البحر الرائق شرح كنز الدقائق ط احياء التراث

 ج / 7 ص -272-     27- كتاب الدعوى
هي إضافة الشيء إلى نفسه حالة المنازعة
_________________
27- كتاب الدعوى
مناسبتها ظاهرة؛ لأن الوكيل بالخصومة وغيرها يحتاج إليها والكلام فيها في مواضع. الأول في معناها لغة ففي المصباح ادعيته طلبته لنفسي والاسم الدعوى ودعوى فلان كذا أي قوله والدعوة المرة وبعض العرب يؤنثها بالألف فيقول الدعوى، وقد يتضمن الادعاء معنى الإخبار فتدخل الباء جوازا فيقال فلان يدعى بكرم فعاله أي يخبر بذلك عن نفسه، وجمع الدعوى الدعاوى بكسر الواو، وفتحها وبعضهم قال الفتح أولى وبعضهم الكسر أولى، ومنهم من سوى بينهما، ومثله الفتوى والفتاوى وتمامه فيه.
وفي القاموس ادعى بكذا زعم له حقا أو باطلا والاسم الدعوة والدعاوى ويكسران والدعوة الحلف والدعاء إلى الطعام ويضم كالمدعاة وبالكسر الادعاء في النسب. ا هـ. وفي الكافي يقال ادعى زيد على عمرو مالا فزيد المدعي وعمرو المدعى عليه والمال المدعى والمدعى به خطأ والمصدر الادعاء افتعال من دعا والدعوى على فعلى اسم منه، وألفها للتأنيث فلا تنون يقال دعوى باطلة وصحيحة وجمعها دعاوى بفتح الواو ولا غير كفتوى، وفتاوى والدعوى في الحرب أن يقول الناس يا فلان، وأما قوله تعالى:
{دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} فمعناها الدعاء وحقيقتها في جميع المواضع أن تدعو إلى نفسك أو لنفسك والدعوة بالفتح المدعاة، وهي المأدبة وبالكسر في النسب والمدعي من يقصد إيجاب الحق على نفسه ولا حجة له. ا هـ.
الثاني: في معناها شرعا، وهو ما أفاده المؤلف بقوله:
"هي إضافة الشيء إلى نفسه حالة المنازعة" فخرج الإضافة حالة المسالمة فإنها دعوى لغة لا شرعا. ونظيره ما في البزازية عين في يد رجل يقول هو ليس لي وليس هناك منازع لا يصح نفيه فلو ادعاه بعد ذلك لنفسه صح، وإن كان ثمة منازع فهو إقرار بالملك للمنازع فلو ادعاه بعده لنفسه لا يصح وعلى رواية الأصل لا يكون إقرارا بالملك له. ا هـ. والتعريف المذكور في الكتاب خاص بدعوى الأعيان والديون فخرج عنه دعوى إيفاء الدين والإبراء منه.

 

 ج / 7 ص -273-     ...............................
_____________
الثالث في ركنها ففي البدائع قوله لي عليه كذا أو قضيته أو أبرأته ونحوه، وفي غاية البيان ركنها معناها اللغوي إضافة الشيء مطلقا، وفيه نظر، وفي خزانة المفتين ولو كان المدعي عاجزا عن الدعوى عن ظهر القلب يكتب دعواه في صحيفة ويدعي منها فتسمع دعواه. ا هـ.
الرابع في شروطها المصححة لها فمنها عقل المدعي والمدعى عليه، ومنها معلومية المدعى كما سيأتي1 بيانه. ومنها كون المدعى مما يحتمل الثبوت فدعوى ما يستحيل وجوده باطلة كقوله لمن لا يولد مثله لمثله هذا ابني أو قال ذلك لمعروف النسب ولم أر حكم المستحيل عادة كدعوى فقير أموالا عظيمة على غني أنه غصبها منه والظاهر عدم سماعها ثم كتبت بعد ذلك في آخر باب التحالف ما يفيده فليراجع. ومنها كونها بلسان المدعي فلا تصح بلسان وكيله إلا برضا خصمه عند الإمام إذا لم يكن به عذر، ومنها مجلس القضاء فلا تسمع هي والشهادة إلا بين يدي الحاكم، ومنها حضرة الخصم فلا يسمعان إلا على خصم حاضر إلا إذا التمس المدعي ذلك بالكتاب الحكمي للقضاء، ومنها عدم التناقض في الدعوى إلا في النسب والحرية، وهو أن لا يسبق منه ما يناقض دعواه كما لو أقر بالملك له ثم ادعى الشراء منه قبله لا بعده أو مطلقا، وهذه السبعة في البدائع، ومنها كون المدعي ملزما على الخصم فلا تصح دعوى التوكيل على موكله الحاضر لإمكان عزله كما في العناية.
الخامس في حكمها، وهو وجوب الجواب على المدعى عليه واقتصر عليه في الكافي وزاد الشارح وجوب الحضور على الخصم، وفيه نظر؛ لأن حضوره شرطها كما قدمناه فكيف يكون وجوبه حكمها المتأخر عنها، وحاصله كما في منية المفتي أن المدعي إذا طلب من القاضي إحضار الخصم أحضره بمجرد الدعوى إن كان في المصر أو كان قريبا بحيث لو أجاب يبيت في منزله، وإن كان أبعد منه قيل يأمره بإقامة البينة على موافقة دعواه لإحضار خصمه، والمستور في هذا يكفي فإذا أقام يأمر إنسانا ليحضر خصمه، وقيل يحلفه القاضي فإن نكل أقامه عن مجلسه، وإن حلف يأمر بإحضاره. ا هـ. وقدمنا في أدب القاضي حكم ما إذا امتنع عن الحضور، وأجرة الرسول لإحضاره، وما إذا اختفى في بيته، وحكم الهجوم عليه.
السادس في سببها قال في العناية إنه تعلق البقاء المقدر بتعاطي المعاملات؛ لأن المدعي إما أن يكون راجعا إلى النوع أو إلى الشخص.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر صفحة "293".

 

 ج / 7 ص -274-     .................................
_________________
السابع في المقصود من شرعيتها قال في العناية وشرعيتها ليست لذاتها بل من حيث انقطاعها بالقضاء دفعا للفساد المظنون ببقائها. ا هـ. ولم يذكر الشارحون هنا حكم استيفاء ذي الحق حقه من الغير بلا قضاء، وأحببت جمعه هنا من مواضعه تكثيرا للفوائد وتيسيرا على طالبيها فإن كان الحق حد قذف فلا يستوفيه بنفسه؛ لأن فيه حق الله تعالى اتفاقا والأصح أن الغالب فيه حقه تعالى فلا يستوفيه إلا من يقيم الحدود ولكن بطلب المقذوف كما بيناه في بابه، وإن كان قصاصا فقال في جنايات البزازية قتل الرجل عمدا وله ولي له أن يقتص بالسيف قضى به أو لا ويضرب علاوته ولو رام قتله بغير سيف منع، وإن فعل عزر لكن لا يضمن لاستيفائه حقه. ا هـ. وإن كان تعزيرا ففي حدود القنية ضرب غيره بغير حق وضربه المضروب أيضا أنهما يعزران ويبدأ بإقامة التعزير بالبادئ منهما؛ لأنه أظلم، والوجوب عليه أسبق. ا هـ. وأما إذا شتمه فله أن يقول له مثله والأولى تركه كما قدمناه في محله، وقالوا للزوج أن يؤدب زوجته، وفي جامع الفصولين من التحليف، ومن عليه التعزير لو مكن صاحب الحق منه أقامه. ا هـ. وإن كان عينا ففي إجارة القنية ولو غاب المستأجر بعد السنة ولم يسلم المفتاح إلى الآجر فله أن يتخذ له مفتاحا آخر، ولو آجره من غيره بغير إذن الحاكم جاز. ا هـ. وقد صارت حادثة الفتوى مضت المدة وغاب المستأجر وترك متاعه في الدار فأفتيت بأن له أن يفتح الدار ويسكن فيها، وأما المتاع فيجعله في ناحية إلى حضور صاحبه ولا يتوقف الفتح على إذن القاضي أخذا مما في القنية، وفي غصب منية المفتي أخذت أغصان شجرة إنسان هواء دار آخر فقطع رب الدار الأغصان فإن كانت الأغصان بحالة يمكن لصاحبها أن يشدها بحبل ويفرغ هواء داره ضمن القاطع، وإن لم يكن لا يضمن إذا قطع من موضع لو رفع إلى الحاكم أمر بالقطع من ذلك الموضع. ا هـ. وإن كان دينا ففي مداينات القنية رب الدين إذا ظفر من جنس حقه من مال المديون على صفته فله أخذه بغير رضاه ولا يأخذ خلاف جنسه كالدراهم والدنانير، وعند الشافعي له أخذه بقدر قيمته وعن أبي بكر الرازي له أخذ الدنانير بالدراهم وكذا أخذ الدراهم بالدنانير استحسانا لا قياسا ولو أخذ من الغريم غيره ودفعه إلى الدائن قال ابن سلمة هو والغريم غاصب فإن ضمن الآخذ لم يصر قصاصا بدينه، وإن ضمن الغريم صار قصاصا، وقال نصير بن يحيى صار قصاصا بدينه والآخذ معين له وبه يفتى ولو غصب جنس الدين من المديون فغصبه منه المديون فالمختار هنا قول ابن سلمة. ا هـ.
وظاهر قول أصحابنا أن له الأخذ من جنسه مقرا كان أو منكرا له بينة أو لا ولم أر حكم ما إذا لم يتوصل إليه إلا بكسر الباب ونقب الجدار وينبغي أن له ذلك حيث لا يمكنه الأخذ بالحاكم، وإذا أخذ غير الجنس بغير إذنه فتلف في يده ضمنه ضمان الرهن كما في غصب

 

 ج / 7 ص -275-     المدعي من إذا ترك ترك والمدعى عليه بخلافه
_____________
البزازية ولم أر حكم ما إذا ظفر بمال مديون مديونه والجنس واحد فيهما وينبغي أن يجوز. الثامن في دليلها الكتاب والسنة والإجماع، وهي شهيرة، والتاسع في أنواعها العاشر في وجوه دفعها وسيأتيان.
"قوله المدعي من إذا ترك ترك والمدعى عليه بخلافه" أي المدعي من لا يجبر على الخصومة إذا تركها والمدعى عليه من يجبر على الخصومة إذا تركها، ومعرفة الفرق بينهما من أهم ما يبتنى عليه مسائل الدعوى، وقد اختلفت عبارات المشايخ فيه فمنها ما في الكتاب، وهو حد عام صحيح، وقيل المدعي من لا يستحق إلا بحجة كالخارج والمدعى عليه من يكون مستحقا بقوله من غير حجة كذي اليد، وقيل المدعي من يلتمس غير الظاهر والمدعى عليه من يتمسك بالظاهر، وقال محمد في الأصل المدعى عليه هو المنكر، وهذا صحيح لكن الشأن في معرفته، والترجيح بالفقه عند الحذاق من أصحابنا؛ لأن الاعتبار للمعاني دون الصور فإن المودع إذا قال رددت الوديعة فالقول قوله مع اليمين، وإن كان مدعيا للرد صورة؛ لأنه ينكر الضمان كذا في الهداية وحاصله أن المدعي يدعي فراغ ذمته عن الضمان ولهذا تقبل بينته اعتبارا للصورة، ويجبر على الخصومة ويحلف اعتبارا للمعنى كذا في الكافي، وفي المجتبى الصحيح ما في الكتاب والمراد أن المدعى عليه يجبر على أصل الخصومة ولا ينافيه قول محمد إن الخيار للمدعى عليه في تعيين القاضي كما لا يخفى.
وفي الخانية ولو كان في البلدة قاضيان كل واحد منهما في محلة على حدة فوقعت الخصومة بين رجلين أحدهما من محلة والآخر من محلة أخرى والمدعي يريد أن يخاصمه إلى قاضي محلته والآخر يأبى ذلك اختلف فيها أبو يوسف ومحمد والصحيح أن العبرة لمكان المدعى عليه، وكذا لو كان أحدهما من أهل العسكر، والآخر من أهل البلدة فأراد العسكري أن يخاصمه إلى قاضي العسكر فهو على هذا. ا هـ. وعلله في المحيط بأن أبا يوسف يقول إن المدعي منشئ للخصومة فيعتبر قاضيه ومحمد يقول إن المدعى عليه دافع لها، وفي البزازية قاضيان في مصر طلب كل واحد منهما أن يذهب إلى قاض فالخيار للمدعى عليه عند محمد وعليه الفتوى. ا هـ. وهو بإطلاقه شامل لما إذا أراد المدعي قاضي محلة المدعى عليه، وأراد المدعى عليه قاضي محلة المدعي، وما إذا تعدد القضاة في المذاهب الأربعة وكثروا كما في القاهرة فأراد المدعي قاضيا شافعيا مثلا، وأراد الآخر مالكيا مثلا ولم يكونا من محلتهما فإن الخيار للمدعى عليه، وهذا هو الظاهر وبه أفتيت مرارا كثيرة.

 

 ج / 7 ص -276-     ..................................
__________
ثم اعلم أنه سئل قارئ الهداية عن الدعوى بقطع النزاع بينه وبين غيره فأجاب لا يجبر المدعي على الدعوى؛ لأن الحق له. ا هـ. ولا يعارضه ما نقلوه في الفتاوى من صحة الدعوى بدفع التعرض، وهي مسموعة كما في البزازية والخزانة والفرق بينهما ظاهر فإنه في الأول إنما يدعي أنه إن كان له شيء عليه يدعيه، وإلا يشهد على نفسه بالإبراء، وفي الثاني إنما يدعي عليه أنه يتعرض له في كذا بغير حق ويطالب بدفع التعرض فافهم. ا هـ.
ولا بد من بيان من يكون خصما في الدعوى ليعلم المدعى عليه، وقد أغفله الشارحون، وهو مما لا ينبغي فأقول: في دعوى الخارج ملكا مطلقا في عين في يد مستأجر أو مستعير أو مرتهن فلا بد من حضرة المالك وذي اليد إلا إذا ادعى الشراء منه قبل الإجارة فالمالك وحده يكون خصما وتشترط حضرة المزارع إن كان البذر منه أو كان الزرع نابتا، وإلا لا، وفي دعوى الغصب عليه لا تشترط حضرة المالك، وفي البيع قبل التسليم لا بد في دعوى الاستحقاق والشفعة من حضرة البائع والمشتري والمشتري فاسدا بعد القبض خصم لمن يدعي الملك فيه، وقبل القبض الخصم هو البائع وحده، وأحد الورثة ينتصب خصما عن الكل فالقضاء عليه قضاء على الكل وعلى الميت، وقيده في الجامع بكون الكل في يده، وإن البعض في يده فبقدره، والموصى له ليس بخصم في إثبات الدين إنما هو خصم في إثبات الوصاية أو الوكالة إلا إذا كان موصى له بما زاد على الثلث، ولا وارث فهو كالوارث واختلف المشايخ في إثبات الدين على من في يده مال الميت وليس بوارث ولا وصي ولا تسمع دعوى الدين على الميت على غريم الميت مديونا أو دائنا.
والخصم في إثبات النسب خمسة: الوارث والوصي، والموصى له والغريم للميت، أو على الميت وقف على صغير له وصي ولرجل فيه دعوى يدعيه على متولي الوقف لا على الوصي؛ لأن الوصي لا يلي القبض ولا تشترط حضرة الصبي عند الدعوى عليه وتكفي حضرة وصيه دينا أو عينا باشره الوصي أو لا ولا يشترط حضرة العبد والأمة عند دعوى المولى أرشه، ومهرها ولو ادعى على صبي محجور عليه استهلاكا أو غصبا، وقال لي بينة حاضرة تسمع دعواه وتشترط حضرة الصبي مع أبيه أو وصيه، وإلا نصب القاضي له وصيا وتشترط حضرته عند الدعوى مدعيا أو مدعى عليه والصحيح أنه لا تشترط حضرة الأطفال الرضع عند الدعوى. والمستأجر خصم لمن يدعي الإجارة في غيبة المالك على الأقرب إلى الصواب، وليس بخصم على الصحيح لمن يدعي الإجارة أو الرهن أو الشراء والمشتري خصم للكل كالموهوب له، وفي دعوى العين المرهونة تشترط حضرة الراهن والمرتهن وتصح الدعوى على

 

 ج / 7 ص -277-     ولا تصح الدعوى حتى يذكر شيئا علم جنسه وقدره
_______________
الغاصب، وإن لم تكن العين في يده فلذا كان للمستحق الدعوى على البائع وحده، وإن كان المبيع في يد المشتري لكونه غاصبا والمودع أو الغاصب إذا كان مقرا الوديعة أو الغصب لا ينتصب خصما للمشتري وينتصب خصما لوارث المودع أو المغصوب منه، ومن اشترى شيئا بالخيار فادعاه آخر يشترط حضرة البائع والمشتري والمشتري باطلا لا يكون خصما للمستحق. وإذا استحق المبيع بالملك المطلق، وقضى به فبرهن البائع على النتاج وبرهن على المشتري في غيبة المستحق ليدفع عنه الرجوع بالثمن اختلف المشايخ فيه والأصح أنه لا تشترط حضرته، ومنهم من قال: المختار اشتراطها، وأفتى السرخسي بالأول، وهو الأظهر والأشبه الموصى له ينتصب خصما للموصى له فيما في يده فإن لم يقبض ولكن قضي له بالثلث فخاصمه موصى له آخر فإن إلى القاضي الذي قضى له كان خصما، وإلا فلا، وإذا ادعى نكاح امرأة ولها زوج ظاهر يشترط حضرته لسماع الدعوى والبينة ودعوى النكاح عليها بتزويج أبيها صحيحة بدون حضرة أبيها ودعوى الواهب الرجوع في هبة العبد عليه صحيحة إن كان مأذونا، وإلا فلا بد من حضرة مولاه والقول للواهب أنه مأذون، ولا تقبل بينة العبد أنه محجور فإن غاب العبد لم تصح دعوى الرجوع على مولاه إن كانت العين في يد العبد وتمامه في خزانة المفتين.
"قوله ولا تصح الدعوى حتى يذكر شيئا علم جنسه وقدره"؛ لأن فائدتها الإلزام بواسطة إقامة الحجة والإلزام في المجهول لا يتحقق ويستثنى من فساد الدعوى بالمجهول دعوى الرهن والغصب لما في الخانية معزيا إلى رهن الأصل إذا شهدوا أنه رهن عنده ثوبا ولم يسموا الثوب، ولم يعرفوا عينه جازت شهادتهم والقول للمرتهن في أي ثوب كان وكذلك في الغصب. ا هـ. فالدعوى بالأولى ولم أر اشتراط لفظ مخصوص للدعوى وينبغي اشتراط ما يدل على الجزم والتحقيق، ولو قال أشك أو أظن لم تصح الدعوى، ولم يشترط المصنف بيان السبب، وفيه تفصيل، فإن كان المدعى دينا لم يشترط، وللقاضي أن يسأله عن سببه فإن لم يبين لم يجبر كما في الخانية، ولو كان المدعى مكيلا فلا بد من ذكر سبب الوجوب لاختلاف الأحكام باختلاف الأسباب حتى إن من سلم يحتاج إلى مكان الإيفاء ويمنع الاستبدال قبل قبضه وثمن المبيع بخلافه فيهما، وإن من قرض لا يلزم التأجيل. ا هـ. ثم قال وفي دعوى اللحم لا بد من بيان السبب وكذا في دعوى الكعك. ا هـ.
وأشار المؤلف رحمه الله باشتراط معلومية الجنس والقدر إلى أنه لا بد من بيان الوزن في الموزونات، وفي دعوى، وقر رمان أو سفرجل لا بد من ذكر الوزن للتفاوت في الوقر ويذكر أنه

 

 ج / 7 ص -278-     وإن كان عينا في يد المدعى عليه كلف إحضارها ليشير إليها بالدعوى وكذا في الشهادات والاستحلاف
_______________
حلو أو حامض أو صغير أو كبير، وفي دعوى الكعك يذكر أنه من دقيق المغسول أو من غيره، وما عليه من السمسم أنه أبيض أو أسود، وقدر السمسم، وقيل لا حاجة إلى السمسم، وقدره وصفته، وفي دعوى الإبريسم بسبب السلم لا حاجة إلى ذكر الشرائط والمختار أنه لا بد من ذكر الشرائط، وفي القطن يشترط بيان أنه بخاري أو خوارزمي، وفي الحناء لا بد من بيان أنه مدقوق أو ورق، وفي الديباج إن سلما يذكر الأوصاف والوزن، وإن عينا لا حاجة إلى ذكر الوزن. ويذكر الأوصاف، ولا بد من ذكر النوع والوصف مع ذكر الجنس والقدر في المكيلات ويذكر في السلم شرائطه من إعلام جنس رأس المال وغيره ونوعه وصفته، وقدره بالوزن إن كان وزنيا وانتقاده بالمجلس حتى يصح، ولو قال بسبب بيع صحيح جرى بينهما صحت الدعوى بلا خلاف وعلى هذا في كل سبب له شرائط كثيرة يكتفى بقوله بسبب كذا صحيح، وإن ادعى ذهبا أو فضة فلا بد من بيان جنسه ونوعه إن كان مضروبا كبخاري الضرب وصفته جيد أو وسط أو رديء إذا كان في البلد نقود مختلفة، وفي العمادي إذا كان في البلد نقود، وأحدها أروج لا تصح الدعوى ما لم يبين، وتمامه في البزازية وخزانة المفتين.
"قوله: وإن كان عينا في يد المدعى عليه كلف إحضارها ليشير إليها بالدعوى وكذا في الشهادات والاستحلاف"؛ لأن الإعلام بأقصى ما يمكن شرط وذلك بالإشارة في المنقول؛ لأن النقل ممكن، والإشارة أبلغ في التعريف حتى قالوا في المنقولات التي يتعذر نقلها كالرحى ونحوه حضر الحاكم عندها أو بعث أمينا، وفي المجتبى معزوا في مسألة الشاهدين إذا شهدوا على سرقة بقرة واختلفا في لونها تقبل الشهادة خلافا لهما، وهذه المسألة تدل على أن إحضار المنقول ليس بشرط لصحة الدعوى، ولو شرط لأحضرت، ولما وقع الاختلاف عند المشاهدة في لونها ثم قال: وهذه المسألة الناس عنها غافلون. ا هـ. قلت: لا تدل؛ لأنها إذا كانت غائبة لا يشترط إحضارها والقيمة كافية كما سيأتي فليتأمل.
وفي جامع الفصولين، وفي دعوى إحضار المدعي مجلس الحكم لا بد أن يقول فواجب عليه إحضاره مجلس الحكم لأقيم البينة عليه إن كان جاحدا، ولا بد من ذكر هذه اللفظة في الدعوى؛ لأن ذا اليد لو كان مقرا لا يلزم الإحضار؛ لأنه يأخذ من المقر والأمر بالإحضار إنما يصح لو منكرا أما لو كان مودعا عنده لا يصح الأمر بإحضاره إذ الواجب فيه التخلية لا نقلها فلو أنكر ذو اليد الإحضار يكون محقا، ادعى عينا في يده، وأراد إحضاره مجلس الحكم فأنكر

 

 ج / 7 ص -279-     فإن تعذر ذكر قيمتها
__________
المدعى عليه كونه في يده فبرهن المدعي أنه كان بيد المدعى عليه قبل هذا التاريخ بسنة هل يقبل ويجبر المدعى عليه على إحضاره بهذه البينة أم لا كانت واقعة الفتوى وينبغي أن تقبل إذا ثبت في يده في الزمان الماضي، ولم يثبت خروجه من يده فتبقى، ولا تزول بشك. ا هـ.
أطلق في لزوم إحضارها، وهو مقيد بما لا حمل له، ولا مؤنة أما ما له حمل، ومؤنة فإن المدعى عليه لا يجبر على إحضاره وتفسير الحمل والمؤنة كونه بحال يحمل إلى مجلس القاضي بأجر لا مجانا فهذا مما له حمل ومؤنة وذكر بعده بورقتين أن ما لا يمكن حمله بيد واحدة فهو مما له حمل ومؤنة، وقيل ما يحتاج في نقله إلى مؤنة كبر وشعير فهو مما له حمل ومؤنة لا ما لا يحتاج في نقله إلى المؤنة كمسك وزعفران قليل، وقيل ما اختلف سعره في البلدان فهو مما له حمل، ومؤنة لا ما اتفق. ا هـ. ثم ذكر فيه مسائل فيما إذا وصف المدعي المدعى فلما حضر خالف في البعض وحاصله أنه إن ترك الدعوى الأولى وادعى الحاضر تسمع؛ لأنها مبتدأة، وإلا فلا وبما قررناه علم أن في كلام المصنف وغيره تساهلا إذ في دعوى عين وديعة لا يكلف إحضارها إنما يكلف التخلية.
"قوله فإن تعذر ذكر قيمتها" أي بهلاكها أو غيبتها فلا بد من ذكر قيمتها ليصير المدعى به معلوما؛ لأن العين لا تعرف بالوصف والقيمة تعرف به، وقد تعذر مشاهدة العين، وإنما قيدنا التعذر بالهلاك أو الغيبة لئلا يرد الرحى وصبرة الطعام ونحو ذلك مما يتعذر إحضاره مع بقائه فإن القاضي يبعث أمينه كما قدمناه، ولا يكتفي بذكر القيمة، وفي الدابة يخبر القاضي إن شاء خرج إليها، وإن شاء بعث إليها من يسمع الدعوى والشهادة بحضرتها كما في جامع الفصولين، وفيه ادعى أعيانا مختلفة الجنس والنوع والصفة وذكر قيمة الكل جملة، ولم يذكر قيمة كل عين على حدة اختلف فيه المشايخ فقيل لا بد من بيان التفصيل، وقيل يكتفى بالإجمال، وهو الصحيح. ا هـ.
وفي السراجية ادعى عبيدا يبين جنسهم وسنهم وصفتهم وحليتهم، وقيمتهم، وإن كان المدعي حاضرا كفت الإشارة، وظاهر كلام المصنف وغيره أن اشتراط ذكر القيمة إنما هو عند تعذر إحضار العين أما قبل ظهور التعذر فلا قال في الخانية إنما يشترط ذكر القيمة في الدعوى إذا كانت دعوى سرقة ليعلم أنها نصاب أو لا فأما فيما سوى ذلك فلا حاجة إلى بيانها. ا هـ.
وأطلق في وجوب بيان القيمة عند التعذر واستثنوا منه دعوى الغصب والرهن ففي جامع الفصولين لو ادعى عينا غائبا لا يعرف مكانه بأن ادعى أنه غصب منه ثوبا أو قنا، ولا

 

 ج / 7 ص -280-     وإن ادعى عقارا ذكر حدوده
_________________
يدري قيامه، وهلاكه فلو بين الجنس والصفة والقيمة تقبل دعواه، ولو لم يبين قيمته أشار في عامة الكتب إلى أنها تقبل فإنه ذكر في كتاب الرهن لو ادعى أنه دهن عنده ثوبا، وهو ينكر تسمع دعواه، وذكر في كتاب الغصب ادعى أنه غصب منه أمة وبرهن تسمع وبعض مشايخنا قالوا إنما تسمع دعواه إذا ذكر القيمة، وهذا تأويل ما ذكر في الكتاب أن الشهود شهدوا على إقرار المدعى عليه بالغصب فيثبت غصب القن بإقراره في حق الحبس والحكم جميعا. وعامة المشايخ على أن هذه الدعوى والبينة تقبل، ولكن في حق الحبس، وإطلاق محمد في الكتاب يدل عليه، ومعنى الحبس أن يحبسه حتى يحضره ليعيد البينة على عينه فلو قال لا أقدر عليه حبس قدر ما لو قدر أحضره ثم يقضي عليه بقيمته. ا هـ.
والحاصل أنه في دعوى الغصب والرهن لا يشترط بيان الجنس والقيمة في صحة الدعوى والشهادة ويكون القول في القيمة للغاصب والمرتهن ثم اعلم أنه إنما يكتفى بالقيمة عند التعذر فيما إذا ادعى العين أما إذا ادعى قيمة شيء مستهلك فلا بد من بيان جنسه ونوعه واختلفوا في بيان الذكورة والأنوثة في الدابة كما في الخزانة وجامع الفصولين، وفي البزازية ودعوى قيمة الأعيان المشتركة لا تصح بلا بيان الأعيان لجواز أن يكون مثليا ويطالب بالقيمة، وقال في النصاب لا يحتاج إلى ذكر الأعيان؛ لأن الظاهر المطالبة بالواجب فلا ترد الدعوى بالاحتمال قال بعض المشايخ: لا بد أن يذكر أن القبض كان بغير إذن المالك أو بغير حق، وقيل لا حاجة إليه لإغناء الطلب عن ذلك. ا هـ. ولم يفرق المؤلف بين دعوى عين وعين مع أن دعوى بعض الأعيان له شرط آخر قال في البزازية، وفي دعوى الإيداع لا بد من بيان مكان الإيداع، سواء كان له حمل أو لا، وفي الغصب إن كان له حمل، ومؤنة لا يصح بلا بيان المكان، وإن لم يكن له حمل يصح ا هـ.
"قوله: وإن ادعى عقارا ذكر حدوده"؛ لأنه تعذر التعريف بالإشارة لتعذر النقل فيصار إلى التحديد وكما يشترط التحديد في الدعوى يشترط في الشهادة، وفي الملتقط، وإذا عرف الشهود الدار بعينها جاز، وإن لم يذكروا حدودها. ا هـ.
أطلقه فشمل ما إذا كان العقار مشهورا فلا بد من تحديده عنده خلافا لهما كذا في منية المفتي، ولم يشترط المؤلف لدعوى العقار غير التحديد، وفي جامع الفصولين في دعوى العقار لا بد أن يذكر بلدة فيها الدار ثم المحلة ثم السكة فيبدأ أولا بذكر الكورة ثم المحلة اختيارا لقول محمد فإن مذهبه أن يبدأ أولا بالأعم ثم بالأخص فالأخص، وقيل يبدأ بالأخص ثم بالأعم فيقول دار في سكة كذا في محلة كذا في كورة كذا، وقاسه على النسب

 

 ج / 7 ص -281-     ................................
___________
فيقال فلان ثم يقال ابن فلان ثم يذكر الجد فبدأ بما هو أقرب فيترقى إلى الأبعد، وقول محمد أحسن إذ العام يعرف بالخاص لا بالعكس، وفصل النسب حجة عليه إذ الأعم اسمه فإن أحمد في الدنيا كثير فإن عرف، وإلا ترقى إلى الأخص فيقول ابن محمد فإن عرف، وإلا ترقى إلى الجد. ا هـ. ثم قال يكتب في الحد ثم ينتهي إلى كذا أو يلاصق كذا أو لزيق كذا، ولا يكتب أحد حدوده كذا، وقال أبو حنيفة لو كتب أحد حدوده دجلة أو الطريق أو المسجد فالبيع جائز، ولا تدخل الحدود في البيع إذ قصد الناس به إظهار ما يقع عليه البيع لكن قال أبو يوسف البيع فاسد إذ الحدود فيه تدخل في البيع فاخترنا ينتهي أو لزيق أو يلاصق تحرزا عن الخلاف؛ ولأن الدار على قول من يقول يدخل الحد في البيع هي الموضع الذي ينتهي إليه فأما ذلك الموضع المنتهى إليه فقد جعل حدا، وهو داخل في البيع وعلى قول من يقول لا يدخل الحد في البيع فالمنتهى إلى الدار لا يدخل تحت البيع، ولكن عند ذكر قولنا بحدوده يدخل في المبيع وفاقا. ا هـ. ثم قال الطريق يصلح حدا، ولا حاجة فيه إلى بيان طوله وعرضه إلا على قول فإنه شرط أن يبينها بالذرع، والنهر لا يصلح حدا عند البعض، وكذا السور، وهو رواية عن أبي حنيفة وظاهر المذهب أنه يصلح حدا والخندق كنهر، ولو حد بأنه لزيق أرض فلان، ولفلان في هذه القرية التي فيها المدعاة أراض كثيرة متفرقة مختلفة تصح الدعوى والشهادة ثم قال لا بد من تحديد المستثنيات من المساجد والمقابر والحياض العامة لتتميز، وما يكتبون في زماننا، وقد عرف المتعاقدان جميع ذلك، وأحاطا به علما فقد استرذله بعض مشايخنا، وهو المختار إذ المبيع لا يصير به معلوما للقاضي عند الشهادة فلا بد من التعيين. ا هـ. ثم قال بين حدوده، ولم يبين أنه كرم أو أرض أو دار وشهدا كذلك قيل لا تسمع الدعوى، ولا الشهادة، وقيل تسمع، ولو بين المصر والمحلة والموضع ثم قال ادعى سكنى دار ونحوه وبين حدوده، ولا يصح إذ السكنى نقلي فلا يحد بشيء، وإن كان السكنى نقليا لكن لما اتصل بالأرض اتصال تأبيد كان تعريفه بما به تعريف الأرض إذ في سائر النقليات إنما لا يعرف بالحدود لإمكان إحضاره فيستغنى بالإشارة إليه عن الحد أما السكنى فنقله لا يمكن؛ لأنه مركب في البناء تركيب قرار فالتحق بما لا يمكن نقله أصلا شرى علو بيت ليس له سفل يحد السفل لا العلو إذ السفل مبيع من وجه من حيث إن قرار العلو عليه فلا بد من تحديده وتحديده يغني عن تحديد العلو إذ العلو عرف بتحديد السفل؛ ولأن السفل أصل والعلو تبع فتحديد الأصل أولى هذا إذا لم يكن حول العلو حجرة فلو كانت ينبغي أن يحد العلو؛ لأنه هو المبيع فلا بد من إعلامه، وهو يحده، وقد أمكن. ا هـ.
وفي المصباح العقار كسلام كل ملك ثابت له أصل كالدار والنخل وربما أطلق على

 

 ج / 7 ص -282-     وكفت ثلاثة, وأسماء أصحابها, ولا بد من ذكر الجد إن لم يكن مشهورا
_________________
المتاع، والجمع عقارات. ا هـ. وفي المغرب العقار الضيعة، وقيل كل مال له أصل كالدار والضيعة. ا هـ.
وفي جامع الفصولين ادعى طاحونة وحدها وذكر أدواتها العامة إلا أنه لم يسم الأدوات، ولم يذكر كيفيتها فقد قيل لا تصح الدعوى، وقيل تصح إذا ذكر جميع ما فيها من الأدوات القائمة والأول أصح. ا هـ. وقد صرح مشايخنا في كتاب الشفعة بأن البناء والنخل من المنقولات، وأنه لا شفعة فيهما إذا بيعا بلا عرصة فإن بيعا معها وجبت تبعا وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى فيها، وقد غلط بعض العصريين فجعل النخيل من العقار، وأفتى به ونبه فلم يرجع كعادته. وقيد بدعوى المحدود إذ لو ادعى ثمن محدود لم يشترط بيان حدوده كذا في السراجية، وفي جامع الفصولين، ولو ادعى ثمن مبيع لم يقبض لا بد من إحضار المبيع مجلس الحكم حتى يثبت البيع عند القاضي بخلاف ما لو ادعى ثمن مبيع قبض فإنه لا يجب إحضاره؛ لأنه دعوى الدين حقيقة. ا هـ.
"قوله وكفت ثلاثة" لوجود الأكثر خلافا لزفر وعند أبي يوسف يكتفى باثنين كما في الخانية بخلاف ما إذا غلط في الرابع؛ لأنه يختلف المدعى به، ولا كذلك بتركه، وفي جامع الفصولين، وإنما يثبت الغلط بإقرار الشاهد إني غلطت فيه أما لو ادعاه المدعى عليه لا تسمع، ولا تقبل بينته؛ لأن دعوى غلط الشاهد من المدعى عليه إنما يكون بعد دعوى المدعي وجواب المدعى عليه والمدعى عليه حين أجاب المدعي فقد صدقه أن المدعي بهذه الحدود فيصير المدعي بدعوى الغلط مناقضا بعده أو نقول تفسير دعوى الغلط في أحد الحدود أن يقول المدعى عليه أحد الحدود ليس ما ذكره الشاهد أو يقول صاحب الحد ليس بهذا الاسم الذي ذكره الشاهد وكل ذلك نفي والشهادة على النفي لا تقبل. ا هـ.
وفي الملتقط قال الخصاف إذا قضيت بثلاثة حدود أجعل الحد الرابع يمضي بإزاء الحد الثالث حتى يحاذي الحد الأول يعني على الاستقامة. ا هـ. ثم قال: ولو شهد على دعوى أرض أنها خمسة مكاييل، وأصاب في بيان حدودها، وأخطأ في المقدار قبلت هذه الشهادة. ا هـ.
"قوله: وأسماء أصحابها" أي إن كان المدعى عقارا ذكر أسماء أصحابها؛ لأن التعريف يحصل بذلك، وأسماء أنسابهم ليتميزوا عن غيرهم.
"قوله: ولا بد من ذكر الجد إن لم يكن مشهورا"؛ لأن تمام التعريف به فإن كان مشهورا اكتفى بذكره، وقدمنا أنه لا يكتفى بشهرة الدار عن تحديدها عنده خلافا لهما أطلقه فشمل ما إذا كان الحد لزيق أرض وقف فلا بد من ذكر الواقف وحده، ولا بد أن يذكر المصرف، وأن يذكر

