البناية شرح الهداية

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وبه أستعين وعليه توكلي وهو حسبي
باب الحدث في الصلاة
ومن سبقه الحدث في الصلاة انصرف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب الحدث في الصلاة]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وبه أستعين وعليه توكلي وهو حسبي
م: (باب الحدث في الصلاة) ش: أي هذا باب في بيان أحكام الحدث الواقع في الصلاة، وجه المناسبة بين البابين أن الباب الأول في بيان أحكام الإمامة والإمام، ومن جملة الأحكام المتعلقة بالإمام سبق الحدث إياه فنحتاج إلى بيان أحكامه، وأما وجه المناسبة بينه وبين الفصول السابقة، هي أن المذكور فيها أحكام السلامة عن العوارض في الصلاة في حق الإمام والمنفرد والجماعة، والمذكور هاهنا بيان أحكام العوارض العارضة المانعة من المضي في الصلاة والسلامة هي الأصل فلذلك أخر هذا الباب.
م: (ومن سبقه الحدث) ش: كلمة من موصولة تضمنت معنى الشرط والمعنى سبقه بدون اختياره، ويسمى ذلك حدثا سماويا، والحاصل أن الشرط سبق الحدث الخارج من بدنه الموجب للوضوء دون الغسل، ومن غير قصد منه للحدث أو بسببه أو من غيره، ولم يأت بعده بما ينافي الصلاة من توقف في موضع الصلاة أو كلام أو كشف عورة من غير ضرورة أو فعل فعل ينافي الصلاة مما له منه بد، فعلى هذا لا يجوز له البناء فيما إذا انتضح البول عن بدنه أو ثوبه أكثر من قدر الدرهم؛ لأنه ليس من الأحداث، وكذا إذا انتقض وضوءه بالإغماء أو الجنون أو القهقهة؛ لأنها ليست خارجة من البدن، وكذا في الاحتلام، وإن كان خارجا من البدن؛ لأنه موجب للغسل والنص ورد في موجب الوضوء، وكذا في الحدث العمد؛ لأنه قصده والشرط المسبق كما ذكرنا، وكذا إذا كانت به جراحة أو فعل فغمزها بيده فسال منها الدم؛ لأنه وجد منه القصد بسبب الحدث، وكذا فيما إذا رماه إنسان ببندقة أو حجر من السقف فأصابه فسال الدم؛ لأن الحدث منه بسبب غيره.
وعن أبي يوسف يبني في البندقة كالسماوي لعدم صبغه، ولو عثر بحشيش المسجد فأدماه

(2/376)


أو تنحنح فخرجت ريح بقوته في الصلاة انصرف
فإن كان إماما استخلف وتوضأ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قيل يبني، وقيل على الاختلاف بينهما وبين أبي يوسف فعنده يبني، ولو عطس فسبقه الحدث من عطاسه.

م: (أو تنحنح فخرجت ريح بقوته) ش: قيل: يبني وقيل لا ولو سقط منها الكرسف بغير فعلها مبلولا بنت في قولهم وبتحريكها بنت عند أبي يوسف وعندهما لا تبني م: (في الصلاة) ش: في محل النصب على الحال م: (انصرف) ش: جواب من، والمعنى من غير توقف بعد سبق الحدث؛ لأنه إذا توقف يصير مؤديا جزء الصلاة مع الحدث فتنقطع صلاته فلا يبني حينئذ وأشار إليه بقوله: انصرف وهو جزاء الشرط والجزاء لا يتراخى عن الشرط، ولو مكث في مكانه قدر ما يؤدي ركنا فسدت صلاته.
وفي (المنتقى) : إن لم ينو بمقامه الصلاة لا يفسد؛ لأنه لم يؤد جزءا من الصلاة بالحدث، وفي جوامع الفقه: إلا إذا أحدث في نومه ومكث حتى انتبه وذهب يبني. وعن محمد: لو ركع وسجد في حال نومه ثم انتبه وذهب جاز له البناء؛ لأن ما أتى به في حال نومه كالعدم، وعن أبي يوسف: لو أحدث في سجوده فرفع رأسه وكبر يريد به إتمام سجوده أو لم ينو شيئا فسدت، وإن أراد الانصراف لا تفسد ولو قرأ ذاهبا إلى الوضوء تفسد وإتيانه لا تفسد، وقيل على العكس والصحيح الفساد فيهما؛ لأن في الأول أدى ركنا مع الحدث، وفي الثاني مع المشي والتسبيح والتهليل لا يمنع البناء في الأصح. وقيل: لو رفع رأسه من الكوع وقال: سمع الله لمن حمده وهو محدث لا يبني.
قال المرغيناني: نص عليه في المنتقى واعلم أن صورة ذهابه إلى الوضوء به يتأخر محدودا بالخفض كذا قاله في مختصر البحر المحيط. وقال صاحب الطراز: يضع يده على أنفه يوهم أنه قد رعف فينقطع عنه الظنون. قال: هو مروي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.
قلت: ذكره المصنف على ما يأتي عن قريب إن شاء الله تعالى.

م: (فإن كان إماما) ش: تفصيل حكم الذي سبقه الحدث في الصلاة فلذلك ذكره بالفاء، أي فإن كان الذي سبقه الحدث إماما م: (استخلف) ش: خليفة في موضعه، وتفسير الاستخلاف هو أن يأخذه بثوبه ويجره إلى المحراب كذا في الخلاصة ويكون استخلافه بالإشارة، وفي جوامع الفقه يشير لركعة واحدة بإصبع واحدة والسجدة يضع إصبعه على جبهته إن كان واحدا بإصبع واحدة وفي اثنين بأصبعين، وفي سجدة التلاوة يضع أصبعه على جبهته ولسانه، وفي السهو يشير بذلك بعد السلام وبتحويل رأسه يمينا وشمالا، ولو استخلف بالكلام فسدت صلاته وصلاتهم سواء كان عامدا أو ساهيا أو جاهلا، وذكر في الذخيرة للمالكية أن عند مالك إذا استخلف بالكلام يجوز، وقال ابن حبيب: إن استخلف [بالكلام جاهلا أو عمدا تبطل، وإن كان ساهيا

(2/377)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فعليه فقط ويقدم من الصف] الذي يليه لقربه ولهذا قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ليليني منكم أولو الأحلام والنهى» . وفي (المفيد) : لو قدم امرأة فسدت صلاته وصلاة القوم. وقال زفر: لا تفسد صلاة المقدمة والنساء، وتفسد صلاة الرجال.
وفي (مختصر البحر) : استخلف محدثا فسدت صلاتهم وفي الجمعة يجوز ويقدم غيره فيصلي بهم. وفي " الأجناس ": لو قدم جنبا أو محدثا أو امرأة فسدت صلاة الكل، ولو استخلف صبيا أو مجنونا أو أخرس أو امرأة أو كافرا فاستخلف أهله غيره لم يجز، ولو استخلف رجلا جاثيا حينئذ وكان كبر قبل سبق حدث الإمام صح وكذا بعده ونوى الاقتداء به، وعند بشر المريسي لا يصح اقتداؤه، ولو قدم الإمام رجلا وتقدم آخر بنفسه أو بتقديم القوم وأتم بكل طائفة فهو والأول سواء، ولو قدم الإمام رجلا والقوم رجلا فالإمام من قدمه الإمام إلا أن ينوي القوم أن يأتموا بالآخر قبل أن ينوي ذلك.
وقال إمام الحرمين: ليس عندي نقل في هذه المسألة، ولعل الأظهر أن المتبع من قدمه القوم [إلا أن ينوي القوم أن يؤموا بآخر قبل أن ينوي ذلك] . وفي " جوامع الفقه ": لو تقدم واحد بنفسه تشترط نية القوم الاقتداء به.
ولو قدمه الإمام أو القوم لا يشترط بذلك. قال المرغيناني: هذا خلاف ما ذكره في الأصل، وفي " الذخيرة ": الإمام المحدث على إمامته ولم يخرج من المسجد فإن استخلف وأقام خليفته مقامه في مكانه ونوى أن يؤم الناس فيها، أو استخلف القوم غيره خرج من إمامته، وفي " جوامع الفقه ": لا يخرج من إمامته، إلا بالخروج من المسجد أو بقيام الخليفة مقامه إن نوى أن يؤم في ذلك المكان أو باستخلاف الناس غيره.
وفي " التحفة ": وإن لم يستخلف وخرج من المسجد تفسد صلاة القوم إذا لم يكن خارج المسجد صفوف متصلة، فإن كانت وخرج ولم يجاوز الصفوف تبطل صلاتهم عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. وقال محمد: لا تبطل، قال: والصحيح قولهما وكذا لو استخلف من الصفوف المتصلة الخارجة من المسجد لم يجز عندهما ويجوز عند محمد. وفي " مختصر البحر المحيط ": وفي المسجد يستخلف والكبير والصغير فيه سواء إلا إذا كان مثل جامع المنصور وجامع البيت المقدس، وإذا لم يوجد شيء من ذلك فتوضأ في جانب المسجد والقوم ينتظرون ورجع إلى مكانه وأتم صلاته أجزأهم، وإن لم يستخلفوا حتى خرج الإمام من المسجد بطلت صلاتهم والإمام يتوضأ ويبني؛ لأنه منفرد في حق نفسه. ذكر الطحاوي أن صلاته تفسد أيضا. وفي " جوامع الفقه " في فساد صلاة الإمام روايتان. وفي " المفيد ": في المشهور من الرواية أنها لا تفسد. وذكر أبو عصمت من أصحابنا أنها تفسد والصحيح الأول، ولو لم يكن مع الإمام إلا رجل واحد فهو إمام قدمه أولا.

(2/378)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال في " الوبري ": تقدم بنفسه أو لم يتقدم وقام مقام الأول أو لم يقم حتى لو فسدت صلاة الثاني فسدت صلاته لنفسه. قال في " المفيد ": كالإمامة الكبرى إذا لم يكن في العالم من يصلح غيره، ولو اقتدى إنسان بالإمام المحدث قبل خروجه من المسجد صح، وإن كان بعد انصرافه، ثم ينظر إن قدم المحدث خليفة جازت صلاة الداخل ولا تفسد، وإن كان خلفه من لا يصلح للإمامة كالصبي والمرأة والأمي والأخرس إن استخلفه تفسد بلا خلاف كما ذكرنا.
وإن لم يستخلف وخرج من المسجد اختلف المشايخ فيه، ففيل: تفسد، وقيل لا تفسد، وتفسد صلاة المقتدي، وهذا أصح، ولو قدم المحدث واحدا من آخر ثاني الصفوف وخرج من المسجد قبل أن يقوم الثاني مقام الأول، نظر إن نوى الثاني الإمامة من ساعته لا تفسد ويحول الإمام إلى الثاني، وإن لم ينو من ساعته وإنما نوى أن يكون إماما مقام الأول [وخرج الأول من المسجد قبل أن يصلي إلى مقام الأول فسدت صلاة القوم] ؛ لأن الإمامة لم تحول إليه بعد، والأول يبني على صلاته بكل حال، فإن تقدم رجلان [فالسابق إلى مكان الأول متعين] ، فإن بقي إلى مكان الإمام وإن استويا في التقدم واقتدى بعضهم بهذا وبعضهم بذاك فصلاة الذي ائتم به الأكثر صحيحة وصلاة الأقل فاسدة، وعند الاستواء لا يمكن الترجيح وإتمامها بإمامين غير ممكن فتفسد صلاتهم كذا في " الذخيرة ".
وفي " جوامع الفقه ": يقدم كل طائفة رجلا فالعبرة للأكثر وعند الاستواء تفسد. وفي " المبسوط ": يقدم كل فريق رجلا فاقتدوا بأحدهما إلا رجلا أو رجلين اقتديا بالآخر فصلاة الجماعة صحيحة وصلاة الآخرين فاسدة، وإن كانت إحدى الجماعتين أكثر فقد قال بعض أصحابنا: وصلاة الأكثرين صحيحة ويتعين الفساد في حق الآخرين في الواحد والمثنى.
قال: والأصح أنه تفسد صلاة الفريقين، وفي متعرقات الفقيه أبي جعفر إذا ظن الحدث فاستخلف ثم تبين أنه لم يحدث قبل خروجه، وإن كان الخليفة لم يأت بالركوع جازت وإلا فسدت. قال الفقيه: وفي رواية ابن سماعة عن محمد إن قام الخليفة مقام الإمام فسدت صلاتهم، وفي " جوامع الفقه " كبر الخليفة ينوي الاستقبال جازت صلاة من استقبل وفسدت صلاة من لم يستقبل، وتفسد صلاة المتخلف أن يبني على صلاة نفسه.
وسئل أبو نصر عمن استخلف فقدم الخليفة غيره من غير أن يحدث؟ إن قدمه قبل أن يقوم في موضع الإمام الأول في المسجد جاز، ولو اقتدى المقيم بالمسافر خارج الوقت أو المتنفل بالمفترض فأحدث المسافر أو المفترض تفسد صلاتهما؛ لأنهما لا يصلحان لإقامتها، ولو أحدث الإمام والقوم فخرجوا معا تفسد صلاة القوم دون الإمام لخلو مكان الإمام وتفرد الإمام.
ثم أعلم أن الذي سبقه الحدث يتوضأ ثلاثا ثلاثا، قال في " التحفة ": ويستوعب رأسه

