البناية
شرح الهداية فصل في النفاس
والنفاس هو الدم الخارج عقيب الولادة؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في النفاس]
[تعريف النفاس]
م: (فصل في النفاس) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام النفاس، أخره عن الحيض
والاستحاضة لقلة وقوعه، والنفس بكسر النون ولادة المرأة، مصدر، سمي به الدم
كما يسمى بالحيض ذكره المطرزي وهو مأخوذ من تنفس الرحم بخروج النفس الذي هو
الدم، ومنه قول إبراهيم النخعي ما ليس له نفس سائلة إذا مات في الماء لا
يفسده، أي وليس له دم سائل وهو عربي فصيح وفي الصحاح جعله حديثا عن النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومنه قول الشاعر:
تسيل على حد السيول نفسوسنا ... وليس على غير السيوف تسيل
والنفس ذات الشيء ومنه جاء زيد نفسه، في التأكيد، فسمي المولود نفسا، ومنه
ما من نفس منفوسة، والنفس الروح، يقال خرجت نفسه، أي روحه، والنفس العين،
يقال أصابته نفس أي عين، والنافس العائن، والنفس قدر دبغة يدبغ بها الأديم
من قرظ وغيره، والنفس بالتحريك واحد الأنفاس، والنفس الجرعة.
وفي " المغرب ": النفاس مصدر نفست المرأة بضم النون وفتحها إذا ولدت فهي
نفساء وهن نفاس، وقول أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إن أسماء نفست أي
حاضت، والضم فيها خطأ. وفي " الدراية " وأما اشتقاقه من تنفس الرحم أو خروج
النفس بمعنى الولد فليس بذلك، وفي " المجتبى " مشتق من تنفس الرحم أو خروج
النفس أو الولادة على ما قال الشاعر:
إذا نفس المولود من آل خالد ... بدا كرم للناظرين قريب
وأما النفساء فهي الوالدة، قال الجوهري: ليس في الكلام من فعلاء يجمع على
فعال غير نفساء وعشراء وهي الحامل من البهائم.
قلت: ويجمع أيضا على نفسوان بضم النون. وقال صاحب " المطالع ": وبالفتح
أيضاً، ويجمع أيضاً على نفس بضم النون، والفاء ويقال في الواحد: نفسى مثل
يسرى نفسى بفتح النون أيضاً وامرأتان نفساوان:
م: (والنفاس هو الدم الخارج عقيب الولادة) ش: الواو في - والنفاس - واو
الاستفتاح كذا سمعته من أساتذتي الكبار، ولم أره في الكتب ولا مانع من
كونها للعطف، وقد يعترض شيء بين المعطوف والمعطوف عليه، وهذا الذي ذكره
المصنف هو حد النفاس، اصطلاحاً قول: عقيب الولادة، وفي بعض النسخ - عقيب
الولد - وفي بعضها - هو الدم الخارج يعقب الولد -
(1/686)
لأنه مأخوذ من تنفس الرحم بالدم أو من خروج
النفس بمعنى الولد، أو بمعنى الدم والدم الذي تراه الحامل ابتداء أو حال
ولادتها قبل خروج الولد أو حال الحبل استحاضة وإن كان ممتدا. وقال الشافعي
- رَحِمَهُ اللَّهُ -: حيض
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لأنه مأخوذ من تنفس الرحم بالدم أو من خروج النفس بمعنى الولد، أو بمعنى
الدم والدم الذي تراه الحامل ابتداء أو حال ولادتها قبل خروج الولد أو حال
الحبل استحاضة وإن كان ممتدا. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حيض
وهذه الجملة صف الدم لأنه لم يرد به تفسير معين فهو في معنى النكرة قاله
الأكمل. قلت: إنما قال هكذا لدفع قول من قال لأن الدم معرف بالألف واللام،
والجملة لا تكون صفة للمعرف.
م: (لأنه) ش: أي لأن النفاس م: (مأخوذ من تنفس الرحم بالدم أو من خروج
النفس) ش: بالسكون م: (بمعنى الولد أو بمعنى الدم) ش: وقد ذكرنا هذا عن
قريب م: (والدم الذي تراه الحامل ابتداء) ش: أي قبل خروج الولد م: (أو حال
ولادتها قبل خروج الولد أو حال الحبل استحاضة) ش: وليس بحيض.