 

 ج / 7 ص -283-     وأنه في يده
_____________
أنه في يد من. ولو قال على مسجد كذا يجوز ويكون كذكر الواقف، وقيل لا، ولو قال لزيق ملك ورثة فلان لا يكفي إذ الورثة مجهولون منهم ذو فرض، ومنهم عصبة، ومنهم ذو رحم فجهلت فاحشة ألا ترى أن الشهادة بأن هذا وارث فلان لا تقبل لجهالته في الوارث، وقيل يصح لو كتب لزيق أرض ورثة فلان قبل القسمة قيل يصح، وقيل لا كتب لزيق دار من تركة فلان يصح حدا كذا في جامع الفصولين ثم قال لو جعل أحد حدوده أرضا لا يدري مالكها لا يكفي ما لم يقل هو في يد فلان حتى تحصل المعرفة، ولو جعل أحد الحدود أرض المملكة يصح، ولو لم يذكر أنه في يد من؛ لأن أرض المملكة في يد السلطان بواسطة يد نائبه المختار أنه لو ذكر اسم ذي اليد يكفي لو كان الحد أرضا لا يدري مالكه. ا هـ.
وأشار المؤلف إلى أن ذكر الكنية بالأب أو الابن لا تكفي عن الحد إلا إذا كان مشهورا كأبي حنيفة وابن أبي ليلى. ا هـ. وفي البزازية من كتاب القاضي إلى القاضي أن التعريف بالحرفة لا يكفي عند الإمام وعندهما إن كان معروفا بالصناعة كفى، وإن نسبها إلى زوجها يكفي والمقصود الإعلام، ولو ذكر اسم المولى واسم أبيه لا غير ذكر السرخسي أنه لا يكفي وذكر شيخ الإسلام أنه يكفي وبه يفتي لحصول التعريف بذكر ثلاثة العبد والمولى، وأبوه. ا هـ. وقياسه في بيان أسماء أصحاب الحدود أن يكون كذلك، وفي الملتقط وربما لا يحصل إلا بذكر الجد، وإذا لم يعرف جده لا يميز عن غيره إلا بذكر مواليه أو ذكر حرفته أو وطنه أو دكانه أو حليته فإن التمييز هو المقصود فليحصل بما قل أو كثر. ا هـ. وأما حكم الشهادة بالمحدود ففي دعوى الخانية عن شمس الأئمة الحلواني أنه على ثلاثة أوجه في فصل دعوى الدور والأراضي فليراجع من أراده في شهادة الخزانة رجل أشهد على ملك دار بعينها إلا أنه لا يعرف حدودها يجوز له أن يسأل الثقات عن حدودها للشهادة، ولكن يشهد بالدار على إقراره، ولا يشهد بذكر الحدود على إقراره حتى لا يكون كاذبا. ا هـ.
"قوله: وأنه في يده" أي وذكر المدعي أن المدعى به في يد المدعى عليه؛ لأنه إنما يصير خصما بكونه في يده فإن لم يكن في يده فلا خصومة بينهما، وإنما جعلت الضمير عائدا إلى المدعى الشامل للمنقول والعقار، ولم أخصصه بالعقار كما فعل الشارح لكونه شرطا فيهما، وفي المنقول يجب أن يقول في يده بغير حق إذ الشيء قد يكون في يد غير المالك بحق كالرهن في يد المرتهن، وفي جامع الفصولين غصب قنا فبرهن آخر أنه له، وقضي له به ثم برهن المغصوب منه على الغاصب أنه له لا تقبل إذ دعوى الملك لا تصح إلا على ذي اليد لكن لو ادعى على غير ذي اليد أنك غصبت مني تسمع دعواه في حق الضمان ألا ترى أن دعواه الضمان على الغاصب

 

 ج / 7 ص -284-     ولا تثبت اليد في العقار بتصادقهما بل ببينة أو علم القاضي بخلاف المنقول
_____________
الأول تصح وإن كان العين في يد غاصب الغاصب، وفي دعوى غاصب نصف الدار شائعا هل يشترط أن يبين كون جميع الدار في يد المدعى عليه قيل يشترط إذ غصب نصفه شائعا لا يكون إلا بكون كله بيده، وقيل غصب نصفه شائعا يتصور بأن تكون الدار بينهما فغصب من أحدهما يكون غصبا لنصفه شائعا. ا هـ. قيد بالدعوى؛ لأنهم إذا شهدوا بمنقول أنه ملك المدعي تقبل، وإن لم يشهدوا أنه في يد المدعى عليه بغير حق؛ لأنهم لما شهدوا بالملك، وملك الإنسان لا يكون في يد غيره إلا بعارض والبينة تكون على مدعي العارض، ولا تكون على صاحب الأصل، وقال بعضهم ما لم يشهدوا أنه في يد المدعى عليه بغير حق لا تقطع يد المدعى عليه، والأول أصح، وفيما سوى العقار لا يشترط أن يشهدوا أنه في يد المدعى عليه؛ لأن القاضي يراه في يده فلا حاجة إلى البيان كذا في المحيط والخانية.
"قوله: ولا تثبت اليد في العقار بتصادقهما بل ببينة أو علم القاضي بخلاف المنقول" نفيا لتهمة المواضعة إذ العقار عساه في يد غيرهما بخلاف المنقول؛ لأن اليد فيه مشاهدة قيد بالدعوى لما في شهادات البزازية شهدوا أنه ملكه، ولم يقولوا في يده بغير حق يفتى بالقبول قال الصدر الأجل الحلواني اختلف فيه المشايخ والصحيح أنه لا يقبل؛ لأنه إن لم يثبت أنه في يده بغير حق لا يمكنه المطالبة بالتسليم وبه كان يفتي أكثر المشايخ، وقيل يقضي في المنقول، ولا يقضي في العقار حتى يقولوا إنه في يده بغير حق والصحيح الذي عليه الفتوى أنه يقبل في حق القضاء بالملك لا في حق المطالبة بالتسليم. حتى قالوا لو سأل القاضي الشاهد أهو في يد المدعى عليه بغير حق فقال لا أدري يقبل على المالك نص عليه في المحيط، وفي دعوى البزازية معزيا إلى الصغرى ادعى على آخر ضيعة أنها له فأقر المدعى عليه أنها في يده وبرهن المدعي على أنها ملكه فحكم الحاكم بالملك له لا يصح ما لم يثبت اليد بالبينة أو يعلم الحاكم، وفيه قال المدعى عليه ليس العقار في يدي يحلفه حتى يقر فإذا أقر باليد يحلفه أنها ليست ملكه حتى يقر بالملك للمدعي فإذا أقر له به يأمره بترك التعرض لكن إن أراد أن يبرهن أنها ملكه لا بد من تقديم البينة على أنها في يده؛ لأن المالك قد يبعد عن العقار عادة فأمكن أن يتواضع اثنان ويقر أحدهما باليد ويبرهن الآخر عليه بالملك ويسامح في الشهود ثم يدفع المالك معللا بحكم الحاكم، وهذه التهمة في المنقول منتف؛ لأن يد المالك لا تنقطع عن المنقول عادة بل يكون في يده فاندفع به ما قيل في شرح الوقاية تهمة المواضعة ثابتة في الموضعين على السواء فيقضي في المنقول بإقراره باليد كما صرح به جميع الكتب. ا هـ. وهكذا في الخانية وبه علم أن ثبوت اليد بالبينة أو العلم في العقار إنما هو لصحة

 

 ج / 7 ص -285-     وأنه يطالبه, وإن كان دينا ذكر وصفه
_________________
القضاء بالملك بالبينة لا لصحة الدعوى كما هو ظاهر المتون، ولو كان لها لم يحلف قبله كما لا يخفى.
ثم ذكر في الخامس عشر من أنواع الدعاوى الدعوى في العقار إنما يحتاج إلى إثبات يد المدعى عليه في العقار إذا ادعاه بالملك المطلق أما إذا ادعى الشراء منه، وإقراره بأنه في يده فأنكر الشراء، وأقر بكونه في يده لا يحتاج إلى إعادة البينة على كونه في يده والفرق أن دعوى الفعل كما تصح على ذي اليد تصح على غيره أيضا فإنه يدعي علته التمليك والتملك، وهو كما يتحقق من ذي اليد يتحقق من غيره أيضا فعدم ثبوت اليد بالإقرار لا يمنع صحة الدعوى أما دعوى الملك المطلق فدعوى ترك التعرض بإزالة اليد، وطلب إزالتها لا يتصور إلا من صاحب اليد وبإقراره لا يثبت كونه ذا يد لاحتمال المواضعة كما قررناه من قبل. ا هـ.
والحاصل أن اشتراط ثبوت اليد في العقار إنما هو في دعوى الملك المطلق أما في دعوى الغصب والشراء فلا، وفي الخانية فالحاصل أن دعوى الملك في العقار لا تسمع إلا على صاحب اليد ودعوى اليد تقبل على غير صاحب اليد إذا كان ذلك الغير ينازعه في اليد فيجعل مدعيا لليد مقصودا، ومدعيا للملك تبعا لملك اليد. ا هـ. وقد ظهر بما ذكرناه، وأطلقه أصحاب المتون أنه يصح دعوى الملك المطلق في العقار بلا بيان سبب الملك، وفي دعوى البزازية من فصل التناقض. واعلم أن مشايخ فرغانة ذكروا أن الشرط في دعوى العقار في بلاد قدم بناؤها بيان السبب، ولا تسمع فيه دعوى الملك المطلق لوجوه: الأول أن دعوى الملك المطلق دعوى الملك من الأصل بسبب الخطة، ومعلوم أن صاحب الخطة في مثل تلك البلاد غير موجود فيكون كذبا لا محالة فكيف يقضى به. والثاني أنه لما تعذر القضاء بالمطلق لما قلنا فلا بد من أن يقضى بالملك بسبب وذلك إما سبب مجهول أو معلوم فالمجهول لا يمكن القضاء به للجهالة والمعلوم لعدم تعيين المدعي إياه. والثالث أن الاستحقاق لو فرض بسبب حادث يجوز أن يكون ذلك السبب شراء ذي اليد من آخر ثم يجوز أن يكون السبب سابقا على تملك ذي اليد فيمنع الرجوع ويجوز أن يكون لاحقا فلا يمنع الرجوع فيشتبه وكل هذه الرواية غير متحقق في المنقول لعدم المانع من الحمل على التملك من الأصل. ا هـ.
"قوله: وأنه يطالبه" أي وذكر المدعي أنه يطالب المدعى عليه بالمدعى؛ لأن المطالبة حقه فلا بد من طلبه؛ ولأنه يحتمل أن يكون مرهونا في يده أو محبوسا بالثمن في يده، وإنما يزول هذا الاحتمال بالمطالبة.
"قوله: وإن كان دينا ذكر وصفه"؛ لأنه لا بد من تعريفه، وهو بالوصف أطلقه فشمل

 

 ج / 7 ص -286-     وأنه يطالبه به
___________
المكيل والموزون نقدا وغيره، وقدمنا أنه في دعوى المثليات لا بد أن يذكر الجنس والنوع والصفة والقدر وسبب الوجوب، ولذا قال في الخزانة، وإذا ادعى عليه عشرة أقفزة حنطة دينا عليه، ولم يذكر بأي سبب لا تسمع، ولا بد من بيان السبب؛ لأنها إذا كانت بسبب السلم فإنما يكون له حق المطالبة في الموضع الذي عيناه، وإن كانت بسبب القرض أو بسبب كونها ثمن المبيع يتعين مكان القرض والبيع مكان الإيفاء*، وإن كان بسبب الغصب والاستهلاك فيكون له حق المطالبة لتسليم الحنطة في مكان الغصب والاستهلاك. ا هـ. وفيها، وفي دعوى القرض يذكر أن المقرض أقرضه كذا من مال نفسه لجواز أن يكون وكيلا بالإقراض، والوكيل بالإقراض سفير ومعير لا يطالب بالأداء ويذكر أيضا وصرف المستقرض ذلك إلى حاجة نفسه ليصير ذلك دينا عليه إجماعا؛ لأن عند أبي يوسف المستقرض لا يصير دينا في ذمة المستقرض إلا بصرفه في حوائج نفسه، وفي القرض لا يشترط بيان مكان الإيفاء ويتعين مكان العقد. ا هـ. وأما الدعوى بسبب الإقرار في العين والدين فالمفتى به عند المشايخ أنها إن كانت في طرف الاستحقاق لا تسمع، وإن في طرف الدفع تسمع، والبيان مع التمام في البزازية والخزانة.
"قوله: وأنه يطالبه به" لما قلنا؛ ولأن صاحب الذمة قد حضر فلم يبق إلا المطالبة هكذا جزم به في المتون والشروح، وليس المراد لفظ وأطالبه به بل هو أو ما يفيده من قوله مرة ليعطني حقي كما في العمدة، وأما أصحاب الفتاوى كما في الخلاصة والبزازية فجعلوا اشتراطه قولا ضعيفا قال في الخلاصة رجل ادعى على آخر عشرة دراهم عند القاضي، وقال لي عليه عشرة دراهم، ولم يزد على هذا اختلف المشايخ فيه قال بعضهم الدعوى صحيحة، وقال بعضهم لا يصح ما لم يقل مرة ليعطني حقي هذا في النوازل قال أبو نصر الصحيح أنه تسمع الدعوى. ا هـ. ومثله في البزازية، ولم أر أحدا نبه عليه ثم اعلم أن في كلام أصحاب المتون والشروح في الدعوى قصورا فإنهم لم يبينوا بقية شرائط دعوى الدين، ولم يذكروا دعوى العقد أما الأول ففي دعوى البضاعة الوديعة بسبب الموت مجهلا لا بد أن يبين قيمته يوم موته إذ الواجب عليه قيمته يوم موته، وفي دعوى مال المضاربة بموت المضارب مجهلا لا بد من ذكر أن مال المضاربة يوم موته نقد أو عرض؛ لأنه لو عرضا فله ولاية دعوى قيمة العرض، وفي دعوى مال الشركة بموته مجهلا لا بد من ذكر أنه مات مجهلا لمال الشركة أم للمشتري بمال الشركة إذ مال الشركة مضمون بالمثل والمشترى بمال الشركة مضمون بالقيمة. ولو ادعى مالا بكفالة لا بد من بيان المال أنه بأي سبب لجواز بطلانها إذ الكفالة بنفقة المرأة إذا لم تذكر مدة معلومة لا تصح

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* العبارة في الأصل والبيع مكان للإيفاء.

فصل
ولا تفسد المضاربة بدفع المال إلى المالك بضاعة
_____________
"فصل"
قوله "ولا تفسد المضاربة بدفع المال إلى المالك بضاعة" لأن رب المال معين للمضارب في إقامة العمل والمال في يده على سبيل البضاعة وأطلق المال فشمل الكل والبعض وبه صرح في الذخيرة والمبسوط وما وقع في الهداية من التقييد بالبعض فاتفاقي صرح به في النهاية وأشار بالدفع إلى أن المضارب لا بد أن يسلم المال أولا حتى لو جعل المال بضاعة قبل أن يتسلمه لا يصح لأن التسليم شرط فيها كما لو شرط عمل رب المال ابتداء وقيد بدفعه

 

 ج / 7 ص -287-     فإذا صحت الدعوى سأل المدعى عليه عنها, فإن أقر أو أنكر فبرهن المدعي قضي عليه
__________
إلا أن يقول ما عشت أو ما دامت في نكاحه، والكفالة بمال الكتابة لا تصح، وكذا بالدية على العاقلة، ولا بد أن يقول، وأجار المكفول له الكفالة في مجلس الكفالة حتى لو قال في مجلسه لم يجز، ولو ادعت امرأة مالا على ورثة الزوج لم يصح ما لم تبين السبب لجواز أن يكون دين النفقة، وهي تسقط بموته، وفي دعوى الدين على الميت لو كتب توفي بلا أدائه وخلف من التركة بيد هذا الوارث ما يفي تسمع هذه الدعوى وإن لم يبين أعيان التركة وبه يفتى. لكن إنما يأمر القاضي الوارث بأداء الدين لو ثبت وصول التركة إليه، ولو أنكر وصولها إليه لا يمكن إثباته إلا بعد بيان أعيان التركة في يده بما يحصل به الإعلام، ولو ادعى الدين بسبب الوراثة لا بد من بيان كل ورثته، وفي دعوى السعاية لا يجب ذكر قابض المال، ولكن في محضر دعواها لا بد أن يفسر السعاية لننظر أنه هل يجب الضمان عليه لجواز أنه سعى بحق فلا يضمن، ولو ادعى الضمان على الآمر أنه أمر فلانا، وأخذ منه كذا تصح الدعوى على الآمر لو سلطانا، وإلا فلا، وأما دعوى العقد من بيع، وإجارة ووصية وغيرها من أسباب الملك لا بد من بيان الطوع والرغبة بأن يقول باع منه طائعا وراغبا في حال نفاذ تصرفه لاحتمال الإكراه، وفي ذكر التخارج والصلح من التركة لا بد من بيان أنواع التركة وتحديد العقار وبيان قيمة كل نوع ليعلم أن الصلح لم يقع على أزيد من قيمة نصيبه؛ لأنهم لو استهلكوا التركة ثم صالحوا المدعي على أزيد من نصيبه لم يجز عندهم كما في الغصب، وفي دعوى البيع مكرها لا حاجة إلى تعيين المكره هذا ما حررته من كلامهم.
"قوله: فإذا صحت الدعوى سأل المدعى عليه عنها" لينكشف وجه الحكم، ومفهومه أنها إذا لم تصح لا يسأله القاضي عنها لعدم وجوب الجواب عليه لها بخلاف الصحيحة فإنه يجب عليه جوابها وظاهره أن القاضي يسأله، وإن لم يطلب المدعي، وفي السراجية إذا حضر الخصمان لا بأس أن يقول مالكما، وإن شاء سكت حتى يبتدئه بالكلام، وإذا تكلم المدعي يسكت الآخر ويسمع مقالته فإذا فرغ يقول للمدعى عليه بطلب المدعي ماذا تقول، وقيل إن المدعي إذا كان جاهلا فإن القاضي يسأل المدعى عليه بدون طلب المدعي. ا هـ.
وفي شهادات الخزانة يجوز للقاضي أن يمنع ذا اليد عن التصرف في الضيعة بالدعوى وطلب المدعي ذلك. ا هـ. وسيأتي.
"قوله فإن أقر أو أنكر فبرهن المدعي قضي عليه" لوجود الحجة الملزمة للقضاء، وفي المعراج، ولفظ القضاء في الإقرار مجاز للزومه بإقراره فلا حاجة إلى القضاء لكونه حجة بنفسه لا يتوقف على القضاء فكان الحكم إلزاما للخروج عن موجبه بخلاف البينة فإن الشهادة خبر

 

 ج / 7 ص -288-     ................................
_____________
محتمل وبالقضاء يصير حجة ويسقط احتمال الكذب. ا هـ. ولم يشترط المؤلف رحمه الله تعالى طلب الخصم القضاء بعد الحجة لما في البزازية ويعلم المدعى عليه أنه يريد القضاء، وهذا أدب غير لازم وكذا قول القاضي أحكم أدب غير لازم. ا هـ. وظاهر ما في الكتاب أن القاضي لا يمهل المدعى عليه إذا استمهله، وليس بشيء ففي البزازية ويمهله ثلاثة أيام إن قال المطلوب ليدفع، وإنما يمهله هذه المدة؛ لأنهم كانوا يجلسون في كل ثلاثة أيام أو جمعة فإن كان يجلس في كل يوم، ومع هذا يمهله ثلاثة أيام جاز فإن مضت المدة، ولم يأت بالدفع حكم. ا هـ. ولذا كتبنا في الفوائد لا يجوز للقاضي تأخير الحكم بعد وجود شرائطه إلا في ثلاث، وظاهر ما في الكتاب أن البينة لا تقام إلا على منكر فلا تقام على مقر وكتبنا في فوائد كتاب القضاء أنها تقام على المقر في وارث مقر بدين على الميت فتقام عليه للتعدي، وفي مدعى عليه أقر بالوصاية فبرهن الوصي، وفي مدعى عليه أقر بالوكالة فيثبتها الوكيل ثم زدت الآن رابعا من جامع الفصولين من فصل الاستحقاق قال المرجوع عليه عند الاستحقاق لو أقر بالاستحقاق، ومع ذلك برهن الراجع على الاستحقاق كان له أن يرجع على بائعه إذ الحكم وقع ببينة لا بإقرار؛ لأنه محتاج إلى أن يثبت عليه الاستحقاق ليمكنه الرجوع على بائعه، وفيه لو برهن المدعي ثم أقر المدعى عليه بالملك له يقضى له بإقرار لا ببينة إذ البينة إنما تقبل على المنكر لا على المقر. ا هـ. وقال في موضع آخر هذا يدل على جواز إقامتها مع الإقرار في كل موضع يتوقع الضرر من غير المقر لولاها فيكون هذا أصلا. ا هـ. ولم يذكر المؤلف حكم ما إذا سكت عن الجواب، وفي الخلاصة معزيا إلى الأقضية رجل ادعى على آخر مالا فلزم السكوت فلم يجب أصلا يؤخذ منه كفيل ثم سأل جيرانه عسى به آفة في لسانه أو سمعه فإن أخبروا أنه لا آفة به يحضر مجلس الحكم فإن سكت، ولم يجب ينزله منكرا قال الإمام السرخسي هذا قولهما أما عند أبي يوسف فيحبس إلى أن يجيب. ا هـ. وفي روضة الفقهاء1 لو سكت عن الجواب لا يكون منكرا بلا خلاف. ا هـ. والفتوى على قول أبي يوسف فيما يتعلق بالقضاء كما في القنية والبزازية فلذا أفتيت بأن يحبس إلى أن يجيب، وفي المجمع، ولو قال لا أقر، ولا أنكر فالقاضي لا يستحلفه قال الشارح بل يحبس عند أبي حنيفة حتى يقر أو ينكر وقالا يستحلف، وفي البدائع الأشبه أنه إنكار. ا هـ. وهو تصحيح لقولهما كما لا يخفى فإن الأشبه من ألفاظ التصحيح كما في البزازية ثم اعلم أن الساكت لا تقام عليه البينة إلا فيما إذا وكله بالخصومة غير جائز الإقرار والإنكار كما قدمناه في الوكالة بالخصومة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم الكلام عنها.

 

 ج / 7 ص -289-     وإلا حلف بطلبه
__________
"قوله: وإلا حلف بطلبه" أي، وإن لم يكن للمدعي بينة حلف القاضي المدعى عليه بطلب المدعي لقوله عليه السلام للمدعي
"ألك بينة" فقال لا فقال "لك يمينه"1 سأل ورتب اليمين على فقدان البينة فلا بد من السؤال ليمكنه الاستحلاف، ولا بد من طلبه اليمين؛ لأن اليمين حقه، قيد بتحليف القاضي؛ لأن المدعى عليه لو حلف بطلب المدعي يمينه بين يدي القاضي من غير استحلاف القاضي فهذا ليس بتحليف؛ لأن التحليف حق القاضي كذا في الخلاصة، ولو اصطلحا على أن يحلف عند غير القاضي ويكون بريا فهو باطل فلو برهن عليه يقبل، وإلا يحلف ثانيا عند القاضي كذا في البزازية. وأشار إلى أن إبراء المدعي عن التحليف غير صحيح لكونه حق القاضي كما في البزازية أيضا، وفي منية المفتي حلفه في مجلس قاض ليس له أن يحلفه ثانيا، ولو حلفه عند قوم له أن يحلفه ثانيا عند القاضي، ولو قال المدعى عليه حين أراد القاضي تحليفه إنه حلفني على هذا المال عند قاض آخر أو أبرأني عنه إن برهن قبل واندفع عنه الدعوى، وإلا قال الإمام البزدوي: انقلب المدعي مدعى عليه فإن نكل اندفع الدعوى، وإن حلف لزم المال؛ لأن دعوى الإبراء عن المال إقرار بوجوب المال عليه بخلاف دعوى الإبراء عن دعوى المال كذا في البزازية. ثم اعلم أنه لا تحليف إلا بعد طلب المدعي عندهما في جميع الدعاوى وعند أبي يوسف يستحلف بلا طلب في أربع مواضع في: الرد بالعيب يحلف المشتري بالله ما رضيت بالعيب والشفيع بالله ما أبطلت شفعتك والمرأة إذا طلبت فرض النفقة على زوجها الغائب تحلف بالله ما خلف لك زوجك الغائب شيئا، ولا أعطاك النفقة. والرابع يحلف المستحق بالله ما بعت، وهذا بناء على جواز تلقين الشاهد، وأجمعوا على أن من ادعى دينا على الميت يحلفه القاضي بلا طلب الوصي والوارث بالله ما استوفيت من المديون، ولا من أحد أداه إليك عنه، ولا قبضه لك قابض بأمرك، ولا أبرأته منه، ولا شيئا منه، ولا أحلت بشيء من ذلك أحدا، ولا عندك به، ولا بشيء منه رهن كذا في البزازية وظاهر كلام المؤلف أنه لا يحلف مع وجود البرهان قلت إلا في مسائل الأولى تحليف مدعي الدين على الميت إذا برهن فإنه يحلف كما وصفنا، وهي في الخلاصة، ولا خصوصية لدعوى الدين بل في كل موضع يدعي حقا في التركة، وأثبته بالبينة فإنه يحلف من غير خصم أنه ما استوفى حقه، وهو مثل حقوق الله تعالى يحلف من غير دعوى كذا في الولوالجية، ولم أر حكم من ادعى أنه دفع للميت دينه وبرهن هل يحلف وينبغي أن يحلف احتياطا الثانية المستحق للمبيع بالبينة للمستحق عليه تحليفه بالله ما باعه، ولا وهبه، ولا تصدق به، ولا خرجت العين عن ملكه بوجه من الوجوه كما

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه مسلم في "صحيحه" "139".

 

 ج / 7 ص -290-     ولا ترد يمين على مدع
__________
في جامع الفصولين من فصل الاستحقاق. الثالثة يحلف مدعي الآبق مع البينة بالله أنه باق على ملكك إلى الآن لم يخرج ببيع، ولا هبة كما في آباق فتح القدير، وفي منية المفتي الصبي العاقل المأذون له يستحلف ويقضى عليه بنكوله، ولا يستحلف الأب في مال الصبي، ولا الوصي في مال اليتيم والمتولي في مال الوقف وتحليف الأخرس أن يقال له عليك عهد الله، وميثاقه أنه كان كذا فيشير بنعم ادعى على آخر دينا مؤجلا فأنكر لا يحلف في أظهر القولين ادعى على عبد محجور حقا يؤاخذ به بعد العتق فإن أنكر يحلف. ا هـ. وفي خزانة المفتين من عليه دين مؤجل، وأراد أن يحلفه عند القاضي ينبغي للمدعى عليه أن يسأل القاضي أن المدعي يدعي نسيئة أم حالة فإن قال حالة يحلف بالله ما له علي هذه الدراهم التي يدعيها ويسعه ذلك. ا هـ.
وفي المحيط ذكر محمد في الاستحلاف لو قال المغصوب منه كانت قيمة ثوبي مائة، وقال الغاصب ما أدري ما قيمته، ولكن علمت أن قيمته لم تكن مائة فالقول قول الغاصب مع يمينه ويجبر على البيان؛ لأنه أقر بقيمة مجهولة فإذا لم يبين يحلف على ما يدعي المغصوب منه في الزيادة فإن حلف يحلف المغصوب منه أيضا أن قيمة ثوبه مائة ويأخذ من الغاصب مائة فإذا أخذ ثم ظهر الثوب فالغاصب بالخيار إن شاء رضي بالثوب وسلم القيمة للمغصوب منه، وإن شاء رد الثوب، وأخذ القيمة، وهذا من خواص هذا الكتاب وغرائب مسائله فيجب حفظها. ا هـ. بلفظه.
"قوله ولا ترد يمين على مدع" لقوله عليه السلام
"البينة على المدعي واليمين على من أنكر"1 قسم والقسمة تنافي الشركة وجعل جنس الأيمان على المنكرين، وليس وراء الجنس شيء، وفي البزازية برهن على دعواه فطلب من القاضي أن يحلف المدعي أنه محق في الدعوى أو على أن الشهود صادقون أو محقون في الشهادة لا يجيبه قال علامة خوارزم الخصم لا يحلف مرتين فكيف الشاهد فإن قول الشاهد أشهد يمين؛ لأن لفظ أشهد عندنا، وإن لم يقل بالله يمين فإذا طلب منه الشهادة في مجلس القضاء فقال أشهد فقد حلف، ولا يكرر اليمين؛ لأنا أمرنا بإكرام الشهود، وفي التحليف تعطيل الحقوق، وأن الشاهد إذا علم أن القاضي يحلفه بالمنسوخ له الامتناع عن أداء الشهادة؛ لأنه لا يلزم عليه، ومن أقدم على الشهادة الباطلة يقدم على الحلف أيضا غالبا لترويج الباطل، وإذا لم يحلف ورد شهادته فقد ظلم بخلاف اليمين في باب اللعان؛ لأن كلمات اللعان جارية مجرى الحد فناسب التغليظ. ا هـ. وفي الواقعات

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم تخريجه.

 

 ج / 7 ص -291-     ولا بينة لذي اليد في الملك المطلق وبينة الخارج أحق. وقضي له إن نكل مرة بلا أحلف أو سكت
_________
الحسامية قبيل الرهن وعن محمد من قال لآخر لي عليك ألف درهم فقال له الآخر إن حلفت أنها لك علي أديتها إليك فحلف فأداها إليه المدعى عليه إن كان أداها إليه على الشرط الذي شرطا فهو باطل، وللمؤدي أن يرجع فيما أدى؛ لأن ذلك الشرط باطل؛ لأنه على خلاف حكم الشرع؛ لأن حكم الشرع أن اليمين على من أنكر دون المدعي. ا هـ.
وفي القنية لو أن ذا اليد طلب من القاضي استحلاف المدعي ما تعلم أني بنيت بناء هذه الدار لا يجيبه القاضي. ا هـ.
"قوله: ولا بينة لذي اليد في الملك المطلق وبينة الخارج أحق"، وقال الشافعي يقضى ببينة ذي اليد لاعتضادها باليد فيتقوى الظهور فصار كالنتاج والنكاح وذي الملك مع الإعتاق والاستيلاد أو التدبير، ولنا أن بينة الخارج أكثر إثباتا، وإظهارا؛ لأن قدر ما أثبته اليد لا يثبته بينة ذي اليد إذ اليد دليل مطلق الملك بخلاف النتاج؛ لأن اليد لا تدل عليه وكذا على الإعتاق وأختيه وعلى الولاء الثابت بها قيد بالملك المطلق لما سيأتي، وأطلقه وهو مقيد بما إذا لم يؤرخا أو أرخا وتاريخ الخارج مساو أو أسبق أما إذا كان تاريخ ذي اليد أسبق فإنه يقضى له كما سيأتي في الكتاب بخلاف ما إذا ادعى الخارج الملك المطلق وذو اليد الشراء من فلان وبرهنا، وأرخا وتاريخ ذي اليد أسبق فإنه يقضى للخارج كما في الظهيرية.
"قوله: وقضي له إن نكل مرة بلا أحلف أو سكت"؛ لأن النكول دل على كونه باذلا أو مقرا إذ لولا ذلك لأقدم على اليمين إقامة للواجب دفعا للضرر عن نفسه فترجح هذا الجانب، ولا وجه لرد اليمين لما قدمناه واللام في له بمعنى على أي قضى القاضي على المدعى عليه والسكوت لغير آفة دلالة النكول وذكر الشارح من باب التحالف أن النكول لا يوجب شيئا إلا إذا اتصل القضاء به وبدونه لا يوجب شيئا أما على اعتبار البدل فظاهر، وأما على اعتبار أنه إقرار فلأنه إقرار فيه شبهة البدل فلا يكون موجبا بانفراده. ا هـ. وذكر بعده أن المكاتب إذا نكل لا يلزمه شيء لتمكنه من الفسخ بالتعجيز. ا هـ. أي إذا نكل عن دعوى السيد الكتابة وذكر هنا، ولا بد أن يكون النكول في مجلس القاضي، وهل يشترط القضاء على فور النكول فيه خلاف. ا هـ. ولم يبين الفور بماذا يكون، ولو قضى عليه بالنكول ثم أراد أن يحلف لا يلتفت إليه، ولا يبطل القضاء كذا في الخانية، وفيها، ولو أن المدعى عليه بعدما عرض عليه اليمين مرتين استمهله ثلاثة أيام ثم

 

 ج / 7 ص -292-     ..............................
_____________
مضت، وقال لا أحلف فإن القاضي لا يقضي عليه حتى ينكل ثلاثا ويستقبل عليه اليمين ثلاثا، ولا يعتبر نكوله قبل الاستمهال. ا هـ.
ثم اعلم أنه قد ظهر من كلام المؤلف أن طرق القضاء ثلاثة بينة، وإقرار ونكول وصرحوا بأن منها علم القاضي بشيء ينفذ القضاء في غير الحدود، وأما القصاص فله القضاء به بعلمه كما في الخلاصة وتركه المصنف للاختلاف، وظاهر ما في جامع الفصولين أن الفتوى على أن القاضي لا يقضي بعلمه لفساد قضاة الزمان، وسيأتي أن القسامة من طرق القضاء بالدية فهي خمس وزاد ابن الغرس سادسا لم أره إلى الآن لغيره فقال: والحجة إما البينة أو الإقرار أو اليمين أو النكول عنه أو القسامة أو علم القاضي بما يريد أن يحكم به أو القرائن الدالة على ما يطلب الحكم به دلالة واضحة بحيث تصيره في حيز المقطوع به فقد قالوا لو ظهر إنسان من دار، ومعه سكين في يده، وهو متلوث بالدماء سريع الحركة عليه أثر الخوف فدخلوا الدار في ذلك الوقت على الفور فوجدوا بها إنسانا مذ بوحا لذلك الحين، وهو متضمخ بدمائه، ولم يكن في الدار غير ذلك الرجل الذي وجد بتلك الصفة، وهو خارج من الدار أنه يؤخذ به إذ لا يمتري أحد في أنه قاتله والقول بأنه ذبح نفسه أو أن غير ذلك الرجل قتله ثم تسور الحائط فذهب إلى غير ذلك احتمال بعيد لا يلتفت إليه إذ لم ينشأ عن دليل. ا هـ. قيدنا السكوت لغير آفة؛ لأن سكوته لخرس أو طرش عذر كذا في الاختيار. ثم اعلم أن القضاء بالنكول لا يمنع المقضي عليه من إقامة البينة بما يبطله لما في الخانية من باب ما يبطل دعوى المدعي رجل اشترى من رجل عبدا فوجد به عيبا فخاصم البائع فأنكر البائع أن يكون العيب عنده فاستحلف فنكل فقضى القاضي عليه، وألزمه العبد ثم قال البائع بعد ذلك قد كنت تبرأت إليه من هذا العيب، وأقام البينة قبلت بينته. ا هـ.
وفي البزازية إذا شك فيما يدعي عليه ينبغي أن يرضى خصمه، ولا يحلف احترازا عن الوقوع في الحرام، وإن أبى خصمه إلا حلفه إن أكبر رأيه أن المدعي محق لا يحلفه، وإن أنه مبطل ساغ له الحلف ادعى عليه عند القاضي مالا فلم يقر، ولم ينكر، وقال أبرأني المدعي عن هذه الدعوى وعن حلفه ينظر إن كان المدعي برهن على دعواه حلف هو على عدم الإبراء، وإن لم يكن له بينة يحلف المدعى عليه عند المتقدمين وخالفهم بعض المتأخرين، وقول المتقدمين أحسن، وإذا قال المدعى عليه بعد الإنكار أبرأني المدعي وطلب حلفه على عدم الإبراء يحلف المدعى عليه أولا فإن نكل يحلف المدعي ذكرهما الفضلي. ا هـ.

