البحر الرائق شرح كنز الدقائق ط احياء التراث

 ج / 8 ص -359-     46- كتاب الكراهية
المكروه إلى الحرام أقرب
______
46- كتاب الكراهية
أورد كتاب الكراهية بعد الأضحية لأن عامة مسائل كل واحد منهما لم يخل من أصل, أو فرع يرد فيه الكراهة ألا ترى أن الأضحية في ليالي أيام النحر مكروهة وكذا في التصرف في الأضحية بجز صوفها وحلب لبنها وكذا ذبح الكتابي وغير ذلك كما أن الأمر في كتاب الكراهية لذلك وترجم المؤلف بالكراهية لأن بيان المكروه أهم من غيره لوجوب الاحتراز عنه وترجم محمد في الأصل بالاستحسان لما فيه مما استحسنه الشارع وقبحه وترجم القدوري في مختصره بالحظر والإباحة لما فيه مما منع عنه الشارع وأباحه, والكراهية مصدر كره الشيء كرها وكراهة وكراهية قال في الميزان هي ضد المحبة والرضا قال الله تعالى
{وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: من الآية216] إلخ فالمكروه خلاف المندوب والمحبوب لغة وليس بضد الإرادة كما توهمه الشارح وجعل الكراهة ضد الإرادة بل هو كما تقدم لك عن الميزان ; لأن الله تعالى لا يريد الكفر والمعاصي ولا يحبهما كما قرر في علم الكلام وهي في الشريعة ما سيذكره المؤلف.
قال رحمه الله:
"المكروه إلى الحرام أقرب" ونص محمد أن كل مكروه حرام, وإنما لم يطلق عليه لفظ الحرام لأنه لم يجد فيه نصا قطعيا فكان نسبة المكروه إلى الحرام عند محمد كنسبة الواجب إلى الفرض وعن الإمام وأبي يوسف أنه إلى الحرام أقرب وهذا الحد للمكروه كراهة تحريم, وأما المكروه كراهة تنزيه فإلى الحلال أقرب هذا خلاصة ما ذكروه في الكتب المعتبرة ولبعض المتأخرين كلمات هنا طويلة الذيل لا حاصل لها تركناها عمدا. وذكر في الفتاوى السراجية في هذا الكتاب بابا في مسائل الاعتقاديات وقدمه وهو أولى بالذكر

 

 ج / 8 ص -360-     ..........................................
______
والتقديم قال الإيمان هو الإقرار باللسان والاعتقاد بالجنان وذلك أن يقروا بوحدانية الله تعالى وصفاته الأزلية وبجميع ما جاء من عنده من كتب ويعتقد بقلبه ذلك والإقرار باللسان شرط في حق القادر على النطق على ظاهر الجواب وقيل الإيمان هو الاعتقاد بالقلب, والإيمان بالتفاصيل ليس بواجب بل إذا آمن بالجملة كفى والإيمان لا يزيد ولا ينقص لأن الإيمان عندنا ليس من الأعمال, إيمان اليائس غير مقبول, وتوبة اليائس مقبولة, الإيمان غير مخلوق عند أئمة بخارى وعند أئمة سمرقند مخلوق وقيل لا خلاف بينهم في الحقيقة لأن أئمة بخارى قالوا الإيمان هداية الرب لعبده إلى معرفته وذلك غير مخلوق وأئمة سمرقند قالوا: الإيمان فعل العبد, وإنه مخلوق وعن هذا تعرف جواب من سأل أن الإيمان عطائي, أو كسبي, إيمان المقلد صحيح وهو الذي اعتقد جميع أركان الإسلام بلا دليل,
وفي جامع الجوامع قال أبو القاسم من تعلم في الصغر آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره من الله تعالى وتعلم أنه إيمان لكن لا يحسن تعبيره لا يحكم بإسلامه وقال أبو الليث إن سأل فارسيا فقال هذا عرفت ; يحكم بإسلامه قال: وإن كان لا يحسن أن يعبر, وإلا يعرض عليه الإسلام, وفي النوازل قال الفقيه: إذا كان الرجل لا يحسن العبارة وهو بحال لو سئل بالفارسية يعرف أن الله واحد وأن الأنبياء رسل الله عز وجل وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ويقول كنت عرفت أن الأمر هكذا كان هذا مؤمنا, وإن كان لا يحسن أن يعبر عنه, وإذا سئل عن هذا قال: لا أعلم بذلك ; فلا دين له ويعرض عليه الإسلام فإن أسلم وكانت له امرأة يجدد نكاحها, وفي السراجية المؤمن لا يخرج عن الإيمان بارتكاب الكبيرة, وإذا مات بغير توبة فهو في مشيئة الله تعالى إن شاء غفر له, وإن شاء عذبه بقدر جنايته, أو أقل, ثم يدخله الجنة. القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق ولا محدث والمكتوب في المصاحف دال على كلام الله تعالى وأنه مخلوق. رؤية الله تعالى في الآخرة حق يراه أهل الجنة في الآخرة بلا كيفية ولا تشبيه ولا محازاة. أما رؤية الله تعالى في المنام: أكثرهم قالوا: لا تجوز والسكوت في هذا الباب أحوط. القدر خيره وشره من الله تعالى بمشيئته, وإرادته القديمة إلا أن المعاصي ليست برضا الله تعالى, وفي الحاوي وعن أبي سلمة الفقيه أنه قال هذه عشر مسائل التي وجدت عليها مشايخ السلف من أهل الهداية والجماعة, من آمن بها كان منهم ومن لم يؤمن بها فهو صاحب هوى وبدعة, ثم عد هذه العشرة وقال: قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن أحمد القاضي: إن الله تعالى خلق أفعال العباد, وأفعالهم بقضاء الله تعالى ومشيئته وإن الله تعالى خالق لم يزل وإن الله تعالى له علم موصوف في الأزل وإن الله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد إذا كان أصلح للعباد, أو لم يكن, لا يسأل عما يفعل وهم

 

 ج / 8 ص -361-     ...........................................
______
يسألون, وإن شفاعة محمد حق لأهل الكبائر من أمته وإن عذاب القبر حق وإنه يرجى من الله تعالى أن يعطي العباد ما يسألونه من دعائهم.
وفي السراجية: صفات الله تعالى قديمة كلها من غير تفصيل بين صفات الذات وصفات الفعل وإنها قائمة بذات الله تعالى لا هو ولا غيره كالواحد من العشرة والله تعالى ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض ولا حال بمكان, ثم إن الله تعالى موصوف بصفات الكمال ويوصف بأن له يدا وعينا ولكن لا كالأيدي ولا كالأعين ولا يشتغل بالكيفية وهل يجوز وصف الله تعالى بهذين الصفتين بالفارسية قال السيد الإمام أبو شجاع: باليد يجوز وبالعين لا, وفي الحاوي قال بعض السلف: الجملة الصحيحة أن يقول العبد عند الإمكان مع التسمية آمنت بجميع ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم على معنى ما أراد به رسول الله صلى الله عليه وسلم والجنة والنار لا يفنيان عند أهل السنة والجماعة. وفي الحاوي سئل أبو حنيفة عمن قيل له أمؤمن أنت عند الله, فقال: عندي أني عند الله مؤمن وذكر بعض المناظرين من المتكلمين أن الذي يجب على الإنسان أحد الأمرين إما أن يقبل على تحصيل هذا الفن حتى يبلغ منه في غاية فيصير إلى حد من يصلح للمناظرة والمحاجة, أو يلزم الذي قد اجتمع عليه أهل الملة ويجتنب المعصية والحمية لغير الدين ويؤدي فرائض الله تعالى, والجمل التي ذكرناها أن الله تعالى واحد لا شريك له ولا مثيل له ولا شبيه له وأنه لم يزل قبل المكان والزمان وقبل العرش والهواء وقبل ما خلق من ذلك موجودا, أو أنه القديم وما سواه محدث وأنه العادل في قضائه الصادق في إخباره ولا يحب الفساد ولا يرضى لعباده الكفر وأنه لا يكلفهم ما لا يطيقون وأنه حكيم وحسن في جميع أفعاله في كل ما خلق وقضى وقدر وأنه يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر وأنه إنما بعث إليهم المرسلين وأنزل عليهم الكتب ليذكر ما وقع في سابق علمه أنه يذكر ويخشى ويلزم الحجة على من علم منه أنه لا يؤمن ويأبى وأن الخيرة فيما قضاه الله وقدره وأنه يقضي بالحق وأن الرضا بقضائه واجب والتسليم لأمره لازم, وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وأن ما قضى فهو ماض في خلقه وما قدر فهو لازم لهم وأن تأويل ذلك هو تأويل المسلمين وأنه لا مرد له وأن أمره نافذ في خلقه, دأبهم الحاجة إليه في أداء ما كلفهم به وهو غني عنه لا يضره بذله ولا ينفعه منعه وأنه ما خلق الخلق من الجن والإنس إلا ليعبدوه وأنه يضل من يشاء ويهدي من يشاء وأن إضلاله ليس كإضلال الذي علم به الشيطان وحزبه وأنه يضل الظالمين ولا يضل الفاسقين.
وفي السراجية نبينا صلى الله عليه وسلم أكرم الخلق وأفضلهم, ومعراجه إلى العرش إلى ما أكرمه الله تعالى ورؤية الجنة والنار حق, ورسالة الرسل لا تبطل بموتهم ورسل بني آدم أفضل من جملة

 

 ج / 8 ص -362-     تتمة
______
الملائكة, وعوام بني آدم من الأتقياء أفضل من عوام الملائكة, وخواص الملائكة أفضل من عوام بني آدم, كرامة الأولياء حق, والولي لا يكون أفضل من النبي وشفاعة الأنبياء والصالحين لبعض العصاة من المسلمين حق, وأفضل الخليقة من هذه الأمة أبو بكر بن أبي قحافة التميمي, ثم عمر بن الخطاب العدوي ثم عثمان بن عفان الأموي, ثم علي بن أبي طالب الهاشمي رضوان الله تعالى عليهم أجمعين, الشرط أن يكون الخليفة قرشيا ولا يشترط أن يكون هاشميا. العدالة ليست شرطا لصحة الإمامة والإمارة والقضاء إنما هي شرط الأولوية. العلم أفضل من العقل عندنا خلافا للمعتزلة أهل الجنة آمنون عن العزل غير آمنين عن خوف الجدال. أطفال المشركين قيل هم في الجنة وقيل هم في النار. وأبو حنيفة توقف فيهم وقال الشيخ الإمام الرضي: إن ولد الكافر كافر. الكلام في الروح قال بعضهم: يجوز وقال بعضهم: لا يجوز, ثم قيل هي الحياة وقيل هي عرض وقيل: إنه جسم لطيف وهي ريح مخصوص, سؤال منكر ونكير حق وسؤالهما الأنبياء قيل بهذه العبارة على ما إذا تركتم أمتكم, وفي بستان الفقيه باب ما جاء في ذكر الحفظة قال الفقيه اختلف الفقهاء في أمر الحفظة الكرام الكاتبين قال بعضهم: يكتبون جميع أقوال بني آدم وأفعالهم وقال بعضهم لا يكتبون إلا ما فيه أجر أو إثم, ثم قال بعضهم يكتبون الجميع فإذا صعدوا السماء حذفوا ما لا أجر فيه ولا إثم وقال هو معنى قوله تعالى:
{يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: من الآية39] قال ابن جريج هما ملكان أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله فالذي عن يمينه يكتب بغير شهادة صاحبه والذي عن يساره لا يكتب إلا بشهادة منه إن قعد قعد الحفظة واحد عن يمينه والآخر عن يساره, وإن مشى فأحدهما أمامه والآخر خلفه, وإن نام فأحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه وقال بعضهم: أربعة اثنان بالنهار واثنان بالليل والخامس لا يفارقه ليلا ولا نهارا واختلف الناس في الكفرة قال بعضهم عليهم حفظة وقال بعضهم لا يكون عليهم حفظة لأن أمرهم فرط وعليهم واحد, قال الفقيه: لا يؤخذ بهذا القول, والآية نزلت بذكر الحفظة في شأن الكفار.
"تتمة" سأل بعضهم هل على الصبي حفظة يكتبون له فقال رفع القلم عن ثلاث قيل له: هل يكون معذورا بترك النظر قيل: استكمال المدة التي يتعلق بها أحكام الشرع فقال: إن كمل شرائط تكليفه قبل البلوغ وخطر بباله الخوف من ترك النظر لا يعذر, وفي السراجية عذاب القبر للكافرين, أو لبعض العصاة حق يؤمن به ولا يشتغل بكيفيته ومما يتصل به, فصل يشتمل على السنة والجماعة المضمرات وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال المؤمن إذا أوجب السنة والجماعة استجاب الله دعاءه وقضى حوائجه وغفر له الذنوب جميعا وكتب له براءة من النار وبراءة من النفاق, وفي خبر عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من كان

 

 ج / 8 ص -363-     على السنة والجماعة استجاب الله دعاءه وكتب له بكل خطوة يخطوها عشرة حسنات ورفع له عشر درجات", فقيل له: يا رسول الله متى يعلم الرجل أنه من أهل السنة والجماعة؟ فقال: "إذا وجد في نفسه عشرة أشياء فهو على السنة والجماعة: أن يصلي الصلوات الخمس بالجماعة, ولا يذكر أحدا من الصحابة بسوء وينقصه, ولا يخرج على السلطان بالسيف, ولا يشك في إيمانه, ويؤمن بالقدر خيره وشره من الله تعالى, ولا يجادل في دين الله تعالى, ولا يكفر أحدا من أهل التوحيد بذنب, ولا يدع الصلاة على من مات من أهل القبلة, ويرى المسح على الخفين جائزا في السفر والحضر, ويصلي خلف كل إمام بر أو فاجر". وفي الحاوي من أهل السنة والجماعة من فيه عشرة أشياء: الأول أن لا يقول شيئا في الله تعالى لا يليق بصفاته. والثاني: يقر بأن القرآن كلام الله تعالى وليس بمخلوق. الثالث: يرى الجمعة والعيدين خلف كل بر وفاجر. والرابع: يرى القدر خيره وشره من الله تعالى. والخامس: يرى المسح على الخفين جائزا. والسادس: لا يخرج على الأمير بالسيف. والسابع: يفضل أبا بكر وعمر وعثمان وعليا على سائر الصحابة. والثامن: لا يكفر أحدا من أهل القبلة بذنب. والتاسع: يصلي على من مات من أهل القبلة. والعاشر: يرى الجماعة رحمة والفرقة عذابا. قال صاحب الكشاف: في هذا الفصل شروط وزيادات لأصحابنا يجب أن تراعى وسئل أبو النصر الدبوسي عن معنى قوله عليه الصلاة والسلام: "كل مولود يولد على الفطرة"1 قال أي يولد على دلالة الخلقة على معنى أن الله تعالى خلقه على خلقة لو نظر إليها وتفكر فيها على حسب ما يجب لدلته على ربوبيته ووحدانيته ومعنى قوله: يهودانه أي ينقلانه إلى حكم اليهودية وأحوالها بالتلقين لكونه في أيديهم لذلك ظهر العمل في المسألتين خلفا عن سلف أن الولد يكون تابعا للوالدين من غير من أن يكون منه كفر, أو إسلام على الحقيقة وسئل أبو النصر الدبوسي فقيل: ما معنى الأخبار التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم وروي في بعضها "صلوا خلف كل بر وفاجر"2, وفي بعضها "القدرية مجوس هذه الأمة إن مرضوا فلا تعودوهم, وإن ماتوا فلا تشيعوا جنائزهم". وفي بعضها "إن أمتي ستفترق على كذا وكذا كلهم في النار إلا واحدة" فقال المشايخ: إن من شرائط السنة والجماعة أن لا يكفر أحدا من أهل القبلة وسئل بعضهم عن الفاجر والبر فقال: الفاجر هو الفاسق من أهل الإسلام, والبر هو العدل من أهل الإسلام وقد جاء مفسرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يخرج أحد


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث: تقدم تخريجه.
2 تقدم تخريجه.

 

 ج / 8 ص -364-     فصل في الأكل والشرب
كره لبن الأتان
______
من أهل الإسلام بذنب"1, وذكر افتراق الأديان, فمن كان من أهل الإسلام فالصلاة خلفه جائزة, وإن كان يعمل الكبائر وأهل الأهواء على ضربين منهم من يخرج عن الإسلام ومنهم من لا يخرج فمن خرج عن الإسلام لا تجوز الصلاة خلفه وقد سبق الكلام فيه مستوفى في تتمة كلمات الكفر في آخر كلمات الكفر في آخر كتاب السير, وفي باب الجماعة ومن لا يخرج منه فالصلاة خلفه جائزة ومن خرج من الإسلام فهو في النار خالد ومن لم يخرج منه فهو في جملة أهل المشيئة قال الله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: من الآية48], وأما ما جاء في حق أهل الأهواء أنهم لا يعادون ولا تشيع جنائزهم فهذا تغليظ وتشديد كان في الزمان الأول حيث كان المسلمون أمة واحدة في عهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم أجمعين ولما قتل عثمان وقعت الفرقة وظهرت الأهواء وغلبت الأحزاب أهل الأهواء ولم يكن إمضاء الأمر على السبيل الأول وقد كانوا يجالسون علي بن أبي طالب رضي الله عنه ويزاحمون وكذا العلماء والفقهاء من بعده إلى يومنا هذا والدليل على ذلك ما جاء أن شهادة أهل الأهواء جائزة وسئل أبو بكر القاضي عن الرجل هل يعلم أنه على مذهب أهل السنة والجماعة؟ فقال: إذا رجع علمه إلى كتاب الله, وإلى ما قاله السلف الصالح فهو على مذهب السنة والجماعة.
فصل في الأكل والشرب
قدم فصل الأكل والشرب على غيره لأن الاحتياج إلى بيان مسائله أهم من غيره
قال رحمه الله: "كره لبن الأتان" لأن اللبن يتولد من اللحم فصار مثله وكذا لبن الخيل يكره عند الإمام كلحمه عنده: واختلف في كراهة لحم الخيل عندهما كذا في فتاوى قاضي خان: ولا تؤكل الجلالة ولا يشرب لبنها لأنه عليه الصلاة والسلام نهى عن أكلها وشرب لبنها.2 والجلالة هي التي تعتاد أكل الجيف ولا تخلط فيكون لحمها منتنا ولو حبست حتى يزول النتن حلت ولم يقدر لذلك المدة في الأصل وقدر في النوادر بشهر وقيل بأربعين يوما في الإبل وبعشرين يوما في البقر وبعشرة أيام في الشاة وثلاثة أيام في الدجاجة والتي تخلط


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لم أعثر عليه.
2 أخرجه الترمذي في سننه "1824" وأبو داود "3785".

 

 ج / 8 ص -365-     ..................................
ـــــــــــــــــــــــــــ
بأن تتناول النجاسة والجيف وتتناول غيرها على وجه لا يظهر أثر ذلك في لحمها فلا بأس بحلها ولهذا يحل أكل جذع تغذى بلبن الخنزير لأن لحمه لا يتغير وما تغذى به يصير مستهلكا لا يبقى له أثر ولهذا قالوا: لا بأس بأكل الدجاج لأنها تخلط ولا يتغير لحمه وما روي أن الدجاج يحبس ثلاثة أيام, ثم يذبح فذلك على وجه القربة لا على أنه شرط وفي المحيط ولا بأس بأكل شعير يوجد في بعر الإبل والشاة فيغسل ويؤكل, وإن في أحشاء البقر وروث الفرس لا يؤكل لأن البعر صلب فلا تتداخل النجاسة في أجزاء الشعير والحنطة ولا بأس بأكل دود الزيتون قبل أن تنفخ فيه الروح لأن إثم الميت إنما يطلق على من له روح ويكره دفع الجهد من السقاية وحمله إلى المنزل لأنه وضع للشرب لا للحمل والحطب الذي يوجد في الماء إن كان لا قيمة له فهو حلال لأنه مأذون في أخذه, وإن كان له قيمة فلا ولا بأس بمضغ العلك للنساء لأن سنهن أضعف من سن الرجال فأقيم العلك لهن مقام السواك ولا بأس للنساء بخضاب اليد والرجل ما لم يكن خضاب فيه تماثيل ويكره للرجال والصبيان لأن ذلك تزين وهو مباح للنساء دون الرجال ولا بأس بخضاب الرأس واللحية بالحناء والوشمة للرجال والنساء لأن ذلك سبب لزيادة الرغبة والمحبة بين الزوجين. ويجوز رفع الثمار من نهر جار وأكلها, وإن كثر لأنه مما يفسد الماء إذا ترك فيكون مأذونا بالرفع دلالة. رجل نثر السكر فوقع في حجر رجل فأخذه رجل آخر منه إن كان فتح حجره ليقع فيه السكر لا يجوز لأنه أحرزه, وإلا فيجوز لأنه ما أحرزه, ونظيره رجل وضع طشتا على سطح فاجتمع فيه ماء المطر فجاء رجل ورفعه إن كان وضعه صاحبه لذلك فهو له, وإن لم يضعه لذلك فهو للرافع لأنه لم يحرزه.
وفي الظهيرية: وإن أكل أكثر من حاجته ليتقيأ قال الحسن البصري: رأيت أنس بن مالك يأكل ألوانا من الطعام ويكثر, ثم يتقيأ وينفع ذلك, وهو المذهب عند أصحابنا روي عن بعض الأطباء أنه قيل له: هل يجد الطبيب في كتاب الله دليل تطبب؟ قال: نعم قد جمع الله الطب في هذه الآية وهو قوله :
{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا} [لأعراف: من الآية31] يعني الإسراف في الأكل والشرب هو الذي منه الأمراض وقيل كان الرجل قليل الأكل كان أصح جسما وأجود حفظا وأذكى فهما وأقل نوما وأخف نفسا, ذكر محمد كل واحد منها من إفساد الطعام قال: ومن الإفساد الإسراف في الطعام وهو أنواع فمن ذلك أن يأكل فوق الشبع فهو حرام,
وفي الينابيع, وإذا أكل الرجل فوق الشبع فهو حرام في كل مأكول ومن المتأخرين من استثنى حالة ما إذا كان له غرض صحيح في الأكل فوق الشبع فحينئذ لا بأس به فإن أتاه ضيف بعدما أكل قدر حاجته فليأكل لأجله حتى لا يخجل, أو يريد صوم الغد فليتناول فوق الشبع. ومن الإسراف في الطعام الإسراف في المباحات والألوان فذلك منهي عنه إلا عند الحاجة بأن يمل من

 

 ج / 8 ص -366-     ...........................................
______
ناحية واحدة فليستكثر من المباحات ليستوفي من أي لون شاء فيحصل له مقدار ما يتقوى به على الطاعة وكذلك إذا كان من قصده أن يدعو الأضياف قوما بعد قوم إلى أن يأتوا إلى آخر الطعام فلا بأس بالاستكثار في هذه الصورة, ومن الإسراف أن يأكل وسط الخبز ويدع حواشيه ويأكل ما انتفخ من الخبز كما يفعله بعض الجهال ويزعمون أن ذلك ألذ ولكن هذا إذا كان لا يأكل غيره ما ترك من حواشيه فأما إذا كان غيره يتناول ذلك فلا بأس بذلك كما لا بأس أن يتناول رغيفا دون رغيف, ومن الإسراف التمسح بالخبز. وفي الذخيرة: ومن الإسراف مسح السكين والأصبع بالخبز عند الفراغ من الأكل من غير أن يأكل ما يتمسح فيه فأما إذا أكل فلا بأس به, وفي التتمة سئل عمن مسح اليد على ثيابه فقال: لا يجوز وسئل عن مسح اليد بدستار ورق فقال: لا يجوز, وفي الكافي ولا بأس بخرقة الوضوء والمخاط, وفي الجامع الصغير وتكره الخرقة التي تحمل ويمسح بها العرق إلا إذا كان شيئا لا قيمة له, وكذا الخرقة التي يمخط بها وكذا التي يمسح بها الوضوء, وإنما يكره إذا فعل ذلك للتكبر أما من فعل ذلك للحاجة فلا يكره, ومن الإسراف إذا سقط من يده لقمة أن يتركها بل ينبغي أن يبدأ بتلك اللقمة وينبغي أن لا ينتظر الإدام إذا حضر الخبز ويأخذ في الأكل قبل أن يأتي الإدام. ويستحب غسل اليدين قبل الطعام فإن فيه بركة, وفي البرهانية: والسنة أن يغسل الأيدي قبل الطعام وبعده
وفي واقعات الناطفي: الأدب في غسل الأيدي قبل الطعام أن يبدأ بالشبان, ثم بالشيوخ, وإذا غسل لا يمسح بالمنديل لكن يترك ليجف ليكون أثر الغسل باقيا وقت الأكل, والأدب في الغسل بعد الطعام أن يبدأ بالشيوخ ويمسح بالمنديل ليكون أثر الطعام زائلا بالكلية وفي التتمة سئل والدي عن غسل الفم للأكل ; هل هو سنة كغسل اليد؟ فقال لا, وإذا غسل يده للأكل بنخالة, أو غسل رأسه بذلك وأحرقها إن لم يكن فيها شيء من الدقيق وهي نخالة تعلف بها الدواب فلا بأس, وفي الذخيرة, وفي نوادر هشام سألت محمدا عن غسل اليدين بالدقيق بعد الطعام هل هو مثل الغسل بالأشنان فأخبرني أن أبا حنيفة وأبا يوسف لم يريا بأسا لتوارث الناس ذلك من غير نكير
وفي الخانية ويكره للجنب رجلا كان, أو امرأة أن يأكل طعاما, أو شرابا قبل غسل اليدين والفم ولا يكره ذلك للحائض ويستحب تطهير الفم من جميع المواضع وينبغي أن يصب من الآنية على يده بنفسه ولا يستعين بغيره في وضوء حكى ذلك عن مشايخنا رحمهم الله تعالى في أنه قال: هذا كالوضوء ولا يستعين بغيره في وضوء ولا يأكل طعاما حارا به ورد الأثر ولا يشم

 

