البحر الرائق شرح كنز الدقائق ط احياء التراث
ج / 7 ص -394-
31- كتاب الوديعة
الإيداع هو تسليط الغير على حفظ ماله, الوديعة
ما تترك عند الأمين
__________
31- كتاب الوديعة
لا خفاء في اشتراكها مع ما قبلها في الحكم وهو
الأمانة وهي في اللغة مشتقة من الودع وهو
الترك وفي الشريعة ما ذكره المصنف.
"قوله الإيداع هو تسليط الغير على حفظ ماله"
يعني صريحا أو دلالة وإنما قلنا أو دلالة لأن
المنقول في المحيط أنه لو انفتق زق رجل فأخذه
رجل ثم تركه ولم يكن المالك حاضرا يضمن لأنه
لما أخذه فقد التزم حفظه دلالة وإن لم يأخذه
ولم يذق منه لا يضمن وإن كان المالك حاضرا لم
يضمن في الوجهين.
"قوله الوديعة ما تترك عند الأمين" وركنها
الإيجاب قولا صريحا أو كناية أو فعلا والقبول
من المودع صريحا أو دلالة في حق وجوب الحفظ
وإنما قلنا صريحا أو كناية ليشمل ما لو قال
الرجل أعطني ألف درهم أو قال لرجل في يده ثوب
أعطنيه فقال أعطيتك فهذا على الوديعة نص عليه
في المحيط لأن الإعطاء يحتمل الهبة والوديعة
الوديعة أدنى وهو متيقن فصار كناية وإنما قلنا
في الإيجاب أو فعلا ليشمل ما لو وضع ثوبه بين
يدي رجل ولم يقل شيئا فهو إيداع وإنما قلنا في
القبول أو دلالة ليشمل سكوته عند وضعه بين
يديه فإنه قبول دلالة حتى لو قال لا أقبل لا
يكون مودعا لأن الدلالة لم توجد ولهذا قال في
الخلاصة لو وضع كتابه عند قوم فذهبوا وتركوه
ضمنوا إذا ضاع وإن أقاموا واحدا بعد واحد ضمن
الأخير لأنه تعين للحفظ فتعين للضمان ا هـ.
ولهذا إذا وضع ثيابه في الحمام بمرأى من
الثيابي كان إيداعا وإن لم يتكلم ولا يكون
الحمامي مودعا ما دام الثيابي حاضرا فإن كان
غائبا فالحمامي مودع وكذلك إذا قال لصاحب
الخان أين أربطها فقال هناك كان إيداعا كذا في
فتاوى قاضي خان وقال في الخلاصة في الإجارات
في الجنس الرابع في الحمامي لبس ثوبا بمرأى
عين الثيابي فظن الثيابي أنه ثوبه فإذا هو ثوب
الغير ضمن هو الأصح وإنما قلنا في حق وجوب
الحفظ لأنها تتم بالإيجاب وحده في حق الأمانة
حتى لو قال للغاصب أودعتك المغصوب برئ عن
الضمان وإن لم يقبل كذا في الاختيار وشرطها
كون المال قابلا لإثبات اليد عليه حتى لو أودع
الآبق أو الطير الذي في الهواء والمال الساقط
في
ج / 7 ص -395-
وهي أمانة فلا تضمن بالهلاك, وللمودع أن
يحفظها بنفسه وبعياله
_________________
البحر لا يصح وكون المودع مكلفا شرط لوجوب
الحفظ عليه حتى لو أودع صبيا فاستهلكها لم
يضمن ولو كان عبدا محجورا ضمن بعد العتق كذا
في المحيط ولو كانت الوديعة عبدا فقتله ضمن
عاقلة الصبي قيمته وخير مولى العبد بين دفعه
أو فدائه وحكمها كون المال أمانة عنده مع وجوب
الحفظ عليه والأداء عند الطلب واستحباب
قبولها.
"قوله وهي أمانة فلا تضمن بالهلاك" سواء أمكن
التحرز عنه أو لا هلك معها للمودع شيء أو لا
والفرق بين الوديعة والأمانة من وجهين:
أحدهما أن الوديعة خاصة بما ذكرناه والأمانة
خاصة بما لو وقع في يده شيء من غير قصد بأن
هبت الريح بثوب إنسان وألقته في حجر غيره
وحكمهما مختلف في بعض الصور لأن في الوديعة
يبرأ عن الضمان إذا عاد إلى الوفاق وفي
الأمانة لا يبرأ عن الضمان بعد الخلاف الثاني
أن الأمانة علم لما هو غير مضمون فيشمل جميع
الصور التي لا ضمان فيها كالعارية والمستأجر
والموصى بخدمته في يد الموصى له بها الوديعة
ما وضع للأمانة بالإيجاب والقبول فكانا
متغايرين واختاره صاحب الهداية والنهاية ونقل
الأول عن الإمام بدر الدين الكردري وعلم من
كلامه أن اشتراط الضمان على الأمين باطل ولهذا
لو شرط على الحمامي الضمان إن ضاعت ثيابه كان
باطلا ولا ضمان عليه وهو اختيار الفقيه أبي
الليث قال في الخلاصة وبه يفتى.
