البحر الرائق شرح كنز الدقائق ط احياء التراث

ج / 4 ص -423-       11- كتاب الأيمان
اليمين تقوية أحد طرفي الخبر بالمقسم به
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
11- كتاب الأيمان
مناسبتها للعتاق من حيث إن كلا منهما لا يؤثر فيه الهزل والإكراه كالطلاق وقدم العتاق عليه لقربه من الطلاق لاشتراكهما في الإسقاط.
والأيمان:  جمع يمين وهي في اللغة مشتركة بين الجارحة والقسم والقوة قالوا:  إنما سمي القسم يمينا لوجهين:  أحدهما أن اليمين هي القوة والحالف يتقوى بالقسم على الحمل أو المنع. والثاني أنهم كانوا يتماسكون بأيديهم عند القسم فسميت بذلك وهذا يفيد أن لفظ اليمين لفظ منقول، ومفهومه - لغة - جملة أولى إنشائية صريحة الجزأين يؤكد بها جملة بعدها خبرية.
فخرج بقيد " أولى " نحو زيد قائم زيد قائم فإن الأولى هي المؤكدة بالثانية من التوكيد اللفظي على عكس اليمين، وشمل الجملة الفعلية ك حلفت بالله لأفعلن، أو أحلف، والاسمية سواء كانت مقدمة الخبر كعلي عهد الله، أو مؤخرته نحو لعمرك لأفعلن، وأسماء هذا المعنى التوكيدي ستة:  الحلف والقسم والعهد والميثاق والإيلاء واليمين.
وخرج بقيد الإنشائية نحو تعليق الطلاق والعتاق فإن الأولى ليست إنشائية فليست التعاليق أيمانا حقيقة.
وأما مفهومه الاصطلاحي فجملة أولى إنشائية يقسم فيها باسم الله تعالى أو صفته يؤكد بها مضمون ثانية في نفس السامع ظاهرا، أو يحمل المتكلم على تحقيق معناها - فدخلت بقيد الظهور الغموس -، أو التزام مكروه كفر، أو زوال ملك على تقدير ليمنع عنه، أو محبوب ليحمل عليه فدخلت التعليقات مثل إن فعل فهو يهودي، وإن دخلت فأنت طالق بضم التاء لمنع نفسه وبكسرها لمنعها وإن بشرتني فأنت حر كذا في "فتح القدير" وعرفها في "الكافي" بأنها عبارة عن تحقيق ما قصده من البر في المستقبل نفيا، أو إثباتا وعرفها في "التبيين" بأنها عقد قوي به عزم الحالف على الفعل، أو الترك وفي "شرح النقاية" بأنها تقوي الخبر بذكر الله تعالى أو بالتعليق وظاهر ما في "البدائع" أن التعليق يمين في اللغة أيضا قال؛ لأن محمدا أطلق عليه يمينا، وقوله:  حجة في اللغة وذكر أن فائدة الاختلاف تظهر فيمن حلف لا يحلف، ثم حلف بالطلاق أو العتاق فعند العامة يحنث وعند أصحاب الظواهر لا يحنث.

 

ج / 4 ص -424-       فحلفه على ماض كذبا عمدا غموس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وركنها:  اللفظ المستعمل فيها وشرطها العقل والبلوغ والإسلام ومن زاد الحرية كالشمني فقد سها؛ لأن العبد ينعقد يمينه ويكفر بالصوم كما صرحوا به وزاد في "المحيط" ثالثا:  وهو كون الخبر المضاف إليه اليمين محتملا للصدق والكذب متمثلا بين البر والهتك فيتحقق حكمه وهو وجوب البر ا ه. وهو صحيح لما سيأتي أن إمكان البر شرط لانعقادها عندهما خلافا لأبي يوسف كما في مسألة الكوز، وسببها الغائي تارة إيقاع صدقه في نفس السامع وتارة حمل نفسه أو غيره على الفعل، أو الترك وحكمها شيئان وجوب البر بتحقق الصدق في نفس اليمين والثاني وجوب الكفارة بالحنث كذا في "المحيط" وهو بيان لبعض أحكامها فإنه سيأتي أن البر يكون واجبا ومندوبا وحراما وأن الحنث يكون واجبا ومندوبا.
وفي "المحيط" والأفضل في اليمين بالله تعالى تقليلها؛ لأن في تكثير اليمين المضافة إلى الماضي نسبة نفسه إلى الكذب، وفي تكثير اليمين المضافة إلى المستقبل تعريض اسم الله تعالى للهتك، واليمين بغيره تعالى مكروه عند البعض للحديث
"لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطواغيت من كان حالفا فليحلف بالله، أو ليذر"1.
وقال بعضهم إذا أضيف إلى الماضي يكره، وإذا أضيف إلى المستقبل لا يكره وهو الأحسن لما روى أنه عليه الصلاة والسلام لما لاعن بين العجلاني وبين امرأته قال العجلاني إن أمسكتها فهي طالق ثلاثا ولم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم2 إلى آخره، وفي "التبيين" لا تكره عند العامة، وفي "الولوالجية" من أراد أن يحلف بالله تعالى فقال خصمه لا أريد الحلف بالله تعالى يخشى عليه الكفر ا ه.
"قوله:  فحلفه على ماض كذبا عمدا غموس" بيان لأنواعها.
وهي ثلاثة كما في أكثر الكتب:
الأول:  الغموس:  وهو أن يحلف على أمر ماض يتعمد الكذب فيه سميت غموسا؛ لأنها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب لا تحلفوا بآبائكم "6646". ومسلم، كتاب الأيمان، باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى "1646" والترمذي، كتاب الأيمان والنذور، باب كراهية الحلف بالآباء "3249" وأخرجه ابن حبان في صحيحه "4360".
2 تقدم تخريجه.

 

ج / 4 ص -425-       وظناً لغوٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تغمس صاحبها في الذنب، ثم في النار وسيأتي1 حكمها
أطلق في الماضي فشمل الفعل والترك كما صرح به صدر الشريعة وقال فإن قلت:  إذا قيل:  والله إن هذا حجر كيف يصح أن يقال:  إن هذا الحلف على الفعل قلت:  تقدر كلمة كان أو يكون إذا أريد في الزمن الماضي أو المستقبل، وقوله:  كذبا عمدا حالان من الضمير في حلفه بمعنى كاذبا متعمدا ويصح أن يكونا صفتين لمصدر محذوف أي حلفا، وفي "المبسوط" إن الغموس ليست بيمين حقيقة؛ لأنها كبيرة محضة، واليمين عقد مشروع، والكبيرة ضد المشروع ولكن سميت يمينا مجازا؛ لأن ارتكاب هذه الكبيرة بصورة اليمين كما سمي بيع الحر بيعا مجازا لوجود صورة البيع فيه ا ه.
وقيد المصنف بالماضي في الغموس واللغو قالوا ويتأتيان أيضا في الحال ففي الغموس نحو والله ما لهذا علي دين وهو يعلم خلافه، و والله إنه زيد وهو يعلم أنه عمرو، وفي "غاية البيان" وما وقع من التقييد بالماضي فهو بناء على الغالب لأن الماضي شرط ا ه.
وفي "شرح الوقاية" فإن قلت:  الحلف كما يكون على الماضي والآتي يكون على الحال فلم لم يذكره أيضا وهو من أقسام الحلف؟
قلت:  إنما لم يذكره لمعنى دقيق وهو أن الكلام يحصل أولا في النفس فيعبر عنه باللسان فالإخبار المعلق بزمان الحال إذا حصل في النفس فعبر عنه باللسان فإذا تم التعبير باللسان انعقد اليمين فزمان الحال صار ماضيا بالنسبة إلى زمان انعقاد اليمين فإذا قال كتبت لا بد من الكتابة قبل ابتداء التكلم وأما إذا قال سوف أكتب فلا بد من الكتابة بعد الفراغ من التكلم يعني ابتداء الزمان الذي من ابتداء التكلم إلى آخره فهو زمان الحال بحسب العرف وهو ماض بالنسبة إلى آن الفراغ وهو آن انعقاد اليمين فيكون الحلف عليه الحلف على الماضي ا ه.
وإنما لم يقل المصنف الأيمان ثلاثة كما قال غيره؛ لأنها لا تنحصر في الثلاثة؛ لأن اليمين على الفعل الماضي - صادقا - ليس منها، وجواب صدر الشريعة بأن المراد حصر الأيمان التي يترتب عليها الأحكام ليس بدافع؛ لأن هذه اليمين كاللغو لا إثم فيها فكان لها حكم.
"قوله:  وظنا لغو" أي حلفه على ماض يظن أنه كما قال - والأمر بخلافه - لغو فقوله ظنا معطوف على كذبا سميت به؛ لأنه لا اعتبار بها، واللغو اسم لما لا يفيد يقال لغا إذا أتى بشيء لا فائدة فيه، وفي المغرب اللغو الباطل من الكلام ومنه اللغو في الأيمان لما لا يعقد عليه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الصفحة:  "426".

 

ج / 4 ص -426-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القلب وقد لغا في الكلام يلغو ويلغي ولغا يلغي ومنه قوله:  فقد لغوت وقد اختلف في تفسيره شرعا فذكر المصنف تبعا للهداية وكثير أنها الحلف على ماض يظن أنه كما قال من فعل، أو ترك، أو صفة والأمر بضده كقوله والله لقد دخلت الدار والله ما كلمت زيدا أو رأى طائرا من بعيد فظنه غرابا فقال والله إنه غراب، أو قال إنه زيد وهو يظنه كذلك والأمر بخلافه في الكل ومن الصفات ما في "الخلاصة" رجل حلفه السلطان أنه لم يعلم بأمر كذا فحلف، ثم تذكر أنه كان يعلم أرجو أن لا يحنث ا ه.
وقدمنا أنها تكون في الحال أيضا ومثله في "المجتبى" بقوله والله إن المقبل زيد يظنه زيدا فإذا هو عمرو.
وفي "البدائع" قال أصحابنا:  هي اليمين الكاذبة خطأ، أو غلطا في الماضي، أو في الحال وهو أن يخبر عن الماضي، أو عن الحال على ظن أن المخبر به كما أخبر وهو بخلافه في النفي، أو في الإثبات وهكذا روى ابن رستم عن محمد أنه قال:  اللغو أن يحلف الرجل على الشيء وهو يرى أنه حق وليس بحق وقال الشافعي يمين اللغو هي اليمين التي لا يقصدها الحالف وهو ما يجري على ألسن الناس في كلماتهم من غير قصد اليمين من قولهم:  لا والله وبلى والله سواء كان في الماضي، أو في الحال، أو المستقبل، وأما عندنا فلا لغو في المستقبل بل اليمين على أمر في المستقبل يمين معقودة وفيها الكفارة إذا حنث قصد اليمين، أو لم يقصد. وإنما اللغو في الماضي والحال فقط وما ذكر محمد على إثر حكايته عن أبي حنيفة أن اللغو ما يجري بين الناس من قولهم لا والله وبلى والله فذلك محمول عندنا على الماضي، أو الحال وعندنا ذلك لغو فيرجع حاصل الخلاف بيننا وبين الشافعي في يمين لا يقصدها الحالف في المستقبل فعندنا ليست بلغو وفيها الكفارة وعنده هي لغو ولا كفارة فيها ا ه.
وهو أعم مما في "المختصر" باعتبار أن اليمين التي لا يقصدها الحالف في الماضي، أو الحال جعلها لغوا وعلى تفسير المصنف لا تكون لغوا؛ لأن الحلف على أمر يظنه كما قال لا يكون إلا عن قصد لا أن يقال إنه يكون لغوا بالأولى فلا مخالفة فالحاصل:  أن تفسيرنا اللغو أعم من تفسير الشافعي وأنا نقول بقول الشافعي إلا في المستقبل وذكر الإمام السرخسي في أصوله قال علماؤنا:  اللغو ما يكون خاليا عن فائدة اليمين شرعا ووضعا فإن فائدة اليمين إظهار الصدق من الخبر فإن أضيف إلى خبر ليس فيه احتمال الصدق كان خاليا عن فائدة اليمين فكان لغوا وقال الشافعي:  ما يجري على اللسان من غير قصد، ولا خلاف في جواز إطلاق اللفظ على كل واحد منهما ولكن ما قلناه أحق واستدل بقوله تعالى
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَسْمَعُوا لِهَذَا

 

ج / 4 ص -427-       وأثم في الأولى دون الثانية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ} [فصلت: 26] الآية ومعلوم أن مراد المشركين التعنت أي لم تقدروا على المغالبة بالحجة فاشتغلوا بما هو خال عن الفائدة من الكلام ليحصل مقصودكم بطريق المغالبة دون المحاجة ولم يكن مقصودهم التكلم بغير قصد قال صاحب التقويم:  ولم يرد تكلموا من غير قصد فإن الأمر به لا يستقيم ا ه.
وفي "المحيط":  والصحيح قولنا لأن اللغو من الكلام ما ليس بصواب ولا حسن فإن اللغو من الكلام القبيح الفاحش منه قال الله تعالى
{لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلاَّ سَلاَمًا} [مريم: 62] أي كلاما قبيحا فاللغو هو الكلام القبيح الفاحش والخطأ الذي هو ضد العمد ليس بقبيح فاحش فلا يكون لغوا فأما ما ذكرنا فهو كلام قبيح فاحش فإنه كذب والكذب قبيح؛ لأنه محظور، وأما الخطأ فليس بمحظور ا ه.
وفي "الخلاصة" و"الخانية" واللغو لا يؤاخذ به صاحبه إلا في الطلاق والعتاق والنذر، وفي "فتاوى محمد بن الوليد": 1 لو قال إن لم يكن هنا فلان فعلي حجة ولم يكن وكان لا يشك أنه فلان لزمه ذلك ا ه. فقد علمت أن اليمين بالطلاق على غالب الظن إذا تبين خلافه موجب لوقوع الطلاق وقد اشتهر عن الشافعية خلافه.
"قوله:  وأثم في الأولى دون الثانية" أي أثم إثما عظيما كما في "الحاوي القدسي" في اليمين الأولى وهي يمين الغموس دون اليمين الثانية وهي يمين اللغو والإثم في اللغة الذنب وقد سمي الخمر إثما، وفي الاصطلاح عند أهل السنة استحقاق العقوبة وعند المعتزلة لزوم العقوبة بناء على جواز العفو وعدمه كما أشار إليه الأكمل في تقريره في بحث الحقيقة في بحث "إنما الأعمال بالنيات"، وإنما أثم في الأولى لحديث ابن حبان مرفوعا
"من حلف على يمين هو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم حرم الله عليه الجنة وأدخله النار"2 وفي الصحيحين "لقي الله وهو عليه غضبان"3 وفي سنن أبي داود قال قال النبي عليه السلام "من حلف على يمين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهي لمحمد بن الوليد السمرقندي، المعروف بالزاهد السمرقندي، ذكرها صاحب كشف الظنون، وصاحب الجواهر المضية. ا ه. كشف الظنون "2/1229" الجواهر المضية "3/390".
2 أخرجه ابن ماجه، كتاب الأحكام، باب من حلف على يمين فاجرة ليقطع بها مالاً "2324" ومسلم، كتاب الإيمان، باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار "137" والنسائي، كتاب آداب القضاة، باب القضاء في قليل المال وكثيره "8/246". وابن حبان في صحيحه "5087".
3 أخرجه البخاري، كتاب الخصومات، باب كلام الخصوم بعضهم في بعض "2416" ومسلم، كتاب الأيمان، باب من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار "138".

 

ج / 4 ص -428-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مصبورة كاذبا فليتبوأ مقعده من النار"1. والمراد بالمصبورة الملزمة بالقضاء أي المحبوس عليها؛ لأنها مصبور عليها كذا في "فتح القدير"، والأولى الاستدلال بحديث البخاري عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  "الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس"2 فإنه أعم من أن يقتطع بها مال امرئ مسلم، أو لا وقد صرح في "غاية البيان" وغيرها بأن اليمين الغموس كبيرة وهو أعم كما ذكرنا وينبغي أن تكون كبيرة إذا اقتطع بها مال امرئ مسلم، أو أذاه وتكون صغيرة إذا لم يترتب عليها مفسدة، وإنما لم يأثم في الثانية لقوله تعالى {لاَ يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 225] ولهذا جزم المصنف بعدم الإثم في اللغو لكن الإمام محمد بن الحسن لم يجزم به وإنما علقه بالرجاء فقال الأيمان ثلاثة يمين مكفرة ويمين غير مكفرة ويمين نرجو أن لا يؤاخذ بها الله تعالى صاحبها فاعترض عليه بأنه كيف يعلقه بالرجاء مع أنه مقطوع به فاختلف المشايخ في الجواب عنه ففي "الهداية" إلا أنه علقه بالرجاء للاختلاف في تفسيره ا ه.
وتعقبه في "فتح القدير" بأن الأصح أن اللغو بالتفسيرين الأولين وكذا بالثالث متفق على عدم المؤاخذة في الآخرة وكذا بالدنيا بالكفارة فلم يتم العذر عن التعليق بالرجاء فالأوجه ما قيل إنه لم يرد به التعليق بل التبرك باسم الله تعالى والتأدب فهو كقوله عليه السلام لأهل المقابر
"وإنا إن شاء الله بكم لاحقون"3 وأما بالتفسير الرابع فغير مشهور وكونه لغوا هو اختيار سعيد ا ه.
وأراد بالتفسيرين الأولين تفسيرنا وتفسير الشافعي وبالثالث ما عن الشعبي ومسروق4 لغو اليمين أن يحلف على معصية فينزل لاغيا بيمينه وبالرابع قول سعيد أن يحرم على نفسه ما أحل الله من قول أو عمل. والحاصل:  أن الأولى الجزم كما فعل المصنف لقطعية الدليل كالجزم في نظائره مما في معناه اختلاف الله أعلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه ابو داود, كتاب الأيمان والنذور، باب التغليظ في الأيمان الفاجرة "3242".
2 أخرجه البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب اليمين الغموس "6675" والترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة النساء، "3021". والنسائي، كتاب القسامة، باب ما جاء في كتاب القصاص من المجتبي مما ليس في السنن تأويل قول الله عز وجل: 
{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} "4/63".
3 أخرجه مسلم، كتاب الجنائز، باب مايقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها "974" والنسائي، كتاب الجنائز، باب الأمر بالاستغفار للمؤمنين "4/92" والبيهقي، كتاب الطهارة، باب إسباغ الوضوء "1/82".
4 هو مسروق بن الأجدع، أبو عائشة، الإمام القدوة، العلم، لقي عمر وعليا وصلى خلف أبي بكر، كان أحد الذين يقرؤون ويفتون, توفي سنة اثنتين وستين ه. سير أعلام النبلاء "4/63". تهذيب التهذيب "1./109".

 

ج / 4 ص -429-       وعلى آت منعقدة، وفيها كفارة فقط
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله:  وعلى آت منعقدة وفيها كفارة فقط" أي حلفه على آت تسمى منعقدة نفيا كان أو إثباتا وحكمها وجوب الكفارة إذا حنث لقوله تعالى
{وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الإِيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ} [المائدة: 89] الآية والمراد منها اليمين في المستقبل بدليل قوله تعالى {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89] ولا يتصور الحفظ عن الحنث والهتك إلا في المستقبل وقد اعترض في "التبيين" على المصنف بأنه لا معنى لقوله فقط لأن في اليمين المنعقدة إثما أيضا، ولفظ الكفارة ينبئ عنه؛ لأن معناها الستارة وهي لا تجب إلا لرفع المأثم ا ه.
وهو مردود من وجهين أحدهما أن معنى قوله فقط أنه لا كفارة في غيرها من الغموس بيانا لذلك خلافا للشافعي فإنه أوجب الكفارة في الغموس كالمنعقدة لأنها شرعت لدفع ذنب هتك حرمة اسم الله تعالى وقد تحقق بالاستشهاد بالله كاذبا فأشبه المعقودة ولنا أنها كبيرة محضة، والكفارة عبادة حتى تتأدى بالصوم ويشترط فيها النية فلا تناط بها بخلاف المعقودة فإنها مباحة ولو كان فيها ذنب فهو متأخر متعلق باختيار مبتدأ وما في الغموس ملازم فيمتنع الإلحاق كذا في "الهداية".
وذكر في "فتح القدير" أن المعقودة عند الشافعي ليست سوى المكسوبة بالقلب، وكون الغموس قارنها الحنث لا ينفي الانعقاد عنده وكونها لا تسمى يمينا؛ لأنها لم تنعقد للبر بعيد؛ إذ لا شك في تسميتها يمينا لغة وعرفا وشرعا بحيث لا يقبل التشكيك فليس الوجه إلا ما قدمناه من أن شرعية الكفارة لدفع ذنب أصغر لا يستلزم شرعها لدفع ذنب أكبر وإذا أدخلها في مسمى المنعقدة وجعل المنعقدة تنقسم إلى غموس وغيرها عسر النظر معه إلا أن يكون لغة، أو سمعا وقد روى الإمام أحمد في مسنده بإسناد جيد عن النبي عليه السلام في حديث مطول قال فيه
"خمس ليس فيهن كفارة الشرك بالله وقتل النفس بغير حق ونهب المؤمن والفرار من الزحف ويمين صابرة يقتطع بها مال مسلم بغير حق"1 وكل من قال لا كفارة في الغموس لم يفصل بين اليمين المصبورة على مال وغيرها ا ه.
ثانيهما:  أن الإثم ليس لازما للمنعقدة بل قد يكون الحنث واجبا وقد يكون مستحبا فلم يصح إطلاقه كما لا يخفى والعجب منه أنه بعد يسير ناقض نفسه بأن قال لو فعله الحالف وهو مغمى عليه، أو مجنون فإنه يحنث لتحقق الشرط حقيقة ولو كانت الحكمة رفع الذنب فالحكم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الهيثمي في المجمع الزوائد "1/103" والمنذري في الترغيب والترهيب "2/302" والمتقى الهندي في كنز العمال "44007"، وأحمد في مسنده "2/362".

 

ج / 4 ص -430-       ولو مكرهاً أو ناسياً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يدار على دليله وهو الحنث لا على حقيقة الذنب كما أدير الحكم على السفر لا على حقيقة المشقة ا ه.
فقد علم أنه لا يلزم في الكفارة أن تكون ستارة للذنب بل تجب ولا ذنب أصلا.
"قوله:  ولو مكرها، أو ناسيا" أي في المنعقدة كفارة إذا حنث ولو كان حلف مكرها، أو ناسيا لقوله عليه السلام "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق واليمين"1 كذا استدل مشايخنا وتعقبهم في "فتح القدير" بأنه لو ثبت حديث اليمين لم يكن فيه دليل؛ لأن المذكور فيه جعل الهزل باليمين جدا والهازل قاصد لليمين غير راض بحكمه فلا يعتبر عدم رضاه به شرعا بعد مباشرة السبب مختارا والناسي بالتفسير المذكور لم يقصد شيئا أصلا ولم يدر ما صنع وكذا المخطئ لم يقصد قط التلفظ به بل بشيء آخر فلا يكون الوارد في الهازل واردا في الناسي الذي لم يقصد قط مباشرة السبب فلا يثبت في حقه نصا ولا قياسا، وإذا كان اللغو بتفسيرهم وهو أن يقصد اليمين مع ظن البر ليس لها حكم اليمين فما لم يقصده أصلا بل هو كالنائم يجري على لسانه طلاق أو إعتاق لا حكم له أولى أن لا يكون له حكم اليمين وأيضا فتفسير اللغو المذكور في حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم "وهو أنه كلام الرجل في بيته كلا والله وبلى والله"2 وإن لم يكن هو نفس التفسير الذي فسروا به الناسي فإن المتكلم كذلك في بيته لا يقصد التكلم به بل يجري على لسانه بحكم العادة غير مراد لفظه ولا معناه كان أقرب إليه من الهازل، فحمل الناسي على اللاغي بالتفسير المذكور أولى من حمله على الهازل وهو الذي أدينه وتقدم لنا مثله في الطلاق غافلا ا ه.
وفي "التبيين" والمراد بالناسي المخطئ كما إذا أراد أن يقول اسقني الماء فقال والله لا أشرب الماء وذكر في "الكافي" أنه المذهول عن التلفظ به بأن قيل له:  ألا تأتينا فقال:  بلى والله غير قاصد لليمين، وإنما ألجأنا إلى هذا التأويل؛ لأن حقيقة النسيان في اليمين لا تتصور ا ه.
وذكر الشمني أن حقيقته متصورة بأن حلف أن لا يحلف فنسي فحلف ا ه. وهو مردود لأنه فعل المحلوف عليه ناسيا لا إن حلفه كان ناسيا وفي "فتح القدير" والناسي هو من تلفظ باليمين ذاهلا عنه ثم تذكر أنه تلفظ به، وفي بعض النسخ الخاطئ وهو من أراد أن يتكلم بكلام غير الحلف فجرى على لسانه الحلف ا ه. وهو الظاهر كما لا يخفى، وفي "الخانية" رجل حلف أن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم تخريجه.
2 أخرجه البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب
{لاَ يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} "6663"، وأبو داود، كتاب الأيمان والنذور، باب لغو اليمين "3254". ومالك، في كتاب النذور والأيمان، باب اللغو في اليمين "2/477"، وابن حبان في صحيحه "4333".

 

ج / 4 ص -431-       أو حنث كذلك، واليمين بالله تعالى، والرحمن والرحيم وجلاله وكبريائه وأقسم، وأحلف وأشهد وإن لم يقل بالله، ولعمر الله، وأيم الله، وعهد الله وميثاقه وعليّ نذر، ونذر الله وإن فعل كذا فهو كافر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يفعل كذا فنسي أنه كيف حلف بالطلاق، أو بالصوم قالوا لا شيء عليه إلا أن يتذكر ا ه.
"قوله:  أو حنث كذلك" أي مكرها، أو ناسيا؛ لأن الفعل الحقيقي لا ينعدم بالإكراه أو النسيان وهو الشرط وكذا إذا فعله وهو مغمى عليه، أو مجنون لتحقق الشرط حقيقة ولو كان الحكمة رفع الذنب فالحكم يدار على دليله وهو الحنث لا على حقيقة الذنب كذا في "الهداية" ومراده من الشرط السبب؛ لأن الحنث عندنا سبب لوجوب الكفارة لا شرط كما سيأتي1 كذا في "فتح القدير" وقد يقال إن فعل المحلوف عليه شرط في الحنث، والحنث سبب للكفارة إلا أن يقال إن الحنث هو عين فعل المحلوف عليه فحينئذ يحتاج إلى التأويل. قيد بالحنث؛ لأنه لو لم يحنث كما لو حلف أن لا يشرب فأوجر، أو صب في حلقه الماء مكرها فإنه لا اعتبار به وقيده قاضي خان بأن يدخل في جوفه بغير صنعه فلو صب في فيه وهو مكره فأمسكه، ثم شربه بعد ذلك حنث.
"قوله:  واليمين بالله تعالى والرحمن والرحيم وجلاله وكبريائه وأقسم وأحلف وأشهد، وإن لم يقل بالله ولعمر الله وايم الله وعهد الله وميثاقه وعلي نذر ونذر الله، وإن فعل كذا فهو كافر" بيان لألفاظ اليمين المنعقدة فقوله:  بالله والرحمن والرحيم بيان للحلف باسم من أسمائه تعالى؛ لأنه يعتقد تعظيم الله تعالى فصلح ذكره حاملا أو مانعا.
وفي "المجتبى" لو قال والله بغيرها كعادة الشطار فيمين.
قلت:  فعل هذا ما يستعمله الأتراك بالله بغير هاء فيمين أيضا ا ه. بلفظه وأفاد بعطف الرحمن على الله أن المراد بالله اللفظ.
وقيد به احترازا عن بسم الله فإنه ليس بيمين إلا أن ينويه، وفي "المنتقى" رواية ابن رستم عن محمد أنه يمين مطلقا فليتأمل عند الفتوى ولو قال وبسم الله يكون يمينا كذا في "الخلاصة"، وفي "فتح القدير" قال بسم الله لأفعلن المختار أنه ليس بيمين لعدم التعارف وعلى هذا بالواو إلا أن نصارى ديارنا تعارفوه فيقولون واسم الله ا ه.
والظاهر أن بسم الله يمين كما جزم به في "البدائع" معللا بأن الاسم والمسمى واحد عند أهل السنة والجماعة فكان الحلف بالاسم حلفا بالذات كأنه قال بالله ا ه. والعرف لا اعتبار به في الأسماء كما قدمناه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الصفحة:  "445".

 

ج / 4 ص -432-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وذكر الولوالجي:  رجل قال لآخر:  الله لا تفعلن كذا، أو قال:  والله لتفعلن كذا وقال الآخر:  نعم إن أراد المبتدئ أن يحلف وأراد المجيب الحلف يكون كل منهما حالفا لأن قوله نعم جواب والجواب يتضمن إعادة ما في السؤال فيصير كأنه قال:  نعم والله لأفعلن، وإن أراد المبتدئ الاستحلاف وأراد المجيب الوعد ليس على كل واحد منهما شيء؛ لأن كل واحد منهما نوى ما يحتمله، وإن أراد المبتدئ الاستحلاف وأراد المجيب الحلف فالمجيب الحالف والمبتدئ لا؛ لأن كل واحد منهما نوى ما يحتمله، وإن لم ينو واحد منهما شيئا ففي قوله الله:  الحالف هو المجيب، وفي قوله والله:  الحالف هو المبتدئ ا ه.
وأفاد بإطلاقه في اليمين بالله تعالى أنه لا يتوقف على النية ولا على العرف بل هو يمين تعارفوه أولا وهو الظاهر من مذهب أصحابنا وهو الصحيح كما في "الذخيرة" وغيرها إذ لا اعتبار بالعرف عند قيام دلالة النص كذا في "المحيط" وبه اندفع ما في "الولوالجية" من أنه لو قال:  والرحمن لا أفعل كذا إن أراد به السورة لا يكون يمينا لأنه يصير كأنه قال والقرآن، وإن أراد به الله تعالى يكون يمينا ا ه. فإن هذا التفصيل في الرحمن قول بشر المريسي كما في "الذخيرة". والمذهب أنه يمين من غير نية ومثل الحلف بالله الحلف بالذي لا إله إلا هو ورب السموات والأرض ورب العالمين ومالك يوم الدين والأول الذي ليس قبله شيء والآخر الذي ليس بعده شيء كما في "فتح القدير".
وأفاد بعطف الرحيم على الرحمن أنه لا فرق في أسمائه بين أن تكون خاصة، أو مشتركة كالحكيم والعليم والقدير والعزيز فالصحيح أنه لا يتوقف على النية خلافا لبعض المشايخ فيما كان مشتركا؛ لأنه لما كان مستعملا لله تعالى ولغيره لا تتعين إرادة أحدهما إلا بالنية ورجحه في "غاية البيان" وهو خلاف المذهب؛ لأن هذه الأسماء، وإن كانت تطلق على الخلق لكن تعين الخالق مرادا بدلالة القسم إذ القسم بغير الله لا يجوز فكان الظاهر أنه أراد به اسم الله حملا لكلامه على الصحة إلا أن ينوي به غير الله فلا يكون يمينا؛ لأنه نوى ما يحتمله كلامه فيصدق في أمر بينه وبين الله تعالى كذا في "البدائع".
وفي "الذخيرة" و"الولوالجية" لو قال:  والطالب والغالب لا أفعل كذا فهو يمين وهو متعارف أهل بغداد ا ه. وهذا لا يدل على أن كونه يمينا موقوف على التعارف، وإنما بعدما حكم بكونها يمينا أخبر بأن أهل بغداد تعارفوا الحلف بها وبذلك اندفع ما في "فتح القدير" من أنه يلزم إما اعتبار العرف فيما لم يسمع من الأسماء من الكتاب والسنة فإن الطالب لم يسمع بخصوصه بل الغالب في قوله تعالى
{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف: 21] وأما كونه بناء على

 

ج / 4 ص -433-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القول المفصل في الأسماء ا ه. وأفاد بقوله وجلاله وكبريائه أن الحلف يكون بصفة من صفاته تعالى؛ لأن معنى اليمين وهو القوة حاصل لأنه يعتقد تعظيم الله تعالى وصفاته ولم يقيد المصنف الحلف بالصفات بالعرف ولا بد منه قال في "المحيط":  وأما الحلف بصفات الله تعالى فقد اختلفت عبارات مشايخنا في ذلك قال عامة مشايخنا:  من حلف بصفة من صفات الله تعالى صفة ذات، أو صفة فعل ينظر إن تعارف الناس الحلف به يكون يمينا، وإلا فلا لأن صفات الله في الحرمة كذاته تعالى فإنها ليست بأغيار الله بل صفات الله تعالى لا هو ولا غيره لأنها ليست بحادثة في ذاته خلافا لما تقوله الكرامية - هداهم الله -:  إن لله تعالى صفات حادثة وذاته محل الحوادث وخلافا لما تقوله المعتزلة لعنهم الله إنه ليس لله صفات وعند أهل السنة كثرهم الله صفة ذاته كونه سميعا بصيرا حيا عليما قديرا وهو بجميع صفاته قديم، والقديم لا يجوز أن يكون محل الحوادث وقال مشايخ العراق:  إن حلف بصفة من صفات الذات يكون يمينا إلا العلم لما تبين، وإن حلف بصفة من صفات الفعل لا يكون يمينا والفاصل بينهما أن كل صفة يوصف بها وبضدها كالرحمة والرأفة والسخط والغضب فهي من صفات الفعل، وكل صفة يوصف بها ولا يوصف بضدها كالقدرة والعزة والعظمة فهي من صفات الذات فألحقوا صفات الذات بالاسم ولم يلحقوا صفات الفعل بالاسم وعلى هذا تخرج المسائل ا ه. وظاهره أن الكرامية1 مؤمنون والمعتزلة كافرون لدعائه للأولين ب"الهداية" وعلى المعتزلة باللعن.
وفي "فتح القدير":  المراد بالصفة اسم المعنى الذي لا يتضمن ذاتا ولا يحمل عليها بهو هو كالعزة والكبرياء والعظمة بخلاف نحو العظيم وفي "التبيين":  والصحيح عدم الفرق؛ لأن صفات الله كلها صفات ذات وكلها قديمة فلا يستقيم الفرق، والأيمان مبنية على العرف فما تعارف الناس الحلف به يكون يمينا وما لا فلا ا ه. وفي المسايرة للمحقق ابن الهمام:  اختلف مشايخ الحنفية والأشاعرة في صفات الأفعال والمراد صفات تدل على تأثير لها أسماء غير اسم القدرة يجمعها اسم التكوين فإن كان ذلك الأثر مخلوقا فالاسم الخالق والصفة الخلق، أو رزقا فالاسم الرازق والصفة الترزيق، أو حياة فهو المحيي، أو موتا فهو المميت فادعى متأخرو الحنفية من عهد أبي منصور أنها صفات قديمة زائدة على الصفات المتقدمة وليس في كلام أبي حنيفة والمتقدمين تصريح بذلك سوى ما أخذوه من قوله كان تعالى خالقا قبل أن يخلق ورازقا قبل أن يرزق وذكروا له أوجها من الاستدلال، والأشاعرة يقولون ليست صفة التكوين على فصولها سوى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهم أصحاب أبي عبد الله محمد بن كرام، وهم طوائف بلغ عددهم إلى اثنتي عشرة فرقة ونص زعيمهم أبو عبد الله على أن معبوده على العرش استقرارا، وعلى أنه بجهة فوق ذاتا وأطلق عليه اسم الجواهر فقال في كتابه "عذاب القبر":  إنه أحدي الذات أحدي الجوهر. الملل والنحل "1/108".

 

ج / 4 ص -434-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صفة القدرة باعتبار تعلقها بتعلق خاص فالتخليق هو القدرة باعتبار تعلقها بالمخلوق والترزيق تعلقها بإيصال الرزق إلى آخر ما ذكره فيها. وأما كونه حالفا بقوله أقسم، أو أحلف، أو أشهد، وإن لم يقل بالله فلأن هذه الألفاظ مستعملة في الحلف وهذه الصيغة للحال حقيقة وتستعمل للاستقبال بقرينة فجعل حالفا للحال والشهادة يمين قال الله تعالى
{قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: 1] ثم قال {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المنافقون: 2] والحلف بالله هو المعهود المشروع وبغيره محظور فيصرف إليه وأشار إلى أنه لو قال:  حلفت، أو أقسمت، أو شهدت بالله، أو لم يقل بالله فإنه يمين بالأولى.
وأطلق في كونه يمينا بلفظ المضارع فأفاد أنه لا يتوقف على النية كما في "غاية البيان" وذكر في "الهداية" خلافا فيه وصحح في "التبيين" أنه يكون يمينا بلا نية وأراد المصنف بهذه الألفاظ أن كلا منها يصلح أن يكون قسما فإن ذكر المقسم عليه انعقدت اليمين فيحنث إذا نقضها فتجب عليه الكفارة، وإلا فلا وقد ذكر محمد هذه الألفاظ كلها في الأصل، ثم قال بعدها فهذه كلها أيمان فإذا حلف بشيء منها ليفعلن كذا وكذا فحنث وجبت عليه الكفارة ا ه.
وفي "المجتبى" أشهد ليس بيمين ما لم يعلقه بالشرط، وقوله " علي نذر " يمين، وإن سكت وفي "المنتقى" وجامع الكرخي ما يشبه خلاف مسألة النذر قلت:  فعلم بهذا أن هذه الألفاظ لا تكون يمينا ما لم يعلق بشيء ا ه. فظهر بهذا أن ما في "النهاية" من أن قوله أقسم، أو أشهد، أو علي يمين تنعقد يمينا سواء ذكر المقسم عليه، أو لا مستدلا بما ذكر في "الذخيرة" أن قوله علي يمين موجب للكفارة فهو سهو كما في "غاية البيان" وتوهم وخبط كما في "فتح القدير"، بل لا بد من ذكر المقسم عليه. وإنما ترك ذكره في بعض المواضع للعلم به وهو مراد صاحب "الذخيرة" وتحقيقه أن الكفارة إنما تجب لستر الذنب في نقض اليمين المنعقدة فعلى أي شيء انعقدت اليمين حتى يتصور نقض اليمين فتجب الكفارة.
وأيضا قوله:  علي يمين فيه احتمال؛ لأنه يصح عليه أن يكون يمين الغموس أو اليمين المنعقدة، والكفارة لا تثبت بالاحتمال؛ لأنها دائرة بين العبادة والعقوبة، والعقوبات تندرئ بالشبهات وذلك أنه ليس في الغموس كفارة وكذا في المنعقدة عند قيام البر فكيف تتصور الكفارة وأيضا لو وجبت الكفارة بمجرد قوله علي يمين يلزم تقديم المسبب على السبب، وهو فاسد لأن سبب الكفارة الحنث ولم يوجد لعدم انعقاد اليمين على شيء إلى آخر ما في "غاية البيان" إلا أنه في "فتح القدير" قال:  والحق أن قوله علي يمين إذا لم يزد عليه على وجه الإنشاء لا الإخبار يوجب الكفارة بناء على أنه التزام الكفارة بهذه العبارة ابتداء كما يأتي في قوله على

 

ج / 4 ص -435-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نذر إذا لم يزد عليه فإنه مثله من صيغ النذر ولو لم يكن كذلك لغا بخلاف أحلف وأشهد ونحوهما ليست من صيغ النذر فلا يثبت به الالتزام ابتداء ا ه.
وفي "المجتبى" أشهد بفتح الهمزة والهاء، وضم الهمزة وكسر الهاء خطأ، ثم قال:  قال:  علي يمين - يريد به الإيجاب - لا كفارة عليه إذا لم يعلقه بشيء ا ه. وبه ندفع ما في "فتح القدير".
وقيد بقوله أشهد لأنه لو قال اللهم إني عبدك أشهدك وأشهد ملائكتك أني لا أدخل دار فلان فليس بيمين؛ لأن الناس لم يتعارفوا الحلف بهذا بخلاف قوله أشهد، أو أشهد بالله لأن ذلك يمينا عرفا كذا في "المحيط":  وأعزم ك أشهد كما في "البدائع" ومعناه أوجب فكان إخبارا عن الإيجاب في الحال وهذا معنى اليمين وكذا لو قال:  عزمت لا أفعل كذا كان حالفا وكذا آليت لا أفعل كذا؛ لأن الألية هي اليمين ا ه. وأما كونه حالفا بقوله لعمر الله فلأن عمر الله بقاؤه فكان صفة له؛ لأنه من صفة الذات؛ لأنه يوصف به لا بغيره فكأنه قال وبقاء الله كقدرته وكبريائه ولقوله تعالى
{لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72] هو بالضم والفتح إلا أن الفتح غلب في القسم حتى لا يجوز فيه الضم، وارتفاعه على الابتداء وخبره محذوف والخبر قسمي، أو يميني كذا في المغرب ولا تلحق المفتوحة الواو في الخط بخلاف عمرو العلم فإنها ألحقت للتفرقة بينه وبين عمر.
وقيد بكون اللام في أوله؛ لأنه لو لم تدخله اللام فإن القسم فيه محذوف ويكون منصوبا نصب المصادر فتقول:  عمر الله ما فعلت كما في الله لأفعلن، وأما قولهم عمرك الله ما فعلت فمعناه بإقرارك له بالبقاء وينبغي أن لا ينعقد يمينا لأنه حلف بفعل المخاطب وهو إقراره واعتقاده كما في "فتح القدير".
وأما ايم الله فمعناه أيمن الله، وهو جمع يمين على قول الأكثر فخفف بالحذف حتى صار ايم الله ثم خففت أيضا فقيل:  م الله لأفعلن كذا فتكون ميما واحدة وبهذا نفى سيبويه أن يكون جمعا؛ لأن الجمع لا يبقى على حرف واحد ويقال:  من الله بضم الميم والنون وفتحهما وكسرهما، وهمزة أيمن بالقطع، وإنما وصلت في الوصل تخفيفا لكثرة الاستعمال ومذهب سيبويه أنها همزة وصل اجتلبت ليمكن بها النطق كهمزة ابن وامرئ من الأسماء الساكنة الأوائل، وإنما كان يمينا لحديث البخاري "وايم الله إن كان لخليقا بالإمارة"1 كما في "فتح القدير".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخري، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب زيد حارثة "3730" ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد "2426" والترمذي، كتاب المناقب، باب مناقب زيد بن حارثة "3816" وابن حبان في صحيحه "7044".

 

ج / 4 ص -436-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأشار المصنف إلى أنه لو قال:  يمين الله لا أفعلن كذا فهو يمين صرح به في "المجتبى"، وأما كونه حالفا بعهد الله وميثاقه فلأن العهد في الأصل هي المواعدة التي تكون بين اثنين لوثوق أحدهما على الآخر وهو الميثاق وقد استعمل في اليمين لقوله تعالى
{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: 91] الآية فقد جعل العهد في القرآن يمينا كما ترى والميثاق في معناه وكذا الحلف بالذمة ولذا يسمى الذمي معاهدا.
وأطلقه فشمل ما إذا لم ينو لغلبة الاستعمال للعهد والميثاق في معنى اليمين فينصرفان إليه إلا إذا قصد غير اليمين فيدين، وفي "الذخيرة" لو قال:  إن فعلت كذا فعلي يمين إن شاء فلان ففعل ذلك الفعل وشاء فلان لزمه كما قال. وأما كونه حالفا بقوله:  علي نذر ونذر الله فيشترط أن يذكر المحلوف عليه لكونها يمينا منعقدة نحو أن يقول:  علي نذر الله لأفعلن كذا، أو لا أفعل كذا حتى إذا لم يف بما حلف عليه لزمته كفارة اليمين وأما إذا لم يسم شيئا بأن قال:  علي نذر الله فإنه لا يكون يمينا؛ لأن اليمين إنما تتحقق لمحلوف عليه ولكن تلزمه الكفارة فيكون هذا التزام الكفارة ابتداء بهذه العبارة كذا في "فتح القدير" وهذا كله إذا لم ينو بهذا النذر المطلق شيئا من القرب كحج، أو صوم فإن كان نوى بقوله " علي نذر إن فعلت كذا " قربة مقصودة يصح النذر بها ففعل لزمته تلك القربة لما ذكره الحاكم بقوله فإن حلف بالنذر فإن نوى شيئا من حج أو عمرة فعليه ما نوى، وإن لم يكن له نية فعليه كفارة اليمين ا ه. فيحمل الحديث
"من نذر نذرا لم يسمه فكفارته كفارة يمين"1 على ما إذا لم تكن له نية.
وقيد بلفظ النذر احترازا عن صيغة النذر كأن يقول:  لله علي كذا صلاة ركعتين، أو صوم يومين مطلقا عن الشرط، أو معلقا به كما سيأتي الكلام عليه قريبا وقد خلط الزيلعي مسألة لفظ النذر بصيغة النذر وبينهما فرق تطلع عليه إن شاء الله.
وفي "الولوالجية" وغيرها لو قال:  لله علي أن لا أكلم فلانا أنها ليست بيمين إلا أن ينوي؛ لأن الصيغة للنذر مع احتمال معنى اليمين ا ه.
وأما مسألة الحلف بالتعليق بالكفر فلأنه لما جعل الشرط علما على الكفر فقد اعتقده واجب الامتناع وقد أمكن القول بوجوبه لغيره بجعله يمينا كما نقول في تحريم الحلال ولا فرق بين أن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أبو داود، كتاب الأيمان والنذور، باب من نذر نذرا لا يطبقه "3322" وابن ماحه، كتاب الكفارات، باب من نذر نذرا ولم يسمه "2127"، والدار قطني "4/160". وذكره الزيلعي في نصب الراية "3/295".

 

ج / 4 ص -437-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعلقه بالكفر، أو بالتهود، أو التنصر أو قال هو بريء من الإسلام أو من القرآن، أو القبلة، أو صوم رمضان، أو أنا بريء مما في المصحف، أو أعبد من دون الله أو أعبد الصليب كما في "المجتبى" و"المحيط"، أو يعقد الزنا على نفسه كما يعقد النصارى كما في "الظهيرية" ولو قال:  أنا بريء من كل آية في المصحف فهو يمين واحدة ولو رفع كتابا فيه مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم فقال أنا بريء مما فيه إن فعلت كذا فهو يمين ولو قال:  إن فعلت كذا فأنا بريء من حجتي التي حججت ومن الصلاة التي صليت فليس بيمين بخلاف قوله أنا بريء من القرآن الذي تعلمته؛ لأنه في الأول تبرأ عن الفعل الذي فعل لا عن الحجة المشروعة وفي الثاني تبرأ عن القرآن الذي تعلمه والقرآن قرآن، وإن تعلمه فيكون التبري عنه كفرا. ولو قال:  إن فعلت كذا فأنا بريء من شهر رمضان فإذا أراد البراءة عن فرضه فهو يمين كما إذا قال:  إن فعلت كذا فأنا بريء من الإيمان، وإن أراد البراءة عن أجرها لا يكون يمينا؛ لأنه شيء غيب، وإن لم يكن له نية لا يكون يمينا في الحكم كذا في "المحيط".
وفي "المجتبى" لو قال صلاتي وصيامي لهذا الكافر إن فعلت كذا فليس بيمين، وفي "الولوالجية":  لو قال:  إن فعلت كذا فاشهدوا علي بالنصرانية فعليه كفارة يمين؛ لأنه بمنزلة إن فعلت كذا فأنا نصراني ولو قال:  إن فعلت كذا فأنا بريء من الكتب الأربعة فعليه كفارة واحدة؛ لأنها يمين واحدة ولو قال:  أنا بريء من التوراة وبريء من الإنجيل وبريء من الزبور وبريء من الفرقان فعليه أربع كفارات؛ لأنها أربعة أيمان ولو قال:  أنا بريء من الله ورسوله فعليه كفارة واحدة إن حنث؛ لأنها يمين واحدة ولو قال:  أنا بريء من الله وبريء من رسوله فعليه كفارتان إن حنث؛ لأنهما يمينان ا ه.
ثم قال:  ولو قال:  إن فعلت كذا فأنا بريء من الله ورسوله، والله ورسوله بريئان منه ففعل فعليه أربع كفارات؛ لأنها أربعة أيمان ا ه. وينبغي أن يكونا يمينين؛ الأولى أنا بريء من الله ورسوله كما تقدم، والثانية والله ورسوله بريئان منه لأن لفظ البراءة مذكور مرتين إلا أن يقال:  إنها في الثانية مذكورة مرتين بسبب التثنية فيكون عليه ثلاث كفارات، وأما الأربع فلم يظهر لي وجهها، ثم رأيت بعد ذلك المسألة في "الظهيرية" مصورة بتكرار لفظ البراءة بقوله إن فعل كذا فهو بريء من الله وبريء من رسوله والله ورسوله بريئان منه فتعين أن يكون ما في "الولوالجية" كذلك والحذف من الكاتب.
ثم قال في "الظهيرية". والأصل في جنس هذه المسائل أنه متى تعددت صيغة البراءة تعددت الكفارة، وإذا اتحدت اتحدت وصحح في "المجتبى" و"الذخيرة" أنهما يمينان قال:  ولو قال:  إن

 

ج / 4 ص -438-       لا بعلمه، وغضبه، وسخطه، ورحمته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فعلت كذا فأنا بريء من الله ألف مرة ففعل لزمته كفارة واحدة ا ه.
وفي "الظهيرية" أيضا ولو قال:  إن فعلت كذا فلا إله في السماء يكون يمينا ولو قال:  إن فعلت كذا فهو بريء من المؤمنين قالوا يكون يمينا لأن البراءة من المؤمنين تكون لإنكار الإيمان ا ه.
وينبغي أن الحالف إذا قصد نفي المكان عن الله أنه لا يكون يمينا لأنه حينئذ ليس بكفر بل هو الإيمان، وفي "الذخيرة" قال هو يمين ولا يكفر وفيها لو قال إن فعلت كذا فأنا بريء من الشفاعة الأصح أنه ليس بيمين وعلله في "الظهيرية" بأن الشفاعة، وإن كانت حقا لكن من أنكرها صار مبتدعا لا كافرا ا ه.
وفيها أيضا سئل نجم الدين عمن قال:  إن كلمت فلانا فهو شريك الكفار فيما قالوا على الله تعالى مما لا يليق به فكلمه ماذا يجب عليه قال:  كفارة اليمين ا ه.
وأشار المصنف إلى أنه إذا فعل المحلوف عليه لا يكون كافرا؛ لأنه صار يمينا وقيد بكونه علقه على فعل في المستقبل؛ لأنه لو قال ذلك لشيء قد فعله في الماضي كأن قال:  إن كنت فعلت كذا فهو كافر وهو عالم أنه قد فعل فهو يمين الغموس لا كفارة فيها إلا التوبة والاستغفار وهل يكفر حتى تكون التوبة اللازمة عليه التوبة من الكفر وتجديد الإسلام قيل لا وقيل نعم لأنه تنجيز معنى؛ لأنه لما علقه بأمر كائن فكأنه قال ابتداء هو كافر والصحيح أنه إن كان عالما أنه يمين إما منعقدة، أو غموس لا يكفر بالماضي، وإن كان جاهلا وعنده أنه يكفر بالحلف في الغموس أو بمباشرة الشرط في المستقبل يكفر فيهما؛ لأنه لما أقدم عليه وعنده أنه يكفر فقد رضي بالكفر كذا في كثير من الكتب، وفي "المجتبى" و"الذخيرة" والفتوى على أنه إن اعتقد الكفر به يكفر وإلا فلا في المستقبل والماضي جميعا، وفي قولهم يعلم الله أنه فعل كذا ولم يفعل كذا وهو يعلم خلافه فيه اختلاف المشايخ، وعامتهم على أنه يكفر، ثم رقم في "المجتبى" رقما آخر لو قال:  الله يعلم أني ما فعلت كذا وهو يعلم أنه كاذب فقيل:  لا يكفر وهو رواية عن أبي يوسف؛ لأنه قصد ترويج الكذب دون الكفر.
"قوله:  لا بعلمه وغضبه وسخطه ورحمته" أي لا يكون اليمين بعلم الله ونحوه؛ لأن الحلف بهذه الألفاظ غير متعارف، والعرف معتبر في الحلف بالصفات ولأن العلم يذكر ويراد به المعلوم ويقال:  اللهم اغفر علمك فينا أي معلومك ولأن الرحمة يراد بها أثرها وهو المطر والجنة، والغضب والسخط يراد بهما العقوبة، وفي "البدائع".

 

ج / 4 ص -439-       والنبي، والقرآن والكعبة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما الصفة فصفات الله تعالى مع أنها كلها لذاته على ثلاثة أقسام منها ما لا يستعمل في عرف الناس وعاداتهم إلا في الصفة نفسها فالحلف بها يكون يمينا ومنها ما يستعمل في الصفة وفي غيرها استعمالا على السواء والحلف بها يكون يمينا أيضا ومنها ما يستعمل في الصفة وفي غيرها لكن استعمالها في غير الصفة هو الغالب فالحلف بها لا يكون يمينا ومن مشايخنا من قال ما تعارفه الناس يمينا يكون يمينا إلا ما ورد الشرع بالنهي عنه وما لم يتعارفوه لا يكون يمينا وبيان هذه الجملة إذا قال:  وعزة الله وعظمته وجلاله وكبريائه يكون حالفا وكذا وقدرة الله ما لم ينو المقدور وكذا وقوته، وإرادته ومشيئته ورضاه ومحبته وإرادته وكلامه بخلاف الرحمة والغضب والسخط والعلم إلا إذا أراد به الصفة، وأما وسلطان الله فقال القدوري إن أراد به القدرة كان حالفا، وإلا فلا ولو قال وأمانة الله ذكر في الأصل أنه يكون يمينا خلافا للطحاوي؛ لأنها طاعته، ووجه ما في الأصل أن الأمانة المضافة إلى الله تعالى عند القسم يراد بها صفته. ولو قال:  ووجه الله فهو يمين؛ لأن الوجه المضاف إلى الله تعالى يراد به الذات ولو قال:  لا إله إلا الله لا أفعل كذا لا يكون يمينا إلا أن ينوي وكذا قوله:  سبحان الله والله أكبر لا أفعل كذا لعدم العادة وملكوت الله وجبروته يمين لأنه من صفاته تعالى التي لا تستعمل إلا في الصفة ا ه.
ومن الغريب ما في "الظهيرية" لو قال وقدرة الله لا يكون يمينا، وإن كان الله تعالى لا يوصف بضدها؛ لأن المراد بالقدرة المذكورة التقدير عرفا على ما عرف في الزيادات والله عز وجل قد يقدر وقد لا يقدر ا ه. وهو مردود لما في "الولوالجية" وغيرها لو قال:  وقدرة الله كان يمينا؛ لأن استعمال القدرة على المقدور به لم يكثر ككثرة استعمال العلم على المعلوم حتى لو نوى المقدور لا يكون يمينا ا ه.
وأشار المصنف إلى إنه لو قال:  وعذاب الله وثوابه ورضاه ولعنة الله وأمانته أنه لا يكون يمينا، وفي "الخانية" لو قال:  بصفة الله لا أفعل كذا لا يكون يمينا لأن من صفاته ما يذكر في غيره فلا يكون ذكر الصفة كذكر الاسم.
"قوله:  والنبي والقرآن والكعبة" أي لا يكون حالفا بها؛ لأن الحلف بالنبي والكعبة حلف بغير الله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم
"من كان حالفا فليحلف بالله، أو ليذر"1 والحلف بالقرآن غير متعارف مع أنه يراد به الحروف والنقوش.
وفي "فتح القدير":  ثم لا يخفى أن الحلف بالقرآن الآن متعارف فيكون يمينا كما هو قول

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم تخريجه.

 

ج / 4 ص -440-       وحق الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأئمة الثلاثة وتعليل عدم كونه يمينا بأنه غيره تعالى؛ لأنه مخلوق لأنه حروف، وغير المخلوق هو الكلام النفسي منع بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق ولا يخفى أن المنزل في الحقيقة ليس إلا الحروف المنقضية المنعدمة وما ثبت قدمه استحال عدمه غير أنهم أوجبوا ذلك لأن العوام إذا قيل لهم:  إن القرآن مخلوق تعدوا إلى الكلام مطلقا. وأما الحلف بكلام الله تعالى فيجب أن يدور مع العرف، وأما الحلف بجان مريد ومثله الحلف بحياة رأسك وحياة رأس السلطان فذلك إن اعتقد أن البر فيه واجب يكفر.
وفي "تتمة الفتاوى" قال علي الرازي:  أخاف على من قال بحياتي وحياتك أنه يكفر ولولا أن العامة يقولونه ولا يعلمونه لقلت:  إنه شرك وعن ابن مسعود لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلى من أن أحلف بغير الله صادقا1 ا ه.
قيد بالحلف بهذه الأشياء؛ لأن التبري منها يمين [وهو قول أبي حنيفة]* كقوله هو بريء من النبي إن فعل كذا كما قدمنا تفاصيله.
وأشار المصنف إلى أنه لو قال:  ودين الله وطاعته، أو حدوده أو شريعته، أو المصحف أنه لا يكون يمينا بالأولى كما في "الخانية".
"قوله:  وحق الله" أي لا يكون يمينا وهو قول أبي حنيفة وهو قول محمد، وإحدى الروايتين عن أبي يوسف وعنه رواية أخرى أنه يكون يمينا؛ لأن الحق من صفات الله تعالى وهو حقيقة فصار كأنه قال:  والله الحق، والحلف به متعارف ولهما أنه يراد به طاعة الله؛ إذ الطاعات حقوقه فيكون حلفا بغير الله تعالى وذكر في "الاختيار" أن المختار أنه يكون يمينا اعتبارا بالعرف ا ه.
قيد بالحق المضاف؛ لأنه لو قال:  والحق يكون يمينا ولو قال حقا لا يكون يمينا؛ لأن المنكر منه يراد به تحقيق الوعد فكأنه قال:  أفعل كذا حقيقة لا محالة وهذا قول البعض والصحيح أنه إن أراد به اسم الله تعالى يكون يمينا كذا في "الخانية"، وفي "المجتبى" وحقا، أو حقا اختلاف المشايخ والأكثر على أنه ليس بيمين. والحاصل:  أن الحق إما أن يكون معرفا، أو منكرا، أو مضافا فالحق معرفا سواء كان بالواو أو بالباء يمين اتفاقا كما في "الخانية" و"الظهيرية"

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الأيمان، باب الرجل يحلف بغير الله أو بأبيه "3/480".
.........
* العبارة في الأصل عند أبي حنيفة.

 

ج / 4 ص -441-       وإن فعلته فعليّ غضب الله وسخطه أو أنا زان، أو سارق أو شارب خمر، أو آكل ربا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومنكرا يمين على الأصح إن نوى، ومضافا إن كان بالباء فيمين اتفاقا؛ لأن الناس يحلفون به، وإن كان بالواو ففيه الاختلاف السابق والمختار أنه يمين كما سبق وبهذا علم أن المختار أنه يمين في الألفاظ الثلاثة مطلقا.
وأشار المصنف إلى أنه لو قال بحق الرسول، أو بحق الإيمان أو بحق المساجد، أو بحق الصوم أو الصلاة لا يكون يمينا كذا في "الخانية"، وفي "المجتبى" " وحرمة الله " نظير قوله " وحق الله "، وفي فتاوى النسفي بحرمة شهد الله وبحرمة لا إله إلا الله ليس بيمين.
"قوله:  وإن فعلته فعلي غضب الله وسخطه، أو أنا زان وسارق أو شارب خمر، أو آكل ربا" أي لا يكون يمينا أما في الأول فلأنه دعا على نفسه ولا يتعلق ذلك بالشرط ولأنه غير متعارف وأما في قوله هو زان إلى آخره فلأن حرمة هذه الأشياء تحتمل النسخ والتبديل فلم تكن في معنى حرمة اسم الله تعالى ولأنه ليس بمتعارف كذا في "الهداية" والأولى الاقتصار على أنه ليس بمتعارف؛ لأن كون الحرمة تحتمل الارتفاع، أو لا تحتمله لا أثر له مع أنه لا حاجة إلى التعليل بعدم التعارف أيضا لأن معنى اليمين أن يعلق ما يوجب امتناعه عن الفعل بسبب لزوم وجوده عند الفعل وليس بمجرد وجود الفعل يصير زانيا أو سارقا؛ لأنه لا يصير كذلك إلا بفعل مستأنف يدخل في الوجود، ووجود هذا الفعل ليس لازما لوجود المحلوف عليه حتى يكون موجبا امتناعه عنه فلا يكون يمينا بخلاف الكفر فإنه بالرضا به يكفر من غير توقف على عمل آخر، أو اعتقاد والرضا يتحقق بمباشرة الشرط فيوجب عنده الكفر لولا قول طائفة من العلماء بالكفارة كما في "فتح القدير".
وفي "المجتبى" لو قال:  هو يأكل الميتة إن فعل كذا أو يستحل الخمر، أو الخنزير فليس بيمين أصله أن التعليق بما تسقط حرمته بحال ما كالميتة والخمر والخنزير لا يكون يمينا وما لا يسقط كألفاظ الكفر فيمين ولو قال:  جميع ما فعله المجوس، أو اليهود فعلى عنقي إن فعلت كذا ففعل لا شيء عليه ا ه.
وهو يفيد أن استحلال الخمر والخنزير ليس بكفر إلا أن يقال:  إن جزاء الشرط هو الاستحلال في المستقبل بخلاف ما لو قال إن فعلت كذا فأنا مستحل للخمر والخنزير، وفي "الولوالجية"، وأما في الاستحلال فلأن استحلال الدم لا يكون كفرا لا محالة فإن حالة الضرورة يصير حلالا وكذلك لحم الخنزير ا ه. فأفاد أن ما يباح للضرورة لا يكفر مستحله، وفي "الظهيرية" لو قال:  عصيت الله تعالى إن فعلت كذا، أو قال عصيت الله في كل ما افترض علي لا يكون يمينا.

