البحر الرائق شرح كنز الدقائق ط احياء التراث

ج / 5 ص -5-            12- "كتاب الحدود".
الحد عقوبة مقدرة لله تعالى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
12- "كتاب الحدود".
لما كانت اليمين للمنع في أحد نوعيها ناسب أن يذكر الحدود عقيبها لأن الحد في اللغة المنع ومنه سمي البواب حدادا لمنعه الناس عن الدخول والسجان حدادا لمنعه عن الخروج, وحدود الديار نهاياتها لمنعها عن دخول ملك الغير فيها وخروج بعضها إليه وسمي اللفظ الجامع المانع حدا لأنه يجمع معنى الشيء ويمنع دخول غيره فيه وسميت العقوبات الخالصة حدودا لأنها موانع من ارتكاب أسبابها معاودة, وحدود الله محارمه لأنها ممنوع عنها ومنه {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} [البقرة: 187] وحدود الله أيضا أحكامه; لأنها تمنع من التخطي إلى ما وراءها ومنه {حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا} [البقرة: 229] ولأن كفارة اليمين دائرة بين العقوبة والعبادة فناسب أن يذكر العقوبات المحصنة بعدها.
قوله: "الحد عقوبة مقدرة لله تعالى" بيان لمعناه شرعا فخرج التعزير لعدم التقدير ولا ينافيه قولهم: إن أقله ثلاثة وأكثره تسعة وثلاثون سوطا; لأن ما بين الأقل والأكثر ليس بمقدر ولأنه يكون بغير الضرب.
وخرج القصاص; لأنه حق العبد فلا يسمى حدا اصطلاحا على المشهور وقيل يسمى به فهو العقوبة المقدرة شرعا فهو على هذا قسمان قسم يصح فيه العفو وهو القصاص وقسم لا يصح فيه وهو ما عداه وعلى الأول المشهور الحد لا يقبل الإسقاط مطلقا بعد ثبوت سببه عند الحاكم وعلى هذا يبنى عدم جواز الشفاعة فيه فإنها طلب ترك الواجب ولذا أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أسامة بن زيد حين شفع في المخزومية التي سرقت فقال "أتشفع في حد من حدود الله تعالى"1 وأما قبل الوصول إلى الإمام والثبوت عنده تجوز الشفاعة عند الرافع له إلى الحاكم ليطلقه; لأن الحد لم يثبت كذا في فتح القدير.
والتحقيق أن الحدود موانع قبل الفعل زواجر بعده أي العلم بشرعيتها يمنع الإقدام على الفعل وإيقاعه بعده يمنع من العود إليه فهي من حقوق الله تعالى; لأنها شرعت لمصلحة تعود

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرحه البخاري كتاب الحددود باب إقامة الحدود على الشريف والوضيع "6887" ومسلم كتاب الجدود باب قطع السارق الشريف وغيره والنهي عن الشفاعة في الحدود "16887" وأبو داود كتاب الحدود باب في حد يشفع فيه "4373". والترمذي في الحدود باب ما جاء في كراهية أن يشفع في الحدود "1430" وابن ماجه في صحيحه "4402".

 

ج / 5 ص -6-            ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلى كافة الناس فكان حكمها الأصلي الانزجار عما يتضرر به العباد وصيانة دار الإسلام عن الفساد ففي حد الزنا صيانة الأنساب وفي حد السرقة صيانة الأموال وفي حد الشرب صيانة العقول وفي حد القذف صيانة الأعراض فالحدود أربعة وما في البدائع من أنها خمسة وجعل الخامس حد السكر فلا حاجة إليه; لأن حد السكر هو حد الشرب كمية وكيفية وإن اختلف السبب.
واختلف العلماء رحمهم الله في أن الطهرة من الذنب من أحكامه من غير توبة فذهب كثير من العلماء إلى ذلك وذهب أصحابنا إلى أنها ليست من أحكامه, فإذا أقيم عليه الحد ولم يتب لم يسقط عنه إثم تلك المعصية عندنا عملا بآية قطاع الطريق فإنه قال تعالى
{ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [المائدة: 33, 34] فإن اسم الإشارة يعود إلى التقتيل أو التصليب أو النفي فقد جمع الله تعالى بين عذاب الدنيا والآخرة عليهم وأسقط عذاب الآخرة بالتوبة, فإن الاستثناء عائد إليه للإجماع على أن التوبة لا تسقط الحد في الدنيا, وأما ما رواه البخاري وغيره مرفوعا أن "من أصاب من هذه المعاصي شيئا فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب منها شيئا فستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه"1 فيجب حمله على ما إذا تاب في العقوبة; لأنه هو الظاهر; لأن الظاهر أن ضربه أو رجمه يكون معه توبة منه لذوقه سبب فعله فتقيد به جمعا بين الأدلة وتقيد الظني مع معارضة القطعي له متعين بخلاف العكس كذا في فتح القدير وقد يقال: إذا كان الاستثناء في الآية عائدا إلى عذاب الآخرة لم يبق لقوله: تعالى {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] فائدة; لأن التوبة ترفع الذنب قبل الأخذ والقدرة عليهم وبعدها فالظاهر أنه راجع إلى عذاب الدنيا لما سيأتي أن حد قطاع الطريق يسقط بالتوبة قبل القدرة عليهم, وإنما يبقى حد العباد عليهم من القصاص إن قتلوا والقطع إن أخذوا المال فصح العفو عنهم بخلافها بعد القدرة, فإنها لا تسقط حق الله تعالى حتى لا يصح عفو أولياء المقتولين واستدل الزيلعي على عدم كونه مطهرا من الذنب بأنه يقام على الكافر ولا مطهر له اتفاقا وزاد بعضهم ويقام على كره ممن أقيم عليه الحد, والثاني ليس بشيء لجواز التكفير بما يصيب الإنسان من المكاره, وإن لم يصبر كما نص عليه الإمام الشافعي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري كتاب مناقب الأنصار باب وفود الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وبيعة العقبة "3892" وأخرجه مسلم كتاب الحدود باب الحدود كفارات لأهلها "1709" وابن ماجة كتاب الحدود باب الحد كفارة "2603" والترمذي كتاب الحدود باب ما جاء أن الحدود كفارة لأهاها "1439" وابن حبان في صحيحه "4405".

 

ج / 5 ص -7-            والزنا وطء في قبل خال عن الملك وشبهته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والحاصل أن الواجب على العاصي في نفس الأمر التوبة فيما بينه وبين الله تعالى, والإنابة ثم إذا اتصل بالإمام ثبوته وجب إقامة الحد على الإمام ولا يمتنع من إقامته بسبب التوبة.
وفي الظهيرية رجل أتى بفاحشة ثم تاب وأناب إلى الله تعالى, فإنه لا يعلم القاضي بفاحشته لإقامة الحد عليه; لأن الستر مندوب إليه ا هـ.
قوله: "والزنا وطء في قبل خال عن الملك وشبهته" بيان لمعناه الشرعي, واللغوي, فإنهما سواء فيه وخرج الوطء في الدبر وخرج وطء زوجته وأمته ومن له فيها شبهة ملك ودخل وطء الأب جارية ابنه, فإنه زنا شرعي بدليل أنه لا يحد قاذفه بالزنا, وإن لم يجب الحد عليه, والمراد وطء الرجل فخرج الصبي لكن يرد عليه المرأة, فإن فعلها ليس وطئا, وإنما هو تمكين منه. والجواب أن تسميتها زانية مجاز, والكلام في الحقيقة.
ولم يقصد المصنف تعريف الزنا الموجب للحد كما توهمه الزيلعي, فإنه لو كان كذلك لانتقض التعريف طردا1 وعكسا أما انتقاضه طردا, فإنه يوجد في المجنون, والمكره وفي وطء الصبية التي لا تشتهى, والميتة, والبهيمة وفي دار الحرب ولا يجب الحد في هذه المواضع وهو زنا شرعي, وأما انتقاضه عكسا فبزنا المرأة, فإن الحد انتفى ولم ينتف المحدود وهو الزنا الموجب للحد فالزنا الموجب للحد هو وطء مكلف طائع مشتهاة حالا أو ماضيا في القبل بلا شبهة ملك في دار الإسلام أو تمكينه من ذلك أو تمكينها ليصدق على ما لو كان مستلقيا فقعدت على ذكره فتركها حتى أدخلته, فإنهما يحدان في هذه الصورة وليس الموجود منه سوى التمكين. والوطء هو إدخال قدر الحشفة من الذكر في القبل أو الدبر وبهذا عرف أن تعريف الزيلعي الزنا الموجب للحد بأنه وطء مكلف في قبل المشتهاة عار عن ملكه وشبهته عن طوع ليس بتام, وإن قال إنه أتم كما لا يخفى وزاد في المحيط أن من شرائطه العلم بالتحريم حتى لو لم يعلم بالحرمة لم يجب الحد للشبهة وأصله ما روى سعيد بن المسيب أن رجلا زنى باليمن فكتب في ذلك عمر رضي الله عنه إن كان يعلم أن الله تعالى قد حرم الزنا فاجلدوه, وإن كان لا يعلم فعلموه, فإن عاد فاجلدوه2 ولأن الحكم في الشرعيات لا يثبت إلا بعد العلم, فإن كان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو ما يوجب الحكم لوجود العلة وهوى التلازم في الثبوت.
والعكس: عبارة تعليق نقيض الحكم المذكور بنقيض علته المذكورة ردا إلى أصل آخر كقولنا: ما يلزم بالنذر يلزم بالشروع كالحج. وعكسه: ما لم يلزم بالنذر لم يلزم بالشروع فيكون العكس على هذا ضد الطرد. اهـ. التعرفات "183 – 198".
2 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "13643".

 

ج / 5 ص -8-            ويثبت بشهادة أربعة بالزنا لا بالوطء, والجماع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشيوع, والاستفاضة في دار الإسلام أقيم مقام العلم ولكن لا أقل من إيراث شبهة لعدم التبليغ ا هـ.
وبه علم أن الكون في دار الإسلام لا يقوم مقام العلم في وجوب الحد كما هو قائم مقامه في الأحكام كلها وتعقبه في فتح القدير بأن الزنا حرام في جميع الأديان, والملل فالحربي إذا دخل دار الإسلام فأسلم فزنى وقال ظننت أنه حلال يحد ولا يلتفت إليه, وإن كان فعله أول يوم دخله فكيف يقال إذا ادعى مسلم أصلي أنه لا يعلم حرمة الزنا إنه لا يحد لانتفاء شرط الحد ولو أنه أراد أن المعنى إن شرط الحد في نفس الأمر علمه بالحرمة في نفس الأمر. فإذا لم يكن عالما لا حد عليه كان قليل الجدوى أو غير صحيح; لأن الشرع لما أوجب على الإمام أن يحد هذا الرجل الذي ثبت زناه عنده عرف ثبوت الوجوب في نفس الأمر; لأنه لا معنى لكونه واجبا في نفس الأمر; لأنه يكفيه فيما بينه وبين الله تعالى التوبة, والإنابة ثم إذا اتصل بالإمام ثبوته وجب على الإمام إقامة الحد ا هـ.
وهو مقصور في اللغة الفصحى لغة أهل الحجاز التي جاء بها القرآن ويمد في لغة نجد, والمراد بالملك هنا الأعم من ملك العين ومن ملك حقيقة الاستمتاع ودخل تحت شبهة الملك حق الملك وشبهة النكاح وشبهة الاشتباه وقد فصلها في البدائع فقال العاري عن حقيقة الملك وعن شبهته وعن حق الملك وعن حقيقة النكاح وشبهته وعن شبهة الاشتباه في موضع الاشتباه في الملك, والنكاح جميعا ا هـ.
وفي الظهيرية والذي يجن ويفيق إذا زنا في حال إفاقته أخذ بالحد, وإن قال زنيت في حال جنوني لا يحد كالبالغ إذا قال زنيت في حال الصبا.
قوله: "ويثبت بشهادة أربعة بالزنا لا بالوطء, والجماع" أي يثبت الزنا عند الحاكم ظاهرا بشهادة أربعة من الرجال يشهدون بلفظ الزنا لا بلفظ الوطء, والجماع لقوله تعالى
{فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] وقال تعالى {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] وقال عليه السلام للذي قذف امرأته "ائت بأربعة يشهدون على صدق مقالتك"1 ولأن في اشتراط الأربع تحقيق معنى الستر وهو مندوب إليه بقوله عليه السلام "من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة"2, والإشاعة ضده فعلى هذا فالشهادة بالزنا خلاف الأولى التي مرجعها إلى كراهة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في نصب الراية "3/306" وقال: قلت: غريب بهذا اللفظ, وللحديث شواهد أخرى.
2 أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة كتاب الذكر والدعاء والتوبة باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر "2699" أبو داود بلفظ:
"من استمر على مسلم ستر الله عليه" كتاب الأدب باب في المعونة............==

 

ج / 5 ص -9-            ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التنزيه; لأنها في رتبة الندب في جانب الفعل وكراهة التنزيه في جانب الترك ويجب أن يكون بالنسبة إلى من لم يعتد بالزنا ولم يتهتك به أما إذا وصل الحال إلى إشاعته, والتهتك به بل بعضهم ربما افتخر به فيجب كون الشهادة أولى من تركها; لأن مطلوب الشارع إخلاء الأرض عن المعاصي والفواحش, وذلك يتحقق بالتوبة من الغافلين وبالزجر لهم, فإذا أظهر حال الشره في الزنا مثلا, والشرب وعدم مبالاته فإخلاء الأرض حينئذ بالحدود وعلى هذا ذكره في غير مجلس القاضي وأداء الشهادة بمنزلة الغيبة فيه يحرم منه ما يحرم منها ويحل منه ما يحل منها وسيأتي في الشهادات أنه لا بد من الذكورة في الشهود لإدخال التاء في العدد في المنصوص.
وأطلقهم فشمل ما إذا كان الزوج أحدهم خلافا للشافعي هو يقول هو متهم ونحن نقول التهمة ما توجب جر نفع, والزوج مدخل على نفسه بهذه الشهادة لحوق العار وخلو الفراش خصوصا إذا كان له منها أولاد.
وقيده في الظهيرية بأن لا يكون الزوج قذفها فلو كان قد قذفها وشهد بالزنا ومعه ثلاثة حد الثلاثة للقذف وعلى الزوج اللعان; لأن شهادة الزوج لم تقبل لمكان التهمة; لأنه بشهادته يسعى في دفع اللعان عن نفسه ا هـ. فعلى هذا لو قال بعض الشهود إن فلانا قد زنى أو قال له زنيت ثم جاء وشهد عند القاضي لا تقبل شهادته لما ذكر في الزوج.
وفي المحيط ولو شهدوا على المرأة أحدهم زوجها بالزنا بابن زوجها مطاوعة لا تجوز شهادة الزوج دخل بها أو لم يدخل لوجود التهمة; لأنه ربما يريد إسقاط المهر قبل الدخول وإسقاط النفقة بعد الدخول ويحد الثلاثة ولا يحد الزوج ا هـ.
ولا بد من اتحاد المجلس لصحة الشهادة حتى لو شهدوا متفرقين لا تقبل شهادتهم لقول عمر رضي الله عنه لو جاءوا مثل ربيعة ومضر فرادى لجلدتهم1 وفي الظهيرية لو جاءوا متفرقين يحدون حد القذف ولو جاءوا فرادى وقعدوا مقعد الشهود وقام إلى القاضي واحد بعد واحد قبلت شهادتهم, وإن كان خارج المسجد حدوا جميعا ا هـ. وإنما اشترط لفظ الزنا; لأنه هو الدال على فعل الحرام لا لفظ الوطء, والجماع وظاهر كلام المصنف أنه لا يقوم لفظ مقام لفظ الزنا فلو شهدوا أنه وطئها وطئا محرما لا يثبت.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
== للمسلم "4946" والترمذي كتاب الحدود باب ما جاء في الستر على المسلم "1425" وابن ماجة في المقدمة باب فضل العلماء والحث على طلب العلم "225".
1 لم أعثر عليه.

 

ج / 5 ص -10-         فسألهم الإمام عن ماهيته وكيفيته ومكانه وزمانه, والمزنية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
به وأشار بقوله بالزنا إلى أنه لو شهد رجلان أنه زنى وآخران أنه أقر بالزنا, فإنه لا يحد قال في الظهيرية ولا تحد الشهود أيضا. وإن شهد ثلاثة بالزنا وشهد الرابع على الإقرار بالزنا فعلى الثلاثة الحد ا هـ.; لأن شهادة الواحد على الإقرار لا تعتبر فبقي كلام الثلاثة قذفا.
قوله "فسألهم الإمام عن ماهيته وكيفيته ومكانه وزمانه, والمزنية" أي سأل الحاكم الشهود عن ماهيته أي ذاته وهو إدخال الفرج في الفرج لاحتمال أنهم عنوا غير الفعل في الفرج كما قال عليه السلام
"العينان تزنيان وزناهما النظر"1 الحديث, ومن الناس من يظن كل وطء حرام زنا يوجب الحد وظاهر كلامهم أنه ليس المراد بالماهية الحقيقة الشرعية كما بيناه.
والكيفية هي الطواعية, والكراهية وعن المكان لاحتمال أنه زنى في دار الحرب فلا حد عليه وعن الزمان لجواز تقادم العهد ولجواز أنه زنى في زمن صباه وعن المزنية لجواز أن تكون جارية ابنه أو أمة مكاتبه فليستقص القاضي في ذلك احتيالا لدرء الحد.
وفي فتح القدير وقياسه في الشهادة على زنا امرأة أن يسألهم عن الزاني بها من هو, فإن فيه أيضا الاحتمال المذكور وزيادة وهو جواز كونه صبيا أو مجنونا بأن مكنت أحدهما, فإنه لا حد عليها عند الإمام ا هـ.
وأشار المصنف إلى أنه لو سألهم فلم يزيدوا على قولهم إنهما زنيا فلا حد على المشهود عليه قالوا ولا على الشهود; لأنهم شهدوا بالزنا ولم يثبت قذفهم; لأنهم لم يذكروا ما ينفي كون ما ذكروه زنا ليظهر قذفهم بخلاف ما لو وصفوه بغير صفته, فإنهم يحدون ولو بين ثلاثة ولم يزد واحد على الزنا لا يحد وما وقع في أصل المبسوط من أن الرابع لو قال أشهد أنه زان فسئل عن صفته ولم يصفه أنه يحد يحمل على أنه قاله للقاضي في مجلس غير المجلس الذي شهد فيه الثلاثة كذا في فتح القدير وإلى أنهم لو شهدوا بأنه زنى بامرأة لا يعرفونها لا يحد قال في المحيط لا يحد, وإن قال ليست بامرأتي, وإن أقر أنه زنى بامرأة لا يعرفها يحد; لأنه غير متهم في الإقرار على نفسه; لأنه عارف بحاله بخلاف الشاهد; لأنه متهم ا هـ. وفي الخانية شهدوا أنه زنى بامرأة لا يعرفونها ثم قالوا بفلانة لا يحد الرجل ولا الشهود ا هـ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري بلفظ: "إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة, فزنا العينين النظر.....الحديث" كتاب الاسنئذان باب زنا الجوارح "6343" ومسلم كتاب القدر باب قدر على ابن آدم حظه من الزنا وغيره "2657" وأبو داود كتاب النكاح باب فيما يؤمر به من غض البصر "2152" وذكر الزيلعي في نصب الراية "4/249" وأما الوارد في الكتاب فأخرجه أحمد بن حنبل في مسنده "2/343".

 

ج / 5 ص -11-         فإن بينوه وقالوا رأيناه وطئها كالميل في المكحلة وعدلوا سرا وجهرا حكم به وبإقرار أربعا في مجالسة الأربعة كلما أقر به
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "فإن بينوه وقالوا رأيناه وطئها كالميل في المكحلة وعدلوا سرا وجهرا حكم به" لظهور الحق ووجوب الحكم به على القاضي, والمكحلة بضم الميم, والحاء وقولهم وطئها كالميل في المكحلة راجع إلى بيان الكيفية وهو زيادة بيان احتيالا للدرء وإلا السؤال عن ماهيته كاف مع أن ظاهر كلامهم أن الحكم موقوف على بيانه ولم يكتف هنا بظاهر العدالة اتفاقا بأن يقال هو مسلم ليس بظاهر الفسق احتيالا للدرء بخلاف سائر الحقوق عن الإمام وسيأتي بيان التعديل سرا وعلانية إن شاء الله تعالى.
وحاصل التعديل سرا أن يبعث القاضي ورقة فيها أسماؤهم وأسماء محلتهم على وجه يتميز كل منهم لمن يعرفه فيكتب تحت اسمه هو عدل مقبول الشهادة.
وحاصل التعديل علانية أن يجمع القاضي بين المزكي, والشاهد فيقول هذا هو الذي زكيته وفي فتح القدير واعلم أن القاضي لو كان يعلم عدالة الشهود لا يجب عليه السؤال عن عدالتهم; لأن علمه يغنيه عن ذلك وهو أقوى من الحاصل له من تعديل المزكي ولولا ما ثبت من إهدار الشرع علمه بالزنا في إقامة الحد بالسمع الذي ذكرناه لكان يحده بعلمه لكن ثبت ذلك هناك ولم يثبت هنا قالوا ويحبسه هنا حتى يسأل عن الشهود كي لا يهرب ولا وجه لأخذ الكفيل منه; لأن أخذ الكفيل نوع احتياط فلا يكون مشروعا فيما ينبني على الدرء وليس حبسه للاحتياط بل للتهمة بطريق التعزير بخلاف الديون لا يحبس فيها قبل ظهور العدالة; لأن الحبس أقصى عقوبة فيها فلا يجوز أن يفعله قبل الثبوت بخلاف الحدود, فإنه فيها عقوبة أخرى أغلظ منه.
قوله "وبإقراره أربعا في مجالسه الأربعة كلما أقر رده" معطوف على بالبينة أي يثبت الزنا بإقراره وقدم الثبوت بالبينة عليه; لأنه المذكور في القرآن ولأن الثابت بها أقوى حتى لا يندفع الحد بالفرار ولا بالتقادم ولأنها حجة متعدية, والإقرار قاصر.
وللإقرار شرطان أحدهما أن يكون صريحا فلو أقر الأخرس بالزنا بكتابة أو إشارة لا يحد للشبهة لعدم الصراحة وكذا الشهادة على الأخرس لا تقبل لاحتمال أنه يدعي شبهة كما لو شهدوا على مجنون أنه زنى في حال إفاقته بخلاف الأعمى, فإنه يصح إقراره, والشهادة عليه وكذا الخصي, والعنين وعلى هذا فيزاد في تعريف الزنا الموجب للحد بعد قوله مكلف ناطق لما علمت أن الأخرس لا حد عليه لا بإقراره ولا ببينة. الثاني أن لا يظهر كذبه في إقراره فلو أقر

 

ج / 5 ص -12-         ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فظهر مجبوبا أو أقرت فظهرت رتقاء وذلك بأن تخبر النساء بأنها رتقاء قبل الحد وذلك; لأن إخبارهن بالرتق يوجب شبهة في شهادة الشهود وبالشبهة يندرئ الحد ولو أقر أنه زنى بخرساء أو هي أقرت بأخرس لا حد على واحد منهما كذا في فتح القدير ولا بد أن يكون إقراره في حالة الصحو لما في المحيط السكران إذا سرق أو زنى في حال سكره يحد ولو أقر بالزنا أو بالسرقة لا يحد; لأن الإنشاء لا يحتمل الكذب, والإقرار يحتمل الكذب فاعتبر هذا الاحتمال في حال سكره في الإقرار بالحد لا غير ا هـ. ولا بد من أن لا يكذبه الآخر, فإن أقر الرجل بالزنا بفلانة فكذبته درئ الحد عن الرجل سواء قالت إنه تزوجني أو لا أعرفه أصلا ويقضى بالمهر عليه إن ادعته المرأة. وإن أقرت المرأة بالزنا بفلان وكذبها الرجل فلا حد عليها أيضا عند الإمام خلافا لهما في المسألتين كذا في الظهيرية.
وفي المحيط أصله أن الحد متى لم يجب على المرأة أصلا أو تعذر استيفاؤه عليها لا يجب على الرجل بالإجماع ومتى لم يجب على الرجل أصلا لم يجب على المرأة بالإجماع, وإن انعقد فعله موجبا للحد لكن بطل الحد عنه لمعنى عارض لا يمنع الوجوب على المرأة عنده خلافا لهما ا هـ.
ولم يشترط المصنف بلوغ المقر وعقله كما في الهداية; لأنهما شرطا لكل تكليف وليس من شرطه الحرية فصح إقرار العبد بالزنا أو بغيره مما يوجب الحد, وإن كان مولاه غائبا وكذا القطع, والقصاص وفرق أبو حنيفة ومحمد بين حجة البينة وحجة الإقرار ولو قال العبد بعد ما أعتق زنيت وأنا عبد لزمه حد العبيد كذا في الظهيرية, وإنما شرطنا تكرار الإقرار أربعا لحديث ماعز أنه عليه السلام أخر إقامة الحد عليه إلى أن تم إقراره أربع مرات في أربع مجالس1 فلهذا قلنا لا بد من اختلاف المجالس; لأن لاتحاده أثرا في جمع المتفرقات فعنده يتحقق شبهة الاتحاد فيه, والعبرة لمجلس المقر; لأنه قائم به دون مجلس القاضي وفسر محمد المجالس المتفرقة أن يذهب المقر بحيث يتوارى عن بصر القاضي وينبغي للإمام أن يزجره عن الإقرار ويظهر له الكراهية من ذلك ويأمر بإبعاده عن مجلسه في كل مرة; لأنه عليه السلام فعل2 كذلك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري كتاب الطلاق باب الطلاق في الاغلاق والكره والسكران والمجنون "5271" ومسلم كتاب الحدود باب من اعترف على نفسه بالزنا "1691" والترمذي كتاب الحدود باب ما جاء في درء الحد عن المعترف إذا رجع "1428" والبيهقي كتاب الحدود باب المرجوم يغسل ويصلي عليه ثم يدفن "8/219" وابن حبان في صحيحه "4439".
2 أخرجه مسلم كتاب الحود باب حد الزنا "1695" والبيهقي في المعرفة كتاب الحدود باب جلد........==

 

ج / 5 ص -13-         وسأله كما مر, فإن بينه حد فإن رجع عن إقراره قبل الحد أو في وسطه خلى سبيله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي الظهيرية ولو أقر كل يوم مرة أو كل شهر مرة, فإنه يحد ا هـ.
وأشار المصنف باقتصاره على البينة, والإقرار إلى أن الزنا لا يثبت بعلم القاضي وكذلك سائر الحدود الخالصة كذا في الذخيرة وإلى أن الإقرار, والشهادة لا يجتمعان فلذا قال في الظهيرية, والذخيرة أربعة فسقة شهدوا على رجل بالزنا وأقر هو مرة واحدة لا يحد ولو كان الشهود عدولا ذكر شمس الأئمة السرخسي أنه يحد وذكر غيره من المشايخ أن على قول محمد يحد وعلى قول أبي يوسف لا يحد ا هـ.
قوله "وسأله كما مر, فإن بينه حد" أي سأل الحاكم المقر عن الأشياء الخمسة المتقدمة للاحتمالات المذكورة, فإن بين المسئول عنه وجب الحد وظاهر كلامه أنه يسأله عن الزمان, والمزني بها وهذا هو الأصح لاحتمال أنه زنى في صباه أو زنى بجارية ابنه وهو لا يعلمها وليس فائدة السؤال عن الزمان منحصرة في احتمال التقادم وهو مضر في الشهادة دون الإقرار; لأن له فائدة أخرى وهو احتمال وجوده في زمان الصبا ولو سئل عن المزني بها فقال لا أعرفها قدمنا أنه يحد وكذا إذا أقر بالزنا بفلانة وهي غائبة, فإنه يحد استحسانا بخلاف ما إذا كذبته لما قدمناه وأشار بسؤال الإمام إلى أنه لا يعتبر إقراره عند غير الحاكم; لأنه لا ولاية له في إقامة الحدود ولو كان أربع مرات حتى لا تقبل الشهادة بذلك عليه; لأنه إن كان منكرا فقد رجع, وإن كان مقرا لا تعتبر الشهادة مع الإقرار كذا في التبيين وبهذا علم أن البينة على الإقرار لا تقبل أصلا.
قوله: "فإن رجع عن إقراره قبل الحد أو في وسطه خلي سبيله"; لأن الرجوع خبر محتمل للصدق كالإقرار وليس أحد يكذبه فيه فتحقق الشبهة بالإقرار بخلاف ما فيه حق العبد وهو القصاص وحد القذف لوجود من يكذبه ولا كذلك ما هو خالص حق الشرع أطلق في الرجوع فشمل الرجوع بالقول أو بالفعل كما إذا هرب كما في الحاوي.
وقيد بالإقرار; لأنه لو ثبت الزنا بالبينة فهرب في حال الرجم اتبع بالحجارة حتى يقضى عليه كذا في الحاوي, وإنكار الإقرار رجوع كإنكار الردة توبة قال في الخانية رجل أقر عند القاضي بالزنا أربع مرات فأمر القاضي برجمه فقال والله ما أقررت بشيء يدرأ عند الحد ا هـ. وكذا يصح الرجوع عن الإقرار بالإحصان; لأنه لما صار شرطا للحد صار حق الله تعالى فصح الرجوع عنه لعدم المكذب كذا في الكشف الكبير من بحث العلامة, وقد ظهر بما ذكرنا أنه يصح الرجوع عن الإقرار بالحدود الخالصة كحد الشرب, والسرقة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
== البكر ونفيه "2/303" برقم "16798", وأبو داود كتاب الحدود باب رجم ماعز بن مالك "4423".

