البناية شرح الهداية

باب في الإمامة الجماعة سنة مؤكدة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب في الإمامة] [حكم صلاة الجماعة]
م: (باب في الإمامة) ش: أي هذا باب في بيان أحكام الإمامة، وجه المناسبة بينه وبين الفصل الذي قبله هو أن المذكور هناك أفعال الإمامة، من وجوب الجهر، والمخافتة، وسنة قراءة الإمام وهاهنا يذكر مشروعية الإمامة بأنها على أي صفة شرعت.
فإن قلت: لم ذكر هاهنا بالباب وهناك بالفصل.
قلت: لأن الباب يجمع الفصول، وفيه أحكام كثيرة تابعة للإمامة، وأحوال المقتدي بين، فلذلك ذكره بالباب.
م: (الجماعة سنة مؤكدة) ش: قال الاترازي: يعني سنة في قوة الواجب، وهي التي تسميها الفقهاء سنة الهدى، وهي التي أخذها هدى وتركها ضلال، وتاركها يستوجب إساءة وكراهية. وقال صاحب " الدراية ": تشبه الواجب في القوة وكذا قال الأكمل وكلاهما أخذا من السغناقي.
قلت: هذه التأويلات غير طائلة؛ لأن هذه مسألة مختلف فيها بين العلماء، وذهب المصنف إلى أنها سنة مؤكدة وهو قول الكرخي والقدوري وكذا قال في " شرح بكر" خواهر زاده. وفي " المفيد ": الجماعة واجبة وتسميتها سنة لوجوبها بالسنة، وفي " البدائع ": تجب الجماعة على الرجال العقلاء، البالغين، الأحرار، القادرين على الصلاة بالجماعة من غير حرج. وقيل: إنها فرض كفاية وبه قال الطحاوي، وهو قول الشافعي. وقال النووي: هو الصحيح نص عليه الشافعي، وهو قول ابن شريح وأبي إسحاق وجمهور المتقدمين من الشافعية.
وقال النووي: وفي وجه سنة، وفي وجه فرض عين لكن ليست شرطا لصحة الفرض، وبه قال ابن خزيمة، وابن المنذر، والرافعي وهو قول عطاء، والأوزاعي، وأبي ثور، وهو الصحيح من مذهب أحمد، وقوله الآخر: لا تصح الصلاة بتركها وبه قال داود الظاهري وأصحابه، وفي " الجواهر " عن مالك: سنة مؤكدة وليست بواجبة إلا في الجمعة. وحكى قاضي خان أبو الوليد، وأبو بكر عن بعض أهل مذهبهم أنها فرض كفاية.
وفي " التحفة ": الجماعة إنما تجب على من قدر عليها من غير حرج وتسقط بالعذر حتى لا تجب على المريض والأعمى والزمن ونحوهم هذا إذا لم يجد الأعمى قائدا، والزمن من يحمله، وكذا إذا وجد عند أبي حنيفة، وعندهما تجب، قال محمد: لا تجب الجمعة ولا الجماعة على المريض، والمقعد، والزمن والأعمى، ومقطوع اليد والرجل من خلاف أو مقطوع الرجل، والمقطوع الرجل، والمفلوج الذي لا يستطيع المشي وإن لم يكن به ألم، والشيخ الكبير العاجز.

(2/324)


لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الجماعة من سنن الهدى لا يتخلف عنها إلا منافق» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال أبو يوسف: سألت أبا حنيفة عن الجماعة في طين ومدر، فقال: لا أحب تركها، والصحيح أنها تسقط بعذر المطر والطين وإن فاتته الجماعة جمع بأهله وصلى بهم، وإن صلى وحده جاز. وفي صلاة الجلابي إذا كان مطر أو برد شديد أو ظلة أو خوف فذلك كله يمنع لزوم الجماعة. وقال شرف الأئمة: الوحل عذر، وقال أيضا [......] والحافظ وغيرهما: ترك الجماعة بغير عذر يجب به التعزير ويأثم الجيران بالسكوت عن تاركها. وقال نجم الأئمة: من يشتغل بالفقه ليلا ونهارا لا يعذر الإمام والمؤذن والجيران في السكوت عنه، ولا تقبل شهادته، وقال أيضا: من يشغل بتكرار اللغة فتفوته الجماعة لا يعذر، وتكرار الفقه ومطالعة كتبه يعذر. وعن أبي حفص من لا يحضر الجماعة للمؤذن أن يرفعه إلى السلطان فيأمره بذلك فإن أبى عزر، وفي [
... ] : له الاشتغال بالعمل ويختار مسجد حيه، ولو كان مسجدان يختار أقدمهما وإن استويا يختار الأقرب. وقيل: جماعة الجامع أفضل بالاتفاق، ولو فاتته صلاة جماعة فصلاها في مسجده وحده، أو بجماعة في مسجد آخر، أو في بيته فذلك حسن، وتكره الجماعة في مسجد بأذان وإقامة بعدما صلى أهله بجماعة، وبه قال الشافعي وأحمد ومالك.
وقال أحمد وداود: لا يكره تكرار الجماعة، ولو صلى فيه من ليس بأهل للجماعة كان لأهله أن يصلوا فيه بأذان وإقامة. وعن أبي يوسف: إنما يكره تكرار الجماعة لقوم كثير، أما إذا صلى واحد بواحد أو باثنين فلا بأس به مطلقا إذا صلى في غير مقام الإمام.
وقال قاضي خان: مسجد لا إمام له ولا مؤذن يصلي الناس فيه فردانا فالأفضل أن يصلي كل فريق بأذان وإقامة على حدة وصلى بعض أهل المسجد بأذان وإقامة مخافتة، ثم حضر بقيتهم فلهم أن يصلوا على وجه الإعلان كذا في " المجتبى ".
(لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الجماعة من سنن الهدى لا يتخلف عنها إلا منافق» ش: هذا من قول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ورفعه إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غير صحيح. وأخرجه مسلم عن أبي الأحوص قال: قال عبد الله بن مسعود: «لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق وإن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علمنا سنن الهدى، وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه» .
وأخرج عنه أيضا قال: «من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما تخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف» فدل هذا الأثر أن الجماعة سنة مؤكدة؛ لأن إلحاق الوعيد إنما يكون بترك الواجب أو بترك السنة، ودل على أن الجماعة ليست بواجبة؛ لقوله: وإن في سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه، فتكون سنة مؤكدة.

(2/325)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن أهل بلد لو اجتمعوا على ترك الجماعة نضربهم ونقاتلهم، وقال السغناقي: والدليل على أن الجماعة سنة ما روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «صلاة الرجل بجماعة تفضل على صلاة الرجل وحده بخمس وعشرين درجة» ، وفي رواية: «سبع وعشرين درجة» ولم يقل صلاة الرجل وحده فاسدة، فالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعتبر الجماعة للفضيلة لا للجواز، إذ دل على أنها سنة إلا أنها مؤكدة؛ لأنها من شعائر الإسلام، ومن خصائص هذا الدين، فإنها لم تكن مشروعة في دين من الأديان، وما كان من شعائر الإسلام فالتمسك فيه الإظهار.
قلت: الحديث الذي ذكره في " الصحيح " ما أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة» " وفي لفظ: «تزيد على صلاته وحده سبعا وعشرين درجة» . وأخرجا عن أبي هريرة مرفوعا: «صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءا» ، وفي لفظ: «تفضل صلاة الجمع على صلاة الرجل وحده خمسا وعشرين درجة» .
وأخرج البخاري عن أبي سعيد نحوه، وزاد أبو داود فيه: «فإن صلاها في فلاة فأتم ركوعها وسجودها بلغت خمسين صلاة» وإسناده جيد. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وفي لفظ آخر للبخاري ومسلم أيضا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسا وعشرين ضعفا» . وفي رواية لهما: «بخمسة وعشرين جزءا» وفي رواية لمسلم " درجة ".
وأخرج أبو داود، والنسائي، وابن ماجه من حديث أبي بن كعب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاة الرجل مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما زاد فهو أحب إلى الله» ". وقوله: أفضل يقتضي الاشتراك في الفضل وترجيح أحد الجانبين، وما لا يصح لا فضيلة فيه، ولا يجوز أن يقال: إن أفضل قد تستعمل بمعنى الفاضل؛ لأن ذلك إنما يجوز على سبيل العلة عند الإطلاق، لا عند التفاضل بزيادة عدد، ويؤيد هذا ما جاء في لفظ: «يزيد على صلاته وحده» وفي لفظ: " يضعف " فإن ذلك يقتضي ثبوت صلاة زاد عليها وعدد تضاعف.
والعجب من الشراح لم يتعرضوا إلى الأثر الذي ذكره المصنف هل هو موقوف أو مرفوع، صحيح أو غير صحيح؟ وعلى كل تقدير منه من هو الراوي والمروي عنه. وأعجب من ذلك قول

(2/326)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأكمل حيث نسب هذا الأثر إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في الديار التي أكثرها علماء الحديث، وجل طلابها المحدثون، ثم قال: وليس المراد بالمنافق المصطلح عليه وهو الذي يبطن الكفر ويظهر الإيمان، وإلا لكانت الجماعة فريضة؛ لأن المنافق كافر، ولا يثبت الكفر بترك غير الفريضة، وكان آخر الكلام منافقا لا أوله، فيكون المراد به العاصي.
قلت: قوله منافق خرج مخرج المبالغة في التهديد، وشدة الوعيد، وهذا كما روي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رجلا سأله عمن يقوم الليل، ويصوم بالنهار، ولا يحضر الجماعة، قال: هو في النار، وليس مراده أنه في النار لأجل كفره، وإنما مراده التخويف والتهديد، والمنافق [في] المصطلح الذي ذكره الأكمل إنما يسمى اليوم زنديقا، ولا يمكن أن يحمل لفظ المنافق في الأثر المذكور على هذا المعنى الذي يستحق بها النار من الأمور الثلاثة والأربعة وتارك الجماعة غير داخل فيها فلم يبق إلا المعنى الذي ذكرناه الآن.
وقول الأكمل: لأن المنافق كافر، ليس على إطلاقه، والمنافق له معنيان كما ذكرنا، ولا يصح أن يكون المراد منه هاهنا أحد المعنيين على ما ذكرنا، وقوله: ولا يثبت الكفر بترك غير الفريضة، يشير إلى أن تارك الفريضة كافر وليس كذلك، وإنما يكفر بالجحد على ما لا يخفى.
فإن قلت: الحديث أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ثم انطلقت برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار» ". يدل على أن الجماعة فرض كما ذهب إليه طائفة؛ لأن تارك السنة لا يحرق عليه بيته، ولو كانت سنة ما استحق تاركها هذا الوعيد الشديد.
وحديث جابر: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» .
قلت: لا نسلم دلالة ذلك على ما قالوا؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يشهدون الصلاة» ولم يقل: لا يشهدون الجماعة. وفي رواية: «إلى قوم متخلفين عن الصلاة» ولم يقل يتخلفون عن الجماعة، والصلاة فرض وتاركها مستحق الوعيد على أنه جاء في رواية لمسلم عن ابن مسعود: «يتخلفون عن الجمعة» الحديث يفسر بعضه بعضا.
فإن قلت: قال: البيهقي: والذي تدل عليه سائر الروايات أنه عبر بالجمعة عن الجماعة.
قلت: قال النووي في " الخلاصة ": بل هما روايتان، رواية في الجمعة، ورواية في الجماعة، وكلاهما صحيح، ولئن سلمنا ذلك فالحديث خبر واحد، فلا يزداد به على إطلاق الكتاب.
وأما حديث جابر فالمراد به نفي الكمال والفضيلة كما في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا صلاة للعبد الآبق ولا

(2/327)


وأولى الناس بالإمامة أعلمهم بالسنة، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أقرؤهم؛ لأن القراءة لا بد منها، والحاجة إلى العلم إذا نابت نائبة ونحن نقول: القراءة مفتقر إليها لركن واحد، والعلم سائر أركان الصلاة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
للمرأة الناشزة» .
فإن قلت: لو لم يكن فرضا لما هم بالإحراق.
قلت: ترك الإحراق يدل على عدم الفرضية.
فإن قلت: ما فائدة الهم إذا لم يكن فرضا؟ قلت: لقد هم بالاجتهاد ثم منع بالوحي أو بتغير الاجتهاد على المختار في جواز الاجتهاد له - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.
فإن قلت: قَوْله تَعَالَى: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43] (البقرة: الآية 43) ، يدل على أن الجماعة فرض؛ لأنه قيل: إن المراد به الجماعة.
قلت: الخطاب لليهود فإنه لا ركوع في صلاتهم، وقيل: المراد بالركوع الخضوع، وفي الآية أقاويل فلا تثبت الفرضية.

[أولى الناس بالإمامة]
م: (وأولى الناس بالإمامة أعلمهم بالسنة) ش: أي بالفقه والأحكام الشرعية إذا كان يحسن من القرآن ما يجوز به الصلاة، وهو قول الجمهور، وإليه ذهب عطاء والأوزاعي ومالك الشافعي.
فإن قلت: في الحديث الذي يأتي الأقرأ مقدم وهاهنا على العكس.
قلت: عن قريب يأتي وجه ذلك إن شاء الله تعالى.
م: (وعن أبي يوسف أقرؤهم) ش: أي وروي عن أبي يوسف أن أقرأ للناس أولى بالإمامة؛ يعني أعلمهم بالقراءة، وكيفية أداء حروفها، وما يتعلق بالقراءة، وبه قال ابن سيرين وأحمد وإسحاق وابن المنذر، وهو أحد الوجوه عند الشافعية.
م: (لأن القراءة لا بد منها) ش: لأنها ركن في الصلاة يحتاج إليها لا محالة في الصلاة م: (والحاجة إلى العلم إذا نابت نائبة) ش: المعنى إنما يحتاج إلى العلم بالسنة. إذا وقعت واقعة من العوارض ليمكنه من صلاته، وربما لا يفرض فيكون الأقرأ أولى من العالم بالسنة.
م: (ونحن نقول: القراءة مفتقر إليها في ركن واحد) ش: وهو القيام م: (والعلم) ش: يحتاج إليها لأجل م: (سائر أركان الصلاة) ش: جواب عما قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - تقريره أن القراءة محتاج إليها في الصلاة في ركن واحد وهو القيام، والعلم محتاج إليه لأجل سائر أركان الصلاة، فكان العلم أولى. وفي " المجتبى ": الأعلم بالسنة أولى إذا كان يحذر الفواحش الظاهرة، وإن كان غيره أورع منه، وفي " الشفاء " عن أبي حفص: الأمي الذي يقرأ القليل أحب إلي من الفاسق

(2/328)


فإن تساووا فأقرؤهم؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا سواء فأعلمهم بالسنة» وأقرؤهم كان أعلمهم؛ لأنهم كانوا يتلقونه بأحكامه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
القارئ. وفي " شرح الإرشاد ": لو كان عالما بمسائل الصلاة متبحرا فيها، غير متبحر في سائر العلوم، فإنه أولى من المتجر في سائر العلوم.

م: (فإن تساووا) ش: في القراءة أو العلم م: (فأقرؤهم) ش: أي فأولاهم بالإمامة أقرؤهم م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى، فإن كانوا سواء فأعلمهم بالسنة) ش: هذا الحديث أخرجه الجماعة إلا البخاري واللفظ لمسلم عن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يؤم القوم أقرهم لكتاب الله تعالى، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم إسلاما، ولا يؤم الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه» . قال: الأصح في الرواية مَكَانَ "إسْلَامًا": "سِنًّا"، ورواه ابن حبان في "صحيحه " والحاكم في "مستدركه " إلا أن الحاكم قال عوض قوله: «فأعلمهم بالسنة» ، «فأفقههم فقها، فإن كانوا في الفقه سواء فأكثرهم سنا» ، وقد أخرج مسلم في "صحيحه " هذا الحديث، ولم يذكر فأفقههم فقها، وهي لفظة عزيزة غريبة بهذا الإسناد، وسنده عن يحيى بن بكير، ثنا الليث، عن جرير بن حازم، عن الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن أوس بن ضمعج، عن أبي مسعود، فذكره، ثم أخرج الحاكم، عن الحجاج بن أرطاة، عن إسماعيل ابن رجاء به، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يؤم القوم أقدمهم هجرة، فإن كانوا سواء فأفقههم في الدين، فإن كانوا في الفقه سواء فأقرؤهم للقرآن، ولا يؤم الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد على تكرمته إلا بإذنه» " وسكت عنه، والباقون من الأئمة يخالفونه في هذه المسألة، ويقولون: إن الأقرأ لكتاب الله مقدم على العالم كما هو لفظ الحديث، قال: إذا اجتمع من يحفظ القرآن وهو غير عالم وفقيه يحفظ يسيرا من القرآن، قدم حافظ القرآن عندهم، ونحن نقول: يقدم الفقيه.
وأجاب المصنف عن الحديث بقوله: (وأقرؤهم كان أعلمهم) ش: يعني في زمان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان أعلم الصحابة أقرأهم م: (لأنهم كانوا يتلقونه) ش: أي القرآن م: (بأحكامه) ش: أي بأحكام القرآن.
وفي " المبسوط " وغيره: إنما قدم الأقرأ في الحديث؛ لأنهم كانوا في ذلك يتلقونه بأحكامه، حتى روي أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حفظ سورة البقرة في اثنتى عشرة سنة، فكان الأقرأ فيهم هو الأعلم بالسنة والأحكام.
وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه قال: ما كانت تنزل السورة على رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، إلا ونحن نعلم أمرها ونهيها، وزجرها، وحلالها وحرامها، والرجل اليوم يقرأ السورة، ولا يعرف من أحكامها شيئا.

(2/329)


فقدم في الحديث، ولا كذلك في زماننا فقدمنا الأعلم.
فإن تساووا فأورعهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قلت: لما كان أقرؤهم أعلمهم فما معنى قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة» ، وأقرؤهم هو أعلمهم بالسنة في ذلك الوقت لا محالة على ما قالوا.
قلت: المساواة في القرآن مع التفاوت في الأحكام، ألا ترى أن أبي بن كعب كان أقرأ وابن مسعود كان أفقه وأعلم، وفي " النهاية ": اشتغل بحفظ القرآن سنة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وزيد وأُبَي وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان أعلم وأفقه من عثمان، ولكن كان يعسر عليه حفظ القرآن فجرى كلامه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على الأعم الأغلب.
م: (فقدم في الحديث) ش: هذا نتيجة قوله: وأقرؤهم كان أعلمهم أي فقدم الأقرأ في لفظ الحديث المذكور م: (ولا كذلك في زماننا) ش: أي وليس الأقرأ في زماننا أعلم؛ لأن الشخص ربما يكون أقرأ وليس له علم بالكتاب أصلا م: (فقدمنا الأعلم) ش: نتيجة النفي المذكور.
فإن قلت: الكلام في الأفضلية مع الاتفاق على الجواز على أي وجه كان، والحديث بصيغته يدل على عدم جواز إمامة الثاني عند وجود الأول؛ لأن صيغته صيغة إخبار وهو في اقتضاء الوجوب آكد من الأمر، وأيضا فإنه ذكره بالشرط والجزاء على طريق الترتيب، فكان اعتبار الثاني إنما كان بعد وجود الأول لا قبله.
قلت: صيغة الإخبار لبيان المشروعية، لا أنه لا يجوز غيره؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يمسح المقيم يوما وليلة» . ولئن سلمنا أن صيغة الإخبار محمولة على معنى الأمر يحمل على الاستحباب لوجود الجواز بدون الاقتداء بالإجماع.
فإن قلت: لو كان المراد من الإقراء قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يؤم القوم أقرؤهم» هو الأعلم لكان يلزم تكرار الأقرأ في الحديث، ويكون التقدير: يؤم القوم أعلمهم، فإن استووا فأعلمهم.
قلت: المراد من قوله: أعلمهم بأحكام كتاب الله دون السنة، ومن قوله: أعلمهم بالسنة أعلمهم بأحكام الكتاب والسنة جميعا، فكان الأعلم الثاني غير الأعلم الأول.
فإن قلت: يعارض حديث ابن مسعود المذكور قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مروا أبا بكر يصلي بالناس» إذا كان من هو أقرأ منه للقرآن مثل أبي وغيره وهو أولى.
قلت: حديث ابن مسعود كان في أول الهجرة، وحديث أبي بكر كان في آخر الأمر، وقد تفقهوا في القرآن، وكان أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أعلمهم وأفقههم في كل أمره، ألا ترى أن قول أبي سعيد: وكان أبو بكر أعلمنا. واسم أبي مسعود هو عقبة بن عامر الأنصاري.
م: (فإن تساووا فأورعهم) ش: فإن تساووا في العلم والقراءة فأولاهم بالإمامة أورعهم، في " البدرية " الورع الاجتناب عن الشبهات، والتقوى الاجتناب عن الحرم، وفي " الكافي ":

(2/330)


لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من صلى خلف عالم تقي فكأنما صلى خلف نبي»
فإن تساووا فأسنهم؛ «لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لابني أبي مليكة: "وليؤمكما أكبركما سنا» ؛ ولأن في تقديمه تكثير الجماعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المتقي الذي لا يأكل الربا، والورع: الذي لا يدفع المال بدل الإجارة، والورع ليس في لفظ الحديث في ترتيب الإمام، وإنما فيه بعد ذكر الأعلم، أقدم هجرة، ولكن أصحابنا وأكثر أصحاب الشافعي معنا، ومكان الهجرة الورع؛ لأن الهجرة منقطعة في زماننا، وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا هجرة بعد الفتح، وإنما المهاجر من هجر السيئات» فجعلوا الهجرة عن المعاصي مكان تلك الهجرة، فإن هجرتهم لتعلم الأحكام وعند ذلك يزداد الورع.
م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من صلى خلف عالم تقي فكأنما صلى خلف نبي» ش: هذا الحديث غريب ليس في كتب الحديث، لكن روى الطبراني ما في معناه من حديث مرثد بن أبي مرثد الغنوي قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن سركم أن تقبل صلاتكم فليؤمكم علماؤكم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم» . ورواه الحاكم في "مستدركه " في فضائل الأعمال عن يحيى بن يعلى به سندا ومتنا، إلا أنه قال: «فليؤمكم خياركم» وسكت عنه.
وروى الدارقطني ثم البيهقي في "سننهما" عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اجعلوا أئمتكم خياركم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين الله تعالى» ، قال البيهقي: إسناده ضعيف، وقال ابن القطان: فيه الحسين بن نصر لا يعرف.

