البحر الرائق شرح كنز الدقائق ط احياء التراث

 ج / 8 ص -344-     45- كتاب الأضحية
______
45- كتاب الأضحية
أورده عقب الذبائح لأنها ذبيحة خاصة والذبائح عام, والخاص بعد العام وتعقب بأنهم إن أرادوا أن الخاص بعد العام في الوجود فهو ممنوع لأنه تقرر أن لا وجود للعام إلا في ضمن الخاص, وإن أرادوا في التعقل فهو إنما يكون إذا كان العام ذاتيا للخاص وكان الخاص معقولا كما عرف وكون الأمر كذلك فيما نحن فيه ممنوع ويمكن أن يقال: تميز الذاتي من العرضي إنما يتعسر في الحقائق النفسانية, وأما في الأمور الوضعية والاعتبارية كما نحن فيه فكل من اعتبر داخلا في مفهوم شيء يكون ذاتيا له ويكون تصور ذلك الشيء تصورا له بالكلية ولا شك أن معنى الذبح داخل في معنى الأضحية فتوقف تعقلها على تعقل معنى الذبح فيتم التعريف على اختيار الشق الثاني وهو في اللغة كما في النهاية شاة نحرها تذبح في يوم الأضحية ولا يخالفه ما في القاموس والصحاح من أنها شاة من غير لفظ نحرها لأن لفظ النحر مراد بدليل الأضحية وتجمع على أضاحي بالتشديد, ويقال ضحية وضحايا كهدية وهدايا ويقال أضحاة وتجمع على أضحى وعند الفقهاء كما في النهاية اسم لحيوان مخصوص وهي الشاة فصاعدا من هذه الأنواع الأربعة والجذع من الضأن تذبح بنية القربة في يوم مخصوص. ا هـ. ولها شرائط وجوب وشرائط أداء وصفة فالأول كونه مقيما موسرا من أهل الأمصار والقرى والبوادي والإسلام شرط, وأما البلوغ والعقل فليسا بشرط حتى لو كان للصغير والمجنون مال فإنه يضحي عنه أبوه وأما شرائط أدائها فمنها الوقت في حق المصري بعد صلاة الإمام والمعتبر مكان الأضحية لا مكان المضحي وسببها طلوع فجر يوم النحر وركنها ذبح ما يجوز ذبحه وسيأتي الكلام في صفتها. واعلم أن القربة المالية نوعان نوع بطريق التمليك كالصدقات ونوع بطريق الإتلاف كالإعتاق والأضحية, وفي الأضحية اجتمع المعنيان فإنه يتقرب بإراقة الدم وهو إتلاف, ثم بالتصدق باللحم فيكون تمليكا ا هـ.

 

 ج / 8 ص -345-     تجب على حر مسلم موسر مقيم عن نفسه لا عن طفله شاة, أو سبع بدنة فجر يوم النحر إلى آخر أيامه
______
قال رحمه الله: "تجب على حر مسلم موسر مقيم عن نفسه لا عن طفله شاة, أو سبع بدنة فجر يوم النحر إلى آخر أيامه" يعني صفتها أنها واجبة وعن أبي يوسف أنها سنة وذكر الطحاوي أنها سنة على قول أبي يوسف ومحمد وهو قول الشافعي لهم قوله صلى الله عليه وسلم
"إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره"1 رواه مسلم وجماعة أخرى والتعليق بالإرادة ينافي الوجوب ولأنها لو كانت واجبة على المقيم لوجبت على المسافر كالزكاة وصدقة الفطر لأنهما لا يختلفان بالعبادة المالية ودليل الوجوب قوله: صلى الله عليه وسلم "من وجد سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا"2 رواه أحمد وابن ماجه ومثل هذا الوعيد لا يلحق بترك غير الواجب ولأنه عليه الصلاة والسلام أمر بإعادتها من قوله: "من ضحى قبل الصلاة فليعد الأضحية"3, وإنما لا تجب على المسافر لأن أداءها مختص بأسباب تشق على المسافر وتفوت بمضي الوقت فلا يجب عليه شيء لدفع الحرج عنه كالجمعة بخلاف الزكاة وصدقة الفطر لأنهما لا يفوتان بمضي الزمان فلا يخرج, وأما العتيرة فذبيحة تذبح في رجب يتقرب بها أهل الجاهلية والإسلام في الصدر الأول, ثم نسخ في الإسلام. كذا في الأصل,
وفي المحيط ولو اشترى الفقير شاة فضحى بها, ثم أيسر في آخر أيام النحر قيل عليه أن يعيدها وقيل لا ولو افتقر في أيام النحر سقطت عنه وكذا لو مات ولو بعدها لم تسقط كذا في المحيط قيد بالحر لأنها عبادة مالية فلا تجب على العبد لأنه لا يملك ولو ملك. وبالإسلام لأنها عبادة والكافر ليس بأهل لها, و باليسار لأنها لا تجب إلا على القادر وهو الغني دون الفقير ومقداره مقدار ما تجب فيه صدقة الفطر وقد مر بيانه قال في العناية أخذا من النهاية وهي واجبة بالقدرة الممكنة بدليل أن الموسر إذا اشترى شاة للأضحية في أول يوم النحر ولم يضح حتى مضت أيام النحر ثم افتقر كان عليه أن يتصدق بعينها, أو بقيمتها ولا تسقط عنه الأضحية فلو كانت بالقدرة الميسرة لكان دوامها شرطا كما في الزكاة والعشر


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث: أخرجه مسلم في الأضاحي، باب نهي من دخل عليه عشر ذي الحجة وهو مريد التصفية "1977" والترمذي في الأضاحي عن رسول الله باب ترك أخذ الشعر "1523".
2 الحديث: أخرجه ابن ماجة في الأضاحي، باب الأضاحي واجبة أم لا "3123" وأحمد في "مسنده" "8074".
3 الحديث: أخرجه ابن ماجة في الأضاحي باب النهي عن ذبح الأضحية قبل الصلاة "3152" وأحمد في "مسنده" "18336".

