البحر الرائق شرح كنز الدقائق ط احياء التراث

ج / 5 ص -80-         8013- كتاب السرقة
هو أخذ مكلف خفية قدر عشرة دراهم مضروبة محرزة بمكان أو حافظ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
13- "كتاب السرقة".
لما كانت صيانة الأموال مؤخرة عن صيانة النفوس والعقول والأعراض أخر زاجر ضياعها.
وهي في اللغة أخذ الشيء في خفاء وحيلة يقال سرق منه مالا وسرقه مالا سرقا وسرقة ويسمى الشيء المسروق سرقة مجازا كذا في المغرب.
وأما في الشريعة فلها تعريفان تعريف باعتبار الحرمة وتعريف باعتبار ترتب حكم شرعي وهو القطع.
أما الأول فهو أخذ الشيء من الغير على وجه الخفية بغير حق سواء كان نصابا أو لا.
أما الثاني فهو ما ذكره المصنف بقوله"
"هو أخذ مكلف خفية قدر عشرة دراهم مضروبة محرزة بمكان أو حافظ" أطلق في الأخذ فشمل الحقيقي والحكمي فالأول هو أن يتولى السارق أخذ المتاع بنفسه والثاني هو أن يدخل جماعة من اللصوص منزل رجل ويأخذوا متاعه ويحملوه على ظهر رجل واحد ويخرجوه من المنزل, فإن الكل يقطعون استحسانا وسيأتي فخرج بالتكليف الصبي والمجنون; لأن القطع عقوبة وهما ليسا من أهلها فهما مخصوصان من آية السرقة لكنهما يضمنان المال وإن كان يجن ويفيق, فإن سرق في حال جنونه لم يقطع وإن كان في حال الإفاقة قطع ولو سرق جماعة فيهم صبي أو مجنون يدرأ عنهم القطع كذا في البدائع وشمل الذكر والأنثى والحر والعبد ولو آبقا والمسلم والكافر كما في البدائع.
وخرج بقيد الخفية ما أخذ جهرا مغالبة أو نهبا أو اختلاسا, فإنه لا قطع فيه.
وأفاد بقوله الأخذ خفية إلى أن الشرط الخفية وقت الأخذ أو دخول الحرز ليلا كان أو نهارا, وأما الخفية في الانتهاء, فإن كانت السرقة نهارا في المصر فهي شرط أيضا وما بين العشاء والعتمة من النهار. ولذا قال في الاختيار ولو دخل بين العشاء والعتمة والناس منتشرون فهو بمنزلة النهار وإن كانت السرقة ليلا فليست بشرط حتى لو دخل البيت ليلا خفية ثم أخذ المال مجاهرة ولو بعد مقاتلة من في يده قطع به للاكتفاء بالخفية الأولى ولم يبين

 

ج / 5 ص -81-         ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصنف أن المعتبر كونها خفية على زعم السارق أو المسروق منه فهي رباعية فلو كان السارق يعلم أن صاحب الدار يعلم بدخوله وعلم به صاحب الدار أيضا فلا قطع أو لم يعلما فيقطع اتفاقا أو كان صاحب الدار يعلم بدخوله والسارق لا يعلم أنه يعلم, فإنه يقطع اكتفاء بكونها خفية في زعم السارق وإن كان على عكسه بأن زعم اللص بأن صاحب الدار علم به وصاحب الدار لم يعلم ففي التبيين لا يقطع; لأنه جهر وفي الخلاصة والمحيط والذخيرة أنه يقطع اكتفاء بكونها خفية في زعم أحدهما أيهما كان واحترز بقوله قدر عشرة دراهم عن سرقة ما دونها.
وأطلق في الدراهم فانصرفت إلى المعهودة وهي أن تكون العشرة منها وزن سبعة مثاقيل كما في الزكاة واحترز بالمضروبة عما إذا سرق تبرا وزنه عشرة دراهم أو متاعا قيمته عشرة دراهم غير مضروبة, فإنه لا قطع فيه على الصحيح بخلاف المهر والفرق أن الحد يدرأ بالشبهة فيتعلق بالكامل والمهر يثبت مع الشبهة مع أن قوله مضروبة تأكيد وإيضاح وإلا فالدرهم اسم للمضروب, وأما غير المضروب فلا يسمى درهما كما في المغرب فلو سرق نصف دينار قيمته النصاب قطع عندنا ولو سرق دينارا قيمته أقل من النصاب لا يقطع وتعتبر قيمة النصاب يوم السرقة ويوم القطع فلو كانت قيمته يوم السرقة عشرة فانتقص بعد ذلك إن كان نقصان القيمة لنقصان العين يقطع وإن كان لنقصان السعر لا يقطع في ظاهر الرواية ولو سرق ثوبا قيمته عشرة دراهم فأخذه المالك في بلد آخر وقيمة الثوب ثمة ثمانية دراهم درئ عنه القطع وإذا وجب تقويم المسروق بعشرة دراهم يقوم بأعز النقود أو بنقد البلد الذي يروج بين الناس في الغالب فالأول رواية الحسن عن الإمام والثاني رواية أبي يوسف عنه. ولا يقطع السارق لتقويم الواحد بل لا بد من تقويم رجلين عدلين لهما معرفة بالقيمة; لأنه من باب الحدود فلا يثبت إلا ما ثبت به السرقة فلا قطع عند اختلاف المقومين كما في الظهيرية.
وأطلق في قدر النصاب فشمل ما إذا كان المسروق منه واحدا أو أكثر فلو سرق واحد نصابا من جماعة قطع ولو سرق اثنان نصابا من واحد لا قطع عليهما فالعبرة للنصاب في حق السارق لا المسروق منه بشرط أن يكون الحرز واحدا فلو سرق نصابا من منزلين مختلفين فلا قطع والبيوت من دار واحدة بمنزلة بيت واحد حتى لو سرق من عشرة أنفس في دار كل واحد في بيت على حدة من كل واحد منهم درهما قطع بخلاف ما إذا كانت الدار عظيمة وفيها حجر كما في البدائع.
وخرج باشتراط النصاب ما إذا سرق ثوبا قيمته تسعة دراهم فوضعه على باب الدار ثم

 

ج / 5 ص -82-         ...................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دخل فأخذ ثوبا آخر يساوي تسعة دراهم فأخرجه عليه لم يقطع; لأنه لم يبلغ المأخوذ في كل واحد منهما نصابا كذا في البدائع.
وأطلق في الدراهم فانصرفت إلى الجياد فلو سرق زيوفا أو نبهرجة أو ستوقة فلا قطع إلا أن تكون كثيرة تبلغ قيمتها نصابا من الجياد, وقد استفيد من اشتراط النصاب اشتراط أن يكون المسروق مالا مقوما ولا بد أن يكون مملوكا كالمغيرة فلا قطع في حصر المسجد وأستار الكعبة وإن كانت محرزة ولا بد من انتفاء الشبهة ولم يذكرهما لما سيصرح به ولا بد من كون السارق ليس بأخرس ولا أعمى لاحتمال أنه لو نطق ادعى شبهة والأعمى جاهل بمال غيره وقوله محرزة بمكان أو حافظ بيان لكون الحرز على قسمين حرز بنفسه وهو كل بقعة معدة للإحراز ممنوع الدخول فيها إلا بإذن كالدور والحوانيت والخيم والخزائن والصناديق وحرز بغيره وهو كل مكان غير معد للإحراز وفيه حافظ كالمساجد والطرق والصحراء وسيأتي بيانها.
وفي القنية لو سرق المدفون في المفازة يقطع. ا هـ. ولا بد أن تكون السرقة في دار عدل فلا يقطع في السرقة في دار الحرب ودار البغي فلو سرق بعض تجار المسلمين من البعض في دار الحرب ثم خرجوا إلى دار الإسلام فأخذ السارق لا يقطعه الإمام كذا في البدائع ولا بد من ثبوت دلالة القصد إلى النصاب المأخوذ وعليه ذكر في التجنيس من علامة النوازل سرق ثوبا قيمته دون العشرة وعلى طرفه دينار مشدود لا يقطع وذكر من علامة فتاوى سمرقند إذا سرق ثوبا يساوي عشرة وفيه دراهم مصرورة لا يقطع قال وهذا إذا لم يكن الثوب وعاء للدراهم, فإن كان يقطع; لأن القصد فيه يقع على سرقة الدراهم ألا ترى أنه لو سرق كيسا فيه دراهم كثيرة يقطع وإن كان الكيس يساوي درهما ولا بد أن يكون للمسروق منه يد صحيحة فخرج السارق من السارق ولا بد أن يخرجه ظاهرا حتى لو ابتلع دينارا في الحرز وخرج لا يقطع ولا ينتظر أن يتغوطه بل يضمن مثله; لأنه استهلكه وهو سبب الضمان للحال فقد علمت مما ذكرناه أن تعريف المختصر قاصر فلو قال المصنف هي أخذ مكلف ناطق يصير صاحب يد يسرى ورجل يمنى صحيحتين عشرة دراهم جياد أو مقدارها مقصودة ظاهرة الإخراج خفية من صاحب يد صحيحة مما لا يتسارع إليه الفساد من المال المعمول للغير من حرز بلا شبهة وتأويل في دار العدل لكان أولى, وقد علمت فوائد القيود.
وفي الظهيرية وشرط أصحابنا لقطع اليد اليمنى أن تكون اليد اليسرى والرجل

 

ج / 5 ص -83-         فيقطع إن أقر مرة أو شهد رجلان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اليمنى صحيحتين وهكذا ذكره في المجتبى من الشروط وفي التحقيق أن الأخذ المذكور هو ركنها.
قوله: "فيقطع إن أقر مرة أو شهد رجلان" بيان لحكمها وسبب ثبوتها وفي قوله مرة رد على أبي يوسف في قوله لا يقطع إلا بإقراره مرتين ويروى عنه أنهما في مجلسين مختلفين; لأنه أحد الحجتين فتعتبر بالأخرى وهي البينة كذلك اعتبرنا في الزنا ولهما أن السرقة ظهرت بإقراره مرة واحدة فيكتفى به كما في القصاص وحد القذف ولا اعتبار بالشهادة فيها; لأن الزيادة تفيد فيها تقليل تهمة الكذب ولا تفيد في الإقرار شيئا; لأنه لا تهمة وباب الرجوع في حق الحد لا ينسد بالتكرار, والرجوع في حق المال لا يصح أصلا; لأن صاحب المال يكذبه واشتراط الزيادة في الزنا بخلاف القياس فيقتصر على مورد الشرع ومن مسائل الإقرار لو قال: أنا سارق هذا الثوب بالإضافة قطع ولو نون القاف لا يقطع; لأنه على الاستقبال, والأول على الحال.
وفي عيون المسائل قال سرقت من فلان مائة درهم بل عشرة دنانير يقطع في العشرة دنانير ويضمن مائة هذا إن ادعى المقر له المالين وهو قول أبي حنيفة; لأنه رجع عن الإقرار بسرقة مائة وأقر بعشرة دنانير فصح رجوعه عن الإقرار بالسرقة الأولى في حق القطع ولم يصح في حق الضمان وصح الإقرار بالسرقة الثانية في حق القطع وبه ينتفي الضمان بخلاف ما لو قال سرقت مائة بل مائتين, فإنه يقطع ولا يضمن شيئا لو ادعى المقر له المائتين; لأنه أقر بسرقة مائتين ووجب القطع فانتفى الضمان, والمائة الأولى لا يدعيها المقر له بخلاف الأولى ولو قال سرقت مائتين بل مائة لم يقطع ويضمن المائتين; لأنه أقر بسرقة مائتين ورجع عنها فانتفى الضمان ولم يجب القطع ولم يصح الإقرار بالمائة إذ لا يدعيها المسروق منه ولو أنه صدقه في الرجوع إلى المائة لا ضمان كذا في فتح القدير. ولم يذكر المصنف صحة الرجوع عن الإقرار للعلم بأنه يصح الرجوع عن الإقرار بالحدود كلها إلا حد القذف.
قال في الذخيرة وإذا أقر بالسرقة ثم هرب لا يتبع وإن كان في فوره. ا هـ. بخلاف ما إذا شهد عليه ثم هرب, فإنه يتبع كذا في الظهيرية ولم يشترط المصنف عدم التقادم في هذه الحجة; لأنه ليس بشرط في الإقرار وشرط في البينة فلو أقر بسرقة متقادمة قطع ولو شهدا عليه بذلك لا كما في البدائع وقدمناه وحد التقادم في السرقة هو حده في الزنا كذا في الذخيرة وأطلق في المقر فشمل الحر, والعبد وسيأتي تفاصيلها في العبد.
وقيد بالرجلين; لأن شهادة النساء غير مقبولة فيه وكذا الشهادة على الشهادة وإن قبلت في حق المال.

