البحر الرائق شرح كنز الدقائق ط احياء التراث

ج / 4 ص -331-       10- كتاب العتق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
10- كتاب العتق
ذكره عقيب الطلاق؛ لأن كلا منهما إسقاط الحق وقدم الطلاق لمناسبة النكاح، ثم الإسقاطات أنواع تختلف أسماؤها باختلاف أنواعها فإسقاط الحق. عن الرق عتق وإسقاط الحق عن البضع طلاق وإسقاط ما في الذمة براءة وإسقاط الحق عن القصاص والجراحات عفو.
والإعتاق في اللغة:  الإخراج عن الملك يقال أعتقه فعتق والعتق الخروج عن الملك يقال من باب فعل بالفتح يفعل بالكسر عتق العبد عتاقا إذا خرج عن الملك وعتقت الفرس إذا سبقت ونجت وعتق فرخ القطاة إذا طار ويقال عتق فلان بعد استعلاج إذا رقت بشرته بعد غلظ، ومصدره العتق والعتاق وليس منه العتاقة بمعنى القدم؛ لأن فعله فعل بالفتح يفعل بالضم وليس منه العتق بمعنى الجمال؛ لأنه من هذا الباب أيضا وهو مضموم العين أيضا كذا في ضياء الحلوم.
فالعتق اللغوي حينئذ هو العتق الشرعي وهو الخروج عن المملوكية وهو أولى من قولهم إن العتق في اللغة القوة.
وفي الشرع القوة الشرعية؛ لأن أهل اللغة لم يقولوا عتق العبد إذا قوي وإنما قالوا عتق العبد إذا خرج عن المملوكية وإنما ذكروا القوة في عتق الطير ونحوه.
وركنه في الإعتاق اللفظي الإنشائي اللفظ الدال عليه وفي "البدائع" ركنه اللفظ الذي جعل دلالة على العتق في الجملة أو ما يقوم مقام اللفظ. ا ه.
ويعرف ذلك ببيان سببه قالوا سببه المثبت له قد يكون دعوى النسب، وقد يكون نفس الملك في القريب، وقد يكون الإقرار بحرية عبد إنسان حتى لو ملكه عتق، وقد يكون بالدخول في دار الحرب فإن الحربي إذا اشترى عبدا مسلما فدخل به إلى دار الحرب ولم يشعر عتق عند أبي حنيفة، وكذا زوال يده عنه بأن هرب عن مولاه الحربي إلى دار الإسلام، وقد يكون اللفظ المذكور.
وأما سببه الباعث ففي الواجب تفريغ ذمته وفي غيره قصد التقرب إلى الله تعالى عز وجل.
وأنواعه أربعة:  واجب ومندوب ومباح ومحظور، فالواجب الإعتاق في كفارة القتل والظهار واليمين والإفطار إلا أنه في باب القتل والظهار والإفطار واجب على التعيين عند القدرة عليه وفي باب اليمين واجب على التخيير. والمندوب الإعتاق لوجه الله تعالى من غير إيجاب؛ لأن الشرع ندب إلى ذلك للحديث "أيما مؤمن أعتق مؤمنا في الدنيا أعتق الله بكل عضو منه

 

ج / 4 ص -332-       هو إثبات القوة الشرعية في المملوك، ويصح من حر مكلف لمملوكه بأنت حر، أو بما يعبر به عن البدن، وعتيق، ومعتق وحرر، وحررتك وأعتقك نواه أولا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عضوا منه من النار"1؛ ولهذا استحبوا أن يعتق الرجل العبد والمرأة الأمة ليتحقق مقابلة الأعضاء بالأعضاء لكنه ليس بعبادة حتى يصح من الكافر.
أما المباح فهو الإعتاق من غير نية.
أما المحظور فهو الإعتاق لوجه الشيطان وسيأتي تمامه وسيأتي بيان شرائطه، وحكمه زوال الملك أو ثبوت العتق على الاختلاف.
"قوله:  هو إثبات القوة الشرعية للمملوك" أي الإعتاق شرعا والقوة الشرعية هي قدرته على التصرفات الشرعية وأهليته للولايات والشهادات ودفع تصرف الغير عليه وحاصله:  أنه إزالة الضعف الحكمي الذي هو الرق الذي هو أثر الكفر وفي "المحيط" ويستحب للعبد أن يكتب للعتق كتابا ويشهد عليه شهودا توثيقا وصيانة عن التجاحد والتنازع فيه كما في المداينة بخلاف سائر التجارات؛ لأنه مما يكثر وقوعها فالكتابة فيها تؤدي إلى الحرج ولا كذلك العتق
"قوله:  ويصح من حر مكلف لمملوكه بأنت حر أو بما يعبر به عن البدن وعتيق ومعتق ومحرر وحررتك وأعتقتك نواه أو لا" بيان لشرائطه وصريحه وحكم الصريح، أما شرائطه فذكر المصنف أنها ثلاثة:  الأول منها لا حاجة إليه مع ذكر الملك؛ لأن الحرية للاحتراز عن إعتاق غير الحر وهو ليس بمالك كما سنبينه واحترز بالمكلف عن عتق الصبي فإنه لا يصح وإن كان عاقلا كما لا يصح طلاقه، وعن عتق المجنون فإنه لا يصح، أما الذي يجن ويفيق فهو في حالة إفاقته عاقل وفي حالة جنونه مجنون وخرج المعتوه أيضا والمدهوش و المبرسم والمغمى عليه والنائم فلا يصح إعتاقهم كما لا يصح طلاقهم.
ولو قال أعتقت وأنا صبي أو وأنا نائم كان القول قوله، وكذا لو قال أعتقته وأنا مجنون بشرط أن يعلم جنونه أو قال وأنا حربي في دار الحرب، وقد علم ذلك؛ لأنه لما أضافه إلى زمان لا يتصور منه الإعتاق علم أنه أراد صيغة الإعتاق لا حقيقته فلم يصر معترفا بالإعتاق كما لو قال أعتقته قبل أن أخلق أو يخلق وخرج باشتراط أن يكون مملوكا له إعتاق العبد المأذون له في التجارة أو المكاتب لانعدام ملك الرقبة، وكذا لو اشترى العبد المأذون له في التجارة محرما منه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أبو داود، كتاب العتق، باب أبي الرقاب أفضل "3965". والبيهقي، كتاب العتق، باب فضل إعتاق النسمة وفك الرقبة "10/272". وأحمد في مسنده "4/113". وابن حبان في صحيحه "4309".

 

ج / 4 ص -333-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أو المكاتب كذلك فإنه لا يعتق عليهما لعدم ملكهما.
ويرد على المصنف إعتاق عبد الغير فإنه صحيح موقوف على إجازة سيده إن لم يكن وكيله نعم هو شرط للنفاد وليس الكلام هنا إلا في الصحة، ولو أبدله بقوله للمملوك لكان أولى. لأن شرطه كما في "المستصفى" أن يكون المحل مملوكا والمراد بالمملوك المملوك رقبته وإن لم يكن في يده فصح إعتاق المولى المكاتب والعبد المأذون والمشترى قبل القبض والمرهون والمستأجر والعبد الموصى برقبته لإنسان وبخدمته لآخر إذا أعتقه الموصى له بالرقبة ولا يشترط أن يكون عالما بأنه مملوكه حتى لو قال الغاصب للمالك أعتق رقبة هذا العبد فأعتقه وهو لا يعلم أنه عبده عتق ولا يرجع على الغاصب بشيء، وكذا لو قال البائع للمشتري:  أعتق عبدي هذا وأشار إلى المبيع فأعتقه المشتري ولم يعلم أنه عبده صح إعتاقه ويجعل قبضا ويلزمه الثمن كما في "الكشف الكبير" في بحث القضاء.
وأخرج باشتراط المملوكية عتق الحمل إذا ولدته لستة أشهر فأكثر لعدم التيقن بوجوده وقته بخلاف ما إذا ولدته لأقل منها فإنه يصح ويشترط وجود الملك للمعتق وقت وجود الإعتاق لينفذ إن كان منجزا وإن كان معلقا بما سوى الملك وسببه فإنه يشترط وجود الملك وقت التعليق كالتعليق بدخول الدار ونحوه، وكذا يشترط وقت نزول الجزاء ولا يشترط بقاء الملك فيما بينهما، أما إذا كان معلقا بالملك كأن ملكتك فأنت حر فلا يشترط له شيء من ذلك.
ولم يشترط المصنف أن يكون صاحيا ولا طائعا لصحة عتق السكران والمكره عندنا كطلاقهما، وكذا لم يشترط العمد لصحة عتق المخطئ ولم يشترط قبول العبد للإعتاق؛ لأنه ليس بشرط إلا في العتق على مال فإن قبوله شرط كما سنذكره في بابه.
وكذا لم يشترط خلوه عن الخيار لعدم صحة الخيار فيه من جانب المولى فيقع العتق ويبطل الشرط، أما من جانب العبد في العتق على مال فلا بد من خلوه عن خياره حتى لو رد العبد العتق في مدة الخيار ينفسخ العقد ولا يعتق كما في الطلاق على مال، وكذا الصلح من دم العمد بشرط الخيار فإن كان من جانب المولى فهو باطل والصلح صحيح وإن كان للقاتل فهو صحيح فإن فسخ العقد ففي القياس يبطل العفو وفي الاستحسان لا يبطل ويلزم القاتل الدية.
ولم يشترط المصنف أيضا إسلام المعتق وهو المالك؛ لأنه يصح من الكافر ولو مرتدة، أما إعتاق المرتد فموقوف عند الإمام نافذ عندهما.
ولم يشترط أيضا أن يكون المالك صحيحا؛ لأنه يصح الإعتاق من المريض مرض الموت

 

ج / 4 ص -334-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإن كان معتبرا من الثلث؛ لأنه وصية وشرط في "البدائع" عدم الشك في ثبوت الإعتاق فإن كان شاكا فيه لا يحكم بثبوته.
أما الثاني:  وهو صريحه فذكر المصنف هنا أنه الحرية والعتق بأي صيغة كانت فعلا أو وصفا فالفعل نحو أعتقتك وحررتك أو أعتقك الله على الأصح وهو المختار كما في "الظهيرية"، والوصف نحو أنت حر ومحرر وعتيق ومعتق وسيأتي حكم النداء بها ومنه المولى أيضا كما سنبينه ولا بد أن يكون خبرا لمبتدأ فلو ذكر الخبر فقط توقف على النية ولذا قال في "الخانية" لو قال حر فقيل له لمن عنيت فقال عبدي عتق عبده.
وأما المصدر فلم يذكره المصنف للتفصيل فيه فإن قال العتاق عليك أو عتقك علي كان صريحا إلا إذا زاد قوله عتقك علي واجب فإنه لا يعتق لجواز وجوبه عليه بكفارة أو نذر بخلاف طلاقك علي واجب؛ لأن نفس الطلاق غير واجب وإنما يجب حكمه وحكمه وقوعه واقتضى هذا وقوعه، أما العتق فجاز أن يكون واجبا كذا في "الظهيرية"، أما إذا قال أنت عتق أو عتاق أو حرية فإنه لا يعتق إلا بالبينة، كذا في "جوامع الفقه". قال الكمال:  فعلى هذا لا بد من ضابط الصريح.
قلت:  إن ما في "جوامع الفقه" ضعيف لما في "المحيط":  لو قال أنت عتق يعتق وإن لم ينو كقوله لامرأته أنت طلاق. ا ه. فلا يحتاج إلى إصلاح الضابط، أما إذا كان تلفظ بالعتق مهجى كقوله أنت ح ر فإنه كناية يعتق بالنية كالطلاق كما في "الظهيرية".
وأما التلفظ بالعتق العام فقال في "الظهيرية" لو قال كل مالي حر لا يعتق عبيده؛ لأنه يراد به الصفا والخلو عن شركة الغير، ولو قال عبيد أهل بلخ أحرار ولم ينو عبده أو قال كل عبد في الأرض حر أو قال كل عبيد أهل الدنيا أحرار أو كان مكان العتق طلاق اختلف المتقدمون والمتأخرون في هذه المسألة أما المتقدمون فقال أبو يوسف في "نوادره" لا يعتق.
وقال محمد في "نوادر ابن سماعة":  يعتق، أما المتأخرون فقال عصام بن يوسف لا يعتق، وقال شداد1 يعتق قال الصدر الشهيد المختار للفتوى قول عصام، ولو قال كل عبيد في هذه الدار أحرار وعبده فيهم عتق بالاتفاق، ولو قال ولد آدم كلهم أحرار لا يعتق عبده بالاتفاق ا ه.
وأما التلفظ بأفعل التفضيل ففي "الخانية" و"الظهيرية":  لو قال أنت أعتق من هذا في ملكي أو قال في السن لا يعتق في القضاء ويدين وفي "المجتبى":  قال لعبده أنت أعتق من فلان. أو لامرأته أنت أطلق من فلانة وهي مطلقة إن نوى عتق و طلقت، وقيل يعتق بدون النية، ولو قال

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو شداد بن حكيم، من أصحاب زفر، توفي سنة عشرين ومائتين ا ه الفوائد البهية "83" الجواهر المضية "2/247". تاج الرتاجم "171".

 

ج / 4 ص -335-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنت عتيق فلان يعتق بخلاف قوله أعتقك فلان. ا ه.
وفي "الظهيرية" لو قال لعبده نسبك حر أو أصلك حر إن علم أنه سبي لا يعتق وإن لم يعلم أنه سبي فهو حر، وهذا دليل على أن أهل الحرب أحرار، ولو قال أبواك حران لا يعتق لاحتمال أنهما عتقا بعدما ولد، ولو قال لعبده تصبح غدا حرا كان العتق مضافا إلى الغد، ولو قال تقوم حرا وتقعد حرا يعتق للحال، ولو قال صحيح لعبده أنت حر من ثلثي يعتق من جميع المال، ولو قال لعبده افعل ما شئت في نفسك فإن أعتق نفسه قبل أن يقوم من مجلسه عتق، ولو قام قبل أن يعتق نفسه لم يكن له أن يعتق نفسه وله أن يهب نفسه وأن يبيع نفسه وأن يتصدق بنفسه على من يشاء، ولو قال لعبدين له يا سالم أنت حر يا مبارك فهو على الأول، ولو قال يا سالم أنت حر يا مبارك على ألف درهم كان على الأخير وسئل أبو القاسم عمن قال لفلان علي ألف درهم وإلا فعبدي حر، ثم أنكر المال يكون إنكاره للمال إقرارا بالعتق، قال إن قال ليس علي شيء لم يكن إقرارا بالعتق وإن قال لم يكن علي شيء كان إقرارا بالعتق. ا ه.
وأما العتق بالجمع فقال في "الخانية" لو قال عبيدي أحرار وهم عشرة عتق عبيده وإن كانوا مائة وإن كان له خمسة أعبد فقال عشرة من مماليكي إلا واحدا أحرار عتقوا جميعا؛ لأن تقديره تسعة من مماليكي أحرار، ولو قال مماليكي العشرة أحرار إلا واحد عتق أربعة منهم؛ لأن ذكر العشرة على سبيل التفسير وذلك غلط منه فلغا فكان الاستثناء منصرفا إلى مماليك فعتق أربعة وفي "الظهيرية" عن محمد فيمن قال مماليكي الخبازون أحرار وله خبازون وخبازات عتقوا كلهم؛ لأن جمع المذكر ينتظم الإناث بطريق الاستتباع ا ه. وفي "المحيط" رجل له عبد واحد فقال أعتقت عبدا يعتق، ولو قال بعتك عبدا لا يصح؛ لأن الجهالة تمنع صحة البيع دون العتق ا ه.
وأما الثالث:  وهو حكم الصريح فإنه لا يتوقف على النية لاستعماله فيه شرعا وعرفا، ولو قال عنيت به الخبر كذبا لا يصدق في القضاء لعدوله عن الظاهر ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى وفي "الخانية" لو قال أردت به اللعب يعتق قضاء وديانة. وفي "البدائع" لو قال عنيت به أنه كان حرا فإن كان مولودا لا يصدق أصلا؛ لأنه كذب محض وإن كان مسبيا لا يصدق قضاء ويصدق ديانة، ولو قال أنت حر من عمل كذا أو أنت حر اليوم من هذا العمل عتق في القضاء، ولو دعا لعبده سالم يا سالم فأجابه مرزوق فقال أنت حر ولا نية له عتق الذي أجابه، ولو قال عنيت سالما عتقا في القضاء، أما فيما بينه وبين الله تعالى فإنما يعتق الذي عناه خاصة، ولو قال يا سالم أنت حر فإذا هو عبد آخر له أو لغيره عتق سالم؛ لأنه لا مخاطبة ها هنا إلا لسالم فينصرف إليه ا ه.
وفي "الظهيرية" و"الخانية" أمة قائمة بين يدي مولاها فسألها رجل:  أمة أنت أم حرة فأراد

 

ج / 4 ص -336-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المولى أن يقول ما سؤالك عنها أمة أم حرة فعجل في القول فقال هي حرة أمة عتقت في القضاء ا ه. وفي "الخانية" لو قال لعبده الذي حل له دمه بقصاص أعتقتك، وقال عنيت به عن القتل عتق في القضاء وسقط عنه الدم بإقراره. ا ه.
وقد ذكر المصنف أن العضو الذي يعبر به عن الكل كالكل كما إذا قال رقبتك حر أو رأسك أو وجهك أو بدنك أو فرجك للأمة كما تقدم بيانه في الطلاق بخلاف العضو الذي لا يعبر به عن الكل كاليد والرجل وفي "المجتبى" لو قال لعبده فرجك حر عتق عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وعن محمد روايتان، وكذا لو قال كبدك حر يعتق، ولو قال بدنك بدن حر عتق، وكذا الفرج والرأس، وعن أبي يوسف رأسك رأس حر أنه لا يعتق، ولو قال لها فرجك حر عن الجماع تعتق قضاء ا ه.
وفي "الخانية" لو قال فرجك حر قال للعبد أو للأمة عتق بخلاف الذكر في ظاهر الرواية، ولو قال لعبده أنت حرة أو قال لأمته أنت حر يعتق في الوجهين كذا روي عن أبي حنيفة وأبي يوسف ا ه. وفي "الخلاصة" بخلاف ما إذا قال لرجل يا زانية يعني فلا يكون قذفا.
ولم يذكر المصنف الجزء الشائع كما ذكره في الطلاق للفرق بين العتاق والطلاق فإن الطلاق لا يتجزأ اتفاقا فذكر بعضه كذكر كله، أما العتق فيتجزأ عند الإمام فإذا قال نصفك حر أو ثلثك حر يعتق ذلك القدر خاصة عنده كما سيأتي فما في "غاية البيان" من تسوية الطلاق والعتاق في الإضافة إلى الجزء الشائع سهو كما لا يخفى وفي "الخانية" لو قال سهم منك حر عتق السدس، ولو قال جزء منك حر أو شيء منك حر يعتق منه المولى ما شاء في قوله ا ه.
ولم يذكر المصنف الألفاظ الجارية مجرى الصريح قال في "البدائع"، أما الذي هو ملحق بالصريح فهو أن يقول وهبت لك نفسك أو وهبت نفسك منك أو بعت نفسك منك ويعتق سواء قبل أو لم يقبل نوى أو لم ينو؛ لأن الإيجار من الواهب والبائع إزالة الملك من الموهوب والمبيع وإنما الحاجة إلى القبول من الموهوب له والمشتري لثبوت الملك لهما، وها هنا لا يثبت الملك للعبد في نفسه؛ لأنه لا يصلح مملوكا لنفسه فبقي الهبة والبيع إزالة الملك عن الرقيق لا إلى أوحد هذا معنى الإعتاق.
وقد قال أبو حنيفة إذا قال لعبده وهبت لك نفسك، وقال أردت وهبت له عتقه أي لا أعتقه لم يعتق في القضاء؛ لأنه عدول عن الظاهر ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى؛ لأنه نوى ما يحتمله كلامه ا ه.
وزاد في "الخانية" تصدقت بنفسك عليك وفي هذه الألفاظ ثلاثة أقوال فقيل إنها ملحقة بالصريح كما ذكرناه. وقيل إنها كناية لا تحتاج إلى النية وكل منهما مبني على أن الصريح يخص

 

ج / 4 ص -337-       وبلا ملك، ولا رق، ولا سبيل لي عليك إن نوى، وهذا ابني، أو أبي، أو أمي وهذا مولاي، أو يامولاي أو يا حر، أو يا عتيق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوضعي والحق القول الثالث إنها صرائح حقيقة كما قال به جماعة؛ لأنه لا يخص الوضع واختاره المحقق ابن الهمام
"قوله وبلا ملك ولا رق ولا سبيل لي عليك إن نوى" بيان للكنايات؛ لأن نفي هذه الأشياء يحتمل بالبيع والكتابة والعتق وانتفاء السبيل يحتمل بالعتق وبالإرضاء حتى لا يكون له سبيل في اللوم والعقوبة فصار مجملا و المجمل لا يتعين بعض وجهه إلا بالنية وبه اندفع ما في "غاية البيان" من أنه ينبغي أن يقع العتق بلا نية إذا لم يكن البيع ونحوه من الأشياء المزيلة موجودا؛ لأن نفي الملك لما كان دائرا بين الإعتاق وغيره وغير الإعتاق لم يكن موجودا في الواقع تعين الإعتاق لا محالة كما هو الحكم في التردد بين الشيئين وإلا يلزم أن يكون كلام العاقل لغوا فلا يجوز. ا ه.
وقوله في "المختصر" لي عليك متعلق بالثلاثة قيد بقوله لا سبيل لي عليك؛ لأنه لو قال لا سبيل لي عليك إلا سبيل الولاء عتق في القضاء ولا يصدق أنه أراد به غير العتق، ولو قال لا سبيل لي عليك إلا سبيل الموالاة دين في القضاء كذا في "البدائع"، وإذا لم يقع العتق في لا ملك لي أو خرجت عن ملكي فهل له أن يدعيه.
قال في "خلاصة الفتاوى" لو قال لعبده أنت غير مملوك لا يعتق لكن ليس له أن يدعيه بعد ذلك ولا أن يستخدمه فإن مات لا يرث بالولاء فإن قال المملوك بعد ذلك أنا مملوك له فصدقه كان مملوكا له. وكذا لو قال له ليس هذا بعبدي لا يعتق. ا ه. وظاهره أنه يكون حرا ظاهرا لا معتقا فتكون أحكامه أحكام الأحرار حتى يأتي من يدعيه ويثبت فيكون ملكا له.
ومن الكنايات أيضا خليت سبيلك لا حق لي عليك، وقوله لأمته أطلقتك فتعتق بالنية ومن الكنايات أيضا كما في "البدائع" أمرك بيدك اختاري فيتوقف على النية وسيأتي تمام ذلك.
واختلف في أنت لله ففي "الظهيرية" لا يعتق عند أبي حنيفة وإن نوى، وقال محمد إن أراد به العتق فهو حر وإن أراد به الصدقة فهو صدقة وإن أراد به أن كلنا لله تعالى لا يلزمه شيء، ولو قال لعبده في مرضه أنت لوجه الله فهو باطل، وكذا أنت عبد الله، ولو قال جعلتك لله في صحته أو في مرضه، وقال لم أنو به العتق أو لم يقل شيئا حتى مات فإنه يباع وإن نوى العتق فهو حر ا ه.
"قوله:  وهذا ابني أو أبي أو أمي، وهذا مولاي أو يا مولاي أو يا حر أو يا عتيق" معطوف على قوله أنت حر أي يصبح بهذا ابني وما عطف عليه وإنما أخرها مع أنها صرائح لا تتوقف على النية لما فيها من التفصيل أما الأول وهو الألفاظ التي ثبت بها النسب فذكر المصنف منها

 

ج / 4 ص -338-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثلاثة الابن والأب والأم، فكل منها إما أن يكون على وجه الصفة أو على وجه النداء فإن كان على طريق الصفة بأن قال لمملوكه هذا ابني فهو على وجهين إما أن كان يصلح ابنا له بأن كان مثله يولد لمثله أو لا وكل منهما إما أن يكون مجهول النسب أو معروفه فإن كان يصلح ابنا له وهو مجهول النسب ثبت النسب والعتق بالإجماع، وإن كان معروف النسب من الغير لا يثبت النسب بلا شك ولكن يثبت العتق عندنا، وإن كان لا يصلح ابنا له لا يثبت النسب بلا شك وهل يعتق قال أبو حنيفة رضي الله عنه يعتق سواء كان مجهول النسب أو معروفه، وقالا لا يعتق وعلى هذا لو قال لمملوكته هذه بنتي خلافا ووفاقا لهما إنه كلام محال فيرد ويلغو كقوله أعتقتك قبل أن أخلق وله أنه محال بحقيقته لكنه صحيح لمجازه؛ لأنه إخبار عن حريته من حين ملكه. وهذا؛ لأن البنوة في المملوك سبب لحريته إما إجماعا أو صلة للقرابة وإطلاق السبب وإرادة المسبب مستجاز في اللغة تجوز أو لأن الحرمة ملازمة للبنوة في المملوك والمشابهة في وصف ملازم من طرق المجاز على ما عرف فيحمل عليه تحرزا عن الإلغاء بخلاف ما استشهد به؛ لأنه لا وجه له في المجاز فتعين الإلغاء، وهذا بخلاف ما إذا قال لغيره قطعت يدك خطأ فأخرجهما صحيحتين حيث لم يجعل مجازا عن الإقرار بالمال والتزامه وإن كان القطع سببا لوجوب المال؛ لأن القطع خطأ سبب لوجوب مال مخصوص وهو الأرش وأنه يخالف مطلق المال في الوصف حتى وجب على العاقلة في سنتين، ولا يمكن إثباته بدون القطع وما لم يمكن إثباته فالقطع ليس بسبب له، أما الحرية لا تختلف ذاتا وحكما فأمكن جعله مجازا عنه والكلام في المسألة طويل في الأصول في بحث الحقيقة هل المجاز خلف عنها في التكلم أو في الحكم، وصرح في "فتح القدير" بأنه يعتق نوى أم لم ينو إذ لا تزاحم كي لا يلغى كلام العاقل، ثم إن كان هذا دخل في الوجود عتق قضاء وديانة وإلا فقضاء ولا تصير أم ولد له ا ه. وكذا صرح في "الكشف الكبير" بأنه يعتق فقضاء فيما إذا كان لا يولد مثله لمثله والمعتبر المماثلة في السن لا المشاكلة حتى لو كان المدعي أبيض ناصعا والمقول له أسود أو على القلب يثبت النسب وقيد بالمملوك؛ لأنه لو قال لزوجته وهي معروفة النسب من الغير هذه ابنتي لم تقع الفرقة اتفاقا كما عرف في الأصول.
أما الثاني:  وهو قوله هذا أبي فإن كان يصلح أبا له وليس للقائل أب معروف يثبت النسب والعتق بلا خلاف، وإن كان يصلح أبا له ولكن للقائل أب معروف يثبت النسب ويعتق عندنا وإن كان لا يصلح أبا له لا يثبت النسب بلا شك، ولكن يعتق عند أبي حنيفة، وعندهما لا يعتق.
أما الثالث فهو قوله:  هذه أمي والكلام فيه كالكلام في الأب، ولو قال لعبده هذه بنتي أو قال لأمته هذا ابني اختلف المشايخ فيه قال بعضهم يعتق، وقال بعضهم لا يعتق ورجحه في

 

ج / 4 ص -339-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"الهداية" و"فتح القدير" وفي "المجتبى" وهو الأظهر، ولو قال لمملوكه هذا عمي أو خالي يعتق بلا خلاف بين أصحابنا وسيأتي الكلام على - هذا أخي - آخر الباب، ولو قال هذا ابني من الزنا يعتق ولا يثبت النسب.
وأشار المصنف إلى أنه لا يشترط تصديق العبد المقر له بالنسب وفيه اختلاف فقيل لا يحتاج إلى تصديقه؛ لأن إقرار المالك على مملوكه يصح من غير تصديقه، وقيل يشترط تصديقه فيما سوى دعوى البنوة؛ لأن فيه حمل النسب على الغير فيكون فيه إلزام العبد الحرية فيشترط تصديقه، ولو قال لصغير هذا جدي فقيل هو على الخلاف وهو الأصح؛ لأنه وصفه بصفة من يعتق عليه بملكه والأصل أنه إذا وصف العبد بصفة من يعتق عليه إذا ملكه فإنه يعتق عليه إلا في قوله هذا أخي وهذه أختي.
أما الرابع:  أعني:  لفظ المولى فذكر المصنف أنه لا فرق بين الخبر والنداء أما الأول فلأن اسم المولى وإن كان ينتظم الناصر وابن العم والموالاة في الدين والأعلى والأسفل في العتاقة إلا أنه تعين الأسفل مرادا فصار كاسم خاص، وهذا لأن المولى لا يستنصر بمملوكه عادة والعبد نسبه معروف فانتفى الأول والثاني والثالث نوع مجاز والكلام بحقيقته والإضافة إلى العبد تنافي كونه معتقا فتعين المولى الأسفل فالتحق بالصريح، وكذا إذا قال لأمته هذه مولاتي لما بينا، ولو قال عنيت به المولى في الدين أو الكذب يصدق فيما بينه وبين الله تعالى ولا يصدق في القضاء لمخالفته الظاهر، كذا في "الهداية".
وصرح في "التحفة" بأن لفظ المولى صريح لا يحتاج إلى النية. وذكر الولوالجي اختلاف المشايخ فمنهم من قال لا يعتق بغير النية والأصح أنه صريح من كل وجه ا ه.
وتعقبهم في "غاية البيان" بأنا لا نسلم أن المولى صريح في إيقاع العتق، وهذا؛ لأن الصريح مكشوف المراد ولفظ المولى مشترك ومع استعماله في المعاني على سبيل البدل لا يكون مكشوف المراد فلا يكون صريحا وقولهم إن المولى لا يستنصر بمملوكه عادة لا نسلم ذلك، بل تحصل له النصرة بمماليكه وخدمه والذي لا يحتاج إلى النصير والظهير هو الله تعالى وحده على أنا نقول الصريح يفوق الدلالة والمتكلم يصرح وينادي بأعلى صوته إني عنيت الناصر بلفظ المولى وله دلالة على ذلك حقيقة؛ لأنه مشترك وهم يقولون دلالة الحال من كلامك تدل على أن المراد من المولى هو المعتق الأسفل ولا تعتبر إرادة الناصر ونحوه، وهذا في غاية المكابرة ا ه.
وأجاب عنه في "فتح القدير" بأن قوله استعمل في معان فلا يكون مكشوف المراد إن أراد

 

ج / 4 ص -340-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دائما منعناه لجواز أن ينكشف المراد من المشترك في بعض الموارد الاستعمالية لاقترانه بما ينفي غيره اقترانا ظاهرا كما هو فيما نحن فيه ومنعه أن المولى لا يستنصر بعبده لا يلائم ما أسند به من قوله تحصل النصرة بهم؛ لأن المراد أنه إذا حزبه أمر لا يستدعي للنصرة عبده، بل بني عمه وإن كان العبيد والخدم ينصرونه، أما قوله الصريح يفوق الدلالة فكأنه أراد الكناية فطغى قلمه فنقول هذا الصريح وهو قوله أردت الناصر بلفظ المولى إنما قاله بعد قوله بما هو ملحق بالصريح في إرادة العتق فأثبت حكمه ذلك ظاهرا، وهذا الصريح بعده رجوع عنه فلا يقبله القاضي والكلام فيه، ونحن نقول فيما بينه وبين الله تعالى لو أراد الناصر لم يعتق فأين المكابرة؟ ا ه.
وأما الثاني أعني:  في النداء فلأنه لما تعين الأسفل مرادا التحق بالصريح وبالنداء به يعتق بأن قال يا حر يا عتيق فكذا النداء بهذا اللفظ وقيد بالمولى؛ لأنه لا يعتق في السيد والمالك إلا بالنية كقوله يا سيدي أو يا سيد أو يا مالكي؛ لأنه قد يذكر على وجه التعظيم والإكرام فلا يثبت به العتق بغير نية وفي "الظهيرية" وغيرها لو قال أنت مولى فلان عتق في القضاء كقوله أنت عتيق فلان بخلاف أعتقك فلان.
وعن أبي القاسم الصفار أنه سئل عن رجل جاءت جاريته بسراج فوقفت بين يديه فقال لها المولى ما أصنع بالسراج ووجهك أضوأ من السراج يا من أنا عبدك قال هذه كلمة لطف لا تعتق بها الجارية وفي "التنقيح":  لو قال لعبده أنا عبدك المختار عدم العتق ا ه.
أما الثالث:  وهو النداء بحر ونحوه كيا حر يا عتيق يا معتق فلأنه ناداه بما هو صريح في الدلالة على العتق لكون اللفظ موضوعا له ولا يعتبر المعنى في الموضوعات فيثبت العتق من غير نية واستثنى في "الهداية" ما إذا سماه حرا، ثم ناداه يا حر؛ لأن مراده الإعلام باسم علمه وهو ما لقبه به، ولو ناداه بالفارسية يا أزاد، وقد لقبه بالحر قالوا يعتق، وكذا عكسه؛ لأن هذا ليس بنداء باسم علمه فيعتبر إخبارا عن الوصف ا ه.
وشرط في "الظهيرية" و"الخانية" الإشهاد وقت تسميته بحر وفي "المبسوط" إذا لم يكن هذا الاسم معروفا له يعتق في القضاء؛ لأنه ناداه بوصف يملك إيجابه به وفرق في "التنقيح" بين تسميته بحر حيث لا يقع إذا ناداه وبين تسمية المرأة بطالق حيث يقع إذا ناداها؛ لأنه عهد التسمية بحر كالحر بن قيس بخلاف طالق لم تعهد التسمية به وفي أكثر الكتب لم يفرق بينهما؛ لأن العلم لا يشترط فيه أن يكون معهودا والكلام فيما إذا أشهد وقت التسمية فيهما فالظاهر عدم الفرق.
وفي "الظهيرية" لو بعث غلامه إلى بلد، وقال له إذا استقبلك أحد فقل إني حر فذهب الغلام

 

ج / 4 ص -341-       لا بيا ابني، وياأخي، ولا سلطان لي عليك، وألفاظ الطلاق، وأنت مثل الحر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فاستقبله رجل فسأله فأجابه بما قال المولى فإن قال له سميتك حرا فقل إني حر لم يعتق أصلا وإن لم يقل له المولى ذلك يعتق قضاء لا ديانة ا ه. وفي "المجتبى" بعث غلامه إلى بلد فقال له إذا استقبلك أحد فقل إني حر ففعل عتق أو بعثه مع جماعة فقال لهم من سأل عنه عاشر أو غيره فقولوا له إنه حر ففعلوا عتق ولا يعتق قبله قضاء ولا ديانة، ولو كان المولى قال لهم سميته حرا فقولوا له إنه حر فقالوا لا يعتق ا ه. وبه علم أنه إذا سماه حرا لا يعتق بالإخبار أيضا فلا فرق بين أن يقولوا له يا حر أو هذا حر.
"قوله لا بيا ابني ويا أخي ولا سلطان لي عليك وألفاظ الطلاق وأنت مثل الحر" أي لا يقع العتق بهذه الألفاظ أما في النداء بيا ابني ويا أخي؛ لأن النداء إعلام المنادى إلا أنه إذا كان بوصف يمكن إثباته من جهته كان لتحقيق ذلك الوصف في المنادى استحضارا له بالوصف المخصوص كما في قوله يا حر على ما بيناه، وإن كان النداء بوصف لا يمكن إثباته من جهته كان للإعلام المجرد دون تحقيق الوصف لتعذره والبنوة لا يمكن إثباتها حالة النداء من جهته؛ لأنه لو انخلق من ماء غيره لا يكون ابنا له بهذا النداء فكان لمجرد الإعلام، ويروى عن أبي حنيفة شاذا أنه يعتق فيهما والاعتماد على الظاهر كذا في "الهداية" ولا خصوصية للابن والأخ، بل كذلك لو قال يا أبي يا جدي يا خالي يا عمي أو لجاريته يا عمتي يا خالتي يا أختي كما في "غاية البيان" وفيهما عن تحفة الفقهاء أنه لا يعتق في هذه الألفاظ إلا بالنية فحينئذ لا ينبغي الجمع بين هذه المسائل في حكم واحد؛ لأن في مسألة النداء يتوقف على النية وفي لا سلطان وفي ألفاظ الطلاق لا يقع وإن نوى كما سنبينه1.
وأشار المصنف إلى أنه لو قال يا ابن بغير إضافة لا يعتق بالأولى؛ لأن الأمر كما أخبر فإنه ابن أبيه، وكذا إذا قال يا بني أو يا بنية؛ لأنه تصغير الابن والبنت من غير إضافة والأمر كما أخبر كذا في "الهداية"، وقد ذكر المصنف من الذين يثبت بهم النسب على وجه الخبر ثلاثة الابن والأب والأم ولم يذكر الأخ ونحوه. فلو قال هذا أخي لا يعتق وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يعتق وجه ظاهر الرواية أن الأخوة اسم مشترك يراد بها الأخوة في الدين قال الله تعالى: 
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]، وقد يراد بها الاتحاد في القبيلة قال الله تعالى {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [الأعراف: 65]، وقد يراد بها الأخوة في النسب والمشترك لا يكون حجة فإن قيل الأبوة والبنوة قد تكون بالرضاع فلم أثبتم العتق بهذين اللفظين عند الإطلاق؟ قيل له البنوة عن الرضاع مجاز والمجاز لا يعارض الحقيقة بخلاف الأخوة فإنها مشتركة في الاستعمال، ولو قال لأمته هذه عمتي أو هذه خالتي, أو

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الصفحة:  "341".