 

ج / 4 ص -442-       وحروفه الباء، والواو، والتاء وقد تضمر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله:  وحروفه الباء والواو والتاء" أي وحروف القسم ولو عاد الضمير على اليمين لأنثه؛ لأنها مؤنثة سماعا كقوله:  والله وبالله وتالله؛ لأن كل ذلك معهود في الأيمان ومذكور في القرآن قال تعالى
{فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ} [الذاريات: 23] وقال تعالى {تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا} [النحل: 63] وقال تعالى {بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] وفيه احتمال كونه متعلقا بقوله تعالى {لاَ تُشْرِكْ}. وقدم الباء قالوا هي الأصل؛ لأنها صلة الحلف والأصل أحلف، أو أقسم بالله وهي للإلصاق تلصق فعل القسم بالمحلوف به، ثم حذف الفعل لكثرة الاستعمال مع فهم المقصود ولأصالتها دخلت في المظهر والمضمر نحو بك لأفعلن. ثم ثنى بالواو لأنها بدل منها للمناسبة المعنوية وهي ما في الإلصاق من الجمع الذي هو معنى الواو ولكونها بدلا انحطت عنها بدرجة فدخلت على المظهر لا على المضمر ولا يجوز إظهار الفعل معها لا تقول أحلف بالله كما تقول أحلف والله. وأما التاء فبدل عن الواو؛ لأنها من حروف الزيادة وقد أبدلت كثيرا منها كما في تجاه وتخمة وتراث فانحطت درجتين فلم تدخل على المظهر إلا على اسم الله تعالى خاصة وما روي من قولهم:  تربي وترب الكعبة لا يقاس عليه وكذا تحياتك ولا يجوز إظهار الفعل معها لا تقول:  أحلف تالله ولم يذكر المصنف كغيره أكثر من الثلاثة.
وذكر في "التبيين" أن له حروفا أخر وهي لام القسم وحرف التنبيه وهمزة الاستفهام وقطع ألف الوصل والميم المكسورة والمضمومة في القسم، ومن كقوله لله وها الله وم الله ومن الله واللام بمعنى التاء ويدخلها معنى التعجب وربما جاءت التاء لغير التعجب دون اللام ا ه.
"قوله":  وقد تضمر" أي حروف القسم فيكون حالفا كقوله الله لا أفعل كذا؛ لأن حذف الحرف متعارف بينهم اختصارا، ثم إذا حذف الحرف ولم يعوض عنه ها التنبيه ولا همزة الاستفهام ولا قطع ألف الوصل لم يجز الخفض إلا في اسم الله بل ينصب بإضمار فعل، أو يرفع على أنه خبر مبتدأ مضمر إلا في اسمين فإنه التزم فيهما الرفع وهما أيمن الله ولعمر الله كذا في "التبيين". وإنما قال المصنف:  تضمر ولم يقل تحذف للفرق بينهما؛ لأن الإضمار يبقى أثره بخلاف الحذف وعلى هذا ينبغي أن يكون في حالة النصب الحرف محذوفا؛ لأنه لم يظهر أثره، وفي حالة الجر مضمرا لظهور أثره وهو الجر في الاسم، وفي "الظهيرية" بالله لا أفعل كذا وسكن الهاء أو نصبها، أو رفعها يكون يمينا ولو قال الله لا أفعل كذا وسكن الهاء، أو نصبها لا يكون يمينا إلا أن يعربها بالجر فيكون يمينا وقيل يكون يمينا مطلقا ولو قال بله بكسر اللام لا أفعل

 

ج / 4 ص -443-       وكفارته تحرير رقبة، أو إطعام عشرة مساكين كهما في الظهار، أو كسوتهم بما يستر عامة البدن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كذا قالوا لا يكون يمينا إلا إذا أعرب الهاء بالكسر وقصد اليمين ا ه.
وينبغي أنه إذا نصب أن يكون يمينا بلا خلاف؛ لأن أهل اللغة لم يختلفوا في جواز كل واحد من الوجهين ولكن النصب أكثر كما ذكره عبد القاهر في "مقتصده"1 كذا في "غاية البيان" وبه اندفع ما في "المبسوط" من أن النصب مذهب أهل البصرة والخفض مذهب أهل الكوفة إلا أن يكون مراده أن الخلاف في الأرجحية لا في أصل الجواز فيه، قيد بإضمار الحروف؛ لأنه لا يضمر في المقسم عليه حرف التأكيد وهو اللام والنون بل لا بد من ذكرهما لما في "المحيط" والحلف بالعربية أن تقول في الإثبات:  والله لا أفعلن كذا ووالله لقد فعلت كذا مقرونا بكلمة التوكيد، وفي النفي تقول والله لا أفعل كذا ووالله ما فعلت كذا حتى لو قال والله أفعل كذا اليوم فلم يفعل لا تلزمه الكفارة ويكون بمعنى قوله لا أفعل كذا فتكون كلمة لا مضمرة فيه؛ لأن الحلف في الإثبات عند العرب لا يكون إلا بحرف التأكيد وهو اللام والنون كقوله والله لا أفعلن كذا قال الله تعالى
{تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} [الأنبياء: 57] وإضمار الكلمة في الكلام استعملته العرب كقوله تعالى {وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أي أهلها فأما إضمار بعض الكلمة في البعض ما استعملته العرب ا ه.
"قوله:  وكفارته تحرير رقبة، أو إطعام عشرة مساكين كما في الظهار، أو كسوتهم بما يستر عامة البدن" أي وكفارة اليمين بمعنى القسم أو الحلف لما قدمنا أنها مؤنثة، والأصل في ذلك قوله تعالى
{فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89] وكلمة " أو " للتخيير فكان الواجب أحد الأشياء الثلاثة والتخيير لا ينافي التكليف؛ لأن صحته بإمكان الامتثال وهو ثابت؛ لأنه بفعل أحدها يبطل قول من قال إن التخيير يمنع صحة التكليف فأوجب خصال الكفارة مع السقوط بالبعض كما أشار إليه في "التحرير".
وفي "شرح المنار" لو أدى الكل لا يقع عن الكفارة إلا واحد وهو ما كان أعلى قيمة ولو ترك الكل يعاقب على واحد منها وهو ما كان أدنى قيمة؛ لأن الفرض يسقط بالأدنى، وهي من الكفر بمعنى الستر، وإضافتها إلى اليمين إضافة إلى الشرط مجازا لأن السبب عندنا الحنث كما

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهو للعلامة عبد القاهر الجرجاني المتوفى سنة إحدى وسبعين وأربعمائة وهو مجلد واحد اختصر فيه كتابه:  "المغني" الذي شرح فيه كتاب الإيضاح في الإيضاح في النحو فاختصر المغني وسماه:  "المقتصد" ا ه كشف الظنون "1/ 212".

 

ج / 4 ص -444-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سيأتي1، وعبر ب"التحرير" بمعنى الإعتاق دون العتق اتباعا للآية وليفيد أن الشرط الإعتاق فلو ورث من يعتق عليه فنوى عن الكفارة لا يجوز.
وأفاد بقوله كما في الظهار أي "التحرير" والإطعام هنا ك"التحرير" والإطعام في كفارة الظهار أنه يجوز الرقبة مسلمة كانت أو كافرة ذكرا كان، أو أنثى صغيرة كانت، أو كبيرة ولا يجوز فائت جنس المنفعة ولا المدبر وأم الولد ولا المكاتب الذي أدى بعض شيء ويجوز في الإطعام التمليك والإباحة فإن ملك أعطى نصف صاع من بر، أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير لكل مسكين، وإن أباح غداهم وعشاهم فإن كان بخبز البر لا يحتاج إلى الإدام وإن كان بغير خبز البر احتاج إليه على التفاصيل المتقدمة في كفارة الظهار.
وفي "الخلاصة" لو أعطى عشرة مساكين كل مسكين ألف من من الحنطة عن كفارة الأيمان لا يجوز إلا عن كفارة واحدة عند أبي حنيفة وأبي يوسف وكذا في كفارة الظهار، وفي نسخة الإمام السرخسي لو أطعم خمسة مساكين وكسا خمسة مساكين أجزأه ذلك عن الطعام إن كان الطعام أرخص من الكسوة، وعلى القلب لا يجوز وهذا في طعام الإباحة أما إذا ملك الطعام فيجوز ويقوم مقام الكسوة ولو أدى إلى مسكين مدا من حنطة ونصف صاع من شعير يجوز ا ه.
وخرج السراويل بقوله بما يستر عامة البدن وصححه في "الهداية"؛ لأن لابسه يسمى عريانا في العرف ولذا قال في "الخانية" لو حلف لا يلبس ثوبا من غزل فلانة فلبس من غزلها سراويل لم يحنث في يمينه لكن ما لا يجزئه عن الكسوة يجزئه عن الطعام باعتبار القيمة فلا بد أن يعطيه قميصا، أو جبة، أو إزارا أو قباء سابلا بحيث يتوشح به عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وإلا فهو كالسراويل ولا تجزئ العمامة إلا أنه إن أمكن أن يتخذ منها ثوب يجزئ مما ذكرنا جاز أما القلنسوة فلا تجزئ بحال قال الطحاوي هذا كله إذا دفع إلى الرجل أما إذا دفع إلى المرأة فلا بد من الخمار مع الثوب؛ لأن صلاتها لا تصح بدونه قال في "فتح القدير":  وهذا يشابه الرواية عن محمد في دفع السراويل أنه للمرأة لا يكفي وهذا كله خلاف ظاهر الجواب، وإنما ظاهر الجواب ما يثبت به اسم المكتسي وينتفي عنه اسم العريان وعليه بني عدم إجزاء السراويل لا صحة الصلاة وعدمها فإنه لا دخل له في الأمر بالكسوة؛ إذ ليس معناه إلا جعل الفقير مكتسيا ا ه.
وفي "الخلاصة":  وفي الثوب يعتبر حال القابض إن كان يصلح للقابض يجوز وإلا فلا،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الصفحة:  "445".

 

ج / 4 ص -445-       وإن عجز عن أحدها صام ثلاثة أيام متتابعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال بعض مشايخنا:  إن كان يصلح لأوساط الناس يجوز قال شمس الأئمة:  وهذا أشبه بالصواب ولو أعطى ثوبا خليقا عن كفارة اليمين إن أمكن الانتفاع به أكثر من نصف مدة الجديد يعني أكثر من ثلاثة أشهر جاز ا ه.
واعلم أنه لا بد من النية لصحة التكفير في الأنواع الثلاثة كما صرح به في "فتح القدير" وأن مصرفها مصرف الزكاة قال في "الخانية" كل من لا يجوز صرف الزكاة إليه لا يجوز صرف الكفارة إليه فلا يعطيها لأبيه، وإن علا ولا لولده، وإن سفل وكذا الصدقة المنذورة ولو أعطى كفارة يمينه لامرأته وهي أمة لغيره ومولاها فقير لا يجوز ذلك؛ لأن الصدقة تتم بقبولها لا بقبول المولى وهي ليست بمحل لأداء كفارته فلا يجوز كما لو أعطى أباه وأمه وهما مملوكان لفقير لا يجوز ذلك ا ه. ويرد على الكلية المذكورة الدفع إلى الذمي فإنه جائز في الكفارة دون الزكاة.
وفي "الخانية" أيضا لو أعطى في كفارة اليمين عشرة مساكين كل مسكين مدا مدا ثم استغنوا، ثم افتقروا ثم أعاد عليهم مدا مدا عن أبي يوسف لا يجوز ذلك؛ لأنهم لما استغنوا صاروا بحال لا يجوز دفع الكفارة إليهم فبطل ما أدى كما لو أدى إلى مكاتب مدا، ثم رده في الرق، ثم كوتب ثانيا، ثم أعطاه مدا لا يجوز ذلك.
"قوله:  وإن عجز عن أحدها صام ثلاثة أيام متتابعة" أي إن لم يقدر على الإعتاق والإطعام والكسوة كفر بالصوم لقوله تعالى
{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: 89] وشرطنا التتابع عملا بقراءة ابن مسعود متتابعات وقراءته كروايته وهي مشهورة جاز الزيادة بها على القطعي المطلق.
وأشار بالعجز إلى أنه لو كان عنده واحد من الأصناف الثلاثة لا يجوز له الصوم، وإن كان محتاجا إليه ففي "الخانية" ولا يجوز التكفير بالصوم إلا لمن عجز عما سوى الصوم فلا يجوز لمن يملك ما هو منصوص عليه في الكفارة، أو يملك بدله فوق الكفاف، والكفاف منزل يسكنه وثوب يلبسه ويستر عورته وقوت يومه ومن الناس من قال قوت شهر، وإن كان له عبد وهو محتاج إلى الخدمة لا يجوز له التكفير بالصوم؛ لأنه قادر على الإعتاق ومن ملك مالا وعليه دين مثل ذلك ووجبت عليه الكفارة فقضى دينه بذلك المال جاز له التكفير بالصوم، وإن صام قبل قضاء الدين اختلفوا فيه قال بعضهم يجوز له الصوم وقال بعضهم لا يجوز، وفي الكتاب إشارة إلى القولين ولو كان له مال غائب، أو دين على رجل وليس في يده ما يكفر عن يمينه جاز له الصوم قال هذا إذا لم يكن المال الغائب عبدا فإن كان عبدا يجوز في الكفارة ولا يجوز له التكفير بالصوم؛ لأنه قادر على الإعتاق ا ه. وفي "المجتبى" ظاهر المذهب إذا فضل عن حاجته

 

ج / 4 ص -446-       ولا يكفر قبل الحنث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قدر ما يكفر به لا يجوز له الصوم ا ه. والاعتبار في العجز وعدمه وقت الأداء لا وقت الحنث فلو حنث وهو معسر، ثم أيسر لا يجوز له الصوم، وفي عكسه يجوز ويشترط استمرار العجز إلى وقت الفراغ من الصوم فلو صام المعسر يومين، ثم أيسر لا يجوز له الصوم كذا في "الخانية".
وقيد بالتتابع لأنه لو صام الثلاثة متفرقة لا يجوز له ولم يستثن العذر لما في "الخلاصة" ولو حاضت المرأة في الثلاثة استقبلت بخلاف كفارة الفطر وأشار المصنف بالعجز إلى أن العبد إذا حنث لا يكفر إلا بالصوم؛ لأنه عاجز عن الثلاثة ولو أعتق عنه مولاه أو أطعم، أو كسا لا يجزئه وكذا المكاتب والمستسعى ولو صام العبد فعتق قبل أن يفرغ ولو بساعة فأصاب مالا وجب عليه استئناف الكفارة بالمال كذا في "فتح القدير"، وفي "المجتبى":  كفر بالصوم، وفي ملكه رقبة، أو ثياب أو طعام قد نسيه قيل يجزئه عند أبي حنيفة ومحمد والصحيح أنه لا يجزئه وفي الجامع الأصغر وهب ماله وسلمه، ثم صام، ثم رجع بالهبة أجزأه الصوم والمعتبر في التكفير حال الأداء لا غير ا ه. وهذا يستثنى من قولهم إن الرجوع في الهبة فسخ من الأصل وفي "المجتبى" أيضا بذل ابن المعسر لأبيه مالا ليكفر به لا تثبت القدرة به إجماعا.
"قوله:  ولا يكفر قبل الحنث" أي لا يصح التكفير قبل الحنث في اليمين سواء كان بالمال، أو بالصوم؛ لأن الكفارة لستر الجناية ولا جناية، واليمين ليست بسبب لأنها مانعة من الحنث غير مفضية إليه بخلاف التكفير بعد الجرح قبل الموت ;إذا كفر قبله لا يسترده من الفقير لوقوعه صدقة. ولم يذكر المصنف مسألة تعداد الكفارة لتعدد اليمين وهي مهمة.
قال في "الظهيرية" ولو قال:  والله والرحمن والرحيم لا أفعل كذا ففعل ففي الروايات الظاهرة يلزمه ثلاث كفارات ويتعدد اليمين بتعدد الاسم لكن يشترط تخلل حرف القسم وروى الحسن عن أبي حنيفة أن عليه كفارة واحدة وبه أخذ مشايخ سمرقند وأكثر المشايخ على ظاهر الرواية ولو قال:  والله والرحمن لا أفعل كذا ففعل يلزمه كفارتان في قولهم جميعا والفرق على قول أولئك المشايخ أن الواو إذا اتحد ذكره يحتمل أن تكون واو عطف ويحتمل أن تكون واو القسم ولا يثبت القسم بالشك والاحتمال بخلاف ما إذا تعدد ذكره؛ لأن أحدهما للعطف والآخر للقسم ولو قال والله والله يتعدد اليمين في ظاهر الرواية وروى ابن سماعة عن محمد أن في الاسم الواحد لا يتعدد اليمين ولو قال:  والله الله، أو قال:  والله الرحمن تكون يمينا واحدة ا ه.
وفي "الولوالجية" إذا أدخل بين اسمين حرف عطف كانا يمينين وإن كان بغير حرف العطف كان على سبيل الصفة والتأكيد تكون يمينا واحدة ا ه.

 

ج / 4 ص -447-       ومن حلف على معصية ينبغي أن يحنث.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي "الخلاصة" معزيا إلى الأصل إذا حلف على أمر أن لا يفعله، ثم حلف في ذلك المجلس، أو في مجلس آخر أن لا يفعله أبدا، ثم فعله إن نوى يمينا مبتدأ، أو التشديد أو لم ينو فعليه كفارة يمينين أما إذا نوى بالثاني الأول فعليه كفارة واحدة. وفي "التجريد" عن أبي حنيفة إذا حلف بأيمان فعليه لكل يمين كفارة والمجلس والمجالس سواء ولو قال:  عنيت بالثاني الأول لم يستقم ذلك في اليمين بالله تعالى ولو حلف بحجة، أو عمرة يستقيم وفي الأصل أيضا ولو قال هو يهودي هو نصراني إن فعل كذا يمين واحدة ولو قال:  هو يهودي إن فعل كذا هو نصراني إن فعل كذا فهما يمينان.
وفي "النوازل" قال لآخر:  والله لا أكلمه يوما، والله لا أكلمه شهرا، والله لا أكلمه سنة إن كلمه بعد ساعة فعليه ثلاثة أيمان، وإن كلمه بعد الغد فعليه يمينان، وإن كلمه بعد الشهر فعليه يمين واحدة، وإن كلمه بعد سنة فلا شيء عليه ا ه.
وفي "فتح القدير":  وعرف في الطلاق أنه لو قال لها:  إن دخلت الدار فأنت طالق إن دخلت الدار فأنت طالق إن دخلت الدار فأنت طالق فدخلت وقع ثلاث تطليقات.
"قوله:  ومن حلف على معصية ينبغي أن يحنث" بيان لبعض أحكام اليمين وحاصله: ا أن المحلوف عليه أنواع:  فعل معصية، أو ترك فرض فالحنث واجب وهو المراد بقوله ينبغي أن يحنث أي يجب عليه الحنث لحديث البخاري عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم
"من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه"1، وحديث البخاري أيضا "وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك"2، ثم اليمين في الحديث بمعنى المقسم عليه؛ لأن حقيقة اليمين جملتان إحداهما مقسم به والأخرى مقسم عليه فذكر الكل وأريد البعض وقيل ذكر اسم الحال وأريد المحل؛ لأن المحلوف عليه محل اليمين ولأن فيما قلناه تفويت البر إلى جابر وهو الكفارة ولا جابر للمعصية في ضده. وأطلق في المعصية فشمل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب النذر في الطاعة "6696" وأبو داود، كتاب الأيمان والنذور، باب ما جاء في النذر في المعصية "3289" والترمذي، كتاب الأيمان والنذور، باب من نذر أن يطيع الله فليطعمه "1526" وابن ماجه، كتاب الكفارات، باب النذر في المعصية "2126" وابن حبان في صحيحه "4388".
2 أخرجه النسائي، كتاب الأيمان والنذور، باب الكفارة قبل الحنث "7/10"، بلفظ:  "من حلف على يمين فرأى."، وابن ماحه، كتاب الكفارات، باب من قال:  كفارتها تركها "2111" وأحمد في مسنده "2/185" وابن حبان في صحيحه "4347".

 

ج / 4 ص -448-       ولا كفارة على كافر وإن حنث مسلماً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النفي والإثبات فالأول مثل أن لا يصلي، أو لا يكلم أباه فيجب الحنث بالصلاة وكلام الأب، والثاني نحو ليقتلن فلانا كما في "الهداية" ولا بد أن تكون اليمين موقتة بوقت كاليوم وغدا لأنها لو كانت مطلقة لم يتصور الحنث باختياره لأنه لا يحنث إلا في آخر جزء من أجزاء حياته فيوصي بالكفارة حينئذ إذا هلك الحالف ويكفر عن يمينه إذا هلك المحلوف عليه كذا في "غاية البيان" الثاني أن يكون المحلوف عليه شيئا غيره أولى منه كالحلف على ترك وطء زوجته شهرا، أو نحوه فالحنث أفضل لأن الرفق أيمن ودليله الحديث المتقدم وكذا لو حلف ليضربن عبده، وهو يستأهل ذلك أو ليشكون مديونه إن لم يوافه غدا؛ لأن العفو أفضل وكذا تيسير المطالبة. الثالث أن يحلف على شيء وضده مثله كالحلف لا يأكل هذا الخبز، أو لا يلبس هذا الثوب فالبر في هذا وحفظ اليمين أولى ولو قال قائل إنه واجب لقوله تعالى
{وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89] على ما هو المختار في تأويلها أنه البر فيها أمكن كذا في "فتح القدير" ولم يذكر القسم الرابع وهو أن يكون المحلوف عليه يجب فعله قيل:  اليمين كحلفه ليصلين الظهر اليوم لظهور أن البر فرض ومنه إذا كان المحلوف عليه ترك معصية فإن البر واجب فيثبت وجوبان لأمرين الفعل والبر فحاصله أن المحلوف عليه إما فعل أو ترك وكل منهما على خمسة أوجه؛ لأنه إما أن يكون معصية أو واجبا، أو هو أولى من غيره أو غيره أولى منه، أو مستويان وقد علمت أحكام العشرة.
"قوله:  ولا كفارة على كافر، وإن حنث مسلما" لما قدمنا أن شرط انعقادها الإسلام؛ لأنه ليس بأهل لليمين؛ لأنها تعقد لتعظيم الله تعالى ومع الكفر لا يكون معظما ولا هو للكفارة أهل ودليله قوله تعالى
{إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ} [التوبة: 12]، وأما قوله:  بعده {نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} [التوبة: 13] فيعني صورة الأي مان التي أظهروها.
والحاصل:  أنه لا بد من التأويل أما في
{لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ} كما قال الشافعي:  إن المراد لا إيفاء لهم بها، أو في {نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} على قول أبي حنيفة:  إن المراد ما هو صورة الأيمان دون حقيقتها الشرعية ويرجح الثاني بالفقه وهو أنا نعلم من كان أهلا لليمين يكون أهلا للكفارة وليس الكافر أهلا لها.
أطلقه فشمل المرتد وأشار المصنف إلى أن الكفر يبطل اليمين فلو حلف مسلما، ثم ارتد والعياذ بالله تعالى، ثم أسلم، ثم حنث لا يلزمه شيء بعد الإسلام ولا قبله قالوا:  ولو نذر الكافر بما هو قربة لا يلزمه شيء وأما تحليفه القاضي وقوله:  عليه السلام
"تبرئكم يهود

 

ج / 4 ص -449-       ومن حرم ملكه لم يحرم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بخمسين يمينا"1 فالمراد كما قلنا صورة الأيمان فإن المقصود منها رجاء النكول؛ لأنه يعتقد في نفسه تعظيم اسم الله تعالى، وإن كان لا يقبل منه ولا يثاب عليه وهو المراد بقولهم ومع الكفر لا يكون معظما.
"قوله:  ومن حرم ملكه لم يحرم" أي لا يصير حراما عليه لذاته؛ لأنه قلب المشروع وتغييره ولا قدرة له على ذلك بل الله تعالى هو المتصرف في ذلك بالتبديل وغيره إن استباحه كفر أي عامله معاملة المباح بأن فعل ما حرمه الله فإنه يلزمه كفارة اليمين لقوله تعالى
{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] الآيتين فبين الله تعالى أن نبيه عليه السلام حرم شيئا مما هو حلال وأنه فرض له تحلته فعبر عن ذلك بقوله {تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] فعلم أن تحريم الحلال يمين موجب للكفارة وما في بعض الروايات من أنه يحلف صريحا فليس هو في الآية ولا في الحديث الصحيح إلى آخر ما في "فتح القدير" ولو ذكر المصنف بدل الملك الشيء بأن قال:  ومن حرم شيئا ثم فعله كفر لكان أولى ليشمل الأعيان والأفعال وملكه وملك غيره وما كان حلالا وما كان حراما فيدخل فيه ما إذا قال كلامك علي حرام، أو معي أو الكلام معك حرام كما في المبتغى وكذا إذا قال دخول هذا المنزل علي حرام ونحوه كما في "المجتبى" ولو قال لقوم:  كلامكم علي حرام أيهم كلم حنث.
وفي "مجموع النوازل" وكذا كلام فلان وفلان علي حرام يحنث بكلام أحدهما وكذا كلام أهل بغداد وكذا أكل هذا الرغيف علي حرام يحنث بأكل لقمة بخلاف ما لو قال:  والله لا أكلمهم لا يحنث حتى يكلمهم.
وفي "الخلاصة" لو قال:  هذا الرغيف علي حرام حنث بأكل لقمة، وفي فتاوى قاضي خان قال مشايخنا:  الصحيح أنه لا يكون حانثا لأن قوله هذا الرغيف علي حرام بمنزلة قوله والله لا آكل هذا الرغيف ولو قال هكذا لم يحنث بأكل البعض ا ه. مع أن حرمة العين المراد منها تحريم الفعل فإذا قال هذا الطعام علي حرام فالمراد أكله وكذا إذا قال هذا الثوب علي حرام فالمراد لبسه إلا إذا نوى غيره كما في "الخلاصة" ولو قال لدراهم في يده هذه الدراهم علي حرام إن اشترى بها حنث، وإن تصدق بها أو وهبها لم يحنث بحكم العرف كما في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري، كتاب الجزية، باب الموادعة والمصالحة مع المشركين "3173"، ومسلم، كتاب القسامة، باب في القسامة "1669" والنسائي، كتاب القسامة، باب تبدئة أهل الدم في القسامة "7/7"، وأبو داود، كتاب الديات، باب ترك القود بالقسامة "4523".

 

ج / 4 ص -450-       كل حل عليّ حرام فهو على الطعام، والشراب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"المحيط" وغيره ولا خصوصية للدراهم بل لو وهب ما جعله حراما، أو تصدق به لم يحنث لأن المراد بالتحريم حرمة الاستمتاع.
وفي "المحيط" لو قال مالي علي حرام فأنفق منه شيئا حنث وكذا مال فلان علي حرام فأكل منه، أو أنفق حنث ويدخل فيه ما إذا قال هذا الطعام علي حرام لطعام لا يملكه فيصير به حالفا حتى لو أكله حلالا أو حراما لزمته الكفارة إلا إذا قصد به الإخبار عنها وهو لا يدخل تحت عبارة المصنف أيضا ويدخل فيه أيضا ما إذا قال:  هذه الخمر علي حرام فإذا شربه كفر ففي فتاوى قاضي خان من فصل الأكل:  الصحيح أنه إذا قال:  الخمر علي حرام، أو الخنزير علي حرام كان يمينا حتى إذا فعله كفر وذكر في فصل تحريم الحلال إذا قال:  هذه الخمر علي حرام فيه قولان والفتوى على أنه ينوى في ذلك فإن أراد به الخبر لا تلزمه الكفارة. وإن أراد به اليمين تلزمه الكفارة وعند عدم النية لا تلزمه الكفارة ا ه.
وعبر المصنف بمن المفيدة للعموم ليشمل الذكر والأنثى فلذا قال في "المجتبى" و"الخلاصة" قالت لزوجها:  أنت علي حرام، أو قالت:  حرمتك على نفسي فيمين حتى لو طاوعته في الجماع، أو أكرهها لزمتها الكفارة بخلاف ما إذا حلف لا يدخل هذه الدار فأدخل فإنه لا يحنث ا ه.
وقيد بكونه حرمه على نفسه؛ لأنه لو جعل حرمته معلقة على فعله فإنه لا يلزمه الكفارة لما في "الخلاصة" لو قال:  إن أكلت هذا الطعام فهو علي حرام فأكله لا حنث عليه، وفي "المحيط"، وفي "المنتقى" إذا قال لغيره كل طعام آكله في منزلك فهو علي حرام ففي القياس لا يحنث إذا أكله هكذا روى ابن سماعة عن أبي يوسف، وفي الاستحسان يحنث والناس يريدون بهذا أن أكله حرام، وفي الحيل:  إن أكلت عندك طعاما أبدا فهو حرام فأكله لم يحنث ا ه.
وفي "القنية":  إن دخلت عليك فما أخذت بيميني فحرام فإن دخل عليه صار يمينا فإن ملك شيئا ولو شربة ماء تلزمه كفارة اليمين ا ه.
"قوله:  كل حل علي حرام فهو على الطعام والشراب" والقياس أن يحنث كما فرع؛ لأنه باشر فعلا مباحا وهو التنفس ونحوه وهذا قول زفر وجه الاستحسان أن المقصود وهو البر لا يحصل مع اعتبار العموم وإذا سقط اعتباره ينصرف إلى الطعام والشراب للعرف فإنه يستعمل فيما يتناول عادة فيحنث إذا أكل، أو شرب ولا يتناول المرأة إلا بالنية فلا يحنث بجماع زوجته لإسقاط اعتبار العموم وإذا نواها كان إيلاء ولا تصرف اليمين عن المأكول والمشروب وهذا كله جواب ظاهر الرواية كذا في "الهداية" مع أن عبارة الحاكم في "الكافي" إذا قال الرجل كل حل علي

 

ج / 4 ص -451-       والفتوى على أنه تبين امرأته من غير نية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حرام سئل عن نيته فإن نوى يمينا فهو يمين يكفرها ولا تدخل امرأته في ذلك إلا أن ينوي فإن نواها دخلت فإن أكل أو شرب، أو قرب امرأته حنث وسقط عنه الإيلاء، وإن لم يكن له نية فهو يمين يكفرها لا تدخل امرأته فيها ولو نوى به الطلاق فالقول فيه كالقول في الحرام أي يصح ما نوى، وإن نوى الكذب فهو كذب ا ه. تقتضي أن الأمر موقوف على النية وأنه لو نوى الكذب لا يلزمه شيء وهو غير مستفاد من عبارة "الهداية" كما لا يخفى.
"قوله:  والفتوى على أنه تبين امرأته من غير نية" لغلبة الاستعمال كذا في "الهداية"، وإن لم تكن له امرأة ذكر في "النهاية" معزيا إلى "النوازل" أنه يحنث وعليه الكفارة ا ه. يعني:  إذا أكل، أو شرب لانصرافه عند عدم الزوجة إلى الطعام والشراب لا كما يفهم من ظاهر العبارة.
وقال البزدوي في "مبسوطه" هكذا قال بعض مشايخ سمرقند ولم يتضح لي عرف الناس في هذا؛ لأن من لا امرأة له يحلف به كما يحلف ذو الحليلة ولو كان العرف مستفيضا في ذلك لما استعمله إلا ذو الحليلة فالصحيح أن يقيد الجواب في هذا فنقول إن نوى الطلاق يكون طلاقا فأما من غير دلالة فالاحتياط أن يقف الإنسان فيه ولا يخالف المتقدمين.
واعلم أن مثل هذا اللفظ لم يتعارف في ديارنا بل المتعارف فيه حرام علي كلامك ونحوه كأكل كذا ولبسه دون الصيغة العامة وتعارفوا أيضا الحرام يلزمني ولا شك في أنهم يريدون الطلاق معلقا فإنهم يزيدون بعده لا أفعل كذا ولأفعلن وهو مثل تعارفهم " الطلاق يلزمني لا أفعل كذا " فإنه يراد إن فعلت كذا فهي طالق ويجب إمضاؤه عليهم. والحاصل:  أن المعتبر في انصراف هذه الألفاظ عربية كانت، أو فارسية إلى معنى بلا نية التعارف فيه فإن لم يتعارف سئل عن نيته وفيما ينصرف بلا نية لو قال أردت غيره لا يصدقه القاضي وفيما بينه وبين الله تعالى هو مصدق هكذا قال في "فتح القدير".
والحاصل:  أنه على ظاهر الرواية يحنث بالأكل والشرب فقط ولا يقع عليه طلاق وعلى المفتى به إن لم يكن له امرأة فكذلك، وإن كان له امرأة وقع الطلاق عليها ولا يحنث بالأكل والشرب، وفي "الظهيرية":  رجل قال:  كل حل علي حرام، أو قال:  كل حلال علي حرام، أو قال حلال الله، أو قال حلال المسلمين وله امرأة ولم ينو شيئا قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل والفقيه أبو جعفر وأبو بكر الإسكاف وأبو بكر بن سعيد1 تبين امرأته بتطليقة وإن نوى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره صاحب الجواهر المضية، وذكره له مسألة الحوض الصغير إذا تنجس ماؤه فدخل الماء من جانب وخرج من آخر فقال:  لايطهر حتى يخرج منه ثلاث مرات مثل ما كان في الحوض من الماء النجس، وقال:  مات سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة ا ه. انظر الجواهر المضية "4/19".

 

ج / 4 ص -452-       ونذر نذرا مطلقا، أو معلقاً بشرط، ووجد وفّى به
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثلاثا فثلاث. وإن قال:  لم أنو الطلاق لا يصدق قضاء؛ لأنه صار طلاقا عرفا ولهذا لا يحلف به إلا الرجال فإن كان له امرأة واحدة تبين بتطليقة، وإن كن ثلاثا، أو أربعا يقع على كل واحدة واحدة بائنة، وإن حلف بهذا اللفظ إن كان فعل كذا وقد كان فعل وله امرأة واحدة أو أكثر بن جميعا، وإن لم يكن له امرأة لا يلزمه شيء؛ لأنه جعل يمينا بالطلاق ولو جعلناه يمينا بالله فهو غموس وإن حلف بهذا على أمر في المستقبل ففعل ذلك ليس له امرأة كان عليه الكفارة لأن تحريم الحلال يمين، وإن كان له امرأة وقت اليمين فماتت قبل الشرط، أو بانت لا إلى عدة ثم باشر الشرط لا تلزمه الكفارة؛ لأن يمينه انصرف إلى الطلاق وقت وجودها وإن لم تكن له امرأة وقت اليمين، ثم تزوج امرأة ثم باشر الشرط اختلفوا فيه قال الفقيه أبو جعفر:  تبين المتزوجة وقال غيره:  لا تبين وبه أخذ الفقيه أبو الليث وعليه الفتوى لأن يمينه جعل يمينا بالله تعالى وقت وجودها فلا يكون طلاقا بعد ذلك ا ه.
وقيد بصيغة العموم لأنه لو قال لزوجته أنت علي حرام فقد قدم في باب الإيلاء أنه ينصرف للزوجة فتطلق من غير نية.
"قوله:  ومن نذر نذرا مطلقا، أو معلقا بشرط ووجد وفى به" أي وفى بالمنذور لقوله عليه السلام
"من نذر وسمى فعليه الوفاء بما سمى"1، وهو بإطلاقه يشمل المنجز والمعلق ولأن المعلق بالشرط كالمنجز عنده أطلقه فشمل ما إذا علقه بشرط يريد كونه أو لا وعن أبي حنيفة أنه رجع عنه فقال إن فعلت كذا فعلي حجة، أو صوم سنة أو صدقة ما أملكه أجزأه عن ذلك كفارة يمين وهو قول محمد ويخرج عن العهدة بالوفاء بما سمى أيضا إذا كان شرطا لا يريد كونه؛ لأن فيه معنى اليمين وهو المنع وهو بظاهره نذر فيتخير ويميل إلى أي الجهتين شاء بخلاف ما إذا كان شرطا يريد كونه كقوله إن شفى الله مريضي لانعدام معنى اليمين فيه قال في "الهداية" وهذا التفصيل هو الصحيح وبه كان يفتي إسماعيل الزاهد كما في "الظهيرية" وقال الولوالجي:  مشايخ بلخ وبخارى يفتون بهذا وهو اختيار شمس الأئمة - ولكثرة البلوى في هذا الزمان - وظاهر الرواية كما في "المختصر" للحديث المتقدم، ووجه الصحيح حديث مسلم "كفارة النذر كفارة اليمين"2 وهو يقتضي السقوط بالكفارة مطلقا فتعارضا فيحمل مقتضى الإيفاء بعينه على المنجز، أو المعلق بشرط يريد كونه وحديث مسلم على المعلق بشرط لا يريد كونه لأنه إذا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في نصب الراية "3/300" وقال:  غريب.
2 أخرجه النسائي، كتاب الأيمان، باب كفارة النذر "7/26"، ومسلم، كتاب النذر "1645" وأبو داود، كتاب الأيمان والنذور، باب من نذر نذرا لم يسمه "3323".

 

ج / 4 ص -453-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
علقه بشرط لا يريده يعلم منه أنه لم يرد كونه المنذور حيث جعله مانعا من فعل ذلك الشرط، مثل دخول الدار وكلام زيد؛ لأن تعليقه حينئذ لمنع نفسه عنه بخلاف الشرط الذي يريد كونه إذا وجد الشرط فإنه في معنى المنجز ابتداء فيندرج في حكمه وهو وجوب الإيفاء، ثم اعلم أن هذا التفصيل، وإن كان قول المحقق فليس له أصل في الرواية؛ لأن المذكور في ظاهر الرواية لزوم الوفاء بالمنذور عينا منجزا كان أو معلقا، وفي رواية النوادر هو مخير فيهما بين الوفاء وبين كفارة اليمين قال في "الخلاصة" وبه يفتى فتحصل أن الفتوى على التخيير مطلقا ولذا اعترض في العناية على تصحيح "الهداية" ا ه.
وأراد بقوله وفى أنه يلزمه الوفاء بأصل القربة التي التزمها لا بكل وصف التزمه لما قدمناه أنه لو عين درهما، أو فقيرا أو مكانا للتصديق، أو للصلاة فإن التعيين ليس بلازم وقدمنا تفاريع النذر في الصلاة، وفي آخر الصوم.
وأن شرائطه أربعة:  أن لا يكون معصية لذاته فخرج النذر بصوم يوم النحر لصحة النذر به لأنه لغيره، وأن يكون من جنسه واجب، وأن يكون ذلك الواجب عبادة مقصودة، وأن لا يكون واجبا عليه قبل النذر فلو نذر حجة الإسلام لم يلزمه شيء غيرها وبه عرف أن إطلاق المصنف في محل التقييد في "الخلاصة" لو التزم بالنذر أكثر مما يملكه لزمه ما يملكه هو المختار كما إذا قال:  إن فعلت كذا فألف درهم من مالي صدقة ففعل وهو لا يملك إلا مائة لا يلزمه إلا المائة؛ لأنه فيما لم يملك لم يوجد في الملك ولا مضافا إلى سببه فلم يصح كقوله مالي في المساكين صدقة ولا مال له لا يصح فكذا هذا كذا في "الولوالجية".
وفي "الخلاصة" أيضا لو قال:  لله علي أن أهدي هذه الشاة وهي ملك الغير لا يصح النذر بخلاف قوله لأهدين ولو نوى اليمين كان يمينا ا ه. فعلى هذا لا بد أن يزاد شرط خامس:  وهو أن لا يكون ما التزمه ملكا للغير إلا أن يقال إن النذر به معصية لكن ليس معصية لذاته، وإنما هو لحق الغير، وفي "الخلاصة" لو قال:  لله علي إطعام المساكين فهو على عشرة عند أبي حنيفة، لله علي إطعام مسكين يلزمه نصف صاع من حنطة استحسانا ولو قال:  إن فعلت كذا فألف درهم من مالي صدقة لكل مسكين درهم واحد فحنث وتصدق بالكل على مسكين واحد جاز ولو قال:  لله علي أن أعتق هذه الرقبة وهو يملكها فعليه أن يفي بذلك ولو لم يف يأثم ولكن لا يجبره القاضي.
وفي "مجموع النوازل":  لو قال:  وهو مريض إن برئت من مرضي هذا ذبحت شاة، أو علي شاة أذبحها فبرئ لا يلزمه شيء ولو قال:  علي شاة أذبحها وأتصدق بلحمها لزمه ولو قال:  لله

 

ج / 4 ص -454-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
علي أن أذبح. جزورا وأتصدق بلحمه فذبح مكانه سبع شياه جاز ا ه. وهو يدل على أن مرادهم بالواجب الفرض من قولهم وأن يكون من جنسه واجب؛ لأن الأضحية واجبة وهو الذبح لا التصدق مع أنه صريح بأنه لا يصح النذر بالذبح من غير تصريح بالتصدق بلحمه وقدمنا في باب الاعتكاف ما يجب فيه التتابع من المنذور وكذا في أول كتاب الصوم.
وفي "الولوالجية" لو قال:  لله علي أن أتصدق بمائة درهم فأخذ إنسان فمه فلم يتم الكلام وهو يريد أن يقول:  إن فعلت كذا فالاحتياط أن يتصدق فرق بين هذا وبين اليمين بالطلاق فإن ثمة إذا وصل الشرط بعدما رفع يده عن فمه لا يقع الطلاق، والفرق أن الطلاق محظور فيكلف لعدمه ما أمكن وقد أمكن بجعل هذا الانقطاع غير فاصل كما لو حصل الانقطاع بالعطاس.
أما الصدقة عبادة فلا يكلف لعدمها ولو قال:  إن دخلت الدار فلله علي أن أتصدق مثلا فدخل لا يلزمه شيء؛ لأن المثل بمنزلة التشبيه وليس في التشبيه إيجاب فلا يجب إلا أن يريد به الإيجاب ولو قال:  إن فعلت كذا فلله علي أن أكفن الميت، أو أن أضحي لا يكون يمينا؛ لأن تكفين الميت ليس بقربة مقصودة، وأما التضحية فلأن التضحية واجبة عليه ولو قال:  لله علي ثلاثون حجة كان عليه بقدر عمره ا ه.
وأشار بقوله وفى به إلى أنه معين مسمى فلو لم يكن مسمى كقوله إن فعلت كذا فعلي نذر فإن نوى قربة من القرب التي يصح النذر بها نحو الحج والعمرة فعليه ما نوى؛ لأنه يحتمله لفظه فجعل ما نوى كالمنطوق به، وإن لم يكن له نية فعليه كفارة اليمين وكذا إن قال:  إن كلمت أبي فعلي نذر أو إن صليت الظهر فإن نوى معينا لزمه، وإلا كفر.
وفي "الولوالجية":  وإذا حلف بالنذر وهو ينوي صياما ولم ينو عددا معلوما فعليه صيام ثلاثة أيام إذا حنث؛ لأن إيجاب العبد معتبر بإيجاب الله تعالى من الصيام، وأدنى ذلك ثلاثة أيام، وفي كفارة اليمين وإن نوى صدقة ولم ينو عددا فعليه إطعام عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع لما ذكرنا ا ه.
وفي "القنية":  نذر أن يتصدق بدينار على الأغنياء ينبغي أن لا يصح قلت:  وينبغي أن يصح إذا نوى أبناء السبيل؛ لأنهم محل الزكاة ولو قال:  إن قدم غائبي فلله علي أن أضيف هؤلاء الأقوام وهم أغنياء لا يصح ولو نذر أن يقول دعاء كذا في دبر كل صلاة عشر مرات لم يصح ولو قال:  لله علي أن أصلي على النبي عليه الصلاة والسلام في كل يوم كذا يلزمه وقيل:  لا يلزمه،

 

ج / 4 ص -455-       ولو قال:  إن ذهبت هذه العلة عني فلله علي كذا فذهبت، ثم عادت إلى ذلك الموضع لا يلزمه شيء ا ه.
"قوله:  ولو وصل بحلفه إن شاء الله تعالى بر" لقوله عليه الصلاة والسلام
"من حلف على يمين وقال:  إن شاء الله تعالى فقد بر في يمينه"1 إلا أنه لا بد من الاتصال؛ لأنه بعد الفراغ رجوع، ولا رجوع في اليمين إلا إذا كان انقطاعه لتنفس، أو سعال ونحوه فإنه لا يضر وظاهر كلام المصنف رحمه الله تعالى أن اليمين منعقدة إلا أنه لا حنث عليه أصلا لعدم الاطلاع على مشيئة الله تعالى وهذا قول أبي يوسف رحمه الله تعالى وعند أبي حنيفة ومحمد - رحمة الله تعالى عليهما - أن التعليق بالمشيئة إبطال.
ولذا قال في "التبيين" وأراد بقوله بر عدم الانعقاد لأن فيه عدم الحنث كالبر فأطلق عليه ا ه. وقد قدمنا فائدة الاختلاف في آخر باب التعليق من كتاب الطلاق وأشار المصنف رحمة الله تعالى عليه إلى أن النذر كذلك أيضا إذا وصله بالمشيئة لم يلزمه شيء وظاهر كلامهم أن كل شيء تعلق بالقول فالمشيئة المتصلة به مبطلة له عبادة، أو معاملة بخلاف المتعلق بالقلب كالنية كما قدمناه في الصوم، والله تعالى أعلم.

1- باب اليمين في الدخول والخروج والسكنى والإتيان وغير ذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- باب اليمين في الدخول والخروج والسكنى والإتيان وغير ذلك
شروع في بيان الأفعال التي يحلف عليها، ولا سبيل إلى حصرها لكثرتها لتعلقها باختيار الفاعل فنذكر القدر الذي ذكره أصحابنا في كتبهم والمذكور نوعان أفعال حسية وأمور شرعية وبدأ بالأهم، وهو الدخول ونحوه؛ لأن حالة الحلول في مكان ألزم للجسم من أكله وشربه، وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى في هذا الباب من الأفعال خمسة:  الدخول والخروج والسكنى والإتيان والركوب، والأصل أن الأيمان مبنية على العرف عندنا لا على الحقيقة اللغوية كما نقل عن الشافعي، ولا على الاستعمال القرآني كما عن مالك، ولا على النية مطلقا كما عن أحمد؛ لأن المتكلم إنما يتكلم بالكلام العرفي أعني الألفاظ التي يراد بها معانيها التي وضعت في العرف كما أن العربي حال كونه من أهل اللغة إنما يتكلم بالحقائق اللغوية فوجب صرف ألفاظ المتكلم إلى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في نصب الراية "3/301" وقال:  غريب بهذا اللفظ.

 

ج / 4 ص -456-       .................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما عهد أنه المراد بها ثم من المشايخ من جرى على هذا الإطلاق فحكم بالفرع الذي ذكره صاحب "الذخيرة" والمرغيناني، وهو ما إذا حلف لا يهدم بيتا فهدم بيت العنكبوت أنه يحنث بأنه خطأ.
ومنهم من قيد حمل الكلام على العرف بما إذا لم يمكن العمل بحقيقته، ولا يخفى أن هذا يصير المعتبر الحقيقة اللغوية إلا ما كان من الألفاظ ليس له وضع لغوي بل أحدثه أهل العرف، وأن ما له وضع لغوي ووضع عرفي يعتبر معناه اللغوي، وإن تكلم به متكلم من أهل العرف، وهذا يهدم قاعدة حمل الأيمان على العرف فإنه لم يصير المعتبر إلا اللغة إلا ما تعذر، وهذا بعيد إذ لا شك أن المتكلم لا يتكلم إلا بالعرف الذي به التخاطب سواء كان عرف اللغة إن كان من أهل اللغة أو غيرها إن كان من غيرها. يعم ما وقع استعماله مشتركا بين أهل اللغة، وأهل العرف تعتبر اللغة على أنها العرف.
وأما الفرع المذكور فالوجه فيه أنه إن كان نواه في عموم بيتا حنث، وإن لم يخطر له وجب أن لا يحنث لانصراف الكلام إلى المتعارف عند إطلاق لفظ بيت وظهر أن مرادنا بانصراف الكلام إلى العرف أنه إذا لم يكن له نية كان موجب الكلام ما هو معنى عرفيا له، وإن كان له نية شيء واللفظ يحتمله انعقد اليمين باعتباره كذا في "فتح القدير".
وفي "الحاوي الحصيري" والمعتبر في الأيمان الألفاظ دون الأغراض، وفي "الظهيرية" من الفصل الثالث من الهبة رجل اغتاظ على غيره فقال إن اشتريت لك بفلس شيئا فامرأته طالق فاشترى له بدرهم شيئا لم يحنث في يمينه فدل على أن العبرة بعموم اللفظ. ا ه.
وذكر الإمام الخلاطي في "مختصر الجامع" فروعا مبنية على ذلك فقال باب اليمين في المساومة حلف لا يشتريه بعشرة حنث بإحدى عشرة، ولو حلف البائع لم يحنث به؛ لأن مراد المشتري المطلقة، ومراد البائع المفردة، وهو العرف، ولو اشترى أو باع بتسعة لم يحنث؛ لأن المشتري مستنقص، والبائع وإن كان مستزيدا لكن لا يحنث بلا مسمى كمن حلف لا يخرج من الباب أو لا يضربه سوطا أو لا يشتري بفلس أو ليغدينه اليوم بألف فخرج من السطح وضرب بعصا واشترى بدينار وغدى برغيف لم يحنث. اه.
وفي "التنوير" للإمام المسعودي شارحه، والحاصل:  أنه إذا كان في اليمين ملفوظ به يجوز تعيين أحد محتمليه بالغرض، وأما الزيادة على الملفوظ فلا يجوز بالغرض ففي مسألة لا أبيعه بعشرة فباعه بتسعة إنما لا يحنث البائع، وإن كان غرضه المنع عن النقصان؛ لأن الناقص عن العشرة ليس في لفظه، ولا يحتمله لفظه فلا يتقيد به. ا ه.

 

ج / 4 ص -457-       حلف لا يدخل بيتاً لا يحنث بدخول البيت والمسجد، والبيعة، والكنيسة، والدهليز والظلة، والصفة، وفي دار بدخولها خربة، وفي هذه الدار يحنث، وإن بنيت داراً أخرى بعد الانهدام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي "الخلاصة" من الجنس الخامس من اليمين في الشراء، ولو أن البائع هو الذي حلف فقال عبده حر إن بعت هذا منك بعشرة فباعه بعشرة دراهم ودينار أو بأحد عشر درهما لم يحنث، ولو باعه بتسعة لا يحنث أيضا هذا جواب القياس، وفي الاستحسان على عكس هذا فإن العرف بين الناس أن من حلف لا يبيع بعشرة أن لا يبيعه إلا بأكثر من عشرة فإذا باعه بتسعة يحنث استحسانا. ا ه.
فالحاصل:  أن بناء الحكم على الألفاظ هو القياس والاستحسان بناؤه على الأغراض وسيأتي أنه هل يعتبر في العرف عند التخاطب أو العمل.
"قوله:  حلف لا يدخل بيتا لا يحنث بدخول البيت والمسجد والبيعة والكنيسة والدهليز والظلة والصفة" لما قدمنا أن الأيمان مبنية على العرف والبيت في العرف ما أعد للبيتوتة، وهذه البقاع ما بنيت لها، وأراد بالبيت الكعبة، ولو عبر بها لكان أظهر والبيعة بكسر الباء معبد النصارى والكنيسة معبد اليهود والدهليز بكسر الدال ما بين الباب.
والدار فارسي معرب كما في الصحاح والظلة الساباط الذي يكون على باب الدار من سقف له جذوع أطرافها على جدار الباب، وأطرافها الأخرى على جدار الجار المقابل له، وإنما قيدنا به؛ لأن الظلة إذا كان معناها ما هو داخل البيت مسقفا فإنه يحنث بدخوله؛ لأنه يبات فيه.
وأطلق المصنف في الدهليز والصفة، وهو مقيد بما إذا لم يصلحا للبيتوتة أما إذا كان الدهليز كبيرا بحيث يبات فيه فإنه يحنث بدخوله؛ لأن مثله يعتاد بيتوتته للضيوف في بعض القرى، وفي المدن يبيت فيه بعض الأتباع في بعض الأوقات فيحنث.
والحاصل:  أن كل موضع إذا أغلق الباب صار داخلا لا يمكنه الخروج من الدار، وله سعة تصلح للمبيت من سقف يحنث بدخوله، وعلى هذا يحنث بالصفة سواء كان لها أربع حوائط كما هي صفاف الكوفة أو ثلاثة على ما صححه في "الهداية" بعد أن يكون مسقفا كما هي صفاف ديارنا؛ لأنه يبات فيه غاية الأمر أن مفتحه واسع وسيأتي1 أن السقف ليس شرطا في مسمى البيت فيحنث، وإن لم يكن الدهليز مسقفا كذا في "فتح القدير".
"قوله:  وفي دار بدخولها خربة، وفي هذه الدار يحنث، وإن بنيت دارا أخرى بعد الانهدام"

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الصفحة:  "460".

 

ج / 4 ص -458-       وإن جعلت بستاناً، أو مسجدا، أو حماما أو بيتا لا، كهذا البيت فهدم، أو بنى آخر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أي في حلفه لا يدخل دارا لا يحنث بدخولها خربة، وفيما إذا حلف لا يدخل هذه الدار فإنه يحنث بدخولها خربة، وإن بنيت دارا أخرى بعد الانهدام؛ لأن الدار اسم للعرصة عند العرب والعجم يقال دار عامرة ودار غامرة أي خراب، وقد شهدت أشعار العرب بذلك والبناء وصف فيها غير أن الوصف في الحاضر لغو والاسم باق بعد الانهدام، وفي الغائب تعتبر، وأراد بالخربة الدار التي لم يبق فيها بناء أصلا فأما إذا زال بعض حيطانها وبقي البعض فهذه دار خربة فينبغي أن يحنث في المنكر إلا أن يكون له نية، كذا في "فتح القدير" والأصل أن الوصف في المعين لغو إن لم يكن داعيا إلى اليمين وحاملا عليها، وإن كان حاملا عليها تقيدت به كمن حلف أن لا يأكل هذا البسر فأكله رطبا لم يحنث إلا إذا كانت الصفة مهجورة شرعا فحينئذ لا يتقيد بها، وإن كانت حاملة كمن حلف لا يكلم هذا الصبي لا يتقيد بصباه كما سيأتي.
قيد باليمين؛ لأنه لو وكله بشراء دار منكرة فاشترى دارا خربة نفذ على الموكل لتعرفها من وجه باعتبار بيان الثمن والمحلة، وإلا لم تصح الوكالة للجهالة المتفاحشة، وهي في اليمين منكرة من كل وجه فافترقا.
وأشار المصنف إلى أنه لو حلف لا يدخل هذا المسجد فهدم فصار صحراء ثم دخله فإنه يحنث، وهو مروي عن أبي يوسف قال هو مسجد، وإن لم يكن مبنيا، وهذا؛ لأن المسجد عبارة عن موضع السجود وذلك موجود في الخرب، ولهذا قال أبو يوسف إن المسجد إذا خرب واستغنى الناس عنه أنه يبقى مسجدا إلى يوم القيامة كذا في "البدائع"، وقول أبي يوسف يبقى المسجد بعد خرابه هو المفتى به كما صرح به في "الحاوي القدسي" من كتاب الوقف.
"قوله:  وإن جعلت بستانا أو مسجدا أو حماما أو بيتا لا كهذا البيت فهدم أو بني آخر" بيان لثلاث مسائل:  الأولى لو حلف لا يدخل هذه الدار فخربت فجعلت بستانا أو مسجدا أو حماما أو بيتا لا يحنث بدخوله فيه؛ لأنها لم تبق دارا لاعتراض اسم آخر عليه، وكذا إذا غلب عليها الماء أو جعلت نهرا فدخله.
قيد بالإشارة مع التسمية؛ لأنه لو أشار، ولم يسم كما إذا حلف لا يدخل هذه، فإنه يحنث بدخولها على أي صفة كانت دارا أو مسجدا أو حماما أو بستانا؛ لأن اليمين عقدت على العين دون الاسم باقية كذا في "الذخيرة".
وأشار إلى أنه لو دخله بعدما انهدم المبنى ثانيا من الحمام، وما معه فإنه لا يحنث أيضا؛ لأنه لا يعود إلى اسم الدارية بالتشديد، وإلى أنه لو بني دارا بعدما انهدم ما بني ثانيا من الحمام وغيره فإنه لا يحنث أيضا؛ لأنه غير تلك الدار التي منع نفسه من الدخول فيها.

 

ج / 4 ص -459-       .................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الثانية:  لو حلف لا يدخل هذا البيت فدخله بعد ما انهدم فإنه لا يحنث لزوال اسم البيت فإنه لا يبات فيه حتى لو بقيت الحيطان وسقط السقف يحنث؛ لأنه يبات فيه والسقف وصف فيه كما في "الهداية"؛ لأن البيت الصيفي ليس له سقف.
وأشار المصنف إلى أنه لو كان البيت منكرا فإنه لا يحنث بالأولى.
والحاصل:  أن البيت لا فرق فيه بين أن يكون منكرا أو معرفا فإذا دخله، وهو صحراء لا يحنث لزوال الاسم بزوال البناء، وأما الدار ففرق فيه بين المنكرة والمعينة كما قدمناه.
وفي "البدائع" لو انهدم السقف وحيطانه قائمة فدخله يحنث في المعين، ولا يحنث في المنكر؛ لأن السقف بمنزلة الصفة فيه، وهي في الحاضر لغو، وفي الغائب معتبرة. ا ه.
الثالثة:  لو حلف لا يدخل هذا البيت فهدم وبني آخر فدخله لا يحنث؛ لأن الاسم لم يبق بعد الانهدام، وهذا المبنى غير البيت الذي منع نفسه من دخوله.
وأشار المصنف إلى جنس هذه المسألة من حيث المعنى، وهو ما إذا حلف لا يجلس إلى هذه الأسطوانة أو إلى هذا الحائط فهدما ثم بنيا بنقضهما لم يحنث؛ لأن الحائط إذا هدم زال الاسم عنه، وكذا الأسطوانة فبطلت اليمين، وكذلك لو حلف لا يكتب بهذا القلم فكسره ثم براه فكتب به لا يحنث؛ لأن غير المبري لا يسمى قلما، وإنما يسمى أنبوبا فإذا كسره فقد زال الاسم عنه فبطلت اليمين، وكذلك إذا حلف على مقص فكسره ثم جعله مقصا آخر غير ذلك؛ لأن الاسم قد زال بالكسر، وكذلك كل سكين وسيف، وقدر كسر ثم صنع مثله، ولو نزع مسمار لنقص، ولم يكسره ثم أعاد فيه مسمارا آخر حنث؛ لأن الاسم لم يزل بزوال المسمار، وكذلك إن نزع نصاب السكين وجعل عليه نصابا آخر؛ لأن السكين اسم للحديد. ولو حلف على قميص لا يلبسه أو قباء محشوا أو مبطنا أو جبة مبطنة أو محشوة أو قلنسوة أو خفين فنقض ذلك كله ثم أعاد يحنث؛ لأن الاسم بقي بعد النقض يقال قميص مفتوق وجبة مفتوقة واليمين المنعقدة على العين لا تبطل بتغير الصفة مع بقاء اسم العين، وكذلك لو حلف لا يركب بهذا السرج فنقضه ثم أعاده، ولو حلف لا يركب هذه السفينة فنقضها ثم استأنفها بذلك الخشب فركبها لا يحنث؛ لأنها لا تسمى سفينة بعد النقض وزوال الاسم يبطل اليمين، ولو حلف لا ينام على هذا الفراش ففتقه وغسله ثم حشاه بحشو وخلطه ونام عليه حنث؛ لأن فتق الفراش لا يزيل الاسم عنه، ولو حلف لا يلبس شقة غزل بعينها فنقضها وغزلت وجعلت شقة أخرى لا يحنث؛ لأنها إذا نقضت صارت خيوطا وزال الاسم المحلوف عليه، ولو حلف على قميص لا يلبسه فقطعه جبة محشوة

 

ج / 4 ص -460-       والواقف على السطح داخل، وفي طاق الباب لا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فلبسه لا يحنث؛ لأن الاسم قد زال فزالت اليمين، ولو حلف لا يقرأ في هذا المصحف فخلعه ثم ألف ورقه وخرز دفتيه ثم قرأ فيه حنث؛ لأن اسم المصحف باق، وإن فرقه، ولو حلف على نعل لا يلبسها فقطع شراكها وشركها بغيره ثم لبسها حنث؛ لأن اسم النعل يتناولها بعد قطع الشراك.، ولو حلفت امرأة لا تلبس هذه الملحفة فخيط جانبها فجعلت درعا وجعلت لها جيبا ثم لبستها لم تحنث؛ لأنها درع، وليست بملحفة فإن أعيدت ملحفة فلبستها حنثت؛ لأنها عادت ملحفة بغير تأليف، ولا زيادة، ولا نقصان فهي على ما كانت عليه.
وقال:  ابن سماعة عن محمد في رجل حلف لا يدخل هذا المسجد فزيد فيه طائفة فدخلها لا يحنث؛ لأن اليمين، وقعت على بقعة معينة فلا يحنث بغيرها، ولو قال مسجد بني فلان ثم زيد فيه فدخل ذلك الموضع الذي زيد فيه حنث، وكذلك الدار؛ لأنه علق يمينه على الإضافة وذلك موجود في الزيادة، ولو حلف لا يدخل في هذا الفسطاط، وهو مضروب في موضع فقلع وضرب في موضع آخر فدخل فيه حنث، وكذلك القبة من العيدان، وكذلك درج من عيدان أو منبر؛ لأن الاسم في هذه الأشياء لا يزول بنقلها من مكان إلى مكان كذا في "البدائع". الله وعلم.
"قوله:  والواقف على السطح داخل، وفي طاق الباب لا" أي ليس بداخل؛ لأن السطح من الدار ألا ترى أن المعتكف لا يفسد اعتكافه بالخروج إلى سطح المسجد، وإذا حلف لا يدخل هذه الدار فوقف على سطحها من غير دخول من الباب بأن توصل إليه من سطح آخر فإنه يحنث، وقيل في عرفنا لا يحنث، وما في "المختصر" قول المتقدمين، ومقابله قول المتأخرين ووفق بينهما في "فتح القدير" بحمل ما في "المختصر" على ما إذا كان للسطح حضير وحمل مقابله على ما إذا لم يكن له حضير أي ساتر. وأشار المصنف إلى أنه لو صعد على شجرة داخلها أو قام على حائط فيها فإنه داخل فيحنث، ولو كان الحائط مشتركا بينه وبين جاره لم يحنث كما في "الظهيرية"، وعلى قول المتأخرين لا والظاهر قول المتأخرين في الكل؛ لأنه لا يسمى داخل الدار عرفا ما لم يدخل جوفها حتى صح أن يقال لم يدخل الدار، ولكن صعد سطحها ونحوه، وفي "التبيين" والمختار أنه لا يحنث في العجم؛ لأن الواقف على السطح لا يسمى داخلا عندهم.
وأشار المصنف إلى أنه لو نوى في حلفه لا يدخل دار فلان فدخل صحنها فإنه لا يصدق قضاء لكن يصدق فيما بينه وبين الله تعالى؛ لأنهم قد يذكرون الدار ويريدون صحنها فقد نوى ما يحتمله كلامه كما في "البدائع".
وأفاد بإطلاقه أنه لا فرق في المحلوف عليه بين أن يكون دارا أو بيتا أو مسجدا فإن كان فوق المسجد مسكن فدخله لا يحنث؛ لأنه ليس بمسجد كما في "البدائع" أيضا.