 

 ج / 8 ص -346-     ...........................................
______
والخراج حيث يسقط بهلاك النصاب والخارج, واصطلام الزرع آفة لا يقال أدنى ما يتمكن به المرء من إقامتها تملك قيمة ما يصلح للأضحية ولم تجب إلا بملك النصاب فدل أن وجوبها بالقدرة الميسرة لأن اشتراط النصاب لا ينافي وجوبها بالممكنة كما في صدقة الفطر وهذا لأنها وظيفة مالية نظرا إلى شرطها وهو الحرية فيشترط فيها الغنى كما في صدقة الفطر لا يقال لو كان كذلك لوجب التمليك وليس كذلك لأن القربة المالية قد تحصل بالإتلاف كالإعتاق والمضحي إذا تصدق باللحم فقد حصل النوعان أعني التمليك والإتلاف بإراقة الدم, وإن لم يتصدق حصل الأخير. إلى هنا لفظ العناية,
وفي المحيط لو زكى نصابه, ثم مر عليه أيام النحر ونصابه ناقص عليه الأضحية ولا يعد فقيرا بأداء الزكاة في هذه السنة لأن قدر المؤدى يعد قائما شرعا ولو انتقص في أيام النحر بغير الزكاة سقطت عنه الأضحية لأن المؤدى لا يعد قائما حكما فيعد فقيرا وقوله: عن نفسه لأنه أصل في الوجوب عليه وقوله: لا عن طفله يعني لا يجب عليه عن أولاده الصغار لأنها عبادة محضة بخلاف صدقة الفطر والأول ظاهر الرواية, وإن كان للصغير مال يضحي عنه أبوه من ماله, أو وصيه من ماله عند أبي حنيفة وقال محمد وزفر والشافعي رحمهم الله تعالى من مال الأب لأن الإراقة إتلاف, والأب لا يملكه في مال الصغير كالإعتاق والأصح أنه يضحي من ماله ويأكل منه ما أمكن ويبتاع بما بقي ما ينتفع بعينه كذا ذكره صاحب الهداية, وفي الكافي الأصح أنه لا يجب ذلك وليس للأب أن يفعله من مال الصغير. وقوله "شاة, أو سبع بدنة" بيان للقدر الواجب والقياس أن لا يجوز إلا البدنة كلها إلا عن واحد لأن الإراقة قربة لا تتجزأ إلا أنا تركناه بالأثر وهو ما روي عن جابر رضي الله تعالى عنه قال نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم البقرة عن سبعة والبدنة عن سبعة.1 ولا نص في الشاة فبقي على أصل القياس وتجوز عن ستة, أو خمسة, أو أربعة, أو ثلاثة ذكره في الأصل لأنه لما جاز عن سبعة فما دونها أولى, ولا يجوز عن ثمانية لعدم النقل فيه وكذا إذا كان نصيب أحدهم أقل من سبع بدنة لا يجوز عن الكل لأنه بعضه إذا خرج عن كونه قربة خرج كله ويجوز عن اثنين نصفا في الأصح, وإذا جاز عن الشركة يقسم اللحم بالوزن لأنه موزون, وإذا قسموا جزافا لا يجوز إلا إذا كان معه شيء آخر من الأكارع والجلد كالبيع لأن القسمة فيها معنى المبادلة ولو اشترى بقرة يريد أن يضحي, ثم اشترك فيها معه ستة أجزأه استحسانا والقياس لا يجزئ وهو قول زفر لأنه أعدها قربة فيمتنع بيعها, وجه الاستحسان أنه قد يجد بقرة سمينة وقد لا يظفر


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث: أخرجه مسلم في الحج، باب الاشتراك في الهدي وإجزاء البقرة والبدنة كل منهما "1318" والترمذي في الحج عن رسول الله باب ما جاء في الاشتراك في البدنة والبقرة "904".

 

 ج / 8 ص -347-     ...........................................
______
بالشركاء وقت الشراء فيشتريها, ثم يطلب الشركاء ولو لم يجز ذلك لحرجوا وهو مدفوع شرعا والأحسن أن يفعل ذلك قبل الشراء وعن الإمام مثل قول زفر قال القدوري الواجب على مراتب بعضها آكد من بعض, ووجوب سجدة التلاوة آكد من وجوب صدقة الفطر وصدقة الفطر وجوبها آكد من وجوب الأضحية,. وفي الخانية: الموسر في ظاهر الرواية من له مائتا درهم, أو عشرون دينارا أو ما بلغ ذلك سوى سكنه ومتاعه ومركبه وخادمه الذي في حاجته, وفي الأصل ولو جاء يوم الأضحية ولا مال ثم استفاد مائتي درهم ولا دين عليه فعليه الأضحية ولو كان له عقار ملك قيمة العقار مائة درهم1 والزعفراني والفقيه على الرازي اعتبرا القيمة وأوجبا الأضحية ولو كان له أرض يدخل عليه منها قوت السنة فعليه الأضحية حيث كان القوت يكفيه ويكفي عياله, وإن كان لا يكفيه فهو معسر, وإن كان العقار وقفا ينظر إن وجب له في أيام النحر قدر مائتي درهم فعليه الأضحية, وإلا فلا رواه ابن سماعة عن محمد عن الإمام وعنه أنه لا يجب إلا إذا زاد على مائتين والمرأة تعتبر موسرة بالمهر إذ الزوج مليا عندهما وعند الإمام لا تعتبر ملية بذلك, وإن كان خباز عنده حنطة قيمتها مائتا درهم فعليه الأضحية, وإن كان عنده مصحف قيمته مائتا درهم وهو ممن يحسن القراءة فيه فلا أضحية عليه سواء كان يقرأ فيه, أو لا يقرأ فيه, وإن كان لا يحسن أن لا يقرأ فيه فعليه الأضحية, وفي الكافي عن الحسن عن الإمام يجب عليه أن يضحي عن ولده وولد ولده الذي لا أب له والفتوى على أنه لا يجب عليه. وذكر الصدر الشهيد في شرح الأضاحي عن الزعفراني فيما إذا ضحى الأب عن الصغير من ماله فعلى قول محمد وزفر يجب الضمان عليه وعلى قول الإمام أبي يوسف لا يضمن ومثله الوصي, وفي الينابيع والمعتوه والمجنون بمنزلة الصبي والذي يجن ويفيق كالصحيح ولو كان المجنون موسرا يضحي عنه وليه من ماله في الروايات المشهورة وروي أن الأضحية قبل أن يضحى بها لا تجب في مال المجنون, وفي المنتقى اشترى شاة ليضحي بها فمات في أيام الأضحية قبل أن يضحي بها فله أن يبيعها ومن كان غائبا عن ماله في أيام الأضحية فهو فقير ولا يخفى أن الأضحية تصير واجبة بالنذر فلو قال كلاما نفسيا: لله علي أن يضحي بهذه الشاة ولم يذكر بلسانه شيئا فاشترى شاة بنية الأضحية إن كان المشتري غنيا لا تصير واجبة باتفاق الروايات فله أن يبيعها ويشتري غيرها, وإن كان فقيرا ذكر شيخ الإسلام خواهر زاده في ظاهر الرواية تصير واجبة بنفس الشراء وروى الزعفراني عن أصحابنا لا تصير واجبة وأشار إليه شمس


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في العبارة سقط فلينظر.