 

ج / 5 ص -14-         وندب تلقينه بلعلك قبلت أو لمست أو وطئت بشبهةو فإن كان محصنا رجمه في فضاء حتى يموت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله "وندب تلقينه بلعلك قبلت أو لمست أو وطئت بشبهة" لحديث ماعز في البخاري
"لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت"1 وقال في الأصل ينبغي أن يقول له لعلك تزوجتها أو وطئتها بشبهة, والمقصود أن يلقنه بما يكون ذكره دارئا ليذكره كائنا ما كان كما قال عليه السلام للسارق الذي جيء به إليه "أسرقت وما أخاله سرق"2 أي وما أظنه سرق تلقينا له ليرجع وبهذا علم أن الزاني لو ادعى أنها زوجته سقط الحد عنه, وإن كانت زوجة للغير ولا يكلف إقامة البينة للشبهة كما لو ادعى السارق أن العين مملوكة له سقط القطع بمجرد دعواه.
وفي المحيط لو تزوج المزني بها أو اشتراها لا يسقط الحد في ظاهر الرواية; لأنه لا شبهة له وقت الفعل.
قوله "فإن كان محصنا رجمه في فضاء حتى يموت"; لأنه عليه السلام رجم ماعزا وقد كان أحصن, وقال في الحديث المعروف
"وزنا بعد إحصان"3 وعلى هذا إجماع الصحابة, وإنكار الخوارج الرجم باطل; لأنهم إن أنكروا حجية إجماع الصحابة فجهل مركب بالدليل بل هو إجماع قطعي, وإن أنكروا وقوعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنكارهم حجية خبر الواحد فهو بعد بطلانه بالدليل ليس مما نحن فيه; لأن ثبوت الرجم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متواتر المعنى كشجاعة علي وجود حاتم, والآحاد في تفاصيل صوره وخصوصياته كذا في فتح القدير, وإنما يرجم في الفضاء لحديث البخاري "أن ماعزا رجم بالمصلى"4 وفي مسلم "فانطلقنا به إلى بقيع الغرقد" فإن المصلى كان به وهو مصلى الجنائز5. وفي المحيط المقضي برجمه إذا قتله إنسان أو فقأ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو جزء من حديث ماعز وتقدم في الصفحة السابقة.
2 أخرجه الدارمي في الحدود "3/103" من حديث ثوبان رضي الله عنه.
3 أخرجه الترمذي من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه بلفظ "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: زنا بعد إحصان أو إرتداد بعد إسلام, أو قتل نفس بغير حق فقتل به....." وقال في الباب عن ابن مسعود وعائشة وابن عباس وهذا حديث حسن, كتاب الفتن باب "1" برقم "2158" وأخرجه أبو داود في الديات باب الإمام يأمر بالعفو في الدم "4502" وابن ماجة في الحدود باب "1" برقم "2533" وذكره الزيلعي في نصب الراية "3/317".
4 أخرج هذه لرواية البخاري في الطلاق باب الطلاق في الاغلاق والكره والسكران والمجنون برقم "5272" وهي رواية الحديث ماعز وتقدم في الصفحة السابقة.
5 اخرج هذه الرواية مسلم من حديث أبي سعيد في الحدود باب حد الزنا برقم "1694" وهي رواية لحديث ماعز وتقدم في الصفحة السابقة.

 

ج / 5 ص -15-         يبدأ تلشهود به فإن أبو اسقط, ثم الناس, ويبدأ الإمام به لو مقرا, ثم الناس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عينه لا شيء عليه ولو قتله قبل القضاء يجب القصاص إن كان عمدا, والدية إن كان خطأ.
قوله "يبدأ الشهود به" أي بالرجم يعني على وجه الشرط ولو بحصاة صغيرة هكذا روي عن علي رضي الله عنه1 ولأن الشاهد قد يتجاسر على الأداء ثم يستعظم المباشرة فيرجع فكان في بدايته احتيال للدرء وقال الشافعي لا يشترط بدايتهم اعتبارا بالجلد قلنا كل أحد لا يحسن الجلد فربما يقع مهلكا, والإهلاك غير مستحق ولا كذلك الرجم; لأنه إتلاف.
قوله: "فإن أبوا سقط" أي إن امتنع الشهود من الابتداء سقط الحد; لأنه دلالة الرجوع وكذا إذا ماتوا أو غابوا في ظاهر الرواية لفوات الشرط ولا يجب الحد عليهم لو امتنعوا; لأنه دلالة الرجوع لا صريحه وامتناع البعض أو غيبته كالكل, وكذا إذا خرج بعض الشهود عن الأهلية بارتداد أو عمى أو خرس أو فسق سواء كان قبل القضاء أو بعده; لأن الإمضاء من القضاء في الحدود, وأما قطع اليدين, فإن كان بعد الشهادة امتنعت الإقامة, وإن كان القطع قبلها رمى القاضي بحضرتهم; لأنهم إذا كانوا مقطوعي الأيدي لم تستحق البداءة بهم, وإن قطعوا بعدها فقد استحقت وهذا يفيد أن كون الابتداء بهم شرطا إنما هو عند قدرتهم على الرجم وفي الظهيرية, وإن كان الشهود مرضى لا يستطيعون الرمي وقد حضروا رمى القاضي ثم رمى الناس وقال أبو يوسف يقام عليه الرجم, وإن لم يحضر الشهود, وإن حضروا ولم يرجموا رجم الإمام ثم الناس. وقيد المصنف بالرجم; لأن ما سوى الرجم من الحدود لا يجب الابتداء لا من الشهود ولا من الإمام وكذا في الظهيرية.
قوله "ثم الإمام ثم الناس" هكذا روي عن علي رضي الله عنه وأرضاه2 ويقصدون بذلك مقتله إلا من كان منهم ذا رحم محرم منه, فإنه لا يقصد مقتله, فإن بغيره كفاية كذا في التبيين وغيره وظاهره أنه يرجمه ولا يقصد مقتله مع أن ظاهر ما في المحيط أنه لا يرجمه أصلا, فإنه قال ويكره لذي الرحم المحرم أن يلي إقامة الحد, والرجم ا هـ. ولم يذكر المصنف أن الإمام إذا امتنع من الرجم بعد الشهود أنه يسقط الحد وقياسه السقوط قال في فتح القدير: واعلم أن مقتضى ما ذكر أنه لو بدأ الشهود فيما إذا ثبت بالشهادة يجب أن يثني الإمام فلو لم يثن الإمام يسقط الحد لاتحاد المأخذ فيهما ا هـ.
وفي الظهيرية: والقاضي إذا أمر الناس برجم الزاني وسعهم أن يرجموه, وإن لم يعاينوا


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البيهقي في الحدود, باب من اعتبر حضور الشهود والإمام وبداية الإمام بالرجم "8/220" وذكره الزيلعي في نصب الراية "3/319".
2 تقدم تخريجه في الصفحة السابقة.

 

ج / 5 ص -16-         ولو غير محصن جلده مائة ونصف للعبد بسوط لا تمرة له متوسطا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أداء الشهادة وروى ابن سماعة عن محمد أنه قال هذا إذا كان القاضي فقيها عدلا أما إذا كان فقيها غير عدل أو كان عدلا غير فقيه فلا يسعهم أن يرجموه حتى يعاينوا أداء الشهادة ا هـ.
قوله "ويبدأ الإمام لو مقرا ثم الناس" كذا روي عن علي رضي الله عنه ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الغامدية بحصاة مثل الحمصة1 وكانت قد اعترفت بالزنا ولم يذكر المصنف أن الإمام لو لم يبدأ هل يحل للناس الرمي قال في فتح القدير واعلم أن مقتضى هذا أنه لو امتنع الإمام لا يحل للقوم رجمه ولو أمرهم لعلمهم بفوات شرط الرجم وهو منتف برجم ماعز, فإن القطع بأنه عليه السلام لم يحضره بل رجمه الناس بأمره عليه السلام ويمكن الجواب بأن حقيقة ما دل عليه قول علي رضي الله عنه أنه يجب على الإمام أن يأمرهم بالابتداء اختيارا لثبوت دلالة الرجوع وعدمه وأن يبتدئ هو في الإقرار لينكشف للناس أنه لم يقصر في أمر القضاء بأن لم يتساهل في بعض شروط القضاء بالحد, فإذا امتنع حينئذ ظهرت أمارة الرجوع.
وفي الحاوي وينبغي للناس أن يصفوا عند الرجم كصفوف الصلاة وكلما رجم قوم تأخروا وتقدم غيرهم فرجموا ا هـ.
قوله "ولو غير محصن جلده مائة" لقوله تعالى
{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] إلا أنه انتسخ في حق المحصن فبقي في حق غيره معمولا به ويكفينا في تعيين الناسخ القطع برجم النبي صلى الله عليه وسلم فيكون من نسخ الكتاب بالسنة القطعية.
قوله "ونصف للعبد" أي نصف جلد المائة للعبد الزاني فيجلد خمسين سوطا لقوله تعالى
{فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25], والمراد به الجلد; لأن الرجم لا يتنصف, وإذا ثبت التنصيف في الإماء لوجود الرق ثبت في العبيد دلالة وما في التبيين من أن العبيد دخلوا في اللفظ وأنث للتغليب مخالف لما في الأصول من أن الذكور لا تتبع الإناث حتى لو قال أمنوني على بناتي لا تدخل الذكور بخلاف أمنوني على بني عم الذكور, والإناث.
قوله "بسوط لا تمرة له متوسطا" أي لا عقدة له; لأن عليا رضي الله عنه لما أراد أن يقيم


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه مسلم كتاب الحدود باب من اعترف على نفسه بالزنى "1696" والترمذي كتاب الحدود باب تربص الرجم بالحبلى حتى تضع "1435" والنسائي كتاب الجنائز باب الصلاة على المرجوم "4/63-64" وأبو داود كتاب الحدود باب رجم ماعز "4444" ورواية "رماها بحصاة مثل الحمصة" تفرد بها أبو داود.

 

ج / 5 ص -17-         ونزع ثيابه وفرق على بدنه إلا رأسه وفرجه ويضرب الرجل قائما في الحدود وغير ممدود
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحد كسر تمرته1, والمتوسط بين المبرح وهو الجارح وغير المؤلم لإفضاء الأول إلى الهلاك وخلو الثاني عن المقصود وهو الانزجار كذا في الهداية وحاصله أنه المؤلم غير الجارح.
قوله "ونزع ثيابه وفرق على بدنه إلا رأسه ووجهه وفرجه" أي ونزع عنه ثيابه إلا ما يستر عورته; لأن عليا رضي الله عنه كان يأمر بالتجريد في الحدود2; لأن التجريد أبلغ في إيصال الألم إليه وهذا الحد مبناه على الشدة في الضرب وفي نزع الإزار كشف العورة فيتوقاه, وإنما يفرق الضرب على أعضائه; لأن الجمع في عضو واحد قد يفضي إلى التلف, والحد زاجر لا متلف, وإنما يتقي الأعضاء الثلاثة لقوله عليه السلام للذي أمره بضرب الحد
"اتق الوجه, والمذاكير"3 ولأن الفرج مقتل, والرأس مجمع الحواس, وكذا الوجه وهو مجمع المحاسن أيضا فلا يؤمن من فوات شيء منها بالضرب, وذلك إهلاك معنى فلا يشرع حدا وقال أبو يوسف يضرب الرأس أيضا رجع إليه بعد أن كان أولا يقول لا يضرب كما هو المذهب, وإنما يضرب سوطا لقول أبي بكر رضي الله عنه اضربوا الرأس, فإن فيه شيطانا4 قلنا: تأويله أنه قال ذلك فيمن أبيح قتله ونقل أنه ورد في حربي كان من دعاة الكفرة, والإهلاك فيه مستحق.
قوله "ويضرب الرجل قائما في الحدود وغير ممدود" لقول علي رضي الله عنه تضرب الرجال في الحدود قياما, والنساء قعودا5 ولأن مبنى إقامة الحد على التشهير, والقيام أبلغ فيه ثم قوله غير ممدود فقد قيل المد أن يلقى على الأرض ويمد كما يفعل في زماننا وقيل أن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في نصب الراية "3/323" وقال: غريب وأخرج ابن أبي شيبة من حديث أنس موقوفا بلفظ "كان يؤمر بالسوط فتقطع ثمرته ثم يدق بين حجرين حتى يلين ثم يضرب به فقلت لأنس: في زمان من كان هذا؟ قال: في زمان عمر بن الخطاب" انظر مصنف ابن أبي شيبةو كتاب الحدود باب في السوط من يأمر به أن يدق "6/539".
2 ذكره الزيلعي في نصب الراية "3/323" وقال: غريب, وروي عنه خلافه كما في مصنف عبد الرزاق "13523".
3 ذكره الزيلعي في نصب الراية "3/324" وقال: غريب مرفوعا. وأخرحه البيهقي موقوفا على علي كتاب الأشربة والحد فيها, باب ما جاء في صفة السوط والضرب "326" وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه "13517".
4 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه, كتاب الحدود باب في الرأس يضرب في العقوبة "6/591" ذكره الزيلعي في نصب الراية "3/324".
5 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "13532" والبيهقي كتاب الأشربة والحد فيها, باب ما جاء في صفة السوط والضرب "8/327" وذكره الزيلعي في نصب الراية "3/325".

 

ج / 5 ص -18-         ولا ينزع ثيابها إلا الفرو, والحشو, وتضرب جالسة, ويحفر لها في الرجم لا له, ولا يجد عبده إلا بإذن إمامه وإحصان الرجم الحرية واالتكليفو الإسلام والوطء بنكاح صحيح وهما بصفة الإحصان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يمد السوط فيرفعه الضارب فوق رأسه وقيل أن يمد بعد الضرب وذلك كله لا يفعل; لأنه زيادة على المستحق.
قوله "ولا ينزع ثيابها إلا الفرو, والحشو"; لأن في تجريدها كشف العورة, والفرو, والحشو يمنعان وصول الألم إلى الجسد, والستر حاصل بدونهما فلا حاجة إليهما فينزعان ليصل الألم إلى البدن.
قوله "وتضرب جالسة" لأثر علي رضي الله عنه ولأنها عورة فلو ضربت قائمة لا يؤمن كشف عورتها.
قوله "ويحفر لها في الرجم لا له"; لأن ماعزا لم يحفر له وحفر للغامدية وهو بيان للجواز وإلا فلا بأس بترك الحفر لها; لأنه عليه السلام لم يأمر بذلك, والإمساك غير مشروع في المرجوم.
قوله: "ولا يحد عبده إلا بإذن إمامه" لقوله عليه السلام "أربع إلى الولاة"1 وذكر منها الحدود ولأن الحد حق الله تعالى; لأن المقصود منه إخلاء العالم عن الفساد ولهذا لا يسقط بإسقاط العبد فيستوفيه من هو نائب عن الشرع وهو الإمام أو نائبه بخلاف التعزير; لأنه حق العبد ولهذا يعزر الصبي وحق الشرع موضوع عنه قيد بالحد; لأن المولى يعزر عبده بلا إذن الإمام; لأنه حق العبد وهو المالك, والمقصود منه التأديب ولهذا يعزر الصبي, والدابة وتقبل فيه الشهادة على الشهادة وشهادة النساء مع الرجال ويصح فيه العفو.
قوله "وإحصان الرجم الحرية, والتكليف, والإسلام, والوطء بنكاح صحيح وهما بصفة الإحصان" فالعبد ليس محصنا; لأنه غير متمكن بنفسه من النكاح الصحيح المغني عن الزنا ولا الصبي, والمجنون لعدم أهلية العقوبة, والتكليف شرط لكون الفعل زنا, وإنما جعله شرط الإحصان لأجل قوله وهما بصفة الإحصان وإلا ففعل الصبي, والمجنون ليس بزنا أصلا ولا الكافر للحديث "من أشرك بالله فليس بمحصن"2 ورجمه عليه السلام اليهوديين3 إنما كان


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في نصب الراية "3/326" وقال: غريب.
2 أخرجه الدار قطني في سننه "3/147" والبيهقي في سننه كتاب الحدود باب من قال: من أشرك بالله فليس بمحصن "8/216" وذكره الزيلعي في نصب الراية "3/327".
3 أخرجه البخاري كتاب الحدود باب في أحكام أهل الذمة و إحصانهم إذا زنوا ورفعوا إلى الإمام "6841"............==

 

ج / 5 ص -19-         ولا يجمع بين جلد, ورجم ولا بين جلد ونفي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بحكم التوراة قبل نزول آية الرجم ثم نسخ ولا من لم يتزوج لعدم تمكنه من الوطء الحلال ولا من تزوج ولم يدخل بها للحديث
"الثيب بالثيب"1, والثيابة لا تكون بغير دخول ولأنه لم يستغن عن الزنا والدخول إيلاج الحشفة أو قدرها ولا يشترط الإنزال كما في الغسل; لأنه شبع ولا من دخل بغير المحصنة كمن دخل بذمية أو أمة أو صغيرة أو مجنونة لوجود النفرة عن نكاح هؤلاء لعدم تكامل النعمة ولا من دخل بامرأة محصنة ولم يكن محصنا وقته وصار محصنا وقت الزنا لما ذكرنا من عدم تكامل النعمة ولو زال الإحصان بعد ثبوته بالجنون أو العته يعود محصنا إذا أفاق وعند أبي يوسف لا يعود حتى يدخل بامرأته بعد الإفاقة.
وفي فتاوى قارئ الهداية المسماة بالسراجية إذا سرق الذمي أو زنى ثم أسلم إن ثبت ذلك عليه بإقراره أو بشهادة المسلمين لا يدرأ عنه الحد, وإن ثبت بشهادة أهل الذمة فأسلم لا يقام عليه الحد وسقط عنه وفي الحاوي القدسي, وإن شهد عليه أربعة بالزنا فأنكر الإحصان وله امرأة قد ولدت منه, فإنه يرجم, وإن لم تكن ولدت منه وشهد بالإحصان رجلان أو رجل وامرأتان رجم ا هـ.
قوله "ولا يجمع بين جلد ورجم ولا بين جلد ونفي"; لأنه عليه الصلاة والسلام لم يجمع بين الجلد, والرجم; لأن الجلد يعرى عن المقصود مع الرجم; لأن زجر غيره يحصل بالرجم إذ هو في العقوبة أقصاها, وزجره لا يكون بعد هلاكه, وأما عدم الجمع بين الجلد, والنفي وهو التغريب فلأن الله تعالى جعل الجلد كل الموجب في قوله تعالى
{فَاجْلِدُوا} رجوعا إلى حرف الفاء وإلى كونه كل المذكور ولأن في التغريب فتح باب الزنا لانعدام الاستحياء من العشيرة ثم فيه فتح مواد البغاء فربما تتخذ زناها مكسبة وهو من أقبح وجوه الزنا وهذه الجهة مرجحة لقول علي رضي الله عنه كفى بالنفي فتنة2, والحديث وهو قوله عليه السلام "البكر بالبكر جلد مائة3 وتغريب عام" منسوخ كشطره وهو قوله "الثيب بالثيب جلد مائة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
== ومسلم كتاب الحدود باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنى "1699" وأبو داود كتاب الحدود باب في رجم اليهوديين "4446" والترمذي كتاب الحدود باب ما جاء في رجم أهل الكتاب "4416" وابن حبان في صحيحه "4434".
1 أخرجه مسلم كتاب الحدود باب حد الزنى "1690" والترمذي من حديث عبادة كتاب الحدود باب ما جاء في الرجم على الثيب "1434" وأبو داود كتاب الحدود باب في الرجم "4436" والبيهقي كتاب الحدود باب ما جاء في نفي البكر "8/222" وأحمد في مسنده "5/313".
2 ذكره الزيلعي في نصب الراية "3/331" وعبد الرزاق في مصنفه "13327".
3 هو جزء من الحديث المتقدم عند الرقم "1".

 

ج / 5 ص -20-         ولو غرب بما يرى صح والمريض يرجم ولا يجلد حتى يبرأ والحامل لا تجلد حتى تلد وتخرج من نفاسها لو كان حدها الجلد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ورجم بالحجارة"وقد عرف طريقه في موضعه قالوا إلا إذا رأى الإمام مصلحة فيغربه على قدر ما يرى وذلك تعزير وسياسة; لأنه قد يفيد في بعض الأحوال فيكون الرأي فيه إلى الإمام وعليه يحمل النفي المروي عن بعض الصحابة رضي الله عنهم كذا في الهداية وهو المراد بقوله في المختصر.
"ولو غرب بما يرى صح" أي جاز وفسر التغريب في النهاية بالحبس وهو أحسن وأسكن للفتنة من نفيه إلى إقليم آخر; لأنه بالنفي يعود مفسدا كما كان ولهذا كان الحبس حدا في ابتداء الإسلام دون النفي وحمل النفي المذكور في قطاع الطريق عليه.
وفي الظهيرية, والزاني إذا ضرب الحد لا يحبس, والسارق إذا قطع يحبس حتى يتوب ا هـ. وظاهر كلامهم هاهنا أن السياسة هي فعل شيء من الحاكم لمصلحة يراها, وإن لم يرد بذلك الفعل دليل جزئي.
قوله: "والمريض يرجم ولا يجلد حتى يبرأ"; لأن الإتلاف مستحق في الرجم فلا يمنع بسبب المرض وفي الجلد غير مستحق وهو في حالة المرض يفضي إلى الهلاك ولهذا لا يقام القطع عند شدة الحر, والبرد واستثنى في الظهيرية أن يكون مريضا وقع اليأس عن برئه فحينئذ يقام عليه ا هـ.
قيد بالمريض; لأنه لو كان ضعيف الخلقة بحيث لا يرجى برؤه فخيف عليه الهلاك إذا ضرب يجلد جلدا خفيفا مقدار ما يحتمله لما روي أن رجلا ضعيفا زنى فذكر ذلك سعد* بن عبادة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ذلك الرجل مسلما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"اضربوه حده" فقالوا يا رسول الله: إنه ضعيف بحيث لو ضربناه مائة قتلناه فقال عليه الصلاة والسلام "خذوا عثكالا فيه مائة شمراخ ثم اضربوه ضربة واحدة" قال ففعلوه1 رواه أحمد وابن ماجه, والعثكال, والعثكول عنقود النخل, والشمراخ شعبة منه وهو بالعين المهملة, والثاء المثلثة كذا في المغرب.
قوله: "والحامل لا تحد حتى تلد وتخرج من نفاسها لو كان حدها الجلد"; لأن النفاس نوع مرض فيؤخر إلى زمان البرء وقيد بحد الجلد; لأنه لو كان حدها الرجم رجمت إذا ولدت من غير تأخير; لأن التأخير لأجل الولد وقد انفصل وعن أبي حنيفة أن الرجم يؤخر إلى أن يستغني

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أبو داود كتاب الحدود باب إقامة الحد على المريض "4472".
* في الأصل سعيد.

 

ج / 5 ص -21-         ......................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولدها عنها إذا لم يكن أحد يقوم بتربيته; لأن في التأخير صيانة الولد عن الضياع وقد روي أنه عليه السلام قال للغامدية بعد ما وضعت
"ارجعي حتى يستغني ولدك"1 وظاهر المختار أن هذه الرواية هي المذهب, فإنه اقتصر عليها ولم يذكر المصنف أنها تحبس إذا كانت حاملا قال في الهداية ثم الحبلى تحبس إلى أن تلد إن كان الحد ثابتا بالبينة كي لا تهرب بخلاف الإقرار والله أعلم.

1- باب الوطء الذي يوجب الحد والذي لا يوجبه.
لا حد بالشبهة المحمل وإن ظن حرمته كوطء أمة ولده وولد ولده ومعتمد الكنايات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- باب الوطء الذي يوجب الحد والذي لا يوجبه
قد قدم حقيقة الزنا وهو الذي لا يوجب الحد وهذا الباب لتفاصيله ثم بدأ ببيان الشبهة وهي ما يشبه الثابت وليس بثابت وبين أنها ثلاثة أنواع شبهة في المحل وشبهة في الفعل وشبهة في العقد قال الإمام الإسبيجابي الأصل أنه متى ادعى شبهة وأقام البينة عليها سقط الحد فبمجرد الدعوى يسقط أيضا إلا الإكراه خاصة لا يسقط الحد حتى يقيم البينة على الإكراه ا هـ.
قوله: "لا حد بشبهة المحل, وإن ظن حرمته كوطء أمة ولده وولد ولده ومعتدة الكنايات"; لأن الشبهة إذا كانت في الموطوءة يثبت الملك فيها من وجه فلم يبق معه اسم الزنا فامتنع الحد على التقادير كلها وهي تتحقق بقيام الدليل النافي للحرمة في ذاته ولا يتوقف على ظن الجاني واعتقاده وبيانه أن قوله عليه السلام
"أنت ومالك لأبيك"2 أورث شبهة في جارية الولد للأب; لأن اللام فيه للملك, والمعتدة بالكنايات في بينونتها اختلاف الصحابة رضي الله عنهم فمذهب عمر رضي الله عنه أنها رجعية فورث شبهة. وإن كان المختار قول علي رضي الله عنه.
قال الشارحون ومن هذا النوع مسائل منها الجارية المبيعة في حق البائع قبل التسليم; لأنها في ضمانه ويده وتعود إلى ملكه بالهلاك قبل التسليم وكذا في الفاسدة قبل القبض وبعده أما قبله فلبقاء الملك, وأما بعده فلأن له الفسخ فله حق الملك فيها وكذا إذا كان بشرط الخيار

 

ج / 5 ص -22-         ...................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سواء كان الخيار للبائع أو للمشتري, فإن كان للبائع فلبقاء ملكه, وإن كان للمشتري فلأن المبيع لم يخرج عن ملك بائعه بالكلية ومنها جارية مكاتبه أو عبده المأذون له وعليه دين يحيط بماله ورقبته; لأن له حقا في كسب عبده فكان شبهة في حقه, ومنها الجارية الممهورة قبل التسليم في حق الزوج لما ذكرنا من المعنى في المبيعة ومنها الجارية المشتركة بينه وبين غيره; لأن ملكه في البعض ثابت حقيقة فالشبهة فيها أظهر ويدخل فيه وطء الرجل من الغانمين قبل القسمة جارية من الغنيمة سواء كان بعد الإحراز بدار الإسلام أو قبله لثبوت الحق له بالاستيلاء كذا في البدائع.
ومنها المرهونة في حق المرتهن في رواية كتاب الرهن; لأن استيفاء الدين يقع بها عند الهلاك وقد انعقد له سبب الملك في الحال فصارت كالمشتراة بشرط الخيار للبائع ففي هذه المواضع لا يجب الحد, وإن قال علمت أنها علي حرام لما ذكرنا قال في فتح القدير وينبغي أن يزاد جاريته التي هي أخته في الرضاع وجاريته قبل الاستبراء, والاستقراء يفيدك غير ذلك أيضا كالزوجة التي حرمت بردتها أو مطاوعتها لابنه أو جماعه لأمها ثم جامعها وهو يعلم أنها عليه حرام فلا حد عليه ولا على قاذفه; لأن بعض الأئمة لم يجزم به فاستحسن أن يدرأ بذلك الحد فالاقتصار على الستة لا فائدة فيه ا هـ.
وفي الظهيرية رجل غصب جارية وزنى بها ثم ضمن قيمتها فلا حد عليه وعلى قياس قول أبي حنيفة ومحمد لا يسقط الحد وعلى قياس ما روي عن أبي يوسف ينبغي أن يسقط كما يذكر في المسألة التي تليه ا هـ. رجل زنى بأمة ثم اشتراها ذكر في ظاهر الرواية أنه يحد وروي عن أبي يوسف أنه يسقط الحد وذكر أصحاب الإملاء عن أبي يوسف أن من زنى بامرأة ثم تزوجها أو بأمة ثم اشتراها لا حد عليه عند أبي يوسف وعليه الحد في قول أبي يوسف وذكر ابن سماعة في نوادره على عكس هذا وقال وعلى قول أبي حنيفة ومحمد عليه الحد في الوجهين وعن أبي يوسف لا حد عليه في الوجهين وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه إذا زنى بأمة ثم اشتراها فلا حد عليه, وإن زنى بامرأة ثم تزوجها فعليه الحد, والفرق بين النكاح, والشراء أنه بالشراء يملك عينها وملك العين في محل الحل سبب لملك الحل فيجعل الطارئ قبل الاستيفاء كالمقترن بالسبب كما في باب السرقة, فإن السارق إذا ملك المسروق قبل القطع يمتنع القطع, فأما بالنكاح فلا يملك عين المرأة, وإنما ثبت له ملك الاستيفاء ولهذا لو وطئت المنكوحة بشبهة كان العقر لها فلا يورث ذلك شبهة فيما تقدم استيفاؤه منها فلا يسقط الحد عنه, وإذا زنى بأمة ثم قال اشتريتها وصاحبها فيها بالخيار وقال مولاها كذب لم أبعها لا حد عليه. وإذا جنت الأمة فزنى بها ولي الجناية, فإن قتلت رجلا عمدا فوطئها ولي القتيل ولم يدع شبهة, فإن قال علمت أنها علي حرام, فإنه لا يحد, وأما إذا قتلت رجلا خطأ فوطئها ولي القتيل قبل أن يختار المولى شيئا أجمعوا على أنه إذا اختار الفداء بعد ذلك, فإنه يحد, وأما إذا اختار دفع

 

ج / 5 ص -23-                                                                                                                 وبشبهة في الفعل إن ظن حله كمعتدة الثلاث وأمة أبويه وزوجته وسيده
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجارية فالقياس أن يحد وفي الاستحسان لا يحد وبالقياس أخذ أبو حنيفة ومحمد وبالاستحسان أخذ أبو يوسف ا هـ.
وأطلق في الكنايات فشمل المختلعة وفي المجتبى المختلعة ينبغي أن تكون كالمطلقة ثلاثا لحرمتها إجماعا وفي جامع النسفي لا حد عليه, وإن علم حرمتها لاختلاف الصحابة رضي الله عنهم في كونه بائنا ا هـ.
قوله "وبشبهة في الفعل إن ظن حله كمعتدة الثلاث وأمة أبويه وزوجته وسيده" أي لا حد لأجل الشبهة في الفعل بشرط أن يظن أن الوطء حلال; لأن الملك, والحق غير ثابت في هذا النوع; لأن حرمة المطلقة ثلاثا مقطوع به فلم يبق له فيها ملك ولا حق غير أنه بقي فيها بعض الأحكام كالنفقة, والسكنى, والمنع من الخروج وثبوت النسب وحرمة أختها وأربع سواها وعدم قبول شهادة كل منهما لصاحبه فحصل الاشتباه لذلك فأورث شبهة عن ظن الحل; لأنه في موضع الاشتباه فيعذر.
وأطلق في الثلاث فشمل ما إذا أوقعها جملة أو متفرقة ولا اعتبار بخلاف من أنكر وقوع الجملة لكونه مخالفا للقطعي كذا ذكر الشارحون وفيه نظر لما في صحيح مسلم من أن "الطلاق الثلاث كان واحدة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدر من خلافة عمر رضي الله عنهما حتى أمضى عمر رضي الله عنه على الناس الثلاث"1, وإن كان العلماء قد أجابوا عنه وأولوه فليس الدليل على وقوع الثلاث جملة واحدة بكلمة واحدة قطعيا, فإن قيل: إن العلماء قد أجمعوا عليه قلنا قد خالف أهل الظاهر في ذلك كما نقلوه في كتاب الطلاق فينبغي أن لا يحد, وإن علم الحرمة, والدليل عليه ما ذكره في الهداية من كتاب النكاح في فصل المحرمات أن الحد لا يجب بوطء المطلقة طلاقا بائنا واحدة أو ثلاثا مع العلم بالحرمة على إشارة كتاب الطلاق وعلى عبارة كتاب الحدود يجب; لأن الملك قد زال في حق الحل فيتحقق الزنا ا هـ. وينبغي أن تحمل إشارة كتاب الطلاق على ما إذا أوقعها بكلمة واحدة وعبارة كتاب الحدود على ما إذا أوقعها متفرقة لما ذكرنا توفيقا بينهما كما لا يخفى, وأما الزنا بأمة أبويه وزوجته وسيده, فإنه لا ملك له ولا حق ملك فيها غير أن البسوطة تجري بينهم في الانتفاع بالأموال, والرضا بذلك عادة وهي تجوز الانتفاع بالمال شرعا, فإذا ظن الوطء من هذا القبيل يعذر; لأن وطء الجواري من قبيل الاستخدام فيشتبه الحال, والاشتباه في محله معذور فيه ولهذه المسائل أخوات.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه مسلم كتاب الطلاق باب طلاق الثلاث "1472" من حديث ابن عباس

ج / 5 ص -24-         ...................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منها المطلقة على مال; لأن حرمتها ثابتة بالإجماع فصارت كالمطلقة ثلاثا كذا ذكره الشارحون ومرادهم الطلاق على مال بغير لفظ الخلع أما إذا كان بلفظ الخلع فقد قدمنا الاختلاف فيه وأن الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا فيه لكن في البدائع ولو خالعها أو طلقها على مال فوطئها في العدة ذكر الكرخي أنه ينبغي أن يكون الحكم فيه كالحكم في المطلقة ثلاثا وهو الصحيح; لأن زوال الملك بالخلع, والطلاق على مال مجمع عليه فلم تتحقق الشبهة فيجب الحد إلا إذا ادعى الاشتباه ومنها أم الولد إذا أعتقها مولاها لثبوت حرمتها بالإجماع وتثبت الشبهة عند الاشتباه لبقاء أثر الفراش وهي العدة.
ومنها الجارية المرهونة في حق المرتهن في رواية كتاب الحدود, فإذا قال المرتهن علمت أنها حرام ووطئتها ففيه روايتان ففي رواية كتاب الرهن لا حد عليه وهو من النوع الأول لما قدمناه. وفي رواية كتاب الحدود يجب الحد.
قال في الهداية وهو الأصح وتبعه الشارحون وفي التبيين وهو المختار; لأن الاستيفاء من عينها لا يتصور, وإنما يتصور من ماليتها فلم يكن الوطء حاصلا في محل الاستيفاء لكن لما كان الاستيفاء سببا لملك المال في الجملة وملك المال سبب لملك المتعة في الجملة حصل الاشتباه بخلاف المستأجرة وجارية الميت إذا وطئها الغريم; لأن الإجارة لا تفيد المتعة بحال, والغريم لا يملك عين التركة, وإنما يستوفي حقه من الثمن ولو تعلق حقه بالعين لما جاز بيعها إلا بإذنه كالرهن.
والحاصل أنه إذا ظن الحل فلا حد عليه باتفاق الروايتين, والخلاف فيما إذا علم الحرمة, والأصح وجوبه لكن ذكر في الإيضاح رواية ثالثة أنه يجب الحد, وإن قال ظننت أنها حلال وإن ظنه لا يعتبر قياسا على وطء الغريم جارية الميت وهذه الرواية مخالفة لعامة الروايات كما في فتح القدير.
قال في الهداية, والمستعير للرهن في هذا بمنزلة المرتهن. وأما الجارية المستأجرة, والعارية, الوديعة فكجارية أخيه وسيأتي أنه يحد, وإن ظن الحل كما في المحيط, والبدائع.
وأطلق في ظن الحل فشمل ظن الرجل وظن الجارية, فإن ظناه فلا حد, وإن علما الحرمة وجب الحد, وإن ظنه الرجل وعلمته الجارية أو بالعكس فلا حد; لأن الشبهة إذا تمكنت في الفعل في أحد الجانبين تتعدى إلى الجانب الآخر ضرورة كذا في المحيط.