 ج / 8 ص -367-     ...........................................
______
الطعام فإن ذلك عمل البهائم, ولا ينفخ في الطعام والشراب
ومن السنة أن لا يأكل الطعام من وسطه, ويأكل من ابتداء الأكل ومن السنة لحس القصعة وأن يلعق أصابعه قبل أن يمسحها بالمنديل, وتركه من أثر العجم والجبابرة وفي الخلاصة ومن السنة لعق القصعة.
وفي البرهانية رجل أكل الخبز مع أهله واجتمع كسيرات الخبز ولا يشتهي أكلها فله أن يطعمه الدجاجة والشاة والهرة وهو الأفضل ولا ينبغي أن يلقيه في النهر والطريق إلا إذا وضع لأجل النمل ليأكل النمل فحينئذ يجوز هكذا فعل بعض السلف ومن السنة أن يأكل ما سقط من المائدة ومن السنة أن يبدأ بالملح ويختم بالملح, وفي السراجية: الأكل على الطريق مكروه وأكل الميتة حالة المخمصة قدر ما يدفع به الهلاك عن نفسه لا بأس به ولا بأس بطعام المجوسي إلا الذبيحة. رجل قال: من تناول من مالي فهو مباح فتناول رجل من غير أن يعلم إباحته جاز. ولا ينبغي للناس أن يأكلوا من طعام الظلمة وليقبح الأمر عليهم وزجرهم عما يرتكبونه, وإن كان يحل طعامهم. أكل دود القز قبل أن ينفخ فيه الروح لا بأس به, وفي الخانية: الجدي إذا ربي بلبن الأتان ; قال ابن المبارك: يكره أكله وأخبرني رجل عن الحسن أنه قال: إذا ربي الجدي بلبن الخنزير لا بأس به فقال معناه إذا اعتلف أياما فهو بعد ذلك كالجلالة وبول ما لا يؤكل لحمه عند أبي حنيفة وأبي يوسف لا يجوز التداوي به وعند محمد يجوز التداوي وغيره.
وذكر في عيون المسائل: إذا مر الرجل بالثمار في أيام الصيف وأراد أن يتناول منها الثمار الساقطة تحت الأشجار فإن كان ذلك في المصر لا يسعه التناول إلا إذا علم أن صاحبها قد أباح إما نصا, أو دلالة أو عادة, وإذا كان في القيظ فإن كان الثمار التي تبقى مثل الجوز وغيره لا يسعه الأخذ إلا إذا علم الإذن, وفي الغياثية هو المختار, وإن كان من الثمار التي لا تبقى اختلفوا فيه قال الصدر الشهيد: والمختار أنه لا بأس بالتناول ما لم يتبين النهي إما صريحا أو عادة, وفي العتابية والمختار أنه لا يأكل منهما ما لم يعلم أن صاحبها رضي بذلك, وإن كان ذلك في الوسواس التي يقال لها بالفارسية هراسية فإن كان من الثمار التي لا تبقى فالمختار أنه لا بأس بالأكل ما لم يتبين النهي, وفي جامع الجوامع: ولا يحل حمل شيء منه, وأما إذا كان الثمار على الأشجار فالأفضل أن لا يؤخذ في موضع ما إلا أن يأذن, أو يكون موضع كثير الثمار يعلم أنه لا يشق عليه أكل ذلك فيسعه الأكل ولا يسعه الحمل, وأما أوراق الأشجار إذا سقط على الطريق في أيام العليق وأخذ إنسان شيئا من ذلك بغير, إذن صاحب الشجر فإن كان هذا ورق شجر ينتفع بورقه نحو التوت وما أشبه ذلك ليس له أن يأخذ, وإن أخذ يضمن, وإذا كان لا ينتفع به له أن يأخذ, وإن أخذ لا يضمن,

 

 ج / 8 ص -368-     ...........................................
______
وفي الفتاوى الخلاصية1 ولو مر بسوق العامدين فوجد فيه سكرا لا يسعه أن يتناول منه ولو أن قوما اشتروا فلاة من أرز فقالوا: من أطهر الفلاة فعليه أن يشتري منه فيأكله فأطهر واحد واشترى ما أوجبوه عليه يكره للكل لأن فيه تعليقا بالشرط,
وفي الخانية: شجرة في مقبرة قالوا: إن كانت نابتة في الأرض قبل أن يجعلها مقبرة فمالك الأرض أحق بها يصنع بها ما شاء, وإن كانت الأرض مواتا ولا مالك لها فجعلها أهل تلك المحلة, أو القرية مقبرة فإن الشجرة وموضعها من الأرض على ما كان حكمها في القديم وإن نبتت الشجرة بعدما جعلت مقبرة فإن كان الغارس معلوما كانت له وينبغي أن يتصدق بثمن ثمرها, وإن كانت الشجرة نبتت بنفسها فحكمها يكون للقاضي إن رأى قلعها, أو إبقاءها على المقبرة فعل. رفع الكمثرى من نهر جار ورفع التفاح وأكلها جائز, وإن كثر, وفي الجوز الذي يلعب به الصبيان يوم العيد لا بأس بأكله إذا لم يكن الأكل على وجه القمار, وفي الظهيرية وهو المختار,
وفي الخلاصة: والأكل مكشوف الرأس والأكل يوم الأضحى قبل الصلاة فيه روايتان, والمختار أنه لا يكره وأكل الطين مكروه, وفي فتاوى أبي الليث ذكر شمس الأئمة إذا كان يخاف على نفسه من أكل الطين بأن كان يورث علة لا يباح له أكل الطين وكذا أكل شيء أكله يورث ذلك, وإن كان يتناول منه قليلا ويفعل أحيانا لا بأس به وأكل الطين البحاري لا بأس به ما لم يسرف, وكراهة أكله لا لحرمته بل لأنه يهيج الدم والمرأة إذا اعتادت أكل الطين تمنع من ذلك إذا كان يوجب النقصان في جمالها ولا بأس بأكل الفالوذج والأطعمة النفيسة وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أكل الرطب مع البطيخ.2 وأكل عمر رضي الله عنه البطيخ مع السكر,
وفي التتمة وضع الملح على القرطاس ووضعه على الخبز يجوز, وتعليق الخبز بالخوان مكروه ويكره وضع الخبز تحت القصعة وكان الشيخ ظهير الدين المرغيناني لا يفتي بالكراهة في وضع المملحة على الخبز ولا مسح السكين بالخبز والأصبع ومن المشايخ من أفتى بالكراهة.
وفي التتمة سئل أبو يوسف بن محمد والحسن بن علي عن مريض قال له طبيب: لا بد لك من أكل لحم الخنزير حتى يدفع عنك العلة قالا: لا يحل له أكله وقيل: هو يفرق الأمر بينهما إذا أمره بأكله, أو جعله في داره فقالا لا قيل ولو كان الحلال أكثر قالا: وقياس الإفتاء في


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفتاوى الخلاصية: لم أعثر عليها.
2 الحديث أخرجه الترمذي في الأطعمة عن رسول الله، باب ما جاء في أكل البطيخ بالرطب "1843" وأبو داود في الأطعمة باب في الجمع بين لونين في الأكل "3836".

 

 ج / 8 ص -369-     والأكل والشرب والادهان والتطيب في إناء ذهب وفضة للرجال والنساء
______
شرب الخمر للتداوي أنه يجوز في لحم الخنزير وسئل الحسن بن علي عن أكل الحية والقنفذ, أو أكل الدواء الذي فيه الحية إذا أشار الطبيب الحاذق بأنه يدفع العلة هل يحل أكله قال: لا وسئل علي بن أحمد عن خبز الخبز على نوعين نوع للجواري ونوع لنفسه ويأكل ما يجعل لنفسه هل يأثم قال: يكره له ذلك وسئل عن سؤر الهرة إذا عجن فيه الدقيق وخبز هل يكره أكله قال: لا, سئل عن الخبز إذا عجن بالحليب قال لا يكره ولا بأس به وعن قطع اللحم بالسكين قال: لا بأس به وسئل عن عرق الآدمي ونخامته ودمعه إذا وقع في المرقة أو في الماء هل يأكل المرقة ويشرب الماء قال: نعم ما لم يغلب ويصير مستقذرا طبعا,
وسئل عن سن الآدمي إذا طحن في الحنطة فالمنصوص عليه أن لا يؤكل وهل تدفن الحنطة, أو تأكلها البهائم قال: لا تأكلها البهائم وسئل عن الفأرة تأكل الحنطة هل يجوز أكلها قال: نعم لأجل الضرورة.
وسئل أبو الفضل عن إشعال التنور بأحشاء البقر هل يجوز إذا خبز بها الخبز قال: يجوز أكل ذلك الخبز وسئل أبو حامد عن شعل التنور بأرواث الحمر هل يخبز بها قال: يكره ولو رش عليه ماء بطلت الكراهة وعليه عرف أهل العراق, ورماده طاهر.
وفي العتابية يكره الأكل والشرب متكئا أو واضعا شماله على يمينه, أو مستندا ولا يسقي أباه الكافر خمرا ولا يناوله القدح ويأخذه منه ولا يذهب به إلى البيعة, ويرده منها ويوقد تحت قدره إذا لم يكن فيه ميتة,
وفي النوازل قال محمد بن مقاتل: البطنة بطنتان أحدهما أن يتعمد الرجل السمن وعظم البطن فإن هذا مكروه فأما من رزقه الله بطنا عظيما وكان ذلك خلقا من غير أن يتعمد السمن فلا شيء عليه قال الفقيه: التأويل في الخبر الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم
إن الله يبغض الحبر السمين.1 معناه إذا تعمد السمن أما إذا خلقه الله سمينا فهو غير داخل في الخبر. ا هـ.
وفي السراجية ويكره أن يلبس الرجل ثوبا فيه كتابة بذهب وفضة روي أنه قول أبي يوسف وعلى قياس قول الإمام لا يكره فلا بأس بلبسه ا هـ.
قال رحمه الله: "والأكل والشرب والادهان والتطيب في إناء ذهب وفضة للرجال والنساء" لما روى حذيفة أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"لا تلبسوا الحرير ولا الديباج ولا تشربوا


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البيههقي في شعب الإيمان "1/289".

 

 ج / 8 ص -370-     ...........................................
______
في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها, وإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة"1 رواه البخاري ومسلم وأحمد وروي عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
"إن الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم"2 فإذا ثبت في الشرب فالأكل كذلك والتطيب لاستوائهم في الاستعمال فيكون الوارد فيها يكون واردا فيما هو في معناها دلالة ولأنها تنعم بتنعم المترفهين والمسرفين وتشبه بهم قال الله تعالى فيهم {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [الاحقاف: من الآية20] وقال عليه الصلاة والسلام "من تشبه بقوم فهو منهم"3 والمراد بقوله كره كراهة التحريم ويستوي فيه الرجال والنساء لإطلاق ما روينا وكذا الأكل بملعقة من الذهب والفضة والاكتحال بميلها وما أشبه ذلك من الاستعمالات ومعنى يجرجر يردد من جرجر الفحل إذا ردد صوته في حنجرته قال في النهاية: قيل صورة الإدهان المحرم هو أن يأخذ آنية الذهب, أو الفضة ويصب الدهن على الرأس أما إذا أدخل يده وأخذ الدهن, ثم يصب على الرأس لا يكره وعزاه إلى الذخيرة وظاهر عبارة النهاية حيث عبر بقيل أنه ضعيف قال في الجامع الصغير: قالوا: وهذا إذا كان يصب من الآنية على رأسه أم بدنه أما إذا أدخل يده في الإناء وأخرج منها الدهن, ثم استعمل فلا يكره ا هـ. وهو يفيد صحته قال في العتابية: وأرى أنه مخالف لما ذكره المصنف في المكحلة والميل ولا بد أن ينفصل عنها حين الاكتحال ومع ذلك فقد ذكر في المحرمات: واعترض صاحب التسهيل على ما قيل في صورة الإدهان وهو يقتضي أنه لا يكره إذا أخذ الطعام من آنية الذهب والفضة بملعقة, ثم أكل منها وكذا إذا أخذ بيده ثم أكل منها وأجاب عنه صاحب الدرر والغرر بما يصلح جوابا عما أورده صاحب العناية قال حيث قال بعد ذكر الاعتراض أقول: منشؤه الغفلة عن معنى عبارة المشايخ وعدم الوقوف على مرادهم ; أما الأول: فلأن "من" في قولهم من إناء ذهب ابتدائية, وأما الثاني فلأن مرادهم أن الأدوات المصنوعة من المحرمات إنما يحرم استعمالها فيما صنعت له بحسب متعارف الناس ; فإن الأواني الكبيرة المصنوعة من الذهب والفضة لأجل أكل الطعام إنما يحرم استعمالها إذا أكل منها باليد, أو الملعقة, وأما إذا أخذ منها ووضع على موضع مباح فأكل منه لم يحرم لانتفاء ابتداء الاستعمال منها وكذا الأواني الصغيرة المصنوعة لأجل الإدهان ونحوه إنما يحرم استعمالها إذا أخذت وصب منها الدهن على


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث أخرجه البخاري في الأطعمة، باب الأكل في إناء مفضض "5426" ومسلم في اللباس والزينة باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال "2067" وأحمد في مسنده "22855"
2 الحديث أخرجه البخاري في الأشربة، باب آنية الفضة "5634" ومسلم في اللباس والزينة، باب تحريم استعمال أواني الذهب والفضة في الشرب "2065".
3 الحديث: أخرجه أبو داود في اللباس، باب في لبس الاشهرة، "4031"، وأحمد في "مسنده" "5093".

 

 ج / 8 ص -371-     لا من رصاص وزجاج وبلور وعقيق وحل الشرب في إناء مفضض والركوب على سرج مفضض والجلوس على كرسي مفضض ويتقي موضع الفضة
______
على الرأس لأنها صنعت لأجل الإدهان منها بذلك الوجه, وأما إذا أدخل يده وأخذ الدهن وصبه على الرأس ومن اليد فلا يكره لانتفاء ابتداء الاستعمال منها فظهر أن مرادهم أن يكون ابتداء الاستعمال المتعارف من ذلك على العرف المحرم ا هـ.
وأورد عليه بأن الموجود في عبارة المتقدمين كالجامع الصغير والمحيط والذخيرة, وإنما وقف كله في عبارة بعض المتأخرين, والثالث أن العرف المتعارف فيه التناول باليد والمعرفة فيما ذكره لا تصلح فارقا, وفي الفتاوى الغياثية: ويكره أن يدهن رأسه بدهن من إناء فضة وكذا إذا صب الدهن على رأسه, ثم مسح رأسه, أو لحيته, وفي الغالية لا بأس ولا يصب الغالية على الرأس من الدهن, وفي المنتقى: يكره أن يستجمر بمجمر ذهب, أو فضة وهو مروي عن الإمام وأبي يوسف, وفي السراجية: ويكره أن يكتب بقلم ذهب, أو فضة, أو دواة كذلك.
قال رحمه الله: "لا من رصاص وزجاج وبلور وعقيق" يعني لا تكره الأواني من هذه الأشياء وقال الإمام الشافعي: تكره لأنها في معنى الذهب والفضة قلنا لا نسلم بذلك ولأن عادتهم لم تجر بالتفاخر بغير الذهب والفضة فلم تكن هذه الأشياء في معناهما فامتنع الإلحاق بهما ويجوز استعمال الأواني من الصفر لما روي عن عبد الله بن يزيد قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأخرجنا له ماء في تور من صفر فتوضأ.1 رواه البخاري وأبو داود وغيرهما ويستدل به على إباحة غير الذهب والفضة لأنه في معناه بل عينه.
قال رحمه الله: "وحل الشرب في إناء مفضض والركوب على سرج مفضض والجلوس على كرسي مفضض ويتقي موضع الفضة" يعني يتقي موضعها بالفم وقيل بالفم واليد في الأخذ والشرب, وفي السرج والكرسي موضع الجلوس وكذا الإناء المضبب بالذهب والفضة وكذا الكرسي المضبب بهما وكذلك إذا جعل ذلك في نصل السيف والسكين, أو في قبضتهما ولم يضع يده في موضع الذهب والفضة وكذا إذا جعل ذلك في المسجد, أو حلقة للمرأة, أو جعل المصحف مذهبا, أو مفضضا وكذا اللجام والركاب المفضض وهذا كله عند الإمام وقال أبو يوسف يكره ذلك كله وقول محمد روي مع الإمام وروي مع الثاني وهذا الخلاف فيما إذا كان يخلص, وأما المموه الذي لا يخلص فلا بأس به بالإجماع لأنه مستهلك فلا عبرة به قال الشارح للثاني ما روي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"من شرب من إناء ذهب, أو فضة, أو


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث: أخرجه البخاري في الوضوء، باب الغسل والوضوء في المخضب والقدح والخشب، "197" وأبو داود في الطهارة باب الوضوء في آنية الصفر "100".

 

 ج / 8 ص -372-     ويقبل قول الكافر في الحل والحرمة
ـــــــــــــــــــــــــــ
إناء فيه شيء من ذلك فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم"1 رواه الدارقطني ورد عليه بعضهم حيث قالوا لو ثبتت هذه الزيادة كان حجة قاطعة على الإمام لكن لم نجده في رواية البخاري وغيره إلا خاليا عن هذه الزيادة ا هـ.
أقول: عدم وجدان تلك الزيادة فيما ذكر لا يدل على عدم وجودها في رواية أخرى لم ير محلها مع أن هذا القائل من فرسان ميدان علم الحديث فليتأمل وللإمام ما روي من الأخبار مطلقا من غير قيد بشيء ولما روي عن أنس أن قدح رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان فيه ضبة فضة.2 ولأن الاستعمال هو القصد للجزء الذي يلاقي العضو وما سواه تبع له في الاستعمال فلا يكره فصار كالجبة المكفوفة بالحرير والعلم في الثوب ومسمار الذهب في فص الخاتم وكالعمامة المعلمة بالذهب وروي أن هذه المسألة وقعت في مجلس أبي جعفر الدوانقي والإمام حاضر وأئمة عصره حاضرون فقالت الأئمة: يكره والإمام ساكت فقيل له ما تقول قال إن وضع فمه في موضع الفضة يكره, وإلا فلا قيل له: من أين لك؟ قال: أرأيت لو كان في أصبعه خاتم فضة فشرب من كفه يكره ذلك فوقف الكل وتعجب ابن جعفر من جوابه, وفي نوادر هشام في قارورة ذهب, أو فضة يصب منها الدهن على رأسه والأشنان أكرهه ولا أكره الغالية وفرق بينهما بأن في الغالية يدخل الإنسان يده فإذا أخرجه إلى الكف لم يكن استعمالا فأما الدهن فإنه يستعمل ولا يشد الأسنان بالذهب ولو جدع أنفه لا يتخذ أنفا من ذهب ويتخذه من الفضة عند الإمام وعند الثالث يتخذ من الذهب لما روي عن عرفجة أنه أصيب أنفه فاتخذ أنفا من الفضة فأنتن فأمر النبي عليه الصلاة والسلام بأن يتخذ أنفا من الذهب.3 ولأن الفضة والذهب مستويان في الحرمة إذا سقطت ثنيته فإنه يكره أن يعيدها ويشدها بذهب, أو فضة ولكن يأخذ سن شاة مذكاة فيجعلها مكانها عند الإمام وقال أبو يوسف: يشدها بالذهب والفضة في مكانها كذا في المحيط مع بيان الدليل ا هـ. وفي العتابية وسلاسل الخيل من الفضة فيها الخلاف المتقدم ا هـ.
قال رحمه الله: "ويقبل قول الكافر في الحل والحرمة" قال الشارح وهذا سهو لأن الحل والحرمة من الديانات ولا يقبل قول الكافر في الديانات, وإنما يقبل قوله: في المعاملات خاصة للضرورة لأن خبره صحيح لصدوره عن عقل ودين يعتقد فيه حرمة الكذب والحاجة ماسة إلى قبول قوله لكثرة وقوع المعاملات ا هـ.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث: تقدم تخريجه.
2 الحديث: أخرجه أحمد في "مسنده" "12003".
3 تقدم تخريجه.

 

 ج / 8 ص -373-     والمملوك والصبي في الهدية والإذن
______
أقول: الظاهر أن أصل عبارة المؤلف في الحل والحرمة الضمني فأسقط بعض الكتبة لفظ "الضمني" فشاع ذلك واشتهر حتى إذا كان خادم كافر, أو أجير مجوسي فأرسله ليشتري له لحما فقال اشتريت من يهودي, أو نصراني, أو مسلم وسعه أكله, وإن قال اشتريت من مجوسي لا يسعه فعله لأنه لما قبل قوله في حق الشراء منه لزم قبوله في حق الحل والحرمة ضرورة لما ذكرنا, وإن كان لا يقبل قوله فيه قصدا بأن قال: هذا حلال, أو هذا حرام ألا ترى أن بيع الشرب وحده لا يجوز وتبعا للأرض يجوز وكم من شيء يصح ضمنا, وإن لم يصح قصدا كذا صرحوا به قاطبة ولو قال اشتريته من غير المسلم والكتابي فإنه يقبل قوله: في ذلك ويتضمن حرمة ما اشتراه كما صرحوا به أيضا.
قال رحمه الله: "والمملوك والصبي في الهدية والإذن" والأصل أن المعاملات يقبل فيها خبر كل مميز حرا كان, أو عبدا مسلما كان, أو كافرا صغيرا كان, أو كبيرا لعموم الضرورة الداعية إلى ذلك, وإلى سقوط اشتراط العدالة فإن الإنسان قلما يجد المستجمع لشرائط العدالة ولا دليل مع السامع يعمل به سوى الخبر فلو لم يقبل خبره لامتنع باب المعاملات ووقعوا في حرج عظيم وبابه مفتوح ولأن المعاملات ليس فيها إلزام واشتراط العدالة للإلزام فلا معنى لاشتراطها فيها فاشترط فيها التمييز لا غير فإذا قبل فيها قول المميز وكان في ضمن قبوله فيها قبوله في الديانات يقبل قوله: في الديانات ضمنا لما ذكرنا حتى إذا قال المميز أهدى إليك فلان هذه الجارية, أو بعثني مولاي بها إليك وسعه الأخذ والاستعمال حتى جاز له الوطء بذلك لأن الديانات دخلت تبعا للمعاملات كما تقدم بخلاف الديانات المقصودة لأنه لا يكثر وقوعها كالمعاملات ولا حرج في اشتراط العدالة ولا حاجة إلى قبول قول الفاسق لأنه متهم وكذا الكافر والصغير لأنهما متهمان فيها وأطلق في الهدية والإذن فشمل ما إذا أخبر بإهداء المولى نفسه, أو غيره بأن يقول: أهداني إليك سيدي وشمل أيضا ما إذا أخبر المملوك بإهداء الجواري والمتاع وغيره كذا في الهداية وغيرها, وفي المحيط والمعتوه كالصبي ا هـ.
قال في الهداية, وفي الإذن بأن جعل المولى عبده مأذونا له في التجارة. قال: لو أن رجلا قد علم أن جارية لرجل يدعيها رجل فرآها في يد رجل آخر يبيعها فقال الذي في يده الجارية: قد كانت كما قلت إلا أنها لي وصدقه في ذلك وكان مسلما ثقة فلا بأس بأن يشتريها منه, وفي الخانية ولا تقبل هدية ولا صدقة حتى يتحرى فإن وقع في قلبه أنه صادق يقبل منه, وإن لم يقع تحريه على شيء من ذلك بقي ما كان على ما كان, وإن كان وقع تحريه على أنه كاذب لا يقبل منه قال في التلويح: قيل: ذكر فخر الإسلام أن خبر المميز الغير العدل يقبل في الوكالة والهدايا من

 

 ج / 8 ص -374-     والفاسق في المعاملات لا في الديانات
______
غير تحر, وفي موضع آخر أنه يشترط التحري, وهو المذكور من كلام السرخسي ومحمد فقيل يجوز أن يكون المذكور في كتاب الاستحسان تفسير الهدية فيشترط ويجوز أن يشترط استحسانا ويجوز أن يكون في المسألة روايتان.
قال رحمه الله: "والفاسق في المعاملات لا في الديانات" يعني يقبل قول الفاسق فيما ذكر لقوله تعالى
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: من الآية6] والتبين التثبت وهو طلب البيان وذلك بالتحري وطلب الصدق في خبره لأن الفاسق قد يكون ذا مروءة فيستنكف عن الكذب وقد يكون ذا خسة لا يبالي عن الكذب فوجب طلب التحري فإن وقع تحريه على أنه صادق يقبل قوله: وإلا فلا والأحوط والأوثق أن يريقه ويتيمم, وفي المحيط ولو أخبر بذلك فاسق, أو من لا تعرف عدالته فإن غلب على ظنه صدقه قد يسمع قوله: وإلا فلا ا هـ. ولا يقبل قول الذمي, وفي الخانية أي لأن الكافر يعتقد أن المسلم على دين باطل فيقصد الإضرار به للعداوة فيرجح الكذب في خبره فلا يجب التحري بل يستحب لأن احتمال الصدق قائم بخلاف ما لو أخبره فاسق فإن التحري يجب لاستواء الصدق والكذب فيه كذا في المحيط قال الشارح ولا يقبل في الديانات قول المستور في ظاهر الرواية وعن أبي حنيفة أنه يقبل ويقبل في الديانات قول العبد والإماء إذا كانوا عدولا لترجح جانب الصدق في خبرهم, والوكالة من المعاملات والإذن في التجارة من المعاملات وكل شيء ليس فيه إلزام ولا ما يدل على النزاع فهو من المعاملات ; فإن كان شيء من ذلك لا يقبل فيه خبر الواحد, ومن الديانات الحل والحرمة إذا لم يكن فيه زوال ملك قال السغناقي: لا يقبل خبر العدل في الديانات إذا كان فيه زوال ملك حتى لو أخبر رجل عدل, أو امرأة الزوجين بأنهما ارتضعا على فلانة لا يقبل بل لا بد من الشهادة ا هـ. فإن قلت: لماذا اشترط في قبول خبر العدل عدم زوال الملك ولم يشترط ذلك في قبول خبر الصبي والمملوك حتى لو قال الصبي أو العبد: سيدي أهدى إليك هذه الجارية قبل قوله وفيه زوال الملك مع أن العبد أدنى حالا من الحر العدل قلنا لأن ملكه للرقبة أدنى حالا من ملك النكاح بدليل اشتراط الشهادة في ملك النكاح دون ملك الرقبة فلهذا اشترط في خبر الحر ما ذكر دون خبر الصبي فتأمل ا هـ.
وحاصله أن الخبر أنواع:
أحدها خبر الرسول فيما ليس فيه عقوبة فيشترط فيه العدالة لا غير,
والثاني خبره فيما فيه عقوبة فهو كالأول عند الثاني وهو اختيار الجصاص خلافا لأبي الحسن الكرخي حيث يشترط فيه الثواب عنده, وشهر رمضان من القسم الأول