م: (فإن تساووا فأسنهم) ش: أي فإن تساووا في القراءة والعلم والورع فأسنهم أولى بالإمامة م: «لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لابني أبي مليكة وليؤمكما أكبركما سنا» ش: هذا الحديث قد تقدم في باب الأذان وهو من حديث مالك بن الحارث أخرجه الأئمة الستة، قال: «أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنا وصاحب لي فلما أردنا الانتقال من عنده قال لنا: "إذا حضرت الصلاة فأذنا ثم أقيما وليؤمكما أكبركما» وأخرجه الجماعة مطولا ومختصرا.
م: (ولأن في تقديمه) ش: أي في تقديم الأسن م: (تكثير الجماعة) ش:؛ لأن رغبة الناس في الاقتداء به أكثر فيكون سببا لتكثير الجماعة، وكلما كثرت الجماعة كان الأجر أكثر، وفي " المحيط و " التحفة ": الأسن من الورع إذا لم يكن فيه فسق؛ لأن الكبير أخشع في الصلاة، وأقرب إلى الإجابة، وأكثر عبادة.
وقال النووي: المراد بالسن سن من يصير في الإسلام فلا يقدم شيخ أسلم قريبا على شاب نشأ في الإسلام أو أسلم قبله، وفي " خير مطلوب " و " التحفة ": زاد

(2/331)


ويكره تقديم العبد؛ لأنه لا يتفرغ للتعلم، والأعرابي؛ لأن الغالب فيهم الجهل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بعضهم فإن تساووا فأحسنهم خلقا، وزاد بعضهم: فإن تساووا فأحسنهم وجها؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار» ، وفي " المحيط ": اعتبر الحسب في المال على الأحسن وجها.
وفي " مختصر الجواهر ": يرجح بالفضائل الشرعية والخلقية والمكاتبية وكمال الصورة كالشرف في النسب والسن ويلحق بذلك حسن اللباس، وقيل: ونظافة الوجه وحسن الخلق وتملك رقبة المكان أو منفعته، قال المرغيناني: المستأجر أولى من المالك.
وفي " الخلاصة ": فإن تساووا في هذه الخصال يقرع أو الخيار إلى القوم، وقيل: إمامة المقيم أولى من العكس. وقال أبو الفضل الكرماني: هما سواء.
وللشافعي قولان في القديم: يقدم الأشرف ثم الأقدم هجرة ثم الأسن وهو الأصح. والقول الثاني: يقدم الأسن ثم الأشرف ثم الأقدم هجرة، وفي "تتمتهم" ثم بعد الكبر والشرف تقدم نظافة الثوب، والمراد النظافة عن الوسخ، والنجاسات؛ لأن الصلاة مع النجاسة لا تصح، ثم بعد ذلك حسن الصوت؛ لأن به تميل الناس إلى الصلاة خلفه فتكثر الجماعة ثم حسن الصورة.
وفي " المبسوط " و " المحيط " و " شرح الأقطع " لم تعتبر الهجرة لسقوط وجوبها على جميع الحاضرين، الأفقه والأقرأ والأورع والأسن وصاحب البيت وإمام المسجد.
قلت: هذا في الزمان الماضي؛ لأن الولاة كانوا علماء وغالبهم كانوا صلحاء، وفي زماننا أكثر الولاة ظلمة وجهلة.

[إمامة العبد والفاسق والأعمى وولد الزنا]
م: (ويكره تقديم العبد؛ لأنه لا يتفرغ للتعلم) ش: فيغلب عليه الجهل، وقال مالك: لا يؤتم به في جمعة ولا عيد. وقال الأوزاعي: لا يجوز أن يؤم الأحرار، قلنا: الإمامة أمر ديني فيستوي فيه الحر والعبد، ولهذا جوز الشافعي إمامته بلا كراهة، وقال: الحر أولى.
وفي "تتمتهم" تكره إمامته، ووجه الكراهة أن في تقديمه تقليل الجماعة؛ لأن الناس يستنكفون متابعته. م: (والأعرابي) ش: عطف على قوله العبد أي ويكره أيضا تقديم الأعرابي، وهو بفتح الهمزة البدوي، وهو من يسكن البادية عربيا كان أو أعجميا. وفي " الكافي ": ويستحب تقديم العربي؛ لأنه يسكن البدو م: (لأن الغالب فيهم الجهل) ش: وهو معنى: من بدا جفا.
فإن قلت: ما وجه رفع الضمير في قوله: فيهم، مع أن المذكور واحد، وإن كان مراده عود الضمير إلى الأعرابي والعبد، وما كان ينبغي أن يقول فيها بضمير التثنية؟
قلت: كان الأولى أن يقول: فيه أو فيهما، ولكن كأنه ينظر إلى أن في الأعرابي معنى الجمع؛ لأنه محلى بالألف واللام فيصدق على كل من يسكن البادية.

(2/332)


والفاسق؛ لأنه لا يتهم لأمر دينه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والفاسق؛ لأنه لا يهتم لأمر دينه) ش: فيرد فيه الناس، وفيه تقليل الجماعة، وقال مالك: لا تجوز إمامة الفاسق بلا تأويل كالزاني وشارب الخمر، أما الفاسق بالتأويل كمن يسب السلف الصالح، فعنه فيه روايتان، وعن أحمد: فيه روايتان في جواز الاقتداء به مطلقا أصحهما المنع، وقلنا نحن والشافعي بجواز إمامته؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «صلوا خلف كل بر وفاجر» ؛ ولأن ابن عمر وأنسا وغيرهما من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - والتابعين صلوا خلف الحجاج الجمعة وغيرها مع أنه كان أفسق أهل زمانه.
وروي أن الحجاج كان يخطب يوم الجمعة، فأطال الجمعة حتى كاد يدخل وقت العصر فقام ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وقال: أقصر يا مكار هداك الله، فلما فرغ الحجاج دعا ابن عمر ليقتله وقال: أما تخشى أن الله يسلطني على مالك ودمك فأهريقه، أو على نفسك فأخترمها، فقال ابن عمر: أما يكفيني أني صليت خلف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخلف أبي بكر وعمر وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - والآن أصلي خلفك، وأنت من أفسق الناس.
وأما وجه الكراهية فلما قلنا؛ ولهذا قال أصحابنا: لا ينبغي أن يقتدى بالفاسق إلا في الجمعة؛ لأن في سائر الصلوات يجد إماما غيره بخلاف الجمعة، وكان ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يصلي خلف الوليد بن عقبة في صلاة الجمعة وسائر الصلوات، وكان الوليد واليا بالكوفة وكان فاسقا حتى صلى بالناس يوما وهو سكران، كذا في " شرح الإرشاد ". وفي " المحيط ": لو صلى خلف فاسق أو مبتدع يكون محرزا ثواب الجماعة؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «صلوا خلف كل بر وفاجر» .
وأما لا ينال ثواب من صلى خلف التقي، ثم الفاسق إذا كان يؤم، وعجز القوم عن منعه تكلموا فيه، قيل: يقتدى به في صلاة الجمعة، ولا يترك الجمعة بإمامته، أما في غيرها من المكتوبات فلا بأس بأن يتحول إلى مسجد آخر، ولا يصلي خلفه ولا يأثم بذلك، وفي " المجتبى " و" المبسوط ": يكره الاقتداء بصاحب البدعة، وفي " شرح بكر " فأصل الجواب أن من كان من أهل قبلتنا، ولم يعمل بقوله لم يحكم بكفره، وتجوز الصلاة خلفه، وإن كان يكفي حتى يكفر أهلها؛ كالجهمي والقدري الذي قال بخلق القرآن، والرافضي الغالي الذي ينكر خلافة أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والمشبهة لا تجوز، وبه قال أكثر أصحاب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقال القفال ومن تابعه: يجوز الاقتداء بهم وأنهم لا يكفرون وهو ظاهر مذهب الشافعي كذا في " شرح الوجيز "، وعن أبي يوسف: من اتخذ من هذه الأهواء شيئا فهو صاحب بدعة.
وروى محمد عن أبي حنيفة، وأبي يوسف أن الصلاة خلف أهل الأهواء لا تجوز.
أما الصلاة خلف الشافعي إذا انحرف عن القبلة لا يجوز، أو لم يتوضأ من الخارج من غير

(2/333)


والأعمى؛ لأنه لا يتوقى النجاسة، "
وولد الزنا؛ لأنه ليس له أب يثقفه فيغلب عليه الجهل؛ ولأن في تقديم هؤلاء تنفير الجماعة، فيكره وإن تقدموا جاز؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «صلوا خلف كل برّ وفاجر» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
السبيلين، أو لم يغسل المني الذي هو أكثر من الدرهم لا تجوز على الأصح، وإلا فتجوز، وقيل: لكنه يكره، وقال أبو يوسف: لا تجوز الصلاة خلف المتكلم وإن تكلم بحق، وقال ابن حبيب من المالكية: من صلى وراء من شرب الخمر يعيد أبدا إلا أن يكون واليا.
وقال أبو بكر: من صلى خلف الفاسق من غير تأويل يعيد أبدا، وتكره إمامة الخصي والأقلف والمأبون وولد الزنا، وعند الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين تصح الصلاة خلف الفاسق، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يؤمهم صاحب خصومة في الدين، ولو صلى خلفهم جازت.
وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - من طلب الدين بالخصومات دعي زنديقا، ومن طلب الكساد دعي زعليا، ومن طلب غريب الحديث دعي كذابا، ولا بأس بأن يصلى وراء من في يديه تصاوير، وقيل: إن كانت مكشوفة يكره.
وفي " الفتاوى الظهيرية ": لا تصح إمامة الأحدب للقائم هكذا ذكره محمد بن شجاع في " النوازل "، وقيل: يجوز والأول أصح. وفي " الذخيرة ": ويؤم الأحدب القائم، كما يؤم القاعد القائم، ولا يؤم الراكب النازل.

م: (والأعمى) ش: عطف على قوله: والأعرابي أي: ويكره أيضا تقديم الأعمى م: (لأنه لا يتوقى النجاسة) ش: أي لا يتحفظ على النجاسة ولا يهتدي إلى القبلة، ولا يقدر على استيعاب الوضوء في أعضاء الطهارة غالبا، وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كيف أؤمهم وهم بعيد، يعني إلى القبلة، وقال القاضي من الحنابلة: هو كالبصير إذ هو أخشع في الصلاة، قال: البصير يشغله ما يراه وقد ينظر إلى ما لا يحل. وفي " المحيط ": إذا لم يوجد غيره من البصير فهو أولى بالإمامة. وفي " البدائع " إذا كان لا يوازيه غيره في الفضل في المسجد فهو أولى.

م: (وولد الزنا) ش: عطف على قوله: والأعمى، أي: ويكره أيضا تقديم ولد الزنا م: (لأنه ليس له أب يثقفه) ش: أي يؤدبه ويعلمه فيبقى على ما حمل جاهلا م: (فيغلب عليه الجهل) ش: وبقولنا قال الشافعي ومالك، وقال أحمد: لا يكره، ورواه ابن المنذر عن مالك واختاره.
م: (ولأن في تقديم هؤلاء) ش: هذا دليل ثان يشتمل الكل، أي ولأن في تقديم العبد والأعرابي والفاسق والأعمى وولد الزنا م: (تنفير الجماعة فيكره) ش: لأن القوم يؤذون بهم ولا يرضون بهم أئمة فيكره.
وفي " المجتبي " والمراد من الكراهة في هذا الموضع كراهة تنزيه، فإنه قال محمد في الأصل: إمامة غيرهم أحب إلي، وأما الجواز فلا كلام فيه أشار إليه بقوله: م: (وإن تقدموا جاز؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلوا خلف كل بر وفاجر» ش: وهذا الحديث أخرجه الدارقطني في "سننه " عن معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن مكحول، عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن

(2/334)


ولا يطول الإمام بهم الصلاة؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من أم قوما فليصل بهم صلاة أضعفهم، فإن فيهم المريض والكبير وذا الحاجة» ، ويكره للنساء أن يصلين وحدهن الجماعة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «صلوا خلف كل بر وفاجر، وجاهدوا مع كل بر وفاجر» . قال الدارقطني: مكحول لم يسمع من أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ومن دونه ثقات، ومن طريق الدارقطني رواه ابن الجوزي في " العلل المتناهية "، وأعله بمعاوية بن صالح مع ما فيه من الانقطاع وتعقبه ابن عبد الهادي، وقال: إنه من رجال الصحيح، وجه الاستدلال بهذا الحديث في حق الفاسق ظاهر، وفي حق العبد والأعمى يتمسك بدلالته؛ لأنه لما جوز الاقتداء بالفاسق مع الموجب للتميز، فيجوز في حقهما بالطريق الأولى ونقول: كل واحد منهما لا يخلوا إما أن يكون برا أو فاجرا، والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جوز الاقتداء بكل منهما.

[تخفيف الإمام في الصلاة]
م: (ولا يطول الإمام بهم الصلاة) ش: أي بالجماعة م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أم قوما فليصل بهم صلاة أضعفهم، فإن فيهم الكبير والمريض وذا الحاجة» ش: هذا الحديث رواه البخاري ومسلم من حديث الأعرج عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء» وفي لفظ لمسلم: «الصغير والكبير والضعيف والمريض» .
وروى البخاري أيضا «من حديث أبي مسعود الأنصاري فقال: يا رسول الله لا أكاد أدرك الصلاة مما يطول بها فلان، فقال: فما رأيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في موعظة أشد غضبا من يومئذ، ثم قال: "يا أيها الناس إن منكم منفرين، من صلى بالناس فليخفف، فإن فيهم الكبير والصغير وذا الحاجة» "، فهذا يدل على أن الإمام ينبغي له أن يراعي حال قومه، وهذا لا خلاف فيه.

[إمامة المرأة للنساء في صلاة الجماعة]
م: (ويكره للنساء أن يصلين وحدهن الجماعة) ش: الكلام في هذا الموضع على وجوه:
الأول: قال السغناقي في اللفظ صورة المناقضة، حيث ذكر الوحدة مع كونهن جماعة، ثم أجاب عن هذا بقوله: لكن المراد من الوحدة توحدهن عن الرجال، وهن في أنفسهن جماعة النساء.
قلت: لا مناقضة فيه، ولا يصدق حد عليه؛ لأن المعنى: ويكره للنساء المنفردات عن الرجال أن يصلين بجماعة عنهن.
الثاني قال الأترازي وهذا عندنا وعند الشافعي يستحب لنا أنها لو كانت مستحبة لبينها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتكون جماعتهن بدعة ويكره.
قلت: قول الشافعي هو قول الأوزاعي والثوري وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وحكاه ابن المنذر عن عائشة وأم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فإذا كان كذلك فكيف تكون جماعتهن بدعة؟ والبدعة

(2/335)


لأنها لا تخلو من ارتكاب المحرم وهو قيام الإمام وسط الصف فيكره كالعراة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
اسم لإحداث أمر لم يكن في زمان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد روى أبو داود في "سننه " في باب إمامة النساء من «حديث أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث بن نوفل، وفيه كانت قد قرأت القرآن فاستأذنت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن تتخذ في دارها مؤذنا، فأذن لها وأمرها أن تؤم أهل دارها» .
وروى عبد الرزاق في "مصنفه " أخبرنا إبراهيم بن محمد، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قال: تؤم المرأة النساء تقوم في وسطهن.
وروى ابن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمار الدهني، عن امرأة من قومه اسمها حجيرة، قالت: أمتنا أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قائمة وسط النساء.
حدثنا وكيع عن ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها كانت تؤم النساء تقوم معهن في وسطهن.
وروت عظمة الحنفية قالت: أمتنا عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فقامت بينهن في الصلاة المكتوبة، رواه الدارقطني وهو حجة على الشعبي والنخعي حيث قال: تؤمهن في النفل دون الفرض، وشذ أبو ثور والمزني ومحمد بن جرير الطبري فأجازوا إمامة النساء على الإطلاق للرجال والنساء.
وعن سليمان بن بشار والحسن البصري ومالك: لا تؤم المرأة أحدا في فرض أو نفل.
الثالث: قول المصنف في كراهته جماعة النساء: م: (لأنها لا تخلو عن ارتكاب المحرم وهو قيام الإمام وسط الصف) ش: فكيف يكون قيام الإمام وسطهن محرما، وقد فعلته عائشة وأم سلمة، وروي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على ما ذكرناه الآن، وأيضا فلقائل أن يقول: ارتكاب المحرم فيه في حق الرجال دون النساء، إذ لو كان مطلقا لما كان يجوز الصلاة.
الرابع: قوله: م: (فيكره) ش: يعني إذا كان الأمر كذلك يكره فعلهن الجماعة وكيف يكره، وقد ذكر في " المحلى ": صلت عائشة بهن المغرب جهرت بالقراءة، وصلت أم سلمة العصر.
الخامس: قوله: م: (كالعراة) ش: هو جمع عار كالقضاة جمع قاض، والتشبيه فيه من كل الوجوه ظاهر، ولكن كلام الشارح يختلف في وجه الشبه، فقال تاج الشريعة: يعني يكره للعراة الجماعة؛ لأنها لا تخلو عن مباشرة إحدى الروايتين.
أما قيام الإمام وسط الصف، أو زيادة الاطلاع على العورات كما هاهنا، وقال السغناقي قوله: فيكره كالعراة، وفي العراة عندنا أن يصلوا وحدانا قعودا بإيماء، وإنما أمرناهم بترك الجماعة لتشاغل بعضهم عن بعض، ولا يقع بصر بعضهم على عورة البعض؛ لأن الستر يحصل، وإن الأولى لإمامهم إذا صلوا الجماعة أن يقوم وسطهن؛ لئلا يقع بصرهم على عورته، وإن تقدمهم جاز أيضا، وحالهم في هذا الموضع كحال النساء في الصلاة، فالأولى أن يصلين

(2/336)


