البناية شرح الهداية

باب ما يفسد الصلاة، وما يكره فيها ومن تكلم في صلاته عامدا أو ساهيا بطلت خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الخطأ والنسيان،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب ما يفسد الصلاة وما يكره فيها] [حكم الكلام في الصلاة]
م: (باب ما يفسد الصلاة، وما يكره فيها) ش: أي هذا باب في بيان ما يفسد الصلاة، وفي بيان ما يكره فيها، وجه المناسبة بين البابين من حيث إن كلا منهما مشتمل على العوارض في الصلاة إلا أن الأول في العوارض التي لا اختيار للمصلي فيها فكانت سماوية وهذا في العوارض المكتسبة، وقدم السماوية لأنها أعرف في المعارضة لعدم قدرة العبد على دفعها.
فإن قلت: النسيان من قبيل السماوية فكيف ذكره في هذا الباب.
قلت: المناسبة بين كلام الناسي والعامد في الحكم من حيث إن كلا منهما مفسد للصلاة.
م: (ومن تكلم في صلاته عامدا) ش: أي حال كونه عامدا أي قاصدا م: (أو ساهيا) ش: أي أو حال كونه ساهيا، وفي بعض النسخ أو ناسيا ولم يفرق المصنف بين السهو والنسيان لعدم التفرقة بينهما في حكم الشرع، والسهو: ما يتنبه صاحبه بأدنى تنبيه، والخطأ: ما لا يتنبه بعد إلقائه، والنسيان: أن يخرج المدرك من الخيال. وقال الأترازي: صورة الخطأ أن يقصد القراءة والتسبيح فيجري على لسانه كلام الناس، وصورة النسيان أن يريد الكلام ناسيا لصلاته وفيه نظر لا يخفى.
م: (بطلت صلاته) ش: جواب من م: (خلافا للشافعي في الخطأ والنسيان) ش: قال الشافعي: كلام الخاطئ والناسي لا يفسد، وكذا كلام الجاهل بتحريم الكلام في الصلاة بأن كان حديث عهد في الإسلام ولم يطل الكلام، فلو طال ففي ظاهر مذهبه تبطل صلاته؛ لأن الكلام الكثير مما لا يقع السهو به عادة فيمكن الاحتراز عنه، وقال بعض أصحابه: لا تبطل وإن كثر لإطلاق الحديث، وبقوله قال مالك وأحمد في رواية وعنه مثل قولنا.
وقال النووي في " شرح المهذب ": إن تكلم عامدا لا لمصلحة الصلاة تبطل صلاته بالإجماع، ونقل الإجماع ابن المنذر وغيره، وكذا لمصلحة الصلاة بأن قام الإمام إلى الخامسة فقال له: صليت أربعا ونحو ذلك، وهو مذهب الجمهور، وإن تكلم مكرها فكذلك عند الشافعي على الأصح، وفي الناسي والمخطئ لا يبطلها إلا إذا طال ويعرف الطول بالعرف.
وفي " الجواهر " للمالكية كما أطلق عليه اسم الكلام، من غير تجريد بحروفه ولا يتعين لها فهو مبطل للصلاة لعمده، أو أكره عليه أو وجب عليه الانتقاد سلم من مهلكه، ولا يبطلها سبق اللسان وكلام الناسي وكلام الجاهل ملحق بالعامد.
وقال الأوزاعي ومالك وابن القاسم: الكلام لمصلحة الصلاة لا يبطلها، وقال المغيرة: يبطلها ذكرها في " الذخيرة " للقرافي، وفي " المغني " لابن قدامة: إذا تكلم الإمام لمصلحة الصلاة

(2/404)


ومفزعه الحديث المعروف.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فيه ثلاث روايات: عن أحمد أحدها يبطل في حق الإمام والمقتدي واختارها الخلال، والثانية: لا يبطلها في حقهما، والثالثة: تبطل صلاة المأموم دون صلاته، وعند النخعي يفسدها كلام الناسي وبه قال قتادة. وحماد بن أبي سليمان كمذهبنا.

م: (ومفزعه) ش: أي مفزع الشافعي أي ملجؤه، والمراد به مسنده فيما ذهب إليه، وهو اسم مكان من فزع إليه إذا التجأ من باب علم يعلم، يقال: فلان مفزع القوم أي ملجؤهم، يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث إذا دهمهم أمر فزعوا إليه وهو مبتدأ، وخبره قوله م: (الحديث المعروف) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» ، والعجب من الشراح وغيرهم من أصحابنا وغيرهم أن كلهم لا يذكرونه إلا بهذا اللفظ وهذا لا يوجد بهذا اللفظ، وأقرب ما وجد بلفظ: «رفع الله عن هذه الأمة: الخطأ والنسيان والأمر يكرهون عليه» ، رواه ابن عدي في " الكامل " من حديث أبي بكرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رفع الله عن هذه الأمة ثلاثا» .. الحديث " وعده ابن عدي من منكرات جعفر بن جسر بن فرقد أحد رواته عن أبيه عن الحسن عن أبي بكرة.
وروى ابن ماجه في " سننه " من حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» : ورواه ابن حبان في " صحيحه " والحاكم في " مستدركه "، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وروى ابن ماجه أيضا من حديث أبي ذر مرفوعا نحوه.
وروى الطبراني في " معجمه " من حديث ثوبان مرفوعا نحوه.
وروى أيضا من حديث أبي الدرداء مرفوعا نحوه.
وروى أبو نعيم في " الحلية " من حديث ابن عمر عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نحو حديث ابن عباس وقال: غريب من حديث مالك تفرد به ابن الصفي عن الوليد.

(2/405)


ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، وإنما هي التسبيح والتهليل وقراءة القرآن» ، وما رواه محمول على رفع الإثم،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأخرجه العقيلي في كتابه وأعلمه بأن الصفي وضعه عن أحمد، وقال ابن أبي حاتم في " علله ": سألت أبي عن حديث رواه الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ... الحديث المذكور، وعن الوليد عن مالك عن نافع عن ابن عمر مثله، وعن الوليد عن أبي لهيعة عن موسى بن وردان عن عقبة بن عامر مثله، فقال: إن هذه أحاديث منكرة، كأنها موضوعة ولا يصح هذا الحديث، ولا يصح إسناده.
م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس وإنما هي التسبيح والتهليل وقراءة القرآن» ش: هذا الحديث رواه مسلم في " صحيحه " من «حديث معاوية بن الحكم السلمي قال: " بينا أنا أصلي [مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إذ عطس رجل من القوم، فقلت له: يرحمك الله، فرماني القوم] بأبصارهم، فقلت واثكل أمياه، ما شأنكم تنظرون إلي فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم.. " الحديث بطوله فيه أن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن، وأخرجه الطبراني ولفظه: إن صلاتنا لا يحل فيها شيء من كلام الناس» وبوب عليه مسلم: باب نسخ الكلام في الصلاة.
م: (وما رواه) ش: أي الذي رواه الشافعي وهو الحديث المذكور م: (محمول على رفع الإثم) ش: تقرير هذا أن الذي يراد به الحقيقة أو الحكم، فالأول ممنوع لأن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ليست بمرفوعة فتعين الثاني وهو الحكم وهو لا يخلو [إما] أن يراد به حكم الدنيا أو حكم الآخرة، فالأول ممنوع لأنه ليس بمرفوع بالإجماع، ألا ترى أن رجلا إذا قتل مسلما خطأ تجب عليه الدية والكفارة بحكم نص القرآن، وكذا لو ترك ركنا من أركان الصلاة ناسيا لا يكون معذورا فتعين الثاني وهو حكم الآخرة، وهو الإثم فلما ثبت أن المراد منه حكم الآخرة لا حكم الدنيا كان كلام الناسي والخاطئ مفسدا للصلاة؛ لأن جوازها وفسادها من أحكام الدنيا.
وقال الأكمل: تقريره أن حكم الآخرة وهو الإثم مراد بالإجماع فلا يكون حكم الدنيا مرادا وإلا لزم عموم المشترك أو المقتضي وكلاهما باطل.
قلت: هذا الجواب غير كاف؛ لأن الشافعي قائل بعموم المشترك على ما عرف في موضعه.
فإن قلت: احتج الخصم بحديث ذي اليدين أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: «صلى بنا رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إحدى صلاتي العشي، إما الظهر وإما العصر، فسلم في ركعتين فقام ذو اليدين، فقال: يا رسول الله، أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فقال: ما يقول ذو اليدين؟ قالوا: صدق، لم تصل إلا ركعتين، فصلى ركعتين وسلم، ثم سجد سجدتين، ثم سلم " وفي رواية البخاري قال: " لم أنس ولم تقصر " وفي رواية لهما قال: " كل ذلك لم يكن، قال: قد كان بعض ذلك» وفي لفظ لهما

(2/406)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
«صلى بنا رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلاة العصر، وفي لفظ لهما: صلى بنا ركعتين من صلاة الظهر، ثم سلم فأتاه رجل من بني سليم» .
قلت: حديث ذي اليدين قد كان في وقت كان الكلام مباحا في الصلاة ثم انتسخ ذلك، ألا ترى أن ذا اليدين كان عامدا بالكلام ولم يأمرهم بالإعادة، ويدل على نسخه أيضا أن ذا اليدين لم يسبح لرسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - باتفاقنا أن رجلا لو ترك إمامه شيئا من صلاته يسبح له ليعلم إمامه ما قد تركه فدل أن ما علمه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الناس من التسبيح في الصلاة لنائبة كان متأخرا عن ذلك، والدليل على كون الكلام مباحا ثم نسخ بحديث زيد بن أرقم وحديث ابن مسعود.
«فحديث زيد أخرجه البخاري ومسلم عنه قال: كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] [البقرة: الآية 238] ، فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام» .
«وحديث ابن مسعود أخرجه أيضا عنه قال: " كنا نسلم على رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وهو في الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه، فلم يرد علينا، فقلنا: يا رسول الله، كنا نسلم عليك فترد علينا، فقال: إن في الصلاة شغلا " وأخرجه أبو داود في لفظه: أنه قد حدث أن لا تكلموا في الصلاة» ورواه ابن حبان في " صحيحه ".
والدليل أيضا على النسخ أن أبا بكر وعمر وغيرهما من الناس تكلموا عامدين.
فإن قلت: أبو هريرة أسلم بعد فتح خيبر وحرمة الكلام كانت ثابتة حين قدم من الهجرة، وفتح خيبر كانت سنة سبع من الهجرة، وقال أبو هريرة في حديثه: صلى بنا.
قلت: معناه صلى بنا أي بأصحابنا وهذا جائز في اللغة كما روي عن النزال بن سبرة قال: قال لنا رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وإنا وإياكم كنا ندعى بني عبد مناف.. الحديث» والنزال لم ير رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وإنما أراد بذلك: قال لقومنا.
وروي عن طاوس قال: قدم علينا معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فلم يأخذ من الخضروات شيئا، وإنما أراد قدم بلدنا؛ لأن معاذا إنما قدم اليمن على عهد رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قبل أن يولد طاوس، وقد أشبعنا الكلام في شرحنا " لمعاني الآثار " للإمام الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وذو اليدين اسمه الخرباق وكنيته أبو العريان، وقال بعض أصحابنا منهم صاحب " المبسوط ": إن ذا اليدين قتل ببدر وذلك قبل فتح خيبر بزمان طويل.
قلت: هذا غير صحيح، والذي عليه أهل الأثر المحققون أنه عاش بعد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه والذي قتل في بدر هو ذو الشمالين واسمه عمير بن عمر الخزاعي، وهو غير المتكلم في حديث

