البحر الرائق شرح كنز الدقائق ط احياء التراث
ج / 7 ص -412-
33- كتاب الهبة
هي تمليك العين بلا عوض, وتصح بإيجاب كقوله
وهبت ونحلت وأطعمتك هذا الطعام
_________
33- كتاب الهبة
هي لغة التفضل على الغير بما ينفعه ولو غير
مال واصطلاحا ما أشار إليه المصنف.
"قوله هي تمليك العين بلا عوض" فخرجت الإباحة
والعارية والإجارة والبيع وهبة الدين ممن عليه
فإنه إسقاط وإن كان بلفظ الهبة وفي الاختيار
إن الهبة نوعان تمليك وإسقاط وعليهما الإجماع
وأما هبة الدين من غير من هو عليه فصحيحة بشرط
أن يأمره بقبضه كذا في المنتقى وغيره وظاهره
أنه ليس بوكيل عنه في قبضه فيملكه ويكون هبة
وقد صرح به في المحيط فقال ولو وهب دينا له
على رجل وأمره أن يقبضه فقبضه جازت الهبة
استحسانا فيصير قابضا للواهب بحكم النيابة ثم
يصير قابضا لنفسه بحكم الهبة وإن لم يأذن في
القبض لم يجز وسببها إرادة الخير للواهب دنيوي
كالعوض وحسن الثناء والمحبة من الموهوب له
وأخروي وشرائط صحتها في الواهب العقل والبلوغ
والملك فلا تصح هبة المجنون والصغير والعبد
ولو مكاتبا أو أم ولد أو مدبرا أو مبعضا وغير
المالك وفي الموهوب أن يكون مقبوضا غير مشاع
متميزا غير مشغول على ما سيأتي تفصيله وركنها
هو الإيجاب والقبول وحكمها ثبوت الملك للموهوب
له غير لازم حتى يصح الرجوع والفسخ وعدم صحة
خيار الشرط فيها فلو وهبه على أن الموهوب له
بالخيار ثلاثة أيام صحت الهبة إن اختارها قبل
أن يتفرقا ولو أبرأه على أنه بالخيار ثلاثة
أيام صح الإبراء وبطل الخيار كذا في الخلاصة
وأنها لا تبطل بالشروط الفاسدة حتى لو وهب
لرجل عبده على أن يعتقه صحت الهبة وبطل الشرط
ومحاسنها كثيرة حتى قال الإمام أبو منصور يجب
على المؤمن أن يعلم ولده الجود والإحسان كما
يجب عليه أن يعلمه التوحيد والإيمان إذ حب
الدنيا رأس كل خطيئة كذا في النهاية.
"قوله وتصح بإيجاب كقوله وهبت ونحلت وأطعمتك
هذا الطعام" لأنها صريحة فيها
ج / 7 ص -413-
وجعلته لك, وأعمرتك هذا الشيء, وحملتك على هذه
الدابة ناويا به الهبة, وكسوتك هذا الثوب,
وداري لك هبة تسكنها
________________
أطلقها فشمل ما إذا كان على وجه المزاح فإن
الهبة صحيحة كذا في الخلاصة وشمل ما إذا أضاف
الهبة إلى جزء يعبر به عن الكل كما إذا قال
وهبت لك فرجها كان هبة كذا في الخلاصة أيضا
وشمل ما لو قال لقوم قد وهبت جاريتي هذه
لأحدكم فليأخذها من شاء فأخذها رجل منهم ملكها
وكذا بقوله أذنت الناس جميعا في ثمر نخلي من
أخذ شيئا فهو له فبلغ الناس من أخذ شيئا يملكه
كذا في المنتقى وظاهره أن من أخذه ولم يبلغه
مقالة الواهب لا يكون له كما لا يخفى وقيد
بالطعام لأنه لو قال أطعمتك أرضى كان عارية
لرقبتها وإطعاما لغلتها كذا في المحيط.
"قوله وجعلته لك" لأن اللام للتمليك ولهذا لو
قال هذه الأمة لك كان هبة ولو قال هي لك حلال
لا تكون هبة إلا أن يكون قبله كلام يستدل به
على أنه أراد به الهبة كذا في الخلاصة قيد
بقوله لك لأنه لو قال جعلته باسمك لا يكون هبة
ولهذا قال في الخلاصة لو غرس لابنه كرما إن
قال جعلته لابني تكون هبة وإن قال باسم ابني
لا تكون هبة ولو قال أغرس باسم ابني فالأمر
متردد وهو إلى الصحة أقرب ا هـ.
"قوله وأعمرتك هذا الشيء" لأن العمرى تمليك
للحال فتثبت الهبة ويبطل ما اقتضاه من شرط
الرجوع وكذلك لو شرط الرجوع صريحا يبطل شرطه
أيضا لو قال وهبتك هذا العبد حياتك وحياته أو
أعمرتك داري هذه حياتك أو أعطيتها حياتك أو
وهبت هذا العبد حياتك فإذا مت فهو لي أو إذا
مت فهو لورثتي فهذا تمليك صحيح وشرط باطل لما
تقدم أنها لا تبطل بالشروط الفاسدة.
"قوله وحملتك على هذه الدابة ناويا الهبة" لأن
الحمل على الدابة إركاب وهو تصرف في منافعها
لا في عينها فتكون عارية إلا أن يقول صاحبها
أردت الهبة لأنه نوى محتمل كلامه وفيه تشديد
عليه ومثله أخدمتك هذه الجارية.
"قوله وكسوتك هذا الثوب" لأنه يراد به التمليك
قال تعالى
{أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة: 89] ويقال كسا الأمير فلانا ثوبا إذا ملكه لا إذا أعاره
وفي الخلاصة لو دفع إلى رجل ثوبا وقال ألبس
نفسك ففعل يكون هبة ولو دفع إليه دراهم وقال
أنفقها تكون قرضا. ا هـ. ولو قال متعتك بهذا
الثوب أو بهذه الدراهم فهي هبة كذا في المحيط.
"قوله وداري لك هبة تسكنها" لأن قوله تسكنها
مشورة بضم الشين وليس بتفسير لأن
ج / 7 ص -414-
لا هبة سكنى أو سكنى هبة, وقبول, وقبض بلا إذن
في المجلس وبعده به, في محوز مقسوم ومشاع لا
يقسم
____________
الفعل لا يصلح تفسيرا للاسم فقد أشار عليه في
ملكه بأن يسكنه فإن شاء قبل مشورته وإن شاء لم
يقبل كقوله هذا الطعام لك تأكله أو هذا الثوب
لك تلبسه وقد تقدم أن العمرى كالهبة فقوله هنا
هبة ليس بقيد بل لو قال داري لك عمرى تسكنها
كان كذلك نص عليه في النهاية.
"قوله لا هبة سكنى أو سكنى هبة" بنصب هبة
فيهما على الحال ويحتمل انتصابهما على التمييز
لما في قوله داري لك من الإبهام يعني أنها
عارية فيهما لأن السكنى محكم في تمليك المنفعة
فكان عارية قدم لفظ الهبة أو أخره ولو ذكر بدل
سكنى عارية كان عارية بالأولى ولو قال هي لك
هبة إجارة كل شهر بدرهم أو إجارة هبة فهي
إجارة غير لازمة فيملك كل فسخها بعد القبض ولو
سكن وجب الأجر كذا في المحيط.
"قوله وقبول" أي صحت الهبة بالإيجاب والقبول
في حق الموهوب له لأنه عقد فينعقد بهما كسائر
العقود قيدنا بكونهما في حق الموهوب له لأنها
تصح بالإيجاب وحده في حق الواهب لما ذكروا في
الأيمان أنه لو حلف أن يهب عبده لفلان فوهب
فلم يقبل بر في يمينه بخلاف البيع والقبول
تارة يكون بالقول وتارة بالفعل ومن الثاني ما
قدمناه من قوله لو قال قد وهبت جاريتي هذه
لأحدكم فليأخذها من شاء فأخذها رجل منهم تكون
له وكان أخذه قبولا وما في المحيط من أنها تدل
على أنه لا يشترط في الهبة القبول مشكل وفيه
رجل دفع ثوبين إلى رجل فقال أيما شئت لك
والآخر لابنك فلان فإن بين الذي له قبل أن
يتفرقا جاز وإن لم يبين لم يجز لأن الجهالة لم
ترتفع.