فإن فعلن قامت الإمام وسطهن؛ لأن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فعلت كذلك، وحمل فعلها الجماعة على ابتداء الإسلام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وحدهن، وإن صلين بجماعة قامت إمامتهن وسطهن، وإن تقدمن جاز فكذلك حال العراة، وكلام الأكمل هاهنا قريب منه بل أخذ منه.
وقال الأترازي: قوله: فيكره كالعراة، أي تكره جماعة النساء كجماعة العراة، وقال صاحب " الدراية ": التشبيه بالعراة ليس من كل الوجوه بل في أفضلية الأذان وأفضلية قيام الإمام وسطهن، وأما العراة فيصلون قعودا وهو أفضل من صلاة النساء قائمات.
قلت: المصنف جعل العراة مشبها به، وتاج الشريعة عكس فيه، وجعل وجه التشبيه الحرمة، والسغناقي جعله في الأفضلية، وصاحب " الدراية " كذلك ولكنه زاد في الأفضلية الأذان أيضا، والأترازي جعله في الكراهة.
السادس: قوله: م: (وإن فعلن قامت الإمام وسطهن) ش: فيه تناقض وهو أنه أولا قال: قيام الإمام وسط الصف ارتكاب محرم، فعلم منه عدم جواز صلاتهن بالجماعة، وهنا يقول بجواز ذلك، ويمكن أن يجاب عنه بأن يكون المراد بالحرمة أيضا هنا اللغوي وهو المنع، ووجه الكراهة لا يمنع ذلك الجواز مع الكراهة.
فإن قلت: كيف قال: قامت الإمام، بتاء تأنيث الفعل.
قلت: قال المطرزي في " المغرب ": الإمام من يؤم به أي يقتدى به ذكرا كان أو أنثى، ومنه قامت الإمام في وسطهن، وفي بعض النسخ: فإن فعلن قامت الإمامة وسطهن، وهو غير صواب؛ لأن لفظة الإمام اسم لا وصف.
قوله: م: (وسطهن) ش: بسكون السين؛ لأنه ظرف بخلاف جلست وسط الدار بالفتح، وكل موضع صلح فيه بين فهو ساكن، وما لا يصلح فهو بالفتح ومنه يشد في وسطه الهميان.
وقال الأزهري: كل ما كان يبين بعضه من بعض كوسط القلادة والصف والسبحة فهو بالإسكان وما كان منضما لا يبين كالدار والساحة فهو بالفتح، وأجازوا في المفتوح الإسكان ولم يجيزوا في الساكن الفتح.
السابع: قوله: م: (لأن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فعلت كذلك) ش: أي صلت بجماعة النساء، وقامت وسطهن وقد ذكرناه عن قريب، وروى محمد بن الحسن في كتاب " الآثار " أخبرنا أبو حنيفة عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم النخعي، عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنها كانت تؤم النساء في شهر رمضان فتقوم وسطا، وقد ذكرنا عن أم سلمة أيضا، وفيه أيضا رد على الأترازي حيث قال: إنها بدعة، وعلى المصنف أيضا في أنها ارتكاب المحرم.
الثامن: قوله: م: (وحمل فعلها الجماعة على ابتداء الإسلام) ش: قال الأترازي: أي حمل فعل

(2/337)


ولأن في التقدم زيادة الكشف.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عائشة الجماعة على ابتداء الإسلام يعني كان ذلك ثم نسخ حين أمرن بالوقار والقرار في البيوت، وهذا جواب سؤال مقدر بأن يقال: لما فعلت عائشة الجماعة دل على أنها مستحبة فلا يكره. فأجاب عنه وقال: وحمل ذلك على ابتداء الإسلام.
قلت: هذا كلام من لم يطلع في كتب القوم، وأمضى فيه لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أقام بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة كما رواه البخاري ومسلم ثم تزوج عائشة بالمدينة وبنى بها وهي بنت تسع وبقيت عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تسع سنين، وما صلت إماما إلا بعد بلوغها، فكيف يستقيم حمله على ابتداء الإسلام، وتصدى الأكمل للجواب عن هذا وقال: يجوز أن يكون المراد بابتداء الإسلام ما قبل بيان الانتساخ، فإنه ابتدأ بالنسبة إليه.
قلت: هذا أبعد من الأول؛ لأن هذا لم يكن في ابتداء الإسلام على ما دلت عليه الأخبار المذكورة، فإذا كان كذلك كيف يحمل هذا على ما قبل الانتساخ.
التاسع: قوله: م: (ولأن في التقدم زيادة الكشف) ش: هذا الدليل توكيد يمنع المتقدم بالنسبة؛ لأنه بين بالنسبة في الأصل لا بالتعليل، واعترض عليه بأن المرأة إذا كانت لابسة من فوقها إلى قدمها، ولم يكن بينهن أحد من الرجال، فإن التقدم يكره مع أنه لا كشف فيها، فلو كانت الكراهية لزيادة الكشف ينبغي أن يجوز هناك لانعدام العلة.
فأجاب عنه الأكمل أخذا من كلام السغناقي بما ملخصه: أن ذلك نادر لا حكم له على أن ترك التقديم بالسنة والتعليل لا يضاهيها.
قلت: لا نسلم أنه نادر؛ لأن المرأة شأنها التستر في كل الأحوال ولا سيما في الصلاة خصوصا إذا أمت، فإنها تحترز عن انكشاف شيء من أعضائها غاية الاحتراز، فحينئذ لا يوجد كشف أصلا فضلا عن زيادته وقوله: على أن يترك التقدم.. إلى آخره، فيه نظر لأنه لم يبين النسبة التي دلت على ترك التقدم.
وقال الأكمل: وهنا بحث من أوجه، وذكر منها: أن المذهب عندنا أن انتفاء صفة الوجوب تستلزم انتفاء صفة الجواز، ثم أجاب عنه بما حاصله أن الجواز ليس بمنسوخ بالإجماع، وإنما المنسوخ هو كون جماعتهن سنة وفيه نظر؛ لأن من ادعى النسخ فعليه البيان.
وقال صاحب " الدراية ": ولأن جماعتهن لو كانت مشروعة لزم تركها ولشاعت كما شاعت جماعة الرجال على أنها من الشعائر فيختص بالأذان والخطب والجمع والأعياد؛ ولأن جماعتهن لا تخلو عن ارتكاب محرم؛ لأن في التقدم زيادة كشف، وفي الوسط تركه القيام وكل ذلك حرام.
أما زيادة الكشف؛ فلقوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31] (النور: الآية 31) ، وأما ترك القيام

(2/338)


ومن صلى مع واحد أقامه عن يمينه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فلأنه خلاف السنة؛ لأنه لم يعمل به النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ولا واحد من الصحابة.
وأما حديث أم ورقة ورايطة كان في ابتداء الإسلام أو تعلما للجواز مع أن في حديث أم ورقة مقالا عند أهل الحديث.
قلت: هذا كله مخدوش، أما قوله: لو كانت جماعتهن مشروعة كره تركها، فغير سديد؛ لأنه لا يلزم من كون الشيء مشروعا أن يكره تركه؛ لأن هذا ليس بكلي، فإن المشروع إذا كان فرضا يكون تركه حراما، وإن سنة يكون تركه مكروها، وإن كان ندبا يجوز تركه ولا يكره.
وأما قوله: فتختص بالأذان.. إلخ. فيرده ما رواه الحاكم في " المستدرك " عن عبد الله بن إدريس عن عطاء عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها كانت تؤذن وتقيم وتؤم النساء فتقوم وسطهن. وأما قوله: وكل ذلك حرام، غير مسلم؛ لأن الحرمة غير مقتصرة على زيادة الكشف.
وأما قوله: فلأنه خلاف السنة، مردود؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر أم ورقة أن تؤم أهل دارها كما ذكرنا من رواية أبي داود، وفي الحديث وجعل لها مؤذنا يؤذن لها، وقال عبد الرحمن بن خلاد: فأنا رأيت مؤذنها شيخا كبيرا. وقوله: ولا واحد من الصحابة مردود، فإنا ذكرنا عن عائشة وأم سلمة بأنهما فعلتا ذلك.
وقوله: مع النساء في حديث أم ورقة مقالا، إشارة إلى ما قاله المنذري في "مختصره " لسنن أبي داود في سنده الوليد بن جميع وفيه مقال ولا يضره ذلك، فإن مسلما أخرج له وكفى هذا في عدالته وصدقه.
فإن قلت: قد قال ابن بطال في كتابه: الوليد بن جميع، وعبد الرحمن بن خلاد لا يعرف حاليهما.
قلت: ذكرهما ابن حبان في " الثقات " فالحديث إذا صحيح.
فإن قلت: أخرج ابن عدي في " الكامل " وأبو الشيخ الأصبهاني في كتاب "الأذان" من حديث أسماء بنت أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال: «ليس على النساء أذان ولا إقامة ولا جمعة ولا اغتسال، ولا تقدمهن امرأة ولكن تقوم وسطهن» ".
قلت: في سنده الحاكم بن عبد الله قال ابن معين: ليس بثقة ولا مأمون. وعن البخاري: تركوه، وعن النسائي: متروك الحديث، وكان ابن المبارك يوهنه، وأنكر ابن الجوزي هذا الحديث في كتابه " التحقيق " ولا يعرف مرفوعا إنما هو شيء يروى عن الحسن البصري وإبراهيم النخعي.

[موقف الإمام والمأموم في الصلاة]
م: (ومن صلى مع واحد أقامه عن يمينه) ش: مساويا له وهو قول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وابنه وعروة بن الزبير، وبه قال الثوري والأوزاعي ومالك وإسحاق وعن الشافعي: يستحب أن يتأخر عن الإمام قليلا، وعن سعيد بن المسيب أنه يقيمه عن يساره، وفيه قول رابع مروي عن النخغي

(2/339)


«لحديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فإنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى به وأقامه عن يمينه»
ولا يتأخر عن الإمام، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يضع أصابعه عند عقب الإمام والأول هو الظاهر،
فإن صلى خلفه أو في يساره جاز وهو مسيء؛ لأنه خالف السنة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أنه يقوم خلفه إلى أن يركع، فإذا جاء أخذ الإمام عن يمينه.
م: (لحديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «فإنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى به وأقامه عن يمينه» ش: حديث ابن عباس أخرجه الأئمة الستة في كتبهم عن كريب مولى ابن عباس. قال: «نمت عند خالتي ميمونة فقام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الليل، فأطلق القربة فتوضأ ثم أوكأ القربة، ثم قام إلى الصلاة فقمت وتوضأت كما توضأ، ثم جئت فقمت عن يساره، فأخذني جنبه فأدارني من ورائه فأقامني عن يمنيه، فصليت معه» . أخرجوه مختصرا ومطولا.
فإن قلت: كيف يجوز أداء النفل بالجماعة وإنه بدعة.
قلت: أداء النفل بالجماعة بلا أذان ولا إقامة بواحد أو اثنين، يجوز على أنا نقول: التهجد كان فرضا على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيكون اقتداء المتنفل بالمفترض مع أن ابن عباس كان صبيا فلا يكون مخالطا.

م: (ولا يتأخر عن الإمام) ش:؛ لأن التأخر خلاف السنة، وإن كان المقتدي أطول وسجوده قدام الإمام لا يضره؛ لأن العبرة بموضع الوقوف، كما لو وقف في الصف فوقوع سجود الإمام يطوله.
م: (وعن محمد أنه يضع أصابعه عند عقب الإمام) ش: كما هو المشهور من عمل العامة م: (والأول هو الظاهر) ش: أي قيام المقتدي عن يمين الإمام بدون التأخر هو ظاهر الرواية ووجهه حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.

م: (فإن صلى خلفه أو في يساره جاز وهو مسيء) ش: أي وإن صلى المقتدي خلف الإمام أو عن يساره، والحال أنه وحده جاز والحال أنه مسيء أي فاعل فعل السيئ م: (لأنه خالف السنة) ش: وهو ما ذكر حديث ابن عباس آنفا، وعن شيخ الإسلام من مشايخنا من قال: الجواب في الفصلين وهو ما لو قام عن يساره أو خلفه واحد؛ لأنه ترك السنة في القيام فيكون مكروها.
ومنهم من فرق وقال: لا يكون عن يساره إذا قام خلفه؛ لأنه لا يصير تاركا للسنة من كل وجه؛ لأنه عمل به واحد من الصحابة وهو ابن عباس فإنه قام خلفه، ودعا له بالفقه والعلم، وعند أحمد لو وقف على يساره تبطل صلاته، وقال أحمد: لو كان اثنان وكان أحدهما صبيا فوقفا عن يمينه فلا بأس به، ولو وقفا خلفه توقف أحمد، وأكثرهم على أنه لا يصح بل الصبي يقف على يساره.

(2/340)


وإن أم اثنين تقدم عليهما، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يتوسطهما، ونقل ذلك عن عبد الله ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولنا أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تقدم على أنس واليتيم حين صلى بهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإن أم اثنين تقدم عليهما) ش: أي وإن أم رجلين تقدم عليهما وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يتوسطهما) ش: أي الإمام يتوسط اثنين؛ لأن الاصطفاف خلف الإمام سنة الجماعة والاثنين ليسا بجماعة حقيقة. م: (ونقل ذلك عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي نقل التوسط بين الاثنين عن عبد الله بن مسعود، هذا موقوف على ابن مسعود كما ترى، وقد رواه مسلم من ثلاث طرق ولم يرفعه في الأوليين ورفعه إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال فيه: «هكذا فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» -.
وقال الترمذي في "جامعه " عن ابن مسعود أنه صلى بعلقمة والأسود فقام بينهما، قال: ورواه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال أبو عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هذا الحديث لا يصح رفعه، والصحيح عندهم التوقيف على ابن مسعود أنه صلى بعلقمة والأسود، وقال الحارثي: حديث ابن مسعود منسوخ وأراد به الحديث الذي أخرجه مسلم عنه في "صحيحه "، وعن إبراهيم «عن علقمة والأسود أنهما دخلا على عبد الله فقال: أصلي من خلفكم؟ قالا: نعم، فقام بينهما فجعل أحدهما بيمينه، والآخر عن شماله، ثم ركعنا فوضعنا أيدينا على ركبتينا، ثم طبق بين يديه، ثم جعلهما بين فخذيه، فلما صلى قال: هكذا فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» - لأنه إنما تعلم هذه الصورة من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمكة وفيهما التطبيق وأحكام أخرى وهي متروكة، وهذا الحكم من جملتها، ولما قدم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة تركه.
فإن قلت: ما أجاب المصنف عن حديث ابن مسعود هذا.
قلت: أجيب بثلاثة أجوبة.
الأول: أن ابن مسعود لم يبلغه حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الآتي ذكره عقيب هذا الحديث.
والثاني: أنه قال لضيق المسجد وبعذر آخر لا على أنه من السنة.
والثالث: ذكر البيهقي في " المعرفة «أنه رأى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي وأبو ذر عن يمينه كل واحد يصلي لنفسه، فقام ابن مسعود خلفهما فأومأ إليه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشماله فظن عبد الله أن ذلك سنة الموقف، ولم يعلم أنه يؤمهما وعلمه أبو ذر حتى قال فيما روي عنه يصلي كل رجل منا لنفسه» .
م: (ولنا أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «تقدم على أنس واليتيم حين صلى بهما» ش: وهذا الحديث أخرجه الجماعة إلا ابن ماجه عن مالك بن أنس عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة «عن أنس بن مالك

(2/341)


فهذا للأفضلية والأثر دليل الإباحة.
ولا يجوز للرجال أن يقتدوا بامرأة أو صبي، أما المرأة فلقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أخروهن من حيث أخرهن الله» ، فلا يجوز تقديمها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أن جدته مليكه دعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لطعام صنعته فأكل منه ثم قال: "قوموا فلأصل لكم" [قال أنس:] فقمت إلى حصير لنا قد أسود من طول ما لبث فنضحته بماء، فقام رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وقمت أنا واليتيم من ورائه والعجوز وأنس وراءنا فصلى بنا ركعتين ثم انصرف» واليتيم هو ضمير بن أبي ضميرة مولى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - له ولأبيه صحبة، وقيل: اليتيم أخو أنس لأبيه واسمه ضمير واليتيم علم غالب له كالنجم للثريا.
وقال أبو عمر: قوله: جدته مليكة، والضمير عائد على إسحاق وهي جدة إسحاق أم أبيه عبد الله بن أبي طلحة، وهي أم سليم بنت ملحان زوج أبي طلحة الأنصاري، وهي أم أنس بن مالك، وقال غيره: الضمير يعود إلى أنس وهو القائل: إن جدته، وهي جدة أنس بن مالك أم أمه واسمها مليكة بنت مالك بن عدي، ويؤيد ما قال أبو عمر أن في بعض طرق الحديث أن أم سلمة سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يؤمها، أخرجه النسائي عن يحيى بن سعيد، عن إسحاق بن عبد الله فذكره وأم سليم وهي أم أنس جاء ذلك مصرحا في البخاري.
م: (فهذا دليل للأفضلية) ش: أي فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تقدمه على الاثنين دليل الأفضلية م: (والأثر دليل الإباحة) ش: أراد بالأثر الذي رواه أبو يوسف عن ابن مسعود.
فإن قلت: لم يعكس قلت: ترجيحا لفعل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على فعل غيره.
1 -
فروع: ولو قام واحد بجنب الإمام وخلفه صف يكره بالإجماع، كذا في " شرح الإرشاد "، وفي " المجتبى ": السنة أن يقوم في المحراب ليعدل الطرفين ولو قام في أحد جانبي الصف يكره، ولو كان المسجد الصيفي بجنب الشتوي، وإملاء المسجد ليقوم الإمام في جانب الحائط يستوي القوم من جانبيه، والأصح ما روي عن أبي حنيفة أنه قال: أكره أن يقوم الإمام بين الساريتين، وفي رواية: أو ناحية المسجد أو إلى سارية؛ لأنه خلاف لعمل الأمة، ومتى استوى جانباه يقوم عن يمين الإمام إن أمكنه وإن وجد في الصف فرجة سدها ولا ينتظر حتى يجيء آخر فيقفان خلفه، ولو لم يجد عالما يقف خلف الصف بحذاء الإمام للضرورة، ولو وقف منفردا بغير عذر تصح صلاته عندنا، وعند الشافعي ومالك.
وقال أحمد وأصحاب الحديث: لا تصح صلاته واحتجوا بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا صلاة للمنفرد خلف الصف» ، ولنا حديث أنس واليتيم والعجوز، وقد جوزوا اقتداءها وهي منفردة خلف الصف، وما رواه من الحديث المذكور أريد به نفي الكمال.

[إمامة المرأة والصبي في الصلاة]
م: (ولا يجوز للرجال أن يقتدوا بامرأة ولا صبي، أما المرأة فلقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أخروهن من حيث أخرهن الله، فلا يجوز تقديمها» ش: هذا غير مرفوع، وهو موقوف على عبد الله بن مسعود

(2/342)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه " عن سفيان الثوري، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي معمر، عن ابن مسعود، ومن طريق عبد الرزاق رواه الطبراني في "معجمه " ولم أر أحدا من شراح " الهداية " تعرض لحال هذا الخبر، وكتب أصحابنا معتبرة، وذكره الكبائر أي من الشافعية في كتاب بعض ما تفرد به أحمد بن حنبل، وذكره أيضا ابن قدامة في " المغني " وابن حزم في " المحلى "، وجه الاستدلال بقوله: من حيث أخرهن الله، ما قال أبو زيد في " الأسرار ": إن حيث عبارة عن المكان ولا مكان يجب تأخرهن فيه إلا مكان الصلاة، وقيل: يجوز أن يكون حيث للتعليل يعني كما أخرهن الله تعالى في الشهادة والإرث والسلطنة وسائر الولايات.
قلت: أصل حيث أنه ظرف مكان مضاف إلى الجملة تقول: اجلس حيث الأمير جالس، وحيث جلس الأمير، وقد يضاف إلى المفرد كقول الشاعر:
تمضي المواضي حيث لي العمائم
....
.... قال أبو الفتح: من أضاف حيث إلى المفرد أعربها، ومن ذلك ضبط بعضهم، أما ترى حيث سهيل طالعا، بفتح ثاء حيث وخفض سهيل، وأصله حيث سهيل بضم الثاء ورفع سهيل، والخبر محذوف أي موجود إذا اتصلت بها ما النافية فضمنت معنى الشرط وجزمت الفعلين، وفيه ست لغات بالحركات الثلاث وبالواو معها، ومن العرب من يعرب حيث، وعليه قراءة من قرأ {من حيث لا يعلمون} [الأعراف: 182] بالكسر وهي للمكان اتفاقا.
وقال الأخفش: وقد ترد للزمان، أقول في الخبر أمرا تبركا بتأخيرهن من حيث العام في الصلاة؛ لعدم وجوب تأخيرهن خارج الصلاة إجماعا، وحيث تأخيرهن في الصلاة إظهار لتعيينهن في الجماعة؛ لأن الرجال هم الأصول في إقامة الجماعة، فإن جماعة النساء ليست مستحبة عن الانفراد. وعند الشافعي: دون استحباب الرجال والرجل هو المخاطب بالتأخير، فإذا ترك ما هو يخاطب به فسدت صلاته كما لو تقدم على إمامه.
يظهر من هذا كله أنه أمر بتأخيرها وهو نهي عن الصلاة خلفها وإلى جانبها أيضا، والنهي يقتضي فساد المنهي؛ ولأن في تأخيرها صيانة للصلاة عن الفساد، وهي واجبة؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] (محمد: الآية 33) ، وإليه أشار المصنف بقوله: فلا يجوز تقديمها، هذه نتيجة قوله: ولا يجوز أن يقتدوا بامرأة، تقدير الكلام: لما جاء الأمر بتأخيرها فلا يجوز تقديمها، فلم يجز الاقتداء بها. وفي الأترازي: فإن قيل: هذا الحديث خبر الواحد وبمثله ثبت الوجوب لا الفرض فلا تفسد الصلاة بتركه.
قلنا: هذا حديث مشهور تثبت الفرضية به، فتركه مفسد، وفي " المجتبى ": يمسك في المسألة بالإجماع، والمراد به إجماع المجتهدين، لأنه حكي عن ابن جرير الطبري أنه يجوز إمامتها

(2/343)


وأما الصبي فلأنه متنفل، فلا يجوز اقتداء المفترض به، وفي التراويح والسنن المطلقة جوزه مشايخ بلخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - ولم يجوزه مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - ومنهم من حقق الخلاف في النفل المطلق بين أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - والمختار أنه لا يجوز في الصلوات كلها؛ لأن نفل الصبي دون نفل البالغ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالتراويح إذا لم يكن هناك قارئ غيرها.

