البناية شرح الهداية

باب الأذان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب الأذان]
م: (باب الأذان) ش: أي هذا باب في بيان أحكام الأذان.
لما ذكر الأوقات التي هي تحصيل أسباب، وفي الحقيقة إعلام ذكر عقبها الأذان الذي هو: إعلام لتلك الإعلام وقيام الأوقات، لما أن فيها معنى السببية، والسبب يقدم على العلامة.
ثم " الأذان " له تفسير لغة وشريعة وثبوت وسبب ووصف وكيفية محل شرع فيه ووقت وسنن وما يجب على سامعه.
أما تفسيره لغة فهو: إعلام قال الله تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 3] (التوبة: الآية 3) من: أذن يؤذن تأذينا وأذانا، مثل كلمه يكلمه تكليما وكلاما، فالأذان والكلام اسم لمصدر قياسي.
وقال الهروي: الأذان والأذين والتأذين بمعنى وقيل الأذين المؤذن فعيل بمعنى مفعل وأصله من الأذان كأنه يلقي في أذان الناس بصوته ما تدعوهم إلى الصلاة.
وأما تفسيره شريعة: فهو إعلام مخصوص في أوقات مخصوصة.
وأما سبب ثبوته فما رواه أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن علقمة بن مزيد عن أبي زيد عن أبيه قال: «مر أنصاري على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرآه حزنا، وكان الرجل ذا طعام فرجع إلى بيته واهتم لحزنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فلم يتناول الطعام فأتاه آت فقال: أتعلم حزن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من ماذا؟ هو من هذا الناقوس فمره فيعلم بلالا الأذان وذكره» أه.
وروى أبو داود في " سننه " قال: «اهتم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للصلاة كيف يجمع الناس لها وقيل له انصب راية عند حضور الصلاة فإذا رأوها أذن بعضهم بعضا فلم يعجبه ذلك قال. فذكر له القنع - يعني الشبور - فلم يعجبه ذلك فقال: هو أمر اليهود قال: فذكر له الناقوس، فقال: هو من أمر النصارى، فانصرف عبد الله بن زيد وهو مهتم لهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأري الأذان في منامه فغدا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبره فقال يا رسول الله إني لبين النائم واليقظان إذ أتاني آت فأراني الأذان فقال وكان عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوما، ثم أخبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: ما منعك أن تخبرني فقال سبق عبد الله بن زيد فاستحييت فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " يا بلال قم فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله " قال: فأذن بلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.»

(2/74)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وروى أبو داود أيضا من حديث عبد الله بن زيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «لما أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالناقوس يعمل فيضرب به للناس لجمع الصلاة، قال طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده، فقلت: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاة.
قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟
فقلت: له بلى.
قال: " تقول الله أكبر، الله أكبر. الله أكبر، الله أكبر. أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله. حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح. الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله " قال: ثم استأخر عني غير بعيد ثم قال: ثم تقول إذا أقيمت الصلاة: " الله أكبر الله أكبر. أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة. حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله " فلما أصبحت أتيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبرته بما رأيت، قال: " إن هذه الرؤيا حق إن شاء الله تعالى فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت، فليؤذن به فإنه أندى صوتا منك " فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو في بيته فخرج يجر رداءه ويقول: والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل ما رأى فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " فلله الحمد» .
ورواه أحمد وصححه الترمذي. وقال أبو عمر بن عبد البر: روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قصة عبد الله بن زيد هذه في بدء الأذان جماعة عن الصحابة بألفاظ مختلفة ومعان متقاربة، وكلها متفق على أمره عند ذلك، وكان ذلك في أول الأمر في الأذان والآثار في ذلك متواترة حسان ثابتة.
قوله: فذكر له القنع - بضم القاف وسكون النون - وقيل سمي به لإيقاع الصوت وهو دفعه، وعن ابن عمر هو القثع - بالثاء المثلثة الساكنة - يعني البوقا، وهذا أثبته أبو عمر الزاهد وأبطله الأزهري، ويروي القبع بالباء الموحدة لأنه يقبع فم صاحبه أي يستره.
قوله: الشبور تفسير: القنع - وهو بفتح الشين المعجمة وضم الباء الموحدة المشدودة قال في الصحاح: الشبور على وزن السنور على البوق، ويقال هو معرب.
والناقوس: خشبة طويلة تضرب بخشبة أصغر منها، والنصارى يعلمون بها أوقات صلاتهم قال الجوهري: السعي فأما الناقوس فينظر فيه أعربي هو أم لا؟
قلت: التفسير هو الضرب بالناقوس يدل على أنه عربي، وزنه فاعول كناقوس البحر فيكون

(2/75)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الألف والواو فيه زائدتان.
قوله: مثل ما أري بضم الهمزة وكسر الراء - مثل ما رأى عب الله بن زيد وفي رواية: " مثل ما أرى " على صيغة المتكلم.
فإن قلت: ما الفاء في قوله: فلله الحمد؟ قلت: يجوز أن تكون عاطفة على محذوف تقديره لله الشكر فلله الحمد، ويجوز أن يكون زائدة قد زيدت فيه للتخيير والكلام.
1 -
فإن قلت: لِمَ لَمْ يأمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عبد الله بن زيد أن يؤذن هو بنفسه؟
قلت: قال أبو بشر الواحدي أحد رواة الحديث حدثني أبو عمران الأنصاري ويزعم أن عبد الله بن زيد لولا أنه كان يومئذ مريضا لجعله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مؤذنا، ومنهم من قال إن الأذان كان وحيا لا مناما، واستدلوا في ذلك بما رواه البزار في " مسنده " حدثنا محمد بن عثمان بن مخلد الواسطي ثنا داود بن المنذر عن محمد بن علي بن الحسن عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «لما أراد الله تعالى أن يعلم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الأذان أتاه جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بدابة يقال لها البراق، فذهب يركبها فاستصعبت، فقال لها: اسكني فو الله ما ركبك عبد أكرم على الله من محمد.
قال: فركبها حتى انتهى إلى الحجاب الذي يلي الرحمن تبارك وتعالى، فبينما هو كذلك إذا خرج ملك من الحجاب فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " يا جبريل من هذا؟ " قال: والذي بعثك بالحق إني لأقرب الخلق مكانا، وإن هذا الملك ما رأيته منذ خلقت قبل ساعتي هذه فقال الملك: الله أكبر الله أكبر، قال فقيل له من وراء الحجاب صدق عبدي، أنا أكبر أنا أكبر ثم قال الملك: أشهد أن لا إله إلا الله. قال: فقيل له من وراء الحجاب صدق عبدي، أن لا إله إلا أنا، قال الملك: أشهد أن محمدا رسول الله فقيل له من وراء حجاب: صدق عبدي أنا أرسلت محمدا ثم قال الملك: حي على الصلاة حي على الفلاح، ثم قال الملك: الله أكبر الله أكبر، فقيل له من وراء الحجاب صدق عبدي، أن لا إله إلا أنا، قال: ثم أخذ الملك بيد محمد - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فقدمه، فأم أهل السماء فمنهم آدم ونوح - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -» .
وقال البزار: هذا حديث لم نعلمه يروى بهذا اللفظ عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلا بهذا الإسناد، ورواه الأصبهاني في كتاب " الترغيب والترهيب ": وقال حديث غريب لا أعرفه إلا من هذا الوجه.

(2/76)


الأذان سنة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال في " الإمام ": والخبر الصحيح أن بدء الأذان كان بالمدينة.
وروى ابن شاهين بسنده عن عمر قال: «لما أسري بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أوحي إليه الأذان فنزل فعلمه بلالا» وفي رواته طلحة بن زيد قال النسائي: متروك.
ومنهم من قال الأذان نزل مع فرض الصلاة قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] (الجمعة: الآية 9) أراد بهذا النداء الأذان عند صعود الإمام على المنبر للخطبة، وقال الشعبي: وتفسير قوله: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] امضوا إليه وكذا كان يقرأ عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والمراد من ذكر الله صلاة الجمعة.
وعن سعيد بن المسيب موعظة الإمام. وعن بعضهم الخطبة والصلاة. ومنهم من قال: إنه أخذ من أذان إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الحج {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج: 27] (الحج: الآية 27) قال: فأذن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقيل نزل به جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على النبي حتى قال له بريدة: أذن جبريل وما في السماء السابعة فسمعه عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولا منافاة بين هذه الأسباب، فليجعل كل ذلك كذا في " المبسوط ".
قال أبو بكر الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " أحكام القرآن " ليلة أسري به كان بمكة، وقد صلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمدينة بغير أذان وأما سبب الأذان، فدخول وقت المكتوبة.

[حكم الأذان]
وأما وصفه فقوله م: (الأذان سنة) ش " عند أكثر الفقهاء. وذكر محمد ما يدل على وجوبه، فإنه قال: لو أن أهل قرية أو بلدة اجتمعوا على ترك الأذان لقاتلتهم عليه ولو تركه أحد ضربته وحبسته، وإنما يقاتل ويضرب على ترك الواجب كترك الصلاة ومنع الزكاة.
وقيل: الأذان عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - من فروض الكفاية وفي " المحيط والتحفة " الأذان سنة مؤكدة.
وفي " البدائع " وعامة مشايخنا قالوا: الأذان والإقامة سنتان مؤكدتان، لما روى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه قال في قوم صلوا في المصر جماعة بغير أذان وإقامة: أنهم أخطئوا السنة و [......] سماه سنة، والقولان متقاربان، لأن السنة المؤكدة بمنزلة الواجب في الإثم. وإنما يقاتل على تركه لأنه من شعائر الإسلام وخصائص الدين. قال قاضي خان: من سنن الصلاة بالجماعة، وأنهما من الشعائر حتى لو اجتمع أهل مصر أو قرية أو محلة على تركهما أخبرهم الإمام فإن لم يفعلوا قاتلهم ولم يحك خلافا.
ومذهب الشافعي وإسحاق أنه سنة، قال النووي: وهو قول جمهور العلماء.
قال ابن المنذر: فرض في حق الجماعة في الحضر والسفر، وقال مالك: يجب في مسجد

(2/77)


للصلوات الخمس والجمعة، دون ما سواها للنقل المتواتر،
وصفة الأذان معروفة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الجماعة، وفي " العارضة ": وهو على البلد وليس بواجب في كل سجدة، ولكنه يستحب في مساجد الجماعات أكثر من العدد.
وقال عطاء ومجاهد: لا تصح صلاة بغير أذان، وهو قول الأوزاعي وعنه تعاد في الوقت.
وقال أبو علي الأصطخري: هو فرض في الجملة، وقال العدوي: هما سنتان عند مالك فرض كفاية عند أحمد.
قال المحاملي: وقالت الظاهرية: هما واجبان لكل صلاة.
واختلفوا في صحة الصلاة بدونهما. وقال داود: هما فرضا الجماعة وليسا بشرط لصحتها. وقال إمام الحرمين: لا يقاتل على تركهما إلا إذا قلنا أنهما من فروض الكفاية، ويسقط الفرض عند الشافعية بالأذان لصلاة واحدة في اليوم والليلة. وعن مكحول: أنهما من سنن الهدي وتركهما ضلالة يقاتلون على الضلال كذا في " المحيط ".

[ما يشرع له الأذان من الصلوات]
م: (للصلوات الخمس والجمعة) ش: هذا محله الذي شرع فيه الأذان، ولا يشرع بغير الصلوات الخمس بلا خلاف وللجمعة أيضا.
قال في " المنافع ": خص الجمعة بالترك لأنها تشبه العيد من حيث اشتراط الإمام أو المصر أو يكون ذكر الجمعة وإن كانت داخلة في الخمس لبقي قول بعض أصحاب الشافعي حيث قالوا: إنه فرض في الجماعة م: (دون ما سواها) ش: أي دون ما سوى الصلوات الخمس والجمعة كالوتر وصلاة العيدين والخسوف والكسوف والاستسقاء وصلاة الجنازة والسنن والنوافل والتراويح والصلاة المنذورة وصلاة الضحى وفي الصلاة للزلازل والأفزاع.
وقال النووي في " شرح المهذب ": ولكن ينادى للعيدين والاستسقاء والكسوف والتراويح: الصلاة جامعة، ولا يستحب ذلك. وصلاة الجنازة على أصح الوجهين عندهم، وبه قطع الدلوي والمحاملي والبغوي، وقطع الغزالي باستحبابه. والمذهب الأول عندهم قاله النووي.
وقول صاحب " الدفاتر ": وفي المنذورة يؤذن ويقيم إن سلك بها مسلك صاحب الشرع هو غلط منه. وعن معاوية وعمر بن عبد العزيز هما سنتان في العيدين.
م: (للنقل المتواتر) ش: يعني لورود النقل المتواتر من زمان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومن بعده من الأئمة إنهم إذا نووا الصلوات الخمس إلى يومنا هذا، ولم يؤذن - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ولا أحد من الأئمة بغير الصلوات الخمس والجمعة.

[صفة الأذان]
م: (وصفة الأذان معروفة) ش: هذا كيفية الأذان.

(2/78)


وهو كما أذن الملك النازل من السماء، ولا ترجيع فيه وهو أن يرجع فيرفع صوته بالشهادتين بعدما خفض بهما، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: فيه ذلك؛ «لحديث أبي محذورة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمره بالترجيع» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وهو) ش: أي صفة الأذان، ويذكر الضمير باعتبار المذكور أو المراد وصف الأذان م: (كما أذن الملك النازل من السماء) ش: وقد ذكرنا كيفية أذان الملك النازل من السماء من غير زيادة ولا نقصان عند عامة أهل العلم، فنقص مالك من أوله تكبيرتين، وهو رواية الحسن عن أبي يوسف. وقال أبو الحسن: رجع أبو يوسف عن هذا. وقال أصحابنا: وزاد في آخره الله أكبر بعد لا إله إلا الله، وزاد مالك والشافعي: فيه الترجيع وحاصله أن الأذان عندنا خمس عشرة كلمة لا ترجيع فيه، التكبير في أوله أربع والشهادتان أربع والدعاء إلى الصلاة والفلاح أربع، والتكبير في آخره مرتان، وختم بكلمة الإخلاص مرة واحدة، وبه قال الثوري والحسن بن علي وأحمد وإسحاق وغيرهم.
وقال الشافعي: هو سبع عشرة كلمة، وزاد فيه الترجيع أربع كلمات وهو إعادة الشهادتين على ما سنذكره.
م: (ولا ترجيع فيه) ش: أي في الأذان.
م: (وهو أن يرجع فيرفع صوته بالشهادتين بعدما خفض بهما وقال الشافعي فيه ذلك) ش: أي في الأذان الترجيع، وبه قال مالك إلا أنه قال: لا يؤتى بالتكبير في أوله إلا مرتين، وقال أحمد: إن رجع فلا بأس به وإن لم يرجع فلا بأس به.
وقال أبو إسحاق من أصحاب الشافعي: قد ثبت أذان بلال وأذان أبي محذورة فلو ترك الترجيع فالمذهب أن يعتد به، وحكى بعض أصحابنا عن الشافعي أن لا يعتد به كما لو ترك سائر كلماته وفيه نظر، كذا في " الحلية "، وفي شرح الوجيز " والأصح أنه إن ترك الترجيع لم يضر.
م: (لحديث أبي محذورة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمره بالترجيع) ش: حديث أبي محذورة رواه الجماعة إلا البخاري من حديث عبد الله بن محيريز عن أبي محذورة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علمه الأذان: «الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن محمدا رسول الله. أشهد أن محمدا رسول الله. ثم قال لي: ارجع من صوتك أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله» وفي بعض ألفاظهم علمه الأذان تسعة عشر كلمة فذكرها.
ولفظ أبي داود قلت: يا رسول الله علمني بسنة الأذان، قال: «تقول الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، ثم تقول أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله وتخفض بهما صوتك، ثم ترفع صوتك بهما» الحديث وهو لفظ ابن حبان في " صحيحه " واختصره الترمذي.