 

 ج / 8 ص -375-     ولو أخبر مسلم ثقة حرا, أو عبدا ذكرا, أو أنثى أنها ذبيحة مجوسي وقال الباقون: بل حلال وهم عدول أخذ بقولهم
______
والثالث حقوق العباد فيما فيه إلزام من وجه دون وجه فيشترط فيه إحدى شرطي الشهادة إما العدد, أو العدالة خلافا لهما حيث يقبل فيها خبر كل مميز.
والرابع العلامات وقد بينا حكمها. ا هـ. وفي التتارخانية وشرط أن يكون المخبر عدلا مسلما والحاكم الشهيد ذكر في المختصر العدالة ولم يذكر الإسلام وتبين بما ذكر الحال, وأن ذكر الإسلام اتفاقي وليس بشرط ا هـ.
قال رحمه الله: "ولو أخبر مسلم ثقة حرا, أو عبدا ذكرا, أو أنثى أنها ذبيحة مجوسي وقال الباقون: بل حلال وهم عدول أخذ بقولهم" وكذا لو أخبره عدلان الصدق يترجح بزيادة العدد في المخبر بخلاف الشهادة فإن كانوا متهمين أخذ بقول الواحد لأنه لا يجوز إبطال خبر العدل بخبرهم, وإن كان فيهم واحد عدل يتحرى كما لو أخبره عدلان أحدهما بالحل والآخر بالحرمة يجب ترجيح أحدهما بالتحري, وإن لم يكن له رأي واستويا عنده فلا بأس بأن يأكل بخلاف ما إذا روى أحدهما خبرا بحرمة وروى أحدهما بحل ترجح الحرمة على الحل بجعل الحرمة ناسخا ولو أخبره اثنان بالحل وواحد بالحرمة فلا بأس بأكله ولو أخبره حران بحرمة وعبدان بحل يترجح خبر الحرين بالحرمة ولو أخبره حران عدلان بحل وأربعة عبيد بحرمة أو رجل بحل وامرأتان بحرمة ترجح بالذكورية والحرية ومن اشترى جارية فأخبره مسلم ثقة أنها حرة الأصل أو أخته من الرضاع فله أن يطأها, وإن تنزه فهو حسن لأن شهادة الواحد لا تبطل الملك ولا توجب حرمة الرضاع ولو ملك طعاما, أو جارية بسبب فشهد مسلم ثقة أن المملك غصبه من فلان تنزه عن أكلها ووطئها ولو أخبره عدل أنها ذبيحة مجوسي وأخبره القصاب بأنها ذبيحة مسلم والقصاب عدل تنزه عن ذلك ولو فعل لا شيء عليه ولو عرف جارية لزيد ورآها في يد غيره لم يسعه أن يشتريها ما لم يعرف أنها ملك الذي في يده, أو مأذون في بيعها. رجل تزوج امرأة ولم يدخل بها فغاب عنها وأخبره ثقة حرا, أو عبدا, أو محدودا في قذف أنها ارتدت عن الإسلام وسعه أن يتزوج أربعة سواها إذا كان أكبر رأيه أنه صادق, وإن كان أكبر رأيه أنه كاذب لا يتزوج إلا ثلاثا. امرأة غاب عنها زوجها فأخبرها مسلم ثقة بأنه مات أو طلقها ثلاثا وكان غيره ثقة, أو أتاها كتاب بالطلاق ولا تدري أهو كتابه, أو لا؟ إلا أن أكبر رأيها أنه حق فلا بأس أن تعتد وتتزوج ولو أخبرها رجل أن أصل النكاح كان فاسدا أن تتزوج بقوله, وإن كان ثقة ولو شهدا للمرأة أن زوجها طلقها ثلاثا, أو مات وهي تجحد ثم ماتا, أو غابا قبل الشهادة عند القاضي لم يسع المرأة أن تقيم معه ولا أن تمكنه من نفسها ولا أن تتزوج بغيره وكذا إذا سمعت الطلاق منه وهو يجحد فحلفه القاضي وردها إليه لم

 

 ج / 8 ص -376-     ومن دعي إلى وليمة وثمة لعب وغناء يقعد ويأكل
______
يسعها المقام ولا أن تعتد وتتزوج بغيره ولو شهد عند الأمة عدلان أن مولاها أعتقها وهو يجحد تمنعه من القربان وغيره كذا في المحيط مختصرا.
قال رحمه الله: "ومن دعي إلى وليمة وثمة لعب وغناء يقعد ويأكل" يعني إذا حدث اللعب والغناء بعد حضوره يقعد ويأكل ولا يترك ولا يخرج ولا يخفى أن قوله وثمة إلى آخره جملة حالية عن نائب فاعل "دعي" فيفيد وجود ذلك حال الدعوة, فلو قال: فحضر لعب لكان أولى فتأمل وعللوا ذلك بأن إجابة الدعوة سنة لقوله عليه الصلاة والسلام:
"من لم يجب الدعوة فقد عصى أبا القاسم"1 فلا يتركها لما اقترن بها من البدعة كصلاة الجنازة لأجل النائحة فإن قدر على المنع منع من غيره قال في العناية أخذا من النهاية قيل عليه إنه قياس السنة على الفرض وهو غير مستقيم فإنه لا يلزم من تحمل المحذور لأجل الفرض تحمله لأجل السنة أجيب بأنها سنة في قوة الواجب لورود الوعيد على تركها لقوله "فقد عصى أبا القاسم" الحديث فأورد على هذا بأنهم أرادوا بقولهم في قوة الواجب مثل الواجب في الأحكام فهو مشكل لوجوب الفرق بينهما في الأحكام بأن تارك الواجب يستحق العقوبة بالنار وتارك السنة لا يستحقها بل حرمان الشفاعة وإن أرادا بأنها في قوة الواجب مجرد بيان تأكيد السنة فلا يجدي نفعا وأجيب بأن إجابة الدعوة, وإن كانت سنة عندنا ابتداء إلا أنها تنقلب إلى الواجب بقاء بعد الحضور حيث يلزمه حق الدعوة بالتزامه فصار نظير الصلاة النافلة تنتقل إلى الواجب بل إلى الفرض بالتزامه بالمشروع أشار إليه صاحب الهداية فيكون قوله: كصلاة الجنازة قياس واجب على واجب, وبيان تقريب الدليل ببيان الدعوة على ثلاثة أوجه: الأول: إذا دعي إلى وليمة, أو طعام ولم يكن ثمة شيء من البدع أصلا, والثاني: إذا دعي إلى ذلك ولم يذكر حين الدعوة أن ثمة شيئا من البدع أصلا ولم يعلمه المدعو قبل الحضور ولكن هجم عليه والثالث: إذا دعي إلى ذلك وذكر أن ثمة شيئا من البدع فعلمه المدعو قبل الحضور ففي الوجهين الأولين كانت الدعوة على وجه السنة فلا تكون الإجابة لازمة للمدعو. ا هـ.
وهذا كله بعد الحضور ولو علم قبل الحضور لا يقبله ولقائل أن يقول: الحديث المذكور يشمل ما بعد الحضور وما قبله لأنه قد تقرر في الأصول أن المعرف بالألف واللام إذا لم تكن للعهد الخارجي فهو للاستغراق فيعم كل دعوة وقد يجاب عنه بأنه, وإن كان عاما من حيث اللفظ فهو مخصوص بالنصوص الدالة على وجوب الاجتناب عن اقتراب تلك البدع ا هـ. فإن كان ممن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث: أخرجه مسلم في النكاح، باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة "1432"، وأحمد في "مسنده" "5241".

 

 ج / 8 ص -377-     ...........................................
______
يقتدى به فلم يقدر على منعهم خرج ولم يقعد لأن في ذلك شين الدين وفتح باب المعصية على المسلمين وما حكي أن الإمام وقع له ذلك كان قبل أن يصير قدوة, وإن كان ذلك على المائدة فلا يقعد. وإن كان هناك لعب وغناء قبل أن يحضر فلا يحضر لأنه لا يلزمه الإجابة إلا إذا كان هناك منكر لما روي عن علي قال صنعت للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما فدعوته له فحضر فرأى في البيت تصاوير فرجع.1 وعن ابن عمر قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن مطعمين عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر وأن يأكل وهو منبطح.2 رواه أبو داود ودلت المسألة على أن الملاهي كلها حرام حتى التغني بضرب القصب قال عليه الصلاة والسلام
"ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف"3 أخرجه البخاري, وفي لفظ آخر "ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف على رءوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير"4, واختلفوا في التغني المجرد قال بعضهم: إنه حرام مطلقا والاستماع إليه معصية لإطلاق الحديث وهو اختيار شيخ الإسلام ومنهم من قال: لا بأس به ليستفيد به فهم المعاني والفصاحة ومنهم من جوز التغني لدفع الوحشة إذا كان وحده ولا يكون على سبيل اللهو, وإليه ذهب شمس الأئمة السرخسي لأنه روى ذلك عن بعض الصحابة ولو كان في الشعر حكم, أو قصة لا يكره وكذا لو كان فيه ذكر امرأة غير معينة وكذا لو كانت معينة وهي ميتة ولو كانت حية يكره كذا في الشارح. وفي المحيط: ويكره اللعب بالشطرنج والنرد والأربعة عشر لقوله عليه الصلاة والسلام: "كل لعب حرام إلا ملاعبة الرجل زوجته وقوسه وفرسه"5 لأنه يصد عن الجمع والجماعات وسبب للوقوع في فواحش الكلام وغيره واستماع صوت الملاهي حرام كالضرب بالقصب وغيره قال عليه الصلاة والسلام: "استماع الملاهي معصية والجلوس عليها فسق والتلذذ بها كفر"6 وهذا خرج على وجه التشديد لا أنه يكفر وعن الحسن بن زياد لا بأس بأن يكون في العرس دف يضرب به ليشتهر ويعلن النكاح وسئل أبو يوسف أيكره للمرأة أن تضرب في غير فسق للصبي قال: لا أكره, ولا تركب امرأة مسلمة على السرج لقوله عليه الصلاة والسلام: "لعن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه ابن ماجة في الأطعمة، باب إذا رأى الضيف منكرا رجع "3359".
2 أخرجه أبو داود في الأطعمة، باب ما جاء في الجلوس على مائدة عليها بعض ما يكره "3774".
3 أخرجه البخاري في الأشربة، باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه.
4 أخرجه ابن ماجة في الفتن، باب العقوبات "4020".
5 أخرجه أحمد في "مسنده" "1687".
6 لم أعثر عليه.

 

 ج / 8 ص -378-     ______
الله السروج على الفروج"1 هذا إذا ركبت متلهية أو متزينة لتعرض نفسها على الرجال فإن ركبت لحاجة كالجهاد والحج فلا بأس به. رجل أظهر الفسق في داره فللإمام أن يتقدم عليه فإن لم يمتنع فالإمام بالخيار إن شاء ضربه أسواطا, وإن شاء أخرجه من داره لأن الكل يصلح للتعزير, قال أبو يوسف: في داره يسمع مزامير ومعازف أدخل عليهم بغير إذنهم لا أمنع الناس عن إقامة هذا الفرض, ولو رأى منكرا وهو ممن يرتكب هذا المنكر له أن ينهى عنه لأن الواجب عليه ترك المنكر والنهي عن المنكر فإذا ترك أحدهما لا يترك الآخر. ا هـ. وفي الذخيرة وغيرها: لا بأس بضرب الدف في العرس والوليمة والأعياد وكذا لا بأس بالغناء في العرس والوليمة والأعياد حيث لا فسق, وفي الخلاصة وعن عمر أنه أحرق بيت الخمار وعن الإمام الزاهد الصفار أنه أمر بتخريب دار الفسق بسبب الفسق, وفي الظهيرية: لا بأس بالمزاح بعد أن لا يتكلم بكلام فيه مأثم ويقصد به إضحاك جلسائه, وفي الجامع الصغير للعتابي وكل لعب غير الشطرنج فهو حرام. وفي الحاوي سئل عمن رأى رجلا سرق مال إنسان قال: إن كان لا يخاف الظلم منه يخبر به, وإن كان يخاف ترك, وفي الظهيرية الأمر بالمعروف باليد على الآمر, أو باللسان على العلماء وبالقلب على عوام الناس وهو اختيار الزندويسي, وفي الخانية: رجل دعاه الأمير فسأله عن أشياء إن تكلم بما يوافق الحق لا يرضيه فإنه لا ينبغي له أن يتكلم بما يخالف الحق وهذا إذا كان لا يخاف القتل على نفسه ولا إتلاف عضوه ولا يخاف على ماله, وإذا خاف منه فإنه لا بأس به ا هـ. والله أعلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث: ذكره ملا علي القاري في الأسرار المرفوعة "282".

فصل في اللبس
 حرم للرجل لا للمرأة لبس الحرير إلا قدر أربع أصابع
______
فصل في اللبس
لما ذكر مقدمات مسائل الكراهية ذكر ما يتوارد على الإنسان مما يحتاج إليه فقدم فصل الأكل والشرب ; لأن احتياج الإنسان إلى الأكل والشرب أشد من احتياجه إلى النظر لتحقق الأول في جميع الأوقات دون الثاني ا هـ.
قال رحمه الله: "حرم للرجل لا للمرأة لبس الحرير إلا قدر أربع أصابع" يعني يحرم على الرجل لا على المرأة لبس الحرير واللام تأتي بمعنى "على" قال الله تعالى
{وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الاسراء: من الآية7] أي فعليها وإنما حرم لبس الحرير على الرجال دون النساء لما روى أبو موسى

 

 ج / 8 ص -379-     وحل توسده وافتراشه
______
الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"أحل الذهب والحرير للإناث من أمتي وحرم على ذكورها"1 رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه ولما روي عنه عليه الصلاة والسلام قال: "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة"2 إلا أن اليسير معفو عنه وهو مقدار أربع أصابع لما روى أحمد ومسلم والبخاري نهي عن لبس الحرير إلا موضع أصبعين أو ثلاثة أو أربع.3 الحديث.
قال رحمه الله. "وحل توسده وافتراشه" يعني للرجال والنساء وهذا عند الإمام وقال مالك: يكره له ذلك كذا في الجامع الصغير وذكر القدوري قول أبي يوسف مع محمد وذكره أبو الليث مع أبي حنيفة لمحمد ما روي عن أبي حذيفة أنه عليه الصلاة والسلام
"نهى عن لبس الحرير والديباج وأن يجلس عليه".4 رواه البخاري, وقال سعد بن أبي وقاص لأن أتكئ على جمر الغضا أحب إلي من أن أتكئ على مرافق الحرير5 وللإمام ما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام جلس على مرقعة من حرير. ولأن القليل من الملبوس يباح فكذا القليل هنا ولأن النوم والافتراش والتوسد إهانة ولأن المحرم اللبس والافتراش والنوم علة الجلوس, وجعله ستارة وتعليقه وجعله بيتا ليس عرفا فلا يحرم ولا يكره تكة الحرير وتكة الديباج, ولو جعل الحرير بيتا أو علقه قال الإمام لا يكره وقال محمد: يكره كذا في المحيط قال الشراح يعني الرجل والمرأة جميعا في هذا الحكم يعني في عدم كراهة توسده إلى آخره أو كراهته عند محمد ا هـ. ولك أن تقول: تعميم قول أبي يوسف رحمه الله في الكراهة للنساء مشكل فإن قوله عليه الصلاة والسلام: "حلال لإناثهم"6 يعم التوسد والافتراش والجلوس والستارة وجعله بيتا فكيف يتركان العمل بعموم هذا الحديث فليتأمل وقد يجاب بأن الحل للنساء لأجل التزين للرجال وترغيب الرجل فيها وفي وطئها وتحسينها في منظره فالعلة النقلية منظور فيها إلى هذه العقلية والدليل على ذلك تحريمه على الرجل والحل للنساء والعلة العقلية لم توجد في التوسد وغيره

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث: أخرجه النسائي في الزينة، باب تحريم الذهب على الرجال "5148" وأحمد في "مسنده" "19008".
2 الحديث: تقدم تخريجه.
3 الحديث: أخرجه مسلم في اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال "2069" والبخاري في اللباس، باب لبس الحير وافتراشه للرجال "5829".
4 الحديث: أخرجه البخاري في اللباس، باب افتراش الحرير "5837".
5 ذكره الزيلعي في نصب الراية "4/228".
6 الحديث: تقدم تخريجه.

 

 ج / 8 ص -380-     ولبس ما سداه حرير ولحمته قطن أو خز وعكسه حل في الحرب فقط
______
فلهذا قالا: يكره ذلك للنساء فتأمل وفي النصاب: ويكره اتخاذ الخلخال في رجل الصغير ا هـ.
قال: رحمه الله "ولبس ما سداه حرير ولحمته قطن أو خز" يعني حل للرجال لبس هذا لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يلبسون الخز وهو اسم للمسدى بالحرير ولأن الثوب لا يصير ثوبا إلا بالنسج, والنسج باللحمة فكانت هي المعتبرة أو تقول لا يكون ثوبا إلا بهما فتكون العلة ذات وجهين فيعتبر التي تظهر في المنظر وهي اللحمة فتكون العبرة لما يظهر دون ما يخفى والديباج لغة وعرفا ما كان كله حريرا قال في المغرب: الديباج الذي سداه ولحمته إبريسم قال في النهاية وغيرها: وجوه هذه المسألة ثلاثة الأول ما يكون كله حريرا وهو الديباج لا يجوز لبسه في غير الحرب بالاتفاق وأما في الحرب فعند الإمام لا يجوز وعندهما يجوز والثاني ما يكون سداه حريرا ولحمته غيره ولا بأس به بالحرب وغيره, والثالث عكس الثاني وهو مباح في الحرب دون غيره كما سيأتي والخز وبر دابة تخرج من البحر يؤخذ وينسج.
قال: رحمه الله "وعكسه حل في الحرب فقط" يعني ولو عكس المذكور وهو أن تكون لحمته حريرا وسداه غيره وهو لا يجوز إلا في الحرب لما ذكرنا أن العبرة باللحمة ولا يجوز لبس الحرير الخالص في الحرب عند الإمام وعندهما يجوز لما روي أنه عليه الصلاة والسلام رخص في لبس الحرير الخالص في الحرب ورخص في لبس الخز والديباج في الحرب"1 فلأن فيه ضرورة ; لأن الخالص منه أرفع لعدة السلاح وأهيب في عين العدو ليريعه وللإمام إطلاق النصوص الواردة في النهي عن لبس الحرير من غير تفصيل والضرورة اندفعت بالمخلوط فلا حاجة إلى الخالص وقال أبو يوسف: أكره ثوب القز يكون بين الظهارة والبطانة, ولا أرى محشو القز ; لأن الحشو غير ملبوس فلا يكون ثوبا قال هذا الجواز في الحرب إذا كان الثوب صفيقا يجيء منه بأس إلى ارتهاب العدو في الحرب, وأما إذا كان رقيقا لا يجيء منه الارتهاب للعدو فإنه يكره بالإجماع ولو جعل ظهارة أو بطانة فهو مكروه ; لأن كليهما مقصود وتقدم لو جعل محشوا كذا في المحيط وفي التتارخانية: وإنما يكره اللبس إذا لم تقع الحاجة في لبس فلو كان به جرب أو حكة كثيرا ولا يجد غيره لا يكره لبسه وفي السراجية ويكره أن يلبس الذكورة قلنسوة الحرير ويكره لبس الثوب المعصفر. وفي المنتقى عن الإمام يكره للرجال أن يلبسوا الثوب المصبوغ بالعصفر أو الورس أو الزعفران وفي الذخيرة عن محمد النهي عن لبس المعصفر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الزيلعي في نصب الراية "4/527".

 

 ج / 8 ص -381-     ولا يتحلى الرجل بالذهب والفضة إلا بالخاتم والمنطقة, وحلية السيف من الفضة
______
قيل المراد به أن يلبس المعصفر ليحبب نفسه للنساء وورد "وإياكم والأحمر فإنه زي الشيطان"1 ولا يكره اللبد الأحمر للسرج وفي الذخيرة: وسئل عن الزينة والتجمل في الزينة فقال ورد عنه عليه الصلاة والسلام "
أنه خرج وعليه رداء قيمتها أربعة آلاف درهم فقال إذا أنعم الله على العبد بنعمة يجب أن يظهر أثرها عليه".2 قال الإمام بالجواز وفي الخلاصة لا بأس بلبس الثياب الجميلة إذا كان لا ينكر عليه فيه ولا بأس بجمع المال من الحلال إذا كان لا يضيع الفرائض ولا يمنع حقوق الله تعالى وفي التتمة إرخاء الستر في البيوت مكروه وفي الظهيرية يجوز للإنسان أن يبسط في بيته ما شاء من الثياب المتخذة من الصوف والقطن والكتان المصبوغة وغير المصبوغة والمنقشة وغير المنقشة وله أن يستر الجدار باللبد وغيره ويجوز أن يبسط ما فيه صورة وفي الفتاوى العتابية ويكره أن يتخذ للجواري ثيابا كالرجل ويتخذ لهن ثيابا كثياب النساء ويكره للرجال السراويل التي تقع على ظهر القدم وفي الملتقط ولا بأس بجلود النمر وسائر السباع وفي الإبانة يجوز لبس النعل المسمر بالمسامير الحديد وفي الذخيرة الثوب المتنجس بنجاسة تمنع جواز الصلاة هل يجوز للبسه في غير الصلاة عن أبي يوسف لا يجوز لبسه في غير الصلاة بلا ضرورة.
قال رحمه الله "ولا يتحلى الرجل بالذهب والفضة إلا بالخاتم والمنطقة, وحلية السيف من الفضة" لما روينا, غير أن الخاتم وما ذكر مستثنى تحقيقا لمعنى النموذج والفضة ; لأنهما من جنس واحد وكان للنبي صلى الله عليه وسلم
"خاتم من فضة"3  وكان في يده إلى أن توفي ثم في يد أبي بكر إلى أن توفي ثم في يد عمر إلى أن توفي ثم في يد عثمان إلى أن وقع في البئر فأنفق مالا عظيما في طلبه فلم يجده. ووقع الخلاف بين الصحابة والتشويش من ذلك الوقت إلى أن استشهد, والسنة في حق الرجل أن يجعل فص الخاتم في باطن كفه وفي حق المرأة أن تجعله في ظاهر كفها ; لأنها تزين به دون الرجل ولا بأس بالتختم بالفضة إذا كان له حاجة إليه كالقاضي والسلطان ولغير ذلك مكروه لما روي أنه عليه الصلاة والسلام "رأى في يد رجل خاتما أصفر فقال: "ما لي أجد منك رائحة الأصنام" ورأى في يد آخر خاتم حديد فقال: "ما لي أرى عليك حلية أهل النار".4


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لم أجده.
2 الحديث: أخرجه أحمد في "مسنده" "8981" وذكر قوا النبي صلى الله عليه وسلم فقط،
3 الحديث: أخرجه البخاري في اللباس، باب وقت العشاء وتأخيرها "640".
4 الحديث: أخرجه الترمذي في اللباس عن رسول الله، باب ما جاء في الخاتم الحديد "1785" والنسائي في الزينة باب مقدار ما يجعل في الخاتم من الفضة "5195".

 

 ج / 8 ص -382-     والأفضل لغير السلطان والقاضي ترك التختم وحرم التختم بالحجر والحديد والصفر والذهب وحل مسمار الذهب يجعل في حجر الفص وشد السن بالفضة وكره إلباس ذهب وحرير صبيا كالخرقة لوضوء أو مخاط والرتم
______
وروي عن ابن عمر أن رجلا جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه خاتم ذهب فأعرض عنه.1 والتختم بالذهب حرام ومن الناس من أطلق التختم بحجر يقال له يشب ; لأنه ليس بحجر, إذ ليس له ثقل الحجر والحلقة هي معتبرة ; لأن قوام الخاتم بها ولا يعتبر بالفص ; لأنه يجوز من الحجر والأولى أن لا يتختم إذا كان لا يحتاج إليه ولا بأس بمسمار الذهب يجعل في حجر الفص يعني في ثقبه ; لأنه تابع كالعلم فلا يعد لابسا ولا يزيد وزنه على مثقال لقوله عليه الصلاة والسلام:
"اتخذه من ورق ولا تزده على مثقال"2 ورد النص بجواز التختم بالعقيق وقال عليه الصلاة والسلام: "تختموا بالعقيق فإنه مبارك"3 الحديث وفي الحاوي: ولا بأس أن يتخذ الرجل خاتم فضة فإن جعل فصه من عقيق أو ياقوت أو فيروزج أو زمرد فلا بأس به وإن نقش عليه اسمه أو اسم أبيه أو اسم من أسماء الله فلا بأس به ولا ينبغي أن ينقش عليه تماثيل من طير أو هوام الأرض ولا بأس بأن يشرب من كفه وفي خنصره خاتم ذهب ولا بأس بمسمار الذهب يجعل في الفضة وفي الينابيع كان صلى الله عليه وسلم يتختم باليمين, وأبو بكر وعمر بالشمال. وفي الفتاوى وينبغي أن يلبس الخاتم في خنصره اليسرى دون سائر أصابعه ولا ينبغي أن يخضب يد الصغير أو رجله.
قال: رحمه الله "والأفضل لغير السلطان والقاضي ترك التختم وحرم التختم بالحجر والحديد والصفر والذهب وحل مسمار الذهب يجعل في حجر الفص" وقد تقدم بيانه. قال رحمه الله "وشد السن بالفضة" يعني يحل شد السن المتحرك بالفضة ولا يحل بالذهب وقال محمد يحل بالذهب أيضا وقدمنا بيان ذلك.
قال رحمه الله "وكره إلباس ذهب وحرير صبيا" لأن التحريم لما ثبت في حق الذكور وحرم اللبس حرم الإلباس كالخمر لما حرم شربها حرم سقيها للصبي
قال رحمه الله "كالخرقة لوضوء أو مخاط والرتم" يعني لا تكره الخرقة لوضوء ولا الرتم وفي الجامع الصغير يكره حمل الخرقة التي يمسح بها العرق ; لأنها بدعة ولم يكن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث: أخرجه النسائي في الزينة، باب حديث أبي هريرة وزالاختلاف على قتادة "5188" وأحمد في "مسنده" "10725".
2 الحديث أخرجه أبو داود في الخاتم، باب ما جاء في خاتم الحديد "4223".
3 أخرجه ابن عدي في الكامل "2056" "7/146".