 

 ج / 7 ص -293-     وعرض اليمين ثلاثا ندبا
________________
ثم اعلم أن حكم أداء اليمين انقطاع الخصومة للحال مؤقتا إلى غاية إحضار البينة عند العامة، وقيل انقطاعها مطلقا فلو أقام المدعي البينة بعد يمين المدعى عليه قبلت عند العامة لا عند البعض والصحيح قول العامة؛ لأن البينة هي الحجة في الأصل فأما اليمين فكالخلف عن البينة؛ لأنها كلام الخصم صير إليها للضرورة فإذا جاء الأصل انتهى حكم الخلف كأنه لم يوجد أصلا، ولو قال المدعي للمدعى عليه احلف، وأنت بريء من هذا الحق الذي ادعيت أو أنت بريء من هذا الحق ثم أقام البينة قبلت؛ لأن قوله أنت بريء يحتمل البراءة للحال أي بريء عن دعواه وخصومته للحال ويحتمل البراءة عن الحق فلا يجعل إبراء بالشك كذا في السراج الوهاج وذكر الشارح، وهل يظهر كذب المنكر بإقامة البينة والصواب أنه لا يظهر كذبه حتى لا يعاقب عقوبة شاهد الزور، ولا يحنث في يمينه أنه كان لفلان علي ألف فادعى عليه فأنكر فحلف ثم أقام المدعي البينة أن له عليه ألفا، وقيل عند أبي يوسف يظهر كذبه وعند محمد لا يظهر. ا هـ. وفي الخانية من الطلاق والفتوى على أنه يحنث، وهو قول أبي يوسف، وإحدى الروايتين عن محمد. ا هـ. وفي الولوالجية من فصل الإقرار بالطلاق رجل ادعى على آخر ألف درهم فقال المدعى عليه امرأته طالق إن كان له علي ألف فقال المدعي امرأتي طالق إن لم يكن لي عليك ألف، وأقام المدعي البينة على حق، وقضى القاضي فرق بين المدعى عليه وبين امرأته عند أبي يوسف وعن محمد روايتان في رواية يفرق بينهما، وفي رواية لا يفرق ويفتى بأنه يفرق، ولو أقام المدعى عليه البينة بأنه قد أوفاه ألفا قبل دعواه وكان تفريق القاضي بينه وبين امرأته باطلا؛ لأنه تبين أنه أخطأ فيه وتطلق امرأة المدعي إن زعم أنه لم يكن له على المدعى عليه إلا هذا الألف؛ لأنه تبين أنه حانث هذا إذا أقام المدعي البينة على الألف أما إذا أقام البينة على إقرار المدعى عليه بالألف لم يفرق القاضي بين المدعى عليه وبين امرأته؛ لأن شرط الحنث كون الألف عليه، وهذا محتمل والقاضي يقضي بالإقرار بالألف، والإقرار محتمل هكذا ذكر في بعض المواضع. ا هـ. وفي جامع الفصولين والفتوى في مسألة الدين أنه لو ادعاه بلا سبب فحلف ثم برهن ظهر كذبه، ولو ادعاه بسبب وحلف أنه لا دين عليه ثم برهن على السبب لا يظهر كذبه لجواز أنه وجد القرض ثم وجد الإبراء والإيفاء. ا هـ. فإن قلت هل يقضى بالنكول عن اليمين لنفي التهمة كالأمين إذا ادعى الرد أو الهلاك فحلف فنكل وعن اليمين التي للاحتياط في مال الميت كما قدمناه قلت أما الأول فنعم كما في القنية، وأما الثانية فلم أره ا هـ.
"قوله وعرض اليمين ثلاثا ندبا" أي وعرض القاضي على وجه الاستحباب بأن يقول له

 

 ج / 7 ص -294-     ولا يستحلف في نكاح ورجعة وفيء واستيلاد ورق ونسب وولاء وحد ولعان
_________________
القاضي إني أعرض عليك ثلاثا فإن حلفت، وإلا قضيت عليك بما ادعاه، وهذا الإنذار لإعلامه بالحكم إذ هو موضع الخفاء وتكرار العرض لزيادة الاحتياط والمبالغة في إبداء العذر، وأما المذهب فإنه لو قضى بالنكول بعد العرض مرة جاز، وهو الصحيح والأول أولى.
"قوله: ولا يستحلف في نكاح ورجعة وفيء واستيلاد ورق ونسب وولاء وحد ولعان" وقالا يستحلف في الكل إلا في الحدود واللعان؛ لأن النكول إقرار؛ لأنه يدل على كونه كاذبا في الإنكار على ما قدمناه فكان إقرارا أو بدلا عنه والإقرار يجري في هذه الأشياء لكنه إقرار فيه شبهة والحدود تندرئ بالشبهات، واللعان في معنى الحد ولأبي حنيفة أنه بدل؛ لأن معه لا تبقى اليمين واجبة لحصول المقصود، وإنزاله باذلا أولى كي لا يصير كاذبا في الإنكار والبذل لا يجري في هذه الأشياء، وفائدة الاستحلاف القضاء بالنكول فلا يستحلف إلا أن هذا بذل لدفع الخصومة فيملكه المكاتب، والعبد المأذون بمنزلة الضيافة اليسيرة وصحته في الدين بناء على زعم المدعي، وهو يقبضه حقا لنفسه والبذل معناه ها هنا ترك المنع، وأمر المال هين كذا في الهداية، وفي القنية يستحلف في دعوى الإقرار بالنكاح. ا هـ. وظاهره بأنه اتفاق بين أبي حنيفة وصاحبيه فليتأمل. وفي الظهيرية تفسير البذل عنده ترك المنازعة والإعراض عنها ثم الدعوى في هذه المسائل تتصور من إحدى الخصمين أيهما كان إلا بالحد واللعان والاستيلاد فإنه لا يتصور أن يكون المدعي فيها إلا المقذوف والمولى كذا في الشرح، وهو سبق قلم والصواب والأمة دون المولى، وفي الهداية وصورة الاستيلاد أن تقول الجارية أنا أم ولد لمولاي، وهذا ابني منه، وأنكر المولى؛ لأنه لو ادعى المولى ثبت الاستيلاد بإقراره، ولا يلتفت إلى إنكارها. ا هـ. وفي جامع الفصولين وصورة النكاح أنكر هو أو هي نكاحا والرجعة ادعى على امرأة رجعة ففي العدة تثبت بقوله، وإن كذبته؛ لأنه ادعى أمرا يملك استئنافه للحال وبعدها لو صدقته ثبت بتصادقهما، ولو كذبته، ولا بينة فعلى قولهما يحلف لا على قوله وكذا لو ادعت أنه راجعها وكذبها وصورة الفيء في الإيلاء قال فئت، وأنكرت فلو ادعاه في مدة الإيلاء يثبت بقوله، ولو بعد مضيها فإن صدقته ثبت، وإلا ولا بينة أو ادعت أنه فاء إليها في المدة أو بعدها، وأنكر الزوج. وصورة الرق ادعى على مجهول الحال أنه قنه أو ادعى مجهول الحال على رجل أنه عبده، وأنكر المولى وصورة النسب ادعى مجهول النسب أنه أبوه أو ابنه وصورة أمية الولد أن تدعي أم الولد أنها ولدته من سيدها، وصورة الولاء أن يدعي أنه مولاه الأسفل أو الأعلى. ا هـ. أطلق في الولاء فشمل ولاء العتاقة وولاء الموالاة كما في الكافي، وفيه فالحاصل أن كل محل يقبل الإباحة بالإذن ابتداء يقضى عليه بنكوله، وما لا فلا. ا هـ. وإذا لم يستحلف في النكاح عنده فلا يخلو إما أن يكون المدعي له الزوج أو المرأة فإن كان الزوج،

 

 ج / 7 ص -295-     ..............................
________________
وقال أنا أريد أن أتزوج أختها أو أربعا سواها فإن القاضي لا يمكنه من ذلك؛ لأنه أقر أن هذه امرأته فيقول له إن كنت تريد ذلك فطلق هذه ثم تزوج أختها أو أربعا سواها، وإن كانت الدعوى من المرأة فعنده لو قالت إني أريد أن أتزوج فإن القاضي لا يمكنها من ذلك؛ لأنها قد أقرت أن لها زوجا فلا يمكنها التزوج بآخر فإن قالت: ما الخلاص عن هذا، وقد بقيت في عهدته الدهر، ولا بينة لي، وهذه تسمى عهدة أبي حنيفة فإنه يقول القاضي للزوج طلقها فإن أبى أجبره القاضي عليه فإن قال الزوج لو طلقتها لزمني المهر فلا أفعل ذلك يقول القاضي له قل لها إن كنت امرأتي فأنت طالق فتطلق لو كانت امرأته، وإلا فلا، ولا يلزمه شيء فإن أبى أجبره القاضي فإن فعل تخلص عن تلك العهدة كذا في البدائع ثم إذا لم يستحلف المنكر عنده في النسب هل تقبل بينة المدعي ينظر فإن كان نسبا يثبت بالإقرار تقبل بينته مثل الولد والوالد، وإن لم يثبت بإقراره لا تقبل بينته مثل الجد وولد الولد والأعمام والإخوة، وأولادهم؛ لأن فيه حمل النسب على الغير بخلاف دعوى المولى الأعلى أو الأسفل حيث يقبل، وإن ادعى أنه معتق جده ونحو ذلك وتمامه في الشرح، وقوله قال القاضي الإمام فخر الدين الفتوى على أنه يستحلف المنكر في الأشياء الستة. المراد به مولانا قاضي خان كما صرح به مسكين وعزاه المصنف له في شرح الجامع الصغير مع أنه صرح به في فتاواه أيضا وصرح الشارح بأن فخر الإسلام عليا البزدوي اختار قولهما للفتوى على ما ذكره في المختصر. واختار المتأخرون من مشايخنا على أن القاضي ينظر في حال المدعى عليه فإن رآه متعنتا يحلفه أخذا بقولهما، وإن رآه مظلوما لا يحلفه أخذا بقول أبي حنيفة، وفي الولوالجية الفتوى على قولهما، وهو اختيار الفقيه أبي الليث وصورة الاستحلاف على قولهما ما هي بزوجة لي، وإن كانت زوجة لي فهي طالق بائن؛ لأنها لو كانت صادقة لا يبطل النكاح بجحوده فإذا حلف تبقى معطلة، وقال بعضهم يستحلف على النكاح فإن حلف يقول القاضي فرقت بينكما كذا في الخانية، وفي الاختيار ثم عندهما كل نسب يثبت من غير دعوى المال كالبنوة والزوجية، والمال يستحلف عليه وكل نسب لو أقر به لا يثبت إلا بدعوى المال كالأخ والعم لا يستحلف إلا إذا ادعى بسببه مالا أو حقا كدعوى الإرث ودعوى عدم الرجوع في الهبة ونحوه. ا هـ. وظاهره صحة الدعوى بنسب الأخ ونحوه، وإن لم يدع المال؛ لأنه إنما نفى الاستحلاف فقط وظاهر ما في البزازية من الفصل العاشر في النسب والإرث عدم صحة الدعوى بالأخوة المجردة، ولهذا لو برهن لا يقبل؛ لأنه في الحقيقة إثبات البنوة على أب المدعى عليه، والخصم فيه هو الأب لا الأخ. ا هـ. وفي شرح مسكين فإن قيل كيف تكون هذه المسائل ستة، وهي سبعة قلنا أمومية الوليد تابعة لثبوت النسب. ا هـ. وعبر عنها في جامع الفصولين بالأشياء السبعة، وفيه ادعى نكاحها فحيلة

 

 ج / 7 ص -296-     ويستحلف السارق فإن نكل ضمن، ولم يقطع
_______________
دفع اليمين عنها على قولهما أن تتزوج فلا تحلف؛ لأنها لو نكلت لا يحكم عليها؛ لأنها لو أقرت بعدما تزوجت لم يجز إقرارها وكذا لو أقرت بنكاح لغائب قيل صح إقرارها لكن يبطل بالتكذيب ويندفع عنها اليمين، وقيل لا يصح إقرارها فلا تندفع عنها اليمين. ا هـ.
وفي الولوالجية رجل تزوج امرأة بشهادة شاهدين ثم أنكرت وتزوجت بآخر، ومات شهود الأول ليس للزوج الأول أن يخاصمها؛ لأنها للتحليف والمقصود منه النكول، ولو أقرت صريحا لم يجز إقرارها لكن يخاصم الزوج الثاني ويحلفه فإن حلف برئ، وإن نكل فله أن يخاصمها ويحلفها فإن نكلت يقضى بها للمدعي، وهذا الجواب على قولهما المفتى به ا هـ.
"قوله: ويستحلف السارق فإن نكل ضمن، ولم يقطع"؛ لأن المنوط بفعله شيئان الضمان ويعمل فيه النكول والقطع، ولا يثبت به فصار كما إذا شهد عليها رجل وامرأتان قيد بحد السرقة؛ لأنه لا يستحلف في غيره من الحدود إجماعا، ولو كان حد القذف إلا إذا تضمن حقا بأن علق عتق عبده بالزنا، وقال إن زنيت فأنت حر فادعى العبد أنه قد زنى، ولا بينة عليه يستحلف المولى حتى إذا نكل ثبت العتق دون الزنا كذا في الشرح وصححه الحلواني خلافا للسرخسي، وهي في الخانية والضمير في زنيت للمتكلم، ولهذا قال في الخانية، وهل يصير العبد قاذفا لمولاه بهذا الكلام ذكر الخصاف في أدب القضاء ما هو إشارة إلى أنه يصير قاذفا فإنه قال: وقد أتى الذي حلف عليه، ولم يقل إنه زنى تحرزا عن ذلك وذكر في الحدود رجل قذف غيره فقال رجل آخر للقاذف هو كما قلته يصير الثاني قاذفا ثم إذا حلف المولى ها هنا كما هو المختار يحلف على السبب بالله ما زنيت بعدما حلفت بعتق عبدك هذا. ا هـ.
ثم اعلم أن المصنف اقتصر على عدم الاستحلاف عنده في الأشياء السبعة، وفي الخانية أنه لا استحلاف في أحد وثلاثين خصلة بعضها مختلف فيه وبعضها متفق عليه فنذكرها سردا اختصارا السبعة، وفي تزويج البنت صغيرة أو كبيرة وعندهما يستحلف الأب في الصغيرة، وفي تزويج المولى أمته خلافا لهما، وفي دعوى الدائن الإيصاء فأنكره لا يحلف، وفي دعوى الدين على الوصي، وفي الدعوى على الوكيل في المسألتين كالوصي، وفيما إذا كان في يد رجل شيء فادعاه رجلان كل الشراء منه فأقر به لأحدهما، وأنكر الآخر لا يحلفه وكذا لو أنكرهما فحلف لأحدهما فنكل له، وقضي عليه لم يحلف للآخر، وفيما إذا ادعيا الهبة مع التسليم من ذي اليد فأقر لأحدهما لا يحلف للآخر وكذا لو نكل لأحدهما لا يحلف للآخر، وفيما إذا ادعى كل منهما أنه رهنه، وقبضه فأقر به لأحدهما أو حلف لأحدهما فنكل لا يحلف للآخر، وفيما إذا ادعى أحدهما الرهن والتسليم والآخر الشراء فأقر بالرهن، وأنكر البيع لا يحلف للمشتري، وفيما

 

 ج / 7 ص -297-     والزوج إن ادعت المرأة طلاقا قبل الوطء فإن نكل ضمن نصف المهر
______________
إذا ادعى أحد رجلين الإجارة، والآخر الشراء فأقر بها، وأنكره لا يحلف لمدعيه ويقال لمدعيه إن شئت فانتظر انقضاء المدة وفك الرهن، وإن شئت فافسخ، وفيما إذا ادعى أحدهما الصدقة والقبض، والآخر الشراء فأقر لأحدهما لا يستحلف للثاني، وفيما إذا ادعى كل منهما الإجارة فأقر لأحدهما أو نكل لا يحلف للآخر بخلاف ما إذا ادعى كل منهما على ذي اليد الغصب منه فأقر لأحدهما أو حلف لأحدهما فنكل يحلف للثاني كما لو ادعى كل منهما الإيداع فأقر لأحدهما يحلف للثاني وكذا الإعارة ويحلف ما له عليك كذا، ولا قيمة، وهي كذا وكذا، وفيما إذا ادعى البائع رضا الموكل بالعيب لم يحلف وكيله، وفيما إذا أنكر توكيله له في النكاح، وفيما إذا اختلف الصانع والمستصنع في المأمور به لا يمين على واحد منهما وكذا لو ادعى الصانع على رجل أنه استصنعه في كذا فأنكر لا يحلف. الحادية والثلاثون لو ادعى أنه وكيل عن الغائب بقبض دينه وبالخصومة فأنكر لا يستحلف المديون على قوله خلافا لهما هكذا ذكر بعضهم، وقال الحلواني يستحلف في قولهم جميعا. ا هـ. وبه علم أن ما في الخلاصة تساهل، وقصور حيث قال كل موضع لو أقر لزمه فإذا أنكره يستحلف إلا في ثلاث مسائل منها الوكيل بالشراء إذا وجد بالمشترى عيبا فأراد أن يرده بالعيب، وأراد البائع أن يحلفه بالله ما يعلم أن الموكل رضي بالعيب لا يحلف فإن أقر الوكيل لزمه ذلك ويبطل حق الرد. الثانية لو ادعى على الآمر رضاه لا يحلف، وإن أقر لزمه. الثالثة الوكيل بقبض الدين إذا ادعى المديون أن الموكل أبرأه عن الدين وطلب يمين الوكيل على العلم لا يحلف، وإن أقر به لزمه. ا هـ. وزدت على الواحدة والثلاثين السابقة البائع إذا أنكر قيام العيب للحال لا يحلف عند الإمام، ولو أقر به لزمه كما قدمناه في خيار العيب والشاهد إذا أنكر رجوعه لا يستحلف، ولو أقر به ضمن ما تلف بها والسارق إذا أنكرها لا يستحلف للقطع، ولو أقر بها قطع وذكر الإسبيجابي، ولا يستحلف الأب في مال الصبي، ولا الوصي في مال اليتيم، ولا المتولي للمسجد والأوقاف إلا إذا ادعي عليهم العقد يستحلفون حينئذ. ا هـ.
"قوله: والزوج إن ادعت المرأة طلاقا قبل الوطء فإن نكل ضمن نصف المهر"؛ لأن الاستحلاف يجري في الطلاق عندهم لا سيما إذا كان المقصود هو المال أشار المؤلف إلى أن الاستحلاف في المواضع السابقة يجري عند دعوى المال فيحلف في النكاح إذا ادعت هي الصداق؛ لأنه دعوى المال ثم يثبت المال بنكوله، ولا يثبت النكاح وبه علم أنه لا فائدة في تقييد المؤلف المسألة بالطلاق قبل الدخول إذ لا فرق بين أن يكون قبل الطلاق أو بعده قبل الدخول أو بعده في الاستحلاف كما في النهاية، ولا فرق بين أن تدعي المهر أو نفقة العدة كما في الخانية وكذا في النسب إذا ادعى حقا كالإرث والحجر في اللقيط والنفقة وامتناع

 

 ج / 7 ص -298-     وجاحد القود فإن نكل في النفس حبس حتى يقر أو يحلف، وفيما دونه يقتص, ولو قال المدعي لي بينة حاضرة وطلب اليمين لم يستحلف
________
الرجوع في الهبة؛ لأن المقصود في هذه الحقوق هو المال وبيان صورة هذه الأربعة في النهاية.
"قوله: وجاحد القود فإن نكل في النفس حبس حتى يقر أو يحلف، وفيما دونه يقتص"، وهذا عند أبي حنيفة وقالا لزمه الأرش فيهما؛ لأن النكول إقرار فيه شبهة عندهما فلا يثبت فيه القصاص ويجب به المال خصوصا إذا كان امتناع القصاص لمعنى من جهة من عليه كما إذا أقر بالخطأ والولي يدعي العمد، وله أن الأطراف يسلك بها مسلك الأموال فيجري فيها البدل بخلاف الأنفس فإنه لو قال اقطع يدي فقطعه لا يجب الضمان، وهذا إعمال للبذل إلا أنه لا يباح لعدم الفائدة، وهذا البذل مفيد لاندفاع الخصومة به فصار كقطع اليد للأكلة، وقلع السن للوجع، وإذا امتنع القصاص في النفس واليمين حق مستحق يحبس به كما في القسامة، وفي الخانية ثم في كيفية التحليف في القتل روايتان في رواية يستحلف على الحاصل بالله ما له عليك دم ابنه فلان، ولا دم عبده فلان، ولا دم وليه فلان، ولا قبلك حق بسبب هذا الدم الذي يدعي، وفي رواية يحلف على السبب بالله ما قتلت فلان بن فلان، ولي هذا عمدا، وفيما سوى القتل من القطع والشجة ونحو ذلك يحلف على الحاصل بالله ما له عليك قطع هذه اليد، ولا له قبلك حق بسببها وكذلك في الشجاج والجراحات التي يجب فيها القصاص. وإذا ادعى قتل أبيه خطأ أو وليا له أو قطع يده أو شجه خطأ إذا ادعى شيئا فيه دية أو أرش يستحلف بالله ما لفلان عليك هذا الحق الذي يدعي من الوجه الذي ادعى، ولا شيء منه ويسمي الدية والأرش عند اليمين؛ لأنه ادعى مالا فيحلف على الحاصل كما في سائر الأموال، وقال أبو يوسف كل حق يجب على غير المدعى عليه كالدية في الخطأ يحلف على السبب بالله ما قتلت ابن فلان هذا، وفي الشجة بالله ما شججت هذا هذه الشجة التي يدعي، وكل جناية يجب فيها الأرش أو الدية على المدعى عليه يستحلف كما يستحلف في القصاص ا هـ.
"قوله: ولو قال المدعي لي بينة حاضرة وطلب اليمين لم يستحلف" أي عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف يستحلف؛ لأن اليمين حقه بالحديث المعروف فإذا طالبه به يجيبه ولأبي حنيفة أن ثبوت الحق في اليمين مرتب على العجز عن إقامة البينة بما رويناه فلا يكون حقه دونه ومحمد مع أبي يوسف فيما ذكره الخصاف، ومع أبي حنيفة فيما ذكره الطحاوي أطلق في حضورها فشمل حضورها في مجلس الحكم، ولا خلاف أنه لا يحلف وحضورها في المصر، وهو محل الاختلاف وحضورها في المصر بصفة المرض، وظاهر ما في خزانة المفتين خلافه فإنه قال الاستحلاف يجري في الدعاوى الصحيحة إذا أنكر المدعى عليه ويقول المدعي لا شهود لي أو شهودي غيب أو مرضى. ا هـ. وقيد بحضورها؛ لأنها لو كانت خارج المصر فإنه يحلف اتفاقا، وفي المجتبى: وقدرت الغيبة بمسيرة السفر. ا هـ. وقيد بقوله المدعي؛ لأنه لو كان له بينة

 

 ج / 7 ص -299-     وقيل لخصمه أعطه كفيلا بنفسك ثلاثة أيام
_______________
عادلة حاضرة، ولم يخبر القاضي بها فهو مخير بين الاستحلاف وبين إقامة البينة كذا في القنية ثم رقم بعده لآخر إن غلب على ظنه أنه ينكل فله أن يحلفه، وإن غلب على ظنه أنه يحلف كاذبا لا يعذر في التحليف، وفيها أيضا ادعى المديون الإيصال فأنكر المدعي، ولا بينة له فطلب يمينه فقال المدعي اجعل حقي في الختم ثم استحلفني فله ذلك في زماننا. ا هـ. ولو قال لا بينة لي وطلب يمين خصمه فحلفه القاضي فقال لي بينة فإن القاضي يقبل ذلك منه، وقيل لا يقبل كذا في خزانة المفتين، وقدمناه.
"قوله، وقيل لخصمه أعطه كفيلا بنفسك ثلاثة أيام" كي لا يغيب نفسه فيضيع حقه، وأخذ الكفيل بمجرد الدعوى استحسانا عندنا؛ لأن فيه نظرا للمدعي، وليس فيه كثير ضرر بالمدعى عليه، وهذا؛ لأن الحضور مستحق عليه بمجرد الدعوى حتى يعدى عليه ويحال بينه وبين أشغاله فصح التكفيل بإحضاره والتقدير بثلاثة أيام يروى عن أبي حنيفة، وهو الصحيح كذا في الكافي وصحح في الخانية أنه إلى جلوس القاضي مجلسا آخر، وهو مروي عن الثاني، وفاعله قيل القاضي بطلب المدعي كما في الخانية، وإلا فلا يطلب القاضي منه كفيلا، وفي الصغرى هذا إذا كان المدعي عالما بذلك أما إذا كان جاهلا فالقاضي يطلب رواه ابن سماعة عن محمد. ا هـ. أطلق في الخصم فشمل ما إذا كان خاملا أو وجيها، وما إذا كان ما عليه حقيرا أو خطيرا كذا في الهداية، وفي المصباح خمل الرجل خمولا من باب قعد فهو خامل أي ساقط النباهة لا حظ له. ا هـ. والوجيه إذا كان له حظ ورتبة منه أيضا، وقيد بقوله لي بينة حاضرة للتكفيل، ومعناه في المصر حتى لو قال المدعي لا بينة لي أو شهودي غيب لا يكفل لعدم الفائدة كذا في الهداية، وفي المجتبى لو قال المشتري لي بينة على الإيفاء لا يجبره على الإيفاء بل يمهله ثلاثة أيام بشرط أن يدعي حضور الشهود، ولو قال شهودي غيب يقضى عليه بغير إمهال، ولو ادعى الإبراء، وقال لي بينة حاضرة يمهله ثلاثة أيام، وقال الطواويسي يؤجله إلى آخر المجلس ادعى القاتل أن له بينة حاضرة على العفو أجل ثلاثة أيام فإن مضت، ولم يأت بالبينة أو قال لي بينة غائبة يقضى بالقصاص قياسا كالأموال، وفي الاستحسان يؤجل استعظاما لأمر الدم. ا هـ. وأطلق الكفيل، وقيده في البزازية وغيرها بالثقة، وفسره في البزازية بأن يكون له دار وحانوت ملكا له. ا هـ. وفسره في الصغرى بأن لا يخفي نفسه، ولا يهرب من البلد بأن تكون له دار معروفة وحانوت معروف لا يسكن في بيت بكراء يتركه ويهرب، وهذا شيء يحفظ جدا. ا هـ. وينبغي أن يكون الفقيه ثقة بوظائفه بالأوقاف، وإن لم يكن له ملك في دار وحانوت؛ لأنه لا يتركها ويهرب، وفسره في شرح المنظومة بأن يكون معروف الدار معروف التجارة، ولا يكون لحوحا معروفا بالخصومة، وأن يكون من أهل المصر لا غريب. ا هـ. وفي كفالة الفتاوى

 

 ج / 7 ص -300-     .......................
________________
الصغرى القاضي إذا أخذ كفيلا من المدعى عليه بنفسه بأمر المدعي أولا بأمره فالكفيل إذا سلم إلى القاضي أو إلى رسوله يبرأ، وإن سلم إلى المدعي لا يبرأ هذا إذا لم يضف الكفالة إلى المدعي بأن قال القاضي أو رسوله أعط كفيلا بنفسك، ولم يقل للطالب فترجع الحقوق إلى القاضي أو إلى رسوله الذي أخذ الكفيل حتى لو سلم إليه الكفيل يبرأ، ولو سلم إلى المدعي لا يبرأ، وإن أضاف إلى المدعي بأن قال أعط كفيلا بالنفس للطالب كان الجواب على العكس. ا هـ. وفي قضائها ثم تأقيت الكفالة بثلاثة أيام أو نحوها ليس لأجل أن يبرأ الكفيل عن الكفالة بعد ذلك الوقت فإن الكفيل إلى شهر لا يبرأ بعد مضي شهر لكن التكفيل إلى شهر لتوسعة الأمر على الكفيل حتى لا يطالب الكفيل إلا بعد مضي شهر لكن لو عجل الكفيل يصح، وهذا لتوسعة المدعي حتى لا يسلم الكفيل المدعى عليه للحال فيبرأ الكفيل فيعجز المدعي عن إقامة البينة متى أحضر البينة فإنما يسلم إلى المدعي بعد وجود ذلك الوقت حتى لو أحضر المدعي بينة قبل وجود ذلك الوقت يجب أن يطالب الكفيل هذا هو الظاهر ينظر في باب كفالة القاضي من كفالة عصام. ا هـ. ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى طلب المدعي وكيلا من المدعى عليه وذكره في الكافي فقال: وله أن يطلب وكيلا بخصومته حتى لو غاب الأصيل يقيم البينة على الوكيل فيقضى عليه، وإن أعطاه وكيلا له أن يطالبه بالكفيل بنفس الوكيل، وإذا أعطاه كفيلا بنفس الوكيل له أن يطالبه كفيلا بنفس الأصيل لو كان المدعى دينا؛ لأن الدين يستوفى من ذمة الأصيل دون الوكيل فلو أخذ كفيلا بالمال له أن يطلب كفيلا بنفس الأصيل؛ لأن الاستيفاء من الأصيل قد يكون أيسر، وإن كان المدعى منقولا له أن يطلب منه مع ذلك كفيلا بالعين ليحضرها، ولا يغيبه المدعى عليه، وإن كان عقارا لا يحتاج إلى ذلك؛ لأنه لا يحتمل التغييب وصح أن يكون الواحد كفيلا بالنفس ووكيلا بالخصومة؛ لأن الواحد يقوم بهما فلو أقر وغاب يقضى؛ لأنه قضاء إعانة، ولو أقيمت البينة فلم تزك فغاب المشهود عليه فزكيت لا يقضى عليه حال غيبته في ظاهر الرواية؛ لأن له حق الجرح في الشهود، وعن أبي يوسف أنه يقضى. ا هـ. بلفظه. ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى ما لو طلب المدعي الحيلولة بين العين والمدعى عليه، وفي الصغرى طلب المدعي بنفس الدعوى من القاضي وضع المنقول على يد عدل، ولم يكتف بكفيل النفس والمدعي فإن كان المدعى عليه عدلا لا يجيبه القاضي، ولو كان فاسقا يجيبه، وفي العقار لا يجيبه إلا في الشجر الذي عليه الثمر؛ لأن الثمر نقلي. ا هـ. وظاهره أن الشجر من العقار، وقدمنا خلافه، وفي خزانة المفتين فيما إذا أقام البينة، ولم تزك في الجارية قال يضعها القاضي على يد امرأة ثقة مأمونة تحفظها حتى يسأل عن الشهود، ولا يتركها في يد المدعى عليه سواء كان عدلا أو لا، وهذا إذا سأل المدعي من القاضي أن يضعها. ا هـ. وأشار المؤلف إلى أن المدعي لو

 

 

 ج / 7 ص -301-     فإن أبى لازمه أي دار معه حيث دار, ولو كان غريبا لازمه مقدار مجلس القاضي
_________________
أقام البينة، ولم تزك فالحكم بالأولى كما لا يخفى ويشير إليه قوله فإن أبى فالحاصل أن أخذ الكفيل والوكيل إنما هو برضا الخصم.
"قوله: فإن أبى لازمه أي دار معه حيث دار" أي بمقدار مدة التكفيل المذكورة أشار إلى تفسير الملازمة بالدوران إلى أنه لا يلزمه في مكان معين، وفي الصغرى المذهب عندنا أنه لا يلازمه في المسجد؛ لأن المسجد بني لذكر الله تعالى وبه يفتى ثم قال فيها وتفسير الملازمة أن يدور معه حيثما دار ويبعث معه أمينا حتى يدور معه ورأيت في زيادات بعض المشايخ أن الطالب لو أمر غيره بملازمة مديونه فللمديون أن لا يرضى عند أبي حنيفة خلافا لهما وجعله فرعا لمسألة التوكيل بغير رضا الخصم لكنه لا يحبسه في موضع؛ لأن ذلك حبس، وهو غير مستحق عليه بنفس الدعوى، ولا يشغله عن التصرف بل هو يتصرف والمدعي يدور معه، وإذا انتهى المطلوب إلى داره فإن الطالب لا يمنعه من الدخول إلى أهله بل يدخل المطلوب إلى أهله، والملازم يجلس على باب داره هكذا ذكر هنا، وفي الزيادات أن المطلوب إذا أراد أن يدخل بيته فإما أن يأذن للمدعي في الدخول معه أو يجلس معه على باب الدار؛ لأنه لو تركه حتى يدخل الدار وحده فربما يهرب من جانب آخر فيفوت ما هو المقصود منها، وفي تعليق أستاذنا لو كان المدعى عليه امرأة فإن الطالب لا يلازمها بنفسه بل يستأجر امرأة فتلازمها، وفي أول كراهية الواقعات رجل له على امرأة حق فله أن يلازمها ويجلس معها ويقبض على ثيابها؛ لأن هذا ليس بحرام فإن هربت ودخلت خربة فلا بأس بذلك إذا كان الرجل يأمن على نفسه ويكون بعيدا منها يحفظها بعينه؛ لأن في هذه الخلوة ضرورة. ا هـ. وأشار بملازمته إلى ملازمة المدعى لما في خزانة المفتين إذا كان المدعى عليه متلافا، وأبى إعطاء الكفيل بالمدعي فللمدعي أن يلازم ذلك الشيء إلى أن يعطيه كفيلا، وإن كان المدعي ضعيفا عن ملازمته يضع ذلك الشيء على يد عدل. ا هـ. وظاهر ما في السراج الوهاج أنه لا يلازمه إلا بإذن القاضي وذكر فيه أن منها أن يسكن حيث سكن، وفي المصباح دار حول البيت يدور دورا ودورانا طاف به ودوران الفلك تواتر حركاته بعضها إثر بعض من غير ثبوت، ولا استقرار، ومنه قولهم دارت المسألة أي كلما تعلقت بمحل توقف ثبوت الحكم على غيره فتنتقل إليه ثم يتوقف على الأول، وهكذا. ا هـ.
"قوله: ولو كان غريبا لازمه مقدار مجلس القاضي" وكذا لا يكفل إلا إلى آخر المجلس فلو قال إلا أن يكون غريبا فإلى انتهاء مجلس القضاء لكان أولى ليرجع إلى الملازمة والتكفيل وعلله في الهداية بأن في أخذ الكفيل والملازمة زيادة على ذلك إضرارا به بمنعه عن

 

 ج / 7 ص -302-     واليمين بالله تعالى لا بطلاق وعتاق إلا إذا ألح الخصم
_________________
السفر، ولا ضرر في هذا المقدار ظاهرا، أطلق في مقدار مجلس القاضي فشمل ما إذا كان يجلس في كل خمسة عشر يوما مرة كذا في البزازية والمراد بالغريب المسافر لما في البزازية لو كان المدعى عليه مسافرا وعرف ذلك منه لا يؤخذ منه كفيل، وأجله إلى آخر المجلس فإن برهن في المجلس، وإلا خلى سبيله، ولو قال أنا أخرج غدا أو إلى ثلاثة أيام يكفله إلى وقت الخروج، وإن أنكر الطالب خروجه نظر إلى زيه أو بعث من يثق به إلى رفقائه فإن قالوا أعد للخروج معنا يكفله إلى وقت الخروج ا هـ.
"قوله: واليمين بالله تعالى لا بطلاق وعتاق إلا إذا ألح الخصم" لقوله عليه السلام
"من كان حالفا منكم فليحلف بالله أو ليذر"1، وفي خزانة المفتين واليمين بالله تعالى ذكر اسمه تعالى، وهو أن يقول والله. ا هـ. وظاهره أنه لا تحليف بغير هذا الاسم فلو حلفه بالرحمن أو الرحيم لا يكون يمينا، ولم أره صريحا فلا يحلف بغيره من طلاق وعتاق، وقيل في زماننا إذا ألح الخصم ساغ للقاضي أن يحلف بذلك لقلة المبالاة باليمين بالله تعالى كذا في الهداية وظاهره أنه خارج عن ظاهر الرواية فما كان ينبغي للمؤلف ذكره في المتن؛ لأنه موضوع لظاهر الرواية مع أنه ضعيف أيضا لما في الخلاصة والتحليف بالطلاق والعتاق والأيمان المغلظة لم يجوزه أكثر مشايخنا. ا هـ.
وفي الخانية، وإن أراد المدعي تحليفه بالطلاق والعتاق في ظاهر الرواية لا يجيبه القاضي إلى ذلك؛ لأن التحليف بالطلاق والعتاق حرام، ومنهم جوزه في زماننا والصحيح ما في ظاهر الرواية. ا هـ. وفي كتاب الحظر والإباحة من التتارخانية والفتوى على عدم التحليف بالطلاق والعتاق. ا هـ.
وفي منية المفتي لم يجزه أكثر مشايخنا، وإن مست إليه الضرورة يفتى أن الرأي فيه للقاضي اتباعا للبعض. ا هـ.
وفي خزانة المفتين كما في منية المفتي وزاد فلو حلفه القاضي بالطلاق فنكل، وقضى بالمال لا ينفذ قضاؤه على قول الأكثر. ا هـ.
وظاهره أنه مفرع على قول الأكثر من أنه لا تحليف بهما فلا اعتبار بنكوله عنهما، وأما من قال بالتحليف بهما فيعتبر نكوله ويقضي به؛ لأن التحليف بهما لرجاء النكول فيقضى به، وإلا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري في الأيمان والنذور باب لا تحلفوا بآبائكم "6646" ومسلم في الأيمان باب النهي على الحلف بغير الله تعالى "1646" وأحمد في "مسنده" "2/520".