(2/79)


ولنا أنه لا ترجيع في المشاهير،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولفظه عن أبي محذورة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقعده وألقى عليه الأذان حرفا حرفا قال بشر: [فقلت له:] أعد علي، فوصف الأذان بالترجيع وطوله النسائي وابن ماجه عن عبد الله بن محيريز وكان يتيما في حجر أبي محذورة بن معير حين جهزه إلى الشام فقلت له: أي عم إني خارج إلى الشام، وإني أسأل عن تأذينك فأخبرني أن أبا محذورة قال: «خرجت في نفر فلما كنا في بعض الطريق فأذن مؤذن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسمعنا صوت المؤذن فصرنا نحكيه نهزأ به فسمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأرسل إلينا قوما فأقعدونا بين يديه فقال: أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع، فأشار القوم إلى كلهم وصدقوا، فأرسل كلهم وحبسني، وقال لي: قم فأذن فقمت ولا شيء أكره إلي من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا مما يأمرني به فقمت بين يدي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فألقى علي رسول الله التأذين هو بنفسه فقال: قل الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله ثم قال لي ارفع من صوتك أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله. حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، ثم دعاني حين قضيت التأذين فأعطاني صرة فيها شيء من فضة، ثم وضع يده على ناصية أبي محذورة ثم أمرها على وجهه، ثم على ثدييه، ثم على كبده، ثم بلغت يد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سرة أبي محذورة ثم قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " بارك الله لك وبارك عليك " فقلت يا رسول الله: مرني بالتأذين بمكة قال. نعم قد أمرتك فذهب كل شيء كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من كراهية وعاد ذلك كله محبة لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقدمت على عتاب بن أسيد عامل رسول الله صلى الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمكة فأذنت معه بالصلاة عن أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وهذا لفظ ابن ماجه من حديث أبي عامر عن ابن جريج ومن هذا الوجه أخرجه أبو داود. وفيه «ثم قال ارجع فمد صوتك أشهد أن لا إله إلا الله» وذكرنا الأذان وأخرجه النسائي من حديث حجاج عن ابن جريح وفيه فقفل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من حنين فلقيه في بعض الطريق فظللنا نحكيه ونهزأ به فأرسلهم كلهم وفيه: " ثم قال ارجع فأدره صوتك " وحكى أبو داود أن أبا محذورة، كان لا...... ولا يعرفها لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مسح عليها وفي الباب طرق أخر، فيها ضعيف نتركها لضعفها وطولها.
وأبو محذورة: بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وبعدها ذال معجمة مضمومة وراء مفتوحة وتاء تأنيث واسمه: سمرة بن معيز بكسر الميم وسكون العين المهملة بعدها ياء آخر الحروف مفتوحة ثم راء قيل اسمه سلمان، وقيل: مسلمة وقيل أوس بن معين بن لوذان بن وهب بن سعد بن جمح.

م: (ولنا أنه لا ترجيع في المشاهير) ش: أي وحجتنا أن لا ترجيع في الآحاد والمشاهير، وهو جمع مشهور منها حديث عبد الله بن زيد من غير ترجيع وقد تقدم، ومنها ما رواه أبو داود

(2/80)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والنسائي من حديث شعبة قال سمعت أبا جعفر مؤذن مسجد العربان - في مسجد بني هلال - يحدث عن مسلم أبي المثنى مؤذن المسجد الجامع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: «إنما كان الأذان على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرتين مرتين والإقامة مرة غير أنه يقول قد قامت الصلاة فكنا إذا سمعنا الإقامة توضأنا ثم خرجنا إلى الصلاة» . ورواه ابن خزيمة وابن حبان في " صحيحيهما " وهذا دليل صريح على أنه لم يكن فيه ترجيع. ورواه أبو عوانة في " مسنده " بلفظ: «مثنى مثنى والإقامة فرادى» .
ومنها ما رواه الطبراني في " معجمه الأوسط " حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله البغدادي حدثنا أبو جعفر بن الفضيل حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن عبد الملك بن أبي محذورة، قال سمعت جدي عبد الملك بن أبي محذورة بقوله أنه سمع أباه أبا محذورة يقول «ألقى علي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الأذان حرفا حرفا الله أكبر، الله أكبر إلى آخره، لم يذكر فيه ترجيعا» .
ومنها أذان بلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مولى أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بحضرة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سفرا وحضرا وهو مؤذن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بإطلاق أهل الإسلام إلى أن توفي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومؤذن أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى أن توفي أبو بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من غير ترجيع، والعجب من الأترازي حيث يقول: ولنا حديث عبد الله بن زيد الذي هو أصل الأذان ولم يذكر فيه الترجيع وهو معنى قول صاحب " الهداية " أنه لا ترجيع في المشاهير، وقد ذكرنا أن المراد من المشاهير الآثار الشهيرة، وهو جمع فوق واحدة لأن حديث عبد الله بن زيد واحد فكيف يطلق عليه المشاهير، وأعجب منه ما ذكره صاحب " الأسرار " وتبعه الأكمل حيث ذكره في شرحه وهو أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أمره بذلك لحكمة رويت في قصته وهي أن أبا محذورة كان يبغض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل الإسلام بغضا شديدا فلما أسلم أمره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعرك أذنه، وقال له «ارجع وامدد بها صوتك» إما ليعلم أنه لا حياء من الحق أو ليزيده محبة لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بتكرير كلمات الشهادة.
قلت: هذا ضعيف فإنه خفض صوته عند ذكر اسم الله أيضا بعد أن رفع صوته بالتكبير، ولم ينقل في كتب الحديث أنه عرك أذنه والمشهور أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمره بالتكرار حالة التعلم فحسن تعلمه، وهو كان عادة النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في التعليم فظن أنه أمره بالترجيع.

(2/81)


وكان ما رواه تعليما فظنه ترجيعا،
ويزيد في أذان الفجر بعد الفلاح: الصلاة خير من النوم، مرتين؛ «لأن بلالا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: الصلاة خير من النوم - مرتين -، حين وجد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - راقدا. فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " ما أحسن هذا يا بلال! اجعله في أذانك» ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال ابن الساعاتي: هذا التأويل أشبه فإن أبا محذورة أخلص في إيمانه من أن يبقى معه حياء من قومه أو كراهة، لكن ذكر مسلم في حديثه ثم قال: قال لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا يأمرني به وقال: إن أبا محذورة لما لقيه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكان كافرا وكارها لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأذانه أعاد عليه الشهادة وكررها لتثبت عنده ويحفظها ويكررها على أصحابه المشركين، فإنهم كانوا ينفرون منها خلاف نفورهم من غيرها وفيها من الأذان وليس الأمر كذلك بدليل أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لم يأمر به بلالا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وقال ابن الجوزي: لا يختلف في أن بلالا كان لا يرجع ويقال أذان أبي محذورة عليه أهل مكة وما ذهبنا إليه عليه أهل المدينة وهو أولى بوجهين أحدهما: كون العمل على المتأخرين من الأمور.
والثاني: أن أذان بلال بحضرة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مطلع عليه فقرر له، وأذان أبي محذورة بمكة غائب عنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فلعله لا يعلم باطنه من الأذان. ونزد عليه أن الشافعي لم يجعله من أركان الأذان بل جعله من سننه على المذهب الصحيح عندهم.
فإن قلت: أذان أبي محذورة بعد فتح مكة وحديث عبد الله بن زيد في أول شروع الأذان فيكون منسوخا.
قلت: أليس قد رجع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة، وبلال يؤذن معه بالمدينة بعد رجوعه إلى أن توفي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بلا ترجيع، فقد أمره - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - على الأذان الذي هو أذان عبد الله. وفي " المنافع ": تعارف من زمان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى يومنا هذا - يعني أذان بلال - من غير ترجيع، والعرف ما استقر في النفوس من جملة [......] المنقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول.
م: (وكان ما رواه تعليما فظنه ترجيعا) ش: أي وكان ما رواه الشافعي من حديث أبي محذورة لأجل التعليم له حيث كرره له فظنه أبو محذورة أنه ترجيع وهو في أصل الأذان، وقد مر الكلام فيه مستوفى.

[زيادة الصلاة خير من النوم في أذان الفجر]
م: (ويزيد في أذان الفجر بعد الفلاح ... ) ش: أي المؤذن بالقرينة الحالية والمقالية دلت عليه فلا يكون إضمارا قبل الذكر م: (في أذان الفجر بعد الفلاح الصلاة خير من النوم مرتين؛ لأن بلالا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال الصلاة خير من النوم حين وجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - راقدا فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ما أحسن هذا يا بلال! اجعله في أذانك» ش: هذا الحديث رواه الطبراني في " معجمه الكبير " حدثنا محمد بن علي الصائغ المكي ثنا يعقوب بن حميد ثنا عبد الله بن وهب عن يوسف بن يزيد عن أبي هريرة

(2/82)


وخص الفجر به؛ لأنه وقت نوم وغفلة، والإقامة مثل الأذان، إلا أنه يزيد فيها بعد الفلاح: قد قامت الصلاة، مرتين هكذا فعل الملك النازل من السماء،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عن حفص بن عمر عن بلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه أتى إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يؤذنه بالصبح فوجده راقدا فقال: الصلاة خير من النوم مرتين فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " ما أحسن هذا يا بلال اجعله في أذانك» .
وأخرجه الحافظ أبو الشيخ في " كتاب الأذان " ثم حدثنا عبدان حدثنا محمد بن موسى الجرشي حدثنا خلف الحزان يعني البكاء قال: قال ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «جاء بلال إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يؤذنه بالصلاة فوجده راقدا قد أغفل فقال: الصلاة خير من النوم فقال " اجعله في أذانك إذا أذنت للصبح " فجعل بلال يقولها إذا أذن للصبح» .
وروى ابن ماجه في " سننه " حدثنا عمر بن رافع حدثنا عبد الله بن المبارك عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن بلال «أنه أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يؤذنه لصلاة الفجر فقيل هو نائم فقال: الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم فأقرت في تأذين الفجر» فثبت الأمر على ذلك.
وروى ابن خزيمة في " صحيحه " والدارقطني ثم البيهقي في "سننيهما" من حديث ابن سرين عن أنس قال: «من السنة إذا قال المؤذن في أذان الفجر حي على الفلاح قال الصلاة خير من النوم» .

م: (وخص الفجر به) ش: أي بقوله الصلاة خير من النوم.
م: (لأنه) ش: أي لأن الفجر.
م: (وقت نوم وغفلة) ش: لأن آخر الليل يحلى النوم ولا سيما إذا سهر أول الليل. م: (والإقامة مثل) ش: أي مثل الأذان في هيئته. م: (إلا أنه) ش: أي إلا أن المؤذن. م: (يزيد فيها) ش: أي في الإقامة.
م: (بعد الفلاح قد قامت الصلاة مرتين هكذا فعل الملك النازل من السماء) ش: يعني أقام بعد حد الأذان مثنى وفرادى بعد الفلاح قد قامت الصلاة مرتين. وروى أبو داود بإسناده إلى ابن أبي ليلى قال: الصلاة ثلاثة أحوال، قال: وحدثنا أصحابنا أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لقد أعجبني أن تكون صلاة المسلمين أو المؤمنين واحدة، حتى لقد هممت أن أبث رجلا في الدور ينادون بخير الصلاة حتى هممت أن آمر رجالا يقومون على الآطام ينادون المسلمين بخير الصلاة حتى يقضوا وكادوا أن ينقضوا " فجاء رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله إني لما رجعت لما رأيت من اهتمامك رأيت

(2/83)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
رجلا كان عليه ثوبين أخضرين فقام على المسجد فأذن ثم قعد ثم قام فقال مثلها إلا أنه يقول قد قامت الصلاة ولولا أن تقول الناس: قال - ابن المثنى - بعد إدراك خير أو لم يقل عمر وأخذ فَمُر بلالا فليؤذن قال: فقال عمر: أما أنا فقد رأيت مثل الذي رأى ولكن لما سبقت استحييت» .
وأخرجه أحمد في " مسنده " مطولا وفيه إني رأيت شخصا عليه ثوبان أخضران فاستقبل القبلة فقال الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله مثنى حتى فرغ من الأذان ثم أمهل ساعة ثم قال مثل الذي قاله غيره أنه يزيد في ذلك قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " علمها بلالا " فكان بلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أول من أذن بها. الحديث.
قوله: ابن أبي ليلى هو عبد الرحمن واسم أبي ليلى يسار.
قوله: أحلت الصلاة ثلاثة أحوال، أي غيرت ثلاث تغيرات أو حولت ثلاث تحويلات، وقد فسرها كما ينبغي في " مسند أحمد " وفيه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: أحلت الصلاة ثلاثة أحوال فإنها أحوال الصلاة فإن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قدم المدينة وهو يصلي سبعة عشر شهرا إلى بيت المقدس ثم إن الله عز وجل أنزل عليه {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [البقرة: 144] (البقرة: الآية 55) فتوجه إلى مكة فهذا حول وكانوا يجتمعون للصلاة ويؤذن بها بعضهم بعضا حتى نقضوا أو كادوا أن ينقضوا ثم إن رجلا من الأنصار يقال له عبد الله بن زيد أتى رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: «يا رسول الله إني رأيت شخصا عليه ثوبان أخضران إلى قوله فكان بلال أول من أذن بها كما ذكرنا عن قرب قال فمضى عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنه قد طاف بي» وهذا حولان.
قوله: وحديث أصحابنا إن أراد به الصحابة فهو قد سمع من جماعة من الصحابة فيكون الحديث مسندا وإلا فهو مرسل قاله المنذري.
قلت: بل أراد به الصحابة صرح بذلك ابن أبي شيبة في " مصنفه " فقال ثنا وكيع ثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال حدثنا أصحاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أن عبد الله بن زيد الأنصاري جاء إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله رأيت في المنام كأن رجلا قام وعليه بردان أخضران، فقام على حائط فأذن مثنى مثنى» وأخرجه البيهقي في " سننه " عن وكيع به قال في " الإمام ": وهذا رجاله رجال الصحيحين، وهو متصل على مذهب الجماعة في عدالة الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وأن جهالة أسمائهم لا تضر.

