قاصد للشرب لكنه في حكم الناسي هنا كما في النهاية والمؤاخذة بالخطأ جائزة عندنا خلافا للمعتزلة وتمامه في تحرير الأصول ومما ألحق بالمكره النائم إذا صب في حلقه ما يفطر، وكذا النائمة إذا جامعها زوجها، ولم تنتبه، وفي الفتاوى الظهيرية: ولو أن رجلا رمى إلى رجل حبة عنب فدخلت حلقه، وهو ذاكر لصومه يفسد صومه، وما عن نصير بن يحيى فيمن اغتسل ودخل الماء في حلقه لم يفسد ا هـ. خلاف المذهب، وفي فتاوى قاضي خان: النائم إذا شرب فسد صومه وليس هو كالناسي؛ لأن النائم ذاهب العقل وإذا ذبح لم تؤكل ذبيحته، وتؤكل ذبيحة من نسي التسمية.
"قوله: أو احتلم أو أنزل بنظر" أي لا يفطر لحديث السنن
"لا يفطر من قاء، ولا من احتلم، ولا من احتجم" ولأنه لم يوجد الجماع صورة لعدم الإيلاج حقيقة، ولا معنى لعدم الإنزال عن شهوة المباشرة؛ ولهذا ذكر الولوالجي في فتاويه بأن من جامع في رمضان قبل الصبح فلما خشي أخرج فأنزل بعد الصبح لا يفسد صومه، وهو بمنزلة الاحتلام لوجود صورة الجماع معنى.
قالوا الصائم إذا عالج ذكره حتى أمنى يجب عليه القضاء، وهو المختار كذا في التجنيس والولوالجية وبه قال عامة المشايخ كذا في النهاية واختار أبو بكر الإسكاف أنه لا يفسد وصححه في غاية البيان بصيغة: والأصح عندي قول أبي بكر لعدم الصورة والمعنى، وهو مردود؛ لأن المباشرة المأخوذة في معنى الجماع أعم من كونها مباشرة الغير أولا بأن يراد مباشرة هي سبب الإنزال سواء كان ما بوشر مما يشتهى عادة أو لا ولهذا أفطر بالإنزال في فرج البهيمة والميتة وليسا مما يشتهى عادة.
وأما ما نقل عن أبي بكر من عدم الإفطار بالإنزال في البهيمة فقال الفقيه أبو الليث: إن هذا القول زلة منه وهل يحل الاستمناء بالكف خارج رمضان إن أراد الشهوة لا يحل لقوله عليه السلام
"ناكح اليد ملعون"، وإن أراد تسكين الشهوة يرجى أن لا يكون عليه وبال كذا في

 

ج / 2 ص -428-       أو ادهن أو احتجم، أو اكتحل، أو قبل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الولوالجية وظاهره أنه في رمضان لا يحل مطلقا أطلق في النظر فشمل ما إذا نظر إلى وجهها أو فرجها كرر النظر أو لا وقيد به؛ لأنه لو قبلها بشهوة فأنزل فسد صومه لوجود معنى الجماع بخلاف ما إذا لم ينزل حيث لا يفسد لعدم المنافي صورة ومعنى، وهو محمل قوله أو قبل بخلاف الرجعة والمصاهرة؛ لأن الحكم هناك أدبر على السبب على ما يأتي إن شاء الله - تعالى -.
واللمس والمباشرة والمصافحة والمعانقة كالقبلة، ولا كفارة عليه؛ لأنها تفتقر إلى كمال الجناية لما بينا أن الغالب فيها العقوبة؛ لأن الكفارة لجبر الفائت، وهو قد حصل فكانت زاجرة فقط ولهذا تندرئ بالشبهات، ولا بأس بالقبلة إذا أمن على نفسه الجماع والإنزال، ويكره إذا لم يأمن؛ لأن عينه ليس بمفطر وربما يصير فطرا بعاقبته فإن أمن اعتبر عينه وأبيح له، وإن لم يأمن اعتبر عاقبته ويكره له.
والمباشرة كالقبلة في ظاهر الرواية وعن محمد أنه كره المباشرة الفاحشة واختار في فتح القدير رواية محمد؛ لأنها سبب غالب للإنزال، وجزم بالكراهة من غير ذكر خلاف الولوالجي في فتاويه ويشهد للتفصيل المذكور في القبلة الحديث من ترخيصه للشيخ ونهيه الشاب.
والتقبيل الفاحش كالمباشرة الفاحشة، وهو أن يمضغ شفتيها كذا في معراج الدراية وقيدنا بكونه قبلها؛ لأنها لو قبلته ووجدت لذة الإنزال، ولم تر بللا فسد صومها عند أبي يوسف خلافا لمحمد وكذا في وجوب الغسل كذا في المعراج.
والمراد باللمس اللمس بلا حائل فإن مسها وراء الثياب فأمنى فإن وجد حرارة جلدها فسد، وإلا فلا ولو مست زوجها فأنزل لم يفسد صومه وقيل: إن تكلف له فسد كذا في المعراج أيضا، وفي الذخيرة ولو مس فرج بهيمة فأنزل لا يفسد صومه بالاتفاق، وفي الفتاوى الظهيرية فإن عملت المرأتان عمل الرجال من الجماع في رمضان إن أنزلتا فعليهما القضاء، وإن لم ينزلا فلا غسل، ولا قضاء وأشار إلى أنه لو أصبح جنبا لا يضره كذا في المحيط.
"قوله: أو ادهن أو احتجم أو اكتحل أو قبل" أي لا يفطر؛ لأن الادهان غير مناف للصوم، ولعدم وجود المفطر صورة ومعنى والداخل من المسام لا من المسالك فلا ينافيه كما لو اغتسل بالماء البارد، ووجد برده في كبده، وإنما كره أبو حنيفة الدخول في الماء والتلفف بالثوب المبلول

 

ج / 2 ص -429-       أو دخل حلقه غبار، أو ذباب وهو ذاكر لصومه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لما فيه من إظهار الضجر في إقامة العبادة لا؛ لأنه قريب من الإفطار كذا في فتح القدير وقال أبو يوسف: لا يكره ذلك كذا في المعراج وكذا الاحتجام غير مناف أيضا، ولما روينا من الحديث.
وهو مكروه للصائم إذا كان يضعفه عن الصوم أما إذا كان لا يخافه فلا بأس كذا في غاية البيان.
وكذا الاكتحال، وأطلقه فأفاد أنه لا فرق بين أن يجد طعمه في حلقه أو لا وكذا لو بزق فوجد لونه في الأصح؛ لأن الموجود في حلقه أثره لا عينه كما لو ذاق شيئا.
وكذا لو صب في عينه لبن أو دواء مع الدهن فوجد طعمه، أو مرارته في حلقه لا يفسد صومه كهذا في الظهيرية.
وفي الولوالجية والظهيرية: ولو مص الهليلج وجعل يمضغها فدخل البزاق حلقه، ولا يدخل عينها في جوفه لا يفسد صومه فإن فعل هذا بالفانيد أو السكر يلزمه القضاء والكفارة، وفي مآل الفتاوى لو أفطر على الحلاوة فوجد طعمها في فمه في الصلاة لا تفسد صلاته وأما القبلة فقد تقدم الكلام عليها.
"قوله: أو دخل حلقه غبار أو ذباب، وهو ذاكر لصومه" يعني لا يفطر؛ لأن الذباب لا يستطاع الامتناع عنه فشابه الدخان والغبار لدخولهما من الأنف إذا طبق الفم قيد بما ذكر؛ لأنه لو وصل لحلقه دموعه أو عرقه أو دم رعافه أو مطر أو ثلج فسد صومه لتيسر طبق الفم وفتحه أحيانا مع الاحتراز عن الدخول، وإن ابتلعه متعمدا ألزمته الكفارة، واعتبار الوصول إلى الحلق في الدمع ونحوه مذكور في فتاوى قاضي خان، وهو أولى مما في الخزانة من تقييد الفساد بوجدان الملوحة في الأكثر من قطرتين ونفي الفساد في القطرة والقطرتين؛ لأن القطرة يجد ملوحتها فلا معول عليه، والتعليل في المطر بما ذكرنا أولى مما في الهداية والتبيين من التعليل بإمكان أن تأويه خيمة أو سقف فإنه يقتضي أن المسافر الذي لا يجد ما يأويه ليس حكمه كغيره وليس كذلك، وفي الفتاوى الظهيرية: وإذا نزل الدموع من عينيه إلى فمه فابتلعها يجب القضاء بلا كفارة وفي متفرقات الفقيه أبي جعفر إن تلذذ بابتلاع الدموع يجب القضاء مع الكفارة، وغبار الطاحونة

 

ج / 2 ص -430-       أو أكل ما بين أسنانه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كالدخان، وفي الولوالجية: الدم إذا خرج من الأسنان ودخل الحلق إن كانت الغلبة للبزاق لا يفسد صومه، وإن كانت للدم فسد، وكذا إن استويا احتياطا ثم قال الصائم إذا دخل المخاط أنفه من رأسه ثم استشمه ودخل حلقه على تعمد منه لا شيء عليه؛ لأنه بمنزلة ريقه إلا أن يجعله على كفه ثم يبتلعه فيكون عليه القضاء، وفي الظهيرية وكذا المخاط والبزاق يخرج من فيه أو أنفه فاستشمه واستنشقه لا يفسد صومه، وفي فتح القدير لو ابتلع ريق غيره أفطر، ولا كفارة عليه وليس على إطلاقه فسيأتي في آخر الكتاب في مسائل شتى أنه لو ابتلع بزاق غيره كفر لو صديقه وإلا لا أقره عليه الشارح الزيلعي.
"قوله: أو أكل ما بين أسنانه" أي لا يفطر؛ لأنه قليل لا يمكن الاحتراز عنه فجعل بمنزلة الريق، ولم يقيده المصنف بالقلة مع أن الكثير مفسد موجب للقضاء دون الكفارة عند أبي يوسف خلافا لزفر لما أن الكثير لا يبقى بين الأسنان، وهو مقدار الحمصة على رأي الصدر الشهيد أو ما يمكن أن يبتلعه من غير ريق على ما اختاره الدبوسي واستحسنه ابن الهمام وما دونه قليل، وأطلقه فشمل ما إذا ابتلعه أو مضغه، وسواء قصد ابتلاعه أو لا كما في غاية البيان وقيد بأكله؛ لأنه لو أخرجه ثم ابتلعه فسد صومه كما لو ابتلع سمسمة أو حبة حنطة من خارج لكن تكلموا في وجوب الكفارة والمختار الوجوب كذا في فتاوى قاضي خان، وهو الصحيح كذا في المحيط بخلاف ما لو مضغها حيث لا يفسد؛ لأنها تتلاشى إلا إذا كان قدر الحمصة فإن صومه يفسد، وفي الكافي في السمسمة قال إن مضغها لا يفسد إلا إن وجد طعمها في حلقه قال في فتح القدير، وهذا حسن جدا فليكن الأصل في كل قليل مضغه وصرح في المحيط بما في الكافي، وفي الفتاوى الظهيرية: روي عن محمد أنه خرج على أصحابه يوما وسألهم عن هذه المسألة فقال: ماذا تقولون في صائم رمضان إذا ابتلع سمسمة واحدة كما هي أيفطر قالوا: لا، قال: أرأيتم لو أكل كفا من سمسم واحدة بعد واحدة وابتلع كما هي قالوا: نعم وعليه الكفارة قال بالأولى أم بالأخيرة قالوا لا بل بالأولى قال الحاكم الإمام محمد بن يوسف فعلى قياس هذه الرواية يجب القضاء مع الكفارة إذا ابتلعها كما هي ا هـ. وتقدم أن وجوب الكفارة هو المختار وذكر قبلها، وإذا ابتلع حبة العنب إن مضغها قضى وكفر، وإن ابتلعها كما هي لم يكن معها ثفروقها فعليه القضاء والكفارة بالاتفاق، وإن كان معها ثفروقها قال عامة العلماء: عليه القضاء مع الكفارة، وقال أبو سهيل: لا كفارة عليه، وهو الصحيح؛ لأنها لا تؤكل مع ذلك عادة وأراد بالثفروق ها هنا ما يلتزق بالعنقود من حب العنب وثقبته مسدودة به، وإن ابتلع تفاحة روى هشام عن محمد أن عليه الكفارة ثم ما يفسد الصوم فإنه يفسد الصلاة، وهو قدر الحمصة، وفي البزازية أكل بعض لقمة وبقي البعض

 

ج / 2 ص -431-       أو قاء وعاد لم يفطر، وإن أعاده، أو استقاء، أو ابتلع حصاة أو حديداً قضى فقط
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بين أسنانه فشرع فيها وابتلع الباقي لا تبطل الصلاة ما لم تبلغ ملء الفم وقدر الحمصة لا يفسد الصلاة بخلاف الصوم.
"قوله: أو قاء وعاد لم يفطر" لحديث السنن
"من ذرعه القيء، وهو صائم فليس عليه القضاء، وإن استقاء فليقض" وإنما ذكر العود ليفيد أن مجرد القيء بلا عود لا يفطر بالأولى وأطلقه فشمل ما إذا ملأ الفم أو لا، وفيما إذا عاد وملأ الفم خلاف أبي يوسف والصحيح قول محمد لعدم وجود الصنع ولعدم وجود صورة الفطر، وهو الابتلاع، وكذا معناه؛ لأنه لا يتغذى به بل النفس تعافه.
"قوله: وإن أعاده أو استقاء أو ابتلع حصاة أو حديدا قضى فقط" أي أعاد القيء أو قاء عامدا وابتلع ما لا يتغذى به، ولا يتداوى به عادة فسد صومه ولزمه القضاء، ولا كفارة عليه، وأطلق في الإعادة فشمل ما إذا لم يملأ الفم، وهو قول محمد لوجود الصنع وقال أبو يوسف: لا يفسد لعدم الخروج شرعا، وهو المختار فلا بد من التقييد بملء الفم وأطلق في الاستقاء فشمل ما إذا لم يملأ الفم، وهو قول محمد، ولا يفطر عند أبي يوسف، وهو المختار لكن ذكر المصنف في كافيه أن ظاهر الرواية كقول محمد: وإنما لم يقيد الاستقاء بالعمد كما في الهداية لما قدمه أن النسيان لا يفطر وما في غاية البيان أن ذكر العمد مع الاستقاء تأكيد؛ لأنه لا يكون إلا مع العمد مردود؛ لأن العمد يخرج النسيان إن متعمدا لفطره لا متعمدا للقيء.
فالحاصل أن صور المسائل اثنا عشر؛ لأنه لا يخلو إما أن ذرعه القيء أو استقاء وكل منهما لا يخلو إما أن يملأ الفم أو لا وكل من الأربعة أما إن عاد بنفسه أو أعاده أو خرج، ولم يعده، ولا عاد بنفسه، وأن صومه لا يفسد على الأصح في الجميع إلا في مسألتين في الإعادة بشرط ملء الفم، وفي الاستقاء بشرط ملء الفم، وأن وضوءه ينتقض إلا فيما إذا لم يملأ الفم، وأما الصلاة ففي الظهيرية منها لو قاء أقل من ملء الفم لم تفسد صلاته، وإن أعاده إلى جوفه يجب أن يكون على قياس الصوم عند أبي يوسف لا تفسد وعن محمد تفسد، وإن تقيأ في صلاته إن

 

ج / 2 ص -432-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان أقل من ملء الفم لا تفسد صلاته، وإن كان ملء الفم تفسد صلاته ا هـ. وفي الخلاصة من فصل الحدث في الصلاة فلو قاء إن كان من غير قصده يبني إذا لم يتكلم، وإن تقيأ لا يبني، وهذا إذا كان ملء الفم فإن كان أقل من ذلك لا تفسد صلاته فلا حاجة إلى البناء ا هـ.
وأطلق في أنواع القيء والاستقاء فشمل ما إذا استقاء بلغما ملء الفم، وهو قول أبي يوسف وعند أبي حنيفة ومحمد: لا يفسد صومه بناء على الاختلاف في انتقاض الطهارة وقول أبي يوسف هنا أحسن وقولهما في عدم النقض به أحسن؛ لأن الفطر إنما أنيط بما يدخل أو بالقيء عمدا من غير نظر إلى طهارة ونجاسة فلا فرق بين البلغم وغيره بخلاف نقض الطهارة كذا في فتح القدير.
وتعبيري بالاستقاء في البلغم أولى مما في الشرح وغيره من التعبير بالقيء كما لا يخفى، ولو استقاء مرارا في مجلس ملء فيه لزمه القضاء، وإن كان في مجالس أو غدوة ثم نصف النهار ثم عشية لا يلزمه كذا في خزانة الأكمل.
وتعبيري بالاستقاء أولى من التعبير بالقيء كما في الشرح، وينبغي أن يعتبر عند محمد اتحاد السبب لا المجلس كما في نقض الوضوء وأن يكون هو الصحيح كما في النقض، وينبغي أن يكون ما في الخزانة مفرعا على قول أبي يوسف أما على قول محمد فإنه يبطل صومه بالمرة الأولى، وأما إذا ابتلع ما لا يتغذى به، ولا يتداوى به كالحصاة والحديد فلوجود صورة الفطر، ولا كفارة لعدم معناه، وهو إيصال ما فيه نفع البدن إلى الجوف فقصرت الجناية، وهي لا تجب إلا بكمالها فانتفت.
وفي القنية أفطر في رمضان مرة بعد أخرى بتراب أو مدر لأجل المعصية فعليه الكفارة زجرا له وكتب غيره نعم الفتوى على ذلك وبه أفتى أئمة الأمصار، وإنما عبر بالابتلاع دون الأكل؛ لأنه عبارة عن إيصال ما يأتي فيه المضغ، وهو لا يتأتى في الحصاة وكذا كل ما لا يتغذى به، ولا يتداوى به كالحجر والتراب والدقيق على الأصح والأرز والعجين والملح إلا إذا اعتاد أكله وحده، ولا في النواة والقطن والكاغد والسفرجل إذا لم يدرك، ولا وهو مطبوخ، ولا في ابتلاع الجوزة الرطبة، ويجب لو مضغها أو مضغ اليابسة لا إن ابتلعها، وكذا يابس اللوز والبندق والفستق إن ابتلعه لا يجب، وإن مضغه وجبت كما يجب في ابتلاع اللوزة الرطبة؛ لأنها تؤكل كما هي بخلاف الجوزة، وابتلاع التفاحة كاللوزة، والرمانة والبيضة كالجوزة، وفي ابتلاع البطيخة الصغيرة والخوخة الصغيرة والهليلجة روي عن محمد وجوب الكفارة، وتجب بأكل اللحم

 

ج / 2 ص -433-       ومن جامع أو جومع أو أكل أو شرب عمدا غذاء أو دواء قضى وكفر ككفارة الظهار،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النيء، وإن كان ميتة منتنا لا إن دود فلا تجب واختلف في الشحم واختار أبو الليث الوجوب وصححه في الظهيرية فلو كان قديدا وجب بلا خلاف، وتجب بأكل كل الحنطة وقضمها لا إن مضغ قمحة للتلاشي ولا تجب بأكل الشعير إلا إذا كان مقليا كذا في الظهيرية، وتجب بالطين الأرمني، وكذا بغيره على من يعتاد أكله كالمسمى بالطفل لا على من لا يعتاده، ولا بأكل الدم في ظاهر الرواية.
وإن أكل ورق الشجر فإن كان مما يؤكل كورق الكرم فعليه القضاء والكفارة، وإن كان مما لا يؤكل كورق الكرم إذا عظم فعليه القضاء دون الكفارة، ولو أكل قشور الرمان بشحمتها أو ابتلع رمانة فلا كفارة، وهو محمول على ما إذا أكل مع القشر، ولو أكل قشر البطيخ إن كان يابسا وكان بحال يتقذر منه فلا كفارة، وإن كان طريا لا يتقذر منه فعليه الكفارة وإن أكل كافورا أو مسكا أو زعفرانا فعليه الكفارة وإذا أكل لقمة كانت في فيه وقت السحر، وهو ذاكر لصومه لا رواية لها في الأصول قال أبو حفص الكبير: إن كانت لقمة غيره لا كفارة عليه، وإن كانت لقمته فابتلعها من غير أن يخرجها من فمه فعليه الكفارة هو الصحيح، وإن أخرجها إن بردت فلا كفارة؛ لأنها صارت مستقذرة، وإن لم تبرد وجبت؛ لأنها قد تخرج لأجل الحرارة ثم تدخل ثانيا كذا في الظهيرية.
"قوله: ومن جامع أو جومع أو أكل أو شرب عمدا غذاء أو دواء قضى وكفر ككفارة الظهار" أما القضاء فلاستدراك المصلحة الفائتة، وأما الكفارة فلتكامل الجناية أطلقه فشمل ما إذا لم ينزل؛ لأن الإنزال شبع؛ لأن قضاء الشهوة يتحقق دونه، وقد وجب الحد بدونه، وهو عقوبة محضة فما فيه معنى العبادة أولى، وشمل الجماع في الدبر كالقبل، وهو الصحيح والمختار أنه بالاتفاق كذا ذكره الولوالجي لتكامل الجناية لقضاء الشهوة، وإنما ادعى أبو حنيفة النقصان في معنى الزنا من حيث عدم فساد الفراش به، ولا عبرة به في إيجاب الكفارة وأشار بقوله: أو جومع ليفيد بعد التنصيص على الوجوب على المفعول به الطائع امرأة أو رجلا إلى أن المحل لا بد أن يكون مشتهى على الكمال فلا تجب الكفارة لو جامع بهيمة أو ميتة ولو أنزل كما في الظهيرية.
وأما الصغيرة التي لا تشتهى فظاهر ما في شرح المجمع لابن الملك وجوب الكفارة بوطئها وروي عن أبي حنيفة عدم الوجوب مع أنهم صرحوا في الغسل بأنه لا يجب بوطئها إلا