(2/407)


بخلاف السلام ساهيًا لأنه من الأركان فيعتبر ذكرًا في حالة النسيان، وكلامًا في حالة التعمد لما فيه من كاف الخطاب، فإن أن فيها أو تأوه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
السهو، هذا هو قول جميع الحفاظ إلا الزهري، وقد اتفقوا على تغليط الزهري في ذلك.
فإن قلت: قال الخطابي: دعوى النسخ فيه لا وجه لها لأن تحريم الكلام كان بمكة، وراوي حديث ذي اليدين أبو هريرة هو متأخر الإسلام، ورواه أيضا عمران وهجرته متأخرة، قلت: هذا ليس بشيء؛ لأنا قد ذكرنا وجه النسخ، ولا سيما بحديث زيد بن أرقم الذي في الصحيح، وصحبته كانت بالمدينة بعد قدوم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من مكة، وفي حديثه {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] [البقر: الآية 238] ، وهي في سورة البقرة، وهي مدنية بالإجماع، ومن أين للخطابي أن تحريم الكلام كان بمكة ومن روى ذلك؟ وتأخر إسلام أبي هريرة وهجرة عمران بن حصين لا يقدح في النسخ، فلا يقوم الدليل بحديث ذي اليدين ما لم يقم الدليل على أنه كان بعد نسخ الكلام.

م: (بخلاف السلام ساهيا) ش: هذا جواب عما يقال: السلام كالكلام في أن كل واحد منهما قاطع، وفي السلام تفصيل بين العمد والنسيان فكذلك في الكلام، وتقرير الجواب: أن السلام ليس كالكلام م: (لأنه من الأركان) ش: إذا تشهد يسلم على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وهو اسم من أسماء الله تعالى وله حالتان م: (فيعتبر ذكرا في حالة النسيان وكلاما في حالة التعمد لما فيه من كاف الخطاب) ش: عملا بالشبهين، بخلاف الكلام فإنه ينافي الصلاة على كل حال وكان مبطلا لها.
وقال الأكمل: وطولب الفرق بينه وبين أفعال تنافي الصلاة، فإن القليل منها غير مفسد، وأجيب بأن الاحتراز عن قليلها غير ممكن؛ إذ في الحي حركات طبيعية ليست من الصلاة، فلا تفسد حتى تدخل في حد ما يمكن الاحتراز عنه وهو الكثير، وليس في الحي كلام طبيعي لا يمكن الاحتراز عنه فاستوى القليل والكثير.
قلت: هذا السؤال مع جوابه للسغناقي فسبكهما هذه العبارة، والسغناقي أخذه من كتاب " الأسرار " حاصله، لا يجوز اعتبار القول بالفعل؛ لأن الاحتراز عن أصل الفعل محال بخلاف القول فاحتيج إلى الفرق باعتبار الكثرة في الفعل لإمكان الاحتراز عنها بخلاف القول.
م: فإن أنَّ فيها) ش: أي في الصلاة وأنّ فعل ماض مشدد من الأنين وهو الصوت المستوجع والمتحزن م " (أو تأوه) ش: عطف على أنّ وهو أيضا فعل ماض من باب التفعل، والتأوه أن يقول: أوه، والأنين أن يقول: آه، وفي هذه اللفظة لغات: آه بسكون الواو وكسر الهاء، وآه تقلب الواو ألفا، وأوه بتشديد الواو مع كسرها وسكون الهاء، وأو بتشديد الواو مع حذف الهاء، وأوه بالمد وفتح الواو المشددة وسكون الهاء، وفي " شرح الأقطع " قال محمد - في الأنين إذا لم يقدر على دفعه من الوجع -: لم تفسد الصلاة؛ لأنه لا يمكن الاحتراز عنه.

(2/408)


أو بكى فارتفع بكاؤه، فإن كان من ذكر الجنة أو النار لم يقطعها؛ لأنه يدل على زيادة الخشوع،
وإن كان من وجع أو مصيبة قطعها؛ لأن فيه إظهار الجزع والتأسف فكان من كلام الناس. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن قوله: آه لا يفسد في الحالين، وأوه يفسد، وقيل: الأصل عنده أن الكلمة إذا اشتملت على حرفين، وهما زائدان، أو أحدهما زائد لا تفسد، وإن كانتا أصليتين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (أو بكى فارتفع بكاؤه فإن كان) ش: أي بكاؤه م: (من ذكر الجنة أو النار لم يقطعها) ش: أي لم [يقطع] الصلاة م: (لأنه يدل على زيادة الخشوع) ش: لأن في البكاء من ذكر الجنة زيادة الرغبة وفي البكاء من ذكر النار زيادة الخشية، وفيه تعريض سؤال الجنة وتعوذ من النار، ولو صرح به فقال: اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار، لم يضره فكذلك هاهنا.

م: (ولو كان) ش: أي البكاء م: (من وجع) ش: في بدنه م: (أو مصيبة) ش: في ماله أو أهله م: (قطعها) ش: أي قطع الصلاة م: (لأن فيه إظهار الجزع والتأسف فكان من كلام الناس) ش: وكلام الناس يفسد الصلاة فكذلك ما كان منه، ولو صرح به، فقال: أغيثوني فإني مصاب، تفسد صلاته، فكذلك هاهنا، وبه قال مالك وأحمد، وقال الشافعي: البكاء والأنين والتأوه يبطل الصلاة إذا كانت حرفين سواء بكاء للدنيا أو للآخرة، وفي " الدراية ": ثم إن عند الشافعي البكاء لا يفسد في الحالتين؛ لأن ما ظهر من الصوت ليس بكلام في الحالتين، ولا معبر عما في القلب فلا معنى للفصل بين الحالتين.
م: (وعن أبي يوسف أن قوله آه) ش: بفتح الهمزة وسكون الهاء م: (لم يفسد في الحالتين) ش: يعني في البكاء من ذكر الجنة أو النار، والبكاء من وجع أو مصيبة.
م: (وأوه يفسد) ش: يعني قوله " أوه " بفتح الهمزة وتشديد الواو وسكون الهاء يفسد الصلاة، وهذا القول عن أبي يوسف مبني على أن الحرفين لا تفسد، والثلاثة تفسد، والمعنى فيه: أن أقل أصل كلام العرب ثلاثة أحرف، وهو الأصل ليكون له ابتداء وانتهاء ووسطا، فكان الحرف الواحد أقل الكلمة فلا يطلق عليه الكلام، وكلك الحرفان إذا كان أحدهما من الزوائد؛ لأنه واحد على اعتبار الأصل، فكذلك لم يفسداه لأنهما من حروف الزوائد، وأوه تفسد وإن كان كلها من حروف الزوائد؛ لأنه زاد على الحرفين وهو قد قيد عدم الإفساد بالحرفين كان الزوائد عليهما مفسدا، وإن كان هو من حروف الزوائد فكان تقييده بحرفين زائدين إشارة إلى أن ليس يفسد؛ لأن له حرفين أصليين، وأوه أيضا يفسد لأنه زائد على الحرفين، وإلى ما قلنا أشار بقوله م: (وقيل الأصل فيه) ش: أي في هذا الحكم م: (أن الكلمة إذا اشتملت على حرفين وهما زائدان أو أحدهما زائد) ش: من الحروف الزوائد وهي عشرة أحرف، فالآن يأتي ذكرها.
م: (لا تفسد) ش: أي الصلاة م: (وإن كانتا) ش: أي الحرفان م: (أصليتين تفسد) ش: على ما

(2/409)


تفسد، والحروف الزوائد جمعوها في قولهم: " اليوم تنساه "
وهذا لا يقوى؛ لأن كلام الناس في متفاهم العرف يتبع وجود حروف الهجاء، وإفهام المعنى ويتحقق ذلك في حروف كلها زوائد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ذكرنا الآن م: (والحروف الزوائد جمعوها في قولهم: اليوم تنساه) ش: وهي عشرة أحرف من همزة اليوم إلى هاء تنساه، وسئل بعضهم عنها حين قدم على قوم فقال:
هويت السمانا فشيبتني ... وقد كنت [قد ما] هويت السمانا
فلم يفهموه وظنوا أنه يطلب السمين فأتوا به، فلما فرغ منه سألوه ثانيا، فقال: سألتمونيها، فلم يفهموه أيضا، فسألوه ثالثا، فقال مخاطبا لواحد منهم: اليوم تنساه، فأتى بجميع الحروف الزوائد في أجوبته الثلاثة، وقال السروجي: وسئل المازني عن حروف الزيادة، فأنشد: هويت السمان.. إلخ فلم يفهمه السائل فقال له: قد أجبتك مرتين.
قلت: لم تجبه ولا مرة واحدة؛ لأنه نطق كل مرة بتسعة أحرف من حروف الزيادة؛ لأنه حذف ألف الوصل مرتين، ولهذا قال ابن الحاجب: السمان هويت، وجمعوها أيضا بكلمات أخرى، نحو: أتاه سليمان، الموت ينساه، وغير ذلك.
فإن قلت: ما معنى تسميتهم هذه الأحرف حروف الزيادة.
قلت: معناه [أن] الزيادة لغير الإلحاق والتضعيف، ولا يكون إلا منها لا أنها لا تقع إلا زوائد.

