البحر الرائق شرح كنز الدقائق ط احياء التراث
ج / 8 ص -437-
كتاب الأشربة
الشراب ما يسكر والمحرم
منها أربعة: الخمر وهي النيء من ماء العنب إذا
غلى واشتد وقذف بالزبد وحرم قليلها وكثيرها
______
كتاب الأشربة
ذكر الأشربة بعد الشرب ; لأنهما شعبتا عرف
واحد لفظا ومعنى فاللفظي هو الشرب مصدر شرب,
والعرف المعنوي هو معنى لفظ الشرب الذي هو
مصدر شرب فإن كلا منهما مشتق من ذلك المصدر
ولا بد في الاشتقاق من التناسب بين المشتق
والمشتق منه في اللفظ والمعنى قال في العناية:
ومن محاسن ذكر الأشربة بيان حرمتها, إذ الشبهة
في حسن تحريم ما يزيل العقل الذي يحصل به
معرفة شكر المنعم فإن قيل: لماذا حل للأمم
السابقة مع احتياجهم إلى العقل أجيب بأن السكر
حرام في جميع الأديان وحرم شرب القليل من
الخمر علينا كرامة من الله علينا لئلا يؤدي
إلى المحظور بأن يدعو القليل إلى الكثير, ونحن
مشهود لنا بالخيرية فإن قيل هلا حرمت علينا
النبيذ والداعي المذكور موجود أجيب بأن
الشهادة بالخيرية لم تكن, إذ ذاك وإنما يتدرج
الضاري لئلا يتعداه من الإسلام كذا في العناية
بأن ينفر من الإسلام. ا هـ. وأضيف هذا الكتاب
إلى الأشربة والحال أن الأشربة جمع شراب وهو
اسم في اللغة لكل ما يشرب من المائعات حراما
كان أو حلالا وفي استعمال أهل الشرع اسم لما
هو حرام منه وكان مسكرا لما في هذا الكتاب من
بيان حكم الأشربة كما سمى كتاب الحدود لما فيه
من بيان حكم الحدود وفي التلويح وفي أوائل
القسم الثاني أن إضافة الحل والحرمة إلى
الأعيان حقيقة لا مجاز ولا يخفى أنه يحتاج إلى
تفسير الأشربة لغة وشرعا - وقد تقدم -, وإلى
بيان الأعيان التي تتخذ منها الأشربة,
وأسمائها وسيأتي بيان ذلك ا هـ.
قال رحمه الله "الشراب ما يسكر" هذا في اصطلاح
الفقهاء لقوله عليه الصلاة والسلام "كل مسكر
حرام" وهذا معناه.
قال رحمه الله "والمحرم منها أربعة: الخمر وهي
النيء من ماء العنب إذا غلى واشتد وقذف بالزبد
وحرم قليلها وكثيرها" وقال بعضهم كل مسكر خمر
لقوله عليه الصلاة والسلام:
ج / 8 ص -438-
والطلاء وهو العصير إن طبخ حتى ذهب أقل من
ثلثيه
______
"كل مسكر خمر"1 رواه مسلم ولقوله عليه الصلاة والسلام:
"الخمر من هاتين النخلة والعنبة"2 رواه مسلم, وأبو داود ولأنها سميت خمرا لمخامرة العقل وكل مسكر
يخامر العقل ولنا إجماع أهل اللغة على حقيقته
في النيء من ماء العنب وتسمية غيرها بالخمر
مجازا وعليه يحمل الحديث المتقدم كذا في
الشارح وفيه نظر ; لأنه نقل في القاموس: الخمر
ما يسكر من عصير العنب أو عام قال: والعموم
أصح وأيضا الحديث محمول على بيان الحكم ; لأنه
عليه الصلاة والسلام بعث لبيان الأحكام لا
لبيان الحقيقة اللغوية والتعريف المذكور للخمر
هو قول الإمام وعندهما إذا اشتد صار خمرا ولا
يشترط فيه القذف بالزبد ; لأن اللذة تحصل به
وهو المؤثر في إيقاع العداوة والصد عن الصلاة
وله أن الغليان بداية الشدة, وكماله بقذف
الزبد. والكلام فيه في مواضع: أحدها في بيان
ماهيته, والثاني وقت ثبوت هذا الاسم - وقد
تقدما -, والثالث أن عينه حرام غير معلول