 

ج / 5 ص -84-         ...............................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأفاد المصنف بحصر الحجة فيما ذكر أنه يقطع بالنكول وإن ضمن المال وأن العبد لا يقطع بإقرار مولاه عليه بها, وإن لزم المال ولم يقيد المصنف الإقرار بالطواعية قال في الظهيرية وإذا أقر بالسرقة مكرها فإقراره باطل ومن المتأخرين من أفتى بصحته وسئل الحسن بن زياد أيحل ضرب السارق حتى يقر قال ما لم يقطع اللحم ولا يتبين العظم ولم يزد على هذا. ا هـ.
وفي التجنيس لا يفتى بعقوبة السارق; لأنه جور ولا يفتى به وفي الظهيرية هل ينبغي للسارق أن يعلم صاحب المتاع أنه سرق متاعه إن كان لا يخاف أن يظلمه متى أخبره يخبره ليصل إلى حقه, وإن كان يخاف لا يخبره; لأنه معذور في ترك الإخبار ولكن يوصل الحق إليه بطريق آخر وإذا قضى القاضي بالقطع ببينة أو إقرار ثم قال المسروق منه هذا متاعه لم يسرقه مني إنما كنت أودعته أو قال شهد شهودي بزور أو قال أقر هو بباطل أو ما أشبه ذلك سقط عنه القطع ويستحب للإمام أن يلقن السارق حتى لا يقر بالسرقة لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بسارق فقال
"أسرق ما إخاله سرق"1 ولأنه احتيال للدرء وقوله إخاله بكسر الهمزة معناه أظنه وبالفتح كذلك وكلاهما فعل مضارع من المخيلة وهي الظن إلا أن الحديث جاء بالكسر وإذا شهد كافران على كافر ومسلم بسرقة مال لا يقطع الكافر كما لا يقطع المسلم ولو شهد أنه سرق من فلان ثوبا فقال أحدهما: إنه هروي وقال الآخر: إنه مروي بسكون الراء ذكر في نسخ أبي سليمان أنه على خلاف اعتبارا باختلاف الشاهدين في لون البقرة وذكر في نسخة أبي حفص أنه لا تقبل الشهادة إجماعا. ا هـ.
ولم يذكر المصنف سؤال الشاهدين وفي الهداية وينبغي أن يسألهم الإمام عن كيفية السرقة وماهيتها وزمانها ومكانها لزيادة الاحتياط كما مر في الحدود ويحبسه إلى أن يسأل عن الشهود للتهمة. ا هـ.
زاد في الكافي أنه يسألهما عن المسروق إذ سرقة كل مال لا توجب القطع فالسؤال عن الكيفية لاحتمال أنه سرق على كيفية لا يقطع معها كأن نقب الجدار وأدخل يده فأخرج المتاع, فإنه لا يقطع, والسؤال عن الماهية لإطلاقها على استراق السمع, والنقص من أركان الصلاة, والسؤال عن الزمان لاحتمال التقادم وعلى المكان لاحتمال السرقة في دار الحرب من مسلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أبو داود في الحدود باب التلقين "ما إخالك سرقت قال بلى..." من حديث أبي أمية المخزومي "4380" والبيهقي في سننه كتاب السرقة باب ما جاء في الإقرار بالسرقة والرجوع عنه "8/276" والحاكم من حديث أبي هريرة بلفظ "ما أخاله سرق" "4/381".

 

ج / 5 ص -85-         ولو جمعا, والآخذ بعضهم قطعوا إن أصاب لكل نصاب, ولا يقطع بخشب وحشيش وقصب وسمك وطير وصيد وزرنيخ ومغرة ونورة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي المبسوط لم يذكر محمد السؤال عن المسروق منه; لأنه حاضر يخاصم, والشهود يشهدون على السرقة منه فلا حاجة إلى السؤال عنه وفيه نظر لاحتمال أن يكون قريب السارق أو زوجا فلا بد من السؤال عنه كما في التبيين, وأما سؤال المقر, فإنه عن جميع ما ذكرنا إلا عن السؤال عن الزمان.
وفي فتح القدير ولا يسأل المقر عن المكان وهو مشكل للاحتمال المذكور, واعلم أنه لا بد من حضور الشاهدين وقت القطع كحضور المدعي حتى لو غابا أو ماتا لا قطع وهذا في كل الحدود إلا في الرجم ويمضي القصاص, وإن لم يحضروا استحسانا كذا في كافي الحاكم, وإن شرط بداءة الشهود بالرجم.
قوله: "ولو جمعا, والآخذ بعضهم قطعوا إن أصاب لكل نصاب" أي لو كان السارق جماعة; لأن الموجب سرقة النصاب ويجب على كل واحد منهم بجنايته فيعتبر كمال النصاب في حقه وقدمنا أنه لا فرق بين كون الأخذ مباشرة أو تسببا ولا بد أن لا يكون فيهم ذو رحم محرم من المسروق منه ولا صبي ولا مجنون ولا معتوه.
وأطلقه فشمل ما إذا كانوا خرجوا معه من الحرز أو بعده من فوره أو خرج هو بعدهم في فورهم; لأن بذلك يحصل التعاون.
وقيد بالجمع; لأنه لو سرق واحد من عشرة من كل واحد منهم درهما من بيت واحد يقطع لكمال النصاب في حق السارق.
قوله: "ولا يقطع بخشب وحشيش وقصب وسمك وطير وصيد وزرنيخ ومغرة ونورة"; لأنه لا قطع فيما يوجد تافها مباحا في دار الإسلام لقول عائشة رضي الله عنها كانت اليد لا تقطع في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشيء التافه1 أي الحقير وما يوجد جنسه مباحا في الأصل بصورته غير مرغوب فيه حقير لقلة الرغبات فيه, والطباع لا تضن به فقل ما يوجد آخذه على كره من المالك فلا حاجة إلى شرع الزاجر ولهذا لم يجب القطع بسرقة ما دون النصاب ولأن الحرز فيها ناقص ألا يرى أن الخشب يلقى على الأبواب, وإنما يدخل في الدار للعمارة لا للإحراز, والطير يطير, والصيد يقر وكذا الشركة العامة التي كانت فيه وهي على تلك الصفة تورث الشبهة, والحد يندرئ بها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه "6/466" كتاب الحدود باب من قال لا تقطع في أقل من عشرة دراهم.

 

ج / 5 ص -86-         وفاكهة رطبة أو على شجر أو على لبن ولحم وزرع لم يحصد وأشربة وطنبور
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أطلق الخشب وهو مقيد بما إذا لم يحدث فيه صنعة متقومة, فإن كان معمولا قطع فيه كما في شرح الطحاوي كما يقطع في الحصر البغدادية كما في غاية البيان ومقيد بما إذا لم تجر العادة بإحرازه, فإن كان مما يحرز كالساج, والأبنوس1, فإنه يقطع فيه.
وأطلق السمك فشمل الطري, والمالح, والطير فشمل الدجاج, والبط, والحمام ونظر بعضهم في الزرنيخ فقال ينبغي أن يقطع به; لأنه يحرز ويصان في دكاكين العطارين كسائر الأموال واختلف في الوسمة2, والحناء, والوجه القطع; لأنه جرت العادة بإحرازه في الدكاكين, والمغرة بفتح الغين الطين الأحمر ويجوز إسكانها وألحق في المجتبى بما ذكر الفحم, والأشنان, والزجاج, والملح, والخزف, واستثنى في الظهيرية من الطير الدجاج فأوجب القطع فيه.
قوله: "وفاكهة رطبة أو على شجر أو على لبن ولحم وزرع لم يحصد وأشربة وطنبور"; لأنه لا قطع فيما يتسارع إليه الفساد لقوله عليه السلام
"لا قطع في ثمر ولا كثر3", والكثر الجمار وقال عليه السلام "لا قطع في الطعام", والمراد والله أعلم ما يتسارع إليه الفساد كالمهيأ للأكل منه وما في معناه كاللحم, والتمر; لأنه يقطع في الحنطة, والسكر إجماعا ولا إحراز فيما على الشجر وفي زرع لم يحصد ولتأول السارق في الأشربة المطربة الإراقة وبعضها ليس بمال وفي مالية بعضها اختلاف فيتحقق شبهة عدم المال, والطنبور من المعازف.
أطلق في الفاكهة فشمل العنب, والرطب على المختار; لأنه يخاف الفساد من وجه وذكر الإسبيجابي أنه لا بد أن يكون المسروق يبقى من حول إلى حول فإذا سرق شيئا لا يبقى من حول إلى حول لا يجب القطع. ا هـ.
وقيد بالرطبة; لأنه يقطع في اليابسة ويقطع في الزبيب, والتمر.
وأطلق في اللحم فشمل القديد منه; لأنه يتوهم فيه الفساد وقيد بالأشربة; لأنه يقطع في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سيأتي شرحها.
2 قال في المصباح: بكسر السين في لغة الحجاز وهي أفصح من السكون نبت يختضب بورقه ا هـ مادة وسم.
3 أخرجه أبو داود في الحدود باب ما لا قطع فيه "4388" من حديث رافع ن خديج, والنسائي في السارق باب ما لا يقطع فيه "8/87" والترمذي في الحدود باب ما لا قطع في ثمر ولا كثر "1449" وابن ماجة في الحدود باب لا قطع في ثمر ولا كثر "2593".

 

ج / 5 ص -87-         ومصحف ولو محلى, وباب مسجد, وصليب ذهب وشطرنج ونرد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العسل, والخل إجماعا كذا في التبيين وفيه نظر لما نقله الناطفي عن المجرد قال أبو حنيفة لا قطع في الخل; لأنه قد صار خمرا مرة. ا هـ. فلا يدعى الإجماع.
وأطلق في الأشربة فشمل الحلو, والمر وما إذا كان السارق مسلما أو ذميا وأشار بالطنبور إلى جميع آلات اللهو وفي الظهيرية وغيرها, والقطع في الحنطة وغيرها إجماعا إنما هو في غير سنة القحط أما فيها فلا سواء كان مما يتسارع الفساد إليه أو لا; لأنه عن ضرورة ظاهرة أو هي تبيح التناول وعنه عليه السلام
"لا قطع في مجاعة مضطرة"1 وعن عمر رضي الله عنه لا قطع في عام سنة2.
قوله: "ومصحف ولو محلى" أي لا قطع في سرقة مصحف ولو كان عليه حلية من ذهب أو فضة; لأن الآخذ يتأول في أخذه القراءة ولا نظر فيه ولأنه لا مالية له على اعتبار المكتوب وإحرازه لأجله لا للجلد, والأوراق, والحلية, وإنما هي توابع ولا معتبر بالتبع كمن سرق آنية فيها خمر وقيمة الآنية تربو على النصاب وكمن سرق صبيا حرا وعليه حلي قال في المبسوط ألا ترى أنه لو سرق ثوبا لا يساوي عشرة ووجد في جيبه عشرة مصرورة لم يعلم بها لم أقطعه, وإن كان يعلم بها فعليه القطع, وقد قدمناه وسيأتي أنه لا قطع في الدفاتر وهي الكتب شرعية كانت أو لا.
قوله: "وباب مسجد" لعدم الإحراز فصار كباب الدار أولى; لأنه يحرز بباب الدار ما فيها ولا يحرز بباب المسجد ما فيه حتى لا يجب القطع بسرقة متاعه قال فخر الإسلام, فإن اعتاد سرقة أبواب المساجد فيجب أن يعزر ويبالغ فيه ويحبس حتى يتوب. ا هـ. وينبغي أن يكون كذلك سارق البزابيز من الميض أو أشار إلى أنه لا قطع في سرقة حصره وقناديله وكذا أستار الكعبة, وإن كانت محرزة لعدم المالك.
قوله: "وصليب ذهب وشطرنج ونرد"; لأنه يتأول من أخذها الكسر نهيا عن المنكر بخلاف الدرهم الذي عليه التمثال; لأنه ما أعد للعبادة فلا يثبت شبهة إباحة الكسر أطلقه فشمل ما إذا كان في حرز أو لا, والشطرنج بكسر الشين وفي ضياء الحلوم النرد الذي يلعب به وهو فارسي معرب وقل ما يأتلف النون, والراء في كلمة واحدة إلا بدخل بينهما. ا هـ. وسيأتي في الشهادات أنه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أبو نعيم في تاريخ أصبهان "1/319" والديلمي في مسند الفردوس "5/182".
2 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "10/242".

 

ج / 5 ص -88-         وصبي حر ولو معه حلي, وعبد كبير ودفاتر بخلاف الصغير ودفاتر الحساب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كل لعب لا يحتاج لاعبه إلى فكر وحساب.
قوله: "وصبي حر ولو معه حلي"; لأن الحر ليس بمال وما عليه من الحلي تبع له ولأنه يتأول في أخذ الصبي إسكاته أو حمله إلى مرضعته أطلقه فشمل الصبي الذي لا يمشي ولا يتكلم, والحلي بضم الحاء جمع حلي بفتحها ما يلبس من ذهب أو فضة أو جواهر وأشار المصنف إلى أنه لو سرق إناء ذهب فيه نبيذ أو ثريد أو كلبا عليه قلادة فضة فلا يقطع على المذهب إلا في رواية عن أبي يوسف ورجحها في فتح القدير, فإن الظاهر أن كلا منهما أصل مقصود بالأخذ بل القصد إلى الإناء الذهب أظهر منه إلى ما فيه وما يوافق ما ذكرنا ما في التجنيس سرق كوزا فيه عسل وقيمة الكوز تسعة وقيمة العسل درهم يقطع وكذا إذا سرق حمارا يساوي تسعة وعليه إكاف1 يساوي درهما بخلاف ما إذا سرق قمقمة فيها ما يساوي عشرة; لأنه سرق ماء من وجه وهو نظير ما تقدم من المبسوط فيمن سرق ثوبا لا يساوي عشرة مصرورة عليه عشرة قال يقطع إذا علم أن عليه مالا بخلاف ما إذا لم يعلم.
قوله: "وعبد كبير ودفاتر بخلاف الصغير ودفاتر الحساب"; لأنه في الكبير غصب أو خداع وهي متحققة في الصغير وقال أبو يوسف لا يقطع, وإن كان صغيرا لا يعقل ولا يتكلم استحسانا; لأنه آدمي من وجه مال من وجه ولهما أنه مال مطلق لكونه منتفعا به أو بعرض أن يصير منتفعا به إلا أنه انضم إليه معنى الآدمية ولو كانت قيمته أقل من النصاب وفي أذنه شيء يكمل النصاب يقطع باعتبار الضم أراد بالكبير المميز المعبر عن نفسه بالغا كان أو صبيا وبالصغير الذي لا يعبر عن نفسه وأطلق في الكبير فشمل النائم, والمجنون, والأعمى.
والمقصود من الدفاتر ما فيها, وذلك ليس بمال إلا دفتر الحساب; لأن ما فيه لا يقصد بالأخذ فكان المقصود هو الكاغد, والمراد بالدفاتر صحائف فيها كتابة من عربية أو شعر أو حديث أو تفسير أو فقه مما هو من علم الشريعة. وقد اختلف في غيرها فقيل ملحقة بدفاتر الحساب فيقطع فيها وقيل بكتب الشريعة; لأن معرفتها قد تتوقف على اللغة, والشعر, والحاجة, وإن قلت كفت في إيراث الشبهة, ومقتضى هذا أن لا يختلف في القطع بسرقة كتب السحر, والفلسفة; لأنه لا يقصد ما فيها لأهل الديانة فكانت سرقة صرفا, والمراد بدفاتر الحساب دفاتر أهل الديون وقولهم: لأن المقصود الكاغد يدل على أن المراد به الذي مضى حسابه, وقد قيل به كما ذكره الشمني, وأما الدفاتر التي في الديوان المعمول بها فالمقصود علم ما فيها فلا قطع, وأما دفاتر مثل علم الحساب, والهندسة فهو كغيره فلا قطع بسرقته; لأنها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو ما يشد على الحمار وهو معروف والجمع "أكف" بضمتين ا هـ. والمصباح مادة أكف.