م: (وهذا) ش: القول م: (لا يقوى) : أي هذا الذي قاله أبو يوسف ليس بقوي م: (لأن كلام الناس في متفاهم العرف يتبع حروف الهجاء) ش: وفي بعض النسخ يتبع وجود الهجاء م: (وإفهام المعنى) ش: أي ويتبع إفهام المعنى بكسر الهمزة م: (ويتحقق ذلك) ش: أي إفهام المعنى م: (في حروف كلها زوائد) ش: فإنك إذا قلت: أنتم اليوم سألتمونيها تفسد بالاتفاق، وهذا مبتدأ وخبر وفعل وفاعل ومفعول به ومفعول فيه وكلها من حروف الزوائد، وقال الأترازي: وفيه نظر عندي؛ لأن أبا يوسف إنما جعل حروف الزيادة كأن لم يكن إذا قل لتعذر الاحتراز عنه وشبهه بالتنحنح والتف، فأما إذا كثر فلا، فكيف يرد عليه حينئذ قوله، ويتحقق ذلك في حروف كلها زوائد.
قلت: هو مسبوق بالسغناقي في هذا، فإنه قال: لا يرد عليه لأن كلامه في الحرفين لا في الزوائد عليهما، فإن في الزوائد عليهما قوله كقولهما، وقال الأكمل بعد أن حكى كلام السغناقي: أقول قول المصنف في حروف كلها زوائد يجوز أن يكون المراد بالجمع فيه التثنية، وحينئذ يكون معنى كلامه: كلام الناس في العرف عبارة عن وجود الهجاء وإفهام المعنى وذلك يتحقق في الكلام الذي فيه حرفان من حروف الزيادة، فيكون من كلام الناس كثيرة فيكون مفسدا.
قلت: لا داعي هاهنا يذكر الجمع وأراد التثنية ولا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز إلا لنكتة.

(2/410)


وإن تنحنح بغير عذر بأن لم يكن مدفوعا إليه، وحصل به الحروف ينبغي أن يفسد عندهما، وإن كان بعذر فهو عفو كالعطاس والجشاء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[التنحنح في الصلاة]
م: (وإن تنحنح بغير عذر) ش: التنحنح أن يقول: أح أح، وفسر قوله: لغير عذر بقوله م: (بأن لم يكن مدفوعا إليه) ش: أي بأن لم يكن مضطرا إليه بأن كان مبعوث الطبع؛ لأنه حينئذ لا يمكنه الاحتراز عنه فلا تفسد. وقال شيخ الإسلام: التنحنح لتحسين الصوت لا يقطع الصلاة؛ لأنه لإصلاح القراءة فكان من القراءة.
م: (وقد حصل به الحروف) ش: جملة حالية، والضمير في " به " يرجع إلى التنحنح كما في قوله: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] [المائدة: الآية 8] ينبغي أن يفسد عندهما جواب أن؛ أي عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال الأكمل: قيل: إنما قال ينبغي؛ لأن المشائخ اختلفوا فيما إذا كان التنحنح لإصلاح الصوت للقراءة.
قال شيخ الإسلام وشمس الأئمة: لا تفسد لأنه بمعنى القراءة، وكان الفقيه إسماعيل الزاهد يقول: يقطع الصلاة عندهما؛ لأنه حروف مهجاة وفيه نظر؛ لأن اختلاف المشائخ لا يستلزم ذلك، ولوقع في هذا الكتاب في موضع من اختلاف المشائخ كذلك فقلت لأجل اختلاف المشائخ: لم يقطع الجواب في الكتاب، وذكر لفظ ينبغي أن يفسد عندهما؛ لأن الأصل عندهما إذا حصل به الحروف المهجاة أن تفسد، وإن [لم] تظهر به الحروف المهجاة لا تفسد سواء كان لتحسين الصوت أو غيره ويندفع نظره بذلك، ولا يلزم من عدم وقوع هذا الوضع من الكتاب أن لا يقع في هذا الموضع، وقال الأكمل: في قوله عندهما أيضا فيه نظر؛ لأنه قال: وحصل به حروف بلفظ الجمع، ومذهبه حينئذ كمذهبنا فلا وجه لإفرادهما بالذكر.
قلت: إنما قال عندهما بناء على التفصيل المذكور؛ لأن في هذا عدم العذر خلاف المشايخ، فأشار بقوله: عندهما، إلى أنه يقطع عندهما، ولكن لم يقطع بالجواب لما ذكرنا، وقوله فإن حمل الجمع هاهنا أيضا على التثنية اندفع النظر الثاني قد مر جوابه عن قريب.
وللشافعي في التنحنح إن ظهر له حروف قولان كما في النفخ، وفي " مختصر البحر المحيط ": التنحنح بغير سبب يكره، وبسبب الخشونة في حلقه أو لإعلام غيره أنه في الصلاة لم يفسد ولم يكره، ولو قام الإمام إلى الخامسة فتنحنح تنبيها له لا يفسد، وكذا لو أخطأ الإمام فتنحنح المقتدي ليهتدي إلى الصواب لا يفسد، ولو تنحنح قاصدا إسماع شخص ففي بطلانها روايتان عند المالكية، وتبطل في أصح الوجوه عند الشافعية إن بان فيه حرفان إذا كان مختارا من غير حاجة.
م: (وإن كان) ش: أي التنحنح م: (بعذر) ش: بأن يكون له سعال م: (فهو عفو) ش: يعني لا يفسد وإن حصل به حروف؛ لأنه جاء من قبل من له الحق فجعل عفوا م: (كالعطاس والجشاء) ش:

(2/411)


إذا حصل به حروف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أراد به أنه إذا عطس أو تجشأ م: (إذا حصل به حروف) ش: أي إذا حصل بكل واحد من العطاس والجشاء فإنه لا يفسد، وكذا التثاؤب إن ظهر له حروف مهجاة كذا في " فتاوى العتابي "، وأما النفخ فقال في " الذخيرة ": ينفخ التراب من موضع سجوده إن كان نفخا لا يسمع لا تفسد اتفاقا لأنه كالتنفس، وإن كان يسمع يفسد عندهما.
1 -
قال: وظن بعض المشايخ أن المسموع ما يكون له حروف مهجاة، نحو: أف وتف ويف وغير المسموع بخلافه، وإليه مال شمس الأئمة الحلواني، وبعضهم لم يشترط للنفخ المسموع أن يكون له حروف مهجاة، وإليه ذهب خواهر زاده، وكان أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول أولا: لا يفسد إلا إذا أراد به التأفيف، يعني إظهار الكراهة والتضجر، كما في الآية، وكقول القائل: أفا وتفا لمن يؤديه به إن غبت عنه ساعة زالت إن مالت الريح هكذا وهكذا مال مع الريح أينما مالت، أما إذا أراد به تنظيف موضع سجوده وتنقيته من التراب لا يقطع ثم رجع، وقال: لا يقطع بكل حال.
وقال أحمد: النفخ عندي بمنزلة الكلام، حكاه في " المغني "، وقال أيضا: تفسد به صلاته؛ لقول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: من نفخ في الصلاة فقد تكلم، رواه سعيد بن منصور في " سننه "، ومثله عن سعيد بن جبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعنه قال: أكرهه ولا أقول يقطع الصلاة وليس بكلام، وعن مالك في النفخ قولان، وفي " الإمام «غلام يقال له رباح نفخ في سجوده، فقال له - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: يا رباح أما علمت أن من نفخ فقد تكلم» ذكره في الإمام من طرق فيها كلام.
وفي " المحيط " إذا قال المصلي: أف مخففا لا تفسد صلاته عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بلا خلاف بين المشايخ، وإذا قال: أف مشددا ينبغي أن يكون فيه اختلاف المشايخ وعندهما تفسد الصلاة في المخفف والمشدد جميعا. واحتج أبو يوسف بما روي «عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أنه صلى صلاة الكسوف ونفخ في سجوده، وقال: " [أي رب] ألم تعدني أنك لا تعذبهم وأنا فيهم، ألم تعدني أنك لا تعذبهم وهم يستغفرون» رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وأن لا يكون كلاما حتى يسرد والنافخ لا يسردها، وفي ملتقى البخاري أن نفخ النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان في سجود المناجاة بعد فراغه من صلاة الكسوف، قال: نقل الثقات الأثبات وقد ذكروا في أف ما يزيد على أربعين وجها في النطق بها.
وفي " الحلل في شرح الجمل " لأبي قاسم الحاجي، وقد قرئ بها في الشواذ وغيرها، وهي: أف أفَ أفْ أفُ أفَّ أفِّ، والنافخ: أفُّ أفٌ أفا أفي أفو أفا أفا الأول بغير إمالة والثاني بإمالة والثالث بين بين، أفي أفوا أفا أفه أفه، قال: فهذه اثنتان وعشرون لغة أف أف أفي أفوا، قال: وهو لفظ مستعمل جواب عما يضجر منه ولكل ما يستقذر.
وقيل: إن أف اسم لوسخ الأظافر، وتف لوسخ البراجم، ويقال لوسخ الأذن أف ولوسخ

(2/412)


ومن عطس، فقال له آخر: يرحمك الله، وهو في الصلاة فسدت صلاته؛ لأنه يجري في مخاطبات الناس، فكان من كلامهم، بخلاف ما إذا قال العاطس أو السامع: " الحمد لله " على ما قالوا؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الظفر تف، وفي " الذخيرة " لو ساق دابة بقوله فالقول ليس يقطع عنده، وقال صاحب " الطوار ": لو نهق كالحمير أو زعق كالغراب تبطل صلاته، ولا يشترط فيه الحروف، وعندنا يشترط.

[تشميت العاطس في الصلاة]
م: (ومن عطس فقال له آخر) ش: أي شخص آخر م: (يرحمك الله وهو) ش: أي الحال أن الآخر م: (في الصلاة فسدت صلاته لأنه) ش: أي من قوله: يرحمك الله م: (يجري في تخاطب الناس فكان من كلامهم) ش: فإن كان الناس [....] فقد يتكلم به تفسد صلاته، م: (بخلاف ما إذا قال العاطس) ش: لنفسه يرحمك الله يا نفسي، فإنه لا تفسد صلاته؛ لأنها لم تكن خطابا لغيره لم يعتبر من كلام الناس فلم يكن مفسدا.
م: (أو السامع الحمد لله) ش: أي بخلاف ما قال السامع في الصلاة: الحمد لله، لا تفسد صلاته؛ لأنه لا يستعمل جوابا فلم يكن من كلام الناس وأشار بقوله م: (على ما قالوا) ش: إلى خلاف البعض من المشايخ فإنهم اختلفوا في فساد صلاة من أراد الجواب بقوله: الحمد لله، وفي " المحيط " لو حمد الله العاطس في نفسه، ولا يحرك لسانه عن أبي حنيفة لا تفسد، فلو حرك تفسد، وفي " فتاوى العتابي " لو قال السامع: الحمد لله على رجاء الثواب من غير إرادة الجواب فلا تفسد.
وعن أبي حنيفة من رواية الحسن: تفسد إن أراد استفهامه، وعن محمد: أنه يحمد بعد الفراغ، ولو سمع اسم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وصلى عليه تفسد، وكذا لو سمع اسم الشيطان فقال: لعنه الله تفسد، وقيل على قول أبي يوسف: لا تفسد لأنه في القرآن، ولو أجاب المؤذن تفسد ولو أذن ذكر البقالي أنه تفسد خلافا لأبي يوسف، وفي الفتاوى: لا تفسد حتى يقول: حي على الصلاة، ولو قال: نعم، أو أرى لو اعتاده خارج الصلاة فسدت وإلا فلا، ولو شمت العاطس بالتحميد لا يفسد إلا في رواية عن أبي حنيفة ومحمد، والعاطس يحمد الله تعالى في نفسه وبه قال مالك وتركه أحسن، وعن مالك: الأحسن السكوت.
وعن أبي يوسف يسر المقتدي التحميد، ويخير المنفرد، مصليان عطس أحدهما فشمته ثالث فقالا: آمين، فسدت صلاة العاطس لأنه أجابه دون الثاني، وقال مالك: لا يشمت العاطس، فلو شمته لا يرد بإشارة في فرض ولا نفل بخلاف رد السلام بالإشارة عنه. وفي " نوادر بشر " عن أبي يوسف أن المصلي وحده إذا عطس إن شاء أسر بالحمد وإن شاء أمكن به، وخلف الإمام يحرك به لسانه، وفي " الواقعات " الأحسن أن يسكت.