 

ج / 5 ص -25-         والنسب يثبت في الأول فقط بوطء أمة أخيه وعمه وإن ظن حله وانرأة وجدت في فراشه لا بأجنبية زفت وقيل هي زوجتك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "والنسب يثبت في الأول فقط" أي يثبت النسب في شبهة المحل بالدعوة ولا يثبت في شبهة الفعل, وإن ادعاه; لأن الفعل تمحض زنا في الثانية, وإن سقط الحد لأمر راجع إليه وهو اشتباه الأمر عليه ولم يتمحض في الأول للشبهة في المحل وقد قدم المصنف أن نسب ولد المعتدة البت يثبت إذا جاءت به لأقل من سنتين بغير دعوة ولسنتين فأكثر لا يثبت إلا بالدعوة وهو بعمومه يتناول المعتدة عن ثلاث طلقات فكان مخصصا لقوله هنا فقط.
والحاصل أنه لا يثبت النسب في شبهة الفعل عند الدعوة إلا في المطلقة ثلاثا, والفرق أن الشبهة فيها شبهة في العقد بخلاف باقي محال شبهة الاشتباه, فإنه لا شبهة عقد فيها فلا يثبت النسب بالدعوة وسيأتي أن من شبهة الاشتباه وطء امرأة زفت وقالت النساء هي زوجتك ولم تكن زوجته معتمدا خبرهن وصرح الزيلعي بأن النسب يثبت فيه بالدعوة كما سيأتي فتحرر أن النسب لا يثبت في شبهة الفعل إلا في موضعين.
قوله "وحد بوطء أمة أخيه وعمه, وإن ظن حله وامرأة وجدت في فراشه" يعني سواء ظن الحل أو الحرمة; لأنه لا انبساط في مال الأخ, والعم وكذا سائر المحارم سوى الأولاد لما بينا ولا اشتباه في المرأة الموجودة على فراشه لطول الصحبة فلم يكن الظن مستندا إلى دليل وهذا; لأنه قد ينام على فراشه غيرها من المحارم التي في بيتها.
أطلقه فشمل البصير, والأعمى; لأنه يمكنه التمييز بالسؤال وغيره إلا إذا دعاها فأجابته وقالت أنا زوجتك أو أنا فلانة باسم زوجته فواقعها; لأن الخيار دليل وفي التبيين, وإن جاءت بولد يثبت نسبه لما نذكره في المرقوقة ولو أجابته فقط يحد لعدم ما يوجب السقوط وأطلق في المرأة فشمل المكرهة, والطائعة فيحد لو أكرهها دونها ولا يجب المهر عندنا.
قوله: "لا بأجنبية زفت وقيل هي زوجتك" أي لا يحد بوطء أجنبية زفت إليه وقال النساء: هي زوجتك قضى بذلك علي رضي الله عنه ولأنه اعتمد دليلا وهو الإخبار في موضع الاشتباه إذ الإنسان لا يميز بين امرأته وبين غيرها في أول الوهلة فصار كالمغرور ولكن لا يحد قاذفه; لأن الملك منعدم حقيقة فبطل به إحصانه كوطء جارية ابنه, فإنه مسقط لإحصانه حبلت أو لا وظاهر كلام المصنف أن إخبار واحدة له بأنها زوجته يكفي لإسقاط الحد عنه كما يفيده ما في فتح القدير لكن عبارة القدوري وقلن النساء بالجمع, والظاهر أنه ليس بشرط كما

 

ج / 5 ص -26-         وعليه مهر وبمحرم نكحها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سنبينه; لأنه من المعاملات, والواحد فيها يكفي. ا هـ.
قوله "وعليه مهر" بذلك قضى علي رضي الله عنه1 وبالعدة; لأن الوطء في دار الإسلام لا يخلو عن الحد أو المهر وقد سقط الحد فتعين المهر وهو مهر المثل ولهذا قلنا في كل موضع سقط فيه الحد مما ذكرنا يجب فيه المهر لما ذكرنا إلا في وطء جارية الابن وقد علقت منه وادعى نسبه لما ذكرنا في النكاح أو في وطء البائع المبيعة قبل التسليم ذكرها في الزيادات وينبغي أن لا تجب بوطء جارية السيد; لأن المولى لا يجب له دين على عبده ولو قيل وجب ثم سقط فمستقيم على ما اختلفوا في تزويج المولى عبده بجاريته كذا في التبيين ولا يرد ما لو زنى صبي بامرأة بالغة مطاوعة قالوا لا حد على الصبي ولا مهر عليه لإسقاطها حقها حيث مكنته; لأن المهر وجب لكنه سقط لما ذكرنا فلم يخل وطء عنهما.
وفي المجتبى مراهق تزوج بالغة بغير إذن أبيه ووطئها ورد الأب النكاح فلا مهر على الصبي; لأن قوله غير معتبر وأراد المصنف أن يكون المهر لها عليه بذلك قضى علي رضي الله عنه خلافا لعمر رضي الله عنه حيث جعله في بيت المال كأنه جعله حق الشرع لما أن الحد حق له وهذا كالعوض عنه, والمختار قول علي رضي الله عنه; لأن الوطء كالجناية عليها وأرش الجنايات للمجني عليه ولو كان عوضا عن الحد لوجب على المرأة; لأن الحد ساقط عنها ولم يذكر المصنف ثبوت النسب فيها وقالوا يثبت نسب الولد بالدعوة لكن اختلفوا ففي التبيين أنه يثبت النسب, وإن كانت شبهة الاشتباه لعدم الملك وشبهته.
وفي فتح القدير, والأوجه أنها شبهة دليل, فإن قول النساء هي زوجتك دليل شرعي مبيح للوطء, فإن قول الواحد مقبول في المعاملات ولذا حل وطء الأمة إذا جاءت إلى رجل وقالت مولاي أرسلني إليك هدية, فإذا كان دليلا غير صحيح في الواقع أوجب الشبهة التي يثبت معها النسب ا هـ.
قوله "وبمحرم نكحها" أي لا يجب الحد بوطء امرأة محرم له عقد عليها عند أبي حنيفة وقالا عليه الحد إذا كان عالما بذلك; لأنه عقد لم يصادف محله فيلغو كما إذا أضيف إلى الذكور وهذا; لأن محل التصرف ما يكون محلا لحكمه وحكمه في الحل وهي من المحرمات ولأبي حنيفة أن العقد صادف محله; لأن محل التصرف ما يقبل مقصوده, والأنثى من بنات آدم قابلة للتوالد وهو المقصود وكان ينبغي أن ينعقد في حق جميع الأحكام إلا أنه تقاعد عن إفادة حقيقة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في نصب الراية "3/340" وقال: غريب وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه "10715".

 

ج / 5 ص -27-         ...................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحل فيورث الشبهة; لأن الشبهة ما يشبه الثابت لا نفس الثابت.
وحاصل الخلاف أن هذا العقد هل يوجب شبهة أم لا ومداره أنه هل ورد على ما هو محله أو لا فعند الإمام ورد على ما هو محله; لأن المحلية ليست بقبول الحل بل بقبول المقاصد من العقد وهو ثابت ولذا صح من غيره عليها وعندهما لا; لأن محل العقد ما يقبل حكمه وحكمه الحل وهذه من المحرمات في سائر الأحوال فكان الثابت صورة العقد لانعقاده وبتأمل يسير يظهر أنهم لم يتواردوا على محل واحد في المحلية فحيث نفوا محليتها أرادوا بالنسبة إلى خصوص هذا العاقد أي ليست محلا لعقد هذا العاقد ولهذا عللوه بعدم حلها ولا شك في حلها لغيره بعقد النكاح لا محليتها للعقد من حيث هو, والإمام حيث أثبت محليتها أراد محليتها لنفس العقد لا بالنظر إلى خصوص عاقد. ولذا علل بقبولها مقاصده ولا ينافيه قول الأصوليين: إن النهي عن نكاح المحارم مجاز عن النفي لعدم محله ولا قول الفقهاء: إن محل النكاح الأنثى من بنات آدم التي ليست من المحرمات; لأنهم أرادوا نفي المحلية لعقد النكاح الخاص وأنت علمت أن أبا حنيفة إنما أثبت محليتها للنكاح في الجملة لا بالنظر إلى خصوص ناكح لكن قد أخذ الفقيه أبو الليث بقولهما قال في الواقعات ونحن نأخذ به أيضا وفي الخلاصة الفتوى على قولهما ووجه ترجيحه أن تحقق الشبهة يقتضي تحقق الحل من وجه; لأن الشبهة لا محالة شبهة الحل لكن حلها ليس ثابتا من وجه وإلا وجبت العدة وثبت النسب.
أطلق المصنف فشمل ما إذا كان عالما بالحرمة أو لا ثم اعلم أن مسائلهم هنا تدل على أن من استحل ما حرمه الله على وجه الظن لا يكفر, وإنما يكفر إذا اعتقد الحرام حلالا لا إذا ظنه حلالا ألا ترى أنهم قالوا في نكاح المحرم لو ظن الحل, فإنه لا يحد بالإجماع ويعزر كما في الظهيرية وغيرها ولم يقل أحد إنه يكفر وكذا في نظائره وهو نظير ما ذكره القرطبي في شرح مسلم إن ظن الغيب جائز كظن المنجم, والرمال بوقوع شيء في المستقبل بتجربة أمر عادي فهو ظن صادق, والممنوع هو ادعاء علم الغيب. والظاهر أن ادعاء ظن الغيب حرام وليس بكفر بخلاف ادعاء علم الغيب, فإنه كفر وسنوضحه إن شاء الله تعالى في باب الردة.
وأشار المصنف إلى أن المستأجر للزنا لو وطئها فلا حد عليه لشبهة العقد عند الإمام; لأن المستوفى بالزنا المنفعة وهي المعقود عليه في الإجارة وقالا يحد كما سيأتي وأطلق في المحرم فشمل المحرم نسبا ورضاعا وصهرية وأشار إلى أنه لو عقد على منكوحة الغير أو

 

ج / 5 ص -28-         وفي أجنبية في غير قبل ولواطة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معتدته أو مطلقته الثلاث أو أمة على حرة أو تزوج مجوسية أو أمة بلا إذن سيدها أو تزوج العبد بلا إذن سيده أو تزوج خمسا في عقدة فوطئهن أو جمع بين أختين في عقدة فوطئهما أو الأخيرة لو كان متعاقبا بعد التزوج, فإنه لا حد بالوطء بالأولى وهو بالاتفاق على الأظهر أما عنده فظاهر, وأما عندهما فلأن الشبهة إنما تنتفي عندهما إذا كان مجمعا على تحريمه وهي محرمة على التأبيد وقيد بنفي الحد; لأن التعزير واجب إن كان عالما قالوا يوجع بالضرب الشديد أشد ما يكون من التعزير سياسة.
قوله "وفي أجنبية في غير قبل ولواطة" أي لا يجب الحد في مسألتين أيضا: الأولى لو وطئ امرأة أجنبية في دبرها*, فإنه لا يحد الثانية لو لاط بصبي في دبره, فإنه لا يحد ولا شك أن وطء الأجنبية في دبرها لواطة أيضا وهذا عند أبي حنيفة وقالا هو كالزنا فيحد رجما إن كان** محصنا أو جلدا إن كان غير محصن; لأنه في معنى الزنا; لأنه قضاء الشهوة في محل مشتهى على سبيل الكمال على وجه تمحض حراما لقصد سفح الماء وله أنه ليس بزنا لاختلاف الصحابة رضي الله عنهم في موجبه من الإحراق بالنار وهدم الجدار, والتنكيس من مكان مرتفع باتباع الأحجار ونحو ذلك ولا هو في معنى الزنا; لأنه ليس فيه إضاعة الولد واشتباه الأنساب ولذا هو أندر وقوعا لانعدام الداعي في أحد الوجهين, والداعي إلى الزنا من الجانبين وما ورد في الحديث من الأمر بقتل الفاعل, والمفعول به1 فمحمول على السياسة أو على المستحل قال الزيلعي لو رأى الإمام مصلحة في قتل من اعتاده جاز له قتله ا هـ.
واعلم أنهم يذكرون في حكم السياسة أن الإمام يفعلها ولم يقولوا القاضي فظاهره أن القاضي ليس له الحكم بالسياسة ولا العمل بها. قيد بعدم الحد; لأن التعزير واجب قالوا يوجع ضربا. زاد في الجامع الصغير أنه يودع في السجن قال في فتح القدير: حتى يموت أو يتوب ولو اعتاد اللواطة قتله الإمام محصنا كان أو غير محصن سياسة, وذكر العلامة الأكمل في شرح المشارق أن اللواطة محرمة عقلا وشرعا وطبعا بخلاف الزنا وأنه ليس بحرام طبعا فكانت أشد حرمة منه, وإنما لم يوجب الحد أبو حنيفة فيها لعدم الدليل عليه لا لخفتها, وإنما عدم الوجوب فيها للتغليظ على الفاعل; لأن الحد مطهر على قول بعض العلماء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ1
 أخرجه الحاكم في المستدرك "4/355" من حديث ابن عباس والبيهقي كتاب الحدود باب ما جاء في حد اللوطي "8/232" وذكره الزيلعي في نصب الراية "3/339".
.............
* العبارة في الأصل غير القبل.
** ما بين معكوفتين ساقط من الأصل.

 

ج / 5 ص -29-         وببهيمة وبزنا في دار حرب أو بغي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي فتح القدير وهل تكون اللواطة في الجنة أي هل يجوز كونها فيها قيل: إن كان حرمتها عقلا وسمعا لا تكون, وإن كان سمعا فقط جاز أن تكون, والصحيح أنها لا تكون فيها; لأنه تعالى استبعده واستقبحه فقال: {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 80] وسماه خبيثة فقال تعالى {كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ} [الانبياء: من الآية74], والجنة منزهة عنها ا هـ.
وقيد بالأجنبية ليفيد أن زوجته وجاريته بالأولى في عدم وجوب الحد لكن قال في التبيين إذا فعل في عبده أو أمته أو منكوحته لا يجب الحد بالإجماع, وإنما يعزر لارتكابه المحظور وفي الحاوي القدسي وتكلموا في هذا التعزير من الجلد ورميه من أعلى موضع وحبسه في أنتن بقعة وغير ذلك سوى الإخصاء المغلب, والجلد أصح ا هـ.
وللواطة أحكام أخر لا يجب بها العقر أي المهر ولا العدة في النكاح الفاسد ولا في المأتي بها لشبهة ولا تحل للزوج الأول في النكاح الصحيح ولا تثبت بها الرجعة ولا حرمة المصاهرة عند الأكثر ولا الكفارة في رمضان في رواية ولو قذف بها لا يحد خلافا لهما وكذا لو قذف امرأته بها لم يلاعن خلافا لهما وعن الصفار يكفر مستحلها عند الجمهور كذا في المجتبى وقدمنا أنه يجب الغسل بها على الفاعل, والمفعول به.
قوله "وببهيمة" أي لا يحد بوطء بهيمة; لأنه ليس في معنى الزنا في كونه جناية وفي وجود الداعي; لأن الطبع السليم ينفر عنه, والحامل عليه نهاية السفه أو فرط الشبق ولهذا لا يجب ستره إلا أنه يعزر لما بينا والذي يروى أنها تذبح البهيمة وتحرق فذلك لقطع التحدث به وليس بواجب قالوا: إن كانت الدابة مما لا يؤكل لحمها تذبح وتحرق لما ذكرنا, وإن كانت مما تؤكل تذبح وتؤكل عند أبي حنيفة وقالا تحرق هذه أيضا هذا إن كانت البهيمة للفاعل, فإن كانت لغيره ففي الخانية كان لصاحبها أن يدفعها إليه بالقيمة وفي التبيين يطالب صاحبها أن يدفعها إليه بالقيمة ثم تذبح هكذا ذكروا ولا يعرف ذلك إلا سماعا فيحمل عليه ا هـ. والظاهر أنه لا يجبر على دفعها.
قوله: "وبزنا في دار حرب أو بغي" أي لا يجب الحد بالزنا في دار الحرب أو في دار البغي لقوله عليه السلام "لا تقام الحدود في دار الحرب"1 ولأن المقصود هو الانزجار وولاية الإمام منقطعة فيهما فيعرى الوجوب عن الفائدة أطلقه فأفاد أنه لا يقام بعد الخروج أيضا;

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ذكره الزيلعي في نصب الراية وقال: غريب في السير باب من زعم لا تقام الحدود في أرض الحرب حتى يرجع منه موقوفا على سبدنا زيد بن ثابت "9/105".

 

ج / 5 ص -30-         وبزنا حربي بذمية في حقه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لأنها لم تنعقد موجبة فلا تنقلب موجبة قيد بدار الحرب, والبغي; لأن من زنى في محل نزول العسكر, فإن من له ولاية الإقامة بنفسه كالخليفة وأمير مصره أن يقيم الحد عليه; لأنه تحت يده بخلاف أمير العسكر, والسرية; لأنه لم يفوض إليهما الإقامة ويستثنى من كلام المصنف ما لو زنى في العسكر, والعسكر في دار الحرب في أيام المحاربة قبل الفتح له أن يقيمه للولاية حينئذ بخلاف ما إذا زنى واحد منهم خارج العسكر, فإنه لا يقيم الحد عليه.
قوله: "وبزنا حربي بذمية في حقه" أي لا يجب الحد بزنا رجل حربي مستأمن بذمية في حق الحربي المستأمن عند أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف آخرا يحد; لأن المستأمن من التزم أحكامنا مدة مقامه في دارنا في المعاملات كما أن الذمي التزمها مدة عمره ولهذا يحد حد القذف ويقتل قصاصا بخلاف حد الشرب; لأنه يعتقد إباحته ولهما أنه ما دخل للقرار بل لحاجته كالتجارة ونحوها فلم يصر من أهل دارنا ولهذا يمكن من الرجوع إلى دار الحرب ولا يقتل المسلم ولا الذمي به, فإنما يلتزم من الحكم ما يرجع إلى تحصيل مقصوده وهو حقوق العباد; لأنه لما طمع في الإنصاف يلتزم الانتصاف, والقصاص وحد القذف من حقوقهم أما حد الزنا فمحض حق الشرع.
قيد بقوله في حقه; لأن الذمية تحد عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال محمد لا تحد أيضا; لأن المرأة تابعة فامتناع الحد في حق الأصل يوجب امتناعه في حق التبع كالبالغة إذا مكنت الصبي, والمجنون قلنا: إن فعل المستأمن من زنا; لأنه مخاطب بالحرمات على ما هو الصحيح, وإن لم يكن مخاطبا بالشرائع على أصلنا, والتمكين من فعل هو زنا موجب للحد عليها.
وقيد بالحربي; لأن الذمي إذا زنى بحربية, فإنه يحد عندهما خلافا لمحمد, والأصل لأبي يوسف أن الحدود كلها تقام على المستأمن, والمستأمنة إلا حد الشرب كما تقام على الذمي, والذمية فسوى بين الذمي, والحربي المستأمن, والأصل عند الإمام الأعظم أنه لا يقام على المستأمن, والمستأمنة شيء من الحدود إلا حد القذف بخلاف الذمي ومحمد يقول كذلك في جميع ما ذكرنا إلا أنه يقول فعل الرجل أصل, والمرأة تبع فالامتناع في الأصل امتناع في التبع فمحل الاختلاف في حد الزنا, والسرقة, وأما حد القذف فواجب اتفاقا وحد الشرب غير واجب اتفاقا وقيد بالذمية; لأنه لو زنى مستأمن بمستأمنة فلا حد عليهما خلافا لأبي يوسف. والحاصل أن الزانيين إما مسلمان أو ذميان أو مستأمنان أو أحدهما مسلم, والآخر ذمي وهو صادق بصورتين أو أحدهما مسلم, والآخر مستأمن وهو صادق بصورتين أو أحدهما ذمي, والآخر مستأمن وهو صادق بصورتين فهي تسع صور, والحد واجب في الكل عند

 

ج / 5 ص -31-         وبزنا صبي أو مجنون بمكلفة بخلاف عكسه وبالزنا بمستأجرة, وبإكراه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإمام إلا في المستأمنين وإلا فيما إذا كان أحدهما مستأمنا أيا كان فلا حد عليه في ثلاث منها كما لا يخفى.
قوله: "وبزنا صبي أو مجنون بمكلفة بخلاف عكسه" أي لا يجب الحد إذا زنى صبي أو مجنون بمكلفة ويجب الحد إذا زنى بالغ بصبية أو مجنونة; لأن فعل الزنا يتحقق منه وهي محل الفعل ولهذا يسمى هو واطئا وزانيا, والمرأة موطوءة ومزنيا بها إلا أنها سميت زانية مجازا تسمية للفعل باسم الفاعل كالراضية بمعنى المرضية أو لكونها مسببة بالتمكين فتعلق الحد في حقها بالتمكين من قبيح الزنا وهو فعل من هو مخاطب بالكف عنه مؤثم على مباشرته وفعل الصبي ليس بهذه الصفة فلا يناط به الحد وقد ذكر بعضهم أن كلما انتفى الحد عن الرجل انتفى عن المرأة وهو منقوض بزنا المكره بالمطاوعة, والمستأمن بالذمية, والمسلمة فالأولى أن لا تجعل قاعدة; لأن الحكم في كل موضع بمقتضى الدليل قال في التبيين وعبارات أصحابنا أن فعلها مع الصبي, والمجنون ليس بزنا يشير إلى أن إحصانها لا يسقط بذلك كما لا يسقط إحصان الصبي, والمجنون حتى يجب الحد على قاذفهما بعد البلوغ, والإفاقة وقد قدمنا حكم المهر.
قوله: "وبالزنا بمستأجرة" أي لا يجب الحد بوطء من استأجرها ليزني بها عند أبي حنيفة وقالا يجب الحد لعدم شبهة الملك ولهذا لا يثبت النسب ولا تجب العدة وله أن الله تعالى سمى المهر أجرة بقوله تعالى
{فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: من الآية24]فصار شبهة; لأن الشبهة ما يشبه الحقيقة لا الحقيقة فصار كما لو قال: أمهرتك كذا لأزني بك.
قيدنا بأن يكون استأجرها ليزني بها; لأنه لو استأجرها للخدمة فزنى بها يجب الحد اتفاقا; لأن العقد لم يضف إلى المستوفي بالوطء, والعقد المضاف إلى محل يورث الشبهة في ذلك المحل لا في محل آخر.
قوله: "وبإكراه" أي لا يجب الحد بالزنا بإكراه أطلقه فشمل ما إذا كان المكره السلطان أو غيره أما إذا كان المكره السلطان فكان أبو حنيفة أولا يقول عليه الحد وهو قول زفر; لأن الزنا من الرجل لا يتصور إلا بعد انتشار الآلة وهذا آية الطوع ووجه قوله الآخر أن السبب الملجئ قائم ظاهر أو هو قيام السيف على رأسه, والانتشار دليل محتمل; لأنه قد يكون من غير قصد كما في النائم فلا يزول اليقين بالمحتمل.
وأما إذا أكرهه غير السلطان, فإنه يحد عند الإمام وقالا لا يحد لتحقق الإكراه من غير

 

ج / 5 ص -32-         وبإقرار إن أنكره الآخر ومن زنى بأمة فقتلها لزمه الحد, والقيمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السلطان عندهما; لأن المؤثر خوف الهلاك ويتحقق من غيره وله أنه من غيره لا يدوم إلا نادرا لتمكنه من الاستغاثة بالسلطان وبجماعة المسلمين ويمكنه دفع شره بنفسه بالسلاح, والنادر لا حكم له فلا يسقط الحد بخلاف السلطان; لأنه لا يمكنه الاستغاثة* بغيره ولا الخروج بالسلاح عليه قالوا: هذا اختلاف عصر وزمان; لأنه لم يمكن في زمن أبي حنيفة لغير السلطان من القوة ما لا يمكن دفعها بالسلطان وفي زمنهما ظهرت القوة لكل متغلب فيفتى بقولهما كذا في الظهيرية فلذا أطلق في المختصر.
قوله: "وبإقرار إن أنكره الآخر" أي لا يجب الحد بإقرار أحد الزانيين إذا أنكره الآخر; لأن دعوى النكاح يحتمل الصدق وهو يقوم بالطرفين فأورث شبهة, وإذا سقط الحد وجب المهر تعظيما لخطر البضع.
أطلقه فشمل ما إذا قال: لم أطأ أصلا أو قال تزوجت وشمل ما إذا كان المنكر الرجل أو المرأة وهو قول الإمام وقالا: إن ادعى المنكر منهما الشبهة بأن قال تزوجته فهو كما قال, وإن أنكر بأن قال ما زنيت ولم يدع ما يسقط الحد وجب على المقر الحد دون المنكر وحاصل دليل الإمام أن الزنا فعل مشترك بينهما قائم بهما فانتفاؤه عن أحدهما يورث شبهة في الآخر, وإذا سقط الحد وجب المهر تعظيما لأمر البضع, وإن كانت هي منكرة لأمر النكاح; لأنه من ضرورة سقوط الحد.
وأشار المصنف إلى أنه لو زنى بامرأة خرساء لا حد على واحد منهما قال في الأصل وجعل الجواب في الخرساء كالجواب فيما إذا كانت المرأة ناطقة وادعت المرأة النكاح بخلاف ما إذا كانت المرأة مجنونة أو صبية يجامع مثلها كان على الرجل الحد وبخلاف ما إذا كانت المرأة غائبة وأقر الرجل أنه زنى بها أو شهد عليه الشهود, فإنه يقام الحد على الرجل كذا في الظهيرية.
قوله: "ومن زنى بأمة فقتلها لزمه الحد, والقيمة" معناه قتلها بفعل الزنا; لأنه جنى جنايتين فيوفر على كل واحدة منهما حكمها وعن أبي يوسف أنه لا يحد; لأن تقرر ضمان القيمة سبب لملك الأمة وصار كما إذا اشتراها بعد ما زنى بها وهو على هذا الخلاف واعتراض سبب الملك قبل إقامة الحد يوجب سقوطه كما إذا ملك المسروق قبل القطع. ولهما أنه ضمان قتل فلا يوجب الملك; لأنه ضمان دم ولو كان يوجبه إنما يوجبه في العين كما في هبة المسروق لا في منافع البضع; لأنها استوفيت, والملك يثبت مستندا فلا يظهر في المستوفى لكونها معدومة وهذا بخلاف ما إذا زنى بها فأذهب عينها حيث يجب عليه قيمتها ويسقط الحد; لأن الملك هناك يثبت في الجثة العمياء وهي عين فأورث شبهة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* في الأصل الاستعانة.