 

ج / 2 ص -434-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالإنزال كالبهيمة، وجعلوا المحل ليس مشتهى على الكمال، ومقتضاه عدم وجوب الكفارة مطلقا.
وفي القنية فأما إتيان الصغيرة التي لا تشتهى فلا رواية فيه، واختلفوا في وجوب الكفارة، وقيد بالعمد لإخراج المخطئ والمكره فإنه، وإن فسد صومهما لا تلزمهما الكفارة، ولو حصلت الطواعية في وسط الجماع بعدما كان ابتداؤه بالإكراه؛ لأنها إنما حصلت بعد الإفطار كما في الظهيرية قال في الاختيار: إلا إذا كان الإكراه منها فإنها تجب عليهما.
وفي الفتاوى الظهيرية: المرأة إذا أكرهت زوجها في رمضان على الجماع فجامعها مكرها فالأصح أنه لا تجب الكفارة عليه؛ لأنه مكره في ذلك وعليه الفتوى وأشار بقوله أكل أو شرب إلى أنه لا بد من وصوله إلى المسلك المعتاد؛ إذ لو وصل من غيره فلا كفارة كما سنذكره وأشار بما سيأتي من قوله كأكله عمدا بعد أكله ناسيا من عدم وجوب الكفارة إلى أن الكفارة لا تجب إلا بإفساد صوم تام قطعا حتى لو صام يوما من رمضان، ونوى قبل الزوال ثم أفطر لا يلزمه الكفارة عند أبي حنيفة خلافا لهما؛ لأن في هذا الصوم شبهة، وعلى قياس هذا لو صام يوما من رمضان بمطلق النية ثم أفطر ينبغي أن لا تلزمه الكفارة لمكان الشبهة كذا في الظهيرية، ولو أخبر بأن الفجر لم يطلع فأكل ثم ظهر خلافه لا كفارة مطلقا، وبه أخذ أكثر المشايخ، ولو أخبر بطلوعه فقال: إذا لم أكن صائما آكل حتى أشبع ثم ظهر أن أكله الأول قبل طلوع الفجر وأكله الآخر بعد الطلوع فإن كان المخبر جماعة وصدقهم لا كفارة وإن كان المخبر واحدا فعليه الكفارة عدلا كان أو غير عدل؛ لأن شهادة الفرد في مثل هذا لا تقبل كذا في الظهيرية.
وإذا أفطرت على ظن أنه يوم حيضها فلم تحض الأظهر وجوب الكفارة كما لو أفطر على ظن أنه يوم مرضه أو أفطر بعد إكراهه على السفر قبل أن يخرج ثم عفي عنه أو شرب بعد ما قدم ليقتل ثم عفي عنه، ولم يقتل.
ومما يسقطها حيضها أو نفاسها بعد إفطارها في ذلك اليوم وكذا مرضها وكذا مرضه بعد إفطاره عمدا بخلاف ما إذا جرح نفسه بعد إفطاره عمدا فإنها لا تسقط على الصحيح كما لو سافر بعد إفطاره عمدا كذا في الظهيرية بخلاف ما لو أصبح مقيما صائما ثم سافر فأفطر فإنها تسقط؛ لأن الأصل أنه إذا صار في آخر النهار على صفة لو كان عليها في أول اليوم يباح له الفطر تسقط عنه الكفارة كذا في فتاوى الظهيرية.
ولو جام مرارا في أيام رمضان واحد، ولم يكفر كان عليه كفارة واحدة؛ لأنها شرعت

 

ج / 2 ص -435-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للزجر، وهو يحصل بواحدة فلو جامع وكفر ثم جامع مرة أخرى فعليه كفارة أخرى في ظاهر الراوية للعلم بأن الزجر لم يحصل بالأول.
ولو جامع في رمضانين فعليه كفارتان، وإن لم يكفر للأولى في ظاهر الرواية، وهو الصحيح كذا في الجوهرة وقال محمد: عليه واحدة قال في الأسرار وعليه الاعتماد، وكذا في البزازية ولو أفطر في يوم فأعتق ثم في آخر فأعتق ثم كذلك ثم استحقت الرقبة الأولى أو الثانية لا شيء عليه؛ لأن المتأخر يجزئه ولو استحقت الثالثة فعليه إعتاق واحدة؛ لأن ما تقدم لا يجزئ عما تأخر، ولو استحقت الثانية أيضا فعليه واحدة للثاني والثالث، وكذا لو استحقت الأولى تنزيلا للمستحق منزلة المعدوم، ولو استحقت الأولى والثالثة دون الثانية أعتق واحدة للثالث؛ لأن الثانية كفت عن الأولى والأصل أن الثاني يجزئ عما قبله لا عما بعده كذا في فتح القدير والبدائع وأفاد بالتشبيه أن هذه الكفارة مرتبة فالواجب العتق، فإن لم يجد فعليه صيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا لحديث الأعرابي المروي في الكتب الستة فلو أفطر يوما في خلال المدة بطل ما قبله ولزمه الاستقبال سواء أفطر لعذر أو لا وكذا في كفارة القتل والظهار للنص على التتابع إلا لعذر الحيض؛ لأنها لا تجد شهرين عادة لا تحيض فيهما لكنها إذا تطهرت تصلي بما مضى فإن لم تصل استقبلت كذا في الولوالجية وكذا صوم كفارة اليمين متتابع فهي أربعة بخلاف قضاء رمضان وصوم المتعة وكفارة الحلق وكفارة جزاء الصيد فإنه غير متتابع، والأصل أن كل كفارة شرع فيها عتق فإن صومه متتابع، وما لم يشرع فيها عتق فهو مخير كذا في النهاية، وإذا وجب عليه قضاء يومين من رمضان واحد ينوي أول يوم وجب عليه، وإن لم ينو جاز، وإن كانا من رمضانين ينوي قضاء رمضان الأول، فإن لم ينو ذلك اختلف المشايخ فيه والصحيح الإجزاء، ولو صام الفقير إحدى وستين للكفارة، ولم يعين اليوم للقضاء جاز ذلك كذا ذكره الفقيه أبو الليث وصار كأنه نوى القضاء في اليوم الأول وستين يوما عن الكفارة كذا في الفتاوى الظهيرية وعلله في التجنيس بأن الغالب أن الذي يصوم القضاء والكفارة يبدأ بالقضاء، وفيه إشكال للمحقق مذكور في فتح القدير.

 

ج / 2 ص -436-       ولا كفارة بالإنزال فيما دون الفرج، وبإفساد صوم غير رمضان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولو نوى قضاء رمضان والتطوع كان عن القضاء في قول أبي يوسف خلافا لمحمد فإن عنده يصير شارعا في التطوع بخلاف الصلاة فإنه إذا نوى التطوع والفرض لا يصير شارعا في الصلاة أصلا عنده، ولو نوى قضاء رمضان وكفارة الظهار كان عن القضاء استحسانا وفي القياس يكون تطوعا، وهو قول محمد كذا في الفتاوى الظهيرية، وفي الفتاوى البزازية من أكل نهارا في رمضان عيانا عمدا شهرة يقتل؛ لأنه دليل الاستحلال ا هـ.
اعلم أن هذا الذنب أعني ذنب الإفطار عمدا لا يرتفع بالتوبة بل لا بد من التفكير؛ ولهذا قال في الهداية وبإيجاب الإعتاق عرف أن التوبة غير مكفرة لهذه الجناية، وتبعه الشارحون وشبهه في غاية البيان بجناية السرقة والزنا حيث لا يرتفعان بمجرد التوبة بل يرتفعان بالحد وهذا يقتضي أن المراد بعدم الارتفاع عدمه ظاهرا أما فيما بينه وبين ربه فيرتفع بالتوبة بدون تكفير؛ لأن حد الزنا يرتفع فيما بينه وبين الله بالتوبة كما صرحوا به.
وأما القاضي بعد ما رفع الزاني إليه لا يقبل منه التوبة بل يقيم الحد عليه، وقد صرح الشيخ زكريا من الشافعية في شرح المنهج بارتفاعه بدون تكفير فيما بينه وبين الله - تعالى-.
وعبر بمن المفيدة للعموم في قوله من جامع أو جومع ليفيد أنه لا فرق في الحكم، وهو وجوب الكفارة بين الذكر والأنثى والحر والعبد ولهذا صرح في البزازية بالوجوب على الجارية فيما لو أخبرت سيدها بعد طلوع الفجر عالمة بطلوعه فجامعها مع عدم الوجوب عليه وكذا لا فرق بين السلطان وغيره ولهذا قال في البزازية: إذا لزم الكفارة على السلطان، وهو موسر بماله الحلال، وليس عليه تبعة لأحد يفتي بإعتاق الرقبة، وقال أبو نصر محمد بن سلام: يفتى بصيام شهرين؛ لأن المقصود من الكفارة الانزجار ويسهل عليه إفطار شهر وإعتاق رقبة فلا يحصل الزجر.
"قوله: ولا كفارة بالإنزال فيما دون الفرج" أي في غير القبل والدبر كالفخذ والإبط والبطن لانعدام الجماع صورة وفسد صومه لوجوده معنى كما قدمناه في المباشرة والتقبيل وعمل المرأتين كذلك كما قدمناه.
وفي المغرب الفرج قبل الرجل والمرأة باتفاق أهل اللغة.
وقوله القبل والدبر كلاهما فرج يعني في الحكم ا هـ. بلفظه يعني لا في اللغة.
"قوله: وبإفساد صوم غير رمضان" أي لا كفارة في إفساد صوم غير أداء رمضان؛ لأن الإفطار في رمضان أبلغ في الجناية لهتك حرمة الشهر فلا يلحق به غيره لا قياسا؛ إذ هو ممتنع لكونه على

 

ج / 2 ص -437-       وإذا احتقن أو استعط أو أقطر في أذنه أو داوى جائفة أو آمة بدواء، ووصل الدواء إلى جوفه أو دماغه أفطر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خلاف القياس، ولا دلالة؛ لأن إفساد غيره ليس في معناه، ولزوم إفساد الحج النفل والقضاء بالجماع ليس إلحاقا بإفساد الحج الفرض بل هو ثابت ابتداء لعموم نص القضاء والإجماع.
"قوله: وإذا احتقن أو استعط أو أقطر في أذنه أو داوى جائفة أو آمة بدواء، ووصل إلى جوفه أو دماغه أفطر" لقوله عليه السلام
"الفطر مما دخل، وليس مما خرج" رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده، وهو مخصوص بحديث الاستقاء أو الفطر فيه باعتبار أنه يعود شيء، وإن قل حتى لا يحس به كذا في فتح القدير فإن قلت: ظاهره أن الخارج لا يبطل الصوم أصلا إلا في الاستقاء، والحصر ممنوع؛ لأن الحيض والنفاس كل منهما يفسد الصوم كما صرح به في البدائع.
قلت: لا يرد؛ لأن إفسادهما الصوم باعتبار منافاتهما الأهلية له شرعا على خلاف القياس بإجماع الصحابة بخلاف الجنون والإغماء بعد النية لا يفسدان الصوم؛ لأنهما لا ينافيان أهلية الأداء، وإنما ينافيان النية كذا في البدائع.
والراوية بالفتح في احتقن واستعط أي وضع الحقنة في الدبر وصب السعوط، وهو الدواء في الأنف وبالضم في أقطر.
والجائفة اسم لجراحة وصلت إلى الجوف والآمة الجراحة وصلت إلى أم الدماغ.
وأطلق في الإقطار في الأذن فشمل الماء والدهن، وهو في الدهن بلا خلاف.
وأما الماء فاختار في الهداية عدم الإفطار به سواء دخل بنفسه أو أدخله وصرح الولوالجي بأنه لا يفسد صومه مطلقا على المختار معللا بأنه لم يوجد الفطر صورة، ولا معنى له؛ لأنه مما لا يتعلق به صلاح البدن بوصوله إلى الدماغ.
وجعل السعوط كالإقطار في الأذن، وصححه في المحيط، وفي فتاوى قاضي خان أنه إن خاض الماء فدخل أذنه لا يفسد، وإن صب الماء في أذنه فالصحيح أنه يفسد؛ لأنه وصل إلى الجوف بفعله ورجحه المحقق في فتح القدير وبهذا يعلم حكم الغسل، وهو صائم إذا دخل الماء في أذنه، وفي عمدة الفتاوى للصدر الشهيد فلو دخل الماء في الغسل أنفه أو أذنه ووصل إلى الدماغ لا شيء عليه ا هـ.

 

ج / 2 ص -438-       وإن أقطر في إحليله لا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولو شد الطعام بخيط وأرسله في حلقه وطرف الخيط في يده لا يفسد الصوم إلا إذا انفصل، وذكر الولوالجي أن الصائم إذا استقصى في الاستنجاء حتى بلغ مبلغ المحقنة فهذا أقل ما يكون، ولو كان يفسد صومه، والاستقصاء لا يفعل؛ لأنه يورث داء عظيما، وفي الظهيرية ولو أدخل خشبة أو نحوها وطرفا منها بيده لم يفسد صومه قال في البدائع: وهذا يدل على أن استقرار الداخل في الجوف شرط لفساد الصوم.
وكذا لو أدخل أصبعه في استه أو أدخلت المرأة في فرجها هو المختار إلا إذا كانت الأصبع مبتلة بالماء أو الدهن فحينئذ يفسد لوصول الماء أو الدهن وقيل إن المرأة إذا حشت الفرج الداخل فسد صومها والصائم إذا أصابه سهم وخرج من الجانب الآخر لم يفسد صومه ولو بقي النصل في جوفه يفسد صومه ا هـ.
وفي شرح الجامع الصغير لقاضي خان: وإن بقي الرمح في جوفه اختلفوا فيه والصحيح: أنه لا يفسد؛ لأنه لم يوجد منه الفعل، ولم يصل إليه ما فيه صلاحه وذكر الولوالجي، وأما الوجور في الفم فإنه يفسد صومه؛ لأنه وصل إلى جوف البدن ما هو مصلح للبدن فكان أكلا معنى لكن لا تلزمه الكفارة لانعدام الأكل صورة وعن أبي يوسف في السعوط والوجور الكفارة، ولو استعط ليلا فخرج نهارا لا يفطر، وأطلق الدواء فشمل الرطب واليابس؛ لأن العبرة للوصول لا لكونه رطبا أو يابسا وإنما شرطه القدوري؛ لأن الرطب هو الذي يصل إلى الجوف عادة حتى لو علم أن الرطب لم يصل لم يفسد ولو علم أن اليابس وصل فسد صومه كذا في العناية لكن بقي ما إذا لم يعلم يقينا أحدهما وكان رطبا فعند أبي حنيفة يفطر للوصول عادة وقالا لا لعدم العلم به، فلا يفطر بالشك بخلاف ما إذا كان يابسا، ولم يعلم فلا فطر اتفاقا كذا في فتح القدير، وقوله: إلى جوفه عائد إلى الجائفة وقوله إلى دماغه عائد إلى الآمة، وفي التحقيق أن بين الجوفين منفذا أصليا فما وصل إلى جوف الرأس يصل إلى جوف البطن كذا في النهاية والبدائع ولهذا لو استعط ليلا، ووصل إلى الرأس ثم خرج نهارا لا يفسد كما قدمناه، وعلله في البدائع بأنه لما خرج علم أنه لم يصل إلى الجوف أو لم يستقر فيه.
"قوله: وإن أقطر في إحليله لا" أي لا يفطر أطلقه فشمل الماء والدهن، وهذا عندهما خلافا لأبي يوسف، وهو مبني على أنه هل بين المثانة والجوف منفذ أم لا، وهو ليس باختلاف فيه على التحقيق فقالا: لا، ووصول البول من المعدة إلى المثانة بالترشح، وما يخرج رشحا لا يعود

 

ج / 2 ص -439-       وكره ذوق شيء، ومضغه بلا عذر، ومضغ العلك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رشحا كالجرة إذا سد رأسها وألقي في الحوض يخرج منها الماء، ولا يدخل فيها ذكره الولوالجي وقال: نعم قال: هذا في الهداية، وهذا ليس من باب الفقه؛ لأنه متعلق بالطب.
والخلاف فيما إذا وصل إلى المثانة أما ما دام في قصبة الذكر فلا يفسد صومه اتفاقا كذا في الخلاصة وعارض به في فتح القدير ما في خزانة الأكمل لو حشا ذكره بقطنة فغيبها أنه يفسد كاحتشائها وأطال فيه وصحح في التحفة قول أبي يوسف ومحمد، وهو رواية عن أبي حنيفة لكن رجح الشيخ قاسم في تصحيحه ظاهر الرواية.
وقيد بالإحليل الذي هو مخرج البول من الذكر؛ لأن الإقطار من قبل المرأة يفسد الصوم بلا خلاف على الصحيح كذا في غاية البيان، وفي الولوالجية أنه لا يفسد بالإجماع وعلله في فتح القدير بأنه شبيه بالحقنة، وفي شرح المجمع لابن فرشته الإحليل مخرج البول ومخرج اللبن من الثدي.
"قوله: وكره ذوق شيء، ومضغه بلا عذر" لما فيه من تعريض الصوم للفساد، ولا يفسد صومه لعدم الفطر صورة ومعنى قيد بقوله: بلا عذر؛ لأن الذوق بعذر لا يكره كما قال في الخانية فيمن كان زوجها سيئ الخلق أو سيدها لا بأس بأن تذوق بلسانها وليس من الأعذار، والذوق عند الشراء ليعرف الجيد من الرديء بل يكره كما ذكره في الولوالجي وتبعه في فتح القدير، وفي المحيط يجوز أن يقال: لا بأس به كي لا يغبن والمضغ بعذر بأن لم تجد المرأة من يمضغ لصبيها الطعام من حائض أو نفساء أو غيرهما ممن لا يصوم، ولم تجد طبيخا، ولا لبنا حليبا لا بأس به للضرورة ألا ترى أنه يجوز لها الإفطار إذا خافت على الولد فالمضغ أولى.
وأطلق في الصوم فشمل الفرض والنفل، وقد قالوا: إن الكراهة في الفرض أما في الصوم التطوع فلا يكره الذوق والمضغ فيه؛ لأن الإفطار فيه مباح للعذر وغيره على رواية الحسن كذا في التجنيس وتبعه في النهاية وفتح القدير وغيرهما، وفيه بحث؛ لأن المذهب أن الإفطار في التطوع لا يحل من غير عذر فما كان تعريضا له عليه يكره؛ لأن كلامنا عند عدم العذر وأما على رواية الحسن فمسلم وسيأتي أنها شاذة.
"قوله: ومضغ العلك" أي ويكره مضغه في ظاهر الرواية لما فيه من تعريض الصوم على الفساد ولأنه يتهم بالإفطار أطلقه فأفاد أنه لا فرق بين علك وعلك في أنه لا يفطر، وإنما يكره، وهو ظاهر الرواية كذا في البيان، والمتأخرون قيدوه بأن يكون أبيض، وقد مضغه غيره أما إذا لم يمضغه غيره، أو كان أسود مطلقا يفطره؛ لأنه إذا لم يمضغه غيره يتفتت فيتجاوز شيء منه حلقه، وإذا مضغه غيره لا يتفتت إلا أن الأسود يذوب بالمضغ فأما الأبيض لا يذوب وإطلاق محمد يدل

 

ج / 2 ص -440-       لا كحل ودهن شارب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على أن الكل سواء كذا ذكره الولوالجي في فتاويه واختار المحقق كلام المتأخرين؛ لأن إطلاق محمد محمول عليه للقطع بأنه معلل بعدم الوصول فإذا فرض في بعض العلك معرفة الوصول منه عادة وجب الحكم فيه بالفساد؛ لأنه كالمتيقن ا هـ.
وقال فخر الإسلام وعموم ما قال محمد في الجامع الصغير إشارة إلى أنه لا يكره العلك لغير الصائم ولكن يستحب للرجال تركه إلا لعذر مثل أن يكون في فمه بخر ا هـ.
وأما في حق النساء فالمستحب لهن فعله؛ لأنه سواكهن، وفي فتح القدير والأولى الكراهة للرجال إلا لحاجة؛ لأن الدليل أعني التشبه يقتضيها في حقهم خاليا عن المعارض، وفي الفتاوى الظهيرية صائم عمل عمل الإبريسم فأدخل الإبريسم في فيه فخرجت خضرة الصبغ أو صفرته أو حمرته، واختلطت بالريق فاخضر الريق أو اصفر أو احمر فابتلعه، وهو ذاكر صومه فسد صومه.
وفي المحيط عن أبي حنيفة أنه يكره للصائم المضمضة والاستنشاق لغير الوضوء، ولا بأس به للوضوء وكره الاغتسال وصب الماء على الرأس والاستنقاع في الماء والتلفف بالثوب المبلول؛ لأنه إظهار الضجر عن العبادة، وقال أبو يوسف: لا يكره، وهو الأظهر لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم: صب على رأسه ماء من شدة الحر، وهو صائم. ولأن فيه إظهار ضعف بنيته وعجز بشريته فإن الإنسان خلق ضعيفا لا إظهار الضجر.
"قوله: لا كحل ودهن شارب" أي لا يكره يجوز أن تكون الفاء منهما مفتوحة فيكونان مصدرين من كحل عينه كحلا ودهن رأسه دهنا إذا طلاه بالدهن، ويجوز أن يكون مضموما ويكون معناه، ولا بأس باستعمال الكحل والدهن كذا في العناية، وفي غاية البيان الرواية بفتح الكاف والدال.
وإنما لم يكرها لما أنه نوع ارتفاق وليس من محظور الصوم، وقد ندب صلى الله عليه وسلم إلى الاكتحال يوم عاشوراء وإلى الصوم فيه، ولا بأس بالاكتحال للرجال إذا قصدوا به التداوي دون الزينة ويستحسن دهن الشارب إذا لم يكن من قصده الزينة؛ لأنه يعمل عمل الخضاب، ولا يفعل لتطويل

 

ج / 2 ص -441-       وسواك وقبلة إن أمن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللحية إذا كانت بقدر المسنون، وهو القبضة كذا في الهداية وكان ابن عمر يقبض على لحيته فيقطع ما زاد على الكف رواه أبو داود في سننه.
وما في الصحيحين عن ابن عمر عنه عليه الصلاة والسلام
"أحفوا الشوارب واعفوا اللحى" فمحمول على إعفائها من أن يأخذ غالبها أو كلها كما هو فعل مجوس الأعاجم من حلق لحاهم فيقع بذلك الجمع بين الروايات، وأما الأخذ منها، وهي دون ذلك كما يفعل بعض المغاربة والمخنثة من الرجال فلم يبحه أحد كذا في فتح القدير، وقد صرح في النهاية بوجوب قطع ما زاد على القبضة بالضم ومقتضاه الإثم بتركه.
واعلم أنه لا تلازم بين قصد الجمال وقصد الزينة فالقصد الأول لدفع الشين وإقامة ما به الوقار وإظهار النعمة شكرا لا فخرا، وهو أثر أدب النفس وشهامتها.
والثاني أثر ضعفها، وقالوا بالخضاب وردت السنة، ولم يكن لقصد الزينة ثم بعد ذلك إن حصلت زينة فقد حصلت في ضمن قصد مطلوب فلا يضره إذا لم يكن ملتفتا إليه كذا في فتح القدير ولهذا قال الولوالجي في فتاويه: لبس الثياب الجميلة مباح إذا كان لا يتكبر؛ لأن التكبر حرام، وتفسيره أن يكون معها كما كان قبلها ا هـ.
"قوله: وسواك وقبلة إن أمن" أي لا يكرهان وقد تقدم حكم القبلة.
وأما السواك فلا بأس به للصائم أطلقه فشمل الرطب واليابس والمبلول وغيره قبل الزوال وبعده لعموم قوله صلى الله عليه وسلم
"لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء وعند كل صلاة" لتناوله الظهر والعصر والمغرب، وقد تقدم أحكامه في سنن الطهارة فارجع إليها ولم يتعرض لسنة السواك للصائم، ولا شك فيه كغير الصائم صرح به في النهاية والله أعلم.