 

 ج / 8 ص -383-     ______
النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ولا أحد من الصحابة ولا من التابعين وإنما كانوا يتمسحون أرديتهم وفيها نوع تجبر والصحيح أنه لا يكره الرتم ; لأن عامة المسلمين قد استعملوا في عامة البلدان مناديل للوضوء والخرق لمسح العرق والمخاط ولحمل شيء يحتاج إليه وما رآه المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن حتى لو حملها لغير حاجة يكره والرتم هو الرتيمة وهي الخيط للتذكر ليعقد في الأصابع وكذا الرتمة فقيل: الرتم ضرب من الشجر وقال معناه كان الرجل إذا خرج إلى سفر عمد إلى هذه الشجرة فعقد بعض أغصانها ببعض فإذا رجع, وأصابه بتلك الحالة قال: لم تخن امرأتي وإن أصابه قد انحل قال: خانتني ثم الرتيمة قد تشبه بالتميمة على بعض الناس وهو خيط كان يربط في العنق أو في اليد في الجاهلية لدفع المضرة عن أنفسهم وذكر في حدود الإيمان أنه كفر والرتيمة مباح ; لأنها تربط للتذكير عند النسيان وقد ورد أنه عليه الصلاة والسلام أمر بعض أصحابه بها وتعلق غرض صحيح فلا يكره بخلاف التميمة فإنه عليه الصلاة والسلام قال فيها:
"إن الرقى والتمائم والتولة شرك"1 على ما يجيء إن شاء الله تعالى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أبو داود في سننه "3883".


 

فصل في النظر واللمس
لا ينظر إلى غير وجه الحرة وكفيها
______
فصل في النظر واللمس
ولما أنهى الكلام على مسائل اللبس وقدمه لشدة الاحتياج إليه ذكر بعده مسائل النظر لأنها أكثر وقوعا من مسائل الاستبراء فلذا قدمها.
ومسائل النظر أقسام أربعة: نظر الرجل إلى المرأة, ونظر المرأة إلى الرجل, ونظر الرجل إلى الرجل, ونظر المرأة إلى المرأة.
والقسم الأول منها على أربعة أقسام: نظر الرجل إلى الأجنبية, ونظره إلى زوجته, وأمته, ونظره إلى ذوات محارمه, ونظره إلى أمة الغير, والدليل على جواز النظر ما روي أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:
"يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا, وأشار إلى وجهه وكفيه"2.
قال رحمه الله "لا ينظر إلى غير وجه الحرة وكفيها" قال الشارح وهذا الكلام فيه خلل ;

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 الحديث أخرجه أبو داود في اللباس، باب فيما تبدي المرأة من زينتها "4104".

 

 ج / 8 ص -384-     ولا ينظر من اشتهى إلى وجهها إلا الحاكم والشاهد وينظر الطبيب إلى موضع مرضها
______
لأنه يؤدي إلى أنه لا ينظر إلى شيء من الأشياء إلا إلى وجه الحرة وكفيها فيكون تحريضا إلى النظر إلى هذين العضوين وإلى ترك النظر إلى كل شيء سواهما ا هـ. ولا يخفى على متأمل عدم هذا الخلل لأن حرف "إلى" بدل عن "من" الابتدائية التي إلى غايتها فهو في قوة المنطوق فالتقدير لا يجوز له النظر من المرأة إلى غير الوجه وكفيها فقد أفاد منع النظر منها غير الوجه وكفيها لا التحريض فتدبره واستدل الشارح على جواز النظر إلى ما ذكر بقوله تعالى
{وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: من الآية31] قال علي وابن عباس ما ظهر منها الكحل والخاتم لا الوجه كله والكف فلا يفيد المدعى فتأمل والأصل في هذا أن "المرأة عورة مستورة". لقوله عليه الصلاة والسلام: "المرأة عورة مستورة"1 إلا ما استثناه الشرع وهما عضوان ولأن المرأة لا بد لها من الخروج للمعاملة مع الأجانب فلا بد لها من إبداء الوجه لتعرف فتطالب بالثمن ويرد عليها بالعيب ولا بد من إبداء الكف للأخذ والعطاء وهذا يفيد أن القدم لا يجوز النظر إليه وعن الإمام أنه يجوز ولا ضرورة في إبداء القدم فهو عورة في حق النظر وليس بعورة في حق الصلاة كذا في المحيط وعن الثاني يجوز النظر إلى ذراعيها أيضا ; لأنه يبدو منها عادة وما عدا هذه الأعضاء لا يجوز النظر إليها لقوله عليه الصلاة والسلام: "من نظر إلى محاسن امرأة أجنبية عن شهوة صب في عينيه الآنك يوم القيامة"2 الحديث وهو الرصاص المذاب,
وقالوا: ولا بأس بالتأمل في جسدها وعليها ثياب ما لم يكن ثوب بيان حجمها فلا ينظر إليه حينئذ لقوله عليه الصلاة والسلام:
"من تأمل خلف امرأة من وراء ثيابها حتى تبين له حجم عظامها لم يرح رائحة الجنة"3 وإذا كان الثوب لا يصف عظامها فالنظر إلى الثوب دون عظامها فصار كما لو نظر إلى خيمة فيها فلا بأس به
قيدنا بالنظر لأنه يكره له أن يمس الوجه والكف من الأجنبية كذا في قاضي خان وشمل كلامه الحر المسلم البالغ والرقيق البالغ والصبي المراهق والكافر كذا في الغياثية وفيها ولا بأس بالنظر إلى شعر الكافرة ا هـ.
قال: رحمه الله "ولا ينظر من اشتهى إلى وجهها إلا الحاكم والشاهد وينظر الطبيب إلى موضع مرضها" والأصل أنه لا يجوز أن ينظر إلى وجه الأجنبية بشهوة لما روينا إلا للضرورة إذا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث: أخرجه الترمذي في الرضاع، باب ما جاء في كراهية الدخول على المغيبات "1173" ولم يذكر مستورة.
2 ذكره الزيلعي في نصب الراية "4/239".
3 أنظر تنزيه الشريعة "2/174".

 

 ج / 8 ص -385-     ...........................................
______
تيقن بالشهوة أو شك فيها وفي نظر من ذكرنا مع الشهوة ضرورة فيجوز وكذا نظر الحاقن والحاقنة فيجوز وكذا نظر الخاتن إذا أراد أن يداوي مع الختان وكذا يجوز النظر للهزال الفاحش لأنه أمارة البرص ويجب على القاضي والشاهد أن يقصد أداء الشهادة والحكم لا قضاء الشهوة تحرزا عن القبح بقدر الإمكان هذا وقت الأداء وأما وقت التحمل فلا يجوز أن ينظر إليها مع الشهوة ; لأنه يوجد غيره مما لا يشتهي فلا حاجة إليه قال في الغياثية واختلف المشايخ فيما إذا دعي إلى التحمل وهو يعلم أنه إذا نظر إليها يشتهي فمنهم من جوز ذلك بشرط أن يقصد تحمل الشهادة لا قضاء الشهوة والأصح أنه لا يجوز له ذلك قال بعض شراح الهداية وقد تنور هذا إباحة النظر إلى العورة الغليظة عند الزنا لإقامة الشهادة عليه ولا يقال: الشاهد مخير هنا بين حسنتين إقامة الحد والتحرز عن التملك وهو أفضل فإذا كان أفضل فكيف جاز النظر لإقامة الشهادة ; لأنا نقول: الضرورة والحاجة محققة في النظر إلى العورة الغليظة عند التحمل بالنسبة لإرادة إقامة الحد وإن لم تكن الضرورة والحاجة محققة بالنظر إلى الستر فالإباحة بالنظر إلى الأول فإن قلت: لماذا جاز لشاهد الزنا النظر عند التحمل ولو اشتهى ولم يجز لغيره وقت التحمل قلنا إنما جاز له ; لأن مقصوده إقامة الشهادة فلهذه الضرورة جاز قالوا: لأنه يوجد غيره ممن لا يشتهي فإن قيل يمكن هنا أيضا أن يوجد غيره ممن لا يشتهي قلنا لو طلب غيره ممن لا يشتهي لفرغ من فعل الزنا فلهذا جاز هنا ولو اشتهى فتدبره.
والطبيب إنما يجوز له ذلك إذا لم يوجد امرأة طبيبة فلو وجدت فلا يجوز له أن ينظر لأن نظر الجنس إلى الجنس أخف وينبغي للطبيب أن يعلم امرأة إن أمكن وإن لم يمكن ستر كل عضو منها سوى موضع الوجع ثم ينظر ويغض ببصره عن غير ذلك الموضع إن استطاع لأن ما ثبت للضرورة يتقدر بقدرها وإذا أراد أن يتزوج امرأة فلا بأس أن ينظر إليها وإن خاف أن يشتهي لقوله عليه الصلاة والسلام:
"انظر إليها لأنه أحرى أن يدوم بينكما"1 ولا يجوز له أن يمس وجهها ولا كفها وإن أمن الشهوة لوجود المحرم ولانعدام الضرورة وقال عليه الصلاة والسلام: "من مس كف امرأة ليس له فيها سبيل وضع على كفه جمر يوم القيامة"2 قال في التتارخانية: أصاب امرأة قرحة في موضع لا يحل للرجل النظر إليه فإن لم يوجد امرأة تداويها ولم يقدر أن يعلم امرأة تداويها يستر منها كل شيء إلا موضع القرحة ويغض بصره ما أمكن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث: أخرجه الترمذي في النكاح عن رسول الله، باب ما جاء في النظر إلى المخطوبة "1087"، والنسائي في النكاح، باب إباحة النظر قبل التزويج "3235".
2 ذكره الزيلعي في نصب الراية "4/240".

 

 ج / 8 ص -386-     وينظر الرجل إلى الرجل إلا العورة والمرأة للمرأة والرجل للرجل
______
ويداويها وفي المحيط أيضا ويجوز للمرأة إذا كانت تولد أخرى أن تنظر إلى فرجها وأن تمس فرجها ا هـ.
وقيدوا جواز النظر دون المس عند إرادة الزوج إذا كانت شابة تشتهى وأما إذا كانت عجوزا لا تشتهى فلا بأس بمصافحتها ومس بدنها لانعدام خوف الفتنة وعن أبي بكر رضي الله عنه أنه كان يصافح العجائز1 فإذا كان شيخا يأمن على نفسه وعليها يحل له المصافحة وإن كان لا يأمن عليها ولا على نفسه لا تحل له مصافحتها لما فيه من التعريض للفتنة,
فحاصله أنه يشترط لجواز المس أن يكونا كبيرين مأمونين في رواية وفي أخرى يكفي أن يكون أحدهما مأمونا كبيرا ; لأن أحدهما إذا كان لا يشتهى لا يكون اللمس سببا للوقوع في الفتنة كالصغير, ووجه الأولى أن الشاب إذا كان لا يشتهي بمس العجوز فالعجوز تشتهي الشاب لأنها علمت بملاذ الجماع فيؤدي إلى الانتهاء من أحد الجانبين وهو حرام بخلاف ما إذا كان أحدهما صغيرا ; لأنه لا يؤدي إلى الانتهاء من الجانبين لأن الكبير لا يشتهي بمس الصغير ولهذا إذا مات صغير أو صغيرة تغسله المرأة والرجل ما لم تبلغ حد الشهوة وكذا يجوز النظر إلى الصغير والصغيرة, والمس إذا كان لا يشتهى.
قال رحمه الله: "وينظر الرجل إلى الرجل إلا العورة" وهي ما بين السرة والركبة, والسرة ليست من العورة والركبة منها وإنما لم ينبه المؤلف هنا لما قدم في كتاب الوضوء وقد بينا الدليل هناك, وحكم العورة في الركبة أخف منه في الفخذ وفي الفخذ أخف منه في السرة حتى ينكر عليه في كشف الركبة برفق وفي الفخذ بعنف وفي السرة بضرب وفي التتمة والإبانة: كان أبو حنيفة لا يرى بأسا بنظر الحمامي إلى عورة الرجل وفي الكافي وعظم الساق ليس بعورة وفي الذخيرة وما جاز النظر إليه جاز مسه قال محمد بن مقاتل: لا بأس أن يتولى صاحب الحمام عورة إنسان بيده عند التنور إذا كان يغض بصره قال الفقيه: وهذه في حال الضرورة لا في غيرها وينبغي لكل إنسان أن يتولى عورته بنفسه عند التنور وفي التتمة: البيت الصغير في الحمام يدخله الرجل يحلق عانته هل يحل له أن يكون فيه عريانا حتى يعصر إزاره فقال: في المدة اليسيرة يجوز وقال أبو الفضل: لا بأس به وقال غيره: يأثم به وقالوا: كشف العورة في بيت بغير حاجة فقالوا يكره ا هـ.
قال رحمه الله تعالى "والمرأة للمرأة والرجل للرجل" وهذا هو القسم الرابع من التقسيمات ومعناه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في نصب الراية "4/240".

 

 ج / 8 ص -387-     وينظر الرجل إلى فرج أمته وزوجته
______
المرأة للمرأة والرجل للرجل يعني: نظر المرأة إلى المرأة كنظر الرجل إلى الرجل حتى يجوز للمرأة أن تنظر منها إلى ما يجوز للرجل أن ينظر إليه من الرجل إذا أمنت الشهوة والفتن ; لأن ما ليس بعورة لا يختلف فيه الرجال والنساء فكان لها أن تنظر منه ما ليس بعورة وإن كان في قلبها شهوة أو أكبر رأيها أنها تشتهي أو شكت في ذلك يستحب لها أن تغض بصرها ولو كان الرجل هو الناظر إلى ما يجوز له منها كالوجه والكف لا ينظر إليه حتما مع الخوف ; لأنه محرم عليه والفرق أن الشهوة عليهن أغلب وهي كالمتحقق حكما فإذا اشتهى الرجل كانت الشهوة موجودة من الجانبين وإذا اشتهت لم توجد إلا منها فكانت من جانب واحد والموجود من الجانبين أقوى في الإفضاء إلى الوقوع وإنما جاز ما ذكرنا للمجانسة وانعدام الشهوة غالبا كما في نظر الرجل إلى الرجل وكذا الضرورة قد تحققت فيما بينهن وعن الإمام أن تنظر المرأة إلى المرأة كنظر الرجل إلى محارمه فلا يجوز لها أن تنظر إلى الظهر والبطن في هذه الرواية بخلاف نظرها إلى الرجل ; لأن الرجل يحتاج إلى زيادة الانكشاف وفي الرواية الأولى يجوز وهو الأصح ما جاز للرجل أن ينظر إليه من الرجل جاز مسه ; لأنه ليس بعورة ولا يخاف منه الفتنة قال في النهاية: وهذا دليل على أنهن لا يمنعن دخول الحمام لأن العرف ظاهر به في جميع البلدان وبناء الحمامات للنساء وحاجة النساء إلى الحمام فوق حاجة الرجال ; لأن المقصود من دخوله الزينة والمرأة إلى هذا أحوط من الرجال ويمكن للرجل دخول الأنهار والحياض والمرأة لا تتمكن من ذلك غالبا. ا هـ.
وحكي أن الإمام دخل الحمام فرأى رجلا مكشوف العورة يقال له بطرطا وكان رجلا متكلما فغض أبو حنيفة بصره فقال له العاصي: مذ كم أعمى الله بصرك قال مذ هتك الله سترك. ا هـ. وفي الكافي وعظم الساق ليس بعورة ا هـ.
قال رحمه الله "وينظر الرجل إلى فرج أمته وزوجته" يعني عن شهوة وغير شهوة قال عليه الصلاة والسلام:
"غض بصرك إلا عن زوجتك, وأمتك"1 وما روي عن عائشة قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم في إناء واحد.2 ولأنه يجوز له المس والغشيان فالنظر أولى إلا أن الأولى أن لا ينظر كل منهما إلى عورة صاحبه لقوله عليه الصلاة والسلام: "إذا أتى أحدكم زوجته فليستتر ما استطاع ولا يتجردان تجرد البعير; لأن النظر إلى العورة يورث النسيان"3 وكان ابن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في نصب الراية "4/245".
2 الحديث: أخرجه مسلم في الحيض، باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة "319" والنسائي في الطهارة باب ذكر القدر الذي يكتفي به الرجل من الماء للغسل "228".
3 ذكره الزيلعي في ننصب الراية "4/248".

 

 ج / 8 ص -388-     ووجه محرمه ورأسها فصدرها وساقها وعضدها لا إلى ظهرها وبطنها وفخذها
______
عمر يقول الأولى النظر إلى عورة زوجته عند الجماع ليكون أبلغ في تحصيل معنى اللذة1 وعن أبي يوسف سألت الإمام عن الرجل يمس فرج أمته أو هي تمس فرجه ليحرك آلته أليس بذلك بأس قال أرجو أن يعظم الأجر والمراد بالأمة التي يحل وطؤها, وأما إذا كانت لا تحل كأمته المجوسية أو المشركة أو أخته رضاعا أو أم امرأته أو بنتها فلا يحل له النظر إلى فرجها وفي الينابيع ولا يحل له أن يأتي زوجته في الدبر إلا عند أصحاب الظاهر وهو خلاف الإجماع.
قال رحمه الله "ووجه محرمه ورأسها فصدرها وساقها وعضدها لا إلى ظهرها وبطنها وفخذها" يعني يجوز النظر إلى وجه محرمه إلى آخره ولا يجوز إلى ظهرها إلى آخر ما ذكر والأصل فيه قوله تعالى {
وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} [النور: من الآية31] الآية ولم يرد به نفس الزينة ; لأن النظر إلى عين الزينة مباح مطلقا ولكن المراد موضع الزينة فالرأس موضع التاج, والشعور والوجه موضع الكحل, والعنق والصدر موضع القلادة والأذن موضع القرط والعضد موضع الدملج والساعد موضع السوار والكف موضع الخاتم والخضاب والساق موضع الخلخال والقدم موضع الخضاب بخلاف الظهر والبطن والفخذ ; لأنها ليست بمواضع الزينة ولأن البعض يدخل على البعض من غير استئذان ولا احتشام, والمرأة تكون في بيتها في ثياب بذلة ولا تكون مستورة عادة فلو أمرت بالستر من محارمها لحرجت حرجا عظيما والشهوة فيهن منعدمة من المحارم بخلاف الأجنبي, والمحرم من لا يحل نكاحها على التأبيد بنسب ولا سبب كالرضاع والمصاهرة وإن كان بالزنا وقيل إن كانت حرمة المصاهرة ثابتة بالزنا لا يجوز له النظر إلى ما ذكر كالأجنبي ; لأن الحرمة في حقه بطريق العقوبة لا بطريق النعمة فلا يظهر فيما ذكرنا والأول أصح اعتبارا للحقيقة ولك أن تقول الأنسب أن لا يذكر الفخذ هنا ; لأنه علم عدم جواز نظر المحرم إلى هذا من عدم جواز نظر الرجل إلى الرجل فيه بطريق الأولى ; لأن نظر الجنس إلى خلاف الجنس فيه أغلظ فإن قلت المقصود من ذكر الفخذ بيان الواقع والتصريح بما علم مما تقدم التزاما. قلت: إن كان هذا هو المراد فالأنسب أن يذكر الركبة بدل الفخذ ; لأن حكم العورة في الركبة أخف منه في الفخذ وفي الفخذ أخف منه في السوأة فبذكر الفخذ لا يعلم حكم الركبة بكونها أخف وأما بذكر الركبة فيعلم حكم الفخذ والسوأة بالأولى لأنهما أقوى منها في حرمة النظر واستدل الشارح وصاحب النهاية والمجتبى على الحل والحرمة لملابسة الآية التقدير واعترض بأن الآية إنما تدل على الحل لا الحرمة والأولى كما في البدائع الاستدلال بقوله تعالى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [لنور: من الآية30] إلا أنه رخص للمحارم النظر إلى موضع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في نصب الراية "4/248".

 

 ج / 8 ص -389-     ويمس ما يحل له النظر إليه
______
الزينة الظاهرة والباطنة بقوله تعالى
{وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: من الآية31] الآية واعترض بعض المتأخرين على الدليل العقلي وهو قولنا يدخل من غير استئذان لما ذكر في البدائع أن المحارم لا يدخل عليهن من غير استئذان ربما كانت مكشوفة العورة فيقع بصره عليها فيكره له ذلك وهذا غفلة منه لأن المراد أن لا يجب عليه الاستئذان لا الندب قال في البدائع: لا يحل للرجل أن يدخل بيت غيره من غير استئذان وإن كان من محارمه فلا يدخل من غير استئذان إلا أن الأمر في الاستئذان على المحارم أيسر, وأسهل فتلخص من عبارته أن الدخول في بيت الأجنبي من غير استئذان حرام وفي بيت محارمه من غير استئذان مكروه, والله الموفق, ثم قال تاج الشريعة: فإن قلت: إذا جاز الدخول من غير استئذان فعلى هذا ينبغي أن لا يقطع إذا سرق من بيت أمه من الرضاع لجواز ما ذكرنا لنقصان الحرز في حقه, قلت: لا يقطع عند البعض, وأما جواز الدخول عليها من غير استئذان ممنوع ذكره خواهر زاده أن المحارم من حيث الرضاع لا يكون لهم الدخول عليها من غير استئذان ولهذا يقطعون بسرقة بعضهم من بعض. ا هـ. كلامه
ولك أن تقول: ليس هذا الجواب بتام أما كونه لا يقطع عند البعض فهو قول أبي يوسف وعلى قولهما يقطع وهو المختار بظاهر الرواية وقد تقدم السارق في باب السرقة لأن الحرز في حقهم كامل ا هـ.
قال رحمه الله "ويمس ما يحل له النظر إليه" يعني يجوز أن يمس ما حل له النظر إليه من محارمه ومن الرجل لا من الأجنبية لتحقق الحاجة إلى ذلك من المسافرة والمخالطة وكان عليه الصلاة والسلام يقبل رأس فاطمة ويقول: "أجد منها ريح الجنة"1 وقال:
"من قبل رأس أمه فكأنما قبل عتبة الجنة"2 ولا بأس بالخلوة معها. لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا يخلون رجل بامرأة ليس منها سبيل فإن ثالثهما الشيطان"3 والمراد إذا لم تكن محرما ; لأن المحرم بسبيل منها إلا إذا خاف على نفسه أو عليها الشهوة فحينئذ لا يمسها ولا ينظر إليها ولا يخلو بها لقوله عليه الصلاة والسلام: "العينان يزنيان وزناهما النظر واليدان يزنيان وزناهما البطش والرجلان يزنيان وزناهما المشي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه"4 فكان في كل واحد منها زنا والزنا محرم بجميع أنواعه وحرمة الزنا بالمحارم أشد, وأغلظ فيجتنب الكل ولا بأس بالمسافرة بهن لقوله عليه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لم أعثر عليه.
2 لم أعثر عليه.
3 أخرجه أحمد في "مسنده" "15269".
4 أخرجه أحمد في "مسنده" "8321".

 

 ج / 8 ص -390-     فروع
______
الصلاة والسلام:
"لا تسافر المرأة فوق ثلاثة أيام إلا بزوج أو محرم"1 وإن احتاجت إلى الإركاب والإنزال فلا بأس أن يمسها من وراء ثيابها ويأخذ ظهرها وبطنها من وراء إذا أمنا الشهوة وإن خاف عليها أو على نفسه أو ظنا أو شكا فليجتنب ذلك بجهده فإن أمكنها الركوب بنفسها تمتنع من ذلك أصلا وإن لم يمكنها تتلفف بالثياب كي لا تصل حرارة عضوها إلى عضوه وإن لم تجد الثياب فليدفع عن نفسه بقدر الإمكان ولا بأس بأن يدخل على الزوجين محارمها وهما في الفراش من غير وطء باستئذان وكذا الخادم حين يخلو الرجل بأهله وكذا الأمة ويكره أن يأخذها بيده ويدخلها ويعلم الناس أنه يريدها ا هـ.
فروع
 قال في الجامع الصغير: ويكره تقبيل غيره ومعانقته ولا بأس بالمصافحة لما روي أنه عليه الصلاة والسلام سئل
'أيقبل بعضنا بعضا؟ قال: "لا", قالوا: ويعانق بعضنا بعضا؟, قال: "لا" قالوا: أيصافح بعضنا بعضا؟ قال: "نعم" قال مشايخنا: إن كان يأمن على نفسه من الشهوة وقصد البر والإكرام وتعظيم المسلم فلا بأس به والحديث محمول على هذا التفصيل المصافحة سنة قديمة متوارثة وفي النوادر وتقبيل يد العالم والسلطان العادل لا بأس به لما روي عن سفيان أنه قال: تقبيل يد العالم والسلطان العادل سنة وفي جامع الجوامع ولا بأس أن تمس الأمة الرجل وتغمزه وتدهنه ما لم يشته إلا ما بين السرة والركبة
وفي التتارخانية ولم يذكر محمد في شيء من الكتب الخلوة والمسافرة بإماء الغير وقد اختلفوا فيه فمنهم من قال لا يحل وإليه مال الحاكم الشهيد ومنهم من قال يحل وبه قال الإمام شمس الأئمة السرخسي والذين قالوا بالحل اختلفوا فيما بينهم بعضهم قال ليس له أن يعالجها في النزول والركوب وبعضهم قال له ذلك إن أمن على نفسه الشهوة عليها. وفي الغياثية: والغلام الذي بلغ الشهوة كالبالغ والكافر كالمسلم هذا الذي ذكرناه إذا كانت شابة فإن كانت عجوزا قال في التتارخانية فإن كانت عجوزا لا تشتهى فلا بأس بمصافحتها ومس يدها وأن تغمز رجله وكذا إذا كان شيخا يأمن على نفسه وعليها وفي الغياثية ولا بأس أن يعانقها من وراء الثياب إلا أن تكون ثيابها رقيقة تصل حرارة بدنها إليه وفيما إذا كان الماس هو المرأة قال: إن كانت ممن لا يجامع مثلها ولا يجامع مثله فلا بأس بالمصافحة فليتأمل عند


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث: أخرجه البخاري في الجمعة، باب في كم تقصير الصلاة "1086" ومسلم في الحج، باب سفر المرأة محرم إلى حج وغيره "827".