 

ج / 5 ص -33-         ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأشار المصنف إلى أنه لو زنى بحرة فقتلها به يجب الحد عليه اتفاقا; لأن الحرة لا تملك بالضمان, وإن لم يقتلها, وإنما أفضاها بأن اختلط المسلكان, فإن كانت كبيرة مطاوعة له من غير دعوى شبهة فعليهما الحد ولا شيء عليه في الإفضاء لرضاها به ولا مهر عليه لوجوب الحد, وإن كان مع دعوى شبهة فلا حد ولا شيء في الإفضاء ويجب العقر1, وإن كانت مكرهة من غير دعوى شبهة فعليه الحد دونها ولا مهر لها ثم ينظر في الإفضاء, فإن لم يستمسك بولها فعليه دية المرأة كاملة; لأنه فوت جنس المنفعة على الكمال. وإن كان يستمسك بولها حد وضمن ثلث الدية لما أن جنايته جائفة, وإن كان مع دعوى شبهة فلا حد عليها, وإن كان البول يستمسك فعليه ثلث الدية ويجب المهر في ظاهر الرواية, وإن لم يستمسك فعليه الدية كاملة ولا يجب المهر عندهما خلافا لمحمد, وإن كانت صغيرة يجامع مثلها فهي كالكبيرة فيما ذكرنا إلا في حق سقوط الأرش برضاها, وإن كانت صغيرة لا يجامع مثلها, فإن كان يستمسك بولها لزمه ثلث الدية, والمهر كاملا ولا حد عليه لتمكن القصور في معنى الزنا وهو الإيلاج في قبل المشتهاة ولهذا لا تثبت به حرمة المصاهرة, والوطء الحرام في دار الإسلام يوجب المهر إذا انتفى الحد فيجب ثلث الدية لكونه جائفة على ما بينا, وإن كان لا يستمسك ضمن الدية ولا يضمن المهر عند أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد يضمن المهر أيضا لما ذكرنا.
ولنا أن الدية ضمان كل العضو, والمهر ضمان جزء منه وضمان الجزء يدخل في ضمان الكل إذا كانا في عضو واحد كما إذا قطع إصبع إنسان ثم قطع كفه قبل البرء يدخل أرش الإصبع في أرش الكف ويسقط إحصانه بهذا الوطء لوجود صورة الزنا وهو الوطء الحرام.
وفي المحيط لو كسر فخذ امرأة في الزنا أو جرحها ضمن الدية في ماله وحده; لأنه شبه العمد وفي شبهه تجب الدية في ماله يعني به فيما دون النفس, وإن جنت الأمة فزنى بها ولي الجناية. فإن كانت الجناية توجب القصاص بأن قتلت نفسا عمدا فلا حد عليه وعليه العقر; لأن من العلماء من قال يملكها في هذه الصورة فأورث شبهة, وإن كانت الجناية لا توجب القصاص, فإن فداها المولى يجب عليه الحد بالاتفاق; لأن الزاني لم يملك الجثة, وإن دفعها بالجناية فعلى الخلاف.
وفي الفوائد الظهيرية لو غصبها ثم زنى بها ثم ضمن قيمتها فلا حد عليه عندهم جميعا خلافا للشافعي أما لو زنا بها ثم غصبها وضمن قيمتها لم يسقط الحد وفي جامع قاضي خان لو زنى بحرة ثم نكحها لا يسقط الحد بالاتفاق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهو مقدار أجرة الوطء وقيل مهر مثلها. ا هـ التعريفات "196".

 

ج / 5 ص -34-         والخليفة يؤخذ بالقصاص, والأموال لا بالحد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "والخليفة يؤخذ بالقصاص, والأموال لا بالحد"; لأن الأول حقوق العباد لما أن حق استيفائها لمن له الحق فيكون الإمام فيه كغيره, وإن احتاج إلى المنعة فالمسلمون منعته فيقدر بهم على الاستيفاء فكان الوجوب مقيدا وبهذا يعلم أنه يجوز استيفاء القصاص بدون قضاء القاضي, والقضاء لتمكين الولي من استيفائه لا أنه شرط كما صرحوا به, وأما الثاني أعني الحدود, فإنما لا تقام عليه; لأن الحد حق الله تعالى, والإمام هو المكلف بإقامته وتعذر إقامته على نفسه; لأن إقامته بطريق الجزاء, والنكال ولا يفعل ذلك أحد بنفسه ولا ولاية لأحد عليه ليستوفيه وفائدة الإيجاب الاستيفاء, فإذا تعذر لم يجب وفعل نائبه كفعله; لأنه بأمره.
أطلق في الحد فشمل حد القذف; لأن المغلب فيه حق الشرع فكان كبقية الحدود, والمراد بالخليفة الإمام الذي ليس فوقه إمام وقيد به احترازا عن أمير البلدة, فإنه يقام عليه الحدود بأمر الإمام والله أعلم.

2- باب الشهادة على الزنا والرجوع عنها.
 شهدوا بحد متقادم سوى حد القذف لم يحد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2- "باب الشهادة على الزنا, والرجوع عنها"
قوله: "شهدوا بحد متقادم سوى حد القذف لم يحد" أي شهدوا بسبب حد وهو الزنا أو السرقة أو شرب الخمر لا بنفس الحد وكذلك قوله متقادم معناه متقادم سببه, والأصل أن الحدود الخالصة حقا لله تعالى تبطل بالتقادم; لأن الشاهد مخير بين حسبتين أداء الشهادة, والستر فالتأخير إن كان لاختيار الستر فالإقدام على الأداء بعد ذلك لضغينة هيجته أو لعداوة حركته فيتهم فيها, وإن كان التأخير لا للستر يصير فاسقا آثما فتيقنا بالمانع بخلاف التقادم في حد القذف; لأنه فيه حق العباد لما فيه من دفع العار عنه ولهذا لا يصح رجوعه بعد الإقرار, والتقادم غير مانع في حقوق العباد ولأن الدعوى فيه شرط فيحمل تأخيرهم على انعدام الدعوى فلا يوجب تفسيقهم ولا يرد حد السرقة; لأن الدعوى ليس بشرط للحد; لأنه خالص حق الله تعالى على ما مر, وإنما شرط للمال ولأن الحكم يدار على كون الحد حقا لله تعالى فلا يعتبر وجود التهمة في كل فرد ولأن السرقة تقام على الاستشرار على غرة من المالك فيجب على الشاهد إعلامه وبالكتمان يصير فاسقا آثما

 

ج / 5 ص -35-         ويضمن المال, ولو أثبتوا زناه بغائبة حد بخلاف السرقة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أشار المصنف بكون التقادم مبطلا لها إلى أن التقادم يمنع الإقامة بعد القضاء حتى لو هرب بعد ما ضرب بعض الحد ثم أخذ بعد ما تقادم الزمان لا يقام عليه; لأن الإمضاء من القضاء في باب الحدود فلا بد من قيام الشهادة حال الاستيفاء وبالتقادم لم تبق الشهادة فلا يصح هذا القضاء الذي هو الاستيفاء.
وقيد بالشهادة; لأنه لو أقر بسبب حد متقادم حد لانتفاء العلة; لأن الإنسان لا يعادي نفسه إلا في حد الشرب عند أبي حنيفة وأبي يوسف, فإن التقادم فيه يبطل الإقرار كذا في غاية البيان. ولم يفسر المصنف التقادم; لأن الإمام الأعظم لم يقدره بشيء, وإنما فوضه إلى رأي القاضي في كل عصر لكن الأصح ما عن محمد أنه يقدر بشهر; لأن ما دونه عاجل وهو مروي عنها أيضا وقد اعتبره محمد في شرب الخمر أيضا وعندهما هو مقدر بزوال الرائحة فلو شهدوا عليه بالشرب بعدها لا تقبل وقد جزم به المصنف في بابه فظاهره كغيره أنه المختار فعلم أن الأصح اعتبار الشهر إلا في شرب الخمر ولم يستثن المصنف كون التقادم لبعد المكان عن القاضي; لأن العذر لا يختص به بل يكون بنحو مرض أو خوف طريق
وحاصله أن كل شيء منع الشاهد من المسارعة إلى أداء الشهادة فهو عذر بقدره ولم يذكر المصنف وجوب الحد على الشهود إذا شهدوا بزنا متقادم وذكر في الخانية لو شهدوا بزنا متقادم اختلفوا فيه قال بعضهم يحد الشهود حد القذف وقال بعضهم لا يحدون ا هـ.
قوله: "ويضمن المال" يعني في صورة شهادتهم بسرقة متقادمة; لأن الدعوى شرط في حقوق العباد فتأخير الشاهد لتأخير الدعوى لا يلزم فيه تفسيق ولا تهمة ولذا لم يبطل حد القذف بالتقادم إن كان الغالب فيه حق الله تعالى على الأصح لتوقفه على الدعوى.
أطلقه فشمل ما إذا كان تأخير الشهادة لعدم الدعوى بسبب عدم علم صاحب المال أو لطلبه الستر أو لكتمان الشهادة بعد طلبه الشهادة منه وينبغي أن لا تقبل شهادتهم في حق المال أيضا في الوجه الثاني لفسقهم بالكتمان. واعلم أن قولهم بضمان المال مع تصريحهم بوجود التهمة في شهادتهم مع التقادم مشكل لتصريحهم في كتاب الشهادات بأنه لا شهادة للمتهم سواء كانت في الأموال أو في غيرها إلا أن يقال: إن التهمة غير محققة, وإنما الموجود الشبهة, والمال يثبت مع الشبهة بخلاف الحد.
قوله: "ولو أثبتوا زناه بغائبة حد بخلاف السرقة" أي لو شهدوا أنه سرق من فلان وهو غائب لم يقطع, والفرق أن بالغيبة تنعدم الدعوى وهي شرط في السرقة دون الزنا وبالحضور يتوهم دعوى الشبهة ولا معتبر بالموهوم; لأنه شبهة الشبهة واعتبارها يؤدي إلى سد باب

 

ج / 5 ص -36-         وإن أقر بالزنا بمجهولة حد, وإن شهدوا بذلك لا, كاختلافهم في طوعها أو في البلد ولو على كل زنا أربعة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحدود; لأن المقر يحتمل أن يرجع فرجوعه شبهة فيدرأ به الحد واحتمال رجوعه شبهة الشبهة فلا يسقط وكذا البينة يحتمل رجوعها فرجوعها حقيقة شبهة واحتماله شبهة الشبهة
وأشار المصنف إلى أنه لو أقر أنه زنى بفلانة وهي غائبة, فإنه يحد بالأولى ولأنه عليه السلام رجم ماعزا, والغامدية1 حين أقرا بالزنا بغائبين
وقيد بالزنا; لأنه لو كان القصاص بين شريكين وكان أحدهما غائبا لا يتمكن الحاضر من الاستيفاء لاحتمال العفو من الغائب وهو حقيقة المسقط فاحتماله يكون شبهة المسقط لا شبهة الشبهة.
قوله: "وإن أقر بالزنا بمجهولة حد, وإن شهدوا بذلك لا" أي شهدوا عليه أنه زنى بامرأة لا يعرفونها لا يحد لاحتمال أنها امرأته أو أمته بل هو الظاهر بخلاف الإقرار; لأنه لا يخفى عليه امرأته وأمته ولا اعتبار باحتمال أن تكون أمته بالميراث ولا يعرفها; لأنه ثابت في المعروفة كالمجهولة واعتباره يؤدي إلى انسداد باب الحدود وفي كافي الحاكم الشهيد, وإن قال المشهود عليه: إن التي رأوها معي ليست لي بامرأة ولا خادم لم يحد أيضا وذلك; لأنها يتصور أنها أمة ابنه أو منكوحة نكاحا فاسدا ا. هـ.
وهذا التعليل أولى مما علل به لعدم الوجوب من أنه إقرار مرة واحدة; لأنه يقتضي أنه لو قال هذه المقالة أربعا حد وليس كذلك وفي الخانية لو قالوا: زنى بامرأة لا نعرفها ثم قالوا بفلانة, فإنه لا يحد الرجل ولا الشهود ا هـ.
قوله: "كاختلافهم في طوعها أو في البلد ولو على كل زنا أربعة" بيان لمسألتين لا حد فيهما الأولى: لو اختلف الشهود في طوع المرأة فشهد اثنان أنه استكرهها واثنان أنها طاوعته وعدم وجوب الحد عليهما قول الإمام. وقالا يحد الرجل خاصة لاتفاقهم على الموجب عليه وانفراد أحد الفريقين بزيادة جناية وهو الإكراه بخلاف جانبها; لأن طواعيتها شرط لتحقق الموجب في حقها ولم يثبت لاختلافهم وله أنه اختلف المشهود عليه; لأن الزنا فعل واحد يقوم بهما ولأن شاهدي الطواعية صارا قاذفين لها, وإنما يسقط الحد عنهما لشهادة شاهدي الإكراه; لأن زناها مكرهة يسقط إحصانها فصارا خصمين في ذلك أطلقه فشمل ما إذا شهد ثلاثة بالطواعية وواحد بالإكراه وعكسه لكن في الوجه الأول يحد الثلاثة حد القذف لعدم سقوط

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 حديث ماعز تقدم وحديث الغامدية تقدم أيضا.

 

ج / 5 ص -37-         ولو اختلفوا في بيت واحد حد الرجل, والمرأة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إحصانها بشهادة الفرد وعند الإمام لا يحدون في الوجوه الثلاثة; لأن اتفاق الأربعة على النسبة إلى الزنا بلفظ الشهادة مخرج لكلامهم من أن يكون قذفا. الثانية لو اختلفوا في البلد الذي وقع فيها الزنا فهو على وجهين أحدهما أن يشهد اثنان أنه زنى بها بالكوفة واثنان أنه زنى بها بالبصرة فلا حد عليهما; لأن المشهود به فعل الزنا وقد اختلف باختلاف المكان ولم يتم على كل واحد منهما نصاب الشهادة ولا يحد الشهود خلافا لزفر لشبهة الاتحاد نظرا إلى اتحاد الصورة, والمرأة وعلى هذا الخلاف إذا جاء القاذف بأربعة شهداء فشهد اثنان أنه زنى في بلد وآخران أنه زنى في بلد آخر وثانيهما أن يتم نصاب الشهادة بالزنا في كل بلد وهو على وجهين: أحدهما: أن يذكروا وقتا واحدا مع تباعد المكانين كما إذا شهد أربعة أنه زنى بها بالبصرة وقت طلوع الشمس في اليوم الفلاني من الشهر الفلاني من السنة الفلانية وأربعة أنه زنى بها بالكوفة في الوقت المذكور بعينه وفي هذه لا حد عليهما وهو المراد بقوله ولو على كل زنا أربعة لتيقننا بكذب أحدهما; لأن الشخص الواحد لا يكون في ساعة واحدة في مكانين متباعدين ولا يعرف الصادق من الكاذب فيعجز القاضي عن الحكم بهما للتعارض أو لتهمة الكذب ولا يحد الشهود أيضا; لأن كل واحد منهما تم به نصاب الشهادة واحتمل الصدق. ثانيهما: أن يتقارب المكانان مع اتحاد الوقت فتجوز شهادتهم; لأنه يصح كون الأمر فيهما في ذلك الوقت; لأن طلوع الشمس يقال لوقت ممتد امتدادا عرفيا لا أنه يخص وقت ظهورها من الأفق ويحتمل تكرار الفعل كذا في فتح القدير وذكر الحاكم في كافيه إذا شهد أربعة على رجل بالزنا فاختلفوا في المزني بها أو في المكان أو في الوقت بطلت شهادتهم إلا أن يكون اختلافهم في مكانين متقاربين من بيت أو غير بيت فيقام الحد استحسانا ا هـ.
قوله: "ولو اختلفوا في بيت واحد حد الرجل, والمرأة" أي اختلفوا في مكان الزنا من بيت واحد كما إذا شهد اثنان أنه زنى بها في زاوية منه واثنان أنه زنى بها في زاوية أخرى منه وهذا استحسان, والقياس أن لا يجب لاختلاف المكان حقيقة. وجه الاستحسان أن التوفيق ممكن بأن يكون ابتداء الفعل في زاوية, والانتهاء في زاوية أخرى بالاضطراب, والحركة أو لأن الواقع في وسط البيت فيحسبه من في المقدم في المقدم ومن في المؤخر في المؤخر فيشهد بحسب ما عنده.
أطلق في البيت وهو مقيد بالصغير; لأن الكبير كالدار ولو اختلفا في دارين لا حد كالبلدين.
والحاصل أن الاختلاف في المكان مانع لقبولها إلا إذا أمكن التوفيق بأن يكون صغيرا

 

ج / 5 ص -38-         ولو شهدوا على زنا امرأة وهي بكر أو الشهود فسقة أو شهدوا على شهادة أربعة, وإن شهد الأصول لم يحد أحد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقيد الاختلاف بما ذكر; لأنهم لو اختلفوا في طولها وقصرها أو سمنها أو هزالها أو في لونها أو في ثيابها, فإنه لا يمنع لإمكان التوفيق وقد استشكل على هذا مذهب الإمام فيما إذا اختلفوا في الإكراه, والطواعية, فإن التوفيق فيه ممكن بأن يكون ابتداء الفعل كرها وانتهاؤه طواعية قال في الكافي يمكن أن يجاب عنه بأن ابتداء الفعل إذا كان عن إكراه لا يوجب الحد فبالنظر إلى الابتداء لا يجب وبالنظر إلى الانتهاء يجب فلا يجب بالشك وهنا بالنظر إلى الزاويتين يجب فافترقا.
قوله: "ولو شهدوا على زنا امرأة وهي بكر أو الشهود فسقة أو شهدوا على شهادة أربعة, وإن شهد الأصول لم يحد أحد" بيان الثلاث مسائل لا حد فيها الأولى: لو شهدوا على رجل أنه زنى بفلانة فوجدت فلانة بكرا بقول النساء; لأن الزنا لا يتحقق مع بقاء البكارة فلا حد عليهما لظهور الكذب ولا على الشهود; لأن سقوطه بقول النساء وشهادتهن حجة في إسقاط الحد وليس بحجة في إيجابه وأشار المصنف إلى أنهم لو شهدوا على رجل بالزنا فوجد مجبوبا أو شهدوا عليها بالزنا فوجدت رتقاء أو قرناء, فإنه لا حد على أحد لما ذكرنا.
وأطلق في قوله وهي بكر فشمل ما إذا ثبتت بكارتها بقول امرأة واحدة وكذا في الرتق, والقرن وكل ما يعمل فيه بقول النساء كذا في كافي الحاكم الثانية لو شهد أربعة فسقة بالزنا لاشتراط العدالة فلم يثبت الزنا فلا حد ولا حد على الشهود; لأن الفاسق من أهل الأداء, والتحمل, وإن كان في أدائه نوع قصور لتهمة الفسق ولهذا لو قضى القاضي بشهادته ينفذ عندنا فيثبت بشهادتهم شبهة الزنا فسقط الحد عنهم.
وأطلق في الفسقة فشمل ما إذا علم فسقهم في الابتداء أو ظهر فسقهم كما في الهداية. وأشار المصنف بسقوط الحد عن الشهود الفسقة إلى أن القاذف لو أقام أربعة من الفساق على أن المقذوف قد زنى يسقط عنه الحد قالوا بخلاف القاتل حيث لا يسقط عنه القتل بإقامة الشهود الفسقة على أن أولياء المقتول قد عفوا; لأن وجوب القود بالقتل متيقن فلا يسقط عنه بالشك, والاحتمال وحد القذف لم يجب بالقذف, وإنما يجب بالعجز عن إقامة البينة وتمامه في التبيين الثالثة لو شهدوا على شهادة أربعة فلأن الشهادة على الشهادة لا تجوز في الحدود لما فيها من زيادة الشبهة; لأن احتمال الكذب فيها من موضعين في شهادة الأصول وفي شهادة الفروع ولا حد على الفروع; لأن الحاكي للقذف لا يكون قاذفا وكذا لا حد على الأصول بالأولى, فإذا شهد الفروع وردت شهادتهم ثم جاء الأصول بعد ذلك وشهدوا على معاينة ذلك الزنا بعينه لم

 

ج / 5 ص -39-         ولو كانوا عميانا أو محدودين أو ثلاثة حد الشهود لا المشهود عليهما, ولو حد فوجد أحدهم عبدا أو محدودا حدوا, وأرش ضربه هدر, وإن رجم فديته على بيت المال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تقبل شهادتهم ولم يحدوا أيضا وهو المراد بقوله: وإن شهد الأصول لم يحد أحد; لأن شهادة الأصول قد ردت من وجه برد شهادة الفروع قيد بالحد; لأنه لو ردت شهادة الفروع في الأموال, فإن شهادة الأصول بعده مقبولة لثبوت المال مع الشبهة دون الحد ولو ردت شهادة الأصول لم تقبل شهادة الأصول ولا الفروع بعده أبدا في كل شيء إن ردت لتهمة مع بقاء الأهلية, وإن ردت لعدم الأهلية كالعبيد, والكفار تقبل شهادتهم في تلك الحادثة بعد العتق, والإسلام لزوال المانع كذا في التبيين.
قوله: "ولو كانوا عميانا أو محدودين أو ثلاثة حد الشهود لا المشهود عليهما"; لأنه لا يثبت بشهادة الأعمى, والمحدود المال فكيف يثبت الحد وهم ليسوا من أهل أداء الشهادة فلم تثبت شبهة الزنا فكانوا قذفة فيحدون ومراده من ليس أهلا للأداء فدخل العبد مع أنه ليس بأهل للتحمل أيضا ولا فرق بين أن يكون الكل كذلك أو بعضهم كذلك, وأما إذا نقص عددهم عن الأربعة فلأنهم قذفة; لأن الشهادة قذف حقيقة, وخروجها عنه باعتبار الحسبة ولا حسبة عند النقصان وحد عمر رضي الله عنه الثلاثة الذين شهدوا على المغيرة بن شعبة بمحضر من الصحابة1 رضي الله عنهم من غير نكير.
قوله: "ولو حد فوجد أحدهم عبدا أو محدودا حدوا"; لأنهم قذفة إذ الشهود ثلاثة على ما بينا.
قوله: "وأرش ضربه هدر, وإن رجم فديته على بيت المال" وهذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه وقالا أرش الضرب أيضا على بيت المال ومعناه إذا كان جرحه وعلى هذا الخلاف إذا مات من الضرب وعلى هذا إذا رجع الشهود لا يضمنون عنده وعندهما يضمنون لهما أن الواجب بشهادتهم مطلق الضرب إذ الاحتراز عن الجرح خارج عن الوسع فينتظم الجارح وغيره فيضافان إلى شهادتهم فيضمنون بالرجوع وعند عدم الرجوع يجب على بيت المال; لأنه ينتقل فعل الجلاد إلى القاضي وهو عامل للمسلمين فتجب الغرامة في مالهم وصار كالرجم, والقصاص ولأبي حنيفة أن الواجب هو الجلد وهو ضرب مؤلم غير جارح ولا مهلك ولا يقع جارحا ظاهرا إلا لمعنى في الضارب وهو قلة هدايته فاقتصر عليه إلا أنه لا يجب الضمان عليه في الصحيح كي لا يمتنع الناس عن الإقامة مخافة الغرامة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الحاكم في المستدرك "3/448" وذكره الزيلعي في نصب الراية من عدة طرق فانظر "3/345", وذكره مختصرا الهيثمي في مجمع الزوائد "6/280

 

ج / 5 ص -40-          فلو رجع أحد الأربعة بعد الرجم حد وغرم ربع الدية. وقبله حدوا ولا رجم, ولو رجع أحد الخمسة لا شيء عليه, فإن رجع آخر حدا وغرما ربع الدية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "فلو رجع أحد الأربعة بعد الرجم حد وغرم ربع الدية"; لأن الشهادة انقلبت قذفا بالرجوع; لأن به تنفسخ شهادته فجعل للحال قذفا للميت وقد انفسخت الحجة فينفسخ ما ينبني عليه وهو القضاء في حقه فلا يورث الشبهة بخلاف ما إذا قذفه غيره; لأنه غير محصن في حق غيره لقيام القضاء في حقه, وإنما غرم الواحد الراجع ربع الدية لبقاء من يبقى بشهادته ثلاثة أرباع الحق فيكون التالف بشهادة الراجع ربع الحق ولا يجب القصاص على الراجع عندنا; لأنه تسبب في الإتلاف وليس بمباشرة قيد بالرجوع; لأنه لو وجد واحد منهم عبدا فلا حد على واحد منهم لظهور أنها لم تكن شهادة بل هي قذف في ذلك الوقت فصاروا قاذفين حيا ثم مات, والحد لا يورث على ما سيجيء وأشار إلى أنه لو كان حده الجلد فجلد بشهادتهم ثم رجع واحد منهم, فإنه يحد الراجع بالأولى وهو متفق عليه.
وفي مسألة الكتاب خلاف زفر وإلى أنه لو رجع الكل حدوا وغرموا ربع الدية وإلى أنه لو شهد على رجل أربعة أنه زنى بفلانة وشهد عليه أربعة آخرون بالزنا بغيرها ورجم فرجع الفريقان, فإنهم يضمنون الدية إجماعا ويحدون للقذف عندهما وقال محمد: لا يحدون.
قوله: "وقبله حدوا ولا رجم" أي لو رجع أحدهم قبل الرجم حد الكل الراجع وغيره وامتنع الرجم وقال محمد حد الراجع خاصة لأن الشهادة تأكدت بالقضاء فلا ينفسخ إلا في حق الراجع كما إذا رجع بعد الإمضاء ولهما أن الإمضاء من القضاء وصار كما إذا رجع واحد منهم قبل القضاء ولهذا يسقط الحد عن المشهود عليه أطلق في قوله قبله فشمل ما إذا كان قبل القضاء أو بعده وخلاف محمد إنما هو فيما بعد القضاء, وأما قبل القضاء فيحد الكل عند الثلاثة خلافا لزفر, فإنه قال: يحد الراجع خاصة; لأنه لا يصدق على غيره ولنا أن كلامهم قذف في الأصل, وإنما يصير شهادة باتصال القضاء به, فإذا لم يتصل بقي قذفا فيحدون.
قوله: "ولو رجع أحد الخمسة لا شيء عليه"; لأنه بقي من يبقى بشهادته كل الحق وهو شهادة الأربع وشمل قوله: لا شيء عليه الحد, والغرم وما إذا كان قبل القضاء وبعده وأفاد أنه لا شيء على الأربعة بالأولى وحاصله أنه لا شيء على الكل وكأنه لم يرجع أحد.
قوله: "فإن رجع آخر حدا وغرما ربع الدية" أما الحد فلانفساخ القضاء بالرجم في حقهما, وأما الغرامة فلأنه بقي من يبقى بشهادته ثلاثة أرباع الحق, والمعتبر بقاء من بقي على ما عرف

 

ج / 5 ص -41-         وضمن المزكون دية المرجوم إن ظهروا عبيدا, كما لو قتل من أمر برجمه فظهروا كذلك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأفاد بالغرامة أن المسألة بعد الرجم; لأنه لو كان قبله فلا غرامة, وإنما لزم الأول برجوع الثاني; لأنه وجد منه الموجب للحد, والضمان وهو قذفه وإتلافه شهادته, وإنما امتنع الوجوب لمانع وهو بقاء من يقوم بالحق, فإذا زال المانع برجوع الثاني ظهر الوجوب, وإذا رجع الثالث ضمن ربع الدية وكذا الثاني, والأول, وإذا رجع الخمسة ضمنوا الدية أخماسا كذا في الحاوي القدسي.
قوله: "وضمن المزكون دية المرجوم إن ظهروا عبيدا" يعني ضمن المزكون برجوعهم عن التزكية دية المرجوم إن ظهر الشهود أنهم ليسوا أهلا للشهادة عند أبي حنيفة وقالا هي على بيت المال; لأنهم أثنوا على الشهود خيرا فصار كما إذا أثنوا على المشهود عليه خيرا بأن شهدوا بإحصانه وله أن الشهادة إنما تصير حجة وعاملة بالتزكية فكانت التزكية في معنى علة العلة فيضاف الحكم إليها بخلاف شهود الإحصان; لأنه محض الشرط.
قيدنا بكونهم رجعوا بأن قالوا تعمدنا الكذب مع علمنا بأنهم ليسوا أحرارا; لأنهم لو ثبتوا على تزكيتهم ولم يرجعوا أو قالوا: أخطأنا لم يضمنوا بالإجماع; لأنهم أخطئوا فيما عملوا لعامة المسلمين فصاروا كالقاضي.
وأفاد بالمزكين أنهم أخبروا بحرية الشهود وإسلامهم وعدالتهم لتكون تزكية سواء كان بلفظ الشهادة أو بلفظ الإخبار; لأنهم لو أخبروا بأنهم عدول ثم ظهروا عبيدا لم يضمنوا اتفاقا; لأنها ليست تزكية, والقاضي قد أخطأ حيث اكتفى بهذا القدر وقيد بالمزكين; لأنه لا ضمان على الشهود, والمسألة بحالها; لأن كلامهم لم يقع شهادة ولا يحدون للقذف; لأنهم قذفوا حيا وقد مات فلا يورث وقوله إن ظهروا عبيدا مثال بل المراد إن ظهر أنهم ليسوا أهلا للشهادة ولو كانوا كفارا ثم اعلم أنه وقع في كثير من الكتب وجوب الضمان على المزكين بظهورهم عبيدا من غير تقييد برجوع المزكين حتى جعلها في المنظومة مسألتين المسألة الأولى فيما إذا ظهروا عبيدا الثانية إذا رجع المزكون وليس الأمر كذلك.
والحاصل أن ظهور الشهود عبيدا وعدمه لا تأثير له في ضمان المزكين, وإنما الموجب عليهم هو الرجوع فقط عند الإمام, وإذا لم يرجعوا وظهروا عبيدا فالضمان في بيت المال اتفاقا.
قوله: "كما لو قتل من أمر برجمه فظهروا كذلك" أي يضمن المزكون الدية كما يضمن القاتل لمن أمر القاضي برجمه فظهر الشهود أنهم ليسوا أهلا للشهادة وفي القياس يجب القصاص على قاتله; لأنه قتل نفسا معصومة بغير حق, وجه الاستحسان أن القضاء صحيح ظاهرا وقت القتل فأورث شبهة وأشار بكون القاتل ضامنا إلى أن الدية في ماله; لأنه عمد, والعواقل لا تعقل دم العمد وتجب في ثلاث سنين; لأنه وجب بنفس القتل بخلاف الواجب بالصلح حيث يجب

 

ج / 5 ص -42-         وإن رجم فوجدوا عبيدا فديته في بيت المال, وإن قال شهود الزنا تعمدنا النظر قبل شهادتهم. ولو أنكر الإحصان فشهد عليه رجل وامرأتان أو ولدت منه زوجته رجم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حالا; لأنه وجب بالعقد فأشبه الثمن في البيع.
وقيد بقوله وأمر القاضي برجمه; لأنه لو قتله بعد التزكية قبل القضاء بالرجم وجب القصاص في العمد, والدية في الخطأ على عاقلته. والمراد من الأمر بالرجم القضاء به فاستلزم أن لا يكون بعد التزكية فلو أمر برجمه بعد الشهادة قبل التعديل خطأ من القاضي فقتله رجل عمدا وجب القصاص أو خطأ وجبت الدية في ثلاث سنين.
وقيد بقوله فظهروا كذلك; لأنه لو قتله بعد الأمر بالرجم ولم يظهر الشهود كذلك فلا شيء عليه ولم يذكر المصنف تعزير القاتل ولا شك فيه لافتياته على الإمام كما في فتح القدير وقيد بقتل المأمور برجمه; لأن من قتل من قضي بقتله قصاصا, فإنه يقتص منه سواء ظهر الشهود عبيدا أو لا; لأن الاستيفاء للولي كذا في التبيين من كتاب الردة.
قوله: "وإن رجم فوجدوا عبيدا فديته في بيت المال"; لأنه امتثل أمر الإمام فنقل فعله إليه كذا في الهداية وهو يقتضي أن يضبط رجم بالبناء للفاعل أي وإن رجم رجل من أمر القاضي برجمه فالمسألة الأولى بيان لقتله بالسيف, والثانية بيان لقتله بالرجم واقتصر عليه في فتح القدير ويجوز أن يكون مبنيا للمفعول أي إن رجم المشهود عليه بالزنا في هذه الحالة ثم تبين حال الشهود كذا في غاية البيان ولم أر هل تؤخذ الدية حالا أو مؤجلة.
قوله: "وإن قال شهود الزنا تعمدنا النظر قبل شهادتهم"; لأنه يباح النظر لهم إلى الفرج ضرورة تحمل الشهادة فأشبه الطبيب, والقابلة, والخافضة1, والختان, والاحتقان, والبكارة في العنة, والرد بالعيب قيد بقوله: تعمدنا النظر; لأنهم لو قالوا: تعمدنا النظر للتلذذ لا تقبل شهادتهم إجماعا لفسقهم.
قوله: "ولو أنكر الإحصان فشهد عليه رجل وامرأتان أو ولدت منه زوجته رجم" أي لو أنكر الدخول بعد وجود سائر الشروط أما إذا ولدت منه فلأن الحكم بإثبات النسب منه حكم بالدخول عليه ولهذا لو طلقها يعقب الرجعة, والإحصان يثبت بمثله, وأما إذا شهد عليه بالإحصان رجل وامرأتان بعد ما أنكر بعض شرائطه كالنكاح, والدخول, والحرية, فإنه يرجم خلافا لزفر والشافعي فالشافعي مر على أصله أن شهادتهن غير مقبولة في غير الأموال. وزفر يقول: إنه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الخافضة: هو الخاتنة فتقول خفضت الخافضة الجارية ختنها ولا يطلق الخفض إلا على الجارية دون الغلام ا هـ المصباح المنير مادة خفض.