 

ج / 2 ص -442-       فصل في العوارض
لمن خاف زيادة المرض الفطر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في العوارض
اعلم أن لفساد الصوم أحكاما بعضها يعم الصيامات كلها وبعضها يخص البعض دون البعض فالذي يعم الكل الإثم إذا أفسده بغير عذر؛ لأنه أبطل عمله من غير عذر وإبطال العمل من غير عذر حرام لقوله تعالى:  
{وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] على ما سيأتي في صوم التطوع وإن كان بعذر لا يأثم وإذا اختلف الحكم بعذر فلا بد من معرفة الأعذار المسقطة للإثم والمؤاخذة؛ فلهذا ذكرها في فصل على حدة كذا في مختصر البدائع وأخرها؛ لأنها حرية بالتأخير.
والعوارض جمع عارض وهو في اللغة كل ما استقبلك قال الله تعالى:  
{عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الاحقاف: 24] وهو السحاب الذي يستقبلك والعارض الناب أيضا والعارضان شقا الفم والعارض الخد يقال أخذ من عارضيه من الشعر وعرض له عارض أي آفة من كبر أو من مرض كذا في ضياء الحلوم مختصر شمس العلوم.
وهي هنا ثمانية المرض والسفر والإكراه والحبل والرضاع والجوع والعطش وكبر السن كذا في البدائع.
"قوله: لمن خاف زيادة المرض الفطر" لقوله تعالى:
{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] فإنه أباح الفطر لكل مريض لكن القطع بأن شرعية الفطر فيه إنما هو لدفع الحرج وتحقق الحرج منوط بزيادة المرض أو إبطاء البرء أو إفساد عضو ثم معرفة ذلك باجتهاد المريض والاجتهاد غير مجرد الوهم بل هو غلبة الظن عن أمارة أو تجربة أو بإخبار طبيب مسلم غير ظاهر الفسق وقيل عدالته شرط فلو برأ من المرض لكن الضعف باق وخاف أن يمرض سئل عنه القاضي الإمام فقال الخوف ليس بشيء كذا في فتح القدير وفي التبيين والصحيح الذي يخشى أن يمرض بالصوم فهو كالمريض ومراده بالخشية غلبة الظن كما أراد المصنف بالخوف إياها.
وأطلق الخوف ابن الملك في شرح المجمع وأراد الوهم حيث قال لو خاف من المرض لا يفطر.

 

ج / 2 ص -443-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي فتح القدير الأمة إذا ضعفت عن العمل وخشيت الهلاك بالصوم جاز لها الفطر وكذا الذي ذهب به متوكل السلطان إلى العمارة في الأيام الحارة والعمل الحثيث إذا خشي الهلاك أو نقصان العقل وقالوا الغازي إذا كان يعلم يقينا أنه يقاتل العدو في شهر رمضان ويخاف الضعف إن لم يفطر يفطر قبل الحرب مسافرا كان أو مقيما.
وفي الفتاوى الظهيرية والولوالجية للأمة أن تمتنع من امتثال أمر المولى إذا كان ذلك يعجزها عن إقامة الفرائض؛ لأنها مبقاة على أصل الحرية في حق الفرائض. أطلق في المرض فشمل ما إذا مرض قبل طلوع الفجر أو بعده بعدما شرع بخلاف السفر فإنه ليس بعذر في اليوم الذي أنشأ السفر فيه ولا يحل له الإفطار وهو عذر في سائر الأيام كذا في الظهيرية.
وأشار باللام إلى أنه مخير بين الصوم والفطر لكن الفطر رخصة والصوم عزيمة فكان أفضل إلا إذا خاف الهلاك فالإفطار واجب كذا في البدائع.
وفي الظهيرية رجل لو صام في شهر رمضان لا يمكنه أن يصلي قائما وإذا أفطر يمكنه أن يصلي قائما فإنه يصوم ويصلي قاعدا جمعا بين العبادتين.
وفي الخلاصة لو كان له نوبة حمى فأكل قبل أن تظهر يعني في يوم النوبة لا بأس فإن لم يحم فيه كان عليه الكفارة كما لو أفطرت على ظن أنه يوم حيضها فلم تحض كان عليها الكفارة لوجود الإفطار في يوم ليس فيه شبهة الإباحة وهذا إذا أفطر بعدما نوى الصوم وشرع فيه أما لو لم ينو كان عليه القضاء دون الكفارة كذا في فتاوى قاضي خان.
وفي الظهيرية رضيع مبطون يخاف موته من هذا الدواء وزعم الأطباء أن الظئر إذا شربت دواء كذا برئ الصغير وتماثل وتحتاج الظئر إلى أن تشرب ذلك نهارا في رمضان قيل لها ذلك إذا قال ذلك الأطباء الحذاق وكذلك الرجل إذا لدغته حية فأفطر بشرب الدواء قالوا إن كان ذلك ينفعه فلا بأس به أطلق في الكتاب الأطباء الحذاق قال رضي الله عنه وعندي هذا محمول على الطبيب المسلم دون الكافر كمسلم شرع في الصلاة بالتيمم فوعد له كافر إعطاء الماء فإنه لا يقطع الصلاة لعل غرضه إفساد الصلاة عليه فكذلك في الصوم. ا هـ.
وفيه إشارة إلى أن المريض يجوز له أن يستطب بالكافر فيما عدا إبطال العبادة؛ لما أنه علل قبول قوله باحتمال أن يكون غرضه إفساد العبادة لا بأن استعماله في الطب لا يجوز.

 

ج / 2 ص -444-       وللمسافر، وصومه أحب إن لم يضره
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي القنية لا يجوز للخباز أن يخبز خبزا يوصله إلى ضعف مبيح للفطر بل يخبز نصف النهار ويستريح في النصف قيل له لا يكفيه أجرته أو ربحه فقال هو كاذب وهو باطل بأقصر أيام الشتاء.
"قوله: وللمسافر وصومه أحب إن لم يضره" أي جاز للمسافر الفطر؛ لأن السفر لا يعرى عن المشقة فجعل في نفسه عذرا بخلاف المرض؛ لأنه قد يخف بالصوم فشرط كونه مفضيا إلى الحرج وإنما كان الصوم أفضل إن لم يضره لقوله تعالى
{وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] ولأن رمضان أفضل الوقتين فكان فيه الأداء أولى ولا يرد علينا القصر في الصلوات فإنه واجب حتى يأثم بالإتمام؛ لأن القصر هو العزيمة وتسميتهم له رخصة إسقاط مجاز، وقول صاحب غاية البيان إن القصر أفضل تسامح.
ولو قال المصنف وصومهما أحب إن لم يضرهما لكان أولى لشموله قيد بقوله إن لم يضره؛ لأن الصوم إن ضره بأن شق عليه فالفطر أفضل لقوله عليه الصلاة والسلام
"ليس من البر الصيام في السفر" قاله لرجل صائم يصب عليه الماء وفي المحيط ولو أراد المسافر أن يقيم في مصر أو يدخل مصره كره له أن يفطر؛ لأنه اجتمع في اليوم المبيح وهو السفر والمحرم وهو الإقامة فرجحنا المحرم احتياطا وصرح في الخلاصة بكراهة الصوم إن أجهده وأطلق الضرر ولم يقيده بضرر بدنه؛ لأنه لو لم يضره الصوم لكن كان رفقاؤه أو عامتهم مفطرين والنفقة مشتركة بينهم فالإفطار أفضل كذا في الخلاصة والظهيرية؛ لأن ضرر المال كضرر البدن وأشار إلى أن إنشاء السفر في شهر رمضان جائز لإطلاق النص خلافا لعلي وابن عباس كذا في المحيط.
وفي الولوالجية والسفر الذي يبيح الفطر هو الذي يبيح القصر؛ لأن كلاهما قد ثبتت رخصته وأطلق السفر فشمل سفر الطاعة والمعصية لما عرف وأراد بالضرر الضرر الذي ليس فيه خوف الهلاك؛ لأن ما فيه خوف الهلاك بسبب الصوم فالإفطار في مثله واجب لا أنه أفضل كذا في البدائع.
ومنه ما إذا أكره المريض والمسافر فإن الإفطار واجب ولا يسعه الصوم حتى لو امتنع من

 

ج / 2 ص -445-       ولا قضاء إن ماتا عليهما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإفطار فقتل يأثم كالإكراه على أكل الميتة بخلاف ما إذا كان صحيحا مقيما فأكره بقتل نفسه فإنه يرخص له الفطر والصوم أفضل حتى لو امتنع من الإفطار حتى قتل يثاب عليه؛ لأن الوجوب ثابت حالة الإكراه وأثر الرخصة بالإكراه في سقوط الإثم بالترك لا في سقوط الواجب كالإكراه على الكفر كذا في البدائع وقيدنا بكونه أكره بقتل نفسه؛ لأنه لو قيل له لتفطرن أو لأقتلن ولدك فإنه لا يباح له الفطر كقوله لتشربن الخمر أو لأقتلن ولدك فصار كتهديده بالحبس كذا في النهاية.
وفي فتاوى قاضي خان المسافر إذا تذكر شيئا قد نسيه في منزله فدخل فأفطر ثم خرج قال عليه الكفارة قياسا؛ لأنه مقيم عند الأكل حيث رفض سفره بالعود إلى منزله وبالقياس نأخذ. ا هـ.
"قوله: ولا قضاء إن ماتا عليهما" أي ولا قضاء على المريض والمسافر إذا ماتا قبل الصحة والإقامة؛ لأنهما لم يدركا عدة من أيام أخر فلم يوجد شرط وجوب الأداء فلم يلزم القضاء قيد به؛ لأنه لو صح المريض أو أقام المسافر ولم يقض حتى مات لزمه الإيصاء بقدره وهو مصرح به في بعض نسخ المتن لوجود الإدراك بهذا المقدار وذكر الطحاوي أن هذا قول محمد وعندهما يلزمه قضاء الكل وغلطه القدوري وتبعه في الهداية قال والصحيح أنه لا يلزمه إلا بقدره عند الكل.
وإنما الخلاف في النذر بأن يقول المريض لله علي صوم هذا الشهر فصح يوما ثم مات يلزمه قضاء جميع الشهر عندهما وعند محمد قضاء ما صح فيه والفرق لهما أن النذر سبب فظهر الوجوب في حق الخلف وفي هذه المسألة السبب إدراك العدة فيتقدر بقدر ما أدرك فيه وإنما لم يلزمه القضاء قبل الصحة ليظهر في الإيصاء؛ لأنه معلق بالصحة وإن لم يذكر أداة التعليق تصحيحا لتصرف المكلف ما أمكن فينزل عند الصحة وأجاب عنه في غاية البيان بأن الجماعة الذين أنكروا الخلاف نشئوا بعد الطحاوي بكثير من الزمان باعتبار أن الخلاف لم يبلغهم وهو ليس بحجة عليه؛ لأن جهل الإنسان لا يعتبر حجة على غيره وقد ذكره بعدما ثبت عنده وهو ممن لا يتهم لأوصافه الجميلة.
والحاصل أن الصحيح لو نذر صوم شهر معين ثم مات قبل مجيء الشهر لا يلزمه شيء بلا خلاف، وإن مات بعدما صح يوما يلزمه الإيصاء بالجميع عندهما وعند محمد بقدر ما صح.
وفصل الطحاوي فقال إن لم يصم اليوم الذي صح فيه لزمه الكل وإن صامه لا يلزمه شيء كالمريض في رمضان إذا صح يوما فصامه ثم مات لا يلزمه شيء اتفاقا؛ لأنه بالصوم تعين أنه لا يصح فيه قضاء يوم آخر بخلاف ما إذا لم يصمه حيث لا يلزمه الكل كما قدمناه على قول الطحاوي لأن ما قدر فيه صالح لقضاء اليوم الأول والوسط والأخير فلما قدر على قضاء البعض

 

ج / 2 ص -446-       ويطعم وليهما لكل يوم كالفطرة بوصية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فكأنه قدر على قضاء الكل إليه أشار في البدائع و"غاية البيان".
وفي الولوالجية ولو أوجب على نفسه اعتكاف شهر وهو مريض ثم مات قبل أن يصح لم يجب عليه؛ لأنه لم يجب عليه أداء الأصل فلا يجب أداء البدل ولو أوجب على نفسه اعتكاف شهر وهو صحيح فعاش عشرة أيام ثم مات أطعم عنه الشهر كله؛ لأن الاعتكاف مما لا يتجزأ.
"قوله: ويطعم وليهما لكل يوم كالفطرة بوصية" أي يطعم ولي المريض والمسافر عنهما عن كل يوم أدركاه كصدقة الفطر إذا أوصيا به؛ لأنهما لما عجزا عن الصوم الذي هو في ذمتهما التحقا بالشيخ الفاني دلالة لا قياسا فوجب عليهما الإيصاء بقدر ما أدركا فيه عدة من أيام أخر كما في الهداية ولو قال ويطعم ولي من مات وعليه قضاء رمضان لكان أشمل؛ لأن هذا الحكم لا يخص المريض والمسافر ولا من أفطر لعذر بل يدخل فيه من أفطر متعمدا ووجب القضاء عليه بل أراد بالولي من له ولاية التصرف في ماله بعد موته فيدخل وصيهما وأراد بتشبيهه بالفطرة كالكفارة التشبيه من جهة المقدار بأن يطعم عن صوم كل يوم نصف صاع من بر أو زبيب أو صاعا من تمر أو شعير لا التشبيه مطلقا؛ لأن الإباحة كافية هنا ولهذا عبر بالإطعام دون الإيتاء دون صدقة الفطر فإن الركن فيها التمليك ولا تكفي الإباحة وقيد بالوصية؛ لأنه لو لم يأمر لا يلزم الورثة شيء كالزكاة؛ لأنها من حقوق الله تعالى ولا بد فيها من الإيصاء ليتحقق الاختيار إلا إذا مات قبل أن يؤدي العشر فإنه يؤخذ من تركته من غير إيصاء لشدة تعلق العشر بالعين كذا في البدائع من كتاب الزكاة في مسألة إذا باع صاحب المال ماله قبل أداء الزكاة ومع ذلك لو تبرع الورثة أجزأه إن شاء الله تعالى وكذا كفارة اليمين والقتل إذا تبرع الوارث بالإطعام والكسوة يجوز ولا يجوز التبرع بالإعتاق لما فيه من إلزام الولاء للميت بغير رضاه وأشار بالوصية إلى أنه معتبر من ثلث ماله صرح به قاضي خان في فتاويه وإلى أن الصلاة كالصوم بجامع أنهما من حقوقه تعالى بل أولى لكونها أهم ويؤدي عن كل وتر نصف صاع؛ لأنه فرض عند الإمام كذا في غاية البيان ويعتبر كل صلاة بصوم يوم على الصحيح وإلى أن سائر حقوقه تعالى كذلك ماليا كان أو بدنيا عبادة محضة أو فيه معنى المؤنة كصدقة الفطر أو عكسه كالعشر أو مؤنة محضة كالنفقات أو فيه معنى العقوبة كالكفارات وإلى أن الولي لا يصوم عنه ولا يصلي لحديث النسائي
"لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلي أحد عن أحد" وقيدنا بكونهما أدركا عدة من أيام أخر إذ لو ماتا قبله لا يجب عليهما

 

ج / 2 ص -447-       وقضيا ما قدرا بلا شرط ولاء فإذا جاء رمضان قدم الأداء على القضاء، وللحامل، والمرضع إن خافتا على الولد أو النفس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإيصاء لما قدمناه لكن لو أوصيا به صحت وصيتهما؛ لأن صحتها لا تتوقف على الوجوب كذا في البدائع.
وأشار أيضا إلى أنه لو أوجب على نفسه الاعتكاف ثم مات أطعم عنه لكل يوم نصف صاع من حنطة؛ لأنه وقع اليأس عن أدائه فوقع القضاء بالإطعام كالصوم في الصلاة كذا ذكره الولوالجي في فتاويه.
فالحاصل أن ما كان عبادة بدنية فإن أوصى يطعم عنه بعد موته عن كل واجب كصدقة الفطر وما كان عبادة مالية كالزكاة فإنه يخرج عنه القدر الواجب عليه وما كان مركبا منهما كالحج فإنه يحج عنه رجلا من مال الميت.
"قوله: وقضيا ما قدرا بلا شرط ولاء" أي لا يشترط التتابع في القضاء لإطلاق قوله تعالى:
 {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] والذي في قراءة أبي فعدة من أيام أخر متتابعة غير مشهور لا يزاد بمثله بخلاف قراءة ابن مسعود في كفارة اليمين فإنها مشهورة فيزاد كذا في النهاية والكافي لكن المستحب التتابع وأشار بإطلاقه إلى أن القضاء على التراخي؛ لأن الأمر فيه مطلق وهو على التراخي كما عرف في الأصول ومعنى التراخي عدم تعين الزمن الأول للفعل ففي أي وقت شرع فيه كان ممتثلا ولا إثم عليه بالتأخير ويتضيق عليه الوجوب في آخر عمره في زمان يتمكن فيه من الأداء قبل موته.
ولهذا له التطوع قبل القضاء؛ لأنه يكره له تأخير الواجب عن وقته المضيق ولهذا إذا أخر قضاء رمضان حتى دخل آخر فلا فدية عليه لكونها تجب خلفا عن الصوم عند العجز ولم يوجد لقدرته على القضاء ولهذا قال.
"فإذا جاء رمضان آخر قدم الأداء على القضاء"؛ لأنه في وقته وهو لا يقبل غيره ويصوم القضاء بعده وهذا بخلاف قضاء الصلوات فإنها على الفور ولا يباح التأخير إلا بعذر ذكره الولوالجي.
"قوله: وللحامل والمرضع إذا خافتا على الولد أو النفس" أي لهما الفطر دفعا للحرج ولقوله صلى الله عليه وسلم
"إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة وعن الحامل والمرضع الصوم" قيد

 