 

ج / 4 ص -461-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأشار بقوله:  داخل إلى أن المحلوف عليه دخول الدار فقط للاحتراز عما إذا حلف لا يدخل من باب هذه الدار فإنه إذا دخلها من غير الباب لم يحنث لعدم الشرط، وهو الدخول من الباب فإن نقب للدار بابا آخر فدخل يحنث؛ لأنه عقد يمينه على الدخول من باب منسوبة إلى الدار، وقد وجد والباب الحادث كذلك فيحنث، وإن عنى به الباب الأول يدين فيما بينه وبين الله تعالى؛ لأن لفظه يحتمله، ولا يدين في القضاء؛ لأنه خلاف الظاهر حيث أراد بالمطلق المقيد، وإن عين الباب فقال لا أدخل من هذا الباب فدخل من باب آخر لا يحنث، وهذا مما لا شك فيه؛ لأنه لم يوجد الشرط كذا في "البدائع".
وقيد بالسطح؛ لأنه لو حلف لا يدخل دار فلان فحفر سردابا تحت دار فلان أو قناة فدخل ذلك السرداب أو القناة لم يحنث؛ لأنه لم يدخل، ولو كان للقناة موضع مكشوف في الدار فإن كان كبيرا يستقي منه أهل الدار فإذا بلغ ذلك الموضع حنث؛ لأنه من الدار فإن أهل الدار ينتفعون به انتفاع الدار فيكون من مرافق الدار بمنزلة بئر الماء، وإن كان بئرا لا ينتفع به أهل الدار، وإنما هو للضوء لم يحنث؛ لأنه ليس من مرافق الدار، ولا يعد داخله داخل الدار، ولو اتخذ فلان سردابا تحت داره وجعل بيوتا وجعل لها أبوابا إلى الطريق فدخلها الحالف حنث؛ لأن السرداب تحت الدار من بيوتها كذا في "المحيط".
وأشار المصنف إلى أنه لو حلف لا يخرج من هذه الدار فصعد سطحها فإنه لا يحنث؛ لأنه داخل، وليس بخارج كذا في "غاية البيان"، وفي "المحيط" لو حلف لا يخرج من هذه الدار، وفي الدار شجرة أغصانها خارج الدار فارتقى تلك الشجرة حتى صار بحال لو سقط سقط في الطريق لا يحنث؛ لأن الشجرة بمنزلة بناء الدار. ا ه. وإنما لا يكون داخلا إذا وقف في طاق الباب؛ لأن الباب لإحراز الدار، وما فيها فلم يكن الخارج من الدار.
والمراد بطاق الباب عتبته التي إذا أغلق الباب كانت خارجة عنه، وهي المسماة بأسكفة الباب.
وأما العتبة التي لو أغلق الباب تكون داخلة فهي من الدار فيحنث بالدخول فيها، ولو كان المحلوف عليه الخروج انعكس الحكم كما نص عليه الحاكم.
وقيد بكونه واقفا في طاق الباب أي بقدميه؛ لأنه لو وقف بإحدى رجليه على العتبة، وأدخل الأخرى فإن استوى الجانبان أو كان الجانب الخارج أسفل لم يحنث، وإن كان الجانب الداخل أسفل حنث؛ لأن اعتماد جميع بدنه على رجله التي هي في الجانب الأسفل كذا في كثير من

 

ج / 4 ص -462-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكتب، وفي "الظهيرية" معزيا إلى السرخسي الصحيح أنه لا يحنث مطلقا. ا ه. وهو ظاهر؛ لأن الانفصال التام لا يكون إلا بالقدمين، وفي "الظهيرية" بعده، ولو أدخل رأسه، وإحدى قدميه حنث.
وأفاد المصنف رحمه الله دلالة أن حقيقة الدخول الانفصال من الخارج إلى الداخل فلهذا لو أدخل رأسه، ولم يدخل قدميه أو تناول منها لم يحنث ألا ترى أن السارق لو فعل ذلك لم يقطع كما في "البدائع"، ولو دخل الدهليز فإنه يحنث ففرق بينهما إذا كان المحلوف على دخوله الدار أو البيت ففي الأول يحنث بدخول دهليزه، وفي الثاني لا، وأما صحن الدار أو البيت ففي "الكافي" لو حلف لا يدخل بيت فلان، ولا نية له فدخل في صحن داره لم يحنث حتى يدخل البيت؛ لأن شرط حنثه الدخول في البيت، ولم يوجد ثم قال:  وهذا في عرفهم، وأما في عرفنا فالدار والبيت واحد فيحنث إن دخل صحن الدار، وعليه الفتوى. ا ه.
وفي "الظهيرية"، ولو قام على كنيف شارع أو ظلة شارعة إن كان مفتح الكنيف والظلة في الدار كان حانثا. وفي "المحيط" لو دخل حانوتا مشرعا من هذه الدار إلى الطريق، وليس له باب في الدار فإنه يحنث؛ لأن من جملة الدار ما أحاطت به الدور، وإن دخل بستانا في تلك الدار فإن كان متصلا بها لم يحنث، وإن كان في وسطها حنث. ا ه.
وفي "القنية" حلف لا يدخل داره فدخل إصطبله لا يحنث، وفي "الخلاصة" معزيا إلى فتاوى النسفي لو حلف لا يدخل بيت فلان فجلس على دكان على بابه إن كان ينتفع به المحلوف عليه، وهو تبع لبيته يحنث قال رحمه الله، وفيه نظر. ا ه. وعلى هذا لو دخل حوشا بجنب البيت يحنث.
والحاصل:  أنه إذا حلف لا يدخل هذه الدار أو دار فلان فإنه يحنث بالوقوف على سطحها أو حائطها أو شجرة فيها أو عتبة داخل الباب ودهليزها أو صحنها أو كنيفها أو ظلتها بالشرط المذكور أو بستانها الذي في وسطها ويحنث بدخولها على أي صفة كان الحالف راكبا كان أو ماشيا أو محمولا بأمره حافيا أو منتعلا بشرط أن يكون مختارا لما في "الظهيرية"، ولو جاء إلى بابها، وهو يشتد في المشي أي يعدو فانعثر أو انزلق فوقع في الدار اختلفوا فيه والصحيح أنه لا يحنث، وإن دفعته الريح، وأوقعته في الدار اختلفوا فيه والصحيح أنه لا يحنث إن كان لا يستطيع الامتناع، وإن كان على دابة فجمحت وانفلتت، وأدخلته في الدار، وهو لا يستطيع إمساكها لا يحنث، وإن أدخله إنسان مكرها فخرج منها ثم دخل بعد ذلك مختارا اختلفوا فيه والفتوى على أنه يحنث. ا ه.
ووجهه أن الشرط لم يوجد بالدخول مكرها بدليل عدم الحنث، وقد وجد بالدخول ثانيا

 

ج / 4 ص -463-       ودوام الركوب، واللبس والسكنى كاالإنشاء لا دوام الدخول.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مختارا فحنث وسيأتي بعد ذلك إيضاحه ووضع القدم كالدخول فيما ذكرنا؛ لأنه صار مجازا عن الدخول، وهي مسألة الحقيقة والمجاز في الأصول، وهذا كله باعتبار الدار، وأما باعتبار صفتها بالإضافة إلى فلان فإنه يحنث إذا دخل دارا مضافة إلى فلان سواء كان يسكنها بالملك أو بالإجارة أو بالعارية، وفي "المجتبى" لو قال إن دخلت دار زيد فعبدي حر، وإن دخلت دار عمرو فامرأتي طالق فدخل دار زيد، وهي في يد عمرو بإجارة يعتق وتطلق إذا لم ينو فإن نوى شيئا صدق. ا ه.
وفي "المحيط" لو حلف لا يدخل دار فلان، وله دار يسكنها ودار غلة فدخل دار الغلة لا يحنث إذا لم يدل الدليل على دار الغلة وغيرها؛ لأن داره مطلقا دار يسكنها. ا ه.
وفي "الخانية" لو حلف لا يدخل دار ابنته وابنته تسكن في دار زوجها أو حلف لا يدخل دار أمه وأمه تسكن في بيت زوجها فدخل الحالف حنث. ا ه. وقد وقعت حادثة هي أن رجلا حلف بالطلاق أن أولاد زوجته لا يطلعون إلى بيته فطلع واحد هل يحنث فأجبت بأنه لا يحنث، ولا بد من الجمع؛ لأنه جمع ليس فيه الألف واللام قال في "الواقعات" إذا قال والله لا أكلم الفقراء أو المساكين أو الرجال فكلم واحدا منهم يحنث؛ لأنه اسم جنس بخلاف قوله رجالا أو نساء. ا ه.
فقد علمت أن الجمع المعرف بالألف واللام كالمفرد وغيره على حقيقته، ولا تأثير للإضافة، وعدمها بدليل ما في "الواقعات" أيضا لو قال والله لا أكلم إخوة فلان والأخ واحد فإن كان يعلم يحنث إذا كلم ذلك الواحد؛ لأنه ذكر الجمع، وأراد الواحد، وإن كان لا يعلم لا يحنث؛ لأنه لم يرد الواحد فبقيت اليمين على الجمع كمن حلف لا يأكل ثلاثة أرغفة من هذا الحب، وليس فيه إلا رغيف واحد، وهو لا يعلم لا يحنث. ا ه. بلفظه. وهو صريح في أن الجمع المضاف كالمنكر لكن قال في "القنية" إن أحسنت إلى أقاربك فأنت طالق فأحسنت إلى واحد منهم يحنث، ولا يراد الجمع في عرفنا. ا ه. فيحتاج إلى الفرق إلا أن يدعي أن في العرف فرقا، ولو دخل دارا مملوكة لفلان، وفلان لا يسكنها يحنث، ولو حلف لا يدخل دار فلان فدخل دارا مشتركة بينه وبين فلان إن كان فلان يسكنها يحنث، وإلا فلا، ولو حلف لا يدخل دار فلان فآجر فلان داره فدخلها الحالف هل يحنث فيه روايتان قالوا ما ذكره أنه لا يحنث ذلك قول أبي حنيفة وأبي يوسف؛ لأن عندهما كما تبطل الإضافة بالبيع تبطل بالإجارة والتسليم، وملك اليد للغير كذا في "الظهيرية"، وهي مسألة الأصول أيضا.
"قوله:  ودوام الركوب واللبس والسكنى كالإنشاء لا دوام الدخول" يعني لو حلف لا يركب هذه الدابة، وهو راكبها أو لا يلبس هذا الثوب، وهو لابسه أو لا يسكن هذه الدار

 

ج / 4 ص -464-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهو ساكنها فإنه يحنث بالدوام كما لو ابتدأ بها بخلاف ما إذا حلف لا يدخل هذه الدار، وهو فيها فإنه لا يحنث بالاستمرار فيها والقياس أن يحنث قياسا على غيره والاستحسان الفرق بين الفصلين، وهو أن الدوام على الفعل لا يتصور حقيقة؛ لأن الدوام هو البقاء والفعل المحدث عرض والعرض مستحيل البقاء فيستحيل دوامه، وإنما يراد بالدوام تجدد أمثاله، وهذا يوجد في الركوب واللبس والسكنى، ولا يوجد في الدخول؛ لأنه اسم للانتقال من العورة إلى الحصن والمكث قرار فيستحيل البقاء تحقيقه أن الانتقال حركة والمكث سكون، وهما ضدان ألا ترى أنه يضرب لها مدة يقال ركبت يوما، ولبست يوما، ولا يقال دخلت يوما قال في "التبيين" والفارق بينهما أن كل ما يصح امتداده له دوام كالقعود والقيام والنظر ونحوه، وما لا يمتد لا دوام له كالدخول والخروج. ا ه.
وفي "المجتبى" والفارق بينهما صحة قران المدة به كاليوم والشهر.
وفي "فتح القدير" ونظير المسألة حلف لا يخرج، وهو خارج لا يحنث حتى يدخل ثم يخرج، وكذا لا يتزوج، وهو متزوج، ولا يتطهر، وهو متطهر فاستدام الطهارة والنكاح لا يحنث. ا ه.
والمراد بالدوام المكث ساعة على حاله، وقيد به؛ لأنه لو نزل من ساعته أو نزع الثوب فإنه لا يحنث، وقال زفر يحنث لوجود الشرط، وإن قل، ولنا أن اليمين تعقد للبر فيستثنى منه زمان تحقيقه وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
وأشار المصنف إلى أنه لو قال كلما ركبت فأنت طالق، وهو راكب، ومكث ثلاث ساعات طلقت ثلاثا في كل ساعة طلقة بخلاف ما إذا لم يكن راكبا فركب أنها تطلق واحدة، ولا تطلق بالاستمرار، وفي "المجتبى"، وإنما يعطى للدوام حكم الابتداء فيما يمتد إذا كانت اليمين حال الدوام أما إذا كان قبله فلا حتى لو قال كلما ركبت هذه الدابة فلله علي أن أتصدق بدرهم ثم ركبها ودام عليها فعليه درهم واحد، ولو قال ذلك حالة الركوب لزمه في كل ساعة يمكنه النزول درهم قلت:  في عرفنا لا يحنث إلا بابتداء الفعل في الفصول كلها، وإن لم ينو، وفيه عن أبي يوسف ما يدل عليه، وإليه أشار أستاذنا رحمه الله ا ه. فأفاد أن الساعة التي تكون دواما هي ما يمكنه النزول فيها.
وأشار المصنف إلى أنه لو حلف ليدخلنها غدا، وهو فيها فمكث حتى مضى الغد حنث؛ لأنه لم يدخلها فيه إذ لم يخرج. ولو نوى بالدخول الإقامة فيه لم يحنث، وإلى هنا فرغ المنصف من

 

ج / 4 ص -465-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسائل الدخول لكنه لم يستوفها ونحن نذكر ما فاته منها تكثيرا للفائدة، ولكثرة الاحتياج إلى مسائل الأيمان ففي "الظهيرية" لو حلف لا يدخل في هذه السكة فدخل دارا من تلك السكة لا من السكة بل من السطح أو غيره اختلفوا فيه والصحيح أنه لا يحنث إذا لم يخرج إلى السكة، ولو حلف لا يدخل سكة فلان فدخل مسجدا في تلك السكة، ولم يدخل السكة لا يحنث رجل جالس في البيت من المنزل حلف لا يدخل هذا البيت فاليمين على ذلك البيت الذي كان جالسا فيه؛ لأن ما وراء ذلك البيت يسمى منزلا ودارا هذا إذا كانت اليمين بالعربية فإن كانت بالفارسية فاليمين على دخول ذلك المنزل وتلك الدار فإن قال عنيت ذلك البيت الذي كنت جالسا فيه صدق ديانة لا قضاء؛ لأن في الفارسية خانه اسم للكل هذا إذا لم يشر إلى بيت بعينه فإن أشار إلى بيت بعينه فالعبرة للإشارة امرأة حلفت أن لا يدخل زوجها دارها فباعت دارها فدخل الزوج، وهي تسكنها إن كانت نوت أن لا يدخل دارا تسكنها المرأة لا تبطل اليمين بالبيع، وإن لم يكن لها نية فاليمين على دار مملوكة لها. وقال بعضهم يعتبر في جنس هذه المسائل سبب اليمين إن كانت اليمين لغيظ من صاحب الدار تبطل اليمين بالبيع، وإن كانت لضرر الجيران لا تبطل اليمين بالبيع، ولو حلف لا يدخل محلة كذا فدخل دارا لها بابان أحدهما مفتوح في تلك المحلة والآخر مفتوح في محلة أخرى حنث في يمينه؛ لأن الدار تنسب إلى كل واحدة من المحلتين، وعن بعض المشايخ إذا حلف لا يدخل الحمام فدخل المسلخ لا يحنث؛ لأنه لا يراد من دخول الحمام ذلك، ولو حلف لا يدخل دار فلان فمات صاحب الدار ثم دخل الحالف إن لم يكن على الميت دين مستغرق لا يحنث؛ لأنها انتقلت إلى الورثة بالموت، وإن كان عليه دين مستغرق قال محمد بن سلمة يحنث؛ لأنها بقيت على حكم ملك الميت، وقال الفقيه أبو الليث لا يحنث، وعليه الفتوى؛ لأنها لم تبق ملكا للميت من كل وجه، ولو حلف لا يدخل دارا يشتريها فلان فاشترى فلان دارا وباعها من الحالف فدخل الحالف لا يحنث، ولو اشترى فلان دارا، ووهبها للحالف ثم دخل الحالف حنث، ولو حلف لا يدخل قرية كذا فدخل أراضي القرية لا يحنث وتكون اليمين على عمرانها، وكذا لو حلف لا يشرب الخمر في قرية كذا فشرب في كرومها وضياعها لا يحنث إلا أن يكون الكروم والضياع في العمران، وكذلك لو كان الكلام على البلدة. ولو حلف لا يدخل كورة كذا أو رستاق كذا فدخل الأراضي حنث، ولو حلف لا يدخل بغداد فمن أي الجانبين دخل حنث، ولو حلف لا يدخل مدينة السلام لا. يحنث ما لم يدخل من ناحية الكوفة؛ لأن اسم بغداد يتناول الجانبين، ومدينة السلام لا.
ولو حلف لا يدخل الري ذكر شمس الأئمة السرخسي أن الري في ظاهر الرواية يتناول المدينة والنواحي وروي عن هشام عن محمد أنه اسم للمدينة حتى لو استأجر دابة إلى الري،

 

ج / 4 ص -466-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولم يذكر إلى المدينة، ولا إلى الرستاق بعينه في ظاهر الرواية تفسد الإجارة، وفي رواية هشام لا تفسد، ولو حلف لا يدخل بغداد فمر بها في سفينة روى هشام أنه يحنث، وقال أبو يوسف لا يحنث ما لم يدخل إلى الجدة، وهذا بخلاف الصلاة فإن البغدادي إذا جاء من الموصل في السفينة فدخل بغداد فأدركته الصلاة، وهو في السفينة تلزمه صلاة الإقامة لا صلاة السفر، ولو حلف لا يدخل في الفرات فركب سفينة في الفرات أو كان على الفرات جسر فمر على الجسر لا يحنث ما لم يدخل الماء. ولو حلف أن لا يدخل هذه الدار فاشترى صاحبها بجنب الدار بيتا، وفتح باب البيت إلى هذه الدار وجعل طريقه فيها وسد الباب الذي كان للبيت قبل ذلك فدخل الحالف هذا البيت من غير أن يدخل هذه الدار قال محمد يحنث؛ لأن البيت صار من الدار. ا ه. ما في "الظهيرية" والفتوى على قول أبي يوسف في مسألة المرور بالسفينة فيما إذا حلف لا يدخل بغداد كما في "الواقعات" وذكر في "البدائع" لو حلف لا يدخل على فلان فدخل عليه بيته فإن قصده بالدخول حنث، وإن لم يقصده لا يحنث، وكذلك إن دخل عليه بيت غيره فإن دخل عليه في مسجد أو ظلة أو سقيفة أو دهليز دار لم يحنث، وإن دخل عليه في فسطاط أو خيمة أو بيت شعر لم يحنث إلا أن يكون الحالف من أهل البادية؛ لأنهم يسمون ذلك بيتا والتعويل في هذا الباب على العرف، وعن محمد لا يدخل على فلان هذه الدار فدخل الدار، وفلان في بيت من الدار لا يحنث، وإن كان في صحن الدار يحنث، وكذا لو حلف لا يدخل على فلان هذه القرية أنه لا يكون داخلا عليه إلا إذا دخل في بيته قال محمد لو حلف لا يدخل على فلان فدخل على فلان بيته، وهو يريد رجلا غيره يزوره لم يحنث؛ لأنه لم يدخل على فلان لما لم يقصده، وإن لم تكن له نية حنث. ا ه.
وفي "الذخيرة" قالوا الصفة إذا لم تكن داعية إلى اليمين إنما لا تعتبر في المعين إذا ذكرت على وجه التعريف أما إذا ذكرت على وجه الشرط تعتبر، وهو الصحيح ألا ترى أن من قال لامرأته إن دخلت هذه الدار راكبة فهي طالق فدخلتها ماشية لا تطلق واعتبرت الصفة في المعين لما ذكرت على سبيل الشرط. ا ه.
وفي "الواقعات" رجلان حلف كل واحد منهما أن لا يدخل على صاحبه فدخلا في المنزل معا لا يحنثان؛ لأنه لم يدخل واحد منهما على صاحبه قال لأخ امرأته إن لم تدخل بيتي كما كنت تدخل فامرأته طالق فإن كان بينهما كلام يدل على الفور فهو على الفور؛ لأن الحال أوجب التقييد، وإلا كانت اليمين على الأبد ويقع اليمين على الدخول المعتاد قبل اليمين حتى لو امتنع الأخ مرة مما كان المعتاد يحنث؛ لأن اليمين مطلقة فتنصرف إلى الأبد. ا ه.

 

ج / 4 ص -467-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي "المحيط" و"الولوالجية" وغيرهما لو قال إن أدخلت فلانا بيتي فامرأته طالق فهو على أن يدخل بأمره؛ لأنه متى دخل بأمره فقد أدخله، ولو قال إن تركت فلانا يدخل بيتي فامرأته طالق فهو على الدخول بعلم الحالف فمتى علم، ولم يمنع فقد ترك، ولو قال إن دخل فلان بيتي فهو على الدخول أمر الحالف به أو لم يأمر علم به أو لم يعلم؛ لأن الشرط هو الدخول، وقد وجد. ا ه.
وفي "المحيط" لو قال إن دخل داري هذه أحد فعبدي حر والدار له، ولغيره فدخلها هو لم يحنث؛ لأن المعرفة لا تدخل تحت النكرة كما لو قال زوج بنتي من رجل لا يدخل المأمور تحت هذا الأمر، ولو قال إن دخل هذه الدار أحد يحنث إذا دخل هو، سواء كانت الدار له أو لغيره؛ لأن النكرة تدخل تحت النكرة. ولو قال إن دخل دارك أحد فالمنسوب إليه خارج عن اليمين؛ لأنه صار معرفا بالإضافة وتمامه فيه.
وفي "الخانية" رجل قال لأمنعن فلانا من دخول داري فمنعه مرة بر في يمينه فإن رآه مرة ثانية، ولم يمنعه لا شيء عليه. رجل حلف بطلاق امرأته أنه لم يدخل هذا اليوم ثم قال أوهمت وحلف بطلاق امرأة أخرى أنه قد دخلها اليوم يلزمه طلاق الأولى، ولا يلزمه طلاق الثانية؛ لأنه يقول اليمين الأولى كذب والثانية صدق فلا يحنث في الثانية، ولو حلف بعتق عبده أنه دخل هذه الدار اليوم ثم قال لم أدخله وحلف بعتق عبد آخر أنه لم يدخلها اليوم ثم رجع، وقال قد دخلتها اليوم وحلف بعتق عبد آخر عتق العبيد الثلاث جميعا؛ لأن الأول عتق بالكلام الثاني والوسط عتق بالكلام الثالث، وعتق الثالث بعتق الأول؛ لأن الحالف زعم أنه كاذب في الكل فيلزمه عتق الكل، ولو قال إن دخلت الكوفة، ولم أتزوج فعبدي حر فإن دخل قبل التزوج حنث، ولو قال فلم أتزوج فهذا على أن يكون التزوج بعد الدخول حين يدخل، ولو قال إن دخلت الكوفة ثم لم أتزوج فهو على أن يتزوج بعد الدخول على الأبد. ا ه.
وفي "القنية" كان في البيت الشتوي فخاصم امرأته فقال إن دخلت هذا البيت إلى العيد فالحلال عليه حرام ثم قال نويت ذلك البيت بعينه يصدق حلف لا يدخل على هؤلاء القوم ثم دخل عتبة الباب فرأى واحدا منهم فرجع لا يحنث. ا ه.
وفي "الخلاصة" قال لامرأته إن دخلت دار أبوك فكل امرأة أتزوجها فهي طالق فدخل دار أبيها ثم إنها حرمت عليه فتزوجها لا تطلق بتلك اليمين؛ لأنها معرفة بإضافة اليمين فلا تدخل تحت النكرة هذا في مجموع "النوازل".

 

ج / 4 ص -468-       لا يسكن هذه الدار، أو البيت، أو المحلة فخرج وبقي متاعه، وأهله حنث.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي "النوازل":  قال لامرأته إن دخلت الدار فنساء طوالق فدخلت الدار، وقع الطلاق عليها، وعلى غيرها والاعتماد على هذا دون ما ذكر في "مجموع النوازل"، ولو قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق بغير خسران يشترط قبولها عند دخول الدار وتفسير غير الخسران إن وهبت المهر ثم دخلت الدار. ا ه.
وفي العمدة لو قال لا أدع فلانا يدخل هذه الدار فإن لم تكن الدار ملكا له فالمنع بالقول، وفي الملك بالقول والفعل، ولو حلف لا يدخل دار فلان فاستعار فلان دار جاره واتخذ فيها وليمة ودخلها الحالف لا يحنث. ا ه. فقولهم إن المستعارة تضاف إليه معناه إذا سكنها لا إذا اتخذ فيها وليمة، وفي العدة لو قال والله لا أدخل هذه الدار وأدخل هذه الدار فإذا دخل الأولى يحنث، وإن دخل الثانية لا يحنث، ولو قال والله لا أدخل هذه الدار أو أدخل هذه الدار بنصب اللام فإن دخل الدار الأولى أولا ثم دخل الثانية يحنث، وإن دخل الثانية أولا ثم دخل الأولى لا يحنث؛ لأن كلمة أو بمنزله حتى. ا ه.
وفي "مآل الفتاوى" قال لا أدخل دار فلان أو دار الفلان لا فرق بينهما عند أبي يوسف، ولو دخل دارا اشتراها بعد اليمين لا يحنث. ا ه.ثم شرع المصنف رحمه الله في الكلام على السكنى؛ لأنها تعقب الدخول.
"قوله:  لا يسكن هذه الدار أو البيت أو المحلة فخرج وبقي متاعه، وأهله حنث"؛ لأنه يعد ساكنا ببقاء أهله، ومتاعه فيها عرفا فإن السوقي في عامة نهاره في السوق ويقول أسكن ببلدة كذا والبيت والمحلة بمنزلة الدار والمحلة هي المسماة في عرفنا بالحارة قيد بالثلاثة والسكة كالمحلة؛ لأنه لو كان اليمين على المصر أو البلدة لا يتوقف البر على نقل المتاع والأهل كما روي عن أبي يوسف؛ لأنه لا يعد ساكنا في الذي انتقل عنه عرفا بخلاف الأول، وهو المراد بقوله بخلاف المصر والقرية بمنزلة المصر في الصحيح من الجواب كما في "الهداية".
وأطلق الساكن فشمل من يستقل بسكناه أو لا، وهو مقيد بالمستقل؛ لأن الحالف لو كان سكناه تبعا كابن كبير ساكن مع أبيه أو امرأة مع زوجها فحلف أحدهما لا يسكن هذه فخرج بنفسه وترك أهله، وماله، وهي زوجها، ومالها لا يحنث،. وقيده الفقيه أبو الليث أيضا بأن يكون حلفه بالعربية فلو عقد بالفارسية لا يحنث إذا خرج بنفسه وترك أهله وماله، وإن كان مستقلا بسكناه.
وأشار إلى أنه لو لم يخرج فإنه يحنث بالأولى والكل مقيد بالإمكان، ولذا قالوا لو بقي

 

ج / 4 ص -469-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيها أياما يطلب منزلا آخر حتى يجده أو خرج واشتغل بطلب دار أخرى لنقل الأهل والمتاع أو خرج لطلب دابة لينقل عليها المتاع فلم يجد أياما لم يحنث، وكذا لو كانت أمتعة كثيرة فاشتغل بنقلها بنفسه، وهو يمكنه أن يستكري دابة فلم يستكر لم يحنث، وكذا لو أبت المرأة أن تنتقل وغلبته وخرج هو، ولم يرد العود إليه أو منع هو من الخروج بأن أوثق أو منع متاعه فتركه أو وجد باب الدار مغلقا فلم يقدر على فتحه، ولا على الخروج منه لم يحنث، وكذا لو قدر على الخروج بهدم بعض الحائط، ولم يهدم لا يحنث، وليس عليه ذلك إنما تعتبر القدرة على الخروج من الوجه المعهود عند الناس كما في "الظهيرية" بخلاف ما إذا قال إن لم أخرج من هذا المنزل اليوم فامرأته طالق فقيد، ومنع عن الخروج أو قال لامرأته إن لم تجيئي الليلة إلى البيت فأنت طالق فمنعها والدها حيث تطلق فيهما في الصحيح والفرق أن شرط الحنث في مسألة الكتاب الفعل، وهو السكنى، وهو مكره فيه، وللإكراه تأثير في إعدام الفعل والشرط في تلك المسألة عدم الفعل، ولا أثر للإكراه في إبطال العدم، وإن كان اليمين في الليل فلم يمكنه الخروج حتى أصبح لم يحنث كذا في "التبيين" وغيره.
وفي "التجنيس" رجل قال لامرأته إن سكنت هذه الدار فأنت طالق، وكانت اليمين بالليل فإنها معذورة حتى تصبح؛ لأنها في معنى المكره في هذه السكنى؛ لأنها تخاف الخروج ليلا، ولو قال ذلك لرجل لم يكن معذورا؛ لأنه لا يخاف هذا هو المختار. ا ه. ولا منافاة بينهما؛ لأن ما في "التبيين" مفروض بأنه لا يمكنه الخروج، وما في "التجنيس" فيما إذا كان لا يخاف، والواو في قوله وبقي أهله، ومتاعه بمعنى أو؛ لأن الحنث يحصل ببقاء أحدهما من غير توقف عليهما فلو قال نويت التحول ببدني خاصة لم يصدق في القضاء ويدين كما في "البدائع".
وأفاد أنه لا بد من نقل جميع الأهل والمتاع، وهو في الأهل بالإجماع والمراد بالأهل زوجته، وأولاده الذين معه، وكل من كان يأويه لخدمته والقيام بأمره كما في "البدائع". وأما في الأمتعة ففيه اختلاف فقال الإمام المتاع كالأهل حتى لو بقي، وقد حنث؛ لأن السكنى تثبت بالكل فتبقى ببقاء شيء منه، وقد صار هذا أصلا للإمام حتى لو بقي صفة السكون في العصير يمنع من صيرورته خمرا وبقاء مسلم واحد في دار ارتد أهلها يمنع من صيرورتها دار حرب، ولا يرد عليه أن الشيء ينتفي بانتفاء جزئه كالعشرة تنتفي بانتفاء الواحد؛ لأن ذلك في الأجزاء أما في الأفراد فلا كالرجال لا ينتفي بانتفاء واحد والفرق بين الفرد والجزء أنه إن صدق اسم الكل على كل واحد فالآحاد أفراد، وإلا فأجزاء كما عرف من بحث العام في الأصول، وقال أبو يوسف يعتبر نقل الأكثر لتعذر نقل الكل في بعض الأوقات، وقال محمد يعتبر نقل ما تقوم به السكنى؛ لأن ما وراءه ليس من السكنى، وقد اختلف الترجيح فالفقيه أبو الليث في "شرح الجامع الصغير" رجح

 

ج / 4 ص -470-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قول الإمام، وأخذ به كما في "غاية البيان" والمشايخ استثنوا منه ما لا تتأتى به السكنى كقطعة حصير ووتد كما ذكره في "التبيين" وغيره ورجح في "الهداية" قول محمد بأنه أحسن، وأرفق بالناس.
ومنهم من صرح بأن الفتوى عليه كما في "فتح القدير" وصرح كثير كصاحب "المحيط" والفوائد "الظهيرية" و"الكافي" بأن الفتوى على قول أبي يوسف فقد اختلف الترجيح كما ترى والإفتاء بمذهب الإمام أولى؛ لأنه أحوط، وإن كان غيره أرفق ويتفرع على كون السكنى تبقى ببقاء اليسير من المتاع عنده أنه لو انتقل المودع وترك الوديعة لا غير في المنزل المنتقل عنه لا يضمن، وعندهما يضمن بكل حال ذكره البزازي في فتاواه من كتاب الإجارة من فصل الخياط والنساج.
وفي "المحيط" لو حلف لا يسكن دار فلان هذه فسكن منزلا منها حنث؛ لأن الدار هكذا تسكن عادة فإن عنى أن لا يسكنها كلها لا يحنث حتى يسكنها كلها؛ لأن الدار حقيقة اسم للجميع فقد نوى الحقيقة. وظاهر كلام المصنف أنه لو نقل أهله، ومتاعه منها فإنه يبر سواء سكن في منزل آخر أو لا، وفيه اختلاف ففي "الهداية" وينبغي أن ينتقل إلى منزل آخر بلا تأخير حتى يبر فإن انتقل إلى السكة أو إلى المسجد قالوا لا يبر دليله في الزيادات أن من خرج بعياله من مصره فلم يتخذ وطنا آخر يبقى وطنه الأول في حق الصلاة كذا هذا. ا ه.
وفي "فتح القدير":  وإطلاق عدم الحنث أوجه، وكون وطنه باقيا في حق إتمام الصلاة ما لم يستوطن غيره لا يستلزم تسميته ساكنا عرفا بذلك المكان بل يقطع من العرف فيمن نقل أهله، وأمتعته وخرج مسافرا أنه لا يقال فيه إنه ساكن. ا ه.
وفصل الفقيه أبو الليث تفصيلا حسنا فقال إن لم يسلم داره المستأجرة إلى أهلها حنث، وإن سلمها لا، وفي "الظهيرية" والصحيح أنه يحنث ما لم يتخذ مسكنا آخر، ولم يستوف المصنف رحمه الله مسائل اليمين على السكنى فنحن نذكرها تتميما للفائدة ففي "البدائع" لو حلف لا يسكن هذه الدار، ولم يكن ساكنا فيها فالسكنى فيها أن يسكنها بنفسه وينقل إليها من متاعه ما يبات فيه ويستعمله في منزله فإذا فعل ذلك فهو حانث، وأما المساكنة فإذا كان رجل ساكنا مع رجل في دار فحلف أحدهما أن لا يساكن صاحبه فإن أخذ في النقلة، وهي ممكنة بر، وإلا حنث والنقلة على الخلاف المتقدم فإن لم ينتقل للحال حنث؛ لأن البقاء على المساكنة مساكنة، وهو أن يجمعهما منزل واحد. فإن وهب متاعه للمحلوف عليه أو أودعه أو أعاره ثم خرج في طلب منزل فلم يجد منزلا أياما، ولم يأت الدار التي فيها صاحبه قال محمد إن كان وهب له المتاع

 

ج / 4 ص -471-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقبضه منه وخرج من ساعته، وليس من رأيه العود فليس بمساكن، وكذلك إن أودعه المتاع ثم خرج لا يريد العود إلى ذلك المنزل، وكذا العارية، ولو كان له في الدار زوجة فراودها الخروج فأبت، ولم يقدر على إخراجها فإنه لا يحنث ببقائها. وإذا حلف لا يساكن فلانا فساكنه في عرصة دار أو بيت أو غرفة حنث فإن ساكنه في دار هذا في حجرة، وهذا في حجرة أو هذا في منزل، وهذا في منزل حنث إلا أن تكون دارا كبيرة قال أبو يوسف مثل دار الرقيق ودار الوليد بالكوفة، وكذا كل دار عظيمة فيها مقاصير ومنازل، وعن محمد إذا حلف لا يساكن فلانا، ولم يسم دارا فسكن هذا في حجرة، وهذا في حجرة لم يحنث إلا أن يساكنه في حجرة واحدة فإن سكن هذا في بيت من دار، وهذا في بيت آخر، وقد حلف لا يساكنه، ولم يسم دارا حنث في قولهم؛ لأن بيوت الدار الواحدة كالبيت الواحد، وقال أبو يوسف فإن ساكنه في حانوت في سوق يعملان فيه عملا أو يبيعان تجارة فإنه لا يحنث إلا بالنية أو يكون بينهما كلام يدل عليها قالوا إذا حلف لا يساكن فلانا بالكوفة، ولا نية له فسكن أحدهما في دار والآخر في دار أخرى في قبيلة واحدة أو محلة واحدة أو درب واحد فإنه لا يحنث حتى يجمعهما السكنى في دار؛ لأن المساكنة المخالطة وذكر الكوفة لتخصيص اليمين بها حتى لا يحنث بمساكنته في غيرها، ولو حلف الملاح أن لا يساكن فلانا في سفينة فنزل مع كل أهله، ومتاعه واتخذها منزله حنث، وكذلك أهل البادية إذا جمعتهم خيمة، وإن تفرقت الخيام لم يحنث، وإن تقاربت، وإذا حلف أنه لا يأوي مع فلان أو لا يأوي في مكان أو دار أو بيت فالإيواء الكون ماكثا في المكان أو مع فلان في مكان قليلا كان المكث أو كثيرا ليلا كان أو نهارا فإن نوى أكثر من ذلك فهو على ما نوى فإذا حلف لا يبيت مع فلان أو لا يبيت في مكان كذا فالمبيت بالليل حتى يكون منه أكثر من نصف الليل، وإن كان أقل لم يحنث وسواء نام في الموضع أو لم ينم. فلو حلف لا يبيت الليلة في هذه الدار، وقد ذهب ثلثا الليل ثم بات بقية ليلته قال محمد لا يحنث؛ لأن البيتوتة إذا كانت تقع على أكثر الليل فقد حلف على ما لا يتصور فلم تنعقد يمينه. ا ه.
وفي "الواقعات" حلف لا يساكن فلانا فنزل منزله فمكث فيه يوما أو يومين لا يحنث؛ لأنه لا يكون ساكنا معه حتى يقيم معه في منزله خمسة عشر يوما، وهذا بمنزلة ما لو حلف لا يسكن الكوفة فمر بها مسافرا فنوى أربعة عشر يوما لا يحنث فإن نوى خمسة عشر يوما يحنث، ولو سافر الحالف فسكن فلان مع أهله قال أبو حنيفة يحنث، وقال أبو يوسف لا، وعليه الفتوى؛ لأن الحالف لم يساكنه حقيقة. ا ه.
وفي "الظهيرية" لو حلف لا يساكن فلانا فدخل فلان دار الحالف غصبا فأقام الحالف معه حنث علم الحالف بذلك أو لم يعلم، وإن خرج الحالف بأهله، وأخذ بالنقل حين نزل الغاصب لم

 

ج / 4 ص -472-       لا يخرج فأخرج محمولا بأمره حنث، وبرضاه لا بأمره أو مكرها لا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يحنث، ولو حلف لا يساكن فلانا فساكنه في مقصورة أو في بيت واحد من غير أهل ومتاع لا يحنث، ولو حلف لا يساكن فلانا في دار وسمى دارا بعينها فتقاسماها وضرب كل واحد بينهما حائطا، وفتح كل واحد منهما لنفسه بابا فسكن الحالف في طائفة والآخر في طائفة حنث الحالف، ولو لم يعين الدار في يمينه، ولكن ذكر دارا على التنكير وباقي المسألة بحالها لا يحنث، ولو حلف لا يساكن فلانا شهر كذا فساكنه ساعة في ذلك الشهر حنث؛ لأن المساكنة مما لا يمتد، ولو قال لا أقيم بالرقة شهرا لا يحنث ما لم يقم جميع الشهر، ولو حلف لا يسكن الرقة شهرا فسكن ساعة حنث.
ولو حلف لا يبيت الليلة في هذا المنزل فخرج بنفسه وبات خارج المنزل، وأهله ومتاعه في المنزل لا يحنث، وهذه اليمين تكون على نفسه لا على المتاع، ولو حلف لا يبيت على سطح هذا البيت، وعلى البيت غرفة، وأرض الغرفة سطح هذا البيت يحنث إن بات عليه، ولو حلف لا يبيت على سطح فبات على هذا لا يحنث. ولو قال والله لا أبيت في منزل فلان غدا فهو باطل إلا أن ينوي الليلة الجائية، وكذا لو قال بعدما مضى أكثر الليلة، ولو قال لا أكون غدا في منزل فلان فهو على ساعة من الغد. ا ه.
وفي "الخلاصة" لو قال والله لا أسكن هذه الدار ثلاثين يوما أو قال لأسكنن هذه الدار ثلاثين يوما له أن يفرق، ولو حلف لا يسكن هذه القرية فذهب على ما هو الشرط ثم عاد وسكن يحنث هذا في الفتاوى الصغرى، وأفتى القاضي الإمام أنه إن نوى الفور لا يحنث إذا عاد وسكن، وكذا إذا كان هناك مقدمة الفور، وفي "المحيط" حلف لا يقعد في هذه الدار، ولا نية له قالوا إن كان ساكنا فيها فهو على السكنى، وإن لم يكن ساكنا فهو على القعود حقيقة، ولو قال والله لا يجمعني، وإياك سقف بيت فهذا على المجالسة فإن جالسه في بيت أو فسطاط أو سفينة أو خيمة حنث، وإن صلى في مسجد جماعة فصلى الآخر معه في القوم لم يحنث، وإن كان أحدهما في المسجد فجاء الآخر فجلس إليه فقد حنث، وإن جلس بعيدا منه، ولم يجلس إليه لم يحنث، وكذلك البيت الواحد إذا كان يجلس هذا في مكان، وهذا في مكان غير مجالس له لا يحنث ا ه.
"قوله:  لا يخرج فأخرج محمولا بأمره حنث وبرضاه لا بأمره أو مكرها لا" أي لا يحنث، وهو شروع في بعض مسائل الحلف على الخروج فإذا حلف لا يخرج من المسجد مثلا فأمر إنسانا فحمله، وأخرجه حنث؛ لأن فعل المأمور مضاف إلى الآمر فصار كما إذا ركب دابة فخرجت، ولو أخرجه مكرها لم يحنث؛ لأن الفعل لم ينتقل إليه لعدم الأمر، ولو حمله برضاه

 

ج / 4 ص -473-       كلا يخرج إلا إلى جنازة فخرج إليها ثم أتى حاجة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا بأمره لا يحنث في الصحيح؛ لأن الانتقال بالأمر لا بمجرد الرضا، وإذا لم يحنث فيهما لا تنحل في الصحيح لعدم فعله، وقال السيد أبو شجاع تنحل، وهو أرفق بالناس ويظهر أثر هذا الاختلاف فيما لو دخل بعد هذا الإخراج هل يحنث فمن قال انحلت قال لا يحنث، وهذا بيان كونه أرفق بالناس، ومن قال لا تنحل قال حنث ووجبت الكفارة، وهو الصحيح كذا في "فتح القدير".
وصوابه إن كان الحلف بأنه لا يخرج إن يظهر فيما لو دخل بعد هذا الإخراج ثم خرج، وإن كان الحلف بأنه لا يدخل فنعم. قيد بكونه أخرج مكرها أي حمله المكره، وأخرجه؛ لأنه لو خرج بنفسه مكرها، وهو الإكراه المعروف، وهو أن يتوعده حتى يفعل فإنه حينئذ يحنث لما عرف أن الإكراه لا يعدم الفعل عندنا ونظيره ما لو حلف لا يأكل هذا الطعام فأكره عليه حتى أكله حنث، ولو أوجر في حلقه لا يحنث كذا في "فتح القدير" وبهذا ظهر أن هذا الحكم لا يختص بالحلف على الخروج؛ لأنه لو حلف لا يدخل فأدخل محمولا بأمره حنث وبرضاه لا بأمره أو مكرها لا.
وفي "المجتبى" لو هبت به الريح، وأدخلته لم يحنث، وفي الانحلال كلام، وفيمن زلق فوقع فيها أو كان راكبا دابة فانفلتت، ولم يستطع إمساكها فأدخلته خلاف. ا ه.
وفي "البدائع" الخروج هو الانفصال من الحصن إلى العودة على مضادة الدخول فلا يكون المكث بعد الخروج خروجا كما لا يكون المكث بعد الدخول دخولا ثم الخروج كما يكون من البلدان والدور والمنازل والبيوت تكون من الأخبية والفساطيط والخيم والسفن لوجود حده والخروج من الدور المسكونة أن يخرج الحالف بنفسه، ومتاعه، وعياله كما إذا حلف لا يسكن والخروج من البلدان والقرى أن يخرج الحالف ببدنه خاصة.
ولو قال والله لا أخرج، وهو في بيت من الدار فخرج إلى صحن الدار لم يحنث إلا أن ينوي فإن نوى الخروج إلى مكة أو خروجا من البلد لم يصدق قضاء، ولا ديانة؛ لأن غير المذكور لا يحتمل التخصيص.
ولو قال إن خرجت من هذه الدار فأنت طالق فخرجت منها من الباب أي باب كان، ومن أي موضع كان من فوق حائط أو سطح أو نقب حنث لوجود الشرط، وهو الخروج من الدار، ولو قيد بباب هذه الدار لم يحنث بالخروج من غير الباب قديما كان الباب أو حادثا، ولو عين بابا في اليمين تعين، ولا يحنث بالخروج من غيره ا ه.
"قوله:  كلا يخرج إلا إلى جنازة فخرج إليها ثم أتى حاجة" يعني لا يحنث؛ لأن

 

ج / 4 ص -474-       لا يخرج أو يذهب إلى مكة فخرج يريدها ثم رجع يحنث وفي لا يأتيها لا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموجود خروج مستثنى والمضي بعد ذلك ليس بخروج، وفي "البدائع" لو قال إن خرجت من هذه الدار إلا إلى المسجد فأنت طالق فخرجت تريد المسجد ثم بدا لها فذهبت إلى غير المسجد لم تطلق لما ذكرنا، وأشار المصنف إلى أنه لو قال إن خرجت من هذه الدار مع فلان فأنت طالق فخرجت وحدها أو مع فلان آخر ثم خرج فلان، ولحقها فإنه لا يحنث؛ لأن كلمة مع للقران فيقتضي مقارنتها للخروج، ولم يوجد؛ لأن المكث بعد الخروج ليس بخروج كما في "البدائع" أيضا، ولو خرج في مسألة الكتاب لغير الجنازة فإنه يحنث لوجود الشرط، والاعتبار للقصد عند الخروج قال في "الظهيرية" لو قال لها إن خرجت إلى منزل أبيك فأنت كذا فهو على الخروج عن قصد. ا ه.
وفي "المحيط" حلفت المرأة أن لا تخرج إلى أهلها قال أبو يوسف أهلها أبواها، وليس أحد سواهما أهلها فإن لم يكن لها أبوان فأهلها كل ذي رحم محرم منها فإن لم يكن لها إلا أم مطلقة فأهلها منزل أمها فإن كان الأب متزوجا والأم متزوجة فالأهل منزل الأب دون منزل الأم ا ه.
"قوله:  لا يخرج أو لا يذهب إلى مكة فخرج يريدها ثم رجع يحنث، وفي لا يأتيها لا" أي لا يحنث والفرق بين الخروج والإتيان أن الخروج على قصد مكة قد وجد وهو الشرط إذ الخروج هو الانفصال من الداخل إلى الخارج، وأما الإتيان فعبارة عن الوصول قال الله تعالى {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولاَ له} [الشعراء: 16] واختلف في الذهاب فقيل هو كالإتيان، وقيل كالخروج، وهو الأصح؛ لأنه عبارة عن الزوال.
أطلق في الحنث بالخروج، وهو مقيد بما إذا جاوز عمران مصره على قصدها فلو خرج قاصدا مكة، ولم يجاوز عمرانه لا يحنث كما في "الظهيرية" وغيرها كأنه ضمن لفظ أخرج معنى أسافر للعلم بأن المضي إليها سفر لكن على هذا لو لم يكن بينها وبينه مدة سفر ينبغي أن يحنث بمجرد انفصاله من الداخل كما في "فتح القدير".
وفي "المحيط" حلف لا يخرج إلى بغداد اليوم فخرج من باب داره يريد بغداد ثم بدا له فرجع لا يحنث ما لم يجاوز عمران مصره بهذه النية بخلاف ما إذا حلف لا يخرج إلى جنازة فلان والمسألة بحالها يحنث، والفرق أن الخروج إلى بغداد سفر والمرء لا يعد مسافرا ما لم يجاوز عمران مصره، ولا كذلك في الخروج إلى الجنازة، ولو كان في منزل من داره في المسألة الثانية فخرج إلى صحن الدار ثم رجع لا يحنث ما لم يخرج من باب الدار؛ لأنه لا يعد خارجا في جنازة فلان ما دام في داره كما لا يعد خارجا إلى بغداد ما دام في مصره فاستوت المسألتان معنى. ا ه.

 

ج / 4 ص -475-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي "البدائع" قال عمر بن أسد1:  سألت محمدا عن رجل حلف ليخرجن من الرقة ما الخروج قال إذا جعل البيوت خلف ظهره؛ لأن من حصل في هذه المواضع جاز له القصر. ا ه.
فالحاصل:  أن الخروج إن كان من البلد فلا يحنث حتى يجاوز عمران مصره سواء كان إلى مقصده مدة سفر أو لا، وإن لم يكن خروجا من البلد فلا يشترط مجاوزة العمران.
وأشار المصنف إلى أنه لو حلف أن لا يخرج إلى مكة ماشيا فخرج من أبيات المصر ماشيا يريد به مكة ثم ركب حنث، ولو خرج راكبا ثم نزل فمشى لا يحنث كذا في "الظهيرية"، وفيها أيضا رجل قال والله لأخرجن مع فلان العام إلى مكة إذا خرج مع فلان حتى جاوز البيوت وصار بحيث يباح له قصر الصلاة بر في يمينه، وإن بدا له أن يرجع رجع من غير ضرر، ولو حلف أن لا يخرج من بغداد فخرج مع جنازة والمقابر خارجة من بغداد يحنث، ولو قال لامرأته إن خرجت من هاهنا اليوم فإن رجعت إلى سنة فأنت طالق ثلاثا فخرجت اليوم إلى الصلاة أو غيرها ثم رجعت فإن كان سبب اليمين خروج الانتقال أو السفر لا تطلق. ا ه.
وفي "القنية" انتقل الزوجان من الرستاق إلى قرية فلحقه رب الديون فقال لها اخرجي معي إلى حيث كنا فيه فأبت إلى الجمعة فقال إن لم تخرجي معي فكذا فإن كان قد تأهب للخروج فهو على الفور، وإلا فلا، وإن خرجت معه في الحال إلى درب القرية ثم رجعت بر في يمينه، وإن أراد زوجها الخروج أصلا. ا ه.
وفي "المحيط" ولو حلف لا يخرج من الري إلى الكوفة فخرج من الري يريد مكة وجعل طريقه إلى الكوفة ينظر إن كان حيث خرج نوى أن يمر بالكوفة حنث، وإن نوى أن لا يمر بالكوفة ثم بدا له بعدما خرج فصار إلى موضع آخر تقصر فيه الصلاة فقصد أن يمر بالكوفة لا يحنث. ا ه.
ثم في الخروج والذهاب تشترط النية عند الانفصال للحنث كما قدمناه، وفي الإتيان لا يشترط بل إذا وصل إليها يحنث نوى أو لم ينو؛ لأن الخروج متنوع يحتمل الخروج إليها، وإلى غيرها، وكذا الذهاب فلا بد من النية عند ذلك كالخروج إلى الجنازة بخلاف الإتيان لأن الوصول غير متنوع، وفي "المحيط" ليأتينه فأتاه فلم يأذن له لا يحنث. وفي "الذخيرة" إذا حلف الرجل أن لا تأتي امرأته عرس فلان فذهبت قبل العرس، وكانت ثمة حتى مضى العرس

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر بدائع الصنائع للكاساني "3/69".

 

ج / 4 ص -476-       ليأتينه فلم يأته حتى مات حنث في آخر حياته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يحنث هكذا ذكر في "المنتقى"، وعلله فقال؛ لأنها ما أتت العرس بل العرس أتاها، ولو حلف لا يأتي فلانا فهو على أن يأتي منزله أو حانوته لقيه أو لم يلقه، وإن أتى مسجده لم يحنث رواه إبراهيم عن محمد.
وفي "المنتقى" رجل لزم رجلا وحلف الملتزم ليأتينه غدا فأتاه في الموضع الذي لزمه فيه لا يبر حتى يأتي منزله فإن كان لزمه في منزله فحلف ليأتينه غدا فتحول الطالب من منزله فأتى الحالف المنزل الذي كان فيه الطالب فلم يجده لا يبر حتى يأتي المنزل الذي تحول إليه، ولو قال إن لم آتك غدا في موضع كذا فعبدي حر فأتاه فلم يجده فقد بر إنما هذا على إتيان ذلك الموضع، وهذا بخلاف ما إذا قال إن لم أوفك غدا في موضع كذا فأتى الحالف ذلك الموضع فلم يجده حيث يحنث؛ لأن هذا على أن يجتمعا. ا ه.
وقيد بالإتيان؛ لأن العيادة والزيارة لا يشترط فيهما الوصول، ولذا قال في "الذخيرة" إذا حلف ليعودن فلانا أو ليزورنه فأتى بابه فلم يؤذن له فرجع، ولم يصل إليه لا يحنث، وإن أتى بابه، ولم يستأذن حنث قال في "المحيط"، وعلى قياس من قال إن لم أخرج من هذا المنزل اليوم فمنع أو قيد حنث فيجب أن يحنث هنا في الوجهين، وهو المختار لمشايخنا. ا ه.
ولو قال إن لم أرسل إليك نفقتك هذا الشهر فأنت طالق فأرسل بها على يد إنسان وضاعت من يد الرسول لا يحنث؛ لأنه قد أرسل، وكذا إذا قال إن لم أبعث إليك نفقة هذا الشهر، ولو قال إن لم تجيئيني غدا بمتاع كذا فأنت طالق فبعثت به مع إنسان قال إن كان مراده وصول عين المتاع إليه لا يحنث، وإن كان غرضه أن تحمل بنفسها يحنث، ولو قال الرجل لأصحابه إن لم أذهب بكم الليلة إلى منزلي فامرأته طالق فذهب بهم بعض الطريق فأخذهم العسس فحبسهم لا تطلق امرأته هكذا حكي عن الفقيه أبي جعفر قال الفقيه أبو الليث هذا الجواب يوافق قولهما في مسألة الكوز، وقد مر في أول النوع اختيار
الصدر الشهيد في جنس هذه المسائل بخلاف هذا. ا ه. ما في "الذخيرة". ولم أر من صرح بلفظ الرواح من أئمتنا، وهو كثير الوقوع في كلام المصريين، وفي أيمانهم لكن قال الأزهري لغة العرب أن الرواح الذهاب سواء كان أول الليل أو آخره أو في الليل قال النووي في شرح مسلم من كتاب الجمعة بعد نقله، وهذا هو الصواب. ا ه. فعلى هذا إذا حلف لا يروح إلى كذا فهو بمعنى لا يذهب، وهو بمعنى الخروج يحنث بالخروج عن قصده وصل أو لا.
"قوله" ":  ليأتينه فلم يأته حتى مات حنث في آخر حياته"؛ لأن البر قبل ذلك موجود، ولا خصوصية للإتيان بل كل فعل حلف أنه يفعله في المستقبل، وأطلقه، ولم يقيده بوقت لم يحنث

 

ج / 4 ص -477-       ليأتينه إن استطاع فهي استطاعة الصحة، وإن نو القدرة دين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حتى يقع الإياس عن البر مثل ليضربن زيدا أو ليعطين فلانة أو ليطلقن زوجته وتحقق اليأس عن البر يكون بفوت أحدهما فلذا قال في "غاية البيان"، وأصل هذا أن الحالف في اليمين المطلقة لا يحنث ما دام الحالف والمحلوف عليه قائمين لتصور البر فإذا فات أحدهما فإنه يحنث. ا ه. وبهذا ظهر أن الضمير في قوله حتى مات يعود إلى أحدهما أيهما كان سواء كان الحالف أو المحلوف عليه لا أنه خاص بالحالف كما هو المتبادر من العبارة.
وقيد باليمين المطلقة؛ لأنها لو كانت مقيدة كقوله إن لم أدخل هذه الدار اليوم فعبده حر فإن الحنث معلق بآخر الوقت حتى إذا مات الحالف قبل خروج الوقت، ولم يدخل الدار لا يحنث، وأما إذا مضى الوقت قبل دخوله، وهو حي عتق العبد كذا في "غاية البيان".
ثم اعلم أن اليمين المطلقة لا تكون على الفور إلا بقرينة ففي "الظهيرية" في الفصل السابع، ولو حلف إن رأى فلانا ليضربنه فالرؤية على القريب والبعيد والضرب متى شاء إلا أن يعني الفور.
وفي "فتاوى أبي الليث":  رجل أراد أن يواقع امرأته، وكانت امرأته على باب الدار فقال لها إن لم تدخلي معي في الدار فأنت طالق فدخلت بعدما سكنت شهوته وقع الطلاق عليها، وإن دخلت قبل ذلك لم تطلق، وفي الفصل الخامس حلف ليضربن غلامه في كل حق، وليس له نية فهو على أن يضربه كل ما شكي إليه بحق أو باطل، ولا يكون يمينه على فور الشكاية ما لم ينو ذلك. ا ه. وسيأتي تمام مسائل الفور إن شاء الله تعالى قريبا.
"قوله:  ليأتينه إن استطاع فهي استطاعة الصحة"؛ لأنها المرادة في العرف، وهي سلامة الآلات وصحة الأسباب، وفسرها محمد رحمه الله بقوله إذا لم يمرض، ولم يمنعه السلطان، ولم يجئ أمر لا يقدر على إتيانه فلم يأته حنث. ا ه. فعلى هذا المراد بسلامة الآلات صحة الجوارح فالمريض ليس بمستطيع والمراد بصحة الأسباب تهيئة لإرادة الفعل على وجه "الاختيار" فخرج الممنوع، ولذا ذكر في "الاختيار" أنها سلامة الآلات ورفع الموانع، وفي "المبسوط" الاستطاعة رفع الموانع. ا ه. فينبغي أنه إذا نسي اليمين لا يحنث؛ لأن النسيان مانع، وكذا لو جن فلم يأته حتى مضى الغد كما لا يخفى.
ولذا قال في "غاية البيان" وحدها التهيؤ لتقييد الفعل على إرادة المختار.
"قوله:  وإن نوى القدرة دين" أي صدق فيما بينه وبين الله تعالى؛ لأن حقيقتها فيما يقارن الفعل ويطلق الاسم على سلامة الآلات وصحة الأسباب في المتعارف فعند الإطلاق ينصرف إليه

 

ج / 4 ص -478-       لا تخرجي إلا بإذني شرط لكل خروج إذن بخلاف إلا أن، وحتى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وتصح نية الأول ديانة؛ لأنه حقيقة كلامه وظاهر كلامه أنه لا يصدق قضاء؛ لأنه خلاف الظاهر، وقيل يصدق قضاء أيضا؛ لأنه نوى حقيقة كلامه، وإذا صدق لا يتصور حنثه أبدا؛ لأنها لا تسبق الفعل ورجح في "فتح القدير" الأول بأنه أوجه؛ لأنه، وإن كان مشتركا بينهما لكن تعورف استعماله عند الإطلاق عن القرينة لأحد المعنيين بخصوصه، وهو سلامة آلات الفعل وصحة أسبابه فصار ظاهرا فيه بخصوصه فلا يصدقه القاضي في خلاف الظاهر. ا ه. وقد أظهر الزاهدي في "المجتبى" اعتزاله في هذا المحل كما أظهره في "القنية" في موضعين من ألفاظ التكفير، وعبارته في "المجتبى" قلت:  وفي قوله حقيقة الاستطاعة فيما يقارن الفعل نظر قوي؛ لأنه بناه على مذهب الأشعرية والسنية أن القدرة تقارن الفعل، وإنه باطل إذ لو كان كذلك لما كان فرعون، وهامان وسائر الكفرة الذين ماتوا على الكفر قادرين على الإيمان، وكان تكليفهم بالإيمان تكليفا بما لا يطاق، وكان إرسال الرسل والأنبياء، وإنزال الكتب والأوامر والنواهي والوعد والوعيد ضائعة في حقهم. ا ه. وهو غلط؛ لأن التكليف ليس مشروطا بهذه القدرة حتى يلزم ما ذكره، وإنما هو مشروط بالقدرة الظاهرة، وهي سلامة الآلات وصحة الأسباب كما عرف في الأصول.
"قوله:  لا تخرجي إلا بإذني شرط لكل خروج إذن بخلاف إلا أن وحتى" أي بخلاف لا تخرجي إلا أن آذن لك أو حتى أن آذن لك فأذن لها مرة انتهت اليمين حتى لو خرجت بإذنه ثم خرجت بعده بغير إذنه لا يحنث والفرق في الأول أن المستثنى خروج مقرون بالإذن؛ لأنه مفرغ للمتعلق فصار المعنى إلا خروجا ملصقا به فما لم يكن ملصقا بالإذن فهو داخل في اليمين لعموم النكرة فيحنث به، وفي الثاني الإذن غاية أما في حتى فظاهر، وأما في إلا أن فتجوز بإلا فيها لتعذر استثناء الإذن من الخروج وبالمرة يتحقق فينتهي المحلوف عليه، وأما لزوم تكرار الإذن في دخول بيوته عليه السلام مع تلك الصيغة
{إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} فبدليل خارجي، وهو تعليله بالأذى {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ} وتمامه في الأصول في بحث الباء، ولا يرد أن إلا أن آذن بمعنى إلا بإذني؛ لأن أن والفعل في تأويل المصدر، ولا بد من تقدير الباء، وإلا صار المعنى إلا خروجا إذني فصار كالمسألة الأولى؛ لأنه يلزم أحد الأمرين أما ما ذكر من تقدير الباء محذوفة أو ما قلنا من جعلها بمعنى حتى مجازا أي حتى آذن لك، وعلى الأول يكون كالأول، وعلى الثاني ينعقد على إذن واحد، وإذا لزم في إلا أن أحد المجازين وجب الراجح منهما، ومجاز غير الحذف أولى من مجاز الحذف عندهم؛ لأنه تصرف في وصف نفس اللفظ، ومجاز الحذف تصرف في ذاته بالإعدام مع الإرادة. وأشار المصنف بقوله شرط أنه لو نوى الإذن مرة واحدة لم يصدق قضاء، وعليه الفتوى كما في "الولوالجية" لكنه يصدق ديانة؛ لأنه نوى محتمل كلامه فيستعار بمعنى

 

ج / 4 ص -479-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حتى لكنه خلاف الظاهر فلا يصدقه القاضي بخلاف ما إذا نوى التعدد في المسألة الثانية حيث يصدق قضاء؛ لأنه محتمل كلامه، وفيه تشديد على نفسه، ومثل قوله إلا بإذن بغير إذني فيشترط لكل خروج إذن؛ لأن المعنى فيهما واحد مع وجود الباء والرضا والأمر والعلم كالإذن فيما ذكرنا، وكذلك إن خرجت إلا بقناع أو بملحفة، ولو قال لها أذنت لك في الخروج كلما أردت فخرجت مرة بعد أخرى لا يحنث فإن نهاها عن الخروج بعد ذلك صح النهي، وهذا قول محمد وبه أخذ الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل، ولو أذن لها في الخروج ثم قال لها كلما نهيتك فقد أذنت لك فنهاها لا يصح نهيه إياها، ولو أذن لها بالعربية، ولا عهد لها بالعربية فخرجت حنث كما لو أذن لها، وهي نائمة أو غائبة لم تسمع فخرجت حنث، وقال بعضهم هذا قول أبي حنيفة ومحمد أما على قول أبي يوسف وزفر يكون إذنا.
وقال بعضهم:  الإذن يصح بدون العلم والسماع في قولهم، وإنما الخلاف بينهم في الأمر على قول أبي حنيفة ومحمد لا يثبت الأمر بدون العلم والسماع والصحيح أن على قولهما لا يكون الإذن إلا بالسماع؛ لأن الإذن إيقاع الخبر في الإذن وذلك لا يكون إلا بالسماع، وأجمعوا أن إذن العبد في التجارة لا يكون إلا بالسماع، ولو كنست البيت هذه المرأة فخرجت إلى باب الدار لكنس الباب حنث؛ لأنها خرجت بغير إذنه. ولو أذن لها في الخروج إلى بعض أهلها فلم تخرج ثم خرجت في، وقت آخر إلى بعض أهلها.
قال الفقيه أبو الليث:  أخاف أن يحنث، ولو أن المرأة سمعت سائلا يسأل شيئا بعدما منعها زوجها عن الخروج إلا بإذنه فقال لها الزوج ادفعي هذه الكسرة إليه فإن كان السائل بحيث لا تقدر المرأة على الدفع إليه إلا بالخروج فخرجت لا يحنث، وإلا فيحنث، ولو قالت لزوجها تريد أن أخرج حتى أصير مطلقة فقال الزوج نعم فخرجت طلقت؛ لأن كلام الزوج هذا للتهديد لا للإذن. ولو قال لها اخرجي أما والله لو خرجت ليخزينك الله تعالى ونحو ذلك قال محمد لا يكون إذنا، وكذا لو غضبت المرأة وتأهبت للخروج فقال الزوج دعوها تخرج لم يكن إذنا إلا أن ينوي الإذن، وكذا لو قال الزوج في غضبه اخرجي ينوي التهديد والتوعيد يعني اخرجي حتى تطلقي لم يكن ذلك إذنا، ولو قال لامرأته إن خرجت من هذه الدار فأنت طالق فخرجت قبل أن يقول الزوج طالق لم يحنث حتى تخرج مرة أخرى إلا أن يكون ابتداء اليمين مخاشنة كانت بينهما في الخروج فمتى كانت كذلك لا يحنث، وإن خرجت بعد ذلك؛ لأن اليمين كانت على الخروج الأول الكل من "الظهيرية"، وفي المبتغى بالغين المعجمة، وفي قوله لها إن خرجت من الدار إلا بإذني فأنت طالق لا يحنث بخروجها لوقوع غرق أو حرق غالب فيها، وكذا في "القنية". ا ه.