 

 ج / 7 ص -303-     ويغلظ بذكر أوصافه, لا بزمان ومكان, ويستحلف اليهودي بالله الذي أنزل التوراة على موسى عليه السلام والنصراني بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى عليه السلام والمجوسي بالله الذي خلق النار والوثني بالله تعالى
___________
فلا فائدة، وظاهر كلام الشارح خلافه قيد باليمين بالطلاق والعتاق؛ لأن الخصم لو طلب تحليف الشاهد أو المدعي ما يعلم أن الشهود كذبة لا يلتفت إليه كما قدمناه
"قوله: ويغلظ بذكر أوصافه" مثل قوله والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية ما لفلان هذا عليك، ولا قبلك هذا المال الذي ادعاه، وهو كذا وكذا، ولا شيء منه، وله أن يزيد في التغليظ على هذا وينقص منه إلا أنه يحتاط كي لا تتكرر عليه اليمين؛ لأن المستحق يمين واحدة، وإن شاء القاضي لم يغلظ ويقتصر على بالله أو والله، وقيل لا يغلظ على المعروف بالصلاح، وقيل يغلظ في الخطير من المال دون الحقير، وقدمنا أن التغليظ لم يجوزه أكثر مشايخنا وذكر الشارح أنه لو حلف بالله ونكل عن التغليظ لا يقضى عليه بالنكول؛ لأن المقصود الحلف بالله تعالى، وقد حصل، وفي خزانة المفتين والاختيار في صفة التغليظ أن القضاة يزيدون فيه ما شاءوا وينقصون ما شاءوا. ا هـ.
"قوله لا بزمان ومكان" أي لا يغلظ القاضي بهما؛ لأن المقصود تعظيم المقسم به، وهو حاصل بدون ذلك، وفي إيجاب ذلك حرج على القاضي حيث يكلف حضورها، وهو مدفوع وظاهر ما في الهداية أن المنفي وجوب التغليظ بهما فيدل على مشروعيته، وإن لم يجب وظاهر ما في الكتاب عدم المشروعية وظاهر قوله في الكافي؛ لأن في التغليظ بالزمان تأخير حق المدعي في اليمين إلى ذلك الزمان أنه غير مشروع، ولذا قال الشارح فلا يشرع وظاهر ما في المحيط أن التغليظ به ليس بحسن عندنا أصلا فيفيد الإباحة، ولكن ذكر بعده أنه لا يجوز التغليظ بالمكان.
"قوله: ويستحلف اليهودي بالله الذي أنزل التوراة على موسى عليه السلام والنصراني بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى عليه السلام والمجوسي بالله الذي خلق النار والوثني بالله تعالى" لقوله عليه السلام لابن صوريا الأعور
"أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أن حكم الزنا في كتابكم هذا"1؛ ولأن اليهودي يعتقد نبوة موسى عليه السلام والنصراني نبوة عيسى فيغلظ على كل واحد بذكر المنزل على نبيه، وما ذكره من صورة تحليف المجوسي مذكور في الأصل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث أخرجه مسلم في الحدود من حديث البراء بن عازب باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنى "1700" وابن ماجة ف ي سننه كتاب الحدود باب رجم اليهودي واليهودية "2558" وأحمد في "المسند" "5/411".

 

 ج / 7 ص -304-     ولا يحلفون في بيوت عبادتهم, ويحلف على الحاصل أي بالله ما بينكما نكاح قائم وبيع قائم، وما يجب عليك رده، وما هي بائن منك الآن في دعوى النكاح والبيع والغصب والطلاق
_______________
ويروى عن الإمام الأعظم أنه لا يستحلف أحد إلا بالله تعالى خالصا، وذكر الخصاف أنه لا يستحلف غير اليهودي والنصراني إلا بالله، وهو اختيار بعض المشايخ؛ لأن ذكر النار مع اسمه تعالى تعظيم لها، وما ينبغي أن تعظم بخلاف الكتابين؛ لأن كتب الله تعالى معظمة، والوثني لا يحلف إلا بالله تعالى؛ لأن الكفرة بأسرهم يعتقدون الله تعالى قال الله تعالى
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزمر: 38]. وظاهر ما في المحيط أن ما في الكتاب قول محمد، وما ذكره الخصاف قولهما فإن قلت إذا حلف الكافر بالله فقط ونكل عما ذكر هل يكفيه أم لا؟. قلت: لم أره صريحا وظاهر قولهم إنه يغلظ به أنه ليس بشرط، وأنه من باب التغليظ فيكتفى بالله، ولا يقضى عليه بالنكول عن الوصف المذكور، وفي العناية ابن صوريا بالقصر اسم أعجمي وأنشدك أي أحلفك بالله. ا هـ. وذكر ابن الكمال أن الكفرة بأسرهم لا يعتقدون الله تعالى فإن الدهرية منهم لا يعتقدونه، ولا دلالة في قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ} الآية، على ذلك بل؛ لأن الوثني يعبد غير الله تعالى ويعتقد أن الله تعالى خالقه. ا هـ. واليهودي نسبة إلى هود، وهو اسم نبي عربي وسمي بالجمع وبالمضارع من هاد إذا رجع ويقال هم يهود، وهو غير منصرف للعلمية ووزن الفعل وجاز تنوينه، وقيل نسبة إلى يهود بن يعقوب عليهما السلام وتمامه في المصباح، وفيه رجل نصراني بفتح النون وامرأة نصرانية وربما قيل نصران ونصرانية ويقال هو نسبة إلى قرية اسمهما نصرة قاله الواحدي: ولهذا قيل في الواحد نصري على القياس والنصارى جمعه مثل مهري، ومهارى ثم أطلق النصراني على كل من تعبد بهذا الدين. ا هـ. وفيه المجوس أمة من الناس، وهي كلمة فارسية وتمجس دخل في دين المجوس كما يقال تهود أو تنصر إذا دخل في دين اليهود والنصارى. ا هـ. وفيه الوثن الصنم سواء كان من خشب أو حجر أو غيره والجمع وثن مثل أسد وأسد، وأوثان وينسب إليه من يتدين بعبادته على لفظه فيقال رجل وثني. ا هـ.
"قوله، ولا يحلفون في بيوت عبادتهم"؛ لأن القاضي لا يحضرها بل هو ممنوع عن ذلك كذا في الهداية، ولو قال المسلم لا يحضرها لكان أولى لما في التتارخانية يكره للمسلم الدخول في البيعة والكنيسة، وإنما يكره من حيث إنه مجمع الشياطين لا من حيث إنه ليس له حق الدخول والظاهر أنها تحريمية؛ لأنها المرادة عند إطلاقهم، وقد أفتيت بتعزير مسلم لازم الكنيسة مع اليهود.
"قوله: ويحلف على الحاصل أي بالله ما بينكما نكاح قائم وبيع قائم، وما يجب عليك رده، وما هي بائن منك الآن في دعوى النكاح والبيع والغصب والطلاق" يعني، ولا يحلف بالله ما

 

 ج / 7 ص -305-     ..........................
____________
بعت؛ لأنه قد تباع العين ثم يقال فيها، ولا يحلف في النكاح ما نكحت؛ لأنه يطرأ عليه الخلع، ولا في الغصب ما غصبت؛ لأنه ربما رده، وفي الطلاق ما طلقت؛ لأن النكاح قد يجدد بعد الإبانة فيحلف على الحاصل في هذه الوجوه؛ لأنه لو حلف على السبب يتضرر المدعى عليه، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد أما على قول أبي يوسف يحلف في جميع ذلك على السبب إلا إذا عرض بما ذكرنا فحينئذ يحلف على الحاصل، وله معنيان لغوي واصطلاحي هنا فالأول كما في القاموس الحاصل من كل شيء ما بقي وثبت وذهب ما سواه حصل حصولا، ومحصولا. ا هـ. والثاني: تحليفه على صورة إنكار المنكر عندهما وعند أبي يوسف يحلف على السبب، وهو صورة دعوى المدعي، وبيانه إذا ادعى عنده وديعة أو قرضا أو غصبا أو بيعا فهو ينكر ويقول ليس لك علي شيء فعلى قولهما يحلف على صورة إنكاره بالله ليس له عندك شيء، ولا عليك دين وعنده بالله ما أودعه، ولا باعه، ولا أقرضه ذكره الإسبيجابي. وقوله الآن متعلق بالجمع كما أفاده مسكين، ومعنى قوله ويحلف على الحاصل أن الأصل هذا إذا كان سببا يرتفع إلا إذا كان فيه ترك النظر في جانب المدعي فحينئذ يحلف على السبب بالإجماع وذلك مثل أن تدعي مبتوتة نفقة العدة والزوج ممن لا يراها أو ادعى شفعة بالجوار والمشتري لا يراها؛ لأنه لو حلف على الحاصل يصدق في يمينه في معتقده فيفوت النظر في حق المدعي، وإن كان سببا لا يرتفع برافع فالتحليف على السبب بالإجماع كالعبد المسلم إذا ادعى العتق على مولاه بخلاف الأمة والعبد الكافر؛ لأنه يكرر الرق عليها بالردة واللحاق بدار الحرب وعليه ينقض العهد واللحاق، ولا يكرر على العبد المسلم كذا في الهداية، وفي قول المؤلف بالغصب، وما يجب عليك رده قصور والصواب ما في الخلاصة ما يجب عليك رده، ولا مثله، ولا بد له، ولا شيء من ذلك. ا هـ. وكذا في قوله ما هي بائن منك الآن؛ لأنه خاص بالبائن، وأما الرجعي فيحلف بالله ما هي طالق في النكاح الذي بينكما، وأما إذا كانت الدعوى بالطلاق الثلاث فقال الإسبيجابي يحلف بالله ما طلقتها ثلاثا في النكاح الذي بينكما. ا هـ. كما أن إدخال النكاح في المسائل التي يحلف فيها على الحاصل عندهما غفلة من صاحب الهداية والشارحين؛ لأن أبا حنيفة لا يقول بالتحليف في النكاح، ولذا قال الإسبيجابي إنه يحلف في النكاح على قولهما لا على قوله ثم اختلفا فقال محمد يحلف على صورة إنكار المنكر، وقال أبو يوسف على صورة دعوى المدعي. ا هـ. إلا أن يقال إن الإمام فرع على قولهما، وإن كان لا يقول به كتفريعه في المزارعة على قولهما والمذهب في التحليف قولهما، وهو ظاهر الرواية كما في خزانة المفتين، ولذا اختاره أصحاب المتون لكن قال فخر الإسلام إنه مفوض إلى رأي القاضي وعن أبي يوسف أن القاضي ينظر إلى إنكار المدعى عليه إن أنكر السبب كالبيع يحلف

 

 ج / 7 ص -306-     .........................
_________
على السبب، وإن أنكر الحكم يحلف على الحاصل وعليه أكثر القضاة ذكره مسكين، ولم يستوف المؤلف رحمه الله تعالى المسائل المفرعة على هذا الأصل فمنها الأمانة والدين، وقد ذكرناهما.
وفي منية المفتي المدعى عليه الألف يحلف بالله ما له قبلك ما يدعي، ولا شيء منه؛ لأنه قد يكون عليه الألف إلا درهما فيكون صادقا. ا هـ. وفيما ذكره الإسبيجابي في التحليف على الوديعة قصور والصواب ما في خزانة المفتين، وفي دعوى الوديعة إذا لم تكن حاضرة يحلف بالله ما له هذا المال الذي ادعاه في يديك وديعة، ولا شيء منه، ولا له قبلك حق منه؛ لأنه متى استهلكها أو دل إنسانا عليها لا تكون في يديه ويكون عليه قيمتها فلا يكتفى بقوله في يديك بل يضم إليه، ولا له قبلك حق منه احتياطا. ا هـ. ومنها دعوى الملك المطلق فإن كان في ملك منقول حاضر في المجلس يحلف بالله ما هذا العين ملك المدعي من الوجه الذي يدعيه، ولا شيء منه، وإن كان غائبا عن المجلس إن أقر المدعى عليه أنه في يده، وأنكر كونه ملك المدعي كلف إحضاره ليشير إليه، وإن أنكر كونه في يده فإنه يستحلف بعد صحة الدعوى ما لهذا في يديك كذا، ولا شيء منه، ولا شيء عليك، ولا قبلك، ولا قيمته، وهي كذا، ولا شيء منها كذا في خزانة المفتين، ومنها دعوى إجارة الضيعة أو الدار أو الحانوت أو العبد أو دعوى مزارعة في أرض أو معاملة في نخل بالله ما بينك وبين هذا المدعي إجارة قائمة تامة لازمة اليوم في هذا العين المدعى، ولا له قبلك حق بالإجارة التي وصفت كذا في الخزانة، ومنها ما لو ادعت امرأة على زوجها أنه جعل أمرها بيدها، وأنها اختارت نفسها، وأنكر الزوج فالمسألة على ثلاثة أوجه: إما أن ينكر الزوج الأمر والاختيار جميعا، وفيه لا يحلف على الحاصل بلا خلاف؛ لأنه لو حلف ما هي بائن منك الساعة ربما تأول قول بعض العلماء أن الواقع بالأمر باليد رجعي فيحلف على السبب، ولكن يحتاط فيه للزوج بالله ما قلت لها منذ آخر تزوج تزوجتها أمرك بيدك، وما تعلم أنها اختارت نفسها بحكم ذلك الأمر، وإن أقر بالأمر، وأنكر اختيارها يحلف بالله ما تعلم أنها اختارت نفسها، وإن أقر بالاختيار وأنكر الأمر يحلف بالله ما جعلت أمر امرأتك هذه بيدها قبل أن تختار نفسها في ذلك المجلس، وكذا إن ادعت أن الزوج حلف بطلاقها ثلاثا أن لا يفعل كذا، وقد فعل فهو على التفصيل كذا في خزانة المفتين. ومنها أن ما ذكره في حلف البيع قاصر والحق ما في الخزانة من التفصيل فإن المشتري إذا ادعى الشراء فإن ذكر نقد الثمن فادعى عليه يحلف بالله ما هذا العبد ملك المدعي، ولا شيء منه بالسبب الذي ادعى، ولا يحلف بالله ما بعته، وإن لم يذكر المشتري نقد الثمن يقال له أحضر الثمن فإذا حضر استحلفه القاضي بالله ما عليك قبض هذا الثمن وتسليم هذا العبد من الوجه الذي ادعى، وإن شاء حلف بالله ما بينك وبين هذا شراء

 

 ج / 7 ص -307-     وإن ادعى شفعة بالجوار أو نفقة المبتوتة والمشتري أو الزوج لا يراهما يحلف على السبب
_______________
قائم الساعة. والحاصل أن دعوى الشراء مع نقد الثمن دعوى المبيع ملكا مطلقا، وليست بدعوى العقد، ولهذا تصح مع جهالة الثمن فيحلف على ملك المبيع ودعوى البيع مع تسليم المبيع دعوى الثمن معنى، وليست بدعوى العقد، ولهذا تصح مع جهالة المبيع فيحلف على ملك الثمن. ا هـ. ومنها في دعوى الكفالة إذا كانت صحيحة بأن ذكر أنها منجزة أو معلقة بشرط متعارف، وأنها كانت بإذنه أو أجازها في المجلس، وإذا حلفه يحلفه بالله ما له قبلك هذه الألف بسبب هذه الكفالة التي يدعيها حتى لا يتناول كفالة أخرى وكذا إذا كانت كفالة يعرض بالله ما له قبلك هذا الثوب بسبب هذه الكفالة، وفي النفس بالله ما له قبلك تسليم نفس فلان بسبب هذه الكفالة التي يدعيها كذا في خزانة المفتين، ومنها تحليف المستحق قال في خزانة المفتين رجل أعار دابة أو آجرها أو أودعها فجاء مدع، وأقام بينة أنها له لا يقضى له بشيء حتى يحلف بالله ما بعت، ولا وهبت، ولا أذنت فيها، ولا هي خارجة عن ملكك للحال، ومنها إذا ادعى غريم الميت إيفاء الدين له، وأنكر الوارث يحلف ما نعلم أنه قبضه، ولا شيئا منه، ولا برئ إليه منه كذا في خزانة المفتين، وقدمنا كيفية تحليف مدعيه على الميت، وفي جامع الفصولين أقول: قوله: ولا برئ إلى آخره لا حاجة إليه؛ لأنه يدعي الإيفاء لا البراءة فلا وجه لذكره في التحليف. ا هـ. وأجبت عنه فيما كتبناه عليه بجواز أن الميت أبرأه، ولم يعلم المديون؛ لأنه لا يتوقف على قبوله، ومنها في دعوى الإتلاف قال في الخزانة ادعى على آخر أنه خرق ثوبه، وأحضر الثوب معه إلى القاضي لا يحلفه ما خرقت ثم ينظر في الخرق إن كان يسيرا وضمن النقصان يحلف ما له عليك هذا القدر من الدراهم التي تدعي، ولا أقل منه، وإن لم يكن الثوب حاضرا كلفه القاضي بيان قيمته، ومقدار النقصان ثم يترتب عليه اليمين وكذلك هذا في هدم الحائط أو فساد متاع أو ذبح شاة أو نحوه. ا هـ.
ثم اعلم أنه تكرر منهم في بعض صور التحليف تكرار لا في لفظ اليمين خصوصا في تحليف مدعي دين على الميت فإنها تصل إلى خمسة، وفي الاستحقاق إلى أربعة مع قولهم في كتاب الأيمان إن اليمين تتكرر بتكرار حرف العطف مع قوله لا كقوله لا آكل طعاما، ولا شرابا، ومع قولهم هنا في تغليظ اليمين يجب الاحتراز عن العطف؛ لأن الواجب يمين واحدة فإذا عطف صارت أيمانا، ولم أر عنه جوابا بل، ولا من تعرض له، وقد ظهر لي في الجمع.
"قوله: وإن ادعى شفعة بالجوار أو نفقة المبتوتة والمشتري أو الزوج لا يراهما يحلف على السبب" يعني بأن كان كل منهما شافعيا مثلا لما قدمنا من أنه لو حلف على الحاصل يصدق

 

 ج / 7 ص -308-     وعلى العلم لو ورث عبدا فادعاه آخر, وعلى البتات لو وهب له أو اشتراه
_______________
في يمينه في معتقده فيفوت النظر في حق المدعي، وقد استفيد منه أنه لا اعتبار بمذهب المدعى عليه، وأما مذهب المدعي ففيه اختلاف فقيل إنه لا اعتبار به أيضا، وإنما الاعتبار لمذهب القاضي فلو ادعى شافعي شفعة الجوار عند حنفي سمعها، وقيل لا، وقيل يسأله القاضي هل يعتقد وجوبها أو لا، وفي شرح الصدر الشهيد أن الأخير أوجه الأقاويل، وأحسنها. ا هـ. وهذا تصحيح فكان هو المعتمد وذكر الصدر حكاية عن القاضي أبي عاصم أنه كان يدرس والخليفة يحكم فاتفق أن امرأة ادعت على زوجها نفقة العدة فأنكر الزوج فحلفه بالله ما عليك تسليم النفقة من الوجه الذي تدعي فلما تهيأ ليحلف نظرت المرأة إليه فعلم لماذا نظرت إليه فنادى خليفته سل الرجل من أي المحلة هو حتى إن كان من أصحاب الحديث حلفه بالله ما هي معتدة منك؛ لأن الشافعي لا يرى النفقة للمبتوتة، وإن كان من أصحابنا حلفه بالله ما عليك تسليم النفقة إليها من الوجه الذي تدعي نظرا لها. ا هـ. فإن قلت قد راعيتم جانب المدعي وتركتم النظر للمدعى عليه لجواز أنه اشترى، ولا شفعة له بأن سلم أو سكت عن الطلب قلت أشار الصدر إلى جوابه بأن القاضي لا يجد بدا من إلحاق الضرر بأحدهما فكان مراعاة جانب المدعي أولى، وأوجب؛ لأن السبب الموجب للحق له، وهو الشراء إذا أثبت ثبت الحق له وسقوطه إنما يكون بأسباب عارضة فيصح التمسك بالأصل حتى يقوم الدليل على العارض. ا هـ. ولا خصوصية لمسألتي الكتاب فمسألة الإيلاء كذلك كما ذكره الصدر فيحلف على نفس الإيلاء إذا قالت إنه لا يرى الوقوع بمضي المدة. ثم اعلم أن ظاهر ما ذكره الخصاف وتبعه الصدر الشهيد أن معرفة كون المدعي شافعيا ونحوه إنما هي بقول المدعي، ولم أر حكم ما إذا تنازعا في ذلك، وظاهر كلامهما أنه لا اعتبار بقول المدعى عليه.
"قوله: وعلى العلم لو ورث عبدا فادعاه آخر"؛ لأنه لا علم له بما صنع المورث فلا يحلف على البتات أطلقه فشمل ما إذا ادعاه ملكا مطلقا أو بسبب من المورث.
"قوله وعلى البتات لو وهب له أو اشتراه" لوجود المطلق لليمين إذ الشراء سبب لثبوت الملك وضعا وكذا الهبة، ومراده وصوله إليه بسبب اختياري، ولو كان غير الشراء والهبة، ولو قال المؤلف لو ادعى على الوارث عينا أو دينا لكان أولى ليشمل دعوى الدين على الميت وحاصل ما ذكره الصدر في دعوى الدين على الوارث أن القاضي يسأله أولا عن موت أبيه ليكون خصما فإن أقر بموته سأله عن الدين فإن أقر به يستوفيه المدعي من نصيبه فقط، وإن أنكر فبرهن المدعي استوفاه من التركة، وإلا وطلب يمينه استحلفه القاضي على العلم فإن حلف انتهت، وإلا قضي عليه فيستوفي من نصيبه إن أقر بوصوله إليه، وإلا فإن صدقه المدعي فلا

 

 ج / 7 ص -309-     .............................
_________
شيء عليه، وإلا استحلف على البتات ما وصل إليه قدر المال المدعى، ولا بعضه فإن نكل لزمه القضاء، وإلا لا هذا إذا حلف على الدين أو لا فإن حلفه على الوصول أولا فحلف فله تحليفه على الدين ثانيا لاحتمال ظهور مال فكان فيه فائدة منتظرة، ولو أراد المدعي استحلافه على الدين والوصول معا فقيل له ذلك وعامتهم أنه يحلف مرتين، ولا يجمع، وإن أنكر موته حلفه على العلم فإن نكل حلفه على الدين. ا هـ. مختصرا. ودعوى الوصية على الوارث كدعوى الدين فيحلف على العلم لو أنكرها، وإذا تنازعا في كونها ميراثا فقال المدعى عليه ورثتها فاحلف على العلم وكذبه المدعي حلف على البتات؛ لأن سبب الاستحقاق قد تقرر، وهو ظهور الدار في يده، وهو يريد إسقاط يمين البتات فالقول للمدعي فإذا أراد المدعى عليه تحليفه أنه ما يعلم أنها وصلت إليه بالميراث فله ذلك فإن نكل حلف على العلم، وإلا فعلى البتات وتمامه في شرح الصدر. ثم اعلم أن مدعي الدين على الميت إذا ادعى على واحد من الورثة به وحلفه فله أن يحلف الباقي؛ لأن الناس يتفاوتون في اليمين وربما لا يعلم الأول به ويعلم به الثاني، ولو ادعى أحد الورثة دينا على رجل للميت وحلفه ليس للباقي تحليفه؛ لأن الوارث قائم مقام المورث، وهو لا يحلفه إلا مرة كذا في الخانية، وأشار المؤلف رحمه الله إلى أنه يحلف على نفي العلم في فعل الغير وعلى البتات في فعل نفسه، ولهذا حلف عليه السلام اليهود بالله ما قتلتم، ولا علمتم له قاتلا قال الإمام الحلواني هذا الأصل مستقيم في المسائل كلها إلا في الرد بالعيب فإن المشتري إذا ادعى الإباق ونحوه فإن البائع يحلف على البتات مع أنه فعل الغير؛ لأن البائع ضمن له المبيع سالما عن العيوب فالتحليف يرجع إلى ما ضمن بنفسه فيحلف على البتات ألا ترى أن المودع إذا قال إن الوديعة قبضها صاحبها يحلف على البتات وكذا الوكيل بالبيع إذا ادعى قبض الموكل الثمن فإنه يحلف على البتات لادعائه العلم بذلك كذا ذكر الشارح، وفي الخلاصة لو قال إن لم يدخل فلان الدار اليوم فامرأته طالق ثم قال إنه دخل يحلفه على البتات بالله أنه دخل الدار اليوم. ا هـ. مع أنه فعل الغير لكونه ادعى علما به، وفي القنية باع الوصي عبدا فادعى المشتري به عيبا، ولا بينة له يحلف الوصي على البتات والوكيل على العلم؛ لأن العبد في يد الوصي فيعلم بالعيب ظاهرا بخلاف الوكيل. ا هـ. ومما يحلف فيه على نفي العلم ما في القنية، ولو اشترى جارية من رجل فادعت امرأته أنها اشترتها قبل هذا، ولا بينة فلها أن تحلف المشتري على العلم. ا هـ. ومنه ما فيها أيضا قال في حال مرضه ليس لي شيء من دار الدنيا ثم مات عن زوجة وبنت وورثة فللورثة أن يحلفوا زوجته وابنته على أنهما لا يعلمان شيئا من تركة المتوفى بطريقه. ا هـ. وفي البزازية في يده جارية يقول أودعنيها فلان الغائب وبرهن فقال المدعي باعها أو وهبها بعد الإيداع منك, وأنكر المدعى عليه يحلف

 

 ج / 7 ص -310-     ولو افتدى المنكر يمينه أو صالحه منها على شيء صح، ولم يحلف بعده
_______________
بالله ما باعها أو، وهبها منك. في يده عبد ورثه من أمه ادعى آخر أنه كان أودعه من أبيه يحلف على العلم. ا هـ. في كل موضع وجبت اليمين فيه على العلم فحلف على البتات كفى وسقطت عنه وعلى عكسه لا، ولا يقضى بنكوله عما ليس واجبا عليه والبتات بمعنى البت بمعنى القطع وكان اليمين على نفي العلم لا قطع فيها بخلاف الأخرى، وفي بعض كتب الفقه البت بدل البتات، ولم أر فيما عندي من كتب اللغة أن البتات بمعنى القطع، وإنما ذكر في القاموس أن البت بمعنى القطع، وأن البتات الزاد والجهاز، ومتاع البيت والجمع أبتة، ولم يذكره في المصباح والمغرب.
"قوله: ولو افتدى المنكر يمينه أو صالحه منها على شيء صح، ولم يحلف بعده" أما الجواز فلما روي عن عثمان رضي الله عنه أنه "ادعي عليه أربعون درهما فأعطى شيئا وافتدى بيمينه، ولم يحلف"1 وعن حذيفة "أنه افتدى بيمينه بمال"2؛ ولأنه لو حلف يقع في القيل والقال فإن الناس بين مصدق، ومكذب فإذا افتدى بيمينه فقد صان عرضه، وهو حسن قال عليه السلام
"ذبوا عن أعراضكم بأموالكم"3 وذكر الصدر الشهيد أن الاحتراز عن اليمين الصادقة واجب. ا هـ. ومراده ثابت بدليل جواز الحلف صادقا، وإنما لا يحلف بعده؛ لأنه أسقط خصومته بأخذ البدل عنه قيد بالفداء والصلح؛ لأنه لو اشترى بيمينه لم يجز وكان له أن يستحلفه؛ لأن الشراء عقد تمليك المال بالمال واليمين ليست بمال كذا في النهاية وظاهر ما قرره الشارح أن أخذ المال في الفداء والصلح عن اليمين إنما يحل إذا كان المدعي محقا ليكون المأخوذ في حقه بدلا كما في الصلح عن الإنكار فلو كان مبطلا لم يحل والضمير في منها عائد إلى يمينه أي بدلها، وفي شرح مسكين ثم الافتداء قد يكون بمال بمثل المدعى، وقد يكون بأقل منه، وأما الصلح فإنما يكون منه على مال هو أقل من المدعى غالبا كذا في النهاية. ا هـ. قيد بالإسقاط ضمن الافتداء والصلح؛ لأن إسقاطها قصدا غير صحيح لما في دعوى البزازية آخر الرابع عشر قال المدعي برئت من الحلف أو تركت عليه الحلف أو وهبت لا يصح، وله التحليف بخلاف البراءة عن المال؛ لأن التحليف للحاكم. ا هـ. والله أعلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في "نصب الراية" "4/103".
2 ذكره الزيلعي في "نصب الراية" "4/104".
3 ذكره العجلوني في "كشف الخفاء" "1/416" والمتقي الهندي في "كنز العمال" "15597".

 

 ج / 7 ص -311-     باب التحالف
اختلفا في قدر الثمن أو المبيع قضي لمن برهن, وإن برهنا فللمثبت الزيادة
_______________
باب التحالف
لما ذكر حكم يمين الواحد ذكر حكم يمين الاثنين إذ الاثنان بعد الواحد والتحالف قال في القاموس تحالفوا تعاهدوا. ا هـ. وفي المصباح الحليف المعاهد، يقال منه تحالفا إذا تعاهدا أو تعاقدا على أن يكون أمرهما واحدا في النصرة والحماية. ا هـ. وليس بمراد هنا، وإنما المراد حلف المتعاقدين عند الاختلاف.
"قوله: اختلفا في قدر الثمن أو المبيع قضي لمن برهن" أي اختلف البائع والمشتري في قدر أحدهما، وأقام أحدهما بينة قضي له؛ لأن في الجانب الآخر مجرد الدعوى، والبينة أقوى منها، وفي المصباح البرهان الحجة، وإيضاحها قيل النون زائدة، وقيل أصلية وحكى الأزهري القولين فقال في باب الثلاثي النون زائدة، وقوله برهن فلان مولد والصواب أن يقال أبره إذا جاء بالبرهان كما قال ابن الأعرابي، وقال في باب الرباعي برهن إذا أتى بحجته. ا هـ. اعلم أنه يدخل في الثمن رأس المال، وفي المبيع المسلم فيه، وقدمنا في بابه أنهما يتحالفان إذا اختلفا في جنسه أو نوعه أو صفته أو قدر رأس المال أو المسلم فيه ويتحالفان ويفسخ السلم ويدخل أيضا ما في الكافي عبد قطع عند البائع فقال البائع قطعه المشتري قبل البيع، ولي عليه نصف القيمة وكل الثمن، وقال المشتري قطعه البائع بعد البيع، ولي الخيار بين أخذه بنصف الثمن أو تركه، ولا بينة تحالفا فإن حلفا أخذه المشتري بكل ثمنه أو ترك، وإن برهنا فلمشتريه، وإن اتفقا أن قاطعه بائعه أو مشتريه أو أجنبي وادعاه البائع قبل البيع والمشتري بعده فالقول والبينة لمشتريه. ا هـ. ويدخل في الاختلاف في المبيع ما في الكافي ادعى أنه باعه هذا العبد بمائة دينار وقال المشتري ما اشتريت إلا نصفه بخمسمائة درهم فالقول لمشتريه في النصف وتحالفا في النصف فيحلف المشتري في النصفين يمينا واحدة فإن نكل لزمه البيع بمائة دينار، وإن حلف لم يثبت البيع في أحد النصفين ويحلف بائعه فإن نكل لزمه البيع بخمسمائة، وإن حلف فسخ البيع وتمامه فيه.
"قوله: وإن برهنا فللمثبت الزيادة"؛ لأن البينات للإثبات، ولا تعارض في الزيادة أشار المؤلف إلى أنهما لو اختلفا في الثمن والمبيع فبينة البائع أولى في الثمن وبينة المشتري أولى في المبيع نظرا إلى زيادة الإثبات، ولو حذف القدر لكان أولى؛ لأن الاختلاف في وصف الثمن

 

 ج / 7 ص -312-     وإن عجزا، ولم يرضيا بدعوى أحدهما تحالفا
_____________
والجنس كذلك كما في الهداية في بيان الاختلاف في الأجل وسيأتي له مزيد. ا هـ. اختلفا في جنس الثمن، وأقاما البينة فالبينة بينة من لا اتفاق على قوله فلو قال البائع بعتك هذه الجارية بعبدك هذا، وقال المشتري اشتريتها منك بمائة دينار، وأقاما البينة فبينة البائع أولى كذا في النهاية.
"قوله، وإن عجزا، ولم يرضيا بدعوى أحدهما تحالفا" أي استحلف الحاكم كل واحد منهما على دعوى صاحبه فإن كان قبل القبض فهو قياسي؛ لأن كلا منهما منكر، وأما بعده فاستحساني فقط؛ لأن المشتري لا يدعي شيئا؛ لأن المبيع سالم له بقي دعوى البائع في زيادة الثمن والمشتري ينكره فيكتفي بحلفه لكنا عرفناه بالنص، وهو قوله عليه الصلاة والسلام
"إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة بعينها تحالفا وترادا"1 قيد بعدم رضاهما للإشارة إلى أن القاضي يقول لكل منهما إما أن ترضى بدعوى صاحبك، وإلا فسخناه؛ لأن المقصود قطع المنازعة، وهذا جهة فيه؛ لأنه ربما لا يرضيان بالفسخ فإذا علما به يتراضيان، ولو قال: ولم يرض واحد منهما بدعوى صاحبه بدل قوله، ولم يرضيا لكان أولى؛ لأن شرط التحالف عدم رضا واحد لا عدم رضا كل منهما كما لا يخفى. وأشار بعجزهما إلى أن البيع ليس فيه خيار لأحدهما، ولهذا قال في الخلاصة إذا كان للمشتري خيار الرؤية أو خيار عيب أو خيار شرط لا يتحالفان. ا هـ. والبائع كالمشتري فالمقصود أن من له الخيار متمكن من الفسخ فلا حاجة إلى التحالف، ولكن ينبغي أن البائع إذا كان يدعي لزيادة الثمن، وأنكرها المشتري فإن خيار المشتري يمنع التحالف، وأما خيار البائع فلا، ولو كان المشتري يدعي زيادة المبيع والبائع ينكرها فإن خيار البائع يمنعه لتمكنه من الفسخ، وأما خيار المشتري فلا هذا ما ظهر لي تخريجا لا نقلا، وفي الخلاصة معزيا إلى الفتاوى رجل اشترى عبدا ثم اختلف البائع والمشتري في الثمن فقال البائع إن كنت بعته إلا بألف درهم فهو حر، وقال المشتري إن كنت اشتريته إلا بخمسمائة درهم فهو حر فالبيع لازم، ولا يعتق العبد ويلزمه من الثمن ما أقر به المشتري؛ لأنه منكر للزيادة؛ لأن البائع أقر أن العبد قد عتق فلا يمكن نقضه بعد العتق، ولا يعتق؛ لأن المشتري منكر للعتق. ا هـ. وقيد بالاختلاف في القدر؛ لأنهما لو اختلفا فقال البائع بعته بالميتة، وقال المشتري اشتريته بالدراهم فالقول قول البائع؛ لأنه إنكار للبيع كما لو قال طلقت، وأنا صبي كذا في الخلاصة، ومن الاختلاف في القدر ما في الخلاصة معزيا إلى المحيط قال أبو سليمان سمعت أبو يوسف فيمن باع طعاما بعينه بعشرة، وقال بعتك جزافا بعشرة، وقال المشتري اشتريت مكايلة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في "نصب الراية" "4/106".

 

 ج / 7 ص -313-     وبدأ بيمين المشتري
____________
يتحالفان وكذا كل ما يكال أو يوزن، ولو كان هذا في ثوب فقال بعت، ولم أسم ذراعا، وقال المشتري اشتريت مذارعة القول قول البائع، ولو قال اشتريت على أنه كذا وكذا ذراعا كل ذراع بدرهم، وقال البائع لم أسم ذراعا فالقول قول المشتري ويتحالفان ويترادان على قول أبي يوسف ومحمد. ا هـ. وفي البزازية اشترى مزبلة بخمسمائة ثم ادعى أنه اشترى الأرض أيضا والبائع يدعي أنه باع الكناسة فقط يحكم الثمن؛ إن صلح لهما قضي بهما، وإن مثله لا يكون إلا ثمن الكناسة قضي بها فقط لا الأرض وكذا الحكم في الرواية مع الماء وعن محمد فيمن له أجمة تساوي ألفا، وفيها قصب يساوي ألفا فباع الأجمة بعشرة آلاف ثم ادعى المشتري وقوع العقد على الأصل والبائع وقوع العقد على القصب أن العقد يفسد، ولو اشترى سرجا وادعى أنه اشتراه بركابه أو خاتما وادعى أنه بفصه، وأنكر البائع يتحالفان ويترادان، والبقالي اختلفا في الثياب والجراب والنخلة والرطب وادعى البائع أحدهما والمشتري كليهما يحكم الثمن فإذا استويا في العادة لم يجز وعن الإمام فيمن اشترى عبدا بألف، وقبضه، وقبض البائع الثمن ثم زعم المشتري أنه كان مع العبد أمة بعينها دخلت في البيع، وأنكره البائع يحلف بالله ما باعه الأمة معه، ولا يرد شيئا من الثمن، وقال الثاني بعد الحلف يرد عليه حصة الأمة من الثمن في الاستحسان وكذا في كل ما يكون مثله في البيع فإذا كان شيئا لا يكون مثله في البيع لا يصدق. ا هـ. وبهذا ظهر أن التحالف عند اختلافهما في قدر المبيع عند عدم تحكيم الثمن أما إذا حكم الثمن فلا تحالف والظاهر أن تحكيم الثمن خارج عن ظاهر الرواية فلا يعتمد عليه في المذهب. ثم اعلم أن التحالف في البيع لم ينحصر في الاختلاف في الثمن أو المبيع بل يجري في كل موضع يكون كل منهما مدعيا أو منكرا لما ذكره في الكافي باع أمة وتقابضا فقال البائع هي لزيد أمرني ببيعها، وقال زيد بعتها منك بمائة دينار، وقبضتها وبعت ملكك فهي للمشتري وتحالفا؛ لأن البائع يدعي الأمر بالبيع والمقر له ينكر والمقر له يدعي عليه الثمن، وهو ينكر، وإن حلفا فإن جهلت أنها للمقر له وكذبهما المشتري ضمن المقر قيمتها للمقر له، وإن كانت معروفة أنها للمقر له لا ضمان. ا هـ.
"قوله: وبدأ بيمين المشتري"، وهذا قول محمد وأبي يوسف آخرا، وهو رواية عن أبي حنيفة، وهو الصحيح؛ لأن المشتري أشدهما إنكارا؛ لأنه يطالب أولا بالثمن أو؛ لأنه يتعجل فائدة النكول، وهو إلزام الثمن، ولو بدأ بيمين البائع تتأخر المطالبة بتسليم المبيع إلى زمان استيفاء الثمن وكان أبو يوسف رحمه الله تعالى يقول أولا يبدأ بيمين البائع لقوله عليه السلام
"إذا اختلف المتبايعان فالقول ما قاله البائع"1 خصه بالذكر، وأقل فائدته التقديم أطلقه، وهو مقيد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الطبراني في "الكبير" "10/174".