م: (وإن كان ممتدا) ش: أي وإن بلغ نصاب الحيض وهو ثلاثة أيام فليس بحيض،
وبه قال سعيد بن المسيب والحسن والأوزاعي وعطاء ومحمد بن المنكدر وجابر بن
زيد والشعبي ومكحول والزهري والحكم وحماد والثوري وأحمد وأبو ثور وأبو عبيد
وابن المنذر.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - حيض) ش: وهو قوله الأصح، وبه قال
قتادة ومالك والليث، وعن الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قوله - إنه
دم فاسد - وفي " شرح الوجيز ": ما تراه الحامل على ترتيب الحيض في القديم
هو دم فاسد أي استحاضة، وفي الجديد هو حيض ولا فرق على القولين بين ما تراه
قبل حركة الحمل أو بعدها، وقيل القولان فيما بعد حركة الحمل أما قبل حركته
فهي كالحبالى وفق الخلية، والذي يخرج مع الولد فيه وجهان:
أحدهما: أنه نفاس، والثاني: أنه حيض. وفي " شرح الهداية " لأبي الخطاب ما
تراه قبل الوضع باليومين والثلاثة نفاس تترك له الصلاة والصوم وبه قال
إسحاق. وقال الحسن والأوزاعي: دم المطلق المتتابع نفاس وما قبله فاسد، وإن
خرج بعض الولد فالدم قبل انفصاله نفاس عند أحمد وإن قل، وإن ألقته مضغة أو
علقة فليس بنفاس، وفي المضغة عنه روايتان إذا لم يستبن بعض خلقه، وعندنا إن
خرج أكثر الولد يكون نفاساً وإلا فلا. وفي " المفيد ": والنفاس يثبت بخروج
أقل الولد عند أبي يوسف وعند محمد بخروج أكثره، وكذا إن انقطع الولد منها
وخرج فهي نفساء، وخروج أكثره كخروج أقله، وعند محمد وزفر: لا تكون نفساء
والسقط إن استبان بعض خلقه تكون به نفساء على ما يجيء عن قريب إن شاء الله
تعالى.
وقالت الشافعية: في " شرح المهذب " إن وضعت لحما لم يتصور بعد صورة آدمي
والقوابل قلن: إن لحم آدمي يثبت حكم النفاس، ولو شرب دواء فأسقطت جنينا
ميتا حتى صارت نفساء لا تقضي صلاة مدة نفاسها، وإن كانت عاصية عندهم على
الأصح ذكره في " شرح المهذب " للنووي وهو ينقض قاعدتهم في منع الرخصة
بالمعصية.
(1/687)
اعتبارا بالنفاس إذ هما جميعا من الرحم،
ولنا أن بالحبل ينسد فم الرحم كذا العادة والنفاس بعد انفتاحه بخروج الولد،
ولهذا كان نفاسا بعد خروج بعض الولد فيما يروى عن أبي حنيفة ومحمد - رحمهما
الله - لأنه ينفتح فيتنفس به،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (اعتباراً بالنفاس) ش: أي الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اعتبر ما
تراه الحامل حيضا اعتبارا بالنفاس يعني أن بقاء الولد في البطن لا يمنع كون
الدم نفاسا، ولهذا يكون المرئي بين الولدين نفاسا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ
اللَّهُ - وأبي يوسف فلا يمنع كونه حيضا م: (إذ هما جميعا من الرحم) ش:
كلمة إذ للتعليل أي لأن الدم الذي تراه الحامل ودم النفاس كلاهما من الرحم
والدم من الرحم حيض.
م: (ولنا أن بالحبل ينسد فم الرحم) ش: حفظا للولد، لأن النقب من السفل فلا
يخرج مع وجود الانسداد م: (كذا العادة) ش: أي كذا عادة الله جرت بذلك لئلا
يترك ما فيه م: (والنفاس بعد انفتاحه) ش: أي بعد انفتاح فم الرحم م: (بخروج
الولد) ش: هذا جواب عن اعتبار الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الحيض
بالنفاس م: (ولهذا) ش: أي ولكون النفاس بعد انفتاح فم الرحم بخروج الولد م:
(كان نفاسا بعد خروج بعض الولد) ش: ولهذا كان ابتداء النفاس من خروج بعض
الولد م: (فيما يروى عن أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله) ش: رواه المعلى عن
أبي حنيفة وبه قال أحمد، وفي رواية خلف عن أبي يوسف عن أبي حنيفة إذا خرج
أكثره، وعن محمد مثله، وعنه كله. واختار القدوري الأكثر حيث قال وما تراه
الحامل حال ولادتها قبل خروج أكثر الولد استحاضة، وروى هشام عن محمد: بعد
خروج الرأس ونصف البدن أو الرجلين وأكثر من نصف البدن، ولأجل هذه
الاختلافات أبهم المصنف البعض.
م: (لأنه) ش: أي في فم الرحم م: (ينفتح فيتنفس به) ش: أي بالدم، ولنا في
هذا الباب أحاديث وأخبار، منها «حدث سالم عن أبيه وهو ابن عمر - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه طلق امرأته وهي حائض فسأل عمر - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "مره
فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسكها وإن شاء
طلقها قبل أن يمس» ، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق بها النساء، متفق
عليه.
ومنها حديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ورفعه أنه قال في
سبايا أوطاس: «لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة» ،
رواه أبو داود.