بالسكر بخلاف غيره من الأشربة فإنه معلول
بالسكر ومن الناس من يقول غير المسكر منها ليس
بحرام كغيره من الأشربة فإنه معلول بالسكر ;
لأن الفساد لا يحصل إلا به, وهذا كفر لأنه
مخالف الكتاب والسنة والإجماع, والرابع أنها
نجسة العين نجاسة غليظة كالبول والغائط,
والخامس أن مستحلها يكفر لإنكاره الدليل
القطعي, والسادس سقوط تقويمها في حق المسلم
حتى لا يضمن متلفها, السابع لا يجوز بيعها
لقوله صلى الله عليه وسلم:
"إن الذي حرم شربها حرم بيعها"3
رواه مسلم, والثامن أنه يحد شاربها وإن لم
يسكر, والتاسع أن الطبخ لا يؤثر فيها لأنه لا
يمنع من ثبوت الحرمة لا لرفعها بعد ثبوتها,
والعاشر جواز تحليلها على ما يجيء من قريب إن
شاء الله تعالى وفي الكافي ولا يحل أن يسقيه
ذميا أو صبيا أو دابة وفي الخانية ويكره
الاكتحال بالخمر وأن يجعله في السعوط وفي
الأصل لو عجن الدقيق بالخمر كره أكله والحنطة
إذا وقعت في الخمر يكره أكلها قبل الغسل ولو
انتفخت الحنطة في الخمر قال محمد: لا تطهر قبل
الغسل وقال أبو يوسف تغسل ثلاث مرات وتجفف في
كل مرة فتطهر وعلى هذا الخلاف إذا طبخ اللحم
في الخمر فهو على هذا الخلاف وفي الخلاصة لو
طبخ الخمر بالماء, والماء أقل أو سواء يحد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث: أخرجه مسلم في الأشربة، باب بيان أن
كل مسكر خمر "2003"، والنسائي في الأشربة، باب
إثبات اسم الخمر بكل مسكر من الأشربة "5582".
2 الحديث: أخرجه مسلم في الأشربة، باب بيان أ،
جميع ما ينفذ مما يتخذ من النخل والعنب
"1985"، والترمذي في الأشربة عن رسول الله باب
ما جاء في الحبوب التي يتخذ منها الخمر
"1875".
3 الحديث: أخرجه مسلم في المساقاة، باب تحريم
بيع الخمر "1579"، والنسائي في البيوع، باب
بيع الخمر "4664".
ج / 8 ص -439-
والسكر وهو النيء من ماء الرطب ونقيع الزبيب
وهو النيء من ماء الزبيب
______
شاربه وإن كان الماء أكثر لا يحد إلا ذا سكر
وفي الكافي واختلفوا في سقوط ماليتها والصحيح
أنها مال ا هـ.
قال رحمه الله "والطلاء وهو العصير إن طبخ حتى
ذهب أقل من ثلثيه" وهذا النوع الثاني قال في
المحيط: الطلاء اسم للمثلث وهو ما طبخ من ماء
العنب حتى ذهب ثلثاه وبقي ثلثه وصار مسكرا وهو
الصواب وإنما سمي طلاء لقول عمر ما أشبه هذا
بطلاء البعير وهو النفط الذي يطلى به البعير
إذا كان أجرب, ونجاسته قيل مغلظة وقيل مخففة
وهو ظاهر الرواية وإن طبخ حتى ذهب أكثر من
نصفه فحكمه حكم الباذق والمنصف في ظاهر
الرواية وفي الظهيرية ويجوز بيع الباذق
والمنصف والمسكر ونقيع الزبيب ويضمن متلفهم في
قول الإمام خلافا لهما والفتوى على قولهما ا
هـ. وفي الينابيع الطلاء ما يطبخ من عصير
العنب في نار أو شمس حتى ذهب ثلثاه وبقي ثلثه
وهو عصير محض فإن كان فيه شيء من الماء حتى
ذهب ثلثاه بقي المجموع من الماء والعصير. ا
هـ. وفي الهداية ويسمى الطلاء الباذق أيضا
سواء كان الذاهب قليلا أو كثيرا, والمنصف ما
ذهب نصفه وبقي نصفه وكل ذلك حرام ا هـ. وعندنا
إذا غلى واشتد بالزبد وإذا اشتد ولم يقذف
بالزبد فهو على الخلاف بين الإمام وصاحبيه كما
تقدم.