 

 ج / 7 ص -314-     وفسخ القاضي بطلب أحدهما فلا ينفسخ البيع بحلفهما, ومن نكل لزمه دعوى الآخر, وإن اختلفا في الأجل أو في شرط الخيار أو في قبض بعض الثمن أو بعد هلاك المبيع أو بعضه أو في بدل الكتابة أو في رأس المال بعد إقالة السلم لم يتحالفا والقول للمنكر مع يمينه
_________________
ببيع العين بالدين أما في بيع العين بالعين أو الدين بالدين فالقاضي مخير للاستواء وصفة اليمين أن يحلف البائع بالله تعالى ما باعه بألف ويحلف المشتري بالله ما اشتراه بألفين، وقال في الزيادات يحلف بالله ما باعه بألف، ولقد باعه بألفين ويحلف المشتري بالله ما اشتراه بألفين، ولقد اشتراه بألف يضم الإثبات إلى النفي تأكيدا والأصح الاقتصار على النفي؛ لأن الأيمان على ذلك وضعت دل عليه حديث القسامة بالله ما قلتم، ولا علمتم له قاتلا، وفي شرح التلخيص من باب الاختلاف فيما يجب للبائع على المشتري وبالعكس مسألة الأصح فيها تقديم يمين البائع.
"قوله: وفسخ القاضي بطلب أحدهما فلا ينفسخ البيع بحلفهما"؛ لأنه لم يثبت ما ادعاه كل واحد منهما فيبقى بيع مجهول فيفسخه القاضي قطعا للمنازعة أو يقال إذا لم يثبت البدل يبقى بيعا بلا بدل، وهو فاسد، ولا بد من الفسخ في فاسد البيع فلو كان المبيع جارية فللمشتري وطؤها، ولو فسد بنفس التحالف لم يحل له كذا في النهاية معزيا إلى المبسوط، وقيد بطلب أحدهما؛ لأنه لا يفسخه بدون طلب أحدهما كذا في المعراج وظاهر ما ذكره الشارحون أنهما لو فسخاه انفسخ بلا توقف على القاضي، وإن فسخ أحدهما لا يكتفي، وإن اكتفى بطلب أحدهما.
"قوله: ومن نكل لزمه دعوى الآخر"؛ لأنه جعل باذلا فلم يبق في دعواه معارضا لدعوى الآخر فلزم القول بثبوته، وهذا كله إذا كان الاختلاف في البدل مقصودا فإن كان في ضمن شيء كاختلافهما في الزق فلا تحالف والقول للمشتري في أنه الزق؛ لأنه اختلاف في المقبوض والقول فيه قول القابض وتقدم بيانه في البيع الفاسد، ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى حكم الاختلاف في الوصف، وفيه تفصيل فإن كان في وصف الثمن تحالفا، وإن كان في وصف المبيع كما لو قال المشتري اشتريت هذا العبد على أنه كاتب أو خباز فقال البائع لم أشترط فالقول للبائع، ولا تحالف كذا في الظهيرية.
"قوله: وإن اختلفا في الأجل أو في شرط الخيار أو في قبض بعض الثمن أو بعد هلاك المبيع أو بعضه أو في بدل الكتابة أو في رأس المال بعد إقالة السلم لم يتحالفا والقول للمنكر مع يمينه" أما الاختلاف في الأجل والشرط والقبض فلأنه اختلاف في غير المعقود عليه والمعقود به فأشبه الاختلاف في الحط والإبراء، وهذا؛ لأن بانعدامه لا يختل ما به قوام العقد بخلاف الاختلاف في وصف الثمن أو جنسه حيث يكون بمنزلة الاختلاف في القدر في

 

 ج / 7 ص -315-     ..............................
__________
جريان التحالف؛ لأن ذلك يرجع إلى نفس الثمن فإن الثمن دين، وهو يعرف بالوصف، ولا كذلك الأجل؛ لأنه ليس بوصف. ألا ترى أن الثمن موجود بعد مضيه فالقول لمنكر الخيار والأجل مع يمينه؛ لأنهما يثبتان بعارض الشرط، والقول لمنكر العوارض فقد جزموا هنا بأن القول لمنكر الخيار كما علمت وذكروا في خيار الشرط فيه قولين قدمناهما في بابه والمذهب ما ذكروه هنا ويستثنى من الاختلاف في الأجل ما لو اختلفا في الأجل في السلم بأن ادعاه أحدهما ونفاه الآخر فإن القول فيه لمدعيه عند الإمام؛ لأنه فيه شرط وتركه فيه مفسد للعقد، وإقدامهما عليه يدل على الصحة فكان القول لمدعيه؛ لأن الظاهر يشهد له بخلاف ما نحن فيه؛ لأنه لا تعلق له بالصحة والفساد فيه فكان القول لنافيه، ولهذا لو شهد أحدهما بالبيع بألف إلى شهر وشهد الآخر أنه باعه بألف، ولم يذكر الأجل تقبل كما لو شهد أحدهما أنه باعه بشرط الخيار إلى ثلاث، ولم يذكر الآخر الخيار، ولو كان وصفا للثمن لما قبل، كذا ذكر الشارح أطلق الاختلاف في الأجل فشمل الاختلاف في أصله، وفي قدره فالقول لمنكر الزائد بخلاف ما لو اختلفا في مقدار الأجل في السلم فإنهما يتحالفان كما قدمناه في بابه وخرج الاختلاف في مضيه فإن القول فيه للمشتري؛ لأنه حقه، وهو منكر استيفاء حقه كذا في النهاية.
وفي الظهيرية من البيوع من الفصل الثالث. قال محمد بن الحسن في رجلين تبايعا شيئا واختلفا في الثمن فقال المشتري اشتريت هذا الشيء بخمسين درهما إلى عشرين شهرا على أن أؤدي إليك كل شهر درهمين ونصف ا، وقال البائع بعتكه بمائة درهم إلى عشرة أشهر على أن تؤدي إلي كل شهر عشرة دراهم، وأقاما البينة قال محمد تقبل شهادتهما ويأخذ البائع من المشتري ستة أشهر كل شهر عشرة، وفي الشهر السابع سبعة ونصفا ثم يأخذ بعد ذلك كل شهر درهمين ونصفا إلى أن تتم له مائة؛ لأن المشتري أقر له بخمسين درهما على أن يؤدي إليه كل شهر درهمين ونصفا وبرهن دعواه بالبينة، وأقام البائع البينة بزيادة خمسين على أن يأخذ من هذه الخمسين مع ما أقر له به المشتري في كل شهر عشرة فالزيادة التي يدعيها البائع في كل شهر سبعة ونصف، وما أقر به المشتري له في كل شهر درهمان ونصف فإذا أخذ في كل شهر عشرة فقد أخذ في كل ستة أشهر مما ادعاه خمسة وأربعين، ومما أقر به المشتري خمسة عشر بقي إلى تمام ما يدعيه من الخمسين خمسة فيأخذها البائع مع ما يقر به المشتري في كل شهر وذلك سبعة ونصف ثم يأخذ بعد ذلك في كل شهر درهمين ونصفها إلى عشرين شهرا حتى تتم المائة، وهذه مسألة عجيبة يقف عليها من أمعن النظر فيما ذكرناه. ا هـ.
وفي كافي المصنف اشترى عبدين صفقة أو صفقتين أحدهما بألف حال والآخر بألف مؤجل إلى سنة فرد أحدهما بعيب فقال المشتري ثمن المردود حال، وقال البائع مؤجل فالقول

 

 ج / 7 ص -316-     ..................................
__________
للبائع، ولم يتحالفا؛ لأنه اختلاف في الأجل وكذا لو اشتراهما بمائة في صفقة وقبضهما، ومات أحدهما في يده ورده الآخر بعيب واختلفا في قيمة المردود فالقول للبائع، ولو كان ثمن أحدهما دراهم وثمن الآخر دنانير، وقبضهما البائع واختلفا في ثمن الباقي بعد رد أحدهما بالعيب فقال المشتري ثمنه دراهم فرد لي الدنانير وعكس البائع فالقول للمشتري مع يمينه إن ماتا، ولا تحالف خلافا لمحمد، وإن كانا قائمين تحالفا إجماعا. وكذا إذا اختلفا في الصفقة فادعى البائع اتحاد الثمن والمشتري تعدده فالقول للمشتري، وفي القنية لو اختلفا في خيار الشرط، وأقاما البينة فبينة مدعي خيار الشرط أولى. ا هـ. والاختلاف في قدره كالاختلاف في أصله كذا في المعراج والتقييد بقبض بعض الثمن اتفاقي إذ الاختلاف في قبض كله كذلك، وهو قبول قول البائع، وإنما لم يذكره باعتبار أنه مفروغ عنه بمنزلة سائر الدعاوى كذا في النهاية وأشار بالأجل والخيار إلى الاختلاف في شرط الرهن أو شرط الضمان أو العهدة بالمال فلا تحالف والقول للمنكر كما في المعراج وبالاختلاف في قبض الثمن إلى الاختلاف في حط البعض أو إبراء الكل كما في المعراج أيضا. وأما إذا اختلفا بعد هلاك المبيع فلا تحالف عندهما والقول قول المشتري إلا إذا استهلكه في يد البائع غير المشتري كما سنذكره عند قوله، وإن اختلفا في مقدار الثمن بعد الإقالة، وقال محمد يتحالفان ويفسخ البيع على قيمة الهالك وعلى هذا إذا خرج المبيع عن ملكه أو صار بحال لا يقدر على رده بالعيب له أن كل واحد منهما يدعي غير العقد الذي يدعيه صاحبه والآخر ينكره، وأنه يفيد دفع زيادة الثمن فيتحالفان كما إذا اختلفا في جنس الثمن بعد هلاك السلعة، ولهما أن التحالف بعد القبض على خلاف القياس لما أنه سلم للمشتري ما يدعيه، وقد ورد الشرع به في حال قيام السلعة والتحالف فيه يفضي إلى الفسخ، ولا كذلك بعد هلاكها لارتفاع العقد فلم يكن في معناه؛ ولأنه لا يبالي بالاختلاف في السبب بعد حصول المقصود، وإنما يراعى من الفائدة ما يوجب العقد، وفائدة دفع زيادة الثمن ليست من موجباته، وهذا إذا كان الثمن دينا فإن كان عينا يتحالفان؛ لأن المبيع كل منهما فكان قائما ببقاء المعقود عليه فيرده ويرد الآخر مثل الهالك إذا كان مثليا، وقيمته إن كان قيميا بخلاف ما إذا اختلفا في جنس الثمن بأن ادعى أحدهما أنه دراهم والآخر أنه دنانير؛ لأنهما لم يتفقا على ثمن فلا بد من التحالف للفسخ، وهنا اتفقا عليه، وهو كاف للصحة. وبهذا علم أن الاختلاف في جنس الثمن كالاختلاف في قدره إلا في مسألة هي ما إذا كان المبيع هالكا، وفي الظهيرية إبراهيم عن محمد في رجل اشترى تبنا في موضعين بكذا درهما، وقبض تبن أحد الموضعين وذهب الريح بتبن الموضع الآخر واختلفا في مقدار ما قبض، وما ذهب فإن كان ما قبض قائما تحالفا أو ترادا، وإن كان مستهلكا فالقول قول المشتري في قياس قول أبي

 

 ج / 7 ص -317-     ..............................
______________
حنيفة، وقال محمد يتحالفان ويرد المشتري مثل ما أخذ من التبن والقول فيه قوله. ا هـ. وفي إيضاح الكرماني لو اختلفا بعد هلاك الجارية في يد المشتري فادعى البائع أن الثمن عين، وهو هذا العبد أو ادعى المشتري أن الثمن عين وادعى البائع أن الثمن دين لم ينظر إلى دعوى البائع، وإنما ينظر إلى دعوى المشتري؛ لأن المبيع في جانب البائع هلك فكان القول في الثمن قول المشتري فإن أقر بالدين فالقول قوله: وإن أقر بالعين يتحالفا؛ لأن المبيع في جانبه قائم، ولو تحالفا، وقد هلك أحد العوضين في يد الآخر رد مثله إن كان مثليا، وقيمته إن لم يكن له مثل؛ لأن العقد قد انفسخ فبقي مقبوضا من غير عقد فصار كالغاصب. ا هـ.
وفي كافي المصنف ادعى شراء أمة قبضها، وماتت بألف وبهذا الوصيف، وقيمته خمسمائة، وقال البائع بعت بألفين حلف المشتري في ثلثي الأمة وتحالفا في ثلثها وبعكسه حلف المشتري، وفيه اختلفا في موت المبيع عند أحدهما فبرهن البائع أنه مات عند المشتري بعد القبض وبرهن المشتري أنه مات في يد البائع قبل القبض فالبينة لبائعه، وإن وقفا فلا سابق والقتل كالموت، ولو برهن المشتري أن البائع قتله بعد البيع بيوم فبرهن البائع أن المشتري قتله بعد البيع بيومين فالبينة للمشتري للسبق ا هـ. وأما إذا اختلفا أي المولى والمكاتب في بدل الكتابة أي في قدره فعدم التحالف في قول الإمام الأعظم والقول للعبد مع يمينه وقالا يتحالفان وتفسخ الكتابة كالبيع بجامع قبول الفسخ، وله أن التحالف في المعاوضات اللازمة وبدل الكتابة غير لازم على المكاتب مطلقا فلم تكن في معنى البيع؛ ولأن فائدته النكول ليقضى عليه والمكاتب لا يقضى عليه به، وإن أقام أحدهما بينة قبلت، وإن أقاماها فبينة المولى أولى لإثباتها الزيادة لكن يعتق بأداء قدر ما برهن عليه، ولا يمنع وجوبه بدل الكتابة بعد عتقه كما لو كاتبه على ألف على أنه إن أدى خمسمائة عتق وكما لو استحق البدل بعد الأداء. وأما إذا اختلفا أي رب السلم والمسلم إليه بعد إقالة عقد السلم في مقدار رأس المال لم يتحالفا والقول للمسلم إليه مع يمينه، ولا يعود السلم؛ لأن الإقالة في باب السلم لا تحتمل النقض؛ لأنه إسقاط فلا يعود بخلاف البيع كما سيأتي وينبغي أخذا من تعليلهم أنهما لو اختلفا في جنسه أو نوعه أو صفته بعدها فالحكم كذلك، ولم أره صريحا. واعلم أن حكم رأس المال بعد الإقالة كحكمه قبلها فلا يجوز الاستبدال به بعدها إلا في مسألتين لا تحالف إذا اختلفا فيه بعدها بخلاف ما قبلها، ولا يشترط لصحتها قبضه قبل الافتراق بخلاف ما قبلها، وهذه قدمناها في بابه، وقيد بالاختلاف بعدها؛ لأنهما لو اختلفا قبلها في قدره تحالفا كالاختلاف في جنسه ونوعه وصفته كالاختلاف في المسلم فيه في الوجوه الأربعة على ما قدمناه، وقد علم من تقريرهم هنا أن الإقالة تقبل الإقالة إلا في إقالة السلم، وأن الإبراء لا يقبلها، وقد كتبناه في الفوائد.

 

 ج / 7 ص -318-     وإن اختلفا في مقدار الثمن بعد الإقالة تحالفا, وإن اختلفا في المهر قضي لمن, وإن برهنا فللمرأة, وإن عجزا تحالفا، ولم يفسخ النكاح, بل يحكم مهر المثل فيقضى بقوله لو كان كما قال أو أقل وبقولها لو كان كما قالت أو أكثر وبه لو بينهما
______________
"قوله: وإن اختلفا في مقدار الثمن بعد الإقالة تحالفا" أي اختلف البائع والمشتري في مقداره بأن قال المشتري كان الثمن ألفا، وقال البائع خمسمائة، ولا بينة لهما فإنهما يتحالفان ويعود البيع الأول، أطلقه، وهو مقيد بما إذا كان كل من المبيع والثمن مقبوضا، ولم يرده المشتري إلى بائعه فأما إذا رد المشتري المبيع إليه بحكم الإقالة فلا تحالف عند أبي حنيفة وأبي يوسف خلافا لمحمد؛ لأنه يرى النص معلولا بعد القبض أيضا، وهما قالا كان ينبغي أن لا تحالف مطلقا؛ لأنه إنما ثبت في البيع المطلق بالسنة والإقالة فسخ في حقهما إلا أنه قبل القبض على وفق القياس فوجب القياس عليه كما قسنا الإجارة على البيع قبل القبض والوارث على العاقد والقيمة على العين فيما إذا استهلكه في يد البائع غير المشتري.
"قوله: وإن اختلفا في المهر قضي لمن برهن" أي الزوجان لو اختلفا في المهر قضي لمن برهن؛ لأنه فور دعواه بالحجة.
"قوله: وإن برهنا فللمرأة" فإنها تثبت الزيادة أطلقه، وهو مقيد بما إذا كان مهر المثل يشهد للزوج بأن كان مثل ما يدعي الزوج أو أقل؛ لأن بينتها أثبتت خلاف الظاهر، وأما إذا كان يشهد لها بأن كان مثل ما تدعيه أو أكثر فبينته أولى لإثباتها الحط، وهو خلاف الظاهر، وإن كان لا يشهد لكل منهما بأن كان بينهما فالصحيح التهاتر ويجب مهر المثل، وأطلق الاختلاف في المهر فشمل ما إذا اختلفا في قدره كألف، وألفين أو في جنسه كقوله هو هذا العبد، وقالت هذه الجارية إلا في فصل واحد، وهو أنه إذا كان مهر مثلها قيمة الجارية أو أكثر فلها قيمة الجارية لا عينها كما في الظهيرية والهداية، ولم يذكر حكمه بعد الطلاق قبل الدخول وحكمه كما في الظهيرية أن لها نصف ما ادعاه الزوج، وفي مسألة العبد والجارية لها المتعة إلا أن يتراضيا على أن تأخذ نصف الجارية. ا هـ.
"قوله: وإن عجزا تحالفا، ولم يفسخ النكاح"؛ لأن أثر التحالف في انعدام التسمية، وأنه لا يخل بصحة النكاح؛ لأن المهر تابع فيه بخلاف البيع؛ لأن عدم التسمية يفسده على ما مر فيفسخ، ولم يذكر المؤلف البداءة بيمين من، وفي الظهيرية ويبدأ بيمين الزوج؛ لأن أول التسليمين عليه فيكون أول اليمينين عليه. ا هـ.
"قوله: بل يحكم مهر المثل فيقضى بقوله لو كان كما قال أو أقل وبقولها لو كان كما قالت أو أكثر وبه لو بينهما"، وهذا أعني التحالف أولا ثم التحكيم قول الكرخي؛ لأن مهر

 

 ج / 7 ص -319-     ولو اختلفا في الإجارة قبل الاستيفاء تحالفا, وبعده لا والقول قول المستأجر, والبعض معتبر بالكل
______________
المثل لا اعتبار به مع وجود التسمية وسقوط اعتبارها بالتحالف فلهذا يقدم في الوجوه كلها، وأما على تخريج الرازي فالتحكيم قبل التحالف، وقد قدمناه في المهر مع بيان اختلاف التصحيح وخلاف أبي يوسف.
"قوله: ولو اختلفا في الإجارة قبل الاستيفاء تحالفا"؛ لأن التحالف في البيع قبل القبض على وفق القياس والإجارة قبل الاستيفاء نظيره أطلقه فشمل الاختلاف في البدل أو المبدل كما في الهداية، ومع القصار كما في منية المفتي، ولا يشمل ما إذا ادعى المالك الأجر ونفاه الساكن والقول للمستأجر وكذا إذا نزل الخان واختلفا والفتوى على وجوب الأجر إلا إذا عرف بخلافه وتمامه في البزازية، وفي التهذيب الاختلاف في قدر المدة يوجب التحالف. ا هـ. فإن وقع الاختلاف في الأجرة بدأ بيمين المستأجر لكونه منكرا وجوبها، وإن وقع في المنفعة بدأ بيمين المؤجر، وأيهما نكل لزمه دعوى صاحبه، وأيهما برهن قبل فإن برهنا فبينة المؤجر أولى في الأجرة وبينة المستأجر أولى في المنافع، وإن كان الاختلاف فيهما قبلت بينة كل منهما فيما يدعيه من الفضل نحو أن يدعي هذا شهرا بعشرة والمستأجر شهرين بخمسة فيقضى بشهرين بعشرة.
"قوله: وبعده لا والقول قول المستأجر" أي لو اختلفا بعد الاستيفاء فلا تحالف، وهذا عندهما ظاهر؛ لأن هلاك المعقود عليه يمنع التحالف عندهما وكذا على أصل محمد؛ لأن الهلاك إنما لا يمنع عنده في المبيع لما أن له قيمة تقوم مقامه فيتحالفان عليها، ولو جرى التحالف ها هنا، وفسخ العقد فلا قيمة؛ لأن المنافع لا تتقوم بنفسها بل بالعقد وتبين أنه لا عقد، وإذا امتنع فالقول للمستأجر مع يمينه؛ لأنه هو المستحق عليه، ونظير هذه المسألة في التفصيل إجارة الفضولي إن أجازها المالك قبل الاستيفاء فالأجرة له، وإن بعده فللعاقد، وإن في بعض المدة فالماضي للعاقد والمستقبل للمالك كما في منية المفتي.
"قوله والبعض معتبر بالكل" يعني لو اختلفا بعد استيفاء البعض تحالفا، وفسخ العقد فيما بقي وكان القول في الماضي قول المستأجر؛ لأن العقد ينعقد ساعة فساعة فيصير في كل جزء من المنفعة كأنه ابتداء العقد عليها بخلاف البيع؛ لأن العقد فيه دفعة واحدة فإذا تعذر في البعض تعذر في الكل، وفي إجارات البزازية المستأجر إن كان هو المدعي فهو يدعي العقد قبل مضي المدة وبعدها، وإن الآجر فهو مدع قبل قبضها وبعد المضي فهو مدعي العين. ا هـ. ثم اعلم أن المراد بالاستيفاء التمكن منه في المدة وبعدمه عدمه لما عرف أنه قائم مقامه في وجوب

 

 ج / 7 ص -320-     وإن اختلف الزوجان في متاع البيت فالقول لكل واحد منهما فيما يصلح له
_______________
الأجر، ومن فروع التنازع في الإجارة ما في منية المفتي ادعى اثنان عينا أحدهما إجارة والآخر شراء فأقر المدعى عليه للمستأجر فلمدعي الشراء أن يحلفه على دعوى الشراء، ولو ادعيا إجارة فأقر لأحدهما ليس للآخر أن يحلفه، آجر دابة بعينها من رجل ثم من آخر فأقام الأول بينة فإن كان الآجر حاضرا تقبل عليه البينة وإن كان مقرا بما يدعي عليه هذا المدعي، وإن كان غائبا لا تقبل. ا هـ.
"قوله: وإن اختلف الزوجان في متاع البيت فالقول لكل واحد منهما فيما يصلح له"؛ لأن الظاهر شاهد له والمتاع لغة كل ما ينتفع به كالطعام والبر، وأثاث البيت، وأصله ما ينتفع به من الزاد، وهو اسم من متعته بالتثقيل إذا أعطيته ذلك والجمع أمتعة كذا في المصباح، ومرادهم من المتاع هنا ما كان في البيت، ولو ذهبا أو فضة كما سيأتي في المشكل قالوا والصالح له العمامة والقباء والقلنسوة والطيلسان والسلاح والمنطقة والكتب والفرس والدرع الحديد فالقول في ذلك له مع يمينه، وما يصلح لها الخمار والدرع والأساورة وخواتم النساء والحلي والخلخال ونحوها فالقول لها فيها مع اليمين قالوا إلا إذا كان الزوج يبيع ما يصلح لها فالقول له لتعارض الظاهرين، وكذا إذا كانت تبيع ما يصلح له لا يقبل قوله لما ذكرنا. وفي الخانية: ولو اختلفا في متاع النساء، وأقاما البينة يقضى للزوج أطلق الزوجين فشمل المسلمين والمسلم مع الذمية والحرين والمملوكين والمكاتبين كما في البدائع والزوجين الكبيرين والصغيرين إذا كان الصغير يجامع كما في خزانة الأكمل، وأما إذا كان أحدهما حرا والآخر مملوكا فسيأتي وشمل اختلافهما حال بقاء النكاح، وما بعد الفرقة كما في الكافي، وما إذا كان البيت ملكا لهما أو لأحدهما خاصة كما في خزانة الأكمل؛ لأن العبرة لليد لا للملك كذا في البدائع. وفي القنية من باب ما يتعلق بتجهيز البنات: افترقا، وفي بيتها جارية نقلتها مع نفسها واستخدمتها سنة والزوج عالم به ساكت ثم ادعاها فالقول له؛ لأن يده قد كانت ثابتة، ولم يوجد المزيل. ا هـ. وبه علم أن سكوت الزوج عند نقلها ما يصلح لهما لا يبطل دعواه، وفي البدائع هذا كله إذا لم تقر المرأة أن هذا المتاع اشتراه فإن أقرت بذلك سقط قولها؛ لأنها أقرت بالملك لزوجها ثم ادعت الانتقال إليها فلا يثبت الانتقال إلا بالبينة. ا هـ. وكذا إذا ادعت أنها اشترته منه كما في الخانية، ولا يخفى أنه لو برهن على شرائه كان كإقرارها بشرائه منه فلا بد من بينة على الانتقال إليها منه بهبة أو نحو ذلك، ولا يكون استمتاعها بمشريه ورضاه بذلك دليلا على أنه ملكها ذلك كما تفهمه النساء والعوام، وقد أفتيت بذلك مرارا،

 

 ج / 7 ص -321-     وله فيما يصلح لهما
_________
وقيد باختلاف الزوجين للاحتراز عن اختلاف نساء الزوج دونه فإن متاع النساء بينهن على السواء إن كن في بيت واحد، وإن كانت كل واحدة منهن في بيت على حدة فما في بيت كل امرأة بينها وبين زوجها على ما وصفنا، ولا يشترك بعضهن مع بعض كذا في خزانة الأكمل والخانية، وللاحتراز عن اختلاف الأب مع بنته في جهازها، وقد بيناه في النكاح. وحاصله أن المفتى به أن العرف إن كان مستمرا أن الأب يجهزها ملكا لا عارية فالقول لها، ولورثتها من بعدها، وإن كان العرف مشتركا كعرف مصر فالقول للأب، ولورثته من بعده، وللاحتراز عن اختلاف الأب وابنه فيما في البيت قال في الخزانة قال أبو يوسف إذا كان الأب في عيال الابن في بيته فالمتاع كله للابن كما لو كان الابن في بيت الأب وعياله فمتاع البيت للأب. ا هـ. ثم قال قال محمد: رجل زوج بنته، وهي وختنه في داره وعياله ثم اختلفوا في متاع البيت فهو للأب؛ لأنه في بيته، وفي يده، ولهم ما عليهم من الثياب. ا هـ. وجزم في الخانية بما قاله أبو يوسف، وللاحتراز أيضا عن إسكافي وعطار اختلفا في آلة الأساكفة أو آلة العطارين، وهي في أيديهما فإنه يقضي به بينهما، ولا ينظر إلى ما يصلح لأحدهما؛ لأنه قد يتخذه لنفسه أو للبيع فلا يصلح مرجحا، وللاحتراز عما إذا اختلف المؤجر والمستأجر في متاع البيت فإن القول فيه للمستأجر لكون البيت مضافا إليه بالسكنى، وهما في شرح الزيلعي، وللاحتراز عن اختلاف الزوجين في غير متاع البيت وكان في أيديهما فإنهما كالأجنبيين يقسم بينهما.
"قوله، وله فيما يصلح لهما" أي القول له في متاع يصلح للرجل، وللمرأة؛ لأن المرأة، وما في يدها في يد الزوج والقول في الدعاوى لصاحب اليد بخلاف ما يختص بها؛ لأنه يعارضه ظاهر أقوى منه، ولا فرق بين ما إذا كان الاختلاف حال قيام النكاح أو بعدما وقعت الفرقة، وما يصلح لهما الفرش والأمتعة والأواني والرقيق والمنزل والعقار والمواشي والنقود كما في الكافي وبه علم أن البيت للزوج إلا أن يكون لها بينة، وعزاه في خزانة الأكمل إلى الإمام الأعظم، وفي الخانية، ولو أقاما البينة يقضى ببينتها؛ لأنها خارجة معنى وشمل كلام المؤلف ما إذا كانت المرأة في ليلة الزفاف، وهو خلاف المتعارف في الفرش ونحوها، ولهذا قال في خزانة الأكمل لو ماتت المرأة في ليلتها التي زفت إليه في بيته لا يستحسن أن يجعل متاع الفرش وحلي النساء، وما يليق بهن للزوج والطنافس1 والقماقم2 والأباريق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الطنافس: مفردها الطنفس مثلث الفاء والطهاء وهي البسط والثياب والحصير من سيف عرضه ذراع. ا هـ "القاموس" /طنفس/.
2 القماقم: مفردها القمقمة وهي وعاء من صفر له عروتان يستصحبه المسافر. ا هـ "المصباح" مادة /فمم/.

 

 ج / 7 ص -322-     فإن مات أحدهما فللحي, ولو أحدهما مملوكا فللحر في الحياة، وللحي في الموت,
________________
والصناديق والفرش والخدم واللحف للنساء وكذا ما يجهز مثلها إلا أن يكون الرجل معروفا بتجارة جنس منها فهو له. ا هـ. وبه علم أن أبا يوسف استثنى في حال موتها من كون ما يصلح لهما له ما إذا كان موتها ليلة الزفاف فكذا إذا اختلفا حال الحياة فيما يصلح لهما فالقول له إلا إذا كان الاختلاف ليلة الزفاف فالقول لها في الفرش ونحوها لجريان العرف غالبا من أن الفرش وما ذكر من الصناديق والخدم تأتي به المرأة وينبغي اعتماده للفتوى إلا أن يوجد نص في حكمه ليلة الزفاف عن الإمام بخلافه فيتبع. واعلم أن قاضي خان في الفتاوى جعل الصندوق مما يصلح لها فقط وينبغي أن يجعل مما يصلح لهما.
"قوله: فإن مات أحدهما فللحي" أي مات أحد الزوجين واختلف وارثه مع الحي فيما يصلح لهما؛ لأن اليد للحي دون الميت قيد بكونهما زوجين للاحتراز عما إذا طلقها في المرض، ومات الزوج بعد انقضاء العدة كان المشكل لوارث الزوج؛ لأنها صارت أجنبية لم يبق لها يد، وإن مات قبل انقضاء العدة كان المشكل للمرأة في قول أبي حنيفة؛ لأنها ترث فلم تكن أجنبية فكان هذا بمنزلة ما لو مات الزوج قبل الطلاق كما في الخانية، وفي خزانة الأكمل، ولو مات الزوج فقالت الورثة قد كان الزوج طلقك في حياته ثلاثا لم يصدقوا في حق الأمتعة والقول بالله ما تعلم أنه طلقها ثلاثا في صحته أو مرضه، وقد مات بعد انقضاء عدتها فما كان من متاع الرجال والنساء فهو لورثة الزوج، وإن مات في عدة المرأة فهو للمرأة كأنه لم يطلق. ا هـ.
"قوله: ولو أحدهما مملوكا فللحر في الحياة، وللحي في الموت"؛ لأن يد الحر أقوى، ولا يد للميت فخلت يد الحر عن المعارض أطلق المملوك فشمل المأذون والمكاتب، وجعلاهما كالحر؛ لأن لهما يدا معتبرة، وفي خزانة الأكمل، وإن أعتقت الأمة فاختارت نفسها فما في البيت قبل عتقها فهو للرجل، وما بعد العتق قبل أن تختار نفسها فهو على ما وصفنا في الطلاق. ا هـ. وفي مسألة اختلاف الزوجين تسعة أقوال مذكورة في الخانية إجمالا الأول ما في الكتاب، وهو قول الإمام. الثاني قول أبي يوسف للمرأة جهاز مثلها والباقي للرجل يعني في المشكل في الحياة والموت. الثالث قول ابن أبي ليلى المتاع كله له، ولها ما عليه فقط. الرابع قول ابن معن وشريك هو بينهما. الخامس قول الحسن البصري كله لها، وله ما عليه. السادس قول شريح البيت للمرأة. السابع قول محمد في المشكل للزوج في الطلاق والموت ووافق الإمام فيما لا يشكل الثامن قول زفر المشكل بينهما. التاسع قول مالك الكل بينهما هكذا حكى الأقوال في خزانة الأكمل، ولا يخفى أن التاسع هو الرابع. ثم اعلم أن هذا إذا لم يقع التنازع بينهما في الرق والحرية والنكاح وعدمه فإن وقع قال في الخانية: ولو كانت الدار في يد رجل وامرأة فأقامت المرأة البينة أن الدار لها، وأن الرجل عبدها، وأقام

 

 ج / 7 ص -323-     .....................................
_________
الرجل البينة أن الدار له والمرأة امرأته تزوجها بألف درهم ودفع إليها، ولم يقم البينة أنه حر يقضى بالدار والرجل للمرأة، ولا نكاح بينهما؛ لأن المرأة أقامت البينة على رق الرجل والرجل لم يقم البينة على الحرية فيقضى بالرق، وإذا قضي بالرق بطلت بينة الرجل في الدار والنكاح ضرورة، وإن كان الرجل أقام البينة أنه حر الأصل والمسألة بحالها يقضى بحرية الرجل ونكاح المرأة ويقضى بالدار للمرأة؛ لأنا لما قضينا بالنكاح صار الرجل في الدار صاحب يد والمرأة خارجة فيقضى بالدار لها كما لو اختلف الزوجان في دار في أيديهما كانت الدار للزوج في قولهما، ولو اختلفا في المتاع والنكاح فأقامت البينة أن المتاع لها، وأنه عبدها، وأقام أن المتاع له، وأنه تزوجها بألف ونقدها فإنه يقضى به عبدا لها وبالمتاع أيضا لها، وإن برهن على أنه حر الأصل قضي له بالحرية وبالمرأة والمتاع إن كان متاع النساء، وإن كان مشكلا قضي بحريته وبالمرأة والمتاع لها. ا هـ. وأما مسألة اختلافهما في الغزل والقطن فمذكورة في الخانية عقب ما ذكرناه عنها تركتها طلبا للاختصار. ثم اعلم أن أصحابنا عملوا بالظاهر في مسائل منها مسألة اختلافهما في متاع البيت فرجحوه فيما يصلح له، وهي فيما يصلح لها عملا بالظاهر، وفي خزانة الأكمل من آخر الدعاوى قال ظاهر ثم قال في نوادر هشام عن محمد رجل يعرف بالحاجة والفقر ليس ببيته إلا بورية ملقاة صار بيده غلام غرف باليسار وعلى عنق العبد بدرة فيها عشرون ألف دينار فادعاه رجل عرف باليسار وادعاه صاحب الدار فهو للذي عرف باليسار وكذا كناس في منزل رجل وعلى عنق الكناس قطيفة فقال هي لي وادعاه صاحب المنزل أيضا فهي لصاحب المنزل، وفي نوادر معلى1 عن أبي يوسف رجلان في سفينة فيها دقيق فادعى كل واحد السفينة، وما فيها، وأحدهما يعرف ببيع الدقيق والآخر يعرف بأنه ملاح معروف فالدقيق للذي يعرف ببيعه والسفينة لمن يعرف أنه ملاح، وفي نوادر ابن سماعة عن أبي يوسف دخل رجل في منزل يعرف الداخل أنه مناد يبيع الذهب أو الفضة أو المتاع، ومعه شيء من ذلك فادعياه فهو لمن يعرف ببيعه، ولا يصدق رب المنزل، وإن لم يكن كذلك فالقول قول رب المنزل. وفي نوادر ابن رستم عن محمد رجل خرج من دار إنسان على عنقه متاع رآه قوم، وهو يعرف ببيع مثله من المتاع فقال صاحب الدار ذلك المتاع متاعي، والحامل يدعيه فهو للذي يعرف به، وإن لم يعرف فهو لصاحب الدار سفينة فيها راكب وآخر يتمسك وآخر يجذب وآخر يمدها وكلهم يدعونها فهي بين الراكب والممسك والجاذب أثلاثا، ولا شيء للماد رجل يقود قطارا من الإبل ورجل راكب بعيرا منها فادعياها كلها ينظر إن كان على الكل حمل الراكب ومتاعه فكلها للراكب والقائد أجيره، وإن لم يكن على الإبل شيء

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكرها في "كشف الظنون" من غير نسبة "2/1980".