 

ج / 5 ص -89-         وكلب وفهد, ودف وطبل وبربط ومزمار, وبخيانة ونهب واختلاس ونبش
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ككتب الأدب, والشعر وقيد بالدفاتر; لأنه لو سرق الورق, والجلد قبل الكتابة قطع ذكره الشمني.
قوله: "وكلب وفهد"; لأن من جنسها يوجد مباح الأصل غير مرغوب فيه ولأن الاختلاف بين العلماء ظاهر في مالية الكلب فأورث شبهة أطلقه فشمل ما إذا كان عليه طوق ذهب أو فضة علم به أو لم يعلم; لأنه تبع له كالصبي الحر إذا كان عليه حلي.
قوله: "ودف وطبل وبربط ومزمار"; لأنهما عندهما لا قيمة لها وعليه الفتوى فلا ضمان على من كسرها وعند أبي حنيفة آخذها يتأول الكسر فيها, والدف بالضم, والفتح الذي يلعب به وهو نوعان مدور ومربع كذا في المغرب, والبربط بفتح الباءين الموحدتين وهو العود كذا في الترغيب, والترهيب.
أطلقه فشمل الدف, والطبل للغزاة وفيه اختلاف المشايخ, والأصح عدم القطع; لأن صلاحيته للهو صارت شبهة كذا في غاية البيان.
قوله: "وبخيانة ونهب واختلاس" لانتفاء ركن السرقة وهي الأخذ خفية الخيانة هي الأخذ مما في يده على وجه الأمانة, والنهب هو الأخذ على وجه العلانية, والقهر في بلد أو قرية, والاختلاس الاختطاف وهو أن يأخذ الشيء بسرعة, والاسم الخلسة وفي السنن, والجامع للترمذي مرفوعا
"ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس1 قطع", وأما ما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن امرأة كانت تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطعها2 فأجاب عنه الجماهير بأن القطع كان لسرقة صدرت منها وتمامه في فتح القدير.
قوله: "ونبش" أي لا قطع على النابش وهو الذي يسرق أكفان الموتى بعد الدفن وهذا عند أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف عليه القطع لقوله عليه السلام "من نبش قطعناه"3 ولأنه مال متقوم محرز مثله فيقطع ولهما قوله عليه السلام
"لا قطع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الترمذي كتاب الحدود باب ما جاء في المائن والمختلس والمنتهب "1448" من حديث جابر وقال حسن صحيح, وأبو داود في الحدود باب قطع الخلس والخيانة "4391" وابن ماجة في الحدود باب الخائن والمنتهب والمختلس "2591". وأحمد "3/380" وابن حبان "4457".
2 أجرجه مسلم في الحدود باب النهي عن الشفعة في الحدود "1688" والبخاري في الحدود باب كراهية الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان "6788".
3 أخرجه البيهقي في المعرفة كتاب السرقة باب النباش برقم "17184" من حديث البراء بن عازب عن أبيه عن جده. وذكره الزيلعي في نصب الراية "3/367".

 

ج / 5 ص -90-         ومال عامة أو مشترك, ومثل دينه,
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على المختفي"1 وهو النباش بلغة أهل المدينة ولأن الشبهة تمكنت في الملك; لأنه لا ملك للميت حقيقة ولا للوارث لتقدم حاجة الميت, وقد تمكن الخلل في المقصود وهو الانزجار; لأن الجناية في نفسها نادرة الوجود وما رواه غير مرفوع أو هو محمول على السياسة لمن اعتاده فيقطعه الإمام سياسة لا حدا.
أطلقه فشمل ما إذا كان القبر في بيت مقفل على الصحيح وما إذا سرق من تابوت في القافلة وفيه الميت لما بينا وما إذا سرق من القبر ثوبا غير الكفن لعدم الحرز وأشار إلى أنه لو سرق من البيت الذي فيه قبر الميت مالا آخر غير الكفن أنه لا يقطع لتأوله بالدخول إلى زيارة القبر وكذا لو سرق من بيت فيه الميت لتأوله بتجهيزه وهو أظهر من الكل لوجود الإذن بالدخول فيه عادة.
قوله: "ومال عامة أو مشترك"; لأن له فيه شركة حقيقية في الثاني أو شبهة شركة في الأول وهو مال بيت المال, فإنه مال المسلمين وهو منهم, وإذا احتاج ثبت الحق له فيه بقدر حاجته فأورث شبهة, والحدود تدرأ بها, وأما مال الوقف فلم أر من صرح به ولا يخفى أنه لا يقطع به لعدم المالك كما صرحوا أنه لو سرق حصر المسجد ونحوها من حرز, فإنه لا يقطع معللين بعدم المالك.
قوله: "ومثل دينه"; لأنه استيفاء لحقه أطلقه فشمل ما إذا كان الدين مؤجلا وهو استحسان; لأن التأجيل لتأخير المطالبة, والمراد بالمماثلة المثل من حيث الجنس بأن كان من النقود سواء كان من جنسه حقيقة كأن يكون دينه دراهم فسرق دراهم أو من جنسه حكما كأن سرق دنانير في الصحيح ولهذا كان للقاضي أن يقضي بها دينه من غير رضا المطلوب ويضم أحدهما إلى الآخر في الزكاة فخرج ما إذا سرق عروضا ومنها الحلي, فإنه يقطع; لأنه ليس باستيفاء, وإنما هو استبدال فلا يتم إلا بالتراضي ولم يوجد وعن أبي يوسف أنه لا يقطع; لأن له أن يأخذه عند بعض العلماء قضاء من حق أو رهنا بحقه قلنا هذا قول لا يستند إلى دليل ظاهر فلا يعتبر بدون اتصال الدعوى به حتى لو ادعى ذلك درئ عنه الحد; لأنه ظن في موضع الخلاف, وأما المماثلة من حيث القدر فليست بشرط; لأنه لو سرق زيادة على حقه لا يقطع; لأنه بمقدار حقه يصير شريكا فيه فيصير شبهة وكذا المماثلة من حيث الوصف حتى لو سرق من جنس حقه أجود أو أردأ لا يقطع كذا في المجتبى. وفيه أن ابن أبي ليلى والشافعي يطلقان أخذ خلاف جنس حقه المجانسة في المالية وما قالا هو الأوسع ويجوز الأخذ به, وإن لم يكن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في نصب الراية فقال غريب "3/367".

 

ج / 5 ص -91-         وبشيء قطع فيه ولم يتغير, ويقطع بسرقة الساج, والقنا, والأبنوس, والصندل, والفصوص الأخضر, والياقوت, والزبرجد, واللؤلؤ والأواني, والأبواب المتخذة من الخشب,  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مذهبنا, فإن الإنسان يعذر في العمل به عند الضرورة ا هـ.
وقيد بسرقة الدائن; لأن المكاتب أو العبد إذا سرق من غريم المولى قطع إلا إن كان المولى وكلهما بالقبض; لأن حق الأخذ حينئذ لهما ولو سرق من غريم أبيه أو غريم ولده الكبير أو غريم مكاتبه أو غريم عبده المأذون المديون قطع; لأن حق الأخذ لغيره ولو سرق من غريم ابنه الصغير لا يقطع.
قوله: "وبشيء قطع فيه ولم يتغير" وهذا استحسان, والقياس أن يقطع وهو رواية عن أبي يوسف لقوله عليه السلام:
"فإن عاد فاقطعوه"1 من غير فصل ولأن الثانية متكاملة كالأولى بل أقبح لتقدم الزاجر وصار كما إذا باعه المالك من السارق ثم اشتراه منه ثم كانت السرقة.
ولنا أن القطع أوجب سقوط عصمة المحل كما يعرف من بعد إن شاء الله تعالى وبالرد إلى المالك, وإن عادت حقيقة العصمة بقيت شبهة السقوط نظر إلى اتحاد الملك, والمحل وقيام الموجب وهو القطع فيه بخلاف ما ذكر; لأن الملك قد اختلف لاختلاف سببه ولأن تكرار الجناية فيه نادر لتحمله مشقة الزاجر فتعرى الإقامة عن المقصود وهو تقليل الجناية فصار كما إذا قذف المحدود في القذف المقذوف الأول.
قيد بقوله ولم يتغير; لأنه لو تغير مثل ما لو كان غزلا فسرقه فقطع فيه فرده ثم نسج فعاد فسرقه, فإنه يقطع وعلى هذا الصوف, والقطن, والكتان وكل عين أحدث المالك فيه صنعا بعد القطع لو أحدثه الغاصب ينقطع به حق المالك.
وأطلق في التغير فشمل المعنوي كما إذا باعه المسروق منه بعد القطع ثم اشتراه فسرقه; لأن تبدل السبب كتبدل العين وذكر الشمني أنه لا يقطع عند مشايخ العراق وينبغي أن يكون حكم ما إذا باعه المالك فسرقه من المشتري وجوب القطع بالأولى.
قوله: "ويقطع بسرقة الساج, والقنا, والأبنوس, والصندل, والفصوص الأخضر, والياقوت, والزبرجد, واللؤلؤ"; لأن هذه الأشياء من أعز الأموال وأنفسها وهي محرزة لا توجد مباحة الأصل بصورتها في دار الإسلام غير مرغوب فيها فصارت كالذهب, والفضة وفي شرح المختار لا قطع في العاج ما لم يعمل فإذا عمل منه شيء قطع فيه وأشار المصنف إلى أنه يقطع في العود, والمسك, والأدهان, والورس, والزعفران, والعنبر بالأولى وفي طلبة الطلبة قال جار الله 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في نصب الراية "3/368" وأخرجه بنحوه ىالدارقطني "3/181".

 

ج / 5 ص -92-         والأواني والأبواب المتخذة من الخشب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العلامة1 الساج ضرب من الشجر يعلوه الحمرة وهو صلب كالحجر ولا يكون هذا الأبنوس إلا في بلاد الهند ودور سادات مكة من هذا الساج. ا هـ. والقنا خشب الرماح جمع قناة وألفها منقلبة عن الواو, والأبنوس بفتح الباء معروف وهو معرب ولم يذكر المصنف الزجاج; لأنه لا قطع فيه على الظاهر; لأنه يسرع إليه الكسر فكان ناقصا في المالية.
قوله: "والأواني, والأبواب المتخذة من الخشب"; لأنه بالصنعة التحقت بالأموال النفيسة ألا ترى أنها تحرز بخلاف الحصير; لأن الصنعة فيه لم تغلب على الجنس حتى يبسط في غير الحرز وقدمنا أنهم قالوا في الحصر البغدادية يجب القطع في سرقتها لغلبة الصنعة على الأصل وقوله من الخشب متعلق بالأواني, والأبواب وقيد به; لأن الأواني المتخذة من الحشيش, والقصب لا قطع فيها; لأن الصنعة لم تغلب فيه حتى لا تتضاعف قيمته ولا تحرز حتى لو كان الغلبة فيه للصنعة كالأواني التي تتخذ للبن, والماء من الحشيش في بلاد السودان يقطع فيها لما ذكرنا وأطلق في الأبواب وهي مقيدة بقيدين أحدهما أن لا يكون مركبا ليكون حرزا فلا قطع في المركب لعدم الإحراز; لأنها لغيرها ثانيها أن يكون الباب خفيفا فلو كان ثقيلا يثقل على الواحد حمله فلا قطع; لأن الثقيل منه لا يرغب في سرقته وفي عيون المسائل سرق جلود السباع المدبوغة لا يقطع فإذا جعلت مصلى أو بساطا يقطع هكذا قال محمد; لأنها إذا جعلت ذلك خرجت من أن تكون جلود السباع; لأنها أخذت أسماء أخر والله أعلم.

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو محمود بن عمر الزمخشري "جار الله" وتقدمت ترجمته.
 