ج / 2 ص -448-       وللشيخ الفاني، وهو يفدي فقط.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالخوف بمعنى غلبة الظن بتجربة أو إخبار طبيب حاذق مسلم كما في الفتاوى الظهيرية على ما قدمناه؛ لأنها لو لم تخف لا يرخص لها الفطر وإنما لا يجوز إفطاره بسبب خوف هلاك ابنه في الإكراه؛ لأن العذر في الإكراه جاء من قبل من ليس له الحق فلا يعذر لصيانة نفس غيره بخلاف الحامل والمرضع وهناك فرق آخر مذكور في النهاية وأطلق المرضع ولم يقيدها ليفيد أنه لا فرق بين الأم والظئر وأما الظئر فلأن الإرضاع واجب عليها بالعقد وأما الأم فلوجوبه ديانة مطلقا وقضاء إذا كان الأب معسرا أو كان الولد لا يرضع من غيرها وبهذا اندفع ما في الذخيرة من أن المراد بالمرضع الظئر لا الأم فإن الأب يستأجر غيرها وإنما قال إذا خافتا على الولد ولم يقل كالقدوري إذا خافتا على أنفسهما أو ولدهما؛ لأنه لا يشمل المستأجر إذ لا ولد لها كذا قيل، وقد قيل: إنه ولدها من الرضاع؛ لأن المفرد المضاف يعم سواء كان مضافا لمفرد أو غيره كما صرحوا به فيشمل الولد الذي ولدته والذي أرضعته؛ لأنه ولدها شرعا وإن كان ولدها مجازا لغة.
والواو في قوله والمرضع بمعنى أو؛ لأن هذا الحكم ثابت لكل واحد منهما على الانفراد كذا في النهاية.
 والحامل هي التي في بطنها ولد والمرضع هي التي لها اللبن ولا يجوز إدخال التاء في أحدهما كما في حائض وطالق؛ لأن ذلك من الصفات الثابتة لا الحادثة إلا إذا أريد الحدوث فإنه يجوز إدخال التاء بأن يقال حائضة الآن وغدا كذا في غاية البيان ولم أر من صرح بأن الحامل والمرضع إذا ماتا قبل أن يزول خوفهما على الولد أو على أنفسهما أنه لا يلزمها القضاء كالمريض والمسافر لكن صرح في البدائع بأن للقضاء شرائط منها القدرة على القضاء وهو بعمومه يتناول الحامل والمرضع فعلى هذا إذا زال الخوف أياما لزمهما بقدره بل ولا خصوصية فإن كل من أفطر لعذر ومات قبل زواله لا يلزمه شيء فيدخل المكره والأقسام الثمانية المتقدمة.
"قوله: وللشيخ الفاني وهي يفدي فقط" أي له الفطر وعليه الفدية وليست على غيره من المريض والمسافر والحامل والمرضع لعدم ورود نص فيهم ووروده في الشيخ الفاني وهو

 

ج / 2 ص -449-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الذي كل يوم في نقص إلى أن يموت وسمي به إما؛ لأنه قرب من الفناء أو؛ لأنه فنيت قوته وإنما لزمته باعتبار شهوده للشهر حتى لو تحمل المشقة وصام كان مؤديا وإنما أبيح له الفطر لأجل الحرج وعذره ليس بعرض الزوال حتى يصار إلى القضاء فوجب الفدية لكل يوم نصف صاع من بر أو زبيب أو صاعا من تمر أو شعير كصدقة الفطر لكن يجوز هنا طعام الإباحة أكلتان مشبعتان بخلاف صدقة الفطر كما قدمناه كذا في فتح القدير وفتاوى قاضي خان.
وفي معراج الدراية ولا يجوز في الفدية الإباحة؛ لأنها تنبني عن تمليك. ا هـ. وهو مخالف لما قدمناه ويحمل ما في المعراج على الفدية في الحج ولو قدر على الصوم يبطل حكم الفداء؛ لأن شرط الخلفية استمرار العجز في الصوم وإنما قيدنا به ليخرج المتيمم إذا قدر على الماء لا تبطل الصلوات المؤداة بالتيمم؛ لأن خليفة التيمم مشروط بمجرد العجز عن الماء لا بقيد دوامه وكذا خلفية الأشهر عن الإقراء في الاعتداد مشروط بانقطاع الدم مع سن اليأس لا بشرط دوامه حتى لا تبطل الأنكحة الماضية بعود الدم على ما قدمناه في الحيض وفي الكافي وشرط الخلفية استمرار العجز كما في اليمين وفي صوم دم المتعة وغيرها قد تخلف لقيام الدليل. ا هـ.
وأشار المصنف فيما سبق من أن المسافر إذا لم يدرك عدة فلا شيء عليه إذا مات إلا أن الشيخ الفاني لو كان مسافرا فمات قبل الإقامة لا يجب عليه الإيصاء بالفدية؛ لأنه يخالف غيره في التخفيف لا في التغليظ لكن ذكره الشارحون بصيغة قيل ينبغي أن لا يجب مع أن الأولى الجزم به لاستفادته مما ذكرناه ولعلها ليست صريحة في كلام أهل المذهب فلم يجزموا بها ولأن الفدية لا تجوز إلا عن صوم هو أصل بنفسه لا بدل عن غيره فجازت عن رمضان وقضائه والنذر حتى لو نذر صوم الأبد فضعف عن الصوم لاشتغاله بالمعيشة له أن يطعم ويفطر؛ لأنه استيقن أن لا يقدر على قضائه وإن لم يقدر على الإطعام لعسرته يستغفر الله تعالى وإن لم يقدر لشدة الحر كان له أن يفطر ويقضيه في الشتاء إذا لم يكن نذر الأبد ولو نذر صوما معينا فلم يصم حتى صار فانيا جازت له الفدية ولو وجبت عليه كفارة يمين أو قتل فلم يجد ما يكفر به وهو شيخ كبير عاجز عن الصوم أو لم يصم حتى صار شيخا كبيرا لا تجوز له الفدية؛ لأن الصوم هنا بدل عن غيره ولذا لا يجوز المصير إلى الصوم إلا عند العجز عما يكفر به من المال كذا في فتح القدير.
وفي فتاوى قاضي خان وغاية البيان وكذا لو حلق رأسه وهو محرم عن أذى ولم يجد نسكا يذبحه ولا ثلاثة آصع حنطة يفرقها على ستة مساكين وهو فان لا يستطيع الصيام فأطعم عن الصيام لم يجز؛ لأنه بدل.
وفي القنية ولو تصدق الشيخ الفاني بالليل عن صوم الفدية يجزئه وفي فتاوى أبي حفص

 

ج / 2 ص -450-       وللمتطوع بغير عذر في رواية ويقضي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكبير إن شاء أعطى الفدية في أول رمضان بمرة وإن شاء أعطاها. في آخره بمرة وعن أبي يوسف لو أعطى نصف صاع من بر عن يوم واحد لمساكين يجوز قال الحسن وبه نأخذ وإن أعطى مسكينا صاعا عن يومين فعن أبي يوسف روايتان وعند أبي حنيفة لا يجزئه كالإطعام في كفارة اليمين وفي الفتاوى الظهيرية استشهادا لكون البدل لا بدل له وذكر الصدر الشهيد إذا كان جميع رأسه مجروحا فربط الجبيرة لم يجب عليه أن يمسح على الجبيرة؛ لأن المسح بدل عن الغسل والبدل لا بدل له وقال غيره عليه أن يمسح؛ لأن المسح هنا أصل منصوص عليه لا بدل عن غيره ا هـ.
"قوله: وللمتطوع بغير عذر في رواية ويقضي" أي له الفطر بعذر وبغيره وإذا أفطر قضى إن كان نفلا قصديا وهذه الرواية عن أبي يوسف وظاهر الرواية أنه ليس له الفطر إلا من عذر وصححه في المحيط وإنما اقتصر على هذه الرواية؛ لأنها أرجح من جهة الدليل ولهذا اختارها المحقق في فتح القدير وقال إن الدلالة تضافرت عليها وهي أوجه:
ثم اختلف المشايخ على ظاهر الرواية هل الضيافة عذر أو لا قيل نعم وقيل لا وقيل عذر قبل الزوال لا بعده إلا إذا كان في عدم الفطر بعده عقوق لأحد الوالدين لا غيرهما حتى لو حلف عليه رجل بالطلاق الثلاث ليفطرن لا يفطر وقيل إن كان صاحب الطعام يرضى بمجرد حضوره وإن لم يأكل لا يباح الفطر وإن كان يتأذى بذلك يفطر كذا في فتح القدير ولم يصحح شيئا كما ترى وفي الكافي والأظهر أنها عذر وصحح قاضي خان في شرح الجامع الصغير من أحكام الخلوة أن الضيافة عذر وفي الفتاوى الظهيرية قالوا والصحيح من المذهب أنه ينظر في ذلك إن كان صاحب الدعوة ممن يرضى بمجرد حضوره ولا يتأذى بترك الإفطار لا يفطر وقال شمس الأئمة الحلواني أحسن ما قيل في هذا الباب إنه إن كان يثق من نفسه القضاء يفطر دفعا للأذى عن أخيه المسلم وإن كان لا يثق لا يفطر وإن كان في ترك الإفطار أذى أخيه المسلم.
وفي مسألة اليمين يجب أن يكون الجواب على هذا التفصيل. ا هـ. وفي موضع آخر منها وإن كان صائما عن قضاء رمضان يكره له أن يفطر؛ لأن له حكم رمضان. ا هـ.
ولهذا لا يفطر لو حلف عليه رجل بالطلاق ليفطرن كذا في المحيط وفي النهاية الأظهر أن الضيافة عذر وفي البزازية لو حلف بطلاق امرأته إن لم يفطر إن نفلا أفطر وإن قضاء لا والاعتماد على أنه يفطر فيهما ولا يحنثه وإذا قلنا بأن الضيافة عذر في التطوع تكون عذرا في حق الضيف والمضيف كذا في شرح الوقاية.
وأطلق في قضاء التطوع فشمل ما إذا كان فطره عن قصد أو لا بأن عرض الحيض للصائمة

 

ج / 2 ص -451-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المتطوعة في أصح الروايتين كذا في النهاية وقيدنا النفل بكونه قصديا؛ لأنه لو شرع على ظن أنه عليه ثم علم أنه لا شيء عليه كان متطوعا والأحسن أن يتمه فإن أفطر لا قضاء عليه كذا في المحيط وغيره وقيده صاحب الهداية في التجنيس بأن لا يمضي عليه ساعة من حين ظهر بأن لا شيء عليه فإن مضى ساعة ثم أفطر فعليه القضاء؛ لأنه لما مضى عليه ساعة صار كأنه نوى في هذه الساعة فإذا كان قبل الزوال صار شارعا في صوم التطوع فيجب عليه ثم قال إذا نوى الصوم للقضاء بعد طلوع الفجر حتى لا تصح نيته عن القضاء يصير صائما وإن أفطر يلزمه القضاء كما إذا نوى التطوع ابتداء وهذه ترد إشكالا على مسألة المظنون. ا هـ.
وقد تقدم الكلام عليه عند قوله وما بقي لم يجز إلا بنية معينة وفي البدائع إذا شرع في صوم الكفارة ثم أيسر في خلاله لا قضاء عليه وفي الفتاوى الظهيرية ويكره للعبد أو للأجير أو للمرأة أن يتطوع بالصوم إلا أن يأذن من له حق فيه ومن له الحق له أن يفطره وفي الولوالجية وابنة الرجل وقرابته تتطوع بدون إذنه؛ لأنه لا يفوت حقه. ا هـ.
وقيد في المحيط والولوالجية كراهة صوم المرأة بأن يضر بالزوج أما إذا كان لا يضره بأن كان صائما أو مريضا فلها أن تصوم وليس له منعها؛ لأنه ليس فيه إبطال حقه بخلاف العبد والمدبر وأم الولد والأمة فإنه ليس لهم الصوم بغير إذن المولى وإن لم يضر به؛ لأن منافعهم مملوكة للمولى بخلاف المرأة فإن منافعها غير مملوكة للزوج وإنما له حق الاستمتاع بها وتقضي المرأة إذا أذن لها الزوج أو بانت منه ويقضي العبد إذا أذن له المولى أو أعتق وقيد كراهة صوم الأجير أيضا بكون الصوم يضر بالمستأجر في الخدمة فإن كان لا يضر فله أن يصوم بغير إذنه. ا هـ.
وفي البزازية قالوا يباح الفطر لأجل المرأة أي لا يمنع صوم النفل صحة الخلوة وفي النظم الأفضل أن يفطر للضيافة، ولا يقول: أنا صائم؛ لئلا يقف على سره أحد وفي فتاوى قاضي خان لا يصوم المملوك تطوعا إلا بإذن المولى إلا إذا كان غائبا ولا ضرر له في ذلك. ا هـ. وهو خلاف ما في المحيط.
وإن أحرمت المرأة تطوعا بغير إذن الزوج قالوا له أن يحللها والأجير إذا كان يضره الخدمة وكذا في الصلوات كذا في فتاوى قاضي خان. فالحاصل أن الصوم والحج والصلاة سواء، والأظهر من هذا كله إطلاق ما في الظهيرية في المرأة والعبد؛ لأن الصوم يضر ببدن المرأة ويهزلها وإن لم يكن الزوج الآن يطؤها والعبد منافعه مملوكة للمولى فليس له الصوم مطلقا بغير إذنه ولو كان المولى غائبا فإنه لم يكن مبقى على أصل الحرية في العبادات إلا في الفرائض وأما في النوافل فلا.

 

ج / 2 ص -452-       ولو بلغ صبي أو أسلم كافر أمسك يومه ولم يقض شيئا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي القنية وللزوج أن يمنع زوجته عن كل ما كان الإيجاب من جهتها كالتطوع والنذر واليمين دون ما كان من جهته تعالى كقضاء رمضان وكذا العبد إلا إذا ظاهر من امرأته لا يمنعه من كفارة الظهار بالصوم لتعلق حق المرأة به.
ثم اعلم أن إفساد الصوم أو الصلاة بعد الشروع فيها مكروه نص عليها في غاية البيان وليس بحرام؛ لأن الدليل ليس قطعي الدلالة كما أوضحه في فتح القدير.
"قوله: ولو بلغ صبي أو أسلم كافر أمسك يومه ولم يقض شيئا" فالإمساك قضاء لحق الوقت بالتشبه وعدم القضاء لعدم وجوب الصوم عليهما فيه وأطلق الإمساك ولم يبين صفته للاختلاف فيه والأصح الوجوب لموافقته للدليل وهو ما ثبت من أمره عليه الصلاة والسلام بالإمساك لمن أكل في يوم عاشوراء حين كان واجبا وأطلق في عدم القضاء فشمل ما إذا أفطرا في ذلك اليوم أو صاماه وسواء كان قبل الزوال أو بعده؛ لأن الصوم لا يتجزأ وجوبا كما لا يتجزأ أداء وأهلية الوجوب منعدمة في أوله فلا يجب، وقيد بالصوم؛ لأنه لو بلغ أو أسلم في أثناء وقت الصلاة أو في آخره وجبت عليه اتفاقا وهو قياس زفر وفرق أئمتنا بين الصوم والصلاة بأن السبب في الصلاة الجزء المتصل بالأداء فوجدت الأهلية عنده وفي الصوم الجزء الأول هو السبب والأهلية معدومة عنده. قال في فتح القدير: وعلى هذا فقولهم في الأصول: الواجب المؤقت قد يكون الوقت فيه سببا للمؤدى وظرفا له كوقت الصلاة أو سببا ومعيارا وهو ما يقع فيه مقدرا به كوقت الصوم تساهل؛ إذ يقتضي أن السبب تمام الوقت فيهما، وقد بان خلافه ثم على ما بان من تحقيق المراد قد يقال يلزم أن لا يجب الإمساك في نفس الجزء الأول من اليوم؛ لأنه هو السبب للوجوب، وإلا لزم سبق الوجوب على السبب؛ للزوم تقدم السبب فالإيجاب فيه يستدعي سببا سابقا والفرض خلافه ولو لم يستلزم ذلك لزم كون ما ذكروه في وقت الصلوات من أن السببية تضاف إلى الجزء الأول فإن لم يؤد عقيبه انتقلت إلى ما يلي ابتداء الشروع فإن لم يشرع إلى الجزء الأخير تقررت السببية فيه واعتبر حال المكلف عنده تكلف مستغنى عنه إذ لا داعي لجعله ما يليه دون ما يقع فيه. ا هـ.
وقد يقال: إن قولهم يقتضي أن السبب تمام الوقت مسلم لو سكتوا وهم قد صرحوا بأنه لا يمكن جعل كل الوقت سببا في الصلاة وذكروا أن السببية تنتقل من جزء إلى جزء، وقوله ثم على ما بان إلى آخره فيه بحث أما على اختيار شمس الأئمة السرخسي من أن السببية لليالي والأيام فقد

 

ج / 2 ص -453-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وجد السبب بالليلة فالإمساك إنما وجب في الجزء الأول باعتبار سبق. السبب عليه وهو الليل وأما على اختيار غيره من أن السببية خاصة بالأيام وأن الليالي لا دخل لها في السببية فلأن لزوم تقدم السبب إنما هو عند الإمكان أما عند عدم الإمكان فلا والصوم منه؛ لأن وقته معيار له مقدر به يزيد بزيادته وينقص بنقصانه فلا يمكن أن يكون الجزء الأول خاليا عن الصوم ليكون سببا متقدما ولا يمكن أن يكون ما قبله سببا لعدم الصلاحية فلزم فيه مقارنة السبب للمسبب وقد صرح بأن السبب في الصوم مقارن للمسبب صاحب كشف الأسرار شرح أصول فخر الإسلام البزدوي بخلاف وقت الصلاة فإنه ظرف فأمكن تقدم السبب على الحكم حتى لو لم يمكن بأن شرع في الجزء الأول سقط اشتراط تقدم السبب وجوزت المقارنة إذ لا يمكن جعل ما قبل الوقت سببا وذكر بعض المتأخرين من الأصوليين أن السبب في الصوم اليوم الكامل لا الجزء منه ولا شك في المقارنة على هذا وأشار المصنف بالمسألتين إلى أصل وهو أن كل من صار في آخر النهار بصفة لو كان في أول النهار عليها للزمه الصوم فعليه الإمساك كالحائض والنفساء تطهر بعد طلوع الفجر أو معه والمجنون يفيق والمريض يبرأ والمسافر يقدم بعد الزوال أو الأكل والذي أفطر عمدا أو خطأ أو مكرها أو أكل يوم الشك ثم استبان أنه من رمضان أو أفطر وهو يرى أن الشمس قد غربت أو تسحر بعد الفجر ولم يعلم ومن لم يكن على تلك الصفة لم يجب الإمساك كما في حالة الحيض والنفاس ثم قيل الحائض تأكل سرا لا جهرا وقيل تأكل سرا وجهرا وللمريض والمسافر الأكل جهرا كذا في النهاية وغير في فتح القدير عبارة هذا الأصل فقال كل من تحقق بصفة في أثناء النهار أو قارن ابتداء وجودها طلوع الفجر وتلك الصفة بحيث لو كانت قبله واستمرت معه وجب عليه الصوم فإنه يجب عليه الإمساك تشبها. قال وقلنا كل من تحقق ولم نقل من صار بصفة إلى آخره يعني كما في النهاية ليشتمل من أكل عمدا في نهار رمضان؛ لأن الصيرورة للتحول ولو لامتناع ما يليه ولا يتحقق المفاد بهما فيه. ا هـ.
والحاصل أن من أكل عمدا في نهار رمضان لم يدخل تحت عبارة النهاية باعتبار أنه لم يتجدد له حالة بعد فطره لم يكن عليها قبله وكلمة صار تفيد التحول من حالة إلى أخرى بخلاف تحقق ولا يخفى أن ما هرب منه وقع فيه؛ لأنه وإن غير صار إلى تحقق أتى بكلمة لو المفيدة لامتناع ما يليه المفيدة أن الصفة لم تكن موجودة أول اليوم فلا يشمل كلامه من أكل عمدا فليتأمل فظهر من هذا أن من كان أهلا للصوم في أوله كمن أكل عمدا لا يدخل تحت الضابط أصلا على كل منهما وإنما أدرجوه في هذا الأصل وإن لم يدخل تحته باعتبار أن حكمه وجوب الإمساك تشبها فهو مثله؛ لأن غرضهم بيان الأحكام وعبارة البدائع أولى وهي أما وجوب الإمساك تشبها بالصائمين فكل من كان له عذر في صوم رمضان في أول النهار مانع من الوجوب أو مبيح للفطر

 

ج / 2 ص -454-       ولو نوى المسافر الإفطار ثم قدم ونوى الصوم في وقته صح، ويقضي بإغماء سوى يوم حدث في ليلته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثم زال عذره وصار بحال لو كان عليه في أول النهار لوجب عليه الصوم لا يباح له الفطر كالصبي إذا بلغ والكافر إذا أسلم والمجنون إذا أفاق والحائض إذا طهرت والمسافر إذا قدم وكذا كل من وجب عليه الصوم لوجود سبب الوجوب والأهلية ثم تعذر عليه المضي بأن أفطر متعمدا أو أصبح يوم الشك مفطرا ثم تبين أنه من رمضان أو تسحر على ظن أن الفجر لم يطلع ثم تبين أنه طالع فإنه يجب عليه الإمساك تشبها. ا هـ. فقد جعل لوجوب الإمساك أصلين وجعل بعض الفروع مخرجة على أصل وبعضها على آخر فلا إيراد أصلا والله الموفق وفي الفتاوى الظهيرية صبي بلغ قبل الزوال ونصراني أسلم ونويا الصوم قبل الزوال لا يجوز صومهما عن الفرض غير أن الصبي يكون صائما عن التطوع بخلاف الكافر لفقد الأهلية في حقه وعن أبي يوسف أن الصبي يجوز صومه عن الفرض وقيل جوابه في الكافر كذلك، إليه أشار في المنتقى ثم في ظاهر الرواية فرق بين هذا وبين المجنون إذا أفاق في نهار رمضان قبل الزوال ولم يكن أكل شيئا ونوى الصوم جاز عن الفرض؛ لأن الجنون إذا لم يستوعب كان بمنزلة المرض والمرض لا ينافي وجوب الصوم بخلاف الصبا والكفر والحيض؛ لأنها منافية للصوم ا هـ.
"قوله: ولو نوى المسافر الإفطار ثم قدم ونوى الصوم في وقته صح" إن نوى قبل انتصاف النهار؛ لأن السفر لا ينافي أهلية الوجوب ولا صحة الشروع أطلق الصوم فشمل الفرض الذي لا يشترط فيه التبييت والنفل وحيث أفاد صحة صوم الفرض لزم عليه صومه إن كان في رمضان لزوال المرخص في وقت النية ألا ترى أنه لو كان مقيما في أول اليوم ثم سافر لا يباح له الفطر ترجيحا لجانب الإقامة فهذا أولى إلا أنه إذا أفطر في المسألتين لا كفارة عليه لقيام شبهة المبيح.
وكذا لو نوى المسافر الصوم ليلا وأصبح من غير أن ينقض عزيمته قبل الفجر ثم أصبح صائما لا يحل فطره في ذلك اليوم ولو أفطر لا كفارة عليه وأشار إلى أنه لو لم ينو الإفطار وإنما قدم قبل الزوال والأكل فالحكم كذلك بالأولى؛ لأن الحكم إذا كان الصحة مع نية المنافي فمع عدمها أولى ولأن نية الإفطار لا عبرة بها حتى لو نوى الصائم الفطر ولم يفطر لا يكون مفطرا.
وكذا لو نوى التكلم في الصلاة ولم يتكلم لا تفسد صلاته كما في الظهيرية والله أعلم.
"قوله: ويقضي بإغماء سوى يوم حدث في ليلته"؛ لأنه نوع مرض يضعف القوى ولا يزيل الحجا فيصير عذرا في التأخير لا في الإسقاط وإنما لا يقضي اليوم الأول لوجود الصوم فيه وهو الإمساك المقرون بالنية إذ الظاهر وجودها منه ويقضي ما بعده لانعدام النية ولا فرق بين أن