 

ج / 4 ص -342-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال لغلامه هذا خالي أو عمي فإنه يعتق كذا في "الظهيرية".
وفرق بينهما في "البدائع" بأن الأخوة تحتمل الإكرام والنسب بخلاف العم؛ لأنه لا يستعمل للإكرام عادة، وهذا كله إذا اقتصر على هذا أخي من أبي أو من أمي أو من النسب فإنه يعتق كما في "فتح القدير" وغيره ولا يخفى أنه إذا اقتصر يكون من الكنايات فيعتق بالنية، أما عدم العتق بقوله لا سلطان لي عليك، ولو نوى به العتق كما في "الهداية"؛ لأن السلطان عبارة عن السيد وسمي السلطان به لقيام يده، وقد يبقى الملك دون اليد كما في المكاتب بخلاف قوله لا سبيل لي عليك؛ لأن نفيه مطلقا بانتفاء الملك؛ لأن للمولى على المكاتب سبيلا فلهذا يحتمل العتق ا ه.
وفي "فتح القدير" واعلم أن بعض المشايخ مال إلى أنه يعتق بالنية في لا سلطان لي عليك وبه قالت الأئمة الثلاثة، وقال بعض المشايخ إنه ليس ببعيد، وعن الكرخي فني عمري ولم يتضح لي الفرق بين نفي السلطان والسبيل ومثل هذا الإمام لا يقع له مثل هذا إلا والمحل مشكل وهو به جدير.
أما أولا فلأن اليد المفسر بها السلطان ليس المراد بها الجارحة المحسوسة، بل القدرة فإذا قيل له سلطان أي يد يعني الاستيلاء، وقد صرح في "الكافي" بأن السلطان يراد به الاستيلاء، وإذا كان كذلك كان نفيه نفي الاستيلاد حقيقة أو مجازا فصح أن يراد منه ما يراد بنفي السبيل، بل أولى بأدنى تأمل.
وأما ثانيا:  فلأن المانع الذي عينه من أن يراد به العتق وهو لزوم أن يثبت باللفظ أكثر مما وضع له غير مانع، إذ غاية الأمر أن يكون المعنى المجازي أوسع من الحقيقي فلا بدع في ذلك، بل هو ثابت في المحازات العامة فإن المعنى الحقيقي فيها يصير فردا من المعنى المجازي كذا هذا يصير زوال اليد من أفراد المعنى المجازي أعني العتق أو زوال الملك والذي يقتضيه النظر كون نفي السلطان من الكنايات ا ه.
وأما عدم الوقوع بألفاظ الطلاق ولو نوى العتق فهذا مذهبنا إلا رواية عن أبي يوسف أنه يقع بقوله لأمته طلقتك ناويا العتق كما في "المجتبى" وجه المذهب أنه نوى ما لا يحتمله لفظه؛ لأن الإعتاق لغة إثبات القوة والطلاق رفع القيد، وهذا لأن العبد ألحق بالجمادات وبالإعتاق يحيى فيقدر ولا كذلك المنكوحة فإنها قادرة إلا أن قيد النكاح مانع وبالطلاق يرتفع المانع فتظهر القوة، ولا خفاء أن الأول أقوى؛ ولأن ملك اليمين فوق ملك النكاح فكان إسقاطه أقوى، واللفظ يصلح مجازا عما هو دون حقيقته لا عن ما هو فوقه فلهذا امتنع في المتنازع فيه وانساغ في عكسه كذا في "الهداية".

 

ج / 4 ص -343-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وحاصله:  أنه يستعار ألفاظ العتق للطلاق دون عكسه بناء على ما في الأصول من جواز استعارة السبب للمسبب دون عكسه إلا أن يختص المسبب بالسبب فكالمعلول فيصح استعارة كل منهما للآخر.
أطلقه:  فشمل صريح الطلاق وكناياته فلا يقع بها العتق أصلا فلو قال لأمته فرجك علي حرام أو أنت علي حرام فإنها لا تعتق وإن نواه؛ لأن اللفظ غير صالح له فهو كما لو قال لها قومي واقعدي ناويا للعتق؛ لأن اللفظ لما لم يصلح له لغا فبقي مجرد النية وهي لا يقع بها شيء وسيأتي في الإيمان أنه إن وطئها لزمه كفارة اليمين فليحفظ هذا ويستثنى من كنايات الطلاق أمرك بيدك أو اختاري فإنه يقع العتق به بالنية؛ لأنه لما احتمل العتق وغيره كان كناية فهو من كنايات العتق والطلاق ولا بدع فيه كما في "البدائع"، وقد يقال إنهما من كنايات تفويض الطلاق فلا استثناء كما لا يخفى.
وفي "المحيط" لو قال لأمته أمرك بيدك وأراد العتق فأعتقت نفسها في المجلس عتقت وإلا فلا؛ لأنه ملكها إيقاع العتق والإعتاق إسقاط الملك كالطلاق فيقتصر حكمه على المجلس كما في الطلاق، ولو قال لها أعتقي نفسك فقالت اخترت كان باطلا كما في الطلاق ا ه.
وفي "البدائع" ولو قال لها أمر عتقك بيدك أو جعلت عتقك في يدك أو قال له اختر العتق أو خيرتك في عتقك أو في العتق لا يحتاج فيه للنية؛ لأنه صريح لكن لا بد من اختيار العبد العتق ويتوقف على المجلس؛ لأنه تمليك ا ه. وقيد بألفاظ الطلاق؛ لأنه لو قال لأمته أطلقتك أو قال لعبده ذلك يقع العتق إذا نوى كما في "فتح القدير"؛ لأنه كقوله خليت سبيلك بخلاف طلقتك كما قدمناه، وكذا إذا قال له اذهب حيث شئت توجه أينما شئت من بلاد الله لا يد لي عليك لا يقع وإن نوى كما في "المجتبى" مع أن أطلقتك من كنايات الطلاق يقع به بالنية فكيف وقع به العتق؟ والجواب أنه كناية فيهما والممنوع استعارة ما كان من ألفاظ الطلاق خاصة صريحا أو كناية، أما عدم العتق فيقوله أنت مثل الحر فلأنه أثبت المماثلة بينهما وهي قد تكون عامة، وقد تكون خاصة فلا يقع بلا نية للشك كذا في "التبيين" وهو يفيد أنه من الكنايات يقع به العتق بالنية.
وقد صرح به في "غاية البيان" معزيا إلى "التحفة" حيث قال:  وقد قالوا إذا نوى يعتق فإنه ذكر في كنايات الطلاق إذا قال لامرأته أنت مثل امرأة فلان وفلان قد آلى من امرأته ونوى الإيلاء يصدق ويصير موليا وإنما لم يقع بدون النية؛ لأن المثل للتشبيه والتشبيه بين الشيئين

 

ج / 4 ص -344-       وعتق بما أنت إلا حر وبملك قريب محرم، ولو كان المالك صبيا، أو مجنونا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يقتضي اشتراكهما من جميع الوجوه فلذلك لم يعتق لا في القضاء ولا فيما بينه وبين الله تعالى ومعنى المثل في اللغة النظير كذا في "الجمهرة"1 ا ه. وفي "المحيط" لو قال ما أنت إلا مثل الحر لا يعتق، ولو قال لحرة أنت حرة مثل هذه يعني أمته فأمته حرة، ولو قال أنت حرة مثل هذه الأمة لم تعتق أمته ا ه.
وفي "الظهيرية" أخذ قميصا خاطه غلامه، وقال هذه خياطة حر لا يعتق العبد؛ لأنه يراد به التشبيه. ا ه. فقد علمت أن بعض هذه المسائل يعتق فيها بالنية وبعضها لا فلا ينبغي إدخالها في سلك واحد وفي "الخانية" لو قال لعبده أنت حر يعني في النفس لم يدين في القضاء، ولو قال أنت عتيق، وقال عنيت به في الملك لا يدين في القضاء، ولو قال أنت عتيق في السن لا يعتق، ولو قال أنت حر النفس يعني في الأخلاق عتق في القضاء ا ه.
وفي "المحيط" وغيره لو قال لعبده بدنك بدن حر ورأسك رأس حر لم يعتق؛ لأنه تشبيه وليس بتحقيق؛ لأنه لو أراد التحقيق لقال بدنك حر، ولو نون فقال رأسك رأس حر أو بدنك بدن حر أو وجهك وجه حر عتق؛ لأن هذا وصف له بالحرية وليس بتشبيه فصار كأنه قال رأسك حر.
"قوله:  وعتق بما أنت إلا حر"؛ لأن الاستثناء من النفي إثبات على وجه التأكيد كما في كلمة الشهادة كذا في "الهداية" وفي "فتح القدير" هذا هو الحق المفهوم من تركيب الاستثناء لغة وهو بخلاف قول المشايخ في الأصول، وقد بيناه في الأصول وأنه لا ينافي قولهم الاستثناء تكلم بالباقي بعد الثنيا أما كونه إثباتا مؤكدا فلوروده بعد النفي بخلاف الإثبات المجرد. ا ه.
"قوله:  وبملك قريب محرم، ولو كان المالك صبيا أو مجنونا" معطوفا على قوله أول الباب بأنت وأي يصح العتق بملك قريب محرم للحديث:  "من ملك ذا رحم محرم منه فهو حر أو عتق عليه"2 واللفظ بعمومه ينتظم كل قرابة مؤبدة بالمحرمية ولادا أو غيره؛ ولأنه ملك قريبه قرابة مؤثرة في المحرمية فيعتق عليه، وهذا هو المؤثر في قرابة الولاد وذكر فخر الإسلام البزدوي في بحث العلل أن العلة في عتق القريب بالملك شيئان القرابة والملك لكن العتق يضاف إلى آخرهما فإن تأخر الملك أضيف إليه العتق كما إذا ملك قريبه، وإن تأخرت القرابة وتقدم الملك أضيف العتق إلى القرابة كما إذا كان بين اثنين عبد ثم ادعى أحدهما أنه ابنه غرم لشريكه وأضيف العتق إلى القرابة ا ه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهو في اللغة، لأبي بكر محمد بن الحسن بن دريد، اللغوي المتوفى سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة ه، وهو كتاب معتبر في مجلد ا ه. كشف الظنون "1/605".
2 تقدم تخريجه.

 

ج / 4 ص -345-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قيد بالقريب؛ لأنه لو ملك محرما بلا رحم كزوجة أبيه أو ابنه لا يعتق؛ لأنه ليس بينهما قرابة موجبة للصلة محرمة للقطيعة فلا يستحق العتق وقيد بالمحرم احترازا عن الرحم بلا محرم كبني الأعمام والأخوال والخالات إذا ملكه لم يعتق وخص عن النص المحرم للقطيعة بالإجماع لما أنهم كثير لا يحصون فلو عتقوا ربما حرجوا الملاك فيه لتعذر معرفتهم بالكلية فلو خصت القرابة المحرمية عن النص أيضا لأدى إلى تعطيله وذلك لا يجوز، وكذا لو ملك ذا رحم محرم من الرضاع فلا بد أن تكون المحرمية من جهة القرابة، وذو الرحم المحرم شخصان يدليان إلى أصل واحد ليس بينهما واسطة كالأخوين أو أحدهما بواسطة والآخر بغير واسطة كابن الأخ مع العم في النسبة إلى الجد كذا في "المحيط".
وأطلق في المالك فشمل المسلم والكافر؛ لأنهما يستويان في الملك وفيما يلزمهم من الصلة وحرمة القطيعة ويشترط أن يكون في دار الإسلام؛ لأنه لا حكم لنا في دار الحرب فلو ملك قريبه في دار الحرب أو أعتق المسلم عبده في دار الحرب لا يعتق خلافا لأبي يوسف وعلى هذا الخلاف إذا أعتق الحربي عبده في دار الحرب وذكر الخلاف في "الإيضاح" وفي "الكافي" للحاكم عتق الحربي في دار الحرب قريبه باطل ولم يذكر خلافا. أما إذا أعتقه وخلاه ففي "المختلف" قال يعتق عند أبي يوسف وولاؤه له، وقالا لا ولاء له؛ لأن عتقه بالتخلية لا بالإعتاق، ثم قال المسلم إذا دخل دار الحرب فاشترى عبدا حربيا فأعتقه ثمة فالقياس أنه لا يعتق بدون التخلية وفي الاستحسان يعتق بدونها ولا ولاء له عندهما قياسا وله الولاء عند أبي يوسف استحسانا.
وفي "المحيط" وإن كان عبده مسلما أو ذميا عتق بالإجماع؛ لأنه ليس بمحل للاسترقاق بالاستيلاء ا ه. والصبي جعل أهلا لهذا العتق، وكذا المجنون حتى عتق القريب عليهما عند الملك؛ لأنه تعلق به حق العبد فشابه النفقة وفي "البدائع"، ولو اشترى أمة وهي حبلى من أبيه والأمة لغير أبيه جاز الشراء وعتق ما في بطنها ولا تعتق الأمة ولا يجوز بيعها قبل أن تضع وله أن يبيعها إذا وضعت وإنما عتق الحمل؛ لأنه أخوة، وقد ملكه فيعتق عليه ا ه.
فأفاد أن الحمل داخل تحت قولهم وبملك قريب بناء على أنه مملوك قبل الوضع مع أنهم قالوا الحمل لا يدخل تحت اسم المملوك حتى لو قال كل مملوك لي حر لا يعتق الحمل فيحتاج إلى الجواب وأطلق المصنف في الملك فشمل ما إذا باشر سببه بنفسه أو بنائبه فدخل ما إذا اشترى العبد المأذون ذا رحم محرم من مولاه ولا دين عليه فإنه يعتق بخلاف المديون لا يعتق ما اشتراه عنده خلافا لهما وخرج المكاتب إذا اشترى ابن مولاه فإنه لا يعتق في قولهم جميعا كما

 

ج / 4 ص -346-       وبتحرير لوجه الله، وللشيطان وللصنم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في "الظهيرية" وشمل الكل والبعض فإذا ملك بعض قريبه عتق عليه بقدره كما سيأتي1.
"قوله:  وبتحرير لوجه الله وللشيطان وللصنم" أي يصح العتق بتحرير هو عبادة أو معصية؛ لأن الإعتاق هو الركن المؤثر في إزالة الرق، وصفة القربة لا تأثير لها في ذلك ألا ترى أن العتق والكتابة بالمال مشروعان وإن عريا عن صفة القربة فلا ينعدم بعدمها أصل العتق ولا يخفى أن الإعتاق للصنم إنما هو صادر من كافر، أما إذا صدر من مسلم فينبغي أن يكفر به إذا قصد تعظيمه وقدمنا2 أن أنواعه أربعة فرض ومندوب ومباح ومعصية، وفي "المحيط" أن الإعتاق قد يقع مباحا لا قربة بأن أعتق من غير نية أو أعتق لوجه فلان، وقد يقع معصية بأن أعتقه لوجه الشيطان ا ه. ففرق بين الإعتاق لآدمي وبين الإعتاق للشيطان وعلل حرمة الإعتاق للشيطان بأنه قصد تعظيمه، وكذا العتق بلا نية مباح كما في "التبيين" وذكر في "فتح القدير" أن من الإعتاق المحرم إذا غلب على ظنه أنه إن أعتقه يذهب إلى دار الحرب أو يرتد أو يخاف منه السرقة وقطع الطريق وينفذ عتقه مع تحريمه خلافا للظاهرية هذا وفي عتق العبد الذمي ما لم يخف ما ذكرنا أجر لتمكينه من النظر في الآيات والاشتغال بما يزيل الشبهة عنه. أما ما عن مالك أنه إذا كان أغلى ثمنا من العبد المسلم يكون عتقه أفضل من عتق المسلم لقوله عليه السلام
"أفضلها أغلاها"3 بالمهملة والمعجمة فبعيد عن الصواب.
ويجب تقييده بالأعلى من المسلمين؛ لأنه تمكين المسلم من مقاصده وتفريغه، أما ما يقال في عتق الكافر مما ذكرنا فهو احتمال يقابله ظاهر فإن الظاهر رسوخ الاعتقادات وإلفها فلا يرجع عنها، وكذا نشاهد الأحرار بالأصالة منهم لا يزدادون إلا ارتباط بقاء يدهم فضلا عمن عرضت حريته نعم الوجه الظاهر في استحباب عتقه تحصيل الجزية منه للمسلمين، أما تفريغه للتأمل فيسلم فهو احتمال والله سبحانه وتعالى أعلم ا ه.
وأراد بوجه الله رضاه مجازا والوجه في اللغة يجيء على معان يقال وجه الإنسان وغيره وهو معروف ووجه النهار أوله ووجه الكلام السبيل التي تقصدها به ووجوه القوم ساداتهم وصرفت الشيء على وجهه أي على سننه والشيطان واحد شياطين الإنس والجن بمعنى مردتهم والنون

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الصفحة:  "361".
2 انظر الصفحة:  "331".
3 أخرجه البخاري، كتاب العتق، باب أي الرقاب أفضل "2518" ومسلم، كتاب الإيمان، باب كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال "84". ومالك في الموطأ، كتاب العتق والولاء، باب فضل عتق الرقاب "2/779".

 

ج / 4 ص -347-       وبكره، وسكر، وإن أضافه إلى ملك، أو شرط صح
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أصلية إن كان من شطن أي بعد عن الخير وزائدة إن كان من شاط يشيط أي هلك، أما الصنم فهو صورة الإنسان من خشب أو ذهب أو فضة فإن كان من حجر فهو وثن كذا في "غاية البيان".
"قوله:  وبكره وسكر" أي يصح العتق مع الإكراه والسكر لصدور الركن من الأهل في المحل والإكراه حمل الغير على ما لا يرضاه وأطلقه فشمل الملجئ وهو ما يفوت النفس أو العضو وغير الملجئ.
أما السكر فأطلقه أيضا وهو مقيد بما كان من محرم أو مثلث بقصد السكر، أما ما كان طريقه مباحا كسكر المضطر إلى شرب الخمر. والحاصل:  من الأدوية والأغذية المتخذة من غير العنب والمثلث لا بقصد السكر، بل بقصد الاستمراء والتقوي ونقيع الزبيب بلا طبخ فإنه كالإغماء لا يصح معه تصرف ولا طلاق ولا عتاق، كذا في "التحرير" وقدمناه في الطلاق.
"قوله:  وإن أضافه إلى ملك أو شرط صح" أي إن أضاف العتق إلى ملك بأن قال إن ملكتك فأنت حر أو إلى شرط كقوله لعبده إن دخلت الدار فأنت حر فإنه يصح ويقع العتق إذا وجد الشرط أما الإضافة إلى الملك ففيه خلاف الشافعي، وقد بيناه في كتاب الطلاق.
أما التعليق بالشرط فلأنه إسقاط فيجري فيه التعليق بخلاف التمليكات على ما عرف، والإضافة إلى سبب الملك كالإضافة إلى الملك كإن اشتريتك فأنت حر بخلاف إن مات مورثي فأنت حر لا يصح؛ لأن الموت لم يوضع سببا للملك فالإضافة إلى وقت كالعتق بالشرط من حيث إن الحكم لا يوجد فيهما إلا بعد وجود الشرط والوقت والمحل قبل ذلك على حكم ملك المالك في جميع الأحكام إلا في التعليق بشرط الموت المطلق وهو التدبير، وكذا الاستيلاد كذا في "البدائع".
والتعليق بأمر كائن تنجيز. قال في "الظهيرية":  لو قال لعبده إن ملكتك فأنت حر عتق للحال بخلاف قوله لمكاتبه إن أنت عبدي فأنت حر لا يعتق قال الفقيه أبو الليث وبه نأخذ؛ لأن في الإضافة قصوراً ا ه.
وفيها أيضا:  رجل قال لعبد رجل إن وهبك مولاك لي فأنت حر فوهبه له والعبد في يد الواهب لا يعتق قبل أو لم يقبل، وكذا لو كان العبد في يد الموهوب له وقد ابتدأ الواهب بالهبة قبل الموهوب له أو لم يقبل، وإن ابتدأ الموهوب له فقال هب لي هذا العبد والعبد في يد الموهوب له فقال صاحب العبد وهبت لك عتق ا ه.

 

ج / 4 ص -348-       ولو حرر حاملا عتقا، وإن حرره عتق فقط
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن مسائل التعليق اللطيفة ما في "الظهيرية" رجل قال لأمته إذا مات والدي فأنت حرة، ثم باعها من والده، ثم تزوجها، ثم قال لها إن مات والدي فأنت طالق ثنتين فمات الوالد كان محمد رحمه الله تعالى يقول أولا تعتق ولا تطلق، ثم رجع وقال لا يقع طلاق ولا عتاق والمسألة على الاستقصاء في "المبسوط" ا ه/.
"قوله:  ولو حرر حاملا عتقا" أي الأم والحمل تبعا لها إذ هو متصل بها فهو كسائر أجزائها، ولو استثناه لا يصح كاستثناء جزء منها، وقال أبو يوسف إذا خرج أكثر الولد فأعتق الأم لا يعتق الولد؛ لأنه كالمنفصل في حق الأحكام ألا ترى أنه تنقضي به العدة، ولو مات في هذه الحالة يرث بخلاف ما إذا مات قبل خروج الأكثر هكذا ذكره الشارحون. وظاهره أن نسبة هذا التفصيل لأبي يوسف لكونه نقل عنه وحده، لا لأن الصاحبين يخالفانه فإنه موافق للقاعدة وفي "الخانية" رجل أعتق جارية إنسان فأجاز المولى إعتاقه بعدما ولدت يعتق الولد ا ه.
وأطلق المصنف في عتق الحمل فشمل ما إذا ولدته بعد عتقها لستة أشهر أو أقل أو أكثر لكن إن ولدته لأقل من ستة أشهر بعد عتقها فإنه يعتق مقصودا لا بطريق التبعية حتى لا ينجر الولاء إلى موالي الأب، وإن ولدته لستة أشهر فأكثر فإنه يعتق بطريق التبعية فحينئذ ينجر الولاء إلى مولى الأب كما في "شرح الوقاية" وعلى هذا فينبغي أن يحمل قوله هنا على ما إذا ولدته لأقل من ستة أشهر ليكون عتقه بطريق الأصالة لئلا يلزم التكرار؛ ولأنه سيذكر أن الولد يتبع الأم في الحرية، والتبعية إنما تكون إذا ولدته لستة أشهر فأكثر فيحمل عليه اللهم إلا أن يريد بالحرية الحرية الأصلية فلا إشكال ولا تكرار.والله أعلم.
"قوله وإن حرره عتق فقط" أي إن حرر الحمل وحده عتق هو دون أمه؛ لأنه لا وجه إلى إعتاقها مقصودا لعدم الإضافة إليها ولا إليه تبعا لما فيه من قلب الموضوع، ثم إعتاق الحمل صحيح ولا يصح بيعه ولا هبته؛ لأن التسليم نفسه شرط في الهبة والقدرة عليه في البيع ولم يوجد بالإضافة إلى الجنين وشيء من ذلك ليس شرطا في الإعتاق فافترقا وأفاد بقوله حرره أنه كان موجودا وقت "التحرير" ولن يتحقق وجوده إلا إذا ولدته لأقل من ستة أشهر وإن ولدته لستة أشهر فأكثر فإنه لا يعتق ولا يكون قوله ما في بطنك حر إقرارا بوجوده لعدم التيقن بوجوده وقته لجواز حدوثه إلا في مسألتين،.
أحدهما:  ما إذا كانت الأمة معتدة عن طلاق أو وفاة فتلده لأقل من سنتين من وقت الفراق وإن كان لأكثر من ستة أشهر من وقت الإعتاق فحينئذ يعتق؛ لأنه كان موجودا حين أعتقه بدليل ثبوت نسبه.

 

ج / 4 ص -349-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثانيهما:  إذا كان حملها توأمين فجاءت بأولهما لأقل من ستة أشهر، ثم جاءت بالثاني لستة أشهر أو أكثر فإنه يعتق؛ لأنه كان محكوما بوجوده حين أعتقه حتى ثبت نسبه.
وتفرع على التفصيل السابق مسألتان إحداهما لو قال المولى ما في بطنك حر، ثم قال إن حملت فسالم حر فولدت بعده لستة أشهر فالقول له إن أقر أنها كانت حاملا يومئذ عتق الولد وإن أقر أنه حمل مستقبل عتق سالم؛ لأنا تيقنا بعتق أحدهما وشككنا في الآخر؛ لأنه لا يخلو إما أن يكون العلوق والحمل كان موجودا وقت الإعتاق أو كان حادثا بعده فرجع في البيان إليه وإن جاءت به لأكثر من سنتين يعتق سالم دون الولد؛ لأنا تيقنا أنه لم يكن موجودا وقت الإعتاق وإن جاءت به لأقل من ستة أشهر يعتق الولد دون سالم؛ لأنا تيقنا أنه كان موجودا وقت الإعتاق.
ثانيهما:  لو قال ما في بطنك حر، ثم ضرب بطنها فألقت جنينا ميتا إن ضربها بعد العتق لأقل من ستة أشهر تجب دية الجنين الحر لأبيه إن كان له أب أي حر وإن لم يكن يكون لعصبة المولى؛ لأن المولى قاتل فلا يستحق الميراث وإن ضرب لستة أشهر لا شيء عليه؛ لأنه لم يعتق كذا في "المحيط" وينبغي أن يقال إن ولدته لأقل من ستة أشهر بعد العتق أو لستة أشهر ولا يذكر الضرب إذ لا دخل له.
وفي "البدائع":  وكذا إذا قال إذا ولدت ما في بطنك فهو حر لا يعتق حتى تلده لأقل من ستة أشهر من يوم حلف للتيقن بوجوده قبل الحلف إلا أن ها هنا يعتق من حين حلف وفي إذا ولدت ما في بطنك من يوم تلد لاشتراطه الولادة ا ه.
وأطلق المصنف في عتق الحمل فشمل ما إذا أعتقه على مال فإنه يصح ولا يجب المال إذ لا وجه إلى إلزام المال على الجنين لعدم الولاية عليه ولا إلى إلزامه الأم؛ لأنه في حق العتق نفس على حدة واشتراط بدل العتق على غير المعتق لا يجوز على ما مر في الخلع كذا في "الهداية" لكن لو أعتقه على مال على أمة فإنه لا بد من قبولها العتق وإن لم يلزمها شيء لما في "المحيط"، ولو قال أعتقت ما في بطنك على ألف عليك فقبلت فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر يعتق بلا شيء؛ لأن العتق معلق بقبول الأمة الألف، وقد قبلت الألف فعتق الولد وبطل المال. ا ه.
وفي "الظهيرية":  لو قال لأمته ما في بطنك حر متى أدى إلي ألفا أو إذا أدى إلي ألفا فوضعت لأقل من ستة أشهر فهو حر متى أدى إليه ألف درهم وأطلق في تحرير الحمل فشمل ما إذا قال حملك حر أو ما في بطنك حر أو قال العلقة أو المضغة التي في بطنك حر فإنه يعتق ما في بطنها كذا في "الخانية". ولو قال أكبر ولد في بطنك فهو حر فولدت ولدين في بطن فأولهما خروجا أكبرهما وهو حر كذا في "المحيط".

 

ج / 4 ص -350-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكذا لو قال إن حملت بولد فهو حر وليس منه إن ولدت ولدا فهو حر؛ لأنه لا يعتق إلا بعد الولادة حتى لو باع الأم أو مات المولى قبل الولادة بطلت اليمين كما في "البدائع".
ولم يشترط المصنف ولادته حيا بعد عتقه، وظاهر ما في "المحيط" أنه شرط قال:  ولو أعتق أحد شريكي الأمة ما في بطنها فولدت توأما ميتا لا ضمان عليه؛ لأن الإتلاف لم يثبت يقينا لاحتمال أن الجنين لم يكن حيا ولم تنفخ فيه الروح أصلا فلا يجب الضمان بالشك، ولو ولدت توأما حيا يضمن؛ لأن الظاهر أن الحياة كانت موجودة فيه وقت الإعتاق، ولو أعتق أحد الشريكين الجنين فضرب أجنبي بطنها وألقت ميتا فعلى الضارب نصف عشر قيمته إن كان غلاما وعشر قيمتها إن كانت جارية عند أبي حنيفة؛ لأن معتق البعض كالمكاتب عنده فالضرب صادفه وهو رقيق فيجب فيه ما يجب في جنين الأمة، وعندهما يجب فيه ما في جنين الحرة ويضمن المعتق نصفه لشريكه؛ لأن الشرع لما أوجب ضمانه على الضارب فقد حكم بكونه حيا قبل الضرب فيكون المعتق بالإعتاق متلفا نصيب شريكه فيضمن نصف قيمته ويرجع بذلك فيما أدى الضارب؛ لأن المعتق ملك نصيب صاحبه بالضمان فإن الجنين مما يقبل النقل من ملك إلى ملك فإنه يملك بالوصية فصار نصيب صاحبه مكاتبا له فهذا مكاتب مات عن وفاء فيقضى منه سعايته وما بقي فميراث لورثته أو لمعتقه؛ لأنه مات حرا ا ه.
وأشار المصنف إلى أن تدبير الحمل وحده صحيح بالأولى قالوا ولا يجوز بيع الأم إذا أعتق ما في بطنها ويجوز هبتها والفرق أن استثناء ما في بطنها عند بيعها لا يجوز قصدا فكذا حكما بخلاف الهبة لكن لا يحكم ببطلان البيع إلا بعد الولادة لأقل من ستة أشهر وفي "المبسوط" وبعدما دبر ما في البطن لو وهب الأم لا يجوز وهو الأصح، والفرق أن بالتدبير لا يزول ملكه عما في البطن فإذا وهب الأم بعد التدبير فالموهوب متصل بما ليس بموهوب فيكون في معنى هبة المشاع فيما يحتمل القسمة، أما بعد العتق ما في البطن غير مملوك ا ه.
وفي "المحيط":  لو قال لأمته أنت حرة أو ما في بطنك عتقت إذا لم تكن حاملا؛ لأن التخيير لم يصح، ولو قال لأمته الحامل أنت حرة أو ما في بطنك حر فضرب إنسان بطنها فألقت جنينا ميتا قد استبان خلقه قال يخير المولى فإن أوقع العتق على الأم عتق الجنين بعتقها وعلى الضارب غرة للمولى وإن مات المولى قبل البيان فضرب إنسان بطنها فألقت جنينا ميتا قد استبان خلقه قال في الجنين غرة حر ويعتق نصف الأمة وتسعى في نصف قيمتها ولا سعاية على الجنين ا ه.
وفي "الظهيرية":  رجل أوصى بما في بطن جاريته لإنسان فمات الموصى فأعتق الورثة ما في

 

ج / 4 ص -351-       والولد يتبع أمه في الملك، والحرية، والرق، والتدبير، والاستيلاد، والكتابة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بطن الجارية جاز إعتاقهم ويضمنون قيمة الولد يوم الولادة.
"قوله:  والولد يتبع الأم في الملك والحرية والرق والتدبير والاستيلاد والكتابة" لإجماع الأمة؛ ولأن ماءه يكون مستهلكا بمائها فيرجح جانبها؛ ولأنه متيقن به من جهتها ولهذا يثبت نسب ولد الزنا وولد الملاعنة منها حتى ترثه ويرثها؛ لأنه قبل الانفصال هو كعضو من أعضائها حسا وحكما حتى يتغذى بغذائها ويدخل في البيع والعتق وغيرهما من التصرفات تبعا لها فكان جانبها أرجح، وكذا يعتبر جانب الأم في البهائم أيضا حتى إذا تولد بين الوحشي والأهلي أو بين المأكول وغير المأكول يؤكل إذا كانت أمه مأكولة وتجوز الأضحية به إذا كانت أمه يجوز التضحية بها.
وفي "الظهيرية" لو قال القائل هل يصير الولد حرا من زوجين رقيقين من غير إعتاق ولا وصية قيل نعم وصورته إذا كان للحر ولد هو عبد لأجنبي فزوج الأب جاريته من ولده برضا مولاه فولدت الجارية ولدا فهو حر؛ لأنه ولد ولد المولى، ولو عبر المصنف بالحمل أو بالجنين بدل الولد لكان أولى؛ لأنه لا يتبع الأم في أوصافها إلا الحمل، أما الولد بعد الوضع فلا يتبعها في شيء مما ذكر حتى لو أعتق الأم بعد الولادة لا يعتق الولد. وقد علمت مما قدمناه أن المراد بالحرية هنا الحرية الأصلية، أما الطارئة فقد أفادها أولا بقوله، ولو أعتق حاملا عتقا.
وفي "البدائع" لو اختلف المولى والمدبرة في ولدها فقال المولى ولدتيه قبل التدبير فهو رقيق، وقالت هي ولدته بعده فهو مدبر فالقول قول المولى مع يمينه على علمه والبينة بينة المدبرة، ولو كان مكان التدبير عتق فقال المولى للمعتقة ولدتيه قبل العتق وهو رقيق، وقالت ولدته بعد العتق وهو حر يحكم فيه الحال إن كان الولد في يدها فالقول قولها وإن كان في يد المولى فالقول قوله؛ لأن الظاهر يشهد لمن هو في يده بخلاف المدبرة فإنها في يد المولى فكذا ولدها. ا ه.
وفي "الخانية" من الدعوى في مسألة إعتاقها لو كان الولد في أيديهما فكذلك يكون القول قولها؛ لأنها تدعي الولادة في أقرب الأوقات وفيه حرية الولد، ولو أقاما البينة فبينتها أولى؛ لأن بينة المولى قامت على نفي العتق وبينتها قامت على إثبات الحرية، وكذلك في الكتابة، أما في التدبير فالقول قول المولى؛ لأنهما تصادقا على رق الولد، وذكر في "المنتقى" عن محمد إن كان الولد يعبر عن نفسه يرجع إليه ويكون القول للولد وإلا فالقول لمن هو في يده منهما ا ه.
وقد أشار المصنف بعطف الرق على الملك إلى المغايرة بينهما وهو كذلك فإن الملك هو

 

ج / 4 ص -352-       وولد الأمة من سيدها حرّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القدرة على التصرف ابتداء فخرج الولي والوصي والوكيل، أما الرق فعجز حكمي عن الولاية والشهادة والقضاء ومالكية المال كائن عن جعله شرعا عرضة للتملك والابتذال واختلفوا هل هو حق الله تعالى أو حق العامة فقيل بالأول؛ لأن الكفار لما استنكفوا عن عبادته جعلهم الله أرقاء لعباده فكان سبب رقهم كفرهم أو كفر أصولهم، وقيل بالثاني لكونه وسيلة إلى نفعهم وإقامة مصالحهم ودفع الشر عنهم قالوا أول ما يؤخذ المأسور يوصف بالرق ولا يوصف بالملك إلا بعد الإخراج إلى دار الإسلام، والملك يوجد في الجماد والحيوان غير الآدمي دون الرق وبالبيع يزول ملكه دون الرق وبالعتق يزول ملكه قصدا؛ لأنه حقه ويزول الرق ضمنا ضرورة فراغه عن حقوق العباد ويتبين لك الفرق بينهما في القن وأم الولد والمكاتب فإن الملك والرق كاملان في القن، ورق أم الولد والمدبر ناقص حتى لا يجوز عتقها عن الكفارة والملك فيها كامل حتى جاز وطء أم الولد والمدبرة، والمكاتب رقه كامل حتى جاز عتقه عن الكفارة وملكه ناقص حتى خرج من يد المولى ولا يدخل تحت قوله كل مملوك أملكه فهو حر فحاصله أن جواز البيع يعتمد كمالهما وحل الوطء يعتمد كمال الملك فقط وجواز العتق عن الكفارة يعتمد كمال الرق فقط.
وقيد بالتبعية فيما ذكر للاحتراز عن النسب فإنه للأب؛ لأن النسب للتعريف وحال الرجال مكشوفة دون النساء حتى لو تزوج هاشمي أمة إنسان فأتى بولد فهو هاشمي تبعا لأبيه رقيق تبعا لأمه كما في "فتح القدير"؛ لأن الزوج قد رضي برق الولد حيث أقدم على تزوجها مع العلم برقها بخلاف المغرور فإن ولده من الأمة حر؛ لأنه لم يرض به لعدم علمه فانعلق حرا ووجبت القيمة وهو مما يستثنى من كلام المصنف فإنه لم يتبع أمه في الرق والملك وإنما لم يذكره هنا؛ لأنه سيصرح به في باب دعوة النسب وللاحتراز عن الدين فإنه يتبع خير الأبوين دينا؛ لأنه أنظر له.
"قوله:  وولد الأمة من سيدها حر"؛ لأنه انعلق حرا للقطع بأن إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن قط إلا حر إلا أنه يعلق مملوكا، ثم يعتق عليه كما هو ظاهر "الهداية" وغيرها وفي "المبسوط" الولد يعلق حرا من الماءين؛ لأن ماءه حر وماء جاريته مملوك لسيدها فلا تتحقق المعارضة بخلاف ابنه من جارية الغير فإن ماءها مملوك لغيره فتتحقق المعارضة فيترجح جانبها بأنه مخلوق من مائها بيقين كما قدمناه وسيأتي أنه لا بد أن يعترف به.
وفي آخر "جامع الفصولين":  قد يكون الولد حرا من زوجين رقيقين بلا تحرير ووصية وصورته أن يكون للحر ولد وهو قن لأجنبي فزوج الأب أمته من ولده برضا مولاه فولدت الأمة ولدا فهو حر؛ لأنه ولد ولد المولى ا ه. فعلى هذا ولد الأمة من سيدها أو ابن سيدها أو أبى سيدها حر، وقد قدمناه أيضا عن "الظهيرية" والله أعلم.