قال: رحمه الله "والسكر وهو النيء من ماء
الرطب" وهذا هو النوع الثالث من الأشربة
المحرمة. مشتق من سكرت الريح إذا سكنت وإنما
يحرم إذا قذفت بالزبد وقبله حلال وقال شريك بن
عبد الله هو حلال وإذا قذف بالزبد لقوله تعالى
{تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً} [النحل: من الآية67] امتن علينا به والامتنان لا يكون بالمحرم ولنا
ما روينا, والآية محمولة على الابتداء حين
كانت الأشربة مباحة وقيل أريد بها التوبيخ
ومعناها والله أعلم تتخذون منه سكرا وتدعونه
رزقا حسنا والثاني الفضيخ وهو النيء من البسر
المذنب إذا غلى واشتد وقذف بالزبد فإنه اسم
مشتق من الفضخ وهو الكسر يقال انفضخ سنام
البعير أي انكسر من الحمل فلما كان البسر
ينكسر لاستخراج الماء منه سمي الماء المستخرج
بعد الفضخ كذا في المحيط.
قال رحمه الله: "ونقيع الزبيب وهو النيء من
ماء الزبيب" وهو الرابع من الأشربة المحرمة
إذا اشتد لما قدمنا ثم حرمة هذه الأشياء دون
حرمة الخمر حتى لا يكفر مستحلها, ولا يجب الحد
بشربها, ونجاستها خفيفة ويضمن متلفها عند
الإمام على ما بينا في الغصب وعن أبي يوسف
يجوز بيعها إذا كان الذاهب بالطبخ أكثر من
النصف ولقائل أن يقول من هذه الأشربة نقيع
التمر وهو
ج / 8 ص -440-
والكل حرام إذا غلى واشتد وحرمتها دون حرمة
الخمر فلا يكفر مستحلها بخلاف الخمر والحلال
منها أربعة نبيذ التمر والزبيب إذا طبخ أدنى
طبخة وإن اشتد إذا شرب ما لا يسكر بلا لهو
وطرب والخليطان وينبذ العسل والتين والبر
والشعير
______
السكر وقد استدللنا على حرمته بإجماع الصحابة
وقد تقرر أن الإجماع دليل قطعي فيكفر مستحلها
فكيف قلتم لا يكفر مستحلها ويجاب بأنه قد يكون
نقل الإجماع بطريق الآحاد فلا يفيد القطع,
والمنقول في حرمة السكر من هذا القبيل
وفي المحيط ونقيع الزبيب نوعان وهو أن ينقع
الزبيب في الماء حتى خرجت حلاوته إلى الماء ثم
اشتد وغلى وقذف بالزبد والثاني وهو النيء من
ماء العنب إذا طبخ أدنى طبخة وغلى واشتد وفي
الخانية نقيع الزبيب ما دام حلوا يحل شربه وإن
غلى واشتد وقذف بالزبد يحرم قليله وكثيره وهو
قول محمد وبه أخذ الفقيه أبو الليث وفي
السراجية وإذا أراد الرجل يشرب النبيذ أو يشرب
السكر فأول قدح منه حرام والنفوذ حرام والمشي
إليه حرام.