(2/84)


وهو المشهور، ثم هو حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في قوله: إنها فرادى فرادى، إلا قوله: قد قامت الصلاة مرتين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قوله: أو من المؤمنين شك من الراوي قوله: أن أبث أي لا فرق من البث وهو النشر وكلمة أن مصدرية.
قوله: في الدور أي القبائل.
قوله: يجيء الصلاة أي بوقتها.
قوله: على الآطام: جمع أطم بضم الهمزة والطاء وهو بناء مرتفع وآطام المدينة أبنيتهما المرتفعة. وفي الصحاح: الآطام: حصون أهل المدينة.
قوله: حتى نقض بفتح القاف من النقض وهو الضرب بالناقوس. قوله: أو كادوا أن ينقضوا بضم القاف لأنه من نَقَضَ يَنْقُضُ من باب نَصَرَ يَنْصُرُ وهو شك من الراوي والمعنى أو قربوا من نفس الناقوس؛ لأن كاد من أفعال المقاربة. قوله فجاء رجل من الأنصار هو عبد الله بن زيد الأنصاري وهو مفسر به في حديث أحمد.
قوله: كان عليه ثوبين أخضرين وفي رواية أحمد كما ذكرنا كان عليه ثوبان أخضران وهو القياس، لأن ثوبين فاعل كان وهو اسمه فيكون مرفوعا وخبره قوله عليه ووجهه رواية أبي داود وأن صحبا أن يكون كان زائدة وهي أي التي لا تخل بالمعنى الأصلي ولا يعمل في شيء أصلا، ويكون نصب ثوبين بالفعل المقدر والتقدير: رأيت رجلا ورأيت عليه ثوبين أخضرين. قلت: إذا كان بالتشديد لا يحتاج إلى هذه المكلفات اللهم إذا صحت الرواية فكان الناقض قوله ثم قعد قعدة بفتح القاف لأنه للمرة هاهنا وأما القعدة بالكسر فللهيئة. قوله: قال ابن المثنى هو محمد بن المثنى أحد مشايخ أبي داود. وقوله: ولم يقل عمرو هو عمرو بن مروان أحد شيوخ أبي داود. قوله: فمر بلالا من كلام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخاطب به عبد الله بن زيد الأنصاري. قوله: فقال هو عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أما أنا بفتح الهمزة في أنا وبكسرها في إني سمعت على صيغة المجهول. قوله: استحييت أن أذكر ما يأتي.
فإن قلت: من هو الملك الذي قال المصنف هكذا فعل الملك النازل.
قلت: قد قيل جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.... غيره والأول أظهر.
م: (وهو المشهور) ش: أي قيل الملك النازل من السماء هو المشهور وفيه من تكرار كلمات الإقامة كما في قوله قد قامت الصلاة مرتين.
م: (ثم هو حجة على الشافعي في قوله: إنها فرادى فرداى، إلا في قوله قد قامت الصلاة مرتين)

(2/85)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أي ثم فعل الملك النازل من السماء في الإقامة مثنى مثنى حجة على الشافعي في قوله أن الإقامة فرادى فرادى بضم الفاء جمع فرد على غير القياس كأنه جمع فردان والفرد الوتر.
قوله: إلا قد قامت الصلاة يعني هي مرتان وبه قال أحمد. وقال الشافعي في القديم ثم لفظ الإقامة أيضا مرة، وبه قال مالك لما روي عن أبي محذورة أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «الأذان مثنى مثنى والإقامة فرادى فرادى» «وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: كان الأذان في عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرتين مرتين والإقامة فرادى فرادى» . ولما روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمر بلالا أن يشفع فيه ويوتر في الإقامة» . ولأن المقصود بالأذان الإعلام ومع تكراره أبلغ والمقصود من الإقامة إقامة الصلاة بالإفراد أعجل لإقامتها.
ولنا ما ذكرنا من حديث عبد الله بن زيد الأنصاري ومشاهير أحاديث كبار الصحابة وما رواه محمول على الجمع بين الكلمتين في الإقامة والتفريق بينهما في الأول، وعلى إتيان قوله بحيث لا ينقطع الصوت لما روي أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مر بمؤذن أوتر الإقامة فقال له اشفعها لا أبا لك كذا في " المحيط "، وما ذكروا من قولهم وبالإفراد إذا عجل يعني أسر إلى الشروع [......] بقد قامت وروي عن النخعي أنه قال: أول من أفرد معاوية وقال مجاهد: كانت الإقامة في عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثنى مثنى حتى استحقه بعض أمراء الجواز لحاجة.
فإن قلت: أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال «أمر بلالا أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة» وأخرج أبو داود والنسائي وابن حبان عن ابن عمر قال: كان الأذان الحديث ذكرناه الآن وحديث أبي محذورة الذي احتج به الشافعي المذكور آنفا أخرجه الدارقطني في " سننه " وأخرج ابن ماجه عن معمر - بتشديد الميم - ابن محمد بن عبد الله بن أبي رافع حدثني أبي محمد عن أبيه عبد الله قال: «رأيت بلالا يؤذن بين يدي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثنى مثنى ويقيم» . وأخرج الدارقطني عن سلمة بن الأكوع قال: «كان الأذان على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثنى مثنى والإقامة فرادى» .
وأخرج البيهقي عن محمد بن إسحاق عن عون عن ابن أبي حنيفة عن أبيه قال «كان الأذان على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثنى مثنى والإقامة مرة واحدة» .
قلت: قد قلنا أحاديث مشاهير الصحابة مثل ما ذهبنا إليه، فهذا الترمذي روى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن زيد قال: «كان أذان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شفعا شفعا في الأذان والإقامة» وروى أبو داود وابن ماجه من حديث عبد الله بن محيريز عن أبي محذورة «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علمه الأذان» . وقال النسائي فيه: «ثم عدها أبو محذورة تسع عشرة كلمة» . وقال الترمذي: حديث حسن صحيح ورواه ابن خزيمة في " صحيحه " ولفظه: «فعلمه الأذان والإقامة

(2/86)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مثنى مثنى» وكذلك رواه ابن حبان في " صحيحه ".
فإن قلت: قال البيهقي: هذا الحديث عندي غير محفوظ بوجوه أحدها أن مسلما لم يخرجه، ولو كان محفوظا لم يتركه لأن هذا الحديث قد رواه هشام الدستوائي عن عامر الأحول دون ذكر الإقامة كما أخرجه مسلم في " صحيحه ".
والثاني: أن أبا محذورة قد روي عنه خلافه.
والثالث: أن هذا الخبر لم يدم عليه أبو محذورة، ولا أولاده ولو كان هذا حكما ثابتا لما فعل بخلافه.
قلت: عدم تخريج مسلم إياه لا يدل على عدم صحته، لأنه لم يلتزم إخراج كل الصحيح، ويتعين العدد بتسعة عشر وسبعة عشر ينفي الغلط في العدد بخلاف غيره من الروايات لأنه قد يقع فيها اختلاف وإسقاط وأيضا قد وجدت متابعة لهما.
ثم في رواية عن عامر كما أخرجه الطبراني عن سعيد بن أبي عروة عن عامر بن عبد الواحد عن مكحول عن عبد الله بن محيريز عن أبي محذورة قال: «علمني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة» .
والجواب عن الثالث أن هذا داخل في باب الترجيح لا في باب التضعيف؛ لأن عمدة التصحيح عدالة الراوي وترك العمل بالحديث لوجود ما هو أرجح منه لا يلزم منه ضعفه ألا ترى أن الأحاديث المنسوخة يحكم بصحتها إذا كانت رواتها عدولا ولا يعمل بها لوجود الناسخ، وإذا قال الأمر إلى الترجيح فقد يختلف الناس فيه.
قلت: وله طريق أخرى عند أبي داود أخرجه عن ابن جريج عن عثمان بن السائب وفيه «وعلمني الإقامة مرتين» ثم ذكرها مفسرة، وله طريق آخر عند الطحاوي أخرجه عن شريك بن عبد العزيز بن رفيع قال سمعت أبا محذورة يؤذن مثنى مثنى ويقيم مثنى مثنى.
وقال [في] الإمام عن يحيى بن معين عن عبد العزيز بن رفيع ثقة، وحديث [آخر] أخرجه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا معمر عن حماد عن إبراهيم عن الأسود «أن بلالا كان يثني الإقامة

(2/87)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وكان يبدأ بالتكبير ويختم بالتكبير» . ومن طريق عبد الرزاق رواه الدارقطني في " مصنفه " والطحاوي في " شرح الآثار ".
فإن قلت: قال ابن الجوزي في " التحقيق " والأسود: لم يدرك بلالا.
قلت: قال صاحب " التنقيح ": وفيما قاله نظر.
وقد روى النسائي للأسود عن بلال حديثا. وحديث آخر أخرجه الدارقطني في " سننه " بإسناده إلى بلال «أنه كان يؤذن للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثني مثنى، ويقيم مثنى مثنى» وفيه زياد البكاء وثقه أحمد، وقال أبو زرعة: صدوق واحتج به مسلم.
ويرد بهذا تعليل ابن حبان في كتاب " الضعفاء " هذا الحديث بزياد وأيضا روى الطحاوي من حديث وكيع عن إبراهيم بن إسماعيل عن مجمع بن حارثة عن عبيد مولى سلمة بن الأكوع أن سلمة بن الأكوع - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يثني الأذان والإقامة. حدثنا محمد عن خزيمة ثنا محمد بن سنان ثنا حماد بن سلمة عن حماد عن إبراهيم قال: كان ثوبان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يؤذن مثنى ويقيم مثنى. حدثنا يزيد بن سنان حدثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا فطر بن خليفة عن مجاهد قال: في الإقامة مرة مرة إنما هو شيء أحدثه الأمراء وأن الأصل التثنية.
قلت: قد ظهر لك بهذه الدلائل أن قول النووي في " شرح مسلم ": وقال أبو حنيفة الإقامة سبعة عشرة كلمة. وهذا المذهب شاذ.
قلت: رأيه لا يلتفت إليه، وكيف يكون شاذا مع وجود هذه الأحاديث والأخبار الصحيحة؟
فإن قلت: قول أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بلال الحديث في حكم المرفوع. وقال النووي قول الصحابي أمرنا هكذا ونهينا عن كذا وأمر الناس بكذا ونحوه كلمة مرفوع سواء قال الصحابي ذلك في حياة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو بعد وفاته.
قلت: من الإطلاق هنا وجوه الاحتمالات.
قوله: - سواء - اهـ غير مسلم، لجواز أن يقول الصحابي بعد رسول الله أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا ويكون الآمر والناهي أحد الخلفاء الراشدين.
فإن قلت: حديث أبي محذورة لا يوازي حديث أنس هذا من جهة واحدة، فضلا عن الجهات كلها مع أن الجماعة من الحفاظ ذهبوا إلى أن هذه اللفظة في تثنية الإقامة غير محفوظة، ثم رووا عن طريق أخرى عن عبد الملك بن أبي محذورة أنه سمع أباه أبا محذورة يقول: إن

(2/88)


ويترسل في الأذان ويحدر في الإقامة؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لبلال: «إذا أذنت فترسل، وإذا أقمت فاحدر» وهذا بيان الاستحباب،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمره أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة.
قلت: قد ذكرنا أن الترمذي وابن خزيمة وابن حبان صححوا هذه اللفظة.
فإن قلت: سلمنا أن هذه محفوظة وأن الحديث ثابت، ولكن نقول إنه منسوخ لأن أذان بلال هو آخر الأذانين.
قلت: لا نسلم أنه منسوخ لأن حديث بلال إنما كان في أول ما شرع الأذان كما يدل عليه حديث أنس، وأبي محذورة كان عام حنين وبينهما مدة مديدة.

[ما يسن في الأذان والإقامة]
م: (ويترسل في الأذان) ش: الترسل: ترك التعجيل، يقال ترسل في قرابة إذا لم يعجل، ومنه على رسلك: أي أشد وحقيقة الترسيل طلب الرسل، ومنه الرسل وهي الهينة والسكون.
م: (ويحدر في الإقامة) ش: من الحدر، وهو السرعة وهو من باب نصر ينصر وفي " الفتاوى الظاهرية " الترسل أن يفصل بين كلمتين، والأحرى أن يفصل بينهما ولا يفصل. ولو ترسل فيهما أو حدر فيه أو ترسل في الإقامة وحدر في الأذان جاز لحصول المقصود.
م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لبلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «إذا أذنت فترسل، وإذا أقمت فاحدر» ش: هذا الحديث أخرجه الترمذي عن عبد المنعم بن نعيم ثنا يحيى بن مسلم عن الحسن وعطاء عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لبلال: «إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحدر، واجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله والشارب من شربه والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته» وأريد المتغوط، قال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث عبد المنعم وهو إسناد مجهول وانتهى.
وعبد المنعم هذا ضعفه الدارقطني، وقال أبو حاتم: منكر الحديث جدا لا يجوز الاحتجاج به وأخرجه الحاكم في " مستدركه " عن عمرو بن فائد الأسواري ثنا يحيى بن مسلم به سواء ثم قال: هذا الحديث ليس في إسناده مطعون فيه غير عمرو بن فائد، ولم يخرجاه، قال الذهبي: قال الدارقطني: عمرو بن فائد متروك، وروى أحمد بن عدي «وإذا أقمت فاحذر» بالحاء المهملة وكسر الذال المعجمة أي أسرع قال ابن فارس: كل شيء أسرعت فيه فقد حدرته ولتعلمه أنها الروح والأرواح. وقد روى الأترازي هذا الحديث في شرحه وقال رواه الترمذي وغيره ولم يبين حاله.
م: (وهذا بيان الاستحباب) ش: أي هذا الذي ذكر من ترسل الأذان والحدر في الإقامة بيان

(2/89)


ويستقبل بهما القبلة؛ لأن الملك النازل من السماء أذن مستقبل القبلة، ولو ترك الاستقبال جاز؛ لحصول المقصود، ويكره لمخالفة السنة، ويحول وجهه للصلاة والفلاح يمنة ويسرة؛ لأنه خطاب للقوم فيواجههم به،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الاستحباب. وفي " الكافي " وسأذكره في المتن مشيرا إلى عدم الكراهة حيث قال: وهذا بيان الاستحباب وفيه نظر.

م: (ويستقبل بهما القبلة) ش: أي بالأذان والإقامة، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن السنة في الأذان استقبال القبلة لأن كل واحد منهما مشتمل على الدعاء والثناء والشهادة بالوحدانية والرسالة، وأحسن أحوال الداعين والذاكرين استقبال القبلة ولأنهما يشبهان الصلاة فيستقبل بهما القبلة كما في الصلاة ويجوز أن يكون التبع مقدما كسنة الظهر وحجاب الملوك.
م: (لأن الملك النازل من السماء أذن مستقبل القبلة) ش: بعده في حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ وقال فيه «فاستقبل القبلة وقال الله أكبر الله أكبر» أخرجه أحمد في " مسنده " وأبو داود في " سننه ". قوله مستقبل القبلة حال من الضمير الذي في أذن.
م: (ولو ترك الاستقبال) ش: أي استقبال القبلة.
م: (جاز لحصول المقصود) ش: وهو الإعلام.
م: (ويكره لمخافة السنة) ش: أراد بالسنة ما روي من حديث الرؤيا الذي تقدم.
م: (ويحول) ش: أي المؤذن وليس بإضمار قبل الذكر للعلم به.
م: (وجهه للصلاة والفلاح) ش: يعني عند قوله حي على الصلاة حي على الفلاح.
م: (يمنة ويسرة) ش: بسكون الميم في يمنة وسكون السين في يسرة وبفتح الأول فيهما، والميمنة خلاف الميسرة وهما منصوبان على الظرفية. وقيل: فيه لف ونشر مرتب وذلك لأن يمنة يرجع إلى حي على الصلاة ويسرة يرجع إلى حي على الفلاح، وقيل كل واحد من الميمنة والميسرة ينصرف إلى الصلاة والفلاح، جميعا بأن يقول حي على الصلاة يمنة ثم يقول يسرة حي على الفلاح يمنة ثم يقول يسرة وقيل الأصح هو الأول.
م: (لأنه خطاب للقوم فيواجههم به) ش: فيه.
فإن قلت: فإن كانت أذان المواجهة للقوم كان ينبغي أن يوجه من كان وراءه م القوم لأنهم يخصون به.
قلت: في ذلك استدار للقبلة والنفي فيه بما يحصل لهم من بلوغ الصوت عند تحويل الوجه يمنة ويسرة. وعن الخلال: لو صلى وحده لا يحول والصحيح أنه تحول لأنه سنة فيؤتى بها على

(2/90)


وإن استدار في صومعته فحسن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كل حال، قالوا لو أذن لمولود يؤتى به يحول وجهه يمنة ويسرة كذا في " المحيط " وذكر التمرتاشي أنه لا يحول في الإقامة إلا لأناس ينظرون.