(2/379)


وبنى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وبنى
بالمسح ويتمضمض ويستنشق ويأتي بسائر سنن الوضوء وهو الصحيح. وفي " الحاوي ": عن أبي القاسم أنه يتوضأ مرة مرة ولا يزيد على ذلك وإن زاد فسدت صلاته. وفي " الجوامع " المتيمم للجنابة إذا أحدث فذهب فوجد ما يكفي لوضوئه يبني بخلاف ما إذا وجد ما يكفيه لجنابته. وفي " الذخيرة ": المرأة كالرجل في الوضوء والبناء؛ لأن كلمة "من" تتناول الرجل والمرأة.
وعن أبي يوسف في غير رواية الأصول: إن أمكنها الوضوء من غير كشف عورتها بأن يمكنها غسل ذراعيها في الكمين ومسح مع الخمار بأن كان ذلك رقيقا يصل الماء إلى ما تحت ذلك فكشفتها لا شيء، وإن لم يمكنها بأن كان عليها جبة وخمار ثخينين لا يصل إلى ما تحت ذلك جاز وهو نظر الرجل إذا كشف عورته في الاستنجاء عند مجاوزة النجاسة مخرجها أكثر من قدر الدرهم. وعن إبراهيم بن رستم: لا يجوز للمرأة البناء؛ لأنها عورة. وفي " مختصر البحر المحيط ": لو سبقه الحدث من صلاة الجنازة ينبغي له أن ينبي وفي الاستخلاف خلاف.
م: (وبنى) ش: أي على صلاته ما لم يوجد منه ما ينافي صلاته مما له منه بد كالكلام، والأكل، والشرب، والبول، والتغوط ونحو ذلك. وفي السغناقي يمنع البناء الحدث العمد والإغماء والجنون والقهقهة عمدا أو لا والاحتلام والإمناء، والنظر بشهوة أو تفكر أو النحة أو عضة زنبور أو ظهرت عورته عند الاستنجاء ولو لم يظهر بنى. وروى أبو سليمان أنه يبني مطلقا، وفي " شرح القدوري " لأبي نصير: لا يبني في ظاهر المذهب.
وذكر في " المحيط " عن محمد أنه يستنجي من تحت ثيابه، وروى أبو سليمان أن الاستيفاء من البئر لا يمنع البناء، ولو جاوز الماء فذهب إلى غيره فسدت صلاته. وفي " مختصر عن المحيط ": يبني ولو استفاء بوضوء أو حزز دبره فسدت صلاته.
وفي " المرغيناني ": ما يسقي من البئر ويبني. وقال الكرخي والقدوري: لا يبني. وفي " التحفة ": أنه يبني، ولم يجد خلافا ولو طلب الماء بإشارة أو اشتراه بالتعاطي أو نسي ثوبه في موضع الوضوء فرجع واحدة لا يبني، ولو تذكر أنه لم يمسح برأسه فرجع ومسح يجزئه؛ لأنه لا بد منه. ولو أحدث فأصاب منه ثوبه أو بدنه يغسل ويبني، ولو انتضح عليه من البول أكثر من قدر الدرهم وهو في الصلاة فذهب وغسله لا يبني عندهما، وعند أبي يوسف يبني، وإن كان له ثوبان نزع النجس منهما من ساعته وصلى، وكذا لو وقع ثوبه فأخذه من ساعته فستر عورته تفسد صلاته، وإن سكت عريانا إن عجز عن رفع ثوبه لا تفسد ما لم يؤد ركنا مع الكشف، وإن قدر على رفعه تفسد عندهما خلافا لأبي يوسف.
فإن قلت: ما وجه تخصيص الإمام بالبناء مع جوازه للمقتدي والمنفرد.
قلت: لأنه أعلم بشرائط البناء غالبا من غيره.

(2/380)


والقياس أن يستقبل وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لأن الحدث ينافيهما
والمشي والانحراف يفسدها فأشبه الحدث العمد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والقياس أن يستقبل) ش: أي صلاته هذه م: (وهو قول الشافعي) ش: أي استقبال الصلاة في هذه الحالة قول الشافعي في الجديد وبه قال مالك في قول وأحمد في رواية، وعن أحمد: أن صلاة المأمومين تبطل، وعنه: لا يستخلف ويتيممون وحدانا، والمسبوق تبطل صلاته، وعنه يتوضأ ويبني.
وفي " المبسوط " كان مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول أولا: يبني ثم رجع وعاب عليه محمد في كتاب الحج لرجوعه من الآثار إلى القياس، وفي " الجواهر " من كتب المالكية أنه يستخلف سواء شرع طاهرأ أو محدثا أو جنبا، وإن صلوا وحدانا بطلت في المشهور.
وقال الزهري في إمام بثوبه دم أو رعف أو سجد للسهو] بالتصرف وليقل أتموا صلاتكم. وروي أن معاوية لما طعن أتم الصلاة وحدانا، وذكر في " النهاية " لإمام الحرمين في باب الجمعة لو أحدث الإمام عامدا أو أخرج نفسه من الصلاة [تفسد أو سبقه] الحدث فالاستخلاف يجزئ في هذه الصورة عندهم مع بطلان صلاة الإمام.
م: (لأن الحدث ينافيهما) ش: أي ينافي الصلاة، والطهارة شرط لبقاء الصلاة كما هي شرط لابتدائها فلا تبقى مع وجود الحدث المنافي لشرطها.

م: (والمشي) ش: إلى الوضوء م: (والانحراف) ش: عن القبلة م: (يفسدها) ش: أي الصلاة لأنهما متنافيان م: (فأشبه الحدث العمد) ش: أي أشبه الحدث السابق وهو الحدث السماوي الحدث العمد، فكما أن في الحدث العمد تبطل الصلاة فكذلك في الحدث السماوي، وهو الذي ذكره وجه القياس الذي أخذ به الشافعي ومن اتبعه، ولم يذكر المصنف له دليلا من الآثار واحتجوا في ذلك بالأحاديث:
منها: ما رواه الأثرم بإسناده عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه كان قائما يصلي بهم فانصرف ثم أتى ورأسه تقطر ماء، فقال: "إني قمت بكم ثم تذكرت أني جنب ولم أغتسل فانصرفت واغتسلت، فمن أصابه منكم مثل الذي أصابني فلينصرف وليغتسل وليستقبل صلاته» .
ومنها: ما رواه مالك في " الموطأ «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى بأصحابه فلما أحرم بالصلاة وذكر أنه جنب فقال لأصحابه: "كما أنتم" ومضى ورجع ورأسه تقطر ماء ولم يستخلف» فدل أن تقدم الجنابة لم تمنع الاقتداء فإنه قال: كما أنتم.
ومنها: ما رواه علي بن طلق عن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «إذا نسي أحدكم في

(2/381)


ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من قاء أو رعف أو أمذى في صلاته فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلاته ما لم يتكلم» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
صلاته فلينصرف وليتوضأ وليعد صلاته» أخرجه الترمذي وأبو داود، وقال الترمذي: [هذا] حديث حسن ورواه ابن حبان في "صحيحه ". ومنها: ما رواه ابن عباس قال: قال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا رعف أحدكم في الصلاة فلينصرف وليغسل عنه الدم ثم ليعد وضوءه وليستقبل صلاته» وأخرجه الطبراني في "معجمه " والدارقطنى في "سننه " وابن عدي في " الكامل ".
والجواب عن هذه الأحاديث: أن حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هو مذهبنا فإنه أمر بالاستقبال فدل أن شروعه فيها لم يصح، ونحن إنما قلنا بالاستخلاف والبناء في الحدث الطارئ السابق دون العمد القارن والجنابة، وأن حديث " الموطأ " يخالفه الصحيح الذي اتفق عليه الشيخان البخاري ومسلم فإنهما رويا بإسنادهما «عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف قياما، فخرج إلينا رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فلما قام في مصلاه ولم يشرع في الصلاة وقد تكلم ثم جاء وكبر للشروع في الصلاة» . ومعنى قوله: كما أنتم أي لا تتفرقوا حتى أجيء، ولهذا استقبل وأمرهم بالاستقبال، ويدل عليه ما رواه أبو داود «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قام في مصلاه فانتظرنا أن يكبر فانصرف، فقال: "كما أنتم» فمن المحال أن يصلوا بصلاة رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قبل شروعه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ومن المعلوم بالضرورة أنهم لم يكونوا شرعوا في الصلاة قبل شروعه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.
وأن حديث علي بن طلق محمول على العمد أو على الأفضلية توفيقا بين الأحاديث على أن ابن القطان [كان يقول] في كتابه: هذا حديث لا يصح فإن فيه مسلم بن سلام الحنفي أبا عبد الملك وهو مجهول الحال. وأن حديث ابن عباس فيه سليمان بن أرقم، وقال أحمد وأبو داود والنسائي وابن معين والبخاري: إنه متروك.
م: (ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من قاء أو رعف أو أمذى في صلاته فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلاته ما لم يتكلم» ش: هذا الحديث رواه ابن ماجه في "سننه " عن إسماعيل عن [ابن جريج] عن ابن أبي مليكة عن عائشة قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي فلينصرف وليتوضأ ثم ليبن على صلاته وهو في ذلك لا يتكلم» ، وأخرجه الدارقطني في "سننه ".