م: (وأما الصبي فلأنه متنفل) ش: أي وأما عدم جواز الاقتداء بالصبي فلأنه متنفل والذي يقتدي به مفترض م: (فلا يجوز اقتداء المقترض به) ش: أي بالمتنفل؛ لأن صلاة الإمام متضمنة صلاة المقتدي صحة وفسادا، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الإمام ضامن» ولا شك أن الشيء إنما يتضمن ما هو دونه لا ما هو فوقه، فلم يجز اقتداء البالغ بالصبي لهذا، وبه قال الأوزاعي والثوري ومالك وأحمد وإسحاق، وفي النفل روايتان. وقال ابن المنذر: وكرهها عطاء والشعبي ومجاهد، وقال الحسن والشافعي: تصح إمامته، وفي الجمعة له قولان، قال في " الأم ": لا تجوز، وقال في " الإملاء ": تجوز لما روى البخاري عن عمرو بن سلمة قال: «أممت على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا غلام ابن ست سنين أو ابن سبع سنين» وسلمة صحابي، والأشهر أن عمرا لم يسمع من النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ولم يرو عنه، وقال الخطابي: كان الحسن يضعف حديث عمرو بن سلمة، وقال مرة: دعه ليس بشيء بين.
وقال أبو داود: وقيل لأحمد حديث عمرو قال: لا أدري ما هذا، فلعله لم يتحقق بلوغ أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: وقد خالفه أمثال الصحابة، وقد قال عمرو: كنت إذا سجدت خرجت استي، وهذا غير بالغ، والعجيب أنهم لم يجعلوا قول أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وكبار الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وأفعالهم حجة، واستدلوا بفعل [صبي] عمره ست سنين، ولا يعرف فرائض الوضوء والصلاة، فكيف يتقدم في الإمامة؟ ومنعه أحوط في الدين، وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يؤم الغلام حتى يحتلم، وعن ابن مسعود: لا يؤم الغلام الذي لا تجب عليه الحدود، رواهما الأثرم في "سننه ".

[إمامة الصبي في النوافل كالتراويح ونحوها]
م: (وفي التراويح والسنن المطلقة) ش: السنن الرواتب قبل الفرائض وبعدها م: (جوزه) ش: أي الاقتداء بالصبي م: (مشايخ بلخ ولم يجوزه مشايخنا) ش: أي ولم يجوز الاقتداء بالصبي علماء أهل بخارى وسمرقند.
م: (ومنهم) ش: أي ومن مشايخ بخارى وسمرقند م: (من حقق الخلاف في النفل المطلق بين أبي يوسف ومحمد) ش: فقال عند أبي يوسف: لا يجوز الاقتداء، وعند محمد يجوز م: (والمختار) ش: أي للفتوى م: (أنه) ش: أي أن الاقتداء بالصبي م: (لا يجوز في الصلوات كلها؛ لأن نفل الصبي دون نفل البالغ) ش:؛ لأن نفل البالغ مضمون حيث يجب القضاء إذا أفسده، ونفل الصبي غير

(2/344)


حيث لا يلزمه القضاء بالإفساد بالإجماع،
ولا يبني القوي على الضعيف، بخلاف المظنون؛ لأنه مجتهد فيه، فاعتبر العارض عدما، وبخلاف اقتداء الصبي بالصبي؛ لأن الصلاة متحدة
ويصف الرجال، ثم الصبيان، ثم النساء؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ليلني منكم أولو الأحلام والنهى»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مضمون م: (حيث لا يلزمه القضاء بالإفساد بالإجماع) ش: فيكون نفل الصبي دون نفل البالغ فلا يجوز أن يكون الأدنى متضمنا للأعلى.

م: (ولا يبني القوي على الضعيف) ش: لأن نفل البالغ القوي حيث يلزمه بالشروع، ونفل الصبي ضعيف حيث لا يلزمه بالشروع، وعلى هذا لا يجوز الاقتداء به أيضا في النفل.
م: (بخلاف المظنون) ش: هذا جواب عن قياس مشايخ بلخ عن المظنون وتقديره قياس اقتداء البالغ بالصبي على الاقتداء بالظان فاسد، صورة المظنون أن يقتدي المتنفل بمن يصلي صلاة عليه يجوز الاقتداء، وإن كانت غير مضمونة بالقضاء عندنا، لأنه شرع فيه على قصد التزام فرض آخر عليه، وصورة أخرى شرع في صلاة على ظن أنها عليه فاقتدى به متنفل ثم أفسده يلزمه القضاء، وإن لم يلزم الإمام على تقدير الإفساد م: (لأنه مجتهد فيه) ش: أي؛ لأن المظنون مجتهد فيه؛ لأن عند زفر القضاء واجب على الظان، فصار كأن الإمام ضامن فاتحد حال الإمام والمقتدي فجاز الاقتداء به.
م: (فاعتبر العارض) ش: وهو للظان م: (عدما) ش: في حق المقتدي بالنظر إلى اجتهاد زفر مع احتمال صحة قول المجتهد؛ لأن في زعمه مضمونة صلاة الإمام، فكان هذا اقتداء بمصلي المضمونة، أما الصبي فليس من أهل الضمان حتى يسري حكم ضمانه إلى المقتدي فكان اقتداء البالغ به في معنى اقتداء المفترض بالمتنفل.
م: (وبخلاف اقتداء الصبي بالصبي؛ لأن الصلاة متحدة) ش: لعدم الضمان على واحد منهما وكان بناء الضعيف على الضعيف.

[كيفية ترتيب الصفوف في الصلاة]
م: (ويصف الرجال ثم الصبيان ثم النساء) ش: هذا ترتيب القيام خلف الإمام، وفي " المحيط " و " الإسبيجابي ": يلي الإمام الرجال ثم الصبيان الكبار ثم الخناثى ثم النساء ثم الصبيات والمراهقات م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ليلني منكم أولو الأحلام والنهى» ش: روي هذا الحديث عن ابن مسعود وأبي مسعود والبراء بن عازب، فحديث ابن مسعود أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم» .
وحديث البراء بن عازب أخرجه الحاكم في " المستدرك " في كتاب الفضائل من حديث عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء بن عازب قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأتينا إذا أقيمت الصلاة فيمسح عواتقنا ويقول: "أقيموا صفوفكم ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، وليلني منكم أولو الأحلام

(2/345)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والنهى» وسكت عنه.
وقال الزيلعي في تخريج أحاديث " الهداية " للمصنف: استدل بهذا الحديث على قوله ويصف الرجال.. إلخ، ولا ينهض ذلك إلا على تقديم الرجال فقط، ويمكن أن يستدل بحديث أبي مالك الأشعري «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصفهم في الصلاة فيجعل الرجال قدام الغلمان، والغلمان خلفهم، والنساء خلف الغلمان» رواه الحارث ابن أبي أسامة في "مسنده ".
وأخرج ابن أبي شيبة عنه «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقام الرجال يلونه وأقام الصبيان خلف ذلك» . قال الأكمل: الصبيان تابعة للرجال لاحتمال رجوليتهم.
قلت: إذا سلمنا هذا فما الدليل منه على كون النساء بعد الصبيان، قوله: ليلني بكسر اللامين وتخفيف النون من ولي يلي وليا وهو القرب، وأصل يلي يولي حذفت الواو لوقوعها بين الياء والكسر وأمر الغائب منه ليل؛ لأن الياء تسقط للجزم، وأمر الحاضر مثل ق على وزن ع، وقال النووي: ويجوز إثبات الياء مع تشديد النون على التأكيد.
قلت: القاعدة في ذلك أن النون المؤكدة إذا دخلت الناقص تعود الياء والواو المحذوفتان فيصير ليليني. قوله: أولو الأحلام حلم بضم الحاء وسكون اللام وهو ما يراه النائم تقول منه: حلم بفتح اللام، واحتلم تقول: حلمت هكذا وحلمته أيضا ولكن غلبت استعماله فيما يراه النائم من دلالة البلوغ، فكان المراد هاهنا ليلني البالغون. قوله: النهى بضم النون جمع نهية بضم النون وسكون الهاء وهي العقل، يقال بفتح النون أيضا؛ لأنه نهى صاحبه عن الرذائل وكذلك العقل لعقله من عقال البعير، ويقال: رجل نه ونهى من قوم نهى، وقال أبو علي الفارسي: يجوز ألا يكون النهى مصدر كالهدى وأن يكون جمعا قال: ومعناه في اللغة الشاب والحسن. وقال السغناقي في تعبير الحلم بالعقل غلط من وجهين:
أحدهما: أن الثقات لم يفسروه.
الثاني: إثبات التكرار في الحديث، ففي تفسير العقل من غير قابل؛ لأن النهى جمع نهية وهي العقل.
قلت: قد فسر بعضهم بالحلم وليس فيه التكرار، وإنما هو التأكيد؛ لأن اللفظ مختلف والمعنى واحد، وقد وقع من غير فائدة مثل هذا في الكلام الفصيح.
قوله: وإياكم، من المنصوبات بالإلزام كما في قوله: إياكم والأسد، والمعنى: اتقوا

(2/346)


ولأن المحاذاة مفسدة فيؤخرن.
وإن حاذته امرأة وهما مشتركان في صلاة واحدة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أنفسكم أن تعرضوا لهيشات الأسواق، وهو بفتح الهاء وسكون الياء آخر الحروف، وبالشين المعجمة وروي هوشان وأصله من الهوش وهو الاختلاط والهوشة الفتنة وبينهم تهاوش أي اختلاط واختلاف.
فإن قلت: ما وجه تخصيص أولي الأحلام والنهى بذلك.
قلت: لاختلافها من احتياج إليه ولتبليغ ما سمعوه منه وضبط ما يحدث عنه والتنبيه على سهو إن وقع؛ لأنهم أحق بالتقديم وليقتدي بهم من بعدهم، وكذا ينبغي لسائر الأئمة الاقتداء برأيه وسيرته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في كل حال من جموع الصلاة، وتجانس العلم والذكر وبحال الرأي [....
..] ، قوله: ثم الذين يلونهم، معناه الذين يقربون منهم في هذا الوصف.
م: (ولأن المحاذاة مفسدة فيؤخرن) ش: هذا دليل معقول وتمهيد لذلك مسألة المحاذاة، أي ولأن محاذاة النساء الرجال مفسدة لصلاتهم فيؤخرون دفعا لفسادهم.

[محاذاة المرأة للرجل في الصلاة]
م: (وإن حاذته امرأة) ش: أي وإن حاذت المصلي امرأة، والمحاذاة في اللغة هي المقابلة بالحذاء، يقال: حاذاه يحذوه وفلان جلس بحذاء فلان، وفلان يحتذي فلانا أي يقتدي به، ويقال: احتذى شماله وانتحى فعاله أي: اقتدى به وحذوه النعل بالنعل حذوا إذا أقدرت كل واحدة على صاحبها، وفي " المغرب " حذوته وحاذيته إذا ضربت بحذائه وحذا بي الفلان عليهما م: (وهما مشتركان في صلاة واحدة) ش: أي والحال الرجل والمرأة المحاذية له يشتركان في صلاة واحدة، وهاهنا شروط:
الأول: أن يكون المحاذاة بين الرجل والمرأة، فلو كان المحاذي صبيا لا تفسد صلاة الرجل، وكذلك لو كان معتوها.
الثاني: أن تكون المرأة المحاذية مشتهاة بأن كانت بنت سبع، وقيل: بنت تسع نظرا إلى بنائه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وهذا يبلغ في التاسع والأصح أن السن التي ذكرت لا تفسد بها بل المعتبر أن تكون ضخمة تتحمل الجماع، وإن لم تكن كذلك لا تكون مشتهاة بالسن الذي ذكر، أما لو بلغت سن البلوغ ولم تكن ضخمة ينبغي أن تكون مشتهاة بالسن، وهذا لا تراع فيه وسواء كانت المرأة المحاذية أجنبية أو ذات رحم محرم أو عجوزة ينفر الناس منها وتكرهها.
الثالث: أن تكون المرأة عاقلة.
الرابع: أن لا يكون بينهما حائل؛ لأن الحائل يرفع المحاذاة والحائل أن تكون بينهما أسطوانة أو كانت في قبة في وسط الصف، وفي " التحرير " أو مقدار ما يقوم به رجل آخر، وفي " المحيط " و " المفيد ": أو كان أحدهما على دكان قدر قامة الرجل والآخر أسفل وفي " المحيط " أو بينهما

(2/347)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حائل أدناه مثل مؤخرة الرجل أو مقدمته، وفي " الحواشي ": غلظ من غلظ الأصبع ثم المساءة لأكثر القوم كذا في " مختصر المحيط "، قال أبو الليث: هو الأصح، وقيل: الأصح أن الاعتبار بالساق والكعب.
الخامس: أن تكون الصلاة ذات ركوع وسجود حتى تكون صلاة من كل وجه، وإن كان ما يصليان بالإيماء لعذر؛ لأنها مطلقة في الأصل ولا تكون المحاذاة مفسدة في صلاة الجنازة.
السادس: أن تكون المحاذاة في ركن كامل، وينبغي للحال أن يشترط أن يكون الأداء في ركن كامل عند محمد، وعند أبي يوسف لو وقعت مقدار الركن فسدت، وإن لم تؤد، وفي " مختصر بحر المحيط " لو حاذته أقل من مقدار أفسدت عند أبي يوسف وعند محمد لا تفسد إلا مقدار الركن.
وفي " المحيط " ذكر الجرجاني أن امرأة لو كبرت في الصف الأول، وركعت في الصف الثاني وسجدت في الصف الثالث، فسدت صلاة من عن يمينها ويسارها وخلفها في كل صف؛ لأنها أدت ركنا كاملا من أركان صلاتها في كل صف، فصار كالمدفوع إلى صف النساء.
السابع: أن يكون فيه نوى الإمام إمامتها، أو نوى إمامته النساء إلا امرأة بعينها تحاذيه لا تفسد صلاته ذكره صاحب " المحيط عن أبي يوسف، وقال شمس الأئمة السرخسي: لو صححنا اقتداء المرأة بالرجل بغير سنة قدرت على إفساد صلاة الرجل كل امرأة متى شاءت، بأن تقتدي به فتقف إلى جنبه وفيه من الضرر ما لا يخفى، وإن كان الجواب مطلقا في الكتاب يعني يجوز اقتداء المرأة بالرجل في الجمعة والعيدين، ولكن هو محمول عند أكثر المشايخ على وجود النية من الإمام، ومنهم من سلم ولكن يفرق بينهما وبين سائر الصلوات، فنقول: الضرر هاهنا في جانبها؛ لأنها لا تقدر على صلاة العيدين والجمعة وحدها، ولا تجد إماما آخر يقتدى به مع أنها لا تقدر على الوقوف بجنب الإمام؛ لكثرة الازدحام في هذه الصلوات، وصححنا اقتداءها لدفع الضرر عنها بخلاف سائر الصلوات.
الثامن: شرط ذكره صاحب " الينابيع " وهو أن يكون الإمام قد نوى إمامتها، وهي معه قد اقتدت به من أول صلاته، ولو نوى إمامتها إلا أنها لم تقتد به في أول صلاته فصلاتهما جائزة؛ لأن الركن لا يوجد في كل واحد من كل وجه حيث انفرد في بعضها، وإذا وجدت الشركة من أول الصلاة فوقفت بجنب الإمام فسدت صلاته وصلاتهما مع القوم؛ لفساد صلاة إمامهم، والصحيح أن ذلك ليس بشرط فإنه ذكر في " الذخيرة " وعزاه في كتاب " الغنية " فقال: اقتدى رجل وامرأة برجل في الركعة الثالثة ثم أحدثا فذهبا وتوضآ ثم جاءا فيصليان فحاذته إن حاذته في الثالثة والرابعة للإمام وهي الأولى والثانية لهما تفسد صلاة الرجل، وإن حاذته في الثالثة والرابعة لهما لا تفسد صلاة الرجل؛ لأنهما متسويان فيها

(2/348)


فسدت صلاة إن نوى الإمام إمامتها، والقياس أن لا تفسد، وهو قول الشافعي - رحمة الله عليه - اعتبارا بصلاتها حيث لا تفسد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي " مختصر بحر المحيط " نية إمامة النساء تعتبر وقت الشروع لا بعده، وتصح نية النساء بدون حضورهن، وقيل: يشترط حضرتها، وفي " الذخيرة " ذكر في بعض الفتاوى لو أن رجلا صلى ولم ينو إمامة النساء فاقتدت به امرأة، قال أبو نصر: إن لم تقم بجنبه يصح اقتداؤها، وقال أبو القاسم: لا يصح اقتداؤها في الوجهين. وفي الأسبيجابي: لو تقدمت أمامه لا يصح اقتداؤها وتصح صلاته.
وفي " المرغيناني ": لو تقدمت المرأة فالصحيح أن صلاة الرجل لا تفسد؛ لأنه لم يرض بإمامتها، وعن أبي يوسف تفسد. وفي " الذخيرة " حكي عن مشايخ العراق صورة في المحاذاة تفسد صلاة المرأة ولا تفسد صلاة الرجل، وبيانها جاءت امرأة فشرعت في الصلاة بعدما شرع الرجل ناويا إمامة النساء فحاذته تفسد صلاة الرجل، وإذا كانت حاضرة فقامت بحذائه وكان يمكنه أن يؤخرها بالتقدم عليها خطوة أو خطوتين، فلم يتقدم فسدت صلاته؛ لأنه لم يوجد منه التأخير لها وقد ترك فرض المقام.
التاسع: أن تكون الصلاة مشتركة يعني تحريمة وأداء بأن يكونا وراء الإمام حقيقة أو تقديرا، أما حقيقة فظاهر، وأما تقديرا فبالتأخير.
والعاشر: حد المحاذاة أن يكون عضو منها يحاذي عضوا من الرجل؛ لأنهم شرطوا المحاذاة مطلقا فيتناول كل الأعضاء أو بعضها، ونص في " قاضي خان " أن محاذاة غير قدمها بشيء من الرجل لا يوجب فساد صلاة الرجل، وقال: المرأة إذا صلت مع زوجها في البيت إن كان قدمها محل أقدام الزوج لا تجوز صلاتهما بالجماعة، وإن كان قدمها خلف قدم الزوج إلا أنها طويلة تقع رأس المرأة في السجود قبل رأس الزوج جازت صلاتهما؛ لأن العبرة للقدم، وفي " الجامع " لو أدركا أول الصلاة مع الإمام ثم أحدث أو نام، وقد فرغ الإمام فحاذته المرأة تفسد صلاته؛ لأن اللاحق خلف الإمام تقديرا، ولهذا لو وافقها يقضي، ولو سها لا يسجد للسهو فكانت الصلاة مشتركة، ولو كانا مسبوقين فحاذته في قضاء ما سبق لم تفسد صلاته؛ لعدم الاشتراك لا حقيقة ولا حكما، ثم الشركة قد تكون باتحاد الفرضين وباقتداء المشروعة بالمتطوعة أو المفترض.
م: (فسدت صلاته) ش: جواب الشرط أي صلاة الرجل دون صلاة المرأة ولكن يشترط وهو م: (إن نوى الإمام إمامتها) ش: وفيه خلاف زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما يأتي عن قريب إن شاء الله.
م: (والقياس أن لا تفسد) ش: أي أن لا تفسد صلاة الرجل، ويجوز أن تقرأ لا تفسد بضم التاء من الإفساد يعني ومقتضى أن لا تفسد المحاذاة صلاة الرجل م: (وهو قول الشافعي) ش: أي القيام، وهو عدم الفساد قول الشافعي م: (اعتبارا بصلاتها حيث لا تفسد) ش: أي اعتبر الشافعي اعتبارا بصلاة المرأة حيث لا تفسد؛ لأنهما مشتركين تفسد صلاة أحدهما دون الآخر؛ لأن فساد