 

ج / 4 ص -480-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي "القنية" لو حلف لا يشرب خمرا بغير إذنها فأذنت له أن يشربها في دار كذا فشربها في غيرها حنث. ا ه. وفي باب آخر منها إن دفعت شيئا بغير إذني فأنت طالق فدفعت من مال نفسها بغير إذنه لم يقع. ا ه. وينبغي أن ينظر إلى السبب الداعي إلى اليمين كما لا يخفى. ثم اعلم أن في المسألة الأولى إذا كانت اليمين بالطلاق ثم خرجت بغير إذن ووقع الطلاق ثم خرجت مرة ثانية بغير إذن لا يقع شيء لانحلال اليمين بوجود الشرط، وليس فيها ما يدل على التكرار كما في "الظهيرية"، ولو أذن لها أن تخرج في المسألة الأولى عشرة أيام فدخلت وخرجت مرارا في العشرة لا يحنث، ولا فرق في المسألة الأولى بين أن يكون المخاطب الزوجة أو العبد حتى لو قال المولى لعبده إن خرجت من هذه الدار إلا بإذني فأنت حر فإنه يشترط لكل خروج إذن فلو قال له أطع فلانا في جميع ما يأمرك به فأمره فلان بالخروج فخرج فالمولى حانث لوجود شرط الحنث، وهو الخروج من غير إذن المولى؛ لأن المولى لم يأذن له بالخروج، وإنما أمره بطاعة فلان، وكذلك لو قال المولى لرجل ائذن له في الخروج فأذن له الرجل فخرج؛ لأنه لم يأذن له بالخروج، وإنما أمر فلانا بالإذن، وكذلك لو قال له قل يا فلان مولاك قد أذن لك في الخروج فقال له فخرج فإن المولى حانث؛ لأنه لم يأذن له، وإنما أمر فلانا بكذب، ولو قال المولى لعبده بعد يمينه ما أمرك به فلان فقد أمرتك به فأمره الرجل بالخروج فخرج فالمولى حانث؛ لأن مقصود المولى من هذا أن لا يخرج إلا برضاه فإذا قال ما أمرك به فلان فقد أمرتك به فهو لا يعلم أن فلانا يأمره بالخروج والرضا بالشيء بدون العلم به لا يتصور فلم يعلم كون هذا الخروج مرضيا به فلم يعلم كونه مستثنى فبقي تحت المستثنى منه، ولو قال المولى للرجل قد أذنت له في الخروج فأخبر الرجل به العبد لم يحنث المولى. ولو قال لامرأته إن خرجت إلا بإذني ثم قال لها إن بعت خادمك فقد أذنت لك لم يكن منه هذا إذنا؛ لأنه مخاطرة كذا في "البدائع".
وقيد بالزوجة والعبد؛ لأنه لو قال لا أكلم فلانا إلا بإذن فلان أو حتى يأذن أو إلا أن يأذن أو إلا أن يقدم فلان أو حتى يقدم أو قال لرجل في داره والله لا تخرج إلا بإذني فإنه لا يتكرر الإذن في هذا كله؛ لأن قدوم فلان لا يتكرر عادة والإذن في الكلام يتناول كلما يوجد من الكلام بعد الإذن، وكذا خروج الرجل مما لا يتكرر عادة بخلاف الإذن للزوجة فإنه لا يتناول إلا ذلك الخروج المأذون فيه لا كل خروج إلا بنص صريح فيه مثل أذنت لك أن تخرجي كلما أردت الخروج ونحوه فكان الاقتصار في هذا الوجود الصارف عن التكرار لا؛ لأن العرف في الكل على التفصيل المذكور كذا في "فتح القدير".
وأشار المصنف بالمسألة الثانية إلى أنه لو قال عبده حر إن دخل هذه الدار إلا أن ينسى

 

ج / 4 ص -481-       ولو أرادت الخروج، فقال:  إن حرجت، أو ضرب العبد، فقال إن ضربت تقيد به كاجلس، فتغد عندي، فقال إن تغديت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فدخلها ناسيا ثم دخل بعد ذلك ذاكرا لم يحنث بخلاف ما إذا قال إن دخل هذه الدار إلا ناسيا فدخلها ناسيا ثم دخلها ذاكرا فإنه يحنث؛ لأنه استثنى من كل دخول دخولا بصفة فبقي ما سواه داخلا تحت اليمين بخلاف الأول فإنه يعني حتى فلما دخلها ناسيا انتهت اليمين، وإلى أنه لو قال عبدي حر إن دخلت هذه الدار دخلة إلا أن يأمرني فلان فأمره فلان مرة واحدة فإنه لا يحنث، وقد سقطت اليمين بخلاف ما إذا قال إلا أن يأمرني بها فلان بزيادة بها فأمره فدخل ثم دخل بعد ذلك بغير أمره فإنه يحنث، ولا بد من الأمر في كل دخلة كقوله إلا بأمر فلان كالمسألة الأولى كما في "البدائع" أيضا.
وفي "الظهيرية" قال لامرأته إن دخلت من هذه الدار إلا لأمر لا بد منه فأنت طالق، وللمرأة حق على رجل فأرادت أن تدعي ذلك وخرجت لأجله قالوا إن كانت تقدر على أن توكل بذلك حنث الحالف، وإن لم تقدر على أن توكل لا يحنث، ولو حلف أن لا تخرج امرأته إلا بعلمه فخرجت، وهو يراها فمنعها لم يحنث، ولو أذن لها بالخروج فخرجت بغير علمه لا يحنث، وإن لم يأذن لها فخرجت، وهو يراها لا يحنث أيضا. ا ه. ثم انعقاد اليمين على الإذن في قوله إن خرجت إلا بإذني فأنت طالق أو والله لا تخرجين إلا بإذني مقيد ببقاء النكاح؛ لأن الإذن إنما يصح ممن له المنع فلو أبانها ثم تزوجها فخرجت بلا إذن لم يحنث، وإن كان زوال الملك لا يبطل اليمين عندنا؛ لأنها لم تنعقد إلا على مدة بقاء النكاح، وكذا في العبد يشترط بقاء ملك المولى وسيأتي بيانه أيضا في قوله حلف ليعلمنه بكل داعر دخل البلدة تقيد بقيام ولايته، وهذا بخلاف ما إذا حلف لا تخرج امرأته من هذه الدار، ولا عبده فبانت منه أو خرج العبد عن ملكه ثم خرج فإنه يحنث، ولا يتقيد بحال قيام الزوجية والملك لانعدام دلالة التقييد، وهي قوله:  إلا بإذنه فيعمل بعموم اللفظ فإن عنى به ما دامت امرأته دين فيما بينه وبين الله تعالى، ولا يدين في القضاء؛ لأنه خلاف الظاهر، وكذلك من طولب بحق فحلف أن لا يخرج من دار مطالبه حنث بالخروج زال ذلك الحق أو لم يزل لما قلنا كذا في "البدائع".
وفي "المحيط" رجل حلفه ثلاثة رجال أنه لا يخرج من بخارى إلا بإذنهم فجن أحدهم قال لا يخرج، وإن مات أحد الثلاثة فخرج لم يحنث؛ لأنه ذهب الإذن الذي وقعت عليه اليمين، ولو قال إلا بإذن فلان فمات المحلوف عليه بطلت اليمين عندهما خلافا لأبي يوسف بناء على أن فوات المعقود عليه يمنع بقاء اليمين عندهما، وعنده لا يمنع. ا ه.
"قوله:  ولو أرادت الخروج فقال إن خرجت أو ضرب العبد فقال إن ضربت تقيد به كاجلس فتغد عندي فقال إن تغديت" بيان ليمين الفور مأخوذ من فور القدر إذا غلت واستعير

 

ج / 4 ص -482-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للسرعة ثم سميت بها الحال التي لا ريث فيها فقيل جاء فلان من فوره أي من ساعته وسميت هذه اليمين به باعتبار فوران الغضب انفرد أبو حنيفة بإظهارها، وكانت اليمين في عرفهم قسمين مؤبدة، وهي أن يحلف مطلقا ومؤقتة، وهي أن يحلف أن لا يفعل كذا اليوم أو هذا الشهر فأخرج أبو حنيفة يمين الفور.
قال في "المحيط"، ولم يسبقه أحد في تسميتها، ولا في حكمها، ولا خالفه أحد فيه بعد ذلك فإن الناس كلهم عيال أبي حنيفة في هذا. ا ه. بل الناس عيال أبي حنيفة في الفقه كله، وهي يمين مؤبدة لفظا موقتة معنى تتقيد بالحال أو تكون بناء على أمر حالي فمن الثاني امرأة تهيأت للخروج فحلف لا تخرج فإذا جلست ساعة ثم خرجت لا يحنث؛ لأن قصده أن يمنعها من الخروج الذي تهيأت له فكأنه قال إن خرجت أي الساعة، ومنه من أراد أن يضرب عبده فحلف عليه لا يضربه فإذا تركه ساعة بحيث يذهب فور ذلك ثم ضربه لا يحنث لذلك بعينه، ومن الأول اجلس فتغد عندي فيقول إن تغديت فعبدي حر تقيد بالحال فإذا تغدى في يومه في منزله لا يحنث؛ لأنه يمين وقع جوابا تضمن إعادة ما في السؤال والمسئول الغد الحالي فينصرف الحلف إلى الغداء الحالي لتقع المطابقة. وهذا كله عند عدم نية الحالف.
وقيد بكونه قال إن تغديت، ولم يزد عليه؛ لأنه لو زاد بأن قال إن تغديت اليوم أو معك فعبدي حر فتغدى في بيته أو معه في وقت آخر فإنه يحنث؛ لأنه زاد على حرف الجواب فيكون مبتدأ، ولا يقال إن موسى عليه السلام زاد في الجواب حين سئل عن العصا، ولم يكن مبتدأ؛ لأنا نقول لما سئل بما، وهي تقع على ذات ما لا يعقل، والصفات فاشتبه عليه الحال فأجاب بهما حتى يكون مجيبا عن أيهما كان.
وأشار المصنف إلى أنه لو قال لامرأته عند خروجها من المنزل إن رجعت إلى منزلي فأنت طالق ثلاثا ثم جلست فلم تخرج زمانا ثم خرجت ورجعت والرجل يقول نويت الفور فالظاهر أنه يصدق؛ لأنه لو قال إن خرجت، ولا نية له ينصرف إلى هذه الخرجة فكذا إذا قال إن رجعت ونوى الرجوع بعد هذه الخرجة كان أولى أن ينصرف إلى الرجوع عن هذه الخرجة كذا في "المحيط".
ثم اعلم أن التقييد تارة يثبت صريحا وتارة يثبت دلالة والدلالة نوعان دلالة لفظية ودلالة حالية فدلالة اللفظ نحو ما إذا حلف لا يدخل على فلان تقيد بحال حياة المحلوف عليه والدلالة الحالية كما في "الكتاب".
وفي "المحيط" أصله أن الحالف متى أعقب الفعل فعلا بحرف العطف، وهو الفاء والواو

 

ج / 4 ص -483-       ومركب عبده مركبه إن ينو، ولا دين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإن كان الفعل الثاني في العادة يفعل على فور الأول، ولم يفعل حنث، وإن لم يكن يفعل على فور الأول لا يحنث ما لم يمت، وإن ذكر الفعل الثاني بحرف الشرط أو التراخي، وهو حرف ثم فهو على الأبد؛ لأن المشروط لا يتحقق إلا بعد وجود الشرط، وكلمة ثم على التراخي فلو قال إن ضربتني فلم أضربك أو لقيتك فلم أسلم عليك، وإن كلمتني فلم أجبك فهو على الفور باعتبار العادة، وكذا لو قال إن استعرت دابتك فلم تعرني أو دخلت الدار فلم أقعد، وإن ذكر بحرف الواو بأن قال إن كلمتك ولم تكلمني فهذا يحتمل قبل وبعد فتعتبر نيته، ولو قال إن ركبت دابتي فلم أعطك دابتي فهو على الفور، ولو قال إن أتيتني فلم آتك أو إن زرتني فلم أزرك فهو على الأبد إلى آخر ما ذكره ثم قال لو قال لامرأته إن لم تقومي الساعة وتجيئي إلى دار والدي فأنت طالق ثلاثا فقامت الساعة، ولبست الثياب وخرجت ثم رجعت وجلست حتى خرج الزوج فخرجت هي أيضا، وأتت دار والده بعدما أتاها الزوج لا يحنث؛ لأن رجوع المرأة وجلوسها ما دامت في تهيؤ الخروج لا يكون تركا للفور ألا ترى أنه لو أخذها البول فبالت قبل لبس الثياب ثم لبست الثياب لم يحنث ألا ترى أن الرجل إذا قال لامرأته إن لم تجيئي إلى الفراش هذه الساعة فأنت طالق، وهما في التشاجر فطال بينهما كان على الفور حتى لو ذهبت إلى الفراش لا يحنث فإن خافت فوت الصلاة فصلت قال نصر بن يحيى حنث الرجل؛ لأن الصلاة عمل آخر فينقطع به فور الأول، وعلى قياس الحسن بن زياد لا يحنث، وعليه الفتوى، ولو اشتغلت بالوضوء للصلاة المكتوبة أو اشتغلت بالصلاة المكتوبة لا يحنث؛ لأنه عذر شرعا فصار مستثنى من يمينه شرعا، وعرفا، ولو اشتغلت بالتطوع أو بالوضوء أو أكلت أو شربت حنث؛ لأن هذا ليس بعذر شرعا. ا ه.
وفي "القنية" قال لها في الخصومة الحلال علي حرام إن لم تخرجي، وقال ما أردت به الخروج للحال ثم خرجت بعد ساعات يحنث إن كانت الخصومة في الخروج، وإلا فلا، وفي الجامع لو قال لها إن لم أضربك فأنت طالق فهي على أربعة أقسام فإن كان فيه دلالة الفور بأن قصد ضربها فمنع انصرف إلى الفور، وإن نوى الفور بدون الدلالة يصدق أيضا؛ لأن فيه تغليظا، وإن نوى الأبد أو لم تكن له نية انصرف إلى الأبد، وإن نوى اليوم أو الغد لم تقبل نيته، ولو قال لها إن أخذت من مالي شيئا، ولم تخبريني فكذا فأخذت، ولم تخبره في الحال، ولا قبله، وإنما أخبرته بعد أيام لا يحنث إن رأيت سارقا فلم أخبرك فهو على الفور، وإن قال:  ولم أخبرك، وإن لم أخبرك فعلى التراخي، ولا بد من الشرطين. ا ه ما في "القنية"
"قوله:  ومركب عبده مركبه إن ينو، ولا دين" يعني لو حلف لا يركب دابة فلان فركب دابة

 

ج / 4 ص -484-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عبد فلان فإنه يحنث بشرطين الأول أن ينويها الثاني أن لا يكون عليه دين أي مستغرق فإن لم ينو لا حنث مطلقا؛ لأن الملك، وإن كان للمولى إلا أنه يضاف إلى العبد عرفا، وكذا شرعا قال عليه السلام
"من باع عبدا، وله مال"1 الحديث، فتختل الإضافة إلى المولى فلا بد من النية فإن نواها، ولا دين على العبد أو كان دينه غير مستغرق حنث؛ لأنه شدد على نفسه بنيته، وإن كان الدين مستغرقا فلا حنث، وإن نوى؛ لأنه لا ملك للمولى في كسب عبده المديون المستغرق عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف يحنث في الوجوه كلها إذا نوى؛ لأن الملك للمولى لكن الإضافة إليه قد اختلت لما ذكرنا فلا يدخل إلا بالنية، وقال محمد يحنث في الوجوه كلها نوى أو لم ينو اعتبارا للحقيقة؛ لأن العبد، وما في يده ملك المولى حقيقة عنده ونظير هذا الاختلاف ما لو قال كل مملوك لي حر فعند أبي يوسف لا يدخل عبيد عبده التاجر إلا بالنية سواء كان على العبد دين أو لا، وعند محمد عتقوا نواهم أو لا كان عليه دين أو لا، وعند أبي حنيفة إن لم يكن عليه دين عتقوا إذا نواهم، وإلا فلا، وإن كان على العبد دين لم يعتقوا، وإن نواهم.
وفي "المحيط"، ولو ركب دابة مكاتبه لا يحنث؛ لأن ملكه ليس بمضاف إلى المولى لا ذاتا، ولا يدا. ا ه.
ولم يذكر المصنف رحمه الله من مسائل الركوب غير هذه المسألة، ولا بأس بذكر بعض مسائله قال في "الواقعات" حلف لا يركب فاليمين على ما يركب الناس من الفرس والبغل وغير ذلك فلو ركب ظهر إنسان ليعبر النهر لا يحنث؛ لأن أوهام الناس لا تسبق إلى هذا. ا ه.
وفي "الظهيرية" حلف أن لا يركب دابة، ولم ينو شيئا فركب حمارا أو فرسا أو برذونا أو بغلا حنث فإن ركب غيرها نحو البعير والفيل لا يحنث استحسانا إلا أن ينوي، ولو حلف لا يركب فرسا فركب برذونا لا يحنث.
وكذلك لو حلف لا يركب برذونا فركب فرسا؛ لأن الفرس اسم للعربي والبرذون للعجمي والخيل ينتظم الكل، وهذا إذا كانت اليمين بالعربية، وإن كانت بالفارسية يحنث بكل حال، ولو حلف لا يركب دابة فحمل على الدابة مكرها لا يحنث، وإن حلف لا يركب أو لا يركب مركبا فركب سفينة أو محملا أو دابة حنث، ولو ركب آدميا ينبغي أن لا يحنث، ولو حلف لا يركب على هذا السرج فزيد فيه أو نقص عنه فركب عليه حنث. ا ه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أبو داود، كتاب البيوع، باب في بيع يباع وله مال "3433"، وأحمد في مسنده "2/9". والبيهقي، كتاب البيوع، باب ما جاء في مال العبد "5/324".

 

ج / 4 ص -485-       وفي "الخلاصة" قال كلما ركبت دابة فلله علي أن أتصدق بها فركب دابة يلزمه التصدق بها فإن تصدق بها ثم اشتراها فركب مرة أخرى لزمه التصدق بها مرة أخرى ثم وثم بخلاف مسألة التنجيز حيث يبطل التعليق أما لو قال لأجنبية كلما تزوجتك فأنت طالق ثلاثا فتزوجها تطلق ثلاثا فلو تزوجت بآخر، وعادت إليه فتزوجها تطلق ثلاثا ثم وثم. ا ه. والله أعلم.

2ـ باب اليمين في الأكل والشرب واللبس والكلام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2ـ باب اليمين في الأكل والشرب واللبس والكلام
الأكل إيصال ما يحتمله المضغ بفيه إلى الجوف مضغ أو لم يمضغ كالخبز واللحم والفاكهة ونحوها، والشرب إيصال ما لا يحتمل المضغ من المائعات إلى الجوف مثل الماء والنبيذ واللبن والعسل فإن وجد ذلك يحنث، وإلا فلا يحنث إلا إذا كان يسمى ذلك أكلا أو شربا في العرف والعادة فيحنث فإذا حلف لا يأكل كذا أو لا يشرب فأدخله في فيه، ومضغه ثم ألقاه لم يحنث حتى يدخله في جوفه؛ لأنه بدون ذلك لا يكون أكلا وشربا بل يكون ذوقا، ولو حلف لا يأكل هذه البيضة أو لا يأكل هذه الجوزة فابتلعها قال قد حنث لوجود حد الأكل، وهو ما ذكرنا، ولو حلف لا يأكل عنبا أو رمانا فجعل يمصه ويرمي تفله ويبتلع ماءه لم يحنث في الأكل، ولا في الشرب؛ لأن ذلك ليس بأكل، ولا شرب بل هو مص، وإن عصر ماء العنب فلم يشربه، وأكل قشره وحصرمه فإنه يحنث؛ لأن الذاهب ليس إلا الماء، وذهاب الماء لا يخرجه من أن يكون آكلا له ألا ترى أنه إذا مضغه وابتلع الماء أنه لا يكون آكلا له بابتلاع الماء بل بابتلاع الحصرم فدل أن أكل العنب هو أكل القشر والحصرم منه، وقد وجد فيحنث.
وقال هشام عن محمد في رجل حلف لا يأكل سكرا فأخذ سكرة فجعلها في فيه فجعل يبتلع ماءها حتى ذابت قال لم يأكل؛ لأنه حين أوصلها إلى فيه وصلت، وهي لا تحتمل المضغ، وكذلك روي عن أبي يوسف فيمن حلف لا يأكل رمانة فمص رمانة أنه لا يحنث، ولو حلف لا يأكل هذا اللبن فأكله بخبز أو تمر أو حلف لا يأكل من هذا العسل فأكله بخبز يحنث؛ لأن اللبن هكذا يكون، وكذلك الخل؛ لأنه من جملة الإدام فيكون أكله بالخبز كاللبن فإن أكل ذلك بانفراده لا يحنث؛ لأن ذلك شرب، وليس بأكل فإن صب على ذلك الماء ثم شربه لا يحنث في قوله لا آكل لعدم الأكل ويحنث في قوله لا أشرب لوجود الشرب، وكذلك إن حلف لا يأكل هذا الخبز فجففه ثم دقه وصب عليه الماء فشربه لا يحنث؛ لأن هذا شرب لا أكل فإن أكله مبلولا أو غير مبلول يحنث؛ لأن الخبز هكذا يؤكل عادة، وكذلك السويق إذا شربه بالماء فهو شارب، وليس بآكل كذا في "البدائع"، ولم يذكر المصنف الذوق، وهو معرفة الشيء بفيه من غير إدخال

 

ج / 4 ص -486-       لا يأكل من هذه النخلة حنث بثمرها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عينه ألا ترى أن الأكل والشرب مفطر لا الذوق كذا في "الكافي".
ولذا قال في "الظهيرية" لو حلف لا يذوق في منزل فلان طعاما، ولا شرابا فذاق فيه شيئا أدخله في فيه، ولم يصل إلى جوفه حنث ويمينه على الذوق حقيقة إلا أن يكون تقدمه كلام وبيان ذلك أن يقول له غيره تعال تغد عندي اليوم فحلف لا يذوق في منزله طعاما، ولا شرابا فهذا على الأكل والشرب، وعن محمد فيمن حلف لا يذوق الماء فتمضمض للصلاة لا يحنث؛ لأن هذا لا يراد بذكر الذوق. ا ه.
وفي "المحيط" حلف لا يأكل، ولا يشرب فذاق لا يحنث ولو حلف لا يذوق فأكل أو شرب حنث؛ لأن في الأكل والشرب ذوقا وزيادة. ا ه. وسيأتي بيان اللبس والكلام إن شاء الله تعالى والله أعلم.
"قوله:  لاياكل من هذه انخله حنث بثمرها"لأنه أضاف اليمين إلى ما لا يؤكل فينصرف إلى ما يخرج منه؛ لأنه سبب له فيصلح مجازا عنه والثمر بالمثلثة ما يخرج منها فيحنث بالجمار والبسر والرطب والتمر والطلع والدبس الخارج من ثمرها والجمار رأس النخلة، وهي شيء أبيض لين والطلع ما يطلع من النخل، وهو الكم قبل أن ينشق ويقال لما يبدو من الكم طلع أيضا، وهو شيء أبيض يشبه بلونه الأسنان وبرائحته المني كذا في المغرب.
وقيد بالثمر؛ لأنه لا يحنث بما تغير بصفة حادثة فلا يحنث بالنبيذ والناطف والدبس المطبوخ والخل؛ لأنه مضاف إلى فعل حادث فلم يبق مضافا إلى الشجر ويحنث بالعصير؛ لأنه لم يتغير بصنعة جديدة، ولو لم يكن للشجرة ثمرة ينصرف اليمين إلى ثمنها فيحنث إذا اشترى به مأكولا وأكله.
وأشار بقوله بثمرها إلى أنه لو قطع غصنا منها فوصله بشجرة أخرى فأكل من ثمر تلك الشجرة من هذا الغصن أنه لا يحنث، وقال بعضهم يحنث، وإلى أنه لو تكلف، وأكل من عين النخلة لا يحنث قالوا، وهو الصحيح كذا في "المحيط".
وأشار بالنخلة إلى كل ما لا يؤكل عينه فلو حلف لا يأكل من هذا الكرم فهو على عنبه وحصرمه وزبيبه وعصيره، وفي بعض المواضع ودبسه، والمراد عصيره فإنه ماء العنب، وهو ما يخرج بلا صنع عند انتهاء نضج العنب، وقيد بما لا يؤكل عينه؛ لأنه لو حلف لا يأكل من هذه الشاة فإنه يحنث باللحم خاصة، ولا يحنث باللبن والزبد؛ لأنها مأكولة فينعقد اليمين عليها. وكذا لو حلف لا يأكل من هذا العنب فإنه لا يحنث بزبيبه، وعصيره؛ لأن حقيقته ليست مهجورة فيتعلق الحلف بمسمى العنب.

 

ج / 4 ص -487-       ولو عين البسر، والرطب، واللبن لا يحنث برطبه، وتمره، وشيرازه بخلاف هذا الصبي، وهذا الشاب وهذا الحمل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأطلق المصنف، ولم يقيد بالنية للإشارة إلى أنه عند عدمها فلو نوى أكل عينها لم يحنث بأكل ما يخرج منها؛ لأنه نوى حقيقة كلامه كذا في "المحيط" وينبغي أن لا يصدق قضاء؛ لأن المجاز صار متعينا ظاهرا فإذا نوى بخلاف الظاهر لا يقبل، وإن كان حقيقة، وله شواهد كثيرة.
"قوله:  ولو عين البسر والرطب واللبن لا يحنث برطبه وتمره وشيرازه بخلاف هذا الصبي، وهذا الشاب، وهذا الحمل"؛ لأن صفة الرطوبة والبسورة داعية إلى اليمين، وكذا كونه لبنا فيتقيد به فإذا حلف لا يأكل هذا البسر فأكله بعدما صار رطبا أو حلف لا يأكل هذا الرطب فأكله بعدما صار تمرا يعني يابسا، وهو بالتاء المثناة أو حلف لا يأكل هذا اللبن فأكله بعدما صار شيرازا أي رائبا، وهو الخاثر إذا استخرج ماؤه فإنه لا يحنث في هذه المسائل الثلاث بخلاف ما إذا حلف لا يكلم هذا الصبي أو الشاب فكلمه بعدما شاخ فإنه يحنث؛ لأن هجران المسلم بمنع الكلام منهي عنه فلم يعتبر الداعي في الشرع؛ ولأن صفة الصبا داعية إلى المرحمة لا إلى الهجران فلا تعتبر وتتعلق اليمين بالإشارة، وكذا لو حلف لا يأكل هذا الحمل بفتحتين، ولد الشاة فأكله بعدما صار كبشا فإنه يحنث؛ لأن صفة الصغر في هذا ليست داعية إلى اليمين فإن الممتنع عنه أكثر امتناعا عن لحم الكبش. والأصل أن المحلوف عليه إذا كان بصفة داعية إلى اليمين تقيد به في المعرف والمنكر فإن زالت زال اليمين عنه، وما لا يصلح داعية اعتبر في المنكر دون المعرف قيد بقوله عين؛ لأنه لو نكر فسيأتي.
وقيد بهذا الصبي؛ لأنه لو حلف لا يكلم صبيا فكلم بالغا لا يحنث؛ لأنه صار مقصودا بالحلف لكونه هو المعرف للمحلوف عليه فيجب تقييد اليمين به، وإن كان حراما كذا في "الكشف الكبير" فالصبي من لم يبلغ، وكذا الغلام فإذا بلغ فهو شاب، وفتى إلى ثلاثين سنة أو ثلاث وثلاثين على الاختلاف فهو كهل إلى خمسين سنة فهو شيخ كما في "الذخيرة".
وأشار المصنف إلى أنه لو حلف لا يأكل هذا العنب فصار زبيبا أو لا يأكل هذا اللبن فصار جبنا أو حلف لا يأكل من هذه البيضة فأكل من فراريجها أو لا يذوق من هذا الخمر فصار خلا أو حلف لا يأكل من زهرة هذه الشجرة فأكل بعدما صار لوزا أو مشمشا فإنه لا يحنث بخلاف ما إذا حلف لا يأكل تمرا فأكل حيسا فإنه يحنث؛ لأنه تمر مفتت فإن التمر بجميع أجزائه قائم إذ تفرقت أجزاؤه لا غير كذا في "المحيط"، وفسر الحيس في "البدائع" بأنه اسم لتمر ينقع في اللبن ويتشرب فيه اللبن، وقيل هو طعام يتخذ من تمر ويضم إليه شيء من السمن أو غيره والغالب هو التمر فكان أجزاء التمر بحالها فيبقى الاسم. ا ه.

 

ج / 4 ص -488-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والكلام ليس بقيد في مسألتي الصبي؛ لأنه لو حلف لا يجامع هذه الصبية فجامعها بعدما صارت كبيرة يحنث كما في "البدائع"، ولو حلف لا يأكل من هذه الجدحة فأكلها بعدما صارت بطيخا لا رواية فيه واختلف المشايخ فيه كذا في "البدائع" أيضا، وفيها أيضا إذا نوى في الفصول المتقدمة ما يوجب الحنث حنث؛ لأنه شدد على نفسه.
ثم اعلم أن الأصل فيما إذا حلف لا يأكل معينا فأكل بعضه إن كان يأكله الرجل في مجلس أو يشربه في شربة فالحلف على جميعه، ولا يحنث بأكل بعضه؛ لأن المقصود الامتناع عن أكله، وكل شيء لا يطاق أكله في المجلس، ولا شربه في شربة يحنث بأكل بعضه؛ لأن المقصود من اليمين الامتناع عن أصله لا عن جميعه فلو حلف لا يأكل من ثمر هذا البستان أو من ثمر هاتين النخلتين أو من هذين الرغيفين أو من لبن هاتين الشاتين أو من هذا الغنم أو لا أشرب من ماء هذه الأنهار فأكل أو شرب بعضه يحنث؛ لأن كلمة من للتبعيض فكانت اليمين متناولة بعض المذكور، وقد وجد، وكذلك لو قبض دينارا فوجد درهمين زائفين فحلف لا يأخذ منهما شيئا، وأخذ أحدهما حنث، ولو قال لا أشرب لبن هاتين الشاتين ونحو ذلك لم يحنث حتى يشرب من لبن كل شاة، ولا يعتبر شرب الكل؛ لأنه غير مقصود.
ولو حلف لا يأكل سمن هذه الخابية فأكل بعضه حنث، ولو كان مكان الأكل بيعا فباع بعضها لا يحنث؛ لأن الأكل لا يتأتى على جميعه في مجلس واحد ويتأتى البيع، ولو حلف لا يأكل هذه البيضة لا يحنث حتى يأكلها كلها، ولو حلف لا يأكل هذا الطعام فإن كان يقدر على أكل كله دفعة واحدة لا يحنث حتى يأكل كله، وإن لم يقدر حنث بأكل بعضه، وهو الأصح المختار لمشايخنا.
ولو قال لامرأتيه إن أكلتما هذين الرغيفين فعبدي حر فأكلت كل واحدة منهما رغيفا عتق العبد، وكذلك لو أكلت إحداهما الرغيفين إلا شيئا، وأكلت الباقي الأخرى يحنث كذا في "المحيط".
وفي "البدائع" معزيا إلى الأصل بعدما ذكر هذه المسائل قال:  ولو قال لا آكل هذه الرمانة فأكلها إلا حبة أو حبتين حنث في الاستحسان؛ لأن ذلك القدر لا يعتد به فإنه يقال في العرف لمن أكل رمانة وترك منها حبة أو حبتين إنه أكل رمانة، وإن ترك نصفها أو ثلثها أو ترك أكثر مما لا يجري في العرف أنه يسقط من الرمانة لم يحنث؛ لأنه لا يسمى أكلا لجميعها. ا ه. وبه يعلم أن اليسير من الرغيف وغيره كالعدم كاللقمة.

 

ج / 4 ص -489-       لا يأكل بسرا فأكل رطبا لا يحنث، وفي لا يأكل رطبا، أو بسرا، أو لا يأكل رطبا، ولا بسرا حنث بالمذنب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي "الواقعات" اغترف من القدر ثم قال والله لا آكل من هذا القدر فأكل ما في القصعة لا يحنث؛ لأن اليمين على ما بقي في القدر ثم قال في الفصل التاسع قال إن أكلت هذا الرغيف اليوم فامرأته طالق ثلاثا، وإن لم آكله اليوم فأمته حرة فأكل النصف لم يحنث لانعدام شرط الحنث في اليمين، وهو أكل الكل أو ترك الكل. ولو أخذ لقمة فوضعها في فيه فقال له رجل امرأتي طالق إن أكلتها، وقال آخر امرأتي طالق إن أخرجتها من فيك فأكل البعض، وأخرج البعض لم يحنث أحدهما؛ لأن شرط الحنث أكل الكل أو إخراج الكل، ولم يوجد قال هذا الرغيف علي حرام فأكل بعضه حنث، وهذا بخلاف قوله لا آكل هذا الرغيف إذا كان مما يؤكل كله في مجلس واحد والفتوى على ذلك. ا ه.
وقيد المصنف باليمين؛ لأنه لو أوصى بهذا الرطب فصار تمرا ثم مات لم تبطل الوصية لأن بعض الموصى به قد فات، وفوات بعض الموصى به لا يوجب بطلانها، وفي اليمين تناول بعض المحلوف عليه فلا يحنث بخلاف ما إذا أوصى بعنب ثم صار زبيبا ثم مات الموصي بطلت الوصية والفرق أن الرطب والتمر صنف واحد لقلة التفاوت بينهما بخلاف العنب والزبيب فإنه تبديل، وهلاك كذا في "غاية البيان".
"قوله:  لا يأكل بسرا فأكل رطبا لا يحنث"؛ لأنه ليس ببسر كما لو حلف لا يأكل عنبا فأكل زبيبا قيد به؛ لأنه لو حلف لا يأكل جوزا فأكل منه رطبا أو يابسا، وكذلك اللوز والفستق والبندق والتين، وأشباه ذلك؛ لأن الاسم يتناول الرطب واليابس جميعا كذا في "البدائع" والله أعلم.
"قوله:  وفي لا يأكل رطبا أو بسرا أو لا يأكل رطبا، ولا بسرا حنث بالمذنب"، وهو بكسر النون كما في المغرب يقال بسر مذنب، وقد ذنب إذا بدا الإرطاب من قبل ذنبه، وهو ما سفل من جانب القمع والعلاقة.
وأما الرطب فهو ما أدرك من تمر النخل الواحدة رطبة فالرطب المذنب هو الذي أكثره رطب وشيء قليل منه بسر والبسر المذنب عكسه، وهذا عند أبي حنيفة، وقالا لا يحنث في الرطب بالبسر المذنب، ولا في البسر بالرطب المذنب؛ لأن الرطب المذنب يسمى رطبا والبسر المذنب يسمى بسرا وصار كما إذا كانت اليمين على الشراء، وله أن الرطب المذنب ما يكون في ذنبه قليل بسر والبسر المذنب على عكسه فصار أكله أكل البسر والرطب، وكل واحد مقصود في الأكل بخلاف الشراء فإنه يصادف الجملة فيتبع القليل فيه الكثير، وفي أكثر الكتب المعتبرة أن محمدا مع أبي حنيفة.

 

ج / 4 ص -490-       ولا يحنث بشراء كباسة بسر فيها رطب في لا يشتري رطبا، وبسمك في لا يأكل لحماً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وحاصل المسائل أربع وفاقيتان وخلافيتان فالوفاقيتان ما إذا حلف لا يأكل رطبا فأكل رطبا مذنبا، وما إذا حلف لا يأكل بسرا فأكل بسرا مذنبا فيحنث فيهما اتفاقا والخلافيتان ما إذا حلف لا يأكل رطبا فأكل بسرا مذنبا، وما إذا حلف لا يأكل بسرا فأكل رطبا مذنبا فإنه يحنث عندهما خلافا لأبي يوسف ولله اعلم.
"قوله:  ولا يحنث بشراء كباسة بسر فيها رطب في لا يشتري رطبا" أي لو حلف لا يشتري رطبا فاشترى كباسة بسر فيها رطب لم يحنث؛ لأن الشراء يصادف جملته والمغلوب تابع، ولو كان اليمين على الأكل يحنث؛ لأن الأكل يصادفه شيئا فشيئا فكان كل واحد منهما مقصودا وصار كما إذا حلف لا يشتري شعيرا أو لا يأكل فاشترى حنطة فيها حبات شعير أو أكلها يحنث في الأكل دون الشراء لما قدمنا قال في "الخانية" لو حلف لا يشتري ألية فاشترى شاة مذبوحة كان حانثا، وكذا إذا حلف لا يشتري رأسا والكباسة بكسر الكاف عنقود النخل والجمع كبائس قال في "التبيين" بخلاف ما إذا عقد يمينه على المس حيث يحنث في الوجوه كلها؛ لأن المس فيها متصور حقيقة، واسم المحلوف عليه باق بخلاف ما إذا حلف لا يمس قطنا أو كتانا فمس ثوبا اتخذ منه حيث لا يحنث لزوال اسم القطن والكتان عنه فصار كمن حلف لا يأكل سمنا أو زبدا أو لا يمسه فأكل لبنا أو مسه.
"قوله:  وبسمك في لا يأكل لحما" أي لو حلف لا يأكل لحما لا يحنث بأكل لحم السمك، وإن سماه الله تعالى لحما في القرآن للعرف، وقد قدمنا أن الأيمان مبنية عليه لا على الحقيقة، وهو أولى مما في "الهداية" من أن التسمية التي وقعت في القرآن مجازية لا حقيقية؛ لأن اللحم منشؤه من الدم، ولا دم في السمك لسكونه في الماء، ولذا حل بلا ذكاة فإنه ينتقض بالألية تنعقد من الدم، ولا يحنث بأكلها لمكان العرف، وهي أنها لا تسمى لحما، وأيضا يمنع أن اسم اللحم باعتبار الانعقاد من الدم لا باعتبار الالتحام ألا ترى أنه لو حلف لا يركب دابة فركب كافرا أو لا يجلس على وتد فجلس على جبل أنه لا يحنث مع تسميتها في القرآن دابة، وأوتادا، وهذا كله إذا لم ينو أما إذا نواه فأكل سمكا طريا أو مالحا يحنث.
وفي "المحيط"، وفي الأيمان يعتبر العرف في كل موضع حتى قالوا لو كان الحالف خوارزميا فأكل لحم السمك يحنث؛ لأنهم يسمونه لحما، ولو حلف لا يشتري خبزا فاشترى خبز الأرز لا يحنث إلا أن يكون بطبرستان1 ا ه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهي بلدان واسعة كثيرة يشملها هذا الاسم فمن أعيان بلدانها:  دهستان، وجرجان، واستراباذ، وآمل، وهي بلدان كثيرة المياه متهدلة الأشجار كثيرة الفواكه، ا ه. معجم البلدان "4/13".

 

ج / 4 ص -491-       ولحم الخنزير، والإنسان، والكبد والكرش لحم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله:  ولحم الخنزير والإنسان والكبد والكرش لحم"؛ لأن منشأ هذه الأشياء الدم فصارت لحما حقيقة فيحنث بأكلها في حلفه لا يأكل لحما، وإن كان لحم الخنزير والآدمي حراما؛ لأن اليمين قد تنعقد لمنع النفس عن الحرام كما لو حلف لا يزني أو لا يكذب تصح يمينه، وكذا يدخل في العموم ألا ترى أنه لو حلف لا يشرب شرابا يدخل فيه الخمر حتى تلزمه الكفارة بشربها لكونها شرابا حقيقة ووجوب الكفارة في اليمين ليس لعينها بل لمعنى في غيرها، وهو هتك حرمة اسم الله تعالى، ولا يختلف ذلك بين أن تكون يمينه على الطاعة أو على المعصية وصحح الإمام العتابي أنه لا يحنث بأكل لحم الخنزير والآدمي، وقال في "الكافي"، وعليه الفتوى اعتبارا للعرف، وهذا هو الحق، وما في "التبيين" من أنه عرف عملي لا يصلح مقيدا للفظ بخلاف العرف اللفظي ألا ترى أنه لو حلف لا يركب دابة لا يحنث بالركوب على الإنسان للعرف اللفظي؛ لأن اللفظ عرفا لا يتناول إلا الكراع، وإن كان في اللغة يتناوله.
ولو حلف لا يركب حيوانا يحنث بالركوب على الإنسان؛ لأن اللفظ يتناول جميع الحيوانات والعرف العملي، وهو أنه لا يركب عادة لا يصلح مقيدا. ا ه. فقد رده في "فتح القدير" بأنه غير صحيح لتصريح أهل الأصول بقولهم الحقيقة تترك بدلالة العادة إذ ليست العادة إلا عرفا عمليا، ولم يجب عن الفرق بين الدابة والحيوان، وهي واردة عليه إن سلمها.
وفي "الخلاصة" لو حلف لا يأكل لحما فأكل شيئا من البطون كالكبد والطحال يحنث في عرف أهل الكوفة، وفي عرفنا لا يحنث، وهكذا في "المحيط" و"المجتبى"، ولا يخفى أنه لا يسمى لحما في عرف أهل مصر أيضا فعلم أن ما في "المختصر" مبني على عرف أهل الكوفة، وأن ذلك يختلف باختلاف العرف.
وفي "الخلاصة" وغيرها لو حلف لا يأكل لحما حنث بأكل لحم الإبل والبقر والغنم والطيور مطبوخا كان أو مشويا أو قديدا كما ذكره في الأصل فهذا من محمد إشارة إلى أنه لا يحنث بالنيء، وفي فتاوى أبي الليث عن أبي بكر الإسكاف أنه لا يحنث، وهو الأظهر، وعند الفقيه أبي الليث يحنث، ولو حلف لا يأكل من هذا اللحم شيئا فأكل من مرقته لم يحنث إن لم يكن له نية المرقة. ا ه. وفي "الظهيرية" الأشبه أنه لا يحنث بأكل النيء.
وفي "المحيط" حلف لا يأكل لحم شاة فأكل لحم عنز يحنث؛ لأن الشاة اسم جنس فيتناول الشاة أي الضأن وغيرها وذكر الفقيه أبو الليث في نوازله أنه لا يحنث سواء كان الحالف قرويا أو مصريا، وعليه الفتوى؛ لأنهم يفرقون بينهما عادة، ولو حلف لا يأكل لحم بقرة لم يحنث بأكل لحم الجاموس؛ لأنه، وإن كان بقرا حتى يعد في نصاب البقر، ولكن خرج من

 

ج / 4 ص -492-       وبشحم الظهر في شحماً وبألية في لحماً وشحماً، وبالخبز في هذا البر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اليمين بتعارف الناس. ا ه. وفي "الخانية" والرأس والأكارع لحم في يمين الأكل، وليس بلحم في يمين الشراء. ا ه.
وفي "البدائع" حلف لا يأكل لحم دجاج فأكل لحم ديك حنث؛ لأن الدجاج اسم للذكر والأنثى جميعا فأما الدجاجة فاسم للأنثى والديك اسم للذكر، واسم الإبل يقع على الذكور والإناث، وكذا اسم الجمل والبعير والجزور، وهذه الأربعة تقع على البخاتي والعراب واسم البقر يقع على الأنثى والذكر كالشاة والغنم والنعجة اسم للأنثى والكبش للذكر والفرس لهما كالبغل والبغلة والحمار للذكر والحمارة والأتان للأنثى.
"قوله:  وبشحم الظهر في شحما" أي لو حلف لا يأكل شحما فأكل شحم الظهر لا يحنث فهو معطوف على قوله وبسمك، وهذا عند الإمام، وقالا يحنث لوجود خاصية الشحم فيه، وهو الذوب بالنار، وله أنه لحم حقيقة ألا ترى أنه ينشأ من الدم ويستعمل استعماله ويحصل به قوته، ولهذا يحنث بأكله في اليمين على أكل اللحم إجماعا كما في "المحيط"، ولا يحنث ببيعه في اليمين على بيع الشحم قال القاضي الإسبيجابي إن أريد بشحم الظهر شحم الكلية فقولهما أظهر، وإن أريد به شحم اللحم فقوله أظهر. ا ه. وفي "فتح القدير" صحح غير واحد قول أبي حنيفة وذكر الطحاوي قول محمد مع أبي حنيفة، وهو قول مالك والشافعي في الأصح.
وقيد بشحم الظهر؛ لأنه يحنث بشحم البطن اتفاقا، وذكر في "الكافي" أن الشحوم أربعة شحم البطن وشحم الظهر وشحم مختلط بالعظم وشحم على ظاهر الأمعاء واتفقوا على أنه يحنث بشحم البطن والثلاثة على الخلاف. ا ه. واليمين على شراء اللحم كهي على أكله كما في "التبيين"، وفي "فتح القدير"، وما في "الكافي" لا يخلو من نظر بل لا ينبغي خلاف في عدم الحنث بما على الأمعاء في العظم قال الإمام السرخسي إن أحدا لم يقل بأن مخ العظم شحم. ا ه. وكذا لا ينبغي خلاف في الحنث بما على الأمعاء؛ لأنه لا يختلف في تسميته شحما. ا ه. وفسر في "الهداية" شحم الظهر بأنه اللحم السمين، وأشار المصنف إلى أن المأمور بشراء اللحم إذا اشترى شحم الظهر لا يجوز على الآمر، وهو مروي عن محمد، وهو دليل للإمام أيضا كما في "المحيط".
"قوله:  وبألية في شحما، ولحما" أي لا يحنث بأكل ألية لو حلف لا يأكل لحما أو حلف لا يأكل شحما؛ لأنها نوع ثالث حتى لا تستعمل استعمال اللحوم والشحوم فلا يتناولها اللفظ معنى، ولا عرفا.
"قوله:  وبالخبز في هذا البر" أي لا يحنث بأكل الخبز في حلفه لا يأكل هذا البر فلا يحنث

 

ج / 4 ص -493-       وفي هذا الدقيق يحنث بخبزه لا بسفه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلا بالقضم من عينها عند الإمام، وقالا إن أكل من خبزها حنث أيضا؛ لأنه مفهوم منه عرفا ولأبي حنيفة أن لها حقيقة مستعملة فإنها تغلى وتقلى وتؤكل قضما، وهي قاضية على المجاز المتعارف كما هو الأصل عنده، ولو قضمها حنث عندهما على الصحيح لعموم المجاز كما إذا حلف لا يضع قدمه في دار فلان، وإليه الإشارة بقوله حنث في الخبز أيضا كذا في "الهداية" وصحح في "الذخيرة" عنهما أنه لا يحنث بأكل عينها. وفي "فتح القدير" و"المحيط" إنما يحنث بأكل عينها عند الإمام إذا لم تكن نيئة بأن كانت مقلية كالبليلة في عرفنا أما إذا قضمها نيئة لم يحنث؛ لأنه غير مستعمل أصلا.
وأشار المصنف إلى أنه لو أكل من دقيقها أو سويقها فإنه لا يحنث بالأولى عند الإمام، وأما عندهما فقالوا لو أكل من سويقها حنث عند محمد خلافا لأبي يوسف فيحتاج أبو يوسف إلى الفرق بين الخبز والسويق والفرق أن الحنطة إذا ذكرت مقرونة بالأكل يراد بها الخبز دون السويق ومحمد اعتبر عموم المجاز.
وأطلقه المصنف فشمل ما إذا نوى عينها أو لم تكن له نية كما في "البدائع" ولا يخفى أنه إذا نوى أكل الخبز فإنه يصدق؛ لأنه شدد على نفسه، وقيد بكون الحنطة معينة؛ لأنه لو حلف لا يأكل حنطة ينبغي أن يكون جوابه كجوابهما ذكره شيخ الإسلام، ولا يخفى أنه تحكم والدليل المذكور المتفق على إيراده في جميع الكتب يعم المعينة والنكرة، وهو أن عينها مأكول كذا في "فتح القدير"، ولا فرق في الحكم بين أن يقول لا آكل من هذه الحنطة أو هذه الحنطة كما في "البدائع".
"قوله:  وفي هذا الدقيق يحنث بخبزه لا بسفه" أي في حلفه لا يأكل هذا الدقيق لا يحنث بأكل عينه؛ لأن عينه غير مأكول بخلاف الحنطة فانصرف إلى ما يتخذ منه فلو استفه كما هو لم يحنث على الصحيح لتعين المجاز مرادا كما لو أكل عين النخلة كما قدمناه1، وإن عنى أكل الدقيق بعينه لم يحنث بأكل خبزه؛ لأنه نوى الحقيقة، وفي "المحيط"، وكذلك لو أكل من عصيدته يحنث؛ لأنه قد يؤكل كذلك؛ لأن أكل الدقيق هكذا يكون عند العقلاء فينصرف إلى ما هو معتاد بينهم. ا ه.
وفي "الظهيرية" حلف أن لا يأكل من هذا الدقيق فاتخذ منه خبيصا قال الفقيه أبو الليث أخاف أن يحنثه. ا ه. ومن الخبيص الحلواء فلو قال المصنف حنث بما يتخذ منه لكان أولى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الصفحة:  "485".

 

ج / 4 ص -494-       والخبز ما اعتاده بلده، فإذا حلف لا يأكل خبزا حنث، بأكل خبز البر، والشعير، والشواء، والطبخ على اللحم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله:  والخبز ما اعتاده بلده فإذا حلف لا يأكل خبزا حنث بأكل خبز البر والشعير"؛ لأنه هو المعتاد في غالب البلاد فلو أكل من خبز القطائف لا يحنث؛ لأنه لا يسمى خبرا مطلقا إلا إذا نواه؛ لأنه يحتمله، ولو أكل خبز الأرز بالعراق لم يحنث؛ لأنه غير متعارف عندهم حتى لو كان بطبرستان أو في بلد طعامهم ذلك حنث، ولا يحنث بخبز الشعير إن كان مصريا؛ لأنهم لا يعتادون إلا خبز البر ويحنث الحجازي واليمني بخبز الذرة؛ لأنهم يعتادونه ودخل في الخبز الكماج؛ لأنه خبز وزيادة للاختصاص باسم الزيادة لا للنقص، ولا يحنث بالثريد؛ لأنه لا يسمى خبزا مطلقا.
وفي "الخلاصة" حلف لا يأكل من هذا الخبز فأكله بعدما تفتت لا يحنث؛ لأنه لا يسمى خبزا، ولا يحنث بالعصيد والططماج، ولا يحنث لو دقه فشربه، وعن أبي حنيفة في حيلة:  أكله أن يدقه فيلقيه في عصيدة ويطبخ حتى يصير الخبز هالكا.
وقد سئل المحقق ابن الهمام عن بدوي اعتاد أكل خبز الشعير فدخل البلدة المعتاد فيها أكل خبز الحنطة واستمر هو لا يأكل إلا الشعير فحلف لا يأكل خبزا قال فقلت:  لا ينعقد إلا على عرف نفسه فيحنث بالشعير؛ لأنه لم ينعقد على عرف الناس إلا؛ لأن الحالف يتعاطاه فهو منهم فينصرف كلامه لذلك، وهذا منتف فيمن لم يوافقهم بل هو مجانب لهم. ا ه.
وفي "الظهيرية" يحنث بأكل الزماورد، وهو ما يقطع من الخبز مستديرا بعد أن كان محشوا بالبيض وغيره، ولو أكل الخبز مبلولا حنث، وفي "الخانية" أنه يحنث بأكل الرقاق. ا ه. وينبغي أن يخص ذلك بالرقاق البيساني بمصر أما الرقاق الذي يحشى بالسكر واللوز فلا يدخل تحت اسم الخبز في عرفنا كما لا يخفى.
وفي "الظهيرية" لو حلف لا يأكل خبز فلانة الخابزة والخابزة هي التي تضرب الخبز في التنور دون التي تعجنه وتهيئوه للضرب فإن أكل من خبز التي ضربته حنث، وإلا فلا. ا ه.
"قوله:  والشواء والطبيخ على اللحم" فإذا حلف لا يأكل الشواء لا يحنث إلا بأكل اللحم دون الباذنجان والجزر؛ لأنه يراد به اللحم المشوي عند الإطلاق إلا أن ينوي ما يشوى من بيض وغيره لمكان الحقيقة، وكذا إذا حلف لا يأكل الطبيخ فهو على ما يطبخ من اللحم، وهذا استحسان اعتبارا للعرف، وهذا؛ لأن التعميم متعذر فيصرف إلى خاص هو متعارف، وهو اللحم المطبوخ بالماء إلا إذا نوى غير ذلك؛ لأن فيه تشديدا، وإن أكل من مرقه يحنث لما فيه من أجزاء

 

ج / 4 ص -495-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللحم؛ ولأنه يسمى طبيخا، وإن كان لا يسمى لحما كما قدمناه.
وفي "البدائع" حلف لا يأكل من طبيخ امرأته فسخنت له قدرا قد طبخها غيرها إنه لا يحنث؛ لأن الطبخ فعل من طبخ، وهو الفعل الذي يسهل به أكل اللحم وذلك وجد من الأول لا منها. ا ه.
وفي "التجريد" قيل اسم الطبخ يقع بوضع القدر لا بإيقاد النار، وقيل لو أوقد غيرها فوضعت هي القدر لا يحنث. ا ه. وفي عرفنا ليس واضع القدر طابخا قطعا، ومجرد الإيقاد كذلك، ومثله يسمى صبي الطباخ يعني معينه، والطباخ هو الموكل بوضع التوابل، وإن لم يوقد كذا في "فتح القدير"
ويرد على المصنف شيئان الأول أن الطبيخ ليس هو اللحم خاصة، وإنما هو ما يطبخ بالماء من اللحم حتى إن ما يتخذ قلية من اللحم لا يسمى طبيخا فلا يحنث به كما صرح به في "التبيين" وغيره فإن قيل إنه أراد به المطبوخ بالماء قلنا لا يصح ذلك في الشواء؛ لأنه لا يحنث فيه إذا أكل لحما مطبوخا بالماء؛ لأن اللحم المشوي هو الذي لم يطبخ بالماء، وقد جعلهما واحدا.
الثاني:  أن الطبيخ لا يختص بالمطبوخ من اللحم لما في "الخلاصة" أنه يحنث بالأرز إذا طبخ بودك، وكذا العدس كما في "الظهيرية" بخلاف ما إذا طبخ بزيت أو سمن قال ابن سماعة الطبيخ يقع على الشحم أيضا زاد في "البدائع" أنه يقع على ما طبخ بالألية أيضا قال في "فتح القدير"، ولا شك أن اللحم بالماء طبيخ، وإنما الكلام في أنه المتعارف الظاهر أنه لا يختص به. ا ه.
وأشار المصنف رحمه الله إلى أنه لو أكل سمكا مطبوخا لا يحنث؛ لأنه لا يسمى طبيخا في العرف كما صرح به في "البدائع"، وفي المغرب الودك من الشحم أو اللحم ما تحلب منه، وقول الفقهاء ودك الميتة من ذلك. ا ه.
وحاصله:  أنه الدهن الخاص، وهو دهن الشحم أو اللحم قال في تهذيب القلانسي، وما يطبخ مع الأدهان يسمى مزورة. ا ه. ومراده غير دهن اللحم والشحم كما قدمناه فعلى هذا لو حلف لا يأكل طبيخا لا يحنث بأكل المزورة التي تفعل للمريض قيد المصنف بالطبيخ؛ لأنه لو حلف لا يأكل طعاما فأكل خبزا أو فاكهة أو غير ذلك مما يؤكل على وجه التطعم كان حانثا، وإن أكل ماله طعم لكن لا يؤكل على وجه التطعم كالسقمونيا ونحو ذلك لا يحنث في يمينه كذا في "الخانية".
وفي "الظهيرية" حلف لا يأكل طعاما فأكل ملحا أو خلا أو كامخا أو زيتا يحنث في

 

ج / 4 ص -496-       والرأس ما يباع في مصره
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يمينه هكذا رواه ابن رستم عن محمد، وقال كل شيء يؤكل فهو طعام فقد جعل محمد الخل طعاما، وقال أبو يوسف الخل ليس بطعام قال القدوري في كتابه:  وحقيقة الطعام ما يطعم، ولكن يختص في العرف ببعض الأشياء فإن السقمونيا، وما أشبه ذلك من الأدوية الكريهة لا تسمى طعاما. ا ه.
وفي "البدائع" لو حلف لا يأكل طعاما فأكل شيئا يسيرا يحنث؛ لأن قليل الطعام طعام، وفي "المحيط" لو حلف لا يأكل من طعام فلان فأكل من نبيذه لم يحنث والنبيذ شراب عند أبي يوسف، وقال محمد هو طعام، ولو حلف لا يشتري طعاما لا يحنث إلا بشراء الحنطة والدقيق والخبز استحسانا، وفي "الواقعات" حلف لا يأكل طعاما فأكل دواء إن كان من الدواء الذي لا يكون له طعم، ولا يكون غذاء ويكون مرا كريها لا يحنث؛ لأنه لا يسمى طعاما، وإن كان دواء له حلاوة مثل الحلنجبين يحنث؛ لأن له طعما ويكون به غذاء حلف لا يأكل من طعام فلان فأكل من خله بطعام نفسه أو بزيته أو بملحه حنث؛ لأنه أكل من طعامه. ا ه.
وفي "البدائع" حلف لا يأكل طعاما فاضطر إلى أكل ميتة فأكل منها لم يحنث.
"قوله:  والرأس ما يباع في مصره" فلو حلف لا يأكل رأسا انصرفت يمينه إلى ما يكبس في التنانير في تلك البلدة وتباع فيها من رءوس الإبل والبقر والغنم، وهو المراد بقوله ما يباع في مصره أي من الرءوس غير نيئ وخصه في "الجامع الصغير" برءوس البقر والغنم عند الإمام، وعندهما بالغنم خاصة، وهو اختلاف عصر، وفي زماننا هو خاص بالغنم فوجب على المفتي أن يفتي بما هو المعتاد في كل مصر وقع فيه حلف الحالف كما أفاده في "المختصر"، وما في "التبيين" من أن الأصل اعتبار الحقيقة اللغوية إن أمكن العمل بها، وإلا فالعرف إلى آخره مردود؛ لأن الاعتبار إنما هو للعرف وتقدم أن الفتوى على أنه لا يحنث بأكل لحم الخنزير والآدمي، ولذا قال في "فتح القدير"، ولو كان هذا الأصل المذكور منظورا إليه لما تجاسر أحد على خلافه في الفروع. ا ه.
وفي "البدائع" والاعتماد إنما هو على العرف وبما ذكرناه اندفع ما ذكره الإسبيجابي أنه في الأكل يقع على الكل إذا أكل ما يسمى رأسا، وفي الشراء يقع على رأس البقر والغنم عنده، وعندهما على الغنم خاصة، ولا يقع على رأس الإبل بالإجماع لما علمت أنه في الأكل خاص بما يباع في مصره، وفي المغرب يكبس في التنور يطم به التنور أو يدخل فيه من كبس الرجل رأسه في قميصه إذا أدخله والله أعلم.

 

ج / 4 ص -497-       والفاكهة التفاح، والبطيخ، والمشمش، لا العنب، والرمان والرطب، والقثاء والخيار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله:  والفاكهة التفاح والبطيخ والمشمش لا العنب والرمان والرطب والقثاء والخيار" وهذا عند أبي حنيفة، وقالا يحنث في الرمان والعنب والرطب أيضا والأصل أن الفاكهة اسم لما يتفكه به قبل الطعام وبعده أي يتنعم به زيادة على المعتاد والرطب واليابس فيه سواء بعد أن يكون التفكه به معتادا حتى لا يحنث بيابس البطيخ، وهذا المعنى موجود في التفاح، وأخواتها فيحنث بها وغير موجود في القثاء والخيار؛ لأنهما من البقول بيعا، وأكلا فلا يحنث بهما، وأما العنب والرطب والرمان فهما يقولان معنى التفكه موجود فيهما فإنها أعز الفواكه والتنعم بها يفوق التنعم بغيرها وأبو حنيفة يقول إن هذه الأشياء مما يتغذى بها ويتداوى بها فأوجب قصورا في معنى التفكه للاستعمال في حالة البقاء، ولهذا كان اليابس منها من التوابل أو من الأقوات.
وذكر في "الكشف الكبير" أن هذا اختلاف عصر وزمان فأبو حنيفة أفتى على حسب عرفه وتغير العرف في زمانهما، وفي عرفنا ينبغي أن يحنث بالاتفاق. ا ه.
وفي "الظهيرية" قال محمد في الأصل التوت فاكهة، وعن أبي يوسف أن العناب فاكهة، وفي الأصل الجوز فاكهة قال القدوري ثمر الشجر كلها فاكهة إلا الرمان والعنب والرطب والبطيخ من الفواكه هكذا ذكر القدوري وروى الحاكم الشهيد في "المنتقى" عن أبي يوسف وذكر شمس الأئمة السرخسي في شرحه أن البطيخ ليس من الفواكه فإنه ذكر أن ما لا يؤكل يابسه فاكهة فرطبه لا يكون فاكهة، وقال أبو حنيفة ليس الباقلاء الأخضر بفاكهة.
والحاصل:  أن العبرة في جميع ذلك للعرف فما يؤكل على سبيل التفكه عادة ويعد فاكهة في العرف يدخل تحت اليمين، وما لا فلا. ا ه.
وفي "المحيط" ما روي أن الجوز واللوز من الفاكهة هو في عرفهم أما في عرفنا فإنه لا يؤكل للتفكه، وقال محمد قصب السكر والبسر الأحمر فاكهة، ولو حلف لا يأكل من فاكهة العام وثمار العام فإن كان في أيام الفاكهة الرطبة فهو على الرطب فإن أكل اليابس لا يحنث، وإن كان في غير، وقتها فهو على اليابس، وهذا استحسان لتعارف الناس إطلاق اسم الفاكهة في وقت الرطب على الرطب دون اليابس. ا ه.
وفي "البدائع" لو حلف لا يأكل فاكهة فأكل زبيبا أو تمرا أو حب الرمان لا يحنث بالإجماع والجوز رطبه فاكهة ويابسه إدام. ا ه.
قيد المصنف بالفاكهة؛ لأنه لو حلف لا يأكل الحلواء فالحلواء عندهم كل حلو ليس من جنسه حامض، وما كان من جنسه حامض فليس بحلواء والمرجع فيه إلى العرف فيحنث بأكل

 

ج / 4 ص -498-       والإدام ما يصطبغ به كالخل، والملح والزيت لا اللحم، والبيض، والجبن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخبيص والعسل والسكر والناطف والرب والرطب والتمر، وأشباه ذلك، وكذا روى المعلى عن محمد إذا أكل تينا رطبا أو يابسا؛ لأنه ليس من جنسها حامض فخلص معنى الحلاوة فيه، ولو أكل عنبا حلوا أو بطيخا حلوا أو رمانا حلوا أو إجاصا حلوا لم يحنث؛ لأن من جنسه ما ليس بحلواء، وكذا الزبيب، وكذا إذا حلف لا يأكل حلواة فهو مثل الحلواء كذا في "البدائع".
وحاصله:  أن الحلو والحلواء والحلاوة واحد، وهذا ليس في عرفنا فإن في عرفنا الحلو اسم للعسل المطبوخ على النار بنشاء ونحوه، وأما الحلواء والحلاوة فاسم لسكر أو عسل أو ماء عنب طبخ على النار، وعقد حتى صار جامدا كالعقيد والفانيذ*، والحلاوة الجوزية والسمسمية ونحوها، وكما قال في "الظهيرية" قال القدوري المرجع في هذا إلى عادات الناس فعلى هذا لا يحنث في الفانيذ والعسل والسكر في بلادنا. ا ه.
ولو حلف لا يأكل شهدا فأكل عسلا لا يحنث؛ لأن العسل اسم للصافي والشهد اسم للمختلط، ولو حلف لا يأكل سكرا فأكل سكرا بفيه وجعل يمتصه حتى ذاب فابتلع ماءه لم يحنث كذا في "الظهيرية".
"قوله:  والإدام ما يصطبغ به كالخل والملح والزيت لا اللحم والبيض والجبن" أي هو شيء يصبغ الخبز إذا اختلط به، وهذا عند أبي يوسف، وقال محمد هو ما يؤكل مع الخبز غالبا، وهو رواية عن أبي يوسف؛ لأن الإدام من المؤادمة، وهي الموافقة، وكل ما يؤكل مع الخبز موافق له كاللحم والبيض ونحوه، ولهما أن الإدام ما يؤكل تبعا والتبعية في الاختلاط حقيقة ليكون قائما به، وفي أن لا يؤكل على الانفراد حكما وتمام الموافقة في الامتزاج أيضا والخل وغيره من المائعات لا تؤكل وحدها بل تشرب والملح لا يؤكل بانفراده عادة؛ ولأنه يذوب فيكون تبعا بخلاف اللحم، وما يضاهيه؛ لأنه يؤكل وحده إلا أن ينويه لما فيه من التشديد، والعنب والبطيخ ليس بإدام بالإجماع، وهو الصحيح. وبهذا ظهر أن تخصيص الزيلعي الإدام بالمائع صحيح في الملح أيضا باعتبار أنه يذوب في الفم ويحصل به صبغ الخبز والاصطباغ افتعال من الصبغ، ولما كان ثلاثيه، وهو صبغ متعديا إلى واحد جاء الافتعال منه لازما فلا يقال اصطبغ الخبز؛ لأنه لا يصل إلى المفعول بنفسه حتى يقام مقام الفاعل إذا بني الفعل له فإنما يقام غيره من الجار والمجرور ونحوه فلذا يقال اصطبغ به، وذكر القلانسي في تهذيبه أن الفتوى على قول محمد للعرف. ا ه.