فصل في الحرز
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"فصل في الحرز".
هو في اللغة الموضع الحصين يقال أحرزه إذا جعله في الحرز كذا في المغرب وفي الشرع ما يحفظ فيه المال عادة أي المكان الذي يحرز فيه كالدار, والحانوت, والخيمة, والشخص نفسه, والمحرز ما لا يعد صاحبه مضيعا ثم الإخراج من الحرز شرط عند عامة أهل العلم تخصيصا لآية السرقة2 به بالإجماع كما نقله ابن المنذر بناء على عدم صحة الخلاف بعدما خصص بمقدار النصاب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 وهو قوله تعالى:
{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة:38]

 

ج / 5 ص -93-         ومن سرق من ذي رحم محرم لا برضاع ومن زوجته وزوجها وسيده وزوجته وزوج سيدته ومكاتبته وختنه وصهره ومن غنم وحمام وبيت أذن في دخوله لم يقطع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "ومن سرق من ذي رحم محرم لا برضاع ومن زوجته وزوجها وسيده وزوجته وزوج سيدته ومكاتبته وختنه وصهره ومن غنم وحمام وبيت أذن في دخوله لم يقطع" لوجود الشبهة في كل واحد منها أما إذا سرق من قريبه المحرم فللدخول في الحرز مع البسوطة في المال في الأصول, والفروع, والمراد من السرقة منه السرقة من بيته.
أطلقه فشمل ما إذا سرق ماله أو مال غيره; لأن بيته ليس بحرز في حقه مطلقا واحترز به عما إذا سرق مال محرمه من بيت غيره, فإنه يقطع لوجود الحرز وينبغي أن لا يقطع لما في القطع من القطيعة فيندرئ كذا في فتح القدير, وقد يقال ليس القطع حقه, وإنما هو حق الشرع فلا يكون قطيعة وينبغي أن لا يقطع في الولاد لما ذكرنا من الشبهة في ماله فعدم القطع في الولاد للشبهة لا لعدم الحرز وفي المحارم لعدم الحرز.
واحترز بقوله لا برضاع عن المحرم الذي محرميته بالرضاع كابن العم الذي هو أخ من الرضاع, فإنه رحم محرم لا من جهة القرابة, وإنما محرميته من جهة الرضاع فإذا سرق من بيته قطع كما إذا سرق من الرحم فقط وبه اندفع ما في التبيين من أنه لا حاجة إلى إخراجه; لأنه لم يدخل في ذي الرحم المحرم. ا هـ. ظنا منه أنه متعلق بالرحم وليس كذلك بل متعلق بالمحرم كما علمت.
وأما إذا سرق أحد الزوجين من الآخر أو العبد من سيده أو من امرأة سيده أو زوج سيدته فلوجود الإذن بالدخول عادة فانعدم الحرز.
أطلق في الزوجين فشمل الزوجية وقت السرقة فقط بأن سرق منها ثم أبانها وانقضت عدتها ثم ترافعا فلا قطع, والزوجية بعدها كما إذا سرق من أجنبية ثم تزوجها ثم ترافعا فلا قطع ولو بعد القضاء وكذا عكسه لوجود الشبهة قبل الإمضاء وشمل الزوجية من وجه كما إذا سرق من مبتوته في العدة أو سرقت هي منه لوجود الخلطة بخلاف ما إذا سرق منها بعد الانقضاء, فإنه يقطع.
والحاصل أن في باب السرقة يكتفى بوجود الزوجية في حالة من الأحوال قبل القطع لسقوطه.
وفي باب الرجوع في الهبة لا بد من قيام الزوجية وقت الهبة فلو حدثت بعدها فالرجوع ثابت.
وفي الوصية الاعتبار لها حالة الموت لا غير وشمل ما إذا سرق أحدهما من حرز

 

ج / 5 ص -94-         ...................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يسكنان فيه لوجود البسوطة بينهما في الأموال عادة, والعبد في هذا ملحق بمولاه حتى لا يقطع في سرقة لا يقطع فيها لا مولى كالسرقة من أقارب المولى وغيرهم; لأنه مأذون له بالدخول عادة في بيت مولاه لإقامة المصالح.
وأطلقه فشمل القن, والمكاتب; لأنه قن ما بقي عليه من درهم, والمأذون له في التجارة, وأما إذا سرق من مكاتبه, فإن له حقا في إكسابه ولذا لا يجوز له أن يتزوج أمة مكاتبه. وأما إذا سرق من ختنه ومن صهره فالمذكور هنا قول الإمام وعندهما يقطع; لأنه لا شبهة في ملك الختن*; لأنها تكون بالقرابة ولا قرابة وله أن العادة قد جرت بالبسوطة في دخول بعضهم منازل بعض بلا استئذان فتمكنت الشبهة في الحرز, والمحرمية بالمصاهرة كالمحرمية بالرضاع وعلى هذا الخلاف إذا سرق من كل من يحرم عليه بالمصاهرة ومحل الاختلاف ما إذا لم يجمعهما منزل واحد أما إذا جمعهما منزل واحد فلا قطع اتفاقا كذا في شرح الطحاوي وسيأتي في باب الوصية للأقارب وغيرهم أن الأصهار كل ذي رحم محرم من امرأته, والأختان زوج كل ذي رحم محرم منه.
وأما إذا سرق من المغنم, فإن له فيه نصيبا كما أفتى به علي رضي الله عنه1 مع أن المصنف قد قدم أنه لا قطع في المال المشترك فالظاهر من إعادته أنه لا قطع, وإن لم يكن له حق في الغنيمة وبحث في غاية البيان بأنه ينبغي أن يكون المراد من السارق من الغنيمة من له نصيب في الغنيمة في الأربعة الأخماس أو في الخمس كالغانمين أو اليتامى, والمساكين أما غيرهم فلا نصيب له في الغنيمة فينبغي أن يقطع بخلاف السارق من بيت المال, فإنه معد لمصالح عامة المسلمين وهو منهم إلا أن يقال: إن مال الغنيمة مال مباح في الأصل فلا قطع بسرقته حيث كان على صورته ولم يتغير وسواء كان السارق حرا أو عبدا. وأما إذا سرق من الحمام أو بيت أذن للناس في الدخول فيه فلاختلال الحرز بالإذن في الدخول أطلقه فشمل ما إذا سرق من الحمام وصاحبه عنده أو المسروق تحته بخلاف ما إذا سرق من المسجد وصاحبه عنده, فإنه يقطع, والفرق على الظاهر أن الحمام بني للإحراز فكان حرزا فلا يعتبر الحافظ كالبيت بخلاف المسجد; لأنه ما بني لإحراز الأموال فلم يكن محرزا بالمكان فيعتبر الحافظ كالطريق, والصحراء وشمل ما إذا سرق من الحمام في وقت لم يؤذن للناس في الدخول فيها كالليل, والمنقول في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في نصب الراية "3/368" وقال رواه عبد الرزاق في مصنفه.
..............................
* في الأصل الختن.

 

ج / 5 ص -95-         ومن سرق من المسجد متاعا وربه عنده قطع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التبيين أنه يقطع بخلاف المسجد لا يقطع مطلقا وأطلق في المأذون للناس في دخوله فشمل حوانيت التجار, والخانات إلا إذا سرق منه ليلا; لأنها بنيت لإحراز الأموال, وإنما الإذن يختص بالنهار كذا في الهداية وفي قوله للناس إشارة إلى أنه لو أذن لجماعة مخصوصين بالدخول فدخل واحد غيرهم وسرق, فإنه يقطع ولم أره صريحا, وقد قدم المصنف أنه لا بد من الإحراز بمكان أو حافظ.
قال الطحاوي في كتابه حرز كل شيء معتبر بحرز مثله حتى إذا سرق دابة من إصطبل يقطع ولو سرق لؤلؤة من إصطبل لا يقطع وذكر الكرخي في كتابه أن ما كان حرز النوع فهو حرز للأنواع كلها قال شمس الأئمة السرخسي وهذا هو المذهب عندنا, والقفاف لا يقطع وهو الذي يعطى الدراهم لينظر إليها فيأخذ منها وصاحبها لا يعلم, والفشاش وهو ما يهيئ لغلق البيت ما يفتحه به إذا فش نهارا وليس في البيت ولا في الدار أحد وأخذ المتاع لا يقطع, وإن كان فيها أحد من أهلها فأخذ المتاع وهو لا يعلم قطع.
وفي الحاوي إذا كان باب الدار مردودا غير مغلق فدخلها السارق خفية وأخذ المتاع قطع ولو كان باب الدار مفتوحا فدخل نهارا وسرق لا يقطع ولو سرق من السطح ثيابا تساوي نصابا يقطع; لأنه حرز, وإذا سرق ثوبا بسط على حائط في السكة لا يقطع وكذلك لو سرق ثوبا بسط على خص إلى السكة, وإن بسط على الحائط إلى الدار أو على الخص إلى السطح قطع كذا في الظهيرية. ا هـ.
قوله: "ومن سرق من المسجد متاعا وربه عنده قطع"; لأنه عليه السلام قطع سارق رداء صفوان من تحت رأسه وهو نائم في المسجد1 أراد بالمسجد كل موضع لم يكن حرزا فدخل الطريق, والصحراء.
وأطلق في ربه فشمل النائم, واليقظان وهو الصحيح وأراده من كونه عنده أن يكون بحيث يراه كما في المجتبى وأطلق في كونه عنده فشمل ما إذا كان تحت رأسه أو تحت جنبه أو بين يديه حالة النوم وهو قول بعض المشايخ وإليه مال الإمام السرخسي وفي الأصل ما يدل على خلافه, فإنه قال المسافر ينزل في الصحراء فيجمع متاعه ويبيت عليه فسرق رجل منه شيئا قطع, فإن بعض المشايخ فهم منه أنه إذا كان موضوعا بين يديه لا يقطع كذا في الظهيرية وصحح

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الدارقطني في الحدود برقم "362" "3/204" وأبو داود في الحدود باب من سرق من حرز "4394" ذكره المزي في تحفة الأشراف "4943". والنسائي في السرقة باب الرجل يتجاوز للسارق عن سرقته بعد أن يأتي به الإمام "8/68".

 

ج / 5 ص -96-         ولو سرق ضيف ممن أضافه أو سرق شيئا ولم يخرجه من الدار لا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في المجتبى ما اختاره السرخسي من الإطلاق; لأنه يعد النائم حافظا له عادة وعلى هذا لا يضمن المودع, والمستعير بمثله; لأنه ليس بتضييع بخلاف ما اختاره في الفتاوى ا هـ.
وأشار المصنف إلى أنه لو سرق الغنم أو البقر أو الفرس من المرعى ومعها حافظ, فإنه يقطع وإطلاق محمد عدم القطع محمول على ما إذا لم يكن معها حافظ لكن إن كان الحافظ الراعي ففيه اختلاف ففي البقالي لا يقطع وهكذا في المنتقى عن أبي حنيفة وأطلق خواهر زاده ثبوت القطع إذا كان معه حافظ ويمكن التوفيق بأن الراعي لم يقصد لحفظها من السراق بخلاف غيره كذا في فتح القدير وفي المجتبى لا قطع في المواشي في المرعى, وإن كان معها الراعي, وإن كان معها سوى الراعي من يحفظها يجب القطع وكثير من مشايخنا أفتوا بهذا, وإن كانت الغنم تأوي إلى بيت في الليل بني لها عليه باب مغلق فكسره وسرق منها شاة قطع لا يعتبر الغلق إذا كان الباب مردودا إلا أن يكون بيتا منفردا في الصحراء أو المراح1.
وفي الحاوي اتخذ من الحجر أو الشوك حظيرة وجمع هذه الأغنام وهو نائم عندها قطع وعن محمد يقطع سواء كان معها حافظ أو لا وعليه عامة المشايخ. ا هـ.
وأشار المصنف بالحضرة إلى أن الثياب ليست عليه فلو سرق من رجل ثوبا عليه أو رداء أو قلنسوة أو منطقة أو سرق من امرأة نائمة حليا عليها لم يقطع وكذا إذا سرق من رجل نائم عليه ملاءة وهو لابسها لم يقطع وقيل يقطع كالموضوع عنده كذا في المجتبى وقيد بما ليس بحرز لما في الخلاصة جماعة نزلوا بيتا أو خانا فسرق بعضهم من بعض متاعا وصاحب المتاع يحفظه أو تحت رأسه لم يقطع ولو كان في مسجد جماعة قطع.
قوله: "ولو سرق ضيف ممن أضافه أو سرق شيئا ولم يخرجه من الدار لا" أي لا يقطع أما الأول فلأن البيت لم يبق حرزا في حقه لكونه مأذونا في دخوله ولأنه بمنزلة أهل الدار فيكون فعله خيانة لا سرقة أطلقه فشمل ما إذا سرق من البيت الذي أضافه فيه أو من بعض بيوت الدار سواء كان مقفلا أو من صندوق مقفل ذكره القدوري في شرحه; لأن الدار مع جميع بيوتها حرز واحد فبالإذن في الدار اختل الحرز في جميع بيوتها, وأما الثاني فلأن الدار كلها حرز واحد فلا بد من الإخراج منها وما فيها يد صاحبها معنى فتتمكن شبهة عدم الأخذ قيد بالسرقة; لأنه يجب الضمان على الغاصب بمجرد الأخذ, وإن لم يخرجه من الدار هو الصحيح; لأنه يجب مع الشبهة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال بها اللسان: مرحت الأرض بالنبات مرحا أخرجته وأرض ممراح إذا كانت سريعة النبات حين يصيبها المطر ا هـ مادة "مرح".