 

ج / 2 ص -455-       وبجنون غير ممتد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يحدث الإغماء في الليل أو في النهار في أنه لا يقضي اليوم الأول وإنما ذكر المصنف حدوثه في ليلته ليعلم حكم ما إذا حدث في اليوم بالأولى لوجود الإمساك وهو ليس بمغمى عليه وأشار إلى أن الإغماء لو كان في شعبان قضاه كله لعدم النية وإلى أنه لو كان متهتكا يعتاد الأكل في رمضان أو مسافرا قضاه كله لعدم ما يدل على وجود النية.
"قوله: وبجنون غير ممتد" أي يقضيه إذا فاته بجنون غير ممتد وهو أن لا يستوعب الشهر والممتد هو أن يستوعب الشهر وهو مسقط للحرج بخلاف ما دونه؛ لأن السبب قد وجد وهو الشهر والأهلية بالذمة وفي الوجوب فائدة وهو صيرورته مطلوبا على وجه لا يحرج في أدائه بخلاف المستوعب فإنه يحرج في أدائه فلا فائدة فيه والإغماء لا يستوعب الشهر عادة فلا حرج وإلا كان ربما يموت فإنه لا يأكل ولا يشرب أطلقه فشمل الجنون الأصلي والعارض وهو ظاهر الرواية.
وعن محمد أنه فرق بينهما؛ لأنه إذا بلغ مجنونا التحق بالصبي فانعدم الخطاب بخلاف ما إذا بلغ عاقلا ثم جن وهذا مختار بعض المتأخرين ودخل تحت غير الممتد ما إذا أفاق آخر يوم من رمضان سواء كان قبل الزوال أو بعده فإنه يلزمه قضاء جميع الشهر خلافا لما في غاية البيان عن حميد الدين الضرير أنه قال إذا أفاق بعد الزوال في آخر يوم من رمضان لا يلزمه شيء وصححه في النهاية والظهيرية؛ لأن الصوم لا يصح فيه كالليل.
اعلم أن الجنون ينافي النية التي هي شرط العبادات فلا يجب مع الممتد منه مطلقا للحرج وما لا يمتد جعل كالنوم؛ لأن الجنون لا ينفي أصل الوجوب إذ هو بالذمة وهي ثابتة له باعتبار آدميته حتى ورث وملك وكان أهلا للثواب كأن نوى صوم الغد بعد غروب الشمس فجن فيه ممسكا كله صح فلا يقضي لو أفاق بعده وصح إسلامه تبعا وإذا كان المسقط الحرج لزم اختلاف الامتداد المسقط فقدر في الصلاة بالزيادة على يوم وليلة عندهما وعند محمد بصيرورة الصلاة ستا وهو أقيس لكنهما أقاما الوقت مقام الواجب كما في المستحاضة وفي الصوم باستغراق الشهر ليله ونهاره وفي الزكاة باستغراق الحول وأبو يوسف جعل أكثره ككله.
وأما الصغير فقبل أن يعقل كالجنون الممتد وإذا عقل تأهل للأداء دون الوجوب إلا الإيمان.
وأما النائم فلكون النوم موجبا للعجز لزم تأخير خطاب الأداء لا أصل الوجوب ولذا وجب القضاء إذا زال بعد الوقت ولما كان لا يمتد غالبا لم يسقط به شيء من العبادات لعدم الحرج والإغماء فوقه وإن امتد في الصلوات بأن زاد على يوم وليلة جعل عذرا مسقطا لها دفعا للحرج لكونه غالبا ولم يجعل عذرا في الصوم؛ لأن امتداده شهرا نادر فلم يكن في إيجابه حرج بهذا ظهر أن الأعذار أربعة صبا وجنون وإغماء ونوم وقد علم أحكامها والله الموفق للصواب.

 

ج / 2 ص -456-       وبإمساك بلا نية صوم وفطر ولو قدم مسافر أو طهرت حائض أو تسحر يظنه ليلا والفجر طالع أو أفطر كذلك والشمس حية أمسك يومه وقضى ولم يكفر كأكله عمدا بعد أكله ناسيا ونائمة ومجنونة وطئتا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: وبإمساك بلا نية صوم وفطر" أي يجب القضاء؛ لأن المستحق هو الإمساك بجهة العبادة ولا عبادة إلا بالنية وأما هبة النصاب من الفقير فإنها تسقط الزكاة بدون نيتها باعتبار وجود نية القربة وفي غاية البيان وقد مر أن المغمى عليه لا يقضي اليوم الذي حدث الإغماء في ليلته لوجود النية منه ظاهرا فلا بد من التأويل لهذه المسألة وتأويلها أن يكون مريضا أو مسافرا لا ينوي شيئا أو متهتكا اعتاد الأكل في رمضان فلم يكن حاله دليلا على عزيمة الصوم. ا هـ. وكذا في النهاية ورده في فتح القدير بأنه تكلف مستغنى عنه؛ لأن الكلام عند عدم النية ابتداء لا بأمر يوجب النسيان ولا شك أنه أدرى بحاله بخلاف من أغمي عليه فإن الإغماء قد يوجب نسيانه حال نفسه بعد الإفاقة فبني الأمر فيه على الظاهر من حاله وهو وجود النية وأشار بوجب القضاء فقط إلى عدم وجوب الكفارة لو أكل؛ لأنه غير صائم وهذا عند أبي حنيفة وعندهما كذلك إن أكل بعد الزوال وإن أكل قبل الزوال تجب الكفارة؛ لأنه فوت إمكان التحصيل فصار كغاصب الغاصب.
"قوله: ولو قدم مسافر أو طهرت حائض أو تسحر يظنه ليلا والفجر طالع أو أفطر كذلك والشمس حية أمسك يومه وقضى ولم يكفر كأكله عمدا بعد أكله ناسيا ونائمة ومجنونة وطئتا" لما قدمنا أن كل من صار أهلا للزوم ولم يكن كذلك في أول اليوم فإنه يجب عليه الإمساك؛ لأنه وجب قضاء لحق الوقت؛ لأنه وقت معظم وإنما وجب القضاء على المسافر والحائض لما تقدم أن أصل الوجوب ثابت عليهما وإنما المتأخر وجوب الأداء بخلاف الصبي إذا بلغ والكافر إذا أسلم فإنه وإن وجب عليها الإمساك أيضا لم يجب القضاء لعدم الوجوب في حقهما أول الجزء من اليوم كما بيناه وكذا لو تسحر وهو يظن بقاء الليل فبان خلافه أو أفطر ظانا زوال اليوم فبان خلافه وجب الإمساك قضاء لحق الوقت بالقدر الممكن أو نفيا للتهمة ووجب القضاء أيضا؛ لأنه حق مضمون بالمثل كما في المريض والمسافر ولا كفارة في هاتين أيضا؛ لأن الجناية قاصرة وهي جناية عدم التثبيت إلى أن يستيقن لا جناية الإفطار؛ لأنه لم يقصد ولهذا صرحوا بعدم الإثم عليه كما قالوا في القتل الخطإ لا إثم فيه والمراد إثم القتل وصرح بأن فيه إثم ترك العزيمة والمبالغة في التثبيت حالة الرمي كذا في فتح القدير أراد بالظن في قوله ظنه ليلا التردد في بقاء الليل وعدمه سواء ترجح عنده شيء أو لا فيدخل الشك فإن الحكم فيه لو ظهر طلوع الفجر عدم وجوب الكفارة كما لو ظن والأفضل له أن يتسحر مع الشك وأراد بقوله والفجر طالع تيقن الطلوع لما في الفتاوى الظهيرية ولو شك في ليلة مقمرة أو متغيمة في طلوع الفجر

 

ج / 2 ص -457-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يدع الأكل والشرب لقوله عليه الصلاة والسلام
"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" ولو غلب على ظنه أنه أكل بعد طلوع الفجر لا قضاء عليه ما لم يخبره رجل عدل في أشهر الروايات وذكر البقالي في كتاب الصلاة إذا غلب على ظنه أنه أحدث فلا وضوء عليه. ا هـ.
وقيد بقوله والفجر طالع؛ لأنه لو ظن أو شك فتسحر ثم لم يتبين له شيء لم يفسد صومه؛ لأن الأصل بقاء الليل فلا يخرج بالشك وقوله ليلا ليس بقيد؛ لأنه لو ظن الطلوع وأكل مع ذلك ثم تبين صحة ظنه فعليه القضاء ولا كفارة؛ لأنه بنى الأمر على الأصل فلم تكمل الجناية فلو قال ظنه ليلا أو نهارا لكان أولى وليس له أن يأكل؛ لأن غلبة الظن تعمل عمل اليقين وإن أكل ولم يتبين له شيء قيل يقضيه احتياطا وصححه في غاية البيان ناقلا عن التحفة وعلى ظاهر الرواية قيل لا قضاء عليه وصححه في الإيضاح؛ لأن اليقين لا يزال إلا بمثله والليل أصل ثابت بيقين وللمحقق في فتح القدير بحث فيه حسن حاصله أن المتيقن به دخول الليل في الوجود وأما الحكم ببقائه فهو ظني؛ لأن القول بالاستصحاب والأمارة التي بحيث توجب عدم ظن بقاء الليل دليل ظني فتعارض دليلان ظنيان في قيام الليل وعدمه فيتهاتران فيعمل بالأصل وهو الليل وتمامه فيه وأراد بالظن في قوله أو أفطر كذلك غلبة الظن؛ لأنه لو كان شاكا تجب الكفارة كذا في المستصفى ونقل في شرح الطحاوي فيه اختلافا بين المشايخ وإن لم يتبين له شيء فعليه القضاء وفي التبيين في وجوب الكفارة روايتان وإن تبين أنه أكل قبل الغروب وجبت الكفارة وقيد بكونه ظن وجود المبيح؛ لأنه لو ظن قيام المحرم كأن ظن أن الشمس لم تغرب فأكل فعليه القضاء والكفارة إذا لم يتبين له شيء أو تبين أنه أكل قبل الغروب وإن تبين أنه أكل بالليل فلا شيء عليه في جميع ما ذكرنا كذا في التبيين وفي البدائع ما يخالفه ولفظه وإن كان غالب رأيه أنها لم تغرب فلا شك في وجوب القضاء عليه واختلف المشايخ في وجوب الكفارة فقال بعضهم تجب وقال بعضهم لا تجب وهو الصحيح؛ لأن احتمال الغروب قائم فكانت الشبهة ثابتة وهذه الكفارة لا تجب مع الشبهة فحاصله أنه إما أن يظن أو يشك فإن ظن فلا يخلو إما أن يظن وجود المبيح أو قيام المحرم فإن كان الأول فلا يخلو إما أن لا يتبين له شيء أو يتبين صحة ما ظنه أو بطلانه وكل من الثلاثة إما أن يكون في ابتداء الصوم أو انتهائه فهي ستة وإن شك أيضا فهي اثنا عشر في وجود المبيح ومثلها في قيام

 

ج / 2 ص -458-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحرم فهي أربعة وعشرون وقد علم أحكامها من المتن منطوقا ومفهوما فليتأمل وأشار إلى أن التسحر ثابت واختلف فيه فقيل مستحب وقيل سنة واختار الأول في الظهيرية والثاني في البدائع مقتصرا كل منهما عليه ودليله حديث الجماعة إلا أبا داود
"تسحروا فإن في السحور بركة" والسحور ما يؤكل في السحر وهو السدس الأخير من الليل.
وقوله: في السحور هو على حذف مضاف تقديره في أكل السحور بركة بناء على ضبطه بضم السين جمع سحر فأما على فتحها وهو الأعرف في الرواية فهو اسم للمأكول في السحر كالوضوء بالفتح ما يتوضأ به، وقيل: يتعين الضم؛ لأن البركة ونيل الثواب إنما يحصل بالفعل لا بنفس المأكول كذا في فتح القدير ومحل الاستحباب ما إذا يتيقن بقاء الليل أو غلب على ظنه أما إذا شك فالأفضل أن لا يتسحر تحرزا عن المحرم ولم يجب عليه ذلك ولو أكل فصومه تام؛ لأن الأصل هو الليل كذا في الهداية وفي الفتاوى الظهيرية وإذا تسحر ثم ظهر أن الفجر طالع أثم وقضى. ا هـ. وهو بإطلاقه يتناول ما إذا غلب على ظنه بقاؤه فتسحر ثم تبين خلافه فإنه يأثم، وفي البدائع وهل يكره الأكل مع الشك روى هشام عن أبي يوسف أنه يكره وروى ابن سماعة عن محمد أنه لا يكره والصحيح قول أبي يوسف وعن الهندواني أنه إذا ظهر علامات الطلوع من ضرب الدبادب والأذان يكره وإلا فلا ولا تعويل على ذلك؛ لأنه مما يتقدم ويتأخر. ا هـ. والسنة في السحور التأخير؛ لأن معنى الاستعانة فيه أبلغ وكذا تعجيل الفطر كذا في البدائع والتعجيل المستحب التعجيل قبل اشتباك النجوم ذكره قاضي خان في شرح الجامع الصغير ولم أر صريحا في كلامهم أن الماء وحده يكون محصلا لسنة السحور وظاهر الحديث يفيده وهو ما رواه أحمد عن أبي سعيد مسندا
"السحور كله بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين" والبركة في الحديث لغة الزيادة والنماء والزيادة فيه على وجوه: زيادة في القوة على أداء الصوم وزيادة في إباحة الأكل والشرب وزيادة على الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء كذا ذكره الكلاباذي وبينها في غاية البيان وفي البزازية ويستحب تعجيل الإفطار إلا في يوم غيم ولا يفطر ما لم يغلب على ظنه

 

ج / 2 ص -459-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غروب الشمس وإن أذن المؤذن. ا هـ.
وذكر قبله شهدا أنها غربت وآخران بأنها لم تغرب وأفطر ثم بان عدم الغروب قضى ولا كفارة عليه بالاتفاق شهدا على طلوع الفجر وآخران على عدم الطلوع فأكل ثم بان الطلوع قضى وكفر وفاقا؛ لأن البينات للإثبات لا للنفي حتى قيل شهادة المثبت لا النافي ولو واحد على طلوعه وآخران على عدمه لا كفارة عليه دخلوا عليه وهو يتسحر فقالوا: إنه طالع فصدقهم فقال إذن أنا مفطر لا صائم ثم دام على الأكل ثم بان أنه ما كان طالعا في أول الأكل وطالعا وقت الأكل الثاني قال النسفي الحاكم لا كفارة عليه لعدم نية الصوم وإن كان المخبر واحدا عليه الكفارة؛ لأن خبر الواحد عدلا أو لا في مثل هذا لا يقبل. ا هـ. وإنما لم تجب الكفارة بإفطاره عمدا بعد أكله أو شربه أو جماعه ناسيا؛ لأنه ظن في موضع الاشتباه بالنظير وهو الأكل عمدا؛ لأن الأكل مضاد للصوم ساهيا أو عامدا فأورث شبهة وكذا فيه شبهة اختلاف العلماء فإن مالكا يقول بفساد صوم من أكل ناسيا وأطلقه؛ لأن العلماء اختلفوا في قبول الحديث فإن فقهاء المدينة كمالك وغيره لم يقبلوه فصار شبهة؛ لأن قول الشافعي إذا كان موافقا للقياس يكون شبهة كقول الصحابي.
وكذا لو ذرعه القيء فظن أنه يفطره فأفطر لا كفارة عليه لوجود شبهة الاشتباه بالنظير فإن القيء والاستقاء متشابهان؛ لأن مخرجهما من الفم وكذا لو احتلم للتشابه في قضاء الشهوة وإن علم أن ذلك لا يفطره فعليه الكفارة؛ لأنه لم توجد شبهة الاشتباه ولا شبهة الاختلاف وقيد بالنسيان؛ لأنه لو احتجم أو اغتاب فظن أنه يفطره ثم أكل إن لم يستفت فقيها ولا بلغه الخبر فعليه الكفارة؛ لأنه مجرد جهل وأنه ليس بعذر في دار الإسلام وإن استفتى فقيها لا كفارة عليه؛ لأن العامي يجب عليه تقليد العالم إذا كان يعتمد على فتواه فكان معذورا فيما صنع وإن كان المفتي مخطئا فيما أفتى وإن لم يستفت ولكن بلغه الخبر وهو قوله عليه الصلاة والسلام
"أفطر الحاجم والمحجوم". وقوله صلى الله عليه وسلم "الغيبة تفطر الصائم" ولم يعرف النسخ ولا تأويله فلا كفارة عليه

 

 

ج / 2 ص -460-       ..................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عندهما؛ لأن ظاهر الحديث واجب العمل به خلافا لأبي يوسف؛ لأنه ليس للعامي العمل بالحديث لعدم علمه بالناسخ والمنسوخ.
ولو لمس امرأة أو قبلها بشهوة أو اكتحل فظن أن ذلك يفطره ثم أفطر فعليه الكفارة إلا إذا استفتى فقيها فأفتاه بالفطر أو بلغه خبر فيه ولو نوى الصوم قبل الزوال ثم أفطر لم تلزمه الكفارة عند أبي حنيفة خلافا لهما كذا في المحيط وقد علم من هذا أن مذهب العامي فتوى مفتيه من غير تقييد بمذهب ولهذا قال في فتح القدير الحكم في حق العامي فتوى مفتيه وفي البدائع ولو دهن شاربه فظن أنه أفطر فأكل عمدا فعليه الكفارة وإن استفتى فقيها أو تأول حديثا؛ لأن هذا مما لا يشتبه وكذا لو اغتاب. ا هـ.
وفي التبيين أن عليه عامة المشايخ وهو في الغيبة مخالف لما في المحيط والظاهر ترجيح ما في المحيط للشبهة وفي النهاية ويشترط أن يكون المفتي ممن يؤخذ منه الفقه ويعتمد على فتواه في البلدة وحينئذ تصير فتواه شبهة ولا معتبر بغيره وأما النائمة أو المجنونة إذا أكلتا بعدما جومعتا فلا كفارة عليهما؛ لأن الفساد حصل بالجماع قبل الأكل كالمخطئ ولا كفارة لعدم الجناية فالأكل بعده ليس بإفساد وصورتها في النائمة ظاهر وفي المجنونة بأن نوت الصوم ثم جنت بالنهار وهي صائمة فجامعها إنسان فإن الجنون لا ينافي الصوم إنما ينافي شرطه أعني النية وقد وجب في حال الإفاقة فلا يجب قضاء ذلك اليوم إذا أفاقت فإذا جومعت قضته لطرو المفسد على صوم صحيح وبهذا اندفع ما قيل إنها كانت في الأصل المجبورة أي المكرهة فصحفها الكاتب إلى المجنونة لإمكان توجيهها كما ذكرناه والله سبحانه وتعالى أعلم.