 

 ج / 8 ص -391-     وأمة غيره كمحرمه وله مس ذلك إذا أراد الشراء وإن اشتهى ولا تعرض الأمة إذا بلغت في إزار واحد والخصي والمجبوب والمخنث كالفحل
______
الفتوى فإن كانت صغيرة لا تشتهى أو لا يشتهى مثلها فلا بأس بالنظر إليها ومسها.
قال رحمه الله "وأمة غيره كمحرمه" ; لأنها تحتاج إلى الخروج لحوائج مولاها في ثياب بذلة وحالها مع جميع الرجال كحال المرأة مع محارمها وكان عمر رضي الله عنه إذا رأى أمة مقنعة علاها بالدرة وقال: ألقي عنك الخمار أتتشبهين بالحرائر يا دفار1 واعترض كيف عزرها على الستر الذي هو جائز والتعزير إنما يكون على ارتكاب المحظورات والمحرمات وأجيب بأنه إنما فعل ذلك ; لأن الفساق إذا تعرضوا للحرائر كان ذلك أشد فسادا, والتعرض للإماء دون ذلك في الفساد ففعل ذلك لئلا يجب الأول فيكون فيه تقليل الفساد
قال في المحيط ويحل للأمة النظر إلى الرجل الأجنبي إلى كل شيء منه ومسه وغمزه ما خلا تحت السرة إلى الركبة. ا هـ. ولا يجوز أن ينظر إلى بطنها وظهرها كالمحارم خلافا لمحمد بن مقاتل فإنه يقول بالجواز.
قال رحمه الله. "وله مس ذلك إذا أراد الشراء وإن اشتهى" يعني جاز له أن يمس كل موضع يجوز له أن ينظر إليه كالصدر والساق والذراع والرأس ويقلب شعرها إذا أراد الشراء وإن خاف على الشراء فيباح له النظر والمس للضرورة وهو إرادة الشراء وفي الشارح أمة الرجل تكبس رجل زوجها ويخلو بها ولا يمنع من ذلك أحد, وأم الولد والمدبرة والمكاتبة كالأمة لقيام الرق فيهن ووجود الحاجة, والمستسعاة كالمكاتبة عند الإمام.
قال رحمه الله "ولا تعرض الأمة إذا بلغت في إزار واحد" يعني إذا أراد أن يعرض أمته للبيع فلا يعرضها في إزار واحد إذا كانت بالغة والمراد بالإزار ما يستر ما بين السرة إلى الركبة ; لأن ظهرها وبطنها عورة ولا يجوز كشفها والتي بلغت حد الشهوة فهي كالبالغة لا تعرض في إزار واحد روي ذلك عن محمد لوجود الاشتهاء.
قال: رحمه الله "والخصي والمجبوب والمخنث كالفحل" لقوله تعالى
{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: من الآية30] وهم ذكور فيدخلون تحت الخطاب العام وقالت عائشة: الخصي مثلة ولا يبيح ما كان حراما قبله ولأن الخصي ذكر يشتهي ويجامع وهو أشد جماعا ; لأن آلته لا تفتر فصار كالفحل, والمجبوب ذكر يشتهي ويسحق وينزل قال بعض المتأخرين يسحق بفتح الياء ويسحق بضمها قال العيني: أي ينزل الماء وحكمه كأحكام الرجال في كل شيء, وقطع


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في نصب الراية "4/250".

 

 ج / 8 ص -392-     وعبدها كالأجنبي من الرجال ويعزل عن أمته بلا, إذنها وعن زوجته بإذنها
______
تلك الآلة كقطع عضو منه فلا يبيح شيئا كان حراما وإن كان المجبوب قد جف ماؤه فقد رخص له بعض أصحابنا الاختلاط مع النساء لوقوع الأمن من الفتنة قال الله تعالى
{أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} [النور: من الآية31] فقيل هو المجبوب الذي قد جف ماؤه والأصح أنه لا يحل له لعموم النصوص وكذا المخنث وهو الذي يأتي الرديء من الأفعال لا يحل له بالاتفاق لأنه كغيره من الفساق فيبعد عن النساء وإن كان مخنثا بأقواله وأفعاله متكسرا في أعضائه ولينا في لسانه وهو لا يشتهي النساء فقد رخص له بعض مشايخنا الاختلاط بالنساء وفي الإبانة الأصح أنه لا يحل له وقالوا الأبله الذي لا يدري ما يصنع بالنساء وإنما همه بطنه يرخص له الخلوة بالنساء والأصح له المنع ولا بأس بدخول الخصي على النساء ما لم يبلغ حد الحلم وهو خمس عشرة سنة.
قال رحمه الله "وعبدها كالأجنبي من الرجال" حتى لا يجوز لها أن تبدي زينتها له إلا ما يجوز أن تبديه للأجنبي ولا يحل له أن ينظر من سيدته إلا ما يجوز له أن ينظر إليه من الأجنبية
قال الإمام مالك والشافعي: نظره إليها كنظر الرجل إلى محارمه لقوله تعالى
{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: من الآية3] ولنا أنه محل غير محرم ولا زوج والشهوة متحققة والحاجة قاصرة ; لأنه يعمل خارج البيت والآية واردة في الإماء قال سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب والحسن: لا يغرنكم سورة النور فإنها واردة في الإناث لا في الذكور ولهذا لا يجوز لها أن تسافر معه ; لأنه أجنبي عنها وفي المحيط والعبد في النظر إلى سيدته التي لا قرابة بينه وبينها بمنزلة الرجل الأجنبي سواء كان العبد خصيا أو مجبوبا أو فحلا وفي قاضي خان وللعبد أن يدخل على سيدته بغير إذنها بالإجماع.
قال رحمه الله "ويعزل عن أمته بلا, إذنها وعن زوجته بإذنها" يعني لو وطئ أمته فله إذا أراد الإنزال أن ينزل خارج فرجها بغير, إذنها أما الزوجة فليس له ذلك إلا بإذنها ; لأنه عليه الصلاة والسلام نهى عن العزل عن الحرة إلا بإذنها. ولأن الحرة لها حق في الوطء حتى كان لها المطالبة به قضاء لشهوتها وتحصيلا للولد ولهذا تخير في الجب والعنة ولا حق للأمة في الوطء والعزل لما ذكرنا ولو كانت تحته أمة غيره فقد ذكرنا حكمه في النكاح لا يقال هذه مكررة مع قوله في النكاح والإذن في العزل لسيد الأمة ; لأنا نقول ذاك في الأمة المتزوجة وهذا في الأمة الموطوءة بملك اليمين لا يقال حق المرأة في أصل قضاء الشهوة لا في وصف الكمال وهو الإنزال ألا ترى أن من الرجال من يجامع ولا ماء له ينزله في فرجها ولا يكون لها حق الخصومة معه فيما

 

 ج / 8 ص -393-     فروع
______
ذكر لعدم الصنع من الرجل أما ههنا إذا كان له ماء فله الصنع في العزل فلها أن تطالبه بذلك والله تعالى أعلم.

فصل في الاستبراء وغيره
______________
فصل في الاستبراء وغيره
 قال الشارح: أخر الاستبراء لأنه احتراز عن ملك مقيد والمقيد بعد المطلق وقال بعض الفضلاء فإن قلت: أين الاحتراز عن الوطء المطلق فيما سبق قلت: فهم ذلك بطريق الدلالة أو الإشارة فإنه يضمن اللمس فالنهي عن المسمى نهي عنه فلذا عنوا به الوطء فتأمل ا هـ.
أقول: لا السؤال شيء ولا الجواب أما الأول فلأنهم ما قالوا: لأن الاحتراز من الوطء المطلق فيما سبق بل مرادهم أن الوطء المقيد نفسه بعد الوطء المطلق نفسه فأخر ما يتعلق بالوطء المقيد وهو الاستبراء عما يتعلق بالوطء المطلق وانتفاء المقيد لا يستلزم انتفاء المطلق كما لا يخفى فإنه يتصور أن يكون الاحتراز عن الوطء المقيد بعد الاحتراز عن الوطء المطلق, وأما تحقق المقيد فيستلزم تحقق المطلق في ضمنه فيصح أن يقال: الوطء المقيد بعد الوطء المطلق بناء على أن المركب بعد المفرد كما صرح به في النهاية ومعراج الدراية
وأما الثاني فلأن بناءه على أن يكون المراد أن الاحتراز عن المقيد بعد الاحتراز عن المطلق وقد عرفت ما فيه, وأيضا لا معنى لقوله "فلهذا عنوا به الوطء" لأن النهي عن المس إذا كان نهيا عن الوطء وكان العنوان بالمس عنوانا بالوطء أيضا فكان ينبغي أن لا يعنوا الفصل السابق بالوطء استقلالا كما لم يذكر فيه النهي عن الوطء استقلالا ثم أقول: الظاهر أن مرادهم بالوطء المطلق المذكور فيما تقدم في مسألة العزل المذكور قبيل فصل الاستبراء فإن العزل أن يطأ الرجل فإذا قرب الإنزال فينزل خارج الفرج, وإن مرادهم بالوطء المقيد ههنا ما قيد بزمان الوطء فإن الاستبراء مقيد بالزمان كما ستعرفه وفي العزل مطلق عنه فإن المراد بالوطء المذكور في عنوان الفصل السابق أيضا ما في ضمن تلك المسألة كما نبهت عليه في صدر ذلك الفصل
فروع
تتعلق بالنساء: رجل له امرأة لا تصلي يطلقها حتى لا يصحب امرأة لا تصلي فإن لم يكن له ما يعطي مهرها فالأولى أن لا يطلقها قال الإمام أبو جعفر الكبير صاحب محمد بن الحسن: لأن

 

 ج / 8 ص -394-     ...........................................
______
ألقى الله - ومهرها في عنقي - أحب إلي من أن أطأ امرأة لا تصلي. غمز الأعضاء في الحمام من غير ضرورة مكروه وفي الذخيرة وفي مجموع النوازل أنه يباح ذلك فيما فوق السرة ودون الركبة ويباح فيما بينهما, وبعض مشايخنا قالوا: لا بأس بذلك بشرطين ; أحدهما أن لا يغسل الخادم لحيته لأن فيه إهانة صاحب اللحية ولا يغمز رجله لأن فيه إهانة بالخادم قال الفقيه أبو جعفر: سمعت الشيخ الإمام أبا بكر يقول لا بأس بأن يغمز الرجل إلى الساق ويكره أن يغمز الفخذ ويمسه من وراء الثوب وكان الإمام أبو بكر يقول لا بأس بأن يغمز الرجل رجل والديه, ولا يغمز فخذ والديه وفي السراجية: ولا بأس أن يغمز الأجنبية الرجل فوق الثياب إذا لم يكن فيه خوف الفتنة وفي التتمة وسئل الخجندي عمن له أم هل يجوز له أن يغمز بطنها وظهرها من وراء الثياب قال إن أمسكه يعتقد حرمته كالخمر يمسكه المسلم للمسلم لا يكره, وإن أمسك يعتقد الإباحة كما لو أمسك للكافر يكره. سئل أنس بن أنس عن قوم أرادوا الخروج على سلطانهم لجوره هل يحل لهم ذلك فأجاب وقال: إن كانوا اثني عشر ألفا - وكلمتهم واحدة - يسعهم ذلك وإن كانوا أقل من ذلك لا يسعهم ذلك وسئل الفقيه أبو بكر عن قراءة القرآن أهو أفضل للفقيه أم دراسة الفقه قال: حكي عن الفقيه أبي مطيع أنه قال النظر في كتب أصحابنا من غير سماع أفضل من قيام ليلة وفي النوازل عن أبي عاصم أنه قال طلب الأحاديث حرفة المفاليس يعني به إذا طلب الحديث ولم يطلب فقها وفي النسفية اجتمع قوم يوما من الأتراك والأمراء وغيرهم في موضع الفساد فنهاهم شيخ الإسلام عن المنكر فلم ينزجروا فاستدعى المحتسب وقوما من باب السيد الإمام الأجل ليعرفوهم وليريقوا خمورهم فذهبوا مع جماعة من الفقهاء فظفروا ببعض الخمور فأراقوها وجعلوا الملح في بعض الدنان للتخلل فأخبر الشيخ بذلك فقال لا تدعوا واكسروا الدنان كلها, وأريقوا ما بقي وإن جعلوا الملح فيها قال: وقد ذكر في عيون المسائل من أراق خمور المسلمين وكسر دنانهم وشق زقاقهم إذا ظهر فيما بين المسلمين بطريق الأمر بالمعروف فلا ضمان عليه وسئل عن قوم من اليهود اشتروا دارا وبستانا من دور المسلمين في مصر واتخذوها مقبرة هل يمنعون من ذلك فقال لا لأنهم ملكوها فيفعلون ما شاءوا كالمسلمين. وقد صحت الرواية في المبسوط أن صاحب الدار لو رفع بناء فمنع جاره الشمس أو الريح أو نقب جداره أو فتح أبوابا لم يمنع من ذلك وإن لحق جاره نوع ضرر ; لأنه لم يتصرف إلا في ملك نفسه وسئل عن دارين لرجلين ; سطح أحدهما أعلى من الآخر ومسيل ماء العليا على الأخرى فأراد صاحب سطح السفلى أن يرفع سطحه أو يبني على سطحه علوا هل يحل له ذلك قال نعم وفي التتمة سألت أبا حامد عن رجل له ضيعة أرضها مرتفعة هل يجوز له أن يسد النهر يوما أو بعض يوم بغير رضا الأسافل حتى يسقيها قال نعم. وسئل عن الرجل يبني على حائط

 

 ج / 8 ص -395-     من ملك أمة حرم عليه وطؤها ولمسها والنظر إلى فرجها بشهوة حتى يستبرئها
______
نفسه بناء أزيد مما كان هل لجاره أن يمنعه قال لا وإن بلغ عنان السماء وسئل أبو الفضل عمن يأخذ خراج القرية عن حفر النهر العظيم فيحفرونه بأمسحتهم من غير أن يصرف شيئا من الخراج إلى الحفر وهناك من الأقوياء من لا يحفر ولا يبعث أحدا هل له أن يسقي منها أم لا؟ قال: يمنع من الماء. الاستبراء لغة طلب البراءة مطلقا سواء كان في الفروج أو في غيرها
وفي الشرع طلب براءة رحم المرأة المملوكة. وصفته أنه واجب وسبب وجوبه ملك الأمة, ودليله قوله عليه الصلاة والسلام في سبايا أوطاس
"ألا لا توطأ الحبالى حتى يضعن حملهن ولا الحبلى حتى يستبرئن بحيضة"1 وهو يفيد وجوب الاستبراء وأما حكمه فهو التعرف عن براءة الرحم صيانة للمياه المحترمة ا هـ.
قال: رحمه الله "من ملك أمة حرم عليه وطؤها ولمسها والنظر إلى فرجها بشهوة حتى يستبرئها" لقوله عليه الصلاة والسلام في سبايا أوطاس:
"ألا لا توطأ الحبالى حتى يضعن ولا الحيالى حتى يستبرئن بحيضة" وهذا يفيد وجوب الاستبراء بسبب إحداث الملك واليد ; لأنه هو الموجود في هذه الصورة, وهذا لأن الحكمة فيه التعرف عن براءة الرحم صيانة للمياه المحترمة - عن اختلاط الأنساب والاشتباه -, والولد عن الهلاك ; لأن من لا نسب له هالك لعدم من يربيه ومن ينفق عليه قال صاحب الإيضاح والإصلاح: يرد عليه أنهم ينكرون انعلاق الولد الواحد من ماءين لعدم إمكان الاختلاط بينهما فكيف يقول: حكمه الاستبراء. وأجيب بأن المنفي الاختلاط حقيقة والذي بنوا عليه هنا الاختلاط حكما وهو أن يبين الولد: من أي ماء هو قال تاج الشريعة: وإنما قيدنا بالماء المحترم وإن كان الحكم في غير الماء المحترم كذلك كالحامل من الزنا حملا لحال المسلم على الصلاح وتعبير المؤلف بملك أولى من تعبير صاحب الهداية بالشراء لعموم الملك, والشراء من أسباب الملك كما سيأتي
وأقول: في إطلاق قوله "ملك" نظر ; لأن من ملك جارية وهو زوجها لا يجب عليه الاستبراء أو كانت تحت غيره بنكاح ولكن طلقها زوجها بعد أن استبرأها وقبضها لم يلزمه الاستبراء في شيء من هذه الصور فكان المناسب أن يخرج هذه الصورة ولما كان السبب إحداث ملك الرقبة المؤكد باليد نفذ الحكم إلى سائر أسباب الملك من الشراء والهبة والصدقة والميراث والخلع والكتابة وغير ذلك حتى يجب على المشتري من مال الصبي ومن المرأة والمملوكة, ومن لا يحل له وطؤها. وكذا إن كانت المشتراة بكرا لم توطأ لتحقق السبب المذكور وإدارة الحكم على الأسباب دون الحكم لعدم الاطلاع عليها لحقائقها ولا يعتد بالحيضة التي اشتراها في أثنائها ولا بالحيضة


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث: أخرجه الدارمي في الطلاق، باب في استبراء الأمة "2295".

 

 ج / 8 ص -396-     ...........................................
______
التي حاضتها بعد الشراء قبل القبض ولا بالولادة التي ولدتها بعد الأسباب قبل القبض خلافا لأبي يوسف وكذا لا يعتد بالحيضة التي حاضتها قبل الإجازة في بيع الفضولي وإن كانت في يد المشتري ولا يعتد بالحيضة التي بعد القبض في الشراء الفاسد قبل أن يشتريها صحيحا وتجب إذا اشترى نصيب شريكه من جارية مشتركة بينهما لأن السبب قد تم في ذلك الوقت, والحكم يضاف إلى تمام العلة ويعتد بالحيضة التي حاضتها وهي مجوسية أو مكاتبة بأن كاتبها بعد الشراء ثم أسلمت المجوسية أو عجزت المكاتبة لوجودها بعد السبب وهذا استحداث الملك واليد, ولا يجب الاستبراء إذا رجعت الآبقة أو ردت المغصوبة أو المستأجرة أو فكت المرهونة لانعدام السبب وهو استحداث الملك واليد وفي الأكمل هنا إذا أبقت في دار الإسلام ثم رجعت, فإن أبقت في دار الحرب ثم عادت إلى مولاها بوجه من الوجوه فكذا عند الإمام وعندهما يجب الاستبراء لأنهم يملكونها ولو أقال البائع المشتري قبل القبض لا يجب على البائع الاستبراء. وكان أبو حنيفة يقول أولا بالوجوب ثم رجع وقال: لا يجب وهو قولهما ; لأن الإقالة فسخ في الأصل فصار كأنه لم يكن ولو اشترى من عبده المأذون له بعدما حاضت عند العبد فإن لم يكن على العبد دين اعتد بتلك الحيضة ; لأنها دخلت في ملك المولى من وقت الشراء وإن كان عليه دين مستغرق فكذلك عندهما وعند الإمام لا يعتد بتلك الحيضة بناء على أن المولى لا يملكه وقد تقدم ولو باع جارية على أنه بالخيار وقبضها ثم أبطل البيع في مدة الخيار لا يلزمه الاستبراء إن كان المشتري لم يطأ وإن كان قد وطئ فعليه الاستبراء ولو زوجها بعد الشراء فطلقها الزوج قبل الدخول لا يلزمه الاستبراء في ظاهر الرواية ولو زوجها قبل الاستبراء بعد القبض فالمختار أنه يجب وإذا حرم الوطء قبل الاستبراء حرم الدواعي أيضا ; لأنها تفضي إلى الوطء أو يحتمل وقوعه في غير الملك قال في العناية: واستشكل حيث تعدى الحكم من الأصل - وهي المسة - إلى الفرع وهو غيرها حتى حرمت الدواعي في المسة دونها وأجيب بأن ذلك باعتبار اقتضاء الدليل المفيد لذلك وهو الرغبة في المشتراة دون غيرها والاستبراء في الحامل بوضع الحمل كما تقدم في الحديث وفي الاستبراء في ذوات الأشهر بالشهر ; لأنه قائم في حقهن مقام الحيض فإن حاضت في أثناء الشهر بطل الاستبراء بالشهر وتستبرئ بالحيضة لأنها صارت قادرة على الأصل فإذا ارتفع حيضها يتركها حتى إذا تبين أنها ليست بحامل واقعها وليس فيه تقدير في ظاهر الرواية. وقيل: يتبين بشهرين أو بثلاث وعن محمد بأربعة أشهر وعشرة أيام قال في الخلاصة: وعليه عمل الناس الآن وفي الأكمل والأصح أنه يتركها شهرين أو ثلاثة وعن محمد يتركها شهرين وخمسة أيام ولا بأس بالاحتيال في إسقاط الاستبراء عند أبي يوسف خلافا لمحمد وقد بينا ذلك في كتاب الشفعة والمأخوذ به قول أبي يوسف فيما إذا علم أن البائع لم يقربها في طهرها ذلك

 

 ج / 8 ص -397-     له أمتان أختان قبلهما بشهوة حرم وطء واحدة منهما ودواعيه حتى يحرم فرج الأخرى بملك أو نكاح أو عتق
______
ويؤخذ بقول محمد فيما إذا قربها, والحيلة إذا لم تكن تحت المشتري حرة أن يتزوجها قبل الشراء ثم يشتريها ويقبضها هكذا ذكره في الهداية قال الشارح وهذا لا يفيد إذا كان القبض بعد الشراء ; لأنه بالشراء ينفسخ النكاح فيجب الاستبراء بالقبض بحكم الشراء وإنما يفيد لو كان القبض قبل الشراء لكي لا يوجد القبض بحكم الشراء بعد فساد النكاح وقال ظهير الدين: وعندي يشترط أن يدخل بها قبل الشراء ; لأن ملك النكاح يفسد عند الشراء سابقا على الشراء ضرورة أن ملك النكاح لا يجامع ملك اليمين فلم تكن عند الشراء منكوحة ولا معتدة بخلاف ما إذا دخل بها بعد الشراء لأنها تبقى معتدة منه بعد فساد النكاح فلا يلزمه الاستبراء ذكره قاضي خان في فتاويه. ولو كان تحته حرة فالحيلة أن يتزوجها البائع قبل الشراء أو المشتري قبل القبض ممن يثق به أو يزوجها بشرط أن يكون أمرها بيده ثم يشتريها ويقبضها ثم يطلقها الزوج ; لأنه عند وجود السبب - وهو استحداث الملك المؤكد بالقبض - لم يكن فرجها حلالا له فلا يجب عليه الاستبراء وإن دخل بعد ذلك ; لأن العبرة لأوان السبب قال في الأكمل في هذه الصورة هذا إذا طلقها الزوج بعد القبض لأنه لو طلقها قبل القبض كان على المشتري الاستبراء إذا قبضها في أظهر الروايتين ا هـ.
قال رحمه الله: "له أمتان أختان قبلهما بشهوة حرم وطء واحدة منهما ودواعيه حتى يحرم فرج الأخرى بملك أو نكاح أو عتق" قال الشارح: ولو قال "حرمتا" حتى يحرم فرج أحدهما كان أحسن لأنهما يحرمان عليه لا أحدهما فحسب ا هـ.
ولا يخفى أن أحد الدائر بين الشيئين أو أشياء يفيد حرمتهما لا حرمة أحدهما فحسب كما توهم الشارح قال في العناية: وهذه على ثلاثة أوجه إما أن يقبلهما أو لا يقبلهما أو يقبل أحدهما فإن لم يقبلهما أصلا كان له أن يقبل أو يطأ أيهما شاء, سواء اشتراهما معا أو متعاقبا وإن قبل أحدهما كان له أن يقبل المقبلة, وأن يطأها دون الأخرى وإن قبلهما بشهوة فهي مسألة المتن
قيد بقوله بشهوة ; لأنها إذا لم تكن بشهوة لا تكون معتبرة أصلا وإنما حرمتا ; لأن الجمع بينهما نكاحا ووطئا لا يجوز لإطلاق قوله تعالى
{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: من الآية23] والمراد به الجمع بينهما على ما ذكرنا ولا يعارضه قوله تعالى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: من الآية3]; لأن الترجيح للمحرم روي ذلك عن علي قال: أحلتهما آية وحرمتهما آية والمحرم مقدم وكذا يحرم الجمع بينهما في الدواعي ; لأن الدواعي للوطء بمنزلة الوطء ; لأن النص مطلق فيتناولهما ومسهما بشهوة أو النظر إلى فرجها كتقبيلها حتى يحرما عليه إلا إذا حرم فرج أحدهما لما ذكرنا لزوال الجمع لتحريم فرج أحدهما عليه, وتمليك البعض كتمليك الكل وإعتاق البعض كإعتاق

 

 ج / 8 ص -398-     وكره تقبيل الرجل ومعانقته في إزار واحد
______
الكل أما عندهما فظاهر ; لأنه لا يتجزأ وكذا عند الإمام وإن كان يتجزأ لكنه يحرم الوطء, وكتابة أحدهما كإعتاقهما ; لأن فرجها يحرم بالكتابة, ورهن أحدهما وإجارتها وتدبيرها لا تحل الأخرى ; لأن فرجها لا تحرم بهذه الأشياء قال تاج الشريعة فإن قلت: الأصل في الدلائل الجمع فأمكن هنا بأن يحمل قوله
{وَأَنْ تَجْمَعُوا} على النكاح, أو {مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} على ملك اليمين
قلت: المعنى الذي يحرم الجمع بين الأختين نكاحا وجد ههنا وهو قطيعة الرحم فيثبت الحكم وقوله "بملك" أراد به التمليك بأن يملك رقبتها من إنسان بأي سبب من أسباب الملك كالبيع والهبة والصدقة والصلح والخلع والمهر وأراد بقوله "أو نكاح" النكاح الصحيح فإذا زوج أحدهما نكاحا فاسدا لا تحل له الأخرى ; لأن فرجها لم يصر حراما عليه بهذا العقد إلا إذا دخل بها الزوج فلم يصرحا معا بوطء الأخرى ولا بوطء الموطوءة, وكل امرأتين لا يجوز الجمع بينهما نكاحا بمنزلة الأجنبي.
قال رحمه الله: "وكره تقبيل الرجل ومعانقته في إزار واحد" ولو كان على قميص جاز كالمصافحة وفي الجامع الصغير يكره تقبيل الرجل فم الرجل أو يده أو يعانقه وذكر الطحاوي أن هذا عند أبي حنيفة. ومحمد وقال أبو يوسف: لا بأس بالتقبيل والمعانقة لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قبل جعفرا حين قدم من الحبشة.1 وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أول من عانق إبراهيم خليل الرحمن كان بمكة فقدم ذو القرنين إليها فقيل له: بهذه البلدة خليل الرحمن فنزل ذو القرنين ومشى إلى إبراهيم الخليل فسلم عليه إبراهيم واعتنقه فكان أول من عانق ولهما ما روي عن أنس قال قلنا يا رسول الله: أينحني بعضنا لبعض؟ قال: "لا", قلنا: أيعانق بعضنا بعضا؟ قال: "لا", قلنا: أيصافح بعضنا بعضا؟ قال: "نعم"2 وروي أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن المكامعة.3 وهي التقبيل. وما روي بخلافه منسوخ به وقال الخلاف فيما إذا لم يكن عليهما غير الإزار وإن كان عليهما قميص أو جبة فلا بأس به بالإجماع وهو الذي اختاره الشيخ في المختصر والشيخ الإمام أبو منصور الماتريدي وفق بين الأحاديث فقال: المكروه من المعانقة ما كان على وجه الشهوة, وما كان على وجه المبرة والكرامة فجائز ورخص السرخسي وبعض المتأخرين في تقبيل يد العالم المتورع والزاهد على وجه التبرك وقد تقدم وما يفعله الجهال من تقبيل يد نفسه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في نصب الراية "4/255".
2 أخرجه ابن ماجة في سننه "3702".
3 أخرجه النسائي في الزينة، باب النتف "5091"،,وأبو داود في اللباس باب من كرهه "4049".