"قوله وقبض بلا إذن في المجلس وبعده به" يعني
وبعد المجلس لا بد من الإذن صريحا فأفاد أنه
لا بد من القبض فيها لثبوت الملك لا للصحة
والتمكن من القبض كالقبض ولهذا قال في
الاختيار ولو وهب من رجل ثوبا فقال قبضته صار
قابضا عند أبي حنيفة وجعل تمكنه من القبض
كالقبض كالتخلية في البيع وقال أبو يوسف لا بد
من القبض في يده. ا هـ. وأشار المصنف إلى أنه
لو نهاه عن القبض لا يصح قبضه لا في المجلس
ولا بعده لأن صحة قبضه في المجلس لأجل أنه أذن
به دلالة لتسليطه عليه بها فإذا نهاه كان
صريحا وهو يفوقها ولو وهب لرجل ثيابا في صندوق
مقفل ودفع إليه الصندوق لم يكن قبضا وإن كان
الصندوق مفتوحا كان قبضا لأنه يمكنه القبض كذا
في المحيط.
"قوله في محوز مقسوم ومشاع لا يقسم" أي تجوز
الهبة فيما ذكر قيد بالمحوز لأن المتصل
كالثمرة على الشجر لا تجوز هبته وقيد المشاع
بما لم يقسم لأن هبة المشاع الذي تمكن قسمته
لا يصح وأطلقها فشمل الهبة من الشريك مشاعا
يقسم قيد بالهبة لأن بيع الشائع
ج / 7 ص -415-
.....................
_________
جائز فيما يقسم وما لا يقسم وأما إجارته فإن
كان من الشريك فهو جائز وإن من أجنبي لا يجوز
مطلقا عن أبي حنيفة وهي فاسدة على قوله فيجب
أجر المثل على الأصح خلافا لمن قال ببطلانها
فلم يوجب شيئا وأما الشيوع الطارئ ففي ظاهر
الرواية لا يفسد الإجارة وأما إعارته فجائزة
إن كانت من شريكه وإلا فإن سلم الكل فهي إعارة
مستأنفة للكل وإلا لا يجبر وأما رهنه فهو فاسد
فيما ينقسم أو لا من شريكه أو من أجنبي بخلاف
الرهن من اثنين فإنه جائز وأما وقفه فهو جائز
عند أبي يوسف خلافا لمحمد فيما يحتملها وإن
كان مما يحتملها فجائز اتفاقا وأفتى الكثير
بقول محمد واختار مشايخ بلخ قول أبي يوسف وأما
وديعته فجائزة وتكون مع الشريك وأما قرضه
فجائز كما إذا دفع إليه ألفا وقال خمسمائة
قرضا وخمسمائة شركة كذا في النهاية هنا. وأما
غصبه فمتصور قال البزازي وعليه الفتوى وذكر له
في الفصول صورا وأما صدقته فكهبته إلا إذا
تصدق بالكل على اثنين فإنه يجوز على الأصح
وإذا عرف هذا فهبة المشاع فيما لا ينقسم تفيد
الملك للموهوب له على وجه لا يستحق المطالبة
بالقسمة لأنها لا تمكن وأما المهايأة فلا تجب
في ظاهر الرواية لأنها إعارة فإن كل واحد
منهما يصير معيرا نصيبه من صاحبه والجبر على
الإعارة غير مشروع وفي رواية تجب ثم الحد
الفاصل بين ما يحتمل القسمة وما لا يحتملها أن
كل ما كان مشتركا بين اثنين فطلب أحدهما
القسمة وأبى الآخر فإن كان للقاضي أن يجبر
الآبي على القسمة فهو مما يحتملها كالدار
والبيت الكبير وإن كان مما لا يجبره فهو مما
لا يحتملها كالعبد والحمام والبيت الصغير
والحائط ويشترط في صحة هبة المشاع الذي لا
يحتملها أن يكون قدرا معلوما حتى لو وهب نصيبه
من عبد ولم يعلمه به لم يجز لأنها جهالة توجب
المنازعة ومما لا يحتملها الدرهم الصحيح حتى
لو وهب درهما صحيحا لرجلين صح. ولو كان معه
درهمان فقال لرجل وهبت لك درهما منهما فإن
كانا مستويين لم تجز الهبة إلا أن يفرز أحدهما
وإن كانا مختلفين يجوز لعدم احتمالهما فأما في
المقطعة فلا تجوز إلا بالإفراز ولو كان عبد
بين رجلين فوهب أحدهما لهذا العبد شيئا فإن
كان يحتمل القسمة لا تصح أصلا وإن كان لا
يحتملها صحت في نصيب صاحبه ولو وهب أحد
الشريكين حصته من الربح لآخر فإن كان المال
قائما لم يصح لاحتماله القسم وإن كان مستهلكا
صح لأن الدين لا يحتملها كذا في المحيط وفي
الصحاح يقال سهم شائع أي غير مقسوم وأراد
المصنف بالشيوع المانع الشيوع المقارن للعقد
لا الطارئ كأن يرجع الواهب في بعض الهبة شائعا
فإنه لا يفسدها أما الاستحقاق فيفسد الكل لأنه
مقارن لا طارئ قيدنا بالهبة لأن الرهن يبطله
الشيوع الطارئ كالمقارن كذا في النهاية.
ج / 7 ص -416-
فإن قسمه وسلمه صح, وإن وهب دقيقا في بر لا
وإن طحن وسلم
________________
"قوله فإن قسمه وسلمه صح" أي لو وهب مشاعا
يقسم ثم قسمه وسلمه صح وملكه لأن التمام
بالقبض وعنده لا شيوع فأفاد أنه لو قبضه مشاعا
لا يملكه فلا ينفذ تصرفه فيه لأنها هبة فاسدة
مآلا وهي مضمونة بالقبض ولا تفيد الملك
للموهوب له وهو المختار فلو باعه الموهوب له
لا يصح كذا في المبتغى بالمعجمة وأفاد أنه لو
دفع درهمين إلى رجل وقال أحدهما هبة لك والآخر
أمانة عندك فهلكا جميعا يضمن درهم الهبة وهو
في الآخر أمين كذا في فتاوى قاضي خان وأفاد
أنه لو وهب نصف الدار من رجل ولم يسلم ثم وهب
النصف الباقي لذلك الرجل فسلم جميع الدار منه
جملة يجوز وأفاد أنه لو وهب نصف الدار لرجل
فسلم ثم وهب النصف الباقي لذلك الرجل فسلم
فكلا العقدين فاسد كما صرح به الإسبيجابي وبما
ذكره هنا علم أن قوله تصح في محوز مقسوم معناه
أنها تملك بهذه الشروط لا أن الصحة متوقفة على
القسمة لأنه لو وهب شائعا يقسم تصح الهبة من
غير ملك ولهذا لو قبضه مقسوما ما ملكه ولو كان
شرطا للصحة لاحتيج إلى تجديد العقد كما لا
يخفى.
"قوله وإن وهب دقيقا في بر لا وإن طحن وسلم"
أي لا تصح الهبة وأشار به إلى أن هبة المعدوم
تقع باطلة فلا تعود صحيحة بالتسليم فدخل فيه
ما لو وهب دهنا في سمسم أو سمنا في لبن أو حمل
جارية وخرج عنه اللبن في الضرع والصوف على ظهر
الغنم والزرع والنخل في الأرض والتمر في النخل
والدار التي فيها متاع الواهب والجولق الذي
فيه الدقيق أو السرج أو اللجام دون الدابة أو
حلي الجارية دونها أو دابة وله عليها حمل أو
قمقمة فيها ماء دونه فإنه كالمشاع يصح ويملك
إذا فصله وسلمه ويعتبر الإذن بالقبض بعد
الفراغ ولا يعتد بالإذن قبله كما لا يعتد
بالتسليم قبله بخلاف ما لو وهب المتاع الذي في
الدار وسلمها معه أو الدقيق في الجوالق وسلمها
أو دابة مسرجة ملجمة دونهما أو جارية عليها
حلي دونه أو حملا على دابة دونها وسلمهما أو
ماء في قمقمة دونها أو دارها ولها فيها أمتعة
وهو ساكن فيها حيث يجوز وإن وهب دارا فيها
متاع وسلمها كذلك ثم وهب المتاع منه أيضا جازت
في المتاع خاصة وإن بدأ فوهب له المتاع وقبض
الدار والمتاع ثم وهب الدار جازت الهبة فيهما
لأنه حين هبة الدار لم يكن للواهب فيها شيء
وحين هبة المتاع في الأول زال المانع عن قبض
الدار لكن لم يوجد بعد ذلك فعل في الدار ليتم
قبضه فيها فلا ينقلب القبض الأول صحيحا في
حقها كذا في المحيط وقيدنا بكون الدار
الموهوبة مشغولة بمتاع الواهب لأنه لو تبين أن
المتاع مستحق للغير صحت الهبة لأن يد غيره
قاصرة عنها فلم يظهر أنها مشغولة بمتاع الواهب
كما لو كان فيها متاع غصبه الواهب أو الموهوب
له فلو هلك المتاع ثم ظهر الاستحقاق إن
ج / 7 ص -417-
وكذا الدهن في السمسم, والسمن في اللبن, وملك
بلا قبض جديد لو في يد الموهوب له, وهبة الأب
لطفلة تتم بالعقد,
______________
شاء المستحق ضمن الواهب وإن شاء ضمن الموهوب
له عوضه عنها أو لا في قولهم جميعا وهو الصحيح
كذا في المحيط.