 

 ج / 7 ص -324-     __________
فللراكب البعير الذي عليه، وما بقي فهو للقائد أما لو كان بقرا أو غنما عليها رجلان أحدهما قائد والآخر سائق فهي للسائق إلا أن يقود شاة معه فيكون له تلك الشاة وحدها هكذا في نوادر معلى. ا هـ.
وفي الملتقط من الدعوى مسائل منها، وقد استنبط من فرع الغلام أن من شرط سماع الدعوى أن لا يكذب المدعي ظاهر حاله كما هو مصرح به في كتب الشافعية فلو ادعى فقير ظاهر الفقر على رجل أموالا عظيمة قرضا أو ثمن مبيع لا تسمع فلا جواب لها ثم رأيت ابن الغرس في الفوائد الفقهية في أطراف القضايا الحكمية1 صرح به، والله أعلم هل هو منقول أو قاله تفقها كما وقع لي فقال. ومن شروط صحة الدعوى أن يكون المدعى به مما يحتمل الثبوت بأن لا يكون مستحيلا عقلا أو عادة فإن الدعوى والحال ما ذكر ظاهرة الكذب؛ لأن المستحيل العادي كالمستحيل العقلي مثال المستحيل عادة دعوى من هو معروف بالفقر والحاجة، وهو يأخذ الزكاة من الأغنياء على آخر أنه أقرضه مائة ألف دينار ذهبا نقدا دفعة واحدة، وأنه تصرف فيها لنفسه، وأنه يطالبه برد بدلها فمثل هذه الدعوى لا يلتفت إليها القاضي لخروجها مخرج الزور والفجور، ولا يسأل من المدعى عليه عن جوابها. ا هـ. قلت اللهم إلا إذا ادعى أنه غصب له مالا عظيما كان ورثه من مورثه المعروف بالغنى فحينئذ تسمع ثم قال ابن الغرس: وفي المبسوط رجل ترك الدعوى ثلاثة وثلاثين سنة، ولم يكن له مانع من الدعوى ثم ادعى لم تسمع دعواه؛ لأن ترك الدعوى مع التمكن يدل على عدم الحق ظاهرا. ا هـ. وقدمنا عنهم أن من القضاء الباطل القضاء بسقوط الحق بمضي سنين لكن ما في المبسوط لا يخالفه فإنه ليس فيه قضاء بالسقوط، وإنما فيه عدم سماعها، وقد كثر السؤال بالقاهرة عن ذلك مع ورود النهي من السلطان - أيده الله - بعدم سماع حادثة لها خمسة عشر، وقد أفتيت بعدم سماعها عملا بنهيه اعتمادا على ما في خزانة المفتين والله أعلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر كشف الظنون "2/1300".

فصل
قال المدعى عليه هذا الشيء أودعنيه أو آجرنيه أو أعارنيه فلان الغائب أو رهنه أو غصبته منه وبرهن عليه دفعت خصومة المدعي
__________
"فصل"
يعني في دفع الدعوى.
"قوله: قال المدعى عليه هذا الشيء أودعنيه أو آجرنيه أو أعارنيه فلان الغائب أو رهنه أو غصبته منه وبرهن عليه دفعت خصومة المدعي"؛ لأنه أثبتت ببينة أن يده ليست بيد

 

 ج / 7 ص -325-     ..............................
__________
خصومة، وهذه مخمسة كتاب الدعوى؛ لأن صورها خمس وديعة، وإجارة وإعارة، ورهن وغصب أو؛ لأن فيها خمسة أقوال للعلماء الأول ما في الكتاب، وهو قول أبي حنيفة الثاني قول أبي حنيفة واختاره في المختار أن المدعى عليه إن كان صالحا فكما قال الإمام، وإن كان معروفا بالحيل لم تندفع عنه؛ لأنه قد يدفع ماله إلى مسافر يودعه إياه ويشهد فيحتال لإبطال حق غيره فإذا اتهمه به القاضي لا يقبله الثالث قول محمد إن الشهود إذا قالوا نعرفه بوجهه فقط لا تندفع فعنده لا بد من معرفته بالوجه والاسم والنسب، وفي البزازية وتعويل الأئمة على قول محمد، وفي العمادية لو قالوا نعرفه باسمه ونسبه لا بوجهه لم يذكره محمد في شيء من الكتب، وفيه قولان وعند الإمام لا بد أن يقولوا نعرفه باسمه ونسبه وتكفي معرفة الوجه واتفقوا على أنهم لو قالوا أودعه رجل لا نعرفه لم تندفع. الرابع: قول ابن شبرمة1 إنها لا تندفع عنه مطلقا؛ لأنه تعذر إثبات الملك للغائب لعدم الخصم عنه، ودفع الخصومة بناء عليه قلنا مقتضى البينة شيئان ثبوت الملك للغائب، ولا خصم فيه فلم يثبت ودفع خصومة المدعي، وهو خصم فيه فثبت، وهو كالوكيل بنقل المرأة، وإقامة البينة على الطلاق الخامس قول ابن أبي ليلى تندفع بدون بينة لإقراره بالملك للغائب، وقلنا صار خصما بظاهر يده فهو بإقراره يريد أن يحول مستحقا على نفسه فلا يصدق إلا بالحجة كما لو ادعى تحول الدين من ذمته إلى ذمة غيره، ولم يذكر المؤلف رحمه الله صورة دعوى المدعي، وأراد بها أن المدعي ادعى ملكا مطلقا في العين، ولم يدع على ذي اليد فعلا بدليل ما سيأتي من المسائل المقابلة لهذه وحاصل جواب المدعى عليه أنه ادعى أن يده يد أمانة أو مضمونة والملك للغير، ولم يذكر برهان المدعي، ولا بد منه لما عرف أن الخارج هو المطالب بالبرهان، ولا يحتاج المدعى عليه إلى الدفع قبله وحاصله أن المدعي لما ادعى الملك المطلق فيما في يد المدعى عليه أنكره فطلب من المدعي البرهان فأقامه، ولم يقض القاضي به حتى دفعه المدعى عليه بما ذكر وبرهن على الدفع وبما قررناه علم أن الصور لا تنحصر في الخمس فكذا الحكم لو قال وكلني صاحبه بحفظه كما في المبسوط. وكذا الحكم لو قال أسكنني فيها فلان الغائب كما في الخلاصة وكذا الحكم لو قال سرقته منه أو أخذته منه أو ضل منه فوجدته كما في الخلاصة والأولان راجعان إلى الأمانة والثلاثة الأخيرة إلى الضمان إن لم يشهد في الأخيرة، وإلا فإلى الأمانة فالصور عشر وبه علم أن الصور لم تنحصر في الخمس فالأولى أن تفسر الخمسة بالثاني، وفي البزازية ويلحق بها دعوى كونها مزارعة بأن ادعى عليه أرضا فبرهن على أنها في يده بالمزارعة من فلان بن فلان الفلاني الغائب وتلحق المزارعة بالإجارة أو الوديعة فلا يزداد على الخمس نص على ذلك في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ابن شبرمة: ذكره القرشي في "الجواهر المضية" من غير ترجمة اه "3/562".

 

 ج / 7 ص -326-     ..........................
_______________
كتاب الدعوى والبينات. ا هـ. وهو ذهول عما ذكرناه، وأطلق في قوله هذا الشيء فشمل المنقول والعقار كما في البزازية وظاهر قوله هذا الشيء أنه قائم؛ لأن الإشارة الحسية لا تكون إلا إلى موجود في الخارج فمفهومه أنه لا تندفع لو كان المدعى هالكا وبه صرح في العناية أخذا من خزانة الأكمل فقال عبد هلك في يد رجل أقام رجل البينة أنه عبده، وأقام الذي مات في يده أنه أودعه فلان أو غصبه أو آجره لم يقبل، وهو خصم فإنه يدعي إيداع الدين عليه، وإيداع الدين لا يمكن ثم إذا حضر الغائب وصدقه في الإيداع والإجارة والرهن رجع عليه بما ضمن للمدعي أما لو كان غصبا لم يرجع وكذا في العارية والإباق مثل الهلاك ها هنا فإن عاد العبد يوما يكون عبدا لمن استقر عليه الضمان، جارية في يده ذهبت عينها فأقام رجل البينة أنها له وطلب أرش العين، وأخذ الجارية، وأقام ذو اليد البينة على الوديعة وغيرها فلا خصومة بينهما، ولو كانت، ولدت ثم ماتت، والمسألة بحالها جعله القاضي خصما في حق القيمة، ولا يقضي بالولد ويقف فيه ويجعله تبعا للأم بخلاف الأرش أمة في يد رجل قتلها عبد خطأ، وذو اليد زعم أنها وديعة لفلان عندي يقال لمولى العبد افده أو ادفعه فإن دفعه ثم جاء رجل، وأقام البينة أن الجارية كانت له، وأقام ذو اليد بينة على الإيداع وغيره على ما ذكرنا فإنه يقال للمدعي إن طلبت العبد فلا حق لك، وإن طلبت القيمة قضينا بها عليه لك فإن اختار القيمة، وأخذها منه ثم حضر الغائب وصدق المقر فإنه يرجع عليه بما ضمن لا في الغصب والعارية، وإن أنكر الغائب فله أن يحلفه أو يقيم عليه البينة في فصل الوديعة والإجارة والرهن فإن حلف لم يرجع قطعا، ومع القتل لا خصومة بينهما لا في الرقبة، ولا في الأرش حتى يحضر المالك. ا هـ. وظاهر قوله أودعنيه، وما بعده يفيد أنه لا بد من دعوى إيداع الكل، وليس كذلك لما في الاختيار أنه لو قال النصف لي والنصف وديعة عندي لفلان، وأقام بينة على ذلك اندفعت في الكل لتعذر التمييز. ا هـ. وأفاد بقوله فلان أنه عينه باسمه، وقدمنا أنه لو قال أودعنيه رجل لا أعرفه لم تندفع فلا بد من تعيين الغائب في الدفع والشهادة فلو ادعاه من مجهول وشهدا بمعين أو عكسه لم تندفع، وقدمنا أن معرفة الشهود الغائب بوجهه فقط كافية عند الإمام خلافا لمحمد، وفي البزازية لو قال الشهود أودعه من نعرفه بالطرق الثلاث لكن لا نقوله، ولا نشهد به لا تندفع، ومقتضاه أن المدعى عليه لو أجاب بذلك لا يكفي وكذا لو قال أعرفه إلا أني نسيته، ومحل الاختلاف بينهما وبين محمد إنما هو فيما إذا ادعاه الخصم من معين بالاسم والنسب فشهدا بمجهول لكن قالا نعرفه بوجهه أما لو ادعاه من مجهول لم تقبل الشهادة إجماعا، وهو الصحيح كذا في شرح أدب القضاء للخصاف.
وفي خزانة الأكمل والخانية، ولو أقر المدعي أن رجلا دفعه إليه أو شهدوا على

 

 ج / 7 ص -327-     .....................
_________
إقراره بذلك فلا خصومة بينهما، وأطلق في الغائب فشمل ما إذا كان بعيدا معروفا يتعذر الوصول إليه أو قريبا كما في الخلاصة والبزازية وظاهر قوله وبرهن عليه أنه لا بد من البرهان على ما ادعاه مطابقة، وفي خزانة الأكمل لو شهدوا أن فلانا دفعه إليه، ولا ندري لمن هو فلا خصومة بينهما. ا هـ. وبه علم أنه لا تشترط المطابقة لعين ما ادعاه، وأشار بقوله وبرهن عليه أي على ما قاله إلى أنه لو برهن على إقرار المدعي أنه لفلان، ولم يزيدوا فالخصومة بينهما قائمة كما في خزانة الأكمل والفصول، ومعنى قوله دفعت خصومة المدعي دفعها القاضي أي حكم بدفعها فأفاد أنه لو أعاد المدعي الدعوى عند قاض آخر لا يحتاج المدعى عليه إلى إعادة الدفع بل يثبت حكم القاضي الأول كما صرحوا به، وأراد بالبرهان وجود حجة على ما قال سواء كانت بينة أو علم القاضي أو إقرار المدعي كما في الخلاصة، ولو علم القاضي أنها لرجل ثم وجدها في يد آخر فقال الأول إنها لي، وأقام صاحب اليد بينة على الوديعة فلا خصومة بينهما وكذا إذا علم القاضي إيداع هذا الآخر كما علم ملك الأول أقره في يده أما لو علم القاضي أن الغائب غصبها من هذا الذي كانت له ثم أودعها هذا أخذها وردها فإن علمه بمنزلة البينة. ا هـ. ، ولو لم يبرهن المدعى عليه وطلب يمين المدعي استحلفه القاضي فإن حلف على العلم كان خصما، وإن نكل فلا خصومة كما في خزانة الأكمل وظاهر قوله دفعت أن المدعى عليه لا يحلف المدعي أنه لا يلزمه تسليمه إليه، ولم أره الآن، وأطلق في اندفاعها فيما ذكر فشمل ما إذا صدق ذو اليد على دعوى الملك ثم دفعه بما ذكر فإنها تندفع كما في البزازية، وفي البزازية، وإن ادعى ذو اليد الوديعة، ولم يبرهن عليها، وأراد أن يحلف أن الغائب أودعه عنده يحلف الحاكم المدعى عليه بالله تعالى لقد أودعها إليه على البتات لا على العلم؛ لأنه، وإن كان فعل الغير لكن تمامه به، وهو القبول، وإن طلب المدعى عليه يمين المدعي فعلى العلم بالله ما يعلم إيداع فلان عنده؛ لأنه فعل الغير، ولا تعلق له به، وفي الذخيرة لا يحلف ذو اليد على الإيداع؛ لأنه يدعي الإيداع، ولا حلف على المدعي، ولو حلف أيضا لا يندفع، ولكن له أن يحلف المدعي على عدم العلم. ا هـ. وقيدنا بكون المدعي ادعاه ملكا مطلقا يعني فقط للاحتراز عما إذا ادعى عبدا أنه ملكه، وأعتقه فدفعه المدعى عليه بما ذكر وبرهنا فإنه لا تندفع ويقضى بالعتق على ذي اليد فإن جاء الغائب وادعى أنه عبده، وأنه أعتقه يقضى به فلو ادعى آخر أنه عبده لم يسمع وكذا في الاستيلاد والتدبير، ولو أقام العبد بينة أن فلانا أعتقه، وهو يملكه فبرهن ذو اليد على إيداع فلان الغائب بعينه يقبل وبطلت بينة العبد فإذا حضر الغائب قيل للعبد أعد البينة عليه فإن أقامها قضينا بعتقه، وإلا رد عليه، ولو قال العبد أنا حر الأصل قبل قوله: ولو برهن ذو اليد على الإيداع، ولا ينافيه دعوى حرية الأصل

 

 ج / 7 ص -328-     ..............................
_________________
فإن الحر قد يودع وكذا الإجارة والإعارة. وأما في الرهن قال بعضهم الحر قد يرهن، وقال بعضهم لا يرهن فتعتبر العادة كذا في خزانة الأكمل، ولم أر حكم ما إذا ادعى أن الدار وقف عليه فدفعه ذو اليد بما ذكر، ومقتضى قولهم إن دعوى الوقف من قبيل دعوى الملك المطلق أن تندفع إذا برهن، وقيدنا بكون القاضي لم يقض ببينة المدعي؛ لأن القاضي لو قضى ببينة المدعي ثم برهن ذو اليد على ما ذكر لم تسمع كذا في خزانة الأكمل والفصول وسواء كان بعد دعوى الإيداع قبل البرهان أو قبل دعواه كما في البزازية، وقيد بكون المدعى عليه اقتصر على الدفع بما ذكر للاحتراز عما إذا زاد، وقال كانت داري بعتها من فلان، وقبضها ثم أودعنيها أو ذكر هبة، وقبضا لم تندفع إلا أن يقر المدعي بذلك أو يعلمه القاضي، ولو ادعى المدعي ثم قاما إلى إحضار البينة فقال المدعى عليه إني وهبتها من فلان فسلمتها إليه ثم أودعنيها وغاب لم يسمع وكذا في البيع إلا أن يقر المدعي أو يعلم القاضي فلو برهن المدعي ثم صنع المدعى عليه بيعا أو هبة قبل القضاء لم تندفع سواء أقر به المدعي أو علمه القاضي أو قامت به بينة كذا في خزانة الأكمل. ثم اعلم أنه في المسائل المخمسة لو شهدوا أنها لفلان الغائب فقط لم تقبل، ولو شهدوا على إقرار المدعي أنه لفلان الغائب اندفعت كما في البزازية، وأفاد المؤلف بجواب المدعى عليه أنه لو أجاب بأنها ليست لي أو هي لفلان، ولم يزد لا يكون دفعا، ولم يذكر المؤلف دفع الدفع فلو برهنا على ما ادعياه فدفعه المدعي بأنه ملكه غصبه منه تسمع دعواه، ولا تندفع الخصومة كما في الخلاصة، وفي الاختيار لو قال المدعي أودعنيها ثم وهبها منك أو باعها، وأنكر يستحلفه القاضي أنه ما وهبها منه، ولا باعها له فإن نكل صار خصما؛ لأنه أقر أن يده يد ملك فكان خصما. ا هـ.
وفي البزازية الدفع الصحيح للدعوى الفاسدة التي اتفقت الأئمة على فسادها صحيح في الأصح، وقيل الدفع أيضا فاسد؛ لأنه مبني على فاسد، والبناء على الفاسد فاسد وكما يصح الدفع قبل البرهان يصح بعد إقامته أيضا وكذا يصح قبل الحكم كما يصح بعده ودفع الدفع ودفعه، وإن كثر صحيح في المختار، وقيل لا يسمع بعد ثلاث بأن ادعى الملك المطلق فقال اشتريته منك فدفع قائلا بالإقالة فدفع قائلا بأنك أقررت ما اشتريته مني يسمع في المختار كما لو كان الشهود عدولا والدفع من غير المدعى عليه لا يسمع ودفع أحد الورثة يسمع، وإن ادعى على غيره لقيام بعضهم مقام الكل حتى لو ادعى مدع على أحد الورثة دارا فبرهن الوارث الآخر أن المدعي أقر بكونه مبطلا في الدعوى يسمع. ا هـ.
فإن قلت ما فائدة دفع الدعوى الفاسدة مع أن القاضي لا يسمعها قلت تفقها، ولم أره: فائدته لو ادعاها على وجه الصحة كان الدفع الأول كافيا. ثم اعلم أن قولهم إن الدفع بعد

 

 ج / 7 ص -329-     وإن قال ابتعته من الغائب أو قال المدعي غصبته أو سرق مني، وقال ذو اليد أودعنيه فلان وبرهن عليه لا
________________
الحكم صحيح مخالف لما قدمناه من أن القاضي لو قضى للمدعي قبل الدفع ثم دفع بالإيداع ونحوه فإنه لا يقبل إلا أن يخص من الكلي فافهم، ولم يذكر المؤلف حكم جواب الغائب إذا حضر، وفي الخانية فإن حضر فلان وسلم المدعى عليه الدار إليه فادعاه المدعي الأول دعواه على المقر له فأجاب أنها وديعة عنده لفلان آخر تقبل بينته وتندفع عنه خصومة المدعي. ا هـ.
وفي البزازية لو لم يبرهن المدعى عليه وبرهن الطالب وحكم له به ثم حضر الغائب وادعى بأنه ملكه إن أطلق الملك تقبل، وإن قال بالشراء من المدعى عليه المقضي عليه لا؛ لأن القضاء على ذي اليد بالبينة بعد دعوى الملك المطلق قضاء على كل من تلقى الملك إليه منه فكان المشتري مقضيا عليه، وإن حضر قبل الحكم وبرهن على مطلق الملك فهما كخارجين برهنا على الملك المطلق ثم اعلم أن مسألة الرهن من المسائل المخمسة تصلح حيلة لإثبات الرهن في غيبة الراهن كما في حيل الولوالجية. ثم اعلم أن القاضي في هذه المسائل لو لم يسمع دفع ذي اليد، وقضى ببينة المدعي كان قضاء على غائب، وقدمنا أن في نفاذه روايتين فليكن هذا على ذكر منك، ولم أر من نبه عليه، وفي العباب1 للشافعية أنه حكم على غائب ويحلف على بقاء ملكه. ا هـ.
"قوله: وإن قال ابتعته من الغائب أو قال المدعي غصبته أو سرق مني، وقال ذو اليد أودعنيه فلان وبرهن عليه لا" أي لا تندفع بيان للمسألتين.
حاصل الأولى أن المدعي ادعى في العين ملكا مطلقا، وأنكره المدعى عليه فبرهن المدعي على الملك فدفعه ذو اليد بأنه اشتراها من فلان الغائب وبرهن عليه لم تندفع عنه الخصومة يعني فيقضي القاضي ببرهان المدعي؛ لأنه لما زعم أن يده يد ملك اعترف بكونه خصما فالضمير في قال عائد على المدعى عليه، وفي البزازية وذكر الوتار قال في غير مجلس الحاكم إنه ملكي ثم قال في مجلسه إنه وديعة عندي أو رهن عندي من فلان يندفع إذا برهن على ما ذكر، ولو برهن عليه المدعي أنه أقر بكونه ملكا له في غير مجلس الحاكم يجعله خصما ويحكم عليه بسبق إقراره ويمنع من الدفع. ا هـ. وبه علم أن دعوى الشراء عن الغائب مثال، والمراد أن ذا اليد ادعى ملكا لنفسه سواء أطلقه أو قيده بشراء وهبة مع قبض أو صدقة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 العباب: وهو نظم في فقه الشافعي رضي الله عنه للقاضي شهاب الدين أبي العباس أحمد بن ناصر المتوفي سنة عشر وثمانمائةهـ. ا هـ طكشف الظنون" "2/1122".

 

 ج / 7 ص -330-     ............................
_______________
كذلك، وأطلق في الشراء فشمل الفاسد مع القبض كما في أدب القضاء للخصاف، ولهذا قال في البزازية أيضا لو قال إنه ملكي ثم برهن على الوديعة لا يسمع. ا هـ. وأشار المؤلف بهذه المسألة إلى ما في البزازية في يده دار زعم شراءها من فلان الغائب أو صدقة مقبوضة أو هبة كذلك منذ شهر أو أمس وبرهن أولا وبرهن آخرا أن هذا الغائب رهنها منه منذ شهر أو آجرها منه أو أعارها منه، وقبضها وبرهن يحكم بها للمستأجر والمستعير والمرتهن، ولا تندفع الخصومة عن ذي اليد ثم ذو اليد بالخيار إن شاء سلم إلى المدعي وتربص إلى انقضاء المدة أو فك الرهن، وإن شاء نقض البيع، وإن اختار عدم النقض فأدى البائع الدين، وفك الرهن قبل قبضه تم البيع، وإن كان المدعي برهن أن الدار له أعارها أو آجرها أو رهنها من الغائب أو اشتراها الغائب منه، ولم ينقد الثمن قبل أن يشتريها منه ذو اليد يقضى بها للمدعي في الوجوه كلها أما في الإعارة فلعدم اللزوم. وأما في الإجارة فلأنه عذر في الفسخ؛ لأنه يريد إزالتها عن ملكه، وأما في الشراء فلأن له حق الاسترداد لاستيفاء الثمن فإن دفع الحاكم الدار إلى المدعي فإن كان آجرها، ولم يقبض الأجرة أخذ منه كفيلا بالنفس إلى انقضاء المدة، وإن كان قبض الأجرة أو كان ادعى رهنا لا يدفع إلى المدعي ويضعها على يد عدل. ا هـ. وبه علم أن دعوى الرهن أو الإجارة أو الإعارة من الغائب كدعوى الملك المطلق على ذي اليد، وقيد بدعوى الشراء من الغائب من غير أن يدعي أن المدعي باعها من الغائب فلو ادعى ذو اليد أن المدعي باع العين من الغائب ففيه اختلاف قال في القنية ادعى عليه عبدا، وأثبته بالبينة فأقام المدعى عليه البينة أنك بعته من فلان الغائب فعلى ما عليه إشارات الجامع والزيادات لا تقبل وذكر الناطفي في أجناسه أنها تقبل وتندفع الدعوى ثم إذا قبلت فإن لم يدع تلقي الملك من المشتري فأولى أن تقبل إذا ادعاه. ا هـ. وفيها قبله ادعى عليه دارا أنها ملكه، وأثبته بالبينة ثم أقام المدعى عليه بينة أن المدعي باعها من زوجته وباعتها هي مني تسمع. ا هـ. وإذا لم تندفع في المسألة الأولى، وأقام الخارج البينة فقضي له ثم جاء المقر له الغائب وبرهن تقبل بينته؛ لأن الغائب لم يصر مقضيا عليه، وإنما قضي على ذي اليد خاصة ذكره الشارح
وحاصل الثانية أن المدعي ادعى فعلا على ذي اليد فدفعه بدعوى الإيداع من الغائب وبرهن فإنها لا تندفع؛ لأنه إنما صار خصما بدعوى الفعل عليه لا بيده بخلاف دعوى الملك المطلق؛ لأنه خصم فيه باعتبار يده حتى لا تصح دعواه على غير ذي اليد وتصح دعوى الفعل، وقد بني فعل الغصب للفاعل، وفعل السرقة للمفعول فخرج ما إذا بني الأول للمفعول بأن قال غصب مني كما في البزازية، وإنما قيد في السرقة للمفعول ليعلم حكم ما إذا بناه للفاعل بالأولى، وهو اتفاق، وفي المبني للمفعول الاختلاف فقال محمد هو كبناء فعل الغصب

 

 ج / 7 ص -331-     وإن قال المدعي ابتعته من فلان، وقال ذو اليد أودعنيه فلان ذلك سقطت الخصومة
________________
للفاعل، وهو القياس واستحسناه وجعلاه من دعوى الفعل عليه؛ لأن في ذكر الفاعل إشاعة الفاحشة بخلاف الغصب، ولو ادعاه بالمصدر لم يذكره الشارحون، وفي البزازية ادعى أنه ملكه، وفي يده غصب وبرهن ذو اليد على الإيداع قيل تندفع لعدم دعوى الفعل عليه والصحيح أنه لا تندفع. ا هـ. وأراد بالبرهان إقامة البينة فخرج الإقرار لما في البزازية معزيا إلى الذخيرة من صار خصما لدعوى الفعل عليه إن برهن على إقرار المدعي بإيداع الغائب منه تندفع وإن لم تندفع بإقامة البينة على الإيداع لثبوت إقرار المدعي أن يده ليست يد خصومة. ا هـ. وذكر الغصب والسرقة تمثيل والمراد دعوى فعل عليه فلو قال المدعي أودعتك إياه أو اشتريته منك وبرهن ذو اليد كما ذكرنا على وجه لا يفيد ملك الرقبة له لا تندفع كذا في البزازية، ولو قال المدعي ملكي، وفي يده بغير حق لا يكون دعوى الغصب فتندفع لو برهن على الإيداع بالطريق المذكور كذا في البزازية أيضا، وقيد بدعوى الفعل على ذي اليد للاحتراز عن دعواه على غيره فدفعه ذو اليد بواحد مما ذكرناه وبرهن فإنها تندفع كدعوى الملك المطلق كما في البزازية وذكر الشارح لو ادعى أنه اشتراها من ذي اليد، وقبضها ونقد الثمن، وأقام ذو اليد البينة أن فلانا أودعها إياه اندفعت الخصومة وإن ادعى على ذي اليد فعلا؛ لأن المدعى عقد استوفى أحكامه فصار كالعدم فكان كدعوى ملك مطلق حتى لو لم يشهدوا على قبضه لم تندفع. ا هـ. ولم يذكر في الخلاصة نقد الثمن، وإنما ذكر الشراء مع القبض، وفي البزازية بعدما ذكر أنه مع القبض كدعوى ملك مطلق قال وجماعة من مشايخنا قالوا لا تندفع أيضا؛ لأن دعوى الشراء بقي معتبرا، ولهذا لا يحكم القاضي بالزوائد المنفصلة، ولا يكون للباعة أن يرجع بعضهم على بعض، ولو كان كدعوى الملك المطلق لكان الأمر بخلافه. ا هـ. والظاهر ما عليه هؤلاء لإطلاق المتون الشراء، وأفاد المؤلف رحمه الله بما ذكره من دعوى الفعل ودفعها أن المدعى عليه بعد دعوى الفعل عليه لا يقدر على التحويل إلى غيره فلو دفع بأنه لابنه الصغير بعد دعوى الغصب عليه لم تندفع كما في البزازية أو دفع بأنه ملك والده أودعه عنده كما في الخانية.
"قوله: وإن قال المدعي ابتعته من فلان، وقال ذو اليد أودعنيه فلان ذلك سقطت الخصومة" أي بغير برهان وحاصلها أن المدعي ادعى الملك بسبب من جهة الغائب فدفعه ذو اليد بأن يده من الغائب فقد اتفقا على أن أصل الملك فيه للغائب فيكون وصولها إلى يد ذي اليد من جهته فلم تكن يده يد خصومة إلا أن يقيم المدعي بينة أن فلانا وكله بقبضه؛ لأنه أثبت ببينته كونه أحق بإمساكها، ولو صدقه ذو اليد في شرائه منه لا يأمره القاضي بالتسليم إليه حتى لا يكون قضاء على الغائب بإقراره، وهي عجيبة قيد بتلقي اليد من الغائب للاحتراز عما إذا قال ذو اليد أودعنيه وكيل فلان ذلك لم تندفع إلا ببينة؛ لأنه لم يثبت تلقي اليد ممن اشترى هو منه

 

 ج / 7 ص -332-     _________________
لإنكار ذي اليد، ولا من جهة وكيله لإنكار المدعي وكذا لو ثبت بالبينة أنه دفعها إلى الوكيل، ولم يشهدوا أن الموكل دفعها إلى ذي اليد ذكره الشارح وظاهر قوله سقطت السقوط بلا بينة ويمين، وفي البناية، ولو طلب المدعي يمينه على الإيداع يحلف على البتات. ا هـ. وتقيد المؤلف بدعوى الشراء من الغائب اتفاقي ففي البزازية معزيا إلى الذخيرة ادعى أنه له غصبه منه فلان الغائب وبرهن عليه وزعم ذو اليد أن هذا الغائب أودعه عنده تندفع لاتفاقهما على وصول العين من غيره، وأن صاحب اليد ذلك الرجل بخلاف ما لو كان مكان دعوى الغصب دعوى السرقة فإنه لا يندفع بزعم ذي اليد إيداع ذلك الغائب في الاستحسان. ا هـ. وقد سئلت بعد تأليف هذا المحل بيوم عن رجل أخذ متاع أخته من بيتها ورهنه وغاب فادعت الأخت به على ذي اليد فأجابه بالرهن فأجبت إن ادعت المرأة غصب أخيها وبرهن ذو اليد على الرهن اندفعت، وإن ادعت السرقة لا، وفي البزازية قبله معزيا إلى الذخيرة أيضا برهن على أنه وديعة عنده من جهة الميت الذي يدعي الوصية منه أو من غصبه منه فلا خصومة بينهما؛ لأنهما تصادقا على وصول المال من جهة الميت إما غصب، وإما أمانة فلا تكون يده يد الخصومة في حق من يدعي تلقي الملك منه، وفرق بين الوصية والوراثة فلو برهن في دعوى الوراثة أنه وديعة عنده من قبل المورث الذي يدعي منه الوراثة لا يندفع، وفي دعوى الوصية كما ذكرنا يندفع حتى يحضر الوارث أو الوصي. ا هـ. وقيدنا باتحاد الغائب؛ لأنه لو ادعى الشراء من فلان الغائب المالك وبرهن ذو اليد على إيداع غائب آخر منه لا تندفع كما لو ادعى الإيداع من غير الوصي أو الغصب منه فإنه خصم إلا أن يبرهن على مقاله، وقال البلخي لا تندفع، وإن برهن كمسألة الشراء كذا في البزازية، والله أعلم بالصواب.

باب دعوى الرجلين
برهنا على ما في يد واحد آخر قضي لهما
_________________
"باب دعوى الرجلين"
لما فرغ من بيان دعوى الواحد ذكر دعوى ما زاد عليه.
قوله "برهنا على ما في يد واحد آخر قضي لهما" لحديث تميم بن طرفة
"أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناقة أقام كل واحد منهما البينة فقضى بها بينهما نصفين"1

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البيهقي في كتاب الدعوى والبينات باب المتدايعين يتنازعان شيئا في أيديهما معا ويقيم كل واحد منهما بينة بدعواه "10/257" والزيلعي في "نصب الراية" "4/108".