 

فصل
ومن نذر يوم النحر أفطر، وقضى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فصل
 عقد لبيان ما يوجبه العبد على نفسه بعدما ذكر ما أوجبه الله تعالى عليه.
"قوله: ومن نذر صوم يوم النحر أفطر وقضى"؛ لأنه نذر بصوم مشروع والنهي لغيره وهو ترك إجابة دعوة الله تعالى فيصح نذره لكن يفطر احترازا عن المعصية المجاورة ثم يقضي إسقاطا للواجب وإن صام فيه يخرج عن العهدة؛ لأنه أداه كما التزم. أشار بصوم يوم النحر إلى كل صوم كره تحريما وبالصوم إلى الاعتكاف فلو نذر اعتكاف يوم النحر صح ولزمه الفطر والقضاء فإن اعتكف فيه بالصوم صح كما في الولوالجية وأراد بقوله أفطر على وجه

 

ج / 2 ص -461-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوجوب خروجا عن المعصية وقوله في النهاية الأفضل الفطر تساهل أطلق فشمل ما إذا قال لله علي صوم غد فوافق يوم النحر أو صرح فقال لله علي صوم يوم النحر وهو ظاهر الرواية لا فرق بين أن يصرح بذكر المنهي عنه أو لا في الكشف وغيره.
واعلم بأنهم صرحوا بأن شرط لزوم النذر ثلاثة كون المنذور ليس بمعصية وكونه من جنسه واجب وكون الواجب مقصودا لنفسه قالوا فخرج بالأول النذر بالمعصية والثاني نحو عيادة المريض والثالث ما كان مقصودا لغيره حتى لو نذر الوضوء لكل صلاة لم يلزم وكذا لو نذر سجدة التلاوة وفي الواقعات ولو نذر تكفين ميت لم يلزم؛ لأنه ليس بقربة مقصودة كالوضوء مع تصريحهم هنا بصحة النذر بيوم النحر ولزومه فعلم أنهم أرادوا باشتراط كونه ليس بمعصية كون المعصية باعتبار نفسه حتى لا ينفك شيء من أفراد الجنس عنها وحينئذ لا يلزم لكنه ينعقد للكفارة حيث تعذر عليه الفعل ولهذا قالوا لو أضاف النذر إلى سائر المعاصي كقوله لله علي أن أقتل فلانا كان يمينا ولزمته الكفارة بالحنث فلو فعل نفس المنذور عصى وانحل النذر كالحلف بالمعصية ينعقد للكفارة فلو فعل المعصية المحلوف عليها سقطت وأثم بخلاف ما إذا كان نذرا بطاعة كالحج والصلاة والصدقة فإن اليمين لا تلزم بنفس النذر إلا بالنية وهو الظاهر عن أبي حنيفة وبه يفتى وصرح في النهاية بأن النذر لا يصح إلا بشروط ثلاثة في الأصل إلا إذا قام الدليل على خلافه إحداها أن يكون الواجب من جنسه شرعا والثاني أن يكون مقصودا لا وسيلة والثالث أن لا يكون واجبا عليه في الحال أو في ثاني الحال فلذا لا يصح النذر بصلاة الظهر وغيرها من المفروضات لانعدام الشرط الثالث. ا هـ. فعلى هذا فالشرائط أربعة إلا أن يقال إن النذر بصلاة الظهر ونحوها خرج بالشرط الأول إذ قولهم من جنسه واجب يفيد أن المنذور غير الواجب من جنسه وهاهنا عينه ولكن لا بد من رابع وهو أن لا يكون مستحيل الكون فلو نذر صوم أمس أو اعتكاف شهر مضى لم يصح نذره كما في الولوالجية وقيد بقوله إلا إذا قام الدليل على خلافه؛ لأنه لو قام الدليل على الوجوب من غير الشروط المذكورة يجب كالنذر بالحج ماشيا والاعتكاف وإعتاق الرقبة مع أن الحج بصفة المشي غير واجب وكذا الاعتكاف وكذا نفس الإعتاق من غير مباشرة سبب موجب للإعتاق كذا في النهاية وفيه نظر؛ لأن النذر بالحج ماشيا من جنسه واجب؛ لأن أهل مكة ومن حولها لا يشترط في حقهم الراحلة بل يجب المشي على كل من قدر منهم على المشي كما صرح به في التبيين في آخر الحج وأما الاعتكاف وهو اللبث في مكان من جنسه واجب وهو القعدة الأخيرة في الصلاة وأما الإعتاق فلا شك أن من جنسه واجبا وهو الإعتاق في الكفارة وأما كونه من غير سبب فليس بمراد.

 

ج / 2 ص -462-       وإن نوى يمينا كفر ، ولو نذر صوم هذه السنة أفطر أياما منهية وهي يوما العيد وأيام التشريق وقضاها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: وإن نوى يمينا كفر أيضا" أي مع القضاء تجب كفارة اليمين إذا أفطر وهذه المسألة على وجوه ستة إن لم ينو شيئا أو نوى النذر لا غير أو نوى النذر ونوى أن لا يكون يمينا يكون نذرا؛ لأنه نذر بصيغته كيف وقد قرره بعزيمته وإن نوى اليمين ونوى أن لا يكون نذرا يكون يمينا؛ لأن اليمين محتمل كلامه وقد عينه ونفى غيره وإن نواهما يكون نذرا ويمينا عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف يكون نذرا ولو نوى اليمين فكذلك عندهما وعند أبي يوسف يكون يمينا. لأبي يوسف أن النذر فيه حقيقة واليمين مجاز حتى لا يتوقف الأول على النية ويتوقف الثاني؛ فلا ينتظمهما لفظ واحد، ثم المجاز يتعين بنيته وعند نيتهما تترجح الحقيقة. ولهما أنه لا تنافي بين الجهتين؛ لأنهما يقضيان الوجوب إلا أن النذر يقتضيه لعينه واليمين لغيره فجمعنا بينهما عملا بالدليلين كما جمعنا بين جهتي التبرع والمعاوضة في الهبة بشرط العوض كذا في الهداية وتعقبه في فتح القدير بلزوم التنافي من جهة أخرى وهو أن الوجوب الذي يقتضيه اليمين وجوب يلزم بترك متعلقه الكفارة والوجوب الذي هو موجب النذر ليس يلزم بترك متعلقه ذلك، وتنافي اللوازم أقل ما يقتضي التغاير فلا بد أن لا يراد بلفظ واحد واختار شمس الأئمة السرخسي في الجواب أنه أريد بلفظ اليمين لله وأريد النذر بعلي أن أصوم كذا وجواب القسم حينئذ محذوف مدلول عليه بذكر المنذور أي كأنه قال لله لأصومن وعلي أن أصوم وعلى هذا لا يرادان بنحو علي أن أصوم وتمامه في تحرير الأصول وذكر المصنف في كافيه بأنهما لما اشتركا في نفس الإيجاب فإذا نوى اليمين يراد بهما الإيجاب فيكون عملا بعموم مجاز لا جمعا بين الحقيقة والمجاز وذكر الولوالجي في فتاويه لو قال لله علي أن أصوم كل خميس فأفطر خميسا كفر عن يمينه إن أراد يمينا ثم إذا أفطر خميسا آخر لم يكفر؛ لأن اليمين واحدة فإذا حنث فيها مرة لم يحنث مرة أخرى ا هـ.
"قوله: ولو نذر صوم هذه السنة أفطر أياما منهية وهي يوما العيد وأيام التشريق وقضاها"؛ لأن النذر بالسنة المعينة نذر بهذه الأيام؛ لأنها لا تخلو عنها والنذر بالأيام المنهية صحيح مع الحرمة عندنا فكان قوله أفطر للإيجاب كما قدمناه وبه صرح المصنف في كافيه وقد وقع صاحب النهاية بالأولوية في التساهل أيضا كما قدمناه ورتب قضاءها على إفطاره فيها ليفيد أنه لو صامها لا قضاء عليه؛ لأنه أداه كما التزمه كما قدمناه.
وأشار إلى أن المرأة لو نذرت صوم هذه السنة فإنها تقضي مع هذه الأيام أيام حيضها؛ لأن

 

ج / 2 ص -463-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السنة قد تخلو عن الحيض فصح الإيجاب وإلى أنها لو نذرت صوم الغد فوافق حيضها فإنها تقضيه بخلاف ما لو قالت لله علي صوم يوم حيضي لا قضاء لعدم صحته لإضافته إلى غير محله بخلاف ما إذا قال لله علي صوم يوم النحر فإنه يقضيه إذا أفطر كما تقدم أنه ظاهر الرواية والفرق أن الحيض وصف للمرأة لا وصف لليوم وقد ثبت بالإجماع أن طهارتها شرط لأدائه فلما علقت النذر بصفة لا تبقى معها أهلا للأداء لم يصح؛ لأنه لا يصح إلا من الأهل كقوله لله علي أن أصوم يوم آكل كذا في الكشف الكبير.
وأشار إلى أنه لا يلزمه قضاء رمضان الذي صامه؛ لأنه لا يصح التزامه بالنذر؛ لأن صومه مستحق عليه بجهة أخرى وإلى أنه لو لم يعين هذه السنة وإنما شرط التتابع فهو كما لو عينها فيقضي الأيام الخمسة دون شهر رمضان؛ لأن المتابعة لا تعرى عنها لكن يقضيها في هذا الفصل موصولة تحقيقا للتتابع بقدر الإمكان وأطلق قضاء لزوم الأيام المنهية فشمل ما إذا نذر بعد هذه الأيام المنهية بأن نذر بعد أيام التشريق صوم هذه السنة وحمله في الغاية على ما إذا نذر قبل عيد الفطر ما إذا قال في شوال لله علي صوم هذه السنة لا يلزمه قضاء يوم الفطر وكذا لو قال بعد أيام التشريق لا يلزمه قضاء يومي العيدين وأيام التشريق بل يلزمه صيام ما بقي من السنة. ا هـ.
ويدل على هذا الحمل قوله أفطر أياما منهية إذ لا يتصور الفطر بعد المضي لكن قال الشارح الزيلعي هذا سهو وقع من صاحب الغاية؛ لأن قوله هذه السنة عبارة عن اثني عشر شهرا من وقت النذر إلى وقت النذر وهذه المدة لا تخلو عن هذه الأيام فلا يحتاج إلى الحمل فيكون نذرا بها ورده المحقق في فتح القدير وقال إن هذا سهو وقع من الزيلعي؛ لأن المسألة كما هي في الغاية منقولة في الخلاصة وفتاوى قاضي خان في هذه السنة وهذا الشهر ولأن كل سنة عربية معينة عبارة عن مدة معينة لها مبتدأ ومختتم خاصان عند العرب مبدؤها المحرم وآخرها ذو الحجة فإذا قال هذه فإنما يفيد الإشارة إلى التي هو فيها فحقيقة كلامه أنه نذر بالمدة المستقبلة إلى آخر ذي الحجة، والمدة الماضية التي مبدؤها المحرم إلى وقت التكلم فيلغو في حق الماضي كما يلغو في قوله لله علي صوم أمس وهذا فرع يناسب هذا لو قال لله علي صوم أمس اليوم، أو اليوم أمس لزمه صوم اليوم، ولو قال غدا هذا اليوم، أو هذا اليوم غدا لزمه صوم أول الوقتين تفوه به، ولو قال شهرا لزمه شهر كامل، ولو قال الشهر وجب بقية الشهر الذي هو فيه؛ لأنه ذكر الشهر معرفا فينصرف إلى المعهود بالحضور فإن نوى شهرا فهو على ما نوى؛ لأنه لا يحتمل كلامه ذكره في التجنيس وفيه تأييد لما في الغاية أيضا. ا هـ. ويؤيده ما في

 

ج / 2 ص -464-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفتاوى الظهيرية أيضا، ولو قال لله علي أن أصوم الشهر فعليه صوم بقية الشهر الذي هو فيه وما في الفتاوى الولوالجية لو قال لله علي أن أصوم الشهر وجب عليه بقية الشهر الذي هو فيه؛ لأنه ذكر الشهر معرفا فينصرف إليه وإن نوى شهرا كاملا فهو كما نوى؛ لأنه نوى ما يحتمله. ا هـ.
ويمكن حمل ما في الغاية على ما إذا لم ينو وحمل ما ذكره الزيلعي على ما إذا نوى توفيقا وإن كان بعيدا وبهذا ظهر أن ما ذكره في فتح القدير من كونه يلغو فيما مضى كما يلغو في قوله لله علي صوم أمس ليس بقوي؛ لأنه لو كان لغوا لما لزمه بنيته ولا يصح تشبيهه بصوم الأمس؛ لأنه لو نوى به صوم اليوم لا يصح ولا يلزمه؛ لأنه ليس محتمل كلامه كما لا يخفى ويدل له ما في الفتاوى الظهيرية، ولو نذر صوم غد ونوى كلما دار غد لا تصح نيته؛ لأن النية إنما تعمل في الملفوظ، ولو قال صوم يوم ونوى كلما دار يوم صحت نيته وكذا يوم الخميس. ا هـ.
وفي موضع آخر منها، ولو نذر بصوم شهر قد مضى لا يجب عليه وإن لم يعلم بمضيه؛ لأن المنذور به مستحيل الكون وصرح الزيلعي في الإقالة بأن اللفظ لا يحتمل ضده وقيد بكون السنة معينة؛ لأنها لو كانت منكرة فإن شرط التتابع فكالمعينة كما قدمناه وإلا فلا تدخل هذه الأيام الخمسة ولا شهر رمضان وإنما يلزمه قدر السنة فإذا صام سنة لزمه قضاء خمسة وثلاثين يوما؛ لأن صومه في هذه الخمسة ناقص فلا يجزئه عن الكامل وشهر رمضان لا يكون إلا عنه فيجب القضاء بقدره وينبغي أن يصل ذلك بما مضى وإن لم يصل ذكره في بعض المواضع أنه لم يخرج عن العهدة وهذا غلط والصحيح أنه يخرج كذا في فتاوى الولوالجي وأطلقه فشمل ما إذا قصد ما تلفظ به أولا ولهذا ذكر الولوالجي في فتاويه رجل أراد أن يقول لله علي صوم يوم فجرى على لسانه صوم شهر كان عليه صوم شهر وكذا إذا أراد شيئا فجرى على لسانه الطلاق، أو العتاق أو النذر لزمه ذلك لقوله عليه السلام
"ثلاث جدهن جد وهزلهن جد الطلاق والعتاق والنكاح" والنذر في معنى الطلاق والعتاق؛ لأنه لا يحتمل الفسخ بعد وقوعه. ا هـ.

 

ج / 2 ص -465-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي الفتاوى الظهيرية، ولو نذر صوم يوم الاثنين، أو الخميس فصام ذلك مرة كفاه إلا أن ينوي الأبد، ولو أوجب صوم هذا اليوم شهرا صام شهرا ما تكرر منه في ثلاثين يوما يعني إن كان ذلك اليوم يوم الخميس يصوم كل خميس حتى يمضي شهر فيكون الواجب صوم أربعة أيام، أو خمسة أيام وكذلك لو قال لله علي أن أصوم يوم الاثنين سنة، ولو قال لله علي يوما يوما لا يلزمه صوم يوم إلا أن ينوي الأبد كما إذا قال لامرأته أنت طالق يوما ويوما لا، ولو قال لله علي أن أصوم كذا كذا يوما يلزمه صوم أحد عشر يوما وهذا مشكل وكان ينبغي أن يلزمه اثنا عشر؛ لأن كذا اسم عدد بدليل أنه لو قال لفلان علي كذا درهما يلزمه درهمان وقد جمع بين عددين ليس بينهما حرف العطف وأقله اثنا عشر، ولو قال كذا وكذا يلزمه أحد وعشرون ولو قال بعضه عشر يلزمه ثلاثة عشر وسيأتي أجناس هذا في كتاب الإقرار، ولو قال لله علي أن أصوم جمعة إن أراد بها أيام الجمعة، أو لم تكن له نية يلزمه صوم سبعة أيام وإن أراد بها يوم الجمعة يلزمه يوم الجمعة؛ لأنه نوى حقيقة كلامه كما لو حلف أن لا يكلم فلانا وأراد به بياض النهار صدق قضاء، ولو قال جمع هذا الشهر فعليه أن يصوم كل يوم جمعة تمر في هذا الشهر قال شمس الأئمة السرخسي هذا هو الأصح.
ولو قال صوم أيام الجمعة فعليه صوم سبعة أيام، ولو قال لله علي أن أصوم السبت ثمانية أيام لزمه صوم سبتين.
ولو قال لله علي أن أصوم السبت سبعة أيام لزمه صوم سبعة أسبات؛ لأن السبت في سبعة أيام لا يتكرر فحمل كلامه على عدد الأسبات بخلاف الثمانية؛ لأن السبت فيها يتكرر ولو أوجب على نفسه صوما متتابعا فصامه متفرقا لم يجز وعلى عكسه جاز، ولو قال لله علي أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان فقدم فيه فلان بعدما أكل، أو كانت الناذرة امرأة فحاضت لا يجب شيء في قول محمد وعلى قياس قول أبي حنيفة يجب القضاء، ولو قدم بعد الزوال لا يلزمه شيء في قول محمد ولا رواية فيه عن غيره ولو قال علي أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان شكرا لله تعالى وأراد به اليمين فقدم فلان في يوم من رمضان كان عليه كفارة اليمين ولا قضاء عليه؛ لأنه لم يوجد شرط البر وهو الصوم بنية الشكر.
ولو قدم فلان قبل أن ينوي صوم رمضان فنوى به عن الشكر ولا ينوي به عن رمضان بر في يمينه لوجود شرط البر وهو الصوم بنية الشكر وأجزأه عن رمضان كما لو صام رمضان بنية التطوع وليس عليه قضاؤه، ولو قال لله علي صوم مثل شهر رمضان فإن أراد مثله في الوجوب فله أن يفرق وإن أراد به في التتابع فعليه أن يتابع وإن لم يكن له نية فله أن يصوم متفرقا؛ لأنه

 

ج / 2 ص -466-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محتمل لهما فكان له الخيار، ولو قال لله علي أن أصوم عشرة أيام متتابعات فصام خمسة عشر يوما وأفطر يوما لا يدري أن يوم الإفطار من الخمسة، أو من العشرة فإنه يصوم خمسة أيام أخر متتابعات فيوجد عشرة متتابعة.
ولو قال لله علي صوم نصف يوم لا يصح بخلاف نصف ركعة حيث يصح عند محمد ونصف حج لا يصح.
ولو نذر صوم شهرين متتابعين من يوم قدوم فلان فقدم في شعبان بنى بعد رمضان كما في الحيض، ولو قال إن عوفيت صمت كذا لم يجب عليه حتى يقول لله علي وهذا قياس وفي الاستحسان يجب فإن لم يكن تعليق لا يجب عليه قياسا ولا استحسانا نظيره ما إذا قال أنا أحج لا شيء عليه ولو قال إن فعلت كذا فأنا أحج ففعل يلزمه ذلك.
ولو قال لله علي صوم آخر يوم من أول الشهر وأول يوم من آخر الشهر لزمه الخامس عشر والسادس عشر الكل من الظهيرية والولوالجية والخانية وزاد الولوالجي فروعا وبعضها في الخانية وهي، ولو قال لله علي أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان أبدا فقدم فلان ليلا لم يجب عليه شيء؛ لأن اليوم إذا قرن به ما يختص بالنهار كالصوم يراد به بياض النهار وإذا كان كذلك لم يوجد الوقت الذي أوجب فيه الصوم وهو النهار، ولو قدم يوما قبل الزوال ولم يأكل صامه وإن قدم قبل الزوال وأكل فيه، أو بعد الزوال ولم يأكل فيه صام ذلك اليوم في المستقبل ولا يصوم يومه ذلك؛ لأن المضاف إلى الوقت عند وجود الوقت كالمرسل، ولو أرسل كان الجواب هكذا.
ولو نذر صوما في رجب، أو صلاة فيه جاز عنه قبله في قول أبي يوسف؛ لأنه إضافة خلافا لمحمد وإن كان معلقا بالشرط بأن قال إذا جاء شهر رجب فعلي أن أصوم لا يجوز قبله؛ لأن المعلق بالشرط لا يكون سببا قبل الشرط ويجوز تعجيل الصدقة المضافة إلى وقت كالزكاة.
ولو قال لله علي صوم هذا الشهر يوما لزمه صوم ذلك الشهر بعينه متى شاء موسعا عليه إلى أن يموت؛ لأن الشهر لا يتصور أن يكون يوما حقيقة وهو بياض النهار فحمل على الوقت فصار كما لو قال لله علي أن أصوم هذا الشهر وقتا من الأوقات، ولو قال لله علي صيام الأيام ولا نية له كان عليه صيام عشرة أيام عند أبي حنيفة وعندهما سبعة أيام.
ولو قال لله علي صيام أيام لزمه صوم ثلاثة؛ لأنه جمع قليل، ولو قال صيام الشهور فعشرة وقالا صيام اثني عشر شهرا ولو قال لله علي صيام السنين لزمه صيام عشرة وقالا لزمه

 

ج / 2 ص -467-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صيام الدهر إلا أن ينوي ثلاثا فيكون ما نوى، ولو قال لله علي صيام الزمن والحين ولا نية له كان على ستة أشهر والزمن مثل الحين في العرف ولا علم لأبي حنيفة بصيام دهر إذا نذره وقالا على ستة أشهر الكل من الولوالجي وفي الكافي لا يختص نذر غير معلق بزمان ومكان ودرهم وفقير. ا هـ.
وقد قدمنا أن النذر لا يصح بالمعصية للحديث
"لا نذر في معصية الله تعالى" فقال الشيخ قاسم في شرح الدرر وأما النذر الذي ينذره أكثر العوام على ما هو مشاهد كأن يكون لإنسان غائب أو مريض، أو له حاجة ضرورية فيأتي بعض الصلحاء فيجعل سترة على رأسه فيقول يا سيدي فلان إن رد غائبي، أو عوفي مريضي أو قضيت حاجتي فلك من الذهب كذا، أو من الفضة كذا، أو من الطعام كذا، أو من الماء كذا، أو من الشمع كذا، أو من الزيت كذا فهذا النذر باطل بالإجماع لوجوه منها أنه نذر مخلوق والنذر للمخلوق لا يجوز؛ لأنه عبادة والعبادة لا تكون للمخلوق ومنها أن المنذور له ميت والميت لا يملك ومنها إن ظن أن الميت يتصرف في الأمور دون الله تعالى واعتقاده ذلك كفر اللهم إلا أن قال يا الله إني نذرت لك إن شفيت مريضي، أو رددت غائبي أو قضيت حاجتي أن أطعم الفقراء الذين بباب السيدة نفيسة، أو الفقراء الذين بباب الإمام الشافعي، أو الإمام الليث، أو أشتري حصرا لمساجدهم، أو زيتا لوقودها أو دراهم لمن يقوم بشعائرها إلى غير ذلك مما يكون فيه نفع للفقراء و النذر لله عز وجل.
 وذكر الشيخ إنما هو محل لصرف النذر لمستحقيه الفاطنين برباطه، أو مسجده، أو جامعه فيجوز بهذا الاعتبار إذ مصرف النذر الفقراء وقد وجد المصرف ولا يجوز أن يصرف ذلك لغني غير محتاج ولا لشريف منصب؛ لأنه لا يحل له الأخذ ما لم يكن محتاجا، أو فقيرا ولا لذي النسب لأجل نسبه ما لم يكن فقيرا ولا لذي علم لأجل علمه ما لم يكن فقيرا ولم يثبت في الشرع جواز الصرف للأغنياء للإجماع على حرمة النذر للمخلوق ولا ينعقد ولا تشتغل الذمة به ولأنه حرام بل سحت ولا يجوز لخادم الشيخ أخذه ولا أكله ولا التصرف فيه بوجه من الوجوه إلا أن يكون فقيرا، أو له عيال فقراء عاجزون عن الكسب وهم مضطرون فيأخذونه على سبيل 