 

ج / 4 ص -353-       1- باب العبد يعتق بعضه
من أعتق بعض عبده لم يعتق كله، وسعى فيما بقي، وهو كالمكاتب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- باب العبد يعتق بعضه
لا شك في كثرة وقوع عتق الكل وندرة عتق البعض وفي أن ما كثر وجوده فالحاجة إلى بيان أحكامه أمس منها إلى ما يندر وجوده وأن دفع الحاجة الماسة تقدم على النادرة فلذا أخر هذا عما قبله.
"قوله:  من أعتق بعض عبده لم يعتق كله وسعى فيما بقي وهو كالمكاتب" وهذا عند أبي حنيفة، وقالا يعتق كله واختلف المشايخ في تحرير محل النزاع فذهب صاحب "الهداية" وكثير إلى أنه مبني على أن الإعتاق يتجزأ عنده فيقتصر على ما أعتق، وعندهما لا يتجزأ وأقام الدليل من الجانبين وفي "غاية البيان" والمراد من تجزؤ الإعتاق والملك أن يتجزأ المحل في قبول حكم الإعتاق وهو زوال الملك بأن يزول في البعض دون البعض وأن يتجزأ المحل في قبول حكم الملك وهو أن يكون البعض مملوكا لواحد والبعض الآخر لآخر وليس معناه أن ذات الإعتاق أو ذات الملك تتجزأ؛ لأن معناه واحد لا يقبل التجزى ا ه.
وفي "فتح القدير":  والذي يقتضيه النظر أن هذا غلط في تحرير محل النزاع فإنهم لم يتواردوا على محل واحد في التجزؤ وعدمه فإن القائل العتق أو الإعتاق يتجزأ لم يرده بالمعنى الذي يريد به قائل إنه لا يتجزأ وهو زوال الرق أو إزالته إذ لا خلاف بينهم في عدم تجزئه، بل زوال الملك وإزالته ولا خلاف في تجزئه فلا ينبغي أن يقال اختلف في تجزؤ العتق وعدمه ولا الإعتاق، بل الخلاف في التحقيق ليس إلا فيما يوجبه الإعتاق أولا وبالذات فعنده زوال الملك ويتبعه زوال الرق فلزم تجزؤ موجبه غير أن زوال الرق لا يثبت إلا عند زوال الملك عن الكل شرعا كحكم الحدث لا يزول إلا عند غسل كل الأعضاء وغسلها متجزئ. وهذا لضرورة أن العتق قوة شرعية هي قدرة على تصرفات شرعية ولا يتصور ثبوت هذه في بعضه شائعا فقطع بعدم تجزئه والملك متجزئ قطعا فلزم ما قلنا من زوال الملك عن البعض وتوقف زوال الرق على زوال الملك عن الباقي وحينئذ فينبغي أن يقام الدليل من الجانبين على أن الثابت به أولا زوال الملك أو الرق؛ لأنه محل النزاع والوجه منتهض لأبي حنيفة، أما المعنى فلأن تصرف الإنسان يقتصر على حقه، وحقه الملك، أما الرق فحق الله أو حق العامة، أما السمع فما في الصحيحين مرفوعا "من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل" فأعطى شركاءه حصصهم

 

ج / 4 ص -354-       وعتق العبد عليه وإلا فقد عتق منه ما عتق"1 إلى آخره، وقد أطال رحمه الله إطالة حسنة هنا كما هو دأبه ولسنا بصدد الدلائل.
وقد صرح في "البدائع" بأن العتق يتجزأ عنده سواء كان بمعنى زوال الملك أو زوال الرق وأن الرق يتجزأ ثبوتا وزوالا؛ لأن الإمام إذا ظهر على جماعة من الكفرة وضرب الرق على أنصافهم ومن على الأنصاف جاز ويكون حكمهم وحكم معتق البعض في حالة البقاء سواء ا ه. وهو بعيد كما قرره المحقق ووفق في "المجتبى" بين عبارات المشايخ فمن قال إن العتق يتجزأ عنده لا يريد به والله أعلم أنه يسقط ملك المعتق عن الشقص الذي أضاف إليه العتق ويبقى الملك في الباقي فإن قلت:  إذا سقط ملكه عن الشقص المعتق يصير حرا كسائر الأحرار.
قلت:  هذا يشكل بالمكاتب إذا مات مولاه فإنه يسقط الملك ولا يصير حرا كسائر الأحرار ومن قال بأن العتق لا يتجزأ عندنا أراد أن خروجه عن كونه محلا للتمليك والتملك كالبيع والهبة والإرث لا يتجزأ وأنه عبارة صحيحة؛ لأنه من لوازم حقيقة العتق وذكر الملزوم وإرادة اللازم جائز وخروجه عن محلية التمليك والملك متفق عليه بين أصحابنا لكن عندهما بزوال الرق أصلا، وعنده بسقوط الملك عن الشقص المعتق وفساده في الباقي هذا ما تضمنه شروح الأسلاف والأخلاف في هذا الباب ا ه.
والحاصل:  أن من أعتق بعض عبده عتق منه ذلك القدر أي زال ملكه عن ذلك القدر وبقي الرق فيه بتمامه. وإذا لزم شرعا أن لا يبقى في الرق لزم أن يسعى العبد في باقي قيمته لاحتباس مالية الباقي عنده وما لم يؤد السعاية فهو كالمكاتب حيث يتوقف عتق كله على أداء البدل وكونه أحق بمكاسبه ولا يد للسيد عليه ولا استخدام وكونه رقيقا كله إلا أنه يخالفه في أنه لو عجز لا يرد إلى الاستخدام بخلاف المكاتب بسبب أن المستسعى زوال الملك عن بعضه لا إلى مالك صدقة عليه به وإنما يلزم المال ضرورة الحكم الشرعي وهو تضمينه قهرا بخلاف المكاتب فإن عتقه في مقابلة التزامه بعقد باختياره يقال ويفسخ بتعجيزه نفسه.
وقد ذكروا مسألة في الجنايات يخالف معتق البعض فيها المكاتب أيضا هي أن المكاتب إذا قتل عمدا ولم يترك وفاء وله وارث غير المولى يجب القصاص على القاتل؛ لأنه مات رقيقا لانفساخ المكاتبة بموته عاجزا بخلاف معتق البعض إذا قتل ولم يترك وفاء حيث لا يجب القصاص؛ لأن العتق في البعض لا ينفسخ بموته عاجزا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري، كتاب العتق، باب إذا أعتق عبدا بين اثنين أو أمة بين شركاء "2522"، وأبو داود، كتاب العتق، باب فيمن روى أنه لا يستسعى "3940"، والنسائي، كتاب البيوع، باب الشركة في الرقيق "7/319". الترمذي، كتاب الأحكام، باب ما جاء في العبد يكون بين الرجلين فيعتق أحدهما نصيبه "1346"، وابن حبان في صحيحه "4316".

 

ج / 4 ص -355-       وإن أعتق نصيبه، فلشريكه أن يحرر، أو يستسعى، والولاء لهما أو يضمن لو موسرا ويرجع به على العبد، والولاء له
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وذكروا في البيوع كما في الحقائق أن الجمع بين العبد ومعتق البعض في بيعهما صفقة واحدة كالجمع بين العبد والحر فيبطل فيهما؛ لأن كتابة معتق البعض لا تقبل الفسخ بخلاف المكاتب فهي ثلاث مسائل يخالف فيها معتق البعض المكاتب وإنما لم يذكروها نصا لأنهما أثران لعدم قبول الفسخ كما لا يخفى وأطلق في البعض فشمل المعين والمبهم ولزمه بيانه.
وفي "جوامع الفقه" الاستسعاء أن يؤاجره ويأخذ قيمة ما بقي من أجره قالوا وعلى هذا الخلاف التدبير والاستيلاد.
"قوله:  وإن أعتق نصيبه فلشريكه أن يحرر أو يستسعي، والولاء لهما أو يضمن لو موسرا ويرجع به على العبد والولاء له" وهذا عند أبي حنيفة، وقالا ليس له إلا الضمان مع اليسار والسعاية مع الإعسار ولا يرجع المعتق على العبد وهذه المسألة تنبني على أصلين أحدهما تجزؤ الإعتاق وعدمه على ما بيناه والثاني أن يسار المعتق لا يمنع استسعاء العبد عنده، وعندهما يمنع لهما في الثاني قوله عليه السلام في الرجل "يعتق نصيبه إن كان غنيا ضمن وإن كان فقيرا سعى في حصة الآخر" قسم والقسمة تنافي الشركة وله أنه إن احتبست مالية نصيبه عند العبد فله أن يضمنه كما إذا هبت الريح بثوب إنسان وألقته في صبغ غيره حتى انصبغ به فعلى صاحب الثوب قيمة صبغ الآخر موسرا كان أو معسرا لما قلنا فكذا هنا إلا أن العبد فقير فيستسعيه وإنما ثبت الخيار للشريك الساكت لقيام ملكه في الباقي إذ الإعتاق يتجزأ عنده.
وقد ذكر المصنف أن له الإعتاق والاستسعاء والتضمين وزاد عليه في "التحفة" خيارين آخرين التدبير والكتابة وإنما تركهما المصنف؛ لأن الكتابة ترجع إلى معنى الاستسعاء، ولو عجز استسعى، ولو امتنع العبد من السعاية يؤاجره جبرا ويدل على أن الكتابة في معنى الاستسعاء أنه لو كاتبه على أكثر من قيمته إن كان من النقدين لا يجوز إلا أن يكون قدرا يتغابن الناس فيه؛ لأن الشرع أوجب السعاية على قيمته فلا يجوز الأكثر، وكذا لو كان صالحه على عرض أكثر من قيمته جاز. وإن كاتبه على حيوان جازت.
أما التدبير ففي "البدائع" و"المحيط" فإن اختار التدبير فدبر نصيبه صار نصيبه مدبرا عند أبي حنيفة؛ لأن نصيبه باق على ملكه فيحتمل التخريج إلى العتق، والتدبير تخريج له إلى العتق إلا أنه لا يجوز له أن يتركه على حاله ليعتق بعد الموت، بل تجب عليه السعاية للحال فيؤدي فيعتق؛ لأن تدبيره اختيار منه للسعاية. ا ه. فلما كان التدبير والكتابة راجعين إلى السعاية لم يذكرهما

 

ج / 4 ص -356-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصنف وظاهر كلام الكمال أنه لا فائدة لهما حيث يرجعان إليها.
قلت:  بل لهما فائدة أما في التدبير فلأن الشريك المدبر إذا مات عتق العبد كله بسبب التدبير وسقطت عنه السعاية إذا كان يخرج من ثلث ماله، ولولا التدبير لسعى للورثة كالمكاتب، أما في الكتابة فلأن فائدتها تعيين البدل؛ لأنه لولا الكتابة لاحتيج إلى تقويمه وإيجاب نصف القيمة، وقد يحتاج فيها إلى القضاء عند التنازع في المقدار ولا يدل عدم جواز الكتابة على أكثر من القيمة زيادة فاحشة على أنه لا فائدة لها؛ لأن الحكم كذلك في صلح الساكت مع الشريك المعتق.
قال في "البدائع":  ولو صالح الذي لم يعتق العبد المعتق على مال فإن هذا لا يخلو من الأقسام التي ذكرناها في المكاتبة فإن كان الصلح على الدراهم والدنانير على نصف قيمته فهو جائز، وكذا إذا كان على أقل من نصف قيمته، وكذا إذا صالح على أكثر من نصف القيمة مما يتغابن الناس في مثله فأما إذا كان على أكثر من قيمته مما لا يتغابن الناس في مثله فالفضل باطل في قولهم جميعا؛ لأنه ربا. ا ه. فالحق أن الخيارات خمسة كما هو في "البدائع" وغيرها.
وأطلق المصنف في تحرير الشريك فشمل العتق منجزا ومضافا قال في "فتح القدير" وينبغي إذا أضافه أن لا تقبل منه إضافته إلى زمان طويل؛ لأنه كالتدبير معنى، ولو دبره وجب عليه السعاية في الحال فيعتق كما صرحوا به فينبغي أن يضاف إلى مدة تشاكل مدة الاستسعاء. ا ه.
وأشار المصنف بذكر هذه الخيارات إلى أنه ليس له خيار الترك على حاله؛ لأنه لا سبيل إلى الانتفاع به مع ثبوت الحرية في جزء منه فلا بد من تخريجه إلى العتق كما في "البدائع" وإلى أنه لو اختار واحدا مما ذكر تعين فإن اختار الاستسعاء، فليس له التضمين وعكسه نعم إذا اختار الاستسعاء فله الإعتاق وإلى أنه ليس للساكت أن يختار التضمين في البعض والسعاية في البعض كما في "المبسوط".
وأطلق في تضمين الموسر وهو مقيد بأن يكون الإعتاق بغير إذنه فلو أعتق أحدهما نصيبه بإذن صاحبه فلا ضمان عليه وإنما الاستسعاء في ظاهر الرواية، وعن أبي يوسف أنه يضمن؛ لأنه عنده ضمان تملك لا إتلاف ولذا كان كل الولاء له وضمان التملك لا يسقط بالرضا وجه ظاهر الرواية أن ضمان الإعتاق ضمان إتلاف. ولذا يختلف باليسار والإعسار وإنما ملك نصيب صاحبه بمقتضى الإعتاق تصحيحا له لا قصدا؛ لأن الإعتاق وضع لإبطال الملك فثبوت الملك بما وضع لإبطاله يكون تناقضا والمقتضي تبع للمقتضى فكان حكمه حكم المقتضي والمقتضى وهو الإعتاق لا يوجب الضمان مع الرضا فلذا تبعه كذا في "المحيط" ولو كان الساكت جماعة فاختار

 

ج / 4 ص -357-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعضهم السعاية وبعضهم الضمان فلكل منهم ما اختار في قول أبي حنيفة كذا في "البدائع".
واختلف في حد اليسار هنا ففي "الهداية" ثم المعتبر يسار التيسير وهو أن يملك من المال قدر نصيب الآخر لا يسار الغني؛ لأن به يقيد له النظر من الجانبين بتحقيق ما قصده المعتق من القربة وإيصال بدل حق الساكت إليه وجعله في "فتح القدير" ظاهر الرواية قال وفي رواية الحسن استثنى الكفاف وهو المنزل والخادم وثياب البدن والذي يظهر أن استثناء الكفاف لا بد منه على ظاهر الرواية ولذا اقتصر عليه في "المحيط" فقال:  ثم حد اليسار أن يكون المعتق مالكا لمقدار قيمة ما بقي من العبد سوى ملبوسه وقوت يومه لا ما يعتبر في حرمة الصدقة وصححه في "المجتبى" وتعتبر قيمة العبد في الضمان والسعاية يوم الإعتاق؛ لأنه سبب الضمان كالغصب، وكذلك يعتبر يسار المعتق وإعساره يوم الإعتاق حتى لو أعتق وهو موسر، ثم أعسر لا يبطل حق التضمين، ولو أعتق وهو معسر، ثم أيسر لا يثبت لشريكه حق التضمين لأن الضمان متى تعين على المعتق أو السعاية على العبد شرعا برئ الآخر عن الضمان ولا يعود إليه أبدا كالغاصب مع غاصب الغاصب إذا تعين الضمان على أحدهما باختيار المالك برئ الآخر عنه فكذا هذا.
ولو اختلفا في قيمة العبد يوم العتق فإن كان العبد قائما يقوم العبد للحال.؛ لأنه أمكن معرفة قيمته للحال بالعيان ورفع اختلافهما بالبيان وإن كان العبد هالكا فالقول قول المعتق؛ لأنه تعذر معرفة قيمته بالعيان؛ لأن أوصافه تتغير بالموت فيجب اعتبار قول واحد منهما، والساكت يدعي الزيادة والمعتق ينكر فيكون القول له، وإن اتفقا على أن الإعتاق سابق على الاختلاف فالقول قول المعتق كان العبد قائما أو هالكا؛ لأنه وقع العجز عن معرفة قيمته؛ لأن قيمة الشيء قد تزداد وقد تنقص بمضي الوقت فيكون القول قول المعتق لإنكار الزيادة وإن اختلفا في الوقت والقيمة فقال المعتق أعتقته يوم كذا وقيمته مائة، وقال الساكت أعتقته للحال وقيمته مائتان يحكم بالعتق للحال؛ لأن العتق أمر حادث والأصل في الحوادث أن يحكم بحدوثها حال ظهورها فمن ادعى الحدوث حالة الظهور فهو متمسك بالأصل فيكون القول له فكان العتق ثبت بتصادقهما للحال فيقوم العبد إن كان قائما ويكون القول للمعتق في قيمته إن كان هالكا، وكذلك على هذا التفصيل لو اختلف الساكت والعبد في قيمته وإن اختلفا في يسار المعتق وإعساره والعتق متقدم على الخصومة إن كانت مدة يختلف فيها اليسار والإعسار فالقول قول المعتق؛ لأنه ينكر اليسار وشغل ذمته بالضمان وإن كان لا يختلف يعتبر للحال فإن علم يسار المعتق للحال فلا معنى للاختلاف وإن لم يعلم فالقول للمعتق، ولو مات أحدهم قبل أن يختار الشريك شيئا فلا يخلو إما أن مات العبد أو المعتق أو الساكت. فإن مات العبد ضمن المعتق في ظاهر الرواية؛ لأنه ضمان إتلاف شرع لجبر الفائت فلا يسقط بهلاك محل التلف كما لو هلك المغصوب وفي رواية

 

ج / 4 ص -358-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يضمن المعتق وإن كان للعبد كسب رجع بما ضمن المعتق فيه؛ لأنه يملك نصيب الساكت بأداء الضمان من وقت العتق فصار مكاتبا له وهل للساكت أن يأخذ من تركة العبد قيمة نصيبه إذا لم يضمن المعتق قيل له ذلك كالمكاتب، وقال عامة مشايخنا ليس له ذلك وظاهر إطلاق محمد يدل عليه.
وأما إذا مات المعتق والعتق في صحته يؤخذ الضمان من ماله وإن كان في مرضه فعندهما لا يجب شيء على ورثته في ماله، وعند محمد يستوفى من ماله، أما إذا مات الساكت فلورثته أن يختاروا الإعتاق أو الضمان أو السعاية؛ لأنهم قائمون مقام مورثهم فإذا اختار بعضهم العتق وبعضهم الضمان فلهم ذلك في ظاهر الرواية، وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه ليس لهم ذلك وصححه في "المبسوط" وفي "المجتبى" ومعنى قوله لورثته الإعتاق الإبراء لا حقيقة العتق؛ لأن المستسعى بمنزلة المكاتب عنده ولا تورث رقبة المكاتب بموت مولاه وإنما يورث بدل الكتابة لكن لهم الإبراء عن السعاية كذا هذا ا ه.
وأشار المصنف بذكر هذه الخيارات إلى أن الساكت لو ملك نصيبه من المعتق ببيع أو هبة فإنه لا يجوز استحسانا؛ لأنه لم يبق محلا للتمليك؛ لأنه مكاتب عنده حر مديون عندهما بخلاف ما إذا ضمن المعتق نصيب الساكت فإنه يملكه بالضمان ضرورة. قال قاضي خان في جامعه، وإذا ضمن المعتق وأدى الضمان ملك نصيب الساكت فيخير في نصيب الساكت إن شاء أعتق وإن شاء استسعى بمنزلة ما لو كان الكل له فأعتق بعضه. ا ه. ولذا كان الولاء كله له وإنما رجع المعتق على العبد بما ضمن لقيامه مقام الساكت بأداء الضمان، وقد كان للساكت الاستسعاء فكذا لمن قام مقامه بخلاف العبد المستسعى لا رجوع له بما أدى على المعتق بإجماع أصحابنا؛ لأنه أدى لفكاك رقبته بخلاف المرهون إذا أعتقه الراهن المعسر حيث يرجع على المعتق إذا قدر على دفع القيمة للمرتهن؛ لأنه يسعى في فك رقبة قد فكت أو يقضي دينا على الراهن وفي "المجتبى" لو كان العبد بين ثلاثة لأحدهم نصفه وللثاني ثلثه وللثالث سدسه فأعتقه صاحب النصف والثلث يضمنان السدس نصفين والولاء للأول في النصف وفيما ضمن من نصف السدس وللثاني في ثلثه وفيما ضمن من نصف السدس.
وأطلق المصنف في الشريك وهو مقيد بمن يصح منه الإعتاق فلو كان الشريك صبيا ينتظر بلوغه إن لم يكن له ولي أو وصي فإن كان له أحدهما فله الخيار إن شاء ضمن وإن شاء استسعى أو كاتب؛ لأنه ضمان نقل الملك فصار كالبيع واختيار السعاية كالكتابة وللولي ولاية بيع مال الصبي وكتابة عبده وللقاضي أن ينصب وصيا ليختار أحدهما وليس لهما اختيار الإعتاق

 

ج / 4 ص -359-       ولو شهد كلّ بعتق نصيب صاحبه سعى لهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والتدبير، والجنون كالصبى كما في "البدائع" وإن كان الشريك عبدا مأذونا فإن كان مديونا فله اختيار التضمين والاستسعاء، وإذا استسعى فالولاء لمولاه؛ لأنه أقرب الناس إليه وإن لم يكن عليه دين فالخيارات الخمسة ثابتة للمولى إن كان موسرا وإلا فالأربع والمكاتب كالمأذون والمديون.
"قوله:  ولو شهد كل بعتق نصيب صاحبه سعى لهما" أي لو شهد كل واحد من الشريكين أن شريكه أعتق نصيب نفسه سعى العبد لهما في قيمته لكل واحد منهما في نصيبه عند أبي حنيفة موسرين كانا أو معسرين أو كان أحدهما موسرا والآخر معسرا؛ لأن كل واحد منهما يزعم أن صاحبه أعتق نصيبه فصار مكاتبا في زعمه عنده وحرم عليه الاسترقاق فيصدق في حق نفسه فيمنع من استرقاقه ويستسعيه؛ لأنا تيقنا بحق الاستسعاء كاذبا كان أو صادقا؛ لأنه مكاتبه أو مملوكه فلهذا يستسعيانه ولا يختلف ذلك باليسار والإعسار؛ لأن حقه في الحالين في أحد الشيئين؛ لأن يسار المعتق لا يمنع السعاية عنده، وقد تعذر التضمين لإنكار الشريك فتعين الآخر وهو السعاية والولاء لهما؛ لأن كلا منهما يقول عتق نصيب صاحبي عليه بإعتاقه وولاؤه له وعتق نصيبي بالسعاية وولاؤه لي وهو عبد ما دام يسعى لهما بمنزلة المكاتب، وقالا إن كانا موسرين فلا سعاية عليه؛ لأن كل واحد منهما يتبرأ عن سعايته بدعوى الضمان على صاحبه؛ لأن يسار المعتق يمنع السعاية عندهما إلا أن الدعوى لم تثبت لإنكار الآخر والبراءة قد ثبتت لإقراره على نفسه وإن كانا معسرين سعى لهما. لأن كل واحد منهما يدعي السعاية عليه صادقا كان أو كاذبا على ما بيناه إذ المعتق معسر وإن كان أحدهما موسرا والآخر معسرا سعى للموسر منهما؛ لأنه لا يدعي الضمان على صاحبه لإعساره وإنما يدعي عليه السعاية فلا يبرأ عنه ولا يسعى للمعسر؛ لأنه يدعي الضمان على صاحبه ليساره فيكون مبرئا للعبد عن السعاية والولاء موقوف في جميع ذلك عندهما؛ لأن كل واحد منهما يحيله على صاحبه ويتبرأ عنه فيبقى موقوفا إلى أن يتفقا على إعتاق أحدهما كذا في "الهداية"، فلو مات قبل أن يتفقا وجب أن يأخذه بيت المال كما في "فتح القدير".
ولم يذكر المصنف تحليف كل منهما هنا وذكره في "المستصفى" فقال والسعاية لهما بعد أن يحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه؛ لأن كل واحد منهما مدع ومنكر وصرح في "البدائع" و"المحيط" بأنه يحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه وفي "فتح القدير" وهو أوجه فيجب في الجواب المذكور وهو لزوم استسعاء كل منهما للعبد أنه فيما إذا لم يترافعا إلى قاض بل خاطب كل منهما الآخر إنك أعتقت نصيبك وهو ينكر فإن هذه ليس حكمها إلا الاستسعاء إذ لو أراد أحدهما التضمين أو أراداه ونصيبهما متفاوت فترافعا أو رفعهما ذو حسبة فيما لو استرقاه بعد قولهما فإن القاضي لو سألهما فأجابا بالإنكار فحلفا لا يسترق؛ لأن كلا يقول إن صاحبه حلف كاذبا

 

ج / 4 ص -360-       ولو علق أحدهما عتقه بفعل فلان غدا وعكس الآخر، ومضى، ولم يدر عتق نصفه، وسعى في نصف لهما، ولو حلف كل واحد بعتق عبده لم يعتق واحد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
واعتقاده أن العبد يحرم استرقاقه ولكل استسعاؤه. ولو اعترفا أنهما أعتقا معا أو على التعاقب وجب أن لا يضمن كل الآخر إن كانا موسرين ولا يستسعى العبد؛ لأنه عتق كله من جهتهما، ولو اعترف أحدهما وأنكر الآخر فإن المنكر يجب أن يحلف؛ لأن فيه فائدة فإنه إن نكل صار معترفا أو باذلا وصارا معترفين فلا يجب على العبد سعاية كما قلنا ا ه.
وتقييد المصنف بشهادة كل منهما قيد اتفاقي إذ لو شهد أحدهما على صاحبه أنه أعتقه وأنكره الآخر فالحكم كذلك قال في "البدائع" لا تقبل شهادته على صاحبه وإن كانا اثنين؛ لأنهما يجران إلى أنفسهما مغنما ولا يعتق نصيب الشاهد ولا يضمن لصاحبه ويسعى العبد في قيمته بينهما موسرين كانا أو معسرين في قول أبي حنيفة، وعندهما إن كان المشهود عليه موسرا فلا سعاية للشاهد على العبد وإن كان معسرا فله السعاية عليه وهكذا في "المحيط"
"قوله:  ولو علق أحدهما عتقه بفعل فلان غدا وعكس الآخر ومضى ولم يدر عتق نصفه وسعى في نصف لهما" أي لو علق أحد الشريكين عتق العبد المشترك بفعل زيد غدا كأن قال إن دخل زيد الدار غدا فأنت حر وعكس الشريك الآخر بأن قال مثلا إن لم يدخل زيد الدار غدا فأنت حر ومضى الغد ولم يعلم دخوله أو عدمه فإنه يعتق نصف العبد بغير سعاية ويسعى العبد في نصف قيمته للشريكين، وهذا عند أبي حنيفة و أبي يوسف، وقال محمد يسعى في جميع قيمته؛ لأن المقضي عليه بسقوط السعاية مجهول ولا يمكن القضاء على المجهول فصار كما إذا قال لغيره لك على أحدنا ألف درهم فإنه لا يقضى بشيء للجهالة كذا هذا ولهما أنا تيقنا بسقوط نصف السعاية؛ لأن أحدهما حانث بيقين ومع التيقن بسقوط النصف كيف يقضى بوجوب الكل والجهالة ترتفع بالشيوع والتوزيع كما إذا أعتق أحد عبديه لا بعينه أو بعينه ونسيه ومات قبل البيان أو الذكر ويتأتى التفريع فيه على أن اليسار يمنع السعاية أو لا يمنعها على الاختلاف الذي سبق.
ولو قال المصنف بفعل فلان في وقت وعكس الآخر في ذلك الوقت لكان أولى إذ لا فرق بين الغد واليوم والأمس صرح باليوم في "المحيط" وبالأمس في "البدائع".
وأطلق المصنف في سعاية النصف فشمل ما إذا كانا موسرين أو معسرين وفي "فتح القدير" ولا يخفى أن من صورة المسألة أن يتفقا على ثبوت الملك لكل إلى آخر النهار.
"قوله:  ولو حلف كل واحد بعتق عبده لم يعتق واحد"؛ لأن المقضي عليه بالعتق مجهول، وكذا المقضي له فتفاحشت الجهالة فامتنع القضاء وفي العبد الواحد المقضي له والمقضي به

 

ج / 4 ص -361-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معلوم/ فغلب المعلوم المجهول، قيد بكون كل واحد منهما له عبد تام؛ لأنه لو كان بين رجلين عبدان قال أحدهما لأحد العبدين أنت حر إن لم يدخل فلان هذه الدار اليوم، وقال الآخر للعبد الآخر إن دخل فلان هذه الدار اليوم فأنت حر فمضى اليوم وتصادقا على أنهما لا يعلمان دخل أو لم يدخل قال أبو يوسف يعتق من كل واحد منهما ربعه ويسعى في ثلاثة أرباع قيمته بين الموليين نصفين، وقال محمد قياس قول أبي حنيفة أن يسعى كل واحد منهما في جميع قيمته بينهما نصفين وبيان كل من القولين في "البدائع" قال:  ومن هذا النوع ما ذكره محمد بن سماعة عن أبي يوسف في عبد بين رجلين زعم أحدهما أن صاحبه أعتقه منذ سنة وأنه هو أعتقه اليوم، وقال شريكه لم أعتقه، وقد أعتقته أنت اليوم فاضمن لي نصف القيمة لعتقك فلا ضمان على الذي زعم أن صاحبه أعتقه منذ سنة؛ لأن قوله أنا أعتقته اليوم ليس بإعتاق، بل هو إقرار بالعتق وأنه حصل بعد إقراره على شريكه بالعتق فلم يصح، وكذا لو قال أعتقه صاحبي منذ سنة وأعتقته أنا أمس وإن لم يقر بإعتاق نفسه لكن قامت عليه بينة أنه أعتقه أمس فهو ضامن لشريكه لظهور الإعتاق منه بالبينة فدعواه على شريكه العتق المتقدم لا يمنع ظهور الإعتاق منه بالبينة ويمنع ظهوره بإقراره ا ه.
وقيد بكون المعلق متعددا؛ لأنه لو قال عبده حر إن لم يكن فلان دخل هذه الدار اليوم، ثم قال امرأته طالق إن كان دخل اليوم عتق وطلقت؛ لأن باليمين الأولى صار مقرا بوجود شرط الطلاق وباليمين الثانية صار مقرا بوجود شرط العتق، وقيل لم يعتق ولم تطلق؛ لأن أحدهما معلق بعدم الدخول والآخر بوجوده وكل واحد من الشرطين دائر بين الوجود والعدم فلا ينزل الجزاء بالشك كذا في "النهاية".
وينبغي أن يفرق بين التعليق بالشرط الكائن وبغير الكائن فيقع في المعلق بالكائن لا بغير الكائن؛ لأن الإقرار يتصور في الكائن دون غيره، كذا في "التبيين" وهو وما قبله مردودان والحق الأول؛ لأن صيغة إن لم يكن دخل تستعمل لتحقيق الدخول في الماضي ردا على المماري في الدخول وعدمه فكان معترفا بالدخول وهو شرط الطلاق فوقع بخلاف إن لم يدخل ليس فيها تحقيق، وصيغة إن كان دخل ظاهرة لتحقيق عدم الدخول ردا على من تردد فيه فكان معترفا بعدم الدخول وهو شرط وقوع العتق فوقع بخلاف إن دخل فإنه ليس فيها تحقيق أصلا. والحاصل:  أنه قد اشتبه هذا التركيب على القائل بعدم الوقوع فيهما بتركيب إن لم يدخل وإن دخل إليه أشار في "فتح القدير".
وفي "تلخيص الجامع":  باب اليمين التي تنقض صاحبتها، حلف بالعتق إن لم يكن دخل

 

ج / 4 ص -362-       من ملك ابنه مع آخر عتق حظه، ولم يضمن، ولشريكه:  أن يعتق، أو يستسعى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أمس وبالطلاق إن كان دخل وقعا؛ لأنه بكل يمين زعم الحنث في الأخرى لهذا لو أعتق أحدهما ثم قال لكل واحد لم أعنك عتقا ولا يلزم ما لو كانت الأولى والله إذ الغموس لا يدخل تحت الحكم ليكذب به في الأخرى وتمامه فيه.
وأشار المصنف بعدم عتقهما في مسألة الكتاب إلى أنه لو اشتراهما إنسان صح وإن كان عالما بحنث أحد المالكين؛ لأن كلا منهما يزعم أنه يبيع عبده وزعم المشتري في العبد قبل ملكه له غير معتبر كما لو أقر بحرية عبد ومولاه ينكر، ثم اشتراه صح، وإذا صح شراؤه لهما واجتمعا في ملكه عتق عليه أحدهما؛ لأن زعمه معتبر الآن ويؤمر بالبيان؛ لأن المقضي عليه معلوم كذا في "فتح القدير" وهو يفيد أن أحد المتحالفين لو اشترى العبد من الحالف الآخر فإنه يصح ويعتق عليه أحدهما ويؤمر بالبيان لما ذكره كما لا يخفى وفي "المحيط" هذا إذا علم المشتري بحلفهما فإنه لم يعلم فالقاضي يحلفهما ولا يجبر على البيان ما لم تقم البينة على ذلك. ا ه.
"قوله:  ومن ملك ابنه مع آخر عتق حظه ولم يضمن ولشريكه أن يعتق أو يستسعي" لأنه ملك شقص قريبه فعتق عليه ولا ضمان عليه، ولو كان موسرا لأنه رضي بإفساد نصيبه كما إذا أذن له بإعتاق نصيبه صريحا ودلالة ذلك أنه شاركه فيما هو علة العتق وهو الشراء؛ لأن شراء القريب إعتاق وثبت لشريكه الإعتاق أو الاستسعاء لبقائه على ملكه كالمكاتب كما قدمناه، وهذا كله عند الإمام، وقالا في الشراء ونحوه يضمن الأب نصف قيمته إن كان موسرا ويسعى الابن لشريك أبيه إن كان معسرا.
أطلق المصنف في الملك فشمل ما إذا كان بالشراء أو الهبة أو الصدقة أو الوصية أو الأمهار أو الإرث وشمل ما إذا كان عالما بأنه ابنه أو لا وهو ظاهر الرواية عنه؛ لأن الحكم يدار على السبب كما إذا قال لغيره كل هذا الطعام وهو مملوك للآمر ولا يعلم الآمر بملكه وذكر الابن اتفاقي؛ لأن الحكم في كل قريب يعتق عليه كذلك وقيد بكونه ملكه مع آخر؛ لأنه لو بدأ الأجنبي فاشترى نصفه، ثم اشترى الأب نصفه الآخر وهو موسر فالأجنبي بالخيار إن شاء ضمن الأب؛ لأنه ما رضي بإفساد نصيبه وإن شاء استسعى الابن في نصف قيمته لاحتباس ماليته عنده. وهذا عند أبي حنيفة؛ لأن يسار المعتق لا يمنع السعاية عنده، وقالا لا خيار له ويضمن الأب نصف قيمته؛ لأن يسار المعتق يمنع السعاية عندهما وقيد بالقريب؛ لأنه لو ملك مستولدته بالنكاح مع آخر فإنه يجب عليه ضمان النصف لشريكه كيفما كان وإن كان ملكها بالإرث والفرق أن ضمان أم الولد ضمان تملك وذلك لا يختلف بين أن يكون بصنعه أو بغير صنعه ولهذا لا يختلف باليسار والإعسار وإنما صح شراء الابن مع آخر في مسألة الكاتب ولم يصح شراء

 

ج / 4 ص -363-       وإن اشترى نصف ابنه ممن يملك كله لا يضمن لبائعه. عبد لموسرين دبره واحد، وحرره آخر ضمن الساكت المدبر، والمدبر المعتق ثلثه مدبر إلا ما ضمن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العبد نفسه هو وأجنبي من مولاه بالنسبة إلى حصة الأجنبي لاجتماع العتق والبيع في حق واحد في زمان واحد؛ لأن بيع نفس العبد منه إعتاق على مال فبطل البيع في حصة الأجنبي بخلاف مسألة الكتاب؛ لأن شراء القريب تملك في الزمان الأول وإعتاق في الزمان الثاني وأشار المصنف إلى أنه لو حلف أحدهما بعتق عبد إن ملك نصفه فملكه مع آخر فالحكم كذلك وهو على الاختلاف.
"قوله وإن اشترى نصف ابنه ممن يملك ابنه لا يضمن لبائعه"؛ لأن البائع شاركه في العلة وهو البيع؛ لأن علة دخول المبيع في ملك المشتري الإيجاب والقبول، وقد شاركه فيه، وهذا عند أبي حنيفة موسرا كان أو معسرا، وقالا إن كان الأب موسرا يجب عليه الضمان، قيد بكونه ممن يملك ابنه؛ لأنه لو اشترى نصف ابنه من أحد الشريكين وهو موسر فإنه يلزم المشتري الضمان بالإجماع للشريك الذي لم يبع ولا يضمن للبائع شيئا؛ لأن الشريك الذي لم يبع لم يشاركه في العلة فلا يبطل حقه بفعل غيره ولا يخفى أن في مسألة الكتاب إذا لم يضمن المشتري للبائع كان له الخيار إن شاء أعتق نصيبه وإن شاء استسعى.
وفي "البدائع" رجل قال إن اشتريت فلانا أو بعضه فهو حر فادعى رجل آخر أنه ابنه، ثم اشترياه عتق عليهما ونصف ولائه للذي أعتقه وهو ابن للذي ادعاه؛ لأن النسب ها هنا لم يسبق اليمين فيعتق نصيب كل واحد منهما عليه وولاؤه بينهما؛ لأنه عتق عليهما والولاء للمعتق ا ه. مع أنهم قالوا إن المعتق آخر العصبات فينبغي أن يكون ميراثه كله لأبيه مع وجوده ولا شيء للمعتق إلا أن يفرق بين ثبوت النسب قبل العتق وبينه بعده.
"قوله:  عبد لموسرين دبره واحد وحرره آخر ضمن الساكت المدبر والمدبر المعتق ثلثه مدبرا إلا ما ضمن" أي لو كان عبد بين ثلاثة دبره أحدهم، ثم أعتقه آخر فللساكت وهو الذي لم يدبر ولم يحرر أن يضمن المدبر وليس له أن يضمن المعتق وللمدبر أن يضمن المعتق ثلث العبد مدبرا وليس له أن يضمنه الثلث الذي ضمنه للساكت وإنما يضمن الساكت المدبر ثلث قيمته قنا؛ لأن التدبير يتجزأ عند الإمام؛ لأنه شعبة من شعبه فيكون معتبرا به فاقتصر على نصيبه، وقد أفسد بالتدبير نصيب الآخرين فكان لكل واحد منهما أن يدبر نصيبه أو يعتق أو يكاتب أو يضمن المدبر أو يستسعي العبد أو يتركه على حاله، فلما حرره الآخر تعين حقه فيه وسقط اختياره غيره فتوجه للشريك الساكت سببا ضمان تدبير المدبر وإعتاق المعتق فله تضمين المدبر ليكون الضمان ضمان معاوضة إذ هو الأصل حتى جعل الغصب ضمان معاوضة على أصلنا وأمكن ذلك في التدبير لكونه قابلا للنقل من ملك إلى ملك وقت التدبير وليس له تضمين المعتق؛ لأن العبد

 

ج / 4 ص -364-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عند ذلك مكاتب أو حر على اختلاف الأصلين ولا بد من رضا المكاتب بفسخه حتى يقبل الانتقال، ثم إن الشريك الذي أعتق نصيبه أفسد على المدبر نصيبه مدبرا والضمان يتقدر بقدر المتلف ولا يضمنه قيمة ما ملكه بالضمان من جهة الساكت؛ لأن ملكه ثبت مستندا وهو ثابت من وجه دون وجه فلا يظهر في حق التضمين، وقد استفيد من كلام المصنف أنه لو كان بين اثنين دبره أحدهما، ثم حرره الآخر فللمدبر تضمين المعتق ثلثه مدبرا إن كان موسرا. ولو كان حرره أحدهما ثم دبره الآخر فللمدبر أن يستسعي العبد في نصف قيمته مدبرا؛ لأنه بالتدبير اختار ترك الضمان، ولو لم يعلم أيهما أولا فإن للمدبر تضمين المعتق ربع القيمة واستسعى العبد في ربع القيمة ويرجع المعتق بما ضمن على العبد، وكذا لو صدر الإعتاق والتدبير منهما معا، وهذا كله عند الإمام، وعندهما المعتق أولى في الكل فإن كان المعتق موسرا ضمن للمدبر وإلا سعى العبد له في نصيبه كذا في "المحيط".
وذكر قاضي خان في "شرح الجامع الصغير" أن قولنا للشريك هذه الخيارات أنه يصح منه هذه التصرفات أما لا يؤذن بالإعتاق والاستسعاء؛ لأن فيه إفساد نصيب المدبر؛ لأن المدبر كان متمكنا من استسعاء نصيبه على ملكه إلى وقت الموت وبعد الإعتاق والاستسعاء لا يتمكن. ا ه.
وفي "الهداية":  وقيمة المدبر ثلثا قيمته قنا على ما قالوا فلو كانت قيمته قنا سبعة وعشرين دينارا ضمن له ستة دنانير؛ لأن ثلثيها وهو قيمة المدبر ثمانية عشر وثلثها وهو المضمون ستة والمدبر يضمن للساكت تسعة وإنما كان كذلك؛ لأن الانتفاع بالوطء والسعاية والبدل وإنما زال الأخير فقط وإليه مال الصدر الشهيد وعليه الفتوى، إلا أن الوجه المذكور يخص المدبرة دون المدبر، وقيل يسأل أهل الخبرة أن العلماء لو جوزوا بيع هذا فأتت المنفعة المذكورة كم يبلغ فما ذكر فهو قيمته. وهذا أحسن عندي كذا في "فتح القدير".
وجوابه أن الاستخدام هو المنظور إليه الشامل للعبد والجارية والوطء من الاستخدام فالباقي في المدبر شيئان:  الاستخدام والسعاية والفائت البدل، وهذا المعنى يشمل العبد والجارية فلذا كان المفتى به ما في "الهداية"، أما قيمة أم الولد والمكاتب فسيأتي1 إن شاء الله تعالى، وقالا العبد للذي دبره أول مرة ويضمن ثلثي قيمته لشريكه موسرا كان أو معسرا بناء على أن التدبير لا يتجزأ عندهما ولم يذكر المصنف أن للساكت الاستسعاء لظهوره؛ لأن له أن يستسعي العبد في ثلث قيمته وللمدبر أن يستسعي العبد في ثلث قيمته مدبرا إذا اختار عدم تضمين المعتق كما في "غاية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الصفحة:  "366".