............
* العبارة في الأصل البانيز.

 

ج / 4 ص -499-       والغداء الأكل من الفجر إلى الظهر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي "المحيط"، وقول محمد أظهر وبه أخذ الفقيه أبو الليث. ا ه. ويكفيه الاستدلال بالعرف الظاهر؛ لأن مبناها عليه فلا حاجة إلى الاستدلال له بالحديث "سيد إدامكم اللحم"1 والحكاية هي أن ملك الروم كتب إلى معاوية أن ابعث إلي بشر إدام على يد شر رجل فبعث إليه جبنا على يد رجل يسكن في بيت أصهاره، وهو من أهل اللسان؛ لأن كونه سيده لا يستلزم أن يكون منه إذ يقال في الخليفة سيد العجم، وليس هو منهم، وأما حكاية معاوية فيتوقف الاستدلال بها على صحتها، وهي بعيدة إذ يبعد من إمام عادل أن يتكلف إرسال شخص إلى بلاد الروم ملتزما لمؤنته لغرض مهمل لكافر والسكن في بيت الصهر قط لا يوجب أن يكون الساكن شر رجل فآثار البطلان تلوح على هذه القضية كما في "فتح القدير".
قال التمرتاشي:  وهذا الاختلاف بينهم على عكس اختلافهم فيمن حلف لا يأكل إلا رغيفا فأكل معه البيض ونحوه لم يحنث عندهما وحنث عند محمد، وإذا أكل الإدام وحده فإن كان حلف لا يأكل إداما حنث، وإن كان حلف لا يأتدم بإدام لا يحنث بأكله وحده فلا بد من أن يأكل معه الخبز كما أشار إليه في "الكشف الكبير"، وفي "المحيط" قال محمد التمر والجوز ليس بإدام؛ لأنه يفرد بالأكل في الغالب فكذا العنب والبطيخ والبقل؛ لأنه لا يؤكل تبعا للخبز بل يؤكل وحده غالبا، وكذلك سائر الفواكه حتى لو كان في موضع يؤكل تبعا للخبز غالبا يكون إداما عنده اعتبارا للعرف. ا ه.
وفي "الظهيرية" والبقل ليس بإدام بلا خلاف على الأصح، وفي "البدائع" سئل محمد عمن حلف لا يأكل خبزا مأدوما فقال الخبز المأدوم الذي يثرد ثردا يعني في المرق والخل، وما أشبهه فقيل له فإن ثرد في ماء، وملح فلم ير ذلك مأدوما، وعن أبي يوسف أن تسمية هذه الأشياء على ما يعرف أهل تلك البلاد في كلامهم. ا ه الله أعلم.
"قوله:  والغداء الأكل من الفجر إلى الظهر" أي التغدي الأكل في هذا الوقت، وإنما فسرناه به؛ لأن الغداء في الحقيقة بفتح الغين المعجمة والمد اسم لما يؤكل في الوقت الخاص لا للأكل، وقد ترك المصنف قيدين ذكرهما قاضي خان في فتاواه فقال التغدي الأكل المترادف الذي يقصد به الشبع في وقت خاص، وهو ما بعد طلوع الفجر إلى زوال الشمس مما يتغدى به عادة وغداء كل بلدة ما تعارفه أهل تلك البلدة. ا ه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه ابن ماجه بلفظ:  "سيد طعام أهل الدنيا وأهل الجنة اللحم" كتاب الأطعمة باب اللحم "3305". وقال البوصيري في الزوائد ذكره ابن الجوزي في الموضوعات. والعجلونية في كشف الخفاء "1/461". والطبراني في الأوسط "7477" بلفظ:  "سيد الإدام في الدنيا والآخرة اللحم". والهيثمي في مجمع الزوائد "5/35".

 

ج / 4 ص -500-       والعشاء منه إلى نصف الليل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي "التبيين":  ومقدار ما يحنث به من الأكل أن يكون أكثر من نصف الشبع؛ لأن اللقمة واللقمتين لا تسمى غداء عادة وجنس المأكول يشترط أن يكون ما يأكله أهل بلدته عادة حتى لو شرب اللبن وشبع لا يحنث إن كان حضريا، وإن كان بدويا يحنث. ا ه.
وفي "المحيط" لو حلف لا يتغدى فهو على الخبز فلو تغدى بغير الخبز من الأرز والتمر واللبن لم يحنث إن كان غير بدوي، ولو حلف على فعل ماض بأن قال والله ما تغديت اليوم، وقد تغدى بأرز وسمن ينبغي أن يحنث، وإن تغدى المصري بالعنب لم يحنث إلا أن يكون من أهل الرساتيق ممن عادتهم التغدي بالعنب في وقته. ا ه. وقد اختلف في أول وقته فذكر الإسبيجابي أنه طلوع الشمس، وهكذا في "الخلاصة" وينبغي أن يكون هو المعتمد للعرف؛ لأن الأكل قبل طلوع الشمس لا يسمونه غداء.
وأشار المصنف رحمه الله إلى أنه لو حلف ليأتينه غدوة فأتاه بعد طلوع الفجر إلى نصف النهار فقد بر، وهو غدوة؛ لأنه وقت الغداء كما في "البدائع"، وأما الضحوة فمن بعد طلوع الشمس من الساعة التي تحل فيها الصلاة إلى نصف النهار؛ لأنه وقت صلاة الضحى قال محمد إذا حلف لا يصبح فالتصبيح عندي ما بين طلوع الشمس وارتفاع الضحى الأكبر فإذا ارتفع الضحى الأكبر ذهب وقت التصبيح؛ لأن التصبيح تفعيل من الصباح، والتفعيل للتكثير فيقتضي زيادة على ما يفيده الإصباح. ا ه.
"قوله:  والعشاء منه إلى نصف الليل" أي التعشي الأكل من الزوال إلى نصف الليل، وأما العشاء بفتح العين والمد فاسم للمأكول في هذا الوقت كما تقدم في الغداء والشرطان السابقان في التغدي يأتيان هنا قلنا، وإنما كان كذلك؛ لأن ما بعد الظهر يسمى عشاء بكسر العين، ولهذا يسمى الظهر إحدى صلاتي العشاء في الحديث1، وذكر الإمام الإسبيجابي أن هذا في عرفهم، وأما في عرفنا فوقت العشاء بعد صلاة العصر. ا ه. وهذا هو الواقع في عرف أهل مصر؛ لأنهم يسمون ما يأكلونه بعد الزوال وسطانية.
قيد بالعشاء؛ لأن السحور هو الأكل بعد نصف الليل إلى طلوع الفجر مأخوذ من السحر، وهو قريب السحر لكن روى المعلى عن محمد فيمن حلف لا يكلمه إلى السحر قال إذا دخل ثلث الليل الأخير فليكلمه؛ لأن وقت السحر ما قرب من الفجر، وقال هشام عن محمد المساء مساءان أحدهما إذا زالت الشمس ألا ترى أنك تقول إذا زالت كيف أمسيت والمساء الآخر إذا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الطبراني في الكبير "7317" "8/40" والبيهقي في سننه "4/334".

 

 

ج / 4 ص -501-       إن لبست، أو أكلت أو شربت، ونوى معينا لم يصدق أصلاً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غربت الشمس فإذا حلف بعد الزوال لا يفعل كذا حتى يمسي كان ذلك على غيبوبة الشمس؛ لأنه لا يمكن حمل اليمين على المساء الأول فيحمل على الثاني كذا في "البدائع".
"قوله:  إن لبست أو أكلت أو شربت ونوى معينا لم يصدق أصلا" أي لا قضاء، ولا ديانة؛ لأن النية إنما تصح في الملفوظ، والثوب والطعام والماء غير مذكور تنصيصا والمقتضى بالفتح لا عموم له فلغت نية التخصيص فيه كما في "الهداية" وغيرها فحنث بأي شيء أكل أو شرب أو لبس وتعقبهم في "فتح القدير" بأن التحقيق أن المفعول في لا آكل، ولا ألبس ليس من باب المقتضى؛ لأن المقتضى ما يقدر لتصحيح المنطوق، وذلك بأن يكون الكلام مما يحكم بكذبه على ظاهره مثل رفع الخطأ والنسيان أو بعدم صحته شرعا مثل أعتق عبدك عني، وليس قول القائل لا آكل يحكم بكذب قائله بمجرده، ولا متضمنا حكما يصح شرعا نعم المفعول أعني المأكول من ضروريات وجود فعل الأكل، ومثله ليس من باب المقتضى، وإلا كان كل كلام كذلك إذ لا بد أن يستدعي معناه زمانا أو مكانا فكان لا يفرق بين قولنا الخطأ والنسيان مرفوعان وبين قام زيد وجلس عمرو فإنما هو من باب حذف المفعول اقتصارا أو تناسيا، وطائفة من المشايخ، وإن فرقوا بين المقتضى والمحذوف وجعلوا المحذوف يقبل العموم قلنا لك أن تقول إن عمومه لا يقبل التخصيص.
وقد صرح من المحققين جمع بأن من العمومات ما لا يقبل التخصيص مثل المعاني إذا قلنا بأن العموم من عوارض المعاني كما هو من عوارض الألفاظ وغير ذلك فكذلك هذا المحذوف إذ ليس في حكم المنطوق لتناسيه، وعدم الالتفات إليه إذ ليس الغرض إلا الإخبار بمجرد الفعل على ما عرف أن الفعل المتعدي قد ينزل منزلة اللازم لما قلنا، والاتفاق على عدم صحة التخصيص في باب المتعلقات من الزمان والمكان حتى لو نوى لا يأكل في مكان دون آخر أو زمان لا تصح نيته بالاتفاق. ا ه.
وفي "البدائع" حلف لا يركب ونوى الخيل لا يصدق قضاء، ولا ديانة، وفي "فتح القدير" حلف لا يغتسل أو لا ينكح، وعنى من جنابة أو امرأة دون امرأة لا يصدق أصلا، وكذا لا يسكن دار فلان، وعنى بأجر، ولم يسبق قبل ذلك كلام بأن استأجرها منه أو استعارها فأبى فحلف ينوي السكن بالإجارة والإعارة لا يصح أصلا، وكذلك لو حلف لا يتزوج امرأة ونوى كوفية أو بصرية لا يصح؛ لأنه نية تخصيص الصفة، ولو نوى حبشية أو عربية صحت ديانة؛ لأنه تخصيص في الجنس.
وفي "البدائع" لو حلف لا يكلم هذا الرجل، وعنى به ما دام قائما لكنه لم يتكلم بالقيام كانت نيته

 

ج / 4 ص -502-       ولو زاد ثوباً، أو طعاماً، أو شراباً دين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باطلة وحنث إن كلمه، ولو حلف لا يكلم هذا القائم، وعنى به ما دام قائما دين لورود التخصيص على الملفوظ. وكذلك إذا قال والله لأضربن فلانا خمسين، وهو ينوي بسوط بعينه فبأي شيء ضربه فقد خرج من يمينه والنية باطلة، ولو قال والله لا أتزوج امرأة، وعنى امرأة كان أبوها يعمل كذا، وكذا فهو باطل. ا ه.
وخرج عن هذا الأصل فعل الخروج والمساكنة فإذا قال إن خرجت فعبدي حر ونوى السفر مثلا يصدق ديانة فلا يحنث بالخروج إلى غيره تخصيصا لنفس الخروج بخلاف ما إذا نوى الخروج إلى مكان خاص كبغداد حيث لا يصح؛ لأن المكان غير مذكور، وكذا لو حلف لا يساكن فلانا ونوى المساكنة في بيت واحد يصح قالوا؛ لأن الخروج في نفسه متنوع إلى سفر وغيره حتى اختلفت أحكامها، وكذا المساكنة متنوعة إلى كاملة، وهي المساكنة في بيت واحد، وإلى مطلقة، وهي ما تكون في دار، وفيه بحث مذكور في "فتح القدير".
"قوله:  ولو زاد ثوبا أو طعاما أو شرابا دين" أي قبل منه نية التخصيص ديانة لا قضاء لأنه نكرة في الشرط فتعم كالنكرة في النفي لكنه خلاف الظاهر فلا يصدقه القاضي.
وفي "البدائع" قال والله لا أتزوج امرأة على وجه الأرض ينوي امرأة بعينها قال يصدق فيما بينه وبين الله تعالى بخلاف ما إذا قال لا أشتري جارية ونوى متولدة فإن نيته باطلة؛ لأنه تخصيص الصفة فأشبه الكوفية والبصرية. ا ه.
قيد المصنف رحمه الله بكونه نوى البعض دون البعض؛ لأنه لو نوى الكل صدق قضاء وديانة، ولا يحنث أصلا لما في "المحيط" لو حلف لا يأكل طعاما أو لا يشرب شرابا، وعنى جميع الأطعمة أو جميع مياه العالم يصدق في القضاء.
وفي "البدائع" لو قال والله لا آكل الطعام أو لا أشرب الماء أو لا أتزوج النساء فيمينه على بعض الجنس، وإن أراد به الجنس صدق؛ لأنه نوى ما هو حقيقة كلامه.
وفي "الكشف الكبير" إذا قال والله لا أشرب ماء أو الماء أو لا آكل طعاما أو الطعام أنه يقع على الأدنى؛ لأنه هو المتيقن، وهو الكل لولا غيره فيكون فيه معنى الجنسية أيضا، وإن نوى الكل صحت نيته فيما بينه وبين الله تعالى حتى لا يحنث أصلا؛ لأنه نوى محتمل كلامه؛ لأنه فرد من حيث إنه اسم جنس لكنه عدد من وجه فلم يتناوله الفرد إلا بالنية كذا في شرح الجامع لفخر الإسلام، وهذا يشير إلى أنه لا يصدق قضاء إن كان اليمين بطلاق أو نحوه؛ لأنه خلاف الظاهر إذ الإنسان إنما يمنع نفسه باليمين عما يقدر عليه وشرب كل المياه ليس في وسعه، وفيه

 

ج / 4 ص -503-       لا بشرب من دجلة على الكرع بخلاف من ماء دجلة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تخفيف عليه أيضا. وقال شمس الأئمة قالوا:  وإطلاق الجواب دليل على أنه يصدق قضاء وديانة إن كان اليمين بطلاق ونحوه؛ لأنه نوى حقيقة كلامه، وعن أبي القاسم الصفار أنه لا يصدق قضاء؛ لأنه نوى حقيقة لا تثبت إلا بالنية فصار كأنه نوى المجاز. ا ه.
ثم اعلم أن الفرق بين الديانة والقضاء إنما يظهر في الطلاق والعتاق، وأما في الحلف بالله تعالى فلا يظهر؛ لأن الكفارة حق الله ليس للعبد فيها حق حتى يرفع الحالف إلى القاضي.
وفي "الواقعات" إذا استحلف الرجل بالله، وهو مظلوم فاليمين على ما نوى، وإن كان ظالما فاليمين على نية من استحلفه وبه أخذ أبو حنيفة ومحمد، وفي اليمين بالطلاق اليمين على نية الحالف وفي "الولوالجية" من الطلاق نية تخصيص العام لا تصح، وعند الخصاف تصح حتى إن من حلف، وقال كل امرأة أتزوجها فهي طالق ثم قال نويت به من بلدة كذا لا تصح نيته في ظاهر المذهب، وقال الخصاف تصح، وكذا من غصب دراهم إنسان ووقت ما حلفه الخصم عاما نوى خاصا لا تصح نيته في ظاهر المذهب، وقال الخصاف تصح لكن هذا في القضاء أما فيما بينه وبين الله تعالى نية تخصيص العام صحيحة بالإجماع مذكور في الكتب من مواضع منها الباب الخامس من أيمان الجامع الكبير، وما قاله الخصاف مخلص لمن حلفه ظالم والفتوى على ظاهر المذهب فمتى وقع في يد الظلمة، وأخذ بقول الخصاف لا بأس به. ا ه.
"قوله:  لا يشرب من دجلة على الكرع بخلاف ماء دجلة" يعني لو حلف لا يشرب من دجلة فيمينه على الكرع، وهو تناول الماء بالفم من موضعه نهرا أو إناء كما في المغرب فلا يحنث لو شرب بإناء أو بيده بخلاف ما لو حلف لا يشرب من ماء دجلة فإنه يحنث بالشرب من إناء أو غيره؛ لأنه بعد الاغتراف بقي منسوبا إليه، وهو الشرط، وقالا هما سواء فيحنث بالشرب من إناء؛ لأنه المتعارف المفهوم، وله أن كلمة من للتبعيض وحقيقته في الكرع، وهي مستعملة، ولهذا يحنث بالكرع إجماعا فمنعت المصير إلى المجاز، وإن كان متعارفا، والتقييد بدجلة اتفاقي؛ لأن الفرات والنيل كذلك بل، وكل نهر.
وقيد بالنهر؛ لأنه لو حلف لا يشرب من هذا البئر أو من هذا الجب فإنه يحنث بشربه بالإناء إجماعا؛ لأنه لا يمكن فيه الكرع فتعين المجاز، وإن كان يمكن الكرع فعلى الخلاف، ولو تكلف وشرب بالكرع فيما لا يمكن الكرع لا يحنث؛ لأن الحقيقة والمجاز لا يجتمعان.
وأشار المصنف إلى أنه لو شرب من نهر يأخذ من دجلة لا يحنث في المسألة الأولى لعدم الكرع في دجلة لحدوث النسبة إلى غيره ويحنث في الثانية؛ لأن يمينه انعقدت على شرب ماء

 

ج / 4 ص -504-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منسوب إليها، وهي لم تنقطع بمثله ونظيره ما إذا حلف لا يشرب من ماء هذا الجب فحول إلى جب آخر فشرب منه حنث.
وفي "البدائع" لو حلف لا يشرب من ماء دجلة فهذا، وقوله لا أشرب من دجلة سواء؛ لأنه ذكر الشرب من النهر فكان على الاختلاف، ولو حلف لا يشرب من نهر يجري ذلك النهر إلى دجلة فأخذ من دجلة.
من ذلك الماء فشربه لم يحنث؛ لأنه قد صار من ماء دجلة لزوال الإضافة إلى النهر الأول بحصوله في دجلة، ولو حلف لا يشرب من ماء المطر فمدت الدجلة من المطر فشرب لم يحنث؛ لأنه إذا حصل في الدجلة انقطعت الإضافة إلى المطر فإن شرب من ماء واد سال من المطر لم يكن فيه ماء قبل ذلك أو جاء من ماء مطر مستنقع حنث؛ لأنه لما لم يضف إلى نهر بقيت الإضافة إلى المطر كما كانت. ا ه.
وفي "الظهيرية" لو حلف لا يشرب من الفرات لم يحنث ما لم يكرع عند أبي حنيفة، وهي معروفة غير أنا ذكرناها لفائدة، وهي أن تفسير الكرع عند أبي حنيفة أن يخوض الإنسان في الماء ويتناول الماء بفمه من موضعه، ولا يكون الكرع إلا بعد الخوض في الماء فإنه من الكراع، وهو من الإنسان ما دون الركبة، ومن الدواب ما دون الكعب كذا قال الشيخ الإمام نجم الدين النسفي. ا ه.
وفي "المحيط" لو حلف لا يشرب من هذا الكوز فحقيقته أن يشرب منه كرعا حتى لو صب على كفه وشرب لا يحنث، ولو نوى بقوله لا أشرب من الفرات ماء الفرات قيل تصح نيته؛ لأنه نوى ما يحتمله لفظه؛ لأن الشرب لا يتحقق بدون الماء فكان الماء مضمرا فيه، وقيل لا تصح نيته؛ لأنه نوى تعميم المقتضى فإن الماء غير ملفوظ به، وإنما يثبت مقتضى ذكر الشرب والمقتضى لا عموم له فتكون نية التعميم فيه باطلة. ولو حلف لا يشرب من ماء فرات أو ماء فراتا فشرب من ماء دجلة أو من ماء عذب حنث؛ لأنه ذكر الفرات صفة للماء؛ لأنه عبارة عن العذب قال تعالى
{وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا} [المرسلات: 27] أي ماء عذبا بخلاف ماء الفرات؛ لأنه أضافه إلى الفرات فقد أراد بالفرات نهر الفرات. ا ه.
وفي "المجتبى":  ولجنس هذه المسائل أصل حسن، وهو أنه متى عقد يمينه على شيء ليس له حقيقة مستعملة، وله مجاز متعارف يحمل على المجاز إجماعا كما إذا حلف لا يأكل من هذه النخلة، وإن كان له حقيقة متعارفة يحمل على الحقيقة إجماعا كمن حلف لا يأكل لحما، وإن كان له حقيقة مستعملة، ومجاز متعارف فعنده يحمل على الحقيقة، وعندهما يحمل عليهما، ولكن لا بطريق

 

ج / 4 ص -505-       إن لم أشرب ماء هذا الكوز اليوم، فكذا، ولا ماء فيه، أو كان، فصب، أو أطلق، ولا ماء فيه لا يحنث، وإن كانت فصب حنث.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجمع بين الحقيقة والمجاز، ولكن بمجاز يعم أفرادهما، وهو الأصح ويبتني عليه مسائل كثيرة منها ما مرت، ومنها مسألة أكل الحنطة والدقيق. ا ه. بلفظه. فقد صحح قولهما في هذه المسائل، وهو خلاف المنقول في الأصول عنهما فإنهم نقلوا أن عندهما المجاز المتعارف أولى من الحقيقة لا أنه يحمل عليهما. ثم اعلم أن الشرب أن يوصل إلى جوفه ما لا يتأتى فيه الهشم مثل الماء والنبيذ واللبن فإذا حلف لا يشرب هذا اللبن فأكله لا يحنث، ولو شربه يحنث، وأكل اللبن أن يثرد فيه الخبز ويؤكل وشربه أن يشرب كما هو، ولو حلف لا يشرب هذا العسل فأكله كذلك لا يحنث، ولو صب عليه ماء وشربه حنث، ولو حلف لا يشرب مع فلان فإن شرب شرابا، وفلان شرب شرابا من نوع آخر حنث، ولو حلف لا يشرب شرابا، ولا نية له فأي شراب شربه من ماء أو غيره يحنث إذ الشرب اسم لما يشرب.
وفي حيل "المبسوط" إذا حلف لا يشرب الشراب، ولا نية له فهو على الخمر قال شمس الأئمة الحلواني فإذا في المسألة روايتان، وفي فتاوى أهل سمرقند لا يحنث بشرب الماء، وإذا حلف لا يشرب لبنا فصب الماء في اللبن فالأصل في هذه المسألة، وأجناسها أن الحالف إذا عقد يمينه على مائع فاختلط ذلك المائع بمائع آخر من خلاف جنسه إن كانت الغلبة للمحلوف عليه يحنث، وإن كانت الغلبة لغير المحلوف عليه لا يحنث، وإن كانا سواء القياس أن يحنث، وفي الاستحسان لا يحنث فسر أبو يوسف الغلبة فقال إن كان يستبين لون المحلوف عليه ويوجد طعمه، وقال محمد تعتبر الغلبة من حيث الأجزاء هذا إذا اختلط الجنس بغير الجنس. أما إذا اختلط الجنس بالجنس كاللبن يختلط بلبن آخر فعند أبي يوسف هذا والأول سواء يعني يعتبر الغالب غير أن الغلبة من حيث اللون والطعم لا يمكن اعتبارها هنا فيعتبر بالقدر، وعند محمد يحنث هاهنا بكل حال؛ لأن الجنس لا يستهلك الجنس قالوا هذا الاختلاف فيما يمتزج ويختلط أما ما لا يمتزج، ولا يختلط كالدهن، وكان الحلف على الدهن يحنث بالاتفاق كذا في "الظهيرية".
قوله:  إن لم أشرب ماء هذا الكوز اليوم فكذا، ولا ماء فيه أو كان فصب أو أطلق، ولا ماء فيه لا يحنث، وإن كان فصب حنث" بيان لشرط من شروط انعقاد اليمين، وهو إمكان تصور البر في المستقبل، وكذا من شرط بقائها، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف لا يشترط؛ لأنه يمكن القول بالانعقاد موجبا للبر على وجه يظهر في حق الحلف، وهو الكفارة، ولهما أنه لا بد من تصور الأصل لتنعقد في حق الحلف وبهذا لا تنعقد الغموس موجبة للكفارة،

 

ج / 4 ص -506-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولا فرق على هذا الخلاف بين اليمين بالله تعالى أو بالطلاق، ولهذا صورها في "المختصر" بيمين الطلاق أو العتاق.
وقد ذكر المصنف مسألة الكوز، وهي مفرعة على هذا الأصل، وذكر أنها على أربعة أوجه وجهان في المقيدة ووجهان في المطلقة: 
أما في المقيدة فهي على وجهين إما أن لا يكون فيه ماء أصلا أو كان فيه ماء وقت الحلف ثم صب قبل مضي الوقت، وفي كل منهما لا يحنث لعدم انعقاد اليمين في الأول، ولبطلانها عند الصب في الثاني عندهما، ولا فرق في الوقت بين أن يكون اليوم أو الشهر أو الجمعة. وأما المطلقة فعلى وجهين إما أن لا يكون فيه ماء أصلا فلا يحنث لعدم انعقاد اليمين أو كان فيه وصب فإنه يحنث لانعقادها لإمكان البر ثم يحنث بالصب؛ لأن البر يجب عليه كما فرغ فإذا صب فقد فات البر فيحنث في ذلك الوقت كما لو مات الحالف والماء باق وظاهر كلامهم أنه لا فرق بين أن يكون قد صبه هو أو غيره أو مال الكوز فانصب ما فيه من غير فعل أحد.
وأما عند أبي يوسف فيحنث في الوجوه كلها غير أنه في المؤقت يحنث في آخر الوقت، وفي المطلق يحنث للحال إن لم يكن فيه ماء، وإن كان فيه ماء يحنث عند الصب.
وأطلق المصنف في عدم حنثه في المسائل الثلاثة فشمل ما إذا علم الحالف أن فيه ماء أو لا، وما إذا علم أن لا ماء فيه، وقيده الإسبيجابي بعدم علمه بأن لا ماء فيه، وأما إذا علم بأن لا ماء فيه يحنث بالاتفاق. ا ه.؛ لأنه إذا علم وقعت يمينه على ما يخلق الله تعالى فيه، وقد تحقق العدم فيحنث وروي عن أبي حنيفة في رواية أخرى أنه قال لا يحنث علم أو لم يعلم، وهو قول زفر. ا ه. وصحح في "التبيين" هذه الرواية في شرح قوله إن لم أقتل فلانا فكذا، ولذا أطلق هنا في "المختصر" وجزم بالإطلاق في "فتح القدير"، وقد تفرع على هذا الأصل مسائل.
منها ما لو حلف ليقتلن زيدا اليوم فمات زيد قبل مضي اليوم لا يحنث عند هما كما سيأتي1 بيانه. ومنها لو حلف ليأكلن هذا الرغيف اليوم فأكله غيره قبل الليل. ومنها لو حلف ليقضين فلانا دينه غدا، وفلان قد مات، ولا علم له أو مات أحدهما قبل مضي الغد أو قضاه قبله أو أبرأه فلان قبله لم تنعقد، ومنها ما لو قال لزيد إن رأيت عمرا فلم أعلمك فعبدي حر فرآه مع زيد فسكت، ولم يقل شيئا أو قال هو عمرو لا يعتق عندهما. ومنها لو حلف لا يعطيه حتى يأذن فلان فمات فلان ثم أعطاه لم يحنث، وكذا ليضربنه أو ليكلمنه، ومنها لو قال رجل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الصفحة:  "514".

 

ج / 4 ص -507-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لامرأته إن لم تهبي لي صداقك اليوم فأنت طالق، وقال أبوها إن وهبت له صداقك فأمك طالق فحيلة عدم حنثهما أن تشتري منه بمهرها ثوبا ملفوفا وتقبضه فإذا مضى اليوم لم يحنث أبوها؛ لأنها لم تهب صداقها، ولا الزوج؛ لأنها عجزت عن الهبة عند الغروب؛ لأن الصداق سقط عن الزوج بالبيع ثم إذا أرادت عود الصداق ردته بخيار الرؤية الكل في "فتح القدير".
ومنها ما في "الولوالجية" من تعليق الطلاق رجل قال إن لم أدخل الليلة البلد، ولم ألق فلانا فامرأته طالق فدخل، ولم يصادفه في منزله فلم يلقه حتى أصبح إن كان عالما بأنه غاب عن المنزل وقت الحلف يحنث، وإن لم يكن عالما لا يحنث. ا ه.
ومنها ما في المبتغى، وفي يمينه لامرأته إن لم تصل صلاة الفجر غدا فأنت كذا لا يحنث بحيضها بكرة في الأصح. ا ه.
ومنها لو قال لامرأته بعدما أصبح إن لم أجامعك هذه الليلة فأنت طالق، ولم تكن له نية، وكان يعلم أنه أصبح وقع يمينه على الليلة القابلة؛ لأنه حلف نهارا فينصرف إلى الليلة القابلة المستقبلة، وإن نوى تلك الليلة لا تنعقد اليمين عند أبي حنيفة ومحمد فرعا لمسألة الكوز.
ومنها قال إن نمت هذه الليلة في هذه الدار فامرأته كذا، وقد انفجر الصبح، وهو لا يعلم لا يحنث في يمينه؛ لأن شرط الحنث، وهو النوم في الليلة الماضية لا يتصور فصار كأنه قال إن صمت أمس فامرأته طالق لا يحنث في يمينه.
ومنها ما لو قال إن لم أبت الليلة في هذه الدار والمسألة بحالها فكذلك في قولهما. ومنها لو غاب الرجل عن داره ساعة ثم رجع فظن أن المرأة غائبة عن الدار فقال إن لم آت بامرأتي إلى داري الليلة فهي طالق ثلاثا فلما أصبح قالت المرأة كنت في هذه الدار لم يحنث عند أبي حنيفة ومحمد؛ لأن اليمين لم تنعقد، وإن قالت كنت غائبة فإن صدقها الزوج طلقت؛ لأن الزوج أقر بالطلاق.
ومنها ما لو قال إن لم تردي الدينار الذي أخذتيه من كيسي فأنت طالق فإذا الدينار في كيسه لم تطلق؛ لأن البر هنا لم يتصور فلم تنعقد اليمين فلا يترتب الحنث بمنزلة مسألة الكوز.
ومنها قوم حلفهم السلطان على أن يؤدوا خراج تلك البلدة إلى وقت معلوم فأدي الخراج كله لكن بعضهم بغير أمر الباقين أو أدى الخراج كله رجل واحد غيرهم بغير أمرهم لم يحنثوا في قول أبي حنيفة ومحمد؛ لأنه لما أدى واحد منهم أو غيرهم لم يبق الخراج عليهم فلا يتصور

 

ج / 4 ص -508-       حلف ليصعدن السماء، أو ليقلبن هذا الحجر ذهباً حنث للحال لا يكلمه فناداه، وهو نائم فأيقظه، أو إلا بإذنه فأذن له، ولم يعلم حنث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شرط البر فتبطل اليمين عندهما؛ لأنها مؤقتة بوقت الكل في "الواقعات"، وقد قدمنا1 شيئا من مسائل هذا النوع في تعلق الطلاق عند قولهم وزوال الملك بعد اليمين لا يبطلها.
"قوله:  حلف ليصعدن السماء أو ليقلبن هذا الحجر ذهبا حنث للحال" يعني عندنا، وقال زفر لا تنعقد؛ لأنه مستحيل عادة فأشبه المستحيل حقيقة، ولنا أن البر متصور حقيقة بكسر الواو أي ممكن؛ لأن الصعود إلى السماء ممكن حقيقة ألا ترى أن الملائكة يصعدونها، وكذا تحول الحجر ذهبا بتحويل الله تعالى بجعله صفة الحجرية صفة الذهبية أو بإعدام الأجزاء الحجرية، وإبدالها بأجزاء ذهبية فالتحويل في الأول أظهر، وهو ممكن عند المتكلمين على ما هو الحق، وإذا كان متصورا تنعقد اليمين موجبة لحلفه ثم يحنث بحكم العجز الثابت عادة كما إذا مات الحالف فإنه يحنث مع احتمال إعادة الحياة وبخلاف مسألة الكوز؛ لأن شرب الماء الذي في الكوز وقت الحلف، ولا ماء فيه لا يتصور فلم تنعقد. قيد بكون اليمين مطلقة؛ لأنها لو كانت مؤقتة فإنه لا يحنث حتى يمضي ذلك الوقت حتى لو مات قبله لا كفارة عليه إذ لا حنث، وهو المختار، وقيد بالفعل؛ لأنه لو حلف على الترك بأن قال إن تركت مس السماء فعبدي حر لم تنعقد يمينه؛ لأن الترك لا يتصور في غير المقدور.
"قوله:  "لا يكلمه فناداه، وهو نائم فأيقظه أو إلا بإذنه فأذن له، ولم يعلم حنث"؛ لأنه في المسألة الأولى كلمه وقد وصل إلى سمعه، وقد شرط المصنف أن يوقظه، وهي رواية "المبسوط"، وعليه مشايخنا، وهو المختار؛ لأنه إذا لم ينتبه كان كما إذا ناداه من بعيد، وهو بحيث لا يسمع صوته لا يحنث، ولم يشترطه القدوري كما إذا ناداه، وهو بحيث يسمع لكنه لم يفهم لتغافله، وهي من المسائل التي جعل النائم فيها كالمستيقظ، وهي خمس وعشرون ذكرناها في باب التيمم وصحح الإمام السرخسي الحنث، وإن لم يوقظه لما ذكره محمد في السير الكبير إذا نادى المسلم أهل الحرب بالأمان من موضع يسمعون صوته إلا أنهم لا يسمعون لشغلهم بالحرب فهو أمان. ا ه. وقد فرق بأن الأمان يحتاط في إثباته.
وقيد بكونه نائما؛ لأنه لو كان مستيقظا حنث إن كان بحيث يسمع صوته إن أصغى إليه أذنه، وإن لم يسمع لعارض أمر كان مشغولا به أو كان أصم، وإن كان لا يسمع صوته لو أصغى إليه أذنه لشدة البعد لا يحنث كذا في "الذخيرة"، وفيها لا يحنث حتى يكلمه بكلام مستأنف بعد اليمين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الصفحة:  "515".

 

ج / 4 ص -509-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منقطع عنها لا متصل بها فلو قال موصولا إن كلمتك فأنت طالق فاذهبي أو اخرجي أو قومي أو شتمها أو زجر متصلا لا يحنث؛ لأن هذا من تمام الكلام الأول فلا يكون مرادا باليمين إلا أن يريد به كلاما مستأنفا.
وفي "المنتقى" لو قال فاذهبي أو واذهبي لا تطلق، ولو قال اذهبي طلقت؛ لأنه منقطع عن اليمين، وفي "نوادر ابن سماعة" عن محمد لا أكلمك يوما أو غدا حنث؛ لأنه كلمه اليوم بقوله أو غدا. ا ه.
وتعقبه في "فتح القدير" بأنه لا شك في عدم صحته؛ لأنه كلام واحد فإنه إذا أراد أن يحلف على أحد الأمرين لا يقال إلا كذلك، وعن هذا إذا قال لآخر إذا ابتدأتك بكلام فعبدي حر فالتقيا فسلم كل على الآخر معا لا يحنث وانحلت يمينه لعدم تصور أن يكلمه بعد ذلك ابتداء، ولو قال لها إن ابتدأتك بكلام، وقالت له هي كذلك لا يحنث إذا كلمها؛ لأنه لم يبتدئها، ولا يحنث بعد ذلك لعدم تصور ابتدائها، ولو حلف لا يكلمه فسلم على قوم هو فيهم حنث إلا أن لا يقصده فيصدق ديانة لا قضاء. أما لو قال السلام عليكم إلا على واحد صدق قضاء عندنا، ولو سلم من الصلاة فإن كان إماما قيل إن كان المحلوف عليه عن يمينه لا يحنث، وإن كان عن يساره حنث؛ لأن الأولى واقعة في الصلاة فلا يحنث بها بخلاف الثانية، وقيل لا يحنث بهما؛ لأنهما في الصلاة من وجه، وكذا عن محمد أنه لا يحنث بهما، وهو الصحيح.
ولو دق عليه الباب فقال من حنث، ولو ناداه المحلوف عليه فقال لبيك أو لبى حنث، ولو كلمه الحالف بكلام لم يفهمه المحلوف عليه ففيه روايتان، ولو أراد أن يأمر بشيء فقال:  وقد مر المحلوف عليه يا حائط اسمع افعل كيت، وكيت فسمعه المحلوف عليه، وفهمه لا يحنث لما روي أن عبد الرحمن بن عوف حلف لا يكلم عثمان فكان إذا مر به يقول يا حائط اصنع كذا كذا ويا حائط كان كذا1، ولو قال لامرأته إن شكوت مني إلى أخيك فأنت طالق فجاء أخوها، وعندها صبي لا يعقل فقالت المرأة إن زوجي فعل بي كذا، وكذا وخاطبت الصبي بذلك حتى سمع أخوها لا تطلق؛ لأنها ما شكت إليه؛ لأنها لم تخاطبه، ولو قال إن شكوت بين يدي أخيك قال في الكتاب هذا أشد يريد به أنه يخاف عليه أن يحنث والظاهر أنه لا يحنث؛ لأنه يراد في العرف بالشكاية بين يديه الشكاية إليه كذا في "الواقعات".
ولو حلف لا يتكلم فناول امرأته شيئا فقال ها حنث، ولو جاءه كافر يريد الإسلام فبين
صفة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لم أعثر عليه.

 

ج / 4 ص -510-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإسلام مسمعا له، ولا يوجه إليه لم يحنث، وفي "المحيط" لو سبح الحالف للمحلوف عليه للسهو أو فتح عليه القراءة، وهو مقتد لم يحنث وخارج الصلاة يحنث، ولو كتب إليه كتابا أو أرسل إليه رسولا لا يحنث؛ لأنه لا يسمى كلاما عرفا خلافا لمالك وأحمد واستدلالهم بقوله تعالى
{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا} إلى قوله {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً} [الشورى: 51] أجيب عنه بأن مبنى الأيمان على العرف.
واعلم أن الكلام لا يكون إلا باللسان فلا يكون بالإشارة، ولا بالكتابة، والإخبار والإقرار والبشارة تكون بالكتابة لا بالإشارة والإيماء، والإظهار والإفشاء والإعلام يكون بالإشارة أيضا فإن نوى في ذلك كله أي في الإظهار والإفشاء والإعلام والإخبار كونه بالكلام والكتابة دون الإشارة دين فيما بينه وبين الله تعالى، ولو حلف لا يحدثه لا يحنث إلا أن يشافهه، وكذا لا يكلمه يقتصر على المشافهة، ولو قال لا أبشره فكتب إليه حنث، وفي قوله إن أخبرتني أن فلانا قدم ونحوه يحنث بالصدق والكذب، ولو قال بقدومه ونحوه فعلى الصدق خاصة، وكذا إن أعلمتني، وكذا البشارة، ومثله إن كتبت إلي أن فلانا قدم فكتب قبل قدومه فوصل إليه الكتاب حنث سواء وصل إليه قبل قدومه أو بعده بخلاف إن كتبت إلي بقدومه لا يحنث حتى يكتب بقدومه الواقع.
وذكر هشام عن محمد سألني هارون الرشيد عمن حلف لا يكتب إلى فلان فأمر من يكتب إليه بإيماء أو إشارة هل يحنث فقلت:  نعم يا أمير المؤمنين إذا كان مثلك قال السرخسي، وهذا صحيح؛ لأن السلطان لا يكتب بنفسه، وإنما يأمر به، ومن عادتهم الأمر بالإيماء والإشارة، ولو حلف لا يقرأ كتاب فلان فنظر فيه حتى فهمه لا يحنث عند أبي يوسف ويحنث عند محمد؛ لأن المقصود الوقوف على ما فيه لا عين التلفظ به.
ولو حلف لا يكلم فلانا، وفلانا لم يحنث بكلام أحدهما إلا أن ينوي كلا منهما فيحنث بكلام أحدهما، وعليه الفتوى، وإن ذكر خلافه في بعض المواضع كذا في "فتح القدير". ولو قال لا أبلغك شيئا فكتب إليه حنث، ولو قال لا أذكرك شيئا فهو على المواجهة، ولا يحنث بالكتابة، ولو قال لا أظهر سرك، ولا أفشي أبدا فإن صرح إلى رجل واحد وذكره فقد أفشى سره، وكذلك يحنث بالكتابة والرسالة إلى إنسان كذا في "المحيط".
وفي "الواقعات" حلف أن لا يكذب فسأله إنسان عن أمر فحرك رأسه بالكذب لا يحنث ما لم يتكلم؛ لأن الكذب تكلم بكلام هو كذب.
ابن بين زيد، وعمرو حلف رجل لا يكلم ابن زيد وحلف الآخر لا يكلم ابن عمرو فكلما هذا

 

ج / 4 ص -511-       لا يكلمه شهرافهو من حين حلف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الابن حنثا؛ لأن كل واحد كلم ابن من سمى إن كلمت امرأة فعبدي حر فكلم صبية لم يحنث.
ولو قال إن تزوجت امرأة فتزوج صبية حنث؛ لأن الصبا مانع من هجران الكلام فلا تراد الصبية في اليمين المعقودة على الكلام عادة، ولا كذلك التزوج.اه.
وفي "الظهيرية" حلف لا يكلم امرأته فدخل داره، وليس فيها غيرها فقال من وضع هذا حنث، ولو كان معها غيرها لا يحنث، ولو قال ليت شعري من وضع هذا لا يحنث؛ لأنه استفهم نفسه، ولو قرأ الحالف كتابا على المحلوف عليه والمحلوف عليه يكتب إن قصد الحالف إملاء المحلوف عليه قالوا يخاف عليه الحنث. ا ه.
وفي "السراجية" عن محمد بن الحسن أنه سأل حال صغره أبا حنيفة فيمن قال لآخر والله لا أكلمك ثلاث مرات فقال أبو حنيفة ثم ماذا فتبسم محمد رحمه الله، وقال انظر حسنا يا شيخ فنكس أبو حنيفة ثم رفع رأسه فقال حنث مرتين فقال له محمد أحسنت فقال أبو حنيفة لا أدري أي الكلمتين أوجع لي قوله:  انظر حسنا أو أحسنت. ا ه.
وأما المسألة الثانية وهي ما إذا حلف لا يكلمه إلا بإذنه فأذن له، ولم يعلم بالإذن حتى كلمه فلان الإذن مشتق من الأذان الذي هو الإعلام أو من الوقوع في الأذن، وكل ذلك لا يتحقق إلا بالسماع، وقال أبو يوسف لا يحنث؛ لأن الإذن هو الإطلاق، وأنه يتم بالإذن كالرضا قلنا الرضا من أعمال القلب، ولا كذلك الإذن على ما مر، ولا يخالفه ما في التتمة والفتاوى الصغرى إذا أذن المولى لعبده والعبد لا يعلم لا يصح الإذن حتى إذا علم يصير مأذونا؛ لأن الإذن يثبت موقوفا على العلم فليس له قبل العلم حكم الإذن، ولذا قال في الشامل إذا أذن لعبده فلم يعلم به أحد من الناس فتصرف العبد ثم علم بإذنه لم يجز تصرفه الله أعلم.
"قوله:  لا يكلمه شهرا فهو من حين حلف"؛ لأنه لو لم يذكر الشهر تتأبد اليمين فذكر الشهر لإخراج ما وراءه فبقي ما يلي يمينه داخلا عملا بدلالة الحال بخلاف ما إذا قال والله لأصومن شهرا أو لأعتكفن شهرا؛ لأنه لو لم يذكر الشهر لا تتأبد اليمين فكان ذكره لتقدير الصوم به، وأنه منكر فالتعيين إليه بخلاف ما إذا قال إن تركت الصوم شهرا فإنه يتناول شهرا من حين حلف؛ لأن تركه مطلقا يتناول الأبد فذكر الوقت لإخراج ما وراءه فهو كقوله إن تركت كلامه شهرا، وإن لم أساكنه شهرا، ونظيره إذا آجره شهرا، وكذا آجال الديون،
وأما الأجل في قوله كفلت لك بنفسك إلى شهر اختلف في أنها لبيان ابتداء المدة أو لانتهائها فعن أبي يوسف لانتهاء المطالبة فلا يلزم بإحضاره بعد الشهر، وألحقاها بآجال الديون

 

ج / 4 ص -512-       لا يتكلم، فقرأ القرآن، أو سبح لم يحنث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فجعلاها لبيان ابتدائها فلا يلزم بإحضارها قبل الشهر، وهو أحسن؛ لأن الأجل في مثله للترفية كذا في "فتح القدير".
وفي "البدائع"، ولو حلف لا يكلمه شهرا يقع على ثلاثين يوما، ولو قال الشهر يقع على بقية الشهر، ولو حلف لا يكلمه السنة يقع على بقية السنة.
وأشار المصنف إلى أنه لو حلف بالليل لا يكلمه يوما فإنه يحنث بكلامه من حين حلف إلى أن تغيب الشمس من الغد يدخل في يمينه بقية الليل حتى لو كلمه فيما بقي من الليل أو في الغد يحنث؛ لأن ذكر اليوم للإخراج، وكذا لو حلف بالنهار لا يكلمه ليلة حنث بكلامه من حين حلف إلى طلوع الفجر.
ولو قال في بعض النهار لا أكلمه يوما فاليمين على بقية اليوم والليلة المستقبلة إلى مثل تلك الساعة التي حلف فيها من الغد؛ لأنه حلف على يوم منكر فلا بد من استيفائه، ولا يمكن استيفاؤه إلا بإتمامه من اليوم الثاني فيدخل الليل بطريق التبع.
وكذا إذا حلف لا يكلمه ليلة فاليمين من تلك الساعة إلى أن يجيء مثلها من الليلة المستقبلة فيدخل النهار الذي بينهما في ذلك؛ لأنه حلف على ليلة منكرة فلا بد من الاستيفاء فإن قال في بعض اليوم والله لا أكلمك اليوم فاليمين على ما بقي من اليوم فإذا غربت الشمس سقطت اليمين، وكذلك إذا قال بالليل والله لا أكلمك الليلة فإذا طلع الفجر سقطت.
ولو قال والله لا أكلمك اليوم، ولا غدا فاليمين على بقية اليوم، وعلى غد، ولا تدخل الليلة التي بينهما في اليمين كذا في "البدائع".
وفي "الواقعات" حلف لا يكلمه اليوم ولا غدا، ولا بعد غد فله أن يكلمه بالليل؛ لأنها أيمان ثلاثة، ولو لم يكرر حرف النفي فهي يمين واحدة فيدخل الليل بمنزلة قوله ثلاثة أيام، وفي "الظهيرية"، ولو قال والله لا أكلمك شهرا إلا يوما، ولا نية له فله أن يختار أي يوم شاء، ولو قال شهرا إلا نقصان يوم فهو على تسعة وعشرين يوما، وهو مخالف للأول ا ه.
"قوله:  لا يتكلم فقرأ القرآن أو سبح لا يحنث"؛ لأنه لا يسمى متكلما عادة وشرعا أطلقه فشمل ما إذا كان في الصلاة أو خارجها فإن كان في الصلاة فهو متفق عليه، وإن كان خارجها فاختار القدوري الحنث واختار خواهر زاده عدمه لما ذكرنا، وفي "فتح القدير" أنه اختير للفتوى من غير تفصيل بين عقد اليمين بالعربية أو بالفارسية، وإن كان ظاهر المذهب التفصيل الذي ذكره القدوري؛ لأن مبنى الأيمان على العرف، وفي العرف المتأخر لا يسمى التسبيح والقرآن

 

ج / 4 ص -513-       يوم اكلهم فلانا، فعلى الجديدين، فإذا قال:  يوم أكلهم فلانا فامرأته طالق، فهو على الليل والنهار فإن كلمه ليلا أو نهارا حنث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كلاما حتى إنه يقال لمن يسبح طول يومه أو يقرأ لم يتكلم اليوم بكلمة. ا ه. لكن في "الواقعات" المختار للفتوى أن اليمين إذا كانت بالعربية لم يحنث بالقراءة في الصلاة ويحنث بالقراءة خارجها، وإن كانت بالفارسية لا يحنث مطلقا. ا ه. فقد اختلفت الفتوى والإفتاء بظاهر المذهب أولى.
وفي "التهذيب" للقلانسي الكلام في الحقيقة مفهوم ينافي الخرس والسكوت، وهو اختيار محققي أهل السنة لكن في العرف صوت مقطوع مفهوم يخرج من الفم، ولا تدخل فيه القراءة والتسبيح في الصلاة في عرفهم، وفي عرفنا لا تدخل في غير الصلاة أيضا، وكذا قراءة الكتب ظاهرا وباطنا في عرفنا. ا ه.
فأفاد أنه لا يحنث إذا قرأ كتابا أي كتاب كان قيد بكونه حلف أنه لا يتكلم؛ لأنه لو قال كلما تكلمت كلاما حسنا فأنت طالق ثم قال سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر طلقت واحدة، ولو قال سبحان الله الحمد لله لا إله إلا الله الله أكبر طلقت ثلاثا كذا في "الظهيرية". وفي "الواقعات" حلف لا يقرأ القرآن اليوم فقرأ في الصلاة أو خارجها يحنث؛ لأنه قرأ القرآن، وإذا قرأ بسم الله الرحمن الرحيم فإذا نوى ما في سورة النمل يحنث، وإن نوى غير ما في سورة النمل أو لا نية له لم يحنث؛ لأنهم لا يريدون به قراءة القرآن، ولو حلف لا يقرأ سورة من القرآن فنظر فيها حتى إذا أتى إلى آخرها لا يحنث بالاتفاق أبو يوسف سوى بين هذا وبين ما إذا حلف لا يقرأ كتاب فلان ومحمد فرق فقال المقصود من قراءة كتاب فلان فهم ما فيه، وقد حصل أما المقصود من قراءة القرآن عين القراءة إذ الحكم متعلق به ثم عند محمد في قوله لا يقرأ كتاب فلان إذا قرأ سطرا حنث وبنصف السطر لا؛ لأن نصف السطر لا يكون مفهوم المعنى غالبا والفتوى على قول أبي يوسف ا ه.
"قوله:  يوم أكلم فلانا فعلى الجديدين فإذا قال يوم أكلم فلانا فامرأته طالق فهو على الليل والنهار فإن كلمه ليلا أو نهارا حنث"؛ لأن اسم اليوم إذا قرن بفعل لا يمتد يراد به مطلق الوقت قال تعالى
{وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16] والكلام لا يمتد، وقد تقدم تحقيقه في فصل إضافة الطلاق إلى الزمان قيد بقوله يوم أكلم؛ لأنه لو قال والله لا أكلمك اليوم، ولا غدا فاليمين على بقية اليوم، وعلى غد، ولا تدخل الليلة التي بينهما في اليمين لأنه أفرد كل واحد من الوقتين بحرف النفي فيصير كل واحد منهما منفيا على الإفراد أصله قوله تعالى {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197]، ولو قال والله لا أكلمك اليوم وغدا دخلت الليلة التي بين اليوم والغد في يمينه؛ لأنه هاهنا جمع بين الوقت الثاني وبين

 

ج / 4 ص -514-       فإن نوى النهار خاصة صدق، وليلة أكلمه على الليل إن كلمته إلا أن يقدم زيد أو حتى أو إلا أن يأذن، أو حتى فكذا، فكلم قبل قدومه، أو أذنه حنث وبعدهما لا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأول بحرف الجمع، وهي الواو فصار وقتا واحدا فدخلت الليلة المتخللة، ولو حلف لا يكلمه يومين تدخل فيه الليلة سواء كان قبل طلوع الفجر أو بعده، وكذلك الجواب في الليل، ولو قال والله لا أكلمه يوما، ولا يومين فهو كقوله ثلاثة أيام في قول أبي يوسف ومحمد حتى لو كلمه في اليوم الأول أو الثاني أو الثالث يحنث وذكر محمد في الجامع أنه على يومين حتى لو كلمه في اليوم الأول أو الثاني يحنث، وإن كلمه في اليوم الثالث لا يحنث كذا في "البدائع".
"قوله:  فإن نوى النهار صدق"؛ لأنه نوى حقيقة كلامه، وهو مستعمل فيه أيضا أطلق في تصديقه فشمل الديانة والقضاء، وعن أبي يوسف أنه لا يصدق قضاء.
"قوله:  وليلة أكمله على الليل"؛ لأنه حقيقة في سواد الليل كالنهار للبياض خاصة، ولا يجيء استعماله في مطلق الوقت بخلاف اليوم، وما ورد في أشعار بعض العرب من إطلاقها على مطلق الوقت فإنما هو في صيغة الجمع، وكلامنا في المفرد، وقدمنا أنه لو حلف لا يكلمه ليلة فاليمين من تلك الساعة إلى أن يجيء مثلها من الليلة المستقبلة فيدخل النهار الذي بينهما في ذلك، وإذا كان بالليل، وقال لا أكلمه الليلة فإذا طلع الفجر سقطت.
"قوله:  إن كلمته إلا أن يقدم زيد أو حتى أو إلا أن يأذن أو حتى فكذا فكلم قبل قدومه أو إذنه حنث وبعدهما لا" أي، وإن كلمه بعد القدوم أو الإذن لا يحنث؛ لأنه غاية واليمين باقية قبل الغاية، ومنتهية بعدها فلا يحنث بالكلام بعد انتهاء اليمين أما حتى فكونها للغاية ظاهر، وأما إلا أن فالأصل فيها أنها للاستثناء وتستعار للشرط والغاية إذا تعذر الاستثناء لمناسبة بينهما وهو أن حكم ما قبل كل واحد من الاستثناء والشرط والغاية يخالف ما بعده. قيد بالشرط؛ لأنه لو قال أنت طالق إلا أن يقدم فلان فإنه إن قدم فلان لا تطلق، وإن لم يقدم حتى مات فلان طلقت، وهي هنا للشرط كأنه قال إن لم يقدم فلان فأنت طالق، ولا تكون للغاية؛ لأنها إنما تكون لها فيما يحتمل التأقيت والطلاق مما لا يحتمله معنى فتكون فيه للشرط وتمامه في "فتح القدير"، وفي "المحيط" لو قال والله لا أكلمه في اليوم الذي يقدم فيه فلان فكلمه في اليوم الذي قدم فيه فلان قبل قدومه حنث؛ لأن شرط الحنث كلامه يوم القدوم، وقد وجد، وإن كلمه بعد القدوم قالوا يجب أن لا يحنث؛ لأنه لم يجعل القدوم شرطا؛ لأنه لم يقرن به حرف الشرط، ولكنه جعله معرفا لما هو شرط الحنث، وهو الكلام، وإنما يتصور القدوم معرفا للشرط إذا وجد الشرط قبله فأما إذا وجد بعده لا يتصور كونه معرفا؛ لأن من ضرورة كون الشيء معرفا تقدم ذلك الشيء عليه كما لو قال لامرأته أنت طالق قبل شهر رمضان بشهر كان رمضان معرفا لا شرطا، وكذا لو قال:  أنت

 

ج / 4 ص -515-       وإن مات زيد سقط الحلف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طالق قبل قدوم فلان بشهر إذا قدم فلان قبل تمام الشهر لا تطلق، ولو عجل الكفارة قبل القدوم لا يصح؛ لأنه لا حنث قبل القدوم. ا ه.
"قوله:  وإن مات زيد سقط الحلف" لما في "الذخيرة" إذ الأصل أن الحالف إذا جعل ليمينه غاية، وفاتت الغاية بطلت اليمين عند أبي حنيفة ومحمد حتى إن من قال لغيره والله لا أكلمك حتى يأذن لي فلان أو قال لغريمه والله لا أفارقك حتى تقضيني حقي فمات فلان قبل الإذن أو برئ من المال فاليمين ساقطة في قولهما خلافا لأبي يوسف، وعلى هذا لو حلف ليوفين ماله اليوم فأبرأه الطالب. وعلى هذا تخرج جنس هذه المسائل إذا قال إن فعلت كذا ما دمت ببخارى فكذا فخرج من بخارى ثم رجع، وفعل ذلك لا يحنث فيجب أن يعلم أن كلمة ما زال، وما دام، وما كان غاية تنتهي اليمين بها فإذا حلف لا يفعل كذا ما دام ببخارى فخرج تنتهي يمينه بالخروج فإذا عاد عاد واليمين منتهية فإذا فعل ذلك الفعل لا يحنث في يمينه كذا في فتاوى الفضلي، وعلى هذا إذا حلف لا يصطاد ما دام فلان في هذه البلدة، وفلان أمير هذه البلدة فخرج الأمير إلى بلدة أخرى لأمر فاصطاد الحالف قبل رجوعه أو بعد رجوعه لا يحنث في يمينه؛ لأن اليمين ينتهي بخروج الأمير، وفي فتاوى أبي الليث إذا حلف لا يدخل دار فلان ما دام فلان فيها فخرج فلان بأهله ثم عاد ودخل الحالف لا يحنث في يمينه، وفي العيون إذا حلف لا يكلم فلانا ما دام في هذه الدار فخرج بمتاعه، وأثاثه ثم عاد، وكلمه لا يحنث، وإذا قال والله لا أكلم فلانا ما دام عليه هذا الثوب أو ما كان عليه أو ما زال عليه فنزعه ثم لبسه، وكلمه لا يحنث، ولو قال لا أكلمه، وعليه هذا الثوب فنزعه ثم لبسه، وكلمه حنث؛ لأن في هذه الصورة ما جعل اليمين موقتة بوقت بل قيده بصفة فتبقى اليمين ما بقيت تلك الصفة. وفي فتاوى أبي الليث إذا قال لأبويه إن تزوجت ما دمتما حيين فكذا فتزوج امرأة في حياتهما حنث فلو تزوج امرأة أخرى في حياتهما لا يلزمه الحنث، ولو كان قال كل امرأة أتزوجها ما دمتما حيين يلزمه الحنث بكل امرأة يتزوجها ما داما حيين فإذا مات أحدهما سقط اليمين حتى لو تزوج امرأة بعد ذلك لا يلزمه حكم الحنث؛ لأن شرط الحنث التزوج ما داما حيين، ولا يتصور ذلك بعد موت أحدهما فيسقط، وإذا حلف لا يأكل هذا الطعام ما دام في ملك فلان فباع فلان بعضه ثم أكل الحالف الباقي لا يحنث؛ لأن اليمين قد انتهى ببيع البعض، ولو قال لغريمه والله لا أفارقك حتى تقضيني حقي اليوم ونيته أن لا يترك لزومه حتى يعطيه حقه فمضى اليوم، ولم يفارقه، ولم يعطه حقه لا يحنث فإن فارقه بعد مضي المدة يحنث، وكذلك إذا قال لا أفارقك حتى أقدمك إلى السلطان اليوم أو حتى يخلصك السلطان مني فمضى اليوم، ولم يفارقه، ولم يقدمه إلى السلطان، ولم يخلصه السلطان فهو سواء لا يحنث إلا بتركه، ولو قدم اليوم فقال لا أفارقك اليوم حتى تعطيني حقي فمضى اليوم، ولم

 

ج / 4 ص -516-       لا يأكل طعام زيد، أو لا يدخل داره، أو لا يلبس ثوبه، أو لا يركب دابته، أو لا يكلم عبده إن أشار وزال ملكه، وفعل لم يحنث كما في المتجدد، وإن لم يشر لا يحنث بعد الزوال، وحنث بالمتجدد، وفي الصديق والزوجة حنث في المشار بعد الزوال، وفي غير المشار لا، وحنث بالمتجدد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يفارقه، ولم يعطه حقه لم يحنث، وإن فارقه بعد مضي اليوم لا يحنث؛ لأنه وقت للفراق ذلك اليوم، وتمام مسائلها فيها.
"قوله:  لا يأكل طعام زيد أو لا يدخل داره أو لا يلبس ثوبه أو لا يركب دابته إن أشار وزال ملكه، وفعل لم يحنث كالمتجدد، وإن لم يشر لا يحنث بعد الزوال وحنث بالمتجدد، وفي الصديق والزوجة حنث في المشار بعد الزوال، وفي غير المشار لا وحنث بالمتجدد" بيان لمسائل الأصل فيها أنه إذا حلف على هجران محل مضاف إلى فلان كلا يكلم عبد فلان أو زوجته أو صديقه أو لا يدخل داره أو لا يلبس ثوبه أو لا يركب فرسه أو لا يأكل طعامه أو من طعامه فلا شك أن هذه الإضافة في الكل معرفة لعين ما عقد اليمين على هجره سواء كانت إضافة ملك كعبده وداره ودابته أو إضافة نسبة أخرى غير الملك كزوجته وصديقه فالإضافة مطلقا تفيد النسبة والنسبة أعم من كونها نسبة ملك أو غيره فلا يصح جعل إضافة النسبة تقابل إضافة الملك كما في "الهداية" وغيرها؛ لأنه لا تقابل بين الأعم والأخص إلا أن يكون مخصوص عرف اصطلاحي، وإذا كانت هذه الإضافة مطلقا للتعريف فبعد ذلك إما أن يقرن به لفظ الإشارة كقوله لا أكلم عبده هذا أو لا فعلى تقدير عدم الإشارة الظاهر أن الداعي في اليمين كراهته في المضاف إليه، وإلا لعرفه باسمه العلم ثم أعقبه بالإضافة إن عرض اشتراك مثل لا أكلم راشدا عبد فلان ليزيل الاشتراك العارض في اسم راشد فلما اقتصر على الإضافة، ولم يذكر اسمه، ولا أشار إليه كان الظاهر أنه لمعنى في المضاف إليه، وإن احتمل أن يهجر بغضا لذاته أيضا كالزوجة والصديق فلا يصار إليه بالاحتمال وحينئذ فاليمين منعقدة على هجر المضاف حال قيام الإضافة وقت الفعل بأن كان موجودا وقت اليمين ودامت الإضافة إلى وقت الفعل أو انقطعت ثم وجدت بأن باع وطلق ثم استرد أو لم يكن وقت اليمين فاشتري عبدا فكلمه حنث. وكذا لو لم تكن له زوجة فاستحدث زوجة.
والحاصل:  أنه إذا أضاف، ولم يشر لا يحنث بعد الزوال في الكل لانقطاع الإضافة ويحنث في المتجدد بعد اليمين في الكل لوجودها، وإذا أضاف، وأشار فإنه لا يحنث بعد الزوال والتجدد إن كان المضاف لا يقصد بالمعاداة، وإلا حنث، ولم يذكر المصنف العبد للاختلاف فالمذهب أنه كالدار؛ لأنه لا يقصد بالمعاداة وروى ابن سماعة أنه كالصديق ووجه الظاهر أن العبد ساقط