 

ج / 5 ص -43-         .................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شرط في معنى العلة; لأن الجناية تتغلظ عنده فيضاف الحكم إليه فأشبه حقيقة العلة فلا تقبل شهادة النساء فيه احتيالا للدرء وصار كما إذا شهد ذميان على ذمي زنى عبده المسلم أنه أعتقه قبل الزنا لا تقبل لما ذكرنا ولنا أن الإحصان عبارة عن الخصال الحميدة وأنها مانعة عن الزنا على ما ذكرنا فلا يكون في معنى العلة وصار كما إذا شهدوا به في غير هذه الحالة ولا يرد أنه يصح الرجوع عن الإقرار به فدل أنه كالحد; لأنا نقول: إنما صح; لأنه لا مكذب له فيه بخلاف ما ذكر; لأن العتق يثبت بشهادتهما, وإنما لا يثبت سبق التاريخ; لأنه ينكره المسلم ويتضرر به المسلم, والمراد بقوله أو ولدت منه أن يكون له من زوجته ولد قبل الزنا قال في غاية البيان ودلت هذه المسألة على أن إثبات الإحصان ليس مثل إثبات العقوبات كالحدود, والقصاص; لأنها لا تثبت بدلالة الظواهر قالوا وكيفية الشهادة بالدخول أن يقول الشهود تزوج امرأة وجامعها أو باضعها ولو قالوا دخل بها يكفي عندهما وقال محمد لا يكفي ولا يثبت بذلك إحصانه; لأنه مشترك بين الوطء, والزفاف, والخلوة, والزيارة فلا يثبت بالشك كلفظ القربان, والإتيان ولهما أنه متى أضيف إلى المرأة بحرف الباء يتعين للجماع بخلاف دخل عليها, فإنه للزيارة, ولو خلا بها ثم طلقها, وقال: وطئتها وأنكرت صار محصنا دونها وكذا لو قالت بعد الطلاق: كنت نصرانية وقال: كانت مسلمة, وإذا كان أحد الزانيين محصنا يحد كل واحد منهما حده, وإن رجع شهود الإحصان لا يضمنون وهي معروفة وفي المحيط امرأة الرجل إذا أقرت أنها أمة هذا الرجل فزنى الرجل يرجم, وإن أقرت بالرق قبل أن يدخل بها ثم زنى الرجل لا يرجم استحسانا لا قياسا رجل تزوج امرأة بغير ولي فدخل بها قال أبو يوسف لا يكونان بذلك محصنين; لأن هذا النكاح غير صحيح قطعا لاختلاف العلماء, والأخبار فيه ا هـ. والله أعلم.

3- باب حد الشرب
من شرب خمرا وأخذ وريحها موجود أو كان سكران ولو بنبيذ وشهد رجلان أو أقر مرة حد إن علم شربه طوعا وصحا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3- "باب حد الشرب"
أي الشرب المحرم أخره عن الزنا; لأنه أقبح منه وأغلظ عقوبة وقدمه على حد القذف لتيقن الحرمة في الشارب دون القاذف لاحتمال صدقه وتأخير حد السرقة; لأنه لصيانة الأموال التابعة للنفوس.
قوله: "من شرب خمرا وأخذ وريحها موجود أو كان سكران ولو بنبيذ وشهد رجلان أو أقر مرة حد إن علم شربه طوعا وصحا" للحديث
"من شرب الخمر فاجلدوه ثم إن شرب

 

ج / 5 ص -44-         ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه, فإن عاد في الرابعة فاقتلوه"1 أخرجه أصحاب السنن الأربعة إلا النسائي ثم نسخ القتل في الرابعة بما رواه النسائي أنه عليه السلام قد أتي برجل شرب الخمر في الرابعة فجلده ولم يقتله2 وزاد في لفظ فرأى المسلمون أن الحد قد وقع وأن القتل قد ارتفع أطلق في شرب الخمر فشمل القطرة الواحدة كما سيصرح به آخرا وفي وجود ريحها فشمل ما إذا كان الريح موجودا وقت الشهادة أو وقت رفعه إلى الحاكم وهي على وجهين, فإن كان المكان قريبا فلا بد من وجود الرائحة عند أداء الشهادة بأن يشهدا بالشرب وبقيام الرائحة أو يشهدا به فقط فيأمر القاضي باستنكاهه فيستنكهه ويخبره بأن ريحها موجود. فإن شهدا به بعد مضي ريحها مع قرب المكان فسيأتي, وإن كان المكان بعيدا فزالت الرائحة فلا بد أن يشهدا بالشرب ويقولا أخذناه وريحها موجود; لأن مجيئهم به من مكان بعيد لا يستلزم كونهم أخذوه في حال قيام الرائحة فيحتاجون إلى ذكر ذلك للحاكم ولو أخر المصنف اشتراط وجود الرائحة عن السكران بأن قال بعد قوله ولو بنبيذ وأخذ وريح ما شرب منه موجود لكان أولى; لأنه لا بد من وجود رائحة الشرب الذي شربه خمرا كان أو نبيذا سكر منه وقد ذكر المصنف الريح حيث قال موجود وفي الهداية وريحها موجودة وهو الحق; لأن الريح من الأسماء المؤنثة السماعية كما في غاية البيان.
وقيد بالرجلين; لأن شهادة النساء لا تقبل في الحدود للشبهة ولم يذكر المصنف أن القاضي يسأل الشهود كما يسألهم في الزنا وقد ذكره قاضي خان في الفتاوى فقال: وإذا شهد الشهود عند القاضي على رجل بشرب الخمر سألهم القاضي عن الخمر ما هي ثم سألهم كيف شرب لاحتمال أنه كان مكرها ثم يسألهم متى شرب لاحتمال التقادم ثم يسألهم أنه أين شرب لاحتمال أنه شرب في دار الحرب ا هـ. وينبغي أن يكون السؤال عن الوقت مبنيا على قول محمد, وأما على المذهب فلا; لأن وجود الرائحة كاف ثم قال: فإذا بينوا ذلك حبسه القاضي حتى يسأل عن العدالة ولا يقضي بظاهر العدالة ا هـ.
والمشهود عليه بشربها لا بد أن يكون بالغا عاقلا مسلما ناطقا فلا حد على صبي


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الترمذي في الحدود باب ما جاء من شرب الخمر فاجلدوه ومن عاد في الرابعة فاقتلوه "1444" من حديث معاوية وقال وفي الباب عن أبي هريرة وغيره. وأبو داود في الحدود باب إذا تابع في شرب الخمر "4485". وابن ماجة بلفظ "إذا شربوا الخمر" باب من شرب الخمر مرارا "2573".
2 أخرجه النسائي في السنن الكبرى "3/372" ذكره الزيلعي في نصب الراية "3/347".

 

ج / 5 ص -45-         ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولا مجنون ولا كافر قال في الظهيرية: رجل ارتد عن الإسلام والعياذ بالله تعالى ثم أتي به إلى الإمام ثم شرب خمرا أو سكر من غير خمر أو سرق أو زنى ثم تاب وأسلم, فإنه يحد في جميع ذلك ما خلا الخمر, والسكر, فإنه لا يحد فيهما; لأن المرتد كافر وحد السكر, والخمر لا يقام على أحد من الكفار ا هـ.
وفي الخانية ولا يحد الأخرس سواء شهد الشهود عليه أو أشار بإشارة معهودة يكون ذلك إقرارا منه في المعاملات; لأن الحدود لا تثبت بالشبهات ويحد الأعمى ولو قال المشهود عليه بشرب الخمر: ظننتها لبنا أو قال: لا أعلم أنها خمر لا يقبل ذلك; لأنه يعرفها بالرائحة, والذوق من غير ابتلاع, وإن قال: ظننتها نبيذا قبل منه; لأن غير الخمر بعد الغليان, والشدة يشارك الخمر في الذوق, والرائحة ا هـ. ولا بد من اتفاق الشاهدين فلو شهدا على الشرب, والريح يوجد منه لكنهما اختلفا في الوقت لم يحد وكذا لو شهد أحدهما أنه شربها وشهد الآخر بإقراره بشربها وكذلك لو شهد أحدهما أنه سكر من الخمر وشهد الآخر أنه سكر من السكر كذا في الظهيرية وفي حصره الثبوت في البينة والإقرار دليل على أن من يوجد في بيته الخمر وهو فاسق أو يوجد القوم مجتمعين عليها ولم يرهم أحد يشربونها غير أنهم جلسوا مجلس من يشربها لا يحدون, وإنما يعزرون وكذلك الرجل يوجد معه ركوة من خمر وكان في عهد أبي حنيفة من يقول بوجوب الحد عليه فقال له الإمام: لم تحده فقال; لأن معه آلة الشرب, والفساد فقال الإمام فارجمه إذن, فإن معه آلة الزنا كذا في الظهيرية وفي قوله: مرة رد لقول أبي يوسف: إنه لا بد من مرتين اعتبارا بالشهادة كما في الزنا قلنا: ثبت ذلك على خلاف القياس فلا يقاس عليه غيره وشرط أن يعلم شربه طوعا وهو بأن يشهد الشهود أنه شربه طائعا; لأن الشرب مكرها لا يوجب الحد.
قال في الخانية ولو قال أكرهت عليها لا يقبل; لأن الشهود شهدوا عليه بالشرب طائعا ولو لم يشهدوا بذلك لا تقبل شهادتهم فلو قبلنا قوله كان لكل من شهد عليه بالشرب أن يقول كنت مكرها فيرتفع الحد ا هـ.
قال في الظهيرية فرق بين هذا وبين ما إذا ادعى المشهود عليه بالزنا أنه نكحها, فإنه لا يحد; لأن هناك هو ينكر السبب الموجود للحد; لأن الفعل يخرج عن أن يكون زنا بالنكاح وهاهنا بعذر الإكراه لا ينعدم السبب وهو حقيقة شرب الخمر إنما هذا عذر مسقط فلا يثبت إلا ببينة يقيمها على ذلك. ا هـ.
وظاهر كلام المصنف أن الصحو شرط لإقامة الحد حتى لو حده في حال سكره لا يكتفى به

 

ج / 5 ص -46-         وإن أقرا أو شهدا بعد مضي ريحها لا لبعد المسافة أو وجد منه رائحة الخمر أو تقيأها أو رجع عما أقرا وأقر سكران بأن زال عقله لا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لعدم فائدته من كونه زاجرا وفي القنية لا يجوز لقاضي الرستاق أو فقيهه أو المتفقهة وأئمة المساجد إقامة حد الشرب إلا بتولية الإمام.
قوله: "وإن أقرا أو شهدا بعد مضي ريحها لا لبعد المسافة أو وجد منه رائحة الخمر أو تقيأها أو رجع عما أقرا وأقر سكران بأن زال عقله لا" أي لا يحد في هذه المسائل كلها, أما ثبوته بعد زوال رائحتها بإقرار أو ببينة فللتقادم وهو مقدر به فالتقادم يمنع قبول الشهادة بالاتفاق غير أنه مقدر بالزمان عند محمد اعتبارا بحد الزنا وهذا لأن التأخير يتحقق بمضي الزمان, والرائحة قد تكون من غيره كما قيل:

 يقولون لي إنكه شربت مدامة                       فقلت لهم لا بل أكلت السفرجلا1

وعندهما يقدر بزوال الرائحة لقول ابن مسعود رضي الله عنه تلتلوه ومزمزوه واستنكهوه, فإن وجدتم رائحة الخمر فاجلدوه2 ولأن قيام الأثر من أقوى دلالة على القرب, وإنما يصار إلى التقدير بالزمان عند تعذر اعتباره, والتمييز بين الروائح ممكن للمستدل, وإنما يشتبه على الجهال, وأما الإقرار فالتقادم لا يبطله عند محمد كما في حد الزنا على ما مر تقريره وعندهما لا يقام الحد إلا عند قيام الرائحة; لأن حد الشرب ثبت بإجماع الصحابة رضي الله عنهم ولا إجماع إلا برأي ابن مسعود وقد شرط قيام الرائحة على ما روينا ورجح في غاية البيان قول محمد فقال: والمذهب عندي في الإقرار ما قاله محمد; لأن حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنكره بعض أهل العلم قال أبو عبيد: لأن الأصل في الحدود إذا جاء صاحبها مقرا بها الرد, والإعراض وعدم الاستماع احتيالا للدرء كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أقر ماعز فكيف يأمر ابن مسعود بالتلتلة, والمزمزة, والاستنكاه حتى يظهر سكره فلو صح فتأويله أنه جاء في رجل أنه مولع بالشراب مدمن فاستجازه لذلك ا هـ.
وفي فتح القدير وقول محمد هو الصحيح. ا هـ.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من البحر الطويل وهو للأقيشر الأسدبي في ديوانه "63" وذكره ابن منظور في لسان العربي مادة "نكه". والأغاني "11/251".
2 أخرجه الطبراني في الكبير موقوفا برقم "8572" بلفظ "ترتروه" وذكره الزيلعي في نصب الراية مختصرا "3/371" وقال غريب بهذا اللفظ والهيثمي في مجمع الزوائد "6/279" وعبد الرزاق في مصنفه "7/371" والتلتلة والترترة معناهما واحد وهو تحريك الشيء والمراد به تحريكه ليستنكه هل يوجد منه رائحة الخمر أو لا ومثله المزمرة. ا هـ لسان العرب مادة "تر".

 

ج / 5 ص -47-         ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والحاصل أن المذهب قول أبي حنيفة وأبي يوسف إلا أن قول محمد أرجح من جهة المعنى وقدمنا التفصيل في اشتراط وجود الرائحة وأن المسافة إذا كانت بعيدة فالشرط وجودها عند التحمل لا الأداء وهو المراد بقوله لا لبعد المسافة وقدمنا أن وجود الرائحة لا بد منها سواء كان قد شرب الخمر أو سكر من نبيذ, وقول الزيلعي وأشار في الهداية إلى أنه لا يشترط غير صحيح; لأنه قال أولا ومن شرب الخمر فأخذ وريحها موجودة أو جاءوا به وهو سكران وثانيا فإن أخذه الشهود وريحها توجد أو سكران وكونه سكران مغن عن اشتراط وجود الرائحة إذ لا يوجد سكران بغير رائحة ما شربه, وأما إذا وجد منه رائحة الخمر أو تقيأها فلأنه يحتمل أنه شربها مكرها أو مضطرا, والرائحة محتملة أيضا فلا يجب الحد بالشك وأشار إلى أنه لو وجد سكران لا يحد من غير إقرار ولا بينة لاحتمال ما ذكرنا ولاحتمال أنه سكر من المباح.
وفي الظهيرية شهد أحدهما أنه شربها, والآخر أنه قاءها لم يحد, وإذا شرب قوم نبيذا فسكر منه بعضهم دون البعض حد من سكر, وأما إذا رجع عن الإقرار فلأنه خالص حق الله تعالى فيعمل الرجوع فيه كسائر الحدود وهذا لأنه يحتمل أن يكون صادقا فصارت شبهة, والحدود تدرأ بالشبهات, وأما إذا أقر وهو سكران فلزيادة احتمال الكذب في إقراره فيحتال للدرء; لأنه خالص حق الله تعالى وأشار إلى أن كل حد كان خالصا لله تعالى فلا يصح إقرار السكران به, وإن ما لم يكن خالصا لله تعالى, فإنه يصح إقراره به كحد القذف; لأنه فيه حق العبد, والسكران فيه كالصاحي عقوبة عليه كما في سائر تصرفاته.
والحاصل أن إقراره بالحدود لا يصح إلا حد القذف وإقراره بسبب القصاص وسائر الحقوق من المال, والطلاق, والعتاق وغيرها صحيح; لأنها لا تقبل الرجوع ولذا إذا أقر بالسرقة ولم يقطع لسكره أخذ منه المال وصار ضامنا له, وأما ارتداده فليس بصحيح فلا تبين منه امرأته; لأن الكفر من باب الاعتقاد فلا يتحقق مع السكر قال في فتح القدير هذا في الحكم أما فيما بينه وبين الله تعالى, فإن كان في الواقع قصد أن يتكلم به ذاكرا لمعناه كفر وإلا فلا وفي التبيين وعند أبي يوسف ارتداده كفر ذكره في الذخيرة. وأما إذا أسلم ينبغي أن يصح كإسلام المكره ا هـ. وفي فتح القدير أن إسلامه غير صحيح.
وقيد بالإقرار; لأنهم لو شهدوا عليه بالشرب وهو سكران قبلت شهادتهم وكذا بالزنا وهو سكران كما إذا زنى وهو سكران وكذا بالسرقة وهو سكران ويحد بعد الصحو ويقطع; لأن

 

ج / 5 ص -48-         وحد السكر, والخمر ولو شرب قطرة ثمانون سوطا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإنشاء لا يحتمل الكذب فيعتبر فعله فيما ينفذ من غير قصد واعتقاد وهذا كله إذا سكر من المحرم, وأما إذا سكر بالمباح كشرب المضطر, والمكره, والمتخذ من الحبوب, والعسل, والدواء, والبنج فلا تعتبر تصرفاته كلها; لأنه بمنزلة الإغماء لعدم الجناية.
وفي الخانية. وإن زال عقله بالبنج فطلق إن كان حين تناوله البنج علم أنه بنج يقع الطلاق, وإن لم يعلم لا يقع وعن أبي يوسف ومحمد لا يقع من غير فصل وهو الصحيح ا هـ. وهذا يدل على أن البنج حلال مطلقا على الصحيح وقوله بأن زال عقله بيان حد السكر فعند أبي حنيفة السكران من النبيذ الذي يحد هو الذي لا يعقل منطقا قليلا ولا كثيرا ولا يعقل الرجل من المرأة ولا الأرض من السماء وقالا: هو الذي يهذي ويختلط كلامه غالبا, فإن كان نصفه مستقيما فليس بسكران; لأنه السكران في العرف وإليه مال أكثر المشايخ وله أن يؤخذ في أسباب الحدود بأقصاها درءا للحد ونهاية السكران يغلب السرور على العقل فيسلبه الميز بين شيء وشيء وما دون ذلك لا يعرى عن شبهة الصحو, والمعتبر في القدح المسكر في حق الحرمة ما قالاه بالإجماع أخذا بالاحتياط وفي الخانية وبقولهما أفتى المشايخ وفي فتح القدير واختاروه للفتوى لضعف دليل الإمام واستدل له في الظهيرية بما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال من بات سكرانا بات عروسا للشيطان فعليه أن يغتسل إذا أصبح1 فهذا إشارة إلى أن السكران من لا يحس بشيء مما يصنع به وحكى أن أئمة بلخ اتفقوا على أنه يستقرأ سورة من القرآن, فإن أمكنه أن يقرأها فليس بسكران حتى يحكى أن أميرا ببلخ أتاه بعض الشرطى بسكون الراء بسكران فأمره الأمير أن يقرأ
{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1] فقال السكران للأمير اقرأ سورة الفاتحة أولا فلما قال الأمير "الحمد لله رب العالمين" قال: قف فقد أخطأت من وجهين تركت التعوذ عند افتتاح القراءة وتركت التسمية وهي آية من أول الفاتحة عند بعض الأئمة والقراء, فخجل الأمير وجعل يضرب الشرطي الذي جاء به ويقول: أمرتك أن تأتيني بالسكران فجئتني بمقرئ بلخ. ا هـ. وفي فتح القدير ولا شك أن المراد ممن يحفظ القرآن أو كان حفظها فيما حفظ منه لا من لم يدرسها أصلا ولا ينبغي أن يعول على هذا بل ولا معتبر به, فإنه طريق سماع تبديل كلام الله تعالى, فإنه ليس كل سكران إذا قيل له اقرأ "قل يا أيها الكافرون" يقول لا أحسنها الآن بل يندفع قارئا فيبدلها إلى الكفر ولا ينبغي لأحد أن يلزم أحدا بطريق ذكر ما هو كفر, وإن لم يؤاخذ به.
قوله: "وحد السكر, والخمر ولو شرب قطرة ثمانون سوطا" لإجماع الصحابة رضي الله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لم أعثر عليه.

 

ج / 5 ص -49-         وللعبد نصفه, وفرق على بدنه كحد الزنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عنهم روى البخاري من حديث "السائب بن يزيد قال كنا نأتي بالشارب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدر من خلافة عمر رضي الله عنهما فنقوم عليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا حتى كان آخر إمرة عمر رضي الله عنه فجلد أربعين حتى عتوا وفسقوا جلد ثمانين"1 وحاصل ما في فتح القدير أنه عليه الصلاة والسلام لم يسن فيه عددا معينا ثم قدره أبو بكر وعمر رضي الله عنهما بأربعين ثم اتفقوا على ثمانين, وإنما جاز لهم أن يجمعوا على تعيينه, والحكم المعلوم عنه عليه السلام عدم تعيينه لعلمهم أنه عليه السلام انتهى إلى هذه الغاية في ذلك الرجل لزيادة فساد منه ثم رأوا أهل الزمان تغيروا إلى نحوه أو أكثر على ما تقدم من قول السائب حتى عتوا وفسقوا وعلموا أن الزمان كلما تأخر كان فساد أهله أكثر فكان ما أجمعوا عليه هو ما كان حكمه عليه السلام في أمثالهم, والسكر في عبارة المصنف بضم السين وسكون الكاف كذا السماع كما في غاية البيان يعني لا السكر بفتحتين نوع من الأشربة.
والحاصل أن حرمة الخمر قطعية فيحد بقليله وحرمة غيره ظنية فلا يحد إلا بالسكر منه.
قوله: "وللعبد نصفه" أي نصف هذا الحد وهو أربعون سوطا لما رواه مالك في الموطإ أن عمر وعثمان وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم قد جلدوا عبيدهم نصف الحد في الخمر2 ولأن الرق منصف للنعمة, والعقوبة على ما عرف.
قوله: "وفرق على بدنه كحد الزنا"; لأن تكرار الضرب في موضع واحد قد يفضي إلى التلف, والحد شرع زاجرا لا متلفا وأشار بالتشبيه إلى أنه لا يضرب الرأس ولا الوجه ولا الفرج كما قدمنا في حد الزنا وأنه يضرب بسوط لا تمرة له وأنه ينزع عنه ثيابه قال في الهداية ثم يجرد في المشهور من الرواية وعن محمد أنه لا يجرد إظهارا للتخفيف ووجه المشهور إذا أظهرنا التخفيف مرة فلا يعتبر ثانيا ا هـ. وسيصرح المصنف رحمه الله في فصل التعزير أن حد الشرب أخف من حد الزنا وصفا كما هو أخف منه قدرا, والحاصل أن المضروب في الحدود, والتعزير يجرد على ثيابه إلا الإزار احترازا عن كشف العورة إلا حد القذف, فإنه يضرب وعليه ثيابه إلا الحشو, والفرو كذا في غاية البيان إلا أنه قال: والأصح عندي ما روي عن محمد من أنه لا يجرد لعدم ورود النص بذلك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري في الحدود باب الضرب الجريد والنعال "6779" وأبو داود وبنحوه من حديث أنس بن مالك في الحدود باب الحد في الخمر "4479".
2 أخرجه مالك في الموطأ كتاب الأشربة باب الحد في الخمر "2/843".

 

ج / 5 ص -50-         4- باب حد القذف.
هو كحد الشرب كمية وثبوتا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4- "باب حد القذف"
هو في اللغة الرمي بالشيء وفي الشرع الرمي بالزنا وهو من الكبائر بإجماع الأمة قال الله تعالى
{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور:3] كذا في فتح القدير وليس هو من الكبائر مطلقا بل بحضرة أحد أما القذف في الخلوة فصغيرة عند الشافعية كما في شرح جمع الجوامع وقواعدنا لا تأباه; لأن العلة فيه لحوق العار وهو مفقود في الخلوة وينبغي أن يقيد أيضا بكون المقذوف محصنا كما قيد به في الآية الكريمة فقذف غير المحصن لا يكون من الكبائر ولذا لم يجب به الحد فينبغي أن يعرف القذف في الشرع بأنه رمي المحصن بالزنا وفي فتح القدير وتعلق الحد به بالإجماع مستندين إلى قوله تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4], والمراد الرمي بالزنا حتى لو رماها بسائر المعاصي غيره لا يجب الحد بل التعزير وفي النص أشار إليه أي إلى أن المراد الزنا وهو اشتراط أربعة من الشهود يشهدون عليها بما رماها به ليظهر به صدقه فيما رماها به ولا شيء يتوقف ثبوته بالشهادة على شهادة أربعة إلا الزنا ثم ثبت وجوب جلد القاذف للمحصن بدلالة هذا النص للقطع بإلغاء الفارق وهو صفة الأنوثة واستقلال دفع عار ما نسب إليه بالتأثير بحيث لا يتوقف فهمه على ثبوت أهلية الاجتهاد.
قوله: "هو كحد الشرب كمية وثبوتا" أي حد القذف كحد الشرب قدرا وهو ثمانون سوطا إن كان حرا ونصفه إن كان القاذف عبدا ويثبت سببه وهو القذف بشهادة رجلين أو بإقرار القاذف مرة ولا تقبل فيه شهادة النساء ولا الشهادة على الشهادة ولا كتاب القاضي إلى القاضي ولو ادعى المقذوف أن له بينة حاضرة على القاذف في مصر يحبسه القاضي في قول أبي حنيفة إلى قيام القاضي عن مجلسه يريد به أن يلازمه ولا يأخذ منه كفيلا بنفسه في قول أبي حنيفة ومحمد ولو أقام المقذوف شاهدا واحدا عدلا على القاذف وقال لي شاهد آخر في المصر قال أبو حنيفة رضي الله عنه يحبسه القاضي وكذا لو أقام المدعي شاهدين مستورين لا يعرفهما القاضي بالعدالة, فإنه يحبسه وقال أبو يوسف لا يحبس بقول الواحد العدل ولو قال مدعي القذف شهودي خارج المصر أو أقام شاهدا واحدا وادعى أن بينته خارج المصر وطلب من القاضي حبس القاذف, فإنه لا يحبسه* كذا في الخانية وفي الظهيرية هذا إذا كان المكان الذي فيه الشاهد بعيدا من المصر بحيث لا يمكنه الإحضار في ثلاثة أيام أما إذا كان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* في الأصل لا يحب.