"قوله وللمودع أن يحفظها بنفسه وبعياله" لأنه
يحفظها بما يحفظ به ماله والمراد بالعيال من
يسكن معه حقيقة أو حكما لا من يمونه فدخل فيهم
الزوجة فإن لها أن تدفعها إلى زوجها وخرج
الأجير الذي لا يسكن معه وإنما قلنا أو حكما
لأنه لو دفعها إلى ولده الصغير وزوجته وهما في
محلة والزوج يسكن في محلة أخرى لا يضمن ولو
كان لا يجيء إليهما ولا ينفق عليهما لكن يشترط
في الصغير أن يكون قادرا على الحفظ كذا في
الخلاصة ويشترط أن يكون من في عياله أمينا
لأنه لو دفع إلى زوجته وهي غير أمينة وهو عالم
بذلك أو تركها في بيته الذي فيه ودائع الناس
وذهب فضاعت ضمن كذا في الخلاصة والنهاية وظاهر
المتون أن كون الغير في عياله شرط واختاره في
الخلاصة وقال والأبوان كالأجنبي حتى يشترط
كونهما في عياله واختار صحاب النهاية تبعا
لغيره عدم الاشتراط وقال عليه الفتوى حتى جوز
الدفع إلى وكيله أو أمين من أمنائه وليس في
عياله أو شريكه مفاوضة أو عنانا وفي الخلاصة
لمن في عياله أن يدفع إلى من في عياله ولو
نهاه عن الدفع إلى بعض من في عياله فدفع إن لم
يجد بدا من الدفع لا يضمن وإلا ضمن ولو قال له
احفظها في هذا
ج / 7 ص -396-
وإن حفظها بغيرهم ضمن
_____________
البيت فحفظها في بيت آخر من تلك الدار لا يضمن
إلا إذا كان ظهر البيت المنهي عنه إلى السكة
فحينئذ يضمن كما لو قال له احفظها في هذه
الدار فحفظها في دار أخرى فإنه يضمن إلا إذا
كانت الدار الأخرى مثل الدار الأولى أو أحرز
منها فإنه لا يضمن وسيأتي تمامه.
"قوله وإن حفظها بغيرهم ضمن" أي إن حفظها بغير
من في عياله ضمن فأفاد أن المودع لا يودع فإن
أودع فهلكت عند الثاني إن لم يفارق الأول لا
ضمان على واحد منهما وإن فارقه ضمن الأول عند
أبي حنيفة ولا يضمن الثاني وإن أودع بلا إذن
ثم أجاز المالك خرج الأول من البين كذا في
الخلاصة والرد إلى عيال المالك كالرد إلى
المالك فلا يكون إيداعا بخلاف الغاصب إذا رد
إلى من في عيال المالك فإنه لا يبرأ كذا في
فتاوى قاضي خان وفي الخلاصة المودع إذا رد
الوديعة إلى منزل المودع أو إلى أحد ممن في
عياله فضاعت لا يضمن كما في العارية وفي رواية
القدوري يضمن بخلاف العارية والفتوى على الأول
وهذا إذا دفع إلى المرأة للحفظ أما إذا أخذت
لتنفق على نفسها وهو دفع يضمن ا هـ. والوضع في
حرز غيره من غير استئجار له إيداع حتى يضمن به
وفي الخلاصة مودع غاب عن بيته ودفع مفتاح
البيت إلى غيره فلما رجع إلى بيته لم يجد
الوديعة لا يضمن وبدفع المفتاح إلى غيره لم
يجعل البيت في يد غيره ولو أجر بيتا من داره
ودفعها إلى المستأجر إن كان لكل واحد منهما
غلق على حدة يضمن وإن لم يكن وكل منهما يدخل
على صاحبه من غير حشمة لا يضمن ولو استأجر
رجلا ليحمل له شيئا له حمل ومؤنة إلى بغداد
ليوصله إلى رجل فوجد الرجل غائبا فترك الأجير
المحمول على يد رجل ليوصلها إلى ذلك الرجل
ينبغي أن لا يضمن فلو وجد الرجل لكنه لم يقبل
يدفع إلى القاضي ولو طلب منه القاضي وهو لم
يدفع ولم يجبر. ا هـ. وفي فتاوى قاضي خان عشرة
أشياء إذا ملكها إنسان ليس له أن يملك غيره لا
قبل القبض ولا بعده المرتهن لا يملك أن يرهن
والمودع لا يملك الإيداع والوكيل بالبيع لا
يملك أن يوكل غيره ومستأجر الدابة أو الثوب لا
يؤجر غيره والمستعير لا يعير غيره ما يختلف
بالمستعمل والمزارع لا يدفع الأرض مزارعة إلى
غيره والمضارب لا يضارب والمستبضع لا يملك
الإبضاع والمستبضع لا يملك الإيداع ولم يذكر
العاشر وفي الخلاصة الوديعة لا تودع ولا تعار
ولا تؤجر ولا ترهن وإن فعل شيئا منها ضمن
والمستأجر يؤجر ويعار ويودع ولم يذكر حكم
الرهن وينبغي أن يرهن وفي التجريد وليس
للمرتهن أن يتصرف بشيء في الرهن غير الإمساك
لا يبيع ولا يؤجر ولا يعير ولا يلبس ولا
يستخدم فإن فعل كان متعديا ولا يبطل الرهن.