قال رحمه الله: "والكل حرام إذا غلى واشتد
وحرمتها دون حرمة الخمر فلا يكفر مستحلها
بخلاف الخمر" وقد بينا أحكامها فيما تقدم
قال رحمه الله "والحلال منها أربعة نبيذ التمر
والزبيب إذا طبخ أدنى طبخة وإن اشتد إذا شرب
ما لا يسكر بلا لهو وطرب" يعني "هذيان" وهذا
المعنى ما رواه مسلم نهى رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن التمر والزبيب أن يخلط بينهما في
الانتباذ, الحديث إلى
"أن قال من شربه منكم فليشربه زبيبا أو تمرا
فردا أو بسرا فردا".1 وهذا محمول على المطبوخ منه لأن غير المطبوخ منه حرام بالإجماع,
قال رحمه الله: "والخليطان" وهو أن يجمع بين
التمر والزبيب في الماء ويشرب ذلك وهو حلو
يعني حلالا لما روي عن عائشة رضي الله عنها
أنها قالت كنا ننتبذ لرسول الله صلى الله عليه
وسلم القبضة من التمر والقبضة من الزبيب ثم
نصب عليه الماء فننبذه غدوة فيشربه عشية وعشية
فيشربه غدوة2.
قال رحمه الله: "وينبذ العسل والتين والبر
والشعير" يعني هو حلال لقوله صلى الله عليه
وسلم: "الخمر
من هاتين الشجرتين"3 يعني
العنب والنخل ولا يشترط فيه الطبخ ; لأن قليله
لا يفضي إلى كثيره كيفما كان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث: أخرجه مسلم في الأشربة، باب كراهة
انتباذ التمر والزبيب مخلوطين "1987".
2 الحديث: أخرجه ابن ماجة في الأشربة، باب صفة
النبيذ وشربه "3398"، وأحمد في "مسنده"
"23678".
3 الحديث تقدم تخريجه.
ج / 8 ص -441-
والمثلث
______
قال رحمه الله: "والمثلث" وهذا هو الرابع وهو
ما طبخ من ماء العنب حتى ذهب ثلثاه وبقي ثلثه,
والقول بالحل في هذه الأربعة قول الإمام
والثاني, وقال محمد: كل ما يسكر كثيره قليله
حرام. لقوله صلى الله عليه وسلم: "كل مسكر خمر وكل خمر حرام"1 رواه مسلم فعلى قولهم لا يحد شاربه وإذا سكر منه وطلق لا يقع
طلاقه بمنزلة النائم وذاهب العقل بالبنج ولبن
الرماك وعلى قول محمد لكثرة الفساد فيحد
الشارب إذا سكر من هذه الأنبذة المذكورة
والمتخذ من لبن الرماك لا يحل شربه وفي
الهداية الأصح أنه يحد على قولهما إذا سكر في
هذه الأنبذة المذكورة اعتبارا للخمر وفي
المجتبى على قول محمد إذا شرب من هذه الأشربة
ولم يسكر يعزر تعزيرا شديدا. ا هـ.