 

ج / 5 ص -51-         فلو قذف محصنا أو محصنة بزنا حد بطلبه مفرقا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المكان قريبا يمكنه الإحضار في ثلاثة أيام, فإنه يحبسه أيضا.
وفي الظهيرية أيضا إذا ادعى رجل على رجل أنه قذفه وجاء بشاهدين فالقاضي يسأل الشاهدين عن القذف ما هو وكيف هو, فإذا قالا: نشهد أنه قال له يا زاني قبلت شهادتهما وحد القاذف إن كانا عدلين فإن شهد أحدهما أنه قال له يا زاني يوم الجمعة وشهد الآخر أنه قال له يا زاني يوم الخميس قال أبو حنيفة تقبل هذه الشهادة وقالا لا تقبل وكذا لو شهد أحدهما بالإقرار, والآخر بالإنشاء ا هـ.
قوله: "فلو قذف محصنا أو محصنة بزنا حد بطلبه مفرقا" أي بطلب المقذوف مفرقا على أعضاء القاذف لما تلوناه من الآية وبينا من الإجماع قيد بالمحصن; لأن غيره لا يجب الحد بقذفه وفيه إشارة إلى اشتراط عجز القاذف عن إقامة البينة على الزنا, فإنه إذا أقام بينة على صدق مقالته لم يبق المقذوف محصنا فأغنى ذكر الإحصان عن هذا الشرط وكذا لو صدقه المقذوف وفي الظهيرية رجل قذف رجلا بالزنا فرفعه المقذوف إلى القاضي فقال القاذف: عندي شهود عدول على ما قلت وأقامهم على ذلك, فإنه لا يحد وهل يحد المقذوف إن شهدوا بحد متقادم, فإنه لا يحد كما لو شهدوا عليه بالزنا قبل القذف إن كان متقادما لم يحد, وإن كان غير متقادم حد فكذلك هنا ا هـ.
وقيد بقوله بزنا; لأنه لو قذفه بغيره لا يكون قذفا شرعا لما قدمناه فلا حد بقوله وطئك فلان وطئا حراما أو جامعك حراما وأطلق في الزنا ولم يقيده بلفظ ليدخل فيه ما إذا قال زنيت أو يا زاني أو أنت أزنى الناس أو أنت أزنى من فلان أو أنت أزنى مني كما في الظهيرية ويخالفه ما في الخانية لو قال: أنت أزنى مني لا حد عليه ولو قال لرجل: يا زانية بالتاء لا يحد في قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد: يكون قاذفا ولو قال لامرأة يا زاني يجب الحد في قولهم; لأنه ترخيم وهو حذف آخر الكلمة ولو قال لرجل زان لا حد عليه ولو قال لأهل قرية ليس فيكم زان إلا واحدا أو قال: كلكم زان إلا واحدا أو قال لرجلين: أحدكما زان فقيل هذا لأحدهما بعينه فقال نعم لا حد عليه. ولو قال لرجل يا زاني فقال له غيره صدقت حد المبتدئ دون المصدق ولو قال له صدقت هو كما قلت فهو قاذف أيضا ولو أن جماعة قالوا رأينا فلانا يزني بفلانة ثم قالوا فيما دون الفرج متصلا لا حد على المقذوف ولا على الجماعة ولو قطعوا الكلام ثم قالوا فيما دون الفرج كان عليهم حد القذف ولو قال من قال كذا وكذا فهو ابن الزانية فقال رجل أنا قلت لا حد على المبتدئ ولو قال لغيره أنت تزني لا حد عليه ولو قال لامرأة ما رأيت زانية خيرا منك لا حد عليه ولو قال لامرأة زنى بك

 

ج / 5 ص -52-         ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
زوجك قبل أن يتزوجك كان قذفا ولو قال لغيره زنى فخذك أو ظهرك أو يدك لا حد عليه ولو قال: زنى فرجك كان قاذفا ولو قذف رجلا بغير لسان العربية كان عليه الحد ولو قال لغيره أخبرت أنك زان أو قال أشهدت على ذلك لا حد عليه ولو قال لغيره زنيت وفلان معك يكون قاذفا لهما ولو قال: عنيت وفلان معك شاهد لا يصدق ولو قال أشهد أنك زان فقال رجل آخر وأنا أشهد أيضا لا حد على الثاني إلا أن يقول وأنا أشهد عليه بمثل ما شهدت به عليه فحينئذ يكون قاذفا ولو قال لغيره اذهب إلى فلان وقل له يا زاني فلا حد على الآمر وهل يحد المأمور إن كان المأمور قال له يا زاني يحد, وإن قال له: إن فلانا يقول لك يا زاني لم يحد ولو قال لآخر يا ابن الزانية وهذا معك قال ذلك بكلام واحد فهذا ليس بقذف للثاني ولو قال لرجل يا زاني وهذا معك كان قاذفا لهما. ولو قال لآخر يا ابن الزانية وهذا ولم يقل معك فهو قاذف للثاني رجل قال لامرأة أجنبية زنيت ببعير أو بثور أو بحمار لا حد عليه; لأنه نسبها إلى التمكين من البهائم ولو قال زنيت بناقة أو ببقرة أو بثوب أو بدرهم فعليه الحد; لأن معنى كلامه زنيت بناقة بذلك لك أو بدرهم بذلك لك في الزنا, فإن قيل بل معنى كلامه زنيت بدرهم استؤجرت عليه فينبغي أن لا يحد في قول أبي حنيفة وهذا; لأن حرف الباء تصحب الأعواض, والأبدال قيل له هذا محتمل وما ذكرناه محتمل فيتقابل المحتملان ويبقى قوله: "زنيت فكأنه لم يزد على هذا ولو قال لرجل زنيت ببعير أو بناقة أو ما أشبه ذلك لا حد عليه; لأنه نسبه إلى إتيان البهيمة, فإن قال بأمة أو دار أو ثوب فعليه الحد كذا في الخانية, والظهيرية وبه تبين أن حد القذف لا يجب مع التصريح بالزنا في بعض المسائل لقرينة ويجب في بعض المسائل مع عدم التصريح مثل ما تقدم من قوله هو كما قال فحينئذ يحتاج إلى ضبط هذه المسألة.
وفي الخانية رجل قال لغيره يا لوطي لا حد عليه. ولو نسبه إلى اللواطة صريحا لا حد عليه في قول أبي حنيفة وقال صاحباه يحد ا هـ.
واعلم أنه يشترط وجود الإحصان وقت الحد حتى لو زنى المقذوف قبل أنه يقام الحد على القاذف أو وطئ وطئا حراما على ما ذكرنا أو ارتد, والعياذ بالله تعالى سقط الحد عن القاذف ولو أسلم بعد ذلك; لأن إحصان المقذوف شرط فلا بد من وجوده عند إقامة الحد كذا في فتح القدير وقيد بطلبه; لأنه حقه وينتفع به على الخصوص من حيث دفع العار عن نفسه, وإن كان الغالب فيه حق الله تعالى على الأصح وأشار به إلى أن قذف الأخرس لا يوجب الحد; لأن طلبه يكون بالإشارة ولعله لو كان ينطق لصدقه ولما كان الطلب ثم الحد لدفع العار استفيد منه أنه لا بد من تصور الزنا من المقذوف حتى لو قذف رتقاء أو مجبوبا لا يجب عليه الحد; لأنهما لا يلحقهما العار بذلك لظهور كذبه بيقين

 

ج / 5 ص -53-         ولا ينزع عنه غير الفرو, والحشو, وإحصانه بكونه مكلفا حرا مسلما عفيفا عن الزنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "ولا ينزع عنه غير الفرو, والحشو" إظهارا للتخفيف; لأن سببه غير متيقن به لاحتمال صدق القاذف فلا يقام على الشدة. وأما الفرو, والحشو فيمنعان وصول الألم فينزعان بخلاف حد الزنا, والشرب, فإنه ينزع عنه ثيابه كلها إلا الإزار كما قدمناه, والمراد بالحشو الثوب المحشو كالمضرب بالقطن, ومقتضى كلامهم أنه لو كان عليه ثوب ذو بطانة غير محشو لا ينزع وفي فتح القدير, والظاهر أنه لو كان فوق قميص ينزع; لأنه يصير مع القميص كالمحشو أو قريبا منه ويمنع من إيصال الألم الذي يصلح زاجرا.
قوله: "وإحصانه بكونه مكلفا حرا مسلما عفيفا عن الزنا" فخرج الصبي, والمجنون; لأنه لا يتصور منهما الزنا إذ هو فعل محرم, والحرمة بالتكليف.
وفي الظهيرية إذا قذف غلاما مراهقا فادعى الغلام البلوغ بالسن أو الاحتلام لم يحد القاذف بقوله وخرج العبد; لأن الإحصان ينتظم الحرية قال تعالى
{فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] فقذف العبد ولو مدبرا أو مكاتبا يوجب التعزير على قاذفه لا الحد وخرج الكافر لقوله عليه السلام "من أشرك بالله فليس بمحصن"1 وفي الخانية ولا يجب حد القذف إلا أن يكون المقذوف حرا ثبت حريته بإقرار القاذف أو بالبينة إذا أنكر القاذف حريته وكذا لو أنكر القاذف حرية نفسه وقال أنا عبد وعلى حد العبيد كان القول قوله ا هـ.
ويثبت الإحصان بشهادة رجل وامرأتين وبعلم القاضي ولا يحلف القاذف أنه لا يعلم أن المقذوف محصن. كذا في فتح القدير.
وفي الظهيرية لو قال لامرأته زنيت وأنت كافرة وهي في الحال مسلمة, فإنه يجب اللعان وكذلك لو قال زنيت وأنت أمة وهي في الحال حرة; لأنه لو قال ذلك للأجنبية يجب الحد وهذا بخلاف ما لو قال: قذفتك وأنت كافرة أو وأنت أمة ا هـ. وخرج غير العفيف; لأن الإحصان ينتظم العفة أيضا قال تعالى
{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] أي العفائف ولأن المقذوف إذا لم يكن عفيفا فالقاذف صادق فالشرائط الخمسة للإحصان داخلة تحت قوله تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4], فإذا فقد واحد منها لا يكون محصنا وفي القنية قذف وهو مصلح ظاهرا ولم يكن عفيفا في السر يعذر في مطالبة القاذف بالحد فيما بينه وبين الله تعالى قال رضي الله عنه فيه نظر, فإن المفهوم من قوله ولم يكن عفيفا في السر إنه من الزنا, وإن كان زانيا لم يكن قذفه موجبا للحد فكيف يعذر ا هـ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم تخريجه في الصفحة "11".

 

ج / 5 ص -54-         ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقيد بقوله عن الزنا; لأنه لا يشترط العفة عن الوطء الحرام ولذا قال في الظهيرية لو وطئ أمته المرتدة حد قاذفه ولو تزوج أمة على حرة فوطئها, فإني أحد قاذفه كذا في المنتقى عن أبي يوسف. قال الحاكم أبو الفضل1 هذا خلاف ما في الأصل قال ثم كل شيء اختلف فيه الفقهاء حرمه بعضهم وأحله بعضهم, فإني أحد قاذفه وفيه أيضا لو وطئ أمته في عدة من زوج لها, فإني أحد قاذفه; لأن ملكه في أمته صحيح ولو وطئ جارية ابنه في عدة من زوج لها فأحبلها أو لم يحبلها, فإنه يحد قاذفه قال أبو يوسف كل من درأت الحد عنه وجعلت عليه المهر وأثبت نسب الولد منه, فإني أحد قاذفه وكذلك لو تزوج أمة لرجل بغير إذنه ودخل بها, فإني أحد قاذفه هشام عن محمد في رجل اشترى أمة فوطئها ثم استبان أنها أخته حد قاذفه ابن سماعة عن محمد في الرقيات أربعة شهدوا على رجل أنه زنى بفلانة بنت فلان الفلانية امرأة معروفة سموها ووصفوا الزنا فأثبتوه, والمرأة غائبة فرجم الرجل ثم إن رجلا قذف تلك المرأة الغائبة فخاصمته إلى القاضي الذي قضى على الرجل بالرجم قال القياس أن يحد قاذفها; لأن القاضي إنما قضى عليه لا عليها لكني أستحسن أن لا أحد قاذفها ثم قال وكما يزول الإحصان بالزنا من كل وجه يزول بالزنا من وجه فكل وطء حرم لعدم ملك المتعة من وجه فهو زنا من كل وجه وذلك كوطء الأجنبية وكل وطء حرم مع قيام ملك المتعة من كل وجه لعارض كوطء المرأة في حالة الحيض لا يزول به الإحصان. وإذا وطئ أمته المجوسية لا يزول إحصانه لقيام ملك المتعة من كل وجه ولو اشترى أمة وطئها أبوه أو وطئ هو أمها ووطئها فقذفه إنسان فلا حد على القاذف بالإجماع وكذا لو اشترى أخته من الرضاعة ووطئها سقط إحصانه; لأن الحرمة هنا ثابتة على سبيل التأبيد بخلاف ما تقدم
ولو اشترى أمة لمس أمها أو بنتها بشهوة أو نظر إلى فرج أمها أو بنتها بشهوة أو نظر أبوه أو ابنه إلى فرجها بشهوة*ووطئها قال أبو حنيفة لا يزول إحصانه ويحد قاذفه وقالا يزول إحصانه ولا يحد قاذفه وكذلك على الاختلاف إذا تزوج امرأة بهذه الصفة ووطئها ا هـ.
وجعل في الخانية من وطئ بنكاح فاسد كمن وطئ الجارية المشتركة في عدم وجوب الحد على القاذف, والحاصل أن من زنى أو وطئ بشبهة أو بنكاح فاسد في عمره أو وطئ من هي محرمة عليه على التأبيد سقط إحصانه وما لا فلا كذا في شرح الطحاوي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لعله المراد به الحاكم الشهيد أو أبو الحاكم أبو الفضل الحدادي وكليهما تقدمت ترجمته.
..................................
* ما بين معكوفين ساقط من الأصل.

 

ج / 5 ص -55-         فلو قال لغيره لست لأبيك أو لست بابن فلان في غضب حد وفي غيره لا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "فلو قال لغيره لست لأبيك أو لست بابن فلان في غضب حد وفي غيره لا" أي وإن قال له ذلك في حالة الرضا فلا حد; لأنه عند الغضب يراد به حقيقته سبا له وفي غيره يراد به المعاتبة بنفي مشابهته له في أسباب المروءة.
ثم اعلم أنه قد وقع في الهداية مسألتان الأولى قال ومن نفى نسب غيره وقال لست لأبيك, فإنه يحد وهذا إذا كانت أمة مسلمة حرة; لأنه في الحقيقة قذف لأمه; لأن النسب إنما ينفى عن الزاني لا عن غيره الثانية قال لغيره في غضب لست بابن فلان لأبيه الذي يدعى له يحد ولو قال في غير غضب لا يحد وعلله بما ذكرناه فظاهره أنهما مسألتان مختلفان صورة وحكما; لأن في المسألة الأولى قد نفاه عن أبيه من غير تعرض للأب الذي يدعى إليه وحكمها وجوب الحد مطلقا سواء كان في غضب أو رضا; لأنه لم يفصل وفي المسألة الثانية قد نفاه عن أبيه المعين الذي يدعى إليه وحكمها التفصيل وقد حمل بعضهم المسألة الأولى على التفصيل في الثانية وهو أنه كان في حالة الغضب حد لا في غيره وجزم به في غاية البيان ولم يتعقبه في فتح القدير وهو بعيد لما صرح به في الكافي للحاكم الشهيد بقوله, وإن قال لرجل: يا ولد الزنا أو يا ابن الزنا أو لست لأبيك وأمه حرة مسلمة فعليه الحد. بلغنا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال لا حد إلا في قذف محصنة أو نفي رجل عن أبيه1 ا هـ. لأنه سوى بين الألفاظ الثلاثة.
وقد صرح في فتح القدير بأنه إذا قال يا ولد الزنا أو يا ابن الزنا لا يتأتى فيه تفصيل بل يحد ألبتة ا هـ. فكذلك إذا قال لست لأبيك لأنهم صرحوا أنه بمعنى: أمك زانية أو زنت ولا يراد به المعاتبة حالة الرضا; لأنه لم يعين أبا مخصوصا حتى ينفي أن يكون على إطلاقه ثم رأيت التصريح بذلك في فتاوى قاضي خان قال لرجل لست لأبيك عن أبي يوسف أنه قذف كان ذلك في غضب أو رضا. ولو قال ليس هذا أباك لأبيه المعروف, فإن كان هذا في حالة الرضا أو على وجه الاستفهام لا يكون قذفا, وإن كان في غضب أو على وجه التعيير كان قذفا ا هـ. وما في فتح القدير من أن التقدير حالة الرضا لست لأبيك المشهور مجازا عن نفي المشابهة في محاسن الأخلاق فبعيد كما لا يخفى وقد علم مما ذكرناه أنه لا بد من تقييد المختصر بأن تكون أمه محصنة لأنه قذف لها وما في الهداية من التقييد بحرية أمه وإسلامها لا ينفي اشتراط بقية شروط الإحصان ولذا اعترضه الشارحون.
وأشار المصنف إلى أنه لو قال إنك ابن فلان لغير أبيه فالحكم كذلك من التفصيل وقيد


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد "6/280" ورواه الطبراني في الكبير "8933".

 

ج / 5 ص -56-         كنفيه عن جده وقوله لعربي يا نبطي أو يا ابن ماء السماء ونسبه إلى خاله وعمه ورابه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالنفي عن أبيه فقط; لأنه لو نفاه عن أمه أو عن أبيه وأمه فلا حد في الأحوال كلها للكذب في الثاني ولأن فيه نفي الزنا; لأن نفي الولادة نفي للوطء وللصدق في الأول; لأن النسب ليس لأمه ولم يتعرض المصنف لطلب الولد; لأن الأم إن كانت حية فالطلب لها, وإن كانت ميتة فالطلب لكل من يقع القدح في نسبه, المخاطب وغيره سواء. وفي القنية سمع أناس من أناس كثيرة أن فلانا ولد فلان, والفلان يجحد فلهم أن يشهدوا مطلقا أن هذا ولده بمجرد السماع, وإن لم يعلموا حقيقته, ولو قال واحد لهذا الولد: ولد الزنا لا يحد ا هـ.
قوله: "كنفيه عن جده وقوله لعربي يا نبطي أو يا ابن ماء السماء ونسبه إلى خاله وعمه ورابه" أي لا يجب الحد في هذه المسائل أما الأول وهو ما إذا نفاه عن جده فلأنه صادق في قوله وأشار إلى أنه لو نسبه إلى جده لا يحد أيضا; لأنه قد ينسب إليه مجازا.
وفي الظهيرية إذا قال: لست من ولد فلان فهذا قذف ولو قال لست من ولادة فلان فهذا ليس بقذف, وإذا قال لغيره لست لأب لست لأبيك لم يلدك أبوك فهذا كله قذف لأمه وكذا إذا قال لست للرشدة. ا هـ. وأما عدمه فيما إذا قال لعربي يا نبطي فلأنه يراد به التشبيه في الأخلاق أو عدم الفصاحة وكذا إذا قال لست بعربي لما قلنا وفسره الفقيه أبو الليث برجل من غير العرب.
وفي المغرب النبط جيل من الناس بسواد العراق الواحد نبطي وعن ثعلب عن ابن الأعرابي رجل نباطي ولا تقل نبطي ا هـ.
وأشار المصنف إلى أنه لو قال لست من بني فلان فلا حد وكذا إذا قال لهاشمي لست بهاشمي لكنه يعزر كما في المبسوط, وأما إذا قال لرجل يا ابن ماء السماء فلأنه يراد به التشبيه في الجود, والسماحة, والصفاء; لأن ابن ماء السماء لقب به لصفائه وسخائه.
وفي غاية البيان ماء السماء هو عامر أبو مزيقيا1 وسمي به; لأنه في القحط أقام ماله مقام المطر وكان غياثا لقوله مثل ماء السماء للأرض وكانت أم المنذر بنت امرئ القيس2 أيضا ماء السماء لجمالها وحسنها, وإنما سمى عمرو ولده مزيقيا; لأنه كان يمزق كل يوم حلتين يلبسهما


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لعل المراد به عامر بن حارثة بن القطرين الأزدي من يعرب أمير غساني يلقب بماء السماء لجوده.
2 وهي ماوية بنت عوف بن جشم بن هلال ابن ربيعة بن زيد بن عامر الصخيان بن الخزرج وسميت ماء السماء لحسنها وهي أمه للمنذر بن امرئ القيس. ا هـ الأعلام "7/292".

 

ج / 5 ص -57-         ولو قال يا ابن الزانية وأمه ميتة فطلب الوالد أو الولد أو ولده حد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويكره أن يعود فيهما ويكره أن يلبسهما غيره ا هـ. وأما إذا نسبه إلى عمه أو خاله أو زوج أمه فلأن كل واحد من هؤلاء يسمى أبا أما الأول فلقوله تعالى
{وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [البقرة: 133] فإسماعيل كان عما له أي ليعقوب عليهما السلام., وأما الثاني فلقوله عليه السلام "الخال أب"1, وأما الثالث فللتربية ونسبته إلى المربي في الكتاب دون زوج الأم يشير إلى أن العبرة فيه للتربية لا غير حتى لو نسبه إلى من رباه وهو ليس بزوج لأمه وجب أن لا يحد كذا في التبيين وظاهر كلام المصنف كغيره أنه لا يحد في هذه المسائل سواء كان في حالة الغضب أو الرضا.
وفي فتح القدير. وقد ذكر أنه لو كان هناك رجل اسمه ماء السماء يعني وهو معروف يحد في حال السباب بخلاف ما إذا لم يكن, فإن قيل: إذا كان قد سمي به, وإن كان للسخاء أو الصفاء فينبغي في حال الغضب أن يحمل على النفي لكن جواب المسألة مطلق فالجواب لما لم يعهد استعماله لذلك القصد يمكن أن يجعل المراد في حالة الغضب التهكم به عليه كما قلنا في قوله لست بعربي لما لم تستعمل في النفي يحمل في حالة الغضب على سبه بنفي الشجاعة, والسخاء عنه ليس غير ا هـ.
قوله: "ولو قال يا ابن الزانية وأمه ميتة فطلب الوالد أو الولد أو ولده حد"; لأنه قذف محصنة بعد موتها فلكل من يقع القدح في نسبه بقذفه له المطالبة وهو الأصول, والفروع; لأن العار يلتحق بهم لمكان الجزئية فيكون القذف متناولا لهم معنى قيد بموتها; لأنها لو كانت غائبة لم يمكن لهم المطالبة لجواز أن تصدق القاذف إذا حضرت, والتقييد بقذف الأم اتفاقي; لأنه لو قذف رجلا وهو ميت فلأصله أو فرعه المطالبة ولذا ذكر في شرح الطحاوي ولو قذف ميتا وجب الحد على القاذف وللوالدين, والمولودين أن يخاصموا سواء كان الولد أو الوالد أم لم يكن, والتقييد بالوالد اتفاقي أيضا إذ الأم كذلك لما قدمناه من قوله وللوالدين فعلى هذا لو قذف ميتا بالزنا وله أم فلها المطالبة; لأنه يلحقها العار بذلك وصرح الزيلعي بأن للأصول المطالبة وهو يقتضي أن للجد المطالبة وقد صرح في غاية البيان معزيا إلى شرح الجامع الصغير للفقيه أبي الليث بأن المراد الأب, والجد, وإن علا ويخالفه ما في فتاوى قاضي خان من أن الجد أب الأب لا يطالب به ولا أم الأم ولا الأخ ولا العم, ولا العمة ولا مولاه كذا في فتح القدير وهو سهو من القلم في النسخة التي نقل منها, والموجود في الفتاوى أن الجد أب الأم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في نصب الراية وقال غريب "3/353".

 

ج / 5 ص -58-         ولا يطلب ولد وعبد أباه وسيده بقذف أمه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليس له المطالبة وليس فيما ذكر الجد أبو الأب فالحق أن له المطالبة وأفاد بالتعبير بأو أن للفرع المطالبة مع وجود أصله وأن لولد الولد المطالبة مع وجود الولد وأنه إذا صدق القاذف بعضهم فللبعض الآخر المطالبة ولذا ذكر في الخانية أن رجلا لو قذف ميتا وله ابنان فصدقه أحدهما فللآخر أن يحده. ا هـ. وكذا إذا عفا بعضهم فللآخر المطالبة وأطلق في الولد فشمل ولد البنت فله المطالبة بقذف جده وروي عن محمد خلافه, والمذهب الأول; لأن الشين يلحقه إذ النسب ثابت من الطرفين وقد أفاد صريح كلام المصنف أن لولد الولد المطالبة بقذف جده ولم يخالف في ذلك إلا زفر ولا يخالفه ما في الخانية من أنه لو قال له: جدك زان لا حد عليه لما علله في الظهيرية من أنه لا يدري أي جد هو وأوضحه في فتح القدير بأن في أجداده من هو كافر فلا يكون قاذفا ما لم يعين مسلما بخلاف قوله أنت ابن ابن الزانية; لأنه قاذف لجده الأدنى, فإن كان أو كانت محصنة حد ا هـ. وقد استفيد مما قدمه أنه لا بد أن يكون المقذوف ميتا محصنا فلذا لم يقيد به هنا وأطلق في الطالب فشمل ما إذا كان غير محصن فلو كان أصل المحصن الميت أو فرعه كافرا أو عبدا فله أن يطالب بالحد خلافا لزفر; لأنه من أهل الاستحقاق إذ الكفر أو الرق لا ينافيه وقد عيره بنسبة محصن إلى الزنا بخلاف ما إذا قذفه هو; لأنه ليس بمحصن فلا يلحقه العار فلو قال المصنف ولو قذف ميتا محصنا فلأصله, وإن علا أو فرعه, وإن سفل مطلقا المطالبة لكان أولى.
قوله "ولا يطلب ولد وعبد أباه وسيده بقذف أمه"; لأن المولى لا يعاقب بسبب عبده وكذا الأب بسبب ابنه ولهذا لا يقاد الوالد بولده ولا السيد بعبده المراد بالولد الفرع, وإن سفل وبالأب الأصل, وإن علا ذكرا كان أو أنثى. قالوا: وليس للولد المطالبة بالحد إذا كان القاذف أباه أو جده, وإن علا وأمه وجدته, وإن علت كذا في غاية البيان وأشار إلى أنهما لا يطالبان بقذفهما بالأولى وقيد بولد القاذف; لأنه لو كان للمقذوفة الميتة ابنان أحدهما من غير القاذف فله أن يطالب بالحد لعدم المانع في حقه وكذا لو كان لها أب ونحوه فله المطالبة حيث لم يكن مملوكا للقاذف فسقوط حق بعضهم لا يوجب سقوط حق الباقين بخلاف القصاص, والفرق بينهما أن القصاص حق العبد يستحقونه بالميراث ولهذا يثبت لجميع الورثة بقدر إرثهم, فإذا سقط حق بعضهم وهو لا يقبل التجزيء سقط حق الباقين ضرورة, وأما حد القذف فحق الله تعالى, وإنما للعبد حق الخصومة إذا لحقه به شين فيثبت لكل واحد منهم على الكمال فسقوط حق بعضهم في الخصومة لا يسقط حق الباقين ولهذا كان للأبعد منهم حق مع وجود الأقرب وقيد بالقذف; لأنه لو شتمه والده, فإنه يعزر قال في القنية ولو قال لآخر يا حرام زاده لا يجب عليه حد القذف قال وقد كتبت أنه لو قال ذلك الوالد لولده يجب عليه التعزير ا هـ. وفي نفسي

 

ج / 5 ص -59-         ويبطل بموت المقذوف, لا بالرجوع, والعفو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منه شيء لتصريحهم بأن الوالد, والد لا يعاقب بسبب ولده, فإذا كان القذف لا يوجب عليه شيئا فالشتم أولى.
قوله: "ويبطل بموت المقذوف" أي بطل الحد; لأنه لا يورث عندنا ولا خلاف في أنه فيه حق الشرع وحق العبد, فإنه شرع لدفع العار عن المقذوف وهو الذي ينتفع به على الخصوص فمن هذا الوجه حق العبد ثم إنه شرع زاجرا ومنه سمي حدا, والمقصد من شرع الزواجر إخلاء العالم عن الفساد وهذا آية حق الشرع وبكل ذلك تشهد الأحكام, فإذا تعارضت الجهتان فالشافعي مال إلى تغليب حق العبد تقديما لحق العبد باعتبار حاجته وغنى الشرع ونحن صرنا إلى تغليب حق الشرع; لأن ما للعبد من الحق يتولاه مولاه فيصير حق العبد مدعيا به ولا كذلك عكسه; لأنه لا ولاية للعبد في استيفاء حق الشرع إلا نيابة وهذا هو الأصل المشهور الذي تتفرع عليه الفروع المختلف فيها منها الإرث إذ الإرث يجري في حقوق العباد لا في حقوق الشرع ومنها العفو, فإنه لا يصح العفو عن المقذوف عندنا ويصح عنده ومنها أنه لا يجوز الاعتياض عنه ويجري فيه التداخل وعنده لا يجري وعن أبي يوسف في العفو مثل قول الشافعي ومن أصحابنا من قال: إن الغالب حق العبد وخرج الأحكام, والأول أظهر كذا في الهداية واعلم أنهم اتفقوا على أنه يشترط الدعوى في إقامته ولم تبطل الشهادة بالتقادم ويجب على المستأمن ويقيمه القاضي بعلمه إذا علمه في أيام قضائه وكذا لو قذفه بحضرة القاضي حده, وإن علمه القاضي قبل أن يستقضي ثم ولي القضاء ليس له أن يقيمه حتى يشهد به عنده ويقدم استيفاؤه على حد الزنا, والسرقة إذا اجتمعا ولا يصح الرجوع عنه بعد الإقرار به وهذا كله باعتبار حق العبد واتفقوا على أن الإمام يستوفيه دون المقذوف بخلاف القصاص ولا ينقلب مالا عند سقوطه ولا يستخلف عليه القاذف ويتنصف بالرق كالعقوبات الواجبة حقا لله تعالى ولا يباح القذف بإباحته ولا يحلف القاذف ولا يؤخذ منه كقيل إلى أن يثبت وهذا كله باعتبار حق الله تعالى ووقع الاختلاف في الفروع المذكورة أولا ثم اعلم أن صدر الإسلام, وإن صح أن الغالب حق العبد لم يخالف في الفروع من عدم الإرث وصحة العفو إلى آخره, وإنما أجاب عنها كما في التبيين وأطلق بطلانه بموت المقذوف فشمل الكل, والبعض حتى لو ضرب القاذف بعض الحد فمات المقذوف لا يقام ما بقي وقيد بكونه قذفه حيا إذ لو قذفه ميتا فلأصله وفرعه المطالبة بطريق الأصالة لا بطريق الميراث.
قوله: "لا بالرجوع, والعفو" أي لا يبطل برجوع القاذف عن الإقرار ولا بعفو المقذوف لما قدمناه وقد توهم بعض حنفية زماننا من عدم صحة العفو أن القاضي يقيم الحد عليه مع عفو

 

ج / 5 ص -60-         ولو قال زنأت في الجبل وعنى الصعود حد, ولو قال يا زاني وعكس حدا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المقذوف وتعلق بما في فتح القدير من قوله ومنها العفو, فإنه بعد ما ثبت عند الحاكم القذف, والإحصان لو عفا المقذوف عن القاذف لا يصح منه العفو ويحد عندنا ا هـ. وهو غلط فاحش فقد صرح في المبسوط بأنه إذا قضى القاضي بحد القذف على القاذف ثم عفا المقذوف عنه بعوض أو بغير عوض لم يسقط الحد ولكن الحد, وإن لم يسقط بعفوه, فإذا ذهب العافي لا يكون للإمام أن يستوفيه لما بينا أن الاستيفاء عند طلبه وقد ترك الطلب إلا إذا عاد وطلب فحينئذ يقيم الحد; لأن العفو كان لغوا فكأنه لم يخاصم إلى الآن. ا هـ. وفي غاية البيان معريا إلى الشامل لا يصح عفو المقذوف إلا أن يقول لم يقذفني أو كذب شهودي; لأنه حق الله تعالى إلا أن خصومته شرط. ا هـ. ويدل عليه أيضا ما في كافي الحاكم لو غاب المقذوف بعد ما ضرب بعض الحد لم يتم الحد إلا وهو حاضر لاحتمال العفو فالعفو الصريح أولى فتعين حمل ما في فتح القدير على ما إذا عاد وطلب.
قوله: "ولو قال زنأت في الجبل وعنى الصعود حد" وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد لا يحد; لأن المهموز منه للصعود حقيقة قالت امرأة من العرب وارق إلى الخيرات زنئا في الجبل وذكر الجبل يقرره مرادا ولهما أنه يستعمل في الفاحشة مهموزا أيضا; لأن من العرب من يهمز الملين كما يلين المهموز وحالة الغضب, والسباب تعين الفاحشة مرادا بمنزلة ما إذا قال يا زاني أو قال زنأت وذكر الجبل إنما يعين الصعود مرادا إذا كان مقرونا بكلمة على إذ هو المستعمل فيه قيد بفي; لأنه لو قال زنأت على الجبل قيل لا يحد وقيل يحد للمعنى الذي ذكرناه وفي غاية البيان والمذهب عندي إذا كان هذا الكلام خرج على وجه الغضب, والسباب يجب الحد لدلالة الحال على ذلك إذ لا يكون صعود الجبل سبا وإلا فلا للاحتمال, والحد لا يجب بالاحتمال. ا هـ. وفي فتح القدير, والأوجه وجوب الحد حيث كان في الغضب وقيد بقوله زنأت بالهمز إذ لو كان بالياء وجب الحد اتفاقا وقيد بالجار, والمجرور إذ لو اقتصر على قوله زنأت يحد اتفاقا كما أفاده في غاية البيان وأطلق في وجوب الحد وقيده الشارحون بأن يكون في حالة الغضب أما في حالة الرضا فلا حد اتفاقا وبهذا ترجح قولهما فما في المغرب من أن زنأ في الجبل بمعنى صعد فقول محمد أظهر. ا هـ. ليس بظاهر وقيد بقوله وعنى الصعود; لأنه لو لم يعن الصعود يحد اتفاقا.
قوله: "ولو قال يا زاني وعكس حدا" أي المبتدئ, والمجيب بقوله لا بل أنت; لأن كلا منهما قذف صاحبه أما الأول فظاهر وكذا الثاني; لأن معناه لا بل أنت زان إذ هي كلمة عطف يستدرك به الغلط فيصير المذكور في الأول خبرا لما بعد بل, وإنما لم يلتقيا قصاصا; لأن في حد

 

ج / 5 ص -61-         ولو قال لامرأته يا زانية وعكست حدت ولا لعان. ولو قالت زنيت بك بطلا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القذف الغالب حق الله تعالى فلو جعل قصاصا يلزم إسقاط حقه تعالى فلا يجوز ذلك ولذا لم يجز عفو المقذوف, فإذا طالب كل منهما الآخر وأثبته لزم الاستيفاء فلا يتمكن واحد منهما من إسقاطه فيحد كل منهما كذا في فتح القدير وظاهره أنه يقام عليهما ولو أسقطاه وتقدم عدم صحته وأنه غلط في الفهم, فإذا أسقطاه بعد الثبوت امتنع الإمام من إقامته لعدم الطلب لا لصحة الإسقاط, فإذا عاد أو طلبا أقامه عليهما وقيد بحد القذف; لأنه لو قال له يا خبيث فقال له الآخر أنت تكافآ ولا يعزر كل منهما الآخر; لأن التعزير لحق الآدمي وقد وجب عليه مثل ما وجب للآخر فتساقطا كذا في فتح القدير وفي القنية ضرب غيره بغير حق وضربه المضروب أيضا أنهما يعزران ويبدأ بإقامة التعزير بالبادئ منهما; لأنه أظلم, والوجوب عليه أسبق. ا هـ. فعلم أن التعزير بالضرب كحد القذف وأن التكافؤ إنما هو في الشتم بشرط أن لا يكون بين يدي القاضي قالوا: لو تشاتم الخصمان بين يدي القاضي عزرهما.
قوله: "ولو قال لامرأته يا زانية وعكست حدت ولا لعان"; لأنهما قاذفان وقذفه يوجب اللعان, وقذفها يوجب الحد وفي البداية بالحد إبطال اللعان; لأن المحدود في القذف ليس بأهل له ولا إبطال في عكسه أصلا فيحتال للدرء إذ اللعان في معنى الحد أشار المصنف إلى أنه لو قال لامرأته يا زانية بنت الزانية فخاصمت الأم أولا فحد الرجل سقط اللعان; لأنه بطلت شهادة الرجل ولو خاصمت المرأة أولا فلاعن القاضي بينهما ثم خاصمت الأم يحد الرجل حد القذف.
قوله: "ولو قالت زنيت بك بطلا" أي الحد واللعان لوقوع الشك في كل واحد منهما; لأنه يحتمل أنها أرادت الزنا قبل النكاح فيجب الحد دون اللعان لتصديقها إياه وانعدامه منه ويحتمل أنها أرادت زناي الذي كان معك بعد النكاح; لأني ما مكنت أحدا غيرك وهو المراد في مثل هذه الحالة وعلى هذا الاعتبار يجب الحد دون اللعان لوجود القذف منه وعدمه منها فجاء ما قلناه أطلقه فشمل ما إذا بدأت بقولها زنيت بك ثم قذفها أو قذفها ثم أجابت به للاحتمال المذكور ولا فرق بين الباء وكلمة مع كزنيت معك للاحتمال السابق مع احتمال آخر وهو إني زنيت بحضورك وأنت تشهد فلا يكون قذفا وقيد بكونها اقتصرت على هذه المقالة; لأنها لو زادت قبل أن أتزوجك تحد المرأة دون الرجل; لأن كلا منهما قذف صاحبه غير أنها صدقته فبطل موجب قذفه ولم يصدقها فوجب موجب قذفها وقيد بكونها امرأته; لأنه لو كان ذلك كله مع امرأة أجنبية حدت المرأة دون الرجل لما ذكرنا من تصديقها وعدم الاحتمال الذي ذكرناه مع الزوجة وقيد بقولها زنيت بك; لأنها لو قالت في جوابه أنت أزنى مني حد الرجل وحده كذا في الخانية.