(1/688)
والسقط الذي استبان بعض خلقه ولد حتى تصير
المرأة به نفساء وتصير الأمة أم ولد به، وكذا العدة تنقضي به
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ومنها حديث رويفع بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا يحل لأحد أن يسقي ماءه زرع غيره
ولا يقع على أمة حتى تحيض أو تتبين حملها» . رواه أحمد، فجعل - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجود الحيض علماً على براءة الرحم من الحبل
في الحديثين، ولو جاز اجتماعهما لم يكن دليلاً على إبقائه، ولو كان بعد
الاستبراء بحيض احتمال الحل لم يحل وطؤها للاحتياط في أمر الإبضاع.
ومن الأخبار ما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: "إن الله
تعالى رفع الحيض من الحبل وجعل الدم رزقا للولد "، رواهما أبو حفص بن
شاهين، وما روى الأرقم والدارقطني بإسنادهما عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا - في الحامل ترى الدم فقالت الحامل لا تحيض وتغتسل وتصلي.
وقولها: - تغتسل - استحباب لكونها مستحاضة ولا يعرف عن غيرهم خلافه إلا عن
عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فإنه قد ثبت عنها رواية أخرى أنها قالت:
الحامل لا تصليِ، وما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - يدل أن
الحائض قد تحبل ونحن نقول به، ولكنه يقطع حيضها ويدفعه، والخلاف في طرآن
الحيض على الحبل، ولهذا لم يكن الذي تراه الحامل قبل الوضع حيضاً ولا
نفاساً عند جمهور الشافعية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - هكذا ذكره في العدة
والخلاطي منهما لا تنقضي به العدة إلا في صورة غريبة في أحد الوجهين أن من
طلق الحامل ثم وطئها بشبهة وجبت العدة في القول الذي لا تتداخل العدتان،
فلو حاضت وهي حامل تنقضي العدة للشبهة.
[السقط الذي استبان بعض خلقه]
م: (والسقط) ش: بالحركات الثلاث في السين م: (الذي استبان) ش: أي ظهر م:
(بعض خلفه ولد) ش: وارتفاع ولد على أنه خبر للمبتدأ، أعني قوله - والسقط -
وبعض خلقه كالأصبع والشعر والظفر م: (حتى تصير المرأة به) ش: أي بالسقط م:
(نفساء وتصير الأمة أم ولد به وكذا العدة تنقضي به) ش: أما في أمومية الولد
إذا وجد الدعوة من المولى.
وأما انقضاء العدة ففي تعليق الطلاق بالولادة لأنه ولد ولأنه ناقص الخلقة،
ونقصان الخلقة لا يمنع ثبوت أحكام الولد كما لو ولدت ولداً ليس له بعض
أطرافه، فإن لم يظهر شيء من خلقه فلا نفاس لأن هذه علقة أو مضغة فلم يكن
الدم الذي عنه نفاساً، ولكن أن أمكن جعله المرئي من الحيض وسمي الدم حيضاً
بأن تقدمه طهر تام جعل حيضها إن كان ثلاثة أيام وإلا فهو استحاضة.
(1/689)
وأقل النفاس لا حد له
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ثم المسألة على وجهين، إما أن ترى الدم قبل إسقاط السقط أو بعده، فإن رأت
قبله وقد استبان بعض خلقه ما تركت من الصلاة والصوم لأنه يتبين أنها كانت
حاملاً، وإن لم يستبين خلقه فإن كانت رأت قبل السقط ثلاثة أيام وقد وافق
أيام عادتها أو كان مرئياً عقيب طهر صحيح فهو حيض لأنه يتبين أنها لم تكن
حاملا، وما رأته بعد السقط استحاضة، وإن رأت قبل السقط يوماً أو يومين تكمل
ثلاث أيام مما رأت بعد السقط والباقي استحاضة.
وأما إذا رأت الدم بعد إسقاط السقط ولم تر ما قبله فإن أمكن جعله حيضاً
يجعل حيضاً وإلا فهو استحاضة، وإن كان السقط لا يدرى بأنه كان مستبين
الخلقة أو لم يكن بأن السقط في المخرج فهو على وجهين.
أما إن رأت الدم قبل إسقاط السقط أو بعده فإن رأت بعده واستمر الدم فهي
مبتدأة في النفاس وصاحبة عادة في الحيض والطهر كان عادتها في الحيض عشرة
وفي الطهر عشرين فنقول على تقدير السقط مستبين الخلق هي نفساء ونفاسها يكون
أربعين يوما، وعلى تقدير أن السقط لم يكن مستبين الخلق لا تكون نفساء ويكون
عشرة أيام عقيب الإسقاط حيضاً، وإذا وافق عادتها أو كان ذلك عقيب طهر صحيح
فتترك هي الصلاة عقيب الإسقاط عشرة أيام بيقين، لأنها إما حائض أو نفساء،
لأن السقط إن كان مستبين الخلق فهي نفساء وإلا فهي حائض، فلم تجب عليها
الصلاة بكل حال، ثم تغتسل وتصلي عشرين بالوضوء لوقت كل صلاة بالشك لتردد
حالها فيه بين الحيض والنفاس ثم تترك عشرة أيام بيقين، لأن فيها إما حائض
أو نفساء ثم تغتسل لتمام عدة النفاس أو الحيض.