(2/349)


وجه الاستحسان ما رويناه، وإنه من المشاهير، وهو المخاطب به دونها فيكون هو التارك لفرض القيام، فتفسد صلاته دون صلاتها كالمأموم إذا تقدم على الإمام،
وإن لم ينو إمامتها لم تضره ولا تجوز صلاتها؛ لأن الاشتراك لا يثبت دونها عندنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الصلاة لترك الركن أو لوجود ما يناقضها ولم يوجد.
م: (وجه الاستحسان ما رويناه) ش: وهو قول أبي مسعود أخروهن من حيث أخرهن الله. وجه الاستدلال به أن الرجل إن أخطأ مكانه ففسدت صلاته كما إذا تقدم على الإمام، وهذا لأن مقامه قدام المرأة للخبر المذكور، فلما حاذته لزم ترك فرض الإمام وهو تأخير المرأة عنه فسدت صلاته دون صلاة المرأة؛ لأن المأمور بالتأخير الرجل دون المرأة.
م: (وأنه من المشاهير) ش: أي وإن الخبر المذكور من الأخبار المشهورة. هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: هذا خبر الواحد لا يثبت به الفرض فكيف أثبتم به فرض القيام؟ فأجاب عنه بقوله: وأنه من المشاهير، وليس بخبر الواحد فيجوز به الزيادة على الكتاب، ولئن سلمنا ذلك فلا نسلم أن الفرض يثبت به ابتداء، بل يثبت باعتبار أنه وقع بيانا لما تضمنه كتاب الله بقوله: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228] (البقرة: الآية 228) ، فألحق بالكتاب فأخذ حكمه. أقول: هذا كله إذا ثبت كون الخبر المذكور حديثا مرفوعا ولم يثبت ذلك كما ذكرنا.
م: (وهو المخاطب به دونها) ش: هذا جواب عن وجه القياس وتقريره أن يقال: لا يلزم من عدم فساد صلاتها عدم فساد صلاته؛ لأنه المخاطب به أي؛ لقوله أخروهن من حيث أخرهن الله م: (دون المرأة) ش:.
فإن قلت: إذا كان هو مأمورا بتأخيرها وتكون هي أيضا مأمورة بالتأخير؛ لأن التأخير لازم التأخر فينبغي أن تفسد صلاتها. فإن قلت: لا نسلم أنها مأمورة قصدا بل هي مأمورة ضمنا، وما ثبت ضمنا دون ما ثبت قصدا، ففسدت صلاته دون صلاتها، وأيضا كان يمكن له أن يتقدم خطوة أو خطوتين، ولا يتأخرها، فيكون هو المقصر وإلى هذا أشار بقوله: (فيكون هو التارك لفرض القيام) ش: وهو تقديمه عليها م: (فتفسد صلاته دون صلاتها) ش: لعدم التقصير منها م: (كالمأموم إذا تقدم على الإمام) ش: وهذا القياس مستقيم على قول الشافعي وأحمد؛ لأنهما يقولان بفساد المأموم إذا تقدم على إمامه خلافا لمالك وإسحاق. وقال الثوري: المناولة بالعقب على المذهب، وفي الوسط الاعتبار بالكعب.

م: (وإن لم ينو إمامتها لم تضره) ش: أي لم ينو الإمام إمامته المرأة تضره المحاذاة لعدم الاشتراك م: (ولا تجوز صلاتها) ش: أي صلاة المرأة م: (لأن الاشتراك) ش: بين الإمام وبينها م: (لا يثبت دونها عندنا) ش: أي دون النية؛ لأن نيته إمامتها يشترط لفساد صلاة الرجل عند المحاذاة عندنا.

(2/350)


خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - ألا ترى أنه يلزمه الترتيب في المقام فيتوقف على التزامه كالاقتداء،
وإنما يشترط نية الإمامة إذا ائتمت محاذية، وإن لم يكن بجنبها رجل ففيه روايتان، والفرق على إحداهما أن الفساد في الأول لازم، وفي الثاني محتمل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإن عنده نية إمامتها ليست بشرط؛ لفساد صلاة الرجل بعدما دخلت في صلاته؛ لأن الرجل صالح لإمامة الرجال والنساء ثم اقتداء الرجل به صحيح بلا نية إمامته وكذا اقتداء المرأة.
م: (ألا ترى) ش: توضيح لقوله: لأن الاشتراك لا يثبت دونها، وتقريره م: (أنه يلزمه الترتيب في المقام) ش: أي؛ لأن الإمام لا يلزمه الترتيب في المقام أي في التقديم بالنص، وكل من يلزمه شيء توقف على التزامه فلا يسر به الشريك في المقام م: (فيتوقف على التزامه كالاقتداء) ش: فإن الاقتداء لما بقي يلزم فساد صلاته من صلاة الإمام توقف لزوم الفساد على إلزام المقتدي بنية الشروع في صلاة الإمام.
فإن قلت: يشكل على هذا قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في اقتداء القارئ بالأمي فإن صلاة الأمي تفسد بسبب اقتداء القارئ به، ومع ذلك لا يشترط للأمي نية إمامة القارئ مع أنه يلحق صلاته فساد من جهة عنده.
قلت: يمنع اشتراط النية على قول الكرخي، فإن عنده لا يصح بلا نية أيضا، ولئن فيه لا يلحقه الفساد بسبب الاقتداء، وأما فساد صلاة الإمام في المحاذاة بسبب الاقتداء لا غير فيتوقف على إلزامه كذا في " مبسوط شيخ الإسلام " و " المحيط " ولكن ذكر في الكتاب الصحيح أنه تجوز صلاة الأمي فيما إذا صلى القارئ منفردا على ما يأتي إن شاء الله تعالى، وفي " جامع المحبوبي ": محاذاة الأمرد تفسد الصلاة عند البعض؛ لأنه ذكر في الملتقط أن الأمرد من قرنه إلى قدمه عورة.

م: (وإنما يشترط نية الإمامة إذا ائتمت محاذية) ش: أي إذا اقتدت بالإمام حال كونها محاذية أراد بهذا أن النية إنما تشترط إذا كانت المحاذاة ثابتة وقت الاقتداء بأن قامت أولا بجنب رجل.
م: (وإن لم يكن بجنبها رجل) ش: أو كان ولكن المرأة قامت خلفه هل يشترط نية الإمام أو لا؟ م: (ففيه روايتان) ش: في رواية: يشترط لاحتمال تقدم المرأة فتحقق المحاذاة، وفي رواية لا يشترط؛ لأنه لا فساد في الحال وتحققه موهوم م: (والفرق على إحداهما) ش: أي إحدى الروايتين: وهي رواية الصحة م: (أن الفساد في الأول) ش: وهو ما إذا كان بجنبها رجل م: (لازم) ش: لوجود ملزومه وهو المحاذاة في الحال، فلا بد من النية ليكون الفساد بالتزامه م: (وفي الثاني) ش: وهو ما إذا لم يكن بجنبه رجل فالفساد فيه م: (محتمل) ش: بأن تمشي فتحاذي فتفسد، ولكن الظاهر أن لا تمشي في الصلاة ولا تحاذي، فلم يشترط نية الإمام لعدم التحقق بلزوم الفساد.

(2/351)


ومن شرائط المحاذاة أن تكون الصلاة مشتركة، وأن تكون مطلقة، وأن تكون المرأة من أهل الشهوة، وأن لا يكون بينهما حائل، لأنها عرفت مفسدة بالنص، بخلاف القياس فيراعي جميع ما ورد به النص
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ومن شرائط المحاذاة أن تكون الصلاة مشتركة) ش: أشار بهذا إلى شرائط المحاذاة المفسدة وقد ذكرنا أنها عشرة، والمصنف ذكر بعضها وأشار بكلمة من التي هي للتبعيض، فمنها أن تكون الصلاة مشتركة يعني تحريمة وأداء بأن يكون خلف الإمام حقيقة أو تقديرا، أما حقيقة فظاهر، وأما تقديرا فمثل رجل وامرأة خلف الإمام أحدثا فتوضآ ثم جاء أو قد فرغ الإمام فحاذته المرأة في الأداء فسدت صلاة الرجل؛ لأنها خلف الإمام تقديرا، ولهذا لم يكن عليهما قراءة ولا سهو، وإنما يبنيان على رأي الإمام في صلاة العيد في عدد التكبيرات ومحلها، ولو كانا مسبوقين فحاذته على قضاء ما سبقها لم تفسد لعدم الاشتراك حقيقة ولا حكما.
أما حقيقة فظاهر، وأما حكما فإن المسبوق منفرد في قضاء ما سبق، وهذا كان عليه السهو والقراءة، وأنه مقيس على صلاة نفسه في صلاة العيد في التكبيرات عددا ومحلا ثم الاشتراك قد يكون باتحاد الفرضين واقتداء المتطوعة بالمتطوع أو المفترض.
م: (وأن تكون مطلقة) ش: أي ومن شرائط المحاذاة أن تكون الصلاة مطلقة أي كاملة ذات ركوع وسجود، واحترز بذلك عن صلاة الجنازة، فإن المحاذاة فيها ليست بمفسدة؛ لأنه دعاء وقضاء حق الميت لا غير م: (وأن تكون المرأة من أهل الشهوة) ش: أي ومن شرائط المحاذاة أن تكون المرأة المحاذية مشتهاة في الحال أو في الماضي، حتى إن محاذاة الصغيرة ليست بمفسدة م: (وأن لا يكون بينهما حائل) ش: أي ومن شرائطها أن لا يكون بين الرجل والمرأة المحاذية حائل أي فاصل، واعتبره في " المحيط " بقدر ذراع، وإن كان أقل منه لا تكون سترة، وقد استقصينا الكلام في هذه الشروط فيما مضى.
م: (لأنها) ش: أي؛ لأن المحاذاة م: (عرفت مفسدة) ش: للصلاة م: (بالنص) ش: وهو قوله: أخروهن من حيث أخرهن الله م: (بخلاف القياس) ش: لأن القياس المحاذاة غير مفسدة كما قال زفر والشافعي؛ لأن الصلاة لا تفسد إلا بترك ركن، ولو جردت ساقها فلم يوجد فيها ذلك م: (فيراعي جميع ما ورد به النص) ش: وهذا نتيجة قوله: بخلاف القياس، فحينئذ يراعي فيه ما ورد به النص وهو الخبر المذكور.
ثم المرأة الواحدة تفسد صلاة ثلاثة: واحد عن يمينها، وآخر عن يسارها، وآخر عن خلفها، والثنتان صلاة أربعة، واحد عن يمينهما، وآخر عن يسارهما، و [اثنان خلفهما] وهذا لفظ " الذخيرة " و " التحرير "، وفي " المبسوط ": واحد عن يمين أحدهما، والآخر عن يسار الأخرى، وهذه العبارة أولى، وصلاة اثنين خلفهما بهما. وإن كن ثلاثا ووقفن في الصف أفسدت صلاة

(2/352)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
خمسة: واحد عن يمينهن، وآخر عن يسارهن، وثلاثة خلفهن، وثلاثة إلى آخر الصفوف. ولو كان صف تام من النساء خلف الإمام ووراءهن صفوف من الرجال فسدت صلاة تلك الصفوف كلها. وفي " الذخيرة " و " المحيط " و " التحرير ": وهذا استحسان، وفي القياس: تفسد صلاة واحد من الرجال خلف النساء للحائل في حق باقي الصفوف.
قلت: هذا استحسان في الاستحسان؛ لأن الفساد في الأصل المحاذاة استحسان، والأصل في الحائل وصف النساء قول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من كان بينه وبين الإمام طريق أو نهر أو صف من نساء فليس هو مع الإمام، ذكره في " المحيط و " الذخيرة " وغيرهما، وقال: يرويه كعب بن أبي سليم وهو ضعيف عن تميم وهو مجهول، ورفعه لا أصل له.
وفي " المحلى " لابن حزم عن عمر من كان بينه وبين الإمام نهر أو حائط أو طريق فليس مع الإمام. قال الأسبيجابي: الصف التام من النساء يفسد صلاة من خلفهن ولو كانوا عشرين صفا.
وفي " المفيد " و " المزيد ": ولو كان ألف صف إذا كن في صلاة الإمام، وهو الذي يمنع صحة الاقتداء هو الذي لا يغير إلا بحيلة كالبحر وغيره. وقيل: ما تجري فيه سواء كان فيه ماء أو لم يكن ذكره في " المفيد ". وفي " المختصر " و " البحر المحيط ": السواقي تمنع كالأنهار عند أبي يوسف، ورواية عن أبي حنيفة، وقال محمد: لا يمنع إلا ما تجري فيه السفينة والزورق وهكذا ذكر الحاكم الشهيد في " المنتقى "، قال صاحب " الذخيرة ": وهو الصحيح، وفي " المحيط ": وهو الأصح.
وعن أبي يوسف إن كان يمكن الشمس في بطنه كان عظيما، ومن المشايخ من قال: إذا كان لا يمكن الرجل القوي أن يحاذه بوثبة فهو مانع، ولو كان على عدة صفوف متصلة لا يمنع عند أبي يوسف خلافا لمحمد، وفي الحوض إن وصلت النجاسة إلى الجانب الآخر يمنع، ذكره الإمام أبو نصر الصفار، والطريق العريضة ما تمر به العامة ويمر به الواحد أو الاثنان خاصة، وقيل ما تمر به العجلة وحمل البعير والمحمل.
1 -
فروع أخرى: وفي " المحيط ": إذا كان يصلي في الصحراء وبينه وبين إمامه قدر صفين يمنع وأقل لا، وفي " الذخيرة " عن الفقيه أبي القاسم الصفار: مانع والبعد بينه وبين إمامه في المسجد لا يمنع إذا لم يشتبه حال إمامه عليه، والمصلي بمنزلة المسجد في هذا وفي جوامع الفقيه: البيت والدار ومصلى العيد والجنازة بمنزلة المسجد كذا عن أبي يوسف بخلاف الصحراء.
وقال أبو الحسن علي الصفدي: البيت لها كالمسجد للرجل كما في سجدة التلاوة، وفي " مختصر البحر المحيط ": المسافة التي تمنع الاقتداء في الصحراء تمنعه في البيت.
قال: والأصح أنه يجوز صلاة جماعة في خان القاضي، أو خان السبيل والباب المغلق يجوز الاقتداء، وإن لم تتصل الصفوف، وهو جواب القاضي الحاكم ببخارى، وقيل: لا يجوز به لو

(2/353)


ويكره لهن حضور الجماعات يعني الشواب منهن؛ لما فيه من خوف الفتنة،
ولا بأس للعجوز أن تخرج في الفجر والمغرب والعشاء،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كان بينه وبين الإمام حائط تجوز صلاته، قال في " المحيط " و " الذخيرة ": أطلق محمد الجواب في الأصل في الحائط قالوا: هذا إذا كان الحائط قصيرا مثل قامة الرجل لا يمنعه من الوصول إلى الإمام، وإن كان طويلا منع، وإن لم يشتبه عليه حال الإمام كالنهر العظيم والطريق العريضة.
وفي " الذخيرة ": اختلف المشايخ في الفاصل القصير وغيره، فقال أبو طاهر الدباس: القصير ما يصعد عليه بغير كلفة بأن يخطو الرجل خطوة ويضع قدمه عليه. وعن محمد بن سلمة: القصير ما لا يشتبه حال الإمام عليه به. وقال شيخ الإسلام خواهر زاده: القصير حائط المقصورة بحيث لا يمنع المقتدي من الوصول إلى الإمام، وإن [كان] في الطويل ثقب كبير مثل الباب فيصح الاقتداء، وإن كان صغيرا لا يمكنه الوصول إلى مكان الإمام قيل: لا يصح، وقيل: يصح، والباب الكبير إن كان مسدودا قيل: لا يصح الاقتداء به، وبه قال الفقيه أبو بكر الإسكاف، وقيل: يصح وبه قال الفقيه أبو بكر الأعمش، وإن كان الحائط الطويل عليه شباك فمن اعتبر الوصول قال يمنع، ومن اعتبر حال اشتباه الإمام قال: لا يمنع، فإن كان الإمام على الأرض والقوم على سطح المسجد أو العكس، قال: إن كان له منعه يصح وإلا فلا.
وقيل: إن كان لا يشتبه عليهم حال إمامهم يصح وإلا فلا. ويجوز الاقتداء من المأذنة بالإمام وهو المسجد كالسطح، ولو كان على سطح داره بجنب المسجد لا يصح. قال في " المحيط ": وهو الصحيح.
وفي " الذخيرة ": قال الحلوائي: يجوز كما لو صلى بمنزله تحت المسجد وهو يسمع التكبير من الإمام أو المكبر.
وقال القاضي علاء الدين في " شرح المختلفات ": لا يجوز، ولو قام على رأس الحائط الذي هو المسجد ومنزله قالوا: يجوز؛ لأنه لا حائل هناك، وفي فناء المسجد لا يشترط اتصال الصفوف ولا يلي المسجد؛ لأنه في حكم المسجد، وإليه أشار محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في السفينتين المتلاصقتين يشترط اتصال الصفوف.

[حضور النساء للجماعات]
م: (قال: ويكره لهن حضور الجماعات) ش: أي يكره للنساء م: (يعني الشواب منهن) ش: وهي جمع شابة، وهذه اللفظة بإطلاقها تتناول الجُمَع والأعياد والكسوف والاستسقاء. وعن الشافعي: يباح لهن الخروج م: (لما فيه) ش: أي في حضورهن الجماعة م: (من خوف الفتنة) ش: عليهن من الفساق، وخروجهن سبب للحرام وما يفضي إلى الحرام فحرام. وذكر في كتاب الصلوات مكان الكراهة الإساءة والكراهة فحش.
قلت: المراد من الكراهة التحريم ولا سيما في هذا الزمان لفساد أهله.

م: (ولا بأس للعجوز أن تخرج في الفجر والمغرب والعشاء) ش: لحصول الأمن، وفي المغرب اختلاف الروايات، وفي " المنظومة ": ألحق المغرب بالعشاء كما ذكره المصنف والمبسوط لشمس

(2/354)


وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: يخرجن في الصلوات كلها؛ لأنه لا فتنة لقلة الرغبة إليها فلا يكره كما في العيد، وله أن فرط الشبق حامل؛ فتقع الفتنة، غير أن الفساق انتشارهم في الظهر والعصر والجمعة، أما في الفجر والعشاء فهم نائمون، وفي المغرب بالطعام مشغولون، والجبانة متسعة فيمكنها الاعتزال عن الرجال فلا يكره.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأئمة.
وفي " المختلف ": والعصر ألحق المغرب بالظهر كما في " مبسوط " شيخ الإسلام، ويحتمل أن ذلك بناء أن المغرب تنتشر فيه الفسقة أيضا كالعصر في بعض البلاد، قيل: هذا كله في زمانهم، أما في زماننا فيكره خروج النساء إلى الجماعة لغلبة الفسق والفساد، فإذا كره خروجهن للصلاة فلأن يكره حضورهن مجالس العلم خصوصا عند هؤلاء الجهال الذين تحلوا بحلية أهل العلم.
م: (وهذا عند أبي حنيفة) ش: أي هذا الذي ذكرنا عند أبي حنيفة م: (وقالا: يخرجن في الصلوات كلها) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد: العجائز تخرجن في جميع الصلوات م: (لأنه لا فتنة لقلة الرغبة إليها) ش: أي لقلة رغبة الرجال فيهن، كذا علل في بعض الشروح، وفيه نظر؛ لأن الحريص منهم من يرغب في العجائز فيصير خروجهن سببا للوقوع في الفتنة.
م: (فلا يكره) ش: نتيجة ما قيل يعني فإذا أمن من الفتنة فلا يكره م: (كما في العيد) ش: أي لا يكره خروجهن في العيد وهذا مجمع عليه.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن فرط الشبق) ش: بفتح الباء وهو شدة الغلبة من شبق الفحل بالكسر إذا اشتدت عليه، والفرط بالتسكين مجاوزة الحد م: (حامل) ش: أي على الفتنة م (فتقع الفتنة) ش: بسبب غلبان الشهوة، فعند ذلك يمنعن من الخروج إلى جميع الصلوات نظرا إلى ذلك.
م: (غير أن الفساق انتشارهم في الظهر والعصر والجمعة) ش: فلا يحصل إلا في هذه الأوقات؛ لأن الحريص منهم يرغب العجائز، وفيهن من يرغب بلا خلاف.
م: (أما في الفجر والعشاء فهم نائمون، وفي المغرب بالطعام مشغولون) ش: فيحصل الأمن منهم م: (والجبانة متسعة) ش: جواب عن قياسهما بقولهما كما في العيد والجبانة بتشديد الباء الموحدة بعد الجيم م: (فيمكنها الاعتزال عن الرجال) ش: لاتصال الجبانة ولغلبة أهل الصلح يومئذ م: (فلا يكره) ش: نتيجة ما قبله، وتكلموا أن حضورهن للصلاة أو لتكثير الجمع، فروى الحسن عن أبي حنيفة أن خروجهن للصلاة يقمن في آخر الصفوف فيصلين من وراء الرجال؛ لأنهن من أهل الجماعة تبعا للرجل، وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة أن خروجهن لتكثير العراء ويقمن في ناحية ولا يصلين؛ لأنه قد صح أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر الحيض بذلك فإنهن ليس من أهل الصلاة.