 

 ج / 7 ص -333-     ...........................
________________
وحديث القرعة كان في الابتداء ثم نسخ ولأن المطلق للشهادة في حق كل واحد منهما يحتمل الوجوه بأن يعتمد أحدهما سبب الملك والآخر اليد فصحت الشهادتان فيجب العمل بهما ما أمكن وقد أمكن بالتنصيف إذ المحل يقبله وإنما ينصف لاستوائهما في سبب الاستحقاق والضمير في قوله برهنا عائد على الرجلين أي الخارجين بقرينة على ما في يد آخر والمعنى على ملك ما في يد الآخر فالكلام في دعوى الخارجين الملك المطلق فخرج ما إذا ادعيا ملكا بسبب معين أو مقيد بتاريخ وسيأتي ومن هذا القبيل ما في منية المفتي أقاما بينة على عبد في يد رجل أحدهما بغصب والآخر بوديعة فهو بينهما ا هـ. وأطلقهما فشمل ما إذا ادعيا الوقف في يد ثالث فيقضى بالعقار نصفين لكل وقف النصف وهو من قبيل دعوى الملك المطلق باعتبار ملك الواقف ولهذا قال في القنية دار في يد رجل أقام رجل عليه بينة أنها وقفت عليه وأقام قيم المسجد بينة أنها وقف المسجد فإن أرخا فهي للسابق منهما وإن لم يؤرخا فهي بينهما نصفان ا هـ. ولا فرق في ذلك بين أن يدعي ذو اليد الملك فيها أو الوقف على جهة أخرى والحاصل أن دعوى الوقف من قبيل دعوى الملك المطلق ولهذا لو ادعى وقفية ما في يد آخر وبرهن فدفعه ذو اليد بأنه مودع فلان ونحوه وبرهن فإنها تندفع خصومة المدعي كما في الإسعاف فدعوى الوقف داخل في المسألة المخمسة وكما يقسم الدار بين الواقفين كذلك لو برهن كل على أن الواقف جعل له الغلة ولا مرجح فإنها تكون بينهما نصفين لما في الإسعاف من باب إقرار الصحيح بأرض في يده أنها وقف لو شهد اثنان على إقرار رجل بأن أرضه وقف على زيد ونسله وشهد آخران على إقراره بأنها وقف على عمرو ونسله تكون وقفا على الأسبق وقتا إن علم وإن لم يعلم أو ذكروا وقتا واحدا تكون الغلة بين الفريقين إنصافا ومن مات من ولد زيد فنصيبه لمن بقي منهم وكذلك حكم أولاد عمرو وإذا انقرض أحد الفريقين رجعت إلى الفريق الباقي لزوال المزاحم ا هـ. وقيد بالبرهان منهما إذ لو برهن أحدهما فقط فإنه يقضى له بالكل فلو برهن الخارج الآخر يقضى له بالكل لأن المقضي له صار ذا يد بالقضاء له وإن لم تكن العين في يده حقيقة فتقدم بينة الخارج الآخر عليه كما سنذكره قريبا في دعوى الرجلين النكاح ولو لم يبرهنا حلف صاحب اليد فإن حلف لهما تترك في يده قضاء ترك لا قضاء استحقاق حتى لو أقام البينة بعد ذلك يقضى بها وإن نكل لهما جميعا يقضى به بينهما نصفين ثم بعده إذا أقام صاحب اليد البينة أنه ملكه لا تقبل وكذا إذا ادعى أحد المستحقين على صاحبه وأقام بينة أنها ملكه لا تقبل لكونه صار مقضيا عليه كذا في النهاية ومن أهم مسائل هذا الباب معرفة الخارج من ذي اليد وفي جامع الفصولين ادعى كل أنه في يده فلو برهن أحدهما يقبل

 

 ج / 7 ص -334-     وعلى نكاح امرأة سقطا
________________
ويكون الآخر خارجا ولو لا بينة لهما لا يحلف واحد منهما ولو برهن أحدهما على اليد وحكم بيده ثم برهن على الملك لا تقبل إذ بينة ذي اليد على الملك لا تقبل أخذ عينا من يد آخر وقال إني أخذته من يده لأنه كان ملكي وبرهن على ذلك تقبل لأنه وإن كان ذا يد بحكم الحال لكنه لما أقر بقبضه منه فقد أقر أن ذا اليد في الحقيقة هو الخارج ولو غصب أرضا وزرعها فادعى رجل أنها له وغصبها منه فلو برهن على غصبه وإحداث يده يكون هو ذا يد والزارع خارجا ولو لم يثبت إحداث يده فالزارع ذو يد والمدعي هو الخارج بيده عقار أحدث الآخر عليه يده لا يصير به ذا يد فلو ادعى عليه إنك أحدثت اليد وكان بيدي فأنكر يحلف ا هـ. وبه علم أن اليد الظاهرة لا اعتبار بها ثم اعلم أنه قال في العمادية اعلم أن الرجلين إذا ادعيا عينا وبرهنا فلا يخلو إما أن يدعيا ملكا مطلقا أو إرثا أو شراء وكل قسم على ثلاثة إما أن يكون المدعي في يد ثالث أو في يدهما أو في يد أحدهما وكل وجه على أربعة أقسام لأنه إما أن لا يؤرخا أو أرخا تاريخا واحدا أو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق أو أرخ أحدهما لا الآخر وجملة ذلك ستة وثلاثون فصلا ا هـ. أقول: إن هذا التقسيم ليس بحاصر والصواب أن يقال إذا ادعيا عينا فإما أن يدعيا ملكا مطلقا أو ملكا بسبب متحد قابل للتكرار أو غير قابل له أو مختلف أحدهما أقوى من الآخر أو مستويان من واحد أو من متعدد أو يدعي أحدهما الملك المطلق والآخر الملك بسبب أو أحدهما ما يتكرر والآخر ما لا يتكرر فهي تسعة وكل منها إما أن يبرهن أو يبرهن أحدهما فقط أو لا برهان لواحد منهما ولا مرجح أو لأحدهما مرجح فهي أربعة صارت اثنين وثلاثين وكل منها إما أن يكون المدعي في يد ثالث أو في يدهما أو في يد أحدهما فهي أربعة صارت مائة وثمانية وعشرين وكل منها على أربعة أما إذا لم يؤرخا أو أرخا واستويا أو سبق أحدهما أو أرخ أحدهما صارت خمسمائة واثني عشر.
قوله "وعلى نكاح امرأة سقطا" أي لو برهنا على نكاح امرأة تهاترا لتعذر العمل بهما لأن المحل لا يقبل الاشتراك وإذا تهاترا فرق القاضي بينهما حيث لا مرجح كما في القنية وإذا تهاترا وكان قبل الدخول فلا شيء على كل واحد منهما كذا في منية المفتي أطلقه وهو مقيد بحياتهم أي المدعيين والمرأة أما لو برهنا عليه بعد موتها ولم يؤرخا أو أرخا واستوى تاريخهما فإنه يقضي بالنكاح بينهما وعلى كل واحد منهما نصف المهر وهما يرثان ميراث زوج واحد فإن جاءت بولد يثبت النسب منهما ويرث من كل واحد منهما ميراث ابن كامل وهما يرثان من الابن ميراث أب واحد كما في الخلاصة وفي منية المفتي ولا يعتبر فيه الإقرار واليد فإن سبق تاريخ أخذهما يقضى له ولو ادعيا نكاحها وبرهنا ولا مرجح ثم ماتا فإن لها نصف المهر ونصف الميراث من كل واحد منهما ولو ماتت قبل الدخول فعلى

 

 ج / 7 ص -335-     .........................
______________
كل واحد منهما نصف المسمى ولو مات أحدهما فقالت المرأة هو الأول لها المهر والميراث كذا في الظهيرية وأطلق في النكاح فشمل ما إذا برهن أحدهما على العقد والآخر على إقرارها له به فلا ترجيح لكن بعد التهاتر لو برهن أحدهما على إقرارها بالنكاح يحكم له كما لو عاينا اعترافها لأحدهما به بعد التهاتر كذا في الظهيرية وفي العباب للشافعية وترجح بينة العقد على بينة إقرارها كبينة غصب على بينة إقرار ا هـ. ولم أر الآن حكم المشبه به عندنا وفي منية المفتي ادعيا نكاح امرأة فأقرت لأحدهما ثم أقاما البينة لا يقضى لأحدهما كما لو لم تقر ا هـ. وفي الهداية إذا أقرت لأحدهما قبل إقامة البينة فهي امرأته لتصادقهما فإن أقام الآخر البينة قضي بها لأن البينة أقوى من الإقرار ا هـ. وقيد ببرهانهما معا لأنه لو برهن مدعي نكاحها وقضي له به ثم برهن الآخر على نكاحها لا تقبل كما في الشراء إذا ادعاه من فلان وبرهن عليه وحكم له به ثم ادعى الآخر شراءه من فلان أيضا وبرهن لا تقبل ويجعل الشراء المحكوم به سابقا كذا هنا ولو برهن على نسب مولود وحكم له به ثم ادعاه آخر وبرهن على ذلك لا يقبل وفي الملك المطلق لو برهن عليه أحد وحكم له به ثم ادعاه آخر وبرهن على ذلك يقبل ويحكم للثاني كذا في البزازية وهذا ما وعدنا به في مسألة الخارج إذا حكم له ثم ادعاه آخر وهذا ما قدمناه عن الفتاوى الصغرى من أن القضاء لا يكون على الكافة إلا في القضاء بالحرية والنسب والولاء والنكاح ولكن في النكاح شرط هو أن لا يؤرخا فإن أرخ المحكوم له ثم ادعاها آخر بتاريخ أسبق فإنه يقضى له ويبطل القضاء الأول وسبق منا أيضا اشتراط ذلك في الحرية الأصلية أيضا في باب الاستحقاق فكن على ذكر منه ينفعك كثيرا وقيد بدعوى الرجلين للاحتراز عما إذا أقام رجل البينة على امرأة أنه تزوجها وأقامت هي بينة على رجل أنه تزوجها فالبينة بينة الرجل كذا في الظهيرية واعلم أنه إذا ادعى نكاح صغيرة بتزويج الحاكم له لم تسمع إلا بشروط أن يذكر اسم الحاكم ونسبه وأن السلطان فوض إليه التزويج وأنه لم يكن لها ولي كما في البزازية ثم اعلم أن يوم الموت لا يدخل تحت القضاء ويوم القتل يدخل هكذا في العمادية والظهيرية والولوالجية والبزازية وغيرها وفرعوا على الأول ما لو برهن الوارث على موت مورثه في يوم ثم برهنت امرأة على أن مورثه كان نكحها بعد ذلك اليوم يقضى لها بالنكاح وعلى الثاني لو برهن الوارث على أنه قتل يوم كذا فبرهنت المرأة على أن هذا المقتول نكحها بعد ذلك اليوم لا يقبل وعلى هذا جميع العقود والمداينات وكذا لو برهن الوارث على أن مورثه قتل يوم كذا فبرهن المدعى عليه أنه مات قبل هذا بزمان لا يسمع ولو برهن على أن مورثه قتل يوم كذا فبرهن المدعى عليه أنه قتله فلان قبل هذا بزمان يكون دفعا لدخوله تحت القضاء هذه عبارة البزازية وزاد الولوالجي موضحا للثانية بقوله ألا ترى أن امرأة

 

 ج / 7 ص -336-     ...........................
__________
لو أقامت البينة أنه تزوجها يوم النحر بمكة فقضى بشهودها ثم أقامت أخرى بينة أنه تزوجها يوم النحر بخراسان لا تقبل بينة المرأة الأخرى لأن النكاح يدخل تحت القضاء فاعتبر ذلك التاريخ فإذا ادعت امرأة أخرى بعد ذلك التاريخ بتاريخ لم يقبل ا هـ. وفي الظهيرية ادعى ضيعة في يد رجل أنها كانت لفلان مات وتركها ميراثا لفلانة لا وارث له غيرها ثم أن فلانة ماتت وتركتها ميراثا لي لا وارث لها غيري وقضى القاضي له بالضيعة فقال المقضي عليه دفعا للدعوى إن فلانة التي تدعي أنت الإرث عنها لنفسها ماتت قبل فلان الذي تدعي الإرث عنه لفلانة اختلفوا فيه بعضهم قالوا إنه صحيح وبعضهم قالوا إنه غير صحيح بناء على أن يوم الموت لا يدخل تحت القضاء ا هـ. وفيها قبله بعدما ذكر الفرق بين يوم الموت ويوم القتل قال غير أن مسألة أخرى ترد إشكالا على هذا وهي أن الرجل إذا ادعى على رجل أنه قتل أباه عمدا بالسيف منذ عشرين سنة وأنه وارثه لا وارث له سواه وأقام البينة على ذلك فجاءت امرأة ومعها ولد وأقامت البينة أن والد هذا تزوجها منذ خمسة عشر سنة وأن هذا ولده منها ووارثه مع ابنه هذا قال أبو حنيفة أستحسن في هذا أن أجيز بينة المرأة وأثبت نسب الولد ولا أبطل بينة الابن على القتل وكان هذا الاستحسان للاحتياط في أمر النسب بدليل أنها لو أقامت البينة على النكاح ولم تأت بالولد فالبينة بينة الابن وله الميراث دون المرأة وهذا قول أبي يوسف ومحمد ا هـ.
فقد علمت مما في الظهيرية استثناء مسألة من قولهم يوم الموت لا يدخل تحت القضاء على قول البعض واستثناء مسألة من قولهم يوم القتل يدخل فافهم وفي القنية من باب دفع الدعوى ادعى عليه شيئا أنه اشتراه من أبيه منذ عشر سنين والأب ميت للحال فأقام ذو اليد البينة أنه مات منذ عشرين سنة تسمع وقال عمر الحافظ1 لا تسمع قال أستاذنا رضي الله عنه والصواب جواب الحافظ فينبغي أن يحفظ فإنه كان يحفظ أن زمان الموت لا يدخل تحت القضاء ا هـ. وهي ثانية تستثنى على قول البعض من قولهم يوم الموت لا يدخل أن زمان الموت لا يدخل.
وفي خزانة الأكمل بعدما ذكر أن يوم الموت لا يدخل ويوم القتل يدخل قال ولو أقام رجل البينة أن هذا قتل أبي يوم النحر بمكة وأقام أخو هذا المدعي بينة على رجل آخر أنه قتل أبي يوم النحر بالكوفة جازت ويحكم لكل واحد منهما بنصف الدية أما لو كان القاتل واحدا والمقتول اثنين لم تقبل ذكره في نوادر ابن رستم عن محمد ا هـ. ثم قال ولو أقام رجل البينة أنه قتل أبي منذ سنة وأقام المشهود عليه بينة أن أباه صلى بالناس الجمعة الماضية قال أبو حنيفة الأخذ بالأحدث أولى إن كان شيئا مشهورا ا هـ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 عمر الحافظ: لعل المراد به عمر بن محمد بن محمد النسفي أبو حفص وتقدمت ترجمته؟

 

 ج / 7 ص -337-     وهي لمن صدقته أو سبقت بينته
______________
"قوله "وهي لمن صدقته أو سبقت بينته" لأن النكاح مما يحكم به بتصادق الزوجين والتعبير بأو يفيد أن التصديق معتبر مرجح عند عدم التاريخ منهما أو مع استواء تاريخهما أو مع تاريخ أحدهما فإن السبق إنما هو فيما إذا أرخا وسبق تاريخ أحدهما وأطلق في اعتبار التصديق عند عدم السبق وهو مقيد بما إذا لم تكن في يد من كذبته ولم يكن دخل بها أما إذا كانت في يد الآخر أو دخل بها فلا اعتبار بالتصديق لأنه دليل على سبق عقده ولا يعتبران مع سبق تاريخ الآخر لكونه صريحا وهو يفوق الدلالة وقد علم بما قررناه أن أحدهما لو أرخ فقط فإنها لمن أقرت له وهو مصرح به في الخلاصة والبزازية كما لو أرخ أحدهما وللآخر يد فإنها لذي اليد كما في البزازية بخلاف ما إذا برهنا وأرخ أحدهما فقط ولا إقرار فهي لصاحب التاريخ كما فيهما أيضا فالحاصل كما في الخلاصة أنه لا يترجح أحدهما إلا بسبق التاريخ أو باليد أو بإقرارها له أو دخول أحدهما ا هـ وكان ينبغي أن يزيد أو بتاريخ من أحدهما فقط كما علمته. والحاصل أن أحدهما إذا أرخ فقط قدم إن لم يكن إقرار للآخر ولا بد فإن وجد إقرار لأحدهما ويد للآخر قدم ذو اليد وفي الظهيرية لو دخل بها أحدهما وهي في بيت الآخر فصاحب البيت أولى.
والحاصل أن سبق التاريخ أرجح من الكل ثم اليد ثم الدخول ثم الإقرار ثم ذو التاريخ وأطلق في التصديق فشمل ما إذا سمعه القاضي أو برهن عليه مدعيه بعد إنكارها له كما في الخلاصة ولو قالت زوجت نفسي من زيد بعدما زوجت نفسي من عمرو وهما يدعيان فهي امرأة زيد عند أبي يوسف وعليه الفتوى كما هو في الخلاصة وهو نظير ما لو قال لأختين تزوجت فاطمة بعد خديجة فامرأته فاطمة عند أبي يوسف وخديجة عند محمد كما في الظهيرية ثم اعلم أن بعضهم عبر بإقرارها وبعضهم بتصديقها فالظاهر أنهما سواء هنا ولكن فرقوا بينهما فقال الشارح في باب اللعان فإن أبت حبست حتى تلاعن أو تصدقه وفي بعض نسخ القدوري أو تصدقه فتحد وهو غلط لأن الحد لا يجب بالإقرار مرة فكيف يجب بالتصديق مرة وهو لا يجب بالتصديق أربع مرات لأن التصديق ليس بإقرار قصدا فلا يعتبر في حق وجوب الحد ويعتبر في درئه فيندفع به اللعان ولا يجب به الحد ا هـ. وقدمنا في باب حد القذف أنه لو قال لرجل يا زاني فقال له غيره صدقت حد المبتدئ دون المصدق ولو قال صدقت هو كما قلت فهو قاذف أيضا ا هـ. وإنما وجب في الثانية للعموم في كاف التشبيه لا للتصديق فعلم بهذا أن الحد لا يجب بالتصديق فإن قلت لو قال لي عليك ألف فقال صدقت أيكون إقرارا ملزما للمال قلت نعم ينافي التلخيص لو قال لي عليك ألف فقال الحق أو الصدق أو اليقين فهو إقرار لأنه للتصديق عرفا وكذا لو أنكر إلى آخر ما فيه فإن

 

 ج / 7 ص -338-     وعلى الشراء منه لكل نصفه ببدله إن شاء
________________
قلت إذا شهد عليه واحد فقال هو صادق أو شهد اثنان فقال صدقتما أو فهما صادقان فهل يكون إقرارا قلت لم أرها الآن وينبغي أن لا يكون إقرارا إلا إذا قال فيما يشهد به أو شهدا به للاحتمال أما لو قال إن شهد علي اثنان فهو علي صرحوا بأنه لا يصح تعليق الإقرار وأنه لو قال إن حلف فعلى ما ادعى به فحلف لا يلزمه شيء فكذا هنا وفي الخانية إن شهد فلان فعلي لا يلزمه ا هـ. ثم رأيته في شرح أدب القضاء للصدر الشهيد من باب المسألة عن الشهود عند الكلام على تعديل الخصم لو قال المدعى عليه بعدما شهد الشاهد هو عدل صادق كان إقرارا بخلاف ما لو قال الذي يشهد به على صدق لا يكون إقرارا وتمامه فيه.
قوله "وعلى الشراء منه لكل نصفه ببدله إن شاء" أي لو برهن الخارجان على الشراء من ذي اليد خير كل منهما إن شاء أخذ النصف بنصف الثمن وإن شاء ترك لأن القاضي يقضي به بينهما نصفين لاستوائهما في السبب فصار كفضوليين باع كل منهما من رجل وأجاز المالك البيعين فإن كلا منهما يخير لأنه تغير عليه شطر عقده فلعل رغبته في تملك الكل أشار المؤلف رحمه الله تعالى إلى أن الخارجين لو برهن كل منهما على ذي اليد أنه أودعه الذي في يده فإنه يقضى به بينهما نصفين ثم إذا أقام أحدهما البينة على صاحبه أنه عبده لم تسمع ولو أقام أحدهما البينة على دعواه ولم يقم الآخر وأقام شاهدا واحدا أو شاهدين لم يزكيا فقضي بالعبد لصاحب البينة ثم أقام الآخر بينة عادلة على أن عبده أودعه الذي في يده أو لم يذكروا ذلك فإنه يقضى به للثاني على المقضي له وتمامه في خزانة الأكمل ويستفاد منه أحكام مسألة الكتاب فيما إذا أقام أحدهما بينة على الشراء وقضي له ثم أقام الآخر فإنه يقضى له على المقضي له بخلاف ما إذا برهنا وقضي بالتنصيف فبرهن أحدهما لم تسمع وقيد بكون كل منهما مدعيا للشراء فقط للاحتراز عما إذا ادعى أحدهما شراء وعتقا والآخر شراء فقط فإن مدعي العتق أولى فإن العتق بمنزلة القبض كذا في خزانة الأكمل وقيد بقوله منه لأنهما لو ادعيا الشراء من غير ذي اليد فسيأتي وقوله ببدله أي بنصف الثمن الذي عينه فإن ادعى أحدهما أنه اشتراه بمائة والآخر بمائتين أخذ الأول نصفه بخمسين والآخر نصفه بمائة ولم يذكر المؤلف رحمه الله أن الثمن منقود أولا لأنه لا فرق لكن إن برهن كل منهما على الشراء والنقد استرد نصف ما دفعه كما في خزانة الأكمل وظاهر إطلاقه أنه لا اعتبار بتصديق ذي اليد أحدهما وفي العمادية واقرار صاحب اليد لأحدهما لا يعتبر لأنه شهادة على قوله وفي فوائد جدي شيخ الإسلام برهان

 

 ج / 7 ص -339-     وبإباء أحدهما بعد القضاء لم يأخذ الآخر كله, وإن أرخا فللسابق. وإلا فلذي القبض
_________________
الدين1 إذا شهد البائع بالملك لمشتريه والعين في يد غيره بأن قال هذه العين ملكه لأني بعته منه أو قال كان ملكا لي وبعته منه فإن كان المدعي في دعواه ادعى الشراء منه لا تقبل لأنه شهادة على قول نفسه ا هـ. وأفاد بإشارة كلامه مسألة التنازع في الميراث فلو ادعى كل من خارجين الميراث عن أبيه وبرهن قضي بها بينهما ولذا قال في خزانة الأكمل دار في يد رجل ادعاها رجلان أحدهما ابن أخ الذي في يده وأقام كل بينة أنها له ورثها عن أبيه فلان لا وارث له غيره فقبل أن يقضي القاضي مات العم ولم يترك وارثا غير ابن أخيه دفعت إليه ولم تبطل بينته فيقضي القاضي بالدار بينهما ثم إن أقام الأجنبي بينة بعده على أنها داره ورثها عن أبيه لم يصح فإن زكيت شهود الأجنبي ولم يزك شهود ابن الأخ فقضى بها للأجنبي فإن زكيت ببينة ابن الأخ بعده لم يقض بشيء وتمامه فيها.
قوله "وبإباء أحدهما بعد القضاء لم يأخذ الآخر كله" لأنه صار مقضيا عليه بالنصف فانفسخ البيع فيه لظهور استحقاقه بالبينة لولا بينة صاحبه قيد بقوله بعد القضاء لأنه قبل القضاء له أخذ الجميع لأنه يدعي الكل ولم يفسخ سببه والعود إلى النصف للمزاحمة ولم يوجد ونظيره تسليم أحد الشفيعين قبل القضاء ونظير الأول تسليمه بعد القضاء.
قوله "وإن أرخا فللسابق" لأنه أثبت الشراء في زمن لا ينازعه فيه أحد فاندفع الآخر به فإن كان البائع قبض الثمن منه رده إليه كما في السراج الوهاج قيد بكونهما أرخا لأنه لو أرخ أحدهما فقط فهو لصاحب الوقت لثبوت ملكه في ذلك الوقت واحتمل الآخر أن يكون قبله أو بعده فلا يقضى له بالشك وقيد بدعوى الشراء من واحد لأنه لو اختلف بائعهما لم يترجح أسبقهما تاريخا ولا المؤرخ فقط لأن ملك بائعهما لا تاريخ له ولأنهما لو ادعيا الملك المطلق ولم يدعيا الشراء من ذي اليد فلا ترجيح لصاحب التاريخ عند الإمام كما سيأتي.
قوله "وإلا فلذي القبض" أي وإلا يسبق تاريخ أحدهما ومع أحدهما قبض قدم برهانه لأن تمكنه من قبضه يدل على سبق شرائه ولأنهما استويا في الإثبات فلا تنقضي اليد الثابتة بالشك وظاهر الكتاب كما صرح به في المحيط تقديم صاحب القبض سواء أرخا واستوى تاريخهما أو لم يؤرخا وأرخت إحداهما فقط وإنما يتأخر صاحبه إذا سبق تاريخ غيره لأن الصريح يفوق الدلالة فاقتصار الشارح في قوله والأعلى ما إذا لم يؤرخا قصور ولي أشكال في عبارة الكتاب هو أن أصل المسألة مفروضة في خارجين ينازعان فيما في يد ثالث فإذا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لعل المراد به فؤاد برهان الدين المرغيناني. ا هـ كشف الظنون "2/1296".

 

 ج / 7 ص -340-     والشراء أحق من الهبة
________________
كان مع أحدهما قبض كان ذا يد تنازع مع خارج فلم تكن المسألة ثم رأيت في المعراج ما يزيله من جواز أن يراد أنه أثبت بالبينة قبضه فيما مضى من الزمان وهو الآن في يد البائع ا هـ. إلا أنه يشكل ما ذكره بعده عن الذخيرة بأن ثبوت اليد لأحدهما بالمعاينة ا هـ. والحق أنها مسألة أخرى وكان ينبغي إفرادها وحاصلها أن خارجا وذا يد ادعى كل الشراء من ثالث وبرهنا قدم ذو اليد في الوجوه الثلاثة والخارج في وجه واحد.
"قوله والشراء أحق من الهبة" أي لو برهن خارجان على ذي يد أحدهما على الشراء منه والآخر على الهبة منه كان الشراء أولى من الهبة لأن الشراء أقوى لكونه معاوضة من الجانبين ولأنه يثبت الملك بنفسه والملك في الهبة يتوقف على القبض قيد باتحاد الملك لهما إذ لو اختلفا استويا لأن كلا منهما خصم عن مملكه في إثبات ملكه وهما فيه سواء بخلاف ما إذا اتحد لاحتياجهما إلى إثبات السبب وفيه يقدم الأقوى قال في البزازية ادعى الشراء من رجل وادعى آخر هبة وقبضا من غيره والثالث إرثا من أبيه والرابع صدقة وقبضا من آخر غيره فهو بينهم أرباعا عند استواء الحجة إذ تلقوا الملك من مملكهم فكأنهم حضروا وبرهنوا على الملك المطلق ا هـ. وأطلقه وهو مقيد بأن لا تاريخ لهما إذ لو أرخا مع اتحاد الملك كان الأسبق بخلاف ما إذا اختلف الملك ولو أرخت إحداهما فقط فالمؤرخة أولى وقيد بكونهما خارجين للاحتراز عما إذا كانت في يد أحدهما والمسألة بحالها فإنه يقضى للخارج إلا في أسبق التاريخ فهو للأسبق وإن أرخت إحداهما فقط فلا ترجيح لها كما في المحيط وإن كانت في أيديهما يقضى بينهما إلا في أسبق التاريخ فهي له كدعوى ملك مطلق وهذا إذا كان المدعى به مما لا يقسم كالعبد والدابة وأما فيما يقسم كالدار فإنه يقضى لمدعي الشراء لأن مدعي الهبة أثبت بالبينة الهبة في الكل ثم استحق الآخر نصفه بالشراء واستحقاق نصف الهبة في مشاع يحتمل القسمة تبطل الهبة بالإجماع فلا تقبل بينة مدعي الهبة فكان مدعي الشراء منفردا بإقامة البينة كذا في المحيط وفي العمادية والصحيح أنهما سواء لأن الشيوع الطارئ لا يفسد الهبة والصدقة ويفسد الرهن ا هـ. وأطلق في الهبة وهي مقيدة بالتسليم كما في المحيط ومقيدة بأن لا تكون بعوض إذ لو كانت بعوض كانت بيعا كما في المحيط فإنه قال الهبة بعوض أولى من الرهن لأن الشراء يفيد الملك بعوض للحال والرهن لا يفيد الملك للحال فكان الشراء أقوى ا هـ. ومقتضاه استواء الشراء والهبة بعوض ولم أر حكم الشراء الفاسد مع القبض والهبة مع القبض فإن الملك في كل منهما متوقف على القبض وينبغي تقديم الشراء للمعاوضة وأشار المؤلف رحمه الله تعالى إلى أن الشراء أحق من

 

 ج / 7 ص -341-     والشراء والمهر سواء
___________
الصدقة وإلى استواء الصدقة المقبوضة بالهبة المقبوضة للاستواء في التبرع ولا ترجيح للصدقة باللزوم لأن أثر اللزوم يظهر في ثاني الحال وهو عدم التمكن من الرجوع في المستقبل والترجيح يكون بمعنى قائم في الحال والهبة قد تكون لازمة بأن كانت لمحرم والصدقة قد لا تلزم بأن كانت لغني وهذا فيما لا يحتمل القسمة اتفاقا وفيما يحتملها عند البعض لأن الشيوع طارئ وعند البعض لا يصح لأنه تنفيذ الهبة في الشائع فصار كإقامة البينتين على الارتهان وهذا أصح كذا في الهداية.
وحاصله أن الصدقة أولى من الهبة فيما يحتمل القسمة وهذا عند عدم التاريخ والقبض كما سنبينه وأما إذا أرخا قدم الأسبق وإن لم يؤرخا ومع أحدهما قبض كان أولى وكذا إذا أرخ أحدهما فقط كما قدمنا في الشراء من ذي اليد وفي الخلاصة ولو كان كلاهما هبة أو صدقة أو أحدهما هبة والآخر صدقة فما لم يذكر الشهود القبض لا يصح وإن ذكروا القبض ولم يؤرخوا أو أرخوا تاريخا واحدا فهو بينهما إذا كان لا يحتمل القسمة كالعبد ونحوه وإن كان يحتمل القسمة كالدار ونحوها فلا يقضى لهما بشيء عند أبي حنيفة وعندهما يقضى بينهما نصفين ولو كان في يد أحدهما يقضى له بالإجماع ا هـ.
قوله "والشراء والمهر سواء" يعني لو ادعى أحدهما الشراء من ذي اليد وامرأة أنه تزوجها عليه فهما سواء لاستوائهما في القوة فإن كل واحد منهما معاوضة يثبت ذلك بنفسه وهذا عند أبي يوسف وقال محمد الشراء أولى ولها على الزوج القيمة لأنه أمكن العمل بالبينتين بتقديم الشراء إذ التزويج على عين مملوك للغير صحيح فيجب قيمته عند تعذر تسليمه وأفاد باستوائهما أنها بينهما فيكون للمرأة نصفها ونصف قيمتها على الزوج لاستحقاق نصف المسمى وللمشتري نصفها ويرجع بنصف الثمن إن كان أداه وله فسخ البيع لتفرق الصفقة عليه.
وفي البناية هذا إذا لم يؤرخا أو أرخا واستوى تاريخهما فإن سبق تاريخ أحدهما كان أولى ا هـ.
وفي العمادية ولو اجتمع نكاح وهبة أو رهن أو صدقة فالنكاح أولى ا هـ.
وفي جامع الفصولين أقول: لو اجتمع نكاح وهبة يمكن أن يعمل بالبينتين لو استويا بأن تكون منكوحة لذا وهبة للآخر بأن يهب أمته المنكوحة فينبغي أن لا تبطل بينة الهبة حذرا عن تكذيب المؤمن وحملا على الصلاح وكذا الصدقة مع النكاح وكذا الرهن مع النكاح ا هـ.

 

 ج / 7 ص -342-     والرهن أحق من الهبة
______________
وقد كتبت في حاشيته أنه وهم لأنه فهم أن المراد لو تنازعا في أمة أحدهما ادعى أنها ملكه بالهبة وآخر أنه تزوجها وليس مرادهم وإنما المراد من النكاح المهر كما عبر به في الكتاب ولذا قال في المحيط والشراء أولى من النكاح عند محمد وعند أبي يوسف هما سواء لمحمد أن المهر صلة من وجه إلى آخره فقد أطلق النكاح وأراد المهر ومما يدل على ما ذكرناه أن العمادي بعدما ذكر أن النكاح أولى قال ثم إن كانت العين في يد أحدهما فهو أولى إلا أن يؤرخا وتاريخ الخارج أسبق فحينئذ يقضى للخارج ولو كانت في أيديهما يقضى بها بينهما نصفين إلا أن يؤرخا وتاريخ أحدهما أسبق فيقضى له ا هـ. فكيف يتوهم عاقل أن الكلام في المنكوحة بعد قوله تكون بينهما نصفين فيما إذا كانت في أيديهما فآخر الكلام أزال اللبس وأوضح كل تخمين وحدس وحكم بغلط الجامع عفا الله عنه وينبغي أنهما لو تنازعا في الأمة ادعى أحدهما ملكه والآخر أنها منكوحته وهما من رجل واحد وبرهنا ولا مرجح أن يثبتا لعدم المنافاة فيكون ملكا لمدعي الملك هبة أو شراء منكوحة للآخر كما بحثه الجامع ولم أره صريحا والغصب والإيداع سواء لما في الخلاصة عبد في يد رجل أقام رجل البينة أنه عبده غصبه الذي في يديه وأقام آخر البينة أنه عبده أودعه الذي في يديه يقضى به بينهما ا هـ.
"قوله والرهن أحق من الهبة" يعني لو ادعى أحدهما رهنا مقبوضا والآخر هبة وقبضا وبرهنا فالرهن أولى وهذا استحسان والقياس أن الهبة أولى لأنها تثبت الملك والرهن لا يثبته ووجه الاستحسان أن المقبوض بحكم الرهن مضمون وبحكم الهبة غير مضمون وعقد الضمان أقوى أطلق الهبة وهي مقيدة بأن لا عوض فيها فإن كانت بشرط العوض فهي أولى من الرهن لأنها بيع انتهاء والبيع أولى من الرهن لأنه ضمان يثبت الملك صورة ومعنى والرهن لا يثبته إلا عند الهلاك معنى لا صورة فكذا الهبة بشرط العوض قيد بكون العين في يد ثالث إذ لو كانت في يد أحدهما فإنه أولى إلا أن يؤرخا وتاريخ الخارج أسبق فهو أولى ولو كانت في أيديهما يقضى بها بينهما نصفين إلا أن يؤرخا وتاريخ أحدهما أسبق فيقضى له قال العمادي هذا في الشراء والهبة والصدقة مستقيم لأن الشيوع الطارئ لا يفسد الهبة والصدقة على ما عليه الفتوى أما في الرهن لا يستقيم لأن الشيوع الطارئ يفسد الرهن فينبغي أن يقضى بالكل لمدعي الشراء إذا اجتمع الرهن والشراء لأن مدعي الرهن أثبت رهنا فاسدا فلا تقبل بينته فصار كأن مدعي الشراء انفرد بإقامة البينة ولهذا قال شيخ الإسلام خواهر زاده إنه إنما يقضى به بينهما فيما إذا اجتمع الشراء والهبة إذا كان المدعى مما لا يحتمل القسمة كالعبد والدابة أما إذا كانت شيئا يحتملها يقضى بالكل لمدعي الشراء قال لأن مدعي الشراء قد استحق النصف على مدعي الهبة واستحقاق نصف الهبة في مشاع يحتمل القسمة يوجب فساد الهبة فلا

 

 ج / 7 ص -343-     ولو برهن الخارجان على الملك والتاريخ أو على الشراء من واحد فالأسبق أحق, وعلى الشراء من آخر وذكرا تاريخا استويا
_____________
تقبل بينة مدعي الهبة غير أن الصحيح ما أعلمتك من أن الشيوع الطارئ لا يفسد الهبة والصدقة ويفسد الرهن والله أعلم ا هـ.
قوله "ولو برهن الخارجان على الملك والتاريخ أو على الشراء من واحد فالأسبق أحق" لأنه أثبت أنه أول المالكين فلا يتلقى الملك إلا من جهته ولم يتلق الآخر منه وأطلق الواحد فشمل ذا اليد وقيده في الهداية بغير ذي اليد وتعقبه الشارحون بأنه لا فائدة فيه فإن الحكم لا يتفاوت أن يكون دعواهما الشراء من صاحب اليد أو غيره بعد أن يكون البائع واحدا ولا يعلم فيه خلاف ا هـ. ويتأتى التفريع فيها كالتي قبلها من أن أحدهما إذا ادعى شراء والآخر هبة وقبضا إلى آخره.
وحاصل المسألتين أن الخارجين ادعيا تلقي الملك من واحد سواء كان ذلك الواحد ذا يد أو غيره قلت إنما قيده به لأنهما لو ادعيا الشراء من ذي اليد فقد تقدمت فلا فائدة في التعميم مع تقدم تلك المسألة وقيد بالبرهان على التاريخ منهما في الأولى لأنه لو أرخت إحداهما دون الأخرى فهما سواء كما لو لم يؤرخا عنده وقال أبو يوسف المؤرخ أولى وقال محمد المبهم أولى بخلاف ما إذا أرخت إحداهما فقط في الثانية فإن المؤرخ أولى. والحاصل أنهما إذا لم يؤرخا أو أرخا واستويا فهي بينهما في المسألتين وإن أرخا وسبق إحداهما فالسابق أولى فيهما وإن أرخت إحداهما فقط فهي الأحق في الثانية لا في الأولى وقدمنا أن دعوى الوقف كدعوى الملك المطلق فيقدم الخارج والأسبق تاريخا وفي السراج الوهاج فإن كان المدعى دابة أو أمة فوافق سنها أحد التاريخين كان أولى لأن سن الدابة مكذب لأحد البينتين فكان من صدقه أولى.
قوله "وعلى الشراء من آخر وذكرا تاريخا استويا" أي برهن كل واحد منهما على الشراء من آخر وذكر تاريخا فهما سواء لأنهما يثبتان الملك لبائعهما فيصير كأنهما حضرا أطلق في قوله وذكرا تاريخا فشمل ما إذا استوى تاريخهما أو سبق تاريخ أحدهما بخلاف ما إذا كان الملك لهما واحدا حيث يكون الأسبق أولى كذا ذكره الشارح تبعا للكافي وهو سهو بل يقدم الأسبق هنا أيضا والمراد بقوله كما في الهداية وذكرا تاريخ التساوي فيه أي تاريخا واحدا ولذا قال في غاية البيان وإن كان تاريخ أحدهما أسبق كان أولى على قول أبي حنيفة وهو قول أبي يوسف آخرا وهو قول محمد في رواية أبي حفص وعلى قول أبي يوسف الأول يقضى به بينهما نصفين وذلك لأنهما يثبتان الملك لبائعهما فصار كأن البائعين حضرا وادعيا ملكا مطلقا

 

 ج / 7 ص -344-     ولو برهن الخارج على ملك مؤرخ وتاريخ ذي اليد أسبق أو برهنا على النتاج أو سبب ملك لا يتكرر أو الخارج على الملك وذو اليد على الشراء منه فذو اليد أحق
_____________
لأنفسهما والحكم في دعوى الملك المطلق ذلك فكذا هنا ا هـ. وفي خزانة الأكمل وذكر في الكتاب لو وقتا وقتين فصاحب الوقت الأول أولى ا هـ. والعجب من الشارح أنه جعله من قبيل دعوى الملك المطلق ونسي ما قاله في الكتاب قريبا من قوله ولو برهن الخارجان على الملك والتاريخ فالأسبق أحق فقط ولو قال المؤلف وذكرا تاريخا أو أحدهما فقط لكان أولى فلا يترجح صاحب التاريخ على غيره لأن توقيت أحدهما لا يدل على تقدم الملك لجواز أن يكون الآخر أقدم بخلاف ما إذا كان البائع واحدا لأنهما اتفقا على أن الملك لا يتلقى إلا من جهته فإذا أثبت أحدهما تاريخا يحكم به حتى يتبين أنه تقدمه شراء غيره ثم اعلم أن البينة على الشراء لا تقبل حتى يشهدوا أنه اشتراها من فلان وهو يملكها كما في خزانة الأكمل وفي السراج الوهاج لا تقبل الشهادة على الشراء من فلان حتى يشهدوا أنه باعها منه يومئذ يملكها أو يشهدوا أنها لهذا المدعي اشتراها من فلان بكذا ونقده الثمن وسلمها إليه لأن الإنسان قد يبيع ما لا يملك لجواز أن يكون وكيلا أو متعديا فلا يستحق المشتري الملك بذلك فلا بد من ذكر ملك البائع أو ما يدل عليه. ا هـ.
قلت إذا كان البائع وكيلا فكيف يشهدون بأنه باعها وهو يملكها فليتأمل وفي البزازية إن كان المبيع في يد البائع تقبل من غير ذكر ملك البائع وإن كان في يد غيره والمدعي يدعيه لنفسه إن ذكر المدعي وشهوده أن البائع يملكها أو قالوا سلمها إليه وقال سلمها إلي أو قال قبضت وقالوا قبض أو قال ملكي اشتريتها منه وهي لي تقبل فإن شهدوا على الشراء والنقد ولم يذكروا القبض ولا التسليم ولا ملك البائع ولا ملك المشتري لا تقبل الدعوى ولا الشهادة ولو شهدوا باليد للبائع دون الملك اختلفوا ا هـ. وإذا استويا في مسألة الكتاب يقضى به بينهما نصفين ثم يخير كل واحد منهما إن شاء أخذ نصف العبد بنصف الثمن وإن شاء ترك وأشار المؤلف إلى أن أحدهما لو ادعى الشراء من رجل وهو يملكه وادعى الآخر الهبة من آخر وقبضها منه وهو يملكها فإنها تكون بينهما ولذا قال في الهداية ولو ادعى أحدهما الشراء من رجل والآخر الهبة والقبض من غيره والثالث الميراث من أبيه والآخر الصدقة والقبض من آخر قضي بينهم أرباعا لأنهم يتلقون الملك من باعتهم فيجعل كأنهم حضروا وأقاموا البينة على الملك المطلق ا هـ.
قوله "ولو برهن الخارج على ملك مؤرخ وتاريخ ذي اليد أسبق أو برهنا على النتاج أو سبب ملك لا يتكرر أو الخارج على الملك وذو اليد على الشراء منه فذو اليد أحق" بيان

 

 ج / 7 ص -345-     ...........................
_________________
لثلاث مسائل تقدم فيها بينة ذي اليد على الخارج:
الأولى برهنا على ملك مؤرخ وسبق تاريخ ذي اليد وهذا عندهما ورواية عن محمد وعنه عدم قبولها رجع إليه لأن البينتين قامتا على مطلق الملك ولم يتعرضا لجهة الملك فكان التقدم والتأخر سواء ولهما أن البينة مع التاريخ متضمنة معنى الدفع فإن الملك إذا ثبت لشخص في وقت فثبوته لغيره بعده لا يكون إلا بالتلقي من جهته وبينة ذي اليد على الدفع مقبولة وعلى هذا الخلاف لو كانت الدار في أيديهما والمعنى ما بينا قيد بسبق تاريخ ذي اليد لأنه لو لم يكن لهما تاريخ أو استوى تاريخهما أو أرخت إحداهما فقط كان الخارج أولى وكذا لو كانت في أيديهما فإنها تقدم المؤقتة على غيرها بخلاف ما إذا كانت في يد ثالث فإنهما سواء عنده وعند الثاني تقدم المؤقتة وعند الثالث المطلقة وهو المراد بقوله ولا بينة لذي اليد في الملك المطلق ومراده وتاريخ ملك ذي اليد سبق وإنما قررناه للاحتراز عما في خزانة الأكمل أمة في يد رجل أقام آخر البينة أنها له منذ سنتين وأقام البينة أنها في يده منذ سنتين ولم يشهدوا أنها له قضيت بها للمدعي. ا هـ. لأن بينة ذي اليد إنما شهدت باليد لا بالملك ولا بد من تحقق سبق تاريخ ذي اليد لما في الخزانة أيضا لو أقام المدعي البينة أنها له منذ سنة أو سنتين شك الشهود فيه وأقام ذو اليد أنها له منذ سنتين قضي بها لذي اليد ولو وقت شهود المدعي سنة ووقت شهود ذي اليد سنة أو سنتين فهي للمدعي ا هـ. والشهادة بأنها له عام أول مقدمة على أنها له منذ العام كما فيها أيضا.
الثانية أقام كل من الخارج وذي اليد بينة على النتاج فصاحب اليد أولى لأن البينة قامت على ما لا يدل عليه اليد فاستويا وترجحت بينة ذي اليد باليد فيقضى له وهذا هو الصحيح ودليله من السنة ما روى جابر بن عبد الله
"أن رجلا ادعى ناقة في يد رجل وأقام البينة أنها ناقته نتجت وأقام الذي في يديه البينة أنها ناقته نتجها فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي هي في يده"1 وهذا حديث صحيح مشهور فصارت مسألة النتاج مخصوصة كذا في المحيط وأشار إلى أن أحدهما لو برهن على الملك والآخر على النتاج فصاحب النتاج أولى أيهما كان لأن بينته على أولية الملك فلا يثبت الآخر إلا بالتلقي من جهته وكذا إذا كان الدعوى بين خارجين فبينة النتاج أولى لما ذكرنا وفي الهداية ولو قضي بالنتاج لصاحب اليد ثم أقام ثالث البينة على النتاج يقضى له إلا أن يعيدها ذو اليد لأن الثالث لم يكن مقضيا عليه بتلك القضية وكذا المقضي عليه بالملك المطلق إذا أقام البينة على النتاج تقبل وينقض القضاء لأنه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الدارقطني في "سننه" "4/209".