(2/382)


وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذا صلى أحدكم فقاء أو رعف فليضع يده على فمه، وليقدم من لم يسبق بشيء» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال: الحفاظ يروونه عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرسلا، ثم أخرجه عن عبد الرزاق عن ابن جريج به مرسلا وقال: هذا هو الصحيح.
وقال إمام الحرمين في " النهاية " والغزالي في " الوسيط ": إن هذا الحديث مروي في الكتب الصحاح وهو وهم منهما، وإنما لم يقل به الشافعي؛ لأنه مرسل وابن أبي مليكة لم يلق عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - م: (وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا صلى أحدكم فقاء أو رعف فليضع يده على فمه وليقدم من لم يسبق بشيء» ش: هذا بهذا اللفظ غريب، ولكن أخرج أبو داود وابن ماجه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا صلى أحدكم فأحدث فليأخذ بأنفه ثم لينصرف» .
وأخرج الدارقطني في "سننه " عن عاصم بن ضمرة والحارث عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - موقوفا: [إذا أم القوم فوجد في بطنه رزءا أو رعافا أو قيئا فليضع ثوبه على أنفه وليأخذ بيد رجل من القوم فليقدم] . قوله: رعف، قال المطرزي: رعف أنفه سال رعافه.
قلت: الرعاف هو الدم يخرج من الأنف، ورعف من باب نصر ينصر، وجاء رعف بالضم وهي لغة ضعيفة، وجاء رعف يرعف بالفتح فيهما، ويقال: رعف الفرس يرعف ويرعف بالفتح والضم أي سبق وتقدم واسترعف مثله.
قوله: أو أمذى: أي صار ذا مذي، قوله: وليبن: أمر وأدنى درجاته الإباحة فيثبت شرعية البناء.
فإن قلت" وليتوضأ أمر أيضا، وهو للوجوب فينبغي أن يكون وليبن كذلك.
قلت: لا يضرنا ذلك، لأنه حينئذ يكون أثبت للمدعي.
قوله: من لم يسبق بشيء مفعول وليقدم وأراد به من لم يسبقه حدث مثله، وقد فسره بعضهم بقوله: المراد المسبوق بالصلاة وليس كذلك لأن المسبوق يجوز أن [يكون] يجعل خليفة لمن سبقه الحدث، وقال تاج الشريعة: قوله: من لم يسبق بشيء لبيان الأفضل؛ لأنه أقدر على إتمام الصلاة من المسبوق. قوله: رزءا بكسر الراء وتشديد الزاء وهو في الأصل الصوت الخفي ويريد به القرقرة وقيل: هي غمز الحدث وحركته للخروج.

(2/383)


والبلوى فيما سبق، دون ما يتعمده، فلا يلحق به،
والاستئناف أفضل تحرزا عن شبهة الخلاف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأخرج الطبراني عن ابن عمر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من وجد في بطنه رزءا فلينصرف وليتوضأ» وأمره بالوضوء لئلا يدافع أحد الأخبثين وإلا فليس بواجب إن لم يخرج الحدث.
فإن قلتم: استدللتم بحديثين أحدهما مرسل والآخر ضعيف.
قلت: لا يضرنا إرساله؛ لأن المرسل عندنا حجة ويقوي الضعيف بما نقل عن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وهو ما أخرجه ابن أبي شيبه في "مصنفه" عن علي بن أبي طالب وأبي بكر الصديق وسلمان وابن عمرو ابن مسعود.
وروي من التابعين عن علقمة، وطاوس، وسالم بن عبد الله، وسعيد بن جبير، والشعبي، وإبراهيم النخعي، وعطاء، مكحول، وسعيد بن المسيب، وكيف يذهب إلى القياس بترك قول هؤلاء وقولهم فيما لا يدرك بالقياس كالنص في كونه راجحا على القياس حتى قال بعضهم في المسألة إجماع الصحابة، فإنه روي عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والعبادلة الثلاثة، وأنس، وسلمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أجمعين - جواز البناء، والمراد إجماع فقهائهم وبقولهم يترك القياس، هذا والنووي اجتهد في هذا وقال: منع البناء المسور بن مخرمة من الصحابة وهو لا يقاوي هؤلاء الأجلاء من الصحابة، والأئمة الكبار من التابعين والرجوع إلى الحق واجب، وروي أيضا مثلما قلنا عن الأوزاعي وابن أبي ليلى وسلمان بن يسار والحسن البصري، وسفيان الثوري، وأبي سلمة بن عبد الرحمن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
م: (والبلوى فيما سبق) ش: هذا جواب عن قول الشافعي فأشبه الحدث العمد، تقريره أن البلوى أي البلية في الحدث يقال: لحصوله بغير فعله فيجعل فيه مقدورا م: (دون ما يتعمده) ش: أي يقصده ويفعله باختياره وليس فيه بلوى فلا يجعل معذورا فلا يجوز القياس لوجود الفارق وهو معنى قوله م: (فلا يلحق به) ش: أي لا يلحق بما يسبق مما يتعمد وهذا في نفس الأمر منع المشابهة ومن قوله: فأشبه الحدث العمد، وكيف يشابه الذي بلا اختيار بالذي باختيار.

م: (والاستئناف أفضل) ش: أي استقبال الصلاة أفضل من البناء م: (تحرزا عن شبهة الخلاف) ش: لأنه أقرب إلى الاحتياط؛ لأن البناء عمل بخبر الواحد والاستئناف بالإجماع، والإجماع أقوى من خبر الواحد كذا قاله بعض الشراح وفيه نظر؛ لأنه قيل: إن البناء إجماع الصحابة، فإن روي عن جماعة كثيرين كما ذكرنا، وبه يترك القياس؛ لأن قولهم فيما لا يدرك بالقياس، كالنص في كونه راجحا على القياس مع أنه مؤيد بالأمر في الحديث المذكور.

(2/384)


وقيل: إن المنفرد يستقبل، والإمام والمقتدي يبني صيانة لفضيلة الجماعة، والمنفرد إن شاء أتم في منزله، وإن شاء عاد إلى مكانه،
والمقتدي يعود إلى مكانه، إلا أن يكون إمامه قد فرغ أو لا يكون بينهما حائل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقيل: إن المنفرد يستقبل) ش: أي الأفضل له ذلك للاحتياط م: (والإمام والمقتدي يبني) ش: يعني الإمام إذا سبقه الحدث يبني على صلاته، والمقتدي أيضا إذا سبقه الحدث يبني م: (صيانة لفضيلة الجماعة) ش: أي حفظا لفضيلة الجماعة، وانتصاب صيانة على التعليل.
م: (والمنفرد إن شاء أتم في منزله) ش: يعني الذي يصلي وحده إذا سبقه الحدث فذهب وتوضأ إن شاء أتم صلاته في منزله وهو الموضع الذي توضأ فيه بعد الانصراف م: [ (وإن شاء عاد إلى مكانه) ] ش: وإنما صار مخيرا بين الأمرين لأنه إذا أتم في منزله صار مؤديا صلاته في مكانه مع قلة المشي، وإن عاد إلى مكانه صار مؤديا لها في مكان واحد مع كثرة المشي فوجد في كل واحد من الأمرين جهة الكراهة وجهة الفضيلة فصار مخيرا.

م: (والمقتدي يعود إلى مكانه) ش: وهو الموضع الذي سبقه الحدث فيه، ولا يجوز له أن يبني في منزله الذي توضأ فيه لوجوب متابعة الإمام. وقال المرغيناني: المقتدي يعود لا محالة إذا لم يفرغ إمامه. وقال الأسبيجاني: يعود إلى موضع يجوز له الاقتداء بإمامه، وقال في " المفيد ": وكذا إذا لم يعلم بفراغ إمامه وإن فرغ يتخير بين العود والإتمام في مسجد آخر.
م: (إلا أن يكون إمامه قد فرغ) ش: هذا مبينا من قوله يعود إلى مكانه أراد أن إمامه إذا فرغ عن الصلاة يجوز له أن يبني في منزله لزوال الداعي. وإذا عاد بعد فراغ الإمام، فعن ابن سماعة: أنه يفسد صلاته بحصول المشي بلا حاجة. واختيار السرخسي وشيخ الإسلام خواهر زاده: لا يفسد صلاته.
فإن قلت: اللاحق في حكم المقتدي فيما يتم من صلاته، فإذا كان بينه وبين الإمام ما يمنع صحة الاقتداء من طريق أو نهر فينبغي أن لا يجوز في بيته.
قلت: هم بمنزلة المقتدي، ولكن الإمام قد خرج من حرمة الصلاة، فلا يراعى ترتيب القيام بينه وبين إمامه، وربما خرج أو أحدث أو نام.
م: (أو لا يكون بينهما حائل) ش: عطف على المستثنى؛ يعني أن المقتدي يعود إلى مكانه إلا إذا فرغ إمامه فحينئذ لا يعود، وإلا إذا لم يكن بين الإمام والمقتدي حائل؛ أي مانع لجواز الاقتداء كالطريق والنهر الكبير فحينئذ لا يعود إلى مكانه، وإن لم يفرغ الإمام عن الصلاة لجواز المتابعة من حيث هو.
فإن قلت: المقتدي إذا عاد إلى مكانه قبل فراغ الإمام كيف يصنع؟ قلت: قال في " شرح الطحاوي ": يشتغل أولا بقضاء ما سبقه الإمام في حالة اشتغاله بالوضوء بغير قراءة؛ لأنه لاحق،

(2/385)


ومن ظن أنه أحدث فخرج من المسجد، ثم علم أنه لم يحدث استقبل الصلاة، فإن لم يكن خرج من المسجد يصلي ما بقي، والقياس فيهما الاستقبال، وهو رواية عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لوجود الانصراف من غير عذر، وجه الاستحسان أنه انصرف على قصد الإصلاح، ألا ترى أنه لو تحقق ما توهمه بنى على صلاته، وألحق قصد الإصلاح بحقيقته.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ويقوم مقدم قيام الإمام ومقدار ركوعه وسجوده، ولو زاد أو نقص فلا يضره ولا يلزمه السهو لأنه لاحق، إلا إذا انتهى إمامه فيتابعه في الموضع الذي سجد إمامه، ثم يقضي آخر صلاته، ولو لم يشتغل بقضاء ما سبق أولا فيتابع الإمام جاز فيقضي ما سبق الإمام بعد تسليم الإمام؛ لأن ترتيب أفعال الصلاة ليس بشرط عندنا خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

[حكم من ظن أنه أحدث فخرج من المسجد ثم علم أنه لم يحدث]
م: (ومن ظن أنه أحدث فخرج من المسجد ثم علم أنه لم يحدث استقبل الصلاة) ش: لأن الانصراف عن القبلة بلا عذر مفسد فيلزمه الاستقبال م: (فإن لم يكن خرج من المسجد يصلي ما بقي) ش: من صلاته؛ لأن السجود وإن تباعدت أطرافه بمنزلة مكان واحد. بدليل صحة الاقتداء وعدم تكرر وجود سجدة التلاوة.
م: (والقياس فيهما الاستقبال) ش: أي فيما إذا خرج من المسجد وفيما إذا لم يخرج م: (وهو) ش: أي القياس م: (رواية عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لوجود الانصراف) ش: أي الانصراف عن الصلاة. وفي " الذخيرة ": أي الانحراف عن القبلة م: (من غير عذر) ش: وهذا وجه القياس. وفي " الجامع الصغير " لقاضي خان: إذا كان يمشي في المسجد ووجهه إلى القبلة بأن كان باب المسجد على حائط القبلة، فأما إذا أعرض عن القبلة فسدت صلاته، وإن كان في المسجد إذ هو انحراف عن القبلة بغير عذر. وفي ظاهر الرواية لم يفصل بينهما إذا مشى في المسجد مستقبل القبلة أو انحرف عن القبلة وإطلاق صاحب الكتاب يحمل على هذا.
م: (وجه الاستحسان أنه انصرف على قصد الإصلاح) ش: أي على قصد إصلاح صلاته لا رفضها م: (ألا ترى) ش: تنبيه على ما ذكره من أن انصرافه على قصد الصلاح م: (أنه) ش: أي أن [الظن] الذي ظن أنه أحدث م: (لو تحقق ما توهمه) ش: من ظن حصوله الحدث م: (يبني على صلاته) ش: ولا يقطعها، والتأويل أن بين خطأ في آخر الأمر قد يعتبر في بعض الأحكام، كتأويل أهل البغي في دماء أهل الحق وأموالهم إذا كانت لهم قوة ومنعة حتى لا يضمنون شيئا من ذلك م: (وألحق قصد الإصلاح بحقيقته) ش: أي ألحق قصد الإصلاح بحقيقة الإصلاح، أعني أن الحدث المتوهم لو كان متحققا كان يبني فكذا في هذه الصورة.
فإن قلت: إذا كان قصد الإلحاق ملحقا بحقيقته ينبغي أن يبني إذا خرج من المسجد أيضا.
قلت: هذا ليس بمطلق بل في هذه الصورة لأنه إذا خرج يختلف المكان من غير عذر وهو يبطل لتحريمه أشار إليه بقوله.