"قوله وملك بلا قبض جديد لو في يد الموهوب له"
يعني يملك الموهوب له العين من غير اشتراط
تجديد القبض إذا كانت في يده لحصول الشرط
أطلقه فشمل ما إذا كانت في يده أمانة أو
مضمونة ولو وديعة لأنه بعد الهبة لم يكن عاملا
للمالك فاعتبرت يده الحقيقية والأصل أنه متى
تجانس القبضان ناب أحدهما عن الآخر وإذا تغاير
أناب الأعلى عن الأدنى لا عكسه فناب قبض
المغصوب والمبيع فاسدا عن قبض البيع الصحيح
ولا ينوب قبض الأمانة عنه وفي الكافي من باب
المتفرقات تقابضا فتقايلا فاشترى أحدهما ما
أقال صار قابضا بنفس العقد لأن العرضين قائمان
فكان كل واحد مضمونا بقيمة نفسه كالمغصوب ولو
هلك أحدهما فتقايلا ثم جدد العقد في القائم لا
يصير قابضا بنفس العقد لأنه يصير مضمونا بقيمة
العرض الآخر فشابه المرهون. ا هـ. وذكر فروعا
تتعلق بالقبضين فراجعها.
"قوله وهبة الأب لطفلة تتم بالعقد" لأن قبض
الأب ينوب عنه وشمل كلامه ما إذا كانت في يد
مودع الأب لأن يده كيده بخلاف ما إذا كانت في
يد الغاصب أو المرتهن أو المستأجر حيث لا تجوز
الهبة لعدم قبضه لأن قبضهم لأنفسهم وشمل ما
إذا لم يشهد فإن الإشهاد ليس بشرط لصحتها وما
في الكافي للحاكم من إشهاد الأب عليها
فللاحتياط للتحرز عن جحوده أو جحود ورثته وشمل
ما إذا لم يقبل الأب لأن الأب يتولاه فاكتفى
فيه بالإيجاب كبيع ماله من ابنه الصغير وشمل
ما إذا كان عبدا آبقا أو أرسله في حاجته فوهبه
له قبل عوده فإنها صحيحة وشمل ما إذا كانت
دارا مشغولة بمتاع الأب فإنه لا يمنع كما إذا
كان ساكنا فيها وأراد بالأب من له ولاية عليه
في الجملة فشمل الأم إذا وهبت ولا ولي له ولا
وصي وكل من يعوله لوجود الولاية في التأديب
والتسليم في الصناعة فدخل الأخ والعم عند غيبة
الأب غيبة منقطة إذا كان في عيالهم وإذا علم
الحكم في الهبة علم في الصدقة بالأولى وقيد
بالطفل لأن الهبة للولد الكبير لا تتم إلا
بقبضه ولو كان في عياله كذا في المحيط وأطلق
الهبة فانصرفت إلى الأعيان فاستفيد منه أن
الأم لو وهبت مهرها لولدها قبل أن تقبضه لا
يتم إلا بقبض الولد بعد أن تسلطه عليه كذا في
فتاوى قاضيخان.
ج / 7 ص -418-
فروع
وإن وهب له أجنبي يتم بقبض وليه
_________
فروع
يكره تفضيل بعض الأولاد على البعض في الهبة
حالة الصحة إلا لزيادة فضل له في الدين وإن
وهب ماله كله الواحد جاز قضاء وهو آثم كذا في
المحيط وفي فتاوى قاضي خان رجل أمر شريكه بأن
يدفع إلى ولده مالا فامتنع الشريك عن الأداء
كان للابن أن يخاصمه إن لم يكن على وجه الهبة
وإن كان على وجهها لا لأنه في الأول وكيل عن
الأب وفي الثاني لا وهي غير تامة لعدم الملك
لعدم القبض وفي الخلاصة المختار التسوية بين
الذكر والأنثى في الهبة ولو كان ولده فاسقا
فأراد أن يصرف ماله إلى وجوه الخير ويحرمه عن
الميراث هذا خير من تركه لأن فيه إعانة على
المعصية ولو كان ولده فاسقا لا يعطي له أكثر
من قوته ولو اتخذ لولده ثيابا ثم أراد أن يدفع
إلى آخر ليس له ذلك إلا أن يبين وقت الاتخاذ
أنه عارية وكذا لو اتخذ لتلميذه ثيابا فأراد
أن يدفع إلى غيره وإن أرادا الاحتياط يبين
أنها عارية حتى يمكنه أن يدفع إلى غيره. ا هـ.
وفي المبتغى بالغين المعجمة من آخره من صنع
لولده ثيابا قبل أن يولد ليوضع عليها نحو
الملحفة والوسادة ثم ولدته امرأته ووضع عليها
ثم مات الولد لا تكون الثياب ميراثا ما لم يقر
أن الثياب ملك الولد بخلاف ثياب البدن فإنه
يملكها إذا لبسها كمن قال إن فلانا كان لابسا
فهو إقرار له بخلاف ما إذا قال كان قاعدا على
هذا البساط أو نائما عليه لا يكون مقرا له
بذلك. ا هـ.
"قوله وإن وهب له أجنبي يتم بقبض وليه" لأن
للولي ولاية التصرف في ماله وقبضها منه أراد
بالولي هنا واحدا من أربعة وهو الأب ووصيه
والجد ووصيه على هذا الترتيب وأطلقه فشمل ما
إذا كان في حجره أو لا ولا يجوز قبض غير هؤلاء
الأربعة مع وجود واحد منهم سواء كان الصغير في
عيال القابض أو لم يكن وسواء كان ذا رحم محرم
أو أجنبيا والمراد بالوجود الحضور فلو غاب
غيبة منقطعة جاز قبض الذي يتلوه إلى الولاية
كذا في الخلاصة ويباح للوالدين أن يأكلا من
المأكول الموهوب للصغير كذا في الخلاصة أيضا
فأفاد أن غير المأكول لا يباح لهما إلا عند
الاحتياج كما لا يخفى وأشار المؤلف إلى أن ما
علم أنه وهب للصغير يكون ملكا له أما لو اتخذ
الأب وليمة للختان فأهدى الناس هدايا ووضعوا
بين يدي الولد فإن كانت الهبة تصلح للصبي مثل
ثياب الصبيان أو شيء يستعمله الصبيان فالهدية
للصبي وإن كانت غير تلك كالدراهم والدنانير
والحيوان ومتاع البيت ينظر إلى المهدي إن كان
من أقرباء الأب أو معارفه فهو للأب وإن كان من
أقرباء الأم أو معارفها فهو للأم وسواء كان
ج / 7 ص -419-
وأمه وأجنبي لو في حجرهما. وبقبضه إن عقل,
ويجوز قبض زوج الصغيرة ما وهب بعد الزفاف
_______________
المهدي يقول عند الهدية هذا للصبي أو لم يقل
وكذا لو اتخذ الوليمة لزفاف بنته إلى بيت
زوجها فأهدى أقرباء الزوج أو المرأة وهذا إذا
لم يقل المهدي أهديت للأب أو للأم وتعذر
الرجوع إلى قوله أما إذا قال شيئا فالقول قوله
كذا في الخلاصة. ا هـ.
"قوله وأمه وأجنبي لو في حجرهما" أي وتتم
الهبة بقبض الأم أو الأجنبي بشرط أن يكون في
حجر القابض لأن للأم الولاية فيما يرجع إلى
حفظه وحفظ ماله وللأجنبي يد معتبرة ألا ترى
أنه لا يتمكن أجنبي آخر أن ينزعه من يده فيملك
ما تمحض نفعا في حقه وليس مراد المصنف رحمه
الله قصر الحكم على الأم والأجنبي بل كل غريب
غير الأب والجد ووصيهما كالأم يتم بقبضه إن
كان الصغير في عياله وإلا فلا ودخل الملتقط في
الأجنبي فإن له أن يقبض هبة اللقيط إن كان في
عياله وليس له أحد سواه كذا في فتاوى قاضي خان
وأشار المصنف إلى أن للأجنبي أن يسلم الولد
الذي في حجره في صناعة كقبضه ما وهب له وإن لم
يكن وصيا كذا في الخلاصة وقيد بقبض الهبة لأنه
إذا قبضها الأجنبي أو غيره غير الأربعة
المتقدمة ليس له الإنفاق منها كذا في الخلاصة
من الإجارات.