 

ج / 4 ص -517-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاعتبار عند الأحرار فإنه يباع في الأسواق كالحمار فالظاهر أنه إن كان منه أذى إنما يقصد هجران سيده بهجرانه، وفي بعض الشروح لا أتزوج بنت فلان لا يحنث بالبنت التي تولد بعد اليمين بالإجماع، وهو مشكل فإنها إضافة نسبية فينبغي أن تنعقد على الموجود حال التزوج فلا جرم أن في التفاريق عن أبي يوسف إن تزوجت بنت فلان أو أمته على الموجود والحادث كذا في "فتح القدير"، وأطلق المصنف في زوال الملك في المسألة الأولى فشمل ما إذا زالت الملك من المحلوف عليه إلى الحالف كما إذا حلف لا يأكل طعامك هذا فأهداه له فأكله لم يحنث في قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمد يحنث، وكذلك في بقية المسائل لا فرق في الزوال بين أن يكون إلى الحالف أو لا كذا في "الذخيرة"، ولو حلف لا يأكل من غلة أرضه فأكل من ثمن الغلة حنث؛ لأنه في العرف يسمى آكلا غلة أرضه، وإن نوى أكل نفس ما يخرج منها صدق ديانة، وقضاء؛ لأنه نوى الحقيقة كذا في "الذخيرة" أيضا. ولو حلف لا يأكل من كسب فلان فالكسب ما صار له بفعله كأخذ المباحات أو بقبوله في العقود فأما الميراث فليس بكسبه؛ لأن الملك يثبت فيه بغير صنعه فلا يضاف إلى كسبه فإذا حلف لا يأكل من كسب فلان فورث المحلوف عليه شيئا، وأكل الحالف لا يحنث، ولو اشترى الحالف من المحلوف عليه مما اكتسبه المحلوف عليه، وأكله لم يحنث؛ لأن شرط الحنث أكل مكسوب فلان، وهذا أكل مكسوب نفسه فلو وهبه له أو تصدق به عليه، وأكله حنث، ولو مات المحلوف عليه وترك مالا اكتسبه وورثه رجل فأكله الحالف حنث؛ لأن الثابت للوارث عين الثابت للمورث، وكذلك لو ورثه الحالف، وأكله حنث؛ لأنه كسب فلان الميت قال في "الواقعات" بخلاف قوله مال فلان الميت وبخلاف ما لو انتقل إلى غيره بغير الميراث بشراء أو وصية حيث لا يحنث؛ لأنه صار كسبا للثاني. ولو حلف لا يأكل من ميراث فلان فمات المحلوف عليه ثم مات وارثه وورثه غيره فأكله الحالف لم يحنث؛ لأن بالإرث الثاني ينتسخ حكم الأول، ولو حلف لا يأكل من ميراث أبيه شيئا فاشترى بما ورث طعاما، وأكله حنث، ولو اشترى بالميراث شيئا واشترى بذلك الطعام طعاما، وأكله لم يحنث، ولو حلف لا يأكل من ملك فلان أو مما ملكه فلان فخرج شيء من ملكه إلى ملك غيره، وأكله الحالف لا يحنث، وكذلك لو حلف لا يأكل طعام فلان، ولو حلف لا يأكل مما يشتري فلان فاشترى لنفسه أو لغيره، وأكله الحالف يحنث، ولو باعه المحلوف عليه ثم أكل الحالف لا يحنث؛ لأن الشراء الثاني فسخ للأول، ولو حلف لا يأكل من مال فلان فغصب منه حنطة فطحنها أو دقيقا فخبزه، وأكله يحنث هكذا ذكر في موضع من "المنتقى" وذكر في موضع آخر منه لا يحنث، ولو قال لا آكل من طعام فلان فغصبه منه، وأكله حنث، ولو حلف لا يأكل مما زرع فلان فباع فلان زرعه، وأكله الحالف يحنث؛ لأن الزراعة لا يفسخها الشراء، ولو حلف لا يأكل من طعام فلان،

 

ج / 4 ص -518-       لا يكلم صاحب هذا الطيلسان فباعه، فكلمه حنث.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفلان بائع الطعام فاشترى منه، وأكل حنث الكل من "الذخيرة" والفرع الأخير، وارد على قول المصنف، وإن لم يشر لا يحنث بعد الزوال فيقيد كلام المصنف بأن لا يكون فلان بائع الطعام، وعلله في "الواقعات" بأنه يراد به طعامه باسم ما كان مجازا عرف ذلك بحكم دلالة الحال، وكذا هذا في قوله لا ألبس من ثياب فلان، وهو نظير قوله لا آكل من مال أبوي بعد موتهما. ا ه.
وفي "الذخيرة" أيضا لو حلف لا يأكل من طعام فلان فأكل من طعام مشترك بينه وبين غيره يحنث لإطلاق الطعام على القليل والكثير بخلاف الدار والثوب، ولو حلف لا يأكل من خبز فلان فأكل من خبز بينه وبين غيره يحنث بخلاف ما إذا حلف لا آكل من رغيف فلان فأكل من رغيف بينه وبين آخر لا يحنث؛ لأن اسم الخبز يطلق على القليل والكثير، ولا كذلك اسم الرغيف، ولو حلف لا يأكل من طعام فلان فأكل من طعام مشترك بين الحالف وبين فلان لا يحنث؛ لأن ما أكل الحالف هو من حصته، ولو حلف لا يزرع أرض فلان فزرع أرضا بينه وبين غيره حنث؛ لأن كل جزء من الأرض يسمى أرضا، ولا كذلك الثوب والدار فإن كل جزء من الدار لا يسمى دارا، وكذلك كل جزء من الثوب لا يسمى ثوبا. ا ه. وفي "الواقعات" حلف لا يأكل لحما يشتريه فلان فاشترى سخلة وذبحها فأكله الحالف لا يحنث؛ لأن فلانا ما اشتراه بعدما صار لحما، ولو حلف لا يأكل من طعام فلان فأكل من خله بطعام نفسه أو بزيته أو بملحه حنث؛ لأنه أكل من طعامه، ولو حلف لا يأكل من مال ابنه، وكان بينه وبين ابنه حب من خل فأكل منه يحنث؛ لأنه أكل من مال الابن. ا ه. ويحتاج حينئذ إلى الفرق بين الطعام والمال كما لا يخفى، وفي "الواقعات" أيضا قال إن أكلت من مال ختني شيئا فامرأتي طالق فدفع إليه عجين ختنه فجعل في عجين آخر وخبزه فأكل لا يحنث؛ لأن العجين قد ذهب. وكذا لو حلف لا يشرب من شرابه، ولا يأكل من لحمه فأخذ ماء، وملحا للمحلوف عليه وجعلهما في عجين لا يحنث إذا أكل من ذلك الخبز؛ لأن ذلك قد تلاشى، ولو حلف لا يأكل من كسب فلان فأكل كسرة مطروحة في بيت المحلوف عليه فإن كانت الكسرة بحال لا يعطى مثلها الفقير لا يحنث، وإن كان بحال يعطى مثلها الفقير يحنث. ا ه. ثم اعلم أن ما في "المختصر" إنما هو عند عدم النية، وأما إذا نوى شيئا فهو على ما نوى؛ لأنه محتمل كلامه، وفي "الذخيرة" حلف لا يأكل من طحن فلان أو من خبزه فهذا على الماضي والمستقبل، وكذلك قوله:  مما خبز فلان مما اشترى فلان على الماضي والمستقبل. ا ه.
"قوله:  لا يكلم صاحب هذا الطيلسان فباعه فكلمه حنث"؛ لأن الإنسان لا يمتنع عن كلام صاحب الطيلسان لأجل الطيلسان فكانت الإضافة للتعريف فتعلقت اليمين بالمعرف، ولهذا لو كلم

 

ج / 4 ص -519-       الزمان، والحين، ومنكرهما ستة أشهر، والدهر، والأبد العمر، ودهر مجمل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المشتري لا يحنث وذكر الطيلسان للتمثيل؛ لأنه لو قال لا أكلم صاحب هذه الدار، وهذا الطعام فالحكم كذلك كما في "الذخيرة" قيد بهذه اليمين؛ لأنه لو حلف لا يلبس طيلسان فلان فهو كقوله لا يلبس ثوب فلان، وفيه التفصيل السابق والطيلسان معرب تيلسان أبدلوا التاء طاء من لباس العجم مدور أسود لحمته وسداه صوف.
"قوله:  الزمان والحين، ومنكرهما ستة أشهر"؛ لأن الحين قد يراد به الزمان القليل قال الله تعالى
{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} [الروم: 17]، وقد يراد به أربعون سنة قال تعالى {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1]، وقد يراد به ستة أشهر قال تعالى {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 25]، وهذا هو الوسط فينصرف إليه، وهذا؛ لأن القليل لا يقصد بالمنع لوجود الامتناع فيه عادة والمديد لا يقصد غالبا؛ لأنه بمنزلة الأبد، ولو سكت عنه يتأبد فتعين ما ذكرناه، وكذا الزمان يستعمل استعمال الحين فيقال ما رأيتك منذ حين، ومنذ زمان بمعنى واحد، وهذا إذا لم تكن له نية أما إذا نوى شيئا فهو على ما نوى؛ لأنه حقيقة كلامه، ولا فرق في ذلك بين الزمان والحين، وهو الصحيح كما في "البدائع" أطلقه فشمل الإثبات والنفي فإذا قال لأصومن حينا أو الحين فهو كقوله لا أكلمه حينا أو الحين، وفي "فتح القدير" ويعتبر ابتداء الستة الأشهر من، وقت اليمين بخلاف قوله لأصومن حينا أو زمانا كان له أن يعين أي ستة أشهر شاء وتقدم الفرق. ا ه. وأشار المصنف إلى أنه لو قال لا أكلمه الأحايين أو الأزمنة بالجمع فهو على عشر مرات ستة أشهر كما في "شرح الطحاوي"، ولو قال لا أكلمه كذا، وكذا يوما فهو على أحد وعشرين يوما، ولو قال كذا كذا فهو على أحد عشر، ولو حلف لا يكلمه بضعة عشر يوما فهو على ثلاثة عشر يوما؛ لأن البضع من ثلاثة إلى تسعة فيحتمل على أقلها، ولو حلف لا يكلمه الشتاء فأول ذلك إذا لبس الناس الحشو والفراء وآخره إذا ألقوها في البلد الذي حلف فيه والصيف على ضده، وهو من حين إلقاء الحشو إلى لبسه والربيع آخر الشتاء، ومستقبل الصيف إلى أن ييبس العشب والخريف فصل ما بين الشتاء والصيف والمرجع في ذلك إلى اللغة. ولو حلف لا يكلمه إلى الموسم قال يكلمه إذا أصبح يوم النحر؛ لأنه أول الموسم وغرة الشهر ورأس الشهر أول ليلة ويومها، وأول الشهر إلى ما دون النصف وآخره إذا مضى خمسة عشر يوما، ولو قال لله علي أن أصوم أول يوم من آخر الشهر وآخر يوم من أول الشهر فعليه صوم يوم الخامس عشر والسادس عشر كذا في "البدائع".
"قوله:  والدهر والأبد العمر ودهر مجمل" يعني لو حلف لا يكلمه الدهر معرفا أو الأبد معرفا أو منكرا فهو العمر أي مدة حياة الحالف، وأما الدهر منكرا فقد قال أبو حنيفة:

 

ج / 4 ص -520-       والأيام، وأيام كثيرة والشهور، والسنون عشرة، ومنكرها ثلاثة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا أدري ما هو، وقالا هو كالحين، وهذا هو الصحيح خلافا لما يقوله بعضهم من أن الاختلاف بينهم في العرف أيضا لهما أن دهرا يستعمل استعمال الحين والزمان يقال ما رأيته منذ دهر، ومنذ حين بمعنى واحد وأبو حنيفة توقف في تقديره؛ لأن اللغات لا تدرك قياسا والعرف لم يعرف استمراره لاختلاف في الاستعمال والتوقف عند عدم المرجح من الكمال، وقد توقف أبو حنيفة في أربعة عشر مسألة كما في السراج الوهاج، وقد نقل لا أدري عن الأئمة الأربعة بل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن جبريل عليه السلام كما في الشرح وبهذا علم أن العلم بجميع المسائل الشرعية ليس بشرط في الفقيه أي المجتهد؛ لأن الشرط التهيؤ القريب كما بيناه أول الكتاب. وأشار المصنف إلى أنه لو قال لا أكلمه العمر فهو على الأبد، واختلف جواب بشر بن الوليد في المنكر نحو عمرا فمرة قال في لله علي صوم عمر يقع على يوم واحد، ومرة قال هو مثل الحين ستة أشهر إلا أن ينوي أقل أو أكثر، وفي "البدائع" أن الأظهر أنه يقع على ستة أشهر.
"قوله:  والأيام، وأيام كثيرة والشهور والسنون عشرة، ومنكرها ثلاثة" بيان لأقل الجمع في باب الأيمان، وهو على وجهين إما أن يكون معرفا أو منكرا فإذا كان معرفا كما إذا حلف لا يكلمه الأيام أو الجمع أو الشهور أو السنين انصرف إلى عشرة من تلك المعدودات، وكذلك لا يكلمه الأزمنة انصرف إلى خمس سنين؛ لأن كل زمان ستة أشهر عند عدم النية، وهذا كله عند أبي حنيفة، وقالا في الأيام ينصرف إلى أيام الأسبوع، وفي الشهور إلى اثني عشر شهرا، وفي الجمع والسنين والدهور والأزمنة إلى الأبد؛ لأن اللام للعهد إذا أمكن، وإن لم يمكن فهي للاستغراق والعهد ثابت في الأيام والشهور كما ذكرنا، ولا عهد في خصوص ما سواهما فكان للاستغراق، وهو استغراق سني العمر وجمعه، وله أنه جمع معرف باللام فينصرف إلى أقصى ما عهد مستعملا فيه لفظ الجمع على اليقين، وهو عشرة؛ لأنه يقال ثلاثة رجال، وأربعة رجال إلى عشرة رجال فإذا جاوز العشرة ذهب الجمع فيقال أحد عشر رجلا إلى آخره، وإنما اعتبر أقصى المعهود، وإن كان ما دونه معهودا أيضا؛ لأنها لاستغراق المعهود؛ لأن المعهود كل مرتبة من المراتب التي أولها ثلاثة، وأقصاها عشرة، ولا معين.
فالحاصل:  أنهم اتفقوا على أنها للعهد لكن اختلفوا في المعهود فهما قالا المعهود الأسبوع والسنة، وهو قال العشرة نظرا إلى أنها أقصى المعهود، وقد أطال في "فتح القدير" في بيانه إطالة حسنة وتعرض للرد على ابن العز، ولسنا بصدد ذلك، وفي "الذخيرة" لو قال والله لا أكلمك الجمع، ولا نية له فله أن يكلمه في غير يوم الجمعة؛ لأن الجمع جمع جمعة، وهو اسم خاص لليوم الذي تقام فيه الجمعة سمي به لاجتماع الناس فيه لإقامة هذا الأمر فيه فلا يتناول غيره من

 

ج / 4 ص -521-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأيام كما لو قال لا أكلمك الأخمسة والآحاد والأثانين، وإن نوى أيام الجمعة نفس الأسبوع فهو على ما نوى. وذكر في النوادر أن من قال علي صوم جمعة إن نوى يوم الجمعة يلزمه صوم يوم الجمعة لا غير، وإن نوى أيام الجمعة يعني الأسبوع أو لم تكن له نية يلزمه صوم الأيام السبعة بحكم غلبة الاستعمال يقول الرجل لغيره لم أرك منذ جمعة فعلى رواية النوادر صرف الجمعة إلى أيامها دون يوم الجمعة خاصة، وعلى رواية "الجامع الصغير" صرف الجمعة المطلقة غير مقرونة باليوم إلى يوم الجمعة خاصة؛ لأن هذا الاستعمال فيما إذا ذكرت الجمعة مطلقة بلفظ الواحد أي لا بلفظ الجمع حتى قال مشايخنا:  إذا قال والله لا أكلمك جمعة ينصرف اليمين إلى الأيام السبعة لا إلى يوم الجمعة خاصة كما ذكر في النوادر. ا ه. فتبين بهذا أنه إذا حلف لا يكلمه الجمع يترك كلامه عشرة أيام كل يوم هو يوم الجمعة لا أنه يترك كلامه عشرة أسابيع كما قد يتوهم قال في "التبيين" ثم الجمع معرفا، ومنكرا يقع على أيام الجمعة في المدة، وله أن يكلمه فيما بين الجمعات، وأما الجمع المنكر فذكر المصنف أنه إن وصفه بالكثرة فهو كالمعرف كقوله لا أكلمه أياما كثيرة؛ لأنه لما وصفه بالكثرة علم أنه لم يرد به الأقل، وهو الثلاث فينصرف إلى المعهود كالمعرف باللام فعنده للعشرة، وعندهما للأسبوع. وعلى هذا لو قال إن خدمتني أياما كثيرة فأنت حر فعنده للعشرة، وعندهما للأسبوع، وإن لم يصفه بالكثرة انصرف إلى ثلاثة على ما ذكر في الجامع من غير خلاف، وهو الصحيح؛ لأنه ذكر لفظ الجمع منكرا فيقع على أدنى الجمع الصحيح، وهو ثلاثة وذكر في الأصل أنه على عشرة أيام وسوى بين منكر الأيام، ومعرفها بخلاف السنين منكرا فإنه على ثلاثة اتفاقا كما في "البدائع"، ولم يذكر المصنف الجمع المضاف، وفيه تفصيل ففي "الذخيرة" لو حلف لا يركب دواب فلان أو لا يلبس ثيابه أو لا يكلم عبيده ففعل بثلاثة مما سمى يحنث، وإن كان لفلان ثياب ودواب، وعبيد أكثر من ثلاثة فرق بين هذا وبين ما إذا حلف لا يكلم زوجات فلان لا يكلم أصدقاء فلان لا يكلم أخوة فلان حيث لا يحنث ما لم يكلم الكل مما سمى. والفرق أن في الفصل الأول المنع في فلان لا لمعنى هذه الأشياء فتتقيد اليمين باعتبار منسوبين إلى فلان، وقد ذكر النسبة باسم الجمع، وأقل الجمع ثلاثة أما في الفصل الثاني المنع لمعنى في هؤلاء فتعلقت اليمين بأعيانهم وصار تقدير المسألة لا أكلم هؤلاء فما لم يكلم الكل لا يحنث، وإن نوى الحالف في الفصل الأول الدواب كلها والغلمان كلها يدين فيما بينه وبين الله تعالى، وفي القضاء؛ لأنه نوى حقيقة كلامه كذا في الزيادات وظاهره أنه لا يحنث بواحدة في الكل. وفي "نوادر ابن سماعة" عن أبي يوسف أنه لا يحنث بالواحد في بني آدم ويحنث في غيره فإذا حلف لا يكلم عبيد فلان، وله ثلاثة فكلم واحدا منهم لا يحنث ويمينه على الكل بخلاف لا أركب دوابه، ولا ألبس ثيابه، وفي "الواقعات" قال والله لا أكلم أخوة فلان

 

ج / 4 ص -522-       وله أخ والأخ واحد فإن كان يعلم يحنث إذا كلم ذلك الواحد؛ لأنه ذكر الجمع، وأراد الواحد فإن كان لا يعلم لا يحنث؛ لأنه لم يرد الواحد فبقيت اليمين على الجمع كمن حلف لا يأكل ثلاثة أرغفة من هذا الحب، وليس له فيه إلا رغيف واحد، وهو لا يعلم لا يحنث. ا ه. وقيد المصنف بالأيام ونحوها؛ لأنه لو قال والله لا أكلم الفقراء أو المساكين أو الرجال فكلم واحدا منهم يحنث؛ لأنه اسم جنس بخلاف قوله رجالا أو نساء كذا في "الواقعات" ففي المنكر لا فرق بين الكل، وأما في المعرف فإنه ينصرف للمعهود إن أمكن، وإلا فهو للجنس؛ لأن الألف واللام إذا دخلت على الجمع، ولا عهد فإنه يبطل معنى الجمعية كقوله لا أشتري العبيد لا أتزوج النساء كما عرف في الأصول، وفي "الذخيرة" الأصل أن الحكم إذا علق بجمع منكر كعبيد ورجال ونساء يتعلق وقوعه بأدنى الجمع الصحيح، وهو الثلاثة دون المثنى، ومتى علق بجمع معروف بالألف واللام يتعلق بأدنى ما ينطلق عليه ذلك الاسم عند عامة المشايخ إذا لم يكن ثمة معهود كالحكم المعلق باسم الجنس، وعند بعض المشايخ ينصرف إلى كل الجنس. ا ه. وفي تهذيب القلانسي، وأما الأطعمة والنساء والثياب يقع على واحد إجماعا، ولو نوى الكل صحت نيته. ا ه. وفي "الظهيرية" لو قال والله لا أكلمك كل يوم من أيام هذه الجمعة فكلمه في تلك الجمعة ليلا أو نهارا مرة واحدة حنث به، ولو قال والله لا أكلمك في كل يوم من أيام هذه الجمعة لا يحنث حتى يكلمه في كل يوم، ولو ترك كلامه يوما واحدا لا يحنث، وإن كلمه كل يوم لا يحنث إلا مرة واحدة لاتحاد الاسم، ولو حلف لا يكلم فلانا أيامه هذه قال أبو يوسف هو على ثلاثة أيام، ولو قال لا أكلمه أيامه فهو على العمر، ولو قال لا أكلمك يوما بعد الأيام عن محمد إن كلمه في سبعة أيام لا يحنث، وبعد السبعة يحنث، والمعنى فيه على أصل محمد ظاهر. ا ه. والله أعلم.بالصواب واليه المرجع المآب.

3- باب اليمين في الطلاق والعتاق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3- باب اليمين في الطلاق والعتاق
قال المصنف في "الكافي":  الأصل في هذا الباب أن الولد الميت ولد في حق غيره لا في حق نفسه، وأن الأول اسم لفرد سابق والأخير لفرد لاحق والوسط لفرد بين العددين المتساويين، وأن الشخص الواحد متى اتصف بواحد من هذه الثلاثة فلا يتصف بالآخر للتنافي بينهما، ولا كذلك الفعل؛ لأن اتصافه بالأولية لا ينافي اتصافه بالآخرية؛ لأن الفعل الثاني غير الأول فلو قال آخر تزوج أتزوج فالتي أتزوجها طالق طلقت المتزوجة مرتين؛ لأنه جعل الآخر وصفا للفعل وهو العقد، وعقدها هو الآخر كما سيأتي بيانه.

 

ج / 4 ص -523-       إن ولدت فأنت كذا بالميت بخلاف فهو حر، فولدت ولدا ميتا، ثم آخر حيا عتق الحي وحده. أول عبد أملكه، فهو حر فملك عبدا عتق، ولو ملك عبدين، ثم آخر لا واحد منهم، ولو زاد وحده عتق الثالث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله "إن ولدت فأنت كذا حنث بالميت بخلاف فهو حر فولدت ولدا ميتا ثم آخر حيا عتق الحي وحده" أي لو قال لامرأته إن ولدت فأنت طالق أو قال لأمته إن ولدت فأنت حرة فولدت ولدا ميتا طلقت المرأة، وعتقت الجارية؛ لأن الموجود مولود فيكون ولدا حقيقة ويسمى به في العرف ويعتبر ولدا في الشرع حتى تنقضي به العدة والدم بعده نفاس، وأمه أم ولد فيتحقق الشرط، وهو ولادة الولد بخلاف ما لو قال لأمته إذا ولدت ولدا فهو حر فولدت ولدا ميتا ثم آخر حيا عتق الحي وحده عند أبي حنيفة، وقالا لا يعتق واحد منهما؛ لأن الشرط قد تحقق بولادة الميت على ما بينا فتنحل اليمين لا إلى جزاء؛ لأن الميت ليس بمحل للحرية، وهو الجزاء ولأبي حنيفة أن مطلق الاسم قد تقيد بوصف الحياة؛ لأنه قصد إثبات الحرية جزاء، وهي قوة حكمية تظهر في دفع تسليط الغير فلا يثبت في الميت فيتقيد بوصف الحياة كما إذا قال إذا ولدت ولدا حيا بخلاف جزاء الطلاق وحرية الأم؛ لأنه لا يصلح مقيدا. وأشار المصنف إلى أنه لو قال أول ولد تلدينه فهو حر أنه يتقيد بوصف الحياة عنده حتى لو ولدت ولدا ميتا ثم آخر حيا عتق الحي، وعندهما لا يعتق، وأما إذا قيده بالحياة نصا فإنه يعتق الحي اتفاقا، وإلى أنه لو قال أول عبد يدخل علي فهو حر فأدخل عليه عبد ميت ثم آخر حي فإنه يعتق الآخر الحي، وهو بالإجماع على الصحيح والعذر لهما أن العبودية بعد الموت لا تبقى؛ لأن الرق يبطل بالموت بخلاف الولد أو الولادة.
وأشار بالمسألة الأولى إلى أنها لو أسقطت سقطا مستبين الخلق فإنها تطلق وتعتق؛ لأنه ولد شرعا، ولو لم يستبن شيء من خلقه لا يعتبر، وتقدم حكمه في الحيض.
قوله:  "أول عبد أملكه فهو حر فملك عبدا عتق، ولو ملك عبدين ثم آخر" "لا يعتق واحد منهم"؛ لأن الأول اسم لفرد سابق، وقد وجد في المسألة الأولى وانعدم التفرد في الثانية في الأوليين وانعدم السبق في الثالث فانعدمت الأولية.
قوله "ولو زاد وحده عتق الثالث" أي لو قال أول عبد أملكه وحده فهو حر فملك عبدين ثم ملك آخر عتق العبد الثالث؛ لأنه يراد به التفرد في حال سبب الملك؛ لأن وحده للحال لغة، والثالث سابق في هذا الوصف، ولا فرق بين أن يذكر الملك أو الشراء، ومراد المصنف من زيادة وحده أنه زاد وصفا للأول سواء كان وحده أو لا فيشمل ما لو قال أول عبد اشتريه بالدنانير فهو حر فاشترى عبدا بالدراهم أو بالعروض ثم اشترى عبدا بالدنانير فإنه

 

ج / 4 ص -524-       فلو قال:  آخر عبدا أملكه فهو حر فملك عبدا أو مات لم يعتق، فلو اشترى عبدا، ثم عبدا، ثم مات عتق الآخر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعتق، وكذا لو قال أول عبد اشتريه أسود فهو حر فاشترى عبيدا بيضا ثم أسود فإنه يعتق، وقيد بوحده؛ لأنه لو قال أول عبد اشتريه واحدا فهو حر فاشترى عبدين ثم اشترى عبدا فإنه لا يعتق الثالث لاحتمال أن يكون حالا للعبد أو للمالك فلا يعتق بالشك وتمامه في "التبيين" وواحدا بالنصب على أنه حال. وأما إذا كان مجرورا فهو صفة للعبد فهو كوحده كما لا يخفى ولو قال أول عبد أملكه فهو حر فملك عبدا ونصف عبد عتق العبد الكامل؛ لأن نصف العبد ليس بعبد فلم يشاركه في اسمه فلا يقطع عنه اسم الأولية والفردية كما لو ملك معه ثوبا أو نحوه بخلاف ما إذا قال أول كر أملكه فهو هدي فملك كرا1 ونصفا حيث لا يلزمه شيء؛ لأن النصف يزاحم الكل في المكيلات والموزونات لأنه بالضم يصير شيئا واحدا بخلاف الثياب والعبيد.
"قوله فلو قال:  آخر عبد أملكه فهو حر فملك عبدا ومات لم يعتق"؛ لأن الآخر بكسر الخاء فرد لاحق، ولا سابق له فلا يكون لاحقا، ولهذا يدخل في الأول فيستحيل أن يدخل في ضده، وفي "فتح القدير"، وهذه المسألة مع التي تقدمت تحقق أن المعتبر في تحقق الآخرية وجود سابق بالفعل، وفي الأولية عدم تقدم غيره لا وجود آخر متأخر عنه، وإلا لم يعتق المشتري في قوله:  أول عبد أشتريه فهو حر إذا لم يشتر بعده غيره. ا ه. والضمير في مات راجع إلى المالك.
قوله "فلو اشترى عبدا ثم عبدا ثم مات عتق الآخر"؛ لأنه فرد لاحق فاتصف بالآخرية، ولم يذكر المصنف وقت عتقه للاختلاف فعند الإمام يستند العتق إلى وقت الشراء حتى يعتبر من جميع المال إن كان اشتراه في صحته عند أبي حنيفة، وإلا عتق من الثلث، وعندهما يعتق مقتصرا على حالة الموت فيعتبر من الثلث على كل حال؛ لأن الآخرية لا تثبت إلا بعدم شراء غيره بعده وذلك يتحقق بالموت فكان الشرط متحققا عند الموت فيقتصر عليه ولأبي حنيفة أن الموت معرف فأما اتصافه بالآخرية فمن وقت الشراء فيثبت مستندا، وعلى هذا الخلاف تعليق الطلقات الثلاث به كما إذا قال آخر امرأة أتزوجها فهي طالق ثلاثا فيقع عند الموت عندهما وترث بحكم أنه فار، ولها مهر واحد وعليها العدة أبعد الأجلين من عدة الطلاق والوفاة فإن كان الطلاق رجعيا فعليها عدة الوفاة وتحد، وعنده يقع منذ تزوجها فإن كان دخل بها فلها مهر ونصف مهر بالدخول بشبهة ونصف مهر بالطلاق قبل الدخول، وعدتها بالحيض بلا حداد، ولا ترث منه. ولو قال آخر امرأة أتزوجها طالق فتزوج امرأة ثم أخرى ثم طلق الأولى ثم تزوجها ثم مات

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الكر:  كيل معروف، وهو ستون قفيزا ا ه. المصباح المنير مادة/كر/.

 

ج / 4 ص -525-       كل عبد بشرني بكذا، فهو حر، فبشره ثلاثة متفرقون عتق الأول
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طلقت التي تزوجها مرة؛ لأن التي أعاد عليها التزوج اتصفت بكونها أولى فلا تتصف بالآخرية للتضاد كمن قال آخر عبد أضربه فهو حر فضرب عبدا ثم ضرب آخر ثم أعاد الضرب في الأول ثم مات عتق المضروب مرة بخلاف الفعل كما قدمناه1 أول الباب، وقيد بموت المولى؛ لأنه لا يعلم أن الثاني آخر إلا بموت المولى لجواز أن يشتري غيره فيكون هو الآخر، ولم يذكر المصنف الأوسط قال في "البدائع"، ولو قال أوسط عبد أشتريه فهو حر فكل عبد فرد له حاشيتان متساويتان فيما قبله وبعده فهو أوسط، ولا يكون الأول ولا الآخر وسطا أبدا، ولا يكون الوسط إلا في وتر، ولا يكون في شفع فإذا اشترى عبدا ثم عبدا ثم عبدا فالثاني هو الوسط فإذا اشترى رابعا خرج الثاني من أن يكون أوسط فإذا اشترى خامسا صار الثالث هو الوسط فإذا اشترى سادسا خرج من أن يكون أوسط، وعلى هذا فقس. ا ه
قوله:  "كل عبد بشرني بكذا فهو حر فبشره ثلاثة متفرقون" "عتق الأول"؛ لأن البشارة اسم لخبر سار صدق ليس للمبشر به علم عرفا ويتحقق ذلك من الأول دون الباقين، وأصله ما روي أنه صلى الله عليه وسلم مر بابن مسعود، وهو يقرأ القرآن فقال عليه السلام
"من أحب أن يقرأ القرآن غضا طريا كما أنزل فليقرأه بقراءة ابن أم عبد"2 فابتدر إليه أبو بكر، وعمر رضي الله عنهما فسبق أبو بكر عمر فكان يقول بشرني أبو بكر، وأخبرني عمر، ولو كتب إليه أحدهما كتابا بالبشارة يعتق إلا إذا نوى المشافهة؛ لأن البشارة قد تكون بالكتابة؛ لأن الكتابة من الغائب بمنزلة الخطاب من الحاضر، وكذا لو أرسل إليه رسولا فإنه يعتق في البشارة والخبر بخلاف الحديث لا يحنث إلا بالمشافهة ولو حلف لا يدعو فلانا فكتب إليه يدعوه حنث كما في "الذخيرة".
وقيدناها بالصدق؛ لأنه لو بشره كذبا لا يقع؛ لأنه، وإن ظهر في بشرة الوجه الفرح والسرور باعتبار الظاهر لكنه قد زال لما تبين له خلافه بخلاف من أخبرني أن فلانا قدم فكذا فأخبره واحد كذبا فإنه يعتق؛ لأنه ينطلق على الكذب والصدق بخلاف ما إذا قال من أخبرني بقدومه فلا بد من الصدق كما قدمناه ففي البشارة لا فرق بين أن يأتي بالباء أو لا بخلاف الخبر، وقد علم الفرق في بحث الباء من الأصول والكتابة كالخبر فلو قال إن كتبت أن فلانا قدم فكذا فكتب كذبا عتق؛ لأنها جمع الحروف وقد وجد بخلاف إن كتبت بقدومه فلا بد من قدومه حقيقة فلو كتب بقدومه غير عالم به، وقد قدم حقيقة عتق بلغ الخبر إلى الحالف أو لا لوجود

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الصفحة:  "521".
2 أخرجه ابن ماجه، في المقدمة "138" والحاكم في المستدرك "2/227". وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد "9/288" والطبراني في الكبير "8417".

 

ج / 4 ص -526-       وإن بشروه معا عتقوا، وصح شراء أبيه للكفارة لا شراء من حلف بعتقه، وأم ولده
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرط كما في "المحيط"، وأما الإعلام فلا بد فيه من الصدق؛ لأن الإعلام إثبات العلم والكذب لا يفيده كذا في "البدائع"، ولا فرق فيه بين أن يأتي بالباء أو لا كما في "الذخيرة" وخرج الخبر الضار فليس ببشارة عرفا، وإن سماه الله بشارة في قوله تعالى
{فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الإنشقاق: 24]؛ لأنه بشارة لغة، والكلام في العرف. وفي "المحيط" لو قال أول من بشرني بقدوم فلان من عبيدي فهو حر فأرسل بعض عبيده عبدا آخر فقال قل للمولى إن فلانا يقول لك قد قدم فلان فأبلغه ذلك العبد قال يعتق المرسل دون الرسول، وهو بمنزلة الكتابة، ولو قال الرسول إن فلانا قد قدم، ولم يقل أرسلني إليك فلان عبدك بكذا عتق الرسول دون المرسل.
"قوله:  وإن بشروه معا عتقوا" لتحققها من الجميع قال تعالى
{وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلِيمٍ} [الذاريات: 28].
قوله "وصح شراء أبيه للكفارة لا شراء من حلف بعتقه وأم ولده"؛ لأن شراء القريب إعتاق؛ لأنه عليه السلام جعل نفس الشراء إعتاقا؛ لأنه لا يشترط غيره فصار نظير قوله سقاه فأرواه فصادف النية العلة فأجزأه عن الكفارة، وأما شراء من حلف بعتقه كما إذا قال إن اشتريت فلانا فهو حر فاشتراه ينوي به كفارة عن يمينه أو غيرها فإنه لا يجزئه؛ لأن الشرط قران النية بعلة العتق، وهي اليمين فأما الشراء فشرطه، وأما أم الولد فقد تقدم في الظهار أنه لو أعتقها عن كفارته لا يجوز، وليس هذا بمراده هنا. وأما قوله:  أم الولد معطوف على من يعني أنه لو قال لأمة قد استولدها بالنكاح إن اشتريتك فأنت حرة عن كفارة يميني ثم اشتراها فإنها تعتق لوجود الشرط، ولا تجزئه عن الكفارة؛ لأن حريتها مستحقة بالاستيلاد فلا تضاف إلى اليمين من كل وجه بخلاف ما إذا قال لقنة إن اشتريتك فأنت حرة عن كفارة يميني حيث يجزئه عنها إذا اشتراها؛ لأن حريتها غير مستحقة بجهة أخرى فلم تختل الإضافة إلى اليمين، وقد قارنته النية.
والحاصل:  أن النية إذا قارنت علة العتق، ورق المعتق كامل صح التكفير، وإلا فلا، وقولهم هنا أن اليمين علة العتق من باب إطلاق الكل، وإرادة الجزء؛ لأن العلة هو الجزاء، وهو أنت حر لا مجموع اليمين من الشرط والجزاء، وقيد بالشراء؛ لأنه لو ورث قريبه ونواه عن كفارته لا يصح؛ لأنه لم يوجد من جهته فعل حتى يجعل تحريرا كذا في "المحيط" وينبغي أنه لو وهب له قريبه أو تصدق به عليه أو أوصي له به أو جعل مهرا لها فنوى أن يكون عن كفارته عند قبوله فإنه يجوز؛ لأن النية صادفت العلة "الاختيار"ية بخلاف الإرث؛ لأنه جبري، ولم أره منقولا صريحا، وكلامهم يفيده دلالة.

 

ج / 4 ص -527-       إن تسريت أمة، فهي حرة صح لو في ملكه وإلا لا.
كل مملوك لي حر عتق عبيده القن، وأمهات أولاده، ومدبروه، لا مكاتبه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله "إن تسريت أمة فهي حرة صح لو في ملكه وإلا لا" أي، وإن لم يكن في ملكه لم يصح التعليق؛ لأنها إن كانت في ملكه فقد انعقدت اليمين في حقها لمصادفتها الملك، وهذا؛ لأن الجارية منكرة في هذا الشرط فتتناول لكل جارية على الانفراد. وأما إذا اشترى جارية وتسراها فإنها لا تعتق خلافا لزفر فإنه يقول التسري لا يصح إلا في الملك فكان ذكره ذكرا لملك فصار كما إذا قال لأجنبية إن طلقتك فعبدي حر يصير التزوج مذكورا، ولنا أن الملك يصير مذكورا ضرورة صحة التسري، وهو شرط فيتقدر بقدره، ولا يظهر في حق صحة الجزاء هو الحرية. وفي مسألة الطلاق إنما يظهر في حق الشرط دون الجزاء حتى لو قال لها إن طلقتك فأنت طالق ثلاثا فتزوجها وطلقها واحدة لا تطلق ثلاثا فهذا وزان مسألتنا قيد بقوله فهي حرة؛ لأنه لو قال إن تسريت أمة فأنت طالق أو عبدي حر فتسرى من في ملكه أو من اشتراه بعد التعليق، وأنها تطلق ويعتق العبد لوجود الشرط بلا مانع قال في "التبيين" لو قال لأمة إن تسريت بك فعبدي حر فاشتراها فتسرى بها عتق عبده الذي كان في ملكه وقت الحلف، ولا يعتق من اشتراه بعده. ا ه. فاحفظ هذا فإن بعض أهل العصر قاس مسألة تعليق الطلاق بالتسري على مسألة "المختصر"، وهو غلط فاحش؛ لأن المنكوحة يصح تعليق طلاقها بأي شرط كان. ثم اعلم أن التسري هنا تفعل من السرية، وهو اتخاذها والسرية إن كانت من السرور فإنها تسر بهذه الحالة ويسر هو بها أو من السرو والسيادة فضم سينها على الأصل وإن كانت من السر بمعنى الجماع أو بمعنى ضد الجهر فإنها قد تخفى على الزوجات الحرائر فضمها من تغييرات النسب كما قالوا دهري بالضم في النسبة إلى الدهر، وفي النسبة إلى السهل من الأرض سهلي بالضم والفعل منه بحسب اعتبار مصدره، ومعنى التسري عند أبي حنيفة ومحمد أن يحصن أمته ويعدها للجماع أفضى إليها بمائه أو عزل عنها، وعند أبي يوسف أن لا يعزل ماءه مع ذلك فعرف أنه لو وطئ أمة له، ولم يفعل ما ذكرناه من التحصين والإعداد لا يكون تسريا، وإن لم يعزل عنها وإن علقت منه، ولو حلف لا يتسرى فاشترى جارية فحصنها ووطئها حنث ذكره القدوري في "التجريد" عن أبي حنيفة ومحمد كذا في "فتح القدير".
قوله:  "كل مملوك لي حر عتق عبيده القن وأمهات أولاده، ومدبروه لا مكاتبه" لوجود الإضافة المطلقة فيما عدا المكاتب إذ الملك ثابت فيهم رقبة ويدا ولا يدخل المكاتب إلا بالنية؛ لأن الملك غير ثابت يدا فيه، ولهذا لا يملك أكسابه، ولا يحل له وطء المكاتبة بخلاف المدبر،

 

ج / 4 ص -528-       هذه طالق، أو هذه طلقت الأخيرة، وخير في الأوليين، وكذا العتق والإقرار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأم الولد فاختلت الإضافة ومعتق البعض كالمكاتب لما ذكرنا، وقد قدمنا الكلام عليه في العتق المعلق فراجعه.
"قوله:  هذه طالق أو هذه، وهذه طلقت الأخيرة وخير في الأولين، وكذا العتق والإقرار" يعني لو قال لعبيده هذا حر أو هذا، وهذا عتق الأخير، وله الخيار في الأولين، وكذا لو قال لفلان علي ألف درهم أو لفلان، وفلان لزمه خمسمائة للأخير، وله أن يجعل خمسمائة لأيهما شاء والأصل هنا أن كلمة أو لإثبات أحد المذكورين، وقد أدخلها بين الأولين، وعطف الثالث على الواقع منهما؛ لأن العطف للمشاركة في الحكم فيختص بمحل الحكم، وذكر في المغني في مسألة الإقرار أن النصف للأول والنصف للأخيرين والصواب الأول، وعليه المعنى؛ لأن الثالث معطوف على من له الحق منهما فيكون شريكا له، ولو كان معطوفا على ما يليه كما ذكر لكان المقر به للأول وحده أو للأخيرين؛ لأنه أوجبه لأحد المذكورين لا لهما فتنتفي الشركة إلا إذا مات قبل البيان قيد بكون أو دخلت في الإثبات؛ لأنها لو دخلت في النفي كما إذا قال والله لا أكلم فلانا أو فلانا، وفلانا فإن كلم الأول وحده حنث، ولا يحنث بكلام أحد الأخيرين حتى يكلمهما فجعل الثالث في الكلام مضموما إلى الثاني على التعيين، وفيما تقدم جعل مضموما إلى من وقع له الحكم؛ لأن أو إذا دخلت بين شيئين تناولت أحدهما منكرا إلا أن في الطلاق ونحوه الموضع موضع الإثبات فتخص فتطلق إحداهما، وفي الكلام الموضع موضع النفي فتعم عموم الإفراد قال الله تعالى
{وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] فصار كأنه قال لا أكلم فلانا ولا فلانا فينضم الثالث إلى ما يليه؛ لأنه لما كانت أو لعموم الإفراد صار كل واحد منهما كلاما على حدة كأن الأول انقطع وشرع في الكلام الثاني والعطف فيه لا ينصرف إلى الأول بخلاف الطلاق، وأمثاله فإن الاتصال فيه بين الكلامين ثابت فيكون الثالث معطوفا على من وجب له الحكم وتمامه في "التبيين".
وقيد بما إذا لم يذكر للثاني والثالث خبرا فإن ذكر له خبرا بأن قال هذه طالق أو هذه، وهذه طالقان أو قال هذا حر أو هذا، وهذا حران فإنه لا يعتق واحد ولا تطلق بل يخير إن اختار الإيجاب الأول عتق الأول وحده وطلقت الأولى وحدها، وإن اختار الإيجاب الثاني عتق الأخيران وطلقت الأخيرتان، والله أعلم.

 

ج / 4 ص -529-       4- باب اليمين في البيع والشراء والتزويج والصوم والصلاة وغيرها
ما يحنث بالمباشرة، لا بالأمر البيع والشراء، والإجارة والاستئجار، والصلح عن مال، والقسمة، والخصومة وضرب الولد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4- باب اليمين في البيع والشراء والتزويج والصوم والصلاة وغيرها
لما كانت الأيمان على هذه التصرفات أكثر منها على الصلاة والصوم والحج، وما بعدها قدمها عليها.
والحاصل:  أن كل باب فوقوعه أقل مما قبله وأكثر مما بعده. واعلم أن العقود أنواع ثلاثة منها ما يتعلق حقوقه بمن، وقع له العقد لا بالعاقد كالنكاح ومنها ما يتعلق حقوقه بالعاقد إذا كان العاقد أهلا لتعلق الحقوق به كالبيع والشراء، ومن العقود ما لا حقوق له أصلا كالإعارة والإبراء والقضاء والاقتضاء كذا في فتاوى قاضي خان، وهذا أولى مما في "التبيين"، "و"فتح القدير" وغيرهما من تقسيمها إلى نوعين نوع تتعلق حقوقه بالعاقد ونوع لا تتعلق حقوقه بالآمر فإنه يخرج عنها ما ليس له حقوق أصلا فما تتعلق حقوقه بالعاقد فإن الحالف لا يحنث بمباشرة وكيله لوجود الفعل من الوكيل حقيقة وحكما، وما تتعلق حقوقه بالآمر، وما لا حقوق له أصلا فإنه يحنث الحالف أن لا يفعله بفعل وكيله كما يحنث بمباشرته؛ لأن الوكيل فيه سفير ومعبر، وقد جعل في "المحيط" العارية ونحوها مما تتعلق حقوقها بالآمر.
قوله "ما يحنث بالمباشرة لا بالآمر البيع والشراء والإجارة والاستئجار والصلح عن مال والقسمة والخصومة وضرب الولد"؛ لأن العقد وجد من العاقد حتى كانت الحقوق عليه، ولهذا لو كان العاقد هو الحالف يحنث في يمينه فلم يوجد ما هو الشرط، وهو العقد من الآمر، وإنما الثابت له حكم العقد إلا أن ينوي غير ذلك أطلقه المصنف، وهو مقيد بما إذا كان الحالف يتولى العقود بنفسه أما إذا كان الحالف ذا سلطان كالأمير والقاضي ونحوهما لا يتولى العقد بنفسه فإنه يحنث بالأمر أيضا؛ لأنه يمنع نفسه عما يعتاده فإن كان الآمر يباشره مرة ويفوض أخرى يعتبر الأغلب كما في "المحيط".
وأطلق في الصلح عن مال، وهو مقيد بأن يكون عن الإقرار؛ لأنه حينئذ بيع أما الصلح عن إنكار فهو فداء لليمين في حق المدعى عليه فيكون الوكيل من جانبه سفيرا محضا فكان من القسم الثاني كما سنبينه في كتاب الوكالة فعلى هذا إذا حلف المدعي أن لا يصالح فلانا عن هذه الدعوى أو عن هذا المال فوكل فيه لا يحنث مطلقا، وإذا حلف المدعى عليه ثم وكل به فإن

 

ج / 4 ص -530-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان عن إقرار حنث، وإن كان عن إنكار أو سكوت لا يحنث، وقيد بالصلح عن المال احترازا عما صرح به في القسم الثاني من الصلح عن دم العمد.
وفي "المحيط" لو حلف لا يصالح رجلا في حق يدعيه عليه فوكل رجلا فصالحه لم يحنث. ولو قال والله لا أصالح فلانا فأمر غيره فصالحه حنث في القضاء؛ لأن الصلح لا عهدة فيه. ا ه.
ولعل المراد بالفرع الثاني الصلح اللغوي بمعنى عدم العداوة والغيظ لا بمعنى أنه عقد برفع النزاع الذي هو الصلح الفقهي، وفي "الواقعات" حلف لا يشتري من فلان فأسلم إليه في ثوب حنث؛ لأنه اشترى مؤجلا حلف لا يشتري عبد فلان فآجر به داره لا يحنث؛ لأنه ليس بشراء ألا ترى أنه لا شفعة فيها مع أن الشفعة تثبت في الشراء حلفه السلطان أن لا يشتري طعاما للبيع ثم اشترى طعاما لبيته ثم بدا له فباعه لا يحنث لأنه ما اشترى للبيع، وهذا كمن حلف لا تخرج امرأته إلى بيت والدتها فخرجت للمسجد ثم زارت والدتها لا يحنث حلف لا يشتري ثوبا جديدا فتفسير الجديد ما لا ينكسر حتى يصير شبه الخلق ويجب أن يكون جديدا قبل الغسل وبعده لا لاعتبار العرف حلف لا يشتري بقلا فاشترى أرضا فيها مبقلة قد نبتت وشرط ذلك معها حنث وكذلك لو حلف لا يشتري رطبا واشترى نخلا بها رطب وشرط ذلك حنث؛ لأنه لو لم يشترط لا يدخل في البيع فإذا شرطه حتى دخل يكون له حصة من الثمن فصار مشتريا له حلف أن لا يبيع داره فأعطاها امرأته في صداقها حنث كذا ذكر هنا ويجب أن يكون الجواب على التفصيل إن تزوجها على الدار لا يحنث؛ لأن هذا ليس ببيع وإن تزوجها على الدراهم ثم أعطاها عوضا عن تلك الدراهم حنث؛ لأن هذا بيع. ا ه.
وفي "البدائع" حلف لا يشتري ذهبا، ولا فضة فاشترى من دراهم أو دنانير أو آنية أو تبر أو مصوغ حلية أو غير ذلك مما هو ذهب أو فضة فإنه يحنث في قول أبي يوسف، وقال محمد لا يحنث في الدراهم والدنانير للعرف، ولو حلف لا يشتري حديدا فهو على مضروبه، وإبره سلاحا كان أو غير سلاح في قول أبي يوسف، وقال محمد إن اشترى شيئا من الحديد يسمى بائعه حدادا يحنث، وإلا فلا وبائع الإبر لا يسمى حدادا، ولو حلف لا يشتري صفرا فاشترى طست صفر أو كوزا أو تورا حنث، وكذلك عند محمد، وقال محمد لو اشترى فلوسا لا يحنث، ولو حلف لا يشتري صوفا فاشترى شاة على ظهرها صوف لم يحنث، وكذا لو حلف لا يشتري لحما فاشترى شاة حية لم يحنث، ولو حلف لا يشتري دهنا فهو على دهن جرت العادة بالادهان به، ولو حلف لا يشتري بنفسجا أو لا يشمه فهو على الدهن والورق، وأما الحناء والورد فهو على الورق دون الدهن ولو حلف لا يشتري بذرا فاشترى دهن بذر حنث، وإن اشترى حبا لم يحنث. ا ه.

 

ج / 4 ص -531-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي "الظهيرية":  ولو قال لامرأته إن اشتريت شيئا فأنت طالق فاشترت الماء قالوا إن اشترته في قربة أو جرة طلقت، وإن دفعت الجرة إلى السقاء وخبزا حتى يحمل لها الماء لا تطلق، ولو باع عبده من رجل وسلم إلى المشتري ثم حلف البائع أن لا يشتريه من فلان ثم إن المشتري أقال البيع، وقبل البائع الإقالة لا يحنث، ولو كان الثمن ألف درهم فوقعت الإقالة بمائة دينار أو بأكثر من الثمن الأول أو أقل حنث قيل هذا قولهما، وأما على قول أبي حنيفة لا يحنث لكونه إقالة على كل حال على ما عرف.
ولو حلف وقال والله ما اشتريت اليوم شيئا، وقد كان اشترى في ذلك اليوم أشياء لكن بالتعاطي فقد قيل يحنث في يمينه، وفي "مجموع النوازل" وضع المسألة في طرف المبيع فقال إذا حلف لا يبيع الخبز فجاء رجل فأعطاه دراهم لأجل الخبز ودفع هو إليه الخبز لا يحنث وذكر في شهادات القدوري ما يؤيد ما ذكر في "مجموع النوازل" فقال لا يسع لمن عاين ذلك أن يشهد على البيع بل يشهد على التعاطي وإلى هذا مال الماتريدي. ولو حلف لا يشتري قميصا فاشترى قميصا مقطعا غير مخيط لا يحنث، ولو قال إن بعث غلامي هذا أحدا من الناس فامرأته كذا فباعه من رجلين حنث، وكذا إذا قال إن أكل هذا الرغيف أحد فأكله اثنان حنث في يمينه.
وفي "القنية" حلف لا يبيع فوهب بشرط العوض ينبغي أن يحنث باع جاريته ثم قال إن دخلت هي في بيعي فهي حرة فإن ردت عليه بغير قضاء تعتق، وإلا فلا حلف إن اشتراها يحنث بالإقالة حلف لا يبيع يحنث ببيع التلجئة. ا ه. وعلى هذا فالهبة بشرط العوض داخلة تحت يمين لا يهب نظر إلى أنها هبة ابتداء فيحنث وداخلة تحت يمين لا يبيع نظر إلى أنها بيع انتهاء فيحنث بها، ولو قال إن آجرت داري هذه فهي صدقة ثم احتاج إلى إجارتها فالمخرج له عن اليمين أن يبيعها الحالف من غيره ثم يوكل المشتري الحالف بالإجارة فيؤاجرها بعد القبض ثم يشتريها فتخرج عن يمينه بالإجارة على ملك المشتري.
وقد يقال لا حاجة إلى هذا التكليف؛ لأنه لو وكل في إجارتها لا يحنث فكذا لا يلزمه التصدق بها إلا أن يفرق بين النذر واليمين وسيأتي الفرق بين ضرب الولد وضرب الغلام.
وفي "الذخيرة" حلف لا يؤجر، وله مستغلات آجرتها امرأته، وقبضت الأجرة فأنفقت أو أعطتها زوجها لا يحنث وتركها في أيدي الساكنين لا يكون إجارة فلو قال للساكنين اقعدوا في هذه المنازل فهو إجارة ويحنث، وكذا إذا تقاضى منهم أجرة شهر لم يسكنوا فيه بخلاف ما إذا أنقدوه أجرة شهر قد سكنوا فيه فإنه ليس بإجارة ا ه.