 

 ج / 8 ص -348-     ...........................................
______
الأئمة السرخسي في شرحه, وإليه مال شمس الأئمة الحلواني في شرحه وقال: إنه ظاهر الرواية ولو صرح بلسانه - والمسألة بحالها - تصير واجبة بشراء نية الأضحية إن كان المشتري فقيرا, وفي الخانية اشترى شاة للأضحية, ثم باعها واشترى أخرى في أيام النحر فهذا على وجوه ثلاثة: الأول: اشترى شاة ينوي بها الأضحية لا تصير ما لم يوجبها بلسانه وبه أخذ أبو يوسف وبعض المتأخرين, وفي الكبرى قال: إن فعلت كذا فلله علي أن أضحي لا يكون يمينا. رجل اشترى أضحية وأوجبها فضلت, ثم اشترى أخرى فأوجبها, ثم وجد الأولى إن كان أوجب الثانية بلسانه فعليه أن يضحي بهما, وإن أوجبها بدلا عن الأولى فعليه أن يذبح أيهما شاء ولم يفصل بين الفقير والغني, وفي فتاوى أهل سمرقند: الفقير إذا أوجب شاة على نفسه هل يحل له أن يأكل منها قال بديع الدين: نعم وقال القاضي برهان الدين: لا يحل, وفي فتاوى أهل سمرقند: الفقير إذا اشترى شاة للأضحية فسرقت فاشترى مكانها, ثم وجد الأولى فعليه أن يضحي بهما, ولو ضلت فليس عليه أن يشتري أخرى مكانها, وإن كان غنيا فعليه أن يشتري أخرى مكانها, وفي الواقعات له مائتا درهم فاشترى بعشرين درهما أضحية يوم الثلاثاء وهلكت يوم الأربعاء وجاء يوم الخميس الأضحى ليس عليه أن يضحي لفقره يوم الأضحى, وفي الفتاوى العتابية إذا انتقص نصابه يوم الأضحى سقط عنه الزكاة وعن ابن سلام: وكل رجلين أن يشتري كل منهما أضحية فاشتريا يجب عليه أن يضحي بهما وفي المحيط ولو اشترى شاتين للأضحية فضاعت إحداهما فضحى بالثانية, ثم وجدها في أيام النحر فلا شيء عليه لأنه لم يتعين أحدهما وأيهما ضحى بها فهي المعينة. ولو ضحى الفقير, ثم أيسر أعاد, وفي رواية, وإذا اشترى شاة للأضحية, ثم باعها جاز البيع, وفي الأصل رجل أوجب على نفسه عشر أضاح قالوا: لا يلزمه إلا شاتان قال الصدر الشهيد في واقعاته والظاهر أنه يجب الكل, وفي الظهيرية والصحيح أنه يجب الكل, وفي الحاوي: ولو اشترى شاة ولم يرد أن يضحي بها بل للتجارة, ثم نوى أن يضحي بها ومضى أيام النحر لا يجب عليه أن يتصدق بها وعن محمد بن سلمة لو ضحى بشاتين لا تكون الأضحية إلا واحدة وفي المحيط: الأصح أن تكون الأضحية بهما وعن الحسن عن أبي حنيفة لا بأس بالأضحية بالشاة أو بالشاتين قال الفقيه وبه نأخذ, وفي الأصل الناذر لا يأكل مما نذره ولو أكل فعليه قيمة ما أكل, وفي أضاحي الزعفراني إن قال: لله علي أن أضحي بشاة في أيام النحر فإن كان موسرا فعليه أن يضحي بشاتين إلا أن يعين بالإيجاب ما يجب عليه فإن كان فقيرا فعليه شاة, وفي السراجية إذا قال لله علي أن أضحي بشاة فضحى ببدنة, أو ببقرة جاز. ا هـ. وفي الشارح إذا نذر وأراد بها الواجب عليه لا يلزمه غيرها, وإن أراد الواجب بسبب الغنى يلزمه غيرها ا هـ.

 

 ج / 8 ص -349-     ولا يذبح مصري قبل الصلاة وذبح غيره
______
قال رحمه الله :. "ولا يذبح مصري قبل الصلاة وذبح غيره" يعني لا يجوز لأهل المصر أن يذبحوا الأضحية قبل أن يصلوا صلاة العيد ويجوز لأهل القرى والبادية أن يذبحوا بعد صلاة الفجر قبل أن يصلي الإمام صلاة العيد والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم
"من ذبح قبل صلاة الإمام فليعد ذبيحته ومن ذبح بعد صلاة الإمام فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين"1 قال صاحب النهاية هذا يشير إلى ما ذكر في المبسوط حيث قال: لا يجزيه لعدم الشرط لا لعدم الوقت وقال عليه الصلاة والسلام: "أول نسكنا في هذا اليوم الصلاة, ثم الأضحية"2 وهذا ظاهر في حق من عليه الصلاة فبقي غيره على الأصل فيذبح بعد طلوع الفجر وهو حجة على الشافعي ومالك في نفيهما الجواز بعد صلاة العيد قبل نحر الإمام والمعتبر في ذلك مكان الأضحية حتى لو كانت في السواد, والمضحي في المصر يجوز كما انشق الفجر, وفي العكس لا يجوز إلا بعد الصلاة وحيلة المصري إذا أراد التعجيل أن يبعث بها إلى خارج المصر في موضع للمسافر أن يقصر فيضحي فيه كما طلع الفجر لأن وقتها من طلوع الفجر, وإنما أخرت في حق المصر لما ذكرنا ولأنها تشبه الزكاة فيعتبر في الأداء مكان المحل وهو المال لا مكان الفاعل بخلاف صدقة الفطر حيث يعتبر فيها مكان الفاعل لأنها تتعلق بالذمة والمال ليس بمحل لها ولو ضحى بعدما صلى أهل المسجد قبل أن يصلي أهل الجبانة أجزأه استحسانا لأنها صلاة معتبرة ولو ذبح بعدما قعد الإمام قدر التشهد قبل أن يسلم لم يجز خلافا للحسن, وفي المراد: لو ضحى بعد أن تشهد قبل أن يسلم الإمام جازت الأضحية, وفي العتابية: وهو الأصح من غير إساءة, وفي غيره: وهو المختار ولو ضحى قبل أن يتشهد الإمام لم يجز عندنا وفي رواية جاز, وقد أساء, والأول أصح, وفي الأجناس لو صلى الإمام صلاة العيد على غير طهارة لم يعلموا حتى عاد وذبح الناس جاز عن أضحيتهم ولو علموا قبل أن يتفرقوا تعاد الأضحية وقيل: لا تعاد, والأول هو المختار والمأخوذ به. ومتى علم الإمام ذلك ونادى بالصلاة ليعيدها فمن ذبح قبل أن يعلم ذلك الإمام أجزأه ومن ذبح بعد العلم قبل الزوال لا يجوز, وإن ذبح بعد الزوال جاز ولو لم يصل الإمام صلاة العيد في اليوم الأول أخروا الأضحية إلى الزوال, ثم ذبحوا ولا تجزيهم التضحية إذا لم يصل الإمام إلا بعد الزوال, وكذا في اليوم الثاني: الحكم كالأول كذا في المحيط. وذكر فيه أيضا أن التضحية في الغد تجوز قبل الصلاة لأنه فات وقت