 

 ج / 8 ص -399-     ______
إذا لقي غيره فمكروه, وما يفعله من السجود بين يدي السلطان فحرام والفاعل والراضي به آثمان لأنه أشبه بعبدة الأوثان وذكر الصدر الشهيد أنه لا يكفر بهذا السجود ; لأنه يريد به التحية وقال شمس الأئمة السرخسي: لغير الله على وجه التعظيم كفر
وذكر الفقيه أبو الليث: التقبيل على خمسة أوجه: قبلة الرحمة كقبلة الوالد لولده, وقبلة التحية كتقبيل المؤمنين بعضهم لبعض, وقبلة الشفقة كقبلة الولد لوالديه, وقبلة المودة كقبلة الرجل أخاه على الجبهة, وقبلة الشهوة كقبلة الرجل امرأته, وأمته وزاد بعضهم قبلة الديانة كقبلة الحجر الأسود, وأما القيام للغير فقد جاء في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام خرج متكئا على عصا فقمنا له فقال عليه الصلاة والسلام:
"لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضا"1 وعن الشيخ أبي قاسم كان إذا دخل عليه أحد من الأغنياء يقوم له ولا يقوم للفقراء وطلبة العلم فقيل له في ذلك فقال: إن الأغنياء يتوقعون مني التعظيم فلو تركت تعظيمهم يتضررون والفقراء وطلبة العلم لا يطمعون مني في ذلك وإنما يطمعون في رد السلام والكلام في العلم. ولا بأس بالمصافحة لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: "من صافح أخاه المسلم وحرك يده في يده تناثرت ذنوبه"2 وفي حديث آخر "ما من مسلمين التقيا فتصافحا إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا"3 ولا بأس بمصافحة العجوز التي لا تشتهى ولا يمس الرجل المرأة وهما شابان, سواء كانت الصغيرة ماسة أو البالغ ماسا ا هـ. والله تعالى أعلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أبو داود في الأدب، باب في قيام الرجل للرجل "5230" وأحمد في "مسنده" "21677".
2 ذكره الزيلعي في نصب الراية "4/260".
3 أخرجه أحمد في "مسنده" "12043".

فصل في البيع
كره بيع العذرة لا السرقين
______
فصل في البيع
قدم فصل البيع عن فصل الأكل والشرب واللمس والوطء لأن أثر تلك الأفعال متصل ببدن الإنسان وما كان أكثر اتصال كان أحق بالتقديم
قال: رحمه الله "كره بيع العذرة لا السرقين" لأن المسلمين يتمولون السرقين وانتفعوا به في سائر البلاد والأمصار من غير نكير فإنهم يلقونه في الأراضي لاستكثار الريع بخلاف العذرة ; لأن

 

 ج / 8 ص -400-     وله شراء أمة زيد, قال بكر: وكلني زيد ببيعها
______
العادة لم تجر بالانتفاع بها إلا مخلوطة برماد أو تراب غالب عليها فحينئذ يجوز بيعها والصحيح عن الإمام أن الانتفاع بالعذرة الخالصة جائز بغلبة يجوز بيع الخالصة
وفي المحيط: رجل يبيع ويشتري على الطريق فأراد إنسان أن يشتري منه شيئا فإن لم يكن في قعوده ضرر بالناس وسعه أن يقعد في الطريق ويشتري منه وإن كان فيه ضرر يكره له أن يشتري منه وهو المختار لأنه يكون معينا له على الإثم والعدوان. صبي جاء إلى سوق بخبز أو بلبس أو بعدس فلا بأس بأن يبيع منه البصل والثوم وغير ذلك لأنه مأذون فيه عادة ويكره أن يبيع منه الجوز والفستق حتى نسأله: هل أذن له بذلك أبوه أم لا؟ لأنه غير مأذون في ذلك عادة وفيه, وأما المغني والنائحة والقوال إذا أخذ المال هل يباح له إن كان من غير شرط يباح لأنه أعطاه المال عن طوع من غير عقد وإن كان من عقد لا يباح له لأنه أجر على المعصية. ا هـ.
وفي السراجية يكره بيع الغلام الأمرد ممن عرف باللواطة. رجل اشترى عبدا مجوسيا فأبى أن يسلم وقال إن بعتني من مسلم قتلت نفسي جاز له أن يبيعه من المجوسي ولا بأس بأن يبيع الزنار من النصارى والقلنسوة من اليهود, وفي جامع الجوامع عن الثاني باع ثورا من المجوسي لينحروه في عيدهم يقتلوه بالعصا لا بأس به وفي التتمة سئل علي بن أحمد: أهل بلده زادوا في موازينهم فيما يوزن بزيادة فوق الزيادة في سائر البلدان وبعضهم يوافق وبعضهم لا يوافق أتحل لهم تلك الزيادة فقال: لا, قالوا: ولو اتفق الكل على ذلك قال لا,
وفي السراجية رجل اشترى لحما أو سمكا أو شيئا من الثمار فذهب المشتري ليأتي بالثمن وأبطأ فخشي البائع أن يفسد فإنه يبيعه من غيره ويحل شراء ذلك منه وإذا مرض الرجل فاشترى له ابنه أو ولده جاز ا هـ.
قال رحمه الله "وله شراء أمة زيد, قال بكر: وكلني زيد ببيعها" يعني أن جارية لإنسان فرآها في يد آخر يبيعها فقال له: وكلني مولاها بالبيع حل له أن يشتريها منه ويطأ ; لأنه أخبره بخبر صحيح لا منازع له فيه وقول الواحد في المعاملات مقبول كما تقدم وكذا إذا قال اشتريتها منه أو وهبني أو تصدق علي فله الشراء ولا فرق بين أن يعلم أنها له أو لم يعلم ; لأن خبره هو المعتمد عليه إذا كان ثقة فإن كان المخبر غير ثقة فيما إذا ادعى الملك أو غيره فإن كان أكبر رأيه أنه صادق وسعه الشراء على ما تقدم وإن كان أكبر رأيه أنه كاذب لا يتعرض لشيء من ذلك ; لأن أكبر رأيه يقوم مقام اليقين وإن لم يخبره صاحب اليد عن الوكالة وانتقال الملك إليه فإن كان يعرف أنها لغيره لا يشتري حتى يعرف أن الملك انتقل إليه ; لأن يد الأول دليل الملك فإن كان لا يعرف أنها لغيره وسعه أن يشتريها, وإن كان ذو اليد فاسقا إلا أن مثله لا يملك مثلها كدرة

 

 

 ج / 8 ص -401-     ...........................................
______
في يد كناس فحينئذ يستحب له أن يتنزه عنها ولو اشتراها مع ذلك صح لاعتماده على الشرعي وهو اليد. وإن كان الذي أتاه بها عبدا فإنه لا يقبلها ولا يشتريها حتى يسأل ; لأن المملوك لا ملك له فيعلم أن الملك فيها لغيره فلو قال له: أذنني مولاي في بيعها وهو ثقة قبل قوله قال صاحب العناية فإن قبل قوله وهو ثقة يناقض قوله يقبل على أي صفة, وأجيب بأن معنى قوله "ثقة" أن يكون ممن يعتمد على كلامه وإن كان فاسقا لجواز أن لا يكذب لمروءته ولوجاهته بقي أن يقال مما ذكر هنا إن عدالة المخبر في المعاملات غير لازمة ولا بد في قبول قوله إذا كان غير عدل أن يكون أكبر رأي السامع أنه صادق وقد مر في أول هذا الكتاب أن يقبل في المعاملات خبر الفاسق مطلقا ولا يقبل في الديانات قول الفاسق ولا المستور إلا إذا كان أكبر رأي السامع أنه صادق, فما ذكر هنا مخالف لما تقدم ; لأن الذي اعتبر في الديانات دون المعاملات اعتبر هنا في المعاملات أيضا. والجواب أن خبر الفاسق إنما يقبل في الديانات إذا حصل بعد التحري وفي المعاملات ذكر فخر الإسلام: خبر العدل يقبل فيها من غير تحر وهو المذكور في الجامع الصغير وفي موضع آخر يشترط فيها التحري وهو المذكور في كتاب الاستحسان فيشترط التحري في المعاملات استحسانا ولا يشترط التحري فيها رخصة فما ذكر في أوله لبيان الرخصة وهو عدم التحري وما ذكر هنا بيان الاستحسان كما في التلويح. قال في الخانية: فلو لم يقل صاحب اليد وكلني ولكن قال قد كان ظلمني وغصبني الجارية فأخذتها منه لا ينبغي له أن يشتريها منه وإن كان عدلا وفي الخزانة وإن قال كان غصبها مني فلان فارتجعتها منه بلا رضاء ولا قضاء لا يصدق وكذا إذا قال قضى القاضي لي بالجارية فأخذها منه ودفعها لي فلا بأس أن يشتريها منه إن كان عدلا وإن قال قضى بها القاضي فجحدني قضاءه فأخذتها فلا ينبغي له أن يشتريها منه ولو كان عدلا
وفي الخانية قال اشتريت هذه الجارية من فلان ونقدته الثمن ثم جحد البائع البيع فأخذتها منه لا ينبغي له أن يقبل قوله: وفي فتاوى العتابية ولو لم يذكر الجحود على الشراء منه ينبغي له أن يقبل قوله إذا كان عدلا وإن كان المخبر على الجحود فاسقا يعتبر فيه أكبر رأيه كما تقدم وفي الفتاوى الغياثية ولو ورثه أو أبيح له فأخبره عدل بأنه غصبه وكذبه ذو اليد فهو متهم فيجوز له أن يشتريها قال محمد: هذا إذا لم يجئ التشاجر والتجاحد من الذي كان يملك فإن جاءت المشاجرة والإنكار من المالك لا يقبل خبر المخبر سواء كان فاسقا أو عدلا ولو شهد شاهدان عدلان عند البيع أن مولاها قد أمر البائع ببيعها فاشتراها بقولهما ونقد الثمن وقبضها وحضر مولاها فأنكر الوكالة كان المشتري في سعة من إمساكها وفي الخانية وكان له أن يتصدق بها حتى يخاصمه المولى إلى القاضي بخلاف ما لو كان المخبر واحدا قال: إلا أن يكون خاصم

 

 ج / 8 ص -402-     ...........................................
______
عند القاضي وقضى القاضي بالملك فإن استحلف المالك على الوكالة فإنه لا يسعه إمساكها ما لم يجدد الشاهدان الشهادة على الوكالة بين يدي القاضي حتى يقضي القاضي بالوكالة وفي الخزانة خمسة أشياء لا يقبل قول الواحد فيها: إذا اشترى شيئا فأخبره رجل أنه لغير البائع وباعه بغير أمره لا يصدقه وجاز تصرفه فيه. وإذا تزوج فأخبره رجل أنها أخته من الرضاع, ويتنزه عنها. وإذا اشترى طعاما شراء فأخبره ثقة أنه حرام أو غصبه البائع لا يصدق في الغصب ويصدق في الحرام. رأى رجلا قتل ولدا له بالسيف وجحد قتله لا يصدق ووسع من عاين ذلك أن يعينه على قتله قال محمد ولو أن رجلا تزوج امرأة فلم يدخل بها حتى غاب عنها فأخبره مخبر أنها قد ارتدت عن الإسلام والعياذ بالله تعالى فإن كان المخبر بذلك عدلا وفي الفتاوى الغياثية وهو حر أو مملوك أو محدود في قذف وسعه أن يصدقه, وأن يتزوج بأختها أو أربع سواها وإن كان فاسقا تحرى في ذلك وفي الخانية وإن لم يكن المخبر ثقة وفي البزازية فإن كان أكبر رأيه أنه صادق فكذلك وإن كان أكبر رأيه أنه كاذب لم يتزوج أكثر من ثلاث هكذا ذكر المسألة في كتاب الاستحسان, وتلك المسألة في السير الكبير أنه لا يسعه أن يتزوج بأختها وأربع سواها ما لم يشهد عنده رجلان أو رجل وامرأتان وذكر شيخ الإسلام في شرح كتاب الاستحسان اختلاف الروايتين في رواية ولم يذكر ردة المرأة وذكر شمس الأئمة السرخسي اختلاف الروايتين ; ردة الرجل لا تثبت عند المرأة إلا بشهادة رجلين أو شهادة رجل وامرأتين على رواية السير الكبير, ردة المرأة تثبت عند الزوج بخبر الواحد باتفاق الروايات. قال شمس الأئمة الحلواني: والصحيح أن في المسألة روايتين على رواية السير لا يثبت ردة المرأة عند الزوج ولا ردة الزوج عند المرأة إلا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين وفي الذخيرة ثم فرق على رواية كتاب الاستحسان بينما إذا أخبر عن ردتهما قبل النكاح فقال إذا قال للزوج: تزوجتها وهي مرتدة لا يسعه أن يأخذ بقوله وإن كان عدلا وإذا أخبر عن ردتها بعد النكاح وسعه أن يصدقه فيما قال ويتزوج بأختها, وأربع سواها وكذلك لو أن رجلا تزوج جارية رضيعة ثم غاب عنها فأتاه رجل وأخبره أنها أمه أو بنته أو أخته أو رضيعة امرأته الصغيرة فإن كان المخبر عدلا وسعه أن يصدقه ويتزوج بأختها وأربع سواها وإن كان فاسقا يتحرى في ذلك قال في الهداية: لأن القاطع طارئ والإقدام الأول لا يدل على إقدامه فلم يثبت المنازع. اعترض عليه بأنه إن قبل خبر الواحد في إفساد النكاح بعد الصحة من هذا الوجه فوجه آخر فيه يوجب عدم القبول وأجيب بأن ذلك إذا كان ثابتا بدليل موجب, ودليل ملك الزوج فيها في الحال ليس بدليل موجب بل باستصحاب الحال, وخبر الواحد أقوى من استصحاب الحال. وأجيب بأنه إذا تضمن إبطال الملك الثابت قال شيخ الإسلام: رواية السير تحتاج إلى الفرق بين الرضاع وبين الردة وإن لم يقل هكذا ولكنه قال:

 

 ج / 8 ص -403-     ...........................................
______
كنت تزوجتها يوم تزوجتها وهي أختك من الرضاعة فإنه لا يسعه أن يتزوج أختها ولا أربعا سواها إن كان المخبر عدلا وإذا غاب الرجل عن امرأته فأتاها مسلم عدل, وأخبرها أن زوجها طلقها ثلاثا أو مات عنها فلها أن تعتد وتتزوج بزوج آخر وإن كان المخبر فاسقا يتحرى
وفي الفتاوى الغياثية وكذلك إذا جاءها كتاب بطلاق أو موت وغلب في ظنها ذلك وفي فتاوى أبي الليث إذا شهد شاهدان عند المرأة بالطلاق فإن كان الزوج غائبا وسعها أن تعتد وتتزوج بزوج آخر وإن كان حاضرا ليس لها أن تمكن نفسها من زوجها وكذلك إن سمعته طلقها وجحد الزوج ذلك وحلف فردها القاضي عليه لم يسعها المقام معه وينبغي لها أن تفتدي بمالها وتهرب منه وإن لم تقدر على ذلك قتلته وإذا هربت منه لم يسعها أن تعتد وتتزوج بزوج آخر قال شمس الأئمة السرخسي: ليس لها أن تعتد وتتزوج بزوج آخر, جواب القاضي أما فيما بينها وبين الله تعالى فلها أن تتزوج بعدما اعتدت ا هـ. ثم إذا أخبرها عدل مسلم أنه مات زوجها كذا إنما تعتمد خبره إذا قال عاينته ميتا وقال: شهدت جنازته أما إذا قال "أخبرني مخبر" لا يعتمد على خبره, وإن أخبر واحد بموته ورجلان آخران أخبرا بحياته فإن كان الذي أخبرها بموته قال عاينته ميتا وشاهدت جنازته يحل لها أن تتزوج وإن كان اللذان أخبرا بحياته ذكرا أنهما رأياه حيا فقولهما أولى وفي السراجية إن كان عدلا وفيه لو شهد اثنان بموته وقتله وشهد آخران أنه حي فشهادة الموت أولى ولو أن امرأة قالت لرجل: إن زوجي طلقني ثلاثا وانقضت عدتي فإن كانت عدلة وسعه أن يتزوجها وإن كانت فاسقة تحرى وعمل بما وقعت تحريته عليه ولو أخبرها أن أصل نكاحها فاسد, وأن زوجها أخوها من الرضاعة أو كان مرتدا فإنه لا يسعها أن تقبل وتتزوج بزوج آخر وإن كان المخبر عدلا قال محمد: إنما هو بمنزلة رجل في يده جارية يدعي إنها رقيقته وهي تقر بالملك فوجدها في يد رجل وقد علم بحالها فأراد شراءها فسأله عنها فقال: الجارية جاريتي وقد كان الذي يدعي الجارية كانت في يده كاذبا فيما ادعى من ملكها لا ينبغي لهذا الرجل أن يشتريها منه وإن كان عدلا ولو قال كنت اشتريتها منه وسعه أن يشتريها منه وكذلك جارية في يد رجل يدعي أنها جاريته وهي صغيرة لا تعبر عن نفسها بجحود ولا إقرار فكبرت فلقاها رجل وقد علم بذلك في بلد آخر فأراد أن يتزوجها فقالت له أنا حرة الأصل ولم أكن أمة للذي كنت في يده فلهذا لا يسعه أن يتزوجها ولو قالت: كنت أمة للذي كنت في يده فأعتقني وسعه أن يتزوجها إن كانت خالية
وفي الخانية إن كانت ثقة أو وقع في قلبه أنها صادقة لا بأس أن يتزوجها ولو أن حرة تزوجت رجلا ثم أتت غيره وقالت: إن نكاحي الأول كان فاسدا أو الزوج على غير الإسلام لا ينبغي لهذا الرجل أن يصدقها ولا أن يتزوجها ولو قالت: إن زوجي طلقني بعد ذلك أو قالت:

 

 ج / 8 ص -404-     وكره لرب الدين أخذ ثمن خمر باعها مسلم لا كافر واحتكار قوت الآدميين والبهائم في بلد لم يضر بأهلها
______
ارتد عن الإسلام فبنت منه وسعه أن يصدقها, وأن يتزوجها إذا كانت عدلة ا هـ.
قال: رحمه الله "وكره لرب الدين أخذ ثمن خمر باعها مسلم لا كافر" يعني إذا كان لشخص مسلم دين على مسلم فباع الذي عليه الدين خمرا, وأخذ ثمنها وقضى الدين لا يحل للمدين أن يأخذ ذلك بدينه وإن كان البائع كافرا جاز له أن يأخذ والفرق أن البيع في الوجه الأول باطل فلم يملك البائع الثمن وهو باق على ملك المشتري فلا يحل له أن يأخذ مال الغير بغير رضاه, والبيع في الوجه الثاني صحيح فملك البائع الثمن ; لأن الخمر مال متقوم في حق الكافر فجاز له الأخذ بخلاف المسلم وفي النهاية عن محمد: هذا إذا كان القضاء والاقتضاء بالرضا فإن كان بقضاء القاضي فقضى عليه بهذا الثمن ولم يعلم القاضي بكونه ثمن خمر يطيب له ذلك بقضائه
واستشكل الإمام الزيلعي حيث قال: إنه مال الغير فكيف يطيب له بقضاء القاضي ومحمد لا يرى نفوذ قضاء القاضي باطنا وإنما ينفذ عنده ظاهرا, ولو مات مسلم وترك ثمن خمر باعها لا يحل لورثته أن يأخذوا ذلك ; لأنه كالمغصوب
قال في النهاية قال بعض مشايخنا كسب المغنية كالمغصوب لم يحل لأحد أخذه قالوا وعلى هذا لو مات رجل وكسبه من ثمن الباذق والظلم أو أخذ الرشوة تعود الورثة ولا يأخذون منه شيئا وهو الأولى لهم ويردونه على أربابه إن عرفوهم, وإلا يتصدقوا به ; لأن سبيل الكسب الخبيث التصدق إذا تعذر الرد وظاهر هذا أن المعتبر اعتقاد البائع سواء باعه من مسلم أو كافر فإن كان البائع مسلما لا يملك ذلك الثمن اشتراه منه مسلم أو كافر وإن كان كافرا ملك الثمن سواء اشتراه منه مسلم أو كافر ا هـ. فإن قيل: هذا ظاهر إذا باع الخمر المسلم للمسلم أو الكافر للكافر, وأما إذا باع المسلم للكافر أو الكافر للمسلم فلم لم يقبل اعتقاد الكافر فنقول بالجواز أو باعتقاد المسلم فنقول بعدم الجواز. قلنا الأصح ترجيح المحرم.
قال: رحمه الله. "واحتكار قوت الآدميين والبهائم في بلد لم يضر بأهلها" يعني يكره الاحتكار في بلد يضر بأهلها لقوله عليه الصلاة والسلام
"الجالب مرزوق والمحتكر ملعون"1 ولأنه تعلق به حق العامة وفي الامتناع عن البيع إبطال حقهم وتضييق الأمر عليهم فيكره هذا إذا كانت البلدة صغيرة يضر ذلك بأهلها أما إذا كانت كبيرة فلا يكره ; لأنه حابس ملكه, وتخصيص

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث: أخرجه ابن ماجة في التجارات باب الحكرة والجلب، "2153" والدارمي في البيوع، باب في النهي عن الاحتكار "2544".

 

 ج / 8 ص -405-     لا غلة ضيعته وما جلبه من بلد آخر ولا يسعر السلطان إلا أن يتعدى أرباب الطعام عن القيمة تعديا فاحشا
______
الاحتكار بالأقوات قول الإمام والثالث, وقال أبو يوسف: كل ما يضر العامة فهو
احتكار, بالأقوات كان أو ثيابا أو دراهم أو دنانير اعتبارا لحقيقة الضرر ; لأنه هو المؤثر في الكراهة, وهما اعتبرا الحبس المتعارف وهو الحاصل في الأقوات في المدة فإذا قصرت لا يكون احتكارا لعدم الضرر, إذا طالت يكون مكروها ثم قيل هو مقدر بأربعين ليلة لقوله عليه الصلاة والسلام
"من احتكر طعاما أربعين ليلة فهو بريء من الله والله بريء منه"1 وقيل بالشهر لأن ما دونه قليل عاجل وهو وما فوقه كثير آجل ويقع التفاوت في المأثم بين أن يتربص العسرة وبين أن يتربص القحط - والعياذ بالله - وقيل: المدة المذكورة للمعاقبة في الدنيا, وأما الإثم فيحصل وإن قلت المدة فحاصله أن التجارة في الطعام غير محمودة. وفي المحيط الاحتكار على وجوه: أحدها حرام وهو أن يشتري في المصر طعاما ويمتنع عن بيعه عند الحاجة إليه ولو اشترى طعاما في غير المصر ونقله إلى المصر وحبسه قال الإمام لا بأس به ; لأن حق العامة إنما يتعلق بما جمع من المصر أو جلب من فنائه, وقال الثاني: يكره, وقال محمد: كل بقعة يمتد منها إلى المصر في العادة فهي بمنزلة فناء المصر يحرم الاحتكار منه وهذا في غاية الاحتياط ا هـ.
قال: رحمه الله "لا غلة ضيعته وما جلبه من بلد آخر" يعني لا يكره احتكار غلة أرضه وما جلبه من بلد آخر لأنه خالص حقه فلم يتعلق به حق العامة فلا يكون احتكارا ألا ترى أن له أن لا يزرع ولا يجلب فكذا له أن لا يبيع وهذا في المجلوب قول الإمام خاصة فإن حق العامة لا يتعلق بما جلب فصار كغلة ضيعته والجامع تعلق حق العامة به وقدمنا قول محمد وقول أبي يوسف عن المحيط ا هـ.
قال رحمه الله: "ولا يسعر السلطان إلا أن يتعدى أرباب الطعام عن القيمة تعديا فاحشا" لقوله عليه الصلاة والسلام
"لا تسعروا فإن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق"2 ولأن الثمن حق البائع وكان إليه تقديره فلا ينبغي للإمام أن يتعرض لحقه إلا إذا كان أرباب الطعام يحتكرون على المسلمين ويتعدون في القيمة تعديا فاحشا وعجز السلطان عن منعه إلا بالتسعير بمشاورة أهل الرأي والنظر فإذا فعل ذلك على رجل فتعدى وباع بثمن فوقه أجازه القاضي وهذا لا يشكل على قول الإمام ; لأنه لا يرى الحجر على الحر وكذا عندهما إلا أن يكون الحجر على قوم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث: أخرجه أحمد في "مسنده" "4865".
2 أخرجه الترمذي في البيوع عن رسول الله، باب ما جاء في التسعير "1314"، وأبو داود في اللبيوع، باب في التسعير "3451".