 

ج / 4 ص -365-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البيان" ولم يذكر الولاء قال في "الهداية" والولاء بين المعتق والمدبر أثلاثا ثلثاه للمدبر والثلث للمعتق؛ لأن العبد عتق على ملكهما على هذا المقدار ا ه.
ومراده أنه بين عصبة المدبر والمعتق؛ لأن العتق لا يثبت للمدبر إلا بعد موت مولاه كما في "غاية البيان" و"النهاية"، وفي "فتح القدير" وهو غلط. لأن العتق المنجز يوجب إخراجه إلى الحرية بتنجيز أحد الأمور من التضمين مع اليسار والسعاية والعتق حتى منع استخدام المدبر إياه من حين وجوده كما لو أعتق أحد الشريكين ابتداء ودبره الآخر الساكت فإنه لا تتأخر حرية باقيه إلى موته كما قدمناه أول الباب إلى آخره1.
وقيد المصنف باليسار؛ لأن المدبر لو كان معسرا فللساكت الاستسعاء دون التضمين، وكذا المعتق لو كان معسرا فللمدبر الاستسعاء دون تضمين المعتق، كذا في "غاية البيان" وبهذا علم أن تقييد المصنف بيسار الثلاثة ليس بقيد؛ لأن الاعتبار ليسار المدبر والمعتق، أما الساكت فلا اعتبار بحاله من اليسار والإعسار ولم يذكر المصنف رجوع المدبر بما ضمنه للساكت على العبد، وقد نص الحاكم الشهيد في "الكافي" بأنه يرجع على العبد بثلث قيمته قنا كما ضمن.
وقيد المصنف بكون الساكت اختار تضمين المدبر بعد تحرير الآخر؛ لأنه لو اختار تضمين المدبر قبل أن يعتقه الآخر ثم أعتقه كان للمدبر أن يضمن المعتق ثلثي قيمته؛ لأن الإعتاق وجد بعد تملك المدبر نصيب الساكت فله أن يضمنه ثلث قيمته قنا مع ثلث قيمته مدبرا كما هو صفته.
قال في "فتح القدير" وأورد بعض الطلبة على هذا أنه ينبغي أن يضمنه قيمة ثلثيه مدبرا؛ لأنه حين ملك ثلث الساكت بالضمان صار مدبرا لا قنا ولذا قلنا في وجه كون ثلثي الولاء له؛ لأنه صار كأنه دبر ثلثيه ابتداء والجواب لا يتم إلا بمنع كون الثلث الذي ملكه بالضمان للساكت صار مدبرا بل هو قن على ملكه إذ لا موجب لصيرورته مدبرا؛ لأن ظهور الملك الآن لا يوجبه والتدبير يتجزأ وذكرهم إياه في وجه كون ثلثي الولاء له غير محتاج إليه إذ يكفي فيه أنه على ملكه حين أعتقه الآخر وأدى الضمان وإنما لم يكن ولاؤه له لما ذكرنا من أنه ضمان جناية لا تملك ا ه. وبما قررناه أولا علم أن الواو في قول المصنف وحرره آخر بمعنى.
ثم، قيد به لأنه لو أعتقه أحدهم ودبره الآخر وكاتب الآخر ولا يعلم الأول فالتصرفات كلها جائزة ويسعى العبد للمدبر في سدس قيمته وضمن له المعتق أيضا سدس قيمته مدبرا إن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الصفحة:  "352".

 

ج / 4 ص -366-       ولو قال لشريكه هي أم ولدك، وأنكر تخدمه يوما، وتتوقف يوما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان موسرا ويسعى العبد في المكاتبة للثالث فإن عجز فهو بالخيار إن شاء استسعى العبد في ثلث قيمته والولاء أثلاثا، وإن شاء ضمن المدبر المعتق ثلث قيمته نصفين إذا كانا موسرين والولاء بينهما نصفان؛ لأنهما لما جهلا التاريخ يجعل كأن هذه التصرفات وقعن معا وأنها متجزئة عند أبي حنيفة فصحت، ثم لا شيء للمعتق على أحد وإن أعتق واحد وكاتب الآخر ودبر الثالث معا ليس لواحد الرجوع؛ لأن تصرف كل واحد حصل في ملك نفسه، وإن دبر أحدهم أولا، ثم أعتق الثاني، ثم كاتب الآخر ثبت للمدبر الرجوع على المعتق بقيمة نصيبه ولا رجوع للمكاتب على أحد فإن دبر، ثم كاتب، ثم أعتق فحكم المدبر والمعتق ما ذكرنا.
أما المكاتب إذا عجز العبد يرجع على المعتق بقيمة نصيبه؛ لأنه عاد عبدا له والمعتق أتلفه، وإن كاتبه أولا ثم دبر ثم أعتق فإن لم يعجز العبد يعتق عليه ولا ضمان له على أحد وإن عجز يرجع على المدبر بثلث قيمته لا على المعتق وتمام تفريعاته في "المحيط".
"قوله:  ولو قال لشريكه هي أم ولدك وأنكر تخدمه يوما وتتوقف يوما" أي تخدم المنكر يوما ولا تخدم أحدا يوما، وهذا عند أبي حنيفة فلا سعاية عليها للمنكر ولا سبيل عليها للمقر، وقالا إن شاء المنكر استسعى الجارية في نصف قيمتها، ثم تكون حرة ولا سبيل عليها؛ لأنه لما لم يصدقه صاحبه انقلب إقرار المقر عليه كأنه استولدها فصار كما إذا أقر المشتري على البائع أنه أعتق المبيع قبل البيع يجعل كأنه أعتق كذا هذا فتمتنع الخدمة ونصيب المنكر على ملكه في الحكم فتخرج إلى العتاق بالسعاية كأم ولد النصراني إذا أسلمت ولأبي حنيفة أن المقر لو صدق كانت الخدمة كلها للمنكر، ولو كذب كان له نصف الخدمة فيثبت ما هو المتيقن به وهو النصف ولا خدمة للشريك الشاهد ولا استسعاء؛ لأنه يبرأ عن جميع ذلك بدعوى الاستيلاد والضمان، والإقرار بأمومية الولد يتضمن الإقرار بالنسب وهو أمر لازم لا يرتد بالرد فلا يمكن أن يجعل المقر كالمستولد ونص الحاكم في "الكافي" على أن أبا يوسف رجع إلى قول أبي حنيفة فالمخالف فيها محمد فقط وعلى قوله ليس لأحد أن يستخدمها. أما المقر فلأنه تبرأ منها بالدعوى على شريكه، أما المنكر فلأنه لما أنكر نفذ الإقرار على المقر فصار كإقراره أنه استولدها، ثم إذا أدت نصف قيمتها إلى المنكر عتقت كلها؛ لأن العتق لا يتجزأ عندهما، ولم يذكر المصنف حكم كسبها ونفقتها وجنايتها والجناية عليها وحكمها بعد موت أحدهما، أما الأول ففي "غاية البيان" نصف كسبها للمنكر ونصفه موقوف اعتبارا بمنافعها، أما نفقتها فمن كسبها فإن لم يكن لها كسب ففي "المختلف" في باب محمد أن نفقتها على المنكر ولم يذكر خلافا، وقال غيره إن النصف على المنكر؛ لأن نصف الجارية له.
قال في "فتح القدير" وهو اللائق بقول أبي حنيفة وينبغي على قول محمد أن لا نفقة لها

 

ج / 4 ص -367-       وما لأم ولد تقوم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عليه أصلا؛ لأنه لا خدمة له عليها ولا احتباس، أما جنايتها والجناية عليها فموقوفة عند الإمام إلى تصديق أحدهما صاحبه وعلى قول أبي يوسف أولا وهو قول محمد تسعى في جنايتها بمنزلة المكاتب وتأخذ أرش الجناية عليها فتستعين به كما في "الكافي" للحاكم وتبعه في "غاية البيان" "و"فتح القدير"، وقد نقل الزيلعي أن النصف موقوف والنصف على الجاحد عند الإمام وفي صحته عن الإمام نظر لما علمت أن مذهبه التوقف في الكل.
وفي "المحيط" وذكر محمد التوقف على الإطلاق وهو الصحيح؛ لأنه تعذر إيجاب يوجب الجناية في نصيب المنكر على المنكر؛ لأنه عجز عن دفعها بالجناية من غير صنع منه فلا تلزمه الفدية كما لو أبق أو مات بعد الجناية بخلاف الجناية عليها؛ لأنه أمكن دفع نصيب الأرش إلى المنكر سواء كان نصيبه قنا أو أم ولد فلا معنى للتوقف. ا ه.
وأما إذا مات المنكر فإنها تعتق لإقرار المقر أنها كانت كأم ولد له، ثم تسعى في نصف قيمتها لورثة المنكر ولا تسعى للمقر؛ لأنه يدعي الضمان دون السعاية ولم أر حكمها إذا مات المقر لظهور أن الأمر كما كان قبل موته فتخدم المنكر يوما وتتوقف يوما.
وقيد بقوله:  وأنكر؛ لأنه لو صدقه كانت أم ولد له ولزمه نصف قيمتها ونصف عقرها كالأمة المشتركة إذا أتت بولد فادعاه أحدهما كما سيأتي.
"قوله:  وما لأم ولد تقوم" أي ليس لها قيمة عند أبي حنيفة، وقالا إنها متقومة للانتفاع بها وطئا وإجارة واستخداما، وهذا هو دلالة التقوم وبامتناع بيعها لا يسقط تقومها كما في المدبر ألا ترى أن أم ولد النصراني إذا أسلمت عليها السعاية، وهذا آية التقوم غير أن قيمتها ثلث قيمتها قنة على ما قالوا لفوات البيع والسعاية بعد الموت بخلاف المدبر لفوات منفعة البيع أما السعاية والاستخدام باقيان ولأبي حنيفة أن التقوم بالإحراز وهي محرزة للنسب لا للتقوم والإحراز للتقوم تابع ولهذا لا تسعى لغريم ولا لوارث بخلاف المدبر، وهذا لأن النسب فيها متحقق في الحال وهو الحرية الثابتة بواسطة الولد على ما عرف في حرمة المصاهرة إلا أنه لم يظهر عمله في حق الملك ضرورة الانتفاع فعمل التسبب في إسقاط التقوم وفي المدبر ينعقد السبب بعد الموت وامتناع البيع فيه لتحقق مقصوده فافترقا وفي أم ولد النصراني قضينا بكتابتها عليه دفعا للضرر من الجانبين وبدل الكتابة لا يفتقر وجوبه إلى التقوم، كذا في "الهداية".
وفي "غاية البيان":  وهذا تناقض من صاحب "الهداية" في كلامه؛ لأنه جعل التدبير هنا سببا بعد الموت وجعله في باب التدبير سببا في الحال ومذهب علمائنا أن التدبير سبب في

 

ج / 4 ص -368-       فلا يضمن أحد الشريكين بإعتاقها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحال بخلاف سائر التعليقات فإنها ليست بأسباب في الحال ا ه.
وجوابه أن كلامه في سقوط التقوم لأم الولد فحاصل كلامه أن سبب سقوط التقوم في أم الولد ثابت في الحال وسبب سقوطه في المدبر متأخر إلى ما بعد الموت؛ لأن الأصل أن ينعقد السبب فيه بعد الموت كسائر التعليقات وإنما قلنا بانعقاده سببا للحال على خلاف القياس لضرورة هي أن تأخره إلى وجود الشرط كغيره من التعليقات يوجب بطلانه؛ لأن ما بعد الموت زمان زوال أهلية التصرف فلا تتأخر سببية كلامه فيتقدر بقدر الضرورة فيظهر أثره في حرمة البيع خاصة لا في سقوط التقوم فتتأخر سببيته لسقوط التقوم إلى ما بعد الموت، وهذا هو مجمل كلام المصنف فلا تناقض كما في "فتح القدير".
"قوله:  فلا يضمن أحد الشريكين بإعتاقها" يعني لو كانت أمة بين رجلين ولدت فادعياه جميعا فصارت أم ولد لهما، ثم أعتقها أحدهما فلا ضمان عليه لشريكه موسرا كان أو معسرا عند الإمام، وعندهما إن كان المعتق موسرا ضمن نصف قيمتها وإن كان معسرا سعت للساكت في نصف القيمة قالوا وينبني على هذا الأصل مسائل منها ما في "المختصر"، والثانية إذا غصبها غاصب فهلكت عنده لا يضمن عنده وعندهما يضمن، والثالثة إذا مات أحدهما تعتق ولا تسعى في شيء للحي عنده، وعندهما تسعى في نصف قيمتها له، والرابعة إذا باع جارية فجاءت بولد عند المشتري لأقل من ستة أشهر فماتت الجارية فادعى البائع أن الولد ابنه ثبت نسبه منه ويأخذ الولد ويرد الثمن كله، وعندهما يرد حصة الولد ولا يرد حصة الأم كذا في "غاية البيان" وزاد في "فتح القدير" خامسة وهي ما إذا باعها وسلمها فماتت في يد المشتري لا ضمان عليه عنده ويضمن عندهما.
وذكر في "الكافي" و"النهاية" أن أم الولد إذا جاءت بولد فادعاه أحدهما ثبت نسبه منه وعتق ولم يضمن لشريكه قيمة الولد عنده؛ لأن ولد أم الولد كأمه فلا يكون متقوما عنده، وعندهما يضمن إن كان موسرا ويسعى الولد له إن كان معسرا وتعقبه في "التبيين" بأن النسب يثبت مستندا إلى وقت العلوق فلم يعلق شيء منه على ملك الشريك. وهكذا ذكر صاحب "الهداية" في باب الاستيلاد في القنة فضلا عن أن تكون أم ولد قبله حتى قال لا يغرم قيمة ولدها، وكذا ذكر غيره ولم يذكروا خلافا فيه فكيف يتصور أن يكون سقوط الضمان لأجل أنه كأمه عنده وعندهما يضمن وهو حر الأصل، ولو كان مكان الدعوى إعتاق كان مستقيما ا ه.
وحاصله:  أنهم صرحوا أن أحد الشريكين إذا ادعى ولد الأمة فإنه لا يغرم قيمة الولد من غير

 

ج / 4 ص -369-       له أعبد قال لاثنين:  أحدكما حر، فخرج واحد ودخل آخر، وكرر ومات بلا بيان عتق ثلاثة أرباع الثابت ونصف كل واحد من الآخرين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خلاف؛ لأنه ثبت نسبه مستند إلى وقت العلوق فإذا كان لا ضمان عليه في ولد القنة فكيف يضمن قيمته من أم الولد عندهما مع أنه حر الأصل ولم أر جوابا عنه وهو سهو منه للفرق الظاهر بين ولد القنة وولد أم الولد؛ لأنه في ولد القنة إنما لا يضمن قيمته لشريكه؛ لأنه لما ضمن لشريكه نصف قيمة الأمة تبين أن الاستيلاد صادف ملكه بالتمام؛ لأن النصف انتقل إليه فعلق الولد على ملكه وولد الأمة من مولاها حر فلا يغرمه.
وفي أم الولد لم ينتقل نصيب شريكه إليه؛ لأنها لا تقبل الانتقال من ملك إلى ملك فلم يكن الاستيلاد في ملكه التام فهو في نصيب شريكه كالأجنبي وولد أم الولد من الأجنبي كأمه فلذا لا يضمن عنده ويضمن عندهما والدليل على ذلك أنه لا يضمن نصف قيمة أم الولد عندهما في هذه الصورة؛ لأن مدعي الولد لم يتلف على شريكه شيئا؛ لأنها أم ولد لهما قبل دعوى الشريك الولد الثاني.
والدليل على ذلك أيضا ما نقله في "البدائع" أن المدبرة بين رجلين إذا جاءت بولد فادعاه أحدهما ثبت نسبه وصار نصفها أم ولد له ونصفها مدبرة للشريك ويغرم نصف العقر ونصف قيمة الولد مدبرا ولا يضمن نصف قيمة الأم بخلاف القنة إلى آخره فقد علمت أنه لا تقاس المدبرة وأم الولد على القنة وسنوضحه في بابها إن شاء الله تعالى والله سبحانه وتعالى أعلم، هذا ولو قرب أم الولد إلى مسبعة فافترسها السبع يضمن؛ لأن هذا ضمان جناية لا ضمان غصب.
"قوله:  له أعبد قال لاثنين أحدكما حر فخرج واحد ودخل آخر وكرر ومات بلا بيان عتق ثلاثة أرباع الثابت ونصف كل واحد من الآخرين" شروع في بيان بعض مسائل العتق المبهم وصورة هذه المسألة رجل له ثلاثة أعبد فدخل عليه اثنان فقال أحدكما حر فخرج أحدهما ودخل آخر فقال أحدكما حر ومات المولى قبل أن يبين عتق من الثابت ثلاثة أرباعه وهو الذي أعيد عليه القول وعتق نصف كل واحد من الخارج والداخل عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد كذلك إلا في العبد الأخير فإنه يعتق ربعه أما الخارج فلأن الإيجاب الأول دائر بينه وبين الثابت فأوجب عتق رقبة بينهما لاستوائهما فيصيب كل واحد منهما النصف، غير أن الثابت استفاد بالإيجاب الثاني ربعا آخر؛ لأن الثاني دائر بينه وبين الداخل فيتنصف بينهما غير أن الثابت استحق نصف الحرية بالإيجاب الأول فشاع النصف المستحق بالثاني في نصفيه فما أصاب المستحق بالأول لغا وما أصاب الفارغ بقي فيكون له الربع فتمت له ثلاثة الأرباع؛ ولأنه لو أريد هو بالثاني يعتق نصفه، ولو أريد به الداخل لا يعتق هذا النصف فيتنصف فعتق منه الربع بالثاني والنصف

 

ج / 4 ص -370-       ولو في المرض قسم الثلث على هذا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالأول. أما الداخل فمحمد رحمه الله تعالى يقول لما دار الإيجاب الثاني بينه وبين الثابت، وقد أصاب الثابت منه الربع فكذا يصيب الداخل وهما يقولان إنه دائر بينهما وقضيته التنصيف وإنما نزل إلى الربع في حق الثابت لاستحقاقه النصف بالإيجاب الأول كما ذكرنا ولا استحقاق للداخل من قبل فيثبت فيه النصف قيد بقوله ومات بلا بيان؛ لأنه ما دام حيا يؤمر بالبيان وللعبيد مخاصمته وإن بدأ بالبيان للإيجاب الأول فإن عنى به الخارج عتق الخارج بالإيجاب الأول وتبين أن الإيجاب الثاني بين الثابت والداخل وقع صحيحا لوقوعه بين عبدين فيؤمر بالبيان لهذا الإيجاب وإن عنى بالإيجاب الأول الثابت عتق الثابت بالإيجاب الأول وتبين أن الإيجاب الثاني وقع لغوا لحصوله بين حر وعبد في جواب ظاهر الرواية وإن بدأ بالبيان للإيجاب الثاني فإن عنى به الداخل بالإيجاب الثاني بقي الإيجاب الأول بين الخارج والثابت على حاله كما كان فيؤمر بالبيان وإن عنى به الثابت عتق الثابت بالإيجاب الثاني وعتق الخارج بالإيجاب الأول لتعينه للعتق بإعتاق الثابت.
وقيد بموته؛ لأنه لو مات واحد منهم فإن مات الخارج عتق الثابت بالإيجاب الأول وتبين أن الإيجاب الثاني وقع باطلا وإن مات الثابت عتق الخارج بالإيجاب الأول والداخل بالإيجاب الثاني؛ لأن الثابت قد أعيد عليه الإيجاب فموته يوجب تعيين كل واحد منهما للعتق وإن مات الداخل يؤمر المولى بالبيان للإيجاب الأول فإن عنى به الخارج عتق الخارج بالإيجاب الأول وبقي الإيجاب الثاني بين الداخل والثابت فيؤمر بالبيان وإن عنى به الثابت تبين أن الإيجاب الثاني وقع باطلا.
"قوله:  ولو في المرض قسم الثلث على هذا" أي على قدر ما يصيبهم من سهام العتق وشرحه أن يجمع بين سهام العتق وهي سبعة على قولهما؛ لأنا نجعل كل رقبة على أربعة لحاجتنا إلى ثلاثة الأرباع فنقول يعتق من الثابت ثلاثة أسهم ومن الآخرين من كل واحد منهما سهمان فبلغ سهام العتق سبعة والعتق في مرض الموت وصية ومحل نفادها الثلث فلا بد أن تجعل سهام الورثة ضعف ذلك فتجعل كل رقبة على سبعة وجميع المال أحد وعشرون فيعتق من الثابت ثلاثة ويسعى في أربعة ومن الباقين من كل واحد سهمان ويسعى في خمسة أسهم فإذا تأملت وجمعت استقام الثلث والثلثان، وعند محمد يجعل كل رقبة على ستة؛ لأنه يعتق من الداخل عنده سهم فنقصت سهام العتق سهما فصار جميع المال ثمانية عشر وباقي التخريج ما مر.
فحاصله:  أنه يعتق على قوله من الثابت نصفه ويسعى في النصف وعلى قولهما يعتق نصفه

 

ج / 4 ص -371-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلا نصف سبع ويعتق من الخارج ثلثه سهمان ويسعى في الثلثين وعلى قولهما يعتق ثلثه إلا ثلث سبع ومن الداخل سدسه وهو سهم واحد وعلى قولهما يعتق سبعاه قال في "فتح القدير". ولا يخفى أن الحاصل لورثته لا يختلف ا ه. ولا يخفى أن قسمة الثلث إنما هو عند عدم إجازة الورثة وضيق المال وعدم الدين أما إذا كانوا يخرجون من الثلث أو لا يخرجون لكن أجازه الورثة فالجواب كما إذا كان في الصحة يعتق من كل واحد ما عتق ويسعى في الباقي، ولو كان على الميت دين مستغرق يسعى كل واحد في قيمته للغرماء ردا للوصية؛ لأن العتق في مرض الموت وصية ولا وصية إلا بعد قضاء الدين فإن كان الدين غير مستغرق بأن كان ألفا وقيمة كل واحد من العبدين ألف مثلا يسعى كل واحد في نصف قيمته، ثم نصف كل واحد منهما وصية. فإن أجازت الورثة عتق النصف الباقي من كل واحد وإلا يعتق من كل واحد ثلث نصف الباقي وهو السدس مجانا ويسعى في ثلثي النصف كذا في "البدائع" في مسألة ما إذا أعتق عبديه في المرض ويستفاد منه مسألة الكتاب كما لا يخفى.
وأشار المصنف إلى أنه لو كان هذا في الطلاق فالحكم كذلك قال في "الهداية"، ولو كان هذا في الطلاق وهن غير مدخول بهن ومات الزوج قبل البيان سقط من مهر الخارجة ربعه ومن مهر الثابتة ثلاثة أثمان ومن مهر الداخلة ثمنه قيل هذا قول محمد، وعندهما يسقط ربعه، وقيل هو قولهما أيضا، وقد ذكرنا الفرق وتمام تفريعها في الزيادات. ا ه. وقد أوضحه في "فتح القدير".
ثم اعلم أن جهالة المعتق لا تخلو إما أن تكون أصلية وإما أن تكون طارئة فإن كانت أصلية وهي أن تكون الصيغة من الابتداء مضافة إلى أحد المذكورين غير عين فصاحبه المزاحم لا يخلو إما أن يكون محتملا للإعتاق أو لا يكون محتملا له والمحتمل لا يخلو من أن يكون ممن ينفذ إعتاقه فيه أو ممن لا ينفذ فإن كان محتملا للإعتاق وهو ممن ينفذ إعتاقه فيه كقوله لعبديه أحدكما حر فالكلام فيه في موضعين، الأول في كيفية هذا التصرف، والثاني في أحكامه أما كيفيته فقيل إن العتق معلق بالبيان ولا يثبت العتق قبل "الاختيار" إلا أنه ها هنا يدخل الشرط على الحكم لا على السبب كالتدبير والبيع بخيار الشرط بخلاف التعليق بسائر الشروط ونسب هذا القول إلى أبي يوسف ويقال إنه قول أبي حنيفة أيضا. وقال بعضهم هو تنجيز العتق في غير المعين للحال واختيار العتق في أحدهما بيان ونسب هذا القول لمحمد ولم يكن منصوصا عليه من أصحابنا لكنه مدلول عليه ومشار إليه.
أما الدلالة فلأنه ظهر الاختلاف بين أبي يوسف ومحمد في الطلاق فيمن قال لامرأتيه إحداكما طالق أن العدة تعتبر من وقت "الاختيار" في قول أبي يوسف والعدة إنما تجب من وقت

 

ج / 4 ص -372-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوع الطلاق فدل أن الطلاق لم يكن واقعا وفي قول محمد يعتبر من وقت الكلام السابق وهو يدل على أن الطلاق قد وقع من حين وجوده.
أما الإشارة فإنه روي عن أبي يوسف أنه قال إذا أعتق أحد عبديه تعلق العتق بذمته ويقال له أعتق وفيه إشارة إلى أنه غير نازل في المحل ومعنى قوله أعتق اختر العتق لإجماعنا أنه لا يكلف بإنشاء العتق وذكر محمد في الزيادات يقال له بين، وفيه إشارة إلى الوقوع في غير المعين، ثم القائلون بالبيان اختلفوا في كيفية البيان فمنهم من قال إنه إظهار محض، وقيل إظهار من وجه إنشاء من وجه، وهذا غير سديد؛ لأن القول الواحد لا يكون إظهارا وإنشاء.
وأما الأحكام فنقول إن للمولى أن يستخدمهما ويستغلهما قبل "الاختيار"، وهذا يدل على أنه غير واقع، ولو جنى عليهما قبل "الاختيار" فلا يخلو إما أن كانت من المولى أو من الأجنبي وكل لا يخلو إما أن يكون على النفس أو على ما دون النفس فإن كانت من المولى على ما دون النفس بأن قطع يدهما فلا شيء عليه وهو يدل على عدم نزول العتق وسواء قطعهما معا أو على التعاقب وإن كان على النفس بأن قتلهما فإن كان على التعاقب فالأول عبد والثاني حر فتلزمه دية الثاني وتكون لورثته ولا يرث المولى منها شيئا وإن قتلهما معا بضربة واحدة فعليه نصف دية كل واحد منهما. وهذا يؤيد القول بنزول العتق في غير المعين وإن كانت من أجنبي فيما دون النفس بأن قطع إنسان يدهما فعليه أرش العبيد للمولى وهو نصف قيمة كل واحد منهما قطعهما معا أو على التعاقب وهو يدل على عدم نزوله، وإن كانت في النفس فلا يخلو إما أن يكون القاتل واحدا أو اثنين فإن كان واحدا فإن قتلهما معا فعلى القاتل نصف قيمة كل واحد منهما وتكون للمولى وعليه نصف دية كل واحد منهما لورثتهما، وهذا يدل على أن العتق نازل في غير العين وإن قتلهما على التعاقب يجب على القاتل قيمة الأول للمولى ودية الثاني للورثة وإن كان القاتل اثنين فإن كانا معا فعلى كل واحد منهما القيمة نصفها للورثة ونصفها للمولى وإنما لم تجب دية؛ لأن من تجب عليه الدية منهما مجهول بخلاف ما إذا كان واحدا وإن كان على التعاقب فعلى الأول القيمة للمولى وعلى الثاني الدية للورثة، ولو كانا أمتين فولدت كل واحدة ولدا أو أحدهما فاختار المولى عتق أحدهما عتقت هي وعتق ولدها سواء كان للأخرى ولد أو لم يكن.
أما على قول التخيير فظاهر وهكذا على قول التعليق لانعقاد السبب فيسري كالاستيلاد، ولو ماتا معا قبل "الاختيار"، وقد ولدت كل ولدا خير المولى فيختار عتق أي الولدين شاء كما كان مخيرا فيهما. ولو قتل الأمتين رجل خير المولى في الولدين فأيهما اختار عتقه لا يرث من أرش

 

ج / 4 ص -373-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أمه شيئا؛ لأنه إنما عتق ب"الاختيار" وهو بعد موت الأم فلا يرث منها، بل يكون الكل للمولى، وهذا نص مذهب التعليق، ولو وطئتا بشبهة قبل "الاختيار" يجب عقرهما للمولى كالأرش وهو يؤيد قول التعليق، ولو باعهما صفقة واحدة فسد البيع على المذهبين لانعقاد السبب على قول التعليق كما لو جمع بين قن ومدبر في البيع ولم يبين حصة كل واحد منهما من الثمن، ولو قبضهما المشتري وملك أحدهما وأعتقهما المشتري أمر البائع باختيار العتق وأيهما اختار عتقه عتق الآخر على المشتري فإن مات البائع قبل البيان قام الوارث مقامه فإن لم يعتق المشتري حتى مات البائع لم ينقسم العتق بينهما حتى يفسخ القاضي البيع فإذا فسخه انقسم وعتق من كل نصفه، ولو وهبهما قبل "الاختيار" أو تصدق بهما أو تزوج عليهما تخير فيختار العتق في أيهما شاء وتجوز الصدقة والهبة والأمهار في الآخر؛ لأن حرية أحدهما لا يوجب بطلان هذه التصرفات؛ لأنه لو جمع في الهبة بين حر وعبد فإنه يصح في العبد وإن مات المولى قبل أن يبين العتق في أحدهما بطلت الهبة والصدقة فيهما وبطل إمهاره لشيوع العتق بموته، ولو أسرهما أهل الحرب كان للمولى أن يختار العتق ويكون الآخر لأهل الحرب. فإن لم يختر حتى مات بطل ملك أهل الحرب لشيوع الحرية فيهما، ولو اشتراهما من أهل الحرب تاجر فللمولى أن يختار عتق أيهما شاء ويأخذ الآخر بحصته من الثمن فإن اشترى التاجر أحدهما فاختار المولى عتقه وبطل الشراء فإن أخذه المولى من الذي اشتراه بالثمن عتق الآخر، ولو أعتق أحد عبديه في صحته، ثم بين في المرض فإنه يعتق من جميع المال وإن كانت قيمته أكثر من الثلث، وهذا يدل على أن إضافة العتق إلى المجهول إيقاع وتنجيز إذ لو كان تعليقا لاعتبر من الثلث كالإنشاء في المرض وسيأتي1 بيان ما يكون بيانا وما لا يكون بيانا.
ولو قال أحد عبيدي حر ثلاث مرات وله ثلاثة عتقوا جميعا، ولو قال أحدكم حر وكرره ثلاثا لم يعتق إلا واحد؛ لأن أحدهم عتق باللفظ الأول، ثم باللفظ الثاني جمع بين حر وعبدين فقال أحدكم حر فلم يصح، ثم باللفظ الثالث جمع بين عبد وحرين فلم يصح ذلك أيضا، ولو قال لعبده أنت حر أو مدبر يؤمر بالبيان فإن قال عنيت به الحرية عتق وإن قال عنيت التدبير صار مدبرا فإن مات قبل البيان والقول في الصحة عتق نصفه بالإعتاق البات ونصفه بالتدبير لشيوع العتقين فيه إلا أن نصفه يعتق مجانا من جميع المال ونصفه يعتق من الثلث سواء كان التدبير في المرض أو في الصحة إن خرج من الثلث عتق كل النصف وإن لم يكن له مال غيره عتق ثلث النصف ويسعى في ثلثي النصف وهو ثلث الكل. أما الحكم بعد موت المولى من غير

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الصفحة:  "374".

 

ج / 4 ص -374-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بيان فإنه يعتق من كل واحد منهما نصفه والخيار لا يورث لشيوع العتق ويسعى في نصفه، وهذا كله إذا كان المزاحم له محتملا للعتق وهو ممن ينفذ إعتاقه فيه فإن كان مما لا ينفذ إعتاقه فيه بأن جمع بين عبده وعبد غيره، وقال أحدكما حر لا يعتق عبده إلا بالنية لاحتماله كلا منهما وإن كان المزاحم مما لا يحتمل الإعتاق كما إذا جمع بين عبد وبهيمة أو حائط أو حجر، وقال أحدكما حر توقف على النية؛ لأن الصيغة للإخبار وهو صادق، ولو جمع بين عبده ومدبره، وقال أحدكما حر لا يصير عبده مدبرا إلا بالنية.
وأما الجهالة الطارئة بأن أضافه إلى أحدهما بعينه، ثم نسيه فالكلام فيه في موضعين:  أحدهما في كيفية هذا التصرف، ثانيهما في أحكامه أما الأول فلا خلاف في أن أحدهما حر قبل البيان والبيان فيه إظهار، أما الثاني فهي ضربان ضرب يتعلق بحياة المولى والآخر بعد موته أما الأول فإنه يمنع عن وطئهن واستخدامهن، والحيلة في أن يباح له وطؤهن أن يعقد عليهن عقد النكاح فتحل له الحرة منهن ويأمره القاضي بالبيان فإن امتنع حبسه ليبين وإن ادعى كل ولا بينة وجحد استحلفه القاضي لكل واحد منهما بالله ما أعتقته. فإن نكل لهما عتقا وإن حلف لهما أمر بالبيان؛ لأن حرية أحدهما لا ترتفع باليمين فإن حلف المولى للأول عتق الذي لم يحلف له وإن لم يحلف له عتق هو وإن حلف لهما وكانا أمتين يحجب عنهما حتى يبين والبيان في هذه الجهالة نوعان نص ودلالة أو ضرورة فالنص أن يعينه بقوله، أما الدلالة أو الضرورة فهو أن يفعل أو يقول ما يدل على البيان كأن يتصرف في أحدهما تصرفا لا يصح إلا في الملك من البيع والهبة والإعتاق، وكذا إذا كانا أمتين فوطئ إحداهما عتقت الأخرى بلا خلاف بخلاف الجهالة الأصلية عند الإمام وإن كن عشرا فوطئ إحداهن تعينت الموطوءة للرق حملا لأمره على الصلاح وتعينت الباقيات لكون المعتقة فيهن فتتعين بالبيان نصا أو دلالة، وكذا لو وطئ الثانية والثالثة إلى التاسعة فتتعين الباقية وهي العاشرة للعتق.
ولو ماتت واحدة منهن قبل البيان فالأحسن أن لا يطأ الباقيات قبل البيان فلو فعل جاز لاحتمال أن يتذكر أن المعتقة هي الميتة؛ لأن الحي هنا لا يتعين للعتق بخلاف الجهالة الأصلية، ولو كانت اثنتين فماتت واحدة منهما لا تتعين الباقية للعتق؛ لأن الميتة لم تتعين للملك فوقف تعينها للعتق على البيان، ولو قال المولى هذا مملوك.
وأشار إلى أحدهما تعين الآخر للعتق دلالة أو ضرورة. ولو باعهما جميعا صفقة واحدة كان البيع فاسدا، وكذا لو كانوا عشرة باعهم صفقة، ولو باعهم على الانفراد جاز البيع في التسع وتعين العاشر للعتق، أما الثاني فهو أن المولى إذا مات قبل البيان يعتق من كل منهما نصفه مجانا

 

ج / 4 ص -375-       والبيع، والموت، و"التحرير"، والتدبير بيان في العتق المبهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويسعى كل في نصفه كما في الجهالة الأصلية كذا في "البدائع" مع اختصار وحذف الدلائل.
"قوله والبيع والموت و"التحرير" والتدبير بيان في العتق المبهم" لأنه لم يبق محلا للعتق أصلا بالموت و"التحرير" وللعتق من جهته بالبيع وللعتق من كل وجه بالتدبير فتعين الآخر؛ ولأنه بالبيع قصد الوصول إلى الثمن وبالتدبير إبقاء الانتفاع إلى موته والمقصود أن ينافيان العتق الملتزم فتعين الآخر دلالة والاستيلاد والكتابة كالتدبير والمراد ب"التحرير" أن يعتق أحدهما ناويا استئناف العتق عليه أو لا نية له لا بيان للمبهم فلو قال لأحدهما أنت حر أو أعتقتك ولم يقل بذلك اللفظ أو بالعتق السابق فإن أراد به عتقا مستأنفا عتقا جميعا هذا بالإعتاق المستأنف وذلك باللفظ السابق وإن قال عنيت به الذي لزمني بقولي أحدكما حر يصدق في القضاء ويحمل قوله أعتقتك على اختيار العتق أي اخترت عتقك.
وأشار بالبيع إلى كل تصرف لا يصح إلا في الملك كهبة أحدهما أو صدقته أو رهنه أو إجارته أو الإيصاء به أو تزويجه فكان إقدامه دليلا على اختياره العتق المبهم في الآخر، وهذا على القول بأن العتق غير نازل. أما على القول بنزوله فالإقدام عليها يكون اختيارا للملك في المتصرف فيه فيتعين الآخر للعتق ضرورة.
وشرط في "الهداية" التسليم في الهبة والصدقة ليكون تمليكا، وظاهر "البدائع" أنه ليس بشرط؛ لأن المساومة إذا كانت بيانا فهذه التصرفات أولى بلا قبض وفي "الكافي" أن ذكر التسليم وقع اتفاقا وأطلق في البيع فشمل الصحيح والفاسد مع القبض وبدونه وشمل المطلق وبشرط الخيار لأحد المتعاقدين لإطلاق جواب الكتاب والمعنى ما قلنا والعرض على البيع ملحق به في المحفوظ عن أبي يوسف.
وأطلق في "التحرير" فشمل المعلق والمنجز فإن قال لأحدهما إن دخلت الدار فأنت حر عتق الآخر وقيد بالعتق المبهم؛ لأن الموت في النسب المبهم أو أمومية الولد المبهمة لا يكون بيانا فلو قال أحد هذين ابني أو أحد هاتين أم ولدي فمات أحدهما لم يتعين الآخر للحرية والاستيلاد؛ لأنه ليس بإنشاء، بل إخبار عن شيء سابق والإخبار يصح في الحي والميت فيقف على بيانه بخلاف أحدكما حر إنشاء، والإنشاء لا يصح إلا في الحي.
وأطلق في الموت فشمل القتل سواء قتله المولى أو أجنبي. فإن كان القتل من المولى فلا شيء عليه وإن كان من الأجنبي فعليه قيمة العبد المقتول للمولى فإن اختار المولى عتق المقتول لا يرتفع العتق عن الحي، ولكن يكون لورثة المقتول؛ لأن المولى قد أقر بحريته فلا يستحق شيئا من قيمته وقيد بالموت احترازا عن قطع اليد فإنه لا يعتق الآخر سواء كان القطع من

 