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث: أخرجه البخاري في الأضاحي، باب سنة الأضحية "5545" ومسلم في الأضاحي باب وقتها "1961".
2 الحديث: أخرجه البخاري في الجمعة، باب استقبال الإمام الناس في خطبة العيد "976" وأحمد في "مسنده" "18021".

 

 ج / 8 ص -350-     ويضحي بالجماء والخصي
______
الصلاة بزوال الشمس في اليوم الأول, والصلاة في الغد تقع قضاء لا أداء فلا يظهر هذا في حق الأضحية وقال: هكذا ذكر القدوري في شرحه ولو صلى, ثم تبين أنه صلى بغير طهارة تعاد الصلاة دون الأضحية ولو وقع أنه في بلد فتنة ولم يبق فيها والي ليصلي بهم العيد فضحوا بعد طلوع الفجر أجزأهم ولو شهدوا عند الإمام أنه يوم العيد فضحى بعد الصلاة, ثم انكشف أنه يوم عرفة أجزأهم الصلاة والتضحية لأنه لا يمكن الاحتراز عن مثل هذا ووقتها ثلاثة أيام أولها أفضلها, ويجوز الذبح في لياليها إلا أنه يكره لاحتمال الغلط في الظلمة وأيام النحر ثلاثة وأيام التشريق ثلاثة والكل تمضي بمضي أربعة أيام أولها نحر لا غير وآخرها تشريق لا غير والمتوسطان نحر وتشريق والتضحية فيها أفضل من التصدق بثمنها لأنها تقع واجبة إن كان غنيا وسنة إن كان فقيرا والتصدق بالثمن تطوع محض فكانت هي أفضل لأنها تفوت بفوات أيامها ولو لم يضح حتى مضت أيامها وكان غنيا وجب عليه أن يتصدق بالقيمة سواء اشتراها, أو لم يشترها, وإن كان فقيرا فإن كان اشتراها وجب عليه التصدق بها ولو ذبح بعد الزوال يوم عرفة وهو يرى أنه يوم عرفة, ثم ظهر أنه يوم النحر يجزيه, وفي سائر الأوقات جعل الليل السابق على النهار إلا في يوم عرفة فهي متأخرة عنها, وليلة النحر الأول هي ليلة النحر الثاني وليلة النحر الثاني هي ليلة النحر الثالث وليلة النحر الثالث هي ليلة الفجر الثالث عشر حتى يجوز الذبح فيها قبل طلوع الفجر كذا في المحيط. وفي النوازل: الإمام إذا صلى العيد يوم عرفة وضحى الناس فهذا على وجهين: إما أن شهد عنده الشهود, أو لا بأنه يوم النحر ففي الأول تجوز الصلاة والأضحية, وفي الثاني لا تجوز ولو شكوا في يوم النحر فصلى بهم الإمام وضحوا ثم علموا في الغد أنه يوم عرفة فإن عليه إعادة الصلاة والأضحية جميعا, وفي العتابية: شهدوا بعد الزوال أنه يوم النحر ضحوا, وإن شهدوا قبل الزوال لم يجز إلا إذا زالت, وفي التجريد لو صلى ولم يخطب جاز الذبح, وفي الكبرى: مصري وكل وكيلا بأنه يذبح شاة له وخرج إلى السواد فأخرج الوكيل الأضحية إلى موضع لا يعد من المصر وذبحها هناك فإن كان الموكل في السواد جازت الأضحية, وإن كان عاد إلى المصر وعلم الوكيل بقدومه لم تجز الأضحية عن الموكل بلا خلاف, وإن لم يعلم بعود الموكل إلى المصر فكذا عن محمد وعند أبي يوسف يجوز وهو المختار. ا هـ. وفي المحيط: ولو ذبح بعدما صلى أهل الجبانة قبل أن يصلي أهل المسجد يجوز قياسا واستحسانا. ا هـ..
قال رحمه الله: "ويضحي بالجماء" التي لا قرن لها يعني خلقة لأن القرن لا يتعلق به مقصود وكذا مكسورة القرن بل أولى
قال رحمه الله: "والخصي" وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى هو أولى لأن لحمه أطيب

 