 

ج / 5 ص -97-         وإن أخرجه من حجرة إلى الدار وأغار من أهل الحجرة على حجرة أخرى أو نقب فدخل وألقى شيئا في الطريق ثم أخذه أو حمله على حمار فساقه وأخرجه قطع, وإن ناوله آخر من خارج أو أدخل يده في بيت فأخذ أو طر صرة خارجة من كم أو سرق من قطار بعيرا أو حملا لا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "وإن أخرجه من حجرة إلى الدار وأغار من أهل الحجرة على حجرة أخرى أو نقب فدخل وألقى شيئا في الطريق ثم أخذه أو حمله على حمار فساقه وأخرجه قطع" بيان لأربع مسائل الأولى لو كانت الدار فيها مقاصير فأخرجها من مقصورة إلى صحن الدار, فإنه يقطع; لأن كل مقصورة باعتبار ساكنها حرز على حدة فالمراد بالدار الكبيرة التي فيها منازل وفي كل منزل مكان يستغني به أهله عن الانتفاع بصحن الدار, وإنما ينتفعون به انتفاع السكة وإلا فهي المسألة السابقة التي لا بد فيها من الإخراج من الدار.
الثانية لو أغار إنسان من أهل المقاصير على مقصورة فسرق منها قطع لما بينا, والمراد أنه دخل مقصورة على غرة فأخذ بسرعة يقال أغار الفرس والثعلب في العدو إذا أسرع.
الثالثة: اللص إذا نقب البيت فدخل وأخذ المال ثم ألقاه في الطريق ثم خرج وأخذه, فإنه يقطع وقال زفر لا يقطع; لأن الإلقاء غير موجب للقطع كما لو خرج ولم يأخذ فكذا الأخذ من السكة كما لو أخذه من غيره ولنا أن الرمي حيلة يعتادها السراق لتعذر الخروج مع المتاع أو ليتفرغ لقتال صاحب الدار وللفرار ولم تعترض عليه يد معتبرة فاعتبر الكل فعلا واحدا قيد بقوله ثم أخذه; لأنه لو لم يأخذه فهو مضيع لا سارق وكذا لو أخذه غيره.
الرابعة: لو حمله على حمار وساقه وأخرجه; لأن سيره مضاف إليه بسوقه قيد بالسوق; لأنه لو لم يسقه وخرج بنفسه لم يقطع, والمراد أن يكون متسببا في إخراجه فيشمل ما إذا علقه في عنق كلب وزجره ولو خرج بغير زاجر لم يقطع; لأن للدابة اختيارا فما لم يفسد اختيارها بالحمل, والسوق لا ينقطع نسبة الفعل إليها وكذا إذا علقه على طائر فطار به إلى منزل السارق, فإنه لا يقطع ويشمل ما لو ألقاه في نهر في الدار وكان الماء ضعيفا وأخرجه بتحريك السارق; لأن الإخراج مضاف إليه, وإن أخرجه الماء بقوة جريه لم يقطع وقيل يقطع وهو الأصح; لأنه أخرجه بسببه كذا في النهاية.
قوله: "وإن ناوله آخر من خارج أو أدخل يده في بيت فأخذ أو طر صرة خارجة من كم أو سرق من قطار بعيرا أو حملا لا" أي لا يقطع في هذه المسائل الأربع.
أما الأولى وهي ما إذا نقب اللص البيت فدخل وأخذ المال وناوله آخر من خارج الدار

 

ج / 5 ص -98-         ...................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فلا قطع عليهما; لأن الأول لم يوجد منه الإخراج لاعتراض يد معتبرة على المال قبل خروجه.
والثاني لم يوجد منه هتك الحرز فلم تتم السرقة من كل واحد أطلقه فشمل ما إذا أخرج الداخل يده وناولها الخارج أو أدخل يده الخارج فتناولها من يد الداخل وهو ظاهر المذهب ولم يذكر محمد ما إذا وضع الداخل المال عند النقب ثم خرج وأخذه قيل يقطع, والصحيح أنه لا يقطع كذا في فتح القدير.
وأما الثانية وهي ما إذا أدخل يده في بيت وأخذ فلما روي عن علي رضي الله عنه أن اللص إذا كان ظريفا لا يقطع قيل وكيف ذلك قال أن ينقب البيت ويدخل يده من غير أن يدخله1 ولأنه لم يهتك الحرز قيد بالبيت; لأنه لو أدخل يده في الصندوق, والجيب, والكم ونحوه, فإنه يقطع; لأن الممكن فيها إدخال اليد لا الدخول بخلاف ما إذا شق الجولق2 فتبدد ما فيه من الدراهم فأخذه لا يقطع لعدم الهتك.
وأما الثالثة وهي ما إذا طر صرة خارجة من كم فلأن الرباط من خارج فبالطر لا تبقى الصرة داخل الكم فيتحقق الأخذ من الخارج فلم يوجد هتك الحرز قيد بكونها خارجة; لأنه إن طر صرة داخلة وأخذها قطع; لأن الرباط من داخل فبالطر تبقى الصرة داخل الكم فتحقق الأخذ من الداخل فيوجد الهتك, والطر الشق وذكر الشمني أن المراد بالصرة بعض الكم المشدود فيه الدراهم وقيد بالطر; لأنه لو كان مكانه حل الرباط انعكس الحكم لانعكاس العلة فيقطع إن كان الرباط خارج الكم; لأنه يأخذ الدراهم من داخله ولا يقطع إن كان الرباط من داخل الكم; لأنه يأخذها من خارجه وفي فتح القدير وبما ذكر من التفصيل في الطر ظهر أن ما يطلق في الأصول من أن الطرار يقطع إنما يتأتى على قول أبي يوسف, فإنه قال يقطع الطرار على كل حال. ا هـ.
وأما الرابعة وهي ما إذا سرق من قطار بعيرا أو حملا عليه, فإنه ليس بمحرز مقصودا فيتمكن فيه شبهة العدم أطلقه فشمل ما إذا كان معها سائق أو قائد أو لم يكن; لأن السائق أو الراكب يقصد قطع المسافة ونقل الأمتعة دون الحفظ حتى لو كان معها من يحفظها يقطع, والقطار الإبل على نسق واحد, والجمع قطر.
وقيد بسرقة الحمل; لأنه لو شق الجولق على الجمل وهو يسير وأخذ ما فيه, فإنه يقطع; لأن صاحب المال اعتمد الجوالق فكان هاتكا للحرز بخلاف ما إذا أخذ الجولق بما فيه وكذا لو

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه عبد الرزاق في المصنف بلفظ "أنه أتى برجل نقب بيتا فلم يقطعه "10/199".
2 مفرد الجولق بكسر اللام وفتحها وهو وعاء من الأوعية معروفة معرب ا هـ اللسان مادة جلق.

 

ج / 5 ص -99-         وإن شق الحمل فسرق منه أو سرق جوالقا فيه متاع وربه يحفظه أو نائم عليه أو أدخل يده في صندوق أو جيب غيره أو كمه فأخذ المال قطع. 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سرق من الفسطاط, فإنه يقطع ولو سرق نفس الفسطاط, فإنه لا يقطع لعدم إحرازه إلا إذا كان الفسطاط غير منصوب, وإنما هو ملفوف عند من يحفظه أو في فسطاط آخر, فإنه يقطع كذا في فتح القدير.
قوله: "وإن شق الحمل فسرق منه أو سرق جوالقا فيه متاع وربه يحفظه أو نائم عليه أو أدخل يده في صندوق أو جيب غيره أو كمه فأخذ المال قطع" لوجود السرقة من الحرز وقدمنا كل ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم.

 فصل في كيفية القطع وإثباته
 وتقطع يمين السارق من الزند, وتحسم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 "فصل في كيفية القطع وإثباته"
لما كان القطع حكم السرقة ذكره عقبه; لأن حكم الشيء يعقبه.
قوله: "وتقطع يمين السارق من الزند" لقوله تعالى,
{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38], والمعنى يديهما وحكم اللغة أن ما أضيف من الخلق إلى اثنين لكل واحد واحد أن يجمع مثل قوله تعالى {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4], وقد يثنى, والأفصح الجمع, وأما كونها اليمين فبقراءة ابن مسعود رضي الله عنه فاقطعوا أيمانهما1 وهي مشهورة فكان خبرا مشهورا فيقيد إطلاق النص فهذا من تقييد المطلق لا من بيان المجمل; لأن الصحيح أنه لا إجمال في الآية, وقد قطع عليه السلام اليمين2, والصحابة رضي الله عنهم, وأما كونه من الزند وهو مفصل الرسغ ويقال الكوع وهو مذكر كما في المغرب فلأنه المتوارث ومثله لا يطلب له سند بخصوصه كالمتواتر ولا يبالى فيه بكفر الناقلين فضلا عن فسقهم أو ضعفهم.
قوله: "وتحسم" أي تكوى كي ينقطع الدم لقوله عليه السلام
"فاقطعوه واحسموه"3 ولأنه لو لم يحسم يفضي إلى التلف, والحد زاجر لا متلف كذا في الهداية وهو يقتضي وجوبه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره البيهقي في سننه كتاب الحدود الباب الأول "8/270".
2 وفيه أحاديث منها حديث صفوان الذي تقدم تخريجه.
3 هو جزء من حديث تقدم تخريجه.

 

ج / 5 ص -100-       ورجله اليسرى إن عاد, فإن سرق ثالثا حبس حتى يتوب ولم يقطع, كمن سرق وإبهامه اليسرى مقطوعة أو شلاء أو أصبعان منها سواها أو رجله اليمنى مقطوعة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي المغرب الحسم أن يغمص في الدهن الذي أغلي وفي فتح القدير وثمن الزيت وكلفة الحسم على السارق عندنا, والمنقول عن الشافعي وأحمد أنه يسن تعليق يده في عنقه; لأنه عليه السلام أمر به1 رواه أبو داود وابن ماجه وعندنا ذلك مطلق للإمام إن رآه ولم يثبت عنه عليه السلام في كل من قطعه ليكون سنة.
قوله: "ورجله اليسرى إن عاد" لقوله عليه السلام
"فإن عاد فاقطعوه"2 وعليه إجماع المسلمين ولم يذكر المصنف نهاية القطع من الرجل; لأنه يقطع من الكعب عند أكثر العلماء وفعل عمر رضي الله عنه ذلك وقال أبو ثور, والروافض: يقطع من نصف القدم من معقد الشراك; لأن عليا كان يفعل كذلك3 ويدع له عقبا يمشي عليها. ا هـ.
قوله: "فإن سرق ثالثا حبس حتى يتوب ولم يقطع" لقول علي رضي الله عنه فيه "إني لأستحيي من الله أن لا أدع له يدا يأكل بها ويستنجي بها ورجلا يمشي عليها"4 فلهذا حاج بقية الصحابة رضي الله عنهم فجمعهم فانعقد إجماعا ولأنه إهلاك معنى لما فيه من تفويت جنس المنفعة, والحد زاجر ولأنه نادر الوجود, والزجر فيما يغلب بخلاف القصاص; لأنه حق العبد فيستوفى ما أمكن جبرا لحقه وما ورد من الحديث من قطع يده اليسرى في الثالثة, والرجل اليمنى في الرابعة5 فقد طعن الطحاوي أو نحمله على السياسة وتمامه في الأصول من بحث الأمر وفي الفتاوى السراجية للإمام أن يقتله سياسة كذا في شرح مسكين ولم يذكر المصنف ضربه مع الحبس وأثبته في المجتبى ولم يذكروا متى تقبل توبته وتظهر وفي غاية البيان معزيا إلى النافع أنه يحبس حتى يتوب أو تظهر عليه سيما رجل صالح.
قوله: "كمن سرق وإبهامه اليسرى مقطوعة أو شلاء أو أصبعان منها سواها أو رجله اليمنى مقطوعة" يعني لا يقطع في هذه المسائل لما فيه من تفويت جنس المنفعة بطشا أو مشيا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أبو داود في الحدود باب في تعليق يد السارق في عنقه من حديث فضالة بن عبيد "4411". وابن ماجة في الحدود باب تعليق اليد في العنق برقم "2587" والترمذي في الحدود باب ما جاء في تعليق يد السارق "1447" وقال: حسن غريب.
2 تقدم تخريجه.
3 لم أعثر عليه.
4 أخرجه عبد الرزاق في المصنف "10/186" برقم "18765" ذكره الزيلعي في نصب الراية "3/375".
5 أخرجه البيهقي في المعرفة كتاب السرقة باب النباش برقم "17184" من حديث البراء بن عازب عن أبيه عن جده وذكره الزيلعي في نصب الراية "38367".

 

 

ج / 5 ص -101-       ويضمن بقطع اليسرى من أمر بخلافه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكذا إذا كانت رجله اليمنى شلاء لما قلنا وقوام البطش بالإبهام قيد بالإبهام; لأنه لو كان المقطوع أصبعا غير الإبهام أو أشل, فإنه يقطع; لأن فوتها لا يوجب خللا في البطش ظاهرا وقيد باليد اليسرى; لأنه لو كانت يده اليمنى شلاء أو ناقصة الأصابع تقطع في ظاهر الرواية; لأن المستحق بالنص قطع اليمنى واستيفاء الناقص عند تعذر الكامل جائز وقيد بقطع الرجل اليمنى; لأنه لو كانت رجله اليمنى مقطوعة الأصابع, فإن كان يستطيع القيام, والمشي عليها قطعت يده, وإن كان لا يستطيع القيام, والمشي لم تقطع يده كذا في غاية البيان.
وفي الكافي, وإذا حبس السارق ليسأل عن الشهود فقطع رجل يده اليمنى عمدا فعليه القصاص, وقد بطل الحد عن السارق وكذلك إن كان قطع يده اليسرى, وإن حكم عليه بالقطع في السرقة فقطع رجل يده اليمنى من غير أن يؤمر بذلك فلا شيء عليه. ا هـ.
قوله: "ويضمن بقطع اليسرى من أمر بخلافه" أي إذا قال الحاكم للجلاد اقطع يمين هذا في سرقة سرقها فقطع يساره عمدا فلا شيء عليه عند أبي حنيفة وقالا: لا شيء عليه في الخطأ ويضمن في العمد وقال في زفر يضمن في الخطأ أيضا وهو القياس, والمراد هو الخطأ في الاجتهاد, وأما الخطأ في معرفة اليمين, واليسار ولا يجعل عفوا وقيل يجعل عذرا أيضا له أنه قطع يداه معصومة, والخطأ في حق العباد غير مضمون فيضمنها قلنا: إنه أخطأ في اجتهاده إذ ليس في النص تعيين اليمين, والخطأ في الاجتهاد موضوع ولهما أنه قطع طرفا معصوما بغير حق ولا تأويل له; لأنه تعمد الظلم فلا يعفى, وإن كان في المجتهدات وكان ينبغي أن يجب القصاص إلا أنه امتنع القصاص للشبهة ولأبي حنيفة أنه أتلف وأخلف من جنسه ما هو خير منه فلا يعد إتلافا كمن شهد على غيره ببيع ماله بمثل قيمته ثم رجع وعلى هذا لو قطعه غير الجلاد لا يضمن أيضا هو الصحيح قيد بالأمر; لأنه لو قطعه أحد قبل الأمر, والقضاء وجب القصاص في العمد, والدية في الخطأ اتفاقا وسقط القطع عن السارق; لأن مقطوع اليد لا يجب عليه القطع حدا, وقضاء القاضي بالحد كالأمر على الصحيح فلا يرد على المصنف وقيد بقوله: بخلافه; لأن الحاكم لو أطلق وقال: اقطع يده ولم يعين اليمنى فلا ضمان على القاطع اتفاقا لعدم المخالفة إذ اليد تطلق عليهما وكذلك لو أخرج السارق يده فقال هذه يميني; لأنه قطعه بأمره وقيد بعدم الضمان; لأنه يعزر إذا كان عمدا كما في فتح القدير. ولم يذكر المصنف أن هذا القطع وقع حدا أو لا قالوا فعلى طريقة أنه وقع حدا فلا ضمان على السارق لو كان استهلك العين; لأن القطع, والضمان لا يجتمعان وعلى طريقة عدم وقوعه حدا فهو ضامن في العمد, والخطأ.