ج / 7 ص -397-
إلا أن يخاف الحرق أو الغرق فيسلمها إلى جاره
أو فلك آخر, وإن طلبها ربها فحبسها قادرا على
تسليمها فمنعها
___________
"قوله إلا أن يخاف الحرق أو الغرق فيسلمها إلى
جاره أو فلك آخر" لأن هذا تعين حفظا فلا يضمن
به ولهذا قال في الخلاصة امرأة حضرتها الوفاة
وعندها وديعة فدفعتها إلى جارة لها فهلكت
عندها إن لم يكن وقت وفاتها بحضرتها أحد من
عيالها لا تضمن. ا هـ. لأنه تعين طريقا للحفظ
ولهذا قالوا أيضا لو أمكنه أن يحفظها في وقت
الحرق والغرق بعياله فدفعها لأجنبي ضمن وفي
قوله وسلمها إلى فلك آخر إشارة إلى أنه لو
ألقاها في سفينة أخرى وهلكت قبل أن تستقر فيها
بأن وقعت في البحر ابتداء أو بالتدرج يضمن لأن
الإتلاف حصل بفعله وأشار بقوله إلا أن يخاف
الحرق إلى أن الحريق لا بد أن يكون غالبا
محيطا بمنزل المودع وأما إذا لم يكن محيطا
يضمن بالدفع إلى الأجنبي كذا في الخلاصة لأنه
لا يخاف عليها في هذه الصورة وفي الهداية ولا
يصدق على ذلك إلا ببينة لأنه يدعي ضرورة مسقطة
للضمان بعد تحقق السبب فصار كما إذا ادعى
الإذن في الإيداع. ا هـ. وفي الخلاصة إذا علم
أنه وقع الحريق في بيته قبل قوله وإلا فلا. ا
هـ. وفي الفوائد التاجية فلو أودعها وهلكت
فقال المالك هلكت عند الثاني وقال بل رده إلي
وهلكت عندي لا يصدق لأن إيداع الغير موجب
للضمان بخلاف ما لو غصب من المودع وهلكت فأراد
المالك أن يضمن الغاصب فقال المودع قد رده إلي
فهلكت عندي وقال لا بل هلكت عنده فالقول قول
المودع لأنه أمين. ا هـ.