(2/413)


لأنه لم يتعارف جوابا، وإن استفتح ففتح عليه في صلاته تفسد، ومعناه أن يفتح المصلي على غير إمامه؛ لأنه تعليم وتعلم فكان من جنس كلام الناس،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لأنه) ش: أي لأن قول الحمد لله م: (لم يتعارف جوابا) ش: يعني ليس بجواب في العرف.
م: (وإن استفتح) ش: على صيغة الفاعل والضمير فيه يرجع إلى المصلي، وهو أعم من أن يكون إماما أو منفردا، والإمام أيضا يحتمل أن يكون إمام نفسه أو إمام غيره، ولكن المراد منه هاهنا غير إمامه على ما لا يخفى على المتأمل م: (ففتح عليه) ش: على صيغة الفاعل أيضا أي: ففتح على المستفتح، م: (في صلاته فسدت صلاته) ش: أي صلاة الفاتح، ومراده: أن يفتح على غير إمامه، وأشار إلى ذلك بقوله م: (ومعناه أن يفتح المصلي على غير إمامه لأنه) : أي لأن فتحه على غير إمامه م: (تعليم وتعلم فكان من كلام الناس) ش: فيكون مفسدا.

[الفتح على الإمام] 1
ثم اعلم أن الاستفتاح على أربعة أقسام بحسب القسمة العقلية.
الأول: أن لا يكون المستفتح والفاتح في الصلاة، ولهذا ليس فيما نحن فيه.
الثاني: أن يكون كلا منهما في الصلاة ثم لا يخلو إما أن تكون الصلاة متحدة بأن يكون المستفتح إماما والفاتح مأموما أو لا يكون، ففي الأول الذي هو القسم الثالث لا تفسد صلاة كل منهما، وفي الثاني الذي هو القسم الرابع يفسد صلاة كل واحد منهما؛ لأنه تعليم وتعلم والاستفتاح طلب الفتح والاستبصار، قال الله تعالى {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ} [البقرة: 89] [البقرة: الآية 89] ، أي: يستبصرون، ويجوز أن يكون كل واحد منهما مرادا، واستفتاح المصلي طلبه الفتح بدلالة حاله حيث توقف بسبب الحصر، كل واحد من المعنيين مفسدا؛ لأن الفتح ينزل منزلة قول القائل: إذا انتهت إلى هذا فبعده هذا، والتصريح به مفسد فكذا النازل منزله، ولكن وقع العدول عن قضية هذا التأويل فيما إذا اتحدت صلاتهما بأن كان المستفتح إماما والفاتح مقتديا بالنص، وهو ما روي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: «صلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة فالتبس عليه، فلما فرغ قال لأبي: أشهدت معنا؟ قال: نعم، وقال: فما منعك أن تفتحها علي» ، رواه أبو داود وابن حبان.
وروى الحاكم «عن أنس: كنا نفتح على الأئمة على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» -. وقد صح عن ابن عبد الرحمن السلمي قال: قال علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذا استطعمك الإمام فأطعمه، والاستطعام مجاز عن الاستفتاح لاشتراكهما في معنى الاستغاثة، وعن الحسن وابن سيرين أنهما قالا: لقن الإمام، وعن عطاء: لا بأس به، وعن نافع قال: صلى بنا ابن عمر فتردد ففتحت عليه فأخذ في ذكر

(2/414)


ثم شرط التكرار في الأصل؛ لأنه ليس من أعمال الصلاة فيعفى القليل منه، ولم يشترط في الجامع الصغير؛ لأن الكلام بنفسه قاطع وإن قل،
وإن فتح على إمامه لم يكن كلاما مفسدا استحسانا؛ لأنه مضطر إلى إصلاح صلاته فكان هذا من أعمال صلاته معنى وينوي الفتح على إمامه دون القراءة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ذلك ابن أبي شيبة في " سننه " وهو قول الجمهور. وقال ابن قدامة: قال أبو حنيفة: إن فتح على الإمام بطلت صلاته.
قلت: هذا ليس بصحيح. وقال الأترازي: بمعنى أن لا يجوز الفتح على الإمام أصلا؛ لما روي عن ابن إسحاق عن الحارث عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يا علي لا تفتح على إمامك في الصلاة» .
قلت: ذاك حديث مطعون فيه طعنه أبو داود في " السنن " وقال: لم يسمع أبو إسحاق من الحارث إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها.
قلت: كان قصده من إيراد مثل هذا تطويل الكلام بلا فائدة، وكان ينبغي أن يقول: وما روى الحارث عن علي.. إلى آخره غير صحيح؛ لأن الحارث ضعيف، وأيضا قد صح عن علي خلاف هذا وقد ذكرناه.
1 -
م: (ثم شرط التكرار) ش: وهو أن يفتح غير مرة م: (في الأصل) ش: أي في " المبسوط " وذكر فيه إذا فتح غير مرة فسدت صلاته، وهذا إشارة إلى أنه ما لم يتكرر لا تفسد م: (لأنه) ش: أي لأن التكرار م: (ليس من أعمال الصلاة فيعفى القليل منه) ش: كالخطوة والخطوتين.
م: (ولم يشترط) ش: أي التكرار م: (في " الجامع الصغير " لأن حكم الكلام نفسه قاطع وإن قل) ش: أي الفتح يكون مفسدا بنفسه.

[حكم الفتح على الإمام]
م: (وإن فتح على إمامه لم يكن كلاما استحسانا) ش: أي من حيث الاستحسان؛ لأن القياس يأباه، وإطلاق هذا دليل على أنه إذا قرأ الإمام مقدار ما تجوز به الصلاة أو لم يقرأ لا تفسد صلاتهما بالفتح، والأخذ ويؤيد هذا ما ذكره قاضي خان في فتاواه وقال: وإن قرأ الإمام مقدار ما تجوز إلا أنه توقف ولم ينتقل إلى آية أخرى حتى فتح المقتدي اختلفوا فيه والصحيح أنه تفسد صلاة الفاتح، وإن أخذ الإمام لا تفسد صلاتهم وعن قريب يجيء مزيد الكلام فيه.
م: (لأنه) ش: أي لأن الإمام م: (مضطر إلى إصلاح صلاته فكان هذا) ش: أي الفتح م: (من أعمال صلاته معنى) ش: أي من حيث المعنى، وأراد أنه اشتغال بالقراءة، والقراءة من أعمال الصلاة م: (وينوي الفتح) ش: أي ينوي الفاتح الفتح م: (على إمامه دون القراءة) ش: لأنه ممنوع من

(2/415)


هو الصحيح؛ لأنه مرخص فيه وقراءته ممنوع عنها ولو كان الإمام انتقل إلى آية أخرى تفسد صلاة الفاتح وتفسد صلاة الإمام لو أخذ بقوله لوجود التلقين والمتلقن من غير ضرورة،
وينبغي للمقتدي أن لا يعجل بالفتح، وللإمام أن لا يلجئهم إليه، بل يركع إذا جاء أوانه أو ينتقل إلى آية أخرى. ولو أجاب رجلا في الصلاة بلا إله إلا الله فهذا كلام مفسد عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يكون مفسدا وهذا الخلاف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
القراءة دون الفتح م: (هو الصحيح) ش: أي احتراز به عن قول بعض المشايخ: إنه ينوي بالفتح على إمامه التلاوة لئلا يكون مباشرا عملا ليس من الصلاة.
وقال السرخسي: هذا سهو بل ينوي الفتح م: (لأنه) ش: أي لأن الفتح م: (مرخص فيه) ش: لإصلاح الصلاة.
م: (وقراءته) ش: أي قراءة المقتدي م: (ممنوع عنها) ش: أي عن القراءة م: (ولو كان الإمام انتقل إلى آية أخرى تفسد صلاة الفاتح) ش: خاصة إن لم يأخذ الإمام بقوله لعدم الضرورة إلى الفتح م: (وتفسد صلاة الإمام لو أخذ بقوله) ش: أي بقول الفاتح م: (لوجود التلقين) ش: من الفاتح م: (والمتلقن) ش: من الإمام م: (من غير ضرورة) ش: أي الفتح.