 

ج / 5 ص -102-       وطلب المسروق منه شرط القطع, ولو مودعا أو غاصبا أو صاحب الربا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "وطلب المسروق منه شرط القطع" أي وطلبه المال فلا قطع بدونه; لأن الخصومة شرط لظهورها أطلقه فشمل ما إذا أقر أو أقيمت عليه البينة لاحتمال أن يقر له بالملك فيسقط القطع فلا بد من حضوره عند الأداء, والقطع لتنتفي تلك الشبهة وبما ذكرنا ظهر أن ما في التبيين معزيا إلى البدائع من أنه إذا أقر أنه سرق من فلان الغائب قطع استحسانا ولا ينتظر حضور الغائب وتصديقه, فإنما هو رواية عن أبي يوسف وليست هذه عبارة البدائع, فإن عبارته قال أبو حنيفة ومحمد الدعوى في الإقرار شرط حتى لو أقر السارق أنه سرق مال فلان الغائب لم يقطع ما لم يحضر المسروق منه ويخاصم عندهما وقال أبو يوسف الدعوى في الإقرار ليست بشرط إلى آخره.
وفي البدائع أيضا قال محمد لو قال سرقت هذه الدراهم ولا أدري لمن هي أو قال سرقتها ولا أخبرك من صاحبها لا يقطع; لأن جهالة المسروق منه فوق غيبته ثم الغيبة لما منعت القطع على أصله فالجهالة أولى. ا هـ. ولم يعين يعني المصنف مطلوب المسروق منه فاحتمل شيئين أحدهما: طلب المال وبه جزم الشارح ثانيهما: طلب القطع وأشار الشمني إلى أنه لا بد من الطلبين وأن أحدهما لا يكفي لكن ذكره في الكشف الكبير قبيل بحث الأمر أن وجوب القطع حق الله تعالى على الخلوص ولهذا لم يتقيد بالمثل وما يجب حقا للعبد يتقيد به مالا كان أو عقوبة كالغصب, والقصاص ولهذا لا يملك المسروق منه الخصومة بدعوى الحد وإثباته ولا يملك العفو بعد الوجوب ولا يورث عنه. ا هـ. فقد صرح بأنه لا يملك طلب القطع إلا أن يقال: إنه لا يملك طلب القطع مجردا عن طلب المال, والظاهر أن الشرط إنما هو طلب المال ويشترط حضرته عند القطع لا طلبه القطع إذ هو حق الله تعالى فلا يتوقف على طلب العبد.
قوله: "ولو مودعا أو غاصبا أو صاحب الربا" أي ولو كان المسروق منه, والأصل فيه أن كل من كان له يد صحيحة يملك الخصومة ومن لا فلا فللمالك أن يخاصم السارق إذا سرق منه وكذا المودع بفتح الدال, والمستعير, والمضارب, والمبضع, والغاصب, والقابض على سوم الشراء, والمرتهن ومتولي المسجد, والأب, والوصي فتعتبر خصومتهم في ثبوت ولاية الاسترداد وفي حق القطع وأراد بصاحب الربا أن يبيع عشرة بعشرين وقبض العشرين فسرق منه العشرون فيقطع السارق بخصومته عندنا; لأن هذا المال في يده بمنزلة المغصوب إذ الشراء فاسد بمنزلته, وأما العاقد الآخر من عاقدي الربا, فإنه بالتسليم لم يبق له ملك ولا يد فلا يكون له ولاية الخصومة ذكره الشمني.

 

ج / 5 ص -103-       ويقطع بطلب المالك لو سرق منهم, لا بطلب المالك أو السارق لو سرق من سارق بعد القطع, ومن سرق شيئا ورده قبل الخصومة إلى مالكه أو ملكه بعد القضاء أو ادعى أنه ملكه أو نقصت قيمته عن النصاب لم يقطع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي فتاوى قاضي خان من اللقطة رجل التقط لقطة فضاعت منه فوجدها في يد غيره فلا خصومة بينه وبين ذلك الرجل بخلاف الوديعة, فإن في الوديعة يكون المودع أن يأخذها من الثاني; لأن في اللقطة الثاني كالأول وفي ولاية أخذ اللقطة وليس الثاني كالأول في ولاية إثبات اليد على الوديعة. ا هـ. فينبغي أن لا يقطع بطلب الملتقط كما لا يخفى.
قوله: "ويقطع بطلب المالك لو سرق منهم" أي من هؤلاء الثلاثة; لأن الخصومة إنما شرطت ليعلم أن المسروق ملك غير السارق وهذا يحصل بخصومة المالك ولم يذكر المصنف الراهن, والمرتهن للاختلاف فروى ابن سماعة عن محمد أنه لا يقطع بطلب الراهن في غيبة المرتهن بل لا بد من حضرته وصرح في الجامع الصغير بأنه يقطع في غيبته; لأنه هو المالك وكذا الخلاف لو حضر المغصوب منه وغاب الغاصب.
قوله: "لا بطلب المالك أو السارق لو سرق من سارق بعد القطع" يعني لو قطع سارق بسرقة فسرقت منه لم يكن له ولا لمالك العين المسروقة أن يقطع السارق الثاني; لأن المال غير متقوم في حق السارق حتى لا يجب عليه الضمان بالهلاك فلم تنعقد موجبة في نفسها وللأول ولاية الخصومة في الاسترداد لحاجته إذ الرد واجب عليه قيد بقوله بعد القطع; لأنه لو سرق الثاني قبل أن يقطع الأول أو بعدما درئ القطع بشبهة يقطع بخصومة الأول; لأن سقوط التقوم ضرورة القطع ولم يوجد فصار كالغاصب كذا في الهداية وأطلق الكرخي والطحاوي عدم قطع السارق من السارق; لأن يده ليست يد أمانة ولا ملك فكان ضائعا ولا قطع في أخذ مال ضائعا قلنا: بقي أن يكون يد غصب, والسارق منه يقطع فالحق ما في الهداية من التفصيل واختاره في فتح القدير في مسألة ولاية الاسترداد أن الوجه أنه إذا ظهر هذا الحال للقاضي لا يرده إلى الأول ولا إلى الثاني إذا رده لظهور خيانة كل منهما بل يرده من يد الثاني إلى المالك إن كان حاضرا وإلا حفظه كما يحفظ أموال الغيب.
قوله: "ومن سرق شيئا ورده قبل الخصومة إلى مالكه أو ملكه بعد القضاء أو ادعى أنه ملكه أو نقصت قيمته عن النصاب لم يقطع" بيان لأربع مسائل لا قطع فيها الأولى: لو سرق شيئا ورده قبل الخصومة إلى مالكه فلا قطع; لأن الخصومة شرط لظهور السرقة; لأن البينة إنما جعلت حجة ضرورة قطع المنازعة, وقد انقطعت الخصومة قيد بالرد بما قبل الخصومة أي قبل المرافعة إلى القاضي; لأنه لو ورد بعد المرافعة إلى القاضي قطع لانتهاء الخصومة لحصول

 

ج / 5 ص -104-       ولو أقرا بسرقة ثم قال أحدهما هو مالي لم يقطعا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقصودها فتبقى تقديرا كذا في الهداية وهو شامل لما إذا رده بعد القضاء بالقطع وما إذا رده بعدما شهد الشهود ولم يقض القاضي استحسانا; لأن السرقة قد ظهرت عند القاضي بما هو حجة بناء على خصومة معتبرة كذا في التبيين فالمراد بالخصومة الدعوى, والشهادة أو الإقرار فلو ادعى ولم يثبت ثم رده ينبغي أن لا قطع لعدم ظهورها عند القاضي فهي رباعية. لأن الرد إما أن يكون بعد الترافع إلى القاضي قبل الدعوى أو بعدها قبل الثبوت أو بعدهما قبل القضاء أو بعد الثلاثة فلا قطع في الأوليين ويقطع في الأخريين.
وأطلق في الرد فشمل الرد حقيقة, والرد حكما كما إذا رده إلى أصوله, وإن علا كوالده وجده ووالدته وجدته سواء كانوا في عيال المالك أو لا; لأن لهؤلاء شبهة الملك فيثبت به شبهة الرد بخلاف ما إذا رده إلى عيال أصوله, فإنه يقطع; لأنه شبهة الشبهة وهي غير معتبرة ومن الرد الحكمي إليه الرد إلى فرعه وكل ذي رحم محرم منه بشرط أن يكون في عياله وإلا فليس برد ومنه الرد إلى مكاتبه وعبده ومنه الرد إلى مولاه لو كان مكاتبا; لأن ماله له رقبة ومنه إذا سرق من العيال ورد إلى من يعولهم; لأن يده عليهم فوق أيديهم في ماله.
الثانية: لو ملكه بعد القضاء بالقطع فلأن الإمضاء من القضاء في هذا الباب لوقوع الاستغناء عنه بالاستيفاء إذ القضاء للإظهار, والقطع حق الله تعالى وهو ظاهر عنده, وإذا كان كذلك يشترط قيام الخصومة عند الاستيفاء وصار كما إذا ملكها منه قبل القضاء أطلقه فشمل البيع, والهبة لكن بشرط القبض فيها ليحصل الملك كما في الهداية.
الثالثة: لو ادعى السارق أن المسروق ملكه بعدما ثبتت السرقة عليه بالبينة أو بالإقرار فلا قطع سواء أقام بينة أو لم يقم; لأن الشبهة دارئة للحد فتتحقق بمجرد الدعوى بدليل صحة الرجوع بعد الإقرار.
الرابعة: إذا سرق شيئا قيمته نصاب ثم نقصت قيمته بعد القضاء لم يقطع; لأن كمال النصاب لما كان شرطا يشترط قيامه عند الإمضاء لما ذكرنا أطلقه فشمل ما إذا تغير السعر في بلد أو بلدين حتى إذا سرق ما قيمته نصاب في بلد وأخذ في بلد آخر القيمة فيه أنقص لم يقطع كما في شرح الطحاوي وقيد بنقصان القيمة; لأن العين لو نقصت, فإنه يقطع; لأنه مضمون عليه فكمل النصاب عينا ودينا كما إذا استهلكه كله أما نقصان السعر فغير مضمون فافترقا.
قوله: "ولو أقرا بسرقة ثم قال أحدهما هو مالي لم يقطعا" أي السارقان المقران; لأن الرجوع عامل في حق الراجع ومورث للشبهة في حق الآخر; لأن السرقة قد ثبتت بإقرارهما على الشركة أطلقه فشمل ما إذا كان قبل القضاء أو بعده وقيد بإقرارهما; لأنه لو أقر أنه سرق هو

 

ج / 5 ص -105-       ولو سرقا وغاب أحدهما وشهد على سرقتهما قطع الآخر, ولو أقر عبد بسرقة قطع وترد السرقة إلى المسروق منه, لا يجتمع قطع وضمان وترد العين لو قائمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفلان كذا فأنكر فلان, فإنه يقطع المقر لعدم الشركة بتكذيبه بقوله: قتلت أنا وفلان وزنيت أنا وفلان اقتصر على المقر, وإن أنكر فلان. وقوله: قال أحدهما: هو مالي تمثيل وإلا فالمراد أن أحدهما إذا ادعى شبهة أي شبهة كانت, فإنه يسقط القطع عنهما كما في شرح الطحاوي.
قوله: "ولو سرقا وغاب أحدهما وشهد على سرقتهما قطع الآخر" أي الحاضر; لأن الغيبة تمنع ثبوت السرقة على الغائب فيبقى معدوما, والعدم لا يورث الشبهة ولا معتبر بتوهم حدوث الشبهة; لأنه شبهة الشبهة وبيانه أن الغائب لو حضر وادعى كان شبهة للحاضر واحتمال دعوى الغائب شبهة الشبهة فلا تعتبر.
قوله: "ولو أقر عبد بسرقة قطع وترد السرقة إلى المسروق منه"; لأن إقرار العبد على نفسه بالحدود, والقصاص صحيح من حيث إنه آدمي ثم يتعدى إلى المالية فيصح من حيث إنه مال ولأنه لا تهمة في هذا الإقرار لما يشتمل عليه من الأضرار ومثله مقبول على الغير فيقطع العبد, وإذا صح الإقرار بالقطع صح بالمال بناء عليه; لأن الإقرار يلاقي حالة البقاء, والمال في حالة البقاء تابع فقط حتى تسقط عصمة المال باعتباره ويستوفى القطع بعد استهلاكه.
أطلق العبد فشمل المأذون, والمحجور عليه وخالف محمد في المحجور فقال لا يقطع وخالفه أبو يوسف واتفقا على أن المال للمولى.
وأطلق في القطع فشمل ما إذا صدقه المولى وكذبه, والخلاف فيه فقط وأطلق في السرقة فشمل القائمة, والمستهلكة وأشار بالرد المقيد لبقائها إلى أنها لو كانت مستهلكة فلا ضمان ويقطع اتفاقا وأشار بالقطع إلى أن العبد كبير إذ لا قطع إلا على مكلف, فإذا أقر عبد صغير بسرقة فلا قطع غير أنه إذا كان مأذونا برد المال إلى المسروق منه إن كان قائما, وإن كان هالكا يضمن, وإن كان محجورا, فإن صدقه المولى يرد المال إلى المسروق منه إن كان قائما ولا ضمان عليه إن كان هالكا ولا بعد العتق كذا في فتح القدير.
وقيد بالإقرار ليفيد أن السرقة لو ثبتت عليه بالبينة, فإنه يقطع بالأولى ويرد المال إلى المسروق منه كما في الذخيرة لكن يشترط حضرة المولى عند إقامة البينة عند أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف ليست بشرط, وأما حضرته عند الإقرار بالحدود فليست بشرط اتفاقا كذا في شرح الطحاوي.
قوله: "لا يجتمع قطع وضمان وترد العين لو قائمة" لقوله عليه السلام
"لا غرم على