(2/386)


ما لم يختلف المكان بالخروج،
وإن كان استخلف فسدت؛ لأنه عمل كثير من غير عذر، وهذا بخلاف ما إذا ظن أنه افتتح الصلاة على غير وضوء فانصرف، ثم اعلم أنه على وضوء حيث تفسد صلاته وإن لم يخرج؛ لأن الانصراف على سبيل الغرض، ألا ترى أنه لو تحقق ما توهمه يستقبله، فهذا هو الحرف،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ما لم يختلف المكان بالخروج) ش: من المسجد لأنه مكان واحد. وفي " جامع التمرتاشي " وكذا الغازي لو ظن حضور العدو فانصرف، والأمر بخلافه لم تفسد صلاته ما لم يخرج من المسجد، وفي الصحراء ما لم يجاوز مكان الصفوف وإلا تفسد، والبيت كالمسجد، والمرأة إذا نزلت من مصلاها فسدت لأنه بمنزلة المسجد في حق الرجل، ولو ذهب قدامه في الصحراء بمقدار الصفوف حده إن لم يكن سترة وإن كانت فحده سترة.

م: (وإن كان استخلف) ش: أي وإن كان الذي ظن أنه أحدث استخلف ثم علم أنه لم يحدث م: (فسدت) ش: أي صلاته وإن لم يخرج من المسجد م: (لأنه) ش: أي لأن الذي فعله م: (عمل كثير) ش: لأنه استخلاف ومشى والعمل الكثير م: (من غير عذر) ش: يفسد الصلاة م: (وهذا) ش: أي الحكم المذكور م: (بخلاف ما إذا ظن أنه افتتح (الصلاة) على غير وضوء فانصرف) ش: من صلاته أو من القبلة م: (حيث تفسد صلاته وإن لم يخرج) ش: من المسجد ثم أشار إلى الفرق بين المسألتين بقوله م: (لأن الانصراف) ش: أي في هذه المسألة م: (على سبيل الغرض) ش: والأغراض والانصراف من هذا الوجه ملحق بحقيقته.
ثم أوضح ذلك بقوله: م: (ألا ترى أنه لو تحقق ما توهمه) ش: من ظنه افتتاح صلاته بغير وضوء م: (يستقبله) ش: صلاته، لأنه انصرافه كان على سبيل الرفض م: (وهناك) ش: أي في المسألة الأولى م: (لو تحقق ما توهمه) ش: من سبق الحدث م: (لا يستقبلها) ش: أي الصلاة، لأن انصرافه كان على سبيل الإصلاح كما ذكرناه م: (فهذا هو الحرف) ش: أي هو الأصل في البناء والاستقبال، أو هذا هو الأصل بين المسألتين وهو أن الانصراف إذا كان على سبيل قصد الإصلاح لا يستقبل ما لم يخرج من المسجد، وإذا كان عل سبيل الرفض والترك يستقبل بمجرد الانصراف وإن لم يخرج من المسجد ولم يستخلف، وعلى هذا إذا أقبل سواد فظنوه عدوا فانحرف قوم، فإذا هي بقر أو غنم أو إبل إن لم يجاوزوا الصفوف بنوا استحسانا، وإن جاوزوا استقبلوا، وإذا ظن أنه لم يمسح فانصرف ثم علم أنه كان ماسحا فسدت صلاته، وإن لم يخرج من المسجد وكذلك متيمم رأى سرابا فظنه ماء فانحرف فظهر أن سراب، وكذلك إذا رأى في ثوبه لونا فظن أنه [نجاسة] فانحرف ثم علم أنه ليس بنجاسة لم يبن، وكذلك ماسح الخف إذا ظن أن المدة قد تمت فانحرف لغسل الرجلين يستقبل وإن لم يخرج لأنه في الجميع قصد رفض الصلاة فانقطعت صلاته.

(2/387)


ومكان الصفوف في الصحراء له حكم المسجد؛ ولو تقدم قدامه فالحد السترة، وإن لم تكن فمقدار الصفوف خلفه، وإن كان منفردا فموضع سجوده من كل جانب، وإن جن أو نام فاحتلم أو أغمي عليه استقبل؛ لأنه يندر وجود هذه العوارض، فلم يكن في معنى ما ورد به النص،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[حكم الحدث من الإمام أو المأموم في الصحراء]
م: (ومكان الصفوف في الصحراء له حكم المسجد) ش: هذا لبيان أنه لم يكن في المسجد ماذا يكون حكمه، وهو أنه إذا كان يصلي في الصحراء لا يخلو، إما أن يكون إماما أو منفردا وعلى التقديرين، لا يخلو إما أن يكون بينه سترة أو لا يكون، فإن كان إماما وكان الصفوف كالمسجد في حقه فإذا سبقه الحدث فإنه ينصرف ويستخلف ما دام في مكان الصفوف، فإن خرج من الصفوف ولم يستخلف، فقد بطلت صلاته لاختلاف المكانين من غير عذر، هذا إذا لم يكن سترة، فإن كانت بين يديه سترة فالمعتبر حد السترة إذا مشى قدامه وهو معنى قوله.
م: (ولو تقدم قدامه) ش: أي ولو مشى قدامه سجد في الجواز والفساد السترة، وهو معنى قوله م: (فالحد السترة) ش: فإن جاوزها بطلت صلاته م: (وإن لم تكن) ش: أي سترة بين يديه م: (فمقدار الصفوف خلفه) ش: أي فالمعتبر مقدار الصفوف التي خلفه؛ أي خلف الإمام حتى إذا كان من آخر الصفوف إلى الإمام خمسة أذرع مثلا، فالحد قدام الإمام خمسة أذرع، فإن لم يخرج عن هذا المقدار يبنِ ولا يستقبل، وإن خرج عن هذا المقدار ولم يستخلف بطلت صلاته؛ لأن الإمام بعد سبقه الحدث كان عليه الاستخلاف ليصير هو في حكم المقتدين به لأنه صار مقتديا، فإن قلت: ذكر الصفوف [بالجمع باعتبار الغالب م: (وإن كان) ش: أن المصلي الذي سبقه الحدث م: (منفردا] فموضع سجوده) ش: أي فالمعتبر موضع سجوده م: (من كل جانب) ش: من جوانبه، فإذا لم يتجاوز المصلي في أثناء الصلاة [ذلك المقدار يبني فيما كان قصد الإصلاح وإلا فلا، وإن لم يتجاوزه م: وإن جن) ش: أي المصلي في أثناء الصلاة] م: أو نام فاحتلم) ش: إنما قال فاحتلم؛ لأن مجرد النوم في الصلاة لا يفسدها.
فإن قلت: هلا اكتفى بقوله: أو احتلم من غير ذكر نام؛ لأن الاحتلام لا يكون إلا في النوم.
قلت: احتلم يستعمل في البلوغ أيضا، فقال: احتلم الغلام أي بلغ وعقل، ولو اكتفى بقوله: أو احتلم لكان يوهم أنه بمعنى عقل بقرينة قوله: جن.
م: (أو أغمي عليه) ش: الإغماء مرض يحصل في الدماغ بسبب الامتلاء من بلغم بارد غليظ، هذا عند أهل الطب، وعند المتكلمين هو سهو يعتري الإنسان مع فتور الأعصاب، والجنون زوال العقل وفساده، ولهذا يمكن الإغماء في الأنبياء دون الجنون م (استقبل) ش: جواب إن؛ أي استقبل صلاته م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (يندر وجود هذه العوارض) ش: أي الجنون والاحتلام والإغماء م: (فلم يكن) ش: أي هذه العوارض م: (في معنى ما ورد به النص) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من قاء أو رعف في صلاته» ومعنى ما ورد به النص هو القيء والرعاف

(2/388)


وكذلك إذا قهقه؛ لأنه بمنزلة الكلام وهو قاطع،
وإن حصر الإمام عن القراءة فقدم غيره أجزأهم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: لا يجزئهم؛ لأنه يندر وجوده،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإذا لم يكن في معنى ما ورد به النص بقيت على أصل القياس. أما الجنون والإغماء فإن الشخص يبقى على حاله بعد حدوثهما فيصير مؤديا جزءًا من الصلاة مع الحدث فتفسد بخلاف القيء والرعاف فإنه ينصرف على الفور [حال] وقوعهما.
وأما الاحتلام فإنه يوجب الغسل بخلاف القيء والرعاف، فإن وجوبهما بالفرض، هذا إذا وجدت هذه الأشياء قبل أن يقعد مقدار التشهد، أما لو حدث بعده فصلاته وصلاة القوم تامة؛ لأنه يصير خارجا عنها لهذه الأشياء.
فإن قلت: الخروج بفعله فرض عند أبي حنيفة، ولم يوجد.
قلت: وجد؛ لأنه صار محدثا بها؛ لأنه لا بد من اضطراب ومكث بعد الحدث، فبالمكث إذا الخروج من الصلاة مع الحدث، وهو صنع كيف ما كان من حيث الاضطراب أو من حيث المكث.
م: (وكذلك إذا قهقه لأنه بمنزلة الكلام) ش: فصار كأنه تكلم بعد الحدث، وشرط البناء أن لا يتكلم؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وليبن على صلاته ما لم يتكلم» .
فإن قلت: ما معنى قوله: إن القهقهة بمنزلة الكلام.
قلت: لأن كلا منهما ينقل المعنى من الضمير إلى فهم السامع.
م: (وهو قاطع) ش: أي الكلام قاطع للصلاة والقهقهة أقطع لأنها أفحش، ولهذا سوى بين النسيان والعمد، هذا أيضا إذا وجدت قبل ما قعد قدر التشهد، وأما إذا وجدت بعده فلا تفسد صلاته كما لو تكلم بعده ولكن يلزمه الوضوء عندنا لصلاة أخرى، وعند زفر: لا يلزمه هذا كله أيضا على قولنا، فأما على قول الشافعي: تفسد صلاة الإمام لا صلاة القوم.