 ج / 8 ص -351-     والتولاء لا بالعمياء والعوراء والعجفاء والعرجاء ومقطوعة أكثر الآذان, أو الذنب, أو العين, أو الألية
______
وقد صح أنه عليه الصلاة والسلام ضحى بكبشين أملحين موجوءين.1 الأملح الذي فيه ملحة وهو البياض الذي فيه شعيرات سود وهو من لون الملح, والموجوء المخصي من الوجء وهو أن يضرب عروق الخصية بشيء, وفي المحيط: تجوز الجرباء, وفي الحاوي: تجوز الجرباء إذا كانت سمينة ا هـ.
قال رحمه الله: "والتولاء" وهي المجنونة لأنه لا يخل بالمقصود إذا كانت تعتلف فإن كانت سمينة ولم يتلف جلدها جاز لأنه لا يخل بالمقصود قال: ولا يجوز بالهتماء التي لا أسنان لها, وإن كانت لا تعتلف, وإن كانت تعتلف جاز وهو الصحيح ولا الجلالة التي تأكل العذرة ولا تأكل غيرها ولا مقطوعة الضرع ولا التي لا تستطيع أن ترضع ولدها التي يبس ضرعها ولا مقطوعة الأنف والذنب والطرف. كذا في المحيط
قال رحمه الله: "لا بالعمياء والعوراء والعجفاء والعرجاء" أي التي لا تمشي إلى المنسك أي إلى المذبح لما روي عن البراء بن عازب أنه عليه الصلاة والسلام قال:
"أربع لا تجوز في الأضاحي ; العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعجفاء البين ضلعها والكسيرة التي لا تنقي"2 رواه أبو داود والنسائي وجماعة أخر وصححه الترمذي, وفي الحاوي قال مشايخنا: العرجاء التي تمشي بثلاثة قوائم وتجافي الرابع عن الأرض لا تجوز الأضحية بها, وإن كانت تضع الرابع على الأرض وتستعين به إلا أنها تتمايل مع ذلك وتضعه وضعا خفيفا يجوز, وإن كانت ترفعه رفعا, أو تحمل المنكسر لا تجوز, وفي الخانية: وكذا الحولاء التي في عينها حول لا تجوز المنفسخة العين وهي التي غارت عينها ا هـ.
قال رحمه الله: "ومقطوعة أكثر الآذان, أو الذنب, أو العين, أو الألية" لقول علي رضي الله تعالى عنه أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن وأن لا نضحي بمقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء"3 رواه أبو داود والنسائي وغيرهما وصححه الترمذي المقابلة قطع من


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث أخرجه البخاري في الحج، باب من نحر هديه بيده "1712" ومسلم في الأضاحي، باب استحباب الضحية وذبحها مباشرة بلا توكيل "1966".
2 الحديث أخرجه الترمذي في الأضاحي عن رسول الله، باب ما لا يجوز من الأضاحي "1497"، والنسائي في الضحايا، باب ما نهي عنه من الأضاحي العووراء "4369".
3 الحديث: أخرجه الترمذي في الأضاحي عن رسول الله، باب ما يكره من الأضاحي "1498" والنسائي في الضحايا، باب المقابلة وهي ما قطع طرف أذنها "4372".

 

 ج / 8 ص -352-     والأضحية من الإبل والبقر والغنم
______
مقدم ذنبها والمدابرة قطع من مؤخر أذنها, والشرقاء أن يكون الخرق في أذنها طويلا والخرقاء أن يكون عرضا, وإن بقي أكثر الأذن جاز وكذا أكثر الذنب لأن للأكثر حكم الكل بقاء وذهابا وهذا لأن العيب اليسير لا يمكن التحرز عنه فجعل عفوا. وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن الثلث إذا ذهب وبقي الثلثان يجوز, وإن ذهب أكثر من الثلث لا يجوز لأن الثلث تنفذ فيه الوصية من غير إجازة الورثة فاعتبر قليلا وفيما زاد لا ينفذ إلا برضاهم فاعتبر كثيرا ويروى عنه الربع ; لأنه يحكي حكاية الكل وقال أبو يوسف ومحمد إذا بقي أكثر من النصف أجزأه اعتبارا للحقيقة وهو اختيار أبي الليث قال أبو يوسف: أخبرت بقولي أبا حنيفة فقال: قولي هو قولك قيل: هو رجوع إلى قول أبي يوسف وقيل معناه: قولي قريب من قولك, وفي كون النصف مانعا روايتان عنهما وتأويل ما روينا إذا كان بعض الآذان مقطوعا على اختلاف الروايتان لأن مجرد الرد الشق من غير ذهاب شيء من الأذن لا يمنع, ثم في معرفة مقدار الذاهب والباقي يتيسر في غير العين وفي العين قال: تسد عينها المعيبة بعد إن جاءت, ثم يقرب إليها العلف قليلا قليلا فإذا رأته في موضع علم ذلك الموضع, ثم تسد عينها الصحيحة ويقرب العلف إليها شيئا فشيئا حتى إذا رأته من مكان علم عليه, ثم ينظر ما بينهما من التفاوت فإن كان نصفا, أو ثلثا, أو غير ذلك فالذاهب هو ذلك القدر, وفي الشرح. ولو أوجب الفقير على نفسه أضحية بغير عينها فاشترى أضحية صحيحة ثم تعيبت عنده فضحى بها لا يسقط عنه الواجب ; لأنه وجب عليه أضحية كاملة بالنية من غير تعيين كالموسر ولو كانت معينة وقت الشراء جاز ذبحها لما ذكرنا ولو أضجعها ليذبحها في يوم النحر فاضطربت فانكسرت رجلها فذبحها أجزأته استحسانا ولو بقيت في هذه الحالة فانقلبت, ثم أخذها من فورها وكذا بعد فورها عند محمد خلافا لأبي يوسف,
وفي الخانية عشرة من الرجال اشتروا من رجل عشرة شياه جملة واحدة فصارت العشرة شركة بينهم فأخذ كل واحد منهم شاة وضحى بها عن نفسه جاز فإذا ظهر منها شاة عوراء وأنكر كل واحد من الشركاء أن تكون العوراء له لا تجوز أضحيتهم ا هـ.
قال رحمه الله: "والأضحية من الإبل والبقر والغنم" لأن جواز التضحية بهذه الأشياء عرفت شرعا بالنص على خلاف القياس فيقتصر على ما ورد وتجوز بالجاموس لأنه نوع من البقر بخلاف بقر الوحش حيث لا تجوز الأضحية به لأن جوازها عرف بالشرع, وفي البقر الأهلي دون الوحشي والقياس ممتنع, وفي المتولد منها تعتبر الأم وكذا في حق المحل تعتبر الأم ا هـ.