م: (وإن استدار في صومعته فحسن) ش: أي وإن استدار المؤذن في صومعته وهي الموضع العالي على رأس المئذنة يقف فيها المؤذن يؤذن. وقال الأترازي: الصومعة ما على رأس المنارة من المئذنة. قلت الصومعة في الأصل للنصارى والواو فيه زائدة والشيء الدقيق المحدد الرأس يسمى مصمعا، ومنه الصومعة لأنها دقيقة الرأس. وروى حوقلة وقال الأكمل: واستدار في صومعته فهو ظاهر قلت: الظهور من أين أتى والكلام في الاستدارة حسن والحسن يرجع إلى شيء آخر في نفس الأمر.
أما الأول فقد روى الترمذي حدثنا محمود بن غيلان ثنا عبد الرزاق ثنا سفيان الثوري عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: «رأيت بلالا يؤذن ويدور ويتبع فاه هاهنا وأصبعاه في أذنيه» وقال الحديث حسن صحيح.
فإن قلت: روى أبو داود من حديث عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: «أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمكة، وهو في قبة حمراء من أدم» . الحديث وفيه «رأيت بلالا خرج إلى الأبطح فأذن، فلما بلغ حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح لوى عنقه يمينا وشمالا ولم يستدر» . وقال البيهقي الاستدارة في الأذان ليست من الطرق الصحيحة في حديث أبي جحيفة ونحن نتوهم بأن سفيان رواه عن حجاج بن أرطاة عن عروة، والحجاج غير محتج به.
وعبد الرزاق وهم فيه، ثم أسند عن عبد الله بن وليد عن سفيان به وليس فيه الاستدارة.
وقد رويناه من حديث قيس بن الربيع عن عون فيه وفيه ولم يستدر قلت: كونه مخرجا في " الصحيح " غير لازم. وقد صححه الترمذي كما ذكرناه وهو أتمه اللسان، وأما نسبة الوهم إلى عبد الرزاق متروك بمتابعة مؤمل إياه، كما أخرجه أبو عوانة في " صحيحه " عن مؤمل عن سفيان به نحوه وتابعه أيضا عبد الرحمن بن مهدي أخرجه أبو نعيم في " مستخرجه " على " كتاب البخاري " وإن توهمه أن سفيان سمع من حجاج بن أرطاة فقد جاء مصرحا به مما أخرجه الطبراني عن يحيى بن آدم عن سفيان عن عروة بن أبي جحيفة عن أبيه قال رأيت بلالا أذن فأصبع فاه هاهنا وهاهنا. وقال يحيى قال سفيان: كان حجاج بن أرطاة يذكر عن عون أنه قال: واستدار في أذانه فلما لقينا عونا لم يذكر فيه واستدار.
وأيضا فقد جاءت الاستدارة من غير جهة الحجاج. أخرجه الطبراني أيضا عن زيد بن عبد الله عن إدريس الأودي عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: «أتينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحضرت

(2/91)


ومراده إذا لم يستطع تحويل الوجه يمينا وشمالا، مع ثبات قدميه مكانهما كما هو السنة بأن كانت الصومعة متسعة، فأما من غير حاجة فلا،
والأفضل للمؤذن أن يجعل أصبعيه في أذنيه، بذلك أمر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بلالا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الصلاة فقام بلال فأذن وجعل أصبعيه في أذنيه وجعل يستدير» .
وأخرج أبو الشيخ الأصبهاني «أن بلالا أذن لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالبطحاء فجعل فوضع أصبعيه في أذنيه، وجعل يستدير يمينا وشمالا» . وأخرج ابن ماجه بلفظ يخالف عن حجاج بن أرطاة عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال «أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالأبطح وهو في قبة حمراء فخرج بلال فأذن فاستدار في أذانه وجعل أصبعيه في أذنيه» . وفي " سنن الدارقطني " من حديث كامل أبي العلاء عن أبي صالح عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أمر أبا محذورة أن يستدير في أذانه» . وأما الكلام في الثاني وهو قوله فحسن يحتمل أن يكون معناه وإن استدار في صومعته، فأذانه أحسن ويحتمل أن يكون معناه فاستدارته وهو أقرب في الوجه.
فإن قلت: إذا كان الأمر كذلك كان ينبغي أن يقول إن استدار في صومعته فسنة للأحاديث التي ذكرناها.
قلت: لما كان فيه تفصيل على مسائل لم يحسن على أن الحسن من لوازم السنة فذكر اللازم وأراد الملزوم فافهم.
م: (ومراده) ش: أي مراد محمد بن الحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في " الجامع الصغير " في قوله وإن استدار فحسن.
م: (إذا لم يستطع تحويل الوجه يمينا وشمالا مع ثبات قدميه مكانهما) ش: يعني إذا لم يستطع إخراج رأسه من الصومعة بدون الاستدارة مع ثبات قدميه.
م: (كما هو السنة) ش: يعني كما هو تحويل الوجه في الأذان يمينا وشمالا بدون الاستدارة، وعدم الاستدارة يدل على ثبات القدمين ثم بين المصنف اتساع الصومعة بقوله. م: (بأن كانت الصومعة متسعة) ش: لأن عند الاتساع لا يمكن الاستدارة مع ثبات القدمين.
م: (فأما من غير حاجة فلا) ش: أي ما في غير حاجة الاستدارة فلا يكون حسنا وهذا إنما يكون إذا كانت الصومعة صغيرة بحيث يمكن تحويل الوجه وإخراج الرأس فيها يمينا وشمالا مع ثبات القدمين، وبه قال النخعي والأوزاعي وأبو ثور وأحمد في رواية. وقال ابن سيرين يكره الالتفاف، وهو قول الإمام مالك إلا أن يريد إسماع الناس. وعند الحسن والشافعي لا يستدير.

م: (والأفضل للمؤذن أن يجعل أصبعيه في أذنيه، بذلك) ش: أي يجعل أصبعيه في أذنيه.
م: (أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بلالا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: هذا الحديث أخرجه ابن ماجه في " سننه " عن

(2/92)


ولأنه أبلغ في الإعلام فإن لم يفعل فحسن؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عبد الرحمن بن سعيد بن عمار بن سعد مؤذن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حدثني أبي عن أبيه عن جده أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أمر بلالا أن يجمع أصبعيه في أذنيه وقال: " إنه أرفع لصوتك» وأخرجه الحاكم في " المستدرك " في كتاب الفضائل عن عبد الله بن عمار بن سعد القرظي حدثني أبي عن جدي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أمر بلالا أن يجعل أصبعيه في أذنيه، وقال: " إنه أرفع لصوتك» مختصرا، وسكت عنه.
وأخرجه الطبراني في " معجمه " من حديث بلال «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له إذا أذنت فاجعل أصبعيك في أذنيك فإنه أرفع لصوتك» . وقال ابن القطان: عبد الرحمن هذا وأبوه وجده كلهم لا يعرف لهم حال. وقال السروجي في " الغاية ": روى ابن حبان «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أمر بلالا أن يجعل أصبعيه في أذنيه» .
قلت: ليس هذا بابن حبان صاحب " الصحيح " وإنما هو ابن حيان بالياء آخر الحروف وهو أبو الشيخ الأصبهاني رواه في كتاب الأذان وأبو حاتم بن حبان بالباء الموحدة صاحب " الصحيح ".
وروى أبو بكر بن خزيمة من حديث عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: «رأيت بلالا يؤذن وقد جعل أصبعيه في أذنيه» . وروى أبو الشيخ الأصبهاني في " كتاب الأذان " عن زيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن زيد الأنصاري قال: «اهتم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للأذان بالصلاة» . الحديث وفيه: «حتى إذا كان قبيل الفجر رأيت رجلا عليه ثوبين أخضرين وأنا بين النائم واليقظان فقام على سطح المسجد فجعل أصبعيه في أذنيه ونادى» . الحديث ويزيد بن أبي زياد متكلم فيه.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن جعل أصبعيه في أذنيه.
م: (أبلغ في الإعلام) ش: لأنه أندى لصوته، كما ذكره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفيه فائدة أخرى وهي أنه إنما لا يسمع صوت الأذان والإقامة لصمم أو لبعد فيستدل بوضع أصبعيه على أذنيه على ذلك وإن جعل يديه على أذنيه فحسن لأن في حديث أبي محذورة ضم أصابعه الأربع ووضعها على أذنيه. ورواه أحمد ومثله عن ابن عمر وحكاه في " المغني ". وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه إن جعل إحدى يديه على أذنيه فحسن.
م: (وإن لم يفعل فحسن) ش: قال صاحب " الدراية " أي الأذان حسن لا ترك الفعل لأنه أمر به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بلالا فلا يليق به أن يوصف تركه بالحسن لكن لما لم يكن من السنن الأصلية لم يؤثر زواله في زوال حسن الأذان فكان معناه أن الأذان به أحسن ومع تركه حسن، وتبعه الأكمل على ذلك وقال السروجي: إن الأذان بدونه أحسن.

(2/93)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال تاج الشريعة قريبا منه، ثم قال: وإنما كان كذلك لأنه ليس من السنن المشهورة في الأذان وهو غير مذكور في حديث الرؤيا وهو السبب الظاهر فشرع الأذان والكل أخذوه من كلام السغناقي وإسناد الحسن إلى الأذان مذكور في " الفوائد الظهيرية " قال الشيخ نظير هذا ما قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمار «إن عادوا فعد» أي عادوا إلى الإكراه فعد إلى تخليص نفسك لا لسب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعني به يظهر من حيث إن العدول بالضمير عن الظاهر إلى مدلول الظاهر.
وقال الأترازي: ويجوز أن يقال إن الأفضل جعل الإصبعين في الأذنين وذاك يقتضي الفاضل والفاضل حسن، فإذا كان فعله أفضل يكون تركه فاضلا حسنا.
قلت: الكل أخرجوه من الدائرة، لأن التركيب وإن كان غريبا فلا يقتضي معناه هذا لتأويلات بيانه أن قوم لم يفعل فيه ضمير مرفوع يرجع إلى المؤذن ومفعوله محذوف. والتقدير: وإن لم يفعل المؤذن جعل أصبعيه في أذنيه.
وقوله: فحسن جواب الشرط تقديره فهو حسن والمعنى عدم فعله حسن لأن الجزاء يترتب على الشرط، والشرط هنا عدم الفعل. فكيف يكون ذا حسن؟ فيكون نظير ما ذكروا إن لم يفعل خيرا فالماء موجود وهذا في غاية الهجانة.
وقوله من قال لم يكن من السنن الأصلية إلى آخره غير موجه لأن مراد هذا القائل أن السنة على نوعين: سنن أصلية، وسنن فرعية. وهذا لم يقل به أحد بل كما أمر به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ فعله سنة أصلية وكيف لا يكون من السنن الأصلية؟ وقد روى جماعة من أهل الحديث أخبارا كثيرة وفيها أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك. وقد ذكرنا نبذة من ذلك.
وقال السروجي: أي الأذان بدونه حسن أيضا غير موجه لأنه كيف يكون بدونه حسنا، وقد أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يقل بذلك أحد. وكذلك قول تاج الشريعة: لأنه ليس من السنن المشهورة في الأذان غير سديد، لأنه كيف لا يكون من السنن المشهورة وقد رواه جماعة من الصحابة. وقول السغناقي وأشار الحسن الأذان مذكور في كلام " الفوائد الظهيرية " كلام لا طائل تحته؛ لأن نسبة الحسن إلى الأذان غير مستبعد ولا مستغرب حين ثبت ذلك في " الفوائد الظهيرية ".
ثم قوله: وقال الشيخ إلى آخره كلام واه ولا يخفى ذلك على من له أدن ذوق من أحوال التركيب، وكيف يكون نظير هذا ما قاله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن عادوا فعد» ، لأن معناه إن عاد الكفار أي أكثر أهل ما يتكلم بكلمة الكفر فعد إليها، وأنت مطمئن بالإيمان. وتفسره بقوله إن عادوا إلى الإكراه فعد إلى تخليص نفسك تأويل بعيد. ولئن سلمنا أن تقدير الخبر مثل ما قال، ولكنه لا يقدر على تخليص نفسه بالإتيان ما هو أكرهوه به من أي مكان.

(2/94)


لأنها ليست بسنة أصلية،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقول الأترازي ويجوز أن يقال إلى آخره خارج عن الدائرة بالكلية، لأن الذي ذكره قط لا يقتضي التركيب فكأنه لمح ما قاله من قول المصنف.
والأفضل للمؤذن أن يجعل، وذلك لأن الأفضل أفعل التفضيل وهو يقتضي الفاضل فإذا كان فعله ذاك أفضل كان فاضلا ونحن نقول تركه غير فاضل لأنه مأمور به. فكيف يكون تركه فاضلا ولا مخلص هاهنا إلا أن يقول تقدير التركيب وإن لم يفعل وضع أصبعيه في أذنيه بل وضعهما عليهما فحسن ذلك لأنه روى أحمد في حديث أبي محذورة ضم أصابعه الأربعة ووضعها على أذنيه. وقد ذكرنا هذا فيما مضى، وذكرنا أيضا أن أبا يوسف روى عن أبي حنيفة أنه إن جعل إحدى يديه على أذنيه حسن فهذا يزيل الإشكال.

م: (لأنها ليست بسنة أصلية) ش: أي لأن هذه الفعلة ليست سنة أصلية قال تاج الشريعة، وغيره لأنه لم يذكر في أصل الحديث وهو حديث الرؤيا.
قلت: هذا غير صحيح لأنا قد ذكرنا أن الشيخ الأصبهاني روى حديث عبد الله بن زيد وفيه " فقام على سطح المسجد فجعل أصبعيه في أذنيه ونادى "، وقال الأترازي السنة نوعان: الهدى وتاركها مبتدع فلا يكون تركها حسنا وزائدة وتركها لا يكون بدعة لأن الإنسان ينتقل من تركها وفعلها، وما لا يكون بدعة لا يكون حسنا، وهذا معنى قوله لأنها ليست بسنة أصلية، أي: ليست من سنة الهدى إلى آخره.
قلت: تفسيره قول المصنف لأنها ليست بسنة أصلية. فقوله: أي ليست من سنن الهدى غير صحيح فإذا لم يكن من سنن الهدى يكون فعله بدعة، ولم يقل به أحد لأنه مأمور به في أحاديث وردت به. وكيف يكون اتصافها بأنها ليست من سنن الهدى؟ بل تفسير كلامه هو الذي ذكرناه ثم اعلم أن ما قد ذكرنا في أول الباب أن للأذان تفسير لغة وشرعا، وثبوت، وسبب، ووصف، وكيفية، ومحل شرع فيه ووقت وسنن وفيما يجب على سامعه. أما الوقت للأذان فدخول وقت المكتوبة.
وأما سننه فستة أنواع: نوع يرجع إلى صفة الأذان، ونوع يرجع إلى صفة المؤذن، فالذي يرجع إلى نفس الأذان أن يرتفع المؤذن صوته وجاء في حديث أبي محذورة «ارفع من صوتك ومد من صوتك» وفي حديث عبد الله بن زيد «ألقه على بلال فإنه أندى صوتا منك» ولأن المقصود منه الإعلام وهو أتم فيه ولهذا كان الأفضل أن يؤذن في موضع يكون أسمع للجيران كالمئذنة ونحوها لحديث أبي بردة الأسلمي، قال «من السنة الأذان في المنارة والإقامة في المسجد» . رواه أبو الشيخ الأصبهاني والحافظ أبو القاسم تمام بن محمد الرازي، ولا ينبغي أن يحمل نفسه لأنه يخاف حدوث الفتق والضعف في الصوت قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأبي محذورة أما خشيت أن تفيق