م: (وينبغي للمقتدي أن لا يعجل بالفتح) ش: لإمكان الاستفتاح م: (وللإمام أن لا يلجئهم إليه) ش: أي إلى الفتح والإلجاء أن يقف ساكتا يقيد الحصر أو يكرر الآية، ولا ينبغي له أن يفعل ذلك م: (بل يركع إذا جاء أوانه) ش: أي أوان الركوع وهو أن يقرأ مقدار ما تجوز به الصلاة، وكلامه مطلق وبعضهم فصل فيه، لاختلاف الرواية فيه؛ ففي بعضها اعتبر الاستحباب، وفي بعضها اعتبر فيها فرض القراءة م: (أو ينتقل إلى آية أخرى) ش: لأن الفتح وإن كان إصلاحا حقيقة ولكنه يتصور بصورة التعلم والتعليم فيكره كذا في " المحيط " و " قاضي خان "، وفي " جامع التمرتاشي " لو استفتح بعدما قرأ مقدار ما تجوز به الصلاة ففتح عليه اختلفوا فيه.
فقيل: تفسد صلاته ولو أخذ الإمام تفسد صلاة الكل، والأصح أنه لا تفسد صلاة أحد؛ لأنه لو لم يفتح ربما يجري على لسانه ما يكون مفسدا فكان فيه إصلاح صلاته.
وعن أبي حنيفة: لا ينبغي لأحد أن يفتح على إمامه وإن فعل فقد أساء ولا تفسد، وعند الشافعي ومالك: لا بأس به.
م: (ولو أجاب) ش: أي المصلي م: (في الصلاة رجلا بلا إله إلا الله) ش: بأن قيل عنده هل مع الله إله آخر، فأجاب: أن لا إله إلا الله م: (فهذا كلام مفسد عند أبي حنيفة ومحمد) ش: وبه قال مالك وأحمد.
م: (وقال أبو يوسف: لا يكون مفسدا) ش: وبه قال الشافعي م: (وهذا الخلاف) ش: أي

(2/416)


فيما إذا أراد به جوابه، له أنه ثناء بصيغته فلا يتغير بعزيمته، ولهما أنه أخرج الكلام مخرج الجواب وهو يحتمله فيجعل جوابا كالتشميت
والاسترجاع على الخلاف في الصحيح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الخلاف المذكور بينهم م: (فيما إذا أراد به جوابه) ش: أي جواب ذلك الرجل، فعندهما إذا أراد الجواب تفسد صلاته، وإن أراد الإعلام بأنه في الصلاة فلا، وعند أبي يوسف لا تفسد صلاته سواء أراد الجواب أو الإعلام، م: (له) ش: أي لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه) ش: أي قول المجيب بلا إله إلا الله م: (ثناء بصيغته فلا يتغير بعزيمته) ش: أي ثناء لوصفه فلا يكون من كلام الناس بنيته كما أن كلام الناس لا يكون ذكرا وثناء بالعزيمة (ولهما) أي لأبي حنيفة ومحمد م: (أنه) ش: أي أن هذا المجيب (أخرج الكلام مخرج الجواب) بضم الميم (وهو يحتمله) أي الجواب محتمل كلامه لأنه يحتمل الثناء والجواب فكان كالمشترك والمشترك يجوز تعيين أخذ مدلوليه بالقصد والعزيمة م: (فيجعل جوابا كالتشميت) فإنه لا شك أنه ذكر بصيغته ويحتمل الخطاب وقد ألحقه النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بكلام الناس حين قصد به خطاب العاطس.
فإن قلت: روي «أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -[قال في جواب ابن مسعود حين استأذن على الدخول وهو - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] في الصلاة ادخلوها بسلام آمنين» أراد جوابه ولم يفسد صلاته. قلت: أجاب شمس الأئمة السرخسي بأنه محمول على أنه انتهى بالقراءة إلى هذا الموضع ويحتمل أنه أراد به الإعلام أنه في الصلاة.

والتشميت مصدر من شمَّت على وزن فعل بالتشديد وفي " الصحاح " تسميت العاطس بالسين والشين. وقال ثعلب: الاختيار بالسين لأنه مأخوذ من السمت وهو القصد والمحجة، وقال أبو عبيد: الشين المعجمة أعلى في كلامهم وأكثر، ولما وقع التشميت جوابا صار من كلام الناس وإن كان فيه ذكر الله تعالى، ولهذا لو قال لرجل اسمه يحيى - {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ} [مريم: 12] تفسد صلاته لأنه أراد به الخطاب، وكذا إذا قال لرجل اسمه يوسف: يا يوسف أعرض عن هذا وكذا لو قال له: من أي موضع مررت؟ فقال وهو في الصلاة: {وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} [الحج: 45] وكذا لو قال لابنه [وهو] خارج السفينة {يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا} [هود: 42] تفسد صلاته في الوجوه كلها.
م: (والاسترجاع) ش: بالرفع مبتدأ وهو القول بإنا لله وإنا إليه راجعون عند المصيبة وكذا الترجيع وخبره م: (على هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور بين أبي يوسف وبينهما يعني إذا أخبر أن فلانا مات فأجاب في الصلاة: إنا لله وإنا إليه راجعون، فعندهما تفسد صلاته وعند أبي يوسف لا تفسد.
وأشار بقوله م: (في الصحيح) ش: إلى الاحتراز عن قول الفضل فإنه قال: مسألة الاسترجاع على الوفاق. وقال الشافعي: إن قصد الاسترجاع قراءة القرآن لا تفسد وإلا تفسد، وفي غريب الرواية: دُعي على ظالم أو لصالح، فقال المصلي: آمين أو أخبر بمصيبة فاسترجع أو سقط إنسان من

(2/417)


وإن أراد به إعلامه أنه في الصلاة لم تفسد بالإجماع؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا نابت أحدكم نائبة في الصلاة فليسبح» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
سطح فقال المصلي: بسم الله أو سمع رعدا أو رأى برقا أو هولا فسبح أو هلل أو استرجع أو تنحنح أو جر ثوبه لم تفسد، والصحيح في جنس المسائل قولهما، ولو عثر المصلي أو أصابه وجع فقال: بسم الله، يفسد عندهما؛ لأنه من كلام الناس، ولو قام الإمام إلى الثالثة في الظهر قبل أن يقعد فقال المقتدي: سبحان الله، قيل: لا تفسد، وقال الكرخي: تفسد عندهما.

م: (وإن أراد إعلامه أنه في الصلاة) ش: أي وإن أراد المجيب إعلام ذلك الرجل القائل أنه في الصلاة م: (لم تفسد) ش: أي صلاته م: (بالإجماع) ش: بين الأئمة م: (لقول - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذا ناب أحدكم نائبة في الصلاة فليسبح» ش: هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم عن سهل بن سعد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مطولا، وفيه: «من نابه شيء في صلاته فليسبح فإنه إذا سبح التفت إليه، وإنما التصفيق للنساء» .
قوله إذا نابت أي إذا أصابت، والنائبة المصيبة واحدة نوائب الدهر، والتصفيق أن تضرب المرأة بظاهر كفها اليمنى باطن كفها اليسرى، ولا تضرب بباطنهما كيلا يكون شبيها باللعب.
وفي " السنن " عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إذا نابكم شيء في الصلاة فليسبح الرجال وليصفح النساء» .
وقال الخطابي: التصفيح التصفيق باليد مأخوذ من صفحتي الكوة وضرب أحدهما على الأخرى. وفي " المحيط " إذا نادى المصلي إنسانا فسبح إعلاما أنه في الصلاة لا تفسد. وفي " الواقعات " وكذا لو كبر يعلمه أنه في الصلاة والمستحب أن يسبح.
وفي " المبسوط " مرت جارية بين يدي المصلي فقال: سبحان الله أو أومأ بيده ليصرفها لم يقطع صلاته، ولا يجمع بين التسبيح والإشارة فإنا نأخذ منهما كفاية ومنهم من قال: المستحب أن لا يفعل شيئا من ذلك. وقال مالك: كلاهما يسبح يعني الرجل والمرأة، وقال أبو بكر بن العربي: وليس بصحيح لمخالفته الحديث المجمع عليه. وقال القرافي: التصفيق لا يناسب الصلاة.
قلت: هذا مردود ولم ينظر الشرع إلى مناسبته وقد شرعه، ولو سمع المؤذن فأجاب وأراد به الجواب أو لم يكن له نية تفسد وإن لم يرد لا تفسد، وكذا لو أذن وعند أبي يوسف إذا قال: حي على الصلاة، تفسد، ولو سمع اسم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فصلى عليه، تفسد، وإن صلى عليه لا تفسد، ولو جرى على لسانه نعم إذا كان ذلك عادة له تفسد وإلا لا لأنه من القرآن، ولو دعا أو سبح

(2/418)


ومن صلى ركعة من الظهر، ثم افتتح العصر أو المتطوع فقد نقض الظهر لأنه صح شروعه في غيره فيخرج عنه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالفارسية، فعن أبي يوسف أنه تفسد، ذكره العتابي في " جوامع الفقه " سمع المصلي قوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 172] فرفع رأسه، وقال: لبيك ذكره يا سيدي، فالأولى أن لا يفعل ولو فعل قيل: تفسد؛ لأنه من كلام الناس، وقيل: لا تفسد [لأنه بمنزلة الثناء والدعاء، ولو قرأ الإمام آية الرحمة أو العذاب فقال المقتدي: صدق الله، لا تفسد] وقد أساء، ولو وسوس له الشيطان، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله إن كان في أمر الآخرة لا تفسد، في أمر الدنيا تفسد.
وفي " الواقعات ": المريض يقول عند القيام والانحطاط: بسم الله، لما يلحقه من الوجع والألم لا تفسد، وفي " غنية المفتي " قيل: تفسد، وقيل: لا تفسد، ولو لدغته عقرب، فقال: بسم الله، تفسد عند أبي حنيفة ومحمد، ولو عوذ نفسه بشيء من القرآن للحمى ونحوها تفسد عندهم، ولو قال عند رؤية الهلال: ربي وربك الله تفسد، ذكر ذلك كله المرغيناني، ولو قال في الصلاة في أيام التشريق: الله أكبر، لا تفسد ولو سمع المصلي غير المقتدي من الإمام " {وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] " فقال: آمين تفسد صلاته عند المتأخرين، وعن أبي حنيفة لا تفسد، وفي " الذخيرة " لو أمن بدعاء رجل ليس في الصلاة تفسد.

[حكم من صلى ركعة من الظهر ثم افتتح العصر]
م: (ومن صلى ركعة من الظهر) ش: يعني إذا صلى رجل ركعة من صلاة الظهر م: ثم افتتح العصر) ش: يعني افتتح له افتتاحا ثانيا م: (أو المتطوع) ش: أو افتتح المتطوع م: (فقد نقض الظهر لأنه صح شروعه في غيره) ش: أي في غير الظهر وأراد بالغير العصر والتطوع، وفي بعض النسخ صح شروعه فيه أي في العصر أو التطوع م: (فيخرج عنه) ش: أي عن الظهر لأنه صح شروعه في العصر أو التطوع، فإذا صح شروعه انتقضت الركعة المؤداة من الظهر ضرورة، ومن ضرورة خروجه عن الأول بمنزلة المتبايعين إذا تبايعا بثمن آخر نقضا للبيع الأول واستئنافا للبيع الثاني.
وصورته: أنه نوى العصر، وقال: الله أكبر من غير رفع اليد، وهذا في حق من لا ترتيب عليه بكثرة الفوائت أو تضيق الوقت أو بالنسيان؛ لأن صاحب الترتيب إذا انتقل من الظهر إلى العصر لا يصير منتقلا إلى العصر بل إلى النفل لأن العصر لا ينعقد عصرا قبل الظهر في حقه، وفي " الكافي ": افتتح باللسان وقال: الله أكبر، لا ينتقض ظهره، ولا بد مع النية الذكر باللسان.
وفي جامع " التمرتاشي " و " شمس الأئمة ": وعلى هذا من كان في المكتوبة وكبر ينوي النافلة أو على العكس أو في الظهر فكبر ينوي الجمعة أو على العكس أو كان منفردا فكبر ينوي الاقتداء، أو مقتديا فكبر للتفرد أو للإمامة يخرج عن صلاته.
وقال الشافعي وأحمد في أحد قوليهما: إن المنفرد إذا نوى الدخول في صلاة الإمام صح دخوله فيها ويجزئه ما صلى قبله بتحريمته قبل إمامه، وعندنا يخرج من صلاته وكذا لو كان منفردا فاقتدى به رجل فافتتح ثانيا لأجله فهو على الافتتاح الأول إلا أن يكون الداخل امرأة.