"قوله وإن طلبها ربها فحبسها قادرا على
تسليمها فمنعها" يعني لو منع صاحب الوديعة بعد
طلبه وهو قادر على تسليمها يكون ضامنا لأنه
ظالم بالمنع حتى لو لم يكن ظالما بالمنع لا
يضمن ولهذا قال قاضي خان في فتاويه لو كانت
الوديعة سيفا فأراد صاحبه أن يأخذه من المودع
ليضرب به رجلا ظلما فإنه لا يدفعه إليه لما
فيه من الإعانة على الظلم ولو أودعت كتابا فيه
إقرار منها للزوج بمال أو بقبض مهرها من الزوج
فللمودع أن لا يدفع الكتاب إليها لما فيه من
ذهاب حق الزوج. ا هـ. ومن المنع ظلما موته
مجهلا ولهذا قال قاضي خان الأمانات تنقلب
مضمونة عن تجهيل إلا في ثلاث أحدها متولي
المسجد إذا أخذ من غلات المسجد ومات من غير
بيان لا يكون ضامنا والثانية السلطان إذا خرج
إلى الغزو وغنموا وأودع بعض الغنيمة عند بعض
الغانمين ومات ولم يبين عند من أودع لا ضمان
عليه والثالثة القاضي إذا أخذ مال اليتيم
وأودع غيره ثم مات ولم يبين عند من أودع لا
ضمان عليه ولو أن قاضيا قبل مال اليتيم ووضعه
في بيته ثم مات القاضي ولم يبين ذكر هشام عن
محمد أنه يضمن ا هـ. وذكر
ج / 7 ص -398-
أو خلطها بماله بغير الإذن حتى لا تتميز ضمنها
_________
الولوالجي في فتاويه أن الأمانات تنقلب مضمونة
بالتجهيل إلا في ثلاثة ولم يذكر مسألة القاضي
وذكر بدلها ما ذكره محمد في كتاب الشركة أحد
المتفاوضين إذا مات ولم يبين حال المال الذي
في يده لم يضمن نصيب شريكه ا هـ. فتحصل أن
المسائل المستثناة أربعة وقيد في الخلاصة ضمان
المودع بموته مجهلا بأن لا يعرفها الوارث أما
إذا عرفها والمودع يعلم أنه يعرف فمات ولم
يبين لم يضمن ولو قال الوارث أنا علمتها وأنكر
الطالب إن فسر الوديعة وقال الوديعة كذا وأنا
علمتها وقد هلكت صدق هذا وما لو كانت الدراهم
عنده فقال هلكت سواء إلا في خصلة وهي أن
الوارث إذا دل السارق على الوديعة لا يضمن
والمودع إذا دل ضمن وقيد بقوله قادرا على
تسليمها لأنه لو منعها للعجز عن التسليم لا
يضمن فلو طلبها منه فقال لا يمكنني أن أحضرها
الساعة فتركها وذهب إن ترك عن رضا وذهب لا
يضمن لأنه لما ذهب فقد أنشأ الوديعة وإن كان
عن غير رضا يضمن كذا في الخلاصة وينبغي أن
يكون محل هذا التفصيل ما إذا كان المودع يمكنه
وكان كاذبا في قوله أما إذا كان صادقا فلا
يضمن مطلقا لما قلنا ولو كان الذي طلبها وكيلا
يضمن لأنه ليس له إنشاء الوديعة بخلاف المالك
ولو قال له بعد طلبه اطلبها غدا ثم ادعى
ضياعها فإن قال ضاعت بعد الإقرار لا ضمان وإلا
ضمن. ولو قال له احملها إلي اليوم فمضى ولم
يحملها لا يضمن لأن مؤنة الرد على المالك ولو
منعها من رسول المالك وقال لا أدفعها إلا إلى
الذي جاء بها لا يضمن على ظاهر الرواية كمنعه
بعد قوله من جاءك وبين علامة كذا فادفعها إليه
فبين رجل تلك العلامة ولم يدفع إليه حتى هلكت
لا يضمن ومنعه منه وديعة عبده لا يكون ظلما
لأن المولى ليس له قبض وديعة عبده مأذونا كان
أو محجورا ما لم يحضر ويظهر أنه من كسبه
لاحتمال أنه مال الغير وديعة فإذا ظهر أنه
للعبد بالبينة فحينئذ يأخذ كذا في الخلاصة.
"قوله أو خلطها بماله بغير الإذن حتى لا تتميز
ضمنها" لأنه صار مستهلكا لها وإذا ضمنها ملكها
ولا تباح له قبل أداء الضمان ولا سبيل للمالك
عليها عند أبي حنيفة ولو أبرأه سقط حقه من
العين والدين أطلق المصنف فشمل خلط الجنس
بجنسه أو بغير جنسه كخلط الزيت بالشيرج
والحنطة بالشعير وبالحنطة والفضة بالفضة بعد
الإذابة قيد بكون المودع هو الخالط لأن الخالط
لو كان أجنبيا أو من في عياله لا يضمن المودع
والضمان على الخالط صغيرا كان أو كبيرا ولا
يضمن أبوه لأجله كذا في الخلاصة وقيد بكونها
لا تتميز لأنه لو كان يمكن الوصول إليه على
وجه التيسير كخلط الجوز باللوز والدراهم السود
بالبيض فإنه لا ينقطع حق المالك إجماعا
واستفيد منه أن المراد بعدم التميز عدمه على
وجه التيسير لا عدم إمكانه مطلقا كما لا يخفى
وإن خلطها بإذنه كان شريكا له.