فإن رأت الدم قبل الإسقاط تنظر إن رأت ثلاثة أيام دما قدر ما يتم به حيضها
لا تدع الصلاة فيما رأته قبل الإسقاط بكل حال، لأنه إن كان السقط مستبين
الخلق لم يكن ما رأته قبله حيضاً، وإن لم يكن كان حيضا فتردد حالها بين
الطهر والحيض فلا تترك الصلاة بالشك.
ولو رأت قبل الإسقاط عشرة دما ثم أسقطت، صلت تلك العشرة بالوضوء ثم اغتسلت
وصلت بعد السقط عشرين يوماً بالوضوء بالشك لتردد حالها فيه بين الطهر
والنفاس، ثم تدع الصلاة عشرة بيقين لأنها فيها إما حائض أو نفساء ثم تغتسل
وتصلي عشرين يوما بالوضوء بالشك لتردد حالها فيه بين الطهر والنفاس، ثم
تغتسل وتصلي عشرة لتردد حالها فيها بين الطهر والحيض، ثم تغتسل وهكذا دأبها
أن تغتسل في كل وقت لتوهم أنه وقت خروجها من الحيض من الحيض أو النفاس.
[أقل النفاس وأكثره]
م: (وأقل النفاس لا حد له) ش: وهو قول أكثر أهل العلم منهم عطاء والشعبي
ومالك
(1/690)
لأن تقدم الولد علم على الخروج
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والشافعي وأحمد وإسحاق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. قال الثوري: معنى
قولهم - لا حد لأقله - أنه لا يتقيد بساعة ولا بنصفها بل يكون مجرد حجة،
وقال أما إطلاق جماعة من أصحابنا أن أقله ساعة ليس معناه الساعة التي هي
جزء من اثني عشر جزءا من النهار، بل المراد اللحظة فيما ذكره الجمهور هذا
هو الصحيح، وحكي أبو ثور عن الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن أقله
ساعة، وكذا وقع في بعض نسخ المزني وأشار ابن المنذر إلى أن للشافعي -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في ذلك قولين. وقال الثوري أقله ثلاثة أيام كأقل
الحيض.
وقال المزني: أقله أربعة أيام كأقل الحيض أربع مرات. وروي عن أبي حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ - أن أقله خمسة وعشرون يوماً، ذكره أبو موسى في "مختصره
"، قال وليس المراد به أنه إذا انقطع دونها لا يكون نفاسا بل المراد أنه
إذا وقعت حاجة إلى نصب العادة في النفاس لا ينقص عن ذلك إذا كان عادتها في
الطهر خمسة عشر يوما، إذ لو نصب لها دون ذلك أدى إلى نقص العادة فمن أصله
أن الدم إذا كان محيطاً بطرفي الأربعين المتخلل بينها لا يكون فاصلاً طال
الطهر أو قصر حتى لو رأت ساعة دما وأربعين يوماً إلا ساعتين طهراً ثم ساعة
كان الأربعون يوما نفاسا عنده، وعندهما إن لم يكن الطهر خمسة عشر يوماً
فكذلك، وكان خمسة عشر يوما فصاعدا يكون الأول نفاسا والآخر حيضا إن أمكن
ثلاثة أيام وإلا كان استحاضة وهو رواية ابن المبارك عنه.
وعن أبي يوسف أنه قدر أقله بأحد عشر يوماً ليكون أكثر من أكثر الحيض في حق
الأخبار بانقضاء العدة، أما لو انقطع دون ذلك فلا خلاف أنه نفاس. وذكر شيخ
الإسلام في "مبسوطه " اتفق أصحابنا أن أقل مدة النفاس ما يوجد، فإنها كما
ولدت إذا رأت الدم ساعة ثم انقطع عنها الدم فإنها تصوم وتصلي فكان ما رأت
نفاساً لا خلاف في هذا بين أصحابنا، إنما الخلاف فيما إذا وجب اعتبار أقل
النفاس في انقضاء العدة بأن قال لها إذا ولدت فأنت طالق، فقالت انقضت عدتي
أي مقدار [ما] يعتبر لأقل النفاس مع ثلاث حِيض عند أبي حنيفة يعتبر أقله
بخمسة وعشرين يوماً، وعند أبي يوسف بأحد عشر يوما، وعند محمد - رَحِمَهُ
اللَّهُ - بساعة. وأما في حق الصوم والصلاة فأقله ما يوجد. ولو ولدت امرأة
ولدا ولم تر دما فعند أبي حنيفة وزفر هي نفساء وعليها الغسل احتياطا لأن
خروج الولد لا يخلو عن قليل الدم ظاهراً فيحتاط في إيجاب الغسل، وأكثر
المشايخ أخذوا بقول أبي حنيفة وبه كان يفتي الصدر الشهيد وهو الأصح عند
مالك والشافعي - رحمهما الله - وفي رواية الحسن عن أبي يوسف هي طاهرة ذكره
في "إملائه" فلا غسل عليها لعدم الدم، هكذا نقل عن محمد وبعضهم أخذوا
بقوله، وفي " المفيد " و" الحاوي " هو الصحيح.