(2/95)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مريطا وهو ما بين السرة والعانة، والمريط، بضم الميم وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف يمد ويقصر. وذكر النووي في " شرح المهذب " ويجهر بالإقامة دون الجهر بالأذان، وأن يفصل بين كملتي الأذان بسكتة بخلاف الإقامة.
روى مالك موقوفا قال الجوهري: وعوام الناس يقولون الله أكبر بضم الراء، وكان أبو العباس المبرد: يفتح الراء في الأولى ويسكنها في الثانية فيحركها بالأول لالتقاء الساكنين بقوله تعالى: " أَمِ اللهُ " وذكر ابن بطة عن أبي نعيم النخعي قال ابن شيبان مجزومان كانوا لا يعرفونهما الأذان والإقامة، وحكاه ابن الأنباري: عن أهل اللغة قال: يعني لأهل الكلام بعضه بعض مقدما بل بالإسكان على نية الوقف، لكن يقف في كلمات الأذان حقيقة وفي الإقامة ينوي الوقف.
وفي " المجتبى ": المد في أول التكبير كفر وفي آخره خطأ. ولا بأس بالتطريب في الأذان وهو تحسين الصوت من غير تغيير وإن تغير لحن وإن مد كره، وعن الحلواني: إنما يكره التلحين في الثناء دون الدعاء والفلاح، وإذا كره التلحين في الأذان ففي قراءة القرآن أولى أن يترتب بين كلمات الأذان والإقامة حتى لو قدم البعض على البعض يعيد [......] ، ثم يؤذن وكذا لو ثوب بين الأذان والإقامة في الفجر يظن أنه في الإقامة فأتمها. ثم تذكر قبل الشروع في الصلاة فالأفضل أن يأتي بالإقامة من أولها إلى آخرها، ولو أذن فظنه الإقامة ثم علم بعد الفراغ فالأفضل أن يعيد الأذان وليستقبل الإقامة مراعاة للموالاة، وكذا إذا أخذ في الإقامة فظن أنها الأذان ثم علم يبتدئ بالإقامة فإن علم بعد قوله قد قامت الصلاة أنه في الأذان يتم الأذان ثم يقيم. وفي " المحيط " لو جعل الأذان الإقامة لا يستقبل ولو جعل الإقامة، أذانا استقبل وفي " البدائع " لو غشي عليه في الأذان والإقامة ساعة أو ارتد عن الإسلام - والعياذ بالله - ثم أسلم أو أحدث فذهب وتوضأ ثم جاء فالأفضل هو الاستقبال، ولو أذن ثم ارتد فإن تبادر أعاد وإن لم يبادر اعتدوا به بحصول الإعلام به.
ويكره له أن يتكلم في أذانه وإقامته، لأنه ذكر معظم كالخطبة، قال الأوزاعي: لم نعلم أحدا مقتدى به فعله، ورخص فيه الحسن وعطاء وقتادة وعروة. وروى عن سليمان بن حرب حكى عنه الأثرم أن اليسير من الكلام جائز دون الطويل وعن أحمد إباحته في الأذان دون الإقامة وأبطله الزهري بالكلام وهو ضعيف، ويكره له رد السلام فيه، وقال النووي: يرده وأن يؤذن قائما للجماعة ويكره أذان القاعد. قال صاحب " المحيط " والإسبيجابي والوتري: القيام سنة أذان الجماعة ويكره تركه من غير عذر وبه قال عطاء، وقال الإمام مالك: لم أر أحدا فعله وإن أذن لنفسه فلا بأس بأن يؤذن قاعدا من غير عذر موافقا لسنة الأذان وعدم الحاجة إلى إعلام الناس ولا بأس أن يؤذن راكبا لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أذن يا أخا صداء قال وأنا راكب على راحلة فأذنت» رواه

(2/96)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الطبراني. وقال ابن المنذر: ثبت أن عمر كان يؤذن على البعير وينزل للإقامة، ويكره في ظاهر الرواية في الحضر أن يؤذن راكبا، وعن أبي يوسف لا بأس به.
ثم المؤذن يختم الإقامة على مكانه ويتمها ماشيا، اختلف المشايخ فيه قال بعضهم يختمها على مكانه سواء كان المؤذن إماما أو غيره، كذا روي عن أبي يوسف وقيل يتمها ماشيا.
وعن الفقيه أبي جعفر الهندواني فيه إذا بلغ قد قامت الصلاة فهو بالخيار إن شاء مشى وإن شاء وقف إماما كان أو غيره، وبه أخذ أبو الليث وما روي عن أبي يوسف أصح ذكره في " البدائع " ويكره أن يؤذن في مسجدين لأن التنقل بالأذان غير مشروع.
والثاني نافلة وفي " الذخيرة " أذن رجل وأقام آخر إن غاب الأول لا يكره وإن كان حاضرا ويلحقه الوحشة بذلك يكره. وفي " القدوري " إن أذن واحد وأقام آخر فلا بأس به وروي عن أبي حنيفة أنه يكره من غير فصل.
وإن رضي به لا يكره عندنا. وفي " الوبري " الذي أذن أولى بالإقامة والحق له. وإن أقام غيره بإذنه جاز.
فإن قلت: روى الترمذي وابن ماجه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أن أخا صداء أذن ومن أذن فهو يقيم» .
قلت: في رواته عبد الرحمن الأفريقي ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره. وقال أحمد: لا أكتب حديثه الأفريقي واسم الصدائي يزيد بن الحارث. وقيل زياد نسبة إلى الصدا بضم الصاد وتخفيف الدال المهملتين وبالمد وهو حي من اليمن. وقال الشافعي يستحب أن يكون المؤذن هو الذي يقيم.

[شروط المؤذن] 1
وأما الذي يرجع إلى المؤذن، فهو أن يكون ذكرا بالغا عاقلا صحيحا تقيا عالما بالسنة، ومواقيت الصلاة جهرا بصوت مواظبا على الأذان في الصلوات الخمس ولا يستأجر عليها، ولو فعل لا يستحق الأجرة لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لعثمان بن أبي العاص، «وإن اتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا» رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وبه قال الأوزاعي وأحمد وابن المنذر. ورخص فيه مالك وبعض الشافعية ولو علموا حاجته فلا بأس بأن يعينوه من غير شرط، ولو قسم القوم لم يجيز ولو فعلوا ذلك ضربوا بينهما حائطا وصار مسجدين، ويشترط أن يكون لكل واحد إمام ومؤذن وإن أذن صبي لا يعقل أو مجنون يعاد، لأنه لم يعتد به كصوت الطير ولا يعاد

(2/97)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أذان الصبي العاقل. وعن أبي يوسف عن أبي حنيفة في غير ظاهر الرواية أنه قال: أكره أن يؤذن من لم يحتلم، لأن الناس لا يعتدون بأذانه. وبه قال مالك والثوري، ورخص عطاء والشعبي وابن أبي ليلى فيه ويكره أذان السكران ويستحب إعادته، وكذا يكره أذان الفاسق ولا يعاد وإن اشترط عليه أجرا فهو فاسق.
وفي العبد والأعرابي وولد الزنا والأعمى وغيرهم أحب، ذكره في " الذخيرة " " والبدائع " وفي " المحيط " يكره أذان الأعمى وبه قال الشافعي، وقال النووي لا يصح أذان الأعمى عند أبي حنيفة وداود ومالك والشافعي.
قلت: نقله عن أبي حنيفة غير صحيح.
فإن قلت: ابن أم مكتوم أحد مؤذني الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكان أعمى.
قلت: هو كان يعرف الوقت بأذان بلال لأنه كان إذا نزل بلال صعد هو. وأما الذي يرجع إلى سامعه فهو أنه يجب عليه الإجابة. قال بعضهم: الإجابة بالقدم لا باللسان، وهو المشي إلى المسجد ولو كان حاضرا في المسجد حين سمع الأذان فليس عليه إجابة، فإن قال ما يقوله نال الثواب، وإن لم يقله فلا إثم عليه ولا يكره له ذلك.

[ما يستحب لمن سمع الأذان] 1
وفي " قاضي خان " يستحب لمن سمع الأذان أن يقول كما يقول المؤذن وفيه وفي " الذخيرة " إلا عند قوله حي على الصلاة حي على الفلاح، فإنه يقول عند هاتين الكلمتين لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ومكان قوله حي على الفلاح ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وعند قوله الصلاة خير من النوم، صدقت وبررت.
وجه الوجوب قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذا سمعتم الأذان فقولوا مثل ما يقول المؤذن» رواه الجماعة من حديث أبي سعيد الخدري، وعن معاوية مثله إلى قوله أشهد أن محمدًا رسول الله وإذا قال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله رواه البخاري.
وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال: «إذا سمعتم الأذان» مثل رواية معاوية رواه مسلم وحديث عمرو ومعاوية تفسير حديث الخدري وبه قال مالك والشافعي. ومنهم من قال: يقول في الكل مثل ما يقول المؤذن منهم الخرقي، وروى غيره أن أحمد معنا.
وقيل: يجمع بينهما للحديثين، ولو سمعه في الصلاة قال مالك يقول مثل قوله في التكبير والشهادتين في النافلة دون الفريضة. وهو قول الليث وقال سحنون لا يقوله في فريضة ولا نافلة، وهو قول الشافعي. وروى أبو مصعب عن مالك يقوله فيهما. وقال الطحاوي عن

(2/98)


والتثويب في الفجر: حي على الصلاة حي على الفلاح مرتين بين الأذان والإقامة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أصحابنا ما يدل على أنه لا يقوله المصلي لأن كلامه يحرم في الفريضة والنافلة، وفي " المنية " إجابة المؤذن بعد الصلاة، ووجه الاستحباب رواية عبد الله بن منصور - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال «كنا نسمع مناد يقول الله أكبر، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الفطرة فقال أشهد أن لا إله إلا الله فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج من النار فابتدرناه فإذا هو صاحب ماشية أدركته الصلاة فصلى» .
قال الطحاوي: فهذا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سمع المنادي فأجاب غير ما قال فدل على أن الأمر للاستحباب وإصابة الفضل ويستحب له أن يتابع المؤذن في ألفاظ الإقامة إلا في الحيعلة وفي كلمة قد قامت الصلاة يقول أقامها الله وأدامها وفي " المفيد " ما دامت السماوات والأرض وفي حديث شهر بن حوشب عن أبي أمامة أو بعض أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقامها وأدامها.
وقال في باب الإقامة بنحو حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الأذان، رواه أبو داود. والمتابعة لكل سامع من محدث وجنب وحائض وكبير وكذا الصغير على وجه الاستحباب لأنه ذكر. وكذا في الطواف ويستثنى منه المصلي ومن هو على الخلاء والجماع. وفي " المحيط " " والبدائع " لا ينبغي للسامع أن يتكلم في حال الأذان ويشتغل بالاستماع والإجابة. وفي " المرغيناني " لو كان يقرأ القرآن في المسجد لا يقطع ويقطع في بيته ولا يرد السلام. وفي " الخطبة" يرد سرا وجواب العطسة يكون سرا.
ولو سمع مؤذنا بعد مؤذن قال النووي لم أر فيه شيئا لأصحابنا، قال: والمختار أن يقال: يخص الأول، قلنا زيادة الفضل والثواب في المبالغة لا يختص.

[التثويب في أذان الفجر]
م: (والتثويب في الفجر) ش: أي التثويب في صلاة الفجر، وهو مبتدأ والتثويب في اللغة: الرجوع، ومنه الثواب لأنه منفعة عمله يعود إليه وهو عود إلى الإعلام بعد الإعلام، وتفسيره عند المصنف أن يقول المؤذن.
م: (حي على الصلاة حي على الفلاح مرتين بين الأذان والإقامة) ش: هذا الذي ذكر محمد في " الجامع الصغير " عن يعقوب عن أبي حنيفة، وهذا التثويب محدث أحدثه علماء الكوفة بعد عهد الصحابة لظهور التواني وتغير أحوال الناس ولم يبين التثويب القديم. وفي الأصل كان التثويب في صلاة الفجر بعد الأذان الصلاة خير من النوم مرتين.
وفي " المحيط " روي عن أبي حنيفة هكذا. وقال الطحاوي: التثويب القديم للشافعي والمسألة فيما يفتي على القديم وبه قال مالك وأحمد. وقال الشافعي في الجديد: أنه بين الأذان والإقامة، وهو المروي عن أبي حنيفة ومحمد. وعن أبي حنيفة قوله الصلاة خير من النوم بعد الأذان لما فيه وهو اختيار أبي بكر بن الفضل البخاري. وفي رواية البخاري عن أصحابنا أنه في الأذان، وكذلك عن الطحاوي لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ما أحسن هذا، اجعله في أذانك» .

(2/99)


حسن؛ لأنه وقت نوم وغفلة، وكره في سائر الصلوات، ومعناه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال فخر الإسلام البزدوي: الصحيح أنه كان بعد الأذان.
م: (حسن) ش: خبر المبتدأ، أعني قوله والتثويب.
فإن قلت: هذا الذي ذكره محدث كما قلنا وكيف سمي حسنا؟ قلت: لما روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن» .
م: (وكره) ش: أي التثويب بين الأذان والإقامة.
م: (في سائر الصلوات) ش: وقال الأترازي: لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لبلال «ثوب في الفجر، ولا تثوب في العشاء» .
قلت: هذا الحديث لم يرد على هذا الوصف ومع هذا هو لا يصلح دليلا إلا لترك التثويب في العشاء فقط فكيف يستدل بهذا على ترك التثويب في الظهر والعصر والمغرب؟ والذي ورد فيه حديثان ضعيفان:
أحدهما: للترمذي وابن ماجه عن أبي إسرائيل عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال قال: «أمرني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن لا أثوب في شيء من الصلاة إلا في صلاة الفجر» .
قال الترمذي: هذا الحديث لا نعرفه إلا من حديث أبي إسرائيل الملائي وليس بالقوي، ولم يسمعه من الحكم، إنما رواه عن الحسن بن عمارة عن الحكم.
والثاني أخرجه البيهقي عن عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال قال: «أمرني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن لا أثوب إلا في الفجر» . قال البيهقي: وعبد الرحمن لم يلق بلالا وقال ابن السكن: لا يصح إسناده. ورواه الدارقطني من طرق أخرى عن عبد الرحمن وفيه أبو سعيد البقال وهو ضعيف. وفي " المبسوط " روى أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رأى مؤذنا يثوب للعشاء فقال: أخرجوا هذا المبتدع من المسجد.
وقال مجاهد: دخلت مع ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مسجدا فصلى الظهر فسمع المؤذن يثوب فغضب وقال: قم حتى تخرج من هذا الموضع هذا المبتدع، وما كان التثويب على عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا في صلاة الفجر. وفي " الحلية " ولا يستحب في قول الشافعي في غير أذان الصبح.
م: (ومعناه) : أي معنى التثويب.

(2/100)


العود إلى الإعلام بعد الإعلام، وهو على حسب ما تعارفوه، وهذا التثويب أحدثه علماء الكوفة بعد عهد الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لتغير أحوال الناس،
وخصوا الفجر به لما ذكرنا، والمتأخرون استحسنوه في الصلوات كلها لظهور التواني في الأمور الدينية. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا أرى بأسا أن يقول المؤذن للأمير في الصلوات كلها: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته، حي على الصلاة حي على الفلاح، الصلاة يرحمك الله،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (العود إلى الإعلام بعد الإعلام) ش: وهذا معناه الشرعي، وفي اللغة التثويب الرجوع مطلقا كما ذكرناه.
م: (وهو) ش: أي التثويب م: (على حسب ما تعارفوه) ش: أي ما تعارفه أهل كل بلدة من التنحنح، أو قوله الصلاة، الصلاة أو قوله قامت قامت لأنه للمبالغة في الإعلام وإنما يحصل ذلك بما تعارفوه.
م: (وهذا التثويب) ش: إشارة إلى قوله والتثويب في الفجر حي على الصلاة حي على الفلاح مرتين الأذان والإقامة م: (والتثويب أحدثه علماء الكوفة بعد عهد الصحابة) ش: أي بعد زمانهم م: (لتغير أحول الناس) ش: وهو توانيهم وكسلهم في باب العبادة.