(2/355)


قال: ولا يصلي الطاهر خلف من هو في معنى المستحاضة ولا الطاهرة خلف المستحاضة؛ لأن الصحيح أقوى حالا من المعذور، والشيء لا يتضمن ما هو فوقه، والإمام ضامن بمعنى؛ أنه تضمن صلاته صلاة المقتدي،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قلت: روى ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا لهن» . رواه الجماعة إلا ابن ماجه.
قلت: هذا محمول على العجائز، ويؤيده ما رواه البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن ابن مسعود «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى النساء عن الخروج إلا عجوزا في منقليها» .
والأصح أنه موقوف عليه، والمنقلان الحقان بفتح الميم وهو الأشهر وبكسرها أيضا، وكان ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يحبس النساء إلا يوم الجمعة ويخرجن من المسجد، وقال أبو عمرو الشيباني: ابن مسعود حلف فبالغ في اليمين ما صلت امرأة أحب إلى الله من صلاتها في بيتها إلا في حج أو عمرة إلا امرأة قد يئست من بعولتها، وعن أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «خير مساجد النساء قعر بيوتهن» رواه أحمد.

[صلاة الصحيح خلف صاحب العذر]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا يصلي الطاهر خلف من هو في معنى المستحاضة) ش: أراد به من به سلس البول والرعاف الدائم والجرح الذي لا يرقأ، ومن به استطلاق بطن وانفلات الريح، يعني لا يجوز اقتداء الطاهر بواحد من هؤلاء. م: (ولا الطاهرة خلف المستحاضة) ش: أي: ولا تصلي النساء الطاهرات خلف المستحاضة وهي التي يمضي عليها وقت صلاة إلا والحدث الذي ابتليت به يوجد فيه. م: (لأن الصحيح أقوى حالا من المعذور) ش: فلا يجوز اقتداء الصحيح به؛ لأنه بناء القوي على الضعيف، وهو لا يجوز، وللشافعي في صلاة الطاهر خلف المستحاضة وجهان، والصحيح: أنه لا يجوز كالمتوضئ خلف المتيمم، والغاسل خلف الماسح، وبه قال زفر خلف كل معذور؛ لأنه آت بما هو مأمور به. والثاني: لا يجوز؛ لأن طهارتها ضرورة ولا ضرورة في الاقتداء.
م: (والشيء لا يتضمن ما هو فوقه) ش: وإنما قلنا أنها تتضمن؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «والإمام ضامن» ش: والضمان ليس في الذمة، فإن صلاة المقتدي لا تصير في ذمته فثبت معناه أن صلاة الإمام في ضمنه صلاة المقتدي وإليه أشار بقوله م: (بمعنى أنه تضمن صلاته صلاة المقتدي) ش: هذا معنى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الإمام ضامن» ومن المعلوم أن صلاة القوم ليست في ذمة الإمام كما ذكرنا، فيكون معنى ضامن لصلاته لتبعية صلاتهم صحة وفسادا، والتضمن إنما يتحقق إذا كان التضمن مثله أو فوقه، أما إذا كان دونه فلا.

(2/356)


ولا يصلي القارئ خلف الأمي،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال تاج الشريعة: قوله: ضامن، من ضمن الشيء يضمنه إذا جعله تحت ضمنه أي كشحه ووقع ثقله عليه.
قلت: الضبين بكسر الضاد المعجمة وسكون الباء الموحدة. قال الجوهري: ما بين الإبط والكشح وأول الحمل الإبط ثم الضبين ثم الحص.

[صلاة القارئ خلف الأمي]
م: (ولا يصلي القارئ خلف الأمي) ش: وللشافعي فيه قولان منصوصان، وثالث مخرج أصحهما الجديد أنه لا يصح، وفي القديم يصح في السرية دون الجهرية، وفي المخرج: يصح مطلقا، وشذ صاحب " الحاوي "، فقال الأقوال الثلاثة إذا كان جاهلا فإن علم لا يصح قطعا، والمذهب ما قدمناه، والصحيح بطلان الاقتداء وهو مذهب مالك وأحمد وغيرهم واختاره المزني وأبو ثور وابن المنذر وصححه مطلقا، وهو مذهب عطاء وقتادة، والأمي عندهم هو الذي لا يحفظ الفاتحة بكمالها، ولو حفظ جميع القرآن حتى الفاتحة إلا تشديدة منها أمي عندهم، وهذا بعيد من اللغة والعرب، وفي " المغرب ": الأمي في اللغة منسوب إلى أمه من العرب، وهي لم تكتب ولم تقرأ فاستقر لكل من لا يعرف الكتابة ولا القراءة، ومن يعرف الكتابة ويحفظ جميع القرآن إلا حرفا من الفاتحة. فكيف يكون أميا والأمي عندنا من لا يحفظ من القرآن ما تصح به صلاته.
وقال تاج الشريعة: الأمي هنا من لا يحسن قراءة شيء من القرآن، منسوب إلى الأم أي هو كما ولدته أمه، وهو في التنزيل والحديث ولسان العرب من لا يحسن التحفظ، وإذا عرف ذلك فمن أحسن قراءة آية من القرآن أن لا يكون أميا حتى يجوز اقتداء من يحفظ التنزيل عند أبي حنيفة وعند ذلك حكم من يحسن ثلاث آيات قصار أو آية طويلة؛ لأن فرض القراءة إنما تقام بهذا القدر، وما رواه فصل في بابه، فقال صاحب " الدراية ": الأمي عند الشافعي من لا يحسن القراءة.
وفي " المحيط ": ولا يؤم الأخرس الأمي ذكره الكرخي؛ لأن الأمي يقدر على التحريمة بخلاف الأخرس. وفي " الذخيرة ": لا يجوز لعلمائنا الثلاثة، وذكر شيخ الإسلام في شرح كتاب الصلاة أن الأخرس والأمي إذا أرادا الصلاة كان الأمي أولى بالإمامة، فهذا دليل على جواز اقتداء الأمي بالأخرس، والأمي إذا أم الأخرس فصلاتهما جائزة بلا خلاف.
وفي " جوامع الفقه " وغيره: إذا قرأ في الأوليين ثم خرس أو صار أميا فسدت صلاة القوم وأتم هو صلاته، ولو اقتدى الأمي بالقارئ فعلم سورة في وسط الصلاة قال الفضل: لا تفسد صلاته، وقال غيره: تفسد، وعن أبي يوسف: من يجن ويفيق لا يجوز إمامته في حال إفاقته إذا كان أكثر حاله الغيبة.

(2/357)


ولا المكتسي خلف العاري؛ لقوة حالهما
ويجوز أن يؤم المتيمم المتوضئين وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز؛ لأنه طهارة ضرورية، والطهارة بالماء أصلية، ولهما أنه طهارة مطلقة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[صلاة المكتسي خلف العاري]
م: (ولا المكتسي خلف العاري) ش: أي لا يصلي من عليه الثوب خلف العريان ولو قال: ولا المستور العورة خلف العاري لكان أجود؛ لأن من ستر عورته بالسراويل وغيرها يسمى عاريا في العرف هكذا ذكره المصنف في كفارة اليمين وفي " جوامع الفقه " لا يصح اقتداء الصحيح الذي ثوبه نجسة بالمبتلى بالحدث الدائم م: (لقوة حالهما) ش: أي لقوة حال القارئ والمكتسي وهذا ظاهر، ولا تظن أن الضمير يرجع إلى المكتسي والعاري، لفساد المعنى والمراد بقوة الحال الاشتمال على ما لم تشتمل عليه صلاة الإمام مما تتوقف عليه الصلاة، ثم في كل موضع لا يجوز الاقتداء هل يكون شارعا في صلاة نفسه، في رواية باب الحدث لا يكون شارعا، وكذا في روايات الزيادات حتى لو ضحك قهقهة لا تنتقض طهارته، وفي رواية باب الأذان يصير شارعا وقيل: ما ذكر في باب الحدث قول محمد وما ذكر في باب الأذان قولهما بناء على أن فساد التحريمة يوجب فساد التحريمة في قول محمد وعلى قولهما لا يوجب.
وذكر في " المحيط " أن القارئ إذا اقتدى بالأمي قال بعضهم لا يصير شارعا حتى لو كان في التطوع يجب القضاء، والصحيح هو الأول نص عليه محمد في الأصل، وقيل: إنما لا يلزمه القضاء؛ لأن الشروع بمنزلة النذر، ولو نذر المصلي بأن يصلي بغير قراءة لا يلزمه فكذا الشروع.

[إمام المتيمم للمتوضئين]
م: (ويجوز أن يؤم المتيمم المتوضئين وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف) ش: وبه قال جمهور الفقهاء، وحكاه ابن المنذر، عن ابن عباس، وعمار بن ياسر، وجماعة من الصحابة، وعن سعيد بن المسيب، وعطاء، والحسن، والزهري، وحماد بن أبي سليمان، والثوري، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور.
م: (وقال محمد: لا يجوز) ش: وبه قال النخعي ويحيى الأنصاري.
وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مكروه، وقال الأوزاعي: لا يؤمهم إلا أن يكون أميرا م: (لأنه) ش: أي؛ لأن التيمم م: (طهارة ضرورية) ش: يعني لا يصار إليها إلا عند عدم الماء، ويزول كونها طهارة بوجود الماء كما قال الشافعي أنه طهارة ضرورية مع قيام الحدث؛ ولهذا لا يؤدى به فرضان عنده ولا يعتبر قبل الوقت م: (والطهارة بالماء أصلية) ش: لأنه خلف عن الماء ولا شك أن حال من اشتمل على الطهارة الأصلية أقوى من حال من اشتمل على الطهارة الضرورية.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة، وأبي يوسف م: (أنه) ش: أي أن الماء م: (طهارة مطلقة) ش: أي غير مؤقتة بوقت كطهارة المستحاضة.

(2/358)


ولهذا لا يتقدر بقدر الحاجة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولهذا لا يتقدر بقدر الحاجة) ش: أي ولكونه طهارة مطلقة لا يتقدر بقدر الحاجة كالتيمم، ولم يذكر المصنف استدلال أصحابنا بالأخبار فنقول: أصبح محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: لا يؤم المتيمم المتوضئين، ولا المقيد المطلقين، ولم يرو عن أقرانه خلاف ذلك فوجب اتباعه، ولهما «حديث عمرو بن العاص أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعله أميرا على سرية فلما انصرفوا سألهم عن سرية فقالوا: كان حسن السرية، ولكنه صلى بنا يوما وهو جنب فسأله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: احتلمت في ليلة باردة حيث الهلاك إن اغتسلت فقرأت قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] (البقرة: الآية 159) ، فتيممت وصليت بهم فتبسم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» -.
وقال مالك: من فقه عمرو بن العاص، ولم يأمرهم بإعادة الصلاة، رواه أبو داود وبغير هذا اللفظ، وقال في آخره: فضحك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يقل شيئا، ورواه البخاري تعليقا.
والجواب عما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أراد به نفي الفضيلة والكمال بدليل عطف المقيد عليه، وهناك المراد في الفضيلة بالاتفاق، وفي الحقيقة هذا الخلاف بناء على ما ذكر في الأصول، وهو أن التراب خلف عن الماء على قولهما، وعنده التيمم خلف عن الوضوء فيكون المتيمم صاحب الخلف والمتوضئ صاحب الأصل عنده فلا يؤمه، وعندهما لما كان التراب خلفا عن الماء في حصول الطهارة فعند حصول الطهارة كان شرط الصلاة موجودا في حق كل واحد منهما بكماله بمنزلة الماسح يؤم الغاسلين.
فإن قلت: يرد إشكال على أصل كل واحد منهما بمسألة انقطاع الرجعة، فإن محمدا جعل التيمم هنا طهارة ضرورية، وفي باب الرجعة طهارة مطلقة حتى تنقطع الرجعة بمجرد التيمم من غير أن تصلي، وهما جعلاه قطعا هاهنا وضرورة هناك حتى قالا: لا تنقطع الرجعة بمجرد التيمم فيلزمه التناقض.
قلت: لا تناقض أصلا فإنهم اتفقوا على أن التيمم طهارة ضرورية؛ لأنه لا يصار إليه إلا عند العجز ومطلقة باتفاقهم؛ لعدم توقيته بوقت غير أن الذي يظن هذا إذا وقف على تعليلهم اندفع ذلك عنه فيما اختارا جهة الضرورة في انقطاع الرجعة إذا انقطع دمها في الحقيقة الثالثة بما دون العشرة، وقالا: لم تنقطع الرجعة الإطلاق في حق الصلاة لدفع الحرج، وفي حق انقطاع الرجعة جهة بمجرد التيمم من غير أن تصلي؛ لأن الشرع لم يذكر كونها طهارة في باب الرجعة وكان المقصود من طهارتها أداء الصلاة فما لم يترتب ما هو المقصود منه لم يكن طهارة بالنسبة إليه، ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قد عمل في البابين جميعا بالاحتياط، ففي باب الصلاة القول بعدم

(2/359)


ويؤم الماسح الغاسلين؛ لأن الخف مانع سراية الحدث إلى القدم، وما حل بالخف يزيله المسح بخلاف المستحاضة؛ لأن الحدث لم يعتبر شرعا مع قيامه حقيقة. ويصلي القائم خلف القاعد، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز وهو القياس لقوة حال القائم،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
جواز اقتداء المتوضئ بالمتيمم فخرج عن العهدة على الوجه الأكمل، وفي باب الرجعة القول بالانقطاع؛ لأنه لما انقطعت الرجعة لم يكن لها أن يراجعها ولا يحل له وطؤها وانقطاع الرجعة مما لا يؤخذ فيه بالاحتياط إجماعا، ألا ترى أنه إذا بقيت لمعة من بدنها بعد الاغتسال تنقطع الرجعة عنها احتياطا.

م: (ويؤم الماسح الغاسلين) ش: أي يؤم الماسح على الخف الذين غسلوا أرجلهم وهذا بلا خلاف فيه والمفتصد، والماسح على الجيرة كالماسح على الخف، وقيل لا يجوز، ذكر القولين في " المحيط ".
م: (لأن الخف مانع سراية الحدث إلى القدم) ش: أي؛ لأن خف الماسح يمنع سراية الحدث فيكون هو باقيا على كونه غاسلا م: (وما حل بالخف يزيله المسح) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال إنه باق؛ لأنه على كونه غاسلا؛ لأن الخف قام مقام بشرة القدم، والحدث قد حله، وتقرير الجواب أن الذي قد حل بالخف يزيله المسح؛ ولأن المسح على الخف كغسل الرجل وكلمة ما موصولة ومحلها الرفع على الابتداء وخبره الجملة أعني قوله: يزيله المسح م: (بخلاف المستحاضة) ش: يعني لا يجوز إمامة المستحاضة للطاهرة للضرورة وفي القدم ليس بقائم لمنع الخف سراية الحدث.

[صلاة القائم خلف القاعد]
م: (ويصلي القائم خلف القاعد) ش: عند أبي حنيفة وأبي يوسف، والمراد من القاعد الذي يركع ويسجد أما القاعد الذي يومئ فلا يجوز اقتداء القائم به اتفاقا، وبه قال الشافعي ومالك في رواية استحسانا، وقال أحمد والأوزاعي: يصلون خلفه قعودا وبه قال حماد بن زيد وإسحاق وابن المنذر، وهو المروي عن أربعة من الصحابة وهم جابر بن عبد الله وأبو هريرة وأسيد بن حضير وقيس بن فهر حتى لو صلوا قياما لا يجزئهم، ولكن عند أحمد شرطين:
الأول: أن يكون المريض إمام حي.
الثاني: أن يكون المرض مما يرجى زواله بخلاف الزمانة، واحتجوا على ذلك بحديث أنس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنما جعل الإمام» الحديث، وفي آخره: «وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعين» رواه البخاري ومسلم.
م: (وقال محمد: لا يجوز) ش: وبه قال مالك في رواية ابن القاسم عنه وزفر - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قياسا، أشار إليه بقوله م: (وهو القياس) ش: أي الذي قال محمد هو القياس م: (لقوة حال القائم)

(2/360)


ونحن تركناه بالنص، وهو ما روي: «أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صلى آخر صلاته قاعدا والقوم خلفه قيام»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: والقاعد ليس كالقائم فيكون اقتداء كامل الحال بناقص الحال فلا يجوز اقتداء القارئ بالأمي م: (ونحن تركناه بالنص) ش: أي تركنا القياس بالنص.
فإن قلت: ما وجه قوله ونحن تركناه بالنص ولم يقل: قال ونحوه؟
قلت: أشار بهذه العبارة أن هذا مما اختاره فأشرك نفسه مع أبي حنيفة وأبي يوسف م: (وهو) ش: أي النص م: (ما روي «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى آخر صلاته قاعدا، والقوم خلفه قيام» ش: هذا الحديث رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر في مرضه الذي توفي فيه أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن يصلي بالناس فلما دخل أبو بكر في الصلاة وجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من نفسه خفة فقام يهادى بين رجلين ورجلاه يخطان في الأرض، فجاء فجلس عن يسار أبي بكر فكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي بالناس جالسا وأبو بكر قائم، يقتدي أبو بكر بصلاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر» . وهذا صريح في أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان الإمام، إذ أجلس عن يسار أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولقوله: «فكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي بالناس» - ولقوله: «- يقتدي به أبو بكر» - وقال: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي بالناس وكان أبو بكر مبلغا» - لأنه لا يجوز أن يكون للناس إمامان.
ويدل عليه حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عنه قال: «اشتكى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصلينا وراءه وهو قاعد وأبو بكر يسمع الناس تكبيره» . رواه مسلم بلفظه والبخاري بمعناه، وكانت هذه صلاة الظهر يوم السبت أو الأحد، وتوفي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الاثنين والبيهقي وغيره. وقال الماوردي في " الحاوي " روي أنه توفي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من يومه.
واعلم أن حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قد روي بطرق كثيرة في " الصحيحين " وغيرهما وفيه اضطراب غير قادح، منهم من ادعى فيه التعارض؛ لأن في رواية شعبة عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى خلف أبي بكر،» وروى شعبة أيضا عن نعيم بن أبي هند عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى خلف أبي بكر جالسا في مرضه الذي توفي فيه» فهذا كله يدل على أن أبا بكر كان إماما.
وهشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: «أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا بكر أن يصلي بالناس» ... الحديث. وفي آخره فكان أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والناس يصلون بصلاة أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وروى أحمد بن يونس، عن زائدة، عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله قال: «دخلت على

(2/361)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عائشة فسألتها عن مرض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» - ... الحديث، وفي آخره، «فجعل أبو بكر يصلي وهو قائم يصلي بصلاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والناس يصلون بصلاة أبي بكر والنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قاعد» . وهذا كله يدل على أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إماما.
وقال البيهقي: لا تعارض بين الخبرين، فإن الصلاة التي كان فيها النبي إماما هي صلاة الظهر يوم السبت أو يوم الأحد والتي كان فيها مأموما هي صلاة الصبح من يوم الاثنين وهي آخر صلاة صلاها - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حتى خرج من الدنيا.
وقال ابن حبان في "صحيحه " بعد أن روى حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - من رواية زائدة عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن عبد الله، عن عائشة بلفظ " الصحيحين "، ثم روى من حديث شعبة عن موسى بن أبي عائشة «أن أبا بكر صلى بالناس ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الصف خلفه» هذا شعبة قد خالف زائدة في هذا الخبر وهما ثقتان ثبتان حافظان.
ثم أخرج عن عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة قالت: أغمي «على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم أفاق فقال: أصلى الناس؟ قلنا: لا، الحديث، إلى أن قال: فخرج بين ثويبة وبريرة فأجلساه إلى جنب أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي وهو جالس وأبو بكر قائم وهو يصلي بصلاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والناس يصلون بصلاة أبي بكر» .
ثم أخرج عن نعيم بن أبي هند عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة قالت: صلى «رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مرضه الذي مات فيه خلف أبي بكر قاعدا» قال: وعاصم بن أبي النجود ونعيم بن أبي هند حافظان ثقتان.
قال: وأقول وبالله التوفيق: إن هذه الأخبار كلها صحيحة ليس فيها تعارض، فإن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى في مرضه الذي توفي فيه صلاتين في المسجد في إحداهما كان إماما وفي الأخرى كان مأموما، قال: والدليل على ذلك أن في خبر عبيد الله بن عبد الله، عن عائشة أنه خرج - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خرج بين رجلين العباس وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وفي خبر مسروق عنها أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خرج بين بريرة وثويبة، وفي كلام البخاري ما يقتضي الميل إلى أن حديث «إذا صلى جالسا فصلوا جلوسا» منسوخ، فإنه قال بعد روايته: قال الحميدي هذا حديث منسوخ بأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - آخر ما صلى صلى قاعدا والناس خلفه قيام وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من فعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.