 

ج / 5 ص -62-         وإن أقر بولد ثم نفاه لاعن, والولد له فيهما, ولو قال ليس بابني ولا بابنك بطلا, ومن قذف امرأة لم يدر أبو ولدها أو لاعنت بولد أو رجلا وطئ في غير ملكه أو أمة مشتركة أو مسلما زنا في كفره أو مكاتبا مات عن وفاء لا يحد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "وإن أقر بولد ثم نفاه لاعن"; لأن النسب لزمه بإقراره وبالنفي بعده صار قاذفا فيلاعن.
قوله: "وإن عكس حد" أي إن نفى الولد ثم أقر به, فإنه يحد حد القذف; لأنه لما أكذب نفسه بطل اللعان; لأنه حد ضروري صير إليه ضرورة التكاذب, والأصل فيه حد القذف, فإذا بطل التكاذب يصار إلى الأصل.
قوله: "والولد له فيهما" أي فيما إذا أقر به ثم نفاه أو نفاه ثم أقر به لإقراره به سابقا أو لاحقا, واللعان يصح بدون قطع النسب كما يصح بدون الولد.
قوله: "ولو قال ليس بابني ولا بابنك بطلا" أي الحد, واللعان; لأنه أنكر الولادة وبه لا يصير قاذفا وكذا لو قال لأجنبي لست بابن فلان ولا فلانة وهما أبويه لا يجب عليه شيء.
قوله: "ومن قذف امرأة لم يدر أبو ولدها أو لاعنت بولد أو رجلا وطئ في غير ملكه أو أمة مشتركة أو مسلما زنا في كفره أو مكاتبا مات عن وفاء لا يحد" بيان لست مسائل إلا الأوليان فلقيام أمارة الزنا منها وهو ولادة ولد لا أب له ففاتت العفة نظرا إليها وهي شرط أطلقه فشمل ما إذا كان الولد حيا عند القذف أو ميتا وقيد بكونها لاعنت بولد إذ لو قذف الملاعنة بغير ولد فعليه الحد لانعدام أمارة الزنا وأشار بقوله لاعنت إلى أنه لا بد من بقاء اللعان حتى لو بطل بإكذابه نفسه ثم قذفها رجل حد لزوال التهمة بثبوت النسب منه وكذا لو قامت البينة على الزوج أنه ادعاه وهو ينكر يثبت النسب منه ويحد ومن قذفها بعد ذلك يحد; لأنها خرجت عن صورة الزواني ولو قذفها الزوج فرافعته وأقامت بينة أنه أكذب نفسه حد; لأن الثابت بالبينة كالثابت بإقرار الخصم أو بمعاينة ولا بد من أن يقطع القاضي نسب الولد حتى لو لاعنت بولد ولم يقطع القاضي النسب وجب الحد على قاذفها كما في غاية البيان, والمراد بعدم معرفة أبي ولدها عدمها في بلد القذف لا في كل البلاد ولذا قال في الجامع الصغير امرأة قذفت في بعض البلاد ومعها أولاد لا يعرف لهم أب فقال لها رجل يا زانية إلخ وفي فتح القدير. واعلم أنه إن صح ما رواه الإمام أحمد وأبو داود في حديث هلال بن أمية من قوله وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يدعى ولدها لأب ولا يرمى ولدها ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد1 وكذا ما رواه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أبو داود في الطلاق باب إذا شك في اللعان "2256" وأحمد في مسنده :1/229".

 

ج / 5 ص -63-         وحد قاذف واطئ أمة مجوسية وحائض ومكاتبة ومسلم نكح أمه في كفره
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإمام أحمد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ولد المتلاعنين أنه يرث أمه وترثه ومن رماها به جلد ثمانين1 أشكل على المذهب والأئمة الثلاثة جعلوا قذف الملاعنة بولد كقذف الملاعنة بلا ولد إلى آخره, وأما الثالثة, والرابعة أعني إذا قذف رجلا وطئ المقذوف امرأة في غير ملكه أو أمة مشتركة فلفوات العفة وهي شرط الإحصان; لأن القاذف صادق, والأصل فيه أن من وطئ وطئا حراما لعينه لا يجب الحد بقذفه; لأن الزنا هو الوطء المحرم لعينه, وإن كان محرما لغيره يحد; لأنه ليس بزنا, والوطء في غير الملك من كل وجه أو من وجه حرام لعينه وكذا الوطء في الملك, والحرمة مؤبدة, فإن كانت الحرمة مؤقتة فالحرمة لغيره فأبو حنيفة يشترط أن تكون الحرمة المؤبدة ثابتة بالإجماع أو بالحديث المشهور لتكون ثابتة من غير تردد وقد قدمنا شيئا من هذه المسائل وقيد بكونه في غير الملك; لأنه لو كان وطئ أمته المجوسية أو المزوجة أو امرأته الحائض أو مكاتبته أو المظاهر منها أو المحرمة أو المشتراة شراء فاسدا فعلى قاذفه الحد; لأن الحرمة مؤقتة وكذا إذا وطئ أخته من الرضاع وهي أمته; لأنها وإن كانت محرمة مؤبدة فهي مملوكة له. وهذا قول الكرخي, والصحيح أنه لا يحد قاذفه لثبوت التضاد بين الحل, والحرمة فلو قال المصنف أو رجلا وطئ في غير ملكه أو في ملكه, والحرمة مؤبدة لكان أولى وشمل قوله في غير ملكه جارية ابنه, والمنكوحة نكاحا فاسدا, والأمة المستحقة, والمكره على الزنا, والثابت حرمتها بالمصاهرة أو تزوج محارمه ودخل بهن أو جمع بين المحارم أو تزوج أمة على حرة, وأما الخامسة وهي ما إذا قذف مسلما زنى في حال كفره فلتحقق الزنا منه شرعا, وإن كان الإثم قد ارتفع بإسلامه لانعدام الملك ولهذا وجب عليه الحد لو كان في ديارنا وأطلقه فشمل الحربي, والذمي وما إذا كان الزنا في دار الإسلام أو في دار الحرب وشمل ما إذا قال له زنيت وأطلق ثم أثبت أنه زنى في كفره أو قال له زنيت وأنت كافر فهو كما لو قال لمعتق زنيت وأنت عبد, وأما السادسة وهي ما إذا قذف مكاتبا مات عن وفاء فلتمكن الشبهة في الحرية لمكان اختلاف الصحابة رضي الله عنهم وقيد بكونه مات عن وفاء ليفيد أن المكاتب إذا مات عن غير وفاء لا حد على قاذفه بالأولى لموته عبدا.
قوله: "وحد قاذف واطئ أمة مجوسية وحائض ومكاتبة ومسلم نكح أمه في كفره" لما ذكرنا أن ملكه في هذه الأشياء ثابت, والمراد بأمه محرمه وهذا عند أبي حنيفة وقالا لا يحد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم "7028" والهيثمي في مجمع الزوائد "6/280".

 

ج / 5 ص -64-         ومستأمن قذف مسلما, ومن قذف أو زنى أو شرب مرارا فحد فهو لكله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قاذفه بناء على أن نكاح الكافر محرمه صحيح وعندهما فاسد كما قدمناه في بابه.
قوله: "ومستأمن قذف مسلما" أي حد وكان أبو حنيفة أولا يقول لا يحد; لأن الغلب فيه حق الله تعالى فصار كسائر الحدود ثم رجع إلى ما ذكر هنا; لأنه فيه حق العبد وقد التزم إيفاء حقوق العباد; لأنه التزم أن لا يؤذي بطمعه في أن لا يؤذى.
والحاصل أن حد القذف يجب عليه اتفاقا وحد الخمر لا يجب عليه اتفاقا ولا يجب حد الزنا, والسرقة خلافا لأبي يوسف, وأما الذمي فيجب عليه جميع الحدود اتفاقا إلا حد الخمر كذا في غاية البيان.
قوله: "ومن قذف أو زنى أو شرب مرارا فحد فهو لكله" أما الأخيران فلأن المقصد من إقامة الحد حقا لله تعالى الانزجار واحتمال حصوله بالأول قائم فتمكن شبهة فوات المقصود في الثاني, وأما القذف فالمغلب فيه عندنا حق الله تعالى فيكون ملحقا بهما قيد بكونه فعل أحد هذه الأشياء; لأنه لو فعل كلها بأن زنى وقذف وشرب الخمر, فإنه يحد لكل واحد حده منها لعدم حصول المقصود بالبعض إذ الأغراض مختلفة, فإن المقصود من حد الزنا صيانة الأنساب ومن حد القذف صيانة الأعراض ومن حد الشرب صيانة العقول فلا يحصل بكل جنس إلا ما قصد بشرعه وأطلق في قوله قذف مرارا فشمل ما إذا كان المقذوف واحدا أو جماعة فقذفهم بكلمة واحدة أو بكلمات وشمل ما إذا كان في يوم أو أيام وما إذا طالبوا الحد كلهم أو بعضهم وما إذا حضروا أو حضر أحدهم كما في الخانية وغيرها وما إذا جلد للقذف إلا سوطا ثم قذف آخر في المجلس, فإنه يتم الأول ولا يثنى عليه للثاني للتداخل وما إذا قذف عبدا فأعتق ثم قذف آخر فأخذه الأول فضرب أربعين ثم أخذه الثاني قالوا: فإنه يتم له ثمانين; لأن الأربعين وقع لهما فيبقى للباقي أربعين ولو قذف الآخر قبل أن يأتي به فالثمانون تكون لهما جميعا ولا يضرب ثمانين مستأنفا; لأن ما بقي تمامه حد الأحرار فجاز أن يدخل فيه الأحرار وفي المحيط رجل شرب الخمر فضرب بعض الحد ثم هرب ثم شرب ثانيا ضرب حدا مستقبلا وكذا لو ضرب الزاني بعض الحد ثم هرب وزنى بأخرى. ولو ضرب القاذف بعض الحد فهرب ثم قذف آخر ثم قدم إلى القاضي ينظر إن حضر المقذوف الثاني, والأول جميعا يكمل الأول ويسقط الثاني; لأنه يتداخل, وإن حضر الثاني دون الأول يضرب جلدا مستقلا للثاني ويبطل الأول; لأنه أمكن إقامة الحد الثاني لوجود دعواه ولا يمكن الإقامة للأول لعدم دعواه. ا هـ. فتعين حمل ما تقدم من أنه لو جلد للقذف إلا سوطا إلى آخره على ما إذا حضرا جميعا ومن أنه

 

ج / 5 ص -65-         ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لو قذف جماعة يكتفى بحد واحد على ما إذا كان القذف لهم قبل أن يضرب البعض كما لا يخفى وشمل ما إذا قال لرجل: يا ابن الزانيين فعليه حد واحد حيين كانا أو ميتين وحكي أن ابن أبي ليلى1 سمع من يقول لرجل يا ابن الزانيين فحده حدين في المسجد فبلغ أبا حنيفة فقال يا للعجب لقاضي بلدتنا أخطأ في مسألة واحدة في خمس مواضع: الأول حده بدون طلب المقذوف, والثاني أنه لو خاصم وجب حد واحد, والثالث أنه إن كان الواجب عنده حدين ينبغي أن يتربص بينهما يوما أو أكثر حتى يخف أثر الضرب الأول, والرابع ضربه في المسجد, والخامس ينبغي أن يتعرف أن والديه في الأحياء أو لا, فإن كانا حيين فالخصومة لهما وإلا فالخصومة للابن وأفاد بقوله فحد أن الحد وقع بعد الفعل المتكرر إذ لو حد للأول ثم فعل الثاني يحد حدا آخر للثاني سواء كان قذفا أو زنا أو شربا كما صرح به في فتح القدير وغيره لكن ينبغي أن يستثنى منه ما إذا قذف رجلا فحد له ثم عاد فقذفه ثانيا, فإنه لا يحد ثانيا; لأن المقصود وهو إظهار كذب القاذف ودفع العار عن المقذوف قد حصل بالأول فلا حاجة إلى الثاني صرح به الشارح الزيلعي في حد السرقة عند مسألة سرقة العين ثانيا بعد ما قطع ولا يخفى ما فيه, فإن بالحد الأول لم يظهر كذبه في إخبار مستقبل إنما ظهر كذبه فيما أخبر به ماضيا قبل الحد. ولهذا ذكر المحقق في فتح القدير عند تلك المسألة وصار كما لو قذف شخصا فحد به ثم قذفه بعين ذلك الزنا بأن قال أنا باق على نسبتي إليه الزنا الذي نسبته إليه لا يحد ثانيا فكذا هذا أما إذا قذفه بزنا آخر حد به. ا هـ. لكن في الظهيرية ومن قذف إنسانا فحد ثم قذفه ثانيا لم يحد, والأصل فيه ما روي أن أبا بكرة لما شهد على المغيرة بالزنا وجلده عمر بن الخطاب رضي الله عنه لقصور العدد بالشهادة كان يقول بعد ذلك في المحافل أشهد أن المغيرة لزان فأراد عمر رضي الله عنه أن يحده ثانيا فمنعه علي رضي الله عنه فرجع إلى قوله2 وصارت المسألة إجماعا. ا هـ. بلفظه فظهر أن المذهب إطلاق المسألة كما ذكره الزيلعي ولم يذكر المصنف التداخل في حد السرقة ولا شك فيه; لأنه حق الله تعالى ولم يذكر أيضا ما إذا اجتمعت عليه الحدود المختلفة كيف يفعل قال في المحيط, وإذا اجتمع حدان وقدر على درء أحدهما درأه, وإن كانت من أجناس مختلفة بأن اجتمع حد الزنا, والسرقة, والشرب, والقذف, والفقء بدأ بالفقء, فإذا برأ حد للقذف, فإذا برأ إن شاء بدأ بالقطع, وإن شاء بدأ بحد الزنا وحد الشرب آخرها لثبوته بالاجتهاد من الصحابة رضي الله عنهم, وإن كان محصنا يبدأ بالفقء ثم بحد القذف ثم بالرجم ويلغي غيرها ا هـ. قالوا ولا يقام حد في المسجد ولا قود ولا تعزير


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم فيما سبق.
2 تقدم تخريجه وهذه الرواية أخرجها ابن أبي شسيبة في مصنفه "6/560".

 

ج / 5 ص -66-         .................
__________
ولكن القاضي إذا أراد أن يقام بحضرته يخرج من المسجد كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغامدية1 أو يبعث أمينا كما فعل عليه الصلاة والسلام في ماعز2 رضي الله عنه.

فصل في التعزير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولكن القاضي إذا أراد أن يقام بحضرته يخرج من المسجد كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغامدية1 أو يبعث أمينا كما فعل عليه الصلاة والسلام في ماعز2 رضي الله عنه
"فصل في التعزير".
هو تأديب دون الحد وأصله من العزر بمعنى الرد والردع كذا في المغرب وفي ضياء الحلوم هو ضرب دون الحد للتأديب. والتعزير التعظيم والنصر قال تعالى
{وَتُعَزِّرُوهُ} [الفتح: 9] ا هـ. فالظاهر أن ما في ضياء الحلوم معناه اللغوي وما في المغرب معناه الشرعي فإنه شرعا لا يختص بالضرب بل قد يكون به وقد يكون بالصفع وبفرك الأذن وقد يكون بالكلام العنيف وقد يكون بنظر القاضي إليه بوجه عبوس وذكر أبو اليسر والسرخسي أنه لا يباح التعزير بالصفع لأنه من أعلى ما يكون من الاستخفاف فيصان عنه أهل الغفلة كذا في المجتبى وفي ضياء الحلوم الصفع الضرب على القفا ولم يذكر محمد التعزير بأخذ المال وقد قيل روي عن أبي يوسف أن التعزير من السلطان بأخذ المال جائز كذا في الظهيرية وفي الخلاصة سمعت عن ثقة أن التعزير بأخذ المال إن رأى القاضي ذلك أو الوالي جاز ومن جملة ذلك رجل لا يحضر الجماعة يجوز تعزيره بأخذ المال ا هـ.
وأفاد في البزازية أن معنى التعزير بأخذ المال على القول به إمساك شيء من ماله عنه مدة لينزجر ثم يعيده الحاكم إليه لا أن يأخذه الحاكم لنفسه أو لبيت المال كما يتوهمه الظلمة إذ لا يجوز لأحد من المسلمين أخذ مال أحد بغير سبب شرعي وفي المجتبى لم يذكر كيفية الأخذ وأرى أن يأخذها فيمسكها فإن أيس من توبته يصرفها إلى ما يرى وفي شرح الآثار التعزير بالمال كان في ابتداء الإسلام ثم نسخ. ا هـ.
والحاصل أن المذهب عدم التعزير بأخذ المال, وأما التعزير بالشتم فلم أره إلا في المجتبى قال وفي شرح أبي اليسر التعزير بالشتم مشروع ولكن بعد أن لا يكون قاذفا ا هـ. وصرح السرخسي بأنه ليس في التعزير شيء مقدر بل هو مفوض إلى رأي القاضي لأن المقصود منه الزجر وأحوال الناس مختلفة فيه وفي الشافي التعزير على مراتب أشراف الأشراف وهم العلماء والعلوية بالإعلام وهو أن يقول له القاضي: إنك تفعل كذا وكذا فينزجر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم تخريجه.
2 تقدم تخريجه في الصفحة.

 

ج / 5 ص -67-         ...................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
به وتعزير الأشراف وهم الأمراء والدهاقين بالإعلام والجر إلى باب القاضي والخصومة وتعزير الأوساط وهم السوقة بالجر والحبس وتعزير الأخسة بهذا كله وبالضرب. ا هـ. وظاهره أنه ليس مفوضا إلى رأي القاضي وأنه ليس للقاضي التعزير بغير المناسب لمستحقه وظاهر الأول أن له ذلك, وقد ذكروا التعزير بالقتل قال في التبيين وسئل الهندواني عن رجل وجد رجلا مع امرأة أيحل له قتله قال: إن كان يعلم أنه ينزجر بالصياح والضرب بما دون السلاح لا وإن كان يعلم أنه لا ينزجر إلا بالقتل حل له القتل وإن طاوعته المرأة حل له قتلها أيضا وفي المنية رأى رجلا مع امرأته وهو يزني بها أو مع محرمه وهما مطاوعتان قتل الرجل والمرأة جميعا. ا هـ.
فقد أفاد الفرق بين الأجنبية والزوجة والمحرم ففي الأجنبية لا يحل القتل إلا بالشرط المذكور من عدم الانزجار بالصياح والضرب وفي غيرها يحل مطلقا وفي المجتبى الأصل في كل شخص إذا رأى مسلما يزني أن يحل له قتله وإنما يمتنع خوفا أن يقتله ولا يصدق في أنه زنى وعلى هذا القياس المكابرة بالظلم وقطاع الطريق وصاحب المكس1 وجميع الظلمة بأدنى شيء له قيمة وجميع الكبائر والأعونة والظلمة والسعاة فيباح قتل الكل ويثاب قاتلهم. ا هـ. ولم يذكر المصنف من يقيمه قالوا لكل مسلم إقامته حال مباشرة المعصية, وأما بعد الفراغ منها فليس ذلك لغير الحاكم قال في القنية رأى غيره على فاحشة موجبة للتعزير فعزره بغير إذن المحتسب فللمحتسب أن يعزر المعزر إن عزره بعد الفراغ منها قال رضي الله عنه قوله: إن عزره بعد الفراغ منها فيه إشارة إلى أنه لو عزره حال كونه مشغولا بالفاحشة فله ذلك وأنه حسن; لأن ذلك نهي عن المنكر وكل واحد مأمور به وبعد الفراغ ليس بنهي عن المنكر; لأن النهي عما مضى لا يتصور فيتمخض تعزيرا وذلك إلى الإمام. ا هـ. وذكر قبله من عليه التعزير إذا قال لرجل: أقم علي التعزير ففعل ثم رفع إلى القاضي فإن القاضي يحتسب بذلك التعزير الذي أقامه بنفسه. ا هـ.
وفي المجتبى فأما إقامة التعزير فقيل لصاحب الحق كالقصاص وقيل للإمام; لأن صاحب الحق قد يسرف فيه غلظا بخلاف القصاص; لأنه مقدر بخلاف التعزير الواجب حقا لله تعالى حيث يتولى إقامته كل أحد بحكم النيابة عن الله تعالى. ا هـ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الجباية ومنه قوله صلى الله عليه وسلم
"لا يدخل صاحب مكس الجنة" فالمكس هنا الضريبة التي يأخذها الماكس ا هـ اللسان مادة مكس وفي المصباح قال: وقد غلب استعمال المكس فيما يأخذ أعوان السلطان ظلما عند البيع والشراء ا هـ مادة مكس.

 

ج / 5 ص -68-         ومن قذف مملوكا أو كافرا بالزنا أو مسلما بيا فاسق يا كافر يا خبيث يا لص يا فاجر يا منافق يا لوطي يا من يلعب بالصبيان يا آكل الربا يا شارب الخمر يا ديوث يا مخنث يا خائن يا ابن القحبة يا زنديق يا قرطبان يا مأوى الزواني أو اللصوص يا حرام زاده عزر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي القنية ضرب غيره بغير حق وضربه المضروب أيضا أنهما يعزران بإقامة التعزير بالبادي منهما; لأنه أظلم والوجوب عليه أسبق ا هـ
قوله: "ومن قذف مملوكا أو كافرا بالزنا أو مسلما بيا فاسق يا كافر يا خبيث يا لص يا فاجر يا منافق يا لوطي يا من يلعب بالصبيان يا آكل الربا يا شارب الخمر يا ديوث يا مخنث يا خائن يا ابن القحبة1 يا زنديق يا قرطبان2 يا مأوى الزواني أو اللصوص يا حرام زاده عزر"; لأنه جناية قذف في المسألتين الأوليين, وقد امتنع وجوب الحد لفقد الإحصان فوجب التعزير وفيما عداهما قد آذاه وألحق الشين به ولا مدخل للقياس في الحدود فوجب التعزير وهو ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة أما الكتاب فقوله تعالى
{وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34] وأما السنة فكثيرة منها تعزيره عليه السلام رجلا قال لغيره3 يا مخنث وحبس عليه السلام رجلا بالتهمة4 وأجمعت الأمة على وجوبه في كبيرة لا توجب الحد أو جناية لا توجب الحد كذا في التبيين.
فصار الحاصل أن كل من ارتكب معصية ليس فيها حد مقدر وثبت عليه عند الحاكم فإنه يجب التعزير من نظر محرم ومس محرم وخلوة محرمة وأكل ربا ظاهر.
ومن ذلك ما في القنية مسكينة أخذت كسرة خبز من خباز فضربها حتى صرعها ليس له ذلك ويعزر. ا هـ. ويؤخذ منه أن من أخذ مال أحد ليس له ضربه حيث أمكنه رفعه إلى الحاكم إلا أن يقال: إنه لقلة قيمتها ولكونها مسكينة ومن ذلك الاستخفاف بالمسلم كما في القنية

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المرأة البغي قال ابن سيده القحبة: الفاجرة وأصلها من السعال أرادوا أنها تسعل أو تتنحنح ترمز به ا هـ اللسان والمصباح مادة قحب.
2 قال في اللسان نقلا عن التهذيب: أما القرطبان الذي تقوله العامة للذي لا غيرة له فهو عن وجهه قال الأصمعي: الكلبتان مأخوذ من الكلب وهو القيادة والتاء والنون زائدتان قال: وهذه اللفظة هي القديمة عن العرب وغيرتها العامة الأولى فقالت: القاطبان. قال وجاء لأعلمه شغلي فغيرت على الأولى فقالت: القرطبان ا هـ اللسان مادة "قرطب".
3 أخرجه ابن أبي شيبة موقوفا على عكرمة "6/581".
4 أخرجه أبو داود في الأفضية باب الحبس في الدين وغيره من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده برقم "3630" والحاكم في المستدرك "1/125" والهيثمي في مجمع الزوائد من حديث أبي هريرة "4/203".