 

ج / 2 ص -468-       .......................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصدقة المبتدأة فأخذه أيضا مكروه ما لم يقصد به الناذر التقرب إلى الله تعالى وصرفه إلى الفقراء ويقطع النظر عن نذر الشيخ فإذا علمت هذا فما يؤخذ من الدراهم والشمع والزيت وغيرها وينقل إلى ضرائح الأولياء تقربا إليهم فحرام بإجماع المسلمين ما لم يقصدوا بصرفها للفقراء الأحياء قولا واحدا ا هـ.
"قوله: ولا قضاء إن شرع فيها فأفطر" أي إن شرع في صوم الأيام المنهية ثم أفسده فلا قضاء عليه وعن أبي يوسف ومحمد في النوادر أن عليه القضاء؛ لأن الشروع ملزم كالنذر وصار كالشروع في الطلاق في الوقت المكروه والفرق لأبي حنيفة وهو ظاهر الرواية أن بنفس الشروع في الصوم يسمى صائما حتى يحنث به الحالف على الصوم فيصير مرتكبا للنهي فيجب إبطاله ولا تجب صيانته ووجوب القضاء يبتنى عليه ولا يصير مرتكبا للنهي بنفس النذر وهو الموجب ولا بنفس الشروع في الصلاة حتى يتم ركعة ولهذا لا يحنث به الحالف على الصلاة فيجب صيانة المؤدى فيكون مضمونا بالقضاء وعن أبي حنيفة أنه لا يجب القضاء في فصل الصلاة أيضا والأظهر هو الأول كذا في الهداية وتعقب في فتح القدير والتحرير بأنه يقتضي أنه لو قطع بعد السجدة لا يجب قضاؤها والجواب مطلق في الوجوب وحينئذ فالوجه أن لا يصح الشروع لانتفاء فائدته من الأداء والقضاء ولا مخلص إلا بجعل الكراهة تنزيهية. ا هـ. ولنا مخلص مع جعلها تحريمية كما هو المذهب بأن يقال لما شرع في الصلاة لم يكن مرتكبا للمنهي عنه فوجب عليه المضي وحرم القطع بقوله تعالى:
{وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] فلما قيدها بسجدة حرم عليه المضي فتعارض محرمان ومع أحدهما وجوب فتقدم حرمة القطع والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.

ولا قضاء عن شرع فيها فأفطر
2- باب الاعتكاف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2- باب الاعتكاف
ذكره بعد الصوم لما أنه من شرطه كما سيأتي والشرط يقدم على المشروط وهو لغة افتعال من عكف إذا دام من باب طلب وعكفه حبسه ومنه
{وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً} [الفتح: 25] وسمي به هذا النوع من العبادة؛ لأنه إقامة في المسجد مع شرائط كذا في المغرب وفي الصحاح الاعتكاف الاحتباس وفي النهاية أنه متعد فمصدره العكف ولازم فمصدره العكوف فالمتعدي بمعنى الحبس والمنع ومنه قوله تعالى: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً} [الفتح: 25]

 

ج / 2 ص -469-       سن لبث في مسجد بصوم ونية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومنه الاعتكاف في المسجد وأما اللازم فهو الإقبال على الشيء بطريق المواظبة ومنه قوله تعالى:  
{يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: 138] وشرعا اللبث في المسجد مع نيته فالركن هو اللبث والكون في المسجد والنية شرطان للصحة وأما الصوم فيأتي ومنها الإسلام والعقل والطهارة عن الجنابة والحيض والنفاس وأما البلوغ فليس بشرط حتى يصح اعتكاف الصبي العاقل كالصوم.
وكذا الذكورة والحرية فيصح من المرأة والعبد بإذن الزوج والمولى، ولو نذرا فلمن له الإذن المنع ويقضيانه بعد زوال الولاية بالطلاق البائن والعتق وأما المكاتب فليس للمولى منعه، ولو تطوعا ولو أذن لها به لم يكن له رجوع لكونه ملكها منافع الاستمتاع بها وهي من أهل الملك بخلاف المملوك؛ لأنه ليس من أهله وقد أعاره منافعه وللمعير الرجوع لكنه يكره لخلف الوعد كذا في البدائع.
وفيه بحث؛ لأنه لا حاجة إلى التصريح بالإسلام والعقل لما أنهما علما من اشتراط النية؛ لأن الكافر والمجنون ليسا بأهل لها.
وأما الطهارة من الجنابة فينبغي أن تكون شرطا للجواز بمعنى الحل كالصوم لا للصحة كما صرح به وأما صفته فالسنية كما ذكره على كلام فيه يأتي.
وأما سببه فالنذر إن كان واجبا والنشاط الداعي إلى طلب الثواب إن كان تطوعا وأما حكمه فسقوط الواجب ونيل الثواب إن كان واجبا والثاني فقط إن كان نفلا وسيأتي ما يفسده ويكره فيه ويحرم ويندب ومحاسنه كثيرة؛ لأن فيه تفريغ القلب عن أمور الدنيا وتسليم النفس إلى المولى والتحصن بحصن حصين وملازمة بيت رب كريم كمن احتاج إلى عظيم فلازمه حتى قضى مآربه فهو يلازم بيت ربه ليغفر له كذا في الكافي وفي الاختيار وهو من أشرف الأعمال إذا كان عن إخلاص.
"قوله: سن لبث في مسجد بصوم ونية" أي ونية اللبث الذي هو الاعتكاف وقد أشار المصنف إلى صفته وركنه وشرائطه أما الأول فهو السنية وهكذا في كثير من الكتب وفي القدوري الاعتكاف مستحب وصحح في الهداية أنه سنة مؤكدة وذكر الشارح أن الحق انقسامه إلى ثلاثة أقسام واجب وهو المنذور وسنة وهو في العشر الأخير من رمضان ومستحب وهو في غيره من الأزمنة وتبعه المحقق في فتح القدير والأظهر أنه سنة في الأصل كما

 

ج / 2 ص -470-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اقتصر عليه في المتن تبعا لما صرح في البدائع وهي مؤكدة وغير مؤكدة وأطلق عليها الاستحباب؛ لأنها بمعناه وأما الواجب فهو بعارض النذر وفي البدائع أنه يجب بالشروع أيضا ولا يخفى أنه مفرع على ضعيف وهو اشتراط زمن للتطوع وأما على المذهب من أن أقل النفل ساعة فلا.
والدليل على تأكده في العشر الأخير مواظبته عليه السلام فيه كما في الصحيحين ولهذا قال الزهري عجبا للناس كيف تركوا الاعتكاف وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل الشيء ويتركه ولم يترك الاعتكاف منذ دخل المدينة إلى أن مات فهذه المواظبة المقرونة بعدم الترك مرة لما اقترنت بعدم الإنكار على من لم يفعله من الصحابة كانت دليل السنية وإلا كانت دليل الوجوب كذا في فتح القدير ولا يخفى أن المواظبة قد اقترنت بالترك وهو ما يفيده الحديث من أنه اعتكف العشر الأخير من رمضان فرأى خياما وقبابا مضروبة فقال لمن هذا قال لعائشة وهذا لحفصة وهذا لسودة فغضب وقال أترون البر بهذا فأمر بأن تنزع قبته فنزعت ولم يعتكف فيه ثم قضى في شوال. وقد يقال إن الترك هنا لعذر كما صرح به الفتاوى الظهيرية وقد قدمنا في المواظبة كلاما حسنا في سنن الوضوء فارجع إليه ولا فرق في المنذور بين المنجز والمعلق وأشار باللبث إلى ركنه وبالمسجد والصوم والنية إلى شرائطه لكن ذكر الصوم معها لا ينبغي؛ لأنه لا يمكن حمله على المنذور لتصريحه بالسنية ولا على غيره لتصريحه بعد بأن أقله نفلا ساعة فلزم أن الصوم ليس من شرطه فإن قلت يمكن حمله على الاعتكاف المسنون سنة مؤكدة وهو العشر الأخير من رمضان فإن الصوم من شرطه حتى لو اعتكفه من غير صوم لمرض، أو سفر ينبغي أن لا يصح قلت لا يمكن لتصريحهم بأن الصوم إنما هو شرط في المنذور فقط دون غيره وفرعوا عليه بأنه لو نذر اعتكاف ليلة لم يصح؛ لأن الصوم من شرطه والليل ليس بمحل له، ولو نوى اليوم معها لم يصح كذا في الظهيرية وعن أبي يوسف إن

 

ج / 2 ص -471-       وأقله نفلاً ساعة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نوى ليلة بيومها لزمه ولم يذكر محمد هذا التفصيل ولو قال لله علي أن أعتكف ليلا ونهارا لزمه أن يعتكف ليلا ونهارا وإن لم يكن الليل محلا للصوم؛ لأن الليل يدخل فيه تبعا ولا يشترط للتبع ما يشترط للأصل.
ولو نذر اعتكاف يوم قد أكل فيه لم يصح ولم يلزمه شيء؛ لأنه لا يصح بدون الصوم وسيأتي بقية تفاريع النذر ومن تفريعاته هنا أنه لو أصبح صائما متطوعا، أو غير ناو للصوم ثم قال لله علي أن أعتكف هذا اليوم لا يصح وإن كان في وقت تصح فيه نية الصوم لعدم استيفاء النهار وتمامه في فتح القدير وفي فتاوى الظهيرية، ولو قال لله علي أن أعتكف شهرا بغير صوم فعليه أن يعتكف ويصوم وقد علم من كون الصوم شرطا أنه يراعى وجوده لا إيجاده للمشروط له قصدا فلو نذر اعتكاف شهر رمضان لزمه وأجزأه صوم رمضان عن صوم الاعتكاف وإن لم يعتكف قضى شهرا بصوم مقصود لعود شرطه إلى الكمال ولا يجوز اعتكافه في رمضان آخر ويجوز في قضاء رمضان الأول والمسألة معروفة في الأصول في بحث الأمر.
"قوله: وأقله نفلا ساعة" لقول محمد في الأصل إذا دخل المسجد بنية الاعتكاف فهو معتكف ما أقام تارك له إذا خرج فكان ظاهر الرواية واستنبط المشايخ منه أن الصوم ليس من شرطه على ظاهر الرواية؛ لأن مبنى النفل على المسامحة حتى جازت صلاته قاعدا، أو راكبا مع قدرته على الركوب والنزول ونظر فيه المحقق في فتح القدير بأنه لا يمتنع عند العقل القول بصحة اعتكاف ساعة مع اشتراط الصوم له وإن كان الصوم لا يكون أقل من يوم وحاصله أن من أراد أن يعتكف فليصم سواء كان يريد اعتكاف يوم، أو دونه ولا مانع من اعتبار شرط يكون أطول من مشروطه ومن ادعاه فهو بلا دليل فهذا الاستنباط غير صحيح بلا موجب فالاعتكاف لا يقدر شرعا بكمية لا تصح دونها كالصوم بل كل جزء منه لا يفتقر في كونه عبادة إلى الجزء الآخر ولم يستلزم تقدير شرطه تقديره. ا هـ. ولا يخفى أن ما ادعاه أمر عقلي مسلم وبهذا لا يندفع ما صرح به المشايخ الثقات من أن ظاهر الرواية أن الصوم ليس من شرطه وممن صرح به صاحب المبسوط وشرح الطحاوي وفتاوى قاضي خان والذخيرة والفتاوى الظهيرية والكافي للمصنف والبدائع والنهاية وغاية البيان والتبيين وغيرهم والكل مصرحون بأن ظاهر الرواية أن الصوم ليس من شرطه.
لكن وقع لصاحب المبسوط أنه قال وفي ظاهر الرواية يجوز النفل من الاعتكاف من غير صوم فإنه قال في الكتاب إذا دخل المسجد بنية الاعتكاف فهو معتكف ما أقام تارك له إذا خرج وظاهره أن مستند ظاهر الرواية ما ذكره في الكتاب ولا يمتنع أن يكون مستنده صريحا

 

ج / 2 ص -472-       والمرأة تعتكف في مسجد بيتها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
آخر بل هو الظاهر لنقل الثقات.
وعبارة البدائع وأما اعتكاف التطوع فالصوم ليس بشرط لجوازه في ظاهر الرواية وروى الحسن أنه شرط واختلاف الرواية فيه مبني على اختلاف الرواية في اعتكاف التطوع أنه مقدر بيوم، أو غير مقدر ذكر محمد في الأصل أنه غير مقدر فلم يكن الصوم شرطا؛ لأن الصوم مقدر بيوم إذ صوم بعض اليوم ليس بمشروع فلا يصلح شرطا لما ليس بمقدر. ا هـ. وهي تفيد أن ظاهر الرواية مروي لا مستنبط وأشار إلى أنه لو شرع في النفل ثم قطعه لا يلزمه القضاء في ظاهر الرواية؛ لأنه غير مقدر فلم يكن قطعه إبطالا وقد ذكروا في الحيض أن الساعة اسم لقطعة من الزمن عند الفقهاء ولا يختص بخمسة عشر درجة كما يقوله أهل الميقات فكذا هنا وأطلق في المسجد فأفاد أن الاعتكاف يصح في كل مسجد وصححه في غاية البيان لإطلاق قوله تعالى:
{وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] وصحح قاضي خان في فتاويه أنه يصح في كل مسجد له أذان وإقامة.
واختار في الهداية أنه لا يصح إلا في مسجد الجماعة وعن أبي يوسف تخصيصه بالواجب.
أما في النفل فيجوز في غير مسجد الجماعة ذكره في النهاية وصحح في فتح القدير عن بعض المشايخ ما روي عن أبي حنيفة أن كل مسجد له إمام ومؤذن معلوم ويصلي فيه الخمس بالجماعة يصح الاعتكاف فيه وفي الكافي أراد به أبو حنيفة غير الجامع فإن الجامع يجوز الاعتكاف فيه وإن لم يصلوا فيه الصلوات كلها ويوافقه ما في غاية البيان عن الفتاوى يجوز الاعتكاف في الجامع وإن لم يصلوا فيه بالجماعة وهذا كله لبيان الصحة.
وأما الأفضل فأن يكون في المسجد الحرام ثم في مسجد المدينة وهو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مسجد بيت المقدس ثم مسجد الجامع ثم المساجد العظام التي كثر أهلها كذا في البدائع وشرح الطحاوي.
وظاهره أن المجاورة بمكة ليس بمكروه والمروي عن أبي حنيفة الكراهة وعلى قولهما لا بأس به وهو الأفضل قال في النهاية وعليه عمل الناس اليوم إلا أن يقال إن مرادهم الاعتكاف فيه في أيام الموسم فلا يدل على المسألة.
"قوله: والمرأة تعتكف في مسجد بيتها" يريد به الموضع المعد للصلاة؛ لأنه أستر لها قيد به؛ لأنها لو اعتكفت في غير موضع صلاتها من بيتها سواء كان لها موضع معد أولا لا يصح

 

ج / 2 ص -473-       ولا يخرج منه إلا لحاجة شرعية كالجمعة أو طبيعية. كالبول والغائط
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اعتكافها وأشار بقوله تعتكف دون أن يقول يجب عليها إلى أن اعتكافها في مسجد بيتها أفضل فأفاد أن اعتكافها في مسجد الجماعة جائز وهو مكروه ذكره قاضي خان وصححه في النهاية وظاهر ما في غاية البيان أن ظاهر الرواية عدم الصحة وفي البدائع أن اعتكافها في مسجد الجماعة صحيح بلا خلاف بين أصحابنا والمذكور في الأصل محمول على نفي الفضيلة لا نفي الجواز وأشار بجعله كالمسجد إلى أنها لو خرجت منه، ولو إلى بيتها بطل اعتكافها إن كان واجبا وانتهى إن كان نفلا والفرق بينهما أنها تثاب في الثاني دون الأول وهكذا في الرجل وفي الفتاوى الظهيرية، ولو نذرت المرأة اعتكاف شهر فحاضت تقضي أيام حيضها متصلا بالشهر وإلا استقبلت وقد تقدم أنها لا تعتكف إلا بإذن زوجها إن كان لها زوج ولو واجبا وفي المحيط، ولو أذن لها في الاعتكاف فأرادت أن تعتكف متتابعا فللزوج أن يأمرها بالتفريق؛ لأنه لم يأذن لها في الاعتكاف متتابعا لا نصا ولا دلالة، ولو أذن لها في اعتكاف شهر، أو صوم شهر بعينه فاعتكفت، أو صامت فيه متتابعا ليس له منعها؛ لأنه أذن لها في التتابع ضرورة أنه متتابع وقوعا.
"قوله: ولا يخرج منه إلا لحاجة شرعية كالجمعة أو طبيعية. كالبول والغائط" أي لا يخرج المعتكف اعتكافا واجبا من مسجده إلا لضرورة مطلقة لحديث عائشة
"كان عليه السلام لا يخرج من معتكفه إلا لحاجة الإنسان". ولأنه معلوم وقوعها ولا بد من الخروج في بعضها فيصير الخروج لها مستثنى ولا يمكث بعد فراغه من الطهور؛ لأن ما ثبت بالضرورة يتقدر بقدرها وأما الجمعة فإنها من أهم حوائجه وهي معلومة وقوعها ويخرج حين تزول الشمس؛ لأن الخطاب يتوجه بعده وإن كان منزله بعيدا عنه يخرج في وقت يمكنه إدراكها وصلاة أربع قبلها وركعتان تحية المسجد يحكم في ذلك رأيه أن يجتهد في خروجه على إدراك سماع الجمعة؛ لأن السنة إنما تصلى قبل خروج الخطيب كذا قالوا مع تصريحهم بأنه إذا شرع في الفريضة حين دخل المسجد أجزأه عن تحية المسجد؛ لأن التحية تحصل بذلك فلا حاجة إلى تحية غيرها في تحقيقها وكذا السنة فما قالوه هنا من صلاة التحية ويصلي بعدها السنة أربعا على قوله وستا على قولهما.