[الحكم لو حصر الإمام عن القراءة فقدم غيره]
م: (وإن حصر الإمام عن القراءة) ش: حصر بكسر الصاد، يقال: حصر يحصر حصرا بفتحتين من باب علم يعلم، والحصر، والحصر القيء وضيق الصدر، قال تعالى: {حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء: 90] [النساء: الآية 90] ، ومعناه: ضاق صدر الإمام عن القراءة، ويجوز أن يقرأ على صيغة المجهول من حصره إذا حبسه من باب نصر ينصر، ومعناه: ومنع حبس عن القراءة بسبب خجل أو خوف.
م: (فقدم غيره أجزأهم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال أحمد، وفي " المفيد ": جعل قول أبي يوسف مع أبي حنيفة م: (وقالا: لا يجزئهم لأنه يندر وجوده) ش: أي لأن الحصر يندر وجوده، والاستخلاف ثبت بخلاف القياس، في أمر غالب الوجود وهو الحدث، فلا يجوز الاستخلاف فيه. وفي " الفوائد الظهيرية " ليس الحصر في معنى الحدث من وجوه:

(2/389)


فأشبه الجنابة في الصلاة، وله أن الاستخلاف لعلة العجز وهو هنا ألزم،
والعجز عن القراءة غير نادر، ولو قرأ مقدار ما تجوز به الصلاة لا يجوز بالإجماع لعدم الحاجة إلى الاستخلاف، وإن سبقه الحدث بعد التشهد توضأ وسلم؛ لأن التسليم واجب فلا بد من التوضؤ ليأتي به،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أحدها: أن الطهارة شرط بجميع الصلاة، والقراءة شرط لبعضها.
والثاني: أنه لا جواز للصلاة بدون الطهارة، ولها جواز بدون القراءة كما في الأمي.
والثالث: أن القراءة تجزئ لها النيابة بخلاف الطهارة.
وقال الأترازي: ونقل شيخنا عن شيخه العلامة حميد الدين الضرير أنه قال في شرحه صورة المسألة: إذا لم يعقد الإمام [على] القراءة لأجل خجل يعتريه، أما إنه إذا نسي القراءة أصلا لا يجوز الاستخلاف بالإجماع لأنه يصير أميا، واستخلاف الأمي لا يجوز.
قلت: حميد الدين مسبوق في هذه، أما في السير فإنه قال: إنما يجوز الاستخلاف إذا [كان] حافظا للقراءة لكن لحقه خجل أو خوف فحصر، فأما لو نسي فصار أميا لم يجز الاستخلاف إجماعا؛ لأن إتمام القارئ صلاة الأمي غير جائز. وقال أبو بكر الرازي: إنما يستخلف إذا لم يمكنه أن يقرأ شيئا وإن أمكنه قراءة آية لا يستخلف، وإن استخلف فسدت صلاته.
وقال الأترازي: ثم عندهما إذا لم يستخلف كيف يصنع، قال بعض الشارحين: يتم صلاته بلا قراءة إلحاقا له بالأمي، وهذا سهو لأن مذهبهما أنه يستقبل وبه صرح فخر الإسلام في " شرح الجامع الصغير ".
قلت: أراد ببعض الشارحين السغناقي، فإنه قال هكذا في شرحه، وقال الأكمل: ونسبه بعض الشارحين إلى السهو وأراد به الأترازي.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن الاستخلاف لعلة العجز) ش: عن المضي في الصلاة صيانة لصلاة القوم عن البطلان م: (وهو هنا ألزم) ش: أي العجز عن القراءة ألزم؛ لأنه ربما يجد الماء في المسجد فيتوضأ ويبني من غير استخلاف، والذي حصر فلا بد له من تعلمه أو تذكره وذلك يمنع المضي غالبا، فلما جاز الاستخلاف في الحدث لعلة العجز جاز في الحصر أيضا لوجود تلك العلة.

م: (والعجز عن القراءة غير نادر) ش: هذا جواب عن قولهما: إنه يندر وجوده م: (ولو قرأ مقدار ما يجوز به الصلاة لا يجوز بالإجماع) ش: أي لا يجوز الاستخلاف بالإجماع م: (لعدم الحاجة إلى الاستخلاف) ش: لوجود قراءة ما يجوز به الصلاة، وهي آية قصيرة عنده، فإذا لم يجز له الاستخلاف يركع ويمضي في صلاته، وقال في " المحيط ": ولو استخلف تفسد صلاته.
م: (وإن سبقه الحدث بعد التشهد توضأ وسلم؛ لأن التسليم واجب فلا بد من التوضؤ ليأتي به) ش:

(2/390)


وإن تعمد الحدث في هذه الحالة أو تكلم أو عمل عملا ينافي الصلاة تمت صلاته؛ لأنه يتعذر البناء لوجود القاطع، لكن لا إعادة عليه؛ لأنه لم يبق عليه شيء من الأركان،
فإن رأى المتيمم الماء في صلاته بطلت صلاته، وقد مر من قبل، وإن رآه بعدما قعد قدر التشهد، أو كان ماسحا فانقضت مدة مسحه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أي بالتسليم الذي هو واجب، وعند الشافعي: التسليم فرض وقد مر بيانه م: (وإن تعمد الحدث في هذه الحالة) ش: يعني بعد التشهد م: (أو تكلم أو عمل عملا ينافي الصلاة فقد تمت صلاته لأنه يتعذر البناء لوجود القاطع) ش: وهو تعمد الحدث أو الكلام أو عمل ما ينافي الصلاة.
م: (لكن لا إعادة عليه) ش: أي إعادة صلاته م: (لأنه لم يبق عليه شيء من الأركان) ش: وفساد ما بقي لا يؤثر في فساد ما مضى، وعند الشافعي ومالك وأحمد: فسدت صلاته؛ لأن السلام من الأركان أو الفرائض عندهم

[رؤية المتيمم للماء أثناء الصلاة]
م: (فإن رأى المتيمم الماء في صلاته بطلت صلاته) ش: لأنه قدر على الأصل حال قيام الخلف قبل تمام الحكم بالخلف.
فإن قلت: يشكل هذا بالمتيمم إذا أحدث في صلاته فانصرف، ثم وجد ما كان له أن يتوضأ ويبني على صلاته، فلم تبطل صلاته هناك برؤية الماء.
قلت: التيمم ينتقض بصفة الاستناد إلى ابتداء وجوده عند إصابة الماء؛ لأنه يصير محدثا بالحدث السابق؛ إذ الإصابة ليست بحدث، وهاهنا ينتقض التيمم عند إصابة الماء لانتقاضه بالحدث الطارئ على التيمم لا بصفة الاستناد.
م: (وقد مر من قبل) ش: أي في باب التيمم وهو قوله: وينقض رؤية الماء إذا قدر على استعماله م: (فإن رآه) ش: أي فإن رأى المتيمم الماء م: (بعدما قعد قدر التشهد) ش: هذه اثنتا عشرة مسألة تسمى باثني عشرية؛ لأنها بذلك العدد في الروايات المشهورة، قيل: هي أنها من حيث العربية لأنه لا تجوز النسبة إلى اثني عشر ولا إلى غيره من العدد المركب [إلا] إذا كان علما فحينئذ ينسب إلى صدره فيقال: خمسي في خمسة عشر كما يقال: تأبطي في تأبط شرا أو بعلي في بعلبك.
قلت: إنما لم ينسب إلى خمسة عشر عددا؛ لأن الجزأين حينئذ مقصودان، فلو حذف أحدهما اختل المعنى، ولو لم يحدث استثقل. وأما إذا كان علما فالاسمان بكمالها علم لا دلالة لعشرة ولا لخمسة، فكان الثاني كتاء التأنيث، ولم يكن في الحذف إخلال، ولكن لقائل أن يقول: يجعل اثني عشر هاهنا في حكم المفرد فينسب إليها بكمالهما على أن الذي قيل: إنما هو في المركب الإسنادي والمزجي كما عرف في موضعه، وقد أشار المصنف إلى المسألة الأولى من هذه المسائل الاثني عشرية بقوله، فإن رأى المتيمم الماء بعدما قعد قدر التشهد.
وأشار إلى الثانية بقوله م: (أو كان ماسحا) ش: أي على خفيه م: (فانقضت مدة مسحه) ش:

(2/391)


أو خلع خفيه بعمل يسير، أو كان أميا فتعلم سورة، أو عريانا فوجد ثوبا، أو مومئا، فقدر على الركوع والسجود، أو تذكر فائتة عليه قبل هذه، أو أحدث الإمام القارئ، فاستخلف أميا، أو طلعت الشمس في الفجر،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بعدما قعد قدر التشهد، وهي يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام ولياليها في حق المسافر.

وأشار إلى الثالثة بقوله م: (أو خلع خفيه بعمل يسير) ش: أي خلع أحد خفيه وقيد باليسير؛ لأن العمل الكثير يخرج عن الصلاة فيتم صلاته حينئذ بالاتفاق، وقال في " المبسوط ": وتأويله إذا كان واسعا لا يحتاج إلى معالجة.
وأشار إلى الرابعة بقوله: م: (أو كان أميا فتعلم سورة) ش: قال في " الينابيع ": يريد به إذا كان يصلي وحده، أما لو كان خلفه الإمام قيل: هي على الاختلاف، وقيل: يجوز صلاته بالاتفاق. قال أبو الليث: وبه نأخذ، وفي " المبسوط ": ذكر أبو يوسف في " الإملاء " عن أبي حنيفة أنه كان يقول: الأمي إذا تعلم سورة في خلال صلاته يقرأ ويبني كالقاعد إذا قدر على القيام، ثم رجع عن ذلك لأن صلاته ضرورية كالمومئ. وفي " المبسوط ": فتعلم سورة أي تذكرها بعد النسيان أما إذا تلقنها ابتداء فذلك صنع منه فيخرج به عنها ذكره الحلواني، وقيل: سمعها بلا اختيار وحفظها بلا صنع.
وأشار إلى الخامسة بقوله: (أو عريانا) ش: أي أو كان المصلي عريانا م: فوجد ثوبا) ش: ساترا عورته. وأشار إلى السادسة بقوله: م: (أو مومئا) ش: أي: أو كان يصلي حال كونه مومئا م: فقدر على الركوع والسجود) ش: وأشار إلى السابعة بقوله: م: (أو تذكر فائتة عليه قبل هذا) ش: أي أو كان المصلي تذكر أن عليه فائتة قبل هذا الذي يصليه، قيل: معناه قبل سقوط الترتيب وفي الوقت سعة.
وأشار إلى الثامنة بقوله: (أو أحدث الإمام فاستخلف أميا) ش: أي لو أحدث المصلي العاري بعدما قعد قدر التشهد فاستخلف رجلا أميا، وفساد صلاته باستخلاف الأمي في هذه الحالة عند أبي حنيفة على اختيار المصنف ومن وافقه. وأما على اختلاف فخر الإسلام فلا فساد بالاستخلاف بعد التشهد بالإجماع، وذكر في " كشف الغوامض ": أنه لا يفسد صلاته عند أبي حنيفة لأن هذا الفعل ليس من أفعال الصلاة فيخرج به من الصلاة كما لو تكلم أو خرج من المسجد. وفي " المبسوط ": والاستخلاف وإن كان بصنعه لكنه غير مفسد كاستخلاف العاري.
وأشار إلى التاسعة بقوله: م: (أو طلعت الشمس في الفجر) ش: أي أو طلعت الشمس بعد أن قعد قدر التشهد في صلاة الفجر. وفي " المبسوط ": إن قيل طلوع الشمس مبطل لا مغير فلم كانت على الخلاف، قلنا: بل هو مغير من الفرض إلى النفل ولا يخرج به من التحريمة.

(2/392)


أو دخل وقت العصر وهو في الجمعة، أو كان ماسحا على الجبيرة فسقطت عن برء، أو كان صاحب عذر فانقطع عذره كالمستحاضة ومن بمعناها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأشار إلى العاشرة بقوله: م: (أو دخل وقت العصر وهو في الجمعة) ش: قال في " الينابيع ": هذا لا يتصور إلا على رواية الحسن عن أبي حنيفة إن أخر وقت الظهر إذا صار ظل كل شيء مثله قولهما حتى يتحقق الخلاف. وفي " المنافع ": هذا على اختلاف القولين عندهما إذا صار ظل كل شيء مثله، وعنده إذا صار ظل كل شيء مثليه، وقيل: تخصيص الجمعة اتفاقي لأن الحكم في الظهر لذلك.
وأشار إلى الحادية عشرة بقوله م: (أو كان ماسحا على الجبيرة فسقطت عن برء) ش: أي كان المصلي ماسحا على الجبيرة وهي العيدان التي يشد بها [على] الجرح ويجبر بها العظام.
وأشار إلى الثانية عشرة بقوله: م: أو كان صاحب عذر فانقطع عذره) ش: بعدما قعد قدر التشهد، وفسر صاحب العذر بقوله م: (كالمستحاضة ومن بمعناها) ش: نحو من به سلس البول وانطلاق البطن وانفلات الريح والرعاف الدائم، والجرح الذي لا يرجى برؤه وانقطاع دم الاستحاضة ولا بد من استيعاب وقت كامل، فلو انقطع الدم بعد التشهد فلو سال الدم في وقت صلاة أخرى فالصلاة الأولى جائز، وإن لم يسل فالصلاة الأولى عند أبي حنيفة باطلة؛ لأنه يتحقق بعد التشهد، وأنه كالانقطاع في وسط الصلاة وعندهما جائزة؛ لأنه كالانقطاع بعد تمام الصلاة.