 

ج / 5 ص -69-         ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومنه المسلم إذا باع الخمر فإنه يضرب ضربا وجيعا بخلاف الذمي حتى يتقدم إليه, فإن باع في المصر بعد التقديم ثم أسلم لم يسقط الضرب كذا في القنية وفي فتاوى القاضي من يتهم بالقتل والسرقة وضرب الناس يحبس ويخلد في السجن إلى أن يظهر التوبة, وقد ذكروا في كتاب الكفالة أن التهمة تثبت بشهادة مستورين أو واحد عدل فظاهره أنه لو شهد عند الحاكم واحد مستور وفاسق بفساد شخص ليس للحاكم حبسه بخلاف ما إذا كان عدلا أو مستورين, فإن له حبسه وقال المصنف فيها ولا يحبس في الحدود والقصاص حتى يشهد شاهدان أو واحد عدل. ا هـ. وتقدير مدة الحبس راجعة إلى الحاكم كما لا يخفى.
وفي فتح القدير ويعزر من شهد شرب الشاربين, والمجتمعون على شبه الشرب وإن لم يشربوا ومن معه ركوة خمر والمفطر في نهار رمضان يعزر ويحبس والمسلم يأكل الربا يعزر ويحبس وكذا المغني والمخنث والنائحة يعزرون ويحبسون حتى يحدثوا توبة وكذا من قبل أجنبية أو عانقها أو لمسها بشهوة. ا هـ.
وفي شرح الطحاوي والأصل في وجوب التعزير أن كل من ارتكب منكرا أو آذى مسلما بغير حق بقوله أو بفعله وجب عليه التعزير إلا إذا كان الكذب ظاهرا كقوله يا كلب. ا هـ. والمصنف رحمه الله اقتصر على مسائل الشتم لكثرة وقوعها خصوصا في زماننا وأطلق عليه قذفا مجازا شرعيا وهو حقيقة لغوية; لأن القذف في اللغة الرمي بالحجارة ونحوها قال تعالى
{وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ دُحُوراً} [الصافات: 9,8] وقذف المحصنات رميهن بالفجور, والقذف بالغيب الرجم بالظن قال تعالى {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ} [سـبأ: 53] وقذف قذفا كذا في ضياء الحلوم وأطلق في وجوب التعزير بالشتم المذكور وهو مقيد بأن يعجز القائل عن إثبات ما قاله قال في المحيط ولو قال له: يا فاسق يا فاجر يا مخنث يا لص والمقول له فاسق أو فاجر أو لص لا يعزر ذكره الحسن في المجرد; لأنه صادق في أخباره فلا يكون فيه إلحاق الشين به بل الشين كان ملحقا به.
وفي فتح القدير إنما يجب التعزير فيمن لم يعلم اتصافه به أما من علم اتصافه, فإن الشين قد ألحقه هو بنفسه قبل قول القائل. ا هـ.
وفي القنية قال له يا فاسق ثم أراد أن يثبت بالبينة فسقه ليدفع التعزير عن نفسه لا تسمع بينته; لأن الشهادة على مجرد الجرح والفسق لا تقبل بخلاف ما إذا قال: يا زاني ثم أثبت زناه بالبينة تقبل; لأنه متعلق الحد ولو أراد إثبات فسقه ضمنا لما تصح فيه الخصومة كجرح الشهود إذا قال رشوته بكذا فعليه رده تقبل البينة كذا هذه. ا هـ. وهذا إذا شهدوا على فسقه ولم يبينوه,

 

ج / 5 ص -70-         ...................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما إذا بينوه بما يتضمن إثبات حق الله تعالى أو العبد, فإنها تقبل كما إذا قال له يا فاسق فلما رفع إلى القاضي ادعى أنه رآه قبل أجنبية أو عانقها أو خلا بها ونحو ذلك ثم أقام رجلين شهدا أنهما رأياه فعل ذلك ولا شك في قبولها وسقوط التعزير عن القائل; لأنها تضمنت إثبات حق الله تعالى وهو التعزير على الفاعل; لأن الحق لله تعالى لا يختص بالحد بل أعم منه ومن التعزير وكذلك يجري هذا في جرح الشاهد بمثله وإقامة البينة عليه وينبغي على هذا للقاضي أن يسأل الشاتم عن سبب فسقه, فإن يبين سببا شرعيا طلب منه إقامة البينة عليه وينبغي أنه إن بين أن سببه ترك الاشتغال بالعلم مع الحاجة إليه أن يكون صحيحا وفي مثل هذا لا يطلب منه البينة بل يسأل المقول له عن الفرائض التي يفترض عليه معرفتها. فإن لم يعرفها ثبت فسقه فلا شيء على القائل له يا فاسق لما صرح به في المجتبى من أن ترك الاشتغال بالفقه لا تقبل شهادته.
واقتصر المصنف في مسائل الشتم على النداء وليس بقيد; لأن الإخبار كذلك كما إذا قال أنت فاسق أو فلان فاسق ونحوه قال في القنية لو قال له يا منافق أو أنت منافق يعزر. ا هـ. وهذا إذا لم يخرج مخرج الدعوى.
قال في القنية ولو ادعى رجل عند القاضي سرقة وعجز عن إثباتها لا يعزر بخلاف دعوى الزنا; لأن القصد من دعوى السرقة إثبات المال لا نسبته إلى السرقة بخلاف دعوى الزنا وإن قصد إقامة الحسبة لكن لا يمكنه إثباتها إلا بالنسبة إلى الزنا فكان قاصدا نسبته إلى الزنا وفي المال يمكنه إثباته بدون نسبته إلى السرقة فلم يكن قاصدا نسبته إلى السرقة. ا هـ.
وفي الظهيرية عن محمد في رجل قال إن زنيت فعبده حر فادعى العبد أنه زنى أحلف المولى بالله ما زنيت, فإن حلف لم يعتق العبد ووجب على العبد الحد للمولى وإن لم يحلف عتق العبد ولا حد على من قذفه بعد ذلك استحسانا. ا هـ.
وفي الفتاوى السراجية إذا ادعى شخص على شخص بدعوى توجب تكفيره وعجز المدعي عن إثبات ما ادعاه لا يجب عليه شيء إذا صدر الكلام على وجه الدعوى عند حاكم شرعي أما إذا صدر منه على وجه السب أو الانتقاص, فإنه يعزر على حسب ما يليق به. ا هـ.
والتقييد بالمسلم في قوله أو مسلما في مسائل الشتم اتفاقا إذ لو شتم ذميا, فإنه يعزر; لأنه ارتكب معصية كذا في فتح القدير وفي القنية من باب الاستحلال ورد المظالم لو قال ليهودي أو مجوسي يا كافر يأثم إن شق عليه. ا هـ. ومقتضاه أن يعزر لارتكابه ما أوجب الإثم, وقد جعل المصنف من ألفاظ الشتم يا كافر يا منافق وفي المحيط جعل منه يا يهودي وظاهره أن الشاتم لا يكفر به وصرح في الخلاصة أنه لو أجابه بقوله لبيك كفر ولا يخفى أن

 

ج / 5 ص -71-         ...................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله ويا رافضي بمنزلة يا كافر أو يا مبتدع فيعزر; لأن الرافضي كافر إن كان يسب الشيخين ومبتدع إن فضل عليا عليهما من غير سب كما في الخلاصة وسيأتي في باب الردة إن شاء الله تعالى.
وأفاد بعطفه يا فاجر على يا فاسق التغاير بينهما. ولذا قال في القنية لو أقام مدعي الشتم شاهدين شهد أحدهما أنه قال له يا فاسق والآخر على أنه قال له يا فاجر لا تقبل هذه الشهادة. ا هـ.
وأطلق في قوله يا لوطي فأفاد أنه لا يسأل عن نيته وأنه يعزر مطلقا وفي فتح القدير وقيل في يا لوطي يسأل عن نيته إن أراد أنه من قوم لوط لا شيء عليه وإن أراد أنه يعمل عملهم يعزر على قول أبي حنيفة وعندهما يحد والصحيح أنه يعزر إن كان في غضب قلت أو هزل من تعود بالهزل والقبيح. ا هـ.
وقد ذكر المصنف من الألفاظ الديوث والقرطبان فقال في المغرب الديوث الذي لا غيرة له ممن يدخل على امرأته والقرطبان نعت سوء في الرجل الذي لا غيرة له عن الليث وعن الأزهري هذا من كلام الحاضرة ولم أر البوادي لفظوا به ولا عرفوه ومنه ما في قذف الأجناس كشحات ا هـ. وذكر الشارح أن القرطبان هو الذي يرى مع امرأته أو محرمه رجلا فيدعه خاليا بها وقيل هو المتسبب للجمع بين اثنين لمعنى غير ممدوح وقيل هو الذي يبعث امرأته مع غلام بالغ أو مع مزارعه إلى الضيعة أو يأذن لهما بالدخول عليها في غيبته. ا هـ. وعلى هذا يعزر بلفظ معرص; لأنه الديوث في عرف مصر والشام.
وأشار بقوله يا ابن القحبة إلى مسألتين إحداهما إذا شتم أصله, فإنه يعزر بطلب الولد كقوله يا ابن الفاسق يا ابن الكافر أو النصراني وأبوه ليس كذلك. ثانيهما: أنه لو قال لامرأته: يا قحبة يعزر ولا يحد للقذف بخلاف يا روسبي1, فإنه قذف يحد به كذا في الخانية وكان الفرق بينهما أن روسبي صريح في القذف بالزنا بخلاف القحبة, فإنه كناية عن الزانية قال في الظهيرية والقحبة الزانية مأخوذ من القحاب وهو السعال وكانت الزانية في العرب إذا مر بها رجل سعلت ليقضي منها وطره فسميت الزانية قحبة لهذا. ا هـ.
ومن الألفاظ الموجبة للتعزير يا رستاقي يا ابن الأسود ويا ابن الحجام وهو ليس كذلك كذا في التبيين ومنها يا خائن كما في الظهيرية ومنها يا سفيه كما في المحيط وفي فتح القدير الأولى للإنسان فيما إذا قيل له ما يوجب التعزير أن لا يجيبه قالوا لو قال له يا خبيث


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لم أعثر على معناخا ولعلها غير عربية والله أعلم.

 

ج / 5 ص -72-         ...................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأحسن أن يكف عنه ولو رفع إلى القاضي ليؤدبه يجوز ولو أجاب مع هذا فقال بل أنت لا بأس. ا هـ.
وفي القنية تشاتما يجب الاستحلال عليهما وعن الشيخ الجليل المتكلم أن من شتم غيره أو ضربه فالذهاب إليه في الاستحلال لا يجب عليه ويخرج عن العهدة بالإرسال إليه. ا هـ. وهو مشكل; لأنه يقتضي أنه يزول عنه المأثم بمجرد الذهاب أو الإرسال سواء حالله أو أبرأه أو لا وينبغي أن يبقى الإثم إلى أن يوجد الإبراء إلا أن يقال إن الإبراء ليس في قدرته وإنما في قدرته طلب المحاللة والإبراء, وقد أتى بما في وسعه.
وفي الخانية التعزير حق العبد كسائر حقوقه يجوز فيه الإبراء والعفو والشهادة على الشهادة ويجري فيه اليمين يعني إذا أنكر أنه سبه يحلف ويقضى بالنكول.
قال في فتح القدير ولا يخفى على أحد أنه ينقسم إلى ما هو حق العبد وحق الله تعالى فحق العبد لا شك أنه يجري فيه ما ذكر, وأما ما وجب منه حقا لله تعالى فقد قدمنا أنه يجب على الإمام إقامته ولا يحل له تركه إلا فيما علم أنه انزجر الفاعل قبل ذلك ثم يجب أن يتفرع عليه أنه يجوز إثباته بمدع شهد به فيكون مدعيا شاهدا إذا كان معه آخر. فإن قلت في فتاوى قاضي خان وغيره إن كان المدعى عليه ذا مروءة وكان أول ما فعل يوعظ استحسانا ولا يعزر, فإن عاد وتكرر منه روي عن أبي حنيفة أنه يضرب وهذا يجب أن يكون في حقوق الله تعالى, فإن حقوق العباد لا يتمكن القاضي فيها من إسقاط التعزير.
قلت يمكن أن يكون محمل ما قلت من حقوق الله تعالى ولا مناقصة; لأنه إذا كان ذا مروءة فقد حصل تعزيره بالجر إلى باب القاضي والدعوى فلا يكون مسقطا لحق الله تعالى في التعزير وقوله ولا يعزر يعني بالضرب في أول مرة, فإن عاد عزره حينئذ بالضرب ويمكن كون محمله حق آدمي من الشتم وهو ممن تعزيره بما ذكرنا, وقد روي عن محمد في الرجل يشتم الناس إن كان ذا مروءة وعظ وإن كان دون ذلك حبس وإن كان سبابا ضرب وحبس يعني الذي دون ذلك والمروءة عندي في الدين والصلاح. ا هـ. ما في فتح القدير.
وفي الخلاصة لو ادعى عليه أنه قال له يا فاسق أو يا زنديق أو يا كافر أو يا منافق أو يا فاجر أو ما يجب فيه التعزير لا يحلفه بالله ما قلت هذا لكن يحلف بالله ما له عليك هذا الحق الذي يدعي ذكره في كيفية الاستحلال.

 

ج / 5 ص -73-         وبيا كلب يا تيس يا حمار يا خنزير يا بقر يا حية يا حجام يا بغاء يا مؤاجر يا ولد الحرام يا عيار يا ناكس يا منكوس يا سخرة ويا ضحكة يا كشخان يا أبله يا موسوس لا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي القنية التعزير لا يسقط بالتوبة وفي مشكل الآثار وإقامة التعزير إلى الإمام عند أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد والشافعي والعفو إليه أيضا قال الطحاوي وعندي أن العفو ثابت للذي جنى عليه لا للإمام قال رضي الله عنه ولعل ما قالوه من أن العفو إلى الإمام فذاك في التعزير الواجب حقا لله تعالى بأن ارتكب منكرا ليس فيه حد مشروع من غير أن يجني على إنسان وما قاله الطحاوي فيما إذا جنى على إنسان. ا هـ. ما في القنية فهذا كله دليل على أن العفو للإمام جائز وهو مخالف لما في فتح القدير.
قوله: "وبيا كلب يا تيس يا حمار يا خنزير يا بقر يا حية يا حجام يا بغاء يا مؤاجر يا ولد الحرام يا عيار يا ناكس يا منكوس يا سخرة ويا ضحكة يا كشخان يا أبله يا موسوس لا" أي لا يعزر بهذه الألفاظ أما عدم التعزير في يا كلب يا حمار يا خنزير يا بقر يا حية يا تيس يا ذئب يا قرد فلظهور كذبه قال في الحاوي القدسي الأصل أن كل سب عاد شينه إلى الساب, فإنه لا يعزر, فإن عاد الشين فيه إلى المسبوب عزر وعلله في الهداية بأنه ما ألحق الشين به للتيقن بنفيه.
وفي هذه الألفاظ ثلاثة مذاهب ظاهر الرواية أنه لا يعزر مطلقا لما ذكرنا واختار الهندواني أنه يعزر به وهو قول الأئمة الثلاثة; لأن هذه الألفاظ تذكر للشتيمة في عرفنا وفي فتاوى قاضي خان في يا كلب لا يعزر قال وعن الفقيه أبي جعفر أنه يعزر; لأنه شتيمة ثم قال والصحيح أنه لا يعزر; لأنه كاذب قطعا. ا هـ. وفي المبسوط, فإن العرب لا تعده شتيمة ولهذا يسمون بكلب وذئب وذكر قاضي خان عن أمالي أبي يوسف في يا خنزير يا حمار يعزر ثم قال وفي رواية محمد لا يعزر وهو الصحيح وصاحب الهداية استحسن التعزير إذا كان المخاطب من الأشراف وتبعه في التبيين وسوى في فتح القدير بين قوله يا حجام وبين قوله يا ابن الحجام حيث لم يكن كذلك في عدم التعزير وفرق بينهما في التبيين فأوجب التعزير في يا ابن الحجام دون يا حجام كأنه لعدم ظهور الكذب في قوله يا ابن الحجام لموت أبيه فالسامعون لا يعلمون كذبه فلحقه الشين بخلاف قوله له يا حجام; لأنهم يشاهدون صنعته.
وأما بغا بالباء الموحدة والغين المعجمة المشددة فهو المأبون بالفارسية ويقال باغا وكأنه انتزع من البغاء كذا في المغرب وينبغي أن يجب التعزير فيه اتفاقا; لأنه ألحق الشين به لعدم ظهور الكذب فيه ظاهرا; لأنه مما يخفى وهو بمعنى يا معفوج وهو المأتي في الدبر, وقد صرح في الظهيرية بوجوب التعزير فيه معللا بأنه ألحق الشين به بل هو أقوى إيذاء; لأن الابنة

 

ج / 5 ص -74-         ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في العرف عيب شديد إذ لا يقدر على ترك أن يؤتى في دبره بسبب دودة ونحوها.
وأما المؤاجر, فإن كان بكسر الجيم فهو بمعنى المؤجر للشيء ولا عيب فيه إلا أن هذا اللفظ لهذا المعنى في اللغة خطأ وقبيح وإن كان بفتح الجيم بمعنى المؤجر بالفتح يقال آجره المملوك فاسم المفعول مؤجر ومؤاجر كذا في المغرب فقد نسبه إلى أن غيره قد استأجره ولا عيب فيه سواء كان صادقا أو كاذبا; لأنها عقد شرعي.
وأما ولد الحرام فينبغي التعزير به; لأنه في العرف بمعنى يا ولد الزنا ولم يجب القذف; لأنه ليس بصريح, وقد ألحق الشين به, وقد أبدله في فتح القدير بيا ولد الحمار وهذا هو الظاهر.
وأما العيار بالعين المهملة المفتوحة والياء المثناة التحتية المشددة فهو كثير المجيء والذهاب عن ابن دريد وعن ابن الأنباري العيار من الرجال الذي يخلي نفسه وهواها لا يردعها ولا يزجرها وفي أجناس الناطفي الذي يتردد بلا عمل وهو مأخوذ من قولهم فرس عائر وعيار كذا في المغرب وكأنه لما كان أمر الإنسان ظاهرا من التردد أو كثرة المجيء والذهاب لم يلحق الشين به فلذا لم يعزر.
وأما قوله يا ناكس يا منكوس ففي ضياء الحلوم من باب فعل بكسر العين النكس الرجل الضعيف ومن باب فعل بالفتح يفعل بالضم النكس قلب الشيء على رأسه قال الله تعالى
{ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ} [الانبياء: 65] ا هـ. فكأنه دعا على المخاطب فلا تعزير فيه لعدم إلحاق الشين به.
وأما السخرة بضم السين ففي المغرب السخري من السخرة وهو ما يتسخر أي يستعمل بغير أجر. ا هـ. فلا شين فيه بل هو مدح.
وأما الضحكة بضم الضاد فهو الشيء يضحك منه كذا في ضياء الحلوم ولا يخفى أن المقول له إذا لم يكن كذلك فقد استخف به ومن استخف بغيره عزر فينبغي التعزير به ولذا قال في الولوالجية لو قال له: يا ساحر يا ضحكة يا مقامر لا يعزر هكذا ذكر في بعض المواضع والظاهر أنه يجب ا هـ.
وأما الكشحان فرأيت في بعض الحواشي أنه بالحاء المهملة وفي المغرب الكشحان الديوث الذي لا غيرة له وكشحه وكشحته شتمته ويقال يا كشحان. ا هـ. فحينئذ هو بمعنى القرطبان والديوث فيجب فيه التعزير ولذا قال في فتح القدير والحق ما قاله بعض أصحابنا: إنه يعزر في الكشحان إذ قيل له قريب من معنى القرطبان والديوث. ا هـ. فما في المختصر

 

ج / 5 ص -75-         وأكثر التعزير تسعة وثلاثون سوطا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مشكل لكن قال في ضياء الحلوم كشح القوم عن الشيء إذا تفرقوا عنه وذهبوا وكشح له بالعداوة وأضمرها في كشحه; لأن العداوة فيه وقيل الكاشح المتباعد عن مودة صاحبه من قولهم كشح القوم على الشيء إذا ذهبوا عنه وفي الحديث
"أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح"1, فإن صح مجيء الكشخان منه فلا إشكال أنه ليس بمعنى القرطبان فلذا فرق المصنف بينهما.
وأما الأبله ففي ضياء الحلوم البله الغفلة وفي الحديث
"أكثر من يدخل الجنة البله"2 قيل البله في أمر الدنيا الغافلون عن الشر وإن لم يكن بهم بله قال الزبرقان3 خير أولادنا الأبله العقول أي الذي هو لشدة حيائه كالأبله وهو عاقل. ا هـ. فعلم أنها صفة مدح وإن كانت مفضولة بالنسبة لمن عنده حذق وعلم كما صرح به القرطبي في شرح مسلم في قوله عليه السلام: "إن أهل الجنة يتراءون الغرف فوقهم كالكوكب الدري"4 وصرح بأن المراد بهم البله وأن العلماء هم أهل الغرف فوقهم.
وقيد بالأبله احترازا عن البليد, فإنه يعزر به قال في الولوالجية لو قال يا بليد يا قذر يجب فيه التعزير; لأنه قذفه بمعصية ولأنه ألحق الشين به. ا هـ. وفي كونه معصية نظر والظاهر التعليل الثاني.
وأما الموسوس فضبطه في الظهيرية في فصل التعزير بكسر الواو وفي المغرب رجل موسوس بالكسر ولا يقال بالفتح ولكن موسوس له أو إليه أي ملقى إليه الوسوسة وقال الليث: حديث النفس وإنما قيل موسوس; لأنه يحدث بما في ضميره وعن أبي الليث لا يجوز طلاق الموسوس يعني المغلوب في عقله عن الحاكم هو المصاب في عقله إذا تكلم تكلم بغير نظام
قوله: "وأكثر التعزير تسعة وثلاثون سوطا". وعن أبي يوسف أكثره خمسة وسبعون سوطا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البيهقي في سننه كتاب الصدقات باب الرجل يقسم صدقته على قرابته وجيرانه من حديث أم كلثوم بنت عقبة. والزيلعي حين نصب الراية "4/405" وأحمد في مسنده من طريق أبي أيوب الأنصاري "5/416" والطبراني في الكبير "3926" والهيثمي في ممجمع الزوائد "3/116".
2 ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد من حديث أنس "8/79" ورواه البزار "1983" وقال: قد روي بعضه مرفوعا من وجوه وبعضه لا نعلمه إلا من هذا الوجه.
3 هو الزبرقان بن بدر التميمي السعدي صحابي جليل من رؤساء قومه فيل اسمه الحصي ولقب بالزبرقان لحسن وجهه كان فصيحا شاعرا فيه جفاء الأعراب توفي نحو خمس وأربعونةهـ. أ. الإصابة "1/524" الأعرم "3/41".
4 أخرجه الطبراني في الكبير من حديث سهل بن سعد "5776".

 

ج / 5 ص -76-         وأقله ثلاثة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والأصل فيه الحديث
"من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين"1 فتعذر تبليغه حدا بالإجماع غير أن أبا حنيفة اعتبر أدنى الحدود وهو حد العبيد; لأن مطلق ما روينا يتناوله وأقله أربعون وأبو يوسف اعتبر حد الأحرار; لأنهم هم الأصول وأقله ثمانون فلا بد من النقص عنه ففي رواية عنه ينقص خمسة وروي ذلك عن علي رضي الله عنه2 وهو ظاهر الرواية عن أبي يوسف كما في فتح القدير قيل وليس فيه معنى معقول فلا يضره; لأنه قلد فيه عليا رضي الله عنه ويجب تقليد الصحابي فيما لا يدرك بالرأي وفي رواية ينقص سوط وفي الحاوي القدسي قال أبو يوسف أكثره في العبد تسعة وثلاثون سوطا وفي الحر خمسة وسبعون سوطا وبه نأخذ ا هـ.
فعلم أن الأصح قول أبي يوسف وفي المجتبى وروي أنه ينقص منها سوطا وهو قول زفر وهو القياس وهو الأصح. ا هـ.
وفي فتح القدير وبما ذكرنا من تقدير أكثره بتسعة وثلاثين يعرف أن ما ذكر مما تقدم من أنه ليس في التعزير شيء مقدر بل مفوض إلى رأي الإمام أي من أنواعه, فإنه يكون بالضرب وبغيره مما تقدم ذكره أما إن اقتضى رأيه الضرب في خصوص الواقعة, فإنه حينئذ لا يزيد على تسعة وثلاثين. ا هـ.
وقد وقع لي تردد في مسألة وهي أن إنسانا لو ضرب إنسانا بغير حق أكثر من أكثر التعزير ورفع إلى القاضي وثبت عليه أنه ضربه مثلا خمسين سوطا كيف يعزره القاضي, فإنه إن ضربه خمسين زاد على أكثر التعزير وإن اقتصر على الأكثر لم يكن مستوفيا لحق المضروب إلا أن يقال: إن حقه التعزير لا القصاص, وقد صرح في الخانية أن مما يجب التعزير به الضرب.
قوله: "وأقله ثلاثة" أي أقل التعزير بالضرب ثلاثة أسواط وهكذا ذكر القدوري فكأنه يرى أن ما دونها لا يقع به الزجر وليس كذلك بل يختلف ذلك باختلاف الأشخاص فلا معنى لتقديره مع حصول المقصود بدونه فيكون مفوضا إلى رأي القاضي يقيمه بقدر ما يرى المصلحة فيه على ما بينا تفاصيله وعليه مشايخنا كذا في التبيين. والحاصل أن على ما في المختصر لو علم القاضي أن الزجر يحصل بسوط لا يكتفي به بل لا بد من الثلاثة وعلى قول المشايخ يكتفي به. ا هـ.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البيهقي في سننه كتاب الأشربة والحد باب ما جاء في التعزير وأنه لا يبلغ به أربعين "8/327" من حديث النعمان بن بسير وفي معرفة منقطعا "13/69" برقم "17500" والزيلعي في نصب الراية "3/354".
2 ذكره الزيلعي في نصب الراية وقال غريب.

 

ج / 5 ص -77-         وصح حبسه بعد الضرب, وأشد الضرب التعزير, ثم حد الزنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "وصح حبسه بعد الضرب" أي جاز للحاكم أن يحبس العاصي بعد الضرب فيجمع بين حبسه وضربه; لأنه صلح تعزيرا, وقد ورد به الشرع في الجملة حتى جاز أن يكتفي به فجاز أن يضم إليه ولهذا لم يشرع في التعزير بالتهمة قبل ثبوته كما شرع في الحد; لأنه من التعزير أطلق في الحبس فشمل الحبس في البيت والسجن قال في الحاوي القدسي, وقد يكون التعزير بالحبس في بيته أو في السجن. ا هـ.
قوله: "وأشد الضرب التعزير"; لأنه جرى التخفيف فيه من حيث العدد فلا يخفف من حيث الوصف كي لا يؤدي إلى فوات المقصود ولم يذكر المصنف أنه يفرق على الأعضاء كضرب الحدود; لأنه لا يفرق كما في الهداية وإليه يشير إطلاق الأشدية الشاملة لقوته وجمعه في عضو واحد وفي حدود الأصل يفرق التعزير على الأعضاء وفي أشربة الأصل يضرب التعزير في موضع واحد قال في التبيين وليس في المسألة اختلاف الرواية وإنما اختلف الجواب لاختلاف الموضوع فموضوع الأول إذا بلغ بالتعزير أقصاه وموضوع الثاني إذا لم يبلغ. ا هـ. وهكذا في المجتبى وفي فتح القدير وأثبت الاختلاف في غاية البيان معزيا إلى الإسبيجابي فقال بعضهم الشدة هو الجمع فتجمع الأسواط في عضو واحد ولا يفرق على الأعضاء بخلاف سائر الحدود وقال بعضهم لا بل شدته في الضرب لا في الجمع. ا هـ.
قالوا ويتقي المواضع التي تتقى في الحدود قال في المجتبى ويضرب الظهر والألية قالوا ويبلغ في التعزير غايته وهو تسعة وثلاثون سوطا فيما إذا أصاب من الأجنبية كل محرم غير الجماع وفيما إذا أخذ السارق بعدما جمع المتاع قبل الإخراج وفيما إذا شتمه بجنس ما يجب به حد القذف كقوله للعبد أو الذمي يا زاني.
وأشار بالأشدية إلى أنه يجرد من ثيابه قال في غاية البيان ويجرد في سائر الحدود إلا في حد القذف, فإنه يضرب وعليه ثيابه كما قدمناه ويخالفه ما في فتاوى قاضي خان يضرب للتعزير قائما عليه ثيابه وينزع الفرو والحشو ولا يمد في التعزير. ا هـ. والظاهر الأول لتصريح المبسوط به وإلى أنه لو اجتمع التعزير مع الحدود قدم التعزير في الاستيفاء لتمحضه حقا للعبد كذا في الظهيرية.
قوله: "ثم حد الزنا"; لأنه ثابت بالكتاب وحد الشرب ثابت بقول الصحابة رضي الله عنهم ولأنه أعظم جناية حتى شرع فيه الرجم.

 

ج / 5 ص -78-         ثم الشرب ثم القذف, بخلاف الزوج إذا عزر زوجته لترك الزينة والإجابة إذا دعاها إلى فراشه وترك الصلاة والخروج من البيت.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "ثم الشرب ثم القذف" يعني حد الشرب يلي حد الزنا في شدة الضرب قدمناه وحد القذف أدنى الكل وإن كان ثابتا بالكتاب إلا أن سببه محتمل لاحتمال كونه صادقا وسبب حد الشرب متيقن به وهو الشرب والمراد أن الشرب متيقن السببية للحد لا متيقن الثبوت; لأنه بالبينة أو الإقرار وهما لا يوجبان اليقين.
قوله: "ومن حد أو عزر فمات فدمه هدر"; لأنه فعل ما فعل بأمر الشارع وفعل المأمور لا يتقيد بشرط السلامة كالفصاد والبزاغ قال في ضياء الحلوم ذهب دمه هدرا أي باطلا.
قوله: "بخلاف الزوج إذا عزر زوجته لترك الزينة والإجابة إذا دعاها إلى فراشه وترك الصلاة والخروج من البيت" يعني فماتت, فإنه يكون ضامنا ولا يكون دمها هدرا; لأنه مباح ومنفعته ترجع إليه كما ترجع إلى المرأة من وجه وهو استقامتها على ما أمر الله تعالى به, وقد ظهر بهذا أن كل ضرب كان مأمورا به من جهة الشارع, فإن الضارب لا ضمان عليه بموته وكل ضرب كان مأذونا فيه بدون الأمر فإن الضارب يضمنه إذا مات لتقييده بشرط السلامة كالمرور في الطريق وظهر أن الزوج لا يجب عليه ضرب زوجته أصلا.
وظهر به أيضا أن له ضربها في أربعة مواضع لكن وقع الاختلاف في جواز ضربها على ترك الصلاة فذكر هنا تبعا لكثير أنه يجوز وفي النهاية تبعا لما في كافي الحاكم أنه لا يجوز له; لأن المنفعة لا تعود إليه بل إليها وليس في كلام المصنف ما يقتضي أنه ليس له ضربها في غير هذه الأربعة أشياء* ولهذا قال الولوالجي في فتاويه للزوج أن يضرب زوجته على أربعة أشياء وفي معناها ففي قوله وما في معناها إفادة عدم الحصر فما في معناها ما إذا ضربت جارية زوجها غيرة ولا تتعظ بوعظه فله ضربها كذا في القنية. وينبغي أن يلحق به ما إذا ضربت الولد الذي لا يعقل عند بكائه; لأن ضرب الدابة إذا كان ممنوعا فهذا أولى منه ما إذا شتمته أو مزقت ثيابه أو أخذت لحيته أو قالت له يا حمار يا أبله أو لعنته سواء شتمها أو لا على قول العامة ومنه ما إذا شتمت أجنبيا ومنه ما إذا كشفت وجهها لغير محرم أو كلمت أجنبيا أو تكلمت عامدا مع الزوج أو شاغبت معه ليسمع صوتها الأجنبي ومنه ما إذا أعطت من بيته شيئا من الطعام بلا إذنه حيث كانت العادة لم تجر به وإن كانت العادة مسامحة المرأة بذلك بلا مشورة الزوج فليس له ضربها ومنه ما إذا ادعت عليه وليس منه ما إذا طلبت نفقتها أو

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ما بين معكوفين ساقط من الأصل.

 

ج / 5 ص -79-         ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كسوتها وألحت; لأن لصاحب الحق يد الملازمة ولسان التقاضي كذا أفاده في البزازية في مسائل الضرب من فصل الأمر باليد والمعنى الجامع للكل أنها إذا ارتكبت معصية ليس فيها حد مقدر, فإن للزوج أن يعزرها كما أن للسيد ذلك بعبده كذا في البدائع من فصل القسم بين النساء وهو شامل لما كان متعلقا بالزوج وبغيره, وقد صرحوا بأنه إذا ضربها بغير حق وجب عليه التعزير ولا يخفى أنه إنما يجوز ضربها لترك الزينة إذا كانت قادرة عليها وكانت شرعية وإلا فلا كما أنه يجوز ضربها لترك الإجابة إذا كانت طاهرة عن الحيض وعن النفاس وكما يجوز ضربها للخروج إذا كان الخروج بغير حق وأما إذا كان بحق فليس له ضربها عليه وقدمنا المواضع التي تخرج إليها بغير إذنه في كتاب النفقات.
وأطلق في الزوجة فشمل الصغيرة ولذا قال في التبيين إن التعزير مشروع في حق الصبيان وفي القنية مراهق شتم عالما فعليه التعزير. ا هـ.
وفي المجتبى معزيا إلى السرخسي الصغير لا يمنع وجوب التعزير ولو كان حقا لله تعالى لمنع وعن الترجماني البلوغ يعتبر في التعزير أراد به ما وجب حقا لله تعالى نحو ما إذا شرب الصبي أو زنى أو سرق وما ذكره السرخسي فيما يجب حقا للعبد توفيقا بينهما. ا هـ.
قيد بالزوجة لا بالأب والمعلم لا يضمن*.
وفي القنية ولا يجوز ضرب أختها الصغيرة التي ليس لها ولي بترك الصلاة إذا بلغت عشرا وله أن يضرب اليتيم فيما يضرب ولده به وردت الآثار والأخبار وفي الروضة له أن يكره ولده الصغير على تعلم القرآن والأدب والعلم; لأن ذلك فرض على الوالدين ولو أمر غيره بضرب عبده حل للمأمور ضربه بخلاف الحر قال رضي الله عنه فهذا نصيص على عدم جواز ضرب ولد الآمر بأمره بخلاف المعلم; لأن المأمور يضربه نيابة عن الأب لمصلحته والمعلم يضربه بحكم الملك بتمليك أبيه لمصلحة الولد. ا هـ. وفيها أيضا عن أبي بكر أساء عبده لا يعزره وهذا خلاف قول أصحابنا وله التعزير دون الحد وبه نأخذ وكذلك امرأته; لأن الله تعالى قال
{وَاضْرِبُوهُنَّ}. ا هـ. والله أعلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ما بين معكوفين ساقط من الأصل.