 

ج / 5 ص -106-       ولو قطع لبعض السرقات لا يضمن شيئا,
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السارق بعدما قطعت يمينه"1 ولأن وجوب الضمان ينافي القطع; لأنه يتملكه بأداء الضمان مسندا إلى وقت الأخذ فتبين أنه ورد على ملكه فينتفي القطع وما يؤدي إلى انتفائه فهو المنتفي, أو لأن المحل لا يبقى معصوما حقا للعبد إذ لو بقي كان مباحا في نفسه فينتفي القطع للشبهة فيصير محرما حقا للشرع كالميتة ولا ضمان فيه.
أطلقه فشمل ما إذا هلكت العين أو استهلكها وهو ظاهر الرواية وسواء كان الاستهلاك قبل القطع أو بعده كما في المجتبى وفرق في رواية الحسن بين الهلاك, والاستهلاك; لأن العصمة لا يظهر سقوطها في حق الاستهلاك; لأنه فعل آخر غير السرقة ولا ضرورة في حقه وكذا الشبهة تعتبر فيما هو السبب دون غيره ووجه المشهور أن الاستهلاك إتمام المقصود فتعتبر الشبهة فيه وكذا يظهر سقوط العصمة في حق الضمان; لأنه من ضرورة سقوطها في حق الهلاك لانتفاء المماثلة. وفي التبيين عن محمد أن السارق يفتى بأداء القيمة, وإن لم يقض به كقطع الطريق, والباغي يفتيان بأداء الضمان, والأموال, والدية في النفوس وفي الكافي هذا إذا كان بعد القطع, وإن كان قبله, فإن قال المالك: أنا أضمنه لم يقطع عندنا, وإن قال أنا أختار القطع يقطع ولا يضمن. ا هـ. لأنه في الأولى تضمن رجوعه عن دعوى السرقة إلى دعوى المال وأطلق في قيام العين فشمل ما إذا كان السارق لم يتصرف فيها أو باعها أو وهبها, فإنها تؤخذ من المشتري, والموهوب له بلا خلاف لبقائها على ملك مالكها وفي الإيضاح قال أبو حنيفة لا يحل للسارق الانتفاع به بوجه من الوجوه; لأنه على ملك المسروق منه وكذا لو خاطه قميصا لا يحل له الانتفاع به وفي المجتبى لو قطع السارق ثم استهلك السرقة غيره لم يضمن لأحد, وكذا لو هلك في يد المشتري منه أو الموهوب له ولو استهلكه فللمالك تضمينه ا هـ.
قوله: "ولو قطع لبعض السرقات لا يضمن شيئا" يعني عند الإمام وقالا يضمن كلها إلا التي قطع فيها; لأن الحاضر ليس بنائب عن الغائب ولا بد من الخصومة لتظهر السرقة فلما لم تظهر السرقة من الغائبين فلم يقع القطع لهم فبقيت أموالهم معصومة وله أن الواجب بالكل قطع واحد حقا لله تعالى; لأن مبنى الحدود على التداخل, والخصومة شرط للظهور عند القاضي أما الوجوب بالجناية, وإذا استوفى فالمستوفى كل الواجب ألا ترى أنه يرجع نفعه إلى الكل فيقع عن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الدارقطني في سننه باب الحدود والديات "3/182" وذكره الزيلعي في نصب الراية "3/375" من حديث عبد الرحمن بن عوف وأخرج بنحوه النسائي من حديث عبد الرحمن بن عوف في الحدود باب تعليق يد السارق في عنقه وقال هذا مرسل ليس بثابت, والبيهقي في سننه كتاب السرقة باب غرم السارق "8/377".

 

ج / 5 ص -107-       ولو شق ما سرقه في الدار ثم أخرجه قطع, ولو سرق شاة فذبحها فأخرجها لا, ولو صنع المسروق دراهم أو دنانير قطع وردها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكل وعلى هذا الخلاف إذا كانت العين كلها لواحد وسرقها منه مرارا فخاصم في البعض ولذا أطلق المصنف فشمل ما إذا كان الكل لواحد كما شمل ما إذا كان لمتعدد وحضر الكل وقطع بالبعض أو حضر البعض فقط
قوله: "ولو شق ما سرقه في الدار ثم أخرجه قطع" كما إذا سرق ثوبا فشقه نصفين ثم أخرجه وعن أبي يوسف عدمه لشبهة الملك, فإن الخرق الفاحش يوجب القيمة فيملك المضمون وصار كالمشتري إذا سرق مبيعا فيه خيار البائع ولهما أن الأخذ وضع سببا للضمان لا للملك, وإنما يثبت الملك ضرورة إذ الضمان كي لا يجتمع البدلان في ملك واحد ونفسه لا يورث الشبهة كنفس الآخذ وكما إذا سرق البائع مبيعا باعه بخلاف ما ذكر; لأن البيع وضع لإفادة الملك.
أطلق الشق فشمل ما إذا كان فاحشا أو يسيرا لكن لا خلاف في القطع إذا كان يسيرا لعدم وجوب الضمان وترك الثوب عليه, وإنما يضمن النقصان مع القطع وكذا إذا كان الخرق فاحشا وصحح الخبازي عدم وجوب الضمان; لأنه لا يجتمع مع القطع ورجح في فتح القدير الضمان تبعا لقاضي خان وقال إنه الحق لوجوب الضمان بالخرق قبل الإخراج واختلفوا في الفرق بين الفاحش, واليسير, والصحيح أن الفاحش ما يفوت به بعض العين وبعض المنفعة, واليسير ما لا يفوت به شيء من المنفعة بل يتعيب به فقط.
ويرد على المصنف رحمه الله شيئان أحدهما أن القطع مقيد بما إذا اختار تضمين النقصان وأخذ الثوب, وإن اختار تضمين القيمة وترك الثوب عليه فلا قطع اتفاقا; لأنه ملكه مستندا إلى وقت الأخذ, وقد يجاب بأن هذا الاختيار مسقط للقطع بعد وجوبه فصار كما إذا وهبه العين بل أولى لاستناده واقتصار الهبة, وكلام المصنف في الوجوب.
ثانيهما: أن الشق لو كان إتلافا فله تضمين القيمة من غير خيار ويملك السارق الثوب ولا يقطع وحد الإتلاف أن ينقص أكثر من نصف القيمة فلو قال المصنف قطع ما لم يكن إتلافا لكان أولى ولا بد أن تكون قيمة الثوب نصابا بعد الشق.
قوله: "ولو سرق شاة فذبحها فأخرجها لا" أي لا قطع عليه; لأن السرقة تمت على اللحم ولا قطع فيه أطلقه فشمل ما إذا ساوت نصابا بعد الذبح وقيد بعدم القطع; لأنه يضمن قيمتها للمسروق منه.
قوله: "ولو صنع المسروق دراهم أو دنانير قطع وردها" أي لو صنع السارق وهذا عند

 

ج / 5 ص -108-       ولو صبغه أحمر فقطع لا يرد ولا يضمن, ولو أسود يرد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أبي حنيفة وقالا لا سبيل للمسروق منه عليها وأصله في الغصب فهذه صنعة متقومة عندهما خلافا له ثم وجوب القطع لا يشكل على قوله; لأنه لم يملكه وقيل على قولهما لا يجب; لأنه ملكه قبل القطع وقيل يجب; لأنه صار بالصنعة شيئا آخر فلم يملك عينه وأشار إلى أنه لو صنع المسروق من النقد آنية كان كذلك بالأولى وقيد بالنقد; لأنه في الحديد, والرصاص, والصفران جعله أواني, فإن كان يباع عددا فهو للسارق بالإجماع, وإن كان يباع وزنا فهو على الاختلاف بينهم في الذهب, والفضة كذا في شرح المختار وذكر الإسبيجابي أنه لو سرق حنطة فطحنها تكون للسارق بعد القطع.
قوله: "ولو صبغه أحمر فقطع لا يرد ولا يضمن" بيان لثلاثة أحكام الأول وجوب القطع; لأن قطع السارق باعتبار سرقة الثوب الأبيض وهو لم يملكه أبيض بوجه ما, والمملوك للسارق إنما هو المصبوغ فصار كما إذا سرق حنطة فطحنها, فإنه يقطع بالحنطة, وإن ملك الدقيق الثاني: عدم رده إلى المسروق منه وهو قولهما وقال محمد يؤخذ منه الثوب ويعطى ما زاد الصبغ فيه اعتبارا للغصب, والجامع كون الثوب أصلا قائما وكون الصبغ تابعا ولهما أن الصبغ قائم صورة ومعنى حتى لو أراد أخذه مصبوغا يضمن ما زاد الصبغ فيه وحق المالك في الثوب قائم صورة لا معنى ألا ترى أنه غير مضمون على السارق بالهلاك وهو الحكم الثالث الذي أفاده بقوله ولا يضمن أي لا يرده حال قيامه ولا يضمنه حال استهلاكه بخلاف الغصب; لأن حق كل واحد قائم صورة ومعنى فاستويا من هذا الوجه ورجحنا جانب المالك لما ذكرنا قيد بكونه صبغه قبل القطع بدليل فاء التعقيب; لأنه لو صبغه بعد القطع يرده; لأن الشركة بعد القطع لا تسقط القطع كذا في شرح المختار.
وذكر في الهداية الصبغ بعد القطع, فإنه قال: وإن سرق ثوبا فقطع فصبغه أحمر لم يؤخذ منه الثوب ولا يضمن. ا هـ. وهو مفيد; لأنه لو صبغه قبل لا قطع فالحكم كذلك بالأولى وكلام محمد دليل عليه أيضا, فإنه قال سرق الثوب فقطعت يده, وقد صبغ الثوب أحمر لم يؤخذ منه الثوب.
قوله: "ولو أسود يرد" أي لو صبغه السارق أسود يرده على المالك يعني عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف هذا والأول سواء; لأن السواد عنده زيادة كالحمرة وعند محمد زيادة أيضا كالحمرة لكنه لا يقطع حق المالك لما مر وعند أبي حنيفة السواد نقصان فلا يوجب انقطاع حق المالك قالوا: وهذا اختلاف عصر وزمان لا حجة وبرهان, فإن الناس كانوا لا يلبسون السواد في زمنه ويلبسونه في زمنهما وفي شرح الطحاوي لو سرق سويقا فلته بسمن أو عسل فهو مثل الاختلاف في الصبغ الأحمر والله أعلم.

 

ج / 5 ص -109-       1- باب قطع الطريق.
أخذ قاصد قطع الطريق قبله حبس حتى يتوب, وإن أخذ مالا معصوما وما قطع يده ورجله من خلاف, وإن قتل قتل حدا, وإن عفا الولي, وإن قتل وأخذ قطع وقتل أو صلب أو قتل وصلب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- "باب قطع الطريق"
بيان للسرقة الكبرى وإطلاق السرقة عليه مجاز ولذا لزم التقييد بالكبرى قالوا: إن الشرائط المختصة بها ثلاثة في ظاهر الرواية الأول أن يكون من قوم لهم قوة وشوكة أو واحد كذلك الثاني أن لا يكون في مصر أو ما هو بمنزلته كما بين المصرين أو القريتين. الثالث: أن يكون بينهم وبين المصر مسيرة سفر وعن أبي يوسف اعتبار الشرط الأول فقط فيتحقق في المصر ليلا وعليه الفتوى لمصلحة الناس. ا هـ.
قوله: "أخذ قاصد قطع الطريق قبله حبس حتى يتوب, وإن أخذ مالا معصوما وما قطع يده ورجله من خلاف, وإن قتل قتل حدا, وإن عفا الولي, وإن قتل وأخذ قطع وقتل أو صلب أو قتل وصلب" بيان لأحوال قاطع الطريق فبين أنها أربع.
الأولى: لو أمسك بعدما قصد قطع الطريق ولم يقطعها على أحد وحكمه الحبس حتى يتوب وهو المراد بقوله تعالى
{أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [المائدة: 33] فالنفي بمعنى الحبس; لأنه نفي عن وجه الأرض, وقد عهد عقوبة في الشرع ولم يذكر المصنف التعزير وفي الهداية ويعزرون أيضا لمباشرتهم منكر الإخافة ا هـ.
وأطلق في أخذه فشمل ما إذا كان بإذن الإمام أو لا ولم يبينوا بماذا يتحقق قصده لظهور أنه يحصل بوقوفه على الطريق لإخافة المارين, وأما قطع الطريق حقيقة فبالقتل أو أخذ المال وأن يكون بالإضافة فقط فالضمير في قوله قبله عائدا إلى قطع الطريق لا كما قال الشارح إنها ترجع إلى غير مذكور وكلامه مبني على أن مجرد الإخافة قطع وليس كذلك. والتوبة, وإن كانت متعلقة بالقلب لكن لحصولها أمارات ظاهرة فصح أن تكون غاية للحبس.
الثانية: أن يؤخذ بعدما أخذ المال ولم يقتل النفس وحكمه أن تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى بشرطين: أحدهما: أن يكون ذلك المال معصوما وهو أن يكون لمسلم أو ذمي فخرج مال الحربي المستأمن. الثاني: أن يكون نصابا ولم يصرح به للاكتفاء بذكره في السرقة الصغرى فلا قطع على من أصابه أقل من نصاب وهو المراد بقوله تعالى
{أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ} [المائدة: 33] بناء على أن الأجزية متوزعة على الأحوال كما علم في الأصول ولما كانت