م: (وخصوا الفجر به) ش: أي خص علماء الكوفة الفجر به التثويب، يعني لم يثوبوا إلا في الفجر خاصة.
م: (لما ذكرنا) ش: وهو قوله لأنه وقت نوم وغفلة.
م: (والمتأخرون استحسنوه) ش: أي العلماء المتأخرون استحسنوا التثويب م: (في الصلوات كلها لظهور التواني في الأمور الدينية) ش: فعلى هذا استحباب المتأخرين أحداثا بعد أحداث وفي " جامع البرهاني " ترك سائر الأوقات في زماننا بتركه وقت الفجر في زمان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قلت: استحسان المتأخرين التثويب في كل الصلوات ليس بلفظ معين، ولا شرطوا غير ذلك اللفظ، بل ما ذكروا متعارف. وفي " شرح مختصر الكرخي " للقدوري ويثوب وهو قائم كالأذان في قول أبي حنيفة وأبي يوسف. قال الحسن: وفيه قول يسكت بعد الأذان ساعة ثم يقول حي على الصلاة حي على الفلاح وبه نأخذ، وإن صلوا ركعتي الفجر بين الأذان والتثويب فلا بأس به.
وفي قول أبي حنيفة: وقال ابن شجاع عن أبي حنيفة التثويب الأول في نفس هذا الأذان وهو الصلاة خير من النوم مرتين. والثاني: فيما بين الأذان والإقامة.
م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا أرى بأسا أن يقول المؤذن للأمير في الصلوات كلها السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته، حي على الصلاة حي على الفلاح، الصلاة يرحمك الله) ش: قول

(2/101)


واستبعده محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الناس سواسية في أمر الجماعة، وأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - خصهم بذلك، لزيادة اشتغالهم بأمور المسلمين، كيلا تفوتهم الجماعة، وعلى هذا القاضي والمفتي،
ويجلس بين الأذان والإقامة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أبي يوسف هذا متعلق بالتثويب المحدث في سائر الصلوات بزيادة اختصاص بمن يكون مشتغلا بأمور المسلمين قال السرخسي والقدوري: عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه لما كثر اشتغاله نصب من يحفظ عليه صلاته. وفي " جامع قاضي خان " ما قاله أبو يوسف في أمراء زمانه لا في أمراء زماننا، لأنهم مشغولون بالظلم لا بأمور المسلمين.
م: (واستبعده محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي استبعد محمد ما قاله أبو يوسف حتى قال: أنى لأبي يوسف، حيث خص الأمر بالتثويب والذكر ومال إليه. وقيل: إنما استبعده محمد لما بينهما من الوحشة، ويؤيده ما قال في " الجامع الصغير " محمد عن يعقوب ولم يقل عن أبي يوسف، ولكن لا يظن أنه لقي الله وهو كما قال بل تاب ورجع، والبشر لا يخلو عن هذه الحالات كذا في " الحميدية ".
م: (لأن الناس سواسية في أمر الجماعة) ش: أي متساوون في أمر الجماعة فلا يختص به الأمراء، وفي " المغرب " يقول هم سواسية أي سواء وهما سيان أي مثلان. وفي " الصحاح " هم سواء فلا يختص به الأمراء. وفي الجمع وأسواء وسواسية أي أشباه مثل ثمانية على غير قياس، وتقول هما في هذا الأمر سوى وإن شئت تقول أسواء وهم سوان للجميع وهم سواسية.
م: (وأبو يوسف خصهم بذلك) ش: هذا اعتذار من جهة أبي يوسف، يعني تخصيصه الأمراء بذلك أي يقول المؤذن السلام عليك أيها الأمير إلى آخره.
م: (لزيادة اشتغالهم بأمور المسلمين كيلا تفوتهم الجماعة) ش: أي الصلاة بالجماعة. وإنما قيد بقوله بأمور المسلمين لأن الأمراء المشتغلين باللهو والطرب، لا يثوب لهم إلا على وجه الأمر بالمعروف والنصيحة.
م: (وعلى هذا) ش: أي عل ما ذكره أبو يوسف من زيادة اشتغال الأمراء بأمور المسلمين م: (القاضي والمفتي) ش: لأنهما مشغولان بأمور المسلمين، القاضي: بفصل الأحكام والمفتي بكتابة الفتاوى والمراجعة إلى الكتب يثوب لهم كيلا تفوتهم الجماعة.

[الفصل بين الأذان والإقامة]
م: (ويجلس) ش: أي المؤذن م: (بين الأذان والإقامة) ش: أراد أن الوصل بينهما مكروه لأن المقصود بالأذان إعلام الناس بدخول الوقت ليتأهبوا للصلاة بالطهارة فيحضروا المسجد لإقامة الصلاة، وبالوصل ينتفي هذا المقصود.
وذكر التمرتاشي في " جامعه " أنه يقعد مقدار ركعتين أو أربع أو مقدار ما يفرغ الآكل من

(2/102)


إلا في المغرب، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: يجلس في المغرب أيضا جلسة خفيفة؛
لأنه لا بد من الفصل، إذ الوصل مكروه، ولا يقع الفصل بالسكتة لوجودها بين كلمات الأذان، فيفصل بالجلسة كما بين الخطبتين، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن التأخير مكروه، فيكتفي بأدنى الفصل احترازا عنه، والمكان في مسألتنا مختلف، وكذا النغمة، فيقع الفصل بالسكتة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أكله، والشارب من شربه، والحاقن من قضاء حاجته. وقيل " مقدار ما يقرأ عشر آيات ثم يثوب ثم يقيم كذا في " المجتبى ".
وفي " شرح الطحاوي " يفصل بين الأذان والإقامة مقدار ركعتين أو أربع، يقرأ في كل ركعة نحو عشر آيات وينظر المؤذن للناس ويقيم للضعيف المستعجل، ولا ينظر رئيس المحلة، ولا كبيرها، ولا يؤذن إلا في فناء المسجد وناحيته.
م: (إلا في المغرب) ش: يعني لا يفصل بين الأذان والإقامة في وقت صلاة المغرب لأن تأخيرها مكروه م: (وهذا عند أبي حنيفة) ش: أي استثناء المغرب عند أبي حنيفة م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد. م: (يجلس في المغرب أيضا جلسة خفيفة) ش: وهي مقدار الجلسة بين الخطبة.

م: (لأنه لا بد من الفصل إذ الوصل مكروه) ش: اتفاقا. م: (ولا يقع الفصل بالسكتة لوجودها بين كلمات الأذان فيفصل بالجلسة كما بين الخطبتين) ش: وحاصل المذهب أن العلماء اتفقوا على أنه لا يفصل الإقامة بالأذان، بل يفصل بينهما لكنهم اختلفوا في مقدار الفصل. فعند أبي حنيفة المستحب أن يفصل بينهما بسكتة يسكت قائما ساعة ثم يقيم، ومقدار السكتة عنده قدر ما يتمكن فيه بقراءة ثلاث آيات قصار أو آية طويلة. وروي عنه مقدار ما يخطو ثلاث خطوات. وعندهما يفصل بينهما بجلسة خفيفة مقدار الجلسة بين الخطبتين. وذكر الإمام الحلوائي الخلاف في الأفضلية حتى عند أبي حنيفة إن جلس جاز فالأفضل أن لا يجلس، وعندهما على العكس ذكره الإمام التمرتاشي.
م: (ولأبي حنيفة أن التأخير مكروه) ش: أي تأخير صلاة المغرب مكروه بلا خلاف. م: (فيكتفي بأدنى الفصل) ش: بين الأذان والإقامة وحده ما ذكرناه عن قريب. م: (احترازا عنه) ش: أي عن التأخير المكروه واحترازا منصوب على أنه مفعول مطلق بتقدير احتراز احترازا ونحو ذلك.
م: (والمكان في مسألتنا مختلف) ش: هذا جواب من جهة أبي حنيفة عن قولهما في الفصل بين الأذان والإقامة مقدار الجلسة بين الخطبتين، وتقديره أن القياس غير صحيح لأن المكان أي مكان الأذان والإقامة فيما نحن فيه، وهو معنى قوله في مسألتنا مختلف بكسر اللام، لأن مكان الأذان غير مكان الإقامة والمكان بين الخطبتين متحد فلا يقاس عليه.
م: (وكذا النغمة) ش: وهي الترسيل في الأذان والحدر في الإقامة شيئان مختلفان. م: (فيقع الفصل) ش: أي إذا كان الأمر كذلك فيقع الفصل بينهما م: (بالسكتة) ش: لوقوعها بين شيئين

(2/103)


ولا كذلك الخطبة. وقال الشافعي: يفصل بركعتين اعتبارا بسائر الصلوات،
والفرق قد ذكرناه. قال يعقوب:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مختلفين. م: (ولا كذلك الخبطة) ش: لأن مكانها متحد فلا يقع الفصل بين الخطبتين بمجرد السكتة لأنها توجد بين كلماتها أيضا فلا بد من الجلسة.
م: (وقال الشافعي: يفصل بركعتين) ش: أي يفصل بين الأذان والإقامة بصلاة ركعتين.
م: (اعتبارا بسائر الصلوات) ش: أي قياسا عليها، ومذهب الشافعي ما ذكره النووي فإنه قال: ويستحب أن يفصل بين أذان المغرب وإقامتها فصلا يسيرا بقعدة أو سكوت أو نحوها، هذا لا خلاف فيه عندنا. ونقل المصنف عن الشافعي ما ذكره فيه نظر.
فإن قلت: ما مقدار الفصل بين الأذان والإقامة في سائر الصلوات غير المغرب.
قلت: لم يذكر في ظاهر الرواية مقدار الفصل. وروى الحسن عن أبي حنيفة في الفجر مقدار عشرين آية، وفي الظهر مقدار ما يصلح أربع ركعات يقرأ في كل ركعة قدر عشر آيات وفي العصر مقدار ركعتين يقرأ فيهما عشرين آية، والعشاء كالظهر. وإن لم يصل يجلس مقدار ذلك، وهذا ليس بتقدير لازم فينبغي أن يؤخر الإقامة مقدار ما يحضر القوم مع مراعاة الوقت المستحب. وروى محمد بن حبان الأصبهاني بسنده عن أبي هريرة أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال لبلال: «اجعل بين أذانك وإقامتك وقتا بقدر ما يفرغ المتوضئ من وضوئه في مهل والمتعشي من عشائه» .

م: (والفرق قد ذكرناه) ش: هذا إشارة إلى قوله أن التأخير مكروه بخلاف سائر الصلوات فإن التأخير فيها ليس بمكروه، والاشتغال بالركعتين يؤدي إلى التأخير فلذلك لا يفصل بينهما.
وعن هذا قلنا أيضا ويتنفل بعد الغروب قبل الفرض لما فيه من تأخير المغرب. وذكر الإمام المحبوبي والمراد من قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بين كل أذانين صلاة ما سوى المغرب.
قلت: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم عن عبد الله بن المغفل قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بين كل أذان صلاة قال في الثالثة: لمن شاء» . وفي لفظ البخاري: «صلوا قبل المغرب ثم قال: صلوا قبل المغرب، ثم قال في الثالثة: لمن شاء» كراهة أن يتخذها الناس سنة وليس فيه هذا المغرب. والذي فيه إلا المغرب رواه الدارقطني ثم البيهقي في " سننهما " عن ابن حبان بن عبد الله العدوي ثنا عبد الله بن بريدة قال: رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إن عند كل أذانين ركعتين إلا المغرب» . ورواه البزار في " مسنده "، فقال: لا نعلم رواه عن ابن بريدة إلا حبان بن عبد الله، وهو رجل مشهور من أهل البصرة لا بأس به. وذكر ابن الجوزي هذا الحديث في " الموضوعات " ونقل سفيان القلاس أنه قال كان حبان هذا كذابا.
م: (قال يعقوب) ش: هو أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن سعد بن بحير بن

(2/104)


رأيت أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يؤذن في المغرب ويقيم، ولا يجلس بين الأذان والإقامة، وهذا يفيد ما قلناه، وأن المستحب كون المؤذن عالما بالسنة لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ويؤذن لكم خياركم» ، ويؤذن للفائتة، ويقيم، لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قضى الفجر غداة ليلة التعريس بأذان وإقامة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
معاوية البجلي، وأم سعد حبتة بنت مالك من بني عمرو بن عوف، وسعد بن حبتة من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وإنما ذكر أبا يوسف باسمه دون كنيته لأنه ذكر محمد في " الجامع الصغير " كذلك حتى لا يتوهم التسوية في التعظيم بين الشيخين بذكر أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
م: (رأيت أبا حنيفة يؤذن في المغرب ويقيم، ولا يجلس بين الأذان والإقامة، وهذا يفيد ما قلناه) ش: أي يفيد ما رواه عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من عدم جلوسه في أذان المغرب ما قلنا، وهو أن لا جلوس عنده في أذان المغرب.
م: (وأن المستحب) ش: ويفيد أيضا أن المستحب م: (كون المؤذن عالما بالسنة) ش: أي بأحكام الشرع. م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ويؤذن لكم خياركم» ش: هذا الحديث رواه أبو داود وابن ماجه من حديث حسين بن عيسى عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ليؤذن لكم خياركم وليؤمكم أقرؤكم» . وفي " الإمام " وروى إبراهيم بن أبي يحيى عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال «لا يؤذن لكم غلام حتى يحتلم وليؤذن لكم خياركم» . ولم يعزه. وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " لو أطيق الأذان مع الخليفي لأذنت " والخليفي: الخلافة، وذكره في " الفائق " " والمغربين "، قوله خياركم من كان عالما بأحكام الشرع.
م: (ويؤذن للفائتة ويقيم) ش: يعني إذا فاتته صلاة وأراد أن يقضيها يؤذن ويقيم.
م: (لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قضى الفجر غداة ليلة التعريس بأذان وإقامة) ش: وروى هذا الحديث أبو هريرة وعمران بن حصين وعمرو بن أمية الضميري وذو مخبر وعبد الله بن مسعود وبلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فحديث أبي هريرة رواه أبو داود في " سننه " حدثنا موسى بن إسماعيل [ثنا أبان] ثنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة في هذا الخبر يعني قصة التعريس قال: فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تحولوا من مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة» قال: فأمر بلالا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأذن وأقام وصلى. وحديث عمران [بن حصين] رواه أبو داود أيضا، وفيه «ثم أمر