"قوله وبقبضه إن عقل" أي تتم هبة الأجنبي
للصغير بقبض الصغير إن كان عاقلا لأنه نافع في
حقه وهو من أهله والمراد من العقل هنا أن يكون
مميزا يعقل التحصيل أطلق المصنف رحمه الله
تعالى فشمل ما إذا كان الأب حيا أو ميتا كما
صرح به في الخلاصة وأشار إلى أنه كما يتم
بقبضه يصح رده ولهذا قال في المبتغى بالمعجمة
من وهب لصغير يعبر عن نفسه شيئا فرده يصح كما
يصح قبوله وفي المبسوط من وهب للصغير شيئا له
أن يرجع فيه وليس للأب التعويض من مال الصغير.
ا هـ. وفي فتاوى قاضي خان ويبيع القاضي ما وهب
للصغير حتى لا يرجع الواهب في هبته ا هـ. وقيد
بالهبة لأن المديون لو دفع ما عليه للصبي
ومستأجره لو دفع الأجرة إليه لا يصح وأفاد أنه
تصح الهبة للصغير الذي لا يعقل ويقبضه وليه
وأشار بإطلاقه إلا أن الموهوب لو كان مديونا
للصغير تصح الهبة ويسقط الدين كما صرح به قاضي
خان في فتاويه.
"قوله ويجوز قبض زوج الصغيرة ما وهب بعد
الزفاف" لتفويض الأب أمورها إليه دلالة قيد
بالصغيرة لأنه لا يملك قبض ما وهب لزوجته
البالغة كما لا يملكه الأب وقيد بكونه بعد
الزفاف لأنه لا يملكه قبله وعلل الشارح له
بأنه لا يعولها قبله فاستفيد منه أنها لو كانت
ممن تقدر على الجماع وكان المانع من الدخول من
قبله جاز قبضه قبله لأنه حينئذ يعولها لكن ذكر
ج / 7 ص -420-
ولو وهب اثنان دارا لواحد صح, لا عكسه, وصح
تصدق عشرة وهبتها لفقيرين لا لغنيين
_________
صاحب النهاية علة مركبة من شيئين وهو أنه بعد
الزفاف يعولها وله عليها يد مستحقة ففي
المسألة المفروضة وإن كان يعولها ليس له عليها
يد مستحقة فانتفى الحكم مطلقا كما لا يخفى
وأطلق المصنف فأفاد أنه يملك القبض بعد الزفاف
حال حياة الأب أيضا بخلاف الأم ومن بمعناها
كما تقدم وأشار إلى أنه لا فرق بين كونها ممن
تجامع أو لا وهو الصحيح وأشار بقوله يجوز إلى
أن الأب لو قبضها جاز وإلى أنه لو قبضتها جاز
أيضا إن كانت عاقلة وقيد بقوله ما وهب لأنه لا
يملك قبض ديونها مطلقا وقيد بالصغير والصغيرة
لأن ما وهب للعبد المحجور لا يملك المولى قبضه
وإنما يملكه العبد وإذا قبضه ملكه المولى لأنه
كسب عبده وكذا المكاتب لكن لا يملكه المولى
لأنه أحق بأكسابه كذا في المحيط.
"قوله ولو وهب اثنان دارا لواحد صح" لأنهما
سلماها جملة وهو قد قبضها جملة فلا شيوع.
"قوله لا عكسه" وهو أن يهب واحد من اثنين
كبيرين ولم يبين نصيب كل واحد عند أبي حنيفة
لأنه هبة النصف من كل واحد منهما بدليل أنه لو
قبل أحدهما فيما لا يقسم صحت في حصته دون
الآخر فعلم أنها عقدان بخلاف البيع فإنه لو
قبل أحدهما فإنه لا يصح لأنه عقد واحد وقالا
يجوز نظرا إلى أنه عقد واحد فلا شيوع قيد
بالهبة لأن الرهن من رجلين والإجارة من اثنين
جائز اتفاقا وقيد بكون الواهب واحدا لأن
الواهب لو كان اثنين والموهوب له كذلك على أن
يكون نصيب أحدهما لأحدهما بعينه ونصيب الآخر
للآخر لا يجوز اتفاقا كذا في النهاية وقيدنا
بكون الموهوب لهما كبيرين لأنه لو وهب دارا من
اثنين أحدهما صغير والآخر كبير والصغير في
عياله لم تجز الهبة اتفاقا لأنه حين وهب صار
قابضا حصة الصغير فبقي النصف الآخر شائعا كذا
في المحيط وقيدنا بعدم البيان لأنه لو بين بأن
قال لهذا ثلثها ولهذا ثلثاها أو لهذا نصفها
ولهذا نصفها لا يجوز عند أبي حنيفة وأبي يوسف
وإن قبضه وقال محمد يجوز إن قبضه وقيدنا
بالدار ومراده منها ما يحتمل القسمة لأن ما لا
يحتملها كالبيت يجوز اتفاقا وقيد بكون الموهوب
له اثنين لأنه لو كان واحدا فوكل اثنين بقبضها
فقبضاها جاز كذا في فتاوى قاضي خان.
"قوله وصح تصدق عشرة وهبتها لفقيرين لا
لغنيين" أي لا يجوز التصدق بها على غنيين ولا
هبتها لهما والفرق أن الصدقة يراد بها وجه
الله وهو واحد فلا شيوع والهبة يراد بها وجه
الغنى وهما اثنان والصدقة على الغني مجاز عن
الهبة كالهبة من الفقير مجاز عن الصدقة لأن
بينهما اتصالا معنويا وهو أن كل واحد منهما
تمليك بغير بدل فيجوز استعارة
ج / 7 ص -421-
_________________
أحدهما للآخر فالهبة للفقير لا توجب الرجوع
والصدقة على الغني تجوز الرجوع وصحح في
الهداية ما ذكره المصنف من الفرق وهو رواية
الجامع الصغير وقد علم بما قدمناه أن المراد
من نفي الصحة هنا نفي الملك فلو قسمها وسلمها
لهما صحت وملكاها كما لا يخفى والله أعلم.
باب الرجوع
في الهبة
صح الرجوع فيها,
_________________
باب الرجوع في الهبة
لا خفاء في حسن تأخيره.
"قوله صح الرجوع فيها" يعني صح الرجوع في
الهبة بعد القبض إذا لم يمنع مانع من الموانع
الآتية والمراد من الهبة الموهوب لأن الرجوع
إنما يكون في حق الأعيان لا في حق الأقوال
وأشار بذكر الصحة دون الجواز إلى أنه يكره
الرجوع فيها وظاهر كلام المبسوط وتبعه في
النهاية أنها كراهة تنزيه فإنه قال إنه غير
مستحب ومقتضى دليل الشافعي القائل بعدم الرجوع
إلا فيما يهب الوالد لولده أنها كراهة تحريم
وهو ما رواه أصحاب السنن الأربعة مرفوعا "لا
يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها
إلا الوالد فيما يعطي ولده ومثل الذي يعطي
العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب يرجع في قيئه
فإنه يأكل حتى يشبع فإذا شبع قاء ثم عاد في
قيئه" ونقل تصحيحه الحافظ الزيلعي فإن بهذا
يحصل الجمع بين هذا وبين ما استدل به أئمتنا
لصحته وهو ما رواه الحاكم وصححه مرفوعا "من
وهب هبة فهو أحق بها ما لم ينب منها" أي لم
يعوض ويدل على أنها كراهة تحريم قول الشارح إن
الرجوع قبيح ولا يقال للمكروه تنزيها قبيح
لأنه من قبيل المباح أو قريب منه. وقد يقال إن
الحديث المفيد لعدم الحل محمول على ما إذا كان
بغير قضاء ولا رضا كما أشار إليه في المحيط
وشمل كلامه ما إذا قال الواهب أسقطت حقي من
الرجوع فإنه لا يسقط حقه وله الرجوع كذا في
فتاوى قاضي خان وشمل ما إذا قال لآخر هب لفلان
عني ألف درهم فوهب المأمور كما أمر كانت الهبة
من الآمر ولا يرجع المأمور على الآمر ولا على
القابض وللآمر أن يرجع في الهبة والدافع يكون
متطوعا ولو قال هب لفلان ألف درهم على أني
ضامن ففعل جازت الهبة ويضمن الآمر للمأمور
وللآمر أن يرجع في الهبة ولا يرجع الدافع كذا
في فتاوى قاضي خان من باب الكفالة بالمال
وأطلق الهبة فانصرفت إلى الأعيان فلا رجوع في
هبة الدين للمديون بعد القبول بخلافه قبله
لكونها إسقاطا كما قدمناه وشمل كلامه ما إذا
وهبا عبدا فلأحدهم الرجوع في نصيبه مع غيبة
ج / 7 ص -422-
ومنع الرجوع دمع خزقه, فالدال الزيادة المتصلة كالغرس والبناء
والسمن,
__________
صاحبه لأن الشيوع لا يمنع فسخها بدليل أن
للواهب أن يرجع في بعضها كذا في المحيط وفي
فتاوى قاضي خان الواهب إذا اشترى الهبة من
الموهوب له قالوا لا ينبغي له أن يشتري لأن
الموهوب له يستحي من المالك فيصير مشتريا بأقل
من قيمته إلا الوالد إذا وهب لولده شيئا لأن
شفقته على ولده تمنعه من الشراء بأقل من
قيمته.