 

ج / 2 ص -474-       فإن خرج ساعة بلا عذر فسد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولو أقام في الجامع أكثر من ذلك لم يفسد اعتكافه؛ لأنه موضع الاعتكاف إلا أنه يكره؛ لأنه التزم أداءه في مسجد واحد فلا يتمه في مسجدين من غير ضرورة وقد ظهر بما ذكروه هنا أن الأربع التي تصلى بعد الجمعة وينوي بها آخر ظهر عليه لا أصل لها في المذهب؛ لأنهم نصوا هنا على أن المعتكف لا يصلي إلا السنة البعدية فقط ولأن من اختارها من المتأخرين فإنما اختارها للشك في أن جمعته سابقة، أو لا بناء على عدم جواز تعددها في مصر واحد.
وقد نص الإمام شمس الأئمة السرخسي على أن الصحيح من مذهب أبي حنيفة جواز إقامتها في مصر واحد في مسجدين فأكثر قال وبه نأخذ وفي فتح القدير وهو الأصح فلا ينبغي الإفتاء بها في زماننا لما أنهم تطرقوا منها إلى التكاسل عن الجمعة بل ربما وقع عندهم أن الجمعة ليست فرضا وأن الظهر كاف ولا خفاء في كفر من اعتقد ذلك فلذلك نبهت عليها مرارا قيدنا بكون الاعتكاف واجبا؛ لأنه لو كان نفلا فله الخروج؛ لأنه منة له لا مبطل كما قدمناه ومراده بمنع الخروج الحرمة يعني يحرم على المعتكف الخروج ليلا، أو نهارا صرح بالحرمة صاحب المحيط وأفاد أنه لا يخرج لعيادة المريض وصلاة الجنازة لعدم الضرورة المطلقة للخروج كذا في غاية البيان.
وفي المحيط، ولو أحرم المعتكف بحجة، أو عمرة أقام في اعتكافه إلى أن يفرغ منه ثم يمضي في إحرامه؛ لأنه أمكنه إقامة الأمرين فإن خاف فوت الحج يدع الاعتكاف ويحج ثم يستقبل الاعتكاف؛ لأن الحج أهم من الاعتكاف؛ لأنه يفوت بمضي يوم عرفة وإدراكه في سنة أخرى موهوم وإنما يستقبله؛ لأن هذا الخروج وإن وجب شرعا فإنما وجب بعقده وإيجابه وعقده لم يكن معلوم الوقوع فلا يصير مستثنى عن الاعتكاف وأشار إلى أنه لو خرج لحاجة الإنسان ثم ذهب لعيادة المريض، أو لصلاة الجنازة من غير أن يكون لذلك قصد فإنه جائز بخلاف ما إذا خرج لحاجة الإنسان ومكث بعد فراغة أنه ينتقض اعتكافه عند أبي حنيفة قل، أو كثر وعندهما لا ينتقض ما لم يكن أكثر من نصف يوم كذا في البدائع.
"قوله: فإن خرج ساعة بلا عذر فسد" لوجود المنافي فشمل القليل والكثير وهذا عند أبي حنيفة وقالا لا يفسد إلا بأكثر من نصف يوم وهو الاستحسان؛ لأن في القليل ضرورة كذا في الهداية وهو يقتضي ترجيح قولهما ورجح المحقق في فتح القدير قوله؛ لأن الضرورة التي يناط بها التخفيف اللازمة أو الغالبة وليس هنا كذلك وأراد بالعذر ما يغلب وقوعه كالمواضع التي قدمها وإلا لو أريد مطلقه لكان الخروج ناسيا أو مكرها غير مفسد لكونه عذرا شرعيا وليس كذلك بل هو مفسد كما صرحوا به وبما قررناه ظهر القول بفساده فيما إذا خرج

 

ج / 2 ص -475-       وأكله، وشربه ونومه ومبايعته فيه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لانهدام المسجد، أو لتفرق أهله، أو أخرجه ظالم، أو خاف على متاعه كما في فتاوى قاضي خان والظهيرية خلافا للشارح الزيلعي، أو خرج لجنازة وإن تعينت عليه، أو لنفير عام، أو لأداء شهادة، أو لعذر المرض، أو لإنقاذ غريق، أو حريق ففرق الشارح هنا بين المسائل حيث جعل بعضها مفسدا والبعض لا تبعا لصاحب البدائع مما لا ينبغي نعم الكل عذر مسقط للإثم بل قد يجب عليه الإفساد إذا تعينت عليه صلاة الجنازة، أو أداء الشهادة بأن كان ينوي حقه إن لم يشهد، أو لإنجاء غريق ونحوه والدليل على ما ذكره القاضي ما ذكره الحاكم في كافيه بقوله فأما في قول أبي حنيفة فاعتكافه فاسد إذا خرج ساعة لغير غائط، أو بول، أو جمعة. ا هـ. فكان مفسرا للعذر المسقط للفساد.
وفي فتاوى قاضي خان والولوالجي وصعود المئذنة إن كان بابها في المسجد لا يفسد الاعتكاف وإن كان الباب خارج المسجد فكذلك في ظاهر الرواية قال بعضهم هذا في المؤذن؛ لأن خروجه للآذان يكون مستثنى عن الإيجاب أما في غير المؤذن فيفسد الاعتكاف والصحيح أن هذا قول الكل في حق الكل لأنه خرج لإقامة سنة الصلاة وسنتها تقام في موضعها فلا تعتبر خارجا. ا هـ. وفي التبيين، ولو كانت المرأة معتكفة في المسجد فطلقت لها أن ترجع إلى بيتها وتبني على اعتكافها. ا هـ. وينبغي أن يكون مفسدا على ما اختاره القاضي؛ لأنه لا يغلب وقوعه وأراد بالخروج انفصال قدميه احترازا عما إذا خرج رأسه إلى داره فإنه لا يفسد اعتكافه؛ لأنه ليس بخروج ألا ترى أنه لو حلف أنه لا يخرج من الدار ففعل ذلك لا يحنث كذا في البدائع وقد علمت أن الفساد لا يتصور إلا في الواجب وإذا فسد وجب عليه القضاء بالصوم عند القدرة جبرا لما فاته إلا في الردة خاصة غير أن المنذور به إن كان اعتكاف شهر بعينه يقضي قدر ما فسد لا غير ولا يلزمه الاستقبال كالصوم المنذور بشهر بعينه إذا أفطر يوما وجب قضاؤه لا يلزمه الاستقبال كما في صوم رمضان وإن كان اعتكاف شهر بغير عينه يلزمه الاستقبال؛ لأنه لزمه متتابعا فيراعى فيه صفة التتابع وسواء فسد بصنعه بغير عذر كالخروج والجماع والأكل والشرب في النهار إلا الردة، أو فسد بصنعه لعذر كما إذا مرض فاحتاج إلى الخروج فخرج، أو بغير صنعه رأسا كالحيض والجنون والإغماء الطويل والقياس في الجنون الطويل أن يسقط القضاء كما في صوم رمضان إلا أن في الاستحسان يقضي؛ لأنه لا حرج في قضاء الاعتكاف كذا في البدائع وبهذا علم أن مفسداته على ثلاثة أقسام ولا يفسد الاعتكاف سباب ولا جدال ولا سكر في الليل.
"قوله: وأكله وشربه ونومه ومبايعته فيه" يعني يفعل المعتكف هذه الأشياء في المسجد فإن

 

ج / 2 ص -476-       وكره إحضار المبيع والصمت والتكلم إلا بخير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خرج لأجلها بطل اعتكافه؛ لأنه لا ضرورة إلى الخروج حيث جازت فيه والفتاوى الظهيرية وقيل يخرج بعد الغروب وللأكل والشرب. ا هـ. وينبغي حمله على ما إذا لم يجد من يأتي له به فحينئذ يكون من الحوائج الضرورية كالبول والغائط وأراد بالمبايعة البيع والشراء وهو الإيجاب والقبول وأشار بالمبايعة إلى كل عقد احتاج إليه فله أن يتزوج ويراجع كما في. البدائع وأطلق المبايعة فشملت ما إذا كانت للتجارة وقيده في الذخيرة بما لا بد له منه كالطعام أما إذا أراد أن يتخذ ذلك متجرا فإنه مكروه وإن لم يحضر السلعة واختاره قاضي خان في فتاويه ورجحه الشارح؛ لأنه منقطع إلى الله تعالى فلا ينبغي له أن يشتغل بأمور الدنيا وقيد بالمعتكف؛ لأن غيره يكره له البيع مطلقا لنهيه عليه السلام عن البيع والشراء في المسجد وكذا كره فيه التعليم والكتابة والخياطة بأجر وكل شيء يكره فيه كره في سطحه واستثنى البزازي من كراهة التعليم بأجر فيه أن يكون لضرورة الحراسة ويكره لغيره النوم فيه وقيل إذا كان غريبا فلا بأس أن ينام فيه كذا في فتح القدير والأكل والشرب كالنوم وفي البدائع وإن غسل المعتكف رأسه في المسجد فلا بأس به إذا لم يلوث بالماء المستعمل فإن كان بحيث يتلوث المسجد يمنع منه؛ لأن تنظيف المسجد واجب، ولو توضأ في المسجد في إناء فهو على هذا التفصيل. ا هـ. بخلاف غير المعتكف فإنه يكره له التوضؤ في المسجد، ولو في إناء إلا أن يكون موضعا اتخذ لذلك لا يصلى فيه وفي فتح القدير خصال لا تنبغي في المسجد: "لا يتخذ طريقا ولا يشهر فيه سلاح ولا ينبض فيه بقوس ولا ينثر فيه نبل ولا يمر فيه بلحم نيء ولا يضرب فيه حد ولا يتخذ سوقا". رواه ابن ماجه في سننه عنه عليه السلام.
"قوله: وكره إلا بخير" أما الأول فلأن المسجد محرز عن حقوق العباد وفيه شغله بها ولهذا قالوا لا يجوز غرس الأشجار فيه والظاهر أن الكراهة تحريمية؛ لأنها محل إطلاقهم كما صرح به المحقق في فتح القدير أول الزكاة ودل تعليلهم أن المبيع لو كان لا يشغل البقعة لا يكره إحضاره كدراهم ودنانير يسيرة، أو كتاب ونحوه وأفاد الإطلاق أن إحضار الطعام المبيع الذي يشتريه ليأكله مكروه وينبغي عدم كراهته كما لا يخفى.
وأما الثاني وهو الصمت فالمراد به ترك التحدث مع الناس من غير عذر وقد ورد النهي عنه وقالوا إن صوم الصمت من فعل المجوس لعنهم الله تعالى وخصه الإمام حميد الدين الضرير بما إذا اعتقده قربة أما إذا لم يعتقده قربة فلا يكره للحديث
"من صمت نجا".

 

ج / 2 ص -477-       ويحرم الوطء ودواعيه، ويبطل بوطئه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما الثالث وهو أنه لا يتكلم إلا بخير فلقوله تعالى:
{وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الاسراء: 53] وهو بعمومه يقتضي أن لا يتكلم خارج المسجد إلا بخير فالمسجد أولى كذا في غاية البيان وفي التبيين وأما التكلم بغير خير فإنه يكره لغير المعتكف فما ظنك للمعتكف. ا هـ. وظاهره أن المراد بالخير هنا ما لا إثم فيه فيشمل المباح وبغير الخير ما فيه إثم والأولى تفسيره بما فيه ثواب يعني أنه يكره للمعتكف أن يتكلم بالمباح بخلاف غيره ولهذا قالوا الكلام المباح في المسجد مكروه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب صرح به في فتح القدير قبيل باب الوتر لكن قال الإسبيجابي ولا بأس أن يتحدث بما لا إثم فيه وقال في الهداية لكنه يتجانب ما يكون مأثما والظاهر ما ذكرناه كما لا يخفى قالوا ويلازم قراءة القرآن والحديث والعلم والتدريس وسير النبي صلى الله عليه وسلم وقصص الأنبياء وحكايات الصالحين وكتابة أمور الدين.
"قوله: ويحرم الوطء ودواعيه" لقوله تعالى:  
{وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187]؛ لأن المباشرة تصدق على الوطء ودواعيه فيفيد تحريم كل فرد من أفراد المباشرة جماع، أو غيره؛ لأنه في سياق النهي فيفيد العموم والمراد بدواعيه المس والقبلة وهو كالحج والاستبراء والظهار لما حرم الوطء لها حرم دواعيه؛ لأن حرمة الوطء ثبتت بصريح النهي فقويت فتعدت إلى الدواعي أما في الحج فلقوله تعالى:  {فَلا رَفَثَ} [البقرة: 197] وأما في الاستبراء فللحديث "لا تنكح الحبالى حتى يضعن ولا الحيالى حتى يستبرئن بحيضة" وأما في الظهار فلقوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 4] بخلاف الحيض والصوم حيث لا تحرم الدواعي فيهما؛ لأن حرمة الوطء لم تثبت بصريح النهي ولكثرة الوقوع فلو حرم الدواعي لزم الحرج وهو مدفوع ولأن النص في الحيض معلول بعلة الأذى وهو لا يوجد في الدواعي.
"قوله: ويبطل بوطئه"؛ لأنه محذور بالنص فكان مفسدا له أطلقه فشمل ما إذا كان عامدا أو ناسيا نهارا، أو ليلا أنزل، أو لا بخلاف الصوم إذا كان ناسيا والفرق أن حالة المعتكف مذكرة كحالة الإحرام والصلاة وحالة الصائم غير مذكرة وقيد بالوطء؛ لأن الجماع فيما دون الفرج أو التقبيل، أو اللمس لا يفسد إلا إذا أنزل وإن أمنى بالتفكر أو النظر لا يفسد اعتكافه وإن أكل، أو شرب ليلا لم يفسد اعتكافه وإن أكل نهارا فإن عامدا فسد لفساد الصوم وإن ناسيا لا لبقاء الصوم والأصل أن ما كان من محظورات الاعتكاف وهو ما منع عنه لأجل الاعتكاف لا لأجل

 

ج / 2 ص -478-       ولزمه الليالي أيضاً بنذر اعتكاف أياموليلتان بنذر يومين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصوم لا يختلف فيه العمد والسهو والنهار والليل كالجماع والخروج وما كان من محظورات الصوم وهو مانع عنه لأجل الصوم يختلف فيه العمد والسهو والنهار والليل كالأكل والشرب كذا في البدائع.
"قوله: ولزمه الليالي بنذر اعتكاف أيام" كقوله بلسانه لله علي أن أعتكف ثلاثة أيام، أو ثلاثين يوما؛ لأن ذكر الأيام على سبيل الجمع يتناول ما بإزائها من الليالي يقال ما رأيتك منذ أيام والمراد بلياليها وأشار إلى أنه يلزمه الأيام بنذر اعتكاف الليالي؛ لأن ذكر أحد العددين على طريق الجمع ينتظم ما بإزائه من العدد الآخر لقصة زكريا عليه السلام فإنه قال الله تعالى:  
{قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً} [آل عمران: 41] وقال في آية أخرى {قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً} [مريم: 10] والقصة واحدة والرمز الإشارة باليد أو بالرأس، أو بغيرهما وهذا عند نيتهما، أو عدم النية أما لو نوى في الأيام النهار خاصة صحت نيته؛ لأنه نوى حقيقة كلامه بخلاف ما إذا نوى بالأيام الليالي خاصة لم تعمل نيته ولزمه الليالي والنهار؛ لأنه نوى ما لا يحتمله كلامه كذا في البدائع كما إذا نذر أن يعتكف شهرا ونوى النهار خاصة، أو الليل خاصة لا تصح نيته؛ لأن الشهر اسم لعدد مقدر مشتمل على الأيام والليالي فلا يحتمل ما دونه إلا أن يصرح ويقول شهرا بالنهار لزمه كما قال أو يستثني ويقول إلا الليالي؛ لأن الاستثناء تكلم بالباقي بعد الثنيا فكأنه قال ثلاثين نهارا، ولو نذر ثلاثين ليلة ونوى الليالي خاصة صح؛ لأنه نوى الحقيقة ولا يلزمه شيء؛ لأن الليالي ليست محلا للصوم كذا في الكافي.
وكذا لو نذر أن يعتكف شهرا واستثنى الأيام لا يجب عليه شيء؛ لأن الباقي الليالي المجردة ولا يصح فيها لمنافاتها شرطه وهو الصوم كذا في فتح القدير قيدنا كونه نذر بلسانه؛ لأن مجرد نية القلب لا يلزمه بها شيء.
"قوله: وليلتان بنذر يومين" يعني لزمه اعتكاف ليلتين مع يوميهما إذا نذر اعتكاف يومين؛ لأن المثنى كالجمع فحاصله أنه إما أن يأتي بلفظ المفرد، أو المثنى أو المجموع وكل منهما إما أن يكون اليوم، أو الليل فهي ستة وكل منها إما أن ينوي الحقيقة، أو المجاز، أو ينويهما، أو لم تكن له نية فهي أربعة وعشرون وقد تقدم حكم المجموع والمثنى بأقسامهما بقي حكم المفرد فإن قال لله علي أن أعتكف يوما فقط سواء نواه أو لم تكن له نية ولا يدخل ليلته ويدخل المسجد قبل الفجر ويخرج بعد الغروب فإن نوى الليلة معه لزماه، ولو نذر اعتكاف ليلة لم يصح سواء كان نواها فقط، أو لم تكن له نية فإن نوى اليوم معها لم يصح كما قدمناه عن الظهيرية وفي فتاوى قاضي خان لو نذر اعتكاف ليلة ونوى اليوم لزمه الاعتكاف وإن لم ينو

 

ج / 2 ص -479-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم يلزمه شيء ولا معارضة لما في الكتابين؛ لأن ما في الظهيرية إنما هو أنه نوى اليوم معها وهنا نوى بالليلة فليتأمل وفي الكافي ومتى دخل في اعتكافه الليل والنهار فابتداؤه من الليل؛ لأن الأصل أن كل ليلة تتبع اليوم الذي بعدها ألا ترى أنه يصلي التراويح في أول ليلة من رمضان ولا يفعل ذلك في أول ليلة من شوال وفي فتاوى الولوالجي من كتاب الأضحية الليلة في كل وقت تبع لنهار يأتي إلا في أيام الأضحى تبع لنهار ما مضى رفقا بالناس. ا هـ. وفي المحيط من كتاب الحج والليالي كلها تابعة للأيام المستقبلة لا للأيام الماضية إلا في الحج فإنها في حكم الأيام الماضية فليلة عرفة تابعة ليوم التروية وليلة النحر تابعة ليوم عرفة. ا هـ. فتحصل أنها تبع لما يأتي إلا في ثلاثة مواضع وأما قوله تعالى:
{وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} [يّـس: 40] فقال الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره إن سلطان الليل وهو القمر ليس يسبق الشمس وهي سلطان النهار وقيل تفسيره الليل لا يدخل وقت النهار وأطال الكلام في بيان الوجه الأول فراجعه فعلى هذا إذا ذكر المثنى، أو المجموع يدخل المسجد قبل الغروب ويخرج بعد الغروب من آخر يوم نذره كما صرح به قاضي خان في فتاويه وصرح بأنه إذا قال أياما يبدأ بالنهار فيدخل المسجد قبل طلوع الفجر. ا هـ. فعلى هذا لا يدخل الليل في نذر الأيام إلا إذا ذكر له عددا معينا كما لا يخفى ثم الأصل أنه متى دخل في اعتكافه الليل والنهار فإنه يلزمه متتابعا ولا يجزيه لو فرق ومتى لم يدخل الليل جاز له التفريق كالتتابع.
فإذا نذر اعتكاف شهر لزمه شهر بالأيام والليالي متتابعا في ظاهر الرواية بخلاف ما إذا نذر أن يصوم شهرا لا يلزمه التتابع كذا في البدائع وفتاوى قاضي خان وفي الخلاصة من الأيمان من الجنس الثالث في النذر.
ولو قال لله علي صوم شهران قال صوم شهر بعينه كرجب يجب عليه التتابع، ولو أفطر يوما يلزمه الاستقبال كما في رمضان وإنما يلزمه القضاء.
وإن قال لله علي صوم شهر ولم يعين إن قال متتابعا لزمه متتابعا وإن أطلق لا يلزمه التتابع وفي الاعتكاف يلزمه بصفة التتابع في المعين وغير المعين ثم في الصوم والاعتكاف أفسد يوما إن كان شهرا معينا لا يلزمه الاستقبال وإن كان غير معين لزمه. ا هـ. يعني: لزمه الاستقبال في الصوم إن ذكر التتابع وفي الاعتكاف مطلقا وعلل له في المبسوط بأن إيجاب العبد معتبر بإيجاب الله تعالى وما أوجب الله متتابعا إذا أفطر فيه يوما لزمه الاستقبال كصوم الظهار والقتل.
والإطلاق في الاعتكاف كالتصريح بالتتابع بخلاف الإطلاق في نذر الصوم والفرق بينهما أن

 

ج / 2 ص -480-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاعتكاف يدوم بالليل والنهار فكان متصل الأجزاء وما كان متصل الأجزاء لا يجوز تفريقه إلا بالتنصيص عليه بخلاف الصوم فإنه لا يوجد ليلا فكان متفرقا وما كان متفرقا في نفسه لا يجب الوصل فيه إلا بالتنصيص. ا هـ.
وأطلق في النذر فشمل ما إذا نذر اعتكاف يوم العيد فإنه منعقد ويجب عليه قضاؤه في وقت آخر؛ لأن الاعتكاف لا يصح إلا بالصوم والصوم فيه حرام وكفر عن يمينه إن أراد يمينا لفوات البر وإن اعتكف فيه أجزأه وقد أساء كما في الصوم كذا في فتاوى الولوالجي وغيرها.
وقد علم مما قدمناه في الصوم أنه لو نذر اعتكاف يوم، أو شهر معين فاعتكف قبله يجوز لما أن التعجيل بعد وجود السبب جائز وقد صرحوا به هنا وذكروا فيه خلافا وينبغي أن لا يكون فيه خلاف كما ذكرناه وكذا يلغو تعيين المكان كما إذا نذر الاعتكاف بالمسجد الحرام فاعتكف في غيره فإنه يجوز.
وفي الفتاوى الظهيرية ولو نذر اعتكاف شهر ثم عاش عشرة أيام ثم مات أطعم عنه عن جميع الشهر وفي الكافي وليلة القدر في رمضان دائرة لكنها تتقدم وتتأخر وعندهما تكون في رمضان ولا تتقدم ولا تتأخر حتى لو قال لعبده أنت حر ليلة القدر فإن قال قبل دخول رمضان عتق إذا انسلخ الشهر وإن قال بعد مضي ليلة منه لم يعتق حتى ينسلخ رمضان من العام القابل عنده لجواز أنها كانت في الشهر الماضي في الليلة الأولى وفي الشهر الآتي في الليلة الأخيرة وعندهما إذا مضى ليلة منه في العام القابل عتق؛ لأنها لا تتقدم ولا تتأخر وفي المحيط الفتوى على قول أبي حنيفة لكن قيده بما إذا كان الحالف فقيها يعرف الاختلاف وإن كان عاميا فليلة القدر ليلة السابع والعشرين وجعل مذهبهما أنها في النصف الأخير من رمضان فخالف ما في الكافي وذكر في فتاوى قاضي خان أن المشهور عن أبي حنيفة أنها تدور في السنة وقد تكون في رمضان وقد تكون في غيره وفي فتح القدير وأجاب أبو حنيفة عن الأدلة المفيدة لكونها في العشر الأواخر بأن المراد بذلك لرمضان الذي كان عليه الصلاة والسلام التمسها فيه والسياقات تدل عليه لمن تأمل طرق الأحاديث وألفاظها كقوله إن الذي تطلب أمامك وإنما كان يطلب ليلة القدر من تلك السنة ومن علاماتها أنها بلجة ساكنة لا حارة ولا قارة تطلع الشمس صبيحتها بلا شعاع كأنها طست كذا قالوا وإنما أخفيت ليجتهد في طلبها فينال بذلك أجر المجتهدين في العبادة كما أخفى سبحانه الساعة ليكونوا على وجل من قيامها بغتة والله سبحانه وتعالى أعلم.