ج / 4 ص -376-       لا الوطء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المولى أو من الأجنبي، فإن كان من أجنبي وبين المولى العتق في غير المجني عليه فالأرش للمولى بلا شك وإن بينه في المجني عليه ذكر القدوري أن الأرش للمولى لا للمجني عليه وذكر الإسبيجابي أن الأرش للمجني عليه، وهو قياس مذهب التنجيز والأول قياس مذهب التعليق.
وفي "فتح القدير" وما يقع به البيان في العتق المبهم المنجز يقع به في العتق المبهم المعلق كأن قال إذا جاء زيد فأحدكما حر فلو مات أحدهما قبل الشرط أو تصرف فيه بإزالة الملك، ثم جاء زيد عتق الباقي.
وفرق بين البيان الحكمي والصريح فإن الحكمي قد رأيت أنه يصح قبل الشرط بخلاف الصريح فإنه لو قال قبل الشرط اخترت أن يعتق فلان، ثم وجد الشرط لا يعتبر؛ لأنه اختيار قبل وقته كما لو قال أنت حر إن دخلت هذه أو هذه، ثم عين إحداهما للحنث لا يصح تعيينه، ولو باع أحدهما أو كلاهما، ثم اشتراهما، ثم جاء زيد ثبت حكم العتق المبهم فيعتق أحدهما ويؤمر بالبيان؛ لأن زوال الملك بعد اليمين لا يبطلها ا ه.
وفي "الاختيار":  لو قال أحدكما حر فقيل أيهما نويت؟ فقال لم أعن هذا عتق الآخر، فإن قال بعد ذلك لم أعن هذا عتق الأول أيضا، وكذلك طلاق إحدى المرأتين بخلاف ماذا قال لأحد هذين على ألف فقيل له هو هذا فقال لا لا يجب للآخر شيء والفرق أن التعيين واجب عليه في الطلاق والعتاق فإذا نفاه عن أحدهما تعين الآخر إقامة للواجب أما الإقرار لا يجب عليه البيان فيه؛ لأن الإقرار للمجهول لا يلزم حتى لا يجبر عليه فلم يكن نفي أحدهما تعيينا للآخر.
"قوله:  لا الوطء" أي لا يكون وطئ إحدى الأمتين بيانا للعتق المبهم إذا لم يكن معلقا عند أبي حنيفة، وقالا هو بيان فتعتق الأخرى؛ لأن الوطء لا يحل إلا في الملك وإحداهما حرة فكان بالوطء مستبقيا الملك في الموطوءة فتعينت الأخرى لزواله بالعتق كما في الطلاق. وله أن الملك قائم في الموطوءة؛ لأن الإيقاع في النكرة وهي معينة فكان وطؤها حلالا فلا يجعل بيانا ولهذا حل وطؤهما على مذهبه إلا أنه لا يفتى به، ثم يقال العتق غير نازل قبل البيان لتعلقه به أو يقال نازل في المنكر فيظهر في حق حكم يقبله والوطء يصادف المعينة بخلاف الطلاق؛ لأن المقصود الأصلي من النكاح الولد وقصد الولد بالوطء يدل على استبقاء الملك في الموطوءة صيانة للولد أما الأمة فالمقصود من وطئها قضاء الشهوة دون الولد فلا يدل على الاستبقاء، وفي "فتح القدير" الحق أنه لا يحل وطؤهما كما لا يحل بيعهما.
وقد وضع في الأصول مسألة يجوز أن يحرم أحد أشياء كما يجوز إيجاب أحد أشياء كما في خصال الكفارة وحكم تحريم أحد أشياء جواز فعلها إلا واحدا؛ لأنه لو عمها فعلا كان فاعلا للمحرم

 

ج / 4 ص -377-       وهو، والموت بيان في الطلاق المبهم، ولو قال إن كان أول ولد تلدينه ذكرا فأنت حرة، فولدت ذكرا، وأنثى، ولم يدر الأول رق الذكر، وعتق نصف الأم، والأنثى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قطعا ولا يعلم خلاف في ذلك وثبوت الملك قد يمتنع معه الوطء لعارض كالرضاع والمجوسية فلا يستلزم قيامه حل الوطء وقد أطال رحمه الله تعالى إطالة حسنة.
والحاصل:  أن الراجح قولهما وأنه لا يفتى بقول الإمام كما في "الهداية" وغيرها لما فيه من ترك الاحتياط مع أن الإمام رحمه الله تعالى ناظر إلى الاحتياط في أكثر المسائل.
قيدنا الوطء بكونه غير معلق؛ لأنها لو علقت به عتقت الأخرى بالاتفاق وقيد بالعتق المبهم؛ لأن الوطء في التدبير المبهم لا يكون بيانا بالإجماع؛ لأن التدبير لا يزيل ملك المنافع بخلاف العتق.
وأشار المصنف إلى أنه لو قبلها أو لمسها أو نظر إلى فرجها بشهوة لا يكون بيانا بالأولى وهو على الخلاف كما في "المحيط" وإلى أنه لو استخدم أحدهما طوعا أو كرها لا يكون بيانا وهو بالإجماع؛ لأن الاستخدام لا ينافي إنشاء العتق ولا يبطله الإنشاء؛ لأنه لا يختص بالملك؛ لأنه قد تستخدم الحرة فلا يكون بيانا دلالة كذا في "المحيط".
"قوله:  وهو والموت بيان في الطلاق المبهم" أي الوطء بيان للطلاق المبهم فتطلق التي لم يطأها كما إذا ماتت إحداهما تعينت الأخرى للطلاق، وقد قدمنا الفرق بين الطلاق والعتق ولا بد أن يكون الطلاق بائنا لما لو كان رجعيا لا يكون الوطء بيانا لطلاق الأخرى لحل وطء المطلقة الرجعية وهل البيان يثبت في الطلاق بالمقدمات في الزيادات لا يثبت، وقال الكرخي يحصل بالتقبيل كما يحصل بالوطء كذا في "فتح القدير" قيد بالوطء والموت؛ لأنه لو طلق إحداهما ينبغي أن لا يكون بيانا؛ لأن المطلقة يقع الطلاق عليها ما دامت في العدة فلا يدل على أن الأخرى هي المطلقة.
"قوله:  ولو قال إن كان أول ولد تلدينه ذكرا فأنت حرة فولدت ذكرا وأنثى ولم يدر الأول رق الذكر وعتق نصف الأم والأنثى" لأن كل واحد منهما يعتق في حال دون حال وهو ما إذا ولدت الغلام أولا عتقت الأم بالشرط والجارية لكونها تبعا لها؛ لأن الأم حرة حين ولدتها وترق في حال وهو ما إذا ولدت الجارية أولا لعدم الشرط فيعتق نصف كل واحدة وتسعى في النصف أما الغلام فيرق في الحالين فلهذا يكون عبدا، وهذا الجواب كما ترى في "الجامع الصغير" من غير خلاف فيه، والمذكور لمحمد في "الكيسانيات" في هذه المسألة أنه لا يحكم بعتق واحد منهم؛ لأنا لم نتيقن بعتق واعتبار الأحوال بعد التيقن بالحرية ولا يجوز إيقاع العتق بالشك فعن هذا حكم الطحاوي بأن محمدا كان أولا مع أبي حنيفة وأبي يوسف، ثم رجع وفي "النهاية" عن

 

ج / 4 ص -378-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"المبسوط" أن هذا الجواب ليس جواب هذا الفصل، بل في هذا الفصل لا يحكم بعتق واحد، ولكن يحلف المولى بالله ما يعلم أنها ولدت الجارية أولا فإن نكل فنكوله كإقراره وإن حلف فكلهم أرقاء، أما جواب هذا الفصل إنما هو فيما إذا قال إن كان أول ولد تلدينه غلاما فأنت حرة وإن كانت جارية فهي حرة فولدتهما ولا يدري الأول فالغلام رقيق والأنثى حرة ويعتق نصف الأم ولا شك أن هذا ليس جواب الكتاب؛ لأن في هذه الصورة يعتق جميع الجارية على كل حال؛ لأنها إن ولدت الجارية أولا عتقت بالشرط وإن ولدت الغلام أولا عتقت تبعا للأم، أما انتصاف عتق الأم فلأنها تعتق في ولادة الغلام أولا وترق في الجارية، وجواب الكتاب عتق نصفها مع نصف الأم.
وصحح في "النهاية" ما في "الكيسانيات"؛ لأن الشرط الذي لم يتيقن وجوده إذا كان في طرف واحد كان القول قول من أنكر وجوده كما إذا قال إن دخلت الدار غدا فأنت حر فمضى الغد ولا يدري أدخل الدار أم لا للشك في شرط العتق فكذا وقع الشك في شرط العتق وهو ولادة الغلام أولا. أما إذا كان الشرط مذكورا في طرفي الوجود والعدم كان أحدهما موجودا لا محالة فحينئذ يحتاج إلى اعتبار الأحوال فإن قلت:  المفروض في مسألة الكتاب تصادقهم على عدم علم المتقدم والمتأخر فكيف يحلف ولا دعوى ولا منازع قلت:  هو محمول على دعوى من خارج حسبة عتق الأمة أو بنتها لوجود الشرط، وقد عرف أن الأمة لو أنكرت العتق وشهد به يقبل فعلى هذا جاز أن يدعي رجل حسبة إذا لم تكن بينة ليحلف لرجاء نكوله هذا، ولكن المذكور في "المبسوط" في تعليله صرح بأن الأم تدعي العتق والمولى ينكر والقول للمنكر مع يمينه فأفاد أن ذلك في صورة دعوى الأم وهي غير هذه الصورة التي في الكتاب واعلم أن ما ذكر في "النهاية" من ترجيح ما في "الكيسانيات" حقيقته إبطال قول أبي حنيفة وأبي يوسف مع أنه لم يرو عنهما رواية شاذة تخالف ذلك في الجواب واستدلاله بأن الشرط الكائن في طرف واحد إلى آخره قد ينظر فيه بأن ذلك في الشرط الظاهر لا الخفي. ولذا قيد في "المبسوط" حيث قال.
إذا قال إن فعلت كذا فأنت حر وذلك من الأمور الظاهرة كالصوم والصلاة ودخول الدار فقال العبد فعلت لا يصدق إلا ببينة بخلاف قوله إن كنت تحبيني إلى آخره فيمكن أن تكون الولادة من الأمور التي ليست ظاهرة فيوجب الشك فيها اعتبار الأحوال فيعتق نصف الأم كما في الجامع والله أعلم، كذا في "فتح القدير" وفيه نظر؛ لأن جعل الولادة من الأمور الخفية كمحبة القلب لا يصح؛ لأن المراد بالأمور الظاهرة ما يمكن اطلاع الغير عليها والمراد بالخفية ما لا يمكن اطلاع الغير عليه ولا شك أن الولادة مما يمكن الاطلاع عليها ولذا اتفقوا أنه لا يقبل قول المرأة في الولادة، ولو كانت كالمحبة لقبل قولها وإنما اختلفوا هل يكتفى بشهادة

 

ج / 4 ص -379-       فإن العتق معلق على شرط له جزءان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرأة أو لا بد من شهادة رجلين أو رجل وامرأتين كما قدمناه
فالحق أن المسألة مشكلة؛ لأنها لا توافق الأصول ولا يمكن الحكم بإبطال هذا الجواب كما في "النهاية"؛ لأن جوابها نص "الجامع الصغير"، ولولا ذلك لتعين القول بما في "النهاية"، وقد ظهر للعبد الضعيف أن مشايخنا يعتبرون الأحوال عند تعدد الشرط، وعند التعليق بشرط واحد له جزءان كمسألتنا.
"قوله:  فإن العتق معلق على شرط له جزءان" أحدهما ولادة الغلام وثانيهما كونه أول ففي كل منهما إذا تحقق وجود البعض ووقع التردد في تعيينه فحينئذ تعتبر الأحوال فإن في مسألتنا تحقق ولادة الغلام لكن لم يدر أنه أول بخلاف التعليق بدخول الدار ونحوه فإن الشرط شيء واحد ولم يتحقق وجوده فلا تعتبر الأحوال.
فالحاصل:  أن الشرط إذا كان مركبا من جزأين فهو كالتعليق بشرطين وبهذا التقدير يصح ما في "الجامع الصغير" وتتوافق الفروع مع الأصول كما لا يخفى.
والمراد بعدم علم الأول تصادقهم على عدم معرفة الأول وقيد به؛ لأنهم لو اتفقوا على أن ولادة الغلام أولا أو اتفقوا على أن ولادة الجارية أولا فلا يعتق أحد في الثاني ويعتق كل الأم والجارية في الأول فهي ثلاثة والرابعة لو اختلفا فادعت الأم ولادة الغلام أولا وأنكر المولى والجارية صغيرة فالقول قول المولى؛ لأنه ينكر شرط العتق ويحلف على العلم؛ لأنه فعل الغير فإن حلف لم يعتق واحد منهما إلا أن تقيم البينة بعد ذلك وإن نكل عتقت الأم والبنت؛ لأن دعوى الأم حرية الصغير معتبرة؛ لأنها نفع محض ولها عليها ولاية لا سيما إذا لم يعرف لها أب.
الخامسة:  أن تدعي الأم بأن الغلام هو الأول ولم تدع البنت وهي كبيرة فإنه يحلف المولى فإن حلف لم يعتق واحد منهم وإن نكل عتقت الأم دون البنت؛ لأن النكول حجة ضرورية فلا تتعدى ولا ضرورة في غير المدعية هكذا ذكروا، وهذا يشير إلى أنها لو أقامت البينة تتعدى،.
السادسة:  أن تدعي البنت وهي كبيرة أن الغلام هو الأول ولم تدع الأم فتعتق البنت إذا نكل دون الأم لما ذكرنا.
وقيد بكون الشرط واحدا؛ لأنه لو كان متعددا فهو على وجوه:
الأول:  لو قال إن كان أول ولد تلدينه غلاما فأنت حرة وإن كان جارية فهي حرة فولدتهما فإن علم أنه أولا عتق الأم والجارية لا غير وإن علم أن الجارية هي الأولى عتقت لا غير وإن لم

 

ج / 4 ص -380-       ولو شهدا أنه حرر أحد عبديه، أو أمتيه لغت إلا أن تكون في وصية، أو طلاق مبهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعلم فالجارية حرة على كل حال والغلام عبد على كل حال ويعتق نصف الأم وتسعى في نصف قيمتها وإن اختلفا فالقول قول المولى.
الثاني:  لو قال إن كان أول ولد تلدينه غلاما فهو حر وإن كانت جارية فأنت حرة فولدتهما فإن علم أنه الأول عتق هو لا غير، وإن علم أنها أولا عتقت الأم والغلام لا غير، وإن لم يعلم فالغلام حر على كل حال والجارية رقيقة على كل حال ويعتق نصف الأم.
الثالث:  أن تلد غلامين وجاريتين والمسألة بحالها فإن علم أن الأول ذكر عتق هو لا غير، وإن علم أنه جارية فهي رقيقة ومن سواها أحرار وإن لم يعلم الأول يعتق من الغلامين من كل واحد منهما ثلاثة أرباعه ويسعى في ربع قيمته ويعتق من الأم نصفها ويعتق من البنيتين من كل واحدة ربعها.
الرابع:  لو قال إذا ولدت غلاما، ثم جارية فأنت حرة وإن ولدت جارية، ثم غلاما فالغلام حر فولدتهما فإن كان الغلام أولا عتقت الأم، والغلام والجارية رقيقان، وإن كانت الجارية أولا عتق الغلام، والأم والجارية رقيقان، وإن لم يعلم الأول باتفاقهما فالجارية رقيقة. أما الغلام والأم فإنه يعتق من كل واحد منهما نصفه وإن اختلفا فالقول قول المولى مع يمينه.
الخامس:  لو ولدت غلامين وجاريتين والمسألة بحالها فإن ولدت غلامين، ثم جاريتين عتقت الأم وعتقت الجارية الثانية بعتقها وبقي الغلامان والجارية الأولى رقيقا، وإن ولدت غلاما، ثم جاريتين، ثم غلاما عتقت الأم والجارية الثانية والغلام الثاني بعتق الأم، وإن ولدت جاريتين، ثم غلامين عتق الغلام الأول وبقي من سواه رقيقا، وكذا إذا ولدت جارية، ثم غلامين، ثم جارية عتق الغلام الأول لا غير، وكذا إذا ولدت جارية، ثم غلاما، ثم جارية، ثم غلاما عتق الغلام الأول وإن لم يعلم باتفاقهم يعتق من الأولاد من كل واحد ربعه ويعتق من الأم نصفها وإن اختلفوا فالقول قول المولى مع يمينه كذا في "البدائع" بحذف التعليل.
"قوله:  لو شهدا أنه حرر أحد عبديه أو أمتيه لغت إلا أن تكون في وصية أو طلاق مبهم" وهذا عند الإمام، وقالا الشهادة مقبولة ويؤمر بأن يوقع العتق على أحدهما قياسا على ما إذا شهدا أنه طلق إحدى نسائه فإنها جائزة ويجبر على أن يطلق إحداهن بالإجماع وهو المراد بقوله أو طلاق مبهم وهو استثناء منقطع؛ لأن صدر الكلام لم يتناول آخره وفرق الإمام بينهما أما في عتق العبد فالفرق أن الشهادة على عتق العبد لم تقبل من غير دعوى العبد ولم يتحقق هنا؛ لأن الدعوى من المجهول لا تتحقق فلا تقبل الشهادة، وعندهما لما لم تكن دعواه شرطا قبلت أما في الطلاق فعدم الدعوى لا يوجب خللا في الشهادة؛ لأنها ليست بشرط فيه، أما في عتق الأمة فإنها لا تقبل

 

ج / 4 ص -381-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عنده وإن كانت الدعوى ليست شرطا فيه؛ لأنه إنما لم تشترط الدعوى لما أنه يتضمن تحريم الفرج فشابه الطلاق لكن العتق المبهم لا يوجب تحريم الفرج عنده على ما ذكرنا فصار كالشهادة على عتق أحد العبدين.
والمراد بقوله إلا أن يكون في وصية أنهما شهدا أنه أعتقه في مرض موته فإن القياس أن لا تقبل لما ذكرنا والاستحسان قبولها؛ لأن العتق في المرض وصية والخصم معلوم وهو الموصي وله خلف وهو الوصي أو الوارث فتتحقق الدعوى من الخلف؛ ولأن العتق يشيع بالموت فيهما فصار كل واحد منهما معينا، وكذا لو شهدا على تدبير أحدهما سواء كان في صحته أو مرضه؛ لأنه وصية، ولو في الصحة.
وأطلق المصنف في شهادتهما بعتق أحد العبدين فشمل ما إذا كانت الشهادة بعد موت المولى وهو قول البعض؛ لأن العتق في الصحة ليس بوصية فلا تقبل شهادتهما. والأصح قبولها اعتبارا للشيوع لما عرف أن الحكم إذا علل بعلتين لا ينتفي بانتفاء أحدهما فكان ينبغي للمصنف أن يقول في حياته كما لا يخفى لكن قال في "فتح القدير" ولقائل أن يقول شيوع العتق الذي هو مبني على صحة كون العبدين مدعيين يتوقف على ثبوت قوله أحدكما حر ولا مثبت له إلا الشهادة وصحتها متوقفة على الدعوى الصحيحة من الخصم فصار ثبوت شيوع العتق متوقفا على ثبوت الشهادة فلو أثبتت الشهادة بصحة خصومتها وهي متوقفة على ثبوت العتق فيهما شائعا لزم الدور، وإذا لم يتم وجه ثبوت هذه الشهادة على قوله لزم ترجيح القول بعدم قبولها وعلى هذا يبطل الوجه الثاني من وجهي الاستحسان في المسألة/ التي قبل هذه ا ه.
أقول:  إن هذا من العجب العجاب من هذا المحقق؛ لأن صحة كونهما مدعيين لا يتوقف على الثبوت إذ يلزم مثله في كل دعوى بأن يقال صحة كونه مدعيا متوقفة على ثبوت قوله وثبوت قوله متوقف على تقدم الدعوى الصحيحة وإنما صحة الدعوى متوقفة على كون المدعى معلوما مع بقية الشرائط فإذا كان المولى حيا لم يدع كل منهما عتق نفسه لجهالة المعتق فلم تسمع الشهادة لعدم تقدم الدعوى، وإذا مات المولى شاع العتق فجاز لكل واحد منهما أن يدعي أن نصفه حر فإذا ادعى ذلك سمعت دعواه وقبل برهانه فقد ظهر صحة الوجه الثاني وبطلان قول من زعم بطلانه ولهذا صحح القول المذكور فخر الإسلام والمصنف في "الكافي" وارتضاه الشارحون والله هو الموفق للصواب، وشمل إطلاق المصنف ما إذا كان العبدان يدعيان العتق أو أحدهما كما في "البدائع".

 

ج / 4 ص -382-       وأشار المصنف إلى أنهما لو شهدا أنه حرر أمة بعينها وسماها فنسيا اسمها لا تقبل؛ لأنهما لم يشهدا بما تحملاه وهو عتق معلومة، بل مجهولة، وكذا الشهادة على طلاق إحدى زوجتيه وسماها فنسياها، وعند زفر تقبل ويجبر على البيان ويجب أن يكون قولهما كقول زفر في هذا؛ لأنها كشهادتهما على عتق إحدى أمتيه وطلاق إحدى زوجتيه كذا في "فتح القدير" وإلى أنه لو شهدا أنه أعتق عبده سالما وله عبد أن كل واحد اسمه سالم والمولى يجحد لم يعتق واحد منهما في قول أبي حنيفة؛ لأنه لا بد من الدعوى لقبول هذه الشهادة عنده ولا يتحقق هنا من المشهود له؛ لأنه غير معين منهما فصارت كمسألة الكتاب الخلافية بخلاف ما لو كان له عبد واحد اسمه سالم وشهدا أنه أعتق عبده سالما ولا يعرفونه فإنه يعتق؛ لأنه كان متعينا لما أوجبه وكون الشهود لا يعرفون عين المسمى لا يمنع قبول شهادتهم كما أن القاضي يقضي بالعتق بهذه الشهادة وهو لا يعرف العبد بخلاف ما لو شهدوا ببيعه كذا في "فتح القدير" وذكر فروعا أخرى هنا تناسب الشهادات أخرنا ذكرها إليها والفرق بين البيع والإعتاق أن البيع لا يحتمل الجهلة أصلا والعتق يحتمل ضربا منها ألا ترى أنه لا يجوز بيع إحدى العبدين ويجوز عتق أحدهما كذا في "البدائع" والله أعلم.

2- باب الحلف بالعتق
ومن قال:  إن دخلت فكل مملوك لي يومئذ حر عتق ما يملكه بعده
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2- باب الحلف بالدخول
هكذا في بعض النسخ والأولى باب الحلف بالعتق كما في "الهداية" والمراد منه أن يجعل العتق جزاء على الحلف بأن يعلق العتق بشيء وهو شروع في بيان التعليق بعدما ذكر مسائل التنجيز وإنما ذكر مسألة التعليق بالولادة في باب عتق البعض لبيان أنه يعتق منه البعض عند عدم العلم، و الحلف بفتح الحاء مع سكون اللام وكسرها مصدر قولهم حلف بالله يحلف حلفا وحلفا القسم وبكسر الحاء مع سكون اللام العهد.
"قوله:  ومن قال إن دخلت فكل مملوك لي يومئذ حر عتق ما يملكه بعده به" أي بعد هذا القول بالدخول؛ لأن التنوين في يومئذ عوض عن الجملة المضاف إليها لفظ إذ تقديره إذ دخلت ولفظ يوم ظرف للمملوك فكان التقدير كل من يكون في ملكي وقت الدخول حر، وهذا في الحقيقة إضافة عتق المملوك يوم الدخول إلى يوم الدخول والمملوك لا يكون إلا بملك فصار كأنه قال إن ملكت مملوكا وقت الدخول فهو حر وهو يصدق بملك قبل الدخول يقارن بقاءه

 

ج / 4 ص -383-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدخول فكأنه إضافة العتق إلى الملك الموجود عند الدخول بخلاف قوله لعبد غيره إن دخلت الدار فعبدي حر فاشتراه فدخل لا يعتق؛ لأنه لم يضف العتق إلى ملكه صريحا ولا معنى.
والمراد باليوم هنا مطلق الوقت حتى لو دخل ليلا عتق ما في ملكه؛ لأنه أضيف إلى فعل لا يمتد وهو الدخول وإن كان في اللفظ إنما أضيف إلى لفظ إذ المضافة للدخول لكن معنى إذ غير ملاحظ وإلا كان المراد يوم وقت الدخول وهو وإن كان يمكن على معنى يوم الوقت الذي فيه الدخول تقييد اليوم به لكن إذا أريد به مطلق الوقت يصير المعنى وقت وقت الدخول ونحن نعلم مثله كثيرا في الاستعمال الفصيح كنحو: 
{وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ} [الروم:  4-5]. ولا يلاحظ فيه شيء من ذلك فإنه لا يلاحظ في هذه الآية وقت يغلبون يفرح المؤمنون ولا يوم وقت يغلبون يفرحون ونظائره كثيرة في كتاب الله تعالى وغيره فعرف أن لفظ إذ لم يذكر إلا تكثيرا للعوض عن الجملة المحذوفة أو عمادا له أعني التنوين لكونه حرفا واحدا ساكنا تحسينا لم يلاحظ معناها ومثله كثير في أقوال أهل العربية في بعض الألفاظ لا يخفى على من له نظر فيها كذا في "فتح القدير"، ولو قال المصنف عتق ما هو مملوك له وقت الدخول لكان أظهر؛ لأن ما كان في ملكه وقت الحلف واستمر إلى وقت الدخول لم يملكه بعد اليمين ملكا متجددا.
وفي "البدائع" لو قال كل مملوك أملكه اليوم فهو حر ولا نية له وله مملوك فاستفاد في يومه ذلك مملوكا آخر عتق ما في ملكه وما استفاد ملكه في اليوم، وكذا لو قال هذا الشهر أو هذه السنة؛ لأنه لما وقت باليوم أو الشهر أو السنة فلا بد وأن يكون التوقيت مفيدا، ولو لم يتناول إلا ما في ملكه يوم الحلف لم يكن مفيدا فإن قال عنيت أحد الصنفين دون الآخر لم يدن في القضاء؛ لأنه نوى تخصيص العموم وأنه خلاف الظاهر فلا يصدق في القضاء ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى؛ لأن الله تعالى مطلع على نيته.
وفي "البدائع" أيضا:  لو قال كل مملوك أشتريه فهو حر إن كلمت فلانا أو إذا كلمت فلانا أو إذا جاء الغد ولا نية له فهذا يقع على ما يشتريه قبل الكلام فكل مملوك اشتراه قبل الكلام، ثم كلم عتق وما اشتراه بعد الكلام لا يعتق، ولو قدم الشرط فقال إن كلمت فلانا أو إذا كلمت فلانا أو إذا جاء غد فكل مملوك اشتريه فهو حر فهذا على ما يشتريه بعد الكلام لا قبله حتى لو كان اشترى مماليك قبل الكلام، ثم كلم لا يعتق واحد منهم وما اشتراه بعده يعتق. ولو قال كل مملوك اشتريه إذا دخلت الدار فهو حر أو قال إن قدم فلان فهذا على ما يشتري بعد الفعل الذي حلف عليه ولا يعتق ما اشترى قبل ذلك إلا أن يعينهم.

 

ج / 4 ص -384-       به ولو لم يقل يومئذ لا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله:  ولو لم يقل يومئذ لا" أي لا يعتق ما يملكه بعده وإنما يعتق من كان في ملكه وقت التكلم؛ لأن قوله كل مملوك لي يختص بالحال والجزاء حرية المملوك في الحال يتعلق في الحال بمملوك أي المملوك في الحال حريته هي الجزاء وإنما كانت للحال؛ لأن المختار في الوصف من اسم الفاعل والمفعول أن معناه قائم حال التكلم بمن نسب إليه على وجه قيامه به أو وقوعه عليه، واللام للاختصاص فلو لم يكن في ملكه شيء يوم حلف كان اليمين لغوا ولا فرق بين كون العتق معلقا كما في الكتاب أو منجزا وسواء قدم الشرط أو أخره وسواء كان التعليق بإن كما في الكتاب أو بغيرها كإذا دخلت أو إذا ما أو متى أو متى ما، وقوله لي ليس بقيد؛ لأنه لو قال كل مملوك أملكه فهو حر ولا نية له فإنه لما كان في ملكه يوم حلف فقط؛ لأن صيغة افعل وإن كانت تستعمل للحال والاستقبال لكن عند الإطلاق يراد به الحال عرفا وشرعا ولغة.
أما العرف:  فإن من قال فلان يأكل أو يشرب أو يفعل كذا يريد به الحال ويقول الرجل ما أملك ألف درهم ويريد به الحال، أما الشرع فإن من قال أشهد أن لا إله إلا الله يكون مؤمنا، ولو قال أشهد أن لفلان على فلان كذا كان شاهدا.
وأما اللغة:  فإن هذه الصيغة موضوعة للحال على طريق الأصالة؛ لأنه ليس للحال صيغة أخرى وللاستقبال سين وسوف فكانت الحال أصلا فيها والاستقبال دخيلا فعند الإطلاق ينصرف إلى الحال، ولو قال عنيت به ما أستقبل ملكه عتق ما ملكه للحال وما استحدث الملك فيه لما ذكرنا أن ظاهرها للحال وبنيته يصرفه عن ظاهره فلا يصدق فيه ويصدق في قوله أردت ما يحدث ملكي فيه في المستقبل فيعتق عليه بإقراره كما إذا قال زينب طالق وله امرأة معروفة بهذا الاسم، ثم قال لي امرأة أخرى بهذا الاسم عنيتها طلقت المعروفة بظاهر اللفظ والمجهولة باعترافه كذا ها هنا، وكذا لو قال كل مملوك أملكه الساعة فهو حر إن هذا يقع على ما في ملكه وقت اليمين ولا يعتق ما يستفيده بعد ذلك إلا أن يكون نوى ذلك فيلزمه ما نوى؛ لأن المراد من الساعة المذكورة هي الساعة المعروفة عند الناس وهي الحال لا الساعة الزمانية التي يذكرها المنجمون فيتناول هذا الكلام من كان في ملكه وقت التكلم لا من يستفيده من بعد فإن قال أردت به من أستفيده في هذه الساعة الزمانية يصدق فيه؛ لأن اللفظ يحتمله وفيه تشديد على نفسه، ولكن لا يصدق في صرف اللفظ عمن يكون في ملكه للحال وسواء أطلق أو علق بشرط قدم الشرط أو أخره كذا في "البدائع".

 

ج / 4 ص -385-       والمملوك لا يتناول الحمل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله:  والمملوك لا يتناول الحمل" لأن اللفظ يتناول المملوك المطلق، والجنين مملوك تبعا للأم لا مقصودا؛ ولأنه عضو من وجه واسم المملوك يتناول الأنفس دون الأعضاء ولهذا لا يملك بيعه منفردا ولا يجزئ عتقه عن الكفارة فلو قال كل مملوك لي حر وله حمل أوصي له به دون أمه أو قال كل مملوك لي ذكر فهو حر وله جارية حامل فولدت ذكرا لأقل من ستة أشهر أو قال إن اشتريت مملوكين فهما حران فاشترى جارية حاملا فإن الحمل في هذه الصور الثلاث لا يعتق لما ذكرنا ولا تعتق الأم في المسألة الثانية أيضا لتقييده بالذكورة ولا في المسألة الثالثة كما في "البدائع"؛ لأن شرط الحنث شراء مملوكين والحمل لا يسمى مملوكا على الإطلاق، وكذا لو قال للحامل كل مملوك لي غيرك حر لم يعتق الحمل كما في "المحيط".
وإنما قيدنا بالصور الأربع؛ لأنه لو قال كل مملوك لي حر وله جارية حاملة فإن الحامل تدخل فيعتق الحمل تبعا لها كما في "الهداية"، وهذا بناء على أن لفظ مملوك إما لذات متصفة بالمملوكة.
وقيد التذكير ليس جزء المفهوم، وإذا كان التأنيث جزء مفهوم مملوكة فيكون مملوك أعم من مملوكة فالثابت فيه عدم الدلالة على التأنيث لا الدلالة على عدم التأنيث، وإما أن الاستعمال استمر فيه على الأعمية فوجب اعتباره كذلك كذا في "فتح القدير".
قيد بعدم تناول الحمل فقط؛ لأنه يتناول العبيد، ولو مرهونين أو مأذونين أو مأجورين والإماء وإن كن حوامل وأمهات أولاده وأولادهما والمدبر والمدبرة، ولو نوى الذكور فقط لم يصدق في القضاء؛ لأنه خلاف الظاهر في عرف الاستعمال ويصدق ديانة مع أن طائفة من الأصوليين على أن جمع الذكور يعم النساء حقيقة وضعا.
وفي "الذخيرة" قال مماليكي كلهم أحرار ونوى الرجال دون النساء لم يذكره وقالوا لا يصدق ديانة بخلاف قوله كل مملوك لي، ونوى التخصيص يصدق ديانة ا ه.
فإن قلت:  ما الفرق وفي الوجهين نية تخصيص العام؟
فالجواب أن كلهم تأكيد للعام قبله وهو مماليكي؛ لأنه جمع مضاف فيعم وهو يرفع احتمال المجاز غالبا والتخصيص يوجب المجاز فلا يجوز بخلاف قوله كل مملوك لي فإن الثابت به أصل العموم فقط فقبل التخصيص وفي "المحيط" لو قال لم أنو المدبرين قيل لم يدن قضاء وديانة، والصحيح أنه يصدق ديانة؛ لأنه لا يمكن تخصيص العام إلا باعتبار الوصف فإن الخصوص لا يمتاز عن العام إلا باعتبار الوصف فلو لم يصح التخصيص في حق الوصف ما أمكن تخصيص عام أبدا. ا ه.

 

ج / 4 ص -386-       كل مملوك لي، أو أملكه فهو حر بعد غد أو بعد موتي يتناول من ملكه منذ حلف فقط،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأشار بعدم تناوله للحمل إلى أنه لا يتناول ما لم يكن مملوكا على الإطلاق فلا يتناول المكاتب؛ لأنه مملوك من وجه إذ هو حر يدا وقدمنا أنه لا يدخل تحت لفظ العبد أيضا ولا يتناول المشترك إلا بالنية ولا عبيد عبده التاجر، وهو قول أبي يوسف سواء كان على العبد دين أو لا وعلى قول محمد عتقوا نواهم أو لا عليه دين أو لا وعلى قول أبي حنيفة إن لم يكن عليه دين عتقوا إذا نواهم وإلا فلا وإن كان عليه دين لم يعتقوا وإن نواهم كذا في "فتح القدير" و"النهاية" وغيرهما وبه علم أن ما في "المجتبى" من أنه لا يدخل العبد المرهون والمأذون في التجارة سبق قلم.
وذكر في "المحيط" أنه لا يتناول المشترك إلا إذا ملك النصف الآخر بعده فإنه يعتق فيقوله إن ملكت مملوكا فهو حر؛ لأنه وجد الشرط وهو مملوك كامل فلو باع نصيبه، ثم اشترى نصيب شريكه لم يعتق استحسانا؛ لأنه لم يجتمع في ملكه مملوك كامل بخلاف إن ملكت هذا العبد فهو حر فملك نصفه، ثم باعه، ثم ملك النصف الثاني فإنه يعتق النصف الذي في ملكه؛ لأن حالة تعيين المملوك يراد به الملك فيه مطلقا لا مجتمعا ا ه.
"قوله:  كل مملوك لي أو أملكه فهو حر بعد غد أو بعد موتى يتناول من ملكه منذ حلف فقط" لما قدمنا أن قوله كل مملوك لي للحال، وكذا كل مملوك أملكه؛ لأن المضارع للحال كما بيناه فمن كان في ملكه وقت اليمين يصير حرا في المسألتين بعد غد وفي قوله بعد موتى يصير من كان في ملكه وقت اليمين مدبرا في المسألتين فلا يعتق من اشتراه بعد اليمين في التقيد بقوله بعد موتى قيد بكون الظرف ظرفا للحرية؛ لأنه لو جعله ظرفا للملك كما إذا قال كل مملوك أملكه غدا فهو حر ولا نية له.
ذكر محمد في الجامع أنه يعتق كل من ملكه في غد ومن كان في ملكه قبله، وقال أبو يوسف لا يعتق إلا من استفاد ملكه في غد ولا يعتق من جاء غد وهو في ملكه وهو رواية ابن سماعة عن محمد.
وعلى هذا الخلاف إذا قال كل مملوك أملكه رأس شهر كذا فهو حر ورأس الشهر الليلة التي يهل فيها الهلال ومن الغد إلى الليل للعرف، وعن أبي يوسف فيمن قال كل مملوك أملكه يوم الجمعة فهو حر قال ليس هذا على ما في ملكه إنما هو على ما يملكه يوم الجمعة، وهذا على أصل أبي يوسف صحيح؛ لأنه أضاف العتق إلى زمان مستقبل، فأما إذا قال كل مملوك أملكه إذا جاء غد فهو حر فهذا على ما في ملكه في قولهم؛ لأنه جعل مجيء الغد شرطا لثبوت العتق

 

ج / 4 ص -387-       وبموته عتق من ملك بعده من ثلثه أيضا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا غير فيعتق من في ملكه، ولكن عند مجيء الغد كذا في "البدائع".
"قوله:  وبموته عتق من ملكه بعده من ثلثه أيضا" أي بموت المولى يعتق من ملكه بعد قوله كل مملوك لي أو أملكه حر بعد موتي من ثلث ماله كما يعتق من كان في ملكه للحال من ثلث المال.
فالحاصل:  أن من كان في ملكه وقت اليمين مدبر مطلق ومن ملكه بعدها، فليس بمدبر مطلق وإنما هو مدبر مقيد فيعتقان بموت المولى عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف يعتق من كان في ملكه يوم حلف ولا يعتق ما استفاده بعد يمينه؛ لأن اللفظ حقيقة للحال على ما بينا فلا يعتق به ما سيملكه، ولهذا صار هو مدبرا دون الآخر ولهما أن هذا إيجاب عتق وإيصاء حتى اعتبر من الثلث وفي الوصايا تعتبر الحالة المنتظرة والحالة الراهنة ألا ترى أنه يدخل في الوصية بالمال ما يستفيده بعد الوصية وفي الوصية لأولاد فلان من يولد له بعدها والإيجاب إنما يصح مضافا إلى الملك أو إلى سببه فمن حيث إنه إيجاب العتق يتناول العبد المملوك اعتبارا للحالة الراهنة فيصير مدبرا حتى لا يجوز بيعه، ومن حيث إنه إيصاء يتناول الذي يشتريه اعتبارا للحالة المتربصة وهي حالة الموت وقبل الموت حالة التمليك استقبال محض فلا يدخل تحت اللفظ. وعند الموت يصير كأنه قال كل مملوك أملكه فهو حر بخلاف قوله بعد غد على ما تقدم؛ لأنه تصرف واحد وهو إيجاب العتق وليس فيه إيصاء والحالة محض استقبال فافترقا ولا يقال إنكم جمعتم بين الحال والاستقبال؛ لأنا نقول نعم ولكن بشيئين مختلفين إيجاب عتق ووصية وإنما لا يجوز ذلك لا بسبب واحد كذا في "الهداية".
وتعقبه في "فتح القدير" بأن هذا قول للعراقيين غير مرضي في الأصول وإلا لم يمتنع الجمع مطلقا ولم يتحقق خلاف فيه؛ لأن الجمع قط لا يكون إلا باعتبارين بالنظر إلى شيئين، ولو أمكن أن يقال إن لفظه أوجب تقدير لفظ إذا كان وصية وهو ما قدرناه عند موته منقوله كل عبد لي حر فيعتق به ما استحدث ملكه والموجب للتقدير ما ذكرنا من تحقيق مقصود الوصية من الثواب والبر للأصحاب، وهذا الموجب لا يحتاج إلى تقديم تقديره عند ملك العبد وإلا كان مدبرا مطلقا وإنما يحتاج إليه عند موته من قوله فلا تتعلق به عبارته عند ملكه لا الصريحة؛ لأنها لم تتناول إلا الحال ولا المقدرة لتأخير تقديرها إلى ما قبل الموت فلا يكون مدبرا لا مطلقا ولا مقيدا كان رافعا للإشكال ا ه.
وحاصله:  أن عتق ما ملكه بعده بموته ليس من اللفظ المذكور ليلزم الجمع بين الحال والاستقبال وإنما هو من لفظ آخر مقدر دل عليه تحقيق مقصوده من الثواب فلا جمع بلفظ واحد

 

ج / 4 ص -388-       بل بلفظين مذكور ومقدر وأفاد بقوله من ثلثه أنهما إن خرجا من الثلث عتق جميع كل منهما، وإن ضاق عنهما يضرب كل منهما بقيمته فيه وإن كان على المولى دين مستغرق فإنهما ليسعيان له في جميع قيمتهما كما هو حكم المدبر بعد موت مولاه وأشار المصنف إلى أنه لو قال كل مملوك أملكه إذا مت فهو حر فالحكم كذلك، والله أعلم.