"قوله ومنع الرجوع دمع خزقه" أي ومنع الرجوع
في الموهوب الموانع السبعة الآتي تفصيلها.
"قوله فالدال الزيادة المتصلة كالغرس والبناء
والسمن" أي حرف الدال إشارة إلى أن الزيادة
المتصلة تمنع ولو زالت قبل الرجوع كما إذا شب
الصغير ثم شاخ لأنه لا وجه إلى الرجوع فيها
دون الزيادة لعدم الإمكان ولا مع الزيادة لعدم
دخولها تحت العقد قيد بالزيادة لأن النقصان
كالحبل، وقطع الثوب بفعل الموهوب له أولا غير
مانع وقيد بالمتصلة لأن المنفصلة كالولد
والأرش والعقر غير مانع من الرجوع في الأصل
والزيادة للموهوب له بخلاف الرد بالعيب حيث
يمتنع بزيادة الولد ومراده الزيادة في العين
الموجبة لزيادة القيمة فدخل الجمال والخياطة
والصبغ وزيادة القيمة بالنقل من مكان إلى مكان
وإسلام العبد وعفو ولي الجناية عنه وسماع
الأصم وإبصار الأعمى وخرج الزيادة من حيث
السعر فله الرجوع والزيادة في العين فقط كطول
الغلام وفداء الموهوب له لو كان الموهوب جنى
خطأ وتعليمه القرآن أو الكتابة أو الصنعة
والبناء والغرس إذا كان لا يوجب زيادة في
الأرض كبناء تنور الخبز في غير محله وإن كان
يوجب في قطعة منها امتنع فيها فقط هذا حاصل ما
ذكره الشارح هنا. وقد ذكر قاضي خان في فتاويه
ما يخالف بعضه فذكر أن الزيادة لو ذهبت كان
للواهب أن يرجع في هبته ولو علمه القرآن أو
الكتابة أو القراءة أو كانت أعجمية فعلمها
الكلام أو شيئا من الحروف لا يرجع الواهب في
هبته لحدوث الزيادة في العين وذكر في المحيط
الأولى بلا خلاف والثانية على خلاف والمسألة
الأولى مذكورة في الكافي للحاكم الشهيد ثم قال
ولو وهب جارية في دار الحرب فأخرجها الموهوب
له إلى دار الإسلام ليس له الرجوع وقصارة
الثوب زيادة بخلاف غسله وفتله إن لم يزد في
الثمن ولو قطعت يده وأخذ الموهوب له أرشه كان
للواهب أن يرجع ولا يأخذ الأرش ولو مرض عنده
فداواه لا يمتنع الرجوع بخلاف ما لو كان مريضا
فداواه فإنه يمتنع كذا في المحيط وذكر الشارح
أنهما لو اختلفا في الزيادة كان القول للواهب
لأنه ينكر لزوم العقد وذكر في فتاوى قاضي خان
تفصيلا حسنا وهو أن الزيادة المتولدة ككبر
الجارية الصغيرة إذا أنكر الواهب وجودها عند
الموهوب له كان القول قوله وأما في البناء
والخياطة ونحوها كان القول قول الموهوب له.
وهكذا في المحيط إلا أنه استثنى ما
ج / 7 ص -423-
والميم موت أحد المتعاقدين, والعين العوض فإن
قال خذه عوض هبتك أو بدلها أو بمقابلتها فقبضه
الواهب سقط الرجوع
___________
إذا كان لا يبني في مثل تلك المدة قال وكذلك
في الصبغ ولت السويق بسمن لأنه ا مما يقبل
الانفكاك والمدعي يدعي أنه وهب له هذه الزيادة
والموهوب له منكر فيكون القول قوله ونقط
المصحف بإعرابه زيادة مانعة من الرجوع وقطع
الشجرة من مكانها غير مانع كجعلها حطبا بخلاف
جعلها أبوابا وجذوعا وذبحها عن أضحية أو هدي
أو غيرهما لا يمنع وفي المحيط وهب ثوبا فشقه
نصفين وخلط نصفه قباء له أن يرجع في النصف
الباقي لأنه لا مانع في النصف الباقي ولو وهب
حلقة فركب فيها فصا إن كان لا يمكن نزعه إلا
بضرر لا يرجع وإن كان يمكن بغير ضرر يرجع وإن
وهب له ورقة فكتب فيها سورة أو بعض سورة يرجع
لأنه لا يزيد في ثمنه وإن قطعه مصحفا وكتب لا
يرجع لأنه يزيد في الثمن وإن كانت دفاتر ثم
كتب فيها فقها أو حديثا أو شعرا إن كان يزيد
في ثمنه لا يرجع وإن نقص يرجع.
"قوله والميم موت أحد المتعاقدين" يعني حرف
الميم إشارة إلى أن موت أحدهما مانع إذا كان
بعد التسليم لأن بموت الموهوب له ينتقل الملك
إلى الورثة فصار كما إذا انتقل في حال حياته
وإذا مات الواهب فوارثه أجنبي عن العقد إذ هو
ما أوجبه وهو مجرد خيار فلا يورث كخيار الشرط
بخلاف خيار العيب كما عرف قيدنا بكونه بعد
التسليم لأنه لو مات أحدهما قبله بطلت لعدم
الملك ورجوع المستأمن إلى دار الحرب بعد الهبة
قبل القبض مبطل لها كالموت فإن كان الحربي أذن
للمسلم في قبضه وقبضه بعد رجوعه إلى دار الحرب
جاز استحسانا بخلاف قبضه بعد موت الواهب كذا
في المبسوط وفي المحيط ولو قال رجل وهب لك
وارثي هذا العبد فلم تقبضه في حياته وإنما
قبضته بعد وفاته وقال الموهوب له بل قبضت في
حياته والعبد في يد الوارث فالقول قول الوارث
لأن القابض قد علم الساعة والميراث قد تقدم
القبض.
"قوله والعين العوض فإن قال خذه عوض هبتك أو
بدلها أو بمقابلتها فقبضه الواهب سقط الرجوع"
لما تقدم في الحديث من قوله "ما لم يثب عنها"1 وأشار بقوله "خذه" إلى آخره إلى أن الشرط في كونه عوضا أن يذكر
لفظا يعلم الواهب أنه عوض فأفاد أنه لو وهب له
شيئا أو تصدق عليه ولم يذكر أنه عوض لا يسقط
الرجوع بل لكل منهما أن يرجع في هبته وأشار
بقوله فقبضه إلى أنه يشترط في العوض شرائط
الهبة من القبض والإفراز فأفاد أنه تمليك جديد
وإن سمي عوضا فدل على أنه يجوز بأقل من
الموهوب من جنسه في المقدرات ولا يجوز
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم تخريجه.
ج / 7 ص -424-
وصح من أجنبي, وإن استحق نصف الهبة رجع بنصف
العوض, وعكسه لا حتى يرد ما بقي
______________
للأب أن يعوض عما وهب للصغير من ماله ولو وهب
العبد التاجر ثم عوض فلكل منهما الرجوع كذا في
المحيط ولا يصح تعويض المسلم للنصراني من هبة
خمرا أو خنزيرا لما أنه لا يصلح تمليكا من
المسلم كذا في المبسوط ودل ذكر العوض على أنه
يشترط أن لا يكون بعض الموهوب فلو عوضه البعض
عن الباقي فله أن يرجع في الباقي ولو كان
الموهوب شيئين فعوضه أحدهما عن الجميع إن كانا
في عقد واحد لم يكن ذلك عوضا وإن كانا في
عقدين مختلفين في مجلس أو مجلسين فعوضه أحدهما
عن الآخر فهو عوض في ظاهر الرواية لأن اختلاف
العقد كاختلاف العين ودقيق الحنطة يصلح عوضا
عنها لكونه حادثا بالطحن. وكذا لو صبغ ثوبا من
الثياب الموهوبة أو خاطه أو لت بعض السويق ثم
عوضه لأن حقه في الرجوع قد انقطع بهذا الصنع
كذا في المبسوط والمشهود عليه بالهبة إذا ضمن
شهوده بعدد رجوعهم لا رجوع له على الموهوب له
لحصول العوض وإن لم يضمنهم فله الرجوع ذكره في
فتح القدير من الشهادات ولو وهبه جاريتين
فولدت إحداهما فعوضه الولد امتنع الرجوع لأنه
ليس له الرجوع في الولد فصلح عوضا.