(2/105)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مؤذنا فأذن وصلى ركعتين قبل الفجر ثم أقام فصلى الفجر» وحديث عمرو بن أمية رواه أبو داود أيضا وفيه «ثم أمر بلالا فأذان ثم توضئوا وصلوا ركعتي الفجر، ثم أمر بلالا فأقام الصلاة وصلى بهم صلاة الصبح» . وحديث ذي مخبر رواه أبو داود أيضا وفيه «ثم أمر بلالا فأذن ثم قام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فركع ركعتين غير عجل، ثم قال لبلال: " أقم الصلاة " ثم صلى وهو غير عجل» . وحديث ابن مسعود رواه ابن حبان في " صحيحه " وفيه «ثم أمر بلالا فأذن ثم أقام فصلى بنا» . وحديث بلال رواه البزار في " مسنده " عن بلال «أنهم ناموا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفر حتى طلعت الشمس فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين قاموا بلالا فأذن، ثم صلى ركعتين، ثم أقام بلال فصلى بهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الفجر بعدما طلعت الشمس» .
فهذه الأحاديث كلها تدل صريحا على الأذان والإقامة معا. واستشهد الأترازي في " شرحه " بحديث أبي قتادة، وكذلك الأكمل في شرحه أخرجه البخاري، وفيه: «قم يا بلال فأذن بالصلاة " فتوضأ، فلما ارتفعت الشمس وأضاءت: قام فصلى بالناس جماعة» قلت: وليس فيه إلا الأذان واستشهادهما به غير واف.
فإن قلت: قد جاء في حديث أخرجه النسائي يدل على الاقتصار على الإقامة وهو ما رواه عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه قال «شغلنا المشركون يوم الخندق عن صلاة الظهر حتى غربت الشمس فأنزل الله تعالى: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} [الأحزاب: 25] (الأحزاب: الآية 25) ، فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بلالا فأقام لصلاة الظهر، فصلاها كما كان يصليها لوقتها، ثم أقام العصر فصلاها كما يصليها لوقتها» .
قلت: هذه لا يمنع الأذان، لجواز أن يكون قد اقتصر على بعضهم، والزيادة أولى بالقبول. وفيه إشارة إلى الأذان حيث قال كما كان يصليها لوقتها، وصلاته - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لوقتها بالأذان والإقامة لكل صلاة.
ثم اعلم أن - التعريس - هو النزول في آخر الليل نزلة للنوم والاستراحة، يقال منه عرس تعريسا، ويقال فيه أعرس، والمعرس بفتح الراء موضع التعريس.
فإن قلت: هذه القصة أين وقعت [وهل] وقعت مرة أو أكثر.
قلت: أخرج مسلم من حديث أبي هريرة ما يدل على أن القصة كانت بخيبر، وبذلك صرح ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي، وقالوا إن ذلك كان حين قفل من خيبر، وقال ابن

(2/106)


وهو حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في اكتفائه بالإقامة، فإن فاتته صلوات أذن للأولى وأقام، لما روينا وكان مخيرا في الباقي؛ إن شاء أذن وأقام، ليكون القضاء على حسب الأداء، وإن شاء اقتصر على الإقامة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عبد البر هو الصحيح. وقيل مرجعه من حنين. وفي حديث ابن مسعود أن ذلك كان عام الحديبية. وفي حديث عطاء بن يسار أن ذلك في غزوة تبوك. قال ابن عبد البر: حسبه وهما، قال الأصل لم يعرض ذلك للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا مرة. وقال ابن الحصاد: هي ثلاث نوازل مختلفة.

م: (وهو حجة على الشافعي في اكتفائه بالإقامة) ش: أي الحديث المذكور الذي فيه قضى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأذان وإقامة حجة عليه فيما ذهب إليه.
فإن قلت: فللشافعي أن يستدل بما رواه النسائي الذي فيه الاكتفاء بالإقامة، وقد ذكرناه آنفا.
قلت: قد مر في حديث الصحابة المذكورة من ذكر الأذان والإقامة والعمل بالزيادة أولى.
والجواب عن حديث النسائي قد ذكرناه آنفا. وقال الأكمل: لا يقال قد روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بلالا فأقام بدون ذكر الأذان، لأنا نقول العمل بالزيادة أولى لأن القصة واحدة وفيه نظر، لأن ذلك إنما يكون إذا كان راويهما واحد، ولم يثبت هاهنا ذلك.
والجواب: أن الراوي إذا كان متعددا إنما يعمل بالخبرين إذا كان يمكن العمل بهما، وهاهنا لا يمكن ذلك لكون القصة واحدة.
قلت: كون القصة واحدة غير صحيح لأن القصة متعددة كما ذكرنا آنفا.
قوله: وفيه نظر لأن أحدا لم يشترط في العمل بالزيادة عند اتحاد الراوي، بل الزيادة مقبولة إذا ثبت سواء كان الراوي واحدا أو متعددا.

م: (فإن فاتته صلاة أذن للأولى، وأقام لما روينا) ش: أشار به إلى الحديث الذي فيه قضاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الفجر غداة ليلة التعريس بأذان وإقامة. م: (وكان مخيرا في الباقي إن شاء أذن وأقام) ش: يعني إن شاء أذن وأقام لكل صلاة من الفوائت. م: (ليكون القضاء على حسب الأداء) ش: لأن القضاء على الأداء.
م: (وإن شاء اقتصر على الإقامة) ش: لما روى الترمذي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاتته يوم الخندق أربع صلوات حتى ذهب ما شاء الله من الليل، فأمر بلالا فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العشاء» .

(2/107)


لأن الأذان للاستحضار وهم حضور.
قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقيم لما بعدها ولا يؤذن، قالوا: يجوز أن يكون هذا قولهم جميعا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قلت: إذا كان الأمر كذلك فالتخيير من أين؟
قلت: جاء في رواية فصلى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بأذان وإقامة. وفي رواية بأذان وإقامة للأول وإقامة لكل واحد من البواقي. وقال: الاختلاف خيرنا في ذلك.
فإن قلت: إذا كان الرفق متعينا في أحد الجانبين لا يخير بينهما، كما في قصر صلاة المسافر، وهاهنا الرفق متعين في الإقامة، فكيف يبقى التخيير؟
قلت: فإن ذلك في الواجب لا في السنن والتطوعات.
م: (لأن الأذان للاستحضار) ش: أي لاستحضار القوم إلى الصلاة بالجماعة. م: (وهم حضور) ش: أي والحال أنهم حاضرون فلا يحتاجون إلى الإعلام.

م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي قال المصنف. م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقيم لما بعدها) ش: أي من غير اختيار الجمع بينهما وبين إفراد الإقامة.
وفي " التحفة " وروي في غير رواية الأصول عن محمد: إذا فاتت صلوات يقضي الأول بأذان وإقامة والثاني بالإقامة لا الأذان.
م: (قالوا: يجوز أن يكون هذا قولهم جميعا) ش: أي قال المشايخ عن أبي بكر الرازي: يجوز أن يكون ما قاله محمد قولهم جميعا. والمذكور في الكتاب محمول على الصلاة الواحدة فيرتفع الخلاف بين أصحابنا.
وقال الشافعي في " الإمام ": يقيم لهما ولا يؤذن وفي القديم يؤذن للأول ويقيم ويكفي في البواقي على الإقامة وبه قال أبو ثور.
وقال النووي في " شرح المهذب " يقيم لواحدة بلا خلاف، ولا يؤذن لغير الأولى منهن، وفي الأولى ثلاثة أقوال: في الأذان أصحها أنه يؤذن ولا يعتبر تصحيح الرافعي منع الأذان والإقامة، الأول: مذهب مالك والشافعي وأحمد وأبي ثور.
وقال ابن بطال: لم يذكر الأذان في الأول عن مالك والشافعي والأول قال أبو حامد.
وقال الثوري والأوزاعي وإسحاق: لا يؤذن لفائتة. وفي " البدائع " للشافعي قولان في قوله يصلي بغير أذان وإقامة.
قلت: هذا لا يصح عنده. وفي قول يقضي بالإقامة لا غير ولو صلى الرجل في بيته وحده فاكتفى بأذان الناس وإقامتهم جاز، وإن أقام فحسن، ذكره في الأصل.

(2/108)


وينبغي أن يؤذن ويقيم على طهر، فإن أذن على غير وضوء جاز؛ لأنه ذكر وليس بصلاة، فكان الوضوء فيه استحبابا كما في القراءة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وروي عن ابن مسعود أنه صلى بعلقمة والأسود بغير أذان ولا إقامة وقال يكفينا أذان الحي وإقامتهم.
وروي أبو يوسف عن أبي حنيفة في قوم صلوا في المصر في المنزل أو في مسجد منزل فأخبروا بأذان الناس وإقامتهم أجزأهم وقد أساءوا في تركهما. هذا في المقيمين، وأما المسافرون فالأفضل لهم أن يؤذنوا ويقيموا ويصلوا بالجماعة إذ السفر لا يسقط الجماعة فلا يسقط ما هو من لوازمها ولا يكره لهم ترك الإقامة.
والمسافر وحده لو ترك الإقامة يكره له. والمقيم لو تركها لا يكره لأن المقيم قد وجد الأذان في حقه والمسافر لم يوجد في حقه شيء من ذلك لأنه عزر في ترك الأذان دون الإقامة.
وفي " المغني " الذي يصلي في بيته يجزئه أذان المصر وإقامتها، وبه قال الشعبي والنخعي وعكرمة ومجاهد والأسود وأحمد. وقال ميمون تكفيه الإقامة. وهو قول مالك والأوزاعي وسعيد بن جبير.
وعند الشافعي يؤذن على المنصوص. ولو صلى في مسجد بأذان وإقامة لا يكره لأهله أن يعيدهما، وعند الشافعي لا يكره إن كان مسجدا ليس له أهل بأن كان على شوارع الطريق لا يكره له تكرار الأذان والإقامة فيه. وفي " المجتبى " قوم ذكروا فساد صلاتهم في المسجد في الوقت قضوها بجماعة فيه لا يعيدون الأذان والإقامة، وإن قضوها بعد الوقت في ذلك المسجد بأذان وإقامة.

[ما ينبغي للمؤذن والمقيم]
م: (وينبغي أن يؤذن ويقيم على طهر) ش: لأن الأذان والإقامة ذكر شريف فيستحب الطهارة.
م: (فإن أذان على غير وضوء جاز) ش: وبه قال الشافعي وأحمد وعامة أهل العلم. وعن مالك أن الطهارة شرط في الإقامة دون الأذان. وقال الأوزاعي وعطاء وبعض أصحاب الشافعي يشترط فيهما.
م: (لأنه ذكر وليس بصلاة فكان الوضوء فيه استحبابا كما في القراءة) ش: أي لأن الأذان ذكر فكان الوضوء فيه مستحبا كما في قراءة القرآن. ولا شك أن القراءة أفضل من الأذان فإذا جاز بلا طهارة فالأذان أولى.
قوله - استحبابا - بمعنى مستحبا، وذكر المصدر وإرادة الفاعل والمفعول من باب المبالغة.
فإن قلت: روى الترمذي من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:

(2/109)


ويكره أن يقيم على غير وضوء؛ لما فيه من الفصل بين الإقامة والصلاة. ويروى: أنه لا تكره الإقامة أيضا، لأنه أحد الأذانين، ويروى: أنه يكره الأذان أيضا، لأنه يصير داعيا إلى ما لا يجيب بنفسه. ويكره أن يؤذن وهو جنب، رواية واحدة، ووجه الفرق على إحدى الروايتين أن للأذان شبها بالصلاة، فتشترط الطهارة عن أغلظ الحدثين لا دون أخفهما؛ عملا بالشبهين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
«لا يؤذن إلى متوضئ» .
قلت: قال الترمذي: الأصح أنه موقوف على أبي هريرة، وهو منقطع أيضا لأن الزهري لم يدرك أبا هريرة. ويعارضه أيضا ما رواه الشيخ الأصبهاني الحافظ عن وائل قال حق أو سنة ألا يؤذن إلا وهو طاهر وهذا يقتضي الاستحباب.

م: (ويكره أن يقيم على غير وضوء لما فيه) ش: أي لما في فعل الإقامة بغير وضوء. م: (من الفصل بين الإقامة والصلاة) ش: بالاشتغال بأعمال الوضوء والإقامة شرعت متصلا بالشروع في الصلاة. م: (ويروى) ش: الراوي وهو الكرخي م: (أنه) ش: أي ضمير الشأن م: (لا تكره الإقامة أيضا لأنه أحد الأذانين) ش: فالأذان لا يكره بلا وضوء وكذا الإقامة.
م: (ويروى) ش: الراوي هو الكرخي م: (أنه يكره الأذان أيضا لأنه يصير داعيا إلى ما لا يجيب بنفسه) ش: لأن المؤذن يدعو الناس إلى التأهب إلى الصلاة فإذا لم يكن متأهبا دخل تحت قوله: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 44] (البقرة: آية 44) .
م: (ويكره أن يؤذن وهو جنب رواية واحدة) ش: قد ذكرنا أنه ذكر شريف فيكره مع أغلظ الحدثين. والواو في - وهو - للحال. ورواية منصوبة على المصدرية، وإنما وضعها بواحدة إشارة إلى أنه لم يرو عن أحد من الأصحاب عدم كراهة أذان الجنب.
م: (ووجه الفرق على إحدى الروايتين هو) ش: أي بين أذان الجنب والمحدث على الرواية التي لا يكره أذانه م: (أن للأذان شبها بالصلاة) ش: في أنهما يفتتحان بالتكبير، ويؤديان مع الاستقبال، وترتب كلمات الأذان كأركان الصلاة، ويختصان بالوقت ولا يتكلم فيها م: (فتشترط الطهارة عن أغلظ الحدثين) ش: وهو الجنابة م: (دون أخفهما) ش: وهو الحدث م: (عملا بالشبهين) ش: لم أر أحدا من الشراح بين الشبهين ما هو غاية ما في الباب أنهم قالوا ما ملخصه أن الأذان لا يكره مع الحدث فعمل بشبهه الصلاة مع الجنابة، فكره معها ولم يكره مع الحدث اعتبارا لجانب الحقيقة لأنه ليس بصلاة على الحقيقة.

(2/110)


في " الجامع الصغير ": إذا أذن على غير وضوء وأقام لا يعيد،
والجنب أحب إلي أن يعيد، ولو لم يعد أجزأه أما الأول فلخفة الحدث، وأما الثاني ففي الإعادة بسبب الجنابة روايتان، والأشبه أن يعاد الأذان دون الإقامة؛ لأن تكرار الأذان مشروع دون الإقامة، وقوله: ولو لم يعد أجزأه؛ يعني الصلاة؛ لأنها جائزة بدون الأذان والإقامة. قال: وكذلك المرأة تؤذن، معناه يستحب أن يعاد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولو اعتبر الشبه في الحدث لاعتبر في جانب الحقيقة بالطريق الأولى لأنها أغلظ. والذي يظهر لي أن أحدهما أشبه بالصلاة وهو الذي ذكرناه، والآخر أشبه بالذكر، فبالنظر إلى شبهه بالصلاة كره مع الجنابة، وبالنظر إلى شبهه بالذكر لم يكره مع الحدث.
فإن قلت: الأذان ذكر فكيف يقول إنه شبه الذكر وشبه الشيء غيره.
قلتك: هو ليس بذكر خالص على ما لا يخفى، وإنما أطلق اسم الذكر عليه باعتبار أن أكثر ألفاظه ذكر.
م: (وفي " الجامع الصغير ": إذا أذن على غير وضوء وأقام لا يعيد) ش: إنما ذكر رواية " الجامع الصغير " لاشتمالها على الإعادة وعدمها.