3- باب العتق على جعل
حرر عبده على مال فقبل عتق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3- باب العتق على جعل
أخره لأن الأصل عدمه، والجعل في اللغة بضم الجيم ما يجعل للعامل على عمله ثم سمي به ما يعطى المجاهد ليستعين به على جهاده، وأجعلت له أعطيته له والجعائل جمع جعيلة، أو جعالة بالحركات بمعنى الجعل كذا في المغرب والمراد منه هنا العتق على مال.
"قوله:  حرر عبده على مال فقبل عتق" أي قبل العبد، وذلك مثل أن يقول:  أنت حر على ألف درهم، أو بألف درهم، أو على أن تعطيني ألفا أو على أن تؤدي إلي ألفا، أو على أن تجيئني بألف، أو على أن لي عليك ألفا، أو على ألف تؤديها إلي، أو قال:  بعتك نفسك منك على كذا، أو وهبت لك نفسك على أن تعوضني كذا، وإنما توقف على قبوله؛ لأنه معاوضة المال بغير المال؛ إذ العبد لا يملك نفسه ومن قضية المعاوضة ثبوت الحكم بقبول العوض للحال كما في البيع فإذا قبل صار حرا، وما شرط دين عليه حتى تصح الكفالة به بخلاف بدل الكتابة؛ لأنه ثبت مع المنافي وهو قيام الرق على ما عرف وكما تصح به الكفالة جاز أن يستبدل به ما شاء يدا بيد؛ لأنه دين لا يستحق قبضه في المجلس فيجوز أن يستبدل به كالأثمان ولا خير فيه نسيئة؛ لأن الدين بالدين حرام ولم يقيد القبول بالمجلس لما عرف أنه لا بد لكل قبول من المجلس فإن كان حاضرا اعتبر مجلس الإيجاب وإن كان غائبا يعتبر مجلس علمه فإن قبل فيه صح. وإن رد أو أعرض بطل والإعراض عنه إنما يكون بالقيام أو بالاشتغال بعمل آخر يعلم أنه قطع لما قبله كذا في "شرح الطحاوي".
ولم يقيد المصنف العتق بالأداء لأنه يعتق قبله؛ لأنه ليس معلقا على الأداء، وإنما هو معلق على القبول وقد وجد وأفاد بقوله " قبل " أنه لا بد أن يقبل في الكل فلو قال لعبده أنت حر بألف فقال قبلت في النصف فإنه لا يجوز عند أبي حنيفة؛ لأن العتق عنده يتجزأ فلو جاز

 

ج / 4 ص -389-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قبوله في النصف وجب عليه نصف البدل وصار الكل خارجا عن يده لأنه يخرج الباقي إلى العتق بالسعاية، والمولى ما رضي بزوال يده وصيرورته محجورا عن التصرف إلا بألف، وعندهما يجوز ويعتق كله بجميع الألف؛ لأنه لا يتجزأ عندهما فالقبول في النصف قبول في الكل ولو كان ذلك في الطلاق كان القبول في النصف قبولا في الكل اتفاقا وكذا كل ما لا يتجزأ كالدم وغيره.
ولو قال لمولاه:  أعتقني على ألف فأعتق نصفه يعتق نصفه بغير شيء ولو كان بالباء يعتق نصفه بخمسمائة عند الإمام كما في الطلاق. كذا في "المحيط".
وقيد بكون العبد كله له؛ لأنه لو كان له نصفه فقال له أنت حر على ألف فقبل فإنه يعتق نصفه بخمسمائة إلا إذا أجاز الآخر يجب الألف بينهما عند أبي حنيفة؛ لأن العتق يتجزأ عنده بخلاف ما إذا قال:  أعتقت نصيبي بألف فقبل العبد لزمه الألف للمعتق لا يشاركه فيه الساكت؛ لأن الألف بمقابلة نصيبه كذا في "المحيط" أيضا.
وأطلق المصنف في المال فشمل جميع أنواعه من النقد والعروض والحيوان، وإن كان بغير عينه؛ لأنه معاوضة المال بغير المال فشابه النكاح والطلاق والصلح عن دم العمد وكذا الطعام والمكيل والموزون إذا كان معلوم الجنس ولا يضره جهالة الوصف لأنها يسيرة ويلزمه الوسط في تسمية الحيوان والثوب بعد بيان جنسهما من الفرس والحمار والعبد والثوب الهروي ولو أتاه بالقيمة أجبر المولى على القبول ولو لم يسم الجنس بأن قال:  على ثوب، أو حيوان أو دابة فقبل عتق ولزمه قيمة نفسه كما لو أعتقه على قيمة رقبته فقبل عتق كما في "المحيط".
وأشار المصنف إلى أنه يعتق بالقبول، ولو كان المال ملكا للغير فلو أعتقه على عبد مثلا فاستحق لا ينفسخ العتق فإن كان بغير عينه فعلى العبد مثله في المثلي، والوسط في القيمي، وإن كان معينا رجع على العبد بقيمة نفسه عند أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد بقيمة المستحق وعلى هذا الخلاف إذا هلك قبل التسليم وكذا على هذا الاختلاف لو رده بعيب وليس للمولى الرد بالعيب اليسير عند أبي حنيفة، وإنما يرده بالعيب الفاحش كالعيب في المهر وقالا باليسير أيضا كذا في "البدائع".
ولو اختلفا في المال جنسه، أو مقداره فالقول للعبد مع يمينه كما لو أنكر أصل المال، وإن أقاما البينة فالبينة للمولى بخلاف ما إذا كان العتق معلقا بالأداء وهي المسألة الآتية فإن القول فيها قول المولى، والبينة بينة العبد كذا في "البدائع". وشمل إطلاق المال الخمر في حق الذمي فإنها مال عندهم فلو أعتق الذمي عبده على خمر، أو خنزير فإنه يعتق بالقبول ويلزمه قيمة المسمى فإن أسلم أحدهما قبل قبض الخمر فعندهما على العبد قيمته، وعند محمد عليه قيمة الخمر كذا في "المحيط".

 

ج / 4 ص -390-       ولو علق عتقه بأدائه صار مأذونا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقيد بكون المخاطب بالعتق معينا؛ لأنه لو كان مجهولا كما إذا قال:  أحدكما حر على ألف، والآخر بغير شيء فقبلا عتقا بلا شيء؛ لأن عتقهما متيقن ومن عليه المال مجهول فلا يجب كرجلين قالا لرجل لك على أحدنا ألف وتمام تفريعاته في "المحيط".
وفي "الذخيرة":  أنت حر على أن تحج عني فلم يحج فعليه قيمة حج وسط، سئل أبو جعفر عن رجل قال لعبده:  صم عني يوما وأنت حر وصل عني ركعتين وأنت حر قال عتق وإن لم يصم، وإن لم يصل، ولو قال:  حج عني وأنت حر لا يعتق حتى يحج؛ لأن الصوم والصلاة مما لا تجري فيهما النيابة، والحج مما يجري فيه النيابة ولأنه لا مؤنة في الصوم والصلاة فلا يدل على اشتراط بدل، والحج فيه مؤنة فدل على أنه شرط ذلك بدلا ا ه.
ثم اعلم أن الإعتاق على مال من جانب المولى تعليق - وهو تعليق العتق بشرط قبول العوض فيراعى فيه من جانبه أحكام التعليق حتى لو ابتدأ المولى لم يصح رجوعه عنه قبل قبول العبد ولا الفسخ ولا النهي عن القبول ولا يبطل بقيامه عن المجلس ولا يشترط حضرة العبد ويصح تعليقه بشرط، وإضافته إلى وقت ولا يصح شرط الخيار له -، ومن جانب العبد معاوضة فتراعى أحكامها فملك الرجوع لو ابتدأ وبطل بقيامه قبل قبول المولى وبقيام المولى ولا يقف على الغائب عن المجلس ولا يصح تعليقه ولا إضافته كما إذا قال:  اشتريت نفسي مني بألف إذا جاء غد، أو عند رأس الشهر بخلاف ما إذا قال:  إذا جاء غد فأعتقني على كذا جاز؛ لأن هذا توكيل منه بالإعتاق حتى يملك العبد عزله قبل وجود الشرط وبعده قبل أن يعتقه ولو لم يعزل حتى عتقه نفذ إعتاقه ويجوز شرط الخيار له عند أبي حنيفة ولو قال المولى:  أعتقتك أمس بألف فلم تقبل فقال العبد:  قبلت فالقول قول المولى مع يمينه؛ لأنه من جانبه تعليق وهو منكر لوجود الشرط كذا في "البدائع".
"قوله:  ولو علق عتقه بأدائه صار مأذونا" أي بأداء المال كأن يقول:  إن أديت إلي ألفا فأنت حر فيصح ويعتق عند الأداء من غير أن يصير مكاتبا؛ لأنه صريح في تعليق العتق بالأداء، وإن كان فيه معنى المعاوضة في الانتهاء وإنما صار مأذونا؛ لأنه رغبه في الاكتساب لطلبه الأداء منه، ومراده التجارة دون التكدي فكان إذنا له دلالة.
وذكر في. "فتح القدير" أنه يخالف المكاتب في إحدى عشرة مسألة الأولى:  ما إذا مات العبد قبل الأداء وترك مالا فهو للمولى ولا يؤدي منه عنه ويعتق بخلاف الكتابة. الثانية:  لو مات المولى، وفي يد العبد كسب كان لورثة المولى ويباع العبد بخلاف الكتابة. الثالثة:  لو كانت أمة فولدت، ثم أدت فعتقت لم يعتق ولدها لأنه ليس لها حكم الكتابة وقت الولادة بخلاف

 

ج / 4 ص -391-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكتابة. الرابعة:  لو قال العبد للمولى:  حط عني مائة فحط عنه المولى وأدى تسعمائة لا يعتق بخلاف الكتابة زاد في "البدائع" أنه لو أدى مكان الدراهم دنانير لا يعتق، وإن قبل لعدم الشرط. الخامسة:  لو أبرأ المولى العبد عن الألف لم يعتق ولو أبرأ المكاتب عتق كذا ذكروها والظاهر أنه لا موقع لها إذ الفرق بعد تحقق الإبراء في الموضعين يكون، والإبراء لا يتصور في هذه المسألة لأنه لا دين على العبد بخلاف الكتابة. السادسة لو باع المولى العبد، ثم اشتراه، أو رد عليه بخيار عيب ففي وجوب قبول ما يأتي به خلاف:  عند أبي يوسف نعم، وعند محمد لا، ولكن لو قبضه عتق بخلاف الكتابة في أنه لا خلاف في أنه يجب أن يقبله ويعد قابضا. السابعة أنه يقتصر على المجلس فلا يعتق ما لم يؤد في ذلك المجلس فلو اختلف بأن أعرض أو أخذ في عمل آخر فأدى لا يعتق بخلاف الكتابة هذا إذا كان المذكور من أدوات الشرط لفظة " إن " فإن كان لفظ " إذا "، أو " متى " فلا يقتصر على المجلس. الثامنة:  أنه يجوز للمولى بيع العبد بعد قوله ذلك قبل أن يؤدي بخلاف الكتابة. التاسعة:  أن للسيد أن يأخذ ما يظفر به مما اكتسبه قبل أن يأتيه بما يؤديه بخلاف المكاتب. العاشرة:  أنه إذا أدى وعتق وفضل عنده مال مما اكتسبه كان للسيد فيأخذه بخلاف المكاتب. الحادية عشرة:  لو اكتسب العبد مالا قبل تعليق السيد فأداه بعده إليه عتق وإن كان السيد يرجع بمثله على ما سيذكر بخلاف الكتابة لا يعتق بأدائه؛ لأنه ملك المولى إلا أن يكون كاتبه على نفسه وماله فإنه حينئذ يصير أحق به من سيده فإذا أدى منه عتق ا ه.
وفي "البدائع" ذكر محمد في الزيادات إذا قال:  إن أديت إلي ألفا في كيس أبيض فأنت حر فأداها في كيس أسود لا يعتق، وفي الكتابة يعتق ا ه. وهي الثانية عشرة:  ولو قال:  إذا أديت ألفا في هذا الشهر فأنت حر فلم يؤدها في ذلك الشهر وأداها في غيره لم يعتق، وفي الكتابة لا يبطل إلا بحكم الحاكم، أو بتراضيهما كما في "البدائع" وهي الثالثة عشرة.
وفي "المحيط" لو أمر غيره بالأداء فأدى لا يعتق لأن الشرط أداؤه ولم يوجد فلا حاجة إلى أداء غيره لأنه قادر على أدائه بخلاف الكتابة؛ لأنها معاوضة حقيقة فيها معنى التعليق فكان الأصل فيها المعاوضة فكان المقصود حصول البدل ا ه. وهي الرابعة عشرة، وفي "الذخيرة" إذا قال:  إن أديت إلي ألفا فأنت حر فاستقرض العبد من رجل ألفا فدفعها إلى مولاه عتق العبد ورجع غريم العبد على المولى فيأخذ منه الألف لأنه أحق بها من المولى من قبل أنه عبد مأذون له في التجارة، وغرماء العبد المأذون أحق بماله حتى يستوفوا ديونهم، ولو كان العبد استقرض من رجل ألفي درهم وقيمته ألفا درهم فدفع أحد الألفين إلى مولاه وعتق بها وأكل الألف الأخرى فإن للمقرض أن يأخذ من المولى الألف التي دفعها العبد إليه، ويضمن المولى أيضا

 

ج / 4 ص -392-       وعتق بالتخلية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للغريم الألف درهم؛ لأن المولى منع العبد بعتقه من أن يباع بما عليه من الدين، وإن شاء المقرض اتبع العبد بجميع دينه أيضا ا ه.
قيد بالتعليق لأنه لو لم يأت في الجواب بالفاء لا يتعلق بل يتنجز، سواء كان الجواب بالواو كقوله إن أديت إلي ألفا وأنت حر أو لا كقوله إن أديت إلي ألفا أنت حر لكونه ابتداء لا جوابا لعدم الرابط.
وفي "الذخيرة" قال لعبده أنت حر وأد إلي ألف درهم فهو حر ولا شيء عليه ولو قال أد إلي ألفا وأنت حر لم يعتق حتى يؤدي ولو قال فأنت حر عتق للحال لأن جواب الأمر بالواو لا بالفاء فهي للتعليل أي أد إلي ألفا؛ لأنك حر كقوله أبشر فقد أتاك الغوث، وتمامه في الأصول من بحث الواو وقد قدمنا في بحث عتق الحمل من "الظهيرية" أنه لو علق عتق الحمل بأدائه ألفا فإنه يتوقف العتق على أدائه فإذا أدى بعد الولادة عتق إذا ولدته لأقل من ستة أشهر وقيد بأداء العبد؛ لأنه لو علق عتقه بأداء أجنبي لا يصير مأذونا له كما إذا قال:  إذا أديت إلي ألفا فعبدي هذا حر فجاء الأجنبي بألف ووضعها بين يديه لا يجبر المولى على القبول ولا يعتق العبد ولو حلف المولى أنه لم يقبض من فلان ألفا لا يحنث كذا في "الخانية".
"قوله:  وعتق بالتخلية" لأنه تعليق نظرا إلى اللفظ ومعاوضة نظرا إلى المقصود؛ لأنه ما علق عتقه بالأداء إلا ليحثه على دفع المال فينال العبد شرف الحرية، والمولى المال بمقابلته بمنزلة الكتابة ولهذا كان عوضا في الطلاق في مثل هذا اللفظ حتى كان بائنا فجعلناه تعليقا في الابتداء عملا باللفظ ودفعا للضرر عن المولى حتى لا يمتنع عليه بيعه ولا يكون العبد أحق بمكاسبه ولا يسري إلى الولد المولود قبل الأداء وجعلناه معاوضة في الانتهاء عند الأداء دفعا للضرر عن العبد حتى يجبر المولى على القبول فعلى هذا يدور الفقه، وتخرج المسائل، نظيره الهبة بشرط العوض.
والتخلية رفع الموانع بأن يضعه بين يديه بحيث لو مد يده أخذه فحينئذ يحكم القاضي بأنه قد قبضه فيه، وفي ثمن المبيع وبدل الإجارة وسائر الديون وهذا معنى قولهم أجبره الحاكم على قبضه أي حكم به لا أنه يجبره على قبضه بحبس ونحوه ولو حلف المولى أنه لم يؤد إليه الألف حنث كما في "الخانية". وإنما ذكر التخلية ليفيد أنه يعتق بحقيقة القبض بالأولى.
ويستثنى من إطلاق ما في "المختصر" مسائل لا يعتق فيها بالتخلية.
الأولى:  لو كان المال مجهولا بأن قال إذا أديت إلي دراهم فأنت حر لا يجبر على

 

ج / 4 ص -393-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القبول؛ لأن مثل هذه الجهالة لا تكون في المعاوضة ولا يمكن حملها على الكتابة فتكون يمينا محضا ولا جبر فيها كما في "التبيين".
وفي "المحيط" لو قال:  إن أديت إلي كر حنطة فأنت حر فجاء بكر جيد يجبر على القبول؛ لأن الكر المطلق إنما ينصرف إلى الوسط لدفع الضرر من الجانبين فإذا أتاه بالجيد فقد أحسن في القضاء ورضي بهذا الضرر فبطل التعيين وتعلق العتق بحنطة مطلقة ولو قال:  كر حنطة وسط فأتاه بكر جيد لا يجبر لأنه نص على التعليق بكر موصوفة، وفي الشروط يعتبر التنصيص ما أمكن كما في مسألة الكيس الأبيض ولو قال:  أعتق عني عبدا وأنت حر فأعتق عبدا مرتفعا لا يعتق، ولو قال:  أد إلي عبدا وأنت حر فأدى إليه عبدا مرتفعا يعتق كما في الكر، والفرق أن في الأداء يكون المولى راضيا بالزيادة؛ لأنه إدخال شيء في ملكه فيكون نفعا محضا فلا ضرر، وأما العتق إخراج عن ملكه؛ لأن كسبه مملوك للمولى ا ه.
الثانية:  لو كان العتق معلقا على أداء الخمر لا يجبر على القبول، وإن كان يعتق بقبوله لأن المسلم ممنوع عنها لحق الله تعالى.
والثالثة:  لو كان معلقا على أداء ثوب، أو دابة لا يجبر على القبول ولو أتى بثوب وسط، أو جيد لأنه مجهول الجنس فلم يصلح عوضا ولذا لو وصفه أجبر على قبوله بأن قال:  ثوبا هرويا.
الرابعة:  لو قال:  إن أديت إلي ألفا، أو دابة فحججت بها أو وحججت بها لا يعتق بتسليم الألف إليه ما لم يقبل لأنه علق العتق بشرطين فلا ينزل بوجود أحدهما بخلاف ما لو قال:  إن أديت إلي ألفا أحج بها فإنه يعتق بتخلية الألف ويكون قوله " أحج بها " لبيان الغرض ترغيبا للعبد في الأداء حيث يصير كسبه مصروفا إلى طاعة الله تعالى لا على سبيل الشرط كذا في "البدائع".
ولو قال لعبدين له:  إن أديتما إلي ألفا فأنتما حران فأدى أحدهما حصته لم يعتق أحدهما لأنه علق العتق بأداء الألف ولم يوجد وكذا لو أدى أحدهما الألف كله من عنده وإن أدى أحدهما الألف وقال:  خمسمائة من عندي وخمسمائة بعث بها صاحبي ليؤديها إليك عتقا لوجود الشرط حصة أحدهما بطريق الأصالة وحصة الآخر بطريق النيابة؛ لأن هذا باب تجري فيه النيابة فقام أداؤه مقام أداء صاحبه ولو أدى عنهما رجل آخر لم يعتقا إلا إذا قال:  أؤديها إليك على أنهما حران فقبلها المولى على ذلك عتقا ويرد المال إلى المؤدي لأن المولى لا يستحق المال بعتق عبده قبل الغير بخلاف الطلاق، والفرق في "البدائع" وقدمنا عن "المحيط" أنه لو أمر غيره بالأداء فأدى لا يعتق مع تصريح صاحب "البدائع" في مسألة العبدين بأن النيابة تجري في هذا الباب إلا أن

 

ج / 4 ص -394-       وإن قال:  أنت حر بعد موتي بألف، فالقبول بعد موته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يوفق بينهما بأن ما في "المحيط" إنما هو في الأمر من غير إعطاء شيء من العبد وما في "البدائع" فيما إذا بعث مع غيره المال فلا إشكال.
وفي "الهداية" ولو أدى البعض يجبر على القبول إلا إنه لا يعتق ما لم يؤد الكل لعدم الشرط كما إذا حط البعض وأدى الباقي ثم لو أدى ألفا اكتسبها قبل التعليق رجع المولى عليه وعتق لاستحقاقها ولو كان اكتسبها بعده لم يرجع عليه؛ لأنه مأذون من جهته بالأداء منه ا ه. ولم أر صريحا أنه لو حجر على هذا العبد المأذون هل يصح حجره وقد يقال:  إنه لا يصح حجره؛ لأن الإذن له ضروري لصحة التعليق بالأداء وقد يقال:  إنه يصح لما أنه يملك بيعه فيملك حجره بالأولى.
"قوله:  وإن قال أنت حر بعد موتي بألف فالقبول بعد موته" لإضافة الإيجاب إلى ما بعد الموت فصار كما إذا قال:  أنت حر غدا على ألف درهم.
وأشار المصنف بتأخير العتق عن الموت إلى أنه لا يعتق بقبوله فلا يعتق إلا بإعتاق الوارث، أو الوصي أو القاضي إذا امتنع الوارث؛ لأن العتق تأخر عن الموت إلى أن يقبل، والعتق متى تأخر عن الموت لا يثبت إلا بإعتاق واحد من هؤلاء؛ لأنه صار بمنزلة الوصية بالإعتاق ذكره الإمام العتابي وجزم به الإسبيجابي، وقال:  إن الوارث يملك عتقه تنجيزا وتعليقا والوصي يملكه تنجيزا فقط ولو أعتقه الوارث عن كفارة يمينه جاز عن الميت لا عن الكفارة، والولاء للميت لا للوارث وصرح الصدر الشهيد بأن الأصح أنه لا يعتق بالقبول بل لا بد من إعتاق الوارث، وفي "الهداية" قالوا:  لا يعتق، وإن قبل بعد الموت ما لم يعتقه الوارث لأن الميت ليس بأهل للإعتاق وهذا صحيح ا ه.
وتعقبه في "غاية البيان" بأنه ينبغي أن يعتق حكما لكلام صدر من الأهل مضافا إلى المحل، وإن كان الميت ليس بأهل للإعتاق ولأن القبول لم يعتبر في حال الحياة فإذا لم يعتق بالقبول بعد الوفاة إلا بإعتاق واحد منهم لا يكون معتبرا بعد الوفاة أيضا فلا يبقى فائدة لقبوله بعد الموت ا ه.
وجوابه أن العتق الحكمي، وإن كان لا يشترط فيه الأهلية يشترط قيام الملك وقته وهنا قد خرج عن ملك المعلق وبقي للوارث ومتى خرج عن ملكه لا يقع بوجود الشرط مع وجود الأهلية فما ظنك عند عدمها وقوله أنه لا فائدة للقبول بعد الموت ممنوع؛ لأنه لولا القبول لم يصح إعتاق الوصي والقاضي لعدم الملك لهما ولم يلزم الوارث الإعتاق.

 

ج / 4 ص -395-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والحاصل:  أن المسألة مختلف فيها فظاهر إطلاق المتون أنه يعتق بالقبول بعد الموت من غير توقف على إعتاق أحد وهو قول البعض كما يشير إليه لفظ الأصح وله أصل في الرواية كما في "غاية البيان" وصحح المتأخرون أنه لا يعتق بالقبول كما قدمناه.
ولا فرق في المسألة بين أن يؤخر ذكر المال، أو يقدمه كأن يقول:  أنت حر على ألف درهم بعد موتي كما في "غاية البيان" لكنه نقل الإجماع وقد علمت أن الخلاف ثابت وظهر بهذا أن قول الزيلعي وقاضي خان في الفتاوى - أنه لو قال له:  أنت حر على ألف درهم بعد موتي - " إن القبول فيه للحال " ليس بصحيح؛ إذ لا فرق بينه وبين مسألة الكتاب.
وقيد بأنت حر؛ لأنه لو قال:  أنت مدبر على ألف درهم فالقبول فيه للحال فإذا قبل صار مدبرا ولا يلزمه المال؛ لأن الرق قائم والمولى لا يستوجب على عبده دينا إلا أن يكون مكاتبا وقد بحث فيه المحقق ابن الهمام بحثا حسنا فراجعه. وفي "الخانية" أن القبول فيه بعد الموت كمسألة الكتاب.
وفي "المحيط" لو قال لعبده حج عني حجة بعد موتي وأنت حر ولا مال له سواه يحج عنه حجا وسطا، ثم يعتقه الورثة ويسعى في ثلثي قيمته؛ لأنه عتق بغير مال فيعتبر من الثلث فإن أوصى الميت مع هذا بثلث ماله لرجل قسم الثلث بين العبد والموصى له على أربعة ثلاثة أرباعه منها للعبد ويسعى للموصى - له - في ربع ثلث رقبته - وللورثة - في ثلثي قيمته؛ لأن العبد موصى له بعتق جميع رقبته فيضرب بجميع الرقبة والموصى له يضرب بالثلث فصار الثلث بينهما على أربعة أسهم وجميع الرقبة على اثني عشر فسلم للعبد ثلاثة ويسعى للموصى له في سهم، وللورثة ثمانية.
ولو قال:  ادفع إلى الوصي قيمة حج يحج بها عني فدفع فعلى الورثة أن يعتقوه ولا ينتظر الحج؛ لأنه عتق بمال والحج مشورة وليس بشرط فإن كانت قيمة الحج أقل من قيمته نظر إن كانت مقدار ثلثي قيمته جاز؛ لأن الوصية بالعتق نافذة في الثلث وإن كانت أقل من ثلثي قيمته فعليه أن يسعى إلى تمام الثلثين، ثم يدفع إلى الورثة أو إلى الوصي مقدار حجة فإن أجازت الورثة الحج فحج بذلك كله فثلثاه للورثة والثلث يحج به عنه من حيث يبلغ.
ولو قال لعبده:  ادفع إلى الوصي قيمة حجة فإذا دفعتها إليه فحج بها عني فأنت حر لا يعتق العبد ما لم يحج عن الميت ولو قال حج عني بعد الموت وأنت حر فمات وأبى الورثة

 

ج / 4 ص -396-       ولو حرره على خدمته سنة، فقبل عتق، وخدمه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خروجه للحج ولا مال للميت غيره فلهم ذلك حتى يخدمهم مقدار ثلثي ما يحتاج إليه للخروج إلى الحج؛ لأن مقدار ثلثيه صار حقا للورثة رقبة ومنفعة، وإذا خرج اشتغل عن خدمتهم، وإذا حج وجب إعتاقه فيبطل حق الورثة عن منفعته وخدمته فيحبسونه ويستخدمونه إلى العام القابل استيفاء لحقهم فإن قال الورثة:  اخرج في هذا العام فقال أخدمكم العام وأخرج السنة الثانية فليس للعبد ذلك فإن أمكنه الخروج في العام، وإلا أبطل القاضي وصيته فإن لم يطلب منه الورثة حتى مضت السنة فله أن يحج في السنة الثانية إن لم يكن الميت قال:  حج عني في هذه السنة، ولو قال:  حج عني بعد موتي بخمس سنين وأنت حر فأبى الورثة أن يتركوه إلى خمس سنين فليس لهم ذلك ا ه.
وفي "الذخيرة":  رجل قال لعبده:  أنت حر بعد موتي إن لم تشرب الخمر فأقام أشهرا، ثم شرب الخمر قبل أن يعتق بطل عتقه وإن رفع الأمر إلى القاضي بعد موت المولى قبل أن يشرب فأمضى فيه العتق، ثم شرب الخمر بعد ذلك لم يرد إلى الرق ولو قال لعبده أنت حر على أن لا تشرب الخمر فهو حر شرب الخمر، أو لم يشرب ا ه.
وأشار المصنف إلى أنه لو قال لعبده:  إن شئت فأنت حر بعد موتي فإن المشيئة له بعد موته وكذا إذا قال إذا جاء غد فأنت حر إن شئت كانت المشيئة إليه بعد طلوع الفجر من الغد وكذا إذا قال أنت حر غدا إن شئت كانت المشيئة في الغد ولو قال:  إن شئت فأنت حر غدا كانت المشيئة للحال في قول أبي يوسف ومحمد وظاهر الرواية عن أبي حنيفة كذا في "الخانية".
وفي "البدائع":  لو قال أنت حر غدا إن شئت فالمشيئة في الغد ولو قال:  أنت حر إن شئت غدا فالمشيئة إليه في الحال؛ لأن في الفصل الأول علق الإعتاق المضاف إلى الغد بالمشيئة فيقتضي المشيئة في الغد وفي الفصل الثاني أضاف الإعتاق المعلق بالمشيئة إلى الغد فيقتضي تقدم المشيئة على الغد اه
"قوله:  ولو حرره على خدمته سنة فقبل عتق وخدمه" يعني من ساعته لأن الإعتاق على الشيء يشترط فيه وجود القبول في المجلس لا وجود المقبول كسائر العقود وعليه أن يخدمه المدة المعينة وهو المراد بالسنة سنة، أو أقل، أو أكثر، ونص الحاكم الشهيد أن الخدمة هي الخدمة المعروفة بين الناس قيد بالمدة؛ لأنه لو حرره على خدمته من غير مدة عتق وعليه أن يرد قيمة نفسه؛ لأن الخدمة مجهولة وكذا لو قال لجاريته:  أنت حرة على أن تخدمني فلانة فقبلت عتقت وردت قيمتها، وقال محمد:  ترد قيمة الخدمة شهرا كذا في "الذخيرة" ونقل في

 

ج / 4 ص -397-       فلو مات تجب قيمته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"الظهيرية" عن بعضهم أنها إن خدمته عمره، أو عمرها لا شيء عليها وإن أبت أن تخدمه عمره أو عمرها تسعى في قيمتها ا ه.
وقد وقع الاستفتاء عما إذا حرره على خدمته مدة معينة وقبل العبد وعتق وكان له زوجة وأولاد فما حكم نفقته ونفقتهم إذا لم يكن له مال فإنه لا يتفرغ للاكتساب بسبب خدمة المولى هذه المدة فلم أر فيه نقلا.
وينبغي أن يشتغل بالاكتساب لأجل الإنفاق على نفسه وعياله إلى أن يستغني عن الاكتساب فيخدم المولى المدة المعينة؛ لأنه الآن معسر عن أداء البدل فصار كما إذا أعتقه على مال ولا قدرة له عليه فإنه يؤخر إلى الميسرة، قيد بكونه حرره على خدمته كأن قال له:  أعتقتك على أن تخدمني؛ لأنه لو قال إن خدمتني كذا مدة فأنت حر لا يعتق حتى يخدمه؛ لأنه معلق بشرط، والأول معاوضة ولم يصرحوا هنا بأنه يكون مأذونا؛ لأنه لا ضرورة إليه؛ إذ الخدمة لا تتوقف على اكتساب المال بخلاف إن أديت إلي ألفا فأنت حر كما قدمناه.
وفي "الذخيرة" لو قال اخدمني سنة وأنت حر عتق الساعة ولا شيء عليه في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف:  لا يعتق إلا بالخدمة قبل أو لم يقبل.
وفي "الظهيرية" لو قال لأمته عند وصيته:  إذا خدمت ابني وابنتي حتى يستغنيا فأنت حرة فإن كانا صغيرين تخدمهما حتى يدركا فإن أدرك أحدهما دون الآخر تخدمهما جميعا وإن كانا مدركين تخدم البنت حتى تتزوج والابن حتى يحصل له ثمن جارية فإذا زوجت البنت وبقي الابن تخدمهما جميعا، وإن مات أحدهما وهما كبيران أو صغيران بطلت الوصية ا ه.
وفي "شرح النقاية" في مسألة " إن خدمتني كذا ":  لو خدمه أقل منها أو أعطاه مالا عن خدمته لا يعتق وكذا لو قال إن خدمتني وأولادي سنة فمات بعض الأولاد لا يعتق ا ه.
"قوله:  فلو مات تجب قيمته" أي لو مات المولى أو العبد قبل الخدمة وجبت قيمة العبد عليه عندهما وقال محمد:  عليه قيمة الخدمة في المدة وقد قدمناه فيما إذا أعتقه على مال فاستحق وسووا بين موت المولى وموت العبد وقد طعن عيسى وقال:  هذا غلط فيما إذا مات المولى بل يخدم الورثة ما بقي منها؛ لأن الخدمة دين فيخلفه وارثه فيه بعد موته كما لو أعتقه على ألف درهم فاستوفى بعضها ومات ولكن في ظاهر الرواية لا فرق بينهما؛ لأن الخدمة عبارة عن المنفعة وهي لا تورث فلا يمكن إبقاء عين المنفعة بعد موت المولى، أو لأن الناس يتفاوتون فيها فإن خدمة الفقراء أسهل من غيرهم، وخدمة الشيخ ليست كخدمة الشاب، وقد تكون الورثة

 

ج / 4 ص -398-       ولو قال أعتقها بألف على أن تزوجنيها، ففعل، وأبت أن تتزوجه عتقت مجاناً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كثيرين، وخدمة الواحد أسهل من خدمة الجماعة وقيدنا بموته قبل الخدمة؛ لأنه لو خدمه بعض المدة كسنة من أربع سنين، ثم مات فعلى قولهما عليه ثلاثة أرباع قيمته وعلى قول محمد عليه قيمة خدمته ثلاث سنين كذا في "شرح الطحاوي".
وفي "الحاوي القدسي":  وبقول محمد نأخذ ولم أر حكم ما إذا مرض العبد مرضا لا يمكن معه الخدمة وينبغي أن يكون كالموت.
"قوله:  ولو قال:  أعتقها بألف على أن تزوجنيها ففعل وأبت أن تتزوجه عتقت مجانا" أي لو قال أجنبي لمالك جارية إلى آخره.
وحاصله:  أمره المخاطب بإعتاق أمته وتزويجها منه على عوض معين مشروط على الأجنبي عن الأمة وعن مهرها فلما لم تتزوجه بطلت عنه حصة المهر عنها، وأما حصة العتق فباطلة أيضا؛ إذ لا يصح اشتراط بدل العتق على الأجنبي بخلاف الخلع؛ لأن الأجنبي فيه كالمرأة لم يحصل لها ملك ما لم تكن تملكه بخلاف العتق فإنه يثبت للعبد فيه قوة حكمية هي ملك البيع والشراء والإجارة والتزويج وغير ذلك ولا يجب العوض إلا على من حصل له المعوض فمعنى قوله مجانا أنها تعتق بغير شيء يلزمها أو يلزم الآمر أي لا يلزم أحدا شيء.
وأطلق فشمل ما إذا قال بألف علي، أو لم يقل علي وكان الأولى ذكرها كما في بعض نسخ "الهداية" ليفيد عدم الوجوب عند عدم ذكرها بالأولى.
وأفاد بقوله وأبت أن لها الامتناع من تزوجه؛ لأنها ملكت نفسها بالعتق وقيد بإبائها لأنها لو تزوجته قسمت الألف على قيمتها ومهر مثلها فما أصاب قيمتها سقط عنه لما ذكرناه وما أصاب مهرها وجب لها عليه فإن استويا بأن كان قيمتها مائة ومهرها مائة سقط عنه خمسمائة ووجب لها خمسمائة عليه. وإن تفاوتا كأن كان قيمتها مائتين والمهر مائة سقط عنه ستمائة وستة وستون وثلثان ووجب لها ثلثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث كذا في "فتح القدير" وبهذا علم أن المصنف لو حذف قوله وأبت لكان أولى؛ لأنها تعتق مجانا سواء أبت، أو تزوجته وأما وجوب المهر فشيء آخر وكذا قوله:  على أن تزوجنيها ليس بقيد؛ لأنها تعتق مجانا لو قال:  أعتقها بالألف علي ففعل لكن إنما ذكره ليفرع عليه المسألة الثانية.
وفي "المحيط" لو قالت لعبدها:  أعتقتك على ألف على أن تتزوجني على عشرة فقبل ذلك ثم أبى أن يتزوجها فعليه الألف فإن كانت قيمته أكثر من الألف سعى في تمام القيمة لأنه لم يف، وإن قالت:  أعتقتك على أن تتزوجني وتمهرني ألفا فقبل، ثم أبى ذلك عتق وعليه أن يسعى

 

ج / 4 ص -399-       ولو زاد عني قسم الألف على قيمتها، ومهر مثلها، ويجب ما أصاب القيمة فقط.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في قيمته وإن تزوجها على مائة ورضيت بذلك فلا سعاية عليه؛ لأنه وفى لها بالتزوج وهي رضيت بدون ما شرطت عليه من المهر ولو دعاها العبد على أن يتزوجها على ألف فأبت المرأة فلا سعاية عليه؛ لأنه قد وفى لها بما شرطت عليه فجاء الامتناع من قبلها ا ه.
"قوله:  ولو زاد " عني " قسم الألف على قيمتها ومهر مثلها ويجب ما أصاب القيمة فقط" أي لو قال أعتقها عني بألف درهم على أن تزوجنيها فأبت أن تتزوجه قسمت الألف على قيمتها وعلى مهر مثلها فما أصاب القيمة أداه الآمر للمأمور وما أصاب المهر سقط عنه؛ لأنه لما قال عني تضمن الشراء اقتضاء على ما عرف في الأصول والفروع لكن ضم إلى رقبتها تزويجها وقابل المجموع بعوض هو ألف فانقسمت عليها بالحصة ومنافع البضع، وإن لم تكن مالا لكن أخذت حكم المال؛ لأنها متقومة حالة الدخول وإيراد العقد عليها ولم يبطل البيع باشتراط النكاح؛ لأنه مقتضي لصحة العتق فلا يراعى فيه شرائط البيع بل شرائط العتق وهو المقتضي - بالكسر - حتى يعتبر في الآمر أهلية الإعتاق بخلاف ما إذا قال أعتق عبدك عني بغير شيء فأعتقه حيث لا يسقط القبض عندهما خلافا لأبي يوسف وقد قدمناه قبيل نكاح الكافر.
وفي "الولوالجية" رجل قال:  جاريتي هذه لك على أن تعتق عني عبدك فلانا فرضي بذلك ودفع الجارية إليه لا تكون له حتى يعتق عبده؛ لأنه طلب منه تمليك العبد يقتضي الإعتاق بتمليك الجارية فما لم يعتق لم يوجد تمليك العبد فلا يتملك الجارية ا ه.
وقيد بإبائها في الثانية أيضا؛ لأنها لو تزوجته فما أصاب قيمتها فهو للمولى وما أصاب مهر مثلها كان مهرا لها وقيد المصنف باشتراط التزوج من الأجنبي لأنه لو أعتق أمته على أن زوجه نفسها فزوجته نفسها كان لها مهر مثلها عند أبي حنيفة ومحمد لأن العتق ليس بمال فلا يصلح مهرا وعند أبي يوسف يجوز جعل العتق صداقا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم "أعتق صفية ونكحها وجعل عتقها مهرها"1 قلنا كان النبي صلى الله عليه وسلم مخصوصا بالنكاح بغير مهر فإن أبت أن تتزوجه فعليها قيمتها في قولهم جميعا.
وفي "الخانية" أم الولد إذا أعتقها مولاها على أن تزوج نفسها منه فقبلت عتقت فإن أبت أن تزوج نفسها منه لا سعاية عليها والله أعلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره تمام ف فوائده "2/243".