 

 ج / 8 ص -353-     وجاز الثني من الكل والجذع من الضأن وإن مات أحد السبعة, وقال الورثة: اذبحوا عنه وعنكم صح, وإن كان شريك الستة نصرانيا ومريد اللحم لم تجز عن واحد منهم
______
قال رحمه الله: "وجاز الثني من الكل والجذع من الضأن" لقوله عليه الصلاة والسلام:
"لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن"1 رواه البخاري ومسلم وأحمد وجماعة أخر وقال عليه الصلاة والسلام: "نعمت الأضحية الجذع من الضأن"2 رواه أحمد وقال عليه الصلاة والسلام: "يجوز الجذع من الضأن أضحية"3 رواه أحمد وابن ماجه وقالوا: هذا إذا كان الجذع عظيما بحيث لو خلط بالثنيات ليشتبه على الناظرين, والجذع من الضأن ما تمت له ستة أشهر عند الفقهاء وذكر الزعفراني أنه ابن سبعة أشهر والثني من الضأن والمعز ابن سنة ومن البقر ابن سنتين ومن الإبل ابن خمس سنين, وفي المغرب الجذع من البهائم قيل الثني إلا أنه من الإبل قبل السنة الخامسة ومن البقر والشاة في السنة الثانية ومن الخيل في الرابعة وعن الزهري الجذع من المعز لسنة ومن الضأن لثمانية أشهر, وفي الظهيرية: ولو أن رجلين ضحيا بعشر من الغنم بينهما لم تجز ولو اشترك سبعة نفر في خمس بقرات جاز, وإن اشترك ثمانية نفر في سبع بقرات لم يجز وكذا عشرة وأكثر ا هـ.
قال رحمه الله: "وإن مات أحد السبعة, وقال الورثة: اذبحوا عنه وعنكم صح, وإن كان شريك الستة نصرانيا ومريد اللحم لم تجز عن واحد منهم", ووجه الفرق أن البقر تجوز عن سبعة بشرط قصد الكل القربة, واختلاف الجهات فيما لا يضر كالقران والمتعة والأضحية لإيجاد المقصود وهو القربة وقد وجد هذا الشرط في الوجه الأول لأن الأضحية من الغير عرفت قربة لأنه صلى الله عليه وسلم ضحى عن أمته4 ولم توجد القربة في الوجه الثاني لأن النصراني ليس من أهلها ولو اشترك اثنان في بقرة, أو بعير لا يجوز في الأضحية لأنه يكون لواحد منهم ثلاثة أسهم ونصف, والنصف لا يجوز في الأضحية والأصح أنه يجوز لأن النصف يصير قربة بطريق التبع لغيره. شاتان بين رجلين ذبحاهما عن نسكهما أجزأهما بخلاف العبدين بين اثنين أعتقاهما عن كفارتيهما لا يجوز لأن في الشاتين أمكن جمع كل واحد منهما في شاة ولا كذلك


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث: أخرجه مسلم في الأضاحي، باب من الأضحية "1963". والنسائي في الضحايا، باب المسنة والجذعة "4378".
2 الحديث: أخرجه الترمذي في الأضاحي عن رسول الله، باب ما جاء في الجذع من الضأن "1499"، وأحمد في "مسنده" "9446".
3 الحديث: أخرجه ابن ماجة في الأضاحي، باب ما تجزئ من الأضاحي "3139" وأحمد في "مسنده" "26533".
4 تقدم زتخريجه.

 

 ج / 8 ص -354-     ...........................................
______
الرقيق اشترك ثلاثة في بقرة: لواحد ثلاثة أسباعها, ومات وترك ابنا وبنتا صغارا, أو ترك ستمائة درهم مع حصة البقرة فضحى الوصي عنهم بحصة الميت من البقرة لا يجوز عنه لأن نصيب البنت لحم لأنها فقيرة أصابها من ميراث الأب أقل من مائتي درهم ولو اشترك خمسة في بقرة فأشرك أربعة منهم رجلا في البقرة تجوز الأضحية عنهم لأن الشركاء أربعة لكل واحد منهم خمسة فتصير الأربعة عشرين وقد جعلوا من أنصبائهم أربعة, والأربعة من عشرين أكثر من السبع ولو كانوا ستة فأشرك خمسة واحدا وأبى الواحد لم تجز أضحيتهم لأن نصيبه أقل من السبع لأن أصل حسابه ستة وثلاثون كل واحد ستة فيكون للخمسة ثلاثون وقد جعلوها ستة لكل واحد خمسة, وخمسة من ستة وثلاثين أقل من السبع كذا في المحيط وكذا قصد اللحم من المسلم ينافيها, وإذا لم يقع البعض قربة خرج الكل من أن يكون قربة لأن الإراقة لا تتجزأ وهذا استحسان والقياس أن لا تجوز وهو رواية عن أبي يوسف لأنه تبرع بالإتلاف فلا تجوز عن غيره كالإعتاق عن الميت قلنا القربة تقع عن الميت كالتصدق لما روينا بخلاف الإعتاق لأن فيه إلزام الولاء للميت ولو كان بعض الشركاء صغيرا, أو أم ولد بأن ضحى عن الصغير أبوه, أو عن أم ولده مولاها ولم يجب عليهما جاز لأن كلها وقعت قربة ولو ذبحوها بغير إذن الورثة فيما إذا مات أحدهم لا تجزيهم لأن بعضها لم يقع قربة بخلاف ما تقدم لوجود الإذن من الورثة. وفي فتاوى أبي الليث إذا ضحى بشاة عن غيره بأمره, أو بغير أمره لا يجوز ولو ضحى ببدنة عن نفسه وعن أولاده فإن كانوا صغارا أجزأه وأجزأهم وإن كانوا كبارا فإن فعل ذلك بأمرهم فكذلك, وإن كان بغير أمرهم لم يجز على قولهم وعن أبي يوسف أنه يجوز استحسانا, وفي الكبرى لو ضحى عن الميت بغير أمره لا يجوز وهو المختار, وفي رواية يجوز. واختلفوا هل الأضحية عن الميت أفضل, أو التصدق أفضل؟ ذهب بعضهم إلى أن التصدق أفضل وذهب بعضهم إلى أن الأضحية أفضل, وفي الظهيرية رجل اشترى أضحية شراء فاسدا فذبحها عن أضحيته جاز والبائع بالخيار إن شاء ضمنه قيمتها حية, وإن شاء استردها ولا شيء على المضحي ويتصدق بقيمتها مذبوحة, وفي الخانية اشترى سبع بقرة فنوى بعضهم الأضحية عن نفسه في هذه السنة ونوى بقيتهم عن السنة الماضية, قالوا: تجوز الأضحية عن هذا الواحد ونية أصحابه عن السنة الماضية باطلة وصاروا متطوعين قيدنا بالسبعة لأنهم لو كانوا ثمانية لم تجز عن الواحد منهم كما تقدم, وفي أضاحي الزعفراني اشترى ثلاثة بقرة على أن يدفع أحدهم ثلاثة دنانير والآخر أربعة والآخر دينارا على أن تكون البقرة بينهم على قدر رأس مالهم فضحوا بها لم تجز ولو كانت البقرة, أو البدنة بين اثنين فضحيا بها اختلف المشايخ قال بعضهم: يجوز وبه أخذ الفقيه أبو الليث والصدر الشهيد ا هـ.