[أذان الجنب]
م: (والجنب أحب إلي أن يعيد الأذان وإن لم يعد أجزأه) ش: أي وإن لم يعد الجنب أذانه أجزأه لأن المقصود من الأذان الإعلام وقد حصل، وهذا التعليل يشير إلى أن معنى قوله أجزأه أي الأذان ولكنه فسره فيما بعده بقوله وقوله فإن لم يعد أجزأه يعني الصلاة.
م: (أما الأول) ش: وهو قوله: إذا أذن على غير وضوء وإقامة لا يعيد. م: (فلخفة الحدث وأما الثاني) ش: وهو قوله والجنب أحب إلي أن يعيد. م: (ففي الإعادة بسبب الجنابة روايتان) ش: يعني أنه يعاد إذا أذن الجنب وأقام، ففي رواية على طريق الاستحباب، لأن الأذان ذكر معظم لأنه من شعائر الدين وبسبب الجنابة ينتقص معنى التعظيم، فيستحب إعادته كما يستحب إعادة الخطبة للجنب يوم الجمعة. وفي رواية لا تعاد لحصول المقصود.
م: (والأشبه) ش: بالحق م: (أن يعاد الأذان دون الإقامة لأن تكرار الأذان مشروع) ش: في الجملة فإن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قد استحسنوه حين أحدثه عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يوم الجمعة على الزوراء، واستمر العمل عليه إلى اليوم. والزوراء اسم دار عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بالمدينة، ومن فسرها بالمنارة فله وجه كذا ذكره تاج الشريعة.
م: (دون الإقامة) ش: يعني تكرارها غير مشروع م: (وقوله) ش: أي قول محمد في " الجامع الصغير ". م: (ولو لم يعد أجزأه يعني الصلاة لأنها جائزة بدون الأذان والإقامة) ش: لأنه قال في " الإيضاح " ويحتمل أن يكون المراد من الجواز أصل الأذان، لأن رفع الصوت زائد في الباب.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (وكذلك المرأة تؤذن، معناه يستحب أن يعاد

(2/111)


ليقع على وجه السنة.
ولا يؤذن لصلاة قبل دخول وقتها، وتعاد في وقتها؛ لأن الأذان للإعلام، وقبل الوقت تجهيل وقال أبو يوسف: وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز للفجر في النصف الأخير من الليل؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ليقع على وجه السنة) ش: هذا عطف على قوله والجنب أحب إلي أن يعيد. وأذان المرأة لا يقع على وجه السنة، لأنها إن رفعت صوتها ارتكبت حراما وإن خفضت اختلت بالمقصود.
قلت: قيل في ظاهر الرواية لا يستحب أذان الأربعة، الجنب والمرأة والسكران والمعتوه الذي لا يعقل وفي غير رواية الأصول يعاد أذان هؤلاء الأربعة: وفي " المبسوط " وليس على النساء أذان وإقامة وبه قال مالك وأحمد وأبو ثور وجماعة من التابعين، وكذا لو صلين بجماعة لحديث بالياء آخر الحروف قال كان جماعة من النساء أمتهن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بلا أذان وإقامة، وللشافعي في جماعة النساء ثلاثة أقوال أصحها وهو ما نصه في الأم أنه يستحب لهن الإقامة دون الأذان.
والثاني: أنه لا أذان ولا إقامة.
والثالث: أنه يستحب الأذان والإقامة. وفي " شرح الوجيز " ولا يختص هذا الخلاف فيما إذا صلين بجماعة أو وحدهن.

[الأذان قبل دخول الوقت]
م: (ولا يؤذن لصلاة قبل دخول وقتها وتعاد في وقتها) ش: إن وقع قبلت م: (لأن الأذان للإعلام، وقبل الوقت تجهيل) ش: وهذا بالإجماع إلى في أذان الفجر فإنهم اختلفوا فيه أشار إليه بقوله م: (وقال أبو يوسف: وهو قول الشافعي يجوز للفجر في النصف الأخير من الليل) ش: وهو الأصح من أقوال الشافعي، وبه قال مالك وأحمد. وقال في " العارضة " عند المالكية: يؤذن لها عند انقضاء صلاة العتمة، وقيل: عند ثلث الليل، وقيل: عند سدسه، قال: لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في " الصحيح «ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين ينصف الليل» . وروي «إذا ذهب ثلث الليل» ، وروي «إذا بقي ثلث الليل» فيؤذن المؤذن بينهما على نداء الغفلة، قيل فيكون هذا الأذان بينهما إعلام بوقت نزوله سبحانه إلى سماء الدنيا لا لصلاة الصبح.
والقول الثاني للشافعي: قبل طلوع الفجر في السحر، وبه قطع البغوي وصححه القاضي الحسين والمتولي. وقال النووي " وهذا ظاهر المنقول عن بلال وابن أم مكتوم.
والقول الثالث: يؤذن لها في الشتاء لسبع تبقى من الليل، وفي الصيف لنصف سبع يبقى منه.
والرابع: من ثلث الليل آخر الوقت المختار.
والخامس: جميع الليل وقت لأذان الصبح، حكاه إمام الحرمين وصاحب " العدة ".

(2/112)


لتوارث أهل الحرمين، والحجة على الكل قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لبلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا» ومد يده عرضا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: ما أعلم أي الأذانين تقدم عندهم أذان المغرب أم أذان الصبح؟ إذا كان جميع الليل محلا لأذان الصبح فحينئذ لا يعرف أحدهما من الآخر. قال النووي: وهذا القول ضعيف الرواية بل هو غلط. وقال إمام الحرمين: لولا حكاية أبي علي له، وأنه لا ينقل إلا ما صح عنده لما استحب نقله، وكيف يحسن الدعاء لصلاة الصبح في وقت الدعاء إلى المغرب؟

م: (لتوارث أهل الحرمين) ش: أي أهل مكة والمدينة ولقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فيما روى ابن عمر «أن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم» رواه الشعبي عن مالك، ورواه جماعة غيره مرسلا. قال صاحب الإمام: هو الصحيح.
م: (والحجة على الكل) ش: أراد بالكل أبا يوسف والشافعي ومن تابعهما. وقال الأترازي: الحجة على أبي يوسف والشافعي وأهل الحرمين.
م: (قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لبلال: «لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا ومد يده عرضا» ش: أخرج هذا الحديث أبو داود عن شداد عن بلال اه. وسكت عنه، وقال ابن القطان: وشداد مجهول لا يعرف بغير رواية جعفر بن برقان وأعله البيهقي بالانقطاع. ومعنى قول أبي داود شداد لم يدرك بلالا. قوله: - حتى يتبين لك الفجر - أي حتى يظهر. وروى أبو داود عن حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر «أن بلالا أذن قبل طلوع الفجر فأمره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يرجع فينادي ألا أن العبد نام ثلاث مرات فرجع فنادى ألا إن العبد نام» .
فإن قلت: أخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال «إن بلالا يؤذن بليل» الحديث وقد مضى الآن. وفي " الصحيحين " أيضا عن ابن عمر وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «كان لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مؤذنان بلال وابن أم مكتوم فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم» واسمه عمرو بن قيس وقيل عبد الله بن زائدة القرشي العامري ابن خال خديجة أم المؤمنين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - استخلفه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاث عشرة مرة في غزواته وشهد القادسية واستشهد بها في خلافة عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
قلت: قال الطحاوي: وكان ذلك من بلال خطأ على ظن طلوع الفجر، والدليل عليه حديث «لا يغرنكم أذان بلال فإن في بصره سواد» استدل عليه بحديث أخرجه وهو من حديث أبي ذر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لبلال: " إنك تؤذن إذا كان الفجر سادلها وليس ذلك الصبح إنما الصبح هكذا معترضا ".
قال الطحاوي: فأخبر - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أنه كان يؤذن بطلوع ما يرى أنه الفجر، وليس في الحقيقة بفجر، وروى الطحاوي أيضا من حديث حفصة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «كان

(2/113)


والمسافر يؤذن ويقيم؛ «لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لابني أبي مليكة: " إذا سافرتما فأذنا وأقيما» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لا يؤذن حتى يصبح» .
فإن قلت أخرج ابن خزيمة في " صحيحه " عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن ابن أم مكتوم ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال، وكان بلال لا يؤذن حتى يرى الفجر» .
فإن قلت: قال ابن خزيمة: هذا الخبر لا يضاد خبر ابن عمر لجواز أن يكون - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جعل الأذان بين بلال وابن أم مكتوم نوابة فأمر في بعض الليالي بلالا أن يؤذن بليل فإذا نزل بلال صعد ابن أم مكتوم فأذن في الوقت فإذا جاءت نوبة ابن أم مكتوم بدأ فنزل فأذن بليل، فإذا صعد بلال، فأذان في الوقت.

[المسافر يؤذن ويقيم]
م: (والمسافر يؤذن ويقيم لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لابني أبي مليكة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «إذا سافرتم فأذنا وأقيما» ش: هذا حديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم مختصرا ومطولا عن مالك بن الحويرث قال: أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنا وصاحب لي. وفي رواية ابن عم لي وفي رواية للنسائي وابن عمر قال فلما أردنا الانصراف قال لنا: «إذا حضرت الصلاة فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما» .
قلت: انظره في كلام الشراح ما قالوا هاهنا. وقال السغناقي: ذكر هذا الحديث في " المبسوط " بخطاب غيرها، قال: وروي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال لمالك بن الحويرث وابن عم له: «إذا سافرتما فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما قرآنا» ، وكذا ذكر في " الجامع الصغير " لفخر الإسلام والإمام المحبوبي ما يوافق " المبسوط " ولكن ذكر فخر الإسلام «وليؤمكما أكبركما سنا» . ثم إن الأكمل نقل هذا عن السغناقي وسكت راضيا به ونقل صاحب " الدراية " ما ذكره في " المبسوط " وسكت، وقال الأترازي: روى أبو داود في " سننه " بإسناده إلى أبي قلابة عن مالك بن الحويرث أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال له ولصاحب له: «إذا حضرت الصلاة فأذنا ثم أقيما، وليؤمكما أكبركما» ثم قال: ويجوز أن يسمي أحد الأخوين صاحبا للآخر، ويجوز أن يكون كنية الحويرث أبا ملكية ولكن لفظ " مبسوط شمس الأئمة "، ولفظ " الجامع الصغير " لفخر الإسلام غير ذلك حيث قالا يروى أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال لمالك بن الحويرث وابن عم له: «إذا سافرتما فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما سنا» فعلى هذا يجوز تسمية الابنين للابن ولابن عمه في قول صاحب " الهداية " بطريق التغليب على اعتبار أن ابن العم يجوز أن يسمى ابنا لأن العم يجوز أن يسمى أبا مجازا.
قلت: هذا الكلام لا يصدر إلا ممن ليس له أدنى حسن من فن الحديث. أما السغناقي فإنه صدر كلامه بما ليس في الحديث. ثم لو حمل الحديث الذي وقع في الكتب الستة بصيغة التمريض، وأما الأكمل فإنه قلده ومضى. وأما صاحب " الدراية " لأنه قصر هاهنا لأنه يمشي على طريق المحدثين، وهاهنا لم يحرز أصلا.

(2/114)


فإن تركهما جميعا يكره، ولو اكتفى بالإقامة جاز؛ لأن الأذان لاستحضار الغائبين، والرفقة حاضرون. والإقامة لإعلام الافتتاح، وهم إليه محتاجون، فإن صلى في بيته في المصر يصلي بأذان وإقامة، ليكون الأداء على هيئة الجماعة، وإن تركهما جميعا جاز
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأما الأترازي فإن مع دعواه الفريضة حفظ كثيرا لأنه ذكر الحديث أولا على أصله ثم كلام صاحب " الهداية " عليه بتأويل أعجبه غير مقبولة، فقال ويجوز أن يسمي أحد الأخوين صاحبا من الناس الأجانب، وإما ابن عمه وإما عبد الله بن عمر على الروايات الثلاثة وليس مراده أصلا أنه كان أخاه من النسب، وإنما حمل الأترازي على ذلك قول صاحب " الهداية " لأبي مليكة فأوله بالتأويل المذكور تصحيحا لكلام الهداية وهو غلط في نفس الأمر، والصواب مالك بن الحويرث وصاحب له وابن عم له أو ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على الروايات الثلاث.
ثم أكد الأترازي غلطه بقوله ويجوز أن يكون كنية الحويرث أبا مليكة وهذا لم يقل به أحدا فزاد غلطا على غلط ثم استدرك كلامه بقوله ولكن لفظ " مبسوط شمس الأئمة " إلى آخره هو الصواب، وأوله بقوله فعلى هذا يجوز تسمية الابنين إلى آخره توفيقا للفظ الحديث.
ولفظ صاحب " الهداية " ولا جواز هاهنا ولا توفيق لا كل وقوع الأصل على الغلط على أن صاحب " الهداية " ذكر هذا الحديث في كتاب الصرف على الصواب فقال في مسألة السيف المحلى لأن الاثنين قد يراد بهما الواحد. قال الله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] (الرحمن: آية 22) ، والمراد أحدهما وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لمالك بن الحويرث وابن عمه: «إذا سافرتما فأذنا وأقيما» ، والمراد بهما أحدهما وفيه نظر أيضا.

م: (فإن تركهما جميعا يكره) ش: أي فإن ترك المسافر الأذان والإقامة جميعا يكره تركه إياهما لمخالفة السنة م: (ولو اكتفى بالإقامة جاز؛ لأن الأذان لاستحضار الغائبين والرفقة حاضرون والإقامة لإعلام الافتتاح) ش: أي لافتتاح الصلاة والشروع فيها م: (وهم) ش: أي الرفقة بضم الراء جمع رفيق.
م: (إليه محتاجون) ش: أي إلى إعلام الافتتاح يحتاجون. وروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - المسافر بالخيار إن شاء أذن وإن شاء أقام ولم يؤذن والقوم حاضرون في السفر بخلاف الحضر؛ لأن الناس في المصر لتفرقهم واشتغالهم بأنواع المكاسب والحرف لا يعرفون وقت الصلاة، وفي الإقامة لا فرق بين المسافر والمقيم.
م: (فإن صلى في بيته في المصر يصلي بأذان وإقامة ليكون الأداء على هيئة الجماعة) ش: بالأذان والإقامة م: (وإن تركهما جميعا جاز) ش: أي وإن ترك المصلي في بيته الأذان والإقامة جميعا جاز، لأن مؤذن الحي نائب عن أهل المحلة في الأذان والإقامة لأنهم هم الذين نصبوه لها فكان أذانه وإقامته كأذان الكل وإقامتهم، وهذا يوجد الفرق بينه وبين المسافر الذي يصلي وحده وترك

(2/115)


لقول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أذان الحي يكفينا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الإقامة فإنه يكره له ذلك.
وعن عطاء من نسي الإقامة أعاد. وقال الأوزاعي: يعيد ما بقي الوقت، وقال مجاهد: من نسي الإقامة في السفر يعيد. وعن علي بن الجعد عن أبي حنيفة وأبي يوسف صلوا في المصر الظهر والعصر جماعة بلا أذان ولا إقامة أخطئوا السنة وأتموا، هذا يدل على وجوب الأذان.
م: (لقول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أذان الحي يكفينا) ش: هذا غريب والمصنف أخذه من " المبسوط " وفيه روي عن ابن مسعود: أنه صلى بعلقمة والأسود في بيته فقيل له: ألا تؤذن وتقيم؟ قال: أذان الحي يكفينا.
وروى الطبراني في " معجمه " حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبوسي عن عبد الرزاق عن الثوري عن حماد عن إبراهيم أن ابن مسعود وعلقمة والأسود صلوا بغير أذان ولا إقامة. قال سفيان: كفته إقامة المصر. وذكر التمرتاشي: إذا لم يكن أقيم في محلته يكره ترك الإقامة. وقال السرخسي له أن يصلي في بيته بلا أذان وإقامة إن شاء، وإن كانوا جماعة.
وعن أبي يوسف إن شاء ترك ذلك، وفي " جامع الكردري " رخص له ذلك. ولو أذن وأقام فحسن وكذا إن أقام ولم يؤذن وفي " المحيط " والذي يصلي في المسجد وحده لا يؤذن إجماعا لأن أذان الحي يكفيه وعند الشافعي سن الأذان في حالة الجماعة والانفراد في الجديد لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لأبي سعيد الخدري «إنك تحب البادية والغنم فإذا دخل وقت الصلاة فأذن وارفع صوتك» ، وقال أبو عبيد في كتابه " غريب الحديث " وفي حديث سلمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «من صلى بأرض قي فأذن وأقام الصلاة صلى خلفه من الملائكة ما لا يرى يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده ويؤمنون على دعائه» . قال: القي القطر هو بكسر القاف: وتشديد الياء والقطر بضم القاف الجانب وقطر كل شيء جانبه.

(2/116)