ج / 7 ص -399-
وإن اختلط بغير فعله اشتركا, ولو أنفق بعضها
فرد مثله فخلطه بالباقي ضمن الكل, وإن تعدى
فيها ثم أزال التعدي زال الضمان, بخلاف
المستعير والمستأجر
_________________
"قوله وإن اختلط بغير فعله اشتركا" يعني وكانت
شركة ملك ولا ضمان عليه لعدم الصنع منه فإن
هلك بعضها هلك من مالهما جميعا ويقسم الباقي
بينهما على قدر ما كان لكل واحد منهما كالمال
المشترك
"قوله ولو أنفق بعضها فرد مثله فخلطه بالباقي
ضمن الكل" أي البعض بالإنفاق والبعض بالخلط
لأنه متعد بالإنفاق منها ورد مثله باق على
ملكه وقد خلطه بما بقي من الوديعة فضمن الجميع
والمراد بالخلط هنا خلط لا تتميز معه أما لو
جعل على ماله علامة حين خلطه بها بحيث يتأتى
التمييز لا يضمن إلا ما أنفق كذا في الخلاصة
وقيد بالإنفاق ورد المثل لأنه إذا أخذ بعض
الوديعة لينفقه في حاجته فرده إلى موضعه ثم
ضاعت الوديعة فلا ضمان عليه لوجهين الأول أن
رفعه حفظ فلا يضمن به ولا بمجرد النية الثاني
أنه وإن صار ضامنا بالرفع فقد عاد إلى الوفاق
برد العين إلى مكانها فبرئ عن الضمان بخلاف ما
إذا رد مثله لأنه إنما جاء بملك نفسه فلا يكون
عودا إلى الوفاق وهو أولى من الأول فإنهم
قالوا بأنه لو باعها وضمن قيمتها نفذ البيع من
جهته واستند ملكه بالضمان إلى وقت وجوب الضمان
فلو لم يكن الرفع للبيع موجبا للضمان عليه قبل
البيع والتسليم لم يستند ملكه إلى تلك الحالة
كذا في النهاية وقيد بقوله فرد مثلها لأنه لو
لم يرد كان ضامنا لما أنفق خاصة لأنه حافظ
للباقي ولم يتعيب لأنه مما لا يضره التبعيض
لأن الكلام فيما إذا كانت الوديعة دراهم أو
دنانير أو أشياء من المكيل والموزون فهو كما
لو أودعه وديعتين فأنفق إحداهما لا يكون ضامنا
للأخرى كذا في النهاية.
"قوله وإن تعدى فيها ثم أزال التعدي زال
الضمان" أي تعدى في الوديعة بأن كانت دابة
فركبها أو ثوبا فلبسه أو عبدا فاستخدمه أو
أودعها غيره ثم أزال التعدي فردها إلى يده برئ
عن الضمان لأنه مأمور بالحفظ في كل الأوقات
فإذا خالف في البعض ثم رجع أتى بالمأمور به
كما إذا استأجره للحفظ شهرا فترك الحفظ في
بعضه ثم حفظ في الباقي استحق الأجرة بقدره وقد
قدمنا في باب الجنايات على الإحرام عن
الظهيرية أنه يزول الضمان عنه بشرط أنه لا
يعزم على العود إلى التعدي حتى لو نزع ثوب
الوديعة ليلا ومن عزمه أن يلبسه نهارا ثم سرق
ليلا لا يبرأ عن الضمان فراجعه.
"قوله بخلاف المستعير والمستأجر" إذا تعديا ثم
أزالاه لا يزول الضمان لأن البراءة عنه إنما
تكون بالإعادة إلى يد المالك حقيقة أو تقديرا
ويدهما لهما لأنهما عاملان لأنفسهما
ج / 7 ص -400-
وإقراره بعد جحوده
_______________
بخلاف المودع فإن يده كيد المالك ويستثنى من
إطلاق المصنف تبعا لغيره من استعار شيئا
ليرهنه فتعدى فيه كما إذا استعار عبدا ليرهنه
أو دابة فاستخدم العبد وركب الدابة قبل أن
يرهنهما ثم رهنهما بمال بمثل قيمتهما ثم قضى
المال ولم يقبضها حتى هلكت عند المرتهن لا
ضمان على الراهن لأنه قد برئ عن الضمان حين
رهنهما فإن كان أمينا خالف فقد عاد إلى الوفاق
وإنما كان مستعير الرهن كالمودع لأن تسليمه
إلى المرتهن يرجع إلى تحقيق مقصود المعير حتى
لو هلك بعد ذلك يصير دينه مقضيا فيستوجب
المعير الرجوع على الراهن بمثله فكان ذلك
بمنزلة الرد عليه حكما فلهذا برئ من الضمان
كذا في المبسوط من باب الإعارة في الرهن.