م: (لأن تقدم الولد علم) ش: أي أمارة ظاهرة م: (على الخروج) ش: أي على خروج
الدم م:
(1/691)
من الرحم، فأغنى عن امتداد ما جعل علما
عليه بخلاف الحيض
وأكثره أربعون يوما، والزائد عليه استحاضة، لحديث أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا - «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وقت للنفساء أربعين يوما»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(من الرحم فأغنى) ش: أي تقدمه م: (عن امتداد ما جعل علما عليه بخلاف الحيض)
ش: هكذا وقع في بعض النسخ بإضافة امتداد إلى قوله - ما جعل كلمة موصولة -
وقوله بخلف الحيض جملة وقعت حالا من قوله - علما - والنتيجة الصحيحة هكذا
عن امتداد جعل علما عليه بخلاف الحيض، فقوله - عن امتداد - بالتنوين، أي عن
امتداد دم، وقوله - جعل علما - جملة وقعت صفة لقوله - امتداد -، و (جعل)
على صيغة المجهول و (علماً) نصب على أنه مفعول بأن يجعل قوله - عليه - أي
على خروج الدم من الرحم يعني لا يشترط الامتداد في النفاس لأن خروج الولد
عن ذلك بخلاف الحيض، حيث يشترط فيه امتداد الدم ثلاثة أيام شرعا ليعلم بذلك
أن الدم من الرحم، إذ لا دليل على كونه من الرحم إلا بالامتداد.
م: (وأكثره) ش: أي أكثر النفاس م: (أربعون يوماً) ش: وبه قال الثوري وابن
المبارك وأحمد وأبو عبيد وإسحاق بن راهويه، وهو قول أكثر أهل العلم وحكى
الليث بن سعد عن بعض أهل العلم أنه سبعون يوماً، وفي " المحيط " وهو قول
مالك ولا أصل له.
وفي " البدائع " عن مالك والشافعي - رحمهما الله - ستون، وذكر الترمذي عن
الشافعي أربعين، قال ابن القاسم: ثم رجع مالك فقال تسأل النساء عن ذلك
فأحال على عادتهن، وعن الحسن البصري: خمسون، وعن الأوزاعي من الغلام خمسة
وثلاثون، وعنه ثلاثون، ومن الجارية أربعون، وعن الضحك أربعة عشر يوماً. م:
(والزائد عليه) ش: على الأربعين م: (استحاضة) ش: كالزائد في الحيض على عشرة
أيام م: (لحديث أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقت للنفساء أربعين يوماً» ش: هذا الحديث
رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه فرواه أبو داود في "سننه " عن أحمد بن
يونس عن زهير عن علي بن عبد الأعلى عن سهل عن مسة عن أم سلمة: «كانت النساء
على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تقعد بعد نفاسها
أربعين يوماً وأربعين ليلة وكنا نطلي على وجوهنا الورس يعني من الكلف» ،
ورواه الحاكم في "مستدركه "، وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ورواه
الدارقطني والبيهقي في "سننهما "، وقال الخطابي: وحديث مسة أثنى عليه محمد
بن إسماعيل، وقال عبد الحق في "أحكامه " أحاديث هذا الباب معلولة وأحسنها
(1/692)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حديث مسة الأزدية ولا يلتفت إلى كلام ابن القطان حيث قال: وحديث مسة معلول،
لأن مسة لا يعرف حالها ولا عينها، ولا تعرف في غير هذا الحديث ولا إلى كلام
ابن حبان في كتاب الضعفاء أن كثير بن زياد يروي الأشياء المقلوبات فاستحق
مجانبة ما انفرد به من الروايات، لأن البخاري أفتى على هذا الحديث، وقال:
مسة هذه الأزدية وكثير بن زياد ثقة، وكذا قال ابن معين: ثقة.
قلت: كثير بن زياد في رواية أخرى لأبي داود حدثنا الحسن بن يحيى قال حدثنا
محمد بن حاتم قال حدثنا عبد الله بن المبارك عن يونس بن نافع عن كثير بن
زياد أبي سهل قال حدثتني الأزدية قالت: "حججت فدخلت على أم سلمة فقلت يا أم
المؤمنين إن سمرة بن جندب يأمر النساء يقضين صلاة المحيض فقالت لا يقضين،
كانت المرأة من نساء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تقعد في
النفاس أربعين ليلة لا يأمرها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بقضاء صلاة النفاس ".