"قوله وصح من أجنبي" أي جاز العوض من أجنبي
وسقط حق الواهب في الرجوع إذا قبضه لأن العوض
لإسقاط الحق فيصح من الأجنبي كبدل الخلع
والصلح عن إنكار أطلقه فشمل ما إذا كان بأمر
الموهوب له أو بغير أمره ولا رجوع للمعوض على
الموهوب له ولو كان شريكه سواء كان بإذنه أو
لا لأن التعويض ليس بواجب عليه فصار كما لو
أمره بأن يتبرع لإنسان إلا إذا قال على أني
ضامن بخلاف المديون إذا أمر رجلا بأن يقضي
دينه حيث يرجع عليه وإن لم يضمن لأن الدين
واجب عليه فهو كقوله أنفق من مالك على عيالي
أو أنفق في بناء داري أو أمر الأسير رجلا
ليشتريه ويخلصه أو ليدفع الفداء ويأخذ منه
فإنه يرجع وإن لم يشترط الرجوع ذكره قاضي خان
من الكفالة بالمال وتمامه في كتاب الزكاة وقد
ذكر في الفتاوى الظهيرية هنا أصلا حسنا لهذه
المسائل وهو الأصل في جنس هذه المسائل أن كل
ما يطالب به الإنسان بالحبس والملازمة يكون
الأمر بأدائه سببا للرجوع من غير اشتراط
الضمان وكل ما لا يطالب به الإنسان بالحبس
والملازمة لا يكون الأمر بأدائه سببا للرجوع
إلا بشرط الضمان ا هـ. لكن ربما يخرج عنه
الأمر بالإنفاق على البناء والأمر بشراء
الأسير فليتأمل.
"قوله وإن استحق نصف الهبة رجع بنصف العوض"
لأنه لم يسلم له ما يقابل نصفه.
"قوله وعكسه لا حتى يرد ما بقي" أي إذا استحق
نصف العوض لم يرجع في الهبة إلا أن يرد ما بقي
ثم يرجع لأنه صلح عوضا للكل من الابتداء
وبالاستحقاق ظهر أنه لا عوض إلا هو
ج / 7 ص -425-
ولو عوض النصف رجع بما لم يعوض, والخاء خروج
الهبة عن ملك الموهوب له, وببيع نصفها رجع
بالنصف كعدم بيع شيء
______________
إلا أنه يتخير لأنه ما أسقط حقه في الرجوع إلا
ليسلم له كل العوض ولم يسلم له فله أن يرده
ومراده العوض الذي ليس بمشروط فأما المشروط
فهو مبادلة كما سيأتي فتوزع البدل على المبدل
كذا في النهاية ودل كلامه على أنه لو استحق
جميع العوض فللواهب أن يرجع في هبته كأنه لم
يعوضه أصلا إن كانت قائمة ولا يضمنه إن كانت
هالكة ويشترط أن لا تزاد العين الموهوبة فلو
استحق العوض وقد ازدادت الهبة لم يرجع كذا في
الخلاصة وإن استحق جميع الهبة كان للموهوب له
أن يرجع في جميع العوض إن كان قائما وبمثله إن
هلكت إن كان مثليا وبقيمته إن كان قيميا كذا
في غاية البيان.
"قوله ولو عوض النصف رجع بما لم يعوض" لأن
المانع قد خص النصف غاية ما فيه أنه يلزم منه
الشيوع في الهبة لكنه طارئ فلا يضره كما
قدمناه.
"قوله والخاء خروج الهبة عن ملك الموهوب له"
أي حرف الخاء إشارة إلى ذلك لأنه حصل بتسليط
الواهب فلا ينقضه و لأنه تجدد الملك بتجدد
سببه وهو كتجدد العين بدليل قصة بريرة رضي
الله عنها وأطلق في الخروج فشمل ما إذا وهب
لإنسان دراهم ثم استقرضها منه فإنه لا يرجع
فيها لاستهلاكها كذا في فتاوى قاضي خان وشمل
أيضا ما إذا وهبها الموهوب له فإنه لا رجوع
للواهب الأول إلا إذا رجع الثاني فللواهب
الأول حينئذ الرجوع سواء كان بقبض أو تراض كذا
في المبسوط وشمل أيضا ما لو وهب لمكاتب إنسان
ثم عجز المكاتب لم يرجع المالك في الهبة عند
محمد لانتقالها من ملك المكاتب إلى ملك مولاه
خلافا لأبي يوسف.
وفي المحيط ولو تصدق به الثالث على الثاني أو
باعها منه لم يكن للأول أن يرجع لأن هذا ملك
جديد لأنه عاد إليه بسبب جديد وحق الرجوع لم
يكن ثابتا في هذا الملك فلا يرجع ا هـ. فأفاد
أن العين إذا عادت إلى ملك الموهوب له بفسخ
كان للأول الرجوع وإن كان بسبب جديد فلا وأطلق
في الخروج عن الملك فانصرف إلى الخروج من كل
وجه فلو ضحى الموهوب له بالشاة الموهوبة أو
نذر التصدق بها وصارت لحما فإنه لا يمتنع
الرجوع في الهبة عند أبي حنيفة ومحمد لعدم
الخروج عن الملك وقال أبو يوسف بامتناعه لأنها
خرجت عن ملكه إلى الله تعالى كذا في شرح
المجمع ولو ذبحها من غير أضحية يبقى حق الرجوع
اتفاقا.
"قوله وببيع نصفها رجع بالنصف كعدم بيع شيء"
لأن المانع وجد في البعض فيمتنع
ج / 7 ص -426-
والزاي الزوجية, فلو وهب ثم نكح رجع وبالعكس
لا, والقاف القرابة فلو وهب لذي رحم محرم منه
لا يرجع فيها,
________________
بقدره كما كان له أن يرجع في النصف والعين
كلها لم تخرج عن ملك الموهوب له لأن له حق
الرجوع في الكل فله أن يستوفيه أو بعضه.
"قوله والزاي الزوجية" أي الزوجية مانعة من
الرجوع لأن المقصود فيها الصلة أي الإحسان كما
في القرابة وفي فتاوى قاضي خان من المهر بعث
إلى امرأته متاعا وبعثت أيضا ثم افترقا بعد
الزفاف وادعى أنه عارية وأراد الاسترداد
وأرادت الاسترداد أيضا يسترد كل ما أعطى لأن
المرأة زعمت أن الإعطاء كان عوضا عن الهبة لم
تثبت الهبة فلا يثبت العوض. ا هـ. وفي فتاوى
قاضي خان ولو وهبت المرأة شيئا لزوجها وادعت
أنه استكرهها في الهبة تسمع دعواها.
"قوله فلو وهب ثم نكح رجع وبالعكس لا" أي لو
نكح ثم وهب لا يرجع لأن المعتبر حالة الهبة
وفي الأول لم تكن منكوحة بخلاف الثاني ولهذا
لو أبانها بعد الهبة لم يكن له أن يرجع فيها
وقدمنا في باب الصرف من الزكاة ما يخالف الهبة
من المسائل المتعلقة بالزوجية كالشهادة
والوصية.
"قوله والقاف القرابة فلو وهب لذي رحم محرم
منه لا يرجع" لحديث الحاكم مرفوعا
"إذا كانت
الهبة لذي رحم محرم لم يرجع فيها"1
وصححه وقال على شرط الشيخين ومفهوم شرطه أنها
إذا كانت لغير محرم فله الرجوع فهو حجة على
الشافعي لأنه قائل بالمفاهيم وأئمتنا وإن لم
يعتبروه لكن صرح به في أثر ابن عمر على ما
رواه عبد الرزاق في مصنفه من وهب هبة لغير ذي
رحم فله أن يرجع فيها إلا أن يثاب منها خرجه
الحافظ الزيلعي ولأنه قد حصل مقصوده وهو صلة
الرحم أطلقه فشمل المحرم المسلم والذمي
المستأمن كذا في المبسوط وقيد بالرحم لأن
المحرم بلا رحم كأخيه من الرضاع وأمهات النساء
والربائب وأزواج البنين والبنات لا يمنع
الرجوع وقيد بالمحرم لأن الرحم بلا محرم كابن
عمه لا يمنع الرجوع وفي ذكر القرابة ثم
تفسيرها بالرحم المحرم إشارة إلى أنه لو وهب
لرحم محرم لا من جهة القرابة كان له الرجوع
كما لو وهب لابن عمه وهو أخوه رضاعا وخرج ما
لو وهب لعبد أخيه أو لأخيه وهو عبد لأجنبي
فإنه يرجع فيها عند أبي حنيفة لأن الملك لم
يقع فيها للقريب من كل وجه بدليل أن العبد أحق
بما وهب إليه إذا احتاج إليه وقالا لا يرجع في
الأولى ويرجع في الثانية ولو كان ذا رحم محرم
من الواهب فلا رجوع فيها اتفاقا على الأصح لأن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الحاكم في "مستدركه" "2/60".