 

 ج / 8 ص -406-     وجاز بيع العصير من خمار وإجارة بيت ليتخذ بيت نار أو بيعة أو كنيسة أو يباع فيه خمر بالسواد
______
بأعيانهم, وينبغي للقاضي وللسلطان أن لا يعجل بعقوبة من باع فوق ما سعر بل يعظه ويزجره وإن رفع إليه ثانيا فعل به كذلك وهدده وإن رفع إليه ثالثا حبسه وعزره حتى يمتنع عنه ويمتنع الضرر عن الناس وفي العتابي: ولو باع شيئا بثمن زائد على ما قدره الإمام فليس على الإمام أن ينقضه, والغبن الفاحش هو أن يبيعه بضعف قيمته وإذا امتنع أرباب الطعام عن بيعه لا يبيعه القاضي أو السلطان عند الإمام وعندهما يبيع بناء على أنه لا يرى الحجر على الحر البالغ العاقل وهما يريانه. امتنع المحتكر من بيع الطعام للإمام أن يبيعه عليه عندهم جميعا على مسألة الحجر وقيل يبيع بالإجماع ; لأنه اجتمع ضرر عام وضرر خاص فيقدم دفع الضرر العام كما بينا في كتاب الحجر قال في المحيط قال بعض مشايخنا إذا امتنع المحتكر عن بيع الطعام يبيعه الإمام عليه عندهم جميعا. ا هـ.
ومن باع منهم بما قدره الإمام صح لأنه غير مكره على البيع كذا في الهداية وفي المحيط إن كان البائع يخاف إذا زاد في الثمن على ما قدره أو نقص في البيع يضر به الإمام أو من يقوم مقامه لا يحل للمشتري ذلك ; لأنه في معنى المكره, والحيلة في ذلك أن يقول تبيعني بما تحب ولو اصطلح أهل بلدة على سعر الخبز واللحم وشاع ذلك عندهم فاشترى منهم رجل خبزا بدرهم أو لحما بدرهم, وأعطاه البائع ناقصا والمشتري لا يعرف ذلك كان له أن يرجع بالنقصان إذا عرفه ; لأن المعروف كالمشروط وإن كان من غير أهل تلك البلد كان له أن يرجع بالنقصان في الخبز دون اللحم ; لأن سعر الخبز يظهر عادة في البلدان وسعر اللحم لا يظهر إلا نادرا فيكون شارطا في الخبز مقدارا معينا دون اللحم ولو خاف الإمام على أهل مصر الهلاك أخذ الطعام من المحتكرين وفرقه فإذا وجدوه ردوا مثله وليس هذا من باب الحجر وإنما هو من باب دفع الضرر عنهم كما في حال المخمصة ذكره في شرح المختار.
قال: رحمه الله "وجاز بيع العصير من خمار" لأن المعصية لا تقوم بعينه بل بعد تغيره بخلاف بيع السلاح من أهل الفتنة ; لأن المعصية تقوم بعينه فيكون إعانة لهم وتسببا وقد نهينا عن التعاون على العدوان والمعصية ولأن العصير يصلح للأشياء كلها جائزة شرعا فيكون الفساد إلى اختياره, وبيع المكعب المفضض للرجال إذا علم أنه يشتريه ليلبسه يكره ; لأنه إعانة له على لبس الحرام ولو أن إسكافيا أمره إنسان أن يتخذ له خفا على زي المجوس أو الفسقة, أو خياطا أمره إنسان أن يخيط له قميصا على زي الفساق يكره له أن يفعل ذلك كذا في المحيط.
قال: رحمه الله "وإجارة بيت ليتخذ بيت نار أو بيعة أو كنيسة أو يباع فيه خمر بالسواد"

 

 ج / 8 ص -407-     وحمل خمر الذمي بأجر
______
يعني جاز إجارة البيت لكافر ليتخذ معبدا أو بيت نار للمجوس أو يباع فيه خمر في السواد وهذا قول الإمام وقالا: يكره كل ذلك لقوله تعالى
{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: من الآية2] وله أن الإجارة على منفعة البيت ولهذا تجب الأجرة بمجرد التسليم ولا معصية فيه وإنما المعصية بفعل المستأجر وهو مختار فيه فقطع نسبة ذلك إلى المؤجر وصار كبيع الجارية لمن لا يستبرئها أو يأتيها في دبرها أو بيع الغلام ممن يلوط به والدليل عليه أنه لو أجره للسكنى جاز ولا بد فيه من عبادته وإنما قيده بالسواد ; لأنهم لا يمكنون من ذلك في الأمصار ولا يمكنون من إظهار بيع الخمر والخنزير في الأمصار لظهور شعائر الإسلام فلا يعارض بظهور شعائر الكفر قالوا في هذا سواد الكوفة ; لأن غالب أهلها أهل ذمة, وأما في غيرها فيها شعائر الإسلام ظاهرة فلا يمكنون فيها في الأصح
وفي التتارخانية مسلم له امرأة من أهل الذمة ليس له أن يمنعها من شرب الخمر وله أن يمنعها من إدخال الخمر بيته ولا يجبرها على الغسل من الجنابة وفي كتاب الخراج لأبي يوسف المسلم يأمر جاريته الكتابية بالغسل من الجنابة ويجبرها على ذلك قالوا: يجب أن تكون المرأة الكتابية على هذا القياس أيضا قال القدوري في النصرانية تحت المسلم لا تنصب في بيته صليبا وتصلي في بيته حيث شاءت ومن سأل من أهل الذمة المسلم طريق البيعة لا ينبغي له أن يدله عليها ا هـ.
قال: رحمه الله تعالى "وحمل خمر الذمي بأجر" يعني جاز ذلك وهذا عند الإمام وقالا يكره لأنه عليه الصلاة والسلام لعن في الخمر عشرة وعد منها حاملها.1 وله أن الإجارة على الحمل وهو ليس بمعصية وإنما المعصية بفعل فاعل مختار فصار كمن استأجره لعصر خمر العنب وقطفه, والحديث يحمل على الحمل المقرون بقصد المعصية وعلى هذا الخلاف إذا أجر دابة ليحمل عليها الخمر أو نفسه ليرعى له الخنازير فإنه يطيب له الأجر عنده وعندهما يكره وفي التتارخانية: ولو أجر المسلم نفسه لذمي ليعمل في الكنيسة فلا بأس به وفي الذخيرة إذا دخل يهودي الحمام هل يباح للخادم المسلم أن يخدمه قال: إن خدمه طمعا في فلوسه فلا بأس به وإن خدمه تعظيما له ينظر إن فعل ذلك ليميل قلبه إلى الإسلام فلا بأس به وإن فعله تعظيما له كره ذلك وعلى هذا إذا دخل ذمي على مسلم فقام له طمعا في إسلامه فلا بأس به وإن قام له تعظيما له كره له ذلك.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث: أخرجه ابن ماجة في الأشربة باب لعنت الخمر على عشرة أوجه، "3380"، وأحمد في "مسنده" "2892".

 

 ج / 8 ص -408-     وبيع بناء بيوت مكة أو أراضيها وتعشير المصحف ونقطه وتحليته ودخول ذمي مسجدا
______
قال: رحمه الله "وبيع بناء بيوت مكة أو أراضيها" يعني يجوز ذلك أما البناء فظاهر ; لأنه ملك لبنائه ألا ترى أنه لو بنى في المستأجر أو الوقف جاز البناء وكان له ملكا له, وأما بيع أراضيها فالمذكور هنا قول أبي يوسف ومحمد وهو إحدى الروايتين عن الإمام ; لأن أراضيها مملوكة لأهلها لظهور التصرف والاختصاص ولقوله عليه الصلاة والسلام
"هل ترك لنا عقيل من رباع"1 الحديث فيه دليل على أن أراضيها تملك وتقبل الانتقال من ملك إلى ملك وقد تعارف الناس ذلك من أول الإسلام إلى الآن من غير نكير وهو من أقوى الحجج, وقال الإمام: لا يجوز بيع أراضيها لقوله عليه الصلاة والسلام "إن الله حرم مكة وحرم بيع أراضيها وإجارتها"2 ولأنه وقف الخليل عليه الصلاة والسلام ولأن الأراضي بمكة كانت تدعى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والخليفتين من بعده بالسوائب من احتاج إليها سكنها ومن استغنى عنها تركها قال الشارح ومن وضع عند بقال درهما يأخذ منه ما شاء كره له ذلك ; لأنه إذا ملكه الدرهم فقد أقرضه إياه وقد شرط أن يأخذ منه من القبول وغيرها ما شاء وله في ذلك نفع بقاء الدرهم وكفايته للحاجات ولو كان في يده لخرج من ساعته ولم يبق فصار في معنى قرض جر نفعا وهو منهي عنه وينبغي أن يودعه عنده ثم يأخذ منه شيئا فشيئا وإن ضاع فلا شيء عليه ; لأن الوديعة أمانة ا هـ.
قال رحمه الله: "وتعشير المصحف ونقطه" يعني يجوز ; لأن القراءة والآية توقيفية ليس للرأي فيها مدخل فالتعشير حفظ الآيات, والنقط الإعراب فكانا حسنين ولأن العجمي الذي لا يحفظ القرآن لا يقدر على القراءة إلا بالنقط فكان حسنا وما روي عن ابن مسعود من قوله: جردوا القرآن3 فذلك في زمانهم لأنهم كانوا ينقلونه عن النبي صلى الله عليه وسلم كما أنزل وعلى هذا لا بأس بكتابة أسامي السور وعد الآي وإن كان محزبا فهو حسن وكم من شيء يختلف باختلاف الزمان والمكان وفي العتابية: ويكره التعاشير وهو كتابة لعلامة عشر منتهى عشر آيات ا هـ.
قال رحمه الله "وتحليته" يعني ويجوز تحلية المصحف لما فيه من تعظيمه كما في نقش المسجد وزينته وقد تقدم في بابه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري في الحج، باب توريث دور مكة وبيعها وشرائها "1588" ومسلم في الحج، باب النزول بمكة للحاج وتوريث دورها "1351".
2 انظر نصب الراية "4/266".
3 أخرجه النسائي في الكبرى "10800" والبيهقي في شعب الإيمان "2671".

 

 ج / 8 ص -409-     وعيادته
______
قال: رحمه الله "ودخول ذمي مسجدا" يعني جاز إدخال الذمي جميع المساجد عندنا وقال مالك: يكره في كل المساجد وقال الشافعي: يكره في المسجد الحرام لقوله تعالى
{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة: من الآية28] ولأن الكافر لا يخلو عن النجاسة والجنابة فوجب تنزيه المسجد عنه ولنا أنه عليه الصلاة والسلام أنزل وفد ثقيف في المسجد وضرب لهم خيمة في المسجد فقال الصحابة المشركون نجس فقال عليه الصلاة والسلام: "ليس على الأرض من نجاستهم شيء وإنما نجاستهم على أنفسهم"1 والنجاسة المذكورة في الآية الخبث في اعتقادهم ; لأن كل خبيث رجس وهو النجس والمراد بالمنع في الآية منعهم عن الطواف ولما أعلا الله كلمة الإسلام منعهم صلى الله عليه وسلم من الدخول للطواف, والتعميم المذكور ههنا هو المذكور في الجامع الصغير وذكره الكرخي في مختصره وذكر محمد في السير الكبير أنهم يمنعون من دخول المسجد الحرام فإن قلت الدليل ليس بنص في المسألة ; لأن المذكور دخول الذمي, والدليل يفيد جواز دخول الذمي بالأولى فأفاد المطلوب وزيادة بالنص وظهر أن قول المؤلف "ذمي" مثال وليس بقيد ولهذا عبر محمد في كتبه بلفظ الكافر ليفيد العموم
وفي الذخيرة إذا قال الكافر من أهل الحرب أو من أهل الذمة: علمني القرآن فلا بأس بأن يعلمه ويفقهه في الدين قال القاضي علي السغدي إلا أنه لا يمس المصحف فإن اغتسل ثم مسه فلا بأس به وعلم من هذه المسألة أن المسلم الطاهر من الجنابة إذا اعتاد المرور في المسجد لينظر ما فيه من العبادة أو قرآن أو ذكر أو ليذكره بالصلاة لا يأثم ولا يفسق وقولهم "معتاد المرور يأثم ويفسق" محمول على ما إذا اعتاد ذلك من غير استحلال الدخول, أو جعله طريقا من غير ضرورة والدليل على هذا التفصيل وصفه بالإثم والفسق ا هـ.
قال محمد رحمه الله تعالى: يكره الأكل والشرب في أواني المشركين قبل الغسل ومع هذا لو أكل أو شرب فيها جاز إذا لم يعلم بنجاسة الأواني وإذا علم حرم ذلك عليه قبل الغسل, والصلاة في ثيابهم على هذا التفصيل ولا بأس بطعام اليهود والنصارى من أهل الحرب ولا فرق بين أن يكونوا من بني إسرائيل أو من نصارى العرب ولا بأس بطعام المجوس كلها إلا الذبيحة وفي التتمة يكره للمسلم دخول البيعة والكنيسة ; لأنها مجمع الشياطين. ا هـ..
قال رحمه الله. "وعيادته" يعني تجوز عيادة الذمي المريض لما روي أن يهوديا مرض بجوار النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "قوموا بنا نعود جارنا اليهودي" فقاموا ودخل النبي صلى الله عليه وسلم وقعد عند رأسه, وقال

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكر نحوه الزيلعي في نصب الراية "4/270".

 

 ج / 8 ص -410-     وخصي البهائم
______
له:
"قل أشهد أن لا إله إلا الله, وأن محمدا رسول الله" فنظر المريض إلى أبيه فقال أجبه فنطق بالشهادة فقال صلى الله عليه وسلم: "الحمد لله الذي أنقذ بي نسمة من النار"1 الحديث ولأن العيادة نوع من البر وهي من محاسن الإسلام فلا بأس بها ويرد السلام على الذمي ولا يزده على قوله وعليك ; لأنه عليه الصلاة والسلام لم يزده على ذلك ولا يبدؤه بالسلام ; لأن فيه تعظيما له فإن كان له إليه حاجة فلا بأس ببداءته, ولا يدعو له بالمغفرة ويدعو له بالهدى ولو دعا له بطول العمر قيل: يجوز ; لأن فيه نفعا للمسلمين بالجزية وقيل: لا يجوز وعلى هذا الدعاء بالعافية, وهذا إذا كان من أهل الكتاب ولو كان مجوسيا لا يعوده ; لأنه أبعد عن الإسلام وقيل: يعوده لأن فيه إظهار محاسن الإسلام وترغيبه فيه واختلفوا في عيادة الفاسق والأصح أنه لا بأس به ; لأنه مسلم والعيادة في حق المسلمين وإذا مات الكافر قيل لوالده أو لقريبه في تعزيته "أخلف الله عليك خيرا منه, وأصلحك ورزقك ولدا مسلما" ; لأن الجزية تطهر, ويقول في تعزية المسلم: أعظم الله أجرك, وأحسن عزاءك ورحم ميتك, وأكثر عددك
وفي النوازل: ولا بأس بأن يصل الرجل المسلم المشرك قريبا كان أو بعيدا محاربا كان أو ذميا, وأراد بالمحارب المستأمن فأما إذا كان غير مستأمن فلا ينبغي له أن يصله بشيء وفي الذخيرة إذا كان حربيا في دار الحرب وكان الحال حال صلح فلا بأس بأن يصله واختلفوا هل يكره لنا أن نقبل هدية المشرك أو لا نقبل, ذكر فيه قولان وفي فتاوى أهل سمرقند: مسلم دعاه نصراني إلى داره ضيفا حل له أن يذهب معه وفي النوازل المجوسي أو النصراني إذا دعا رجلا إلى طعام تكره الإجابة وإن قال اشتريت اللحم من السوق فإن كان الداعي يهوديا فلا بأس.
قال رحمه الله "وخصي البهائم" يعني يجوز لأنه عليه الصلاة والسلام ضحى بكبشين أملحين موجوءين.2 والموجوء هو الخصي ولأن لحمه يطيب به, ويترك النكاح فكان حسنا ولك أن تقول الدليل لا يفيد جواز الفعل وإنما يفيد جواز التضحية به ولا يلزم من جواز التضحية جواز الفعل. والجواب أن البهائم كانت تكثر في زمنه صلى الله عليه وسلم فتكوى بالنار لأجل المنفعة للمالك فكذا يجوز هذا الفعل لتعود المنفعة للمالك وفي الصحاح جمع خصي هو خصا بكسر الخاء والرجل خصي وخصية ا هـ. قال العيني والخصيان بضم الخاء جمع خصي وفي المحيط أن الأصل إيصال الألم إلى الحيوان لمصلحة تعود إلى الحيوان يجوز ولا بأس بكي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في نصب الراية "4/272".
2 الحديث: تقدم تخريجه.

 

 ج / 8 ص -411-     ...........................................
______
البهائم للعلامة ويكره كسب الخصي من بني آدم, وقتل النملة قيل لا بأس به مطلقا وقيل إن بدأت بالأذى فلا بأس به وإن لم تبتدئ يكره وهو المختار ويكره إلقاؤها في الماء وقتل القملة يجوز بكل حال. قرية فيها كلاب كثيرة ولأهل القرية منها ضرر يؤمر أرباب الكلاب بأن يقتلوا كلابهم ; لأن دفع الضرر واجب وإن أبوا ألزمهم القاضي ولا ينبغي أن يتخذ في بيته كلبا إلا كلب الحراسة. الهرة إذا كانت مؤذية يذبحها بالسكين ويكره ضربها وفرك أذنها. ا هـ.
وأطلق المؤلف في البهائم فشمل الخيل وفي الخانية ويكره خصي الفرس وذكر شمس الأئمة في شرحه أن خصي الفرس حرام ا هـ.
وفي الخانية لا بأس بثقب أذن الطفل ا هـ. وفي النوازل يقلم الظفر يوم الجمعة لقوله عليه الصلاة والسلام:
"من قلم أظافيره يوم الجمعة أعاذه الله من البلاء إلى الجمعة الأخرى"1 وزيادة ثلاثة أيام ولو قلم أظافيره أو جز شعره يجب أن يدفن وإن رماه فلا بأس به وإن رماه في الكنيف أو المغتسل فهو مكروه وفي الفتاوى العتابية يدفن أربعة الظفر والشعر وخرقة الحيض والدم وينبغي للرجل أن يأخذ من شاربه حتى يوازي الطرف العليا من الشفة ويصير مثل الحاجب وهذا كله إذا لم يكن في دار الحرب فإن كان في دار الحرب يندب تطويل الأظفار ويندب تطويل الشعر ليكون أهيب في عين العدو وفي التتمة حلق شعر صدره وظهره فيه ترك الأدب وفي الملتقط يقبض على لحيته فإن زاد على قبضة جزه ولا بأس إذا طالت لحيته أن يأخذ من أطرافها وفي المضمرات: ولا بأس بأن يأخذ الحاجبين وشعر وجهه ما لم يشبه المخنث وفي الذخيرة ولا بأس للرجل أن يحلق وسط رأسه ويرسل شعره من غير أن يفتله فإن فتله فهو مكروه لأنه يشبه بعض الكفرة وإذا حلقت المرأة شعر رأسها فإن كان لوجع أصابها فلا بأس به وإن حلقت تشبه الرجال فهو مكروه وإذا وصلت شعرها بشعر غيرها فهو مكروه واختلفوا في جواز الصلاة منها في هذه, والمختار أنه يجوز وإن لم يكن للعبد شعر في لحيته فلا بأس للتجار أن يشعروا على جبهته ; لأنه يوجب زيادة في القيمة وفي جامع الجوامع حلق العانة بيده وإن حلق الحجام جاز إذا غض بصره ويجوز للمرأة أن تلقي الأذى عن وجهها ا هـ.
وفي النوادر: امرأة حامل اعترض الولد في بطنها ولا يمكن إلا بقطعه أرباعا ولو لم يفعل ذلك يخاف على أمه من الموت فإن كان الولد ميتا في البطن فلا بأس به وإن كان حيا لا يجوز ; لأن إحياء نفس بقتل نفس أخرى لم يرد في الشرع. امرأة حامل ماتت فاضطرب الولد في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد "2/171".

 

 ج / 8 ص -412-     ...........................................
______
بطنها فإن كان أكبر رأيه أنه حي يشق بطنها ; لأن ذلك تسبب في إحياء نفس محترمة بترك تعظيم الميت فالإحياء أولى ويشق بطنها من الجانب الأيسر ولو لم يشق بطنها حتى دفنت ورئيت في المنام أنها قالت: ولدت لا ينبش القبر ; لأن الظاهر أنها ولدت ولدا ميتا. امرأة عالجت في إسقاط ولدها لا تأثم ما لم يستبن شيء من خلقه. وعن محمد رجل ابتلع درة أو دنانير لآخر فمات المبتلع ولم يترك مالا فعليه القيمة ولا يشق بطنه ; لأنه لا يجوز إبطال حرمة الميت لأجل الأموال ولا كذلك المسألة المتقدمة ونقل الجرجاني شق بطنه للحال ; لأن حق الآدمي مقدم على حق الله تعالى إن كان حرمة الميت حقا لله تعالى وإن كان حق الميت فحق الآدمي الحي مقدم على حق الميت لاحتياج الحي إلى حقه. نعامة ابتلعت لؤلؤة للغير أو دخل قرن شاة في قدر الباقلاني وتعذر إخراجه ينظر إلى أيهما أكثر قيمة فيقدم على غيره ولذا لو دخلت دابة في دار ولا يمكن إخراجها إلا بهدم الدار ينظر إلى أيهما أكثر قيمة فيقدم على غيره فيهدم الآخر أو تذبح ولا بأس بإلقاء النيلق في الشمس لتموت الديدان التي فيه ; لأن فيه منفعة الناس
قال محمد في السير الكبير لا بأس بالتداوي بالعظم إذا كان عظم شاة أو بقر أو بعير أو فرس أو غيره من الدواب إلا عظم الخنزير والآدمي فإنه لا يمكن التداوي بهما ولا فرق فيما يجوز بين أن تكون ذكيا أو ميتا رطبا أو يابسا.
وفي الذخيرة رجل سقط سنه فأخذ سن الكلب فوضعه في موضع سنه فثبتت لا يجوز ولا يقطع ولو أعاد سنه ثانيا وثبت قال: ينظر إن كان يمكن قلع سن الكلب بغير ضرر يقلع وإن كان لا يمكن إلا بضرر لا يقلع وفي التتمة يتخذ الدواء من الضفدع ولو أكلت المرأة شيئا لسمن نفسها لزوجها لا بأس به وفي النوازل مرض الرجل فقال له الطبيب: أخرج الدم فلم يخرجه حتى مات لا يكون مأجورا ولو ترك الدواء حتى مات لا يأثم وفي الخلاصة صام وهو غير قادر على الصيام حتى مات أثم وفي الخانية جامع ولم يأكل وهو قادر على الأكل كان آثما فرض عليه أن يأكل مقدار قوته. التداوي بالخمر إذا أخبره طبيب حاذق أن الشفاء فيه جاز فصار حلالا وخرج عن قوله صلى الله عليه وسلم: "
لم يجعل الله شفاء أمتي فيما حرم عليهم"1 لأنه صار كالمضطر وفي النوازل رجل أدخل المرارة في أصابعه للتداوي قال أبو حنيفة يكره وقال أبو يوسف يجوز والفقيه أبو الليث اختار قول أبي يوسف, وفي الخانية وعلى هذا الخلاف شرب بول ما يؤكل لحمه للتداوي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره القرطبي في تفسيره "2/231".

 

 ج / 8 ص -413-     وإنزاء الحمير على الخيل وقبول هدية العبد التاجر وإجابة دعوته واستعارة دابته و كره كسوته الثوب وهديته النقدين
______
وفي النوازل العجين إذا وضع على الجرح للتداوي وعرف أن التداوي به لا بأس به وفي السراجية وتعليق الحجاب لا بأس به وينزعه عند الخلاء والقربان وأفتى بعضهم بأن هذا فعل العوام والجهال. الاكتحال في يوم عاشوراء لا بأس به, ضرب الدفاف على الأبواب أيام النيروز لا يحل بل هو مكروه وفي الغياثية الحجامة بعد نصف الشهر حسن نافع جدا ويكره قبل نصف الشهر وفي فتاوى أهل سمرقند إذا عزل الرجل عن امرأته بغير رضاها في هذا الزمن لخوف سوء الولد لا بأس به.
قال رحمه الله "وإنزاء الحمير على الخيل" لأنه عليه الصلاة والسلام ركب البغل واقتناه. ولو حرم لما فعل ولأن فيه فتح بابه وما ورد فيه من النهي كان لأجل تكثير الخيل ولا يخفى أن الدليل لا يفيد المدعى لأن غايته أن يفيد جواز الركوب ولا يلزم منه جواز الإنزاء والجواب لما كان هذا الفعل في زمنه ظاهرا والظاهر أنه بلغه ولم ينه عنه دل على الجواز.
قال: رحمه الله "وقبول هدية العبد التاجر وإجابة دعوته واستعارة دابته و كره كسوته الثوب وهديته النقدين" يعني يجوز قبول هديته إلى آخر ما ذكر ويكره كسوته الثوب وهديته النقدين وهذا هو الاستحسان والقياس أن لا يجوز الكل ; لأنه تبرع والعبد ليس من أهله لكن جوز ما ذكر لتعامل الناس به وقبوله صلى الله عليه وسلم هدية سلمان الفارسي قبل عتقه.1 وقبل هدية بريرة وقال
"هو لها صدقة ولنا هدية"2 لا يقال هذا الحكم قد علم مما ذكر في كتاب المأذون لأنا نقول: هو كذلك لكن ذكر هنا بطريق الاستطراد لأن هذا محل بيان ما يجوز وما يكره, ويكره للمقرض أن يقبل هدية من أقرضه إذا كانت مشروطة في القرض أو يعلم إنما أهداها لأجل القرض ولو لم يكن مشروطا ولم يعلم أنه لأجل الدين لم يكره,
وأما هدايا الأمراء في زماننا قال الشيخ محمد بن الفضل: ترد على أربابها وقال الإمام أبو بكر محمد بن حامد توضع في بيت المال, وذكر محمد بن الفضل أن المذهب وضعها في بيت المال لكن تركت ذلك خوفا أن يصرفها الأمراء إلى شهوات ولهوات وكان الشيخ أبو القاسم الحكيم يقبل هدية السلطان ويأخذها فقيل له أيحل أن نقبل هديته قال: إن خلطتها بدراهم أخر فلا بأس به وإن كان غير المغصوب من غير خلط لم يجز وفي النوازل إذا ناول لقمة من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في نصب الراية "4/275".
2 أخرجه البخاري في الفرائض، باب الولاء لمن أعتق وميراث اللقيط، "6751"، ومسلم في العتق، باب إنما الولاء لمن أعتق. "1504".