واعلم أنه قد يزيد على هذه المسائل الاثنتي عشرة مسائل أخرى:
الأولى: إذا صلى بالثوب وفيه نجاسة أكثر من قدر الدرهم، ثم وجد من الماء ما يغسل به النجاسة في هذه الحالة.
الثانية: أنه كان يقضي صلاة الفجر وقد فاتته فدخل عليه وقت الزوال في هذه الحالة.
الثالثة: أنه كان يقضي صلاة الظهر في وقت العصر فغربت الشمس في هذه الحالة.
الرابعة: الأمة إذا صلت مكشوفة الرأس فعتقت في هذه الحالة إن سترت رأسها من ساعتها لا تفسد صلاته، وإن لم تستر فصلاتها فسدت عنده ذكرها الأسبيجابي.
الخامسة: لو سلم ثم تذكر أن عليه سجدتي السهو فعاد إليهما فلما سجد سجدة تعلم سورة تفسد صلاته عنده؛ لأنه عاد إلى حرمة الصلاة فصار كما لو تعلم قبل السلام، بعدما قعد قدر التشهد ذكرها في " الذخيرة "، ولو سلم ثم تذكر أن عليه سجدة تلاوة أو قراءة تشهد، قال في " الذخيرة ": لم يذكر هذا في الكتاب، قال: ويجب أن يكون من الاثني عشرية؛ لأنه سلام ساه فيجعل كالعدم، أما لو سلم ثم تذكر سجدة صلاتية فإن صلاته تفسد عندهم جميعا لأنه تعلم

(2/393)


بطلت الصلاة في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: تمت صلاته، وقيل: الأصل فيه أن الخروج عن الصلاة بصنع المصلي فرض عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وليس بفرض عندهما، فاعتراض هذه العوارض عنده في هذه الحالة كاعتراضها في خلال الصلاة، وعندهما كاعتراضها بعد التسليم، لهما ما رويناه من حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وله أنه لا يمكنه أداء صلاة الأخرى إلا بالخروج من هذه وما لا يتوصل إلى الفرض إلا به يكون فرضا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
سورة وعليه ركن من أركان الصلاة.
م: (بطلت الصلاة في قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خلافا لهما) ش: هذا جواب قوله: فإن رآه بعدما قعد قدر التشهد وما بعده من المسائل وهي الاثنتا عشرة مسألة.
م: (وقيل) ش: قائله أبو سعيد البردعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن قال: م: (الأصل فيه) ش: أي في المذكور من المسائل وهي اثنتا عشرة مسألة م: (أن الخروج عن الصلاة بصنع المصلي فرض عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: بدليل أنه ممنوع من البقاء على صلاته بعد التشهد حتى يدخل وقت صلاة أخرى، ولو لم يبق عليه فرض لم يمنع من البقاء كما بعد السلام، وإذا ثبت هذا فقد حدثت هذه المعاني وهي مفسدة للصلاة مع بقاء فرض من فروض الصلاة عليه فصار كما لو حدثت وسط الصلاة.

م: (وليس بفرض عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد، فإذا كان فرضا عند أبي حنيفة م: (فاعتراض هذه العوارض) ش: وهي العوارض التي ذكرها في هذه المسائل الاثنتي عشرة م: (في هذه الحالة) ش: أي الحالة التي كانت بعدما قعد قدر التشهد م: (عنده) ش: أي عند أبي حنيفة م: (كاعتراضها) ش: أي كاعتراض هذه العوارض م: (في خلال الصلاة) ش: أي في أثنائها، واعتراضها في أثنائها يبطل بالاتفاق فكذا في هذه الحالة.
م: (وعندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد م: (كاعتراضها بعد التسليم) ش: فاعتراضها بعده لا يبطل بالاتفاق م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (ما رويناه من حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا قلت هذا أو فعلت هذا فقد تمت صلاتك» وقد تقدم هذا في أول باب صفة الصلاة وفيه أيضا عند قوله: وتشهد وهو واجب عندنا.. إلى آخره، وجه استدلالهما به هو أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - علق تمام الصلاة بأحد الأمرين، فمن علق بثالث فقد خالف النص.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أنه) ش: أي أن المصلي م: (لا يمكنه أداء صلاة أخرى إلا بالخروج عن هذه) ش: أي عن هذه الصلاة التي هو فيها م: (وما لا يتوصل إلى الفرض إلا به يكون فرضا) ش: كلمة ما مبتدأ، وخبره قوله: يكون فرضا، وصورة هذا التوسل أنه إذا تحرم للظهر

(2/394)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مثلا فلم يخرج منها حتى دخل وقت العصر لزمه أداء العصر مثلا ولا عليه أداؤها إلا بعد الخروج عن تحريمة الظهر؛ لأن العصر لا يتأدى بهذه التحريمة، فيكون الخروج عن تحريمة الظهر سببا يتوصل به إلى أداء العصر وأداء العصر فرض، وما لا يتوصل إلى الفرض إلا به يكون فرضا كالانتقال من ركن إلى ركن، في باب الصلاة عد من الأركان، وإن لم يكن ركنا في نفسه كذا هذا؛ لأنه لم يبق الأولى على الصحة لا يمكنه أداء الثانية لأن الترتيب عندنا فرض، ولا يخرج عن الأولى على وجه يبقى صحيحا إلا بصنع يوجد منه فكان فرضا، وهذه النكتة منقولة عن الشيخ الإمام أبي منصور الماتريدي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
1 -
فإن قلت: تشكل عليه مسألة المحاذاة، فإن المرأة لو حاذت رجلا في هذه الحالة تمت صلاته بالاتفاق ولا صنع منه.
قلت: المحاذاة من باب المفاعلة فلا يتحقق إلا من فاعلين وكان منه صنع، أدناه اللبث في مكانه.
فإن قلت: يشكل ما لو تعلم سورة بلا اختيار.
قلت: إنه لا صنع فيه.
فإن قلت: هذا جواب غير قوي.
قلت: لا نسلم لأنه لم يوجد منه الصنع ابتداء وكون تعلمه صنعا منه لا يضرنا.
فإن قلت: على ما قررتم يكون الخروج من الصلاة بصنعه فرضا لغيره كالسعي إلى الجمعة، فيجب إن تم صلاته في الصور المذكورة لحصول المقصود من الصنع، وهو الخروج من الأولى كما لو دخل الجامع يوم الجمعة قبل دخول الوقت.
قلت: الخروج عن الأولى يجب أن يكون على وجه تبقى صحيحة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] [محمد: الآية 33] ، ولأن الترتيب فرض ولم يبق لهذا الخروج صحيحة.
فإن قلت: إنما لم يبق صحيحة لأن الخروج لم يكن بصنع المصلي، وكان بقاؤها صحيحة موقوفا على الخروج على بقائها صحيحة فهذا دور.
قلت: الخروج بصنعه موقوف على ما اعتبره الشرع رافعا للتحريمة، ويلزم منه بقاؤها صحيحة.
ثم اعلم أن العامة على قول أبي سعيد البردعي، والمختار عند المصنف قول الكرخي، وفي كلامه إشارة إلى ذلك، ويشير قول الكرخي إلى أن الخروج بصنع المصلي ليس بفرض بالاتفاق،

(2/395)


ومعنى قوله: " تمت " قاربت التمام، الاستخلاف ليس بمفسد، حتى يجوز في حق القارئ، وإنما الفساد ضرورة حكم شرعي، وهو عدم صلاحية الإمامة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وإنما عند أبي حنيفة أن هذه الأشياء مغيرة للصلاة ووجود المغير بعد التشهد كوجوده قبله لما أنه في حرمة الصلاة، ولهذا إذا نوى المسافر في هذه الحالة الإقامة أتم، والمعني بالمغير ما يجب الصلاة بعد وجوده على غير الصغير الواجبة هي عليها قبله، فإن الصلاة تجب بعد رؤية الماء وانقضاء مدة المسح، ووجدان الثوب، وتعلم السورة بالوضوء والغسل واللبس والقراءة بعد أن كانت واجبة بطهارة [التيمم والمسح والعري وعدم القراءة، وقيل: المعني به كون الصلاة جائزة] بالاجتماع به وبضده، فإنها تصح بالتيمم والمسح والإيماء وأضدادها.

م: (ومعنى قوله) ش: أي قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - م: (تمت) ش: أي قاربت التمام، هذا جواب عن تمسكهما، وتقديره: أن معنى قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (تمت) في قوله: إذا قلت هذا، أو فعلت هذا فقد تمت صلاتك، يعني: قاربت التمام كما في قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من وقف بعرفة فقد تم حجه» أي قاربت التمام بالاتفاق لبقاء فرض بعده وهو طواف الزيارة بالاتفاق. وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لقنوا موتاكم» ... " الحديث أي الذي شارف الموت.
فإن قلت: من أي باب هذا؟
قلت: من باب تسمية الشيء باسم ما يؤول إليه، كما في قوله: {أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36] [يوسف: الآية 36] ، أي: عنبا، وإنما حملنا عليه توفيقا بين ما قلنا من الدليل العقلي وبينه، ولأن العقل حجة من حجج الله تعالى كالنقل.
م: (والاستخلاف ليس بمفسد) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر يرد على قوله: أو أحدث الإمام القارئ فاستخلف أميا تقديره أن يقال: ينبغي أن لا تفسد الصلاة عند أبي حنيفة باستخلاف الأمي بعد قدر التشهد؛ لأن الاستخلاف عمل كثير مفسد للصلاة، وهو صنع منه فيخرج عن الصلاة باستخلافه، وتقدير الجواب: أن الاستخلاف نفسه ليس بمفسد بدليل أنه لو استخلف القارئ في صلاته لم يضره وهو معنى قوله م: (حتى يجوز في حق القارئ) ش: حتى يجوز الاستخلاف في حق المصلي القارئ، فعلم أن نفس الاستخلاف ليس بمفسد.
م: (وإنما الفساد ضرورة حكم شرعي) ش: يعني أن الفساد ليس لنفس الاستخلاف بل لأمر آخر وهو ضرورة حكم شرعي.
م: (وهو عدم صلاحية الإمامة) ش: يعني عدم شرعية الأمي لإمامة القارئ، وقال التمرتاشي والهندواني والإمام الكاساني: يجوز صلاته بالاتفاق لوجود الصنع المفسد وهو استخلاف من لا يصلح استخلافه. وقال الأترازي: في قوله الاستخلاف ليس بمفسد نظر عندي؛ لأنا نقول: لا نسلم أن الاستخلاف ليس بمفسد، وقد صرح صاحب " الهداية " نفسه فيمن ظن أنه أحدث

(2/396)


ومن اقتدى بإمام بعدما صلى ركعة فأحدث الإمام فقدمه أجزأه؛ لوجود المشاركة في التحريمة والأولى للإمام أن يقدم مدركا لأنه أقدر على إتمام صلاته، وينبغي لهذا المسبوق أن لا يتقدم لعجزه عن التسليم، فلو تقدم يبتدئ من حيث انتهى إليه الإمام لقيامه مقامه، وإذا انتهى إلى السلام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فاستخلف حيث قال: وإن كان استخلف فسد لأنه عمل كثير، فلو لم يكن الاستخلاف مفسدا لم تفسد الصلاة في تلك المسألة لأنه استخلف القارئ لا الأمي.
قلت: في كلامه وقد ذهل عنها الأترازي: وهو أن مسألة الاستخلاف على الخلاف، فكان ذكره هناك اختيار ما ذكر في " المبسوط "، وهو أن الصورة في الاستخلاف صنع منه وهو عمل كثير من غير عذر وهاهنا فرض المسألة فيما إذا كان يعذر، ولا يلزم من كونه مفسدا إذا لم يكن عذر كونه مفسدا عند العذر.