 

ج / 5 ص -110-       ويصلب حيا ثلاثة أيام ويبعج بطنه برمح حتى يموت, ولم يضمن ما أخذ, وغير المباشر كالمباشر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جنايته أفحش من السرقة الصغرى كانت عقوبته أغلظ, وإنما كان من خلاف لئلا تفوت جنس المنفعة ولذا لو كانت يده مقطوعة أو شلاء أو رجله اليمنى كذلك لا يقطع.
الثالثة: أن يؤخذ بعدما قتل نفسا معصومة ولم يأخذ مالا وحكمه أن الإمام يقتله حدا لله تعالى لا قصاصا حتى لو عفا الأولياء لا يلتفت إلى عفوهم وأشار بكونه حدا إلى أنه لا يشترط في القتل أن يكون موجبا للقصاص من مباشرة الكل, والآلة; لأنه وجب في مقابلة الجناية على حق الله تعالى بمحاربته ولذا قال في المجتبى ويقتل الكل في الحالة الثالثة حدا, القاتل والمعين فيه سواء, وإنما الشرط القتل من أحدهم وسواء قتلهم بسيف أو حجر أو عصا أو غيرها ويصير كالجماعة قتلوا واحدا به قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحاب أبي بردة. ا هـ.
الرابعة أن يؤخذ, وقد قتل النفس وأخذ المال فذكر المصنف أن الإمام مخير بين ثلاثة أشياء إما أن يجمع بين الثلاثة: قطع اليد, والرجل من خلاف, والقتل, والصلب, وإما أن يقتصر على القتل وإما أن يقتصر على الصلب وهكذا في الهداية ومنع محمد القطع; لأنه جناية واحدة فلا توجب حدين ولأن ما دون النفس يدخل في النفس في باب الحد كحد السرقة, والرجم ولهما أن هذه عقوبة واحدة تغلظت لتغلظ سببها وهو تفويت الأمن على التناهي بالقتل وأخذ المال ولهذا كان قطع اليد, والرجل معا في الكبرى حدا واحدا, وإن كان في الصغرى حدين, والتداخل في الحدود لا في حد واحد ثم ذكر في الكتاب التخيير بين الصلب وتركه وهو ظاهر الرواية وعن أبي يوسف أنه لا يتركه; لأنه منصوص عليه, والمقصود التشهير ليعتبر به غيره ونحن نقول أصل التشهير بالقتل, والمبالغة بالصلب فيخير فيه.
قوله: "ويصلب حيا ثلاثة أيام ويبعج بطنه برمح حتى يموت" تشهيرا له واستعجالا لموته ومعنى يبعج يشق كذا في المغرب, والصلب حيا ظاهر المذهب كما في المجتبى وهو الأصح وعند الطحاوي أنه يقتل ثم يصلب وقيد بالثلاثة; لأنه لا يصلب أكثر منها توقيا عن تأذي الناس, فإذا تم له ثلاثة من وقت موته يخلى بينه وبين أهله ليدفنوه وعن أبي يوسف أنه يترك على الخشبة حتى يتقطع فيسقط.
قوله: "ولم يضمن ما أخذ" يعني بعدما أقيم عليه الحد كما في السرقة الصغرى ولو قال ولم يضمن ما فعل لكان أولى; لأنه لا يضمن ما قتل وما جرح لذلك المعنى.
قوله: "وغير المباشر كالمباشر" يعني في الأخذ, والقتل حتى تجري الأحكام على الكل بمباشرة البعض; لأنه جزاء المحاربة وهي تتحقق بأن يكون البعض ردا للبعض حتى إذا زالت

 

ج / 5 ص -111-       والعصا, والحجر كالسيف, وإن أخذ مالا وجرح قطع وبطل الجرح, وإن جرح فقط أو قتل فتاب أو كان بعض القطاع غير مكلف أو ذا رحم محرم من المقطوع عليه أو قطع بعض القافلة على البعض أو قطع الطريق ليلا أو نهارا بمصر أو بين مصرين لم يحد فأقاد الولي أو عفا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أقدامهم انحازوا إليهم, وإنما الشرط القتل من واحد منهم, وقد تحقق.
قوله: "والعصا, والحجر كالسيف"; لأنه يقع قطعا للطريق بقطع المارة.
قوله: "وإن أخذ مالا وجرح قطع وبطل الجرح" بيان للحالة الخامسة لهم وهي أن يأخذ المال ويجرح إنسانا فتقطع يده ورجله من خلاف ولا يجب شيء لأجل الجرح; لأنه لما وجب الحد حقا لله تعالى سقطت عصمة النفس حقا للعبد كما تسقط عصمة المال.
قوله: "وإن جرح فقط أو قتل فتاب أو كان بعض القطاع غير مكلف أو ذا رحم محرم من المقطوع عليه أو قطع بعض القافلة على البعض أو قطع الطريق ليلا أو نهارا بمصر أو بين مصرين لم يحد فأقاد الولي أو عفا".
بيان المسائل التي لا حد فيها وهي ست مسائل:
الأولى: لو جرح ولم يقتل ولم يأخذ مالا فلأنه لا حد في هذه الجناية فيظهر حق العبد فيقتص منه مما فيه القصاص وأخذ الأرش منه مما فيه الأرش وذلك إلى الأولياء كذا في الهداية وفيه نظر; لأن ذلك للمجروح لا لوليه, فإن أفضى الجرح إلى القتل ينبغي أن يجب الحد ولما كان أخذ المال الموجب للحد هنا هو النصاب كأن أخذ ما دونه بمنزلة العدم, فإذا أخذ ما دون النصاب وجرح فهو داخل تحت قوله: وإن جرح فقط وكذا إذا أخذ مالا يقطع فيه كالأشياء التي يتسارع إليها الفساد قال الشارح: ولو كان مع هذا الأخذ قتل لا يجب الحد أيضا وهي طعن عيسى, فإنه قال: القتل وحده يوجب الحد فكيف يمتنع مع الزيادة فجوابه أن قصدهم المال غالبا فينظر إليه لا غير بخلاف ما إذا اقتصروا على القتل; لأنه تبين أن مقصدهم القتل دون المال فيحدون فعدت هذه من الغرائب وأمر بحفظها في الفوائد الظهيرية وعدها من أعجب المسائل من حيث إن ازدياد الجناية أورث الخفة.
الثانية لو قتل فتاب قبل الأخذ لا حد; لأن هذه الجناية لا تقام بعد التوبة للاستثناء المذكور في النص أو لأن التوبة تتوقف على رد المال ولا قطع في مثله فظهر حق العبد في النفس, والمال حتى يستوفي الولي القصاص أو يعفو ويجب الضمان إذا هلك في يده أو استهلكه كذا في الهداية. وإنما قيد بالمختص بالقتل ليعلم حكم أخذ المال بالأولى وفي المبسوط,

 

ج / 5 ص -112-       ومن خنق في المصر غير مرة قتل به
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والمحيط رد المال من تمام توبتهم لتنقطع خصومة صاحبه ولو تاب ولم يرد المال لم يذكره في الكتاب واختلفوا فيه فقيل لا يسقط الحد كسائر الحدود ولا تسقط بالتوبة وقيل يسقط أشار إليه محمد في الأصل.
الثالثة, والرابعة: لو كان بعض القطاع غير مكلف كالصبي, والمجنون أو ذا رحم محرم من المقطوع عليه, فإن القطع يسقط عن الكل; لأنه جناية واحدة قامت بالكل, فإذا لم يقع فعل بعضهم موجبا كان فعل الباقين بعض العلة وبه لا يثبت الحكم فصار كالخاطئ مع العامد أطلق في ذي الرحم المحرم فشمل ما إذا لم يكن مشتركا بين المقطوع عليهم وهو الأصح. لأن الجناية واحدة فالامتناع في حق البعض يوجب الامتناع في حق الباقين بخلاف ما إذا كان فيهم مستأمن; لأن الامتناع في حقه لخلل في العصمة وهو يخصه أما هنا الامتناع لخلل في الحرز, والقافلة حرز واحد, وإذا سقط الحد صار القتل إلى الأولياء لظهور حق العبد على ما ذكرنا, وإن شاءوا قتلوه, وإن شاءوا عفوا.
وأشار بذي الرحم المحرم إلى أنه لو كان في المقطوع عليهم شريك مفاوض لبعض القطاع لا يحدون كذي الرحم المحرم وفي المبسوط تابوا وفيهم عبد قطع يد حر دفعه مولاه أو فداه كما فعله في غير قطع الطريق وهذا; لأنه لا قصاص بين العبيد, والأحرار فيما دون النفس فيبقى حكم الدفع, والفداء, فإن كانت فيهم امرأة فعلت ذلك فعليها دية اليد في مالها; لأنه لا قصاص بين الرجال, والنساء في الأطراف, والواقع منها عمدا لا تعقله العاقلة.
الخامسة لو قطع بعض القافلة على البعض لم يجب الحد; لأن الحرز واحد فصارت القافلة كدار واحدة, وإذا لم يجب الحد وجب القصاص في النفس إن قتل عمدا بحديدة أو بمثقل عندهما ورد المال إن أخذه وهو قائم في يده وضمانه إن هلك أو استهلك.
السادسة: لو قطع الطريق بمصر ليلا أو نهارا أو بين مصرين فليس بقاطع الطريق استحسانا وفي القياس أن يكون قاطع الطريق وهو قول الشافعي لوجوده حقيقة وقدمنا المفتى به. ا هـ.
قوله: "ومن خنق في المصر غير مرة قتل به" أي مرارا كذا في شرح مسكين; لأنه صار ساعيا في الأرض بالفساد فيدفع شره بالقتل, والخنق عصر الحلق قيد بتعدده; لأنه لو خنق مرة واحدة فلا قتل عند الإمام, وإنما تجب الدية على العاقلة وهي نظير مسألة القتل بالمثقل وصرح الشارح بأن القتل عند التكرار إنما هو بطريق السياسة ومنها ما حكي عن الفقيه أبي بكر الأعمش أن المدعى عليه السرقة إذا أنكر فللإمام أن يعمل فيه بأكبر رأيه, فإن غلب على ظنه أنه سارق وأن

 

ج / 5 ص -113-       ...................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المال المسروق عنده عاقبه, ويجوز ذلك كما لو رآه الإمام جالسا مع الفساق في مجلس الشراب وكما لو رآه يمشي مع السراق وبغلبة الظن أجازوا قتل النفس كما إذا دخل عليه رجل شاهر سيفه وغلب على ظنه أنه يقتله وحكي عن عصام بن يوسف أنه دخل على أمير بلخ فأتي بسارق فأنكر السرقة فقال الأمير لعصام ماذا يجب عليه فقال على المدعي البينة وعلى المنكر اليمين فقال الأمير هاتوا بالسوط فما ضرب عشرة حتى أقر وأحضر السرقة فقال عصام ما رأيت جورا أشبه بالعدل من هذا. ا هـ.
وفي التجنيس رجل ادعى على آخر بسرقة كان على المدعي البينة وعلى السارق اليمين, والضرب خلاف الشرع فلا يفتى به; لأن فتوى المفتي يجب أن يطابق الشرع لص هو معروف بالسرقة وجده رجل يذهب في حاجته غير مشغول بالسرقة ليس له أن يقتله وله أن يأخذه وللإمام أن يحبسه حتى يتوب; لأن الحبس للزجر لتوبته مشروع رجل استقبله اللصوص ومعه مال لا يساوي عشرة حل له أن يقاتلهم لقوله عليه السلام
"قاتل دون مالك"1 واسم المال يقع على القليل, والكثير اللص إذا دخل دار رجل وأخذ المتاع فله أن يقتله ما دام المتاع معه لقوله عليه السلام "قاتل دون مالك", فإن رمى به ليس له أن يقتله; لأنه لا يتناوله الحديث ا هـ.
وفي الذخيرة رجل ادعى على رجل سرقة وقدمه إلى السلطان وطلب من السلطان أن يضربه فضربه السلطان مرة أو مرتين ثم أعيد إلى السجن من غير أن يعذبه فخاف المحبوس من التعذيب, والضرب فصعد السطح ليفر فسقط من السطح ومات, وقد لحقه غرامة في هذه الحادثة, وقد ظهرت السرقة على يدي رجل آخر كان للورثة أن يأخذوا صاحب السرقة بدية أبيهم وبالغرامة التي أداها إلى السلطان; لأن الكل حصل بتسبيبه وهو متعد في هذا التسبيب هكذا ذكر في مجموع النوازل قيل هذا الجواب مستقيم في حق الغرامة أصله مسألة السعاية غير مستقيم في حق الدية; لأنه صعد السطح باختياره وقيل هو مستقيم في حق الدية أيضا; لأنه مكره على الصعود للفرار من حيث المعنى; لأنه إنما قصد الفرار خوفا على نفسه من التعذيب. ا هـ. ولم أر في كلام مشايخنا تعريف السياسة قال المقريزي في الخطط يقال ساس الأمر سياسة بمعنى قام به وهو سائس من قولهم ساسه وسوسه القوم جعلوه يسوسهم, والسوس الطبع, والخلق يقال الفصاحة من سوسه, والكرم من سوسه أي من طبعه فهذا أصل وضع السياسة في اللغة ثم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه النسائي في التحريم باب ما يفعل من تعرض لماله "7/114" وذكره المزي في تحفة الأشراف يرقم "11242".

 

ج / 5 ص -114-       ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رسمت بأنها القانون الموضوع لرعاية الآداب, والمصالح وانتظام الأموال.
والسياسة نوعان سياسة عادلة تخرج الحق من الظالم الفاجر فهي من الشريعة علمها من علمها وجهلها من جهلها, وقد صنف الناس في السياسة الشرعية كتبا متعددة, والنوع الآخر سياسة ظالمة فالشريعة تحرمها إلى آخر ما ذكره من النصف الثاني عند ذكر جيوش الدولة التركية والله تعالى أعلم.