المثلث إذا صب عليه الماء وطبخ فحكمه حكم
المثلث ; لأن صب الماء فيه لا يزيده إلا ضعفا
بخلاف ما إذا صب الماء على العصير ثم طبخ حتى
يذهب ثلثا الكل لأن الماء يذهب أولا للطافته
أو يذهب منهما ولا يدرى أيهما ذهب أكثر فيحتمل
الذاهب من العصير أقل من ثلثه ولو طبخ العنب
قبل العصير اكتفي بأدنى طبخة في رواية عن
الإمام وفي رواية لا يحل ما لم يذهب ثلثاه
بالطبخ لأن العصير موجود فيه من غير تعمير
فصار كما لو طبخ فيه بعد العصير ولو جمع بين
العنب والتمر أو بين العنب والزبيب فطبخ لا
يحل حتى يذهب ثلثاه ; لأن التمر والزبيب وإن
كان يكتفى فيه بأدنى طبخة فعصير العنب لا بد
أن يذهب ثلثاه فيعتبر جانب العنب احتياطا
للحرمة وكذا إذا جمع بين عصير العنب ونقيع
التمر لما قلنا ولو طبخ نقيع التمر أو نقيع
الزبيب أدنى طبخة ثم نقع فيه تمرا أو زبيبا إن
كان ما نقع فيه شيئا ما يسيرا لا يتخذ النبيذ
من مثله فلا بأس به وإن كان يتخذ النبيذ من
مثله لا يحل كما إذا صب في المطبوخ قدح من
نقيع والمعنى تغليب جهة الحرمة ولا حد في شربه
; لأن التحريم للاحتياط والاحتياط في الحد في
درئه. ولو طبخ الخمر أو غيره بعد الاشتداد حتى
ذهب ثلثاه لم يحل ; لأن الحرمة قد تقررت فلا
ترتفع بالطبخ وفي الظهيرية الفضيخ الشراب
المتخذ من التمر فإذا أفضخ التمر وقذف ثم ينقع
في الماء حتى تخرج حلاوته ثم يترك حتى يشتد
فإذا اشتد حرم وفي التهذيب عن الثاني والثالث:
البسر المذنب إذا طبخ أدنى طبخة فإذا حلي يحل
شربه بلا خلاف فإذا اشتد فحكمه كالمثلث وفي
الجامع: السكران الذي يحد هو الذي لا يعقل
مطلقا قليلا كان أو كثيرا ولا يعرف الرجل من
المرأة ولا الأرض من السماء عند الإمام: وفي
شربه الأصل إذا ذهب عقله وكان كلامه مخبطا
يعتبر الغالب وإن كان النصف مستقيما والنصف
غير مستقيم لا يقام عليه الحد وفي القدوري إذا
غلب عليه الماء حتى زال طعمها وريحها فلا حد
في شربها وفيه أيضا عن الثاني إذا بل في الخمر
خبزا فأكل الخبز إذا كان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث تقدم تخريجه.
ج / 8 ص -442-
وحل الانتباذ في الدباء والحنتم والمزفت
والنقير وخل الخمر سواء خللت أو تخللت
______
الطعم يوجد حد وإن كان لا يرى أثرها في الخبز
لا وإذا شرب الخمر لضرورة مخافة العطش فشرب
مقدار ما يرويه فسكر فلا حد وإن ادعى الإكراه
لم يصدق ; لأن الإكراه لا يتحقق إلا بالبينة ا
هـ. تصرفات السكران كلها نافذة إلا الردة
والإقرار بالحدود الخالصة ا هـ.
قال رحمه الله: "وحل الانتباذ في الدباء
والحنتم والمزفت والنقير" لقوله عليه الصلاة
والسلام: "كنت
نهيتكم عن الأشربة في ظروف ألا فاشربوا في كل
وعاء غير أنكم لا تشربوا مسكرا"1 رواه مسلم, وأحمد وغيرهما ولأن الظرف لا يحل حراما ولا يحرم
حلالا, والدباء هو القرع والنقير هو أصل
النخلة ينقر نقرا وينسج نسجا والمزفت وهو
النقير والحنتم الجرار الخضر وقيل الحنتم
الجرار الحمر ثم إن انتبذ في هذه الأوعية قبل
استعمالها في الخمر فلا إشكال في حله وطهارته
وإن استعمل فيها الخمر ثم انتبذ فيها ينظر إن
كان الوعاء عتيقا يطهر بغسله ثلاث مرات وإن
كان جديدا لا يطهر عند محمد وعند أبي يوسف
يغسل ثلاثا ويجفف في كل مرة بعد مرة أخرى حتى
إذا خرج الماء صافيا غير متغير لونا أو طعما
أو ريحا حكم بطهارته ا هـ.