م: (ومن اقتدى بالإمام بعدما صلى ركعة) ش: أي بعدما صلى الإمام من صلاته ركعة، وهذا المقتدي مسبوق بالركعة م: (فأحدث الإمام فقدمه) ش: أي فقدم هذا المقتدي الذي هو مسبوق بركعة م: (أجزأه) ش: أي أجزأ الإمام تقديمه م: (لوجود المشاركة في التحريمة) ش: يعني أن صحة الاستخلاف بالمشاركة وهي حاصلة في المسبوق فيصح استخلافه.
فإن قلت: ينبغي أن لا يجوز استخلاف المسبوق؛ لأن الاستخلاف عمل كثير يثبت على خلاف القياس في حق المدرك، والمسبوق ليس في معناه فلا يلحق به. قلت: لا نسلم أن الاستخلاف كان في المدرك.
م: (والأولى للإمام أن يقدم مدركا لأنه أقدر على إتمام صلاته) ش: أي لأن المدرك أقدر من المسبوق فكان أولى لأن المسبوق إذا أتم صلاة الإمام يقدم مدركا آخر للسلام لعجزه عن السلام، أما المدرك فيسلم إذا أتم صلاة الإمام بدون استخلاف آخر، فيثبت أنه أقدر من المسبوق.
م: (وينبغي لهذا المسبوق أن لا يتقدم لعجزه عن التسليم) ش: لأن عليه بقية صلاته فلا يقدر على التسليم حتى يكمل ما عليه، وإن قيل يتقدم جاز فيستخلف مدركا عند تمام صلاة إمامه ليسلم بهم وليسجد لسهوه إن كان عليه سهو، فإن جاء الأول وقد سبقه الثاني ينقل بقضاء ما سبقه ثم يتابعه لأنه لاحق، وإن لم يفعل جاز، قال في " المبسوط " لأن الترتيب في أفعال الصلاة ليس بشرط عندنا خلافا لزفر، ومثله في الأسبيجابي. قلت: ولهذا قال أبو حنيفة وأبو يوسف: المسبوق يصلي أولا مع الإمام آخر صلاته فإذا قام يقضي أول صلاته فقد قدم آخرها على أولها في الفعل.
م: (فلو تقدم) ش: أي المسبوق م: (يبتدئ من حيث انتهى إليه الإمام لقيامه مقامه) ش: أي لقيام المسبوق مقام الإمام وهو بفتح الميم م: (وإذا انتهى إلى السلام) ش: أي إذا انتهى إلى آخر صلاة الإمام

(2/397)


يقدم مدركا يسلم بهم، فلو أنه حين أتم صلاة الإمام قهقه أو أحدث متعمدا أو تكلم أو خرج من المسجد فسدت صلاته وصلاة القوم تامة؛ لأن المفسد في حقه وجد في خلال الصلاة وفي حقهم بعد تمام أركانها والإمام الأول إن كان فرغ لا تفسد صلاته وإن لم يفرغ تفسد وهو الأصح، فإن لم يحدث الإمام الأول وقعد قدر التشهد ثم قهقه أو أحدث متعمدا فسدت صلاة الذي لم يدرك أول صلاته عند أبي حنيفة. وقالا: لا تفسد، وإن تكلم أو خرج من المسجد لم تفسد في قولهم جميعا، لهما أن صلاة المقتدي بناء على صلاة الإمام جوازا وفسادا ولم تفسد صلاة الإمام، فكذا صلاته وصار كالسلام والكلام، وله أن القهقهة مفسدة للجزء الذي يلاقيه من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الذي محله التسليم م: (يقدم مدركا يسلم بهم) ش: أي بالقوم م: (فلو أنه) ش: أي المسبوق م: (حين أتم صلاة الإمام قهقه أو أحدث متعمدا) ش: أي قصدا م: (أو تكلم أو خرج من المسجد فسدت صلاته) ش: أي صلاة المسبوق م: (وصلاة القوم تامة؛ لأن المفسد وجد في خلال الصلاة) ش: في حق المسبوق م: (وفي حقهم) ش: أي وفي حق القوم م: (وجد بعد تمام أركانها) ش: فلا تفسد صلاتهم؛ لأن هذه الأشياء لو وجدت [في هذه الحالة من القوم أنفسهم كانت لا تفسد صلاتهم فلأن لا تفسد إذا وجدت] من إمامهم أولى وأحرى.

م: (والإمام الأول) ش: وهو الذي قدم المسبوق م: (إن كان قد فرغ لا تفسد صلاته) ش: لأنه كواحد من القوم م: (وإن لم يفرغ تفسد صلاته) ش: لوقوع المنافي للصلاة في وسطها م: (وهو الأصح) ش: أي فساد صلاته هو الأصح لما ذكرنا، واحترز به عن رواية أبي حفص أن صلاته أيضا تامة لأنه يدرك أول الصلاة فيكون كالفارغ بقعدة الإمام قدر التشهد.
م: (فإن لم يحدث الإمام الأول وقعد قدر التشهد) ش: قبل القعود بقدر التشهد لأنه إذا وجدت القهقهة أو الحدث العمد قبله تفسد صلاة الجميع اتفاقا.
م: (ثم قهقه أو أحدث متعمدا فسدت صلاة الذي لم يدرك أول صلاته) ش: وهو المسبوق م: (عند أبي حنيفة) ش: ولا تفسد صلاة المدرك اتفاقا وفي صلاة اللاحق، روايتان.
م: (وقالا: لا تفسد) ش: أي صلاة الذي لم يدرك م: (وإن تكلم) ش: الإمام الأول م: (أو خرج من المسجد لم تفسد في قولهم جميعا) ش: أي في قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (أن صلاة المقتدي بناء على صلاة الإمام جوازا وفسادا) ش: أي من حيث الجواز والفساد م: (ولم تفسد صلاة الإمام) ش: أي والحال أنه لم تفسد صلاة الإمام م: (فكذا صلاته) ش: أي صلاة المقتدي أيضا لا تفسد؛ لأن صلاته مبنية على صلاة الإمام م: (فصار كالسلام والكلام) ش: أي صار حكم هذا، كحكم السلام والكلام بعدما قعد قدر التشهد.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (أن القهقهة مفسدة للجزء الذي تلاقيه من

(2/398)


صلاة الإمام فيفسد مثله من صلاة المقتدي غير أن الإمام لا يحتاج إلى البناء والمسبوق محتاج إليه، والبناء على الفاسد فاسد بخلاف السلام؛ لأنه منه والكلام في معناه، وينتقض وضوء الإمام لوجود القهقهة في حرمة الصلاة.
ومن أحدث في ركوعه أو سجوده توضأ وبنى ولا يعتد بالتي أحدث فيها؛ لأن إتمام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
صلاة الإمام) ش: لأنها تبطل الطهارة، وهي شرط للصلاة م: (فتفسد) ش: بضم التاء أي فتفسد القهقهة م: (مثله) ش: أي مثل ذلك الجزء م: (من صلاة المقتدي) ش: لابتنائها عليها م: (غير أن الإمام لا يحتاج إلى البناء) ش: هذه إشارة إلى بيان الفرق [الذي] بين صلاة الإمام وصلاة المسبوق، مع أن القهقهة لاقت بجزء من صلاة كل واحد منهما، ومع هذا لا تفسد صلاة الإمام وتفسد [صلاة] المسبوق وذلك لأن القهقهة وجدت في حق الإمام بعد انتهاء الأركان، فجعلت عفوا فلا يحتاج إلى البناء م: (والمسبوق محتاج إليه) ش: أي إلى البناء لأنها وجدت في خلال صلاته، فتفسد ذلك الجزء الذي لاقته ففسدت صلاته أصلا لعدم قدرته على البناء.

م: (والبناء على الفاسد فاسد) ش: كان هذا جواب عما يقال: لم لا يبني المسبوق أيضا؟ فقال: كيف يبني على الفاسد وهو الجزء الذي لاقته القهقهة في خلال صلاته؟ والبناء على الفاسد فاسد م: (بخلاف السلام) ش: لأنه لا يبطل شيئا من أجزاء الصلاة على الإمام لأنه لا يبطل بشرط الأداء وهو الطهارة م: (لأنه منه) ش: أي لأن السلام سنة للصلاة وهو من الإنهاء ومعناه متمم للصلاة ومحلل إذا وجد في أوان التحليل، ولهذا لا ينتقض به الطهارة، وفي " المجتبى " المراد من النهي ما يكون مستحقا بالتحريمة، إما بصفة الاتصال كالسلام أو الانفصال كالخروج.
وفي " مبسوط شيخ الإسلام ": السلام منه لا يفسد لأنه قاطع، والقاطع في أوانه منه، وفي غير أوانه مبطل، وهاهنا في أوانه فيكون منهيا لا مفسدا م: (والكلام في معناه) ش: أي في معنى السلام لأنه إنما جعل منهيا باعتبار أنه كلام لا باعتبار أنه ثناء فعلم أنه معناه، ولهذا لو قالوا: لو حلف لا يكلم فلانا فسلم يحنث.
م: (وينتقض وضوء الإمام لوجود القهقهة في حرمة الصلاة) ش: وعند زفر لا ينتقض وهو القياس؛ لأنها إنما تنقض الوضوء إذا فسدت الصلاة، وهاهنا لم تفسد صلاة الإمام فلا ينقض وضوءه. وجه الاستحسان أنها أفسدت الجزء الملاقي لها من الصلاة لوقوعها في حرمة الصلاة فانتقض الوضوء أيضا بناء على فساد ذلك الجزء؛ لأنها لم تؤثر في فساد باقي الصلاة لانتهاء الأركان.

[حكم من أحدث في ركوعه أو سجوده]
م: (ومن أحدث في ركوعه أو سجوده توضأ وبنى على صلاته ولا يعتد بالتي أحدث فيها) ش: أي الركعة التي أحدث فيها أو بالسجدة ولا يعتد من الاعتداد أي لا يعتبر، وفي بعض النسخ ويعيد بالتي أحدث فيها، من الإعادة والمعنى قريب لأن عدم الاعتداد يستلزم الإعادة م: (لأن إتمام

(2/399)


الركن بالانتقال ومع الحدث لا يتحقق فلا بد من الإعادة
ولو كان إماما فقدم غيره دام المقدم على الركوع؛ لأنه يمكنه الإتمام بالاستدامة، ولو تذكر وهو راكع أو ساجد أن عليه سجدة فانحط من ركوعه لها أو رفع رأسه من سجوده فسجدها يعيد الركوع والسجود، وهذا بيان الأولى لتقع أفعال الصلاة مرتبة بالقدر الممكن وإن لم يعد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الركن بالانتقال) ش: تمام السجدة بالرفع عند محمد ولم يوجد، وعند أبي يوسف وإن تمت بالوضع لكن الجلسة بين السجدتين فرض عنده م: (ومع الحدث لا يتحقق) ش: أي الانتقال لا يتحقق بغير طهارة والانتقال من ركن إلى ركن فرض بالإجماع فلا يعتد بركوعه وسجوده بعد تحقق الانتقال بالطهارة م: (فلا بد من الإعادة) ش: أي من إعادة الركوع الذي أحدث فيه والسجود الذي أحدث فيه.