فإن قلت: أزواج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن منهن
نفساء معه إلا خديجة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ونكاحها كان قبل البعثة
فلا معنى لقولها قد كانت المرأة.. إلخ. قلت: أرادت بنسائه من غير أزواجه من
بنات، وقريبات وسرية عارية. ومسة بضم الميم وتشديد السين المهملة وتكنى أم
بسة بفتح الباء الموحدة. قوله: على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أي في زمانه وأيامه. قوله - بعد نفاسها - أي بعد
ولادتها. قوله - وكنا نطلي - من طلت الشيء بالدهن وغيره طليا وتطليت به،
فأطليت به.
والورس بفتح الواو وسكون الراء في آخره سين مهملة نبت يكون باليمن يخرج على
الرمث بين الشتاء والصيف يتخذ منه الحمرة للوجه.
وقال ابن الورس: نبت أصفر يصبغ به. والرمث بكسر الراء وسكون الميم وفي آخره
ثاء مثلثة يرى في مراعي الإبل وهو من الحمض بفتح الحاء المهملة وسكون الميم
وفي آخره ضاد معجمة وهو من النبات وهو للإبل كالفاكهة للإنسان. قوله -
كالكلف - بفتح الكاف واللام وهو شيء يعلو الوجه كالسمسم وهو لون بين السواد
والحمرة، وروي في هذا الباب أحاديث أخر: منها ما رواه ابن ماجه بإسناده عن
أنس: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقت للنفساء
أربعين يوماً إلا إن ترى الطهر قبل ذلك» ، ورواه الدارقطني في "سننه " ثم
قال: لم يروه عن حميد غير سلام بن سليم وهو ضعيف.
ومنها ما رواه الحاكم في "مستدركه " عن الحسن عن عثمان بن أبي العاص قال:
«وقت
(1/693)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للنساء في نفاسهن أربعين
يوماً» وهو مرسل لأن الحسن لم يسمع من عثمان بن أبي العاص.
ومنها ما رواه الحاكم أيضاً عن عبد الله بن عمرو - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
«تنتظر النفساء أربعين ليلة، فإذا رأت الطهر قبل ذلك فهي طاهرة، وإن جاوزت
الأربعين فهي بمنزلة المستحاضة تغتسل وتصلي، فإن غلبها الدم توضأ لكل صلاة»
، رواه الدارقطني أيضاً، وقال: عمرو بن الحصين وابن علاثة متروكان ضعيفان
وهما من رواة هذا الحديث.
ومنهما حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أخرجه الدارقطني: «أن النبي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقت للنساء في نفاسهن أربعين يوماً»
وأخرجه ابن حبان في " كتاب الضعفاء "، قالت: «وقت رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للنفساء أربعين يوما إلا أن ترى الطهر فتغتسل
وتصلي، ولا يقربها زوجها في الأربعين» ، وفي إسناده عطاء بن عجلان، وهو
كوفي ضعيف.
ومنها حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه الطبراني في "الأوسط "
قال: «وقت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعين يوماً»
.
ومنها حديث أبي الدرداء وأبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أخرجه ابن
عدي في " الكامل " قالا قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- «تنتظر النفساء أربعين يوماً إلا أن ترى الطهر قبل ذلك، فإن بلغت أربعين
يوماً ولم تر الطهر فلتغسل وهي بمنزلة المستحاضة» ، وفي إسناده العلاء بن
كثير، [وهو] ضعيف.
(1/694)
وهو حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -
في اعتباره الستين،
وإن جاوز الدم الأربعين وكانت قد ولدت قبل ذلك ولها عادة في النفاس ردت إلى
أيام عادتها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وهذه الأحاديث يسند بعضها بعضا وهي حجة على الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - ومن وافقه من أن أكثر النفاس ستون يوماً، وعلى كل من قال غير
الأربعين، وحكى ابن المنذر مثل هذا عن عمر وابن عباس وأنس وعثمان بن أبي
العاص وعائذ بن عمرو وأم سلمة، ولا يعرف لهم مخالف في عصرهم.
وقال أبو عبيد وعلى هذا جماعة المسلمين، وقال إسحاق هو السنة المجمع عليها
ولا يصح في مذهب من جعله إلى شهرين نسبة، وإنما يروى عن بعض التابعين، وقال
الطحاوي ولم يقل بالستين أحد من الصحابة، وإنما قاله بعض من بعدهم، وروي
أيضاً مثل مذهبنا عن أبي الدرداء [ ... ] وأنس وأبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ -. م: (وهو) ش: أي حديث أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - م:
(حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في اعتباره) ش: أي في اعتبار النفاس
م: (الستين) ش: يوماً وعلى من ذهب إلى غيره أيضاً، وقال النووي تضعيف حديث
أم سلمة مردود، والحديث جيد، وبقية الأحاديث ضعفها البيهقي. قلت: قد قلنا
إن بعضها يشد بعضاً فلا يفيد قوله ذلك.