 

ج / 4 ص -532-       ومايحنث بهما النكاح، والطلاق، والخلع، والعتق، والكتابة، والصلح عن دم العمد، والهبة، والصدقة والقرض، والاستقراض، وضرب العبد، والذبح والبناء، والخياطة، والإيداع والاستيداع، والإعارة والاستعارة، وقضاء الدين، وقبضه، والكسوة، والحمل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله "وما يحنث بهما النكاح والطلاق، والخلع والعتق، والكتابة والصلح عن دم العمد، والهبة والصدقة، والقرض والاستقراض وضرب العبد، والذبح والبناء والخياطة والإيداع والاستيداع والإعارة والاستعارة، وقضاء الدين وقبضه والكسوة والحمل" بيان لثلاثة أنواع:  الأول ما ترجع حقوقه إلى الآمر. الثاني ما لا حقوق له أصلا. الثالث ما كان من الأفعال الحسية. والضمير في قوله بهما عائد إلى المباشرة والأمر وفيه تسامح؛ لأنه لا يحنث بمجرد الأمر بل لا بد من فعل الوكيل حتى لو حلف لا يتزوج فوكل به لا يحنث حتى يزوجه الوكيل فلو قال وما يحنث بفعله، وفعل مأموره لكان أولى، وفسر الشارح الزيلعي الأمر بالتوكيل، وليس مقتصرا عليه بل هو أعم من التوكيل والرسالة؛ لأنه يحنث بالرسالة والدليل على عدم اقتصاره على التوكيل أن من هذا النوع الاستعواض والتوكيل به غير صحيح، وإنما حنث في هذا النوع بفعل المأمور لما أن غرض الحالف التوقي عن حكم العقد وحقوقه، وهذه العقود تنتقل إليه بحقوقها فصار كمباشرته في حق الأحكام وصار الوكيل سفيرا، ومعبرا، ولهذا لا يستغنى عن إضافتها إلى الآمر، وما كان من الأفعال حسيا كضرب الغلام والذبح ونحوهما منقول أيضا إلى الآمر حتى لا يجب الضمان على الفاعل فكان منسوبا إليه فيحنث، وقد فرق المصنف بين ضرب الولد وضرب العبد فلو حلف لا يضرب ولده فضربه غيره بأمره لا يحنث.
ولو حلف لا يضرب عبده فضربه غيره بأمره حنث بناء على أن منفعة ضرب الولد عائدة إلى الولد المضروب، وهي التأدب والتثقيف أي التقويم وترك الاعوجاج في الدين والمروءة والأخلاق فلم ينسب فعل المأمور إلى الآمر وإن كان يرجع إلى الأب أيضا لكن أصل المنافع وحقيقتها إنما ترجع إلى المتصف بها فلا موجب للنقل بخلاف ضرب العبد فإن منفعته راجعة إلى الآمر على الخصوص، وهو ما يحصل من أدبه وانزجاره، وإن كان نفعه يرجع إلى العبد لكنه غير مقصود.
فالحاصل:  أن المقصود من ضرب الولد حاصل له، وإن حصل للأب ضمنا والمقصود من ضرب العبد حاصل للمولى، وإن حصل للعبد ضمنا فافترقا، وفي "فتح القدير"، وما في عرفنا، وعرف عامتنا فإنه يقال ضرب فلان اليوم، ولده، وإن لم يباشر ويقول العامي لولده غدا أسقيك علقة ثم يذكر لمؤدب الولدان يضربه فيعد الأب نفسه أنه قد حقق إيعاده ذلك، ولم يكذب فمقتضاه أن تنعقد على معنى لا يقع به ضرب من جهتي ويحنث بفعل المأمور. ا ه. وينبغي أن يكون مرادهم

 

ج / 4 ص -533-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالولد الولد الكبير؛ لأنه لا يملك ضربه فهو كما لو حلف لا يضرب حرا أجنبيا فإنه لا يحنث إلا بالمباشرة؛ لأنه لا ولاية له عليه فلا يعتبر أمره إلا أن يكون الحالف سلطانا أو قاضيا؛ لأنهما يملكان ضرب الأحرار حدا وتعزيرا فملكا الأمر به.
وأما الولد الصغير فكالعبد لما في فتاوى قاضي خان، ولو حلف لا يضرب ولده الصغير فأمر غيره فضربه ينبغي أن يحنث الحالف لأن الأب يملك ضرب ولده الصغير فيملك التفويض إلى غيره ويكون بمنزلة القاضي والسلطان. ا ه. وإنما لم يجزم به في الفتاوى؛ لأن الولد أعم من الصغير والكبير ولم يخصص بالكبير في الروايات.
وفي "الذخيرة"، ولو حلف على امرأته لا يضربها فأمر غيره حتى ضربها فقد قيل إنها نظير العبد فيحنث في يمينه، وقيل إنها نظير الولد فلا يحنث الحالف في يمينه. ا ه. ولم يرجح وينبغي ترجيح الثاني؛ لأن معظم المنفعة تعود لها، وإن حصلت للزوج ضمنا، ولو نوى المباشرة بنفسه فقط في هذا النوع قالوا فما كان من الحكميات كالتزوج والطلاق فإنه يصدق ديانة لا قضاء. وما كان من الحسيات كالضرب والذبح فإنه يصدق ديانة، وقضاء.
والفرق أن الطلاق ليس إلا تكلما بكلام يفضي إلى الوقوع، والأمر بذلك مثل التكلم به واللفظ ينتظمهما فإذا نوى أن لا يليه فقد نوى الخصوص في العام فلا يصدق قضاء؛ لأنه خلاف الظاهر، وما كان حسيا فإنه يعرف بأثره المحسوس في المحل، وإنما يحصل بالفعل فكان فيه حقيقة، والنسبة إلى الآمر بالسبب مجاز فإذا نوى الفعل بنفسه فقد نوى حقيقة كلامه، وقيد بالنكاح؛ لأنه لو قال والله لا أزوج فلانة فأمر رجلا فزوجها لا يحنث بخلاف التزوج. قال محمد بن الوليد سألت نجم الدين عن الفرق فقال التزويج بأمره لا يلحقه حكمه والتزوج بأمره يثبت حكمه له وهو الحل كذا في الفيض معزيا إلى "مجموع النوازل".
وفي "البدائع" حلف لا يزوج بنته الصغيرة فتزوجها رجل بغير أمره فأجاز حنث؛ لأن حقوقه تتعلق بالمجيز، ولو حلف لا يزوج ابنا له كبيرا فأمر رجلا فزوجه ثم بلغ الابن فأجاز أو زوجه رجل، وأجاز الأب ورضي الابن لم يحنث وسيأتي تمامه في قوله لو حلف لا يتزوج فأجاز بالقول حنث وبالفعل لا.
وفي "الظهيرية" رجل قال لامرأة لا يحل له نكاحها إن تزوجتك فعبدي حر فتزوجها حنث لأن يمينه تنصرف إلى ما يتصور عبد حلف أن لا يتزوج فزوجه مولاه، وهو كاره لذلك لم

 

ج / 4 ص -534-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يحنث؛ لأن لفظ النكاح وجد من المولى، ولو حلف رجل أن لا يتزوج امرأة فأكره على النكاح فتزوج حنث في يمينه؛ لأنه وجد لفظ النكاح منه رجل حلف أن لا يتزوج من أهل هذه الدار، وليس للدار أهل ثم سكنها قوم فتزوج منهم أو قال لا أتزوج من بنات فلان، وليس لفلان بنت ثم ولدت له بنت فتزوجها الحالف لا يحنث.
ولو حلف لا يتزوج من أهل الكوفة فتزوج امرأة من أهل الكوفة لم تكن ولدت قبل اليمين حنث، ولو حلف أن لا يتزوج بالكوفة ثم أراد أن يتزوج فالمخرج له أن يوكل الرجل وكيلا والمرأة كذلك ثم يخرج الوكيلان ويعقدان عقد النكاح خارج الكوفة فلا يحنث الحالف؛ لأن المعتبر مكان العقد، ولو حلف لا يتزوج امرأة إلا على أربعة دراهم فتزوج امرأة على أربعة دراهم، وكمل القاضي عشرة أو زاد الزوج بعد العقد من تلقاء نفسه في مهرها لا يحنث، ولو حلف لا يتزوج من نساء أهل البصرة فتزوج امرأة كانت ولدت بالبصرة ونشأت بالكوفة يحنث الحالف في قول أبي حنيفة لأن المعتبر عنده في هذا المولد دون المنشأ، ولو حلف لا يتزوج امرأة كان لها زوج قبله فطلق امرأته تطليقة بائنة ثم تزوجها قال محمد لا يحنث في يمينه؛ لأن يمينه تنصرف إلى غيرها.
ولو طلق امرأته ثم قال إن تزوجت امرأة باسمك فهي طالق ثم تزوجها لم تطلق، ولو قال إن تزوجت امرأة بهذا الاسم فهي طالق فتزوجها طلقت والفرق أن فيما تقدم صارت معرفة بكاف الخطاب فلا تدخل النكرة، وفيما تأخر لم تصر معرفة فتدخل تحت النكرة، ولو حلف لا يتزوج امرأة على وجه الأرض ونوى امرأة بعينها دين فيما بينه وبين الله تعالى لا في القضاء، ولو نوى كوفية أو بصرية لا يدين أصلا، وكذا لو نوى امرأة عوراء أو عمياء، ولو نوى عربية أو حبشية دين فيما بينه وبين الله تعالى؛ لأنه نوى الجنس. ا ه.
وأطلق المصنف في الطلاق والعتاق، وهو مقيد بأن يقعا بكلام وجد بعد اليمين أما إذا وقعا بكلام وجد قبل اليمين فلا يحنث حتى لو قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق ثم حلف أن لا يطلق فدخلت لم يحنث؛ لأن وقوع الطلاق عليها بكلام كان قبل اليمين. ولو حلف أن لا يطلق ثم علق الطلاق بالشرط ثم وجد الشرط حنث، ولو وقع الطلاق عليها بمضي مدة الإيلاء فإن كان الإيلاء قبل اليمين لا يحنث، وإلا حنث، ولو فرق بينهما بالعنة لا يحنث عند زفر، وعن أبي يوسف روايتان، وعلى هذا لو حلف أن لا يعتق يشترط للحنث وقوع العتق بكلام وجد بعد اليمين، ولو أدى المكاتب فعتق فإن كانت الكتابة قبل اليمين لا يحنث، وإن كانت بعده يحنث كذا في "التبيين"، وفي "الظهيرية" حلف ليطلقن فلانة اليوم، وفلانة أجنبية أو مطلقته ثلاثا أو

 

ج / 4 ص -535-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ممن لا يحل له نكاحها أبدا تنصرف يمينه إلى صورة الطلاق. ا ه.
وفي "المحيط" إذا حلف لا يكاتبه ففعله إنسان بغير أمره فأجازه حنث. ا ه. وأما الهبة والصدقة ففي "الظهيرية" حلف أن لا يهب لفلان فوهب هبة غير مقسومة حنث، وكذلك الإعمار والنحل والإرسال إليه مع رسوله وصورة الإعمار أن يقول صاحب الدار لغيره هي لك ما دمت حيا فإذا مت ردت إلي، وكذا لو أمر غيره حتى وهب حنث، وكذا لو أجاز هبة الفضولي عبده، ولو حلف لا يهب لفلان فوهب على عوض حنث، ولا يحنث بالصدقة في غير الهبة. ا ه.
وأما القرض والاستقراض ففي "الظهيرية" حلف لا يستقرض فاستقرض، ولم يقرضه حنث، وأما الإعارة والاستعارة ففي "الظهيرية" لو حلف لا يعير ثوبه فلانا فبعث فلان، وكيلا إلى الحالف واستعاره فأعاره الحالف حنث، ولو حلف لا يستعير من فلان شيئا فأردفه فلان على دابته فردفه لا يحنث. ا ه.
وفي "الذخيرة" حلف لا يستعير من فلان شيئا ينصرف إلى كل موجود تصح إعارته، وكان ذلك عينا ينتفع به مع بقاء عينه فإن دخل دار المحلوف عليه ليستقي من بئره فاستعار منه الرشا والدلو اختلف المشايخ فيه قيل يحنث، وقيل لا؛ لأنه لم تثبت يده عليهما؛ لأنهما في يد صاحب الدار فلا يكون مستعيرا، وهذا إشارة إلى أن الإعارة لا تتم إلا بالتسليم، وهذا هو الطريق فيما إذا أردفه على دابته فعلى قياس هذا التعليل إذا استعار منه الرشا والدلو من بئر ليس في ملك المحلوف عليه يحنث. ا ه.
وقد زاد في "الخانية" أن من هذا القسم تسليم الشفعة والإذن فيحنث فيهما بالأمر أيضا، وفي "الظهيرية" حلف لا يسلم الشفعة فسكت، ولم يخاصم حتى بطلت شفعته لا يحنث في يمينه، وإن وكل وكيلا بالتسليم حنث، ولو حلف لا يأذن لعبده في التجارة فرآه يبيع ويشتري فسكت يصير العبد مأذونا له في التجارة، ولا يحنث، وكذلك البكر إذا حلفت أن لا تأذن في تزويجها فسكتت عند الاستئمار لا تحنث. ا ه.
وزاد الإمام الإسبيجابي أن من هذا القسم النفقة فإذا حلف لا ينفق فوكل حنث، ولم يذكر المصنف الشركة، وفي "الظهيرية"، ولو حلف لا يعمل مع فلان في قصارة ففعل مع شريك فلان حنث، ولو عمل مع عبده المأذون لا يحنث؛ لأن كل واحد من الشريكين يرجع بالعهدة على صاحبه ويصير الحالف عاملا مع المحلوف عليه، وإن كان عقد الشركة نفسه لا يوجب الحقوق أما العبد المأذون فلا يرجع بالعهدة على المولى فلا يصير الحالف شريكا لمولاه، ولو حلف لا يشارك فلانا في هذه البلدة ثم خرجا عنها، وعقدا عقد الشركة ثم دخلاها، وعملا فيها إن كان

 

ج / 4 ص -536-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحالف نوى في يمينه أن لا يعقد عقد الشركة في البلدة لا يحنث. وإن نوى أن لا يعمل بشركة فلان حنث، وإن دفع أحدهما إلى صاحبه مالا مضاربة فهذا والأول سواء؛ لأن المضاربة شركة في عرفنا.
ولو حلف لا يشارك فلانا فأخرج كل واحد منهما دراهمه واشتركا حنث الحالف خلطا أو لم يخلطا، ولو حلف لا يشارك فلانا فشاركه بمال ابنه الصغير لا يحنث، ولو حلف لا يشارك فلانا ثم إن الحالف دفع إلى رجل مالا بضاعة، وأمره أن يعل فيه برأيه فشارك المدفوع إليه المال الرجل الذي حلف رب المال أن لا يشاركه يحنث؛ لأن الحالف؛ لأنه صار شريكا للمحلوف عليه؛ لأن المستبضع لا حق له في الربح فكان العامل شريكا لرب المال، ولو كان مكان المستبضع مضارب، والمسألة بحالها لا يحنث لأن المضارب له حق في الربح فكان المحلوف عليه شريكا للمضارب، ولو كان المستبضع حلف أن لا يشارك أحدا فدفع المال شريكه بإذن المستبضع لا يحنث رجل قال لأخيه إن شاركتك فحلال الله علي حرام ثم بدا لهما أن يشتركا قالوا إن كان للحالف ابن كبير ينبغي أن يدفع الحالف ماله إلى ابنه مضاربة ويجعل لابنه شيئا يسيرا من الربح ويأذن لابنه أن يعمل فيه برأيه ثم أن للابن أن يشارك عمه فإذا فعل الابن ذلك كان للابن ما شرط له الأب من الربح والفاضل على ذلك إلى النصف يكون للأب، ولا يحنث ولو كان مكان الأب أجنبي فالجواب كذلك. ا ه. وأشار المصنف بقضاء الدين إلى أن الدفع كذلك.
قال في "المحيط" حلف لا يدفع إلى فلان ماله فأمر غيره فضمنه ونقده بضمانه فهو حانث؛ لأنه إذا أنقده رجع به عليه فصار كأنه دفعه إليه، وكذلك لو أحاله عليه فأعطاه، ولو كانت الحوالة والكفالة بغير أمره لا يحنث بأدائه، وكذا إذا تبرع رجل بالأداء. ا ه. ثم قال:  وفي "النوازل"، ولو قال لامرأته إن لم تكوني غسلت هذه القصعة فأنت طالق فأمرت المرأة خادمها بغسل القصعة فغسلتها فإن كان من عادة المرأة أنها تغسل بنفسها لا غير يقع الطلاق لوجود الشرط، وإن كان من عادتها أنها لا تغسل إلا بخادمها، وعرف الزوج ذلك لا يقع، وإن كان من عادتها أنها تغسل بنفسها وبخادمها فالظاهر أنه يقع إلا إذا عنى الزوج الآمر بالغسل فلا يقع. ا ه.
وأشار المصنف بقضاء الدين إلى أن الإعطاء كذلك، ولذا قال في "المحيط" حلف ليعطين فلانا حقه فأمر غيره بالأداء أو أحاله فقبض بر، ولو كان بغير أمره حنث ا ه. وإذا حنث بالأمر في حلفه لا يقضي دينه بر بالتوكيل في حلفه ليقضين دينه، وكذا في قبضه نفيا، وإثباتا فإذا حلف ليقضين من فلان حقه فأخذ من وكيله أو كفيله أو من المحتال عليه بأمر المطلوب بر، وإن كانت الحوالة والكفالة بغير أمر المطلوب لم يبر كذا في "المحيط"، ولم يذكر المصنف الحوالة

 

ج / 4 ص -537-       ودخول اللام على البيع، والشراء والإجارة والصباغة والخياطة، والبناء كإن بعت لك ثوبا لاختصاص الفعل بالمحلوف عليه بأن كان بأمره كان ملكه، أولاً وعلى الدخول، والضرب والأكل والشرب، والعين كان بعت ثوبا لك لاختصاصها به بأن كان ملكه أمره، أو لا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والكفالة قال في "المحيط" حلف لا يكفل عنه شيئا فكفل نفسه لا يحنث؛ لأنه كفل به لا عنه؛ لأن كلمة عنه إنما تستعمل في الكفالة بالمال لا في الكفالة بالنفس يقال كفل عنه أي بماله، وكفل به أي بنفسه، ولو كفل عن كفيله بأمره لا يحنث؛ لأنه ما كفل عنه وإنما كفل عن غيره، ولو حلف لا يكفل فلانا أو لفلان فكفل بنفسه حنث، ولو كفل عنه بالمال لا يحنث حلف لا يكفل عن فلان فأحاله فلان على الحالف لغريمه إن كان للمحتال له دين على المحيل يحنث، وإلا فلا؛ لأن في الحوالة ما في الكفالة وزيادة؛ لأن فيها التزاما وضمانا. ا ه.
وفي "الذخيرة" حلف لا يوصي بوصية فوهب في مرض موته شيئا لا يحنث؛ لأن ذلك ليس بوصية لكن أعطى الشرع لها حكم الوصية فلا يظهر في حق حكم الحنث. ا ه.
وفي "الواقعات" حلف لا يأتمن فلانا على شيء فأراه درهما، وقال انظر إلى هذا، ولم يفارقه لا يحنث؛ لأنه لم يأتمنه، ولو دفع إليه دابته، وقال أمسكها حتى أصلي فهو حانث؛ لأنه ائتمنه عليها ولم يذكر المصنف التولية، وقد صارت حادثة الفتوى فسئلت عن قاضي القضاة لو حلف لا يولي فلانا القضاء فوكل من ولاه فأجبت يحنث؛ لأنه من قسم ما لا حقوق له فيحنث بفعل وكيله.
"قوله ودخول اللام على البيع والشراء والإجارة والصياغة والخياطة والبناء كإن بعت لك ثوبا لاختصاص الفعل بالمحلوف عليه بأن كان بأمره كان ملكه أو لا وعلى الدخول والضرب والأكل والشرب والعين كإن بعت ثوبا لك لاختصاصها به بأن كان ملكه أمره أو لا" يعني أن اللام إذا تعلقت بفعل قبلها فلا يخلو إما أن يكون ذلك الفعل تجري فيه النيابة أو لا فإن كان الأول فلا يخلو إما أن تلي اللام الفعل متوسطة بينه وبين المفعول أو تلي المفعول فإن كان الأول كقوله إن بعت لك ثوبا إن اشتريت لك ثوبا إن آجرت لك بيتا إن صنعت لك خاتما إن خطت لك ثوبا إن بنيت لك بيتا فإن اللام للاختصاص والوجه الظاهر فيها التعليل، ووجه إفادتها الاختصاص أنها تضيف متعلقها، وهو الفعل لمدخولها، وهو كاف الخطاب فيفيد أن المخاطب مختص بالفعل، وكونه مختصا به يفيد أن لا يستفاد إطلاق فعله إلا من جهته وذلك يكون بأمره، وإذا باع بأمره كأن يبيعه إياه من أجله، وهي لام التعليل فصار المعقود عليه أن لا يبيعه من أجله فإذا دس المخاطب ثوبه بلا علمه فباعه لم يكن باعه من أجله؛ لأن ذلك لا يتصور إلا بالعلم بأمره ويلزم من هذا كون هذا لا يكون إلا في الأفعال التي تجري فيها النيابة، وإن كان الثاني

 

ج / 4 ص -538-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أعني ما إذا وقعت عقب المفعول كإن بعت ثوبا لك فهي للاختصاص أيضا، وهو اختصاص العين بالمخاطب، وهو كون العين مملوكة للمخاطب فيحنث إذا باع ثوبا مملوكا للمخاطب سواء كان بإذنه أو بغير إذنه؛ لأن المحلوف عليه يوجد مع أمره، وعدم أمره، وهو بيع ثوب مختص بالمخاطب؛ لأن اللام هنا أقرب إلى الاسم الذي هو الثوب منه للفعل والقرب من أسباب الترجيح.
وأما الثاني أعني ما إذا كان الفعل لا تجري فيه النيابة مثل الأكل والشرب وضرب الغلام لأنه لا يحتمل النيابة فلا فرق بين أن تكون اللام عقب الفعل أو عقب العين فإنها تكون لاختصاص العين بالمخاطب نحو إن أكلت لك طعاما أو طعاما لك أو شربت لك شرابا أو شرابا لك أو ضربت لك غلاما أو غلاما لك أو دخلت لك دارا لك فيحنث بدخول دار تنسب إلى المخاطب وبأكل طعام يملكه سواء كان بعلمه أو بأمره أو دونهما.
وفي فتاوى قاضي خان في فصل الأكل رجل قال والله لا أبيع لفلان ثوبا فباع الحالف ثوبا للمحلوف عليه ليجيز صاحب الثوب حنث الحالف أجاز المحلوف عليه أو لم يجز، ولو باعه الحالف، وهو لا يريد بذلك أن يكون البيع للمحلوف عليه، وإنما يريد بيعه لنفسه لا يكون حانثا. ا ه.
فهذا يفيد أن المحلوف عليه بيعه لأجله سواء كان بأمره أو لا، وهو يتحقق بدون الأمر بأن يقصد الحالف بيعه لأجل فلان، وهذا مما يجب حفظه فإن ظاهر كلامهم هنا يخالفه مع أنه هو الحكم فلو حذف المصنف قوله بأن كان بأمره لكان أولى إلا أن يراد أن كلامهم هنا في تعليق العتق والطلاق، وكلام قاضي خان في اليمين بالله تعالى بدليل ما ذكره قاضي خان في الفتاوى أيضا رجل قال إن بعت لك ثوبا فعبدي حر فهذا على أن يبيع ثوبا بأمر المحلوف عليه كان الثوب ملكا للمحلوف عليه أو لم يكن، ولو قال إن بعت ثوبا لك فهو على أن يبيع ثوبا ملكا للمحلوف عليه. ا ه. والفرق بين اليمين بالله تعالى وبين غيرها بعيد كما لا يخفى لكن ذكر في "المحيط" ما في "المختصر" عن الجامع وذكر الفرع المذكور في "الخانية" من فصل الأكل عن ابن سماعة عن محمد فظاهره أنه ضعيف.
وفي "المحيط" أيضا حلف لا يشتري لفلان فأمر غيره بالشراء، والآمر ينوي الشراء للمحلوف عليه لا يحنث؛ لأنه لم يشتر له؛ لأن الشراء يقع للآمر؛ لأنه قد وجد نفاذا عليه فينفذ عليه فلا يقع للمحلوف عليه. ا ه. وبهذا علم أنه لا فرق في المسألة الأولى بين أن يذكر المفعول به أولاً.

 

ج / 4 ص -539-       فإن نوى غيره صدق فيما عليه إن بعته، أو ابتعته، فهو حر فعقد بالخيار حنث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي "الظهيرية"، وإن حلف لا يشتري لفلان ثوبا فأمره فلان أن يشتري لابنه الصغير ثوبا فاشتراه لا يحنث، وكذا لو أمره أن يشتري لعبده ثوبا فاشتراه لا يحنث. ا ه. وبه علم أن في المسألة الأولى لا بد أن يكون قد أمره المحلوف عليه بأن يفعله لنفسه لا مطلق الأمر كما في "المختصر" وغيره، وأطلق المصنف الضرب فشمل ضرب الغلام وضرب الولد ووقع في "الهداية" التعبير بضرب الغلام فاختلفوا في الغلام فذكر ظهير الدين أن المراد بالغلام الولد دون العبد؛ لأن ضرب العبد يحتمل النيابة والوكالة فصار نظير الإجارة لا نظير الأكل والشرب والغلام يطلق على الولد قال الله تعالى
{فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ} [الصافات: 101] وذكر قاضي خان أن المراد به العبد للعرف؛ ولأن الضرب مما لا يملك بالعقد، ولا يلزم به فانصرف إلى المحل المملوك بالتقديم والتأخير على ما بينا.
قوله "فإن نوى غيره صدق فيما عليه" أي فإن نوى غير ما هو ظاهر كلامه صدق فيما فيه تشديد على نفسه ديانة، وقضاء بأن باع ثوبا مملوكا للمخاطب بغير أمره في المسألة الأولى ونوى بالاختصاص الملك فإنه يحنث، ولولا نيته لما حنث أو باع ثوبا لغير المخاطب بأمر المخاطب في المسألة الثانية ونوى الاختصاص بالأمر فإنه يحنث، ولولا نيته لما حنث؛ لأنه نوى ما يحتمله كلامه بالتقديم والتأخير، وليس فيه تخفيف فيصدقه القاضي أيضا.
قيد بما عليه؛ لأنه لو نوى ما فيه تخفيف كعكس هاتين المسألتين فإنه يصدق ديانة؛ لأنه محتمل كلامه، ولا يصدق قضاء؛ لأنه خلاف الظاهر، وهو متهم، وقدمنا أن هذا الفرق بين الديانة والقضاء لا يتأتى في اليمين بالله تعالى؛ لأن الكفارة لا مطالب لها.
"قوله:  إن بعته أو ابتعته فهو حر فعقد بالخيار حنث" لوجود الشرط في المسألة الأولى، وهو البيع والملك فيه قائم فينزل الجزاء، وكذا في المسألة الثانية قد وجد الشرط، وهو الشراء والملك قائم فيه، وقوله عقد بالخيار أي باع في الأولى وشرط الخيار لنفسه واشترى في الثانية وشرط الخيار لنفسه، وكون الملك موجودا في المسألة الأولى ظاهر لأنهم اتفقوا أن البائع إذا شرط الخيار لنفسه لا يخرج المبيع عن ملكه.
وأما في الثانية فكذلك عندهما؛ لأن المبيع مملوك للمشتري عندهما. وأما عند الإمام فلأن هذا العتق بتعليقه والمعلق كالمنجز، ولو نجز المشتري بالخيار العتق يثبت الملك سابقا عليه فكذا هذا.
قيد بالخيار؛ لأنه لو حلف لا يبيعه بأن قال إن بعته فهو حر فباعه بيعا صحيحا بلا خيار لا يعتق؛ لأنه خرج عن ملكه وسيأتي حكم الفاسد والباطل، ولا يخفى أنه إذا باعه بشرط الخيار

 

ج / 4 ص -540-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للمشتري أنه لا يعتق أيضا؛ لأنه بات من جهته، وكذا إذا قال إن اشتريته فهو حر فاشتراه بالخيار للبائع لا يعتق أيضا؛ لأنه باق على ملك بائعه كما صرح به في "الذخيرة" وسواء أجاز البائع بعد ذلك أو لم يجز وذكر الطحاوي أنه إذا أجاز البائع البيع يعتق؛ لأن الملك يثبت عند الإجازة مستند إلى وقت العقد بدليل أن الزيادة الحادثة بعد العقد قبل الإجازة تدخل في العقد كذا في "البدائع"، وقيد بقوله إن ابتعته؛ لأنه لو قال إن ملكته فهو حر فاشتراه بشرط الخيار لا يعتق عند الإمام؛ لأن الشرط، وهو الملك لم يوجد عنده لعدم الملك عنده كما عرف في بابه، وقيد بالتعليق؛ لأن المشتري بالخيار لو كان ذا رحم محرم من المبيع فإنه لا يعتق عليه إلا بمضي المدة عند الإمام لعدم الملك فإنه لم يوجد منه تكلمه بالإعتاق بعد الشراء بشرط الخيار حتى سقط خياره، وإنما يعتق على القريب بحكم الملك، ولا ملك للمشتري بالخيار، والشارع إنما علق عتقه بالملك لا بالشراء أما هنا فالإيجاب المعلق صار منجزا عند الشرط وصار قائلا أنت حر فينفسخ الخيار ضرورة كذا في "فتح القدير".
وفي "الذخيرة" إذا قال إن اشتريت فلانا فهو حر فاشتراه لغيره هل تنحل يمينه لم يذكر محمد هذه المسألة في شيء من الكتب وحكي عن الفقيه أبي بكر البلخي أنه قال لقائل أن يقول تنحل يمينه، ولقائل أن يقول لا تنحل وهو الأشبه؛ لأنه إنما يراد بمثل هذه اليمين عرفا الشراء لنفسه لا الشراء لغيره؛ لأن العتق من جهة الحالف لا يقع إلا بالشراء لنفسه وصار تقدير المسألة كأنه قال إن اشتريتك لنفسي فأنت حر، ولو صرح بذلك واشتراه لغيره لا تنحل يمينه فكذا هذا وبهذا الحرف يقع الفرق بين هذا وبين ما إذا قال لامرأته إن اشتريت غلاما فأنت طالق فاشتراه لغيره أن اليمين تنحل؛ لأن هناك لم يوجد ما يدل على إرادته الشراء لنفسه فإن الطلاق من قبله يقع على امرأته اشتراه لنفسه أو لغيره أما هنا بخلافه. ا ه.
وفي "الظهيرية" رجل قال لأمته إن بعت منك شيئا فأنت حرة ثم باعها نصفها من الزوج الذي ولدت منه أو باع نصفها من أبيها لا يقع عتق المولى عليها باليمين، ولو كان البيع من الأجنبي وقع عتق المولى عليها والفرق أن الولادة من الزوج والنسب من الأم مقدم فيقع ما تقدم سببه أولا، وهذا المعنى لا يمكن اعتباره في حق الأجنبي وكذا لو قال إن اشتريت من هذه الجارية شيئا فهي مدبرة ثم اشتراها هو وزوجها الذي ولدت منه فهي أم ولد لزوجها، ولا يقع عليها تدبير المشتري للمعنى الذي أشرنا إليه. ا ه.
وقيد بكونه حلف بعتق العبد المبيع؛ لأنه لو حلف لا يبيع أو علق طلاق زوجته على البيع أو عتق عبده على البيع فباع بيعا فيه خيار للبائع أو للمشتري لم يحنث في قول أبي يوسف

 

ج / 4 ص -541-       وكذا بالفاسد، والموقوف، لا بالباطل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وحنث في قول محمد قال محمد سمعت أبا يوسف قال فيمن قال إن اشتريت هذا العبد فهو حر فاشتراه على أن البائع بالخيار ثلاثة أيام فمضت مدة الثلاث ووجب البيع يعتق، وهو على أصله صحيح لأن اسم البيع عنده لا يتناول البيع المشروط فيه الخيار فلا يصير مشتريا بنفس القبول بل عند سقوط الخيار والعبد في ملكه عند ذلك فيعتق وذكر القاضي الإسبيجابي في البيع بشرط خيار البائع أو المشتري أنه يحنث ولم يذكر الخلاف، وأصل فيه أصلا وهو أن كل بيع يوجب الملك أو تلحقه الإجازة يحنث به، وما لا فلا كذا في "البدائع".
قوله "وكذا بالفاسد والموقوف لا بالباطل" أي يحنث إذا عقد فاسدا أو موقوفا في المسألتين، وهو مجمل لا بد من بيانه أما في المسألة الأولى، وهو ما إذا قال إن بعتك فأنت حر فباعه بيعا فاسدا فإن كان في يد البائع أو في يد المشتري غائبا عنه بأمانة أو رهن يعتق عليه؛ لأنه لم يزل ملكه عنه، وإن كان في يد المشتري حاضرا أو غائبا مضمونا بنفسه لا يعتق؛ لأنه بالعقد زال ملكه.
وأما في الثانية:  وهي ما إذا قال إن اشتريته فهو حر فاشتراه شراء فاسدا فإن كان في يد البائع لا يعتق؛ لأنه على ملك البائع بعد، وإن كان في يد المشتري وكان حاضرا عنده، وقت العقد يعتق؛ لأنه صار قابضا له عقب العقد فملكه، وإن كان غائبا في بيته أو نحوه فإن كان مضمونا بنفسه كالمغصوب يعتق؛ لأنه ملكه بنفس الشراء، وإن كان أمانة أو كان مضمونا بغيره كالرهن لا يعتق؛ لأنه لا يصير قابضا عقب العتق كذا في "البدائع"، وفي "المحيط" عن أبي يوسف لو قال إن اشتريت عبدا فهو حر فاشترى عبدا شراء فاسدا ثم تتاركا البيع ثم اشتراه شراء صحيحا قال لا يعتق؛ لأنه حنث في الشراء الفاسد؛ لأنه شراء حقيقة فانحلت اليمين وارتفعت بخلاف النكاح. لو حلف، وقال إن تزوجتك فأنت طالق فتزوجها فاسدا ثم تزوجها صحيحا طلقت؛ لأن اليمين لم تنحل بالنكاح الفاسد لأنه ليس بنكاح مطلق. ا ه.
وفي "الذخيرة" حلف لا يبيع فباع بيعا فاسدا يحنث في يمينه، وهو الصحيح؛ لأنه بيع تام ليس في المحل ما ينافي انعقاده إلا أنه تراخى حكمه، وهو الملك، وأنه لا يدل على نقصان فيه، وكذا إذا عقد يمينه على الماضي بأن قال إن كنت اشتريت اليوم أو قال إن كنت بعت اليوم. ا ه.
وأما في الموقوف فصورته فيما إذا كان الحالف البائع أن يبيعه لشخص غائب قبل عنه فضولي فيعتق العبد على البائع لوجود الشرط، وإذا كان الحالف المشتري فإنه إذا اشتراه ببيع الفضولي له فإنه يحنث عند إجازة البائع فيعتق العبد.

 

ج / 4 ص -542-       إن لم أبع فكذا فأعتق، أو دبر حنث.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي "التبيين" ما يخالفه، وأما إذا حلف لا يشتري أو لا يبيع فاشترى أو باع موقوفا فإنه يحنث في يمينه قبل الإجازة، وأما بالعقد الباطل فإنه لا يحنث به؛ لأنه ليس ببيع لانعدام معناه، وهو ما ذكر، ولانعدام حصول المقصود منه، وهو الملك.
لأنه لا يفيد الملك. وفي "المحيط" حلف لا يشتري اليوم شيئا فاشترى عبدا بخمر أو خنزير قبض أو لم يقبض أو اشترى عينا لم يأمره صاحبه بالبيع حنث قبل إجازة صاحبه؛ لأن هذا بيع فاسد والبيع الفاسد بيع حقيقة لما بينا، وكذا لو اشترى بالدين لأنه مال، ولو اشتراه بدم أو ميتة لا يحنث؛ لأنه ليس ببيع لعدم المال بخلاف الخمر والخنزير؛ لأنهما مال، ولو اشترى مكاتبا أو مدبرا أو أم ولد لم يحنث؛ لأن في المحل ما ينافي التمليك والتملك، وهو حق الحرية فلا ينعقد العقد فيه تمليكا فلا يتحقق بيعا إلا أن في المكاتب والمدبر يحنث إن أجاز القاضي أو المكاتب؛ لأن المنافي زال بالقضاء؛ لأنه فصل مجتهد فيه وبإجازة المكاتب انفسخت الكتابة فارتفع المنافي فتم العقد. ا ه. وهذا إذا اشترى هذه الأشياء فلو اشترى بهذه الأشياء لم يذكر محمد هذا الفصل واختلف المشايخ فيه قال بعضهم يحنث، وقال بعضهم لا يحنث كذا في "الذخيرة".
وفي "الظهيرية" إذا حلف ليبيعن هذه، وهي أم ولد له أو هذه المرأة الحرة أو هذا الحر المسلم فباعهم بر في يمينه عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف في الحر المسلم كذلك فأما في أم الولد والحرة فاليمين على الحقيقة. ا ه.
وقيد بالبيع والشراء؛ لأنه لو حلف لا يتزوج هذه المرأة فهو على الصحيح دون الفاسد حتى لو تزوجها نكاحا فاسدا لا يحنث؛ لأن المقصود من النكاح الحل، ولا يثبت بالفاسد بخلاف البيع المقصود منه الملك فإنه يحصل بالفاسد، وكذا لو حلف لا يصلي ولا يصوم هو على الصحيح حتى لو صلى بغير طهارة أو صام بغير نية لا يحنث، ولو كان ذلك كله في الماضي بأن قال إن كنت تزوجت أو صليت أو صمت فهو على الصحيح والفاسد؛ لأن الماضي لا يقصد به الحل والتقرب، وإنما يقصد به الإخبار عن المسمى بذلك فإن عنى به الصحيح دين في القضاء؛ لأنه النكاح المعنوي كذا في "البدائع"، وقدمنا أنه لو حلف لا يهب فوهب هبة غير مقسومة حنث كما في "الظهيرية" فعلم أن فاسد الهبة كصحيحها، ولا يخفى أن الإجارة كذلك؛ لأنها بيع.
قوله "إن لم أبع فكذا فأعتق أو دبر حنث" يعني لو قال إن لم أبع هذا العبد فامرأته طالق فأعتقه أو دبره فإنه يقع عليه الطلاق؛ لأن الشرط قد تحقق، وهو عدم البيع لفوات المحلية، وأورد عليه منع وقوع اليأس في العتق مطلقا بل في العبد أما في الأمة فجاز أن ترتد بعد العتق فتسبى فيملكها هذا الحالف فيعتقها، وفي التدبير مطلقا لجواز أن يقضي القاضي ببيع المدبر أجيب

 

ج / 4 ص -543-       قالت:  تزوجت عليّ فقال:  كل امرأة لي طالق طلقت المحلفة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بأن من المشايخ من قال لا تطلق لهذا الاحتمال والصحيح أنها تطلق؛ لأن ما فرض من الأمور الموهومة الوقوع فلا تعتبر؛ لأن الحلف على بيع هذا الملك لا كل ملك وأجيب أيضا عن المدبر أن بيعه بيع قن لانفساخ التدبير بالقضاء فيعتق، ولا فرق بين كون العبد ذميا أو مسلما فيجري اختلاف المشايخ فيه والتصحيح. وأشار بالتدبير إلى أن الاستيلاد كذلك كما في "الذخيرة" والمراد بالتدبير المطلق منه، ولا يحنث بالمقيد كما أشار إليه في "فتح القدير" وينبغي أنه إذا قال إن لم أبعك فأنت حر فدبره تدبيرا مطلقا أن يعتق لوجود الشرط كما ذكروه، وكذا لو استولدها، وأما إذا قال إن لم أبعك فأنت حر فأعتقه فإنه يبطل التعليق؛ لأن تنجيز العتق يبطل تعليقه كتنجيز الثلاث يبطل تعليقه ويتفرع على الحنث لفوات المحل فرعان في القاسمية الأول لو قال لها إن لم تضعي هذا في هذا الصحن فأنت طالق فكسرته وقع الطلاق الثاني، وعزاه إلى "الذخيرة" لو قال لها إن لم تذهبي فتأتي بهذا الحمام فأنت طالق فطار الحمام وقع الطلاق. ا ه.
"قوله:  قالت تزوجت علي فقال كل امرأة لي طالق طلقت المحلفة" بكسر اللام أي المرأة التي دعته إلى الحلف، وكانت سببا فيه، وعن أبي يوسف أنها لا تطلق؛ لأنه أخرجه جوابا فينطبق عليه؛ ولأن غرضه إرضاؤها، وهو بطلاق غيرها فيتقيد به وجه الظاهر عموم الكلام، وقد زاد على حرف الجواب فيجعل مبتدئا، وقد يكون غرضه إيحاشها حين اعترضت عليه فيما أحله الشرع ومع التردد لا يصلح مقيدا، ولو نوى غيرها يصدق ديانة لا قضاء؛ لأنه تخصيص العام واختار شمس الأئمة السرخسي، وكثير من المشايخ رواية أبي يوسف، وفي جامع قاضي خان وبه أخذ مشايخنا وذكر في الغاية معزيا إلى "الذخيرة" الأولى تحكيم الحال إن كان قد جرى بينهما مشاجرة وخصومة تدل على غصبه يقع الطلاق عليها أيضا، وإن لم يكن كذلك لا يقع. ا ه.
وفي "الولوالجية" رجل قيل له ألك امرأة غير هذه المرأة فقال كل امرأة لي فهي طالق لا تطلق هذه المرأة فرق بين هذا وبين ما إذا قالت المرأة لزوجها إنك تريد أن تتزوج علي امرأة أخرى فقال إن تزوجت امرأة فهي طالق حيث تطلق هذه المرأة إذا أبانها ثم تزوجها والفرق هو قول الزوج بناء على القول الأول فإنما يدخل تحت قوله ما يحتمل الدخول تحت القول الأول فقولها إنك تزوجت علي امرأة اسم المرأة يتناولها كما يتناول غيرها أما هنا قوله:  غير هذه المرأة لا يحتمل هذه المرأة فلا تدخل تحت قوله.
ثم اعلم أن النكرة تدخل تحت النكرة والمعرفة لا تدخل تحت النكرة إلا في العلم وبيانه كما في "البدائع" قال إن دخل داري هذه أحد فكذا فدخل الحالف لم يحنث؛ لأن قوله أحد نكرة والحالف معرفة بياء الإضافة، وكذا لو قال لرجل إن دخل دارك هذه أحد فكذا ففعله

 

ج / 4 ص -544-       على المشي إلى بيت الله، أو إلى الكعبة. حج، أو اعتمر ماشيا، فإن ركب أراق دماً بخلاف الخروج، أو الذهاب إلى بيت الله، أو المشي إلى الحرم، أوالصفا، أو المروة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحلوف عليه لم يحنث الحالف؛ لأن المحلوف عليه معرفة بكاف الخطاب، وكذا لو قال إن ألبست هذا القميص أحدا فكذا فلبسه المحلوف عليه لم يحنث لكونه معرفة بالتاء التي للمخاطب، وإن ألبسه المحلوف عليه الحالف حنث؛ لأن الحالف نكرة فيدخل تحت النكرة ولو قال إن مس هذا الرأس أحد، وأشار إلى رأسه لم يدخل الحالف فيه، وإن لم يضفه إلى نفسه بياء الإضافة؛ لأن رأسه متصل به خلقة فكان أقوى من إضافته إلى نفسه بياء الإضافة.
ولو قال إن كلم غلام عبد الله بن محمد أحدا فعبدي حر فكلم الحالف، وهو غلام الحالف واسمه عبد الله بن محمد حنث؛ لأنه يجوز استعمال العلم في موضع النكرة فلم يخرج الحالف عن عموم النكرة. ا ه. وتمام تعريفاته في "الذخيرة".
"قوله:  على المشي إلى بيت الله أو إلى الكعبة حج أو اعتمر ماشيا فإن ركب أراق دما بخلاف الخروج أو الذهاب إلى بيت الله أو المشي إلى الحرم أو الصفا والمروة" لما قدمنا في باب الهدي من كتاب الحج، والفارق العرف، وعدمه أطلقه فشمل ما إذا كان في الكعبة أو غيرها كما في "الهداية"؛ لأن إيجاب أحد النسكين ليس باعتبار أنه مدلول اللفظ ولا يستلزمه، ولا باعتبار الحكم بذلك مجازا، ولا بالنظر إلى الغالب بل؛ لأنه تعورف إيجاب أحد النسكين به فصار مجازا لغويا حقيقة عرفية مثل قوله علي حجة أو عمرة ماشيا وتمامه في "فتح القدير".
وقد قدم المصنف أنه لا يركب حتى يطوف للركن فيلزمه المشي من بيته لا من حيث يحرم فإن كان الناذر في مكة، وأراد أن يجعل النسك الذي لزمه حجا فإنه يحرم من الحرم ويخرج إلى عرفات ماشيا إلى أن يطوف للركن، وإن أراد إسقاطه بعمرة فعليه أن يخرج إلى الحل فيحرم منه واختلفوا في أنه يلزمه المشي في ذهابه إلى الحل أو لا يلزمه إلا بعد رجوعه منه محرما والوجه يقتضي أنه يلزمه المشي لما قدمنا من أنه يلزمه المشي من بلدته مع أنه ليس محرما منها بل هو ذاهب إلى محل الإحرام فيحرم منه أعني المواقيت في الأصح لما قدمناه عن أبي حنيفة لو أن بغداديا قال إلى آخره، وإنما لزمه دم بركوبه؛ لأنه أدخل نقصا فيه ومثل الخروج السفر إلى بيت الله تعالى، وكذا الشد والهرولة والسعي إلى مكة.
وقيد بالمشي إلى بيت الله لأنه لو قال علي المشي إلى أستار الكعبة أو باب الكعبة أو ميزابها أو أسطوانة البيت أو إلى عرفات، ومزدلفة لا يلزمه شيء، ومسألة المشي إلى الحرم قوله:  وقالا يلزمه أحد النسكين والوجه في ذلك أن يحمل على أنه تعورف بعد أبي حنيفة إيجاب

 

ج / 4 ص -545-       عبده حر إن لم يحج العام فشهدا بنحره بالكوفة لم يعتق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النسك به فقالا به كما تعورف بالمشي إلى الكعبة فيرتفع الخلاف كذا في "فتح القدير".
"قوله:  عبده حر إن لم يحج العام فشهدا بنحره بالكوفة لم يعتق"، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد يعتق؛ لأن هذه شهادة قامت على أمر معلوم، وهو التضحية، ومن ضرورته انتفاء الحج فتحقق الشرط، ولهما أنها قامت على النفي؛ لأن المقصود منها نفي الحج لا إثبات التضحية؛ لأنه لا مطالب لها فصار كما إذا شهدوا أنه لم يحج غاية الأمر أن هذا النفي مما يحيط به علم الشاهد ولكنه لا يميز بين نفي ونفي تيسيرا كذا في "الهداية".
وحاصله:  أنه لا يفصل في النفي بين أن يحيط به علم الشاهد فتقبل الشهادة به أو لا فلا بل لا تقبل الشهادة على النفي مطلقا، ولا يرد عليه ما ذكره في السير الكبير شهد على رجل أنه قال المسيح ابن الله، ولم يقل قول النصارى والرجل يقول وصلت به ذلك قبلت هذه الشهادة وبانت امرأته، وليس هو إلا؛ لأنه أحاط به علم الشاهد؛ لأنا نقول إنها شهادة على أمر وجودي، وهو السكوت؛ لأنه انضمام الشفتين فصار كشهود الإرث إذا قالوا نشهد إنه وارثه لا نعلم له وارثا غيره حيث يعطى كل التركة؛ لأنها شهادة على الإرث، والنفي في ضمنه والإرث مما يدخل تحت القضاء بخلاف النحر، وأما ما في "المبسوط" من أن الشهادة على النفي تقبل في الشروط حتى لو قال لعبده إن لم تدخل الدار اليوم فأنت حر فشهدا أنه لم يدخلها قبلت ويقضى بعتقه وما نحن فيه من قبيل الشروط فأجيب عنه بأنها قامت بأمر ثابت معاين، وهو كونه خارجا فيثبت النفي ضمنا وتعقبه في "فتح القدير" بأنه يرد عليه أن العبد كما لا حق له في التضحية إذا لم تكن هي شرط العتق فلم تصح الشهادة بها كذلك لا حق له في الخروج؛ لأنه لم يجعل الشرط بل عدم الدخول كعدم الحج في مسألتنا فلما كان المشهود به مما هو وجودي متضمن للمدعى به من النفي المجعول شرطا قبلت الشهادة عليه، وإن كان غير مدعى به لتضمنه المدعى به كذلك يجب قبول شهادة التضحية المتضمنة لنفي المدعى به فقول محمد رحمه الله أوجه. ا ه.
فإن قلت:  إن عدم الدخول هو الخروج لأنه لا واسطة فله حق الخروج قلت:  لا نسلم أنه الخروج؛ لأنه الانفصال من الداخل إلى الخارج فإن كان خارجا وقت اليمين واستمر صدق عليه أنه لم يدخل، ولم يخرج؛ لأنه لو حلف لا يخرج من هذه الدار، وهو خارجها لا يحنث حتى يدخل ثم يخرج كما قدمنا فليس عدم الدخول هو الخروج فالحاصل:  أن الشهادة على النفي المقصود لا تقبل سواء كان نفيا صورة أو معنى سواء أحاط به علم الشاهد أو لا وسيأتي تفاريعه في الشهادات إن شاء الله تعالى.

 

ج / 4 ص -546-       وحنث في لا يصوم بصوم ساعة بنية، وفي صوما أو يوما بيوم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله:  وحنث في لا يصوم بصوم ساعة بنية، وفى صوما أو يوما بيوم" لوجود الشرط في الأول بإمساك ساعة إذ الصوم هو الإمساك عن المفطرات على قصد التقرب، وأما إذا حلف لا يصوم صوما أو لا يصوم يوما فإنه لا يحنث بإمساك ساعة؛ لأنه يراد به الصوم التام المعتبر شرعا وذلك بإنهائه إلى آخر اليوم واليوم صريح في تقدير المدة به، ولا يقال المصدر مذكور بذكر الفعل فلا فرق بين حلفه لا يصوم، ولا يصوم صوما فينبغي أن لا يحنث في الأول إلا بيوم؛ لأنا نقول الثابت في ضمن الفعل ضروري لا يظهر أثره في غير تحقيق الفعل بخلاف الصريح؛ لأنه اختياري يترتب عليه حكم المطلق فيوجب الكمال قيد بيوم؛ لأنه لو حلف ليصوم من هذا اليوم، وكان بعد أن أكل أو بعد الزوال صحت اليمين وطلقت في الحال مع أنه مقرون بذكر اليوم، ولا كمال؛ لأن اليمين تعتمد التصور، والصوم بعد الزوال والأكل متصور كما في صورة الناسي، وهو كما لو قال لامرأته إن لم تصل اليوم فأنت طالق فحاضت من ساعتها أو بعدما صلت ركعة صحت اليمين وطلقت للحال؛ لأن دور الدم لا يمنع كما في الاستحاضة بخلاف مسألة الكوز؛ لأن محل الفعل، وهو الماء غير قائم أصلا فلا يتصور بوجه واستشكله في "فتح القدير" على قول أبي حنيفة ومحمد؛ لأن التصور شرعا منتف، وكونه ممكنا في صورة أخرى، وهي صورة النسيان والاستحاضة لا يفيد فإنه يحنث كان في صورة الحلف مستحيلا شرعا لا يتصور الفعل المحلوف عليه؛ لأنه لم يحلف إلا على الصوم والصلاة الشرعيين أما على قول أبي يوسف فظاهر أنهما ينعقدان ثم يحنث. واعلم أن التمرتاشي ذكر أنه لو حلف لا يصوم فهو على الجائز؛ لأنه لتعظيم الله تعالى وذلك لا يحصل بالفاسد إلا إذا كانت اليمين في الماضي وظاهره أنه يشكل على مسألة الكتاب فإنه حنثه بعدما قال ثم أفطر من يومه لكن مسألة الكتاب أصح؛ لأنها نص محمد في "الجامع الصغير". ا ه.
وقد قدمنا في مسألة الكوز أن الأصح عدم الحنث فيما إذا قال لامرأته إن لم تصل الفجر غدا فأنت كذا فحاضت بكرة ونقلناه عن "المنتقى" فهو مؤيد لبحث المحقق ابن الهمام والمراد بالبكرة، وقت طلوع الفجر إلى طلوع الشمس كما لا يخفى فحينئذ لا يحنث في مسألة الصوم أيضا على الأصح لكن جزم في "المحيط" بالحنث فيهما، وفي "الظهيرية" بعدما ذكر الحنث قيل هذا الجواب يستقيم على قول أبي يوسف، وأما على قولهما فلا يستقيم أصله مسألة الكوز، وقيل لا بل هذا الجواب مستقيم على قول الكل.
وذكر أبو الفضل في المسألة تفصيلا فقال إن كانت أطالت الصلاة بحيث لولا إطالتها إياها أمكنها أداؤها حنث، وإن لم يكن منها هذه الإطالة لم يحنث إلا أن الصحيح ما قلنا

 

ج / 4 ص -547-       وفي لا يصلي بركعة، وفي صلاة بشفع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنه يحنث على كل حال؛ لأن اليمين لا تعتمد الصحة لكنها تعتمد الإمكان والتصور، وأنه ثابت هاهنا. ا ه.
وفيه أيضا لو قال إن لم أصم شهرا فعبدي حر لا ينصرف إلى شهر يليه بل ينصرف إلى شهر في عمره بخلاف إن لم أساكنك شهرا، وإن لم آت البصرة شهرا ينصرف إلى ما يليه، ولا يحنث حتى يتركه شهرا من حين حلف، والفرق أن النفي معتبر بالإثبات؛ لأن الأشياء تعرف بأضدادها، وفي الإثبات لو قال إن صمت شهرا فعبدي حر تعلق الحنث بصوم شهر، ولا ينصرف إلى ما يليه فكذلك في النفي تعلق الحنث بترك الصوم في شهر، ولا ينصرف إلى ما يليه فذكر الوقت فيه لتقدير الصوم به بخلاف المساكنة والضرب والإتيان ونحوه ما ذكر الوقت لتقدير الفعل به، وإنما هو لتقدير اليمين فتقيدت بالشهر الذي يليه. ولو قال إن تركت الصوم شهرا ينصرف إلى ما يليه، وإن صام يوما قبل مضي الشهر لم يحنث، ولو قال إن تركت صوم شهر أو قال إن لم أصم شهرا أو قال إن صمت شهرا انصرف إلى جميع العمر وتمامه فيه، وفي حيل "الولوالجية" حلف بطلاق امرأته أن لا يصوم شهر رمضان فالحيلة فيه أن يسافر، ولا يصوم.
"قوله:  وفي لا يصلي بركعة وفي صلاة بشفع" أي لو حلف لا يصلي حنث إذا صلى ركعة، ولو حلف لا يصلي صلاة لا يحنث إلا بصلاة شفع، والقياس في الأول أن يحنث بالافتتاح اعتبارا بالشروع في الصوم وجه الاستحسان أن الصلاة عبارة عن الأركان "المختلف"ة فما لم يأت بجميعها لا تسمى صلاة بخلاف الصوم؛ لأنه ركن واحد، وهو الإمساك ويتكرر في الجزء الثاني.
وأما في الثانية فالمراد بها الصلاة المعتبرة شرعا، وأقلها ركعتان للنهي عن البتيراء1، وقد صرح في "الهداية" في الأولى بأنه إذا سجد ثم قطع حنث ويشكل عليه ما ذكره التمرتاشي حلف لا يصلي يقع على الجائزة فلا يحنث بالفاسدة إلا إذا كان اليمين في الماضي إلا أن يكون المراد بالفاسدة أن تكون بغير طهارة ويكون ما في "الذخيرة" بيانا له، وهو قوله:  حلف لا يصلي فصلى صلاة فاسدة بأن صلى بغير طهارة مثلا لا يحنث استحسانا. ولو نوى الفاسدة يصدق ديانة، وقضاء، ومع هذا يحنث بالصحيحة أيضا إلى آخره فظهر من كلامه أن المراد بالفاسدة بهي التي لا يوصف منها شيء بوصف الصحة في وقت بأن يكون ابتداء الشروع غير صحيح، وأورد أن من أركان الصلاة القعدة، وليست في الركعة الواحدة فيجب أن لا يحنث بها وأجيب بأن القعدة موجودة بعد رفع رأسه من السجدة، وهذا أولا مبني على توقف الحنث على الرفع منها، وفيه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم تخريجه.

 

ج / 4 ص -548-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خلاف المشايخ والحق أنه تفرع على الخلاف بين أبي يوسف ومحمد في ذلك والأوجه أن لا يتوقف لتمام حقيقة السجود بوضع بعض الوجه على الأرض، ولو سلم فليست تلك القعدة هي الركن، والأركان الحقيقية هي الخمسة والقعدة ركن زائد على ما تحرر، وإنما وجب للختم فلا تعتبر ركنا في حق الحنث كذا في "فتح القدير".
وقد قدمنا أن الأركان الأصلية ثلاثة القيام والركوع والسجود، وأما القراءة فركن زائد، والتحريمة شرط، ولذا قال في "الظهيرية"، ولو حلف لا يصلي فقام وركع وسجد، ولم يقرأ فقد قيل لا يحنث وقد قيل يحنث، وهكذا ذكر في "المنتقى"، وقد علم مما ذكرنا أن النهي عن البتيراء مانع لصحة الركعة لو فعلت والبتيراء تصغير البتراء تأنيث الأبتر، وهو في الأصل مقطوع الذنب ثم صار يقال للناقص.
وأشار المصنف بالمسألة الثانية إلى فرع مذكور في "الذخيرة" قال لعبده إن صليت ركعة فأنت حر فصلى ركعة ثم تكلم لا يعتق ولو صلى ركعتين عتق بالركعة الأولى؛ لأنه في الصلاة الأولى ما صلى ركعة؛ لأنها بتيراء بخلاف الثانية ثم إذا حلف لا يصلي صلاة فهل يتوقف حنثه على قعوده قدر التشهد بعد الركعتين اختلفوا فيه والأظهر والأشبه أنه إن عقد يمينه على مجرد الفعل، وهو إذا حلف لا يصلي صلاة لا يحنث قبل القعدة، وإن عقدها على الفرض، وهي من ذوات المثنى فكذلك لا يحنث حتى يقعد، وإن كان من ذوات الأربع يحنث، ولو حلف لا يصلي الظهر لا يحنث حتى يتشهد بعد الأربع كذا في "الظهيرية".
وفيها حلف لا يصلي خلف فلان فأمه فلان، وقام الحالف عن يمينه حنث، وإن لم تكن له نية. وإن نوى أن يكون حلفه لم يدين في القضاء، وعن أبي يوسف لو قال لا أصلي معك فصليا خلف إمام حنث إلا أن ينوي أن يصلي معه ليس بينهما غيرهما، ولو حلف أن لا يؤم أحدا فشرع في الصلاة ونوى أن لا يؤم أحدا فجاء قوم واقتدوا به يحنث؛ لأنه أمهم، وقصده أن لا يؤم أحدا أمر بينه وبين الله تعالى فإذا نوى ذلك لا يحنث ديانة وإن أشهد الحالف قبل الشروع في الصلاة أنه يصلي صلاة نفسه، ولا يؤم أحدا لا يحنث قضاء وديانة، وكذلك لو صلى هذا الحالف بالناس الجمعة فهو على ما ذكرنا، ولو أم الناس في صلاة الجنازة أو سجدة التلاوة لا يحنث لأن يمينه انصرفت إلى الصلاة المطلقة، ولو أمهم في النافلة حنث، وإن كانت الإمامة في النوافل منهيا عنها.
وذكر الناطفي في المسألة الأولى أنه إذا نوى أن لا يؤم أحدا فصلى خلفه رجلان جازت صلاتهما، ولا يحنث؛ لأن شرط الحنث أن يقصد الإمامة، ولم يوجد، ولو حلف لا يصلي الظهر

 

ج / 4 ص -549-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خلف فلان أو قال مع فلان فكبر معه ثم أحدث فذهب وتوضأ ثم عاد بعدما خرج الإمام من الصلاة فأتم بصلاته لا يحنث، ولو أنه كبر مع فلان ونام في الركعة الأولى حتى فرغ الإمام من تلك الركعة ثم انتبه فاتبعه وصلى تمام صلاته معه حنث.
ولو حلف لا يصلي الجمعة مع فلان فأحدث الإمام فقدم الحالف فصلى بهم الجمعة لا يحنث، ولو حلف لا يصلي الظهر بصلاة فلان فدخل معه في الظهر فأحدث الإمام في أول الصلاة أو بعدما صلى ثلاث ركعات فتقدم الحالف فصلى الحالف ما بقي وسلم فقد صلى الظهر بصلاة فلان، وهو حانث، وكذا لو أدرك معه منها ركعة وصلى ما بقي فقد صلى بصلاته فيكون حانثا، ولو حلف ليصلين هذا اليوم خمس صلوات بالجماعة ويجامع امرأته، ولا يغتسل سئل الإمام ابن الفضل عن هذا فقال ينبغي أن يصلي الفجر والظهر والعصر بالجماعة ثم يجامع امرأته ثم يغتسل كما غربت الشمس ويصلي المغرب والعشاء بالجماعة ولا يحنث، وإذا حلف الرجل، وقال والله ما أخرت صلاة عن، وقتها، وقد كان نام عن صلاة خرج، وقتها فصلاها فقد قيل يحنث، وقد قيل لا يحنث، ولو حلف لا يصلي بأهل هذا المسجد ما دام فلان يصلي فيه فمرض فلان ثلاثة أيام ولم يصل أو كان فلان صحيحا فلم يصل فيه فصلى الحالف بعد ذلك فيه لا يحنث، ولو حلف لا يصلي في هذا المسجد فزيد فيه فصلى في موضع الزيادة لا يحنث، ولو حلف لا يصلي في مسجد بنى فلان فزيد فيه فصلى في موضع الزيادة يحنث رجل قال لامرأته إن تركت الصلاة فأنت طالق فأخرت الصلاة عن وقتها ثم قضتها هل يقع الطلاق عليها اختلف المشايخ فيه قال بعضهم لا يقع وبه كان يفتي الشيخ الإمام سيف الدين عبد الرحيم الكرميني1 وبعضهم قالوا يقع الطلاق وبه كان يفتي القاضي الإمام ركن الإسلام علي السغدي، وهو الأشبه والأظهر. رجل قال لامرأته إن لم تصبحي غدا، ولم تصلي فأنت طالق فأصبحت وشرعت في الصلاة ثم طلعت الشمس أفتى شمس الأئمة الحلواني بعدم وقوع الطلاق، وأفتى ركن الإسلام السغدي رحمه الله هنا بالوقوع، وهو الأظهر، وإلا بين وعن محمد في رجل قال والله ما صليت اليوم يعني بجماعة قال يصدق فيما بينه وبين الله تعالى، وكذلك لو قال والله ما صليت اليوم ظهرا يعني ظهر أمس يصدق فيما بينه وبين الله تعالى، ولو قال والله ما صليت الظهر يعني بجماعة قال محمد لم يصدق عندي في هذا، ولو صلى الظهر في السفر ثم قال والله ما صليت ظهرا يعني ظهر مقيم يصدق فيما بينه وبين الله تعالى. ا ه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو عبد الرحيم بن أحمد بن إسماعيل الكرميني، والكرميني نسبة إلى كرمينية وهي بلدة بين بخارى وسمرقند، توفي سنة سبع وستين وأربعمائة ه. ا ه الجواهر المضية "2/409" الفوائد البهية "93".

 

ج / 4 ص -550-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي "المحيط" لو قال لعبده إن صليت فأنت حر فقال صليت، وأنكر المولى لا يعتق؛ لأنه من الأمور الظاهرة يمكن لغيره الوقوف عليه بلا حرج. ا ه.
ولم يذكر المصنف اليمين في الحج والعمرة والوضوء والغسل ونحن نذكر بعض مسائلها تتميما للفائدة.
قال في "الظهيرية"، ولو حلف لا يحج فهو على الصحيح دون الفاسد كما في الصوم والصلاة قال الإمام الصفار اختلف المشايخ في أنه هل يجوز أن يقال فسد الحج أم لا إذا واقع امرأته قبل الوقوف بعرفة قال بعضهم لا يجوز، وقال بعضهم يجوز كذا ذكره في مناسك "الجامع الصغير"، ولو حلف لا يحج أو لا يحج حجة لا فرق بينهما فأحرم بالحج لا يحنث حتى يقف بعرفة رواه ابن سماعة عن محمد وروى بشر عن أبي يوسف أنه لا يحنث حتى يطوف أكثر طواف الزيارة، ولو حلف لا يعتمر أو لا يعتمر عمرة لا فرق بينهما لم يحنث حتى يحرم بالعمرة ويطوف أربعة أشواط رواه بشر عن أبي يوسف.
وإذا حلف لا يتوضأ من الرعاف فرعف ثم بال أو بال ثم رعف ثم توضأ فالوضوء منهما جميعا فيحنث. ولو حلف أن لا يغتسل من امرأته هذه من جنابة فأصابها ثم أصاب أخرى أو أصاب امرأة أخرى ثم أصاب المحلوف عليها واغتسل فهذا اغتسال منهما ويحنث في يمينه، وكذلك المرأة إذا حلفت أن لا تغتسل من جناية أو من حيض فأصابها زوجها وحاضت واغتسلت فهو اغتسال منهما وتحنث في يمينها وروي عن أبي حنيفة فيمن قال إن اغتسلت من زينب فهي طالق، وإن اغتسلت من عمرة فهي طالق فجامع زينب ثم جامع عمرة واغتسل فهذا الاغتسال منهما ويقع الطلاق عليهما قال أبو عبد الله الجرجاني إذا أجنبت المرأة ثم حاضت ثم اغتسلت كان الاغتسال من الأول دون الثاني وكذلك الرجل إذا رعف ثم بال فالوضوء يكون من الأول دون الثاني عند أبي عبد الله الجرجاني فالحاصل:  أن على قول أبي عبد الله الجرجاني إذا اجتمع الحدثان فالوضوء بعدهما يكون من الأول إن اتحد الجنس أو اختلف، وقال الفقيه أبو جعفر إن اتحد الجنس بأن بال ثم بال أو رعف ثم رعف فالوضوء من الأول، وإن اختلف الجنس فالوضوء يكون منهما، وقال الشيخ الإمام الزاهد عبد الكريم1:  كنا نظن أن الوضوء من الحدثين إذا استويا في الغلظ والخفة، ومتى كان أحدهما أغلظ فالوضوء من أغلظهما، وقد وجدنا الرواية عن أبي حنيفة أن الوضوء يكون منهما فرجعنا إلى قوله وذكر الفقيه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لم أهتد إليه.

 

ج / 4 ص -551-       إن لبس من غزلك فهو هدي فملك قطنا فغزلته ولبس فهو هدي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أبو جعفر في "تأسيس1 النظائر" أن المرأة إذا أجنبت ثم حاضت فاغتسلت عند أبي يوسف يكون الغسل من الأول، وعند محمد يكون منهما. ا ه.
"قوله:  إن لبست من غزلك فهو هدي فملك قطنا فغزلته فلبس فهو هدي" أي إن لبست ثوبا من مغزولك، وهذا عند أبي حنيفة، وقالا ليس عليه أن يهدي حتى تغزله من قطن ملكه يوم حلف، ومعنى الهدي التصدق به بمكة؛ لأنه اسم لما يهدى إليها لهما أن النذر إنما يصح في الملك أو مضافا إلى سبب الملك، ولم يوجد؛ لأن اللبس وغزل المرأة ليسا من أسباب الملك وله أن غزل المرأة عادة يكون من قطن الزوج والمعتاد هو المراد وذلك سبب لملكه، ولهذا يحنث إذا غزلت من قطن مملوك له وقت النذر؛ لأن القطن لم يصر مذكورا.
وأفاد أنه لو كان القطن مملوكا له وقت الحلف فغزلته فلبسه فإنه هدي بالأولى، وهو متفق عليه، وفي "فتح القدير" والواجب في ديارنا أن يفتى بقولهما؛ لأن المرأة لا تغزل إلا من كتان نفسها أو قطنها فليس الغزل سببا لملكه للمغزول عادة فلا يستقيم جواب أبي حنيفة فيه ا ه.
وفي "المحيط" حلف لا يلبس من غزل فلانة ونوى الغزل بعينه لا يحنث إذا لبسه لأنه نوى حقيقة كلامه، وإن كان لبس الغزل قبل النسج غير ممكن كما لو حلف لا يشرب الماء ونوى شرب جميع المياه لم يحنث حتى لو لم تكن له نية يحمل على المنسوج عرفا؛ لأنه عقد يمينه على ما لا يتصور لبسه عرفا فينصرف إلى ما يصنع منه مجازا عرفا كما لو حلف لا يأكل من هذه النخلة حلف لا يلبس ثوبا من غزل فلانة فلبس ثوبا من غزلها وغزل أخرى لا يحنث؛ لأن بعض الملبوس ليس من غزلها وبعض الثوب لا يسمى ثوبا كما لو حلف لا يلبس ثوب فلان فلبس ثوبا بين فلان وبين آخر لم يحنث فكذا هنا حتى لو حلف لا يلبس من غزل فلانة فلبس ثوبا من غزلها وغزل غيرها حنث، وإن كان من غزل فلانة خيط واحد؛ لأن الغزل ليس باسم لشيء مقدر فالبعض منه يسمى غزلا.
وفي "الجامع الصغير" حلف لا يلبس ثوبا من غزل فلبس ثوبا من غزل، وقطن كان في ملكه وقت اليمين يحنث، وكذلك إن لم يكن في ملكه عند أبي حنيفة خلافا لهما. وفي "المنتقى" حلف لا يلبس من غزل فلانة، ولم يقل ثوبا فلبس ثوبا زره وعراه من غزلها لا يحنث؛ لأن الزر والعراء قبل الشد لا يصير ملبوسا بلبس القميص وبعد الشد لا يحنث، وإن صار لابسا؛ لأن هذا يسمى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في الفروع للقاضي أبي جعفر السرماري وهو كتاب مختصر ذكر فيه أن أقسام الخلاف بين الأئمة ثمانية فقدم القسم الذي فيه خلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه اه. كشف الظنون "1/334".