"قوله وإقراره بعد جحوده" يعني أن المودع إذا
جحد الوديعة بأن قال لم يودعني عند مالكها بعد
طلب ردها ونقلها من مكانها وقت الإنكار وكانت
منقولا ولم يكن هناك من يخاف منه عليها ولم
يحضرها بعد الجحود لمالكها ثم أقر بها لا يزول
الضمان لأن الجحود رفع للعقد فيفسخ به العقد
فلا يعود إلا بعقد جديد كجحود الوكيل الوكالة
وجحود أحد المتبايعين البيع قيدنا بكونه أنكر
الإيداع لأن المودع لو ادعى أن المالك وهبها
منه أو باعها له وأنكر صاحبها ثم هلكت لا ضمان
على المودع كذا في الخلاصة وقيدنا بكون
الإنكار عند المالك لأن جحودها عند غيره لا
يوجب الضمان وقيدنا بكونه بعد الطلب لأنه لو
قال له ما حال وديعتي عندك ليشكر على حفظها
فجحدها لا ضمان عليه وقيدنا بكونه نقلها لأنه
لو لم ينقلها من مكانها حال جحوده فهلكت لا
ضمان عليه كذا في الخلاصة عن الأجناس. وقيدنا
بكونه منقولا لأنها لو كانت عقارا لا يضمن
بالجحود عند أبي حنيفة وأبي يوسف خلافا لمحمد
في الأصح ذكره الشارح في الغصب وقيدنا بكونه
لم يكن من يخاف عليها منه لأنه لو جحدها في
وجه عدو يخاف عليها التلف إن أقر ثم هلكت لا
يضمنها لأنه إنما أراد حفظها وقيدنا بكونه لم
يحضرها لأنه لو جحدها ثم أحضرها فقال له
صاحبها دعها وديعة عندك فهلكت فإن أمكنه أخذها
فلم يأخذها لم يضمن لأنه إيداع جديد وإن لم
يمكن أخذها ضمن لأنه لم يتم الرد كذا في
الاختيار ولو جحدها ثم ادعى ردها بعد ذلك
وأقام البينة قبلت وإن أقام البينة أنه ردها
قبل جحوده وقال غلطت في الجحود أو نسيت أو
ظننت أني دفعته فأنا صادق في قولي لم يستودعني
ثم ادعى الرد أو الهلاك لا يصدق ولو قال ليس
له علي شيء ثم ادعى الرد أو الهلاك يصدق كذا
في الخلاصة وقيد الوديعة لأن المضارب لو قال
لرب المال لم تدفع إلي شيئا ثم قال بلى قد
دفعت إلي ثم اشترى بالمال كان على المضاربة
وبرئ عن الضمان وإن جحد ثم اشترى ثم أقر فهو
ضامن والمتاع له. وكذا الوكيل بشراء
ج / 7 ص -401-
وله أن يسافر بها عند عدم النهي والخوف, ولو
أودعا شيئا لم يدفع المودع إلى أحدهما حظه حتى
يحضر الآخر
_________
شيء بغير عينه بألف ودفع المال إلى الوكيل وإن
كان العبد معينا فاشتراه في حال الجحود أو
بعدما أقر فهو للآمر ولو دفع رجل إلى رجل عبدا
ليبيعه فجحد المأمور ثم أقر به فباعه قال محمد
بن سلمة جاز ويبرأ عن الضمان وقال غيره من
المشايخ في قياس قوله لو باع بعد الجحود ثم
أقر جاز أيضا كذا في فتاوى قاضي خان من كتاب
المضاربة وإذا ضمنها المودع بالجحود تعتبر
قيمتها يوم الإيداع لا يوم الجحود ويدل عليه
ما ذكره في الخلاصة رجل أودع رجلا عبدا فجحده
المودع فمات في يده ثم أقام المودع البينة على
قيمته يوم الجحود ولكن قيمته يوم الإيداع كذا
قضي عليه بقيمته يوم الإيداع. ا هـ.