م: (وإن جاوز الدم الأربعين وكانت) ش: أي والحال أنها قد كانت م: (وقد ولدت
قبل ذلك ولها عادة) ش: أي والحال أن لها عادة معينة م: (في النفاس ردت إلى
أيام عادتها) ش: فإن كانت عادتها في النفاس عشرين أو ثلاثين أو خمسة وعشرين
فرأت أكثر من عادتها، فإن لم تجاوز الأربعين فالكل نفاس.
وإن جاوزت الأربعين بأن رأت خمسة وأربعين فنفاسها ما كانت عادتها، والباقي
استحاضة سواء كانت ختم بعروقها بالدم أو بالطهر إذا كان بعدهم عند أبي
يوسف، وعند محمد إن ختم بعروقها بالدم فكذلك وإن ختمها بالطهر فلإتيانه
كانت عادتها في النفاس ثلاثين فولدت فرأت الدم عشرون وانقطع فرأت الطهر
عشرة أيام تمام عادتها في النفاس ثم رأت الدم حتى جاوز الأربعين فإنها ترد
إلى معرفتها ويجعل ذلك نفاساً في قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن
حصل ختمه بالطهر وعند محمد نفاسها عشرون يوماً من أيام الرؤية لأنه لا يختم
النفاس بالطهر.
وإن كانت مبتدأة بأن كان ذلك أول ما ولدت والدم مستمر فنفاسها أربعون
يوماً، والزائد عليها استحاضة، ولو انقطع الدم دون الأربعين، فإن جميع ذلك
نفاس سواء كانت مبتدأة أو معتادة، وإذا انقطع الدم دون الأربعين، اغتسلت
وصلت بناء على الظاهر، فإن عاد الدم في الأربعين أعادت الصوم، وعند الإمام
مالك النقاء الفاصل بين الدمين في مدة النفاس طهر، تصلي وتصوم ولا تقضي
بعود الدم، وبه قال أحمد، وإن انقطع دون اليوم وعنه إذا كان يوما كاملاً،
وللشافعي قولان أحدهما أنه طهر، والثاني: نفاس، وهو المشهور، وبه قطع
(1/695)
لما بينا في الحيض، وإن لم تكن لها عادة
فابتداء نفاسها أربعون يوما لأنه أمكن جعله نفاسا، فإن ولدت ولدين في بطن
واحد فنفاسها من الولد الأول عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -
وإن كان بين الولدين أربعون يوما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
جمهورهم.
وقال النووي: في الدم الثاني وجهان. أصحهما: مثل قول أبي يوسف ومحمد، وفي
الوجه الآخر - وهو قول أبي العباس -: شرع الدمان نفاس كما لو كان الطهر أقل
من خمسة عشر.
وعن مالك: إن كان النقاء يومين أو ثلاثة فهو نفاس، وإن تطاول فهو حيض، ثم
قيل في حالة الطلق يؤتى بقدر فيجعل تحتها، وقيل: يحفر لها حفيرة وتجلس
عليها وتصلي كيلا يؤذي ولدها.
م: (لما بينا في الحيض) ش: وهو قوله في فصل الحيض إذا تجاوز الدم على عشرة
أيام ولها عادة معروفة دونها ردت إلى أيام عادتها، والذي زاد استحاضة م:
(وإن لم تكن لها عادة) ش: بأن كانت مبتدأة م: (فابتداء نفاسها أربعون
يوماً، لأنه أمكن جعله نفاسا) ش: أي جعل الأربعين، فلو انقطع الدم دون
الأربعين فالكل نفاس، سواء كانت مبتدأة أو معتادة، وعند الانقطاع فيما دون
الأربعين فتغتسل وتصلي بناء على الظاهر، فإن عاد الدم في الأربعين أعادت
الصوم.
م: (فإن ولدت ولدين في بطن واحد فنفاسها من الولد الأول عند أبي حنيفة وأبي
يوسف - رحمهما الله) ش: وبه قال مالك، وأحمد في أصح روايتيه، وهو أصح
الوجوه عند الشافعية، وصححه [......] وإمام الحرمين والغزالي وفي " الهداية
": وللشافعي ثلاثة أقوال:
أحدها: وهو الأصح أنه يعتبر من الأول ابتداء المدة، وبه قال أبو إسحاق
ومالك وأحمد في الأصح.
والثاني: أنه يعتبر ابتداء المدة من الثاني وبه قال داود.
والثالث: أنه يعتبر ابتداؤها من الأول، ثم تستأنف من الثاني.