(2/419)


ولو افتتح الظهر بعدما صلى منها ركعة فهي هي ويجتزئ بتلك الركعة؛ لأنه نوى الشروع في عين ما هو فيه فلغت نيته وبقي المنوي على حاله. وإذا قرأ الإمام من المصحف فسدت صلاته عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: هي تامة؛ لأنه عبادة انضافت إلى عبادة أخرى، إلا أنه يكره لأنه تشبه بصنيع أهل الكتاب.
ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن حمل المصحف والنظر فيه وتقليب الأوراق عمل كثير،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولو افتتح الظهر بعدما صلى منها) ش: أي من الظهر م: (ركعة فهي هي) ش: أي في الركعة التي صلاها هي غير الركعة المحسوبة في الصلاة التي هو فيها م: (ويجتزئ بتلك الركعة) ش: أي ويكتفي بتلك بالركعة الأولى م: (لأنه نوى الشروع في عين ما هو فيه فلغت نيته وبقي المنوي على حاله) ش: لأنه نوى تحصيل الحاصل حتى لو صلى بعدها ثلاث ركعات يخرج عن عهد الفرض، ولو صلى أربعا على ظن أن الأولى انتقضت ولم يقعد في الثالثة فسدت صلاته لأنه ترك القعدة الأخيرة.
وفي " الخلاصة " هذا وإذا نوى بقلبه. أما لو نوى بلسانه بأن قال: نويت أن أصلي الظهر ينقض ما صلى، ولا يجزئ بتلك الركعة، والأصل في المسألة المذكورة أن النية إذا صادفت ما ليس بحاصل تصح، وإذا صادفت ما هو حاصل لا تصح فعليك أن تستخرج المسألتين من هذا الأصل.
م: (وإذا قرأ الإمام في المصحف فسدت صلاته عند أبي حنيفة) ش: ذكر الإمام اتفاقا وليس بقيد؛ لأن حكم المنفرد كذلك، قاله في الأصل وفي " المحلى " لابن حزم وهو قول ابن المسيب والحسن البصري والشعبي [والسلمي] .
قلت: وهو مذهب الظاهرية أيضا ولم يفصل في الكتاب بينهما إذا قرأ قليلا أو كثيرا منه، قال بعض مشايخنا: إن قرأ قدر آية تامة يفسد عنده وإلا فلا، وقال بعضهم: مقدار الفاتحة وإلا فلا. وفي " المجتبى ": قيل الخلاف فيمن لم يحفظ من القرآن شيئا ولو حفظ فسدت عندهم وقيل على العكس.
م: (وقالا) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد م: (هي تامة) ش: أي الصلاة تامة وبه قال الشافعي وأحمد وجماعة ويكره، وذكر السرخسي عن الشافعي أنها لا تكره، وكذا لو قلب أوراقه أحيانا لا تبطل صلاته عنده ذكره النووي ومثله في الوسيط م: (لأنه) ش: أي لأن القراءة والتذكير باعتبار المذكور، وفي بعض النسخ لأنها على الأصل م: (عبادة انضافت) ش: أي انضمت م: (إلى عبادة) ش: وهي النظر في المصحف م: (إلا أنه يكره لأنه تشبه بصنيع أهل الكتاب) ش: فإنهم يفعلون كذلك في صلاتهم، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تشبهوا باليهود ولكن خالفوهم» .

[حمل المصحف والنظر فيه وتقليب الأوراق في الصلاة]
م: (ولأبي حنيفة أن حمل المصحف والنظر فيه وتقليب الأوراق عمل كثير) ش: [والعمل الكثير]

(2/420)


ولأنه تلقن من المصحف فصار كما إذا تلقن من غيره، وعلى هذا لا فرق بين المحمول والموضوع، وعلى الأول يفترقان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يفسد الصلاة م: (ولأنه تلقن من المصحف) ش: دليل آخر: أي ولأن النظر إلى المصحف يكون [مفسدا] . وقال في " ديوان الأدب " تلقن منه أخذه وتمكن منه م: (فصار كما إذا تلقن من غيره) ش: أي فصار حكم التلقن من المصحف كحكم التلقين من معلم غيره فكان مفسدا م: (وعلى هذا) ش: أي وعلى اعتبار هذا الدليل الذي هو الثاني م: (لا فرق بين الموضوع والمحمول) ش: أي بين المصحف الموضوع على شيء والمحمول على يديه حتى إذا قرأ من المصحف الموضوع أو المحمول ولم يقلب أوراقه تفسد صلاته وكذا إذا قرأ من المحراب.
م: (وعلى الأول) ش: أي وعلى الاعتبار الدليل الأول م: (يفترقان) ش: أي يفترق الموضوع والمحمول، حتى إذا قرأ في المصحف الموضوع ولم يحمله ولم يقلب أوراقه لا تفسد صلاته وكذا إذا قرأ من المحراب، وهكذا روي عن الكرخي، وعن البردعي: لا يجوز أيضا على قول أبي حنيفة؛ لأن التمييز بين الحروف عمل كثير. وإذا كان يحفظه عن ظهر قلب، وهو مع ذلك ينظر في المكتوب أو على المحراب فيقرأ فلا إشكال أنه يجوز، وأما على قولهما فلأنه عبادة انضافت إلى عبادة أخرى، وأما على قوله فلعدم التعلم. فإن قلت: كان ذكوان مولى عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - يؤم عائشة في رمضان ويقرأ من المصحف، ذكره البخاري في باب إمامة العبد والمولى ولأنه قرأ القرآن فيجزئه كما لو قرأه عن ظهر القلب، وهذا لأن الفساد إن كان للحمل فحمل ما هو أكبر منه لا يفسد، ألا ترى أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يصلي وأمامة بنت أبي العاص على عاتقه فكان يضعها إذا سجد ويحملها إذا قام، وإن كان للنظر فلا يجوز لأنه عبادة انضمت إلى عبادة أخرى، ولأنه لا يكون أكثر من النظر في المنقوش في المحراب وهو لا يفسد وإن كان لتقليب الأوراق فلا يضر لأنه عمل قليل.
قلت: أثر ذكوان إن صح فهو محمول على أنه كان يقرأ من المصحف قبل شروعه في الصلاة أي ينظر فيه ويتلقن منه ثم يقوم فيصلي، وقيل: تؤول بأنه كان يفعل بين كل شفعين فيحفظ مقدار ما يقرأ في الركعتين، فظن الراوي أنه كان يقرأ من المصحف فنقل ما ظن، ويؤيد ما ذكرناه أن القراءة في المصحف مكروهة، ولا نظن بعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها كانت ترضى بالمكروه، وتصلي خلف من يصلي بصلاة مكروهة. وروي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: " نهانا أمير المؤمنين بأن نؤم الناس في المصاحف وأن يؤمنا إلا محتلم " ذكره أبو بكر بن أبي داود بإسناده.. وأما قصة [حديث] أمامة فقد قيل: إنه منسوخ، وقيل: إنه مخصوص بالنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وذكر أبو عمر في " التمهيد " عن أشهب عن مالك أن هذا كان في النافلة ومثله لا يجوز في الفرض، [وذكر عن محمد بن إسحاق أنه كان في الفرض] ، وقال أبو عمر: إني لا أعلم خلافا أن مثل هذا العمل مكره، فيكون لغا في النافلة، وإما منسوخا قال: وروى أشهب وابن

(2/421)


ولو نظر إلى مكتوب وفهمه فالصحيح أنه لا تفسد صلاته بالإجماع بخلاف ما إذا حلف لا يقرأ كتاب فلان حيث يحنث بالفهم عند محمد؛ لأن المقصود هناك الفهم أما فساد الصلاة فبالعمل الكثير ولم يوجد، وإن مرت امرأة بين يدي المصلي لم تقطع صلاته؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
نافع أن مثل ذلك يجوز في حالة الضرورة فحمل على الضرورة ولم يفرق بين الفرض والنفل.
وقال [شمس] الأئمة: فإذا فعلت المرأة بولدها مثل هذا تكون مسيئة؛ لأنها أشغلت نفسها بما ليس من عمل صلاتها وفيه ترك سنة الاعتماد. وفعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان في وقت كان العمل مباحا في الصلاة أو لم يكن الاعتماد لسنة فيها.

م: (ولو نظر إلى مكتوب) ش: أي ولو نظر المصلي إلى مكتوب من الفقه وغيره، وليس المراد منه المكتوب من القرآن؛ لأنه لو نظر إلى مكتوب وهو قرآن وفهمه لا خلاف لأحد فيه أنه يجوز م: (وفهمه فالصحيح أنه لا تفسد صلاته بالإجماع) ش: قيد بالصحيح احترازا عما قال بعضهم: ينبغي أن تفسد صلاته على قول محمد، قياسا على مسألة اليمين إذا حلف لا يقرأ كتاب فلان فنظر فيه حتى فهمه ولم يقرأ بلسانه حيث يحنث عنده بالفهم وجعل الفهم بمنزلة القراءة، والصحيح أنه لا تفسد عند محمد كما لا تفسد عندهما.
م: (بخلاف ما إذا حلف لا يقرأ كتاب فلان حيث يحنث بالفهم عند محمد) ش: أشار بهذا إلى [الفرق] بين مسألة الصلاة ومسألة اليمين م: (لأن المقصود هناك) ش: أي في مسألة اليمين م: (الفهم) ش: لأن المراد من عدم قراءة كتاب فلان في العرف أن لا يفهمه، ولا يطلع على أسراره مجازا وبُني اليمين على العرف.
م: (أما فساد الصلاة فبالعمل الكثير) ش: أي فساد الصلاة متعلق بالعمل الكثير والفهم ليس بعمل كثير فلا تفسد الصلاة ولا يأخذ الفهم حكم النطق، ولهذا لو كان مكتوبا على جبين [امرأته أنت طالق أو على جبين] عبده أنت حر، فنظر ففهم لم يقع الطلاق ولا العتاق ما لم يتلفظ بذلك بخلاف اليمين كما ذكرنا، ولما ثبت الفرق بين المسألتين لم يصح القياس.