ج / 7 ص -427-
والهاء الهلاك, فلو ادعاه صدق, وإنما يصح
الرجوع بتراضيهما أو بحكم الحاكم
______________
الهبة لأيهما وقعت تمنع الرجوع كذا في المبسوط
ولو عجز قريبه المكاتب فعند محمد لا يرجع
خلافا لأبي يوسف وإن عتق لا رجوع وإن كان
مولاه قريبا للواهب رجع عجز المكاتب أو عتق
عند الإمام وفي فتاوى قاضي خان ولو وهب لأخيه
ولأجنبي شيئا فقبضاه كان له أن يرجع في نصيب
الأجنبي.
"قوله والهاء الهلاك" يعني: هلاك العين
الموهوبة مانع وأما هلاك أحد العاقدين فقد
قدمه لتعذر الرجوع بعد الهلاك.
"قوله فلو ادعاه صدق" أي لو ادعى الموهوب له
هلاك الموهوب يصدق لأنه منكر لوجوب الرد عليه
قيد بدعوى الهلاك لأن الموهوب له لو ادعى أنه
أخوه وأنكره الواهب يستحلف الواهب عند الكل
لأنه ادعى بسبب النسب مالا لازما فكان المقصود
إثباته دون النسب ذكره قاضي خان في فتاويه من
باب الاستحلاف وأشار بقوله صدق إلى أن القول
قوله بغير يمين ولهذا قال في الخلاصة لو قال
الموهوب له هلكت فالقول قوله ولا يمين عليه
فإن قال الواهب هي هذه حلف المنكر أنها ليست
هذه ا هـ.
"قوله وإنما يصح الرجوع بتراضيهما أو بحكم
الحاكم" لأنه مختلف بين العلماء وفي أصله
وهي...1 وفي حصول المقصود وعدمه خفاء فلا بد
من الفصل بالرضا أو بالقضاء حتى لو كانت الهبة
عبدا فأعتقه قبل القضاء نفذ ولو منعه فهلك لم
يضمن لقيام ملكه فيه. وكذا إذا هلك في يده بعد
القضاء لأن أول القبض غير مضمون وهذا دوام
عليه إلا أن يمنعه بعد طلبه لأنه تعدي وإذا
رجع بالقضاء أو بالتراضي يكون فسخا من الأصل
حتى لا يشترط قبض الواهب ويصح في الشائع
وللواهب أن يرده على بائعه سواء كان بقضاء أو
رضا لأن العقد وقع جائزا موجبا حق الفسخ فكان
بالفسخ مستوفيا حقا ثابتا له فيظهر على
الإطلاق بخلاف الرد بالعيب بعد القبض بغير
قضاء فإنه لا يرده على بائعه الأول لأن الحق
هنالك في وصف السلامة لا في الفسخ فافترقا
وأما رد المريض الهبة في مرض موته فمعتبر من
الثلث وإن كان بقضاء فلا شيء لورثة المريض على
الواهب كذا في فتاوى قاضي خان وأشار المصنف
إلى أن الواهب بعد التسليم لو استهلكها ضمنها
ولو كان عبدا فأعتقه الواهب لم يصح عتقه كذا
في فتاوى قاضي خان واعلم أن مرادهم بالفسخ من
الأصل هو أن لا يترتب على العقد أثر في
المستقبل لا أن يبطل أثره من كل وجه فيما مضى
وإلا لعاد الزوائد المنفصلة المتولدة إلى ملك
الواهب برجوعه ويحرم قبل الرد انتفاع المشتري
بالمبيع قبل الرد إذا رد بعيب بقضاء وليس كذلك
كذا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هكذا العبارة في الأصل ولعل فيها سقط.
ج / 7 ص -428-
فإن تلفت الموهوبة واستحقها مستحق وضمن
الموهوب له لم يرجع على الواهب بما ضمن,
والهبة بشرط العوض هبة ابتداء فيشترط فيها
التقابض في العوضين وتبطل في الشيوع بيع
انتهاء فترد بالعيب وخيار الرؤية وتؤخذ
بالشفعة
________________
ذكره في جامع الفصولين وفي فتاوى قاضي خان لو
كان على العبد جناية خطأ فوهبه لولي الجناية
بطلت الجناية ويكون للواهب أن يرجع في هبته
استحسانا وإذا رجع مولى العبد في هبة العبد لا
يعود الدين والجناية في قول محمد ورواية عن
أبي حنيفة وفي القياس لا يصح رجوعه في الهبة
وهو رواية عن الثلاثة ولو كان المولى وهب
الأمة من زوجها بطل النكاح فإن رجع في الهبة
بعد ذلك صح رجوعه ولا يعود النكاح كما لا يعود
الدين والجناية وفي رواية يعود النكاح. ا هـ.
مختصرا.
"قوله فإن تلفت الموهوبة واستحقها مستحق وضمن
الموهوب له لم يرجع على الواهب بما ضمن" لأنها
عقد تبرع وهو غير عامل له فلا يستحق السلامة
ولا يثبت به الغرور قيد بالهبة لأن عقود
المعاوضات يثبت بها الغرور فللمشتري الرجوع
على بائعه وكذا بكل عقد يكون للدافع كالوديعة
والإجارة إذا هلكت الوديعة أو العين المستأجرة
ثم جاء رجل واستحق الوديعة أو المستأجر وضمن
المودع والمستأجر فإن المودع والمستأجر يرجع
على الدافع بما ضمن وكذا كل من كان في معناهما
فالحاصل أن المغرور يرجع بأحد الأمرين إما
بعقد المعاوضة أو بعقد يكون للدافع والإعارة
كالهبة هنا لأن قبض المستعير كان لنفسه كذا في
فتاوى قاضي خان من فصل الغرور من البيوع.
"قوله والهبة بشرط العوض هبة ابتداء فيشترط
فيها التقابض في العوضين وتبطل في الشيوع بيع
انتهاء فترد بالعيب وخيار الرؤية وتؤخذ
بالشفعة" لاشتمالها على جهتين فيجمع بينهما ما
أمكن عملا بالشبهين وقد أمكن لأن الهبة من
حكمها تأخر الملك إلى القبض وقد يتراخى عن
البيع الفاسد والبيع من حكمه اللزوم وقد تنقلب
الهبة لازمة بالتعويض فجمعنا بينهما وقال زفر
هو بيع ابتداء وانتهاء وفي الحقائق وصورته أن
يقول وهبتك ذا على أن تعوضني كذا إذ لو قال
وهبتك بكذا فهو بيع إجماعا. ا هـ. وكذا في
غاية البيان وظاهره أنه بيع ابتداء وانتهاء
وفي فتاوى قاضي خان المكره على الهبة بشرط
العوض إذا باع يكون مكرها والمكره بالبيع إذا
وهب بشرط العوض كان مكرها فيه والإكراه
بأحدهما يكون إكراها بالآخر. ا هـ. فالظاهر أن
في هذه المسألة تكون الهبة بشرط العوض بيعا
ابتداء وانتهاء وقد صرح به في الفتاوى
الظهيرية وقال الناصحي في الجمع بين وقفي هلال
والخصاف في باب ما يجوز من الوقف وما لا يجوز
ولو وهب الواقف الأرض التي شرط الاستبدال به
ولم يشترط
ج / 7 ص -429-
________________
عوضا لم يجز ولو شرط عوضا فهو كالبيع. ا هـ.
وفي المجمع وأجاز محمد هبة الأب مال ابنه
الصغير بشرط عوض مساو قيمته يعني وقالا لا
يجوز فيحتاج على قولهما إلى الفرق بين الوقف
ومال الصغير وأراد بالعوض العوض المعين إذ في
اشتراط العوض المجهول تكون هبة ابتداء وانتهاء
لبطلان اشتراطه كما سيأتي والله أعلم.
فصل
ومن وهب أمة إلا حملها أو على أن يردها عليه
أو يعتقها أو يستولدها أو دارا على أن يرد
عليه شيئا منها أو يعوضه منها شيئا صحت الهبة
وبطل الاستثناء والشرط
________________
فصل
هذا الفصل بمنزلة مسائل شتى تذكر في آخر
الكتاب.