 

 ج / 8 ص -355-     ويأكل من لحم الأضحية ويؤكل ويدخر وندب أن لا ينقص الصدقة من الثلث ويتصدق بجلدها, أو يعمل منه نحو غربال, أو جراب
______
قال رحمه الله: "ويأكل من لحم الأضحية ويؤكل ويدخر" لما روي أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن أكل لحم الضحايا بعد ثلاثة, ثم قال:
"كلوا وتزودوا وادخروا"1 رواه مسلم وأحمد والنصوص فيه كثيرة وعليه إجماع الأمة ولأنه لما جاز أن يأكل منه وهو غني فأولى أن يجوز له إطعام غيره, وإن كان غنيا.
قال رحمه الله: "وندب أن لا ينقص الصدقة من الثلث" لأن الجهات ثلاثة: الإطعام والأكل والادخار لما روينا ولقوله تعالى
{وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: من الآية36] أي السائل والمتعرض للسؤال, فانقسم عليه أثلاثا وهذا في الأضحية الواجبة والسنة سواء, ولك أن تقول الأمر لمطلق الوجوب عند أكثر العلماء كما تقرر في علم الأصول والظاهر من قوله "وأطعموا" وجوب الإطعام والمدعى استحبابه فليتأمل في الجواب, وإذا لم تكن واجبة, وإنما وجبت بالنذر فليس لصاحبها أن يأكل منها شيئا ولا أن يطعم غيره من الأغنياء, سواء كان الناذر غنيا, أو فقيرا لأن سبيلها التصدق وليس للمتصدق أن يأكل من صدقته ولا أن يطعم الأغنياء, وفي الظهيرية اشترى شاة للأضحية وهو فقير فضحى بها, ثم أيسر في أيام النحر, قال بعضهم: عليه غيرها وقال بعضهم: ليس عليه غيرها وبه تأخذ, وفي العتابية وهو المختار ولو أوصى بأن يضحى عنه ولم يسم ينصرف إلى الشاة. أوصى بأن يشترى بماله أضحية ولم تجز الورثة فالوصية جائزة في الثلث ويشترى به شاة يضحى بها ولو أوصى بأن يشترى بقرة بعشرين درهما ويضحى ولم يبلغ ثلث ماله ذلك فإنه يشترى بقدر ما بلغ وكذا لو لم يعين قدرا يشترى بقدر الثلث ا هـ.
قال رحمه الله: "ويتصدق بجلدها, أو يعمل منه نحو غربال, أو جراب" لأنه جزء منها وكان له التصدق والانتفاع به ألا ترى أن له أن يأكل لحمها ولا بأس بأن يشتري به ما ينتفع بعينه مع بقائه استحسانا وذلك مثل ما ذكرنا لأن للبدل حكم المبدل ولا يشتري به ما لا ينتفع به إلا بعد الاستهلاك, نحو اللحم والطعام ولا يبيعه بالدراهم لينفق الدراهم على نفسه وعياله والمعنى فيه أنه لا يتصدق على قصد التمول, واللحم بمنزلة الجلد في الصحيح فلا يبيعه بما لا ينتفع به إلا بعد الاستهلاك ولو باعها بالدراهم ليتصدق بها جاز لأنه قربة كالتصدق بالجلد


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث: أخرجه مسلم في الأضاحي، باب بيان ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي "1972" وأحمد في "مسنده" "14748".

 

 ج / 8 ص -356-     ولا يعطي أجرة الجزار منها وندب أن يذبح بيده إن علم ذلك
______
واللحم وقوله عليه الصلاة والسلام:
"من باع جلد أضحيته فلا أضحية له"1 يفيد كراهية البيع, وأما البيع فجائز لوجود الملك والقدرة على التسليم.
قال رحمه الله: "ولا يعطي أجرة الجزار منها شيئا" والنهي عنه نهي عن البيع لأنه في معنى البيع لأنه يأخذه بمقابلة عمله فصار معاوضة كالبيع ويكره أن يجز صوفها قبل الذبح فينتفع به لأنه التزم إقامة القربة بجميع أجزائها بخلاف ما بعد الذبح لأن القربة قد أقيمت بها والانتفاع بعدها مطلق له ويكره بيع لبنها كما في الصوف ومن أصحابنا من أجاز الانتفاع به يعني بلبنها وصوفها لأن الواجب في حقه في الذمة فلا يتعين ويكره ركوب الدابة واستعمالها ولو اكتسب مالا من لبنها يتصدق بمثل ذلك وذكر محمد في النوادر ولا يشتري بالجلد الخل والزيت فلو ماتت أضحيته فحلب لبنها وجز صوفها وسلخ جلدها فله ذلك ولا يتصدق بشيء كذا في المحيط, وفي التتمة سئل علي بن أحمد عن رجل دفع لحم الأضحية عن زكاة ماله هل تسقط عنه الأضحية قال نعم وسئل الوبري عن هذا فقال يقع الموقع ولكنه يأثم وسئل علي أيضا لو كان لرجل دين على مقر هل تحل له الزكاة؟ فقيل له: هل عليه أضحية؟ قال: لا ; لأن ماله مستقرض لم يصل إليه وسئل أيضا عن رجل له ديون مؤجلة, أو غير مؤجلة على رجل وهو مقر حتى جاء يوم النحر وليس في يده شيء وعليه شراء الأضحية هل عليه أن يستقرض ويشتري أضحية؟ فقال: لا قيل له: هل يجب على رب الدين أن يسأل المديون إذا غلب على ظنه أنه لو سأله أعطاه ثمن الأضحية, وإن كان مؤجلا؟ قال: نعم, وفي مجموع النوازل أربعة نفر اشترى كل واحد منهم شاة ولبنها وسمنها واحد فحبسوها في بيت فلما أصبحوا وجدوا واحدة منها ميتة ولا يدرى لمن هي, فإنها تباع هذه الأغنام جملة ويشترى بقيمتها أربع شياه لكل واحد منهم شاة, ثم يؤكل كل واحد منهم صاحبه بذبح كل واحدة منها ويحلل كل واحد منهم صاحبه لتجوز عن الأضحية ا هـ.
قال رحمه الله: "وندب أن يذبح بيده إن علم ذلك" لأن الأولى في القرب أن يتولاها الإنسان بنفسه, وإن أمر به غيره فلا يضر لأنه عليه الصلاة والسلام ساق مائة بدنة فنحر بيده نيفا وستين, ثم أعطى الحربة عليا فنحر الباقي., وإن كان لا يحسن ذلك فالأحسن أن يستعين بغيره كي لا يجعلها ميتة ولكن ينبغي أن يشهدها بنفسه لقوله عليه الصلاة والسلام لفاطمة رضي الله عنها
"قومي فاشهدي أضحيتك فإنه يغفر لك بأول قطرة من دمها كل ذنب"2, وفي فتاوى