[اتخاذ السترة ومرور المرأة ونحوها بين يدي المصلي]
م: (وإن مرت امرأة بين يدي المصلي لم تقطع الصلاة) ش: وبه قال عامة الفقهاء، وروي عن أنس ومكحول وأبي الأحوص والحسن وعكرمة: يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة، وعن ابن عباس: يقطع الصلاة الكلب الأسود والمرأة الحائض. وعن عكرمة: يقطع الصلاة الكلب والحمار والخنزير والمرأة واليهودي والنصراني والمجوسي، وعن عطاء: لا يقطع الصلاة إلا الكلب الأسود والمرأة الحائض. ذكر ذلك ابن أبي شيبة في [" سننه " وضعفه] أبو داود، وقال أحمد في المشهور عنه: يقطع الصلاة مرور الكلب الأسود البهيم، وفي رواية: يقطعها الحمار والمرأة أيضا والبهيم الذي لا يخالط لونه لون آخر، فإن كانت بين عينيه نكتتان يخالفان لونه لا يخرج بذلك عن كونه

(2/422)


لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يقطع الصلاة مرور شيء» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بهيما في قطع الصلاة وحرمة الاصطياد به وهل وحل على مذهبه، ولا فرق بين الفرض والنفل في الصحيح، وإن كان قائما بين يديه، ولا يمر لا يقطع في إحدى الروايتين عنه ذكر ذلك كله في " المغني "، وفي " جامع شمس الأئمة " عند أهل الظاهر تفسد الصلاة بمرور المرأة بين يديه.
وفي " الكافي " عند أهل العراق تفسد بمرور الكلب والمرأة والحمار، وفي " الحلية " قال أحمد: يقطع الصلاة الكلب الأسود، وفي قلبي من الحمار والمرأة شيء. وقال الأترازي: وإنما قيد بالمرأة وإن كان الحكم في الرجل كذلك، لما أن المرور بين يدي المصلي ينشأ من الجهل لما فيه من الإثم، والغالب في النساء الجهل. وقال الأكمل: وإنما ذكر هذه المسألة وإن لم يصدر من المصلي شيء يوجب فساد صلاته، ردا لقول أصحاب الظاهر أن مرور المرأة بين يدي المصلي يفسد صلاته.
قلت: أما كلام الأترازي فإنه غير سديد، ولم يقل أحد أنه علة هذه المسألة ما ذكره، فإن المسألة لما كان فيها خلاف بين السلف والخلف ذكرها احترازًا عن خلاف الجماعة الذين ذكرناهم عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وأما كلام الأكمل فإنه أخذ من السغناقي وهو قريب المأخذ.
م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لا يقطع الصلاة مرور شيء» ش: هذا الحديث روي عن أبي سعيد الخدري وعبد الله بن عمر وأبي أمامة وأنس وجابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فحديث الخدري رواه أبو داود في " سننه " عنه قال: قال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يقطع الصلاة شيء وادرءوا ما استطعتم فإنما [هو] شيطان» وفيه مجالد بن سعيد فيه مقال، ولكن أخرج له مسلم مقرونا بجماعة من أصحاب الشعبي.
وحديث ابن عمر رواه الدارقطني في " سننه " عنه أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وأبا بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قالوا: «لا يقطع صلاة المسلم شيء، وادرءوا ما استطعتم» ووقفه مالك على ابن عمر في " موطئه " ووقفه البخاري على الزهري.
وحديث أبي أمامة رواه الدارقطني عنه عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «لا يقطع الصلاة شيء» .

(2/423)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وحديث أنس رواه الدارقطني أيضا عنه «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى بالناس. الحديث، وفي آخره: فقال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " لا يقطع الصلاة شيء» .
وروى ابن الجوزي في " العلل المتناهية " هذه الأحاديث الثلاثة من طريق الدارقطني وقال: لا يصح منها شيء، قال في " التحقيق ": في حديث ابن عمر إبراهيم بن زيد الجوزي، قال أحمد والنسائي: هو متروك، وقال ابن معين: ليس بشيء.
وفي حديث أبي أمامة عفير بن معدان قال أحمد: ضعيف منكر الحديث، وقال يحيى: ليس بثقة.
وفي حديث أنس صخر بن عبد الله، قال ابن عدي: يحدث عن الثقات بالأباطيل عامة ما يرويه منكر أو من موضوعاته.
وقال ابن حبان: لا تحل الرواية عنه، تعقبه صاحب " التنقيح " وقال: إنه وهم في صحة هذا، فإن صخر [بن عبد الله بن حرملة الراوي عن عمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يتكلم فيه] ابن عدي ولا ابن حبان، بل ابن حبان ذكره في " الثقات ".
وقال النسائي: هو صالح، وإنما ضعف ابن عدي صخر بن عبد الله الكوفي المعروف بالحاجبي وهو متأخر عن ابن حرملة، روى عن مالك والليث وغيرهما.
وحديث جابر رواه الطبراني في " معجمه الأوسط " عنه قال: «كان رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قائما يصلي فذهبت شاة تمر بين يديه فساعاها حتى ألزقها بالحائط، ثم قال: [لا يقطع] الصلاة شيء وادرءوا ما استطعتم» ، وقال: تفرد به عيسى بن ميمون، وقال ابن حبان: عيسى بن ميمون يروي العجائب لا يحل الاحتجاج به [إذا انفرد] .
فإن قلت: الخصم احتج بما رواه مسلم عن عبيد الله بن الصامت «عن أبي ذر، قال: قال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " يقطع صلاة الرجل إذا لم يكن بين يديه كآخرة الرحل: المرأة والحمار والكلب الأسود ".. قلت: ما بال الأسود من الأحمر قال: يا ابن أخي، سألت رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كما سألتني فقال: الكلب الأسود شيطان» .
وروى مسلم أيضا من حديث أبي هريرة أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «يقطع الصلاة المرأة والكلب والحمار ويقي ذلك [مثل] مؤخرة الرحل» وروى أبو داود والنسائي وابن ماجه من

(2/424)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مرفوعا: «يقطع الصلاة المرأة الحائض والكلب» قال يحيى بن سعيد: لم يرفعه غير شعبة أحد رواته.
قلت: أخرج البخاري ومسلم في " صحيحيهما " عن عروة «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: " كان رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي وأنا معترضة بين يديه كاعتراض الجنازة.» وفي لفظ لمسلم «عن عروة قال: قالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: ما يقطع الصلاة؟ قال: قلنا: المرأة والحمار، فقالت: إن المرأة لدابة سوء، لقد رأيتني بين يدي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معترضة كاعتراض الجنازة وهو يصلي» . وروى البخاري أيضا عنها أنها قالت: «كنت أنام بين يدي رسول الله ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني، فقبضت رجلي وإذا قام بسطتها، قالت: والبيوت يومئذ ليست فيها مصابيح» . [وروى البخاري أيضا من] حديث ابن شهاب عن عروة عنها: «كان يصلي وهي بينه وبين القبلة على فراش أهله اعتراض الجنازة» .
ومن حديث عروة: «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، كان يصلي وعائشة معترضة بينه وبين القبلة على الفراش الذي ينامان عليه، وفي لفظ لمسلم: يصلي وسط السرير وأنا مضطجعة بينه وبين القبلة يكون لي حاجة فأكره أن أقوم فأستقبله فأنسل انسلالا من قبل رجليه. وفي لفظ [له عن ميمونة] : وأنا حذاءه، وأنا حائض، وربما قالت: أصابني ثوبه إذا سجد، وفي لفظ [له عن عائشة] : وعلي مرط وعليه بعضه» . وروى أبو داود عنها أنها قالت: «كنت أكون نائمة ورجلاي بين يدي رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وهو يصلي من الليل فإذا أراد أن يسجد ضرب رجلي فقبضتهما ليسجد» ".
ووجه الاستدلال بهذه الأحاديث أن اعتراض المرأة، خصوصا الحائض بين المصلي وبين القبلة لا يقطع الصلاة والمارة بطريق الأولى، ولهذا بوب أبو داود في " سننه " باب: من قال المرأة لا تقطع الصلاة، ثم روى فيه أحاديث منها، وبوب أيضا باب: من قال الحمار لا يقطع الصلاة. ثم روى «حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: جئت على حمار، وفي رواية: أقبلت راكبا على أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي بالناس بمنى فمررت بين يدي بعض الصف فأمرت فنزلت فأرسلت الأتان ترتع، ودخلت الصف فلم ينكر ذلك أحد، وأخرجه بقية الجماعة، ولفظ النسائي وابن ماجه بعرفة.
وأخرج مسلم اللفظين، وفي لفظ للنسائي في آخر الحديث: ربما رأيت النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي والحمر تعترك بين يديه» وبوب أيضا باب: من قال الكلب لا يقطع الصلاة.
ثم روى «عن الفضل بن العباس قال: أتانا رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ونحن في بادية ومعه

(2/425)


إلا أن المار آثم لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لو علم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الوزر لوقف أربعين» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ابن عباس فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة، وحمارة لنا وكلبة تعبثان بين يديه فما بالاه ذلك» وأخرجه النسائي أيضا، ثم لا شك أن هذه الأحاديث أقوى وأصح من أحاديث الخصوم.
وقال النووي في " الخلاصة ": وتأول الجمهور القطع المذكور في الأحاديث المذكورة على قطع الخشوع جمعا بين الأحاديث.
قلت: إذا كانت الأحاديث التي رويت في هذا الباب مستوية الأقدام يتوجه هذا التأويل، ونحن لا نسلم ذلك لما قلنا.

م: (إلا أن المار آثم) ش: كلمة إلا هاهنا بمعنى غير، أي: غير أن المار آثم والإثم لا يستلزم القطع وبه قال مالك.
وفي " الوسيط " للشافعية: يكره، وصرح العجلي بتحريمه، ووافقه " صاحب التهذيب " و " التتمة " من الشافعية وأصحابنا نصوا على كراهته، ذكرها في " المحيط " و " الذخيرة " وقال في " المغني ": لا يحل المرور من غير سترة أو بينه وبين السترة.
م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لو علم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الوزر لوقف أربعين» ش: هذا الحديث رواه الجماعة من حديث أبي جهيم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - واسمه كنيته ابن الحارث بن الصمة إلا أن ابن ماجه ذكره بلفظ آخر، وهو: «لأن يقوم أربعين خير له من أن يمر بين يديه» .
قال سفيان: لا أدري أربعين سنة أو شهرا أو صباحا أو ساعة، ورواه عن زيد بن خالد، ورواه البزار كذلك ولفظه: «لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم، لكان أن يقف أربعين خريفا خيرا له من أن يمر بين يديه» .
ورواه ابن ماجه أيضا وابن حبان من حديث أبي هريرة مرفوعا: «لو يعلم أحدكم ما له في أن يمر بين يدي أخيه معترضا في الصلاة كان لأن يقيم مائة عام خير له من الخطوة التي خطا» ، وقال تاج الشريعة: وقد صح عن أبي هريرة أن المراد هو السنة.
وقال صاحب " الدراية ": وفي رواية مسلم أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «وقف مائة عام خير له من أن يمر» . وفي " سنن الدارقطني " خريفا.
وقال الأكمل: وقيل: صح من حديث أبي هريرة أربعين سنة.