(2/362)


ويصلي المومئ خلف مثله لاستوائهما في الحال، إلا أن يومئ المؤتم قاعدا والإمام مضطجعا؛ لأن القعود معتبر، فتثبت به القوة.
ولا يصلي الذي يركع ويسجد خلف المومئ؛ لأن حال المتقدي أقوى، وفيه خلاف زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ويصلي المومئ خلف مثله) ش: أي مثله المومئ وهذا لا خلاف فيه م: (لاستوائهما في الحال) ش: أي لاستواء المأمومين في هذه الحالة، وقال التمرتاشي: لو كان الإمام يصلي قاعدا بالإيماء والمقتدي قائما بالإيماء يصح اقتداؤه به أيضا؛ لأن هذا القيام ليس بركن حتى كان الأولى تركه، دل عليه ما لو عجز عن السجود وقدر على غيره من الأفعال أنه يصلي قاعدا بالإيماء فيستوي حاليهما.
م: (إلا أن يومئ المؤتم قاعدا والإمام مضطجعا) ش: هذا استثناء من قوله يصلي: المومئ، أي فحينئذ لا يجوز، وذكر التمرتاشي حكم هذه المسألة على خلاف هذا، فإنه قال: واختلف من يصلي قاعدا مؤمئا، بمن يصلي مضطجعا والأصح أنه يجوز على قول محمد، وكذا الأظهر على قولهما الجواز، وذكر في " المحيط " ما يوافق رواية " الهداية "، ثم ذكر التمرتاشي، وعلى هذا الخلاف اقتداء السليم بالأحدب الذي بلغ حد الركوع.
م: (لأن القعود معتبر فتثبت به القوة) ش: دليله أن صلاة المتطوع مستلقيا بالإيماء مع القدرة على القعود لا يجوز.

م: (ولا يصلي الذي يركع ويسجد خلف المومئ؛ لأن حال المقتدي أقوى) ش: من حال الإمام بقدرته على الركوع والسجود دون الإمام، وحاصله أن حال الراكع والساجد أقوى فلا يجوز بناؤه على الضعيف.
وفي " الذخيرة ": لو صلى الإمام قاعدا بركوع وسجود وصلى خلفه قوم قعودا بالإيماء وقوم قياما بالإيماء فصلاة الكل جائزة؛ لأن صلاة القاعد بالركوع والسجود أقوى من صلاة القاعد والقائم بالإيماء، ولو كان الإمام يصلي قاعدا بالإيماء يجوز أيضا، وإن كان يصلي مستلقيا بالإيماء لا تجوز صلاة القاعد المومئ خلفه لقوة القاعد؛ لأن حال المستلقي دون حال القاعد، ولهذا لا تجوز صلاة المتنفل مستلقيا، ولو كان الإمام صلى قائما بركوع وسجود خلفه مثله وآخرون يصلون قعودا بركوع وسجود وقوم يصلون بالإيماء مستلقين على أقفيتهم فصلاة الكل جائزة.
م: (وفيه خلاف زفر) ش: يعني يجوز عند زفر إمامة المومئ للذي يركع ويسجد؛ لأن صاحب الخلف كصحاب الأصل، ولهذا جازت إمامة المتيمم المتوضئ، وبه قال الشافعي، وقال الماوردي: عجز الإمام عن الأركان لا يمنع من الاقتداء به كالقائم، وفي " المغني " لا يؤم المضطجع والعاجز عن الركوع والسجود لمن يقدر عليهما في قول مالك وأحمد خلافا لزفر والشافعي.

(2/363)


ولا يصلي المفترض خلف المتنفل؛ لأن الاقتداء بناء، ووصف الفرضية معدوم في حق الإمام، فلا يتحقق البناء على المعدوم، قال: ولا من يصلي فرضا خلف من يصلي فرضا آخر؛ لأن الاقتداء شركة وموافقة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلنا: في جواب زفر لا نسلم أن الإيماء كالخلف، ولئن سلمنا لكن لا نسلم أنه كان في الحقيقة كالمتيمم؛ لأن التيمم خلف يؤدي به أركان الصلاة، كما شرعت وهذا لا يؤدي به كما شرعت.

[صلاة المفترض خلف المتنفل والعكس]
م: (ولا يصلي المفترض خلف المتنفل) ش: وبه قال مالك في رواية وأحمد في رواية أبي الحارث عنه، وقال ابن قدامة: اختار هذه الرواية أكثر أصحابنا وهو قول الزهري والحسن وسعيد بن المسيب والنخعي وأبي قلابة ويحيى بن سعيد الأنصاري. قال الطحاوي: وبه قال مجاهد وطاوس.
م: (لأن الاقتداء بناء) ش: أي بناء أمر وجودي لأنه عبارة عن متابعة الشخص لآخر في أفعاله بصفاتها وهو مفهوم وجودي لا سلب فيه، وبناء الأمر الوجودي على المعدوم بصفاتها غير متحقق م: (ووصف الفرضية معدوم في حق الإمام) ش: فلا يمكن بناء الموجود على المعدوم م: (فلا يتحقق البناء على المعدوم) ش: لاستحالة ذلك.

م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا من يصلي فرضا خلف من يصلي فرضا آخر) ش: أي ولا يصلي من يريد صلاة فرض مثلا صلاة الظهر خلف من يصلي فرضا آخر نحو من يصلي عصرا أو عشاء م: (لأن الاقتداء شركة) ش: يعني في التحريمة م: (وموافقة) ش: يعني في الأفعال فلا بد من الاتحاد في الشركة والموافقة؛ لأنهما لا يوجدان إلا عند اتحاد ما يحرما له وفعلاه.
فإن قلت: الشركة تقتضي المعية في الاشتراك، والبناء يقتضي التعاقب وبينهما منافاة.
قلت: الاشتراك بالنسبة إلى التحريمة، والبناء بالنسبة إلى الأفعال، فلا منافاة بينهما، وحاصل الأمر أن اتحاد الصلاتين شرط لصحة الاقتداء فلا يصح اقتداء مصلي الظهر بمصلي العصر، وعلى العكس ولا اقتداء من يصلي ظهرا بمن يصلي ظهر يوم آخر، ويجوز اقتداء القاضي بالقاضي إذا فاتتهما صلاة واحدة من يوم واحد كالأداء، ولا يجوز أداء الناذر بالناذر إلا إذا نذر الثاني عين ما نذر الأول لاتحادهما، ولو أفسد كل واحد تطوعه ثم اقتدى أحدهما بالآخر صح كما قبل الإفساد.
ويجوز اقتداء الحالف بالحالف؛ لأن وجوبها عارض لتحقيق البرء فبقيت نفلا، ولا يجوز اقتداء الناذر بالحالف لقوة النذر، ويجوز اقتداء الحالف بالناذر، ولو اقتدى مقلد أبي حنيفة في الوتر مقلد أبي يوسف ومحمد جاز لاتحاد الصلاة.

(2/364)


فلا بد من الاتحاد. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يصح في جميع ذلك؛ لأن الاقتداء عنه أداء على سبيل الموافقة، وعندنا معنى التضمن مراعى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال المرغيناني: وعندي نظيره من صلى ركعتين من العصر فغربت الشمس فاقتدى به إنسان في الأخيرتين يجوز، وإن كان هذا قضاء في حق المتقدي؛ لأن الصلاة واحدة ثم إذا لم يصح الاقتداء في هذه المسائل عندنا يصير شارعا في التطوع أم لا؟ فيه روايتان.
وقال الصدر الشهيد: الاعتماد على أنه لا يصير شارعا، ولو كان اقتداء المفترض بالمتنفل في فعل واحد. قيل: لا يجوز كما لو كان في جميع الأفعال لأنه بناء الموجود على المعدوم.
وقال بعضهم: لا يجوز في فعل واحد ألا ترى أن محمدا ذكر في الأصل أن الإمام إذا رفع رأسه من الركوع فجاء إنسان واقتدى به فقبل أن يسجد السجدتين سبق الإمام الحدث فاستخلف هذا المسبوق صح الاستخلاف ويأتي الخليفة بالسجدتين ويكونان له نفلا حتى يعتد بهما فرضا في حق من أدرك أولا الصلاة ومع هذا صح الاقتداء به، وكذا يجوز اقتداء المتنفل بالمفترض في الركعتين الأخيرتين وهو اقتداء المفترض بالمتنفل في حق القراءة، والصحيح الأول الذي عليه عامة الأصحاب.
والجواب عن الأول: بأن السجدتين فرض في حق الخليفة حتى لو لم يأت بهما حتى خرج من صلاته فسدت صلاته وإن لم يعتد له بهما.
وعن الثانية: أن صلاة المقتدي المتنفل أخذت حكم صلاة المفترض بسبب الاقتداء؛ ولهذا لزمه قضاء ما لم يدرك مع الإمام من الشفع الأول، ولذا لو أفسد صلاته يلزم قضاء الأربع فتكون القراءة نفلا في حقه في الركعتين الأخيرتين كما كانت نفلا في حق إمامه، فكان اقتداء المتنفل بالمتنفل في حق القراءة في الأخيرتين.
م: (وعند الشافعي يصح في جميع ذلك) ش: يعني يصح عنده اقتداء الذي يركع ويسجد بالمومئ والمفترض بالمتنفل، واقتداء من يصلي فرضا آخر وبه قال أحمد في رواية، واختاره ابن المنذر وهو قول عطاء وطاووس وسليمان بن حرب وداود م: (لأن الاقتداء عنده) ش: أي عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أداء على سبيل الموافقة) ش: وقد حصل التوافق في الأفعال فجاز.
م: (وعندنا معنى التضمن مراعى) ش: يعني التضمن الذي دل عليه قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الإمام ضامن» مراعى عندنا وهو الصحة والفساد، وإنما تصير صلاتهم في ضمن صلاته صحة وفسادا إذ تبنى صلاتهم على صلاته، والابتناء لا يصح ما لم يكن أصل الفرض بحيث يمكن الإمام أداء ما على المقتدي بتحريمه أداء صلاته صح أداء المقتدي بناء على صلاته فيراعى الاتحاد بين صلاتهم وصلاته، فلا يحصل مراعاة الاتحاد مع تغاير الفرضين؛ ولهذا لا يجوز اقتداء مصلي الظهر خلف من يصلي الجمعة أو على العكس.

(2/365)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قلت: روى البخاري ومسلم عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن معاذا كان يصلي مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العشاء الآخرة ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة» هذا لفظ مسلم ولفظ البخاري فيصلي بهم الصلاة المكتوبة.
قلت: الجواب عنه من وجوه:
الأول: أن الاحتجاج من باب ترك الإنكار من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وشرط ذلك علمه بالواقعة وجاز أن لا يكون علم بها، ويدل عليه ما رواه أحمد في "مسنده " عن معاذ بن رفاعة «عن سليم رجل من بني سلمة أنه أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله إن معاذ بن جبل يأتينا بعدما ننام ونكون في أعمالنا بالنهار فينادي بالصلاة فنخرج عليه فيطول علينا فقال له - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "يا معاذ لا تكن فتانا إما أن تصلي معي وإما أن تخفف على قومك» "، فدل على أنه كان يفعل أحد الأمرين، ولم يكن يجمعهما بأنه قال: «إما أن تصلي معي» أي ولا تصلي بقومك، «وإما أن تخفف على قومك» ولا تصلي معنا.
الثاني: أن النية أمر مبطن لا يطلع عليه إلا بإخبار الباري، ومن الجائز أن يكون معاذ كان يجعل صلاته معه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بنية النفل ليتعلم سنة القراءة منه وأفعال الصلاة، ثم يأتي قومه فيصلي بهم الفرض ويؤيده أيضا حديث أحمد المذكور.
فإن قلت: معاذ إن ترك فضيلة الفرض خلف النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ويأتي به مع قومه وكيف يظن معاذ بعد سماعه قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة» ولعل الصلاة الواحدة مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خير من كل صلاة صلاها في عمره، وأيضا وقع في رواية الشافعي، ومن طريقه روى الدارقطني ثم البيهقي «هي له تطوع ولهم فريضة» رواه الشافعي في "مسنده ".
قلت: قال الشيخ تقي الدين: يمكن أن يقال في الحديث المذكور: إن مفهومه أن لا يصلي نافلة غير الصلاة التي تقام؛ لأن المحذور وقوع الخلاف على الأئمة، وهذا المحذور سبق مع الاتفاق في الصلاة المقامة، ويؤيد هذا اتفاقهم على جواز اقتداء المتنفل بالمفترض، ولو تناوله النهي لما جاز مطلقا.
وقولهم: وكيف يظن بمعاذ إلخ غير موجه؛ لأنه ليس تفوته الفضيلة معه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سائر أئمة مساجد المدينة وفضيلة النافلة خلفه مع أداء الفرض مع قومه تقوم مقام أداء الفريضة خلفه وامتثال أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في إمامة قومه زيادة طاعة.

(2/366)


ويصلي المتنفل خلف المفترض؛ لأن الحاجة في حقه إلى أصل الصلاة، وهو موجود في حق الإمام، فيتحقق البناء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأما الزيادة في رواية الشافعي فليس من كلام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإنما هي من الرواة، ولعلها من الشافعي فإنها دائرة عليه، ولا يعرف إلا من جهته فيكون منه ظنا واجتهادا.
وعن ابن قدامة وابن تيمية الحراني من الحنابلة: أن أحمد قد ضعف هذه الزيادة، فقال: وقد سئل عن حديث معاذ: أخشى أن لا يكون محفوظا؛ لأن ابن عيينة زاد فيه كلاما لا يقوله أحد. قال في " المغني " عنه: وقد روى الحديث منصور بن زاذان وشعبة، ولم يقولا ما قال ابن عيينة يعني زيادته هي له تطوع ولهم فريضة.
الثالث: أنه منسوخ، قال الطحاوي: يحتمل أن يكون ذلك وقت كانت الفريضة تصلى مرتين، فإن ذلك كان يفعل في أول الإسلام، ثم ذكر حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «لا تصلى صلاة في يوم مرتين» وقال ابن دقيق العيد: هذا مدخول من وجهين:
أحدهما: أنه أثبت النسخ بالاحتمال.
الثاني: أنه لم يقم دليل على أن ذكره كان واقعا أعني صلاة الفريضة في يوم مرتين.
قلت: الاحتمال إذا كان ثابتا عن الدليل يعمل به، وقد ذكر الطحاوي بإسناده أنهم كانوا يصلون الفريضة الواحدة في اليوم مرتين حتى نهوا عنه وكذا ذكره المهلب، والنهي لا يكون إلا بعد الإباحة، والدليل عليه أن إسلام معاذ متقدم، وقد صلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد سنين من الهجرة صلاة الخوف مرة فلو جاز ما ذكروه لما يحملها مع المعدات، فلو جاز اقتداء المفترض بالمتنفل يصلي بهم الصلاة مرتين فيصلي بالطائفة الأولى صلاة كاملة فلما لم يصل دل على عدم جواز اقتداء المفترض بالمتنفل.
الرابع: يحتمل أنه يكون كان يصلي مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة النهار ومع قومه صلاة الليل؛ لأنهم كانوا أهل خدمة لا يحضرون صلاة النهار في إسناد لهم، فأخبر الراوي بحال معاذ في وقتين لا في وقت واحد.

م: (ويصلي المتنفل خلف المفترض) ش: وهذا بالاتفاق، وفي شرح " العمدة " وفيهم من لا يجوز ذلك لاختلاف النية م: (لأن الحاجة في حقه إلى أصل الصلاة) ش: أي في حق المتنفل المقتدي، وذلك أن المفترض يشتمل على أصل الصلاة والصفة، والمتنفل مشتمل على أصل الصلاة، ففي هذه الصورة تشتمل صلاة الإمام على صلاة المقتدي وزيادة فيصح اقتداؤه به.
م: (وهو موجود) ش: أي أصل الصلاة موجود م: (في حق الإمام) ش: لأنه مفترض م: (فيتحقق البناء) ش: أي بناء صلاة المتنفل على صلاة المفترض، وتفسير البناء أن تجعل التحريمتان

(2/367)


ومن اقتدى بإمام ثم علم أن إمامه محدث أعاد لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من أمّ قوما ثم ظهر أنه كان محدثا أو جنبا أعاد صلاته وأعادوا»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تحريمة واحدة، وقال مالك والزهري: لا يجوز اقتداء المتنفل بالمفترض؛ لأن الاقتداء شركة وموافقة، والمغايرة بين النفل والفرض ثابتة، ويرد ذلك بحديث معاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
فإن قلت: صفة النفل موجودة في حق المقتدي، ومعدومة في حق الإمام فيثبت التغاير فلا يجوز الاقتداء.
قلت: تلك ليست بصفة زائدة هل هي عبارة عن عدم الوجوب فبقي أصل الصلاة وهو موجود في حق الإمام فيثبت الاتحاد، فيجوز الاقتداء أو يفهم هذا الجواب عن السؤال المذكور من أمعن نظره في كلام المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
فإن قلت: القراءة فرض في صلاة النفل والأخيرتين نفل في صلاة الفرض فيكون اقتداء المفترض وذا لا يجوز
قلت: القراءة في الأخيرتين في النفل إنما يكون فرضا إذا كان المصلي منفردا، أما إذا كان مقتديا فلا لأنه ممنوع من ذلك.