م: (ولو كان إماما) ش: أي ولو كان الذي أحدث في ركوعه أو سجوده إماما م: (فقدم غيره دام المقدم) ش: بفتح الدال م: (على الركوع) ش: يعني يكون المقدم على هيئته م: (لأنه يمكنه الإتمام بالاستدامة) ش: أي بالثبات في حاله ولا يحتاج إلى رفع رأسه، ثم إنشاء الركوع لأن للدوام حكم الابتداء في الفعل الممتد، وللركوع وللسجود امتداد فلما دام المقدم صار كأنه ركع، أصله حلف لا يلبس ثوبا وهو لابسه ولا يركب دابة وهو راكبها يحنث بالاستدامة لوجود اللبس أو الركوب بالاستدامة.
فإن قلت: لو قال لامرأته: إن جامعتك فأنت طالق فجامع ولبث في الجماع لا تثبت الرجعة عند محمد، فعلم أنه ليس للدوام حكم الابتداء. قلت: عدم ثبوت الرجعة عنده للاحتياط، ولأن الجماع هو الإيلاج والإخراج وهما ليسا بممتدين فلا تثبت الرجعة بالشك.
م: (ولو ذكر) ش: أي المصلي م: (وهو راكع أو ساجد) ش: أي والحال أنه ذكر في الركوع والسجود م: أن عليه سجدة) ش: هو مفعول ذكر، يعني: في حالة الركوع أنه ترك سجدة صلاتية أو تلاوة أو ذكر في حالة السجود أنه ترك سجدة م: (فانحط من ركوعه لأجل السجدة التي ذكرها أو رفع رأسه من سجوده فسجدها) ش: أي السجدة [ويعيد السجدة] التي ذكرها. م: (يعيد الركوع والسجود) ش: يعني يعيد الركوع الذي ذكر فيه السجدة ويعيد السجود الذي ذكر فيه السجدة، وهذا بيان الأولى، يعني إعادة الركوع والسجود الذي ذكر فيهما أن عليه سجدة أولى، لأن مراعاة الترتيب ليست بركن م: (لتقع الأفعال مرتبة بالقدر الممكن) ش: لأن مراعاة الترتيب فيما شرع من الأفعال مكررا واجبة لا فرضا لما ذكرنا، والقدر الممكن إعادة الركوع والسجود لتحقق الترتيب على اعتبار أن لا يكون الأول محسوبا، ويجوز أن يكون المراد تقريب الركوع والسجود إلى محله بقدر الإمكان.
م: (وإن لم يعد) ش: أي الركوع الذي ذكر فيه أن عليه سجدة، أو السجود الذي ذكر فيه

(2/400)


أجزأه؛ لأن الانتقال مع الطهارة شرط وقد وجد. وعن أبي يوسف أنه يلزمه إعادة الركوع؛ لأن القومة فرض عنده.
قال: ومن أم رجلا واحدا فأحدث وخرج من المسجد فالمأموم إمام نوى أو لم ينو لما فيه من صيانة صلاته وتعيين الأول لقطع المزاحمة ولا مزاحمة ههنا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كذلك م: (أجزأه) ش: لأن ذكر السجود لا يناقض الركوع ولا ينافيه، فصح الاعتداد به فلا يعيد م: (لأن الانتقال مع الطهارة شرط وقد وجد) ش: هذا إشارة إلى بيان الفرق بين هذا وبين ما تقدم وهو من وجهين: أحدهما أن تذكر السجود في الركوع لا ينقض الركوع م: (لأن الاعتداد والترتيب في أفعال الصلاة الواحدة ليس بشرط) ش: وإن لم ينقض لا يلزمه الإعادة.
والثاني: أن تمام الركوع برفع الرأس؛ لأن الركن إنما يتم بالانتقال والطهارة فيه شرط وقد وجدت، وعند زفر عليه إعادة القيام والركوع الأول؛ لأن من أصوله أن مراعاة الترتيب في أفعال الصلاة واجبة فيبطل ما أدى.
م: (وعن أبي يوسف أنه يلزمه إعادة الركوع لأن القومة فرض عنده) ش: فحيث انحط من الركوع ولم يرفع رأسه فقد ترك الفرض فعليه الإعادة.
فإن قلت: ما الفرق بين هذا وبين ما إذا عاد إلى السجد الأصلية بعدما قعد قدر التشهد، فإنه ترتفض القعدة وكذا لو تذكر في الركوع أنه لم يقرأ القرآن، فعاد إلى قراءة القرآن ارتفض الركوع.
قلت: إنما لم يرتفض القعدة بالإتيان بالسجدة لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - علق تمام الصلاة بالقعدة في قوله إذا قلت هذا أو فعلت هذا فقد تمت صلاتك فلو قلنا: يجوز تأخير غيرها عنها كان تمام الصلاة بذلك الغير وهو خلاف النص وكذلك لا يجوز تأخير القيام أو الركوع عن السجود؛ لأن القيام وسيلة إلى الركوع والركوع وسيلة إلى السجود، حتى إن من لم يقدر على الركوع والسجود لا يجب عليه القيام والوسائل متقدمة على المقاصد، والقراءة رتبة القيام فكانت تابعة له.

[حكم من أم رجلا واحدا فأحدث]
م: (ومن أم رجلا واحدا فأحدث) ش: أي الإمام م: (وخرج من المسجد فالمأموم إمام) ش: لتعينه بخلاف ما إذا كان أكثر من واحد حيث يحتاج إلى الاستخلاف لقطع المزاحمة. م: (نوى أو لم ينو) ش: الضمير في نوى، يحتمل أن يكون للإمام يعني نوى الإمام استخلافه أولى لتعينه، كما لو قال لعبديه: أحدكما حر، ثم مات أحدهما قبل البيان يتعين الحي للحرية لتعينه فكذا هذا، ويتحمل أن يكون للمقتدي يعني نوى هو الإمامة أولا لتعينه للاستخلاف لصلاحية الإمامة له. م: (لما فيه) ش: أي لما في كون المأموم إماما م: (من صيانة صلاته) ش: أي صلاة المقتدي الذي صار إماما لأنه لو لم يتعين المقتدي إماما لخلا موضع الإمامة عن الإمام وبهذا المعنى يوجب فساد صلاة المقتدي. م: (وتعيين الأول لقطع المزاحمة) ش: هذا جواب عما يقال: إن التعيين لا

(2/401)


ويتم الأول صلاته مقتديا بالثاني كما إذا استخلفه حقيقة،
ولو لم يكن خلفه إلا صبي أو امرأة قيل تفسد صلاته؛ لاستخلاف من لا يصلح للإمامة. وقيل: لا تفسد لأنه لم يوجد الاستخلاف قصدا وهو لا يصلح للإمامة، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يتحقق بلا تعيين ولم يعين فأجاب بقوله وتعيين الأول لقطع المزاحمة ولا تزاحم هنا فكان التعيين موجودا حكما، فإذا تعين كذلك كان كالمستخلف حقيقة ينوب عنه ويتم صلاته مقيدا بالثاني وهو معنى قوله م: (ويتم الأول صلاته مقتديا بالثاني كما إذا استخلفه حقيقة) ش: فإنه حينئذ يتم صلاته مقتديا بالثاني: فكذلك في الاستخلاف حكما.

م: (ولو لم يكن خلفه) ش: أي خلف من يصلي م: (إلا صبي أو امرأة قيل تفسد صلاته) ش: أي صلاة الإمام خاصة لاقتدائه لمن لا يصلح إماما له وهو معنى قوله م: (لاستخلافه من لا يصلح للإمامة) ش: لأنه لما صار مقتديا به وهو غير صالح للإمامة فسدت صلاته م: (وقيل لا تفسد ش: [أي صلاة الإمام م: (لأنه لم يوجد منه الاستخلاف قصدا) ش: أي حقيقة ولا وجد] حكما أيضا؛ لأن فيه فساد الصلاة لكون الصبي أو المرأة غير صالح للإمامة، فلما انتفى الاستخلاف أصلا لم تفسد صلاة الإمام وفسدت صلاة المقتدي لأنه بقي بلا إمام م: (وهو) ش: أي الشخص وهو الصبي أو المرأة لا يصلح للإمامة] .
وقيل في هذه المسألة: تفسد صلاتهما جميعا لما أن ذلك الواحد لما صار متعينا صار كأنه استخلفه، وقال فخر الإسلام: الأصح عندنا أن تفسد صلاة المقتدي دون صلاة الإمام؛ لأنه صار كمنفرد أحدث، ولذا قال التمرتاشي: الأصح أن صلاة الإمام لا تفسد؛ لأن الإمامة انتقلت من غير صنعه وكذا لو اقتدى مقيم بالمسافر في فائتة السفر، فأحدث الإمام لا يصير المقيم إماما له لعدم صلاحية إمامته، ولو كان خلفه جماعة لا يتعين أحدهما إلا بتقديم الإمام أو القوم أو بتقدمه فيقتدون به، ولو استخلف الإمام رجلين أو هو رجلا والقوم [رجلا] أو القوم رجلين بعضهم رجلا وبعضهم رجلا آخر فسدت صلاة الكل، فإن خرج الإمام قبل تعيين الخليفة فسدت صلاة القوم والإمام المحدث على إمامته ما لم يخرج من المسجد أو خليفته أو مستخلف القوم غيره، ولو تأخر الإمام ليستخلف فلبث مكانه لينظر من يصلح، فقيل: إن يستخلف أكبر رجل من وسط الصف للخلافة، وتقدم فصلاة من كان أمامه فاسدة ومن خلفه جائزة، وكذا لو استخلف الإمام رجلا من وسط الصف قبل أن يخرج وقبل أن يؤم خليفته مكانه تفسد صلاة من كان أمامه، ولو استخلف القوم إمامين فسدت صلاة الأقل وإن استويا فسدت صلاة الكل.
وعن السرخسي: أن الأقل إذا كان ثلاثة فسدت صلاة الكل، قال الحسن اتفقت الروايات على أن الخليفة لا يصير إماما حتى ينوي. وعن أبي حنيفة ومحمد إن نوى الإمامة في الحال صار إماما قبل التقدم، حتى لو أتم الصلاة في مكانه فسدت صلاة إمامه، ولو نوى أن يصير إماما إذا تقدم فهو على ما نوى قبل ذلك.

(2/402)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فروع: في " الأسبيجابي " أدرك مع الإمام ركعة من الظهر أو العصر أو العشاء، فإذا قضى ركعة يقرأ فيها بالفاتحة وسورة ويتشهد؛ لأن ما يقضي آخر صلاته في حق التشهد ويقضي ركعة أخرى يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وسورة ولا يتشهد، وفي الثالثة إن شاء قرأ وهي أفضل وإن شاء سكت، ولو أدرك منها ركعتين يقضي ركعتين ويقرأ فيهما ويتشهد عقبيهما، ولو ترك القراءة فيهما تفسد صلاته؛ لأن ما يقضيه أول صلاته في حق القراءة وإن كان إمامه ترك القراءة في الأوليين وقرأ في الأخريين لأنها قضاء عن الأوليين والقراءة فيما يقضي فرض لأنه أول صلاته في حق القراءة.
وفي " المحيط ": لو أدرك الإمام في ثالثة المغرب قضى الأولى والثانية بالقراءة، حتى لو تركها في إحداهما فسدت صلاته لأن ما يقضيه أول صلاته في حق القراءة وفي حق التشهد آخر صلاته ويجلس في كل ركعة احتياطا.
وفي " المبسوط ": إذا أدرك مع الإمام ركعة من المغرب فلما سلم الإمام قام يقضي يصلي ركعة ويقعد وهذا استحسان، وفي القياس يصلي ركعتين ثم يقعد ثم يقضي ما يصلي المسبوق مع الإمام آخر صلاته حكما في قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وفي قول محمد في حكم القراءة والقنوت هو آخر صلاته، وفي حكم القعدة هو أول صلاته، وجعل المرغيناني محمدا مع أبي حنيفة وجعل قول محمد المذكور أولا لأبي يوسف.
وقال النووي في " شرح المهذب ": مذهب الشافعي أن ما يصلي المسبوق مع الإمام أول صلاته وما يقضيه آخرها. وروي نحوه عن عمر وعلي وأبي الدرداء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وقال ابن المنذر: ولا يثبت عنهم هذا. وقال مالك والثوري وأحمد: ما أدركه مع الإمام آخر صلاته وما يدركه أولها، وحكاه ابن المنذر عن ابن عمرو ومجاهد وابن سيرين، وحكاه السرخسي عن علي وأحمد عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.

(2/403)