 

 ج / 8 ص -414-     واستخدام الخصي والدعاء بمعقد العز من عرشك
______
الطعام لغيره يعتبر في ذلك تعامل الناس فإن علم أن رب الطعام يرضى بذلك حل وإن علم أنه لا يرضى بذلك حرم
وفي الخلاصة لو ناول الخادم الذي على رأس المائدة جاز, وأما رفع الطعام من بيته لمكان آخر فلا يحل إلا أن يأذن له صاحب الطعام في ذلك ويستحب للضيف أن يجلس حيث يجلس ويرضى بما قدم له, وأن لا يقوم إلا بإذن صاحب البيت, وأن يدعو له إذا خرج من بيته, ولا يكثر صاحب المنزل السكوت عن الأضياف, ويستحب أن يخدم الضيف بنفسه لما روي عن قصة إبراهيم عليه السلام وفي الخانية لأب الصغير أن يهدي لمعلمه شيئا في الأعياد, ويستحب أن يأكل ما سقط من المائدة.
قال رحمه الله "واستخدام الخصي" أي يكره استخدامه ; لأن فيه تحريض الناس على الخصي وهو مثلة وحرام وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وقدمنا شيئا من أحكامه في الكلام على خصي البهائم.
قال رحمه الله "والدعاء بمعقد العز من عرشك" وفيها عبارتان بمعقد وبمقعد فالأولى من العقد والثانية من العقود تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فإنه يوهم أن عزه متعلق بالعرش والعرش حادث وما تعلق به يكون حادثا ضرورة والله سبحانه وتعالى عال عن صفات الحدوث بل عزه قديم, وأورد عليه بعض المتأخرين أن حدوث تعلق صفته تعالى بشيء حادث لا يوجب حدوث تلك الصفة لعدم توقفها على ذلك التعلق فإن صفة العز ثابتة لها أزلا وأبدا, وعدم تعلقه بالعرش الحادث قبل خلعه لا يستلزم انتفاء عزه ولا نقصانا فيه كما أن تعلق كمال قدرته في هذا العالم العجيب الصنع قبل خلقه لا يوجب عدم قدرته أو نقصا فيه وبالجملة التعلقات الحادثة بظاهر الصفات لا مبادي لها ولك أن تجيب عن ذلك بأن مشايخنا إنما هربوا عنه ليس إلا لإيهام مطلق تعلق عزه بالمحدث, إذ قد تقرر في أصول الدين أن ظهور المحدثات كلها وبروزها من العدم إلى دائرة الوجود بحسب تعلق إرادة الله وقدرته بذلك والحدوث إنما هو في التعلقات دون أصل الصفات وإنما مرادهم بما هربوا عنه إيهام تعلق عز الله تعالى بالمحدث تعلقا خاصا وهو أن يكون ذلك المحدث مبتدأ أو منشأ لعزة الله تعالى كما يوهم كلمة "من" في عرشه ولا شك أن التعلق بالمحدث على الوجه الخاص المذكور غير متصور في عزة الله تعالى ولا في صفة من صفات الله تعالى أصلا قال أبو يوسف لا بأس أن يقول ذلك في دعائه وبه أخذ الفقيه أبو الليث ; لأنه ورد أنه عليه الصلاة والسلام كان يقول:
"أسألك بمقعد العز من عرشك"1

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في نصب الراية "4/272".

 

 ج / 8 ص -415-     ...........................................
______
والاحتياط الامتناع عن ذلك لكونه خبر واحد مخالف للقطعي. رجل ذكر الله في مجلس الفسق, وأراد بذلك أن يشتغل بالتسبيح عما هم فيه فهو أحسن, وأفضل. وفي الخلاصة ويثاب كمن سبح الله تعالى في السوق, وأراد بذلك أن الناس يشتغلون بأمر الدنيا وهو يشتغل بالتسبيح ولو فتح التاجر السلعة فصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وأراد بذلك إعلام المشتري جودة ثوبه فذلك مكروه بخلاف العالم إذا قال في علمه صلوا على النبي صلى الله عليه وسلم أو قال قارئ القوم كبروا حيث يثاب وفي الخلاصة الفقيه هل يصلي صلاة التسبيح؟ قال: ذلك طاعة العامة, قيل له: فلان الفقيه يصليها قال هو عندي من العامة
وفي الغياثية وردت الأخبار بتفضيل بعض السور والآيات على بعض كآية الكرسي ونحوها واختلفوا في معنى الأفضل قال بعض: إن ثواب قراءتها أفضل وقيل بأنها للقلب أيقظ وهذا أقرب إلى الصواب والأفضل أن لا يفضل بعض القرآن على بعض, كره بعض المشايخ التصدق على الذي يقرأ القرآن في الأسواق زجرا له, والتسبيح والتهليل من الذي يسأل في الأسواق نظير القرآن ويكره التصدق على الذي يسأل الناس في المساجد زجرا له ويكره أن يقرأ القرآن في المخرج والمغتسل والحمام وموضع النجاسات وفي المسلخ والمذبح إلا حرفا.
وفي النوازل: قراءة القرآن عند المقابر إذا أخفاها لا يكره وإن جهر بها يكره والشيخ محمد بن إبراهيم قال لا بأس أن يقرأ سورة الملك على المقابر سواء أخفاها أو جهر بها أما غيرها فلا يقرؤها لورود الآثار بسورة الملك وعن أبي بكر بن أبي سعيد يستحب زيارة القبر وقراءة سورة الإخلاص سبع مرات فإن كان الميت غير مغفور له غفر له وإن كان مغفورا له غفر لهذا القارئ ووهبت ذنوبه للميت وفي التتارخانية: رجل مات فأجلس وارثه رجلا على قبره يقرأ القرآن قال بعضهم يكره والمختار أنه لا يكره والأشبه أنه ينتفع الميت وفي الخانية أن قراءة القرآن عند القبور إن نوى أن يؤانسهم بصوته يقرأ وإن لم يقصد ذلك فالله سبحانه وتعالى يسمع القرآن حيث كان قوم يقرءون القرآن في المصاحف, أو رجل دخل عليه واحد فقام له فإن كان عالما أو أباه أو أستاذه الذي علمه القرآن جاز أن يقوم له وغير ذلك لا يجوز وفي فتاوى أهواز1 لا بأس بأن يقرأ القرآن إذا وضع جنبه على الأرض وينبغي أن يضم رجليه عند القراءة, وأن يخرج رأسه إذا غطى رأسه باللحاف وإذا قرأ آية أو سورة فعليه أن يستعيذ بالله, وأن يتبع ذلك بالبسملة قبل القراءة. وفي فتاوى أهل سمرقند إذا كان يقرأ القرآن فسمع المؤذن أنه يرد عليه بقلبه وعن محمد أنه يمضي إلى قراءته ولا يلتفت إليه وفي التتمة سأل الخجندي عن إمام يقرأ مع جماعة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لم أعثر عليها.

 

 ج / 8 ص -416-     وبحق فلان واللعب بالشطرنج والنرد وكل لهو
______
كل غداة بعد فراغ صلاته جاهرا آية الكرسي وشهد الله وآخر سورة البقرة هل يجوز ذلك قال: يجوز والأفضل الإخفاء
قال السغناقي ابن الحنفية قال الدعاء أربعة دعاء رغبة, ودعاء رهبة, ودعاء تضرع, ودعاء خفية ففي دعاء الرغبة يجعل بطون كفيه إلى السماء وفي دعاء الرهبة يجعل ظهورها إلى وجهه كالمستغيث من الشيء وفي دعاء التضرع يعقد الخنصر والبنصر ويحلق الإبهام والوسطى ويشير بالسبابة وفي دعاء الخفية يفعل ما يفعل المرء في نفسه وفي التتمة لا يقول الرجل: أستغفر الله, وأتوب إليه ولكن يقول: أستغفر الله وأسأله التوبة قال أبو جعفر الطحاوي لا بأس به وفي الفتاوى الغياثية وما جاء في الحديث
"اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافرا"1 والمراد والله أعلم كافر النعمة لا كافر الديانة قال الصدر الشهيد وهو الصحيح وفيها قال أبو نصر الدبوسي: وعليه الفتوى ولو أراد أن يصلي ويقرأ القرآن وخاف أن يدخل عليه الرياء لا يترك الصلاة والقراءة لأجل ذلك وكذا في جميع الفرائض وفي التتارخانية وإذا سال الدم من الأنف فكتب الفاتحة بالدم على الفم والوجه جاز للاستشفاء والمعالجة ولو أراد أن يكتب ذلك بالبول لم ينقل ذلك عن المتقدمين وقيل لا بأس به إذا علم به الشفاء.
قال: رحمه الله "وبحق فلان" يعني لا يجوز أن يقول بحق فلان عليك وكذا بحق أنبيائك, وأوليائك ورسلك والبيت والمشعر الحرام لأنه لا حق للمخلوق على الخالق وإنما يخص برحمته من يشاء من غير وجوب عليه ولو قال رجل لغيره: بحق الله أو بالله افعل كذا لا يجب عليه أن يأتي بذلك شرعا ويستحب أن يأتي بذلك وفي التتارخانية وجاء في الآثار ما يدل على جواز ذلك.
قال رحمه الله "واللعب بالشطرنج والنرد وكل لهو" يعني لا يجوز ذلك لقوله عليه الصلاة والسلام "كل لعب ابن آدم حرام إلا ثلاثا ملاعبة الرجل أهله وتأديبه لفرسه ومناضلته لقوسه"2 وأباح الشافعي الشطرنج من غير قمار ولا إخلال بالواجبات ; لأنه يذكي الأفهام, والحجة عليه ما روينا, والأحاديث الواردة في ذلك هي كثيرة شهيرة فتركنا ذكرها لشهرتها
وفي المحيط ويكره اللعب بالشطرنج. والنرد والأربعة عشر ; لأنها لعب اليهود ويكره استماع صوت اللهو والضرب به والواجب على الإنسان أن يجتهد ما أمكن حتى لا يسمع ولا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث: أخرجه أحمد في مسنده "1214".
2 الحديث: تقدم تخريجه.

 

 ج / 8 ص -417-     ...........................................
______
بأس بضرب الدف في العرس وسئل أبو يوسف عن الدف في غير العرس بأن تضرب المرأة في غير فسق للصبي قال لا بأس بذلك
وفي الذخيرة لا بأس بالغناء في الأعياد وفي السراجية وقراءة الأشعار إذا لم يكن فيه ذكر الفسق والغلام لا يكره. وفي الكافي مستأجر الدار إذا ظهر منه الفسق بأن يجمع الناس على شرب الخمر يمنع فإذا لم يمتنع يخرج ولم ير الإمام رحمه الله بالسلام عليه بأسا ليشغله عما هو فيه وكره أبو يوسف السلام تحقيرا له ا هـ. رجل يدعوه الأمير فيسأله عن أشياء فيتكلم بما يوافق الحق يناله منه المكروه لا ينبغي له أن يتكلم إلا بالحق إلا أن يخاف القتل أو إتلاف عضو, وأن يأخذ ماله ولو مر على قوم وفيهم أهل الذمة أو كافر قال بعضهم: يقول: السلام على من اتبع الهدى والصحيح أنه يقول السلام عليكم وينوي المسلمين في قلبه وفي التتارخانية إذا استقبل المسلم أخاه فسلم عليه يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وفي النوازل إذا أتى بيت غيره لا يدخل حتى يؤذن له فإن أذن له يدخل ويسلم عليه ورد السلام واجب واختلفوا في أيهما أفضل البادئ أو الراد الراد أكثر أجرا والأفضل أن يأتي بالواو بأن يقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وفي فتاوى أهواز السلام سنة على الراكب للراجل في طريق عام أو مفازة فإذا التقيا فأفضلهما الأسبق بالسلام فإذا التقى الرجل بالمرأة يبدأ الرجل بالسلام وإن بدأت فيرد عليها السلام إن كانت عجوزا فبلسانه وإن كانت شابة فبالإشارة قال الفقيه أبو الليث: إذا دخل الفقيه على غيره ولم يسلم أثموا وفي الغياثية يكره السلام بالسبابة والسنة أن يسلم عليهم بلفظ الجمع ولو كان المسلم عليه واحدا واختلفوا في السلام على الصبيان قال بعضهم: لا يسلم - وهو قول الحسن, وقال بعضهم: يسلم وهو الأفضل وبه أخذ الفقيه أبو الليث وإذا رد واحد من القوم السلام سقط عن الباقين وفي الصيرفية دخل على زوجته لا يسلم عليها بل هي تسلم عليه فإن لم يكن في البيت أحد فيقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ولو مر على المقابر يقول: السلام عليكم أنتم لنا سلف ونحن لكم تبع ا هـ.
وفي الخانية ويكره أن يسلم على من هو في الخلاء ولا يرد عليه السلام وكذا الآكل والقارئ والمشتغل بالعلم وكذا في الحمام إن كان مكشوف العورة وقال البقالي: إذا قال لآخر: أقرئ فلانا عني السلام يجب عليه أن يفعل. تشميت العاطس إذا كان خارج الصلاة السنة في حق العاطس أن يقول الحمد لله رب العالمين أو على كل حال, ولمن حضر أن يقول: يرحمك الله فيرد عليه العاطس فيقول يغفر الله لك أو يهديك وإذا عطست المرأة فلا بأس بتشميتها إلا أن

 

 ج / 8 ص -418-     وجعل الراية في عنق العبد وحل قيده والحقنة
______
تكون شابة وإذا عطس الرجل فشمتته المرأة فإن كانت عجوزا يرد عليها وإن كانت شابة يرد في قلبه والجواب في هذا كالجواب في السلام.
قال: رحمه الله "وجعل الراية في عنق العبد" أي لا يجوز لك قال الشارح وصورته أن يجعل في عنقه طوقا مسمرا بمسمار عظيم يمنعه أن يحول رأسه وهو معتاد بين الظلمة وهو حرام ; لأن عقوبة الكافر تحرم كالإحراق بالنار وقال عليه الصلاة والسلام
"كل محدث بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار"1 ا هـ. قال في العيون رجل اغتاب أهل قرية لم تكن غيبة حتى يسمي قوما بأعيانهم وفي فتاوى أهل سمرقند ذكر مساوئ أخيه المسلم على وجه الاهتمام به ليس بغيبة وعلى وجه النقص يكون غيبة وإذا كان الرجل يصلي ويؤذي الناس بيده ولسانه لا غيبة في ذكر ما فيه وإذا أعلم السلطان ليزجره فلا إثم عليه واختلف أصحابنا في معنى قوله صلى الله عليه وسلم "لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله تعالى مالا فهو ينفقه في طاعة الله ورجل آتاه الله علما فهو يعلم الناس ويقضي به"2 قال شيخ الإسلام ظاهر الحديث إباحة الحسد في هذين الأمرين لأنه استثناء من المحرم فيكون مباحا وقال غيره: الحسد حرام في هذين كما هو حرام في غيرهما وإنما معنى الحديث لو كان الحسد جائزا لجاز في هذين الأمرين ومعنى الحسد المذموم أن يرى على غيره نعمة فيتمنى زوال تلك النعمة عن ذلك الغير وتمنى ذلك لنفسه أما لو تمنى لنفسه مثلها لا يكون حسدا بل يسمى غبطة ا هـ. وفي النهاية الراية علامة أنه آبق ولا بأس به في زماننا لغلبة الإباق خصوصا في الهنود وكان في زمانهم مكروها لقلة الإباق. ا هـ. وفي السراجية ويكره أن يغل يديه ولو كان الرجل يقوم ويوزع المظالم من الإمام بالعدل والإنصاف كان مأجورا وإن خاف الرجل على نفسه لا بأس به
قال رحمه الله "وحل قيده" يعني جاز قيد العبد احترازا من الإباق والتمرد وهو سنة المسلمين في الفساق.
قال رحمه الله "والحقنة" يعني تجوز للتداوي وجاز أن يظهر إلى ذلك الموضع للضرورة لقوله صلى الله عليه وسلم "
لكل داء دواء وإذا أصبت دواء لداء برئ بإذن الله تعالى"3 رواه مسلم, وأحمد


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث: أخرجه النسائي في صلاة العيدين، باب كيف الخطبة "1578".
2 الحديث: أخرجه البخاري في الاعتصام بالكمتاب والسنة، باب ما جاء في اجتهاد القضاة بما أنزل الله تعالى "7316" ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه وفضل من تعلم حكمة "816".
3 الحديث: أخرجه مسلم في السلام، باب لكل داء دواء واستحباب التداوي "2204" وأحمد في "مسنده" "14187".

 

 ج / 8 ص -419-     ورزق القاضي
______
وقال عليه الصلاة والسلام
"لكل داء دواء إلا الهرم فإنه لا دواء له"1 رواه الترمذي وصححه ومن الناس من كره التداوي لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "يدخل من أمتي سبعون ألفا الجنة بغير حساب وهم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون"2 رواه البخاري ولنا ما قدمنا من الأحاديث ولا جناح على من يتداوى إذا كان يعتقد أن الشافي هو الله تعالى وما ورد من النهي عن الدواء إذا كان يعتقد أن الشفاء من الدواء وهو محل الكراهة قال الشارح ونحن نقول لا يجوز لمثل هذا التداوي ولا فرق بين الرجل والمرأة وإنما يجوز التداوي بالأشياء الطاهرة ولا يجوز بالنجس كالخمر وغيره كما قدمنا والتداوي لا يمنع التوكل ولا بأس بالرقى ; لأنه عليه الصلاة والسلام كان يفعله وما روي من النهي كان محمولا على رقى الجاهلية ; لأنهم كانوا يرقون بألفاظ كفر وما رواه ابن مسعود أنه عليه الصلاة والسلام قال: "الرقى والتمائم والتولة شرك".3 محمول على ما ذكرنا قال الأصمعي التولة ضرب من السحر يحبب المرأة إلى زوجها وعن عائشة رضي الله تعالى عنها كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوذتين فلما مرض صلى الله عليه وسلم المرض الذي مات فيه جعلت أنفث عليه, وأمس جسده بيده ; لأنه أبرك من يدي4.
قال: رحمه الله "ورزق القاضي" يعني وحل رزق القاضي من بيت المال لأن بيت المال أعد لمصالح المسلمين ورزق القاضي منهم ; لأنه حبس نفسه لنفع المسلمين وفرض النبي صلى الله عليه وسلم لعلي لما بعثه إلى اليمن. وكذا الخلفاء من بعده هذا إذا كان بيت المال جمع من حل فإن جمع من حرام وباطل لم يحل ; لأنه مال الغير يجب رده على أربابه ثم إذا كان القاضي محتاجا فله أن يأخذ ليتوصل إلى إقامة حقوق المسلمين ; لأنه لو اشتغل بالكسب لما تفرغ لذلك وإن كان غنيا فله أن يأخذ أيضا وهو الأصح لما ذكرنا من العلة ونظرا لمن يأتي بعده من المحتاجين ولأن رزق القاضي إذا قطع في زمان يقطع الولادة بعد ذلك لمن يتولى بعده هذا إذا أعطوه من غير شرط فلو أعطاه بالشرط كان معاقدة وإجارة لا يحل أخذه لأن القضاء طاعة فلا يجوز أخذ الأجر عليه كسائر الطاعات ا هـ.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرج نحوه الترمذي في سننه "2038" والحاكم في المستدرك "4/219".
2 أخرجه البخاري في الطب، باب من اكتوى أو كوى غيره وفضل من لم يكتو "5705" ومسلم في الإيمان باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب "218".
3 تقدك تخريجه.
4 أخرجه البخاري في المغازي، باب مرض النبي ووفاته "4439"، ومسلم في السلام، باب رقية المريض بالمعوذات والنفص "2192".

 

 ج / 8 ص -420-     وسفر الأمة وأم الولد بلا محرم وشراء ما لا بد للصغير منه وبيعه للعم والأم والملتقط لو في حجرهم
______
ولك أن تقول: يجوز أخذ الأجرة عليه كما قالوا الفتوى على جواز أخذ أجرة على تعليم القرآن وغيره كما تقدم في كتاب الإجارة ولا يقال هذا مكرر مع قول المؤلف: وكفاية القضاة في باب الجزية ; لأنا نقول ذلك باعتبار ما يجوز للإمام دفعه وهذا باعتبار ما يجوز للقاضي تناوله فلا تكرار قال الشارح: وتسميته رزقا يدل على أنه يأخذ منه مقدار كفايته وعيلته وليس له أن يأخذ أزيد من ذلك وقد جرى الرسم بالإعطاء في أول السنة ; لأن الخراج كان يؤخذ في أول السنة وهو يعطى منه وفي زماننا يؤخذ الخراج في آخر السنة والمأخوذ عن السنة الماضية في الصحيح وعليه الفتوى ولو أخذ الرزق في أول السنة ثم عزل قبل مضي السنة, رد ما بقي من السنة وقيل هو على الخلاف في الزوجة على ما بينا. ا هـ..
قال: رحمه الله "وسفر الأمة وأم الولد بلا محرم" يعني يجوز لهما السفر بغير محرم لأن الأمة بمنزلة المحرم لسائر الرجال فيما يرجع إلى النظر والمس على ما بينا وأم الولد والمكاتبة والمدبرة كالأمة لقيام الرق فيهن وكذا معتقة البعض عند الإمام ; لأنها كالمكاتبة عنده وفي الكافي قالوا هذا في زمانهم لغلبة أهل الصلاح أما في زماننا فلا يجوز لغلبة أهل الفساد ومثله في النهاية معزيا إلى شيخ الإسلام. ا هـ
قال: رحمه الله "وشراء ما لا بد للصغير منه وبيعه للعم والأم والملتقط لو في حجرهم" يعني يجوز لهؤلاء الثلاثة أن يشتروا للصغير ويبيعوا ما لا بد منه وذلك مثل النفقة والكسوة ولأنه لو لم يكن لهم ذلك لتضرر الصغير وهو ممنوع, وأصله أن التصرفات على الصغير على ثلاثة أقسام نفع محض فيملكه كل واحد هو في عياله وليا كان أو أجنبيا كالهبة والصدقة ويملكه الصبي بنفسه إذا كان مميزا
ونوع هو ضرر محض كالعتاق والطلاق فلا يملكه عليه أحد ونوع متردد بين النفع والضرر مثل البيع والإجارة للاسترباح فلا يملكه إلا الأب والجد ووصيهما سواء كان الصغير في أيديهم أو لم يكن ; لأنهم يتصرفون عليه بحكم الولاية هكذا في الكافي, واستئجار الظئر من النوع الأول وفيه نوع رابع وهو الإنكاح فيجوز لكل عصبة, ولذوي الأرحام عند عدم العصبات, وقد تقدم بيان ذلك في كتاب النكاح
قال في الهداية وإنما يجوز للملتقط أن يقبض الهبة للصغير إذا كان لا أب له قال في النهاية قوله: لا أب له ليس بشرط لازم في حق هذا الحكم لأنه ذكر في كتاب الهبة في صغيرة

 

 ج / 8 ص -421-     وتؤجره أمه فقط
______
لها زوج هي عنده يعولها ولها أب فوهب لها جاز لزوجها أن يقبض الهبة لقيام ولايته عليها بالعول فثبت أن الأب ليس بلازم كذا ذكره فخر الإسلام وإنما هو قيد اتفاقي ولك أن تقول: إن قول الكل ليس بصحيح, إذ الثابت في كتاب الهبة إنما هو ليس بلازم في جواز قبض زوج الصغيرة الهبة لها إذا كانت عنده يعولها لتفويض الأب ذلك له لا أن عدم الأب ليس بلازم مطلقا فيما نحن فيه, وهو جواز قبض الملتقط الهبة والصدقة لتحقق الفرق بين زوج الصغيرة الذي فوض له الأب أمرها وبين غيره فلا يملكون ذلك إلا بعد موت الأب وقال بعض المتأخرين: المراد بقول صاحب الهداية لا أب له يعني أبا معروفا وإن كان له أب في قيد الحياة فالحق عندي أن قوله لا أب له قيد احترازي عن اللقيط إذا كان له أب حاضر لا يجوز للملتقط أن يقبض الهبة للصغير ا هـ.
قال رحمه الله "وتؤجره أمه فقط" معناه أن الصغير لا يؤجره أحد من هؤلاء الثلاثة إلا الأم فإنها تؤجره إذا كان في حجرها ولا يملكه هؤلاء وهي رواية الجامع الصغير وفي رواية القدوري يجوز أن يؤجره الملتقط ويسلمه في صناعة فجعله من النوع الأول وهذا أقرب فلو أجر الصبي نفسه لا يجوز ; لأنه مشوب بالضرر إلا إذا فرغ من العمل ; لأنه نفع محض بعد الفراغ فيجب المسمى وهو نظير العبد المحجور إذا أجر نفسه وقد ذكرناه من قبل فإن كان الصغير في يد العم فأجرته أمه يجوز ; لأنه من الحفظ وهو قول أبي يوسف, وقال محمد: لا يجوز ا هـ. والله تعالى أعلم.