م: (وإن كان بين الولدين أربعون يوماً) ش: احترز به عما قال بعض المشايخ
فيما إذا كان بين الولدين أربعون يوماً أن النفاس فيه يكون من الولد الثاني
عند أبي حنيفة، وليس هذا بصحيح، وإنما الصحيح ما اختاره المصنف، لأن أكثر
مدة النفاس أربعون يوما وقد مضت فلا يجب النفاس بعده، ولو كان بين الولدين
ثلاثون يوما فمن الولد الثاني عشرة أيام، وإن ولدت ثلاثة أولاد بين الأول
والثاني أقل من ستة أشهر وبين الثاني والثالث كذلك، ولكن بين الأول والثالث
أكثر من ستة أشهر، والصحيح أن يجعل كحمل واحد.
(1/696)
وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: من الولد
الأخير وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنها حامل بعد وضع الأول فلا
تصير نفساء كما أنها لا تحيض، ولهذا تنقضي العدة بالأخير بالإجماع، ولهما
أن الحامل إنما لا تحيض لانسداد فم الرحم على ما ذكرنا وقد انفتح بخروج
الأول وتنفس بالدم فكان نفاسا، والعدة تعلقت بوضع حمل مضاف إليها فيتناول
الجميع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - من الولد الأخير) ش: أي نفاسها من
الولد الثاني م: (وهو) ش: أي قول محمد هو م: (قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ
-) ش: وقول داود وبه قال بعض الشافعية م: (لأنها حامل بعد وضع الأول) ش: أي
الولد الأول م: (فلا تصير نفساء) ش: لأن الحمل من الثاني واقع [حال] خروج
الدم من الرحم فلا تكون نفساء بالولد الأول م: (كما أنها لا تحيض، ولهذا
تنقضي العدة بالأخير) ش: أي بالولد الأخير م: (بالإجماع) ش: لأن الولد
الأخير هو المعتبر في انقضاء العدة فكذا النفاس.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - م: (أن الحامل إنما
لا تحيض لانسداد فم الرحم على ما ذكرنا) ش: عندنا خلافا للشافعي م: (وقد
انفتح) ش: أي فم الرحم م: (بخروج الولد) ش: أي الولد الأول م: (وتنفس) ش:
أي الرحم م:) بالدم فكان نفاسا) ش: لأن الخارج من الرحم بعد الولادة يكون
نفاساً م: (والعدة تعلقت بوضع حمل مضاف إليها) ش: أي إلى المرأة، وهذا جواب
عن قياس محمد: [أن] النفاس على انقضاء العدة، ووجهه أن العدة تنقضي بوضع
الحمل، لقول تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ
حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] (الطلاق: الآية 4) ، والحمل اسم لكل ما في البطن،
ولما بقي الولد في بطنها موجوداً كانت حاملاً فلا تنقضي العدة حتى تضع
الجميع، ولهذا لو قال: إن كان حملك غلاما فأنت حرة، فولدت غلاماً وجارية لم
تعتق، لأن الغلام صار بعض الحمل، والشرط كونه كل الحمل م: (فيتناول الجمع)
ش: أي كل الحمل فما لم تضع الجميع لا تنقضي العدة.
1 -
فروع: امرأة ولدت في غرة رمضان فصامت رمضان كله ثم ولدت آخر فيما بعد رمضان
لأقل من ستة أشهر من رمضان قضت صوم النصف الأول وصلاة النصف الأخير، لأن
الولد الثاني من علوق حادث لأنه تخلل بين ولادة الولدين أقل مدة الحمل وهو
ستة أشهر، والمرأة لا تلد لأقل من ستة أشهر فعلم أنها حبلت في النصف الأخير
من رمضان ودم الحامل لا يكون نفاساً وكانت طاهرة في النصف الأخير فتقضي ما
تركت من الصلاة فيه إلا أن تكون اغتسلت على رأس النصف الأخير، لأن الاغتسال
يشترط لجواز الصلاة وتقضي صيام النصف الأول لأن صومها لم يصح فيه، ولا تقضي
صلاتها لأنها كانت حائض فيه، وإن كانت اغتسلت يوم الفطر وصامت شوال بنية
رمضان وصلت قضت صوم يوم واحد وصلاة خمسة عشر يوماً، لأنها قضت صيام رمضان
في شوال وهي طاهرة فيجزئها إلى يوم الفطر وعليها قضاء صلوات النصف الأخير
من
(1/697)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
رمضان لأنها كانت طاهرة ولم تصل أو صلت من غير اغتسال.
1 -
فروع أخر: ولو خرج ولدها ميتا من قبل أو دبر لا تصير نفساء، ولو سال الدم
من الأسفل صارت نفساء لأنه وجد خروج الدم من الرحم عقيب الولادة، ولو كانت
معتدة تنقضي عدتها لأنها وضعت حملها وتصير الجارية أم ولد له.
(1/698)
|