قال رحمه الله "وخل الخمر سواء خللت أو تخللت"
يعني خل الخمر فلا فرق في ذلك بين أن يتخلل
بنفسه أو تخلل بإلقاء شيء فيه كالملح أو الخل
أو النقل من الظل إلى الشمس أو بإيقاد النار
بالقرب منها خلافا للشافعي إذا تخللت بإلقاء
شيء فيها كالملح ولنا قوله عليه الصلاة
والسلام:
"نعم الأدم الخل"2
فيتناول جميع صورها ولأن بالتخليل إزالة الوصف
المفسد وثبات صفة الصلاح كالذبائح فالتخليل
أولى لما فيه من إحراز مال يصير حلالا ثم فعل
ذلك غير حكمه من الحرمة إلى الحل ومن النجاسة
إلى الطهارة ألا ترى أن ظرفها كان طاهرا تنجس
بها فإذا طهر بالتخليل طهر جميع أجزائه,
وأجزاء إنائه هو الصحيح وقيل لا يطهر ; لأنه
تنجس بإهانة الخمر ولم يوجد ما يوجب طهارته
فيبقى على ما كان ولو غسل بالخل فتخلل من
ساعته طهر للاستحالة وكذا إذا صب منه الخمر ثم
ملئ خلا يطهر في الحال وفي المحيط ولو كان
الخل فيه حموضة غالبة وطعم المرارة فإنه لا
يحل ما لم تزل من كل وجه وعندهما يحل واعتبر
الغالب منها ولو صب في المرقة خمر فطبخ لم يحل
; لأنه تنجس قبل الطبخ فلا يحل بالطبخ ولا يحد
شاربه لأنه شرب المرق النجس ولو عجن الدقيق
بالخمر صار نجسا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث: أخرجه مسلم في الأشربة، باب النهي
عن الانتباذ في المزفت والدباء والحنتم
والنقير "977"، وأبو داود في الأشربة، باب في
الأوعية "3698".
2 الحديث: أخرجه مسلم في الأشربة، باب فضيلة
الخل والتأدم به "2025"، وأحمد في "مسنده"
"13813". أخرجه البخاري في المساقاة، باب
ج / 8 ص -443-
وكره شرب دردي الخمر والامتشاط به ولا يحد
شاربه إلا إذا سكر
______
قال رحمه الله "وكره شرب دردي الخمر والامتشاط
به" لأن فيه أجزاء الخمر فكان حراما نجسا
والانتفاع بمثله حرام ولهذا لا يجوز أن يداوي
به جرحا ولا أن يسقي ذميا ولا صبيا, والوبال
على من سقاه وكذا لا يسقيه الدواب وقيل لا
يحمل الخمر إلى من يفسدها ويصيرها خلا ويحمل
ما يفسدها إلى الخمر كما لا يحمل الميتة إلى
الكلب وكذا الدردي في الخل فلا بأس به لأنه
يصير خلا لكنه يباح حمل الخمر إليه لا عكسه.
قال رحمه الله "ولا يحد شاربه إلا إذا سكر"
يعني لا يحد شارب دردي الخمر إلا إذا سكر وقال
الشافعي: يحد شاربه سكر أو لم يسكر ; لأن الحد
يجب في الخمر بشرب قطرة وفي الدردي قطرات,
قلنا وجوب الحد للزجر فيما ترغب النفس فيه
وتميل إليه والنفس لا ترغب في شرب الدردي ولا
تميل إليه فكان ناقصا فأشبه غير الخمر من
الأشربة فلا يحد ما لم يسكر ودردي الخمر هو
التفل ويكره الاحتقان بالخمر وإقطاره في
الإحليل ; لأنه انتفاع بالنجس المحرم وتقدم
الكلام فيما إذا أخبر به طبيب حاذق وفي المحيط
ولو سقى شاة خمرا لا يكره لحمها ولبنها ; لأن
الخمر وإن كانت باقية في معدتها فلم يختلط
بلحمها وإن استحالت الخمر لحما فيجوز كما لو
استحالت خلا إلا إذا سقاها كثيرا بحيث يؤثر في
رائحتها الخمر فإنه يكره لحمها.