[اقتدى بإمام ثم علم أن إمامه محدث]
م: (ومن اقتدى بإمام ثم علم أن إمامه محدث أعاد) ش: أي أعاد صلاته، قيد بالعلم بعد الاقتداء، لأنه لو علم أن إمامه محدث قبل الاقتداء لا يصح اقتداؤه بالإجماع.
وقال النووي: اجتمعت الأئمة على أن من صلى محدثا مع إمكان الوضوء فصلاته باطلة وتجب عليه الإعادة بالإجماع، سواء تعمد ذلك أو نسيه أو جهله على المذهب، وفي " الوسيط " النجاسة مثله في الجديد فلا يعذر؛ لأنه شرط وإن بان إمامه مشركا أو مجنونا أو صلى بغير إحرام أو امرأة أو خنثى أو صلى القارئ خلف الأمي أعاد عند الشافعي وبه قال أحمد، وإن بان أنه محدث أو جنب أو في ثوبه نجاسة خفيفة أو ببدنه لا يعيد، وإن تعمد الإمام ذلك ففي الإعادة قولان عند الشافعي، وفي الجنابة يعيد عندهم، وعند مالك إن كان عالما بجنابته يعيد وإلا فلا.
وقال أبو ثور والمزني: في الكل لا يعيد إذا لم يعلم، وقال عطاء: إن كان حدثه جنابة بطلت صلاة المأموم، وإن كان غيره أعاد في الوقت وبعده لا.
م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من أم قوما ثم ظهر أنه كان محدثا أو جنبا أعاد صلاته وأعادوا» ش: هذا الحديث لا يعرف ولكن جاءت فيه الآثار، وروى محمد بن الحسن في كتابه " الآثار " أخبرنا إبراهيم بن يزيد المكي عن عثمان بن دينار أن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال في الرجل يصلي بالقوم جنبا قال: يعيد ويعيدون.
ورواه عبد الرزاق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في "مصنفه " عن إبراهيم بن يزيد المكي عن عمرو بن

(2/368)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
دينار عن أبي جعفر أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صلى بالناس وهو جنب أو محدث على غير وضوء فأعادوا وأمرهم أن يعيدوا.
وروى عبد الرزاق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخبرنا حسين بن وهران عن مطرح عن أبي المهلب عن عبد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال: صلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بالناس وهو جنب فأعاد ولم يعد الناس فقال له علي: قد كان ينبغي من صلى معك أن يعيد، وقال: فرجعوا إلى قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ولو احتج المصنف بما رواه أبو داود والترمذي عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين» .
لكان أولى وأوجه لأنه يخبر أن ضمان الإمام في الجواز والفساد، بيانه أنه لم يرد أنه ضامن لنفسه؛ لأن كل مصل ضامن بصلاة نفسه فتعين أن يكون الإمام ضامنا للقوم، ولا يجوز أن يكون ضامنا للقوم وجوبا وأداء؛ لأنه غير مراد بالإجماع فتعين أن يكون صحة وفسادا.
فإن قلت: في سنده اضطراب.
قلت: رواه أحمد في "مسنده " حدثنا قتيبة حدثنا عبد العزيز بن محمد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا وهذا سند صحيح. وقال في " التنقيح ": رواه مسلم في "صحيحه " بهذا الإسناد نحوا من أربعة عشر حديثا.
فإن قلت: الخصم احتج بما رواه أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «دخل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صلاته فكبر وكبرنا معه ثم أشار إلى القوم أن امكثوا كما أنتم، فلم نزل قياما حتى أتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد اغتسل ورأسه تقطر ماء فصلى بهم» ولو لم تكن صلاتهم منعقدة لم يكلف استدامة القيام مع قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تقوموا في الصف حتى تروني خرجت» فدل على أن عدم طهارة الإمام لا تمنع انعقاد صلاة المقتدي الذي لم يعلم بحال الإمام.
قلت: هذا كان في بدء الأمر قبل تعلق القوم بصلاة الإمام، ألا ترى أن في هذا الحديث جاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكبر ولم يأمرهم بإعادة التكبير فيكون القوم مصلين بصلاة بتكبيرة قبل تكبير الإمام، وهذا لا يصح بلا إشكال؛ ولأن ابن سيرين ذكر هذه القصة، وذكر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أومأ إليهم أن اقعدوا، ولو انعقدت صلاتهم لم يأمرهم بالقعود، ولم يحتمل أن الأمر بالمكث كي لا يتفرقوا

(2/369)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حتى يجيء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والحديث حكاية حال لا عموم له، فلا يجوز ترك القياس بمثله.
فإن قلت: يرد عليكم مسألة الترتيب والقهقهة حيث علمتم بهما بخلاف القياس.
قلت: هذه حكاية قول وليس بحكاية فعل فيصح العموم فيه؛ لأن العموم من أوصاف اللفظ.
فإن قلت: هو منسوب إلى التفريط بهذا الإتمام: دليله ما لو ارتد الإمام بعدما صلى.
قلت: يشكل هذا بما لو ظهر أنه كافر أو امرأة حيث لا يصح، وإن هو غير منسوب إليه هناك أيضا.
وفي " المجتبى " أم قوما مدة، ثم قال: صليت بغير طهارة أو مع العلم بالنجاسة المانعة أو قال: كنت مجوسيا لا يلزمهم الإعادة لأنه صرح بكفره وقول الفاسق غير مقبول في الديانات.
واستدل الأترازي في المسألة المذكورة: بما روي عن سعيد بن المسيب «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى بالناس فأعاد وأعادوا» .
قلت: العجب منه مع دعواه الفرضية يستدل بحديث ضعيف ومرسل، ورواه الدارقطني والبيهقي عن أبي جابر البياضي عن سعيد بن المسيب به.
وقال البيهقي: أبو جابر البياضي متروك الحديث، وكان مالك لا يرضى به، وكان ابن معين يرميه بالكذب. وقال الشافعي: من روى عن البياضي بيض الله عينه.
فإن قلت: روى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه صلى بالناس وأعاد ولم يأمر القوم بالإعادة.
قلت: لم يتيقن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بالجنابة قبل الدخول في الصلاة وإنما أخذ لنفسه بالاحتياط، ويدل عليه ما رواه مالك في " الموطأ " أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خرج إلى الحرف فنظر فإذا هو قد احتلم وصلى ولم يغتسل، قال: ما أراني إلا قد احتلمت وما شعرت وصليت وما اغتسلت. قال: وغسل ما رأى في ثوبه ونضح ما لم يره وأقام ثم صلى بعد ارتفاع الضحى متمكنا.
وروى الطحاوي بإسناده أن عمر نسي القراءة في صلاة المغرب وأعاد بهم الصلاة لترك القراءة، وفي فساد الصلاة بترك القراءة اختلاف، فإذا صلى جنبا أحرى أن يعيد، وعنه عن طاوس ومجاهد في إمام صلى وهو على غير وضوء أعادوا جميعا.
فإن قلت: روى الدارقطني بإسناده عن البراء بن عازب أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أيما إمام صلى بالقوم

(2/370)


وفيه خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بناء على ما تقدم، ونحن نعتبر معنى التضمن، وذلك في الجواز والفساد
وإذا صلى أمي بقوم يقرءون وبقوم أميين فصلاتهم فاسدة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وقالا: صلاة الإمام ومن لم يقرأ تامة؛ لأنه معذور أم قوما معذورين وغير معذورين، فصار كما إذا أم العاري عراة ولابسين، وله أن الإمام ترك فرض القراءة مع القدرة عليها فتفسد صلاته، وهذا لأنه لو اقتدى بالقارئ تكون قراءته له
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وهو جنب فقد مضت صلاتهم ثم يغتسل هو ثم ليعد صلاته، فإن صلى بغير وضوء فمثل ذلك» ".
قلت: قال أبو الفرج: لا يصح هذا الحديث؛ لأن في طريقه بقية وهو مدلس، وعيسى بن إبراهيم وهو ضعيف وجرير وهو متروك، والضحاك بن مزاحم ضعفه الأكثرون وهو لم يلق البراء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
م: (وفيه خلاف الشافعي بناء على ما تقدم) ش: أي وفي حكم هذه المسألة خلاف الشافعي بناء على ما تقدم عن قريب، وهو أن الاقتداء عنده على سبيل الموافقة لا بناء على صلاة الغير م: (ونحن نعتبر معنى التضمن) ش: في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الإمام ضامن» م: (وذلك) ش: أي معنى التضمن م: (وفي الجواز والفساد) ش: أي لا في الوجوب والأداء وقد قررناه عن قريب.

[إمامة الأمي]
م: (وإذا صلى أمي بقوم يقرءون وبقوم أميين فصلاتهم فاسدة عند أبي حنيفة) ش: قد قررنا الأمي عند قوله: ولا يصلي القارئ خلف الأمي، مع خلاف الشافعي فيه.
م: (وقالا: صلاة الأمي ومن لم يقرأ تامة) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد صلاة الأمي وصلاة من لا يقرأ تامة م: (لأنه معذور) ش: أي؛ لأن الأمي معذور م: (أم قوما معذورين) ش: وهم الأميون م: (وغير معذورين) ش: وهم القارئون م: (فصار) ش: أي فصار حكم هذه المسألة م: (كما إذا أم العاري عراة) ش: جمع عار كقضاة جمع قاض م: (ولابسين) ش: بالنصب عطف على عراة أي وقوما عليهم الثياب، هما قاسا المسألة المذكورة على هذه المسألة، فإن في هذه كان لكل فريق حكم نفسه اعتبار الكل بالبعض، فتصح صلاة العراة فكذلك في تلك المسألة تصح صلاة الأميين. والحاصل أن صلاة من يمثل هذا الإمام تصح، ولا تصح ممن هو أعلى منه.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن الإمام ترك فرض القراءة مع القدرة عليها) ش: أي على القراءة بتقديم القارئ م: (فتفسد صلاته) ش: أي صلاة الإمام ثم بين وجه ذلك بقوله م: (وهذا) ش: أي ترك الإمام فرض القراءة الذي هو موجب لفساد صلاته م: (لأنه) ش: أي؛ لأن هذا الإمام الأمي م: (لو اقتدى بالقارئ تكون قراءته) ش: أي قراءة القارئ م: (قراءة له) ش: أي لهذا الإمام

(2/371)


بخلاف تلك المسألة وأمثالها؛ لأن الموجود في حق الإمام لا يكون موجودا في حق المقتدي،
ولو كان يصلي الأمي وحده والقارئ وحده جاز
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وذلك بالحديث فلما لم يقدمه لزم ترك القراءة مع القدرة، ففسدت صلاته كما لو كان قارئا فلم يقرأ، فإذا فسدت صلاته فسدت صلاة الكل، وعن الشيخ أبي الحسن الكرخي أنه كان يقول القارئ والأمي يتساويان في فرض التحريمة ويختلفان في القراءة، فإذا اقتدى القارئ صحت تحريمته وقد ألزم الإمام تصحيح صلاة المؤتم فصار ملزوما للقراءة التي تصح صلاة المؤتم بها وقد تركناها فتبطل صلاته.
فإن قلت: كيف يلزم فرض القراءة على الأمي وهو غير قادر؟
قلت: يلزمه بالتزامه وإن لم يلزمه الشرع كنذر القراءة.
فإن قلت: لم لا يلزم القضاء على المقتدي إذا أفسد وقد صح شروعه؟.
قلت: لما شرع في صلاة الأمي أوجبها على نفسه بغير قراءة فلم يلزمه القضاء كنذر صلاة بغير قراءة لا يلزمه إلا في رواية أبي يوسف في ظاهر الرواية، لأنه فصل بين العلم وعدمه، وعن الشيخ أبي عبد الله الجرجاني أن صلاة الأمي إنما تفسد عنده إذا علم أن خلفه قارئا، أما إذا لم يعلم فلا على ما يجيء عن قريب.
م: (بخلاف تلك المسألة) ش: أراد بها مسألة إمامة العاري للعراة واللابسين م: (وأمثالها) ش: أي وبخلاف أمثال تلك المسألة كإمامة الجريح بمثله والصحيح، وإمامة المومئ بمثله والقادر على الأركان وإمامة المستحاضة بمثلها والطاهرة م: (لأن الموجود في حق الإمام) ش: في هذه الصورة وهو الجراحة والإيماء والاستحاضة م: (لا يكون موجودا في حق المقتدي) ش: لأن أصحاب هذه الأعذار لا يكونون قادرين على إزالة هذه بتقديم من لا عذر له، بخلاف مسألة إمامة الأمي لأميين والقارئين.
فإن قلت: هذا على أصل أبي حنيفة لا يستقيم؛ لأنه لا يعتبر قدرة الغير حتى لا يوجب الحج والجمعة على الأعمى، وإن وجد قائدا.
قلت: الفرق أن الأعمى لا يقدر على إتيان الحج والجمعة بدون اختيار القائد، وهاهنا قادر على الاقتداء بالقارئ بدون اختيار، ولأبي حنيفة وجه آخر وهو أن افتتاح الكل قد صح؛ لأنه أوان التكبير والأمي قادر عليه فيصح الاقتداء وصار الأمي متحملا فرض القراءة عن القارئ، فإذا جاء أوان القراءة وهو عاجز عن الوفاء بما تحمل فتفسد صلاته، وبفساد صلاته تفسد صلاة القوم بخلاف سائر الأعذار فإنها قائمة عند الافتتاح فلا يصح اقتداء من عذر به ابتداء.

م: (ولو كان يصلي الأمي وحده والقارئ وحده جاز) ش: لأن الأصل أن لا تكون قراءة الإمام

(2/372)


هو الصحيح؛ لأنه لم يظهر منهما رغبة في الجماعة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قراءة المقتدي إلا أن الشرع جعل قراءة المقتدي إذا اقتدى، فإذا لم يقتد فلا فإذا لا يلزم ترك فرض القراءة فيجوز صلاة الأمي م: (هو الصحيح) ش: احترز به عما روي عن أبي حازم أن قياس قول أبي حنيفة لا تجوز صلاته ثم علل المصنف وجه التصحيح بقوله م: (لأنه) ش: أي؛ لأن الشأن م: (لم يظهر منهما) ش: أي من الأمي والقارئ م: (رغبة في الجماعة) ش: لأنهما لم يرغبا في الجماعة، وصلى كل واحد وحده، لم يعتبر وجوب القارئ في حق الأمي؛ لأن تضمن قراءة الإمام قراءة المقتدي مقصور على الجماعة وحضور من ليس بينه وبين المصلي جامع الاقتداء كلا حضور، والمراد من صلاة الأمي وحده والقارئ وحده أن يكونا في مكان واحد بأن صلى الأمي وحده بجنب القارئ فحينئذ تفسد صلاته، وقيل: لا، وبه قال مالك.
وفي " الذخيرة ": القارئ إذا كان على باب المسجد أو بجوار المسجد والأمي في المسجد يصلي فصلاة الأمي جائزة بلا خلاف، وكذا إذا كان القارئ في غير صلاة الأمي جاز للأمي أن يصلي وحده ولا ينتظر فراغ الإمام.
وفي " المحيط ": ذكر الكرخي في "مختصره" لو اقتدى القارئ بالأمي، ولم ينو إمامته لا تفسد صلاته؛ لأنه يلحقه فساد صلاته من جهة القارئ فلا بد من التزامه كالمرأة، وقيل: تفسد وإن لم ينو إمامته. وفي " المحيط " لو تعلم الأمي سورة في خلال صلاته تفسد صلاته خلافا للشافعي، ولو اقتدى بالقارئ ثم تعلم سورة قيل: لا تفسد، وقيل: تفسد عند عامة المشايخ.
وفي " الذخيرة " ذكر لهذه المسألة في الكتب المشهورة.
فالأول: قاله أبو بكر بن محمد بن الفضل.
والثاني: قاله أبو بكر محمد بن حامد وعامة المشايخ.
وإن كان إماما أو منفردا فتعلم سورة في وسط صلاته لا يبني، وروى هشام عن محمد أنه قال: عامة أصحابنا على أن الأخرس إذا أم الأميين والقارئين فصلاتهم تامة، وقال الفقيه أبو جعفر: لم ير ذلك أبا حنيفة؛ لأنه خالفهم في ذلك القارئ إذا اقتدى بالأمي هل يصير شارعا في الصلاة، ذكر محمد هذا في " الجامع الصغير " وهذا فصل اختلف فيه الأصحاب، قال بعضهم: لا يصير شارعا حتى لو كان في التطوع لا يجب القضاء، وقال بعضهم: يصير شارعا ولم تفسد ويجب قضاء التطوع.
قال في " الذخيرة ": والصحيح هو الأول، وذكر القدوري في "شرحه " أن القارئ إذا دخل في صلاة الأمي متطوعا ثم أفسدها يلزمه القضاء عند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: ولا رواية عن أبي حنيفة، يعني سبقه الحدث فقدم الأمي في الركعتين الأخيرتين. وقال زفر: لا تفسد في هذا الفصل.

(2/373)


فإن قرأ الإمام في الأوليين، ثم قدم في الأخريين أميا فسدت صلاتهم، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تفسد لتأدي فرض القراءة. ولنا أن كل ركعة صلاة حقيقة فلا تخلو من القراءة إما تحقيقا أو تقديرا، ولا تقدير في حق الأمي، لانعدام الأهلية، وكذا على هذا لو قدمه في التشهد، جائزة عند الكل. والله تعالى أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فإن قرأ الإمام في الأوليين ثم قدم في الأخريين أميا فسدت صلاتهم) ش: وكذا روي عن أبي يوسف في غير رواية الأصول. م: (وقال زفر: لا تفسد لتأدي فرض القراءة) ش: يعني أن القراءة فرض في الأوليين وقد تأدى فصار الأمي والقارئ بعده سواء.
م: (ولنا أن كل ركعة صلاة حقيقة فلا تخلو من القراءة إما تحقيقا أو تقديرا) ش: يعنى لا يجوز خلوها من القراءة بالحدث فتشترط فيها القراءة إما حقيقة وإما تقديرا وكلاهما منتف في حق الأمي فصار استخلافه استخلاف من لا يصح للإمامة فأشبه استخلاف الصبي والمرأة ففسدت صلاتهم.
م: (ولا تقدير في حق الأمي لانعدام الأهلية) ش: أي لا يمكن تقدير القراءة في حق الأمي ولا شيء منها موجود في حق الأمي إما حقيقة فظاهر وإما تقديرا فلعدم الأهلية والشيء إنما يقدر إذا أمكن تقديره م: (وكذا على هذا لو قدمه في التشهد) ش: أي وكذا على هذا الاختلاف لو قدم الأمي في التشهد يعني فسدت صلاتهم خلافا لزفر، هذا إذا لم يقعد قدر التشهد، أما إذا قعد قدر التشهد فصحيح بالإجماع كذا ذكر فخر الإسلام؛ لأن هذا من فعله وهو مناف فانقطعت صلاته، وإنما الاختلاف فيما ليس من فعله مثل طلوع الشمس، وقيل تفسد صلاتهم عند أبي حنيفة وعندهما لا تفسد والصحيح هو الأول.
ولو أن القارئ قرأ في الأوليين ثم نسي القراءة في الأخريين وصار أميا فسدت صلاته عند أبي حنيفة ويستقبلها، وعلى قولهما لا تفسد ويبني عليهما استحسانا وهو قول زفر. وفي الأصل: الأمي إذا افتتح صلاته قعد قدر التشهد وسلم ثم تعلم السورة ثم تذكر أن عليه سجود السهو فإنه لا يعيد صلاته.
م: (جائزة عند الكل) ش: يجب أن لا يترك الأمي الاجتهاد إن ليله أو نهاره حتى يعلم مقدار ما تجوز به الصلاة، فإن قصر لم يعذر عند الله تعالى وبه قالت الأئمة الثلاثة، ذكر التمرتاشي ولو حضر الأمي على قارئ يصلي فلم يقتد به وصلى وحده اختلفوا فيه: والأصح أن صلاته فاسدة، نوى الاقتداء بإمام على ظن أنه صلى فإذا هو خليفة جاز، ولو نوى الاقتداء بالأصلي فإذا هو خليفة لم يجز.
وفي " فتاوى الصغرى ": اقتدى بإمام وفي زعمه أنه فلان ثم ظهر أنه غيره يجزئه، وإن اقتدى بفلان بعينه ثم ظهر أنه غيره لا يجزئه، اقتدى مسبوق بمسبوق في قضاء ما سبق لا يجوز،

(2/374)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وكذا لا يجوز اقتداء اللاحق باللاحق كذا في " الخلاصة "، شك في إتمام وضوء إمامه جاز اقتداؤه به.
اشتركا في نافلة ثم أفسدها صح اقتداء أحدهما بصاحبه وإن لم يشتركا لم يصح شرع في ظهر الإمام متطوعا ثم قطعها واقتدى يصلي ظهر ذلك اليوم جاز.
تكلم الإمام في شفع التراويح، ثم أمهم في ذلك جاز، وكذا لو اقتدى في سنة العشاء بمن يصلي التراويح وفي سنته بعد الظهر بمن يصلي الأربع قبل الظهر صح، ولو صليا الظهر ونوى كل واحد إمامة صاحبه صحت صلاتهما، ولو نويا الاقتداء فسدت.
وفي " الخلاصة " و " الخزانة " أربعة مواضع لا يتابع المقتدي الإمام إذا فعله، لو زاد سجدة في صلاته لا يتابعه، ولو زاد في تكبيرات العيد يتابعه ما لم يخرج عن أقاويل الصحابة، ولو خرج لا يتابعه ولو كبر خمسا في صلاة الجنازة لا يتابعه، ولو قام إلى الخامسة ساهيا بعدما قعد قدر التشهد على الرابعة لا يتابعه، فإن لم يقيد الإمام الخامسة بالسجدة وعاد وسلم سلم المقتدي معه، وإن قيد الإمام الخامسة بالسجدة سلم المقتدي ولا يتابعه، ولو لم يقعد على الرابعة وقام إلى الخامسة ساهيا وتشهد المقتدي وسلم ثم قيد الإمام الخامسة بالسجدة فسدت صلاتهم، وتسعة أشياء إذا لم يفعلها الإمام يفعلها المقتدي إذا لم يرفع يديه عند الافتتاح يرفعهما وركع ولم يكبر يكبر المقتدي ولم يسبح في الركوع والسجود يسبح المقتدي ولم يقل سمع الله لمن حمده يقولها المقتدي ولم يكبر عند الانحطاط يكبر المقتدي ولم يقرأ التشهد يتشهد المقتدي، ولم يسلم يسلم المقتدي، ونسي الإمام تكبيرة التشريق يكبر المقتدي والله تعالى أعلم بالصدق والصواب.

(2/375)