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الحاكم في المستدرك "3468" "2/422".
2 أخرجه الطبراني في الأوسط "2509" "3/69".

 

 ج / 8 ص -357-     وكره ذبح الكتابي ولو غلطا وذبح كل أضحية صاحبه صح ولا يضمنان
______
الفضلي: شاة ندت وتوحشت فرماها صاحبها ونوى الأضحية فأصابها أجزأه عن الأضحية, وفي الذخيرة وكله أن يشتري له كبشا أقرن أعين للأضحية فاشترى كبشا ليس بأقرن ولا أعين لم يلزم الآمر ا هـ.
قال رحمه الله: "وكره ذبح الكتابي" لأنه قربة وهو ليس من أهلها ولو أمره فذبح جاز لأنه من أهل الذكاة, والقربة أقيمت بإنابته بخلاف ما إذا أمر المجوسي لأنه ليس من أهل الذكاة فكان فسادا لا تقربا.
قال رحمه الله تعالى: "ولو غلطا وذبح كل أضحية صاحبه صح ولا يضمنان" وهذا استحسان والقياس أنه لا تجوز الأضحية ويضمن كل واحد منهما لصاحبه وهو قول زفر رحمه الله تعالى لأنه متعد بالذبح بغير أمره فيضمن كما إذا ذبح شاة اشتراها القصاب, والتضحية قربة فلا تتأدى بنية غيره وجه الاستحسان أنها تعينت للذبح لتعينها بالأضحية حتى وجب عليه أن يضحي بها بعينها في أيام النحر ويكره أن يبدل بها غيرها فصار المالك مستعينا بمن يكون أهلا للذبح فصار مأذونا له دلالة لأنها تفوت بمضي هذه الأيام ويخاف أن يعجز عن إقامتها لعارض يعتريه فصار كما إذا ذبح شاة وشد القصاب رجليها وكيف لا يأذن له وفيه مسارعة إلى الخير وتحقيق ما عينه ولا يبالى بفوات مباشرته وشهوده لحصول ما هو أعظم من ذلك وهو ما بيناه فيصير إذنا دلالة وهو كالصوم ومن هذا الجنس مسائل استحسانية لأصحابنا ذكرناها في الإحرام عن الغير, ثم إذا جاز ذلك عنهما يأخذ كل واحد منهما أضحيته إن كانت باقية ولا يضمنه لأنه وكيله فإن كان كل واحد منهما أكل ما ذبحه تحلل كل واحد منهما صاحبه فيجزئه لأنه لو أطعمه الكل في الابتداء يجوز, وإن كان غنيا فكذا له أن يحلل في الانتهاء, وإن تشاحا كان لكل واحد منهما أن يضمن صاحبه قيمة لحمه, ثم يتصدق بتلك القيمة لأنه بدل عن اللحم فصار كما لو باع أضحية غيره كان الحكم ما ذكرناه. وذكر في المحيط مطلقا من غير قيد فقال: ذبح أضحية غيره بلا أمره جاز استحسانا ولا يضمن لأنه في العرف لا يتولى صاحب الأضحية ذبحها بنفسه بل يفوض إلى غيره فصار مأذونا دلالة كالقصاب إذا شد رجل شاة للذبح فذبحها إنسان بغير أمره لا يضمن ولو باع أضحية واشترى بثمنها غيرها فإن كان الثاني أنقص من الأول تصدق بالفضل ولو غصب شاة وضحى بها جاز عن أضحيته لأنه ملكها بالغصب السابق بخلاف ما لو كانت وديعة لأنه يضمنها بالذبح فلم يثبت له الملك إلا بعده ولو ذبح أضحية غيره بغير أمره عن نفسه فإن ضمنه المالك قيمتها تجوز عن الذابح دون المالك لأنه ظهر أن الإراقة حصلت على ملكه على ما بينا في المغصوبة, وإن أخذها مذبوحة

 

 ج / 8 ص -358-     ...........................................
______
أجزأت المالك عن التضحية لأنه ظهر أن الإراقة حصلت على ملكه على ما بينا في المغصوبة، وإن أخذها مذبوحة أجزأت المالك عن التضحية لأنه قد نواها فلا يضره ذبحها غيره على ما بينا, وفي فتاوى آهو1: رجلان ربطا أضحيتهما في مربط, ثم غلطا فتنازعا في واحدة كل منهما مدعيها ولا يدعي الأخرى يقضى بالذي تنازعا فيها بينهما نصفين ولا تجوز الأضحية عنهما بهما وقال بعضهم تجوز عنهما جميعا والصحيح الأول والذي لم يتنازعا فيها لبيت المال لأنها مال ضائع ولو كانت إبلا وبقرا جازت الأضحية عنهما جميعا, وإذا ربطوا ثلاثة أضاحي في رباط واحد, ثم وجدوا بواحد عيبا يمنع جواز الأضحية وأنكر كل واحد منهم أن تكون له المعيبة وتنازعوا في الأخريين فالمعيبة لبيت المال لأنها مال ضائع ويقضى بينهم بالأخريين أثلاثا. ا هـ. والله سبحانه وتعالى أعلم.


1 فتاوىآهو: والمراد بها الفتاوى الصيرفية وتقدم ذكرها كما صرح بذلك ابن عابدين في "منحة الخالق" "2/306".