فصــل
في طبخ العصير الأصل فيه أن ما ذهب
بغليانه بالنار وقذفه بالزبد لا يعتد به حتى
يذهب ثلثاه فيحل الثلث الباقي بعده ولو صب فيه
الماء قبل الطبخ ثم طبخ بماء ينظر إن كان
الماء أسرع ذهابا للطافته ولرقته يعتبر ذهاب
ثلثيه بعد الماء الذي صب فيه كله وبعد ذهاب
الزبد فيحل الثلث الباقي من العصير وإن كانا
يذهبان معا فيطبخ حتى يذهب ثلثا الجميع بعد
ذهاب الزبد فيحل ثلث الباقي لذهاب الثلثين
وبقاء الثلث ماء وعصيرا ولو طبخ العصير فذهب
أقل من الثلث ثم أهرق الثلثين وبقي الثلث ماء
وعصيرا ولو طبخ العصير فذهب أقل من الثلث ثم
أهرق بعضه لا يحل الباقي حتى يذهب ثلثاه
بالطبخ وطريق معرفته أن يؤخذ ثلث الجميع فيضرب
به في الباقي ثم يقسم الخارج على ما بقي بعد
ذهاب ما نقص منه بالطبخ قبل أن ينصب منه شيء
فما أصاب الواحد بالقسمة فذاك القدر هو الحلال
ويطبخ الباقي إلى أن يبقى قدره فيحل. مثاله
اثنا عشر رطلا من العصير طبخ حتى ذهب أربعة
أرطال ثم أهرق رطلين يؤخذ ثلث العصير كله وهو
أربعة
ج / 8 ص -444-
...........................................
______
فيضرب فيما بقي بعد الانصباب وهو ستة فيصير
أربعة وعشرين فيقسمه على ما بقي بعد ذهاب ما
ذهب منه بالطبخ قبل أن يهرق منه وذلك ثمانية
فيصيب كل واحد منهم ثلاثة فيكون ذلك القدر هو
الحلال فيطبخ الباقي إلى أن يبقى قدره فيحل
وإن شئت قسمت ما ذهب بالطبخ على المنصب وعلى
ما بقي بعد الانصباب فما أصاب المنصب يجعل مع
المنصب كأنه لم يكن وكان جميع العصير هو
الباقي وما أصابه من الذاهب بالطبخ فقد ذهب
منه ذلك القدر فيطبخ حتى يذهب إلى تمام
الثلثين وإن شئت قلت: إن الباقي بعد الطبخ قبل
الانصباب بعضه حلال وهو قدر ثلث المجموع فإذا
أهريق بعضه أهريق من الحلال بحسابه فيطبخ
الباقي حتى يبقى قدر ما فيه من الحلال
وفي المحيط عن أبي يوسف طبخ ثم ألقى فيه تمرا
فغلى قال ما ألقي فيه لو نبذه على حدة كان منه
نبيذا فلا خير فيه ; لأن هذا مطبوخ ويعتبر,
وإن كان يسيرا لا ينتبذ منه لا يعتد به ; لأنه
لا يحد فيه الشارب لانفراده ولو صب قدح في
خابية مطبوخ أفسده وعن الإمام إذا وضع في
الشمس حتى ذهب ثلثاه وبقي ثلثه فلا بأس به فهو
بمنزلة طبخه بالنار وكذا إذا ملأ الخابية
بالخردل وخلط فيها العصير ومضى على ذلك مدة
ولم يشتد ولم يسكر فلا بأس به في قول أصحابنا
ولو طبخ عصيرا حتى ذهب ثلثه وتركه حتى برد ثم
أعاد الطبخ حتى ذهب نصف ما بقي فإذا أعاد
الطبخ قبل أن يغلي وتغير عن حالة العصير فلا
بأس به ; لأن الطبخ وجد قبل ثبوت الحرمة
بالغليان والشدة وإن عاد بعد أن غلى وتغير فلا
خير فيه ; لأن طبخه وجد بعد ثبوت الحرمة فلا
ينتفع به ا هـ. |