 

 ج / 7 ص -346-     ......................
______________
بمنزلة النص ا هـ. وأطلق في قوله ولو برهنا فشمل ما إذا برهن الخارج فقط على النتاج وقضي له ثم برهن ذو اليد فإنه يقضى له ويبطل القضاء الأول كما في خزانة الأكمل وفي جامع الفصولين معزيا إلى العدة ادعى ذو اليد نتاجا أيضا ولم يبرهن حتى حكم بها للمدعي بالنتاج ثم برهن المدعى عليه على النتاج لا ينقض الحكم ا هـ. ثم اعلم أن المقضي عليه في حادثة لا تسمع دعواه بعده إلا إذا برهن على إبطال القضاء أو على تلقي الملك من المقضي له أو على النتاج كما في العمادية والبزازية وأطلقه فشمل ما إذا أرخا واستوى تاريخهما أو سبق أحدهما أو لم يؤرخا أصلا أو أرخت إحداهما فلا اعتبار بالتاريخ مع النتاج إلا من أرخ تاريخا مستحيلا بأن لم يوافق سن المدعي لوقت ذي اليد ووافق وقت الخارج فحينئذ يحكم للخارج ولو خالف سنه للوقتين لغت البينتان عند عامة المشايخ ويترك في يد ذي اليد على ما كان كذا في رواية وهو بينهما نصفان في رواية كذا في جامع الفصولين والنتاج ولادة الحيوان ووضعه عنده من نتجت عنده بالبناء للمفعول ولدت ووضعت كما في المغرب والمراد ولادته في ملكه أو في ملك بائعه أو مورثه ولذا قال في خزانة الأكمل لو أقام بينة أن هذه الدابة نتجت عنده أو نسج هذا الثوب عنده أو أن هذا الولد ولدته أمته ولم يشهدوا بالملك له فإنه لا يقضى له. ا هـ. وكذا لو شهدوا أنها بنت أمته لأنهم إنما شهدوا بالنسب كذا في الخزانة وإنما قلت أو ملك بائعه لما في جامع الفصولين برهن كل من الخارج وذي اليد على نتاج في ملك بائعه حكم لذي اليد إذ كل منهما خصم عن بائعه فكأن بائعهما حضر أو ادعيا ملكا بنتاج فإنه يحكم لذي اليد ولو برهن أنه له ولد في ملكه وبرهن ذو اليد أنه له ولد في ملك بائعه حكم به لذي اليد لأنه خصم عمن تلقى الملك منه ويده يد المتلقي منه فكأنه حضر وبرهن على النتاج والمدعي في يده بحكم له به كذا هذا ا هـ. وبه ظهر أنه لا يترجح نتاج في ملكه على نتاج في ملك بائعه ولا يشترط أن يشهدوا بأن أمه في ملكه لكن لو شهدت بينة بذلك دون أخرى قدمت عليها لما في الخزانة عبد في يد رجل أقام رجل البينة أنه عبده ولد في ملكه وأقام آخر البينة أنه عبده ولد في ملكه من أمته هذه قضي للذي أمه في يده فإن أقام صاحب اليد البينة أنه عبده ولد في ملكه من أمة أخرى فصاحب اليد أولى عبد في يد رجل أقام رجل البينة أنه عبده ولد من أمته هذا من عبده هذا وأقام رجل البينة بمثل ذلك فهو بينهما نصفان فيكون ابن عبدين وأمتين وقال صاحباه لا يثبت نسبه منهما ا هـ.
وفي جامع الفصولين برهن الخارج أن هذه أمته ولدت هذا القن في ملكي وبرهن ذو اليد على مثله يحكم بها للمدعي لأنهما ادعيا في الأمة ملكا مطلقا فيقضى بها للمدعي ثم يستحق القن تبعا ا هـ. وبهذا ظهر أن ذا اليد إنما يقدم في دعوى النتاج على الخارج أن لو لم يتنازعا في الأم أما لو تنازعا فيها في الملك المطلق وشهدوا به وبنتاج ولدها فإنه لا يقدم وهذه يجب

 

 ج / 7 ص -347-     .........................
_______________
حفظها وإنما قلت أو ملك مورثة لما في القنية كما تقدم بينة ذي اليد إذا ادعى أولية الملك بالنتاج عنده فكذا إذا ادعاه عند مورثه فإذا أقاما بينة على عمارة دار أن أباه بناها منذ ستين سنة وقالا مات وتركها ميراثا لنا فبينة ذي اليد أولى ا هـ. وقيد بكون كل منهما مدعيا للملك والنتاج فقط إذ لو ادعى الخارج الفعل على ذي اليد كالغصب والإجارة والعارية فبينة الخارج أولى وإن ادعى ذو اليد النتاج لأن بينة الخارج في هذه الصور أكثر إثباتا لإثباتها الفعل على ذي اليد إذ هو غير ثابت أصلا كما ذكره الشارح وفي المحيط الخارج وذو اليد إذا أقاما البينة على نتاج العبد والخارج يدعي الإعتاق أيضا فهو أولى وكذا إذا ادعيا وهو في يد ثالث وأحدهما يدعي الإعتاق فهو أولى لأن بينة النتاج مع العتق أكثر إثباتا لأنها أثبتت أولية الملك على وجه لا يستحق عليه أصلا وبينة ذي اليد أثبتت الملك على وجه يتصور استحقاق ذلك عليه بخلاف ما إذا ادعى الخارج العتق مع مطلق الملك وذو اليد ادعى النتاج فبينة ذي اليد أولى لأنهما لم يستويا في إثبات أولية الملك لأن الخارج ما أثبت الملك فلم يعتبر العتق للترجيح وكذا لو ادعى الخارج التدبير أو الاستيلاد مع النتاج أيضا وذو اليد مع النتاج عتقا باتا فهو أولى ولو ادعى ذو اليد التدبير أو الاستيلاد مع النتاج والخارج ادعى عتقا باتا مع النتاج فالخارج أولى ا هـ. وقيد بتنازع الخارج مع ذي اليد إذ لو كانا خارجين ادعى كل دابة في يد آخر وبرهنا على النتاج فإنهما يستويان ويقضى بها بينهما كما في كافي الحاكم وفي شهادات البزازية عاين الشاهد دابة تتبع دابة وترضع له أن يشهد بالملك والنتاج ا هـ. وفي الخلاصة وعلى هذا لو شهد شاهدان على النتاج لزيد وآخران على النتاج لعمرو ويتصور هذا بأن رأى الشاهدان أنه ارتضع من لبن أنثى كانت له في ملكه وآخران رأيا أنه ارتضع من لبن أنثى في ملك آخر فتحل الشهادة للفريقين ا هـ. وألحقوا بالنتاج ما لا يتكرر سببه لكونه في معناه لأنه دعوى أولية الملك كالنسج في الثياب التي لا تنسج إلا مرة كالثياب القطنية وغزل القطن وحلب اللبن واتخاذ الجبن واللبد والمرعزى وجز الصوف وإن كان سببا يتكرر لا يكون في معناه فيقضى به للخارج بمنزلة الملك المطلق مثل الجز والبناء والغرس وزراعة الحنطة والحبوب فإن أشكل يرجع إلى أهل الخبرة فإن أشكل عليهم قضي به للخارج لأن القضاء ببينة هو الأصل وإنما عدلنا عنه بخبر النتاج فإذا برهن الخارج أنه ثوبه نسجه وبرهن ذو اليد كذلك فإن علم أنه لا ينسج إلا مرة فهو لذي اليد وإن علم تكرار نسجه فهو للخارج كالخز وكذا إذا أشكل وكذا إذا اختلفا في صوف وبرهن كل أنه صوفه جزه من غنمه فإنه يقضى به لذي اليد وأورد كيف يكون الجز في معناه وهو ليس بسبب لا ولية الملك لأن الصوف كان مملوكا له قبله وأجاب عنه في الكافي بأنه كوصف الشاة ولم يكن مالا إلا بعد الجز ولذا لم

 

 ج / 7 ص -348-     .........................
______________
يجز بيعه قبله وفصل السيف يسأل عنه فإن أخبروا أنه لا يضرب إلا مرة كان لذي اليد وإلا فللخارج والغزل في معنى النتاج لأنه لا يتكرر وهو سبب لا ولية الملك في المغزول والحنطة مما يتكرر فإن الإنسان قد يزرع في الأرض ثم يغربل التراب فيميز الحنطة منها ثم تزرع ثانية وكذا كل ما يكال أو يوزن والجبن لا يصنع إلا مرة وهو سبب لأولية الملك وكذا اللبن إذا تنازعا في كونه حلب في ملكه والنخل يغرس غير مرة فإذا تنازعا في أرض ونخيل في يد رجل فإنه يقضى للخارج بهما وكذا في أرض مزروعة أما إذا كان الزرع مما يتكرر فظاهر وإلا كان تبعا للأرض كذا في الخلاصة وفيها لو أقام البينة على شاة في يد غيره أنها شاته وجز هذا الصوف منها وأقام ذو اليد أن الشاة التي يدعيها له وجز الصوف منها فإنه يقضى بالشاة للمدعي لأنهما ادعيا في الشاة ملكا مطلقا فيقضى بالشاة للخارج ثم يتبعها الصوف لأن الجز ليس من أسباب الملك ا هـ.
والحاصل أن المنظور إليه من كونه يتكرر أولا إنما هو الأصل لا التبع وفي خزانة المفتين شاتان في يد رجل إحداهما بيضاء والأخرى سوداء فادعاهما رجل وأقام البينة أنهما له وأن هذه البيضاء ولدت هذه السوداء في ملكه وأقام ذو اليد البينة أنهما له وأن هذه السوداء ولدت هذه البيضاء في ملكه فإنه يقضى لكل واحد منهما بالشاة التي ذكرت شهوده أنها ولدت في ملكه وإن كان في يد رجل حمام أو دجاج أو طير مما يفرخ أقام رجل البينة أنه له فرخ في ملكه وأقام صاحب اليد البينة على مثل ذلك قضي به لصاحب اليد ولو ادعى لبنا في يد رجل ضربه في ملكه وبرهن ذو اليد يقضى به للخارج ولو كان مكان اللبن آجر أو جص أو نورة يقضى به لصاحب اليد وغزل القطن لا يتكرر فيقضى به لذي اليد بخلاف غزل الصوف وورق الشجر وثمرته في النتاج بخلاف غصن الشجرة والحنطة ولا بد من الشهادة بالملك مع السبب الذي لا يتكرر كالنتاج ولو برهن الخارج على أن البيضة التي تعلقت من هذه الدجاجة كانت له لم يقض له بالدجاجة ويقضى على صاحب الدجاجة ببيضة مثلها لصاحبها لأن ملك البيضة ليس بسبب لملك الدجاجة فإن من غصب بيضة وحضنها تحت دجاجة له كان الفرخ للغاصب وعليه مثلها بخلاف الأمة فإن ولدها لصاحب الأم وجلد الشاة يقضى به لصاحب اليد والجبة المحشوة والفرو وكل ما يقطع من الثياب والبسط والأنماط المصبوغ بعصفر أو زعفران يقضى بها للخارج ا هـ.
الثالثة: برهن الخارج على الملك المطلق وذو اليد على الشراء منه فذو اليد أولى لأن الأول وإن كان يدعي أولية الملك فهذا تلقى منه وفي هذه لا تنافي كما إذا أقر بالملك له ثم ادعى الشراء منه وأشار المؤلف رحمه الله إلى أن الخارج لو برهن أن فلانا القاضي قضى له بهذه

 

 ج / 7 ص -349-     ولو برهن كل على الشراء من الآخر ولا تاريخ سقطا وتترك الدار في يد ذي اليد
_______________
الأمة بشهود أنها له وبرهن ذو اليد على النتاج فإنه يقدم الخارج وهو قولهما لأن القضاء صح ظاهرا فلا ينقض ما لم يظهر خطؤه بيقين ولم يظهر لاحتمال أنه اشتراها من ذي اليد وعند محمد يقضى بها لذي اليد كذا في الكافي وهذا إذا لم يبينوا سبب القضاء فإن بينوه فإن شهدوا أن القاضي أقر عندهم أنه قضى بشهادة شهود أنها له أو بالنتاج فإنه ينقض القضاء اتفاقا وإن شهدوا أنه قضى له بالنتاج ببينة ولم يشهدوا على إقرار القاضي لا ينقض القضاء لاحتمال القضاء بالشراء من ذي اليد كذا في خزانة المفتين.
قوله "ولو برهن كل على الشراء من الآخر ولا تاريخ سقطا وتترك الدار في يد ذي اليد" وهذا عندهما وعلى قول محمد يقضى بالبينتين ويكون للخارج لأن العمل بهما ممكن فيجعل كأنه اشترى ذو اليد من الآخر وقبض ثم باع لأن القبض دلالة السبق ولا يعكس الأمر لأن البيع قبل القبض لا يجوز وإن كان في العقار عنده ولهما أن الإقدام على الشراء إقرار منه بالملك للبائع فصار كأنهما قامتا على الإقرارين وفيه التهاتر بالإجماع كذا هنا ولأن السبب يراد لحكمه وهو الملك ولا يمكن القضاء لذي اليد إلا بملك مستحق فبقي القضاء له بمجرد السبب وأنه لا يفيده ثم لو شهدت البينتان على نقد الثمن فالألف بالألف قصاص عندهما إذا استويا لوجود قبض المضمون من كل جانب وإن لم يشهدوا نقد الثمن فالقصاص مذهب محمد للوجوب عنده ولو شهد الفريقان بالبيع والقبض تهاترا بالإجماع لأن الجمع غير ممكن عند محمد لجواز كل واحد من البيعين بخلاف الأول وإن وقتت البينتان في العقار ولم يثبتا قبضا ووقت الخارج أسبق يقضى لصاحب اليد عندهما فيجعل كأن الخارج اشترى أولا ثم باع قبل القبض من صاحب اليد وهو جائز في العقار عندهما وعند محمد يقضى للخارج لأنه لا يصح بيعه قبل القبض فبقي على ملكه وإن بينتا قبضا يقضى لصاحب اليد لأن البيعين جائزان على القولين وإن كان وقت صاحب اليد أسبق يقضى للخارج في الوجهين فيجعل كأنه اشتراها ذو اليد وقبض ثم باع ولم يسلم أو سلم ووصل إليه بسبب آخر كذا في الهداية وفي المبسوط ما يخالفه كما علم من الكافي وفيه دار في يد زيد برهن عمرو على أنه باعها من بكر بألف وبرهن بكر على أنه باعها من عمرو بمائة دينار وجحد زيد ذلك كله قضي بالدار بين المدعيين ولا يقضى بشيء من الثمنين لأنه تعذر القضاء بالبيع لجهالة التاريخ ولم يتعذر القضاء بالملك وعند محمد يقضى بها بينهما ولكل واحد نصف الثمن على صاحبه لأنه لم يسلم لكل واحد إلا نصف المبيع ولو ادعت امرأة شراء الدار من عمرو بألف وعمرو ادعى أنه اشتراها منها بألف وزيد وهو ذو اليد يدعي أنها له اشتراها من عمرو بألف وأقاموا البينة قضي لذي اليد لتعارض بينتي غيره فبقيت بينته بلا معارض وعند محمد يقضى بالدار لذي اليد بألف

 

 ج / 7 ص -350-     ولا يرجح بزيادة عدد الشهود, دار في يد آخر ادعى رجل نصفها وآخر كلها وبرهنا فللأول ربعها والباقي للآخر
_______________
عليه للخارج ويقضى لها على الخارج بألف لأن ذا اليد والمرأة ادعيا التلقي من الخارج فيجعل كأنها في يده ا هـ. وقيد بقوله ولا تاريخ لأنهما لو أرخا يقضى به لصاحب الوقت الآخر كذا في خزانة الأكمل وأشار المؤلف رحمه الله تعالى إلى أنه لو برهن كل على إقرار الآخر أن هذا الشيء له فإنهما يتهاتران ويبقى في يد ذي اليد كذا في الخزانة أيضا.
قوله "ولا يرجح بزيادة عدد الشهود" فلو أقام أحد المدعيين شاهدين والآخر أربعة فهما سواء وكذا لا ترجيح بزيادة العدالة لأن الترجيح لا يقع بكثرة العلل حتى لا يترجح القياس بقياس آخر ولا بحديث آخر وشهادة كل شاهدين علة تامة فلا تصلح للترجيح والعدالة ليست بذي حد فلا يقع الترجيح بها.
قوله "دار في يد آخر ادعى رجل نصفها وآخر كلها وبرهنا فللأول ربعها والباقي للآخر" عند أبي حنيفة اعتبار الطريق المنازعة فإن صاحب النصف لا ينازع الآخر في النصف فسلم له واستوت منازعتهما في النصف الآخر فيتنصف بينهما وقالا هي بينهما أثلاثا فاعتبر طريق العول والمضاربة فصاحب الجميع يضرب بكل حقه سهمين وصاحب النصف بسهم واحد فيقسم أثلاثا وذكر في الهداية أن لهذه المسألة نظائر وأضداد لا يحتملها هذا المختصر وقد ذكرناها في الزيادات ا هـ. وذكر المؤلف في الكافي بعضها وقال وسيجيء في كتاب الديات على الاستقصاء مع الأصول إن شاء الله تعالى. ا هـ. واختصر الشارح مسائلها وقال وبيان طرق هذه المسائل وتخريجها على هذه الأصول وتمام تفريعها مذكور في شرح الزيادات لقاضي خان ا هـ. وقد يسر الله تعالى لي بشرح الزيادات لقاضي خان قبيل تأليف هذا المحل فأحببت أن أنقلها منه بألفاظه فأقول: مستعينا بالله قال قاضي خان في هذا الشرح من كتاب الجنايات من باب جناية أم الولد على مولاها وعلى غيره وجنس مسائل القسمة أربعة:
منها ما يقسم بطريق العول والمضاربة عند الكل ومنها ما يقسم بطريق المنازعة عندهم ومنها ما يقسم بطريق المنازعة عند أبي حنيفة وعندهما بطريق العول والمضاربة ومنها ما يقسم على عكس ذلك أما ما يقسم بطريق العول عندهم ثمانية إحداها الميراث إذا اجتمعت سهام الفرائض في التركة وضاقت التركة عن الوفاء بها تقسم التركة بين أرباب الديون على طريق العول والثانية إذا اجتمعت الديون المتفاوتة وضاقت التركة عن الوفاء بها تقسم التركة بين أرباب الديون بطريق العول والثالثة إذا أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بربع ماله ولآخر بسدس ماله ولم تجز الورثة حتى عادت الوصايا إلى الثلث يقسم الثلث بينهم على طريق

 

 ج / 7 ص -351-     ................................
___________
العول والرابعة الوصية بالمحاباة إذا أوصى أن يباع العبد الذي قيمته ثلاثة آلاف درهم من هذا الرجل بألفي درهم وأوصى لآخر أن يباع منه العبد الذي يساوي ألفي درهم بألف درهم حتى حصلت المحاباة لهما بألفي درهم كان الثلث بينهما بطريق العول والخامسة الوصية بالعتق إذا أوصى بأن يعتق من هذا العبد نصفه وأوصى بأن يعتق من هذا الآخر ثلثه وذاك لا يخرج من الثلث يقسم ثلث المال بينهما بطريق العول ويسقط من كل واحد منهما حصته من السعاية والسادسة الوصية بألف مرسلة إذا أوصى لرجل بألف ولآخر بألفين كان الثلث بينهما بطريق العول والسابعة عبد فقأ عين رجل وقتل آخر خطأ فدفع بهما يقسم الجاني بينهما بطريق العول ثلثاه لولي القتيل وثلثه للآخر والثامنة مدبر جنى على هذا الوجه ودفعت القيمة إلى أولياء الجناية كانت القيمة بينهما بطريق العول وأما ما يقسم بطريق المنازعة عندهم مسألة واحدة ذكرها في جامع الفصولين فضولي باع عبدا من رجل بألف درهم وفضولي آخر باع نصفه من آخر بخمسمائة فأجاز المولى البيعين جميعا يخير المشتريان فإن اختار الأخذ أخذا بطريق المنازعة ثلاثة أرباعه لمشتري الكل وربعه لمشتري النصف عندهم جميعا وأما ما يقسم بطريق المنازعة عند أبي حنيفة وعندهما بطريق العول ثلاث مسائل:
إحداها دار تنازع فيها رجلان أحدهما يدعي كلها والآخر يدعي نصفها وأقاما البينة عند أبي حنيفة تقسم الدار بينهما بطريق المنازعة ثلاثة أرباعها لمدعي الكل والربع لمدعي النصف وعندهما أثلاثا ثلثاها لمدعي الكل وثلثها لمدعي النصف والثانية إذا أوصى بجميع ماله لرجل ونصفه لآخر وأجازت الورثة عند أبي حنيفة المال بينهما أرباعا وعندهما أثلاثا والثالثة إذا أوصى بعبد بعينه لرجل وبنصفه لآخر وهو يخرج من ثلثه أو لا يخرج وأجازت الورثة كان العبد بينهما أرباعا عند أبي حنيفة وعندهما أثلاثا وأما ما يقسم بطريق العول عند أبي حنيفة وعندهما بطريق المنازعة خمس مسائل:
منها ما ذكره في المأذون عبد مأذون بين رجلين أدانه أحد الموليين مائة يعني باعه شيئا بنسيئة وأدانه أجنبي مائة فبيع العبد بمائة عند أبي حنيفة يقسم ثمن العبد بين المولى المدين وبين الأجنبي أثلاثا ثلثاه للأجنبي وثلثه للمولى لأن إدانته تصح في نصيب شريكه لا في نصيبه والثانية إذا أدانه أجنبي مائة وأجنبي آخر خمسين وبيع العبد عند أبي حنيفة يقسم الثمن بينهما أثلاثا وعندهما أرباعا والثالثة عبد قتل رجلا خطأ وآخر عمدا وللمقتول عمدا وليان فعفا أحدهما يخير مولى العبد بين الدفع والفداء فإن هذا المولى يفدي بخمسة عشر ألفا خمسة آلاف لشريكه العافي وعشر آلاف لولي الخطأ فإن دفع يقسم العبد بينهما أثلاثا عند أبي حنيفة وعندهما أرباعا والرابعة لو كان الجاني مدبرا والمسألة بحالها ودفع المولى القيمة

 

 ج / 7 ص -352-     ............................
___________
والخامسة: مسألة الكتاب أم ولد قتلت مولاها وأجنبيا عمدا ولكل واحد منهما وليان فعفا أحد ولي كل واحد منهما على التعاقب سعت في ثلاثة أرباع قيمتها كان للساكت من ولي الأجنبي ربع القيمة ويقسم نصف القيمة بينهما بطريق العول أثلاثا عند أبي حنيفة وعندهما أرباعا بطريق المنازعة والأصل لأبي يوسف ومحمد أن الحقين متى ثبتا على الشيوع في وقت واحد كانت القسمة عولية وإن ثبتا على وجه التمييز أو في وقتين مختلفين كانت القسمة نزاعية والمعنى فيه أن القياس يأبى القسمة بطريق العول لأن تفسير العول أن يضرب كل واحد منهما بجميع حقه أحدهما بنصف المال والآخر بالكل والمال الواحد لا يكون له كل ونصف آخر ولهذا قال ابن عباس من شاء باهلته أن الله لم يجعل في المال الواحد ثلثين ونصفا ولا نصفين وثلثا1 وإنما تركنا القياس في الميراث بإجماع الصحابة فيلحق به ما كان في معناه وفي الميراث حقوق الكل بنيت على وجه الشيوع في وقت واحد وهو حالة الموت وفي التركة إذا اجتمعت حقوق متفاوتة حق أرباب الديون ويثبت في وقت واحد وهو حالة الموت أو المرض فكانت في معنى الميراث وكذلك في الوصايا وفي العبد والمدبر إذا فقأ عين إنسان وقتل آخر خطأ حق أصحاب الجناية ثبت في وقت وهو وقت دفع العبد الجناية أو قيمة المدبر لأن موجب جناية الخطأ لا يملك قبل الدفع ولهذا لا يجب فيه الزكاة قبل القبض ولا تصح به الكفالة وإنما يملك عند التسليم ووقت الدفع واحد وفي مسألة دعوى الدار الحق إنما ثبت بالقضاء ووقت القضاء واحد فكانت في معنى الميراث وفي مسألة بيع الفضولي وقت ثبوت الحقين مختلف لأن الملك ثبت عند الإجازة مستندا إلى وقت العقد ووقت العقد مختلف وفي القسم الرابع وقت ثبوت الحقين مختلف أما في مسألة الإدانة فلأن الحق ثبت بالإدانة ووقت الإدانة مختلف وفي العبد إذا قتل رجلا عمدا وآخر خطأ وللمقتول عمدا وليان فعفا أحدهما واختار المولى دفع العبد أو كان الجاني مدبرا والمسألة بحالها فدفع المولى القيمة عندهما يقسم بطريق المنازعة لأن وقت ثبوت الحقين مختلف لأن حق الساكت من ولي الدم كان في القصاص لأنه مثل والمال بدل عن القصاص ووجوب البدل مضاف إلى سبب الأصل وهو القتل فكان وقت ثبوت حقه القتل وحق ولي الخطأ في القيمة إذ العبد المدفوع يثبت عند الدفع لا قبله لأنه صلة معنى والصلات لا تملك قبل القبض فكان وقت الحقين مختلفا فلم يكن في معنى الميراث وكانت القسمة نزاعية وفي جناية أم الولد وجوب الدية للذي لم يعف مضاف إلى القتل لما قلنا والقتلان وجدا في وقتين مختلفين فكانت القسمة نزاعية عندهما والأصل لأبي حنيفة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لم أجده.

 

 ج / 7 ص -353-     ................................
___________
أن قسمة العين متى كانت بحق ثابت في الذمة أو بحق ثبت في العين على وجه الشيوع في البعض دون الكل كانت القسمة عولية ومتى وجبت قسمة العين بحق ثبت على وجه التمييز أو كان حق أحدهما في البعض الشائع وحق الآخر في الكل كانت القسمة نزاعية والمعنى فيه أن الحقوق متى وجبت في الذمة فقد استوت في القوة لأن الذمة متسعة فيضرب كل واحد منهما بجميع حقه في العين وكذا إذا كان حق كل واحد في العين لكن في الجزء الشائع فقد استوت في القوة لأن ما من جزء ثبت فيه حق أحدهما إلا وللآخر أن يزاحمه فكانت الحقوق مستوية في القوة والأصل في قسمة العول الميراث كما قالا وثمة حق كل واحد منهم ثبت في البعض الشائع وإذا ثبت الحقان على وجه التمييز لم يكن في معنى الميراث وكذا إذا كان حق أحدهما في البعض الشائع وحق الآخر في الكل لم يكن في معنى الميراث لأن صاحب الكل يزاحم صاحب البعض في كل شيء أما صاحب البعض لا يزاحم صاحبه في الكل فلم يكن في معنى الميراث ولأن حق كل واحد منهما إذا كان في البعض الشائع وما يأخذ كل واحد منهما بحكم القسمة غير مفرز وأنه غير الشائع كان المأخوذ بدل حقه لا أصل حقه فيكون في معنى الميراث والتركة التي اجتمعت فيها الديون وفي مسائل القسمة إنما وجبت بحق ثابت في الذمة لأن حق كل واحد منهما في موجب الجناية وموجب الجناية يكون في الذمة فكانت القسمة فيها عولية فعلى هذا تخرج المسائل هذا إذا لم يكن لها ولد من المولى فإن كان لها ولد من المولى يرثه فلا قصاص عليها بدم المولى لأن الولد لا يستوجب القصاص على والديه ولهذا لو قتلت المرأة ولدها لا يجب عليها القصاص لأن الوالدة سبب لوجوده فلا يستحق قتلها ولهذا لا يباح له قتل واحد من أبويه وإن كان حربيا أو مرتدا أو زانيا محصنا فإذا سقط حق ولدها سقط حق الباقي وانقلب الكل مالا لأن القصاص تعذر استيفاؤه لا لمعنى من جهة القاتل بل حكما من جهة الشرع فانقلب الكل مالا بخلاف ما تقدم لأن ثمة العافي أسقط حق نفسه فلا ينقلب نصيبه مالا فإن قيل إذا لم تكن هذه الجناية موجبة للقصاص عليها بدم المولى فينبغي أن تكون هدرا كما لو قتلته خطأ قلنا الجناية وقعت موجبة للقصاص لأنه يجب للمقتول والمولى يستوجب القصاص على مملوكه وإنما سقط القصاص ضرورة للانتقال إلى الوارث وهي حرة وقت الانتقال فتنقلب مالا وتلزمها القيمة دون الدية اعتبارا لحالة القتل هذا كمن قتل رجلا عمدا وابن القاتل وارث المقتول كان لابن المقتول الدية على والده القاتل كذلك هنا ولورثة الأجنبي القصاص كما كان لأن حقهما يمتاز عن حق ورثة المولى فكان لهما القصاص إن شاءا أخرا حتى يؤدي القيمة إلى ورثة المولى وإن شاءا عجل القتل لأنهما لو أخرا إلى أن يؤدي السعاية بما لا يؤدي مخافة القتل فيبطل حقهما فكان لهما التعجيل فإن عفا

 

 ج / 7 ص -354-     ولو كانت في أيديهما فهي للثاني
___________
أحد ولي الأجنبي وجب للساكت منهما نصف القيمة أيضا وجنايات أم الولد وإن كثرت لا توجب إلا قيمة واحدة فصارت القيمة مشتركة بين ورثة المولى ووارث الأجنبي ثم عند أبي حنيفة رحمه الله تقسم قيمتها بينهما أثلاثا وعندهما أرباعا لما ذكرنا فإن كانت سعت في قيمتها لورثة المولى ثم عفا أحد ولي الأجنبي إن دفعت القيمة إلى ورثة المولى بقضاء القاضي لا سبيل لوارث الأجنبي عليها لأن الواجب عليها قيمة واحدة وقد أدت بقضاء القاضي فتفرغ ذمتها ويتبع وارث الأجنبي ورثة المولى ويشاركهم في تلك القيمة لأنهم أخذوا قيمة مشتركة وإن دفعت بغير قضاء عندهما كذلك وعند أبي حنيفة وارث الأجنبي بالخيار إن شاء يرجع على ورثة المولى وإن شاء يرجع على أم الولد لهما أنها فعلت عين ما يفعله القاضي لو رفع الأمر إليه فيستوي فيه القضاء وعدمه كالرجوع في الهبة لما كان فسخا بقضاء لو حصل بتراضيهما يكون فسخا ولأبي حنيفة أن موجب الجناية في الذمة فإذا أدت فقد نقلت من الذمة إلى العين فيظهر أثر الانتقال في حق الكل إن كان بقضاء ولا يظهر إذا كان بغير قضاء فكان له الخيار إن شاء رضي بدفعها ويتبع ورثة المولى وإن شاء لم يرض ويرجع عليها بحقه وهو ثلث القيمة عند أبي حنيفة وترجع هي على ورثة المولي هذا إذا دفعت القيمة إلى ورثة المولى ثم عفا ولي الأجنبي فإن عفا أحد ولي الأجنبي ثم دفعت القيمة قال بعضهم إن كان الدفع بغير قضاء يتخير وارث الأجنبي عندهم وإن كان بقضاء عند أبي حنيفة يتخير وعندهما لا يتخير والصحيح أن هنا يتخير عند الكل سواء كان الدفع بقضاء أو بغير قضاء لأن قضاء القاضي بدفع الكل إلى ورثة المولى بعد تعلق حق الأجنبي وثبوته لا يصح بخلاف الوصي إذا قضى دين أحد الغريمين بأمر القاضي حيث لا يضمن لأن للقاضي أن يضع مال الميت حيث شاء أما هنا بخلافه وإذا لم يصح قضاء القاضي هنا لأن لا يصح فعلها بغير قضاء أولى.
قوله "ولو كانت في أيديهما فهي للثاني" أي فالدار كلها لصاحب الجميع نصفها على وجه القضاء ونصفها لا على وجه القضاء لأن دعوى مدعي النصف منصرفة إلى ما في يده لتكون يده يدا محقة في حقه لأن حمل أمور المسلمين على الصحة واجب فمدعي النصف لا يدعي شيئا مما في يد صاحب الجميع فيسلم النصف لمدعي الجميع بلا منازعة فبقي ما في يده لا على وجه القضاء إذ لا قضاء بدون الدعوى واجتمع بينة الخارج وذي اليد فيما في يد صاحب النصف فتقدم بينة الخارج ولو كانت في يد ثلاثة فادعى أحدهم كلها وآخر ثلثيها وآخر نصفها وبرهنوا فهي مقسومة عنده بطريق المنازعة وعندهما بالعول وبيانه في الكافي والله أعلم.