"قوله ومن وهب أمة إلا حملها أو على أن يردها
عليه أو يعتقها أو يستولدها أو دارا على أن
يرد عليه شيئا منها أو يعوضه منها شيئا صحت
الهبة وبطل الاستثناء والشرط" لأن الاستثناء
لا يعمل إلا في محل يعمل فيه العقد والهبة لا
تعمل في الحمل لكونه وصفا فانقلب شرطا فاسدا
والهبة لا تبطل بالشروط الفاسدة فدخل فيه كل
عقد لا يبطل بالشروط الفاسدة كالنكاح والخلع
والصدقة والصلح عن دم العمد والعتق فيصح ويبطل
الاستثناء وخرج كل ما يبطله كالبيع والإجارة
والرهن والكتابة وما يصح مع الاستثناء كالوصية
والخلع فهذا ظهر أن استثناء الحمل في العقود
على ثلاثة مراتب وأما إيراد العقد عليه
بانفراده فلا يصح كالبيع والكتابة وإن قبلت
الأم والهبة والصدقة وإن سلم الأم إلى الموهوب
له أو المتصدق عليه والنكاح ويجب مهر المثل.
ولو صالح عن القصاص على ما في البطن فهو صحيح
مبطل للقصاص وتجب الدية وعتقه منفردا صحيح إذا
علم وجوده وقته كالوصية والخلع وإن لم يكن
موجودا وقته فلا ويرجع عليها بما ساق لها من
المهر إن قالت اخلعني على ما في بطن جاريتي من
ولد وإن لم تقل من ولد فلا كذا في غاية البيان
مختصرا.
وأشار المصنف إلى أنه لو أعتق ما في بطنها ثم
وهبها جاز لأنه لم يبق الجنين على ملكه فأشبه
الاستثناء ولو دبر ما في بطنها ثم وهبها لم
يجز لأن الحمل بقي على ملكه فلم يكن شبيه
الاستثناء ولا يمكن تنفيذ الهبة فيه لمكان
التدبير فبقي هبة المشاع أو هبة شيء هو
ج / 7 ص -430-
ومن قال لمديونه إذا جاء غد فهو لك أو أنت منه بريء أو إن أديت إلي
نصفه فلك نصفه أو أنت بريء من النصف الباقي
فهو باطل
_________
مشغول بملك الملك بخلاف البيع حيث لا يجوز في
الفصول كلها للنهي عن بيع وشرط وقد تقدم أن
العوض لا يصح أن يكون بعض الموهوب فلهذا بطل
قوله على أن يرد عليه شيئا منها سواء كان
الشرط بهذه العبارة أو كان الشيء معينا كالثلث
والربع وأما قوله أو يعوضه عنها شيئا فلا يصح
أيضا لأن اشتراط التعويض في الهبة لا بد أن
يكون العوض معلوما لما تقدم أنه تمليك مبتدأ
وهذا مجهول وبهذا اندفع إشكال الشارح رحمه
الله تعالى تبعا لصاحب النهاية وهو أنه إذا
أراد به الهبة بشرط العوض فهي والشرط جائزان
فلا يستقيم قوله بطل الشرط وإن أراد به أن
يعوضه عنها شيئا من العين الموهوبة فهو تكرار
محض لأنه ذكره بقوله على أن يرد عليه شيئا
منها ا هـ. فإن كلامه لا يتم إلا إذا كان
العوض معينا وليس مراد المصنف هذا ما ظهر لي
قبل الاطلاع على كلام صدر الشريعة ثم رأيته
صرح به فقال أقول: إن مرادهم ما إذا كان العوض
مجهولا وإنما يصح العوض إذا كان معلوما. ا هـ.
"قوله ومن قال لمديونه إذا جاء غد فهو لك أو
أنت منه بريء أو إن أديت إلي نصفه فلك نصفه أو
أنت بريء من النصف الباقي فهو باطل" لأن هبة
الدين ممن عليه إبراء وهو تمليك من وجه فيرتد
بالرد ولو بعد المجلس على خلاف فيه كما في
النهاية وإسقاط من وجه فلا يتوقف على القبول
والتعليق بالشروط مختص بالإسقاطات المحضة التي
يحلف بها كالطلاق والعتاق فلا يصح تعليق
التمليكات ولا الإسقاطات من وجه دون وجه ولا
الإسقاطات من كل وجه ولا يحلف بها كالعفو عن
القصاص وقيد بقوله إن أديت لأنه لو قال أنت
بريء من النصف على أن تؤدي إلي النصف صح لأنه
ليس بتعليق بل تقييد ولما قدمناه من باب
التعليق أن المعلق بعلى هو ما بعدها لا ما
قبلها وأشار المصنف بقوله لمديونه إن هبة
الدين للكفيل تمليك من كل وجه حتى يرجع بالدين
على المكفول عنه ولا يتم إلا بقبول وإبراء
الكفيل عن الدين إسقاط من كل وجه حتى لا يرتد
بالرد كذا في النهاية ثم قولهم إن الإبراء لا
يتوقف على القبول يستثنى منه ما إذا أبرأ رب
الدين بدل الصرف والسلم أو وهبه له يتوقف على
القبول لأن البراءة عنه توجب انفساخه لفوات
القبض المستحق بعقد الصرف والسلم ولا ينفرد
أحدهما بفسخه فلا بد من قبوله وفرع قاضي خان
على كون البراءة لا يصح تعليقها ما لو قال
لمديونه إن مت بفتح التاء فأنت بريء من ذلك
الدين لا يبرأ وهو مخاطرة بخلاف ما لو قال إن
مت بضم التاء فأنت بريء من الدين الذي لي عليك
جاز ويكون وصية ولو قال لمديونه إن لم تقض ما
لي عليك حتى تموت فأنت في حل فهو باطل بخلاف
ما إذا قال إذا مت فأنت في حل كان وصية.
ج / 7 ص -431-
وصح العمرى للمعمر له حال حياته ولورثته بعده,
حال حياته, ولورثته بعده, وهي أن يجعل داره له
عمره, فإذا مات ترد عليه, لا الرقبى أي إن مت
قبلك فهو لك, والصدقة كالهبة لا تصح إلا
بالقبض ولا في مشاع يحتمل القسمة, ولا رجوع
فيها
_________________
"قوله وصح العمرى للمعمر له حال حياته ولورثته
بعده" وهي أن يجعل داره له عمره فإذا مات يرد
عليه لحديث الشيخين مرفوعا "العمرى لمن وهبت
له".
"قوله لا الرقبى" أي إن مت قبلك فهي لك لحديث
أحمد وأبي داود والنسائي مرفوعا
"من أعمر عمرى
فهي لمعمره محياه ومماته لا ترقبوا من أرقب
شيئا فهو سبيل الميراث فهي باطلة"1 وهذا عند أبي حنيفة ومحمد وأجازها أبو يوسف وأبطل الشرط قياسا على
العمرى.
"قوله والصدقة كالهبة لا تصح إلا بالقبض ولا
في مشاع يحتمل القسمة" لأنها تبرع كالهبة فإن
قلت قد تقدم أن الصدقة لفقيرين جائزة فيما
يحتمل القسمة بقوله وصح تصدق عشرة لفقيرين قلت
المراد هنا من المشاع أن يهب بعضه لواحد فقط
فحينئذ هو مشاع يحتمل القسمة بخلاف الفقيرين
فإنه لا شيوع كما تقدم.
"قوله ولا رجوع فيها" أي في الصدقة لأن
المقصود هو الثواب وقد حصل ولو اختلفا فقال
الواهب كانت هبة وقال الموهوب له صدقة فالقول
للواهب كذا في فتاوى قاضي خان وأطلقه فشمل ما
إذا تصدق على غني واختاره في الهداية مقتصرا
عليه لأنه قد يقصد بالصدقة على الغني الثواب
لكثرة عياله وكذا إذا وهب لفقير لأن المقصود
الثواب وقد حصل وفي المحيط رجل تصدق بصدقة
وسلمها إليه ثم تقايلا الصدقة لم يجز حتى يقبض
لأنها هبة مستقلة مستأنفة لأنه لا رجوع فيها
وكذلك الهبة إذا كانت لذي رحم محرم قال أبو
يوسف لو تناقضا الصدقة فمات المتصدق عليه قبل
أن يقبضها المتصدق فالمناقضة باطلة ولو كان
ذلك في هبة كانت المناقضة جائزة لأن له الرجوع
فيها فإذا فعلا شيئا لو تقدما إلى القاضي فعله
أجزأته وإن لم يقبض. ا هـ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أبو داود في "سننه" "3551" والنسائي
في "الكبرى" "6572" وأحمد في "مسنده" "5/189". |