 

ج / 4 ص -400-       4- باب التدبير
هو تعليق العتق بمطلق موته
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4- باب التدبير
. بيان للعتق الواقع بعد الموت بعدما بين الواقع في الحياة وقدمه على الاستيلاد لشموله الذكر والأنثى وله معنيان لغوي وفقهي فالأول كما في المغرب الإعتاق عن دبر وهو ما بعد الموت وتدبر في الأمر نظر في أدباره أي في عواقبه ا ه.
وفي ضياء العلوم التدبير عتق العبد والأمة بعد الموت، وتدبير الأمر النظر فيه إلى ما تصير إليه العاقبة ا ه. والثاني ما ذكره الشيخ رحمه الله تعالى وركنه اللفظ الدال على معناه.
وشرائطه نوعان:  عام وخاص.
فالعام:  هو ما قدمناه من شرائط العتق فلا يصح إلا من الأهل في المحل منجزا، أو معلقا أو مضافا، سواء كان إلى وقت، أو إلى الملك، أو إلى سببه والخاص تعليقه بموت المولى فلو علقه بموت غيره لا يكون مدبرا وأن يكون بمطلق موته وأن يكون بموته وحده كما سيأتي، وأما صفته فالتجزؤ عنده خلافا لهما فلو دبره أحدهما اقتصر على نصيبه وللآخر عند يسار شريكه ست خيارات:  الخمسة المتقدمة، والترك على حاله كما عرف في "البدائع" وسيأتي بيان أحكامه من عدم جواز إخراجه عن الملك في حالة الحياة ومن عتقه من الثلث بعد موت المولى إلى آخره.
"قوله:  هو تعليق العتق بمطلق موته" أي موت المولى فخرج بقيد الإطلاق التدبير المقيد كتعليقه بموت موصوف بصفة كما سيأتي وكذا التعليق بموته وموت غيره وخرج أيضا أنت حر بعد موتي بيوم، أو بشهر فهو وصية بالإعتاق فلا يعتق بعد موت المولى إلا بإعتاق الوارث أو الوصي كما في "الذخيرة".
وخرج بموته تعليقه بموت غيره كقوله إن مات فلان فأنت حر فإنه لا يصير مدبرا أصلا لا مطلقا ولا مقيدا فإذا مات فلان عتق من غير شيء ولا يرد عليه تعليقه بموته إلى مدة لا يعيش مثله إليها كإن مت إلى مائة سنة فأنت حر ومثله لا يعيش إليها فإنه سيأتي أنه مدبر مطلق على المختار مع أنه لم يعلق عتقه بمطلق موت المولى؛ لأنه، وإن كان مقيدا صورة فهو مطلق معنى.

 

 

ج / 4 ص -401-       كإذا مت، فأنت حر، وأنت حر يوم أموت، أو عن دبر مني، أو دبرتك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأشار بالتعليق إلى أنه لو دبر عبده، ثم ذهب عقله فالتدبير على حاله، وإن كان في التدبير معنى الوصية بخلاف ما إذا أوصى برقبته لإنسان ثم جن، ثم مات حيث تبطل الوصية والفرق أن التدبير اشتمل على معنى التعليق، والتعليق لا يبطل بالجنون ولهذا لا يبطل بالرجوع ولا كذلك الوصية ولهذا جاز تدبير المكره ولا يجوز وصيته كذا في "الظهيرية".
"قوله:  كإذا مت فأنت حر وأنت حر يوم أموت، أو عن دبر مني، أو دبرتك" بيان لبعض ألفاظه الصريحة فإنه إثبات العتق عن دبر، واليوم هنا لمطلق الوقت فيعتق مات المولى ليلا، أو نهارا لأنه قرن بفعل لا يمتد فإن نوى باليوم النهار دون الليل صحت نيته؛ لأنه نوى حقيقة كلامه، ثم لا يكون مدبرا؛ لأنه علق عتقه بما ليس بكائن لا محالة وهو موته بالنهار وربما يموت بالليل فلذا لا يكون مدبرا كذا في "المبسوط" أي لا يكون مدبرا مطلقا، وإنما هو مقيد فيعتق بموته نهارا وله بيعه ومثل التعليق بإذا " متى "، و " إن " والحدث كالموت فلو قال إن حدث بي حدث فأنت حر فهو مدبر؛ لأنه تعورف الحدث والحادث في الموت، وكذا الوفاة والهلاك؛ لأن الاعتبار للمعنى وكذا أنت حر مع موتي أو في موتي فإنه تعليق العتق بالموت، و " في " تستعار بمعنى حرف الشرط كما عرف في الأصول، وقول الزيلعي تبعا لما في "المحيط" إن حرف الظرف إذا دخل على الفعل يصير شرطا تسامح، وإنما هو بمعناه لأنه لو كان شرطا لطلقت في قوله لأجنبية أنت طالق في نكاحك مع أنها لا تطلق.
وأفاد بقوله أنت حر يوم أموت أن كل لفظ وقع به العتق للحال إذا أضيف إلى الموت فإنه يوجب التدبير كقوله أعتقتك، أو أنت عتيق، أو معتق، أو محرر بعد موتي.
وفي "الخانية" و"الظهيرية":  رجل قال لعبده:  لا سبيل لأحد عليك بعد موتي قالوا يصير مدبرا ا ه. ولم يقيداه بالنية مع أن " لا سبيل لي عليك " كناية لا يعتق بها إلا بالنية لا أن يفرق بين قوله لي وبين قوله لأحد وكذا بعد موتي قرينة لا تتوقف على النية، وفي "الحاوي القدسي" لو قال أعتقوه بعد موتي فهو مدبر ا ه.
وقيد بكون السيد واحدا؛ لأنه لو كان بين اثنين فقالا إذا متنا فأنت حر لم يصر بذلك مدبرا ولهما أن يبيعاه فإذا مات أحدهما صار مدبرا من قبل الثاني وصار حكمه حكم عبد بين رجلين دبره أحدهما، ولو كان كل واحد منهما قال:  إذا مت فأنت حر، أو دبرتك أو دبرت نصيبي منك وخرج القولان منهما جميعا صار مدبرا بينهما فلا يجوز بيعه وأيهما مات عتق نصيبه وسعى العبد للآخر في قيمة نصيبه منه وكان ولاؤه بينهما كذا في "الحاوي القدسي" ولا فرق في العتق المضاف إلى الموت بين أن يكون معلقا بشرط آخر، أو لا فلو قال:  إن كلمت فلانا فأنت حر

 

ج / 4 ص -402-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد موتي فكلمه صار مدبرا؛ لأنه بعد الكلام صار التدبير مطلقا وكذا لو قال أنت حر بعد كلامك فلانا وبعد موتي فكلمه فلان كان مدبرا كذا في "البدائع" وذكر محمد في الأصل إذا قال:  أنت حر بعد موتي إن شئت فإن نوى بقوله " إن شئت " الساعة فشاء العبد في ساعته تلك صار مدبرا؛ لأنه علق التدبير بشرط وهو المشيئة وقد وجد كما إذا قال إن دخلت الدار فأنت مدبر وإن عنى به مشيئة بعد الموت فليس للعبد مشيئة حتى يموت المولى فإن مات المولى فشاء بعد موته فهو حر من ثلثه.
وذكر الحاكم في مختصره أن المراد منه أن يعتقه الوصي أو الوارث. وفي "المحيط" ولو نهاه عن المشيئة قبل موته جاز نهيه ولا فرق في التدبير بين أن يكون منجزا، أو مضافا كما إذا قال أنت مدبر غدا، أو رأس شهر كذا فإذا جاء الوقت صار مدبرا وروى هشام عن محمد رحمه الله تعالى فيمن قال أنت مدبر بعد موتي فهو مدبر الساعة؛ لأنه أضاف التدبير إلى ما بعد الموت، والتدبير بعد الموت لا يتصور فيلغو قوله:  بعد موتي فيبقى قوله:  أنت مدبر، أو يجعل قوله:  أنت مدبر أي أنت حر فيصير كأنه قال أنت حر بعد موتي، وفي "الذخيرة" معزيا إلى الأصل لو قال:  أنت حر بعد موتي إن دخلت الدار لا يصح هذا التصرف عندنا أصلا بخلاف ما إذا قال أنت حر بعد موتي إن شئت.
والفرق أن في فصل المشيئة صححنا تصرفه بطريق الوصية، وتعليق الوصية بالمشيئة صحيح وتعذر تصحيح هذا التصرف بطريق الوصية؛ لأن تعليق الوصية بدخول الموصى له الدار باطل ا ه.
وفي "المحيط" لو قال لأمة:  إن ملكتك فأنت حرة بعد موتي فولدت فاشتراهما تصير الأم مدبرة دون الولد لأن التدبير ثبت في الأم والولد منفصل عنها قبل الملك فلا يتصور سراية حق التدبير إلى الولد كما لو قال:  إن ملكتك فأنت حرة فملكها عتقت ولا يعتق ولد ولدته قبل الملك فكذا هذا ولو قال المولى:  ولدت قبل التدبير وقالت:  بل بعده فالقول للمولى مع يمينه على علمه والبينة لها ا ه. وفي "الظهيرية":  أنت حر الساعة بعد موتي يعتق بعد الموت ا ه.
وأشار المصنف بهذه الألفاظ إلى أنه لو قال:  أوصيت لك برقبتك، أو عتقك، أو نفسك أو أوصيت لك بثلث مالي فإنه يكون مدبرا؛ لأن التدبير وصية فإذا أتى بصريحها كان مدبرا بالأولى ولأن الإيصاء للعبد برقبته إزالة ملكه عن رقبته؛ لأنه لا يثبت الملك للعبد في رقبته إلا بإعتاقه فهو كبيع نفس العبد منه ولو قال العبد لا:  أقبل فهو مدبر وليس رده بشيء كما في "الظهيرية" وعن أبي يوسف فيمن أوصى بسهم من ماله لعبده فإنه يعتق بعد موته ولو أوصى له بجزء من ماله لم

 

ج / 4 ص -403-       فلا يباع، ولا يوهب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعتق لأن السهم عبارة عن السدس فكان سدس رقبته داخلا في الوصية فأما الجزء عبارة عن شيء مبهم والتعيين فيه للورثة فلم تكن الرقبة داخلة تحت الوصية كذا في "المحيط" وما عن أبي يوسف هنا جزم به في "الاختيار".
وذكر الولوالجي:  لو قال مريض أعتقوا فلانا بعد موتي إن شاء الله تعالى صح الإيصاء وفرق بين هذا وبين ما إذا قال:  هو حر بعد موتي إن شاء الله تعالى حيث لا يصح، والفرق أن في المسألة الأولى أمرا بالإعتاق، والاستثناء في الأمور باطل، وفي المسألة الثانية إيجاب، والاستثناء في الإيجاب صحيح ا ه.
"قوله:  فلا يباع ولا يوهب" شروع في بيان أحكامه وقال الشافعي رحمه الله تعالى:  يجوز؛ لأنه تعليق العتق بالشرط فلا يمتنع به البيع والهبة كما في سائر التعليقات وكما في المدبر المقيد ولأن التدبير وصية وهي غير مانعة من ذلك ولنا قوله:  عليه السلام
"المدبر لا يوهب ولا يورث ولا يباع وهو حر من الثلث"1؛ ولأنه سبب الحرية؛ لأن الحرية تثبت بعد الموت ولا سبب غيره ثم جعله سببا في الحال أولى لوجوده في الحال وعدمه بعد الموت لأن ما بعد الموت حال بطلان أهلية التصرف فلا يمكن تأخير السببية إلى زمان بطلان الأهلية بخلاف سائر التعليقات؛ لأن المانع من السببية قائم قبل الشرط؛ لأنه يمين، واليمين مانع، والمنع هو المقصود وإنه يضاد وقوع الطلاق والعتاق فأمكن تأخير السبب إلى زمان الشرط لقيام الأهلية عنده فافترقا ولأنه وصية، والوصية خلافة في الحال لوراثة، وإبطال السبب لا يجوز، وفي البيع وما يضاهيه ذلك أراد بالبيع الإخراج عن الملك بعوض وبالهبة الإخراج بغير عوض فكأنه قال لا يخرج عن الملك.
وفي "الذخيرة" وغيرها:  كل تصرف لا يقع في الحر نحو البيع والإمهار فإنه يمنع في المدبر والمدبرة؛ لأن المدبر باق على حكم ملك المولى إلا أنه انعقد له سبب الحرية فكل تصرف يبطل هذا السبب يمنع المولى منه ا ه. فلذا لا تجوز الوصاية به ولا رهنه لأن الرهن والارتهان من باب إيفاء الدين واستيفائه عندنا فكان من باب تمليك العين وتملكها كذا في "البدائع" ومن هنا يعلم أن شرط الواقفين في كتبهم أنها لا تخرج إلا برهن شرط باطل؛ إذ الوقف أمانة في يد مستعيرة فلا يتأتى الإيفاء والاستيفاء بالرهن سنوضحه إن شاء الله تعالى، وفي "الظهيرية" فإن باعه وقضى القاضي بجواز بيعه نفذ قضاؤه ويكون ذلك فسخا للتدبير حتى لو عاد إليه يوما من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البيهقي كتاب المدبر، باب من قال لا يباع المدبر "10/314" والدار قطني في سننه "4/138" والزيلعي في نصب الراية "3/285".

 

ج / 4 ص -404-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدهر بوجه من الوجوه، ثم مات لا يعتق وهذا مشكل؛ لأنه يبطل بقضاء القاضي ما هو مختلف فيه وما هو مختلف فيه لزوم التدبير لا صحة التعليق فينبغي أن يبطل وصف اللزوم لا غير ا ه.
وسيأتي في البيوع أن بيع المدبر باطل لا يملك بالقبض فلو باعه المولى فرفعه العبد إلى قاض حنفي وادعى عليه أو على المشتري فحكم الحنفي ببطلان البيع ولزوم التدبير فإنه يصير متفقا عليه فليس للشافعي أن يقضي بجواز بيعه بعده كما في "فتاوى الشيخ قاسم" وهو موافق للقواعد فينبغي أن يكون كالحر فلو جمع بينه وبين قن ينبغي أن يسري الفساد إلى القن كما سنبينه إن شاء الله تعالى في محله.
وفي "الولوالجية" من التدبير:  رجل قال:  هذه أمتى إن احتجت إلى بيعها أبيعها، وإن بقيت بعد موتي فهي حرة فباعها جاز كذا في فتاوى الصدر الشهيد ا ه.
ولم يصرح بأنها مدبرة تدبيرا مطلقا أو مقيدا وفيها من كتاب الحيل لو أراد أن يدبر عبده على وجه يملك بيعه يقول:  إذا مت وأنت في ملكي فأنت حر فهذا يكون مدبرا مقيدا فيملك بيعه فإذا مات وهو في ملكه عتق ا ه. فكذا في المسألة الأولى يكون مدبرا مقيدا لكن ذكر الولوالجي رحمه الله في آخر الوصايا لو قال لعبده:  إن مت وأنت في ملكي فأنت حر فله أن يبيعه؛ لأنه لما مات لم يبق في ملكه فلم يعتق ا ه. وهو ليس بمخالف لقوله في الحيل:  إنه يعتق بموته؛ لأن قوله في الوصايا لا يعتق معناه لو مات بعد بيعه، وأما لو مات وهو في ملكه فإنه يعتق وأشار المصنف بعدم جواز تمليكه إلى أنه لو كان المدبر بين اثنين أعتقه أحدهما وهو موسر وضمن قيمة نصيب شريكه عتق المدبر ولم يتغير الولاء لأن العتق ههنا ثبت من جهة المدبر في الحقيقة لا من جهة الذي أعتقه؛ لأن المعتق بأداء الضمان لا يملك نصيب الشريك ههنا؛ لأن المدبر لا يقبل الانتقال من ملك إلى ملك، وإنما وجب الضمان لإثبات الحيلولة بين المدبر والمولى أما أن يقال:  إن المعتق يتملك نصيب صاحبه من المدبر فلا ولما كان هذا طريق العتق كان المعتق هو المدبر فلذا كان الولاء لهما على الشركة كما كان أولا كذا في "الذخيرة" ولا يرد عليه أنه يقبل الانتقال بالقضاء؛ لأنه بالقضاء ينفسخ التدبير، وأما ههنا فالتدبير باق ولكن كان ينبغي أنه لو ضم إلى قن وبيعا صفقة واحدة أن يسري الفساد إلى القن كالحر وسيتضح في محله إن شاء الله تعالى.
وقيد بالبيع ونحوه؛ لأنه يجوز إعتاقه كأم الولد لأنه إيصال إلى حقيقة الحرية عاجلا وتجوز كتابتهما لما فيها من تعجيل الحرية.

 

ج / 4 ص -405-       ويستخدم، ويؤجّر وتوطأ، وتنكح، وبموته يعتق من ثلثه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي "المحيط"، وإذا ولدت المدبرة من السيد فهي أم ولد وقد بطل التدبير؛ لأن أمية الولد أقوى في إفادة العتق من التدبير لأنها تعتق من جميع المال بخلاف المدبرة فإنها تعتق من الثلث فيبطل بها التدبير كالبيع إذا ورد على الرهن ا ه.
"قوله:  ويستخدم ويؤجر وتوطأ وتنكح" أي ويستخدم المدبر ويؤجر وكذا المدبرة وتوطأ المدبرة أي يجوز للمولى ذلك ويجوز أن يزوجها جبرا عليها وكذا المدبر كما تقدم في نكاح الرقيق، وإنما جازت هذه التصرفات؛ لأن الملك ثابت فيه وبه تستفاد ولاية هذه التصرفات وضابطها كما في "الذخيرة" أن كل تصرف يقع في الحر فإنه لا يمنع في المدبر والمدبرة؛ لأنه لا يبطل ما انعقد له من السبب.
وأفاد المصنف رحمه الله بجواز ذلك أن أكساب المدبر والمدبرة للمولى وكذا أرشهما وكذا مهرها للمولى لأنهما بقيا على حكم ملك المولى كذا في "الذخيرة"، ومن أحكامه أن دينه لا يتعلق برقبته؛ لأنها لا تحتمل البيع ويتعلق بكسبه ويسعى في ديونه بالغة ما بلغت.
ومنها أن جنايته على المولى وهو الأقل من قيمته ومن أرش الجناية ولا يضمن المولى أكثر من قيمة واحدة، وإن كثرت الجنايات على ما سيأتي إن شاء الله تعالى، وولد المدبرة بمنزلتها كالحرة فيعتق بموت سيد أمه إن كان التدبير مطلقا أما ولد المدبرة تدبيرا مقيدا فلا يكون مدبرا ووقع في بعض نسخ "الهداية" أن ولد المدبر مدبر بالتذكير وليس بصحيح لأن التبعية إنما هي للأم لا للأب، وتدبير الحمل وحده جائز كعتقه فإن ولدته لأقل من ستة أشهر كان مدبرا، وإلا فلا.
"قوله:  وبموته يعتق من ثلثه" أي بموت المولى يعتق المدبر من ثلث مال المولى لما روينا من قوله عليه السلام "وهو حر من الثلث" ولأن التدبير وصية؛ لأنه تبرع مضاف إلى وقت الموت، والحكم غير ثابت في الحال فينفذ من الثلث ولكونه وصية حتى لو قتله المدبر فإنه يسعى في جميع قيمته؛ لأنه لا وصية للقاتل، وأم الولد إذا قتلت مولاها فإنها تعتق ولا شيء عليها إن كان القتل خطأ كذا في "شرح الطحاوي" وذكر قاضي خان في كتاب الحجر:  أن المحجور عليه يصح تدبيره وبموته سفيها يعتق المدبر ويسعى في قيمته مدبرا فإن كانت قيمته مدبرا عشرة يسعى في عشرة ا ه. مع أنه نقل قبله أن وصية المحجور عليه جائزة من ثلث ماله.
وأطلق في الموت فشمل الحكمي بالردة بأن ارتد المولى عن الإسلام والعياذ بالله تعالى,

 

ج / 4 ص -406-       ويسعى في ثلثيه لو فقيرا وكله لو مديونا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولحق بدار الحرب؛ لأنها مع اللحاق تجري مجرى الموت وكذا المستأمن إذا اشترى عبدا في دار الإسلام فدبره ولحق بدار الحرب فاسترق الحربي عتق مدبره كذا في "البدائع".
وأطلق في التدبير فشمل ما إذا كان في الصحة، أو في المرض؛ لأنه وصية في الحالين ويعتبر من ثلث المال يوم مات المولى كما في الوصايا، وفي "المحيط" أن المدبر يعتق في آخر جزء من أجزاء حياة المولى ا ه. وهو التحقيق وعليه يحمل كلامهم.
"قوله:  ويسعى في ثلثيه لو فقيرا - وكله لو مديونا" أي يسعى المدبر للورثة في ثلثي قيمته لو كان المولى فقيرا ليس له مال إلا هو، وفي جميع قيمته لو كان المولى مديونا دينا يستغرق ماله لما ذكرنا أنه وصية، ومحل نفاذها الثلث والدين مقدم عليها. اعلم أن المدبر في زمن سعايته كالمكاتب عند الإمام وعندهما حر مديون فتتفرع الأحكام فلا تقبل شهادته ولا يزوج نفسه عنده لما في المجمع من الجنايات ولو ترك مدبرا فقتل خطأ - وهو يسعى للوارث - فعليه قيمته لوليه وقالا:  ديته على عاقلته ا ه. وهكذا في "الكافي" وعلله بما ذكرناه وكذا المنجز عتقه في مرض الموت إذا لم يخرج من الثلث فإنه في زمن سعايته كالمكاتب عنده فلا تقبل شهادته كما في شهادات البزازية وحكم جنايته كجناية المكاتب كما في شرح المجمع للمصنف وقولهم هنا يعتق المدبر بموت المولى من ثلث المال يدل عليه فإن لم يخرج من الثلث لم يعتق حتى يسعى ويؤديها، قيدنا بكون الدين مستغرقا؛ لأن الدين لو كان أقل من قيمته فإنه يسعى في قدر الدين، والزيادة على الدين ثلثها وصية، ويسعى في ثلثي الزيادة كذا في "شرح الطحاوي".
وذكر في "المجتبى" أن القدوري أجمل القيمة ولم يبين أنه يسعى في قيمته قنا، أو مدبرا وذكر في بط أنه يسعى في قيمته مدبرا.
وذكر محمد في كتاب الحجر إذا دبر السفيه، ثم مات يسعى الغلام في قيمته مدبرا وليس عليه نقصان التدبير كالصالح إذا دبر ومات وعليه ديون ا ه. وقدمنا1 أن المفتى به أن قيمة المدبر ثلثا قيمته قنا واختار الصدر الشهيد أنها النصف، وفي "الولوالجية":  وهو المختار؛ لأن الانتفاع بالمملوك نوعان انتفاع بعينه وانتفاع ببدله وهو الثمن والانتفاع بالعين قائم وبالبدل فائت ا ه.
وفي "الظهيرية":  وعتق المدبر يعتبر من ثلث المال مطلقا كان، أو مقيدا ا ه. ولم يبينه المصنف؛ لأنه إذا علم حكم المطلق فالمقيد أولى، وفي "فتح القدير":  إذا دبره، ثم كاتبه، ثم مات

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر صفحة:  "404".

 

ج / 4 ص -407-       ويباع لو قال إن مت من سفري، أو من مرضى، أو إلى عشر سنين، أو عشرين سنة، أو أنت حر بعد موت فلان، ويعتق إن وجد الشرط.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المولى وهو يخرج من ثلثه عتق بالتدبير وسقطت عنه الكتابة فإن لم يكن له مال غيره فإنه يخير إن شاء سعى في جميع بدل الكتابة بجهة عقد الكتابة وإن شاء سعى في ثلثي قيمته بالتدبير وهذا عند الإمام؛ لأن العتق يتجزى عنده وقد تلقاه جهتا حرية فيتخير أيهما شاء، وعند أبي يوسف يسعى في الأقل منهما بغير خيار وعند محمد يسعى في الأقل من ثلثي قيمته ومن ثلثي بدل الكتابة ولو كاتبه، ثم دبره فعند أبي حنيفة يتخير بين أن يسعى في ثلثي قيمته، أو ثلثي بدل الكتابة وعندهما يسعى في أقلهما عينا، وتمامه فيه.
وذكر في "الحاوي القدسي":  لو قال لعبده:  أنت حر، أو مدبر أمر بالبيان فإن مات على ما كان فإن كان القول منه في الصحة عتق نصفه من جميع المال ونصفه من الثلث ا ه.
"قوله:  ويباع لو قال إن مت من سفري، أو من مرضي، أو إلى عشر سنين، أو عشرين سنة، أو أنت حر بعد موت فلان ويعتق إن وجد الشرط" بيان للمدبر المقيد وأحكامه.
وحاصله:  أن يعلق عتقه بموته على صفة لا بمطلقة كتقييده بموته في سفر أو مرض مخصوص، أو بمدة معينة يعيشان إلى مثلها، أو بزيادة شيء بعد موت المولى كقوله:  إذا مت وغسلت، أو كفنت ودفنت فأنت حر فيعتق إذا مات استحسانا من الثلث؛ لأنه يغسل ويكفن ويدفن عقيب الموت قبل أن يتقرر ملك الوارث، أو بترداده بين الموت والقتل.
كقوله إذا مت أو قتلت فليس بمدبر مطلق عند أبي يوسف؛ لأنه علقه بأحد الشيئين، والقتل - وإن كان موتا - فالموت ليس بقتل وتعليقه بأحد الأمرين يمنع كونه عزيمة في أحدهما خاصة فلا يصير مدبرا ويجوز بيعه وقال زفر:  هو مدبر مطلق ورجحه في "فتح القدير" بأنه أحسن؛ لأن التعليق في المعنى بمطلق موته؛ لأنه لا تردد في كون الكائن أحد الأمرين من الموت قتلا، أو غير قتل فهو في المعنى مطلق الموت كيفما كان.
وقيد بقوله إلى عشر سنين أو عشرين سنة؛ لأنه لو قال إلى مائة سنة - ومثله لا يعيش إليها في الغالب - فهو مدبر مطلق؛ لأنه كالكائن لا محالة، وهذا رواية الحسن عن أبي حنيفة، وفي "التبيين" أنه المختار لكن ذكر قاضي خان أن على قول أصحابنا هو مدبر مقيد وهكذا ذكره في الينابيع و"جوامع الفقه".
وفي "فتح القدير" أن المصنف كالمناقض فإنه في النكاح اعتبره توقيتا وأبطل به النكاح وهنا جعله تأبيدا موجبا للتدبير ا ه.

 

ج / 4 ص -408-       وقد يجاب عنه بأنه في باب النكاح اعتبره توقيتا للنهي عن النكاح الموقت ولا شك أنه موقت صورة؛ فالاحتياط في منعه تقديما للمحرم على المبيح؛ لأن النظر إلى الصورة يحرمه، وإلى المعنى يبيحه، وأما هنا فنظر إلى التأبيد المعنوي ولا مانع منه فإن الأصل اعتبار المعنى ما لم يمنع مانع فلا تناقض ولذا كان هو المختار، وإن كان الولوالجي جزم بأنه ليس بمدبر مطلق تسوية بينه وبين النكاح، وفي "الظهيرية" لو قال:  أنت حر قبل موتي بشهر كان مدبرا مقيدا فإن مضى شهر صار مدبرا مطلقا عند بعض المشايخ لتعلق العتق بمجرد الموت وعند البعض بقي مدبرا مقيدا لتعلق العتق بموته ومضي شهر يتصل بموته ا ه.
وفي "الخانية" ولو مات بعد شهر قيل يعتق من الثلث وقيل من جميع المال؛ لأن على قول أبي حنيفة يستند العتق إلى أول الشهر وهو كان صحيحا فيعتق من كله وهو الصحيح ا ه. وعلى قولهما يصير مدبرا بعد مضي الشهر قبل موته ا ه.
وفي "المجتبى" لو قال:  أنت حر قبل موتي بشهر فليس بمدبر، وإن كان يعتق بعد موته ويجوز بيعه، ثم إذا مضى شهر قيل لا يجوز بيعه؛ لأنه صار مدبرا مطلقا، وأكثر المشايخ على أنه يجوز بيعه وهو الأصح ا ه. وليس من التدبير أنت حر بعد موتي بيوم أو بشهر وهو إيصاء بالعتق حتى لا يعتق بعد موت المولى ومضي اليوم ما لم يعتقه الوصي ويجب إعتاقه فيعتقه الوصي أو الورثة كذا في "المجتبى" أيضا، وفي "الظهيرية":  وإن أوصى بعتقه بعد موته فقتل العبد خطأ بعد موته فالقيمة للورثة ا ه.
وقد ذكر المصنف أن من هذا النوع أنت حر بعد موت فلان، وظاهره أنه مدبر مقيد وليس كذلك ولذا قال في "المبسوط":  لو قال:  أنت حر بعد موت فلان لم يكن مدبرا؛ لأن موت فلان ليس بسبب للخلافة في حق هذا المولى، ووجوب حق العتق باعتبار معنى الخلافة فلو مات فلان والمولى حي عتق العبد وكذلك إن قال:  أنت حر بعد موتي وموت فلان أو قال بعد موت فلان وموتي لا يكون مدبرا فإن مات فلان قبل المولى فحينئذ يصير مدبرا ا ه.
وفي "البدائع" لو قال:  إن مات فلان فأنت حر لم يكن مدبرا؛ لأنه لم يوجد تعليق عتق عبده بموته فلم يكن هذا تدبيرا بل كان تعليقا بشرط مطلق كالتعليق بسائر الشروط من دخول الدار وكلام زيد وغير ذلك ا ه.
فإن قلت:  المصنف إنما ذكره في التدبير المقيد لمساواته لحكمه من جواز البيع والعتق بالموت. قلت:  بينهما فرق من جهة أخرى وهو أن المدبر بقسميه يعتق من الثلث كما قدمناه1، والمعلق عتقه بشرط غير موت المولى يعتق من جميع المال إذا وجد الشرط ويبطل التعليق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر صفحة:  "404".

 

ج / 4 ص -409-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بموت المولى قبل وجود الشرط كما لو قال لعبده:  إن دخلت الدار فأنت حر فمات المولى قبل الدخول بطلت اليمين ولا يعتق أصلا بخلاف المدبر.
وفي "الظهيرية":  عبد بين رجلين قال أحدهما:  إن مت أنا وفلان - يعني شريكه - فأنت حر لم يكن مدبرا وكذلك لو قال الآخر مثل ذلك، فإن مات أحدهما صار العبد مدبرا من الآخر ا ه. وإنما جاز بيع المدبر المقيد؛ لأن سبب الحرية لم ينعقد في الحال لتردد في هذا القيد لجواز أن لا يموت منه فصار كسائر التعليقات بخلاف المدبر المطلق؛ لأنه تعلق عتقه بمطلق الموت وهو كائن لا محالة.
وأفاد بقوله ويعتق إذا وجد الشرط أنه لا بد أن يموت في سفره هذا أو مرضه هذا، أو في المدة المعينة فلو أقام، أو صح، أو مضت المدة ثم مات لم يعتق لبطلان اليمين قبل الموت.
وفي "فتح القدير":  من التدبير المقيد أن يقول:  إن مت إلى سنة فأنت حر فإن مات قبل السنة عتق مدبرا، وإن مات المولى بعد السنة لا يعتق ومقتضى الوجه كونه لو مات في رأس السنة يعتق؛ لأن الغاية هنا لولاها تناول الكلام ما بعدها؛ لأنه يتنجز عتقه فيصير حرا بعد السنة فتكون للإسقاط ا ه.
وجوابه أن هذا الوجه ليس بمطرد لانتقاضه باليمين في قوله لا أكلمه إلى غد فإن الغاية لا تدخل في ظاهر الرواية فله أن يكلمه في الغد مع أنها غاية إسقاط وكذلك أكلت السمكة إلى رأسها لا تدخل الغاية مع أنه للإسقاط.
وفي "المجتبى" إن مت من مرضي هذا فهو حر فقتل لا يعتق بخلاف ما لو قال في مرضي ولو قال:  إن مت من مرضي وبه حمى فتحول صداعا، أو على عكسه قال محمد هو مرض واحد ا ه.
ففرق بين:  "من"، و "في" وذكر الولوالجي:  رجل قال لعبديه:  أحدكما حر بعد موتي وأوصيت له بمائة درهم، ثم مات عتقا ولهما المائة بينهما؛ لأنه لما مات شاع العتق فيهما فتشيع الوصية أيضا ولو قال لكل واحد منهما مائة درهم تبطل إحدى المائتين لأنها وقعت لعبده ا ه. وبه علم أن من أوصى لعبده بقدر معين من ماله لا يكون مدبرا بخلاف الإيصاء له برقبته، أو بسهم من ماله كما قدمناه، والله سبحانه وتعالى أعلم/.

 

ج / 4 ص -410-       5- باب الاستيلاد
ولدت أمة من السيد لم تملك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
5- باب الاستيلاد
وهو طلب الولد في اللغة وهو عام أريد به خصوص، وهو طلب ولد أمته أي استلحاقه أي باب بيان أحكام هذا الاستلحاق الثابتة في الأم، وأم الولد تصدق لغة على الزوجة وغيرها ممن لها ولد ثابت النسب وغير ثابت النسب.
وفي عرف الفقهاء أخص من ذلك وهي الأمة التي ثبت نسب ولدها من مالك كلها أو بعضها.
"قوله:  ولدت أمة من السيد لم تملك" لقوله عليه السلام
"أعتقها ولدها"1 أخبر عن إعتاقها فيثبت بعض مواجبه؛ وهو حرمة البيع ولأن الجزئية قد حصلت بين الواطئ والموطوءة بواسطة الولد فإن الماءين قد اختلطا بحيث لا يمكن الميز بينهما على ما عرف في حرمة المصاهرة إلا أن بعد الانفصال تبقى الجزئية حكما لا حقيقة فضعف السبب فأوجب حكما مؤجلا إلى ما بعد الموت، وبقاء الجزئية حكما باعتبار النسب وهو من جانب الرجال فكذا الحرية تثبت في حقهم لا في حقهن حتى إذا ملكت الحرة زوجها وقد ولدت منه لم يعتق بموتها وبثبوت عتق مؤجل يثبت حق الحرية في الحال فيمتنع جواز البيع، وإخراجها لا إلى الحرية في الحال ويوجب عتقها بعد موته.
أطلق في الولد فشمل الولد الحي والميت؛ لأن الميت ولد بدليل أنه يتعلق به أحكام الولادة حتى تنقضي به العدة وتصير المرأة نفساء وشمل السقط الذي استبان بعض خلقه فإن لم يستبن شيء لا تكون أم ولد، وإن ادعاه المولى ولو قال المصنف:  حبلت أمة من السيد مكان " ولدت " لكان أولى لما في "البدائع" و"المحيط" و"الخانية" لو قال لجاريته:  حملها مني صارت أم ولد له؛ لأن الإقرار بالحمل إقرار بالولد. وكذا لو قال هي حبلى مني، أو ما في بطنها من ولد فهو مني ولا يقبل منه بعده أنها لم تكن حاملا، وإنما كان ريحا ولو صدقته الأمة لأن في الحرية حق الله تعالى فلا يحتمل السقوط بإسقاط العبد بخلاف ما إذا قال:  ما في بطنها مني ولم يقل:  من حمل أو ولد، ثم قال بعده كان ريحا وصدقته لم تصر أم ولد لاحتمال الولد والريح ولو قال:  إن كانت حبلى فهو مني فأسقطت مستبين الخلق كله، أو بعضه صارت أم ولد فإن ولدت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه ابن ماجه، كتاب العتق، باب أمهات الأولاد "25816" وذكره الزيلعي في نصب الراية "3/287".