 

ج / 4 ص -552-       لبس خاتم ذهب، أو عقد لؤلؤ لبس حلي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شدا ولا يسمى لبسا عرفا، وفي اللبنة والزيق يحنث لأنه يسمى لابسا لهما عرفا بلبس الثوب، ولو لبس تكة من غزلها لا يحنث عند أبي يوسف، وعند محمد يحنث والفتوى على قول أبي يوسف؛ لأنه لا يسمى لابسا في التكة عرفا بخلاف ما إذا لبس تكة من حرير فإنه يكره اتفاقا؛ لأن المحرم استعمال الحرير مقصودا سواء صار لابسا أو لم يصر، وقد وجد، وهذا المحرم باليمين اللبس، ولم يوجد، ولم يكره الزر والعرى من حرير؛ لأنه لا يعد لابسا، ولا مستعملا وكذا اللبنة والزيق لا يكره من الحرير؛ لأنه مستعمل له تبعا لا مقصودا فصار كالإعلام، ولو أخذ الحالف خرقة من غزلها قدر شبرين ووضعها على عورته لا يحنث؛ لأنه لا يسمى لابسا، وقال أبو يوسف إذا رقع في ثوبه شبرا حنث، ولو لبس ثوبا من غزلها فلما بلغ الذيل إلى السرة، ولم يدخل كميه ورجلاه بعد تحت اللحاف يحنث؛ لأنه لبس.
ولو حلف لا يلبس ثوبا من نسج فلان فنسجه غلمانه فإن كان فلان لم يعمل بيديه لم يحنث وإن كان عمل حنث؛ لأن حقيقة النسج ما يفعله بيده فيحمل على الحقيقة ما أمكن، وإلا يحمل على المجاز، وهو الأمر به.
ولو حلف لا يلبس ثوبا من غزلها فلبس كساء من غزلها حنث؛ لأن هذا ثوب من غزلها، وإن كان من الصوف. ا ه.
وفي "الظهيرية" حلف لا يلبس من غزل فلانة فلبس ثوبا خيط من غزل فلانة لا يحنث، ولو لبس قلنسوة أو شبكة من غزل فلانة يحنث. ا ه.
وفي "فتح القدير"، ومعنى من غزل الهدي هنا ما يتصدق به بمكة؛ لأنه اسم لما يهدى إليها فإن كان نذر هدي شاة أو بدنة فإنما يخرجه عن العهدة ذبحه في الحرم والتصدق به هناك فلا يجزئه إهداء قيمته، وقيل في إهداء قيمة الشاة روايتان فلو سرق بعد الذبح فليس عليه غيره، وإن نذر ثوبا جاز التصدق في مكة بعينه أو بقيمته، ولو نذر إهداء ما لم ينقل كإهداء دار ونحوها فهو نذر بقيمتها. ا ه.
فالحاصل:  أنه في مسألة الكتاب لا يخرج عن العهدة إلا بالتصدق بمكة مع أنهم قالوا لو التزم التصدق على فقراء مكة بمكة ألغينا تعيينه الدرهم والمكان والفقير فعلى هذا يفرق بين التزام بصيغة الهدي وبينه بصيغة النذر.
قوله "لبس خاتم ذهب أو عقد لؤلؤ لبس حلي" يعني لو حلف لا يلبس حليا فلبس خاتم ذهب أو عقد لؤلؤ حنث أما الذهب فلأنه حلي، ولهذا لا يحل استعماله للرجال، وأما

 

ج / 4 ص -553-       لا خاتم فضة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عقد اللؤلؤ فأطلقه فشمل المرصع وغيره، وهو قولهما، وقال الإمام لا يحنث بغير المرصع لأنه لا يتحلى به عرفا إلا مرصعا، ومبنى الأيمان على العرف لهما أن اللؤلؤ حلي حقيقة حتى سمي به في القرآن في قوله تعالى
{وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [فاطر: 12]، وقيل هذا اختلاف عصر وزمان ويفتى بقولهما؛ لأن التحلي به على الانفراد معتاد كذا في "الهداية"، ولهذا اختاره في "المختصر"، وأطلق الخاتم من الذهب فشمل ما له فص، وما لا فص له اتفاقا وشمل ما إذا كان الحالف رجلا أو امرأة كما في "الظهيرية".
قوله "لا خاتم فضة" أي ليس بحلي عرفا ولا شرعا بدليل أنه أبيح للرجال مع منعهم من التحلي بالذهب والفضة، وإنما أبيح لهم لقصد التختم لا لقصد الزينة فلم يكن حليا كاملا في حقهم، وإن كانت الزينة لازم وجوده لكنها لم تقصد به أطلقه فشمل ما إذا كان مصوغا على هيئة خاتم النساء أو لا.
وقيده في "النهاية" بما إذا لم يكن مصوغا؛ لأن ما صيغ على هيئة خاتم النساء بأن كان ذا فص يحنث به، وهو الصحيح، وأطلقه بعضهم كما في "المختصر" ورجحه في "فتح القدير"؛ لأن العرف في خاتم الفضة نفي كونه حليا، وإن كان زينة. ا ه.
وأشار المصنف إلى أنه على قياس قول الإمام لا بأس للرجال بلبس اللؤلؤ الخالص كذا في "التبيين" وذكر القلانسي في تهذيبه أنه على قياس قوله الذهب والفضة ليس بحلي قبل الصياغة حتى لو علقت في عنقها تبر الذهب والفضة لا تحنث وعندهما تحنث ا ه.
وقيد بخاتم الفضة؛ لأن الخلخال والدملج1 والسوار حلي؛ لأنه لا يستعمل إلا للتزين فكان كاملا في معنى الحلي كذا في "المحيط".
وأشار المصنف بعقد اللؤلؤ إلى أن عقد الزبرجد أو الزمرد كذلك فأبو حنيفة شرط الترصيع، وهما أطلقا كما في "المحيط" والحلي بضم الحاء وتشديد الياء جمع حلي بفتح الحاء وسكون اللام كثدي وثدي.
وقيد به؛ لأنه لو حلف لا يلبس سلاحا، ولا نية له فقلد سيفا أو ترسا لا يحنث؛ لأنه لم يلبس السلاح، ولو لبس درعا من حديد أو غيره يحنث، ولو حلف لا يشتري سلاحا فاشترى سكينا أو حديدا لا يحنث؛ لأن بائعه لا يسمى بائع السلاح كذا في "المحيط".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الدملج والدملوج:  المعضد من الحلي ا ه. لسان العرب مادة/ دملج/.

 

ج / 4 ص -554-       لا يجلس على الأرض فجلس على بساط، أو حصير، أو لا ينام على هذا الفراش فجعل فوقه فراشا آخر فنام عليه، أو لا يجلس على سرير، فجعل فوقه سريرا آخر لا يحنث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي "الظهيرية" حلف لا يلبس ثوبا أو لا يشتري فيمينه على كل ملبوس يستر العورة وتجوز الصلاة فيه حتى لو اشترى مسحا أو بساطا أو طنفسة، ولبسها لا يحنث والمسح الحلس، وهو البساط المنسوج من شعر المعزى والطنفسة البساط المحشو، ولو اشترى فروا أو لبس فروا يحنث ولو اشترى قلنسوة أو لبسها لا يحنث، ولو اشترى ثوبا صغيرا يحنث هكذا ذكر في "المبسوط" قالوا أراد به أن يكون إزارا أو سراويل بل يستر العورة وتجوز الصلاة فيه حتى لو اشترى منديلا يمتخط به لا يحنث، ولو حلفت المرأة أن لا تلبس ثوبا فتقنعت بقناع لم تحنث إذا لم يبلغ مقدار الإزار، وإن بلغ حنثت، وإن حلف لا يلبس ثوبا فلبس لفافة لا يحنث، وعلى قياس مسألة الخمار ينبغي أن يحنث إذا كانت اللفافة تبلغ مقدار الإزار، وإن اعتم بعمامة عن محمد أنه لا يحنث، وعن أبي يوسف كذلك إلا أن تكون عمامة لو لفها كانت إزارا أو رداء فحينئذ يحنث.
وفي السير الكبير إن اسم الثوب لا ينتظم العمامة والقلنسوة والخف وذكر خواهر زاده أن هذا الجواب في عمائم العرب؛ لأنها صغيرة لا يجيء منها الثوب الكامل فأما في عمائمنا فالجواب بخلافه لأنه يجيء منها المئزر، ولو حلف لا يلبس قميصا فاتزر بقميص أو ارتدى بقميص لا يحنث. والأصل في جنس هذه المسائل أن من حلف على لبس ثوب لا بعينه لا يحنث ما لم يوجد منه اللبس المعتاد، وإذا حلف على لبس ثوب بعينه فعلى أي وصف لبسه حنث في يمينه، ولو حلف لا يلبس ثوبا فوضعه على عاتقه يريد حمله أو عرضه على البيع لا يحنث، ولو حلف لا يلبس قباء أو هذا القباء فوضعه على كتفيه، ولم يدخل يديه في كميه ففي الوجه الأول اختلف المشايخ بعضهم قالوا لا يحنث استدلالا بما ذكره محمد في المناسك أن المحرم إذا فعل هكذا لا كفارة عليه وبعضهم قالوا يحنث؛ لأن القباء قد يلبس هكذا، وفي الوجه الثاني يحنث بلا خلاف ولو حلف لا يلبس قباء أو هذا القباء فوضعه على اللحاف حالة النوم لا يحنث هكذا حكى ظهير الدين المرغيناني فتوى عمه شمس الإسلام الأوزجندي ا ه.
قوله "لا يجلس على الأرض فجلس على بساط أو حصير أو لا ينام على هذا الفراش فجعل فوقه فراشا آخر فنام عليه أو لا يجلس على سرير فجعل فوقه سريرا آخر لا يحنث" بيان لثلاث مسائل الأولى حلف لا يجلس على الأرض فجلس على بساط أو حصير المقصود أنه جلس على حائل بينه وبين الأرض ليس بتابع للحالف فلا يحنث لأنه لا يسمى جالسا على الأرض بخلاف ما إذا كان الحائل ثيابه؛ لأنه تبع له فلا يصير حائلا، ولو خلع ثوبه فبسطه وجلس عليه لا يحنث لارتفاع التبعية الثانية حلف لا ينام على هذا الفراش فجعل فوقه فراشا آخر فنام

 

ج / 4 ص -555-       ولو جعل الفراش قرام، أو على السرير بساط، أو حصير حنث.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عليه فإنه لا يحنث؛ لأنه مثله، والشيء لا يكون تبعا لمثله فتنقطع النسبة إلى الأسفل قيد بكون الفراش مشارا إليه؛ لأنه لو نكره فحلف لا ينام على فراش حنث بوضع الفراش على الفراش؛ لأنه نام على فراش نكرة الثالثة حلف لا يجلس على سرير فجعل فوقه سريرا آخر لا يحنث هكذا ذكر المصنف، وهو مشكل؛ لأن هذا الحكم إنما هو فيما إذا كان السرير المحلوف عليه معينا كما إذا حلف لا يجلس على هذا السرير فجعل فوقه سريرا آخر فجلس عليه؛ لأنه غيره، وأما إذا كان السرير المحلوف عليه نكرة يحنث بالجلوس على السرير الأعلى؛ لأن اللفظ المنكر يتناوله كما في "التبيين".
وقيد بالسرير؛ لأنه لو حلف لا ينام على ألواح هذا السرير أو ألواح هذه السفينة ففرش على ذلك فراشا لم يحنث؛ لأنه لم ينم على الألواح كذا في "المحيط".
قوله "ولو جعل على الفراش قرام أو على السرير بساط أو حصير حنث"؛ لأن القرام تبع للفراش؛ لأنه ساتر رقيق يجعل فوقه كالتي في عرفنا الملاءة أي الملاءة المجعولة فوق الطراحة فصار كأنه نام على نفس الفراش.
وذكر الشمني أن القرام بكسر القاف ستر فيه رقم ونقش، وفي الثانية يعد جالسا على السرير؛ لأن الجلوس عليه في العادة هو الجلوس على ما يفرش عليه. قال في "فتح القدير"، وهكذا الحكم في هذا الدكان، وهذا السطح إذا حلف لا يجلس على أحدهما فبسط عليه وجلس حنث، ولو بنى دكانا فوق الدكان أو سطحا على السطح انقطعت النسبة عن الأسفل فلا يحنث بالجلوس على الأعلى، ولذا كرهت الصلاة على سطح الكنيف والإصطبل، ولو بنى على ذلك سطحا آخر وصلى عليه لا يكره.
وفي كافي الحاكم حلف لا يمشي على الأرض فمشى عليها بنعل أو خف حنث، وإن كان على بساط لم يحنث، وإن مشى على أحجار حنث؛ لأنها من الأرض. ا ه.
وفي "الواقعات" حلف لا ينام على هذا الفراش فأخرج منه الحشو ونام عليه لا يحنث ظاهرا؛ لأنه لا ينطلق عليه اسم الفراش، ولو رفع الظهارة ونام على الصوف والحشو ذكر بعد هذا أنه لا يحنث؛ لأنه لا يسمى فراشا. ا ه.
وفي "المحيط" قال لامرأته إن نمت على ثوبك فأنت طالق فاتكأ على وسادة لها أو وضع رأسه على مرفقة لها أو اضطجع على فراشها إن وضع جنبه أو أكثر بدنه على ثوب من ثيابها حنث؛ لأنه يعد نائما، وإن اتكأ على وسادة أو جلس عليها لم يحنث لأنه لا يعد نائما. ا ه. سبحانه أعلم.

 

ج / 4 ص -556-       5- باب اليمين في الضرب والقتل وغير ذلك
إن ضربتك، وكسوتك، وكلمتك ودخلت عليك تقيد بالحياة بخلاف الغسل، والحمل والمس. لا يضرب امرأته فمد شعرها أو خنقها أو عضها حنث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
5- باب اليمين في الضرب والقتل وغير ذلك
والأصل هنا أن ما شارك الميت فيه الحي يقع اليمين فيه حالة الحياة والموت، وما اختص بحالة الحياة تقيد بها
"قوله:  ضربتك، وكسوتك، وكلمتك ودخلت عليك تقيد بالحياة بخلاف الغسل والحمل والمس"؛ لأن الضرب اسم لفعل مؤلم متصل بالبدن، والإيلام لا يتحقق في الميت، ومن يعذب في القبر يوضع فيه الحياة في قول العامة، وكذلك الكسوة؛ لأنه يراد بها التمليك عند الإطلاق، ومنه الكسوة في الكفارة، وهو من الميت لا يتحقق إلا أن ينوي به الستر، وكذلك الكلام والدخول؛ لأن المقصود من الكلام الإفهام والموت ينافيه والمراد من الدخول عليه زيارته وبعد الموت يزار قبره لا هو بخلاف ما لو قال إن غسلته فأنت حر فغسله بعدما مات يحنث في يمينه؛ لأن الغسل هو الإسالة ومعناه التطهير ويتحقق ذلك في الميت، وكذا الحمل يتحقق بعد الموت قال عليه السلام
"من حمل ميتا فليتوضأ"1 والمس للتعظيم أو للشفقة فيتحقق بعد الموت قال في "شرح الطحاوي" والأصل أن كل فعل يلذ ويؤلم ويغم ويسر يقع على الحياة دون الممات كالضرب والشتم والجماع والكسوة والدخول عليه. ا ه.
ومثله التقبيل إذا حلف لا يقبلها فقبلها بعد الموت لا يحنث وتقبيله عليه الصلاة والسلام عثمان بن مظعون بعدما أدرج في الكفن2 محمول على ضرب من الشفقة والتعظيم، وقيد بالكسوة؛ لأنه لو حلف لا يلبسه ثوبا لا يتقيد بالحياة.
"قوله:  لا يضرب امرأته فمد شعرها أو خنقها أو عضها حنث"؛ لأنه اسم لفعل مؤلم، وقد تحقق الإيلام أطلقه فشمل حالة المزاح والغضب، وقيل إنه إن كان في حالة المزاح لا يحنث، وإلا حنث، وكذلك إذا أصاب رأسه أنفها في الملاعبة فأدماها لا يحنث؛ لأنه لا يعد ضربا في الملاعبة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الترمذي، كتاب الحنائز، باب ما جاء في الغسل من غسل الميت "993" وأبو داود، كتاب الجنائز، "3162"، وعبد الرزاق في مصنفه "6110" وابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ماجاء في غسل الميت "1463". وابن حبان في صحيحه "1161".
2 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "6775".

 

ج / 4 ص -557-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كذا في جامع قاضي خان، ولا يشترط القصد في الضرب لما في عدة الفتاوى حلف لا يضرب امرأته فضرب أمته، وأصاب رأس امرأته يحنث. ا ه.
وفي "الذخيرة" حلف ليضربن عبده مائة سوط فجمع مائة سوط وضربه مرة لا يحنث قالوا هذا إذا ضربه ضربا يتألم به أما إذا ضربه ضربا بحيث لا يتألم به لا يبر؛ لأنه صورة لا معنى والعبرة للمعنى، ولو ضربه بسوط واحد له شعبتان خمسين مرة كل مرة تقع الشعبتان على بدنه بر في يمينه؛ لأنه صارتا مائة سوط لما وقعت الشعبتان على بدنه في كل مرة، وإن جمع الأسواط جميعا وضربه بها ضربة إن ضرب بعرض الأسواط لا يبر؛ لأن كل الأسواط لم تقع على بدنه، وإنما يقع البعض وإن ضربه برأس الأسواط ينظر إن كان قد سوى رءوس الأسواط قبل الضرب حتى إذا ضربه ضربا أصابه رأس كل سوط بر في يمينه، وأما إذا اندس من الأسواط شيء لا يقع به البر عليه عامة المشايخ، وعليه الفتوى، وقال محمد في الأصل إذا حلف لا يضرب عبده فوجأه أو قرصه أو مد شعره أو زاد في "الجامع الصغير" أو عضه حنث، ولو قال إن ضربتك فأنت طالق فضرب أمته فأصابها، ذكر في "مجموع النوازل" أنه يحنث؛ لأن عدم القصد لا يعدم الفعل، وبه كان يفتي الشيخ ظهير الدين المرغيناني وقيل أنه لا يحنث؛ لأنه لا يتعارف والزوج لا يقصده بيمينه، وهكذا ذكر البقالي في فتاواه، وهو الأظهر والأشبه. ا ه.
وفي "الظهيرية"، ولو حلف أن لا يضرب فلانا فرماه بحجر أو نشابة أو نحوهما ذكر في "النوازل"* أنه لا يحنث؛ لأن ذلك رمي، وليس بضرب، وإن دفعه دفعا، ولم يوجعه لا يحنث، وإن عضه أو خنقه أو مد شعره فآلمه حنث في يمينه قالوا هذا إذا لم يكن في حالة المزاح أما إذا كان في تلك الحال لا يحنث، وهو الصحيح، وإن تعمد غيره فأصابه لا يحنث، وكذا لو نفض ثوبه فأصاب وجهه فآلمه لا يحنث، ولو قال لامرأته إن لم أضربك حتى أتركك لا حية، ولا ميتة قال أبو يوسف هذا على أن يضربها ضربا مبرحا، ومتى فعل ذلك بر في يمينه رجل حلف ليضربن عبده بالسياط حتى يموت أو حتى يقتله فهو على المبالغة في الضرب، ولو قال حتى يغشى عليه أو حتى يستغيث أو حتى يبكي فهذا على حقيقة هذه الأشياء.
ولو قال إن لم أضربه بالسيف حتى يموت فهو على أن يضربه بالسيف ويموت، ولو حلف ليضربن فلانا بالسيف، ولم ينو شيئا فضربه بعرضه بر في يمينه، ولو ضربه والسيف في غمده كما لو حلف ليضربن فلانا بالسوط فلف السوط في ثوب وضربه فإنه لا يكون ضربا بالسوط، ولو جرحه بالسيف، وهو في غمده لكن بعدما انشق الغمد بر في يمينه


...........
* العبارة في الأصل النوادر.

 

ج / 4 ص -558-       إن لم أقتل فلانا فكذا وهو ميت إن علم به حنث وإلا لا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رجل ضرب رجلا بمقبض فأس على رأسه ثم حلف أنه لم يضربه بالفأس لا يحنث رجل قال لامرأته إن لم أضرب ولدك على الأرض حتى ينشق نصفين فأنت طالق فضربه على الأرض، ولم ينشق واليمين كانت مؤقتة بيوم فمضى اليوم طلقت امرأته وجعل هذا بمنزلة ما لو قال إن لم أضربك حتى تبول فإنه يكون على الأمرين.
رجل أراد أن يضرب عبده فحلف أن لا يمنعه أحد عن ضربه فمنعه إنسان بعدما ضربه خشبة أو خشبتين وهو يريد أن يضربه أكثر من ذلك قالوا حنث في يمينه؛ لأن مراده أن لا يمنعه أحد حتى يضربه إلى أن يطيب قلبه فإذا منعه عن ذلك حنث في يمينه رجل قال لامرأته إن وضعت يدي على جاريتي فهي حرة فضربها قيل إن كانت اليمين لغيرة المرأة لا يحنث؛ لأن المراد من وضع اليد على الجارية في هذه الحالة الوضع الذي يغيظها ويسوءها والوضع على هذا الوجه لا يغيظها، ولا يسوءها بل يسرها. رجل حلف ليضربن فلانا ألف مرة فهذا على أن يضربه مرارا كثيرة.
ولو قال إن لم أضربك اليوم فأنت طالق فأراد أن يضربها فقالت المرأة إن مس عضوك عضوي فعبدي حر فضربها الرجل بخشب من غير أن يضع يده عليها لم يحنث لفقد الشرط، وهو مس عضوه عضوها وكان ينبغي أن يحنث؛ لأن المراد بالمس المذكور هاهنا الضرب عرفا، وهو نظير ما مر من قوله إن وضعت يدي على جاريتي.
ولو قالت إن ضربتني فعبدي حر فالحيلة أن تبيع المرأة العبد ممن تثق به ثم يضربها الزوج ضربا خفيفا في اليوم فيبر الزوج وتنحل يمين المرأة لا إلى جزاء رجل قال لامرأته كلما ضربتك فأنت طالق فضربها بكفه فوقعت الأصابع متفرقة طلقت واحدة؛ لأن الضرب حصل بالكف والأصابع تبع لها، وإن ضربها بيديه قنا اثنتين رجل حلف بالله أن يضرب ابنته الصغيرة عشرين سوطا فإنه يضربها بعشرين شمراخا، وهو السعف، وهو ما صغر من أغصان النخل، ولو قال إن لم تأتني حتى أضربك فهو على الإتيان ضربه أو لم يضربه، ولو قال إن رأيت فلانا لأضربنه فعلى التراخي إلا أن ينوي الفور، ولو قال إن رايتك فلم أضربك فرآه الحالف، وهو مريض لا يقدر على الضرب حنث، ولو قال إن لقيتك فلم أضربك فرآه من قدر ميل لم يحنث. ا ه.
"قوله:  إن لم أقتل فلانا فكذا، وهو ميت إن علم به حنث، وإلا لا" أي، وإن لم يعلم بموته لا يحنث؛ لأنه إذا كان عالما فقد عقد يمينه على حياة يحدثها الله تعالى فيه وهو متصور فينعقد ثم يحنث للعجز العادي، وأما إذا لم يعلم فقد عقد يمينه على حياة كانت فيه، ولا يتصور فيصير

 

ج / 4 ص -559-       ما دون الشهر قريب، وهو وما فوقه بعيد ليقضين دينه اليوم، فقضاء نهبرجة، أو زيوفا، أو مستحقه بر، ولو رصاصا أو ستوقة لا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قياس مسألة الكوز على الاختلاف، وليس في تلك المسألة تفصيل العلم هو الصحيح كذا في "الهداية".
وفي "الظهيرية"، ولو حلف ليقتلن فلانا ألف مرة فهو على شدة القتل رجل حلف أن لا يقتل فلانا بالكوفة فضربه بالسواد، ومات بالكوفة حنث، وكذلك لو حلف أن لا يقتل فلانا يوم الجمعة فجرحه يوم الخميس، ومات يوم الجمعة ويعتبر فيه مكان الموت وزمانه لا زمان الجرح، ومكانه بشرط أن يكون الضرب والجرح بعد اليمين فإن كانا قبل اليمين فلا حنث أصلا؛ لأن اليمين تقتضي شرطا في المستقبل لا في الماضي. ا ه.
قوله "ما دون الشهر قريب، وهو وما فوقه بعيد"؛ لأن ما دون الشهر يعد في العرف قريبا والشهر، وما زاد عليه يعد بعيدا يقال عند بعد العهد ما لقيتك منذ شهر فإذا حلف ليقضين دينه إلى قريب فهو ما دون الشهر، وإن قال إلى بعيد فهو الشهر، وما فوقه، وكذا لو حلف لا يكلمه إلى قريب أو إلى بعيد، ولفظ العاجل والسريع كالقريب والآجل كالبعيد، وهذا عند عدم النية فأما إن نوى بقوله إلى قريب، وإلى بعيد مدة معينة فهو على ما نوى حتى لو نوى سنة أو أكثر في القريب صحت، وكذا إلى آخر الدنيا؛ لأنها قريبة بالنسبة إلى الآخرة كذا في "فتح القدير" وينبغي أن لا يصدق قضاء؛ لأنه خلاف العرف الظاهر.
وفي "الولوالجية" إذا حلف ليقضين دينه قريبا فغاب المحلوف عليه فإن الحالف يرفع الأمر إلى القاضي فإذا رفع إليه بر، ولا يحنث لأن القاضي في هذه الصورة انتصب نائبا عنه في هذا الحكم نظرا للحالف هو المختار للفتوى. ا ه.
وفي "الظهيرية" لو حلف لا يكلمه مليا أو طويلا إن نوى شيئا فهو على ما نوى، وإن لم ينو شيئا فهو على شهر ويوم. ا ه.
وفيها من الفصل الخامس حلف لا يحبس من حقه شيئا، ولا نية له ينبغي له أن يعطيه ساعة حلف يريد به أن يشتغل بالإعطاء حتى لو لم يشتغل به كما فرغ من اليمين حنث في يمينه طلب منه أو لم يطلب، وإن نوى الحبس بعد الطلب أو غيره من المدة كان كما نوى، وإن حاسبه، وأعطاه كل شيء كان له لديه، وأقر به لذلك الطالب ثم لقيه بعد أيام، وقال قد بقي لي عندك كذا وكذا من قبل كذا، وكذا فتذكر المطلوب، وقد كانا جميعا نسياه لم يحنث إن أعطاه.
"قوله:  ليقضين دينه اليوم فقضاه نبهرجة أو زيوفا أو مستحقة بر، ولو رصاصا أو ستوقة لا"

 

ج / 4 ص -560-       والبيع به قضاء لا الهبة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أي لا يبر؛ لأن الزيافة والنبهرجة عيب والعيب لا يعدم الجنس، ولهذا لو تجوز به صار مستوفيا فيوجد شرط البر، وقبض المستحقة صحيح، ولا يرتفع برده البر المتحقق. وإن ارتفع القبض؛ لأن ارتفاع القبض لتضرر صاحب الدين ببطلان حقه؛ لأنه لا يمكنه استيفاء الجودة وحدها، ولا استيفاء الجيد مع بقاء الاستيفاء الأول فتعين النقض ضرورة، وأما الرصاص والستوقة فليس هي من جنس الدراهم حتى لا يجوز التجوز بهما في الصرف والسلم والزيوف الرديء من الدراهم يرده بيت المال والنبهرجة أردأ من يرده النجار أيضا والستوقة هي التي غلب عليها النحاس فإن غلبت الفضة لا يحنث؛ لأن العبرة للغالب كذا في "التبيين" والأولى أن يقال في النبهرجة أنه يردها من التجار المستقضى منهم ويقبلها السهل منهم كما في "فتح القدير" وذكر مسكين معزيا إلى الرسالة اليوسفية النبهرجة إذا غلب عليها النحاس لم تؤخذ، وأما الستوقة فحرام أخذها؛ لأنها فلوس. ا ه. ولا فرق في هذه المسائل بين لفظ القضاء أو الدفع.
وأطلق في المستحقة فشمل ما إذا رد بدلها في ذلك اليوم أو لا. وأشار المصنف إلى أن المكاتب لو دفع إلى مولاه واحدا من الثلاثة الأول عتق، ولا يبطل عتقه برد المولى، ولو دفع الستوقة والرصاص لا يعتق كما في الفتح.
وذكر الولوالجي في آخر كتاب الشفعة أن الدراهم الزيوف بمنزلة الجياد في خمس مسائل أولها رجل اشترى دارا بالجياد ونقد الزيوف أخذ الشفيع بالجياد؛ لأنه لا يأخذها إلا بما اشترى، وقد اشترى بالجياد. والثانية الكفيل إذا كفل بالجياد ونقد الزيوف يرجع على المكفول عنه بالجياد. والثالثة إذا اشترى شيئا بالجياد ونقد البائع الزيوف ثم باعه مرابحة فإن رأس المال هو الجياد. والرابعة حلف ليقضين حقه اليوم، وكان عليه جياد فقضاه الزيوف لا يحنث. والخامسة إذا كان له على آخر دراهم جياد فقبض الزيوف فأنفقها، ولم يعلم إلا بعد الإنفاق لا يرجع عليه بالجياد في قول أبي حنيفة ومحمد كما لو قبض الجياد. ا ه.
وفي "الظهيرية" معزيا إلى "النوازل" إذا قال المديون لرب المال والله لأقضين مالك اليوم فأعطاه، ولم يقبل قال إن وضعه بحيث تناله يده لو أراد لا يحنث والمغصوب منه إذا حلف أن لا يقبض المغصوب فجاء به الغاصب، وقال سلمته إليك فقال المغصوب منه لا أقبل لا يحنث ويبرأ الغاصب من ضمان الرد. ا ه. وفيها رجل حلف ليجهدن في قضاء ما عليه لفلان فإنه يبيع ما كان القاضي يبيعه عليه إذا رفع الأمر إلى القاضي.
قوله "والبيع به قضاء لا الهبة" أي لو حلف ليقضين دينه اليوم فباع متاعا لصاحب الدين بالدين فقد قضاه دينه وبر، ولو وهب الدائن الدين من المديون فليس بقضاء؛ لأن قضاء الدين

 

ج / 4 ص -561-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طريقه المقاصة، وقد تحققت بمجرد البيع، ولا مقاصة في الهبة؛ لأن القضاء فعله والهبة إسقاط من صاحب الدين، أطلقه فشمل ما قبل قبض المبيع، واشتراط قبض المبيع في "الجامع الصغير" وقع اتفاقا ليتقرر الثمن في الذمة لا أنه شرط للبر حتى لو هلك المبيع لا يرتفع البر المحقق ببطلان الثمن وشمل البيع الفاسد لكن يشترط قبض المبيع فيه لوقوع المقاصة؛ لأنه لا ملك قبله فيه لتحصل المقاصة ولو كان الحالف هو الطالب بأن قال والله لأقبضن ديني اليوم فالحكم كذلك، وشمل ما إذا كان المبيع مملوكا للحالف أو لغيره، وكذا قال في "الظهيرية" إن ثمن المستحق مملوك ملكا فاسدا فملك المديون ما في ذمته.
وأشار المصنف بالبيع إلى كل موضع حصلت فيه المقاصة بينهما فلذا قالوا لو تزوج الطالب أمة المطلوب على ذلك المال فدخل عليها أو وجب عليه للمطلوب دين بالجناية والاستهلاك لا يحنث.
وأفاد المصنف بقوله لا الهبة أنه ليس بقضاء، ولم يتعرض للحنث؛ لأنه لا يحنث في اليمين المؤقتة؛ لأن البر غير ممكن مع هبة الدين، وإمكان البر شرط البقاء كما هو شرط الابتداء كما قدمناه في مسألة الكوز. وعلى هذا لو حلف ليقضين دينه غدا فقضاه اليوم أو حلف ليقتلن فلانا غدا فمات اليوم أو حلف ليأكلن هذا الرغيف غدا فأكله اليوم فإنه لا يحنث وتقدم نظائرها، وهنا فروع حسنة مذكورة في "الظهيرية" لو قال لغريمه والله لا أفارقك حتى أستوفي منك حقي ثم أنه اشترى من مديونه عبدا بذلك الدين قبل أن يفارقه ثم فارقه قال محمد رحمه الله على قول من لم يجعله حانثا إذا وهب الدين له قبل أن يفارقه وقبل المديون ثم فارقه لا يحنث، وهو قول أبي حنيفة فهاهنا ينبغي أن لا يحنث، وعلى قول من يجعله حانثا في الهبة، وهو قول أبي يوسف يكون حانثا هاهنا، وإن لم يفارقه حتى مات العبد عند البائع ثم فارقه حنث ولو باعه المديون عبدا لغيره بذلك الدين ثم فارقه الحالف بعدما قبض الغريم العبد ثم إن مولى العبد استحقه ولم يجز البيع لا يحنث الحالف؛ لأن المديون ملك ما في ذمته بهذا البيع؛ لأن ثمن المستحق مملوك ملكا فاسدا، ولو باعه المديون عبدا على أنه بالخيار فيه وقبضه الحالف ثم فارقه حنث، ولو كان الدين على امرأة فحلف أن لا يفارقها حتى يستوفي حقه منها فتزوجها الحالف على ما له عليها من الدين فهو استيفاء لما عليها من الدين، ولو باع المديون عبدا أو أمة بما عليه من الدين فإذا هو مدبر أو مكاتب أو أم ولد أو كان المدبر وأم الولد لغير المديون ثم فارقه الطالب بعدما قبضه لا يحنث، ولو وهب الطالب الألف للغريم فقبله أو أحال الطالب رجلا له عليه مال بماله على مديونه أو أحال المطلوب الطالب على رجل، وأبرأ الطالب المطلوب الأول لا يحنث الحالف في هذا كله، ولو حلف ليأخذن من فلان حقه أو قال ليقبضن فأخذ بنفسه أو أخذ وكيله فقد بر

 

ج / 4 ص -562-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في يمينه. وكذا لو أخذه من وكيل المطلوب، وكذلك لو أخذه من رجل كفل بالمال عن المديون بأمر المديون أو من رجل آخر أحال المديون عليه فقد بر في يمينه كذا ذكره القدوري رحمه الله.
وذكر في "العيون":  إذا حلف الرجل لا يأخذ ماله من المطلوب اليوم فقبضه من وكيل المطلوب حنث فإن قبضه من متطوع لا يحنث، وكذلك لو قبضه من وكيله أو المحتال عليه لم يحنث قال القدوري، وكذلك لو حلف المديون ليقضين فلانا حقه فأمره غيره بالأداء أو أحاله فقبض بر في يمينه، وإن قضى عنه متبرع لم يبر.
وفي العيون حلف لا يقبض ماله على الغريم فأحال الطالب رجلا ليس له على الطالب شيء على غريمه، وقبض ذلك الرجل حنث في يمينه وإن كانت الحوالة قبل اليمين لم يحنث، وعلى هذا إذا وكل رجلا بقبض الدين من المديون ثم حلف أن لا يقبض ما له عليه فقبض الوكيل بعد اليمين لا يحنث، وقد قيل ينبغي أن يحنث، وهذا القائل قاس هذه المسألة على ما إذا، وكل رجلا أن يزوجه امرأة أو وكله أن يطلقها ثم حلف أن لا يتزوج أو لا يطلق ثم فعل الوكيل ذلك حنث.
ولو حلف لا يقبض دينه من غريمه اليوم فاشترى الطالب من الغريم شيئا في يومه، وقبض المبيع اليوم حنث، وإن قبض المبيع غدا لا يحنث، ولو اشترى منه شيئا بعد اليمين في يومه شراء فاسدا، وقبضه فإن كانت قيمته مثل الدين أو أكثر حنث، وإن كانت قيمته أقل من الدين لا يحنث، وإن استهلك شيئا من ماله اليوم فإن كان المستهلك من ذوات الأمثال لا يحنث؛ لأن الواجب بالاستهلاك مثله لا قيمته، وإن كان من ذوات القيم فإن كانت قيمته مثل الدين أو أكثر حنث؛ لأنه صار قابضا بطريق المقاصة، ولكن يشترط أن يغصب أولا ثم يستهلك فإن استهلكه، ولم يغصبه بأن أحرقه لا يحنث؛ لأن شرط الحنث القبض فإذا غصب أولا وجد القبض الموجب للضمان فيصير قابضا دينه بذلك أما إذا استهلكه فلم يوجد القبض حقيقة فلا يصير قابضا دينه كرجلين لهما على رجل دين مشترك فقبض أحدهما من المديون ثوبا واستهلكه كان لشريكه أن يرجع عليه بحصته من الدين، وإن أحرقه من غير غصب لا يرجع شريكه عليه بشيء رجل له على رجل ثمن مبيع فقال إن أخذت ثمن ذلك الشيء فامرأته طالق فأخذ مكان ذلك حنطة، وقع الطلاق؛ لأنه أخذ عوض الثمن، وأخذ العوض ينزل منزلة أخذ العوض، ولهذا لو كان له شريك في ذلك كان لشريكه أن يرجع عليه بحصته،. ولو حلف لا يفارق غريمه حتى يستوفي ما له عليه فقعد، وهو بحيث يراه ويحفظه فهو غير مفارق له، وكذلك لو حال بينهما ستر أو أسطوانة من أساطين المسجد، وكذلك لو قعد أحدهما داخل المسجد والآخر خارج المسجد والباب بينهما مفتوح بحيث يراه، وإن توارى

 

ج / 4 ص -563-       لا يقبض دينه درهماً دون درهم، فقبض بعضه لا يحنث حتى يقبض كله متفرقاً لا بتفريق ضروري.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عنه بحائط المسجد والآخر خارج المسجد فقد فارقه، وكذلك لو كان بينهما باب مغلق إلا أن يكون المفتاح بيد الحالف بأن أدخله بيتا وغلق عليه بابه، وقعد على الباب فهذا لم يفارقه، وإن كان المحبوس هو الحالف والمخلى عنه هو المحلوف عليه، وهو الذي أغلق عليه الباب، وأخذ المفتاح حنث الحالف، وفي الحيل إذا نام الطالب أو غفل عن المطلوب أو شغله إنسان بالكلام حتى هرب المطلوب لا يحنث في يمينه، وكذلك لو منعه إنسان عن الملازمة حتى هرب المطلوب لا يحنث في يمينه.
وفي "مجموع النوازل" رجل حلف بطلاق امرأته أنه يعطيها كل يوم درهما فربما يدفع إليها عند الغروب وربما يدفع إليها عند العشاء قال إذا لم يخل كل يوم وليلة عن دفع درهم بر في يمينه.
وسئل الأوزجندي عمن قال لصاحب الدين إن لم أقض حقك يوم العيد فكذا فجاء يوم العيد إلا أن قاضي هذه البلدة لم يجعله عيدا، ولم يصل فيه صلاة العيد لدليل لاح عنده، وقاضي بلدة أخرى جعله عيدا قال إذا حكم قاضي بلدة بكونه عيدا يلزم ذلك أهل بلدة أخرى إذا لم تختلف المطالع كما في الحكم بالرمضانية وسئل أبو نصر الدبوسي عمن حلف غريمه أن يأتي منزله غدا ويريه وجهه فأتاه فلم يجده، وقد غاب لا يحنث في يمينه. ا ه ما في "الظهيرية".
"قوله:  لا يقبض دينه درهما دون درهم فقبض بعضه لا يحنث حتى يقبض كله متفرقا لا بتفريق ضروري"؛ لأن الشرط قبض الكل لكنه بوصف التفريق ألا ترى أنه أضاف القبض إلى دين معرف مضافا إليه فينصرف إلى كله فلا يحنث إلا به، ولا يحنث بالتفريق الضروري وهو أن يقبض دينه في وزنتين، ولم يتشاغل بينهما إلا بعمل الوزن؛ لأنه قد يتعذر قبض الكل دفعة واحدة عادة فيصير هذا القبض مستثنى عنه.
وأشار المصنف إلى أن اليمين لو كانت مؤقتة باليوم بأن حلف لا يقبض دينه درهما دون درهم اليوم فقبض البعض في اليوم متفرقا أو لم يقبض شيئا لم يحنث؛ لأن شرط الحنث أخذ الكل في اليوم متفرقا، ولم يوجد، وإلى أنه لو قبض الكل جملة ثم وجد بعضها ستوقة فرد لم يحنث بالرد ما لم يستبدل؛ لأن الستوقة غير معتد بها فلم يوجد قبض الكل حتى يقبض البدل فإذا قبضه وجد قبض الكل متفرقا بخلاف ما إذا وجد بعضها زيوفا حيث لا يحنث مطلقا؛ لأنه بر حين وجد قبض الكل وبالرد لم ينتقض القبض في حقه على ما مر، وقيد بقوله دينه لأنه لو قال لا يقبض من دينه درهما دون درهم أو إن قبضت من ديني درهما دون درهم أو إن أخذت من

 

ج / 4 ص -564-       إن كان لي إلا مائة أو غير، أو سوى، فكذا لم يحنث بملكها، أو بعضها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ديني درهما دون درهم فقبض البعض حنث؛ لأن شرط الحنث هنا قبض البعض من الدين متفرقا، وفي مسألة الكتاب قبض الكل بصفة التفريق.
وفي "الظهيرية"، وفي الحيل إذا حلف لا يأخذ ما له على فلان إلا جملة أو إلا جمعا ثم أراد وتطلق على التفاريق فالحيلة أن يترك من حقه درهما ويأخذ الباقي كيف يشاء، وفيه أيضا إذا حلف لا يأخذ من فلان شيئا من حقه دون شيء ثم أراد أن يأخذه على التفاريق أو أراد أن يترك بعض حقه يحنث لكن الحيلة له في ذلك أن يأخذ من غيره قضاء عنه فلا يحنث وإن لم يكن للمطلوب من يؤدي عنه، وكان للطالب من يقبض له لم يحنث في يمينه. وإذا حلف لا يتقاضى فلانا فلزمه ولم يتقاضه لا يحنث. ا ه.
وفيها، ولو قال لا أفارقك اليوم حتى تعطيني حقي اليوم، وهو ينوي أن لا يترك لزومه فمضى اليوم ثم فارقه لا يحنث.
"قوله:  إن كان لي إلا مائة أو غير أو سوى فكذا لم يحنث بملكها أو بعضها"؛ لأن غرضه نفي ما زاد على المائة فكان شرط حنثه ملك الزيادة على المائة؛ لأن استثناء المائة استثناؤها بجميع أجزائها وغير وسوى كإلا؛ لأن كل ذلك أداة الاستثناء. قيد بكونه ملك الدراهم أو بعضها؛ لأنه لو قال إن كان لي إلا مائة درهم فلم يكن له دراهم، وكان له دنانير حنث؛ لأن الدراهم مال الزكاة فالمستثنى منه يكون مال الزكاة، والدنانير من مال الزكاة. وكذلك لو كان عبدا للتجارة أو عرضا للتجارة أو سوائم مما تجب فيه الزكاة يحنث سواء كان نصابا أو لم يكن، ولو ملك عبدا للخدمة أو ما ليس من جنس الزكاة كالدراهم والعقار والعروض لغير التجارة لا يحنث في يمينه؛ لأنه لم يوجد المسماة كذا في "شرح الطحاوي"، وفي "الجامع الصغير" عبده حر إن كنت أملك إلا خمسين درهما فلم يملك إلا عشرة لم يحنث؛ لأنها بعض المستثنى، ولو ملك زيادة على خمسين إن كان من جنس مال الزكاة حنث.
وفي خزانة الأكمل لو قال امرأته طالق إن كان له مال، وله عروض وضياع ودور لغير التجارة لم يحنث، وقيد بقوله إن كان لي إلا مائة؛ لأنه لو اختلف في قدر الدين فقال لي عليه مائة، وقال الآخر خمسون فقال إن كان لي عليه إلا مائة فهذا لنفي النقصان؛ لأنه قصد بيمينه الرد على المنكر، وكذا لو ادعى أنه أعطى زيدا المائة مثلا فقال زيد لم يعطني إلا خمسين فقال إن كنت أعطيته إلا مائة فإنه يحنث بالأقل كذا في "فتح القدير".
وفي "الظهيرية"، ولو قال إن قبضت ما لي على فلان شيئا دون شيء فهو في المساكين صدقة يعني ما له على فلان فقبض تسعة فوهبها لرجل ثم قبض الدرهم الباقي يلزمه التصدق

 

ج / 4 ص -565-       لا يفعل كذا تركه أبداً ليفعله برّ بحرة ولو حلفه وال ليعلمنه بكل داعر دخل البلد تقيد بقيام ولايته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالدرهم الباقي ويضمن مثل ما وهب ويتصدق بالضمان. ولو قال لا أتركك حتى تخرج من هذه الدار فطلب إليه أن يتركه فقال قد تركتك ثم أبى أن يخرج فإنه يحنث بقوله تركتك. ا ه.
قوله "لا يفعل كذا تركه أبدا"؛ لأنه نفى الفعل مطلقا فعم الامتناع ضرورة عموم النفي.
قيد بكون اليمين مطلقة عن الوقت؛ لأنها لو كانت مقيدة به كقوله والله لا أفعل كذا اليوم فمضى اليوم قبل الفعل بر في يمينه؛ لأنه وجد ترك الفعل في اليوم كله وكذلك إن هلك الحالف والمحلوف عليه بر في يمينه لأن شرط البر عدم الفعل، وقد تحقق العدم كذا في "المحيط".
وقدمنا في أول كتاب الأيمان أنه لو قال والله أفعل كذا أنها يمين النفي وتكون لا مقدرة وليست للإثبات؛ لأنه لا يجوز حذف نون التوكيد ولامه في الإثبات فليحفظ هذا.
وفي شرح المجمع في شرح قوله لا يفعل كذا تركه أبدا أن اليمين لا تنحل بفعله، وهو سهو بل تنحل فإذا حنث بفعله مرة لا يحنث بفعله ثانيا.
"قوله:  ليفعلنه بر بمرة" أي بفعل المحلوف عليه مرة واحدة فإذا تركه بعد ذلك لا يحنث؛ لأن الملتزم فعل واحد غير عين إذ المقام مقام الإثبات فيبر بأي فعل فعله، وإنما يحنث بوقوع اليأس عنه وذلك بموته أو بفوت محل الفعل قيد بكون اليمين مطلقة؛ لأنها لو كانت مؤقتة، ولم يفعل فيه يحنث بمضي الوقت إن كان الإمكان باقيا في آخر الوقت، ولم يحنث إن لم يبق بأن وقع اليأس بموته أو بفوت المحل لأنه في المؤقتة لا يجب عليه الفعل إلا في آخر الوقت فإذا مات الفاعل أو فات المحل استحال البر في آخر الوقت فتبطل اليمين على ما ذكرنا في مسألة الكوز ويأتي فيه خلاف أبي يوسف في فوت المحل.
وفي "الواقعات" حلف إن فعلت كذا ما دمت ببخارى فامرأته طالق فخرج من بخارى ثم رجع ففعل لا يحنث؛ لأنه انتهى اليمين حلف لا يشرب النبيذ ما دام ببخارى، وفارق بخارى ثم عاد فشرب لا يحنث إلا إذا عنى بقوله ما دمت ببخارى أن تكون بخارى وطنا له؛ لأنه جعل كونه بالكوفة غاية ليمينه، وتمامه في الفصل الرابع منها.
قوله "ولو حلفه وال ليعلمنه بكل داعر دخل البلدة تقيد بقيام ولايته" بيان لكون اليمين المطلقة تصير مقيدة من جهة المعنى كما في هذه المسألة؛ لأنه مطلقة من حيث اللفظ لكن لما كان مقصود المستحلف دفع شره أو شر غيره بزجره فلا يفيد فائدته بعد زوال سلطنته والزوال

 

ج / 4 ص -566-       يبر بالهبة بلا قبول بخلاف البيع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالموت، وكذا بالعزل في ظاهر الرواية والداعر بالدال والعين المهملتين كل مفسد وجمعه دعار من الدعر، وهو الفساد، ومنه دعر العود يدعر بكسر العين في الماضي، وفتحها في المضارع إذا فسد، وإذا تقيدت بقيام ولايته بطلت اليمين بعزله فلا تعود بعد توليته.
ولم يذكر المصنف أن اليمين على الفور أو التراخي. وفي "التبيين":  ثم إن الحالف لو علم الداعر ولم يعلمه لم يحنث إلا إذا مات هو أو المستحلف أو عزل؛ لأنه لا يحنث في اليمين المطلقة بمجرد الترك بل باليأس عن الفعل وذلك بما ذكرنا إلا إذا كانت مؤقتة فيحنث بمضي الوقت مع الإمكان وإلا فلا. ا ه.
وفي "فتح القدير"، ولو حكم بانعقاد هذه للفور لم يكن بعيدا انظر إلى المقصود، وهي المبادرة لزجره ودفع شره فالدعر يوجب التقييد بالفور، وفور علمه به. ا ه.
وليس العموم في قوله بكل داعر على بابه؛ لأنه لا يمكنه أن يعلمه بكل داعر في الدنيا، وإنما مراده كل داعر يعرفه أو في بلده أو دخل البلد.
وأشار المصنف رحمه الله إلى مسائل منها لو حلف رب الدين غريمه أو الكفيل بأمر المكفول عنه أن لا يخرج من البلد إلا بإذنه تقيد بالخروج حال قيام الدين والكفالة؛ لأن الإذن إنما يصح ممن له ولاية المنع، وولاية المنع حال قيامه.
ومنها لو حلف لا تخرج امرأته إلا بإذنه تقيد بحال قيام الزوجية بخلاف ما إذا قال إن خرجت امرأته من هذه الدار فعبده حر، ولم يقيده بالإذن أو حلف لا يقبلها فخرجت بعدما أبانها أو قبلها بعدما أبانها حيث يحنث؛ لأنه لم يوجد فيه دلالة التقييد في حال قيام الزوجية، وعلى هذا لو قال لامرأته كل امرأة أتزوجها بغير إذنك طالق فطلق امرأته طلاقا بائنا أو ثلاثا ثم تزوج بغير إذنها طلقت؛ لأنه لم يقيد يمينه ببقاء النكاح؛ لأنها إنما تتقيد به لو كانت المرأة تستفيد ولاية الإذن والمنع بعقد النكاح. ومنها لو أن سلطانا حلف رجلا أن لا يخرج من البلد إلا بإذنه ثم خرج بعد عزله بدون إذنه لا يحنث؛ لأن اليمين تقيدت بحال قيام السلطنة كذا في "المحيط"، ولم أر حكم ما إذا حلفه وال ليعلمنه بكل داعر ثم عزل من وظيفته وتولى وظيفة أخرى أعلى منها كالدويدار إذا حلف حقيرا ثم صار واليا، وهو المسمى في زماننا بالصوباشاه وينبغي أن لا يبطل اليمين؛ لأنه صار متمكنا من إزالة الفساد أكثر من الحالة الأولى.
قوله "يبر بالهبة بلا قبول بخلاف البيع" فإذا حلف ليهبن فلانا فوهب له فلم يقبل فإنه يبر، ولو حلف ليبيعن كذا فباعه فلم يقبل المشتري لا يبر، وكذا في طرف النفي، والفرق أن الهبة عقد

 

ج / 4 ص -567-       لا يشم ريحاناً لا يحنث بشم ورد، وياسمين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تبرع فيتم بالمتبرع، ولهذا يقال وهبت ولم يقبل؛ ولأن المقصود إظهار السماحة، وذلك يتم به، وأما البيع فمعاوضة فاقتضى الفعل من الجانبين. والأصل أن اسم عقد المعاوضة كالبيع والإجارة والصرف والسلم والنكاح والرهن والخلع بإزاء الإيجاب والقبول معا، وفي عقود التبرعات بإزاء الإيجاب فقط كالهبة والصدقة والعارية والعطية والوصية والعمرى والإقرار والهدية، وقال زفر هي كالبيع، وفي البيع، وما معه الاتفاق على أنه للمجموع.
فلذا، وقع الاتفاق على أنه لو قال بعتك أمس هذا الثوب فلم تقبل فقال بل قبلت أو آجرتك هذه الدار فلم تقبل فقال بل قبلت القول قول المشتري والمستأجر؛ لأن إقراره بالبيع تضمن إقراره بالإيجاب والقبول وقوله فلم يقبل رجوع عنه، وكذا على عدم الحنث إذا حلف لا يبيع فأوجب فقط، وعلى الحنث لو حلف ليبيعن اليوم فأوجب فيه فقط ووقع الخلاف فيه لو كان بلفظ الهبة، وعلى هذا الخلاف القرض، وعن أبي يوسف أن قبول المستقرض لا بد منه فيه؛ لأن القرض في حكم المعاوضة فلو قال أقرضني فلان ألفا فلم أقبل لا يقبل قوله:  ونقل عن أبي حنيفة فيه روايتان. والإبراء يشبه البيع من حيث إنه يفيد الملك باللفظ دون قبض والهبة؛ لأنه تمليك بلا عوض، ولهذا ذكر في الجامع أن في القرض والإبراء قياسا واستحسانا، وقال الحلواني فيهما كالهبة، وقيل الأشبه أن يلحق الإبراء بالهبة لعدم العوض والقرض بالبيع، ولا يعلم خلاف أن الاستقراض كالهبة كذا في "فتح القدير".
وفي شرح المجمع لابن الملك، وهاهنا دقيقة، وهي أن حضرة الموهوب له شرط في الحنث حتى لو وهب الحالف منه، وهو غائب لا يحنث اتفاقا. ا ه.
وأشار المصنف إلى ما في "الخانية" رجل قال إن وهب لي فلان هذا العبد فهو حر فقال فلان وهبته لك فقال الحالف قبلت، وقبضته قال أبو يوسف لا يعتق؛ لأن الهبة هبة قبل القبول.
"قوله:  لا يشم ريحانا لا يحنث بشم ورد وياسمين"؛ لأن الريحان عند الفقهاء ما لساقه رائحة طيبة كما لورقه، وقيل في عرف أهل العراق اسم لما لا ساق له من البقول مما له رائحة مستلذة وقيل اسم ما ليس له شجر، وعلى كل فليس الورد والياسمين منه، وإن كان في اللغة اسم لكل ما طاب ريحه من النبات.
وفي "فتح القدير" والذي يجب أن يعول عليه في ديارنا إهدار ذلك كله؛ لأن الريحان متعارف لنوع وهو ريحان الحماحم، وأما الريحان الترنجي منه فيمكن أن لا يكون؛ لأنهم يلزمونه التقييد فيقال ريحان ترنجي وعندنا يطلقون اسم الريحان لا يفهم منه إلا الحماحم فلا يحنث إلا بعين ذلك النوع. ا ه.

 

ج / 4 ص -568-       البنفسج، والورد على الورق. حلف لا يتزوج، فزوجه فضولي، وأجاز بالقول حنث، وبالفعل لا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وما قاله هو الواقع في مصر ويشم بفتح الياء والشين مضارع شممت الطيب بكسر الميم في الماضي هذه هي اللغة المشهورة الفصيحة. وأما شممته أشمه بفتح الميم في الماضي وضمها في المضارع فقد أنكرها بعض أهل اللغة، وقال هو خطأ وصحح عدمه فقد نقلها الفراء وغيره، وإن كانت ليست بفصيحة ثم يمين الشم تنعقد على الشم المقصود فلو حلف لا يشم طيبا فوجد ريحه لم يحنث، ولو وصلت الرائحة إلى دماغه كذا في "فتح القدير".
قوله "البنفسج والورد على الورق" فلو حلف لا يشتري بنفسجا أو وردا فاشترى ورقهما يحنث ولو اشترى دهنهما لا يحنث؛ لأنهما يقعان على الورق دون الدهن في عرفنا كذا في "الكافي"، وفي "المبسوط" لو اشترى ورق البنفسج لا يحنث، ولو اشترى دهنه يحنث؛ لأن اسم البنفسج إذا أطلق يراد به الدهن ويسمى بائعه بائع البنفسج فيصير هو بشرائه مشتري البنفسج أيضا، وهو رواية "الجامع الصغير" وذكر الكرخي أنه يحنث بالورق كالدهن، وهذا شيء يبتنى على العرف، وفي عرف أهل الكوفة بائع الورق لا يسمى بائع البنفسج، وإنما يسمى بائع الدهن فبنى الجواب في الكتاب على ذلك ثم شاهد الكرخي عرف أهل بغداد أنهم يسمون بائع الورق وبائع البنفسج أيضا فقال يحنث وبه، وقال هكذا في ديارنا أعني في "المبسوط"، ولا يقال في أحدهما حقيقة، وفي الآخر مجازا بل فيهما حقيقة ويحنث فيهما باعتبار عموم المجاز، والياسمين قياس الورد لا يتناول الدهن؛ لأن دهنه يسمى زنبقا لا ياسمينا، وكذا الحناء يتناول الورق هذا إذا لم تكن له نية، وقال في "الكافي" في الحناء تقع في عرفنا على المدقوق.
قوله "حلف لا يتزوج فزوجه فضولي، وأجاز بالقول حنث وبالفعل لا" أي لا يحنث، وهذا هو المختار كما في "التبيين"، وعليه أكثر المشايخ والفتوى عليه كما في "الخانية" وبه اندفع ما في جامع الفصولين من أن الأصح أنه لا يحنث بالإجازة بالقول أيضا؛ لأن المحلوف عليه هو التزوج، وهو عبارة عن العقد، وهو مختص بالقول، والإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة فيكون للفضولي حكم الوكيل، وللمجيز حكم الموكل، والإجازة بالفعل بعث المهر أو شيء منه والمراد الوصول إليها ذكره الصدر الشهيد، وقيل سوق المهر يكفي سواء وصل إليها أم لا؛ لأن المجوز الإجازة بالفعل، وهي تتحقق بالسوق وبعث الهدية لا تكون إجازة؛ لأنه لا يختص بالنكاح، ولو قبلها بشهوة أو جامعها تكون إجازة بالفعل لكن يكره كراهة تحريم لقرب نفوذ العقد من المحرم. ولو أجاز في نكاح الفضولي بالكتابة هل تكون إجازة بالقول أو بالفعل ذكر في أيمان الجامع في الفتاوى إذا حلف لا يكلم فلانا أو قال والله لا أقول:  لفلان شيئا فكتب إليه كتابا لا يحنث،

 

ج / 4 ص -569-       ..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وذكر ابن سماعة في نوادره أنه يحنث قيد بكون التزوج بعد اليمين؛ لأنه لو زوجه فضولي ثم حلف لا يتزوج فأجاز فإنه لا يحنث بالقول أيضا؛ لأنها تستند إلى وقت العقد، وفيه لا يحنث بمباشرته فبالإجازة أولى.
وأشار المصنف إلى أنه لو حلف لا يزوج عبده أو أمته فأجاز بالقول فإنه يحنث كما يحنث بالتوكيل؛ لأنه مضاف إلى متوقف على إذنه لملكه وولايته، وكذا الحكم في ابنه وابنته الصغيرين لولايته عليهما، ولو كانا كبيرين لا يحنث إلا بالمباشرة لعدم ولايته عليهما بل هو كالأجنبي عنهما فتتعلق بحقيقة العقد، وهو مباشرته العقد ولو كان الحالف هو العبد أو الابن فزوجه مولاه، وهو كاره أو أبوه، وهو مجنون حيث لا يحنثان به بخلاف المكره لوجود الفعل منه حقيقة دونهما.
وفي "جامع الفصولين":  فإن كل امرأة أتزوجها أو يزوجها غيري لأجلي وأجيزه فهي طالق ثلاثا لا وجه لجوازه، وفي رقم حر فحيلته أن يزوجه فضولي بلا أمرهما فيجيزه هو فيحنث قبل إجازة المرأة لا إلى جزاء لعدم الملك ثم تجيزه هي فإجازتها لا تعمل فيجددان فيجوز زاد اليمين انعقدت على تزوج واحد، وهذه الحيلة إنما يحتاج إليها إذا قال في حلفه وأجيزه أما إذا لم يقل قال النسفي يزوج الفضولي لأجله فتطلق ثلاثا إذ الشرط تزويج الغير له مطلقا، ولكنها لا تحرم عليه لطلاقها قبل الدخول في ملك الزوج أقول:  فيه تسامح؛ لأن وقوع الطلاق قبل الملك محال. ا ه.
وفي "الخلاصة" لو قال كل امرأة تدخل في نكاحي فهي طالق فهذا بمنزلة ما لو قال كل امرأة أتزوجها وكذا لو قال كل امرأة تصير حلالا لي، ولو قال كل عبد يدخل في ملكي فهو حر فاشترى فضولي عبدا فأجاز هو بالفعل يحنث عند الكل؛ لأن للملك أسبابا كثيرة. ا ه. وعلل في عمدة الفتاوى للأول بأن الدخول في النكاح ليس له إلا سبب واحد هو النكاح فلا فرق بين أن يذكره أو لا. ا ه. فعلى هذا لو قال كل امرأة تدخل في عصمتي فهي طالق فإنه يزوجه فضولي ويجيز بالفعل ولا يحنث كما لا يخفى.
وفي "القنية":  إن تزوجت عليك فأمرها بيدك فزوجه فضولي فأجاز بالفعل لا يصير الأمر بيدها بخلاف ما لو قال إن دخلت امرأة في نكاحي فأمرها بيدك فإن الأمر يصير بيدها. ا ه. وهاهنا تعليق كثير الوقوع في مصر، وهو أن يقول إن تزوجت امرأة بنفسي أو بوكيلي أو بفضولي فأنت طالق أو فهي طالق فهل له مخلص؟.
قلت:  إذا أجاز عقد الفضولي بالفعل فلا يقع عليه طلاق؛ لأن قوله أو بفضولي معطوف على قوله بنفسي والعامل فيه تزوجت، وقد صرحوا بأنه حقيقة في القول فقوله أو بفضولي إنما

 

ج / 4 ص -570-       وداره بالملك، والإجارة. حلف بأنه لا مال له، وله دين على مفلس، أو مليء لا يحنث.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينصرف إلى إجازته بالقول فقط فلو زاد عليه أو دخلت في نكاحي أو في عصمتي فالحكم كذلك لما قدمناه من أن الدخول فيه ليس له إلا سبب واحد، وهو التزوج، وهو لا يكون إلا بالقول فلو زاد عليه أو أجزت نكاح فضولي، ولو بفعل فلا مخلص له إلا إذا كان المعلق طلاق المتزوجة فيرفع الأمر إلى شافعي ليفسخ اليمين المضافة كما قدمناه في باب التعليق.
"قوله:  وداره بالملك والإجارة" أي لو حلف لا يدخل دار فلان يحنث بدخول ما يسكنه بالملك والإجارة؛ لأن المراد به المسكن عرفا فدخل ما يسكنه بأي سبب كان بإجارة أو إعارة أو ملك باعتبار عموم المجاز ومعناه أن يكون محل الحقيقة فردا من أفراد المجاز لا باعتبار الجمع بين الحقيقة والمجاز قيدنا بأن تكون مسكنه؛ لأنه لو لم يكن ساكنا فيها، وهي ملكه لا يحنث قال في "الواقعات" حلف لا يدخل دار فلان فدخل دارا بين فلان وغيره، وفلان ساكنها لا يحنث إلا أن يدل الدليل على دار الغلة أو غيرها، وأطلق في الملك فشمل الدار المشتركة فلو حلف لا يدخل دار فلان فدخل دارا مشتركة بين فلان وغيره، وفلان ساكنها يحنث؛ لأن جميع الدار تضاف إليه بعضها بالملك، وكلها بالسكنى، ولا بد أن يكون سكنى فلان بها لا بطريق التبعية فلو حلف لا يدخل دار فلانة فدخل دارها وزوجها ساكن فيها لا يحنث؛ لأن الدار تنسب إلى الساكن، والساكن هو الزوج كذا في "الواقعات"، وقد قدمناها في بحث الدخول.
قوله "حلف بأنه لا مال له، وله دين على مفلس أو مليء لا يحنث"؛ لأن الدين ليس بمال وإنما هو وصف في الذمة لا يتصور قبضه حقيقة، ولهذا قيل إن الديون تقضى بأمثالها على معنى أن المقبوض مضمون على القابض؛ لأنه قبضه لنفسه على وجه التملك ولرب الدين على المدين مثله فالتقى الدينان قصاصا فصار غيره حقيقة وشرعا أما الحقيقة فظاهر.
وأما الشرع فلا حاجة إلى إسقاط اعتباره؛ لأن التصرف في الدين قبل القبض جائز والمفلس بالتشديد رجل حكم القاضي بإفلاسه والمليء الغني ذكره مسكين والله أعلم.
تم الجزء الرابع من البحر ويليه الجزء الخامس وأوله كتاب الحدود.