"قوله وله أن يسافر بها عند عدم النهي والخوف"
أي للمودع أن يسافر الوديعة إذا لم ينهه
المودع ولم يخف عليها بالإخراج لأن الأمر مطلق
فلا يتقيد بالمكان كما لا يتقيد بالزمان قيد
بعدم النهي لأنه لو نهاه عن السفر ليس له ذلك
وقيد بعدم الخوف لأن الطريق لو كان مخيفا وله
بد من السفر كان ضامنا وكذا الأب والوصي وإن
لم يكن له بد منه إن سافر بأهله لا يضمن وإن
سافر بنفسه يكون ضامنا كذا في فتاوى قاضي خان
ومن المخوف السفر في البحر لأن الغالب فيه
العطب كذا في الاختيار وأطلق المصنف فشمل ما
له حمل ومؤنة طال الخروج أو قصر وهو قول
الإمام كذا في النهاية واستثنى منه الشيخ أبو
نصر في شرح القدوري الطعام الكثير فإنه يضمن
إذا سافر به استحسانا وفي فتاوى قاضي خان
وللمودع أن يسافر بمال الوديعة عندنا إذا لم
يكن لها حمل ومؤنة وقيد الوديعة لأن الوكيل
بالبيع إذا سافر بما وكل ببيعه إن قيد الوكالة
بمكان بأن قال بعه بالكوفة فأخرجها من الكوفة
يصير ضامنا عندنا وإن أطلق الوكالة فسافر به
إن كان شيئا له حمل ومؤنة يكون ضامنا وإن لم
يكن له حمل ومؤنة لا يصير ضامنا عندنا إذا لم
يكن له بد من السفر وإن كان له بد من السفر لا
يكون ضامنا عند أبي حنيفة طال الخروج أم قصر
وقال محمد يكون ضامنا طال الخروج أم قصر وقال
أبو يوسف إن طال الخروج يكون ضامنا وإن قصر لا
يكون ضامنا كذا في فتاوى قاضي خان.
"قوله ولو أودعا شيئا لم يدفع المودع إلى
أحدهما حظه حتى يحضر الآخر" يعني في غيبة
صاحبه أطلقه فشمل ذوات الأمثال والقيم،
وخلافهما في الأول قياسا على الدين المشترك
وفرق أبو حنيفة بينهما بأن المودع لا يملك
القسمة بينهما فكان تعديا على ملك الغير وفي
الدين يطالبه بتسليم حقه إذ الديون تقضى
بأمثالها فكان تصرفا في مال نفسه وأشار بقوله
لم يدفع إلى أنه لا يجوز ذلك حتى لو خاصمه إلى
القاضي لم يأمره بدفع نصيبه إليه في قول أبي
حنيفة وإلى
ج / 7 ص -402-
قوله فإن أودع رجل عند رجلين مما يقسم اقتسماه
وحفظ كل نصفه ولو دفعه إلى الآخر ضمن بخلاف ما
لا يقسمو, ولو قال له لا تدفع إلى عيالك أو
احفظ في هذا البيت فدفعها إلى من لا بد له منه
أو حفظها في بيت آخر من الدار لم يضمن, وضمن
مودع الغاصب لا مودع المودع
_______________
أنه لو دفع إليه لا يكون قسمة اتفاقا حتى لو
هلك الباقي رجع صاحبه على الآخذ بحصته وإلى أن
لأحدهما أن يأخذ حصته منها إذا ظفر بها وإلى
أنه لو دفع وارتكب الممنوع لا يضمن وفي فتاوى
قاضي خان ما يفيده ولفظه ثلاثة أودعوا رجلا
مالا وقالوا لا تدفع المال إلى أحد منا حتى
يجتمع فدفع نصيب أحدهم قال محمد في القياس
يكون ضامنا وبه قال أبو حنيفة وفي الاستحسان
لا يضمن وهو قول أبي يوسف ا هـ. فقد جعل عدم
الضمان هو الاستحسان فكان هو المختار.
"قوله فإن أودع رجل عند رجلين مما يقسم
اقتسماه وحفظ كل نصفه ولو دفعه إلى الآخر ضمن
بخلاف ما لا يقسم" وهذا عند أبي حنيفة وقالا
لأحدهما أن يحفظ بإذن الآخر مطلقا لأنه رضي
بأمانتهما وله إنما رضي بحفظهما لا بحفظ
أحدهما قيد بضمان الدافع لأن القابض لا ضمان
عليه لأنه مودع المودع وقيد بقوله اقتسماه لأن
فيما يقسم لو أبيا القسمة وأودعاه فهلك ضمناه
لتركهما ما التزماه وكذلك الجواب في المرتهنين
والمستبضعين والوصيين والعدلين في الرهن
والوكيلين بالشراء إذا سلم أحدهما إلى الآخر
وإذا لم يكن لهما القسمة فيما لا يقسم كان
لهما التهايؤ في الحفظ كذا في الخلاصة.