 

ج / 4 ص -411-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لأقل من ستة أشهر صارت أم ولد للتيقن بحملها حينئذ، وإن ولدته لأكثر لم تصر أم ولد ا ه.
وأطلق في الولادة من السيد فشمل ما إذا كان بجماع منه أو بغيره لما في "المحيط" عن أبي حنيفة إذا عالج الرجل جاريته فيما دون الفرج فأنزل فأخذت الجارية ماءه في شيء فاستدخلته فرجها في حدثان ذلك فعلقت الجارية وولدت فالولد ولده والجارية أم ولد له ا ه.
وأفاد بالولادة من السيد أنه لا بد من ثبوت النسب منه أولا لتصير أم ولد له فإنه السبب عندنا وثبوت النسب منه موقوف على إقراره كما سيأتي وبه اندفع ما في "فتح القدير" من أنهم أخلوا بقيد ثبوت النسب؛ لأن الولادة منه لا تتحقق إلا بالاعتراف فلا إخلال خصوصا وقد صرحوا به بعد.
وأطلق في السيد فشمل ما إذا كان سيدها وقت الولادة أو لا حتى لو تزوج جارية إنسان فاستولدها، ثم ملكها صارت أم ولد له؛ لأن سبب الاستيلاد ثبوت النسب بخلاف ما إذا زنى بجارية إنسان فولدت، ثم ملكها لعدم ثبوت النسب وشمل ما إذا كان مالكها كلها، أو بعضها؛ لأن الاستيلاد لا يتجزى فإنه فرع النسب فيعتبر بأصله وشمل السيد المسلم والكافر ذميا أو مرتدا، أو مستأمنا كذا في "البدائع".
وأطلق الأمة فشمل القنة والمدبرة لاستوائهما في إثبات النسب إلا أن المدبرة إذا صارت أم ولد بطل التدبير؛ لأن أمية الولد أنفع لها؛ لأنها لا تسعى كذا في "البدائع"، ويشكل عليه ما في "المحيط" من أنه يجوز إعتاقها وتدبيرها وكتابتها؛ لأن في الإعتاق إيصال حقها معجلا.
وفي التدبير استجماع سبب الحرية وفي الكتابة استعجال حقها في العتق متى أدت البدل قبل موت المولى فلم تتضمن هذه التصرفات إبطال حقها، وملكه قائم فيها فصحت ا ه. فإنه على ما في "البدائع" ينبغي أن لا يصح التدبير فإن الاستيلاد أقوى منه ولا فائدة فيه معه.
وفي "الذخيرة" معنى قوله بطل التدبير أنه لا يظهر حكم التدبير بعد ذلك فكأنه بطل لأنها تعتق من جميع المال وأفاد بقوله " لم تملك " أنه لا يجوز بيعها ولا هبتها ولا إخراجها عن الملك بوجه وكذا لا يجوز رهنها وليس المراد أنها لم تملك لأحد؛ لأنها باقية على ملك مولاها بدليل ما سيأتي من جواز وطئها.
وأشار المصنف إلى أنه لو قضى قاض بجواز بيعها لم ينفذ قضاؤه قال في "الخانية":  وهو أظهر الروايات، وفي "الظهيرية" وإذا قضى القاضي بجواز بيع أم الولد نفذ قضاؤه في قول

 

ج / 4 ص -412-       وتوطأ، وتستخدم، وتؤجر وتزوج، فإن ولدت بعده ثبت نسبه بلا دعوة بخلاف الأول.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أبي حنيفة وأبي يوسف، وفي قول محمد لا يجوز بناء على المسألة الأصولية أن الإجماع المتأخر هل يرفع الاختلاف المتقدم؟ عندهما لا يرفع لما فيه من تضليل بعض الصحابة وعند محمد يرفع والفتوى على قول محمد في هذه المسألة أنه لا ينفذ قضاؤه ا ه. وفي "الذخيرة" لو قضى قاض بجواز بيعها لم ينفذ قضاؤه بل يتوقف على قضاء قاض آخر إمضاء، وإبطالا ا ه.
وفي "المحيط" رجل أعتق أم ولده، ثم ارتدت وسبيت وملكها تصير أم ولد له؛ لأن سبب صيرورتها أم ولد قائم وهو إثبات النسب منه فإن أعتق المدبرة، ثم ارتدت وسبيت فملكها لا تصير مدبرة؛ لأن إعتاق المدبر وصل إليه بالإعتاق وبطل التدبير فلا يبقى عتقها معلقا بالموت بخلاف الاستيلاد فإنه لا يبطل بالإعتاق والارتداد لقيام سببه وهو ثبات نسب الولد ا ه. وفي "الخانية" وينبغي للمولى أن يشهد على أن الجارية ولدت منه خوفا من أن يسترق ولده بعد وفاته وقدمنا في تزوج الأب جارية ابنه أن من أراد أن تلد أمته منه ولا تكون أم ولد أن يملكها لولده الصغير ثم يتزوجها كما في "الخانية".
"قوله:  وتوطأ، وتستخدم وتؤجر، وتزوج"؛ لأن الملك قائم فيها فأشبهت المدبرة فكل تصرف يبطل هذا الحق فإنه لا يجوز فيها، وما لا يبطله فهو جائز وأفاد بالوطء، والاستخدام أن الكسب والغلة والعقر والمهر للمولى، لأنها بدل المنفعة، والمنافع على ملكه، وكذلك ملك العين قائم.
وأفاد بالتزويج أنه لا يجب عليه الاستبراء قالوا هو مستحب كاستبراء البائع لاحتمال أنها حبلت منه فيكون النكاح فاسدا فكان تعريضا للفساد ولو زوجها فولدت لأقل من ستة أشهر فهو من المولى والنكاح فاسد؛ لأنه تبين أنه زوجها وفي بطنها ولد ثابت النسب منه فإن ولدت لأكثر من ستة أشهر، فهو ولد الزوج وإن ادعاه المولى ولكن يعتق عليه لإقراره بحريته وإن لم يثبت نسبه وفي "المحيط":  لو باع خدمتها منها، أو كاتبها على خدمتها جاز وتعتق، إذا باع خدمتها منها.
"قوله:  فإن ولدت بعده ثبت نسبه بلا دعوة بخلاف الأول" بيان لشرط صيرورتها أم ولد فأفاد أن الأمة إذا ولدت فإنها لا تصير أم ولد إلا إذا ادعى الولد لنفسه؛ لأن وطء الأمة يقصد به قضاء الشهوة دون الولد لوجود المانع عنه فلا بد من الدعوة بمنزلة ملك اليمين من غير وطء بخلاف العقد لأن الولد يتعين مقصودا منه فلا حاجة إلى الدعوة فإذا اعترف بالولد الأول وجاءت بالثاني فإنه يثبت نسبه من غير دعوة من المولى؛ لأنه بدعوى الأول تعين الولد مقصودا منها فصارت فراشا كالمعقودة.

 

ج / 4 ص -413-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي "الظهيرية" لو قال لجاريته:  إن كان في بطنك غلام فهو مني، وإن كان جارية فليس مني يثبت نسب الولد منه غلاما كان، أو جارية ولو قال إن كان في بطنك ولد فهو مني إلى سنتين فولدت لأقل من ستة أشهر يثبت النسب منه، وإن ولدت لأكثر من ستة أشهر لا يثبت النسب والتوقيت باطل ا ه.
وأطلق في ثبوت نسب الثاني بلا دعوة وهو مقيد بأن لا تكون حرمت عليه، سواء كانت حرمة مؤبدة، أو لا فإن حرمت عليه لا يثبت نسبه إلا بدعوة؛ لأن الظاهر أنه ما وطئها بعد الحرمة فكانت حرمة الوطء كالنفي دلالة كما لو وطئها ابن المولى، أو أبوه، أو وطئ المولى أمها، أو بنتها فجاءت بولد لأكثر من ستة أشهر أو زوجها فجاءت بولد لستة أشهر من وقت التزويج، وإن ادعى في الحرمة المؤبدة يثبت النسب لأن الحرمة لا تزيل الملك وفي المزوجة يعتق عليه وكذا إذا حرمت عليه بكتابة، وإن حرمت عليه بما لا يقطع نكاح الحرة ولا يزيل فراشها كالحيض والنفاس والإحرام والصوم فإنه يثبت النسب بلا دعوة؛ لأنه تحريم عارض لا يغير حكم الفراش كذا في "البدائع" وظاهر تقييده بالأكثر من الستة أنها لو ولدته بعد عروض الحرمة لأقل من ستة أشهر فإنه يثبت نسبه بلا دعوة للتيقن بأن العلوق كان قبل عروضها وقد ذكره في "فتح القدير" بحثا، وفي "الظهيرية":  أمة لرجل ولدت في ملكه ثلاثة أولاد في بطون مختلفة فإن ادعى الأصغر يثبت نسب الأصغر منه وله أن يبيع الأخيرين بالاتفاق، وإن ادعى نسب الأكبر ثبت نسب الأكبر منه، والأوسط والأصغر بمنزلة الأم لا يثبت نسبهما وليس له أن يبيعهما؛ لأنه يحق عليه شرعا الإقرار بنسب ولد هو منه ولما خص الأكبر بالدعوة بعدما لزمه هذا شرعا كان هذا نفيا منه للأخيرين، وولد أم الولد ينتفي نسبه بالنفي وهو نظير ما قيل السكوت لا يكون حجة ولكن السكوت بعد لزوم البيان يجعل دليل النفي فهذا مثله ا ه.
وقيد بالدعوة لأنه لو قال كنت أطأ لقصد الولد عند مجيئها بالولد فإنه لا يثبت النسب لأنه لم يعترف بالولد.
وفي "فتح القدير" ينبغي أن يثبت النسب بلا دعوة؛ لأن ثبوته بقوله هو ولدي بناء على أن وطأه حينئذ لقصد الولد وعلى هذا قال بعض فضلاء الدرس ينبغي أنه إذا أقر أنه كان لا يعزل عنها وحصنها أن يثبت نسبه من غير توقف على دعواه، وإن كنا نوجب عليه في هذه الحالة الاعتراف به فلا حاجة أن نوجب عليه الاعتراف ليعترف فيثبت نسبه بل يثبت النسب بلا دعوة؛ لأن ثبوته بقوله هو ولدي بناء على أن وطأه حنيئذ لقصد الولد، وعلى هذا قال:  بعض فضلاء الدرس:  ينبغي أنه إذا أقر أنه كان لا يعزل عنها، وحصنها أن يثبت نسبه من غير توقف على دعواه وإن كنا

 

ج / 4 ص -414-       وانتفى بنفيه، وعتقت بموته من كل ماله، ولم تسعَ لغريمه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نوجب عليه في هذه الحالة الاعتراف به فلا حاجة أن نوجب عليه الاعتراف ليعترف فيثبت نسبه بل يثبت نسبه ابتداء وأظن أن لا بعد في أن يحكم على المذهب بذلك ا ه.
وأقول:  إنه لا يصح أن يحكم على المذهب به لتصريح أهله بخلافه قال في "البدائع":  الأمة القنة، أو المدبرة لا يثبت نسب ولدها، وإن حصنها المولى وطلب الولد من وطئها بدون الدعوة عندنا؛ لأنها لا تصير فراشا بدون الدعوة ا ه. فإن أراد الثبوت عند القاضي ظاهرا فقد صرحوا أنه لا بد من الدعوة مطلقا، وإن أراد فيما بينه وبين الله تعالى فقد صرح في "الهداية" وغيرها بأن ما ذكرناه من اشتراط الدعوة إنما هو في القضاء أما فيما بينه وبين الله تعالى فإن كان وطئها وحصنها ولم يعزل عنها يلزمه أن يعترف به ويدعيه؛ لأن الظاهر أن الولد منه، وإن عزل عنها، أو لم يحصنها جاز له أن ينفيه؛ لأن الظاهر يقابله ظاهر آخر، والتحصين منعها من الخروج والبروز عن مظان الريبة، والعزل أن يطأها ولا ينزل في موضع المجامعة وفي "المجتبى" معزيا إلى تجريد القدوري:  ويثبت نسب ولد الجارية من مولاها، وإن لم يدعه فهذا نص على أن دعوى المولى ليس بشرط لصيرورتها أم ولد في نفس الأمر، وإنما يشترط لظهوره والقضاء عليه ا ه. وفيه أيضا لا يصح إعتاق المجنون وتدبيره ويصح استيلاده ا ه. مع أن الدعوى لا تتصور منه فهذا إن صح يستثنى وهو مشكل.
"قوله:  وانتفى بنفيه" أي انتفى نسب الولد الثاني بنفي المولى من غير توقف على لعان؛ لأن فراشها ضعيف حتى يملك نقله بالتزويج بخلاف المنكوحة حيث لا ينفى نسب ولدها إلا باللعان لتأكد الفراش.
أطلق في النفي فشمل الصريح والدلالة كما إذا ولدت ولدين في بطنين فادعى نسب الثاني كان نفيا للأول وكذا لو كانوا ثلاثة فادعى نسب الثاني كان نفيا للأول وكذا لو كانوا ثلاثة فادعى نسب الأكبر كان نفيا لما بعده كما قدمناه وشمل ما إذا تطاول الزمان وهو ساكت بعد ولادته وصرح في "المبسوط" بأنه إذا تطاول الزمان لا يملك نفيه؛ لأن التطاول دليل إقراره لوجود دليله من قبول التهنئة ونحوه فيكون كالتصريح، واختلافهم في التطاول سبق في اللعان وصرح في "المبسوط" أيضا بأنه إنما يملك نفيه إذا لم يقض به القاضي فأما بعد القضاء فقد لزمه بالقضاء فلا يملك إبطاله ا ه. وينبغي أن يكون المراد به قضاء غير الحنفي وأما الحنفي فليس له الحكم به من غير صريح الدعوة.
"قوله:  وعتقت بموته من كل ماله ولم تسع لغريمه" لحديث سعيد بن المسيب أن النبي عليه

 

ج / 4 ص -415-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السلام
"أمر بعتق أمهات الأولاد وأن لا يبعن في دين وأن لا يجعلن من الثلث"1 ولأن الحاجة إلى الولد أصلية فتقدم على حق الورثة والدين كالتكفين بخلاف التدبير فإنه وصية بما هو من زوائد الحوائج ولأنها ليست بمال متقوم حتى لا تضمن بالغصب عند أبي حنيفة فلا يتعلق بها حق الغرماء كالقصاص بخلاف المدبر؛ لأنه مال متقوم.
أطلق في الموت فشمل الحكمي كردته ولحوقه بدار الحرب وكذا الحربي المستأمن إذا اشترى جارية بدار الإسلام واستولدها ثم رجع إلى دار الحرب فاسترق الحربي عتقت الجارية لما ذكرنا في المدبر كذا في "البدائع" وشمل كلامه ما إذا أقر بأنها ولدت منه في الصحة أو في المرض لكن إن كان في الصحة فإنها تعتق من جميع المال، سواء كان معها ولد، أو لم يكن، وإن كان الإقرار في المرض فإن كان معها ولد فكذلك الجواب وإلا فهي أم ولده وحكمها كالمدبر تعتق من ثلث المال كذا في "شرح الطحاوي" وذكر في "المحيط" أنه لو قال لأمته في مرضه:  ولدت مني فإن كان هناك ولد، أو حبل تعتق من جميع المال، وإلا فمن الثلث؛ لأنه عند عدم الشاهد إقرار بالعتق وهو وصية، وفي "الخانية":  وإذا عتقت بموته يكون ما في يدها من المال للمولى إلا إذا أوصى لها به ا ه.
وفي "المجتبى" عن محمد مات مولى أم الولد ولها متاع وعروض ليس لها منها شيء إلا أني أستحسن أن أترك لها ملحفة وقميصا ومقنعة فأما المدبر فلا شيء له من الثياب وغيره ا ه.
ولم يذكر المصنف هنا حكم ولد أم الولد من غير المولى لأنه قدمه في كتاب العتق أن الولد أي الجنين يتبع الأم في الاستيلاد فإذا زوج المولى أم ولده لرجل فولدت فهو في حكم أمه؛ لأن حق الحرية يسري إلى الولد كالتدبير ألا ترى أن ولد الحرة حر وولد القنة رقيق، والنسب يثبت من الزوج؛ لأن الفراش له وإن كان النكاح فاسدا؛ لأن الفاسد ملحق بالصحيح في حق الأحكام، وإذا ادعاه المولى لا يثبت نسبه منه؛ لأنه ثابت النسب من غيره ويعتق الولد كذا في "الهداية" فإذا مات المولى عتق ولد أم الولد كأمه.
وفي "المحيط" لو شهد أحدهما أنه أقر أنها ولدت هذا الغلام منه وشهد الآخر أنها ولدت هذه الجارية منه فشهادتهما جائزة على أمية الولد لا على ثبات النسب لاختلافهما في الولد فإن كان الولدان لا يعلم أيهما أكبر فنصف كل واحد منهما بمنزلة أمه يعتق ذلك النصف بعتقها ويسعى كل واحد منهما في نصف

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البيهقي، كتاب عتق أمهات الأولاد، باب الرجل يطأ أمته بالملك فتلد له "10/344".

 

ج / 4 ص -416-       ولو أسلمت أم ولد النصراني سعت في قيمتها ولو ولدت بنكاح، فملكها فهي أم ولده
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قيمته بعد موت المولى، وإن كان أحدهما أكبر من الآخر عتق الأصغر بعتقها ويباع الأكبر ولا يثبت نسب واحد منهما ومتى لم يعلم أيهما أكبر وأحدهما حادث بعد ثبوت أمية الولد للأم وهو مجهول فيشيع ذلك الحكم فيهما نصفان ا ه.
"قوله:  ولو أسلمت أم ولد النصراني سعت في قيمتها" لأن النظر من الجانبين في جعلها مكاتبة لأنه يندفع الذل عنها بصيرورتها حرة يدا والضرر عن الذمي لانبعاثها على الكسب نيلا لشرف الحرية فيصل الذمي إلى بدل ملكه أما لو أعتقت وهي مفلسة تتوانى في الكسب ومالية أمية الولد يعتقدها الذمي متقومة فيترك وما يعتقده ولأنها إن لم تكن متقومة فهي محترمة وهذا يكفي لوجوب الضمان كما في القصاص المشترك إذا عفا أحد الأولياء يجب المال للباقين والمراد بقيمتها هنا ثلث قيمتها لو كانت قنة كذا في "غاية البيان" والمراد بالنصراني الكافر وترك المصنف قيدا وهو أن محل وجوب السعاية عليها فيما إذا عرض الإسلام عليه فأبى أما إذا أسلم فهي باقية على حالها ولم يصرح بأنها في حال السعاية مكاتبة وقد قالوا إنها مكاتبة لكن إذا عجزت لا ترد في الرق وشرط قاضي خان في "الخانية" لكونها مكاتبة قضاء القاضي قال:  وإذا قضى القاضي عليها بالسعاية كان حالها حال المكاتب ما لم تؤد السعاية وقال فخر الإسلام ومعنى المسألة أن القاضي يقدر قيمتها فينجمها عليها وأشار بكونها أم ولده إلى أنه لو مات قبل السعاية عتقت بلا سعاية كما هو حكم الولد، وإلى أن المدبر النصراني إذا أسلم فحكمه حكم أم الولد يسعى في قيمته وهي نصف قيمته لو كان قنا، أو الثلثان على ما مر.
وقيد بأم الولد لأن القنة للنصراني إذا أسلمت فإن المولى يؤمر بالبيع وكذا قنه؛ لأن البيع أوجب الحقوق؛ لأن الكاتب ربما يعجز فيحتاج إلى بيعه فصارت الكتابة بمنزلة البدل عن البيع ولا يصار إلى البدل ما دام الأصل مقدورا عليه كذا في "غاية البيان" وقيد مسكين الجبر على البيع بعرض الإسلام عليه فيأبى.
وفي "المحيط":  وإذا قضى القاضي عليها بالقيمة، ثم ماتت ولها ولد ولدته في السعاية سعى الولد فيما عليها؛ لأن الولد صار مستسعى تبعا لأمه كولد المكاتبة؛ لأنها بمنزلة المكاتبة ا ه.
"قوله:  ولو ولدت بنكاح فملكها فهي أم ولده" لأن السبب هو الجزئية على ما ذكرنا من قبل والجزئية إنما تثبت بينهما بنسبة الولد الواحد إلى كل منهما كملا وقد ثبت النسب فتثبت الجزئية بهذه الواسطة وقد كان المانع حين الولادة ملك الغير وقد زال قيد بالنكاح احترازا عما إذا ولدت منه بالزنا ثم ملكها فإنها لا تصير أم ولد له؛ لأنه لا نسب فيه للولد إلى الزاني، وإنما

 

ج / 4 ص -417-       ولو ادعى ولد أمة مشتركة ثبت نسبه، وهي أم ولده، ولزمه نصف عقرها لا قيمته
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعتق على الزاني إذا ملكه؛ لأنه جزؤه حقيقة بلا واسطة نظيره من اشترى أخاه من الزنا لا يعتق لأنه ينسب إليه بواسطة نسبه إلى الوالد وهي غير ثابتة، والوطء بالشبهة كالنكاح كما في "المحيط".
وأطلق في الملك فشمل الكل والبعض ولذا قال في "المحيط":  وإذا ولدت الأمة المنكوحة من الزوج ثم اشتراها هو وآخر تصير أم ولد للزوج لما قلنا ويلزمه قيمة نصيب شريكه؛ لأنه بالشراء صارت أم ولد له وانتقل نصيب الشريك إليه بالضمان، وإن ورثا معا الولد وكان الشريك ذا رحم محرم من الولد عتق عليهما جميعا، وإن كان الشريك أجنبيا سعى الولد للشريك في حصته لأنه لما عتق نصيب الأب فسد نصيب شريكه ا ه.
وأشار المصنف بكونها أم ولد له إلى أن أولادها منه أحرار إذا ملكهم؛ لأن "من ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه"1 الحديث، ولو ملك ولدا لها من غيره لا يعتق وله بيعه عندنا؛ لأنها إنما صارت أم ولد له من حين الملك لا من حين العلوق، وأما الولد الحادث في ملكه فحكمه حكم أمه بالاتفاق إلا أنه إذا كان جارية لم يستمتع بها لأنه وطئ أمها، وهذه إجماعية وهي واردة على إطلاق من قال:  إنه كأمه كذا في "فتح القدير". ويستثنى منه أيضا ما في "الظهيرية" رجل اشترى جارية هي أم ولد الغير من رجل أجنبي ولا علم له بحالها فولدت منه ولدا ثم استحقها مولاها وقضي له بها فعلى أبي الولد - وهو المشتري - قيمة الولد لمولى أم الولد بسبب الغرور وكان ينبغي أن لا يكون عليه شيء من قيمة الولد على قول أبي حنيفة؛ لأن ولد أم الولد لا مالية فيه كأمه إلا أنه ضمن مع هذا قيمته عنده؛ لأنه إنما لا يكون فيه مالية بعد ثبوت حكم أمية الولد فيه ولم يثبت في الولد لأنه علق حر الأصل فلذا كان مضمونا بالقيمة والله أعلم ا ه.
فحاصله أن ولد أم الولد من غير المولى كأمه إلا في مسألتين فإذا ملك من استولدها بالنكاح وبنتها من غيره الحادثة قبل الملك والبنت الحادثة من رجل بعد الملك وأعتقهن، ثم اشتراهن بعد السبي والارتداد عدن كما كن في قول أبي يوسف يحرم عليه بيع الأم والبنت الثانية ولا يحرم عليه بيع البنت الأولى وقال محمد:  يحرم عليه بيع الأم ولا يحرم عليه بيع البنتين كذا في "الظهيرية".
"قوله:  ولو ادعى ولد أمة مشتركة ثبت نسبه، وهي أم ولده، ولزمه نصف قيمتها ونصف عقرها لا قيمته" أما ثبوت النسب فلأنه لما ثبت في نصفه لمصادفته ملكه ثبت في الباقي ضرورة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم تخريجه.

 

ج / 4 ص -418-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنه لا يتجزأ لما أن سببه لا يتجزأ وهو العلوق إذ الولد الواحد لا يعلق من ماءين، وأما صيرورتها أم ولد فلأن الاستيلاد لا يتجزأ عنده وعندهما يصير نصيبه أم ولد له، ثم يتملك نصيب صاحبه إذ هو قابل للملك، وأما ضمان نصف القيمة فلأنه تملك نصيب صاحبه لما استكمل الاستيلاد، وأما ضمان نصف العقر فلأنه وطئ جارية مشتركة إذ الملك ثبت حكما للاستيلاد فيعقبه الملك في نصيب صاحبه بخلاف الأب؛ إذا استولد جارية ابنه؛ لأن الملك هناك ثبت شرطا للاستيلاد فيتقدمه فصار واطئا ملك نفسه، وأما عدم ضمان قيمة الولد فلأن النسب يثبت مستندا إلى وقت العلوق فلم يتعلق شيء منه على ملك شريكه.
أطلق في المدعي فشمل الحر والمكاتب فإذا ادعى المكاتب ولد الأمة المشتركة فالحكم كذلك كما في "البدائع"، وفي "الظهيرية"، وإن كانت بين حر ومكاتب فادعى المكاتب وحده ثبت نسبه وضمن نصف قيمتها للشريك وقال أبو يوسف:  نصيب الشريك بحاله كما كان يستخدمها كل واحد منهما يوما فإذا عجز المكاتب كان له أن يبيعها لأن حكم الاستيلاد في نصيب المكاتب بصفة الاستقرار لم يثبت بدليل أنها تباع بعد العجز ا ه. ومثل المسلم الكافر والصحيح والمريض مرض الموت لأنه من الحوائج الأصلية.
وأطلق في الأمة فشمل ما إذا كانت حبلت على ملكهما أو اشترياها حاملا لكنه يضمن في الثاني نصف قيمة الولد؛ لأنها دعوة إعتاق لا استيلاد.
وفي "الظهيرية" لو اشترى أخوان أمة حاملة فجاءت بولد فادعاه أحدهما فعليه نصف قيمة الولد؛ لأنه أعتقه بالدعوة ولا يعتق على عمه بالقرابة؛ لأن الدعوة قد تقدمت فيضاف الحكم إلى الدعوة دون القرابة ا ه.
وأطلق في وجوب نصف القيمة والعقر فشمل الموسر والمعسر؛ لأنه ضمان تملك بخلاف ضمان العتق وتعتبر القيمة يوم العلوق وكذا نصف العقر وشمل ما إذا كان المدعي منهما الأب كما إذا كانت مشتركة بين الأب وابنه فادعاه الأب صح ولزمه نصف القيمة والعقر كالأجنبي بخلاف ما إذا استولدها ولا ملك له فيها حيث لا يجب العقر عندنا والفرق بينهما أن الجارية متى لم تكن ملكا له مست الحاجة إلى إثبات الملك له فيها سابقا على الوطء لئلا يكون فعله زنا ومتى كانت مشتركة بينهما فقيام الملك في شقص منها يكفي لإخراج فعله من أن يكون زنا فلم تمس الحاجة إلى إثبات الملك سابقا على الوطء فلذا يجب نصف العقر كذا في "الظهيرية".

 

ج / 4 ص -419-       ولو ادعياه معا ثبت نسبه منهما، وهي أم ولدهما، وعلى كل واحد نصف العقر، وتقاصا، وورث من كل إرث ابن ورثا منه إرث أب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله:  ولو ادعياه معا ثبت نسبه منهما وهي أم ولدهما وعلى كل واحد نصف العقر وتقاصا وورث من كل إرث ابن وورثا منه إرث أب" أما ثبوت النسب منهما فلكتاب عمر إلى شريح في هذه الحادثة "لبسا فلبس عليهما/، ولو بينا لبين لهما هو ابنهما يرثهما ويرثانه وهو للباقي منهما"1 وكان ذلك بمحضر من الصحابة وعن علي مثل ذلك ولأنهما استويا في سبب الاستحقاق فيستويان فيه، والنسب وإن كان لا يتجزى ولكن يتعلق به أحكام متجزئة فما يقبل التجزئة يثبت في حقهما على التجزئة وما لا يقبلها يثبت في حق كل واحد منهما كملا كأن ليس معه غيره ولا اعتبار بقول القائف، وسرور النبي صلى الله عليه وسلم2 بقوله في أسامة "إنما كان" لأن الكفار كانوا يطعنون في نسب أسامة فكان قول القائف مقطعا لطعنهم فسر به.
وأما كونها أم ولد لهما فلصحة دعوى كل واحد منهما في نصيبه في الولد فيصير نصيبه فيها أم ولد له تبعا لولدها، وأما لزوم نصف العقر على كل واحد منهما فلما قدمناه. وأما التقاص فلعدم فائدة الاشتغال بالاستيفاء، وفائدة إيجاب العقر مع التقاص به أن أحدهما لو أبرأ أحدهما عن حقه بقي حق الآخر وأيضا لو قدر نصيب أحدهما بالدراهم والآخر بالدنانير كان له أن يدفع الدراهم ويأخذ الدنانير كما في "فتح القدير"، وإن كان نصيب أحدهما أكثر من نصيب الآخر يأخذ منه الزيادة، وأما ميراثه من كل واحد منهما ميراث ابن كامل فلأنه أقر له بميراثه كله وهو حجة في حقه وأما إرثهما منه ميراث أب واحد إذا مات وهما حيان فلاستوائهما في النسب كما إذا أقاما البينة.
وأطلق في الشريكين وهو مقيد باستوائهما في الأوصاف فلو ترجح أحدهما لم يعارضه المرجوح فيقدم الأب على الابن والمسلم على الذمي والحر على العبد والذمي على المرتد والكتابي على المجوسي، والعبرة لهذه الأوصاف وقت الدعوة لا العلوق كما في "غاية البيان".
وفي "المبسوط":  أمة بين مسلم وذمي ومكاتب ومدبر وعبد ولدت فادعوه فالحر المسلم أولى لاجتماع الإسلام والحرية فيه مع الملك فإن لم يكن فيه مسلم بل من بعده فقط فالذمي أولى؛ لأنه حر، والمكاتب والعبد وإن كانا مسلمين لكن نيل الولد تحصيل الإسلام دون الحرية ثم المكاتب؛ لأن له حق ملك، والولد على شرف الحرية بأداء الكتابة، وإن لم يكن مكاتب، وادعى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه عبد الرزاق بنحوه في مصنفه "13476" والزيلعي في نصب الراية "3/291".
2 أخرجه البخاري في الفرائض، باب القائف "6771" وأبو داود في الطلاق، باب في القافة "2267"، والترمذي في الولاء والهبة، باب ما جاء في القافة "2129"، والزيلعي في نصب الراية "/291".

 

ج / 4 ص -420-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المدبر والعبد لا يثبت من واحد منهما النسب؛ لأنهم ليس لهم ملك ولا شبهة ملك قيل وجب أن يكون هذا الجواب في العبد المحجور وهبت له أمة ولا يتعين ذلك بين أن يزوج منها أيضا كذا في "فتح القدير" وفي "الظهيرية" ولو كانت الجارية بين رجل وأبيه وجده فجاءت بولد فادعوه كلهم فالجد أولى ا ه.
وقيد بكون كل واحد منهما ادعى نسبه؛ لأنها لو كانت بين رجلين فولدت ولدا فادعاه أحدهما وأعتقه الآخر وخرج الكلامان معا كانت الدعوة أولى من الإعتاق؛ لأن الدعوة تستند إلى حالة العلوق والإعتاق فيقتصر على الحال ا ه.
وأطلق في كونها مشتركة بينهما ولم يقيد باستوائهما في القدر لأنها لو كانت بين اثنين لأحدهما عشرها وللآخر تسعة أعشارها فجاءت بولد فادعياه معا فإنه ابنهما ابن هذا كله وابن ذلك كله فإن مات ورثاه نصفين، وإن جنى عقل عواقلهما نصفين، وإن جنت الأمة فعلى صاحب العشر عشر موجب الجناية وعلى الآخر تسعة أعشار موجبها وكذا أولادها لهما على هذا ولو أن رجلين اشتريا عبدا ليس له نسب معروف أحدهما عشره والآخر تسعة أعشاره، ثم ادعياه معا فهو ابنهما لا يفضل أحدهما على صاحبه في النسب فإن جنى فجنايته على عواقلهما أعشارا كذا في "الظهيرية".
وقيد بكونهما اثنين للاختلاف فيما زاد عليهما فعند أبي حنيفة يثبت النسب من المدعيين وإن كثروا وقال أبو يوسف يثبت نسبه من اثنين ولا يثبت نسبه من الثلاثة وعند محمد يثبت من الثلاثة لا غير وقال زفر:  يثبت من خمسة فقط وهو رواية الحسن بن زياد عن الإمام.
وفي "غاية البيان" لو تنازع فيه امرأتان قضي به أيضا بينهما عند أبي حنيفة وعندهما لا يقضى للمرأتين وكذلك يثبت عند أبي حنيفة للخمس ولو تنازع فيه رجل وامرأتان يقضى به بينهم عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد يقضى للرجل ولا يقضى للمرأتين، وإذا تنازع فيه رجلان وامرأتان كل رجل يدعي أنه ابنه من هذه المرأة، والمرأة لا تصدقه على ذلك فعند أبي حنيفة يقضى بين الرجلين ولا يقضى بين المرأتين ا ه.
وأفاد بكونها أم ولد لهما أنها تخدم كلا منهما يوما، وإذا مات أحدهما عتقت ولا ضمان للحي في تركة الميت لرضا كل منهما بعتقها بعد الموت ولا تسعى للحي عند أبي حنيفة لعدم تقومها وعلى قولهما تسعى في نصف قيمتها له ولو أعتقها أحدهما عتقت ولا ضمان عليه للساكت ولا سعاية في قول أبي حنيفة وعلى قولهما يضمن إن كان موسرا وتسعى إن كان معسرا كذا في "فتح القدير" فعلى هذا محل قول الإمام:  العتق يتجزأ في القنة أما في أم الولد

 

ج / 4 ص -421-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فعتقها لا يتجزأ اتفاقا وقد نبه عليه في "المجتبى"، وفي "البدائع" وإن كانت الأنصباء مختلفة بأن كان لأحدهم السدس وللآخر الربع وللآخر الثلث وللآخر ما بقي يثبت نسبه منهم، ويصير نصيب كل واحد من الجارية أم ولد له لا يتعدى إلى نصيب صاحبه حتى تكون الخدمة والكسب والغلة بينهم على قدر أنصبائهم؛ لأن كل واحد يثبت الاستيلاد منه في نصيبه فلا يجوز أن يثبت فيه استيلاد غيره ا ه.
فالحاصل:  أن الأنصباء إذا كانت مختلفة فالحكم في حق الولد لا يختلف فأما الاستيلاد فيثبت لكل واحد منهما بقدر ملكه كذا في "الظهيرية".
وأطلق المصنف في كونها أم ولد لهما وهو مقيد بما إذا كانت حبلت في ملكهما بأن ولدت لستة أشهر فأكثر من يوم الشراء أما إذا اشترياها وهي حامل بأن ولدت لأقل من ستة أشهر من وقت الشراء فادعياه أو اشترياها بعد الولادة ثم ادعياه فإنها لا تكون أم ولد لهما؛ لأن هذه دعوة عتق لا دعوة استيلاد فيعتق الولد مقتصرا على وقت الدعوة بخلاف الاستيلاد فإن شرطها كون العلوق في الملك وتستند الحرية إلى وقت العلوق فيعلق حرا وكذا لو كان الحمل على ملك أحدهما بالتزوج ثم اشتراها هو وآخر فولدت لأقل من ستة أشهر من الشراء فادعياه فهي أم ولد الزوج فإن نصيبه صار أم ولد له، والاستيلاد لا يحتمل التجزي عندهما ولا إبقاءه عنده، فيثبت في نصيب شريكه أيضا وكذا إذا حملت على ملك أحدهما رقبة فباع نصفها من آخر فولدت يعني لتمام ستة أشهر من بيع النصف فادعياه يكون الأول أولى لكون العلوق أولى في ملكه كذا في "فتح القدير" وهي ليست كأم ولد لواحد؛ لأنها لو جاءت بعد ذلك بولد لم يثبت نسبه من واحد إلا بالدعوى؛ لأن الوطء حرام فتعتبر الدعوة كذا في "المجتبى".
وأفاد بقوله وورثا منه إرث أب أنه لو مات أحدهما قبل الولد فجميع ميراثه للباقي منهما وأن الولاية عليه في التصرف مشتركة ولذا قال في "الخانية" من باب الوصي:  رجلان ادعيا صغيرا ادعى كل واحد منهما أنه ابنه من أمة مشتركة بينهما فإنه يثبت نسبه منهما فإن كان لهذا الولد مال ورثه من أخ له من أمه أو وهب له أخوه لا ينفرد بالتصرف في ذلك المال أحد الأبوين عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف ينفرد ا ه.
وأما ولاية الإنكاح فلكل واحد منهما الانفراد به قال في "التبيين":  النسب وإن كان لا يتجزأ لكن يتعلق به أحكام متجزئة كالميراث والنفقة والحضانة والتصرف في المال وأحكام غير متجزئة كالنسب وولاية الإنكاح فما يقبل التجزئة يثبت بينهما على التجزئة وما لا يقبلها يثبت في حق كل واحد منهما على الكمال كأنه ليس معه غيره ا ه.

 

ج / 4 ص -422-       ولو ادعى ولد أمة مكاتبه، وصدقه المكاتب لزمه النسب، والعقر وقيمة الولد، ولم تصر أم ولده، وإن كذبه لم يثبت.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وذكر في صدقة الفطر أن صدقة فطر الولد عليهما لكن عند أبي يوسف على كل واحد منهما صدقة تامة وعند محمد عليهما صدقة واحد، وأما الأم فلا تجب على واحد منهما صدقتها اتفاقا وذكر في "الخانية" من فصل الجزية لو حدث بين النجراني والتغلبي ولد ذكر من جارية وادعياه جميعا معا فمات الأبوان وكبر الولد لم تؤخذ منه الجزية وذكر في السير أنه إن مات التغلبي أولا تؤخذ منه جزية أهل نجران، وإن مات النجراني أولا تؤخذ منه جزية أهل تغلب، وإن ماتا معا يؤخذ النصف من هذا والنصف من هذا ا ه.
"قوله:  ولو ادعى ولد أمة مكاتبه وصدقه المكاتب لزم النسب والعقر وقيمة الولد ولم تصر أم ولده، وإن كذبه لم يثبت" وعند أبي يوسف أنه يثبت النسب بدون تصديقه اعتبارا بالأب يدعي ولد جارية ابنه، وجه الظاهر وهو الفرق أن المولى لا يملك التصرف في أكساب مكاتبه حتى لا يتملكه والأب يملك تملكه فلا يعتبر تصديق الابن، وإنما لزمه العقر؛ لأنه لا يتقدمه الملك لأن ماله من الحق كاف لصحة الاستيلاد لما ذكر، وإنما لزمه قيمة الولد؛ لأنه في معنى المغرور حيث اعتمد دليلا، وهو أنه كسب كسبه فلم يرض برقه فيكون حرا بالقيمة ثابت النسب منه إلا أن القيمة هنا تعتبر يوم ولد، وقيمة ولد المغرور يوم الخصومة، وإنما لم تصر الجارية أم ولد للمولى؛ لأنه لا ملك له فيها حقيقة كما في ولد المغرور، وإن كذبه المكاتب في النسب لم يثبت من المولى لما بينا أنه لا بد من تصديقه فلو ملكه يوما ثبت نسبه منه لقيام الموجب وزوال حق المكاتب؛ إذ هو المانع.
قيد بأمة المكاتب؛ لأنه لو وطئ المكاتبة فجاءت بولد فادعاه ثبت نسبه ولا يشترط تصديقها؛ لأن رقبتها مملوكة له بخلاف كسبها، وفي "التبيين" ولو ولدت منه جارية غيره وقال أحلها لي مولاها، والولد ولدي فصدقه المولى في الإحلال وكذبه في الولد لم يثبت نسبه فإن ملكها يوما ثبت نسبه وصارت أم ولد له ولو صدقه في الولد ثبت نسبه ولو استولد جارية أحد أبويه، أو امرأته وقال ظننت أنها تحل لي لم يثبت نسبه منه ولا حد عليه، وإن ملكه يوما عتق عليه، وإن ملك أمه لا تصير أم ولد له لعدم ثبوت نسبه ا ه. والله سبحانه وتعالى أعلم.