"قوله ولو قال له لا تدفع إلى عيالك أو احفظ
في هذا البيت فدفعها إلى من لا بد له منه أو
حفظها في بيت آخر من الدار لم يضمن" لأنه لا
يمكنه الحفظ مع مراعاة شرطه فلم يكن مفيدا
وأشار إلى أنه لا بد أن تكون الوديعة مما تحفظ
في يد من منعه حتى لو كانت فرسا فمنعه من
دفعها إلى امرأته أو عقد جوهر فمنعه من دفعه
إلى غلامه فدفع ضمن وإلى أن بيوت الدار لا بد
أن تكون مستوية في الحفظ حتى لو منعه من وضعها
في بيت فيه خلل فوضعها فيه ضمن وكذا إذا كان
ظهر البيت على السكة "قوله ولو كان له بد أو
حفظها في دار أخرى ضمن" فالأولى صادقة بصورتين
الأولى أن تكون الوديعة شيئا خفيفا يمكن
المودع استصحابه بنفسه كالخاتم فدفعها إلى
عياله ضمن الثانية أن يكون له عيال سوى من
منعه من الدفع إليه والثانية محمولة على ما
إذا لم تكن الدار الأخرى مثلها في الحرز أما
لو كانت مثلها أو أحرز منها لا يضمن كذا في
الخلاصة.
"قوله وضمن مودع الغاصب لا مودع المودع"
والفرق بينهما على قول أبي حنيفة أن
ج / 7 ص -403-
معه ألف فادعى رجلان كل أنه له أودعه إياه
فنكل لهما فالألف لهما وغرم ألفا آخر بينهما,
_________________
مودع الغاصب غاصب لعدم إذن المالك ابتداء
وبقاء وفي الثاني ليس بغاصب لأنه لا يضمن
المودع بمجرد الدفع ما لم يفارقه وإذا ضمن
مودع الغاصب رجع على الغاصب مطلقا علم أنه
غاصب أو لا وإذا ضمن مودع الغاصب ضمن غاصب
الغاصب والمشترى منه بالأولى وقد تقدم في
المضاربة أن المضارب لو دفع المال مضاربة بلا
إذن لا يضمن واحد منهما قبل عمل الثاني.
"قوله معه ألف فادعى رجلان كل أنه له أودعه
إياه فنكل لهما فالألف لهما وغرم ألفا آخر
بينهما" أشار بقوله نكل إلى أن المودع يحلف
إذا أنكر الإيداع كما يحلف إذا ادعى ردها أو
هلاكها إما لنفي التهمة أو لإنكاره الضمان ولو
حلف لا يثبت الرد بيمينه حتى لا يضمن الوصي لو
ادعى الرد عليه وحلف كذا في المبسوط وإلى أنه
لو حلف لا شيء لهما عليه وإلى أنه لو حلف
لأحدهما ونكل للآخر قضي به لمن نكل له فقط
وإلى أن للقاضي أن يبدأ لأيهما شاء بالتحليف
والأولى القرعة وإلى أنه لو نكل للأول يحلف
للثاني ولا يقضى بالنكول بخلاف ما إذا أقر
لأحدهما لأن الإقرار حجة بنفسه فيقضى به أما
النكول فإنما يصير حجة عند القضاء فجاز أن
يؤخره ليحلف للثاني فينكشف وجه القضاء فإن حلف
للثاني فالكل للأول وإن نكل فهي بينهما فإن
قضي للأول حين نكل قبل أن يحلف للثاني لا ينفذ
قضاؤه خلافا للخصاف وذكر الألف في الكتاب ليس
احترازيا كما أن العبد في كلام الخصاف ليس
احترازيا وفي التحليف للثاني يقول بالله ما
هذه العين له ولا قيمتها لأنه لما أقر بها
للأول ثبت الحق فيها له فلا يفيد إقراره بها
للثاني فلو اقتصر على الأول كان صادقا قيد
المصنف بهذه الصورة لأنه لو أقر بها لإنسان ثم
قال بل هي لهذا اختص بها الأول وضمن للآخر
قيمتها إن دفعها بغير قضاء وإن كان بقضاء لا
يكون ضامنا عند أبي يوسف خلافا لمحمد ولو قال
أودعنيها أحدكما ولا أدري أيكما فإن اصطلحا
على أخذها بينهما فلهما ذلك ولا ضمان عليه
وليس له الامتناع من التسليم بعد الصلح وإلا
وادعاها كل وأراد أخذها ليس له ذلك لأن المقر
له مجهول ولكل أن يستحلفه فإن حلف قطع دعواهما
وإن نكل فكمسألة الكتاب وكذا لو قال علي ألف
ألف لهذا أو لهذا. ا هـ. والله سبحانه وتعالى
أعلم. |