(2/426)


وإنما يأثم إذا مر في موضع سجوده على ما قيل، ولا يكون بينهما حائل، ويحاذي أعضاء المار أعضاءه لو كان يصلي على الدكان،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: مائة عام في رواية ابن حبان، وأربعون خريفا في رواية البزار، وأربعون خريفا هو أربعون سنة، ولكن مجيء سنة لم أره عند أحد فضلا عن صحته.

م: (وإنما يأثم المار إذا مر في موضع السجود) ش: هذه إشارة إلى بيان مقدار موضع يكره المرور فيه وهو موضع السجود، والكلام هاهنا في عشرة مواضع كلها مذكورة في الكتاب، وهاهنا شيئان آخران لم يذكرهما في الكتاب الأول، ترك السترة، والآخر كون السترة مغصوبة على ما نذكرهما في آخر الفصل، الأول هو أن مرور شيء لا يقطع الصلاة وقد ذكر مستوفى، والثاني: هو مقدار موضع يكره المرور فيه وقد بينه بقوله في موضع سجوده م: (على ما قيل) ش: وهو اختيار شمس الأئمة السرخسي، وشيخ الإسلام، وقاضي خان، وقال فخر الإسلام: إذا صلى راميا بصره إلى موضع سجوده فلم يقع عليه بصره لا يكره، ومنهم قال: مقدار صفين أو ثلاثة، ومنهم من قدره بثلاث أذرع، ومنهم من قدره بخمس أذرع، ومنهم من قدره بأربعين ذراعا.
وقال التمرتاشي: والأصح إن كان بحال لو صلى صلاة خاشع بصره ولا يقع على المار فلا يكره نحو أن يكون منتهى بصره في قيامه إلى موضع سجوده، وفي ركوعه إلى صدور قدميه وفي سجوده إلى أرنبة أنفه، وفي قعوده إلى حجره، وفي السلام إلى منكبيه، وهذا كله إذا كان في الصحراء، وفي الجامع الذي له حكم الصحراء، أما في المسجد فالحد هو المسجد إلا أن يكون بينه وبين المار إسطوانة وغيرها. وفي " الكافي " أو رجل قائم أو قاعد ظهره إلى المصلي، وقال بعضهم: مارا خمسين ذراعا، وقدر بعضهم ما بين الصف الأول وحائط القبلة.
وقال فخر الإسلام في " شرح الجامع الصغير ": وإن مر عن بعد في المسجد الجامع فقد قيل بأنه يكره والأصح أنه لا يكره، وفي " الذخيرة " والمسجد الكبير مثل الجامع الصغير عند بعض المشايخ، وعند آخرين كالصحراء وفي " التتمة " للشافعية لو تستر بآدمي أو بحيوان لم تجب له لأنه يشبه عبادته وفي " مسلم " ما يرد عليه، فإن ابن عمر كان يعرض راحلته فيصلي إليها، وقال أبو بكر بن العربي: وقد غلظ بعضهم إذا لم يكن له سترة، فقال: لا يمر أحد بين يديه بمقدار رمية السهم، وقيل: رمية الحجر، وقيل: رمية الرمح، وقيل: مقدار المطاعنة، وقيل: مقدار المسايفة بالسيف، أخذوه من قوله: فليقاتله، فحملوه على أنواع القتال.
م: (ولا يكون بينهما حائل) ش: الواو للحال أي بين المصلي والمار يعني الإثم إذا لم يكن بينهما ما يحول كالإسطوانة والجدار، وأما إذا كان بينهما حائل فلا يأثم المار.
م: (ويحاذي أعضاء المار أعضاءه لو كان يصلي على الدكان) ش: الدكان بضم الدال وتشديد الكاف.

(2/427)


وينبغي لمن يصلي في الصحراء أن يتخذ أمامه سترة؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا صلى أحدكم في الصحراء فليجعل بين يديه سترة» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال الجوهري: الدكان الحانوت فارسي معرب، ولكن المراد هاهنا مثل الدكة أو السرير يكون المصلي عليه وقيل بالمحاذاة؛ لأنه إذا كان الدكان بقدر قامة الرجل المار لا يأثم؛ لأنه يعتبر سترة وكذا كل موضع مرتفع يعتبر سترة كالسطح والسرير، قالوا: الراكب إذا أراد أن يمر ولا يأثم ينزل عن دابته فيسيرها أو يسير هو والدابة بينه وبين المصلي، وكذا لو مر رجلان متحاذيان فإن كراهة المرور وإثمه يلحق الذي يلي المصلي كذا ذكره التمرتاشي.
فإن قلت: بين قوله: عدم الحائل وقيل المحاذاة، وبين قوله: إذا مر في موضع سجوده منافاة؛ لأن الجدار والإسطوانة لا يتصور أن يكون بينه وبين موضع سجوده، وكذلك إذا صلى على الدكان لا يتصور المرور في موضع سجوده، قلت: يندفع هذا إذا قلنا: معنى قوله: في موضع سجوده، قريب من موضع سجوده. فافهم.

[اتخاذ المصلي للسترة في الصحراء]
م: (وينبغي لمن يصلي في الصحراء أن يتخذ أمامه سترة) ش: هذا هو الثالث من المواضع العشرة التي ذكرناها م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا صلى أحدكم في الصحراء فليجعل بين يديه سترة» ش: هذا غريب بهذا اللفظ ولكن روي فيه عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وابن عمر وسبرة بن معبد الجهني وسهل بن أبي حثمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
فحديث أبي هريرة رواه أبو داود عنه أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا فإن لم يجد فلينصب عصا، فإن لم يكن معه عصا فليخط خطا، ولا يضره ما مر أمامه» .
وحديث الخدري رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها ولا يدع أحدا يمر بين يديه، فإن جاء أحد يمر فليقاتل فإنه شيطان» . وحديث ابن عمر رواه ابن حبان في " صحيحه " والحاكم في " مستدركه " عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة ولا يدع أحدا يمر بين يديه " وزاد ابن حبان فيه: " فإن أبى فليقاتله فإن معه القرين» ، وحديث سبرة رواه البخاري في " تاريخه " عنه قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليستتر أحدكم في صلاته ولو بسهم»

(2/428)


ومقدارها ذراع فصاعدا؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أيعجز أحدكم إذا صلى في الصحراء أن يكون أمامه مثل مؤخرة الرحل» وقيل: ينبغي أن تكون في غلظ الإصبع؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وحديث سهل بن أبي حثمة رواه في " مستدركه " عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة، وليدن منها» وقال: على شرطهما.
قوله: سترة أعم من أن يكون حائطا أو سارية أو شجرة أو عودا أو ما يجري مجراه ولا يكون من مر من ورائه آثما. وقال محمد: يستحب لمن يصلي في الصحراء أن يكون بين يديه شيء مثل عصا ونحوها، فإن لم يجد يتستر بسارية أو شجرة.

م: (ومقدارها ذراعا فصاعدا) ش: هذا هو الرابع من الواضع العشرة، أي مقدار السترة قدر ذراع أقلها بدليل قوله: فصاعدا، وانتصابه على الحال، والتقدير: فذهبت السترة إلى حالة الصعود على الذراع، كما في قولك: أخذته بدرهم فصاعدا؛ أي فذهب الثمن إلى حالة الصعود على الدرهم، فيقدر في كل موضع ما يلائمه من الحمل، والفاء فيه للعطف على المحذوف، وتقديره: على الذراع مقدرا فصاعدا فافهم.
م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أيعجز أحدكم إذا صلى في الصحراء أن يكون أمامه مثل مؤخرة الرحل» ش: هذا غريب بهذا اللفظ، ولكن مسلما أخرجه عن طلحة بن عبيد الله قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا جعلت بين يديك مثل مؤخرة الرحل فلا يضرك من مر بين يديك» وأخرج أيضا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يقطع الصلاة المرأة، والحمار، والكلب، ويقي ذلك مثل مؤخرة الرحل» ، وأخرج أيضا عن أبي ذر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل مؤخرة الرحل» وأخرج أيضا عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «سئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة تبوك عن سترة المصلي فقال: مثل مؤخرة الرحل» وهو بضم الميم وكسر الخاء وتشديدها خطأ، وهي الخشبة العريضة التي تحاذي رأس الراكب ومؤخرة الرحل لغة فيه، ولو تستر بإنسان جالس كان سترة وإن كان قائما اختلفوا فيه، ولو استتر بدابة فلا بأس به.
م: (وقيل ينبغي أن يكون في غلظ الإصبع) ش: هذا هو الخامس من المواضع العشرة ولم أر أحدا من الشراح بين هذا القائل من هو، والظاهر أنه شيخ الإسلام فإنه قال في " مبسوطه " في «حديث أبي جحيفة أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى بهم بالبطحاء وبين يديه عنزة، ومقدار العنزة طول ذراع غلظ أصبع» لقول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يجزئ من السترة السهم، وفي " الذخيرة " طول السهم قدر ذراع وعرضه قدر أصبع.
واختلف مشايخنا فيما إذا كانت السترة أقل من ذراع، وقال شيخ الإسلام: وضع قناة أو جعبة بين يديه، وارتفع قدر ذراع كان سترة بلا خلاف، وإن كان دونه ففيه خلاف، وفي غريب

(2/429)


لأن ما دونه لا يبدو للناظر من بعيد، فلا يحصل المقصود ويقرب من السترة؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من صلى إلى سترة فليدن منها»
ويجعل السترة على حاجبه الأيمن أو على الأيسر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الرواية النهر الكبير ليس بسترة كالطريق وكذا الحوض الكبير، وذكر ذلك في " مختصر البحر المحيط "، وقال المالكية: يجوز القلنسوة العالية والوسادة بخلاف السوط وجوز في العتبية التستر بالحيوان الطاهر بخلاف الخيل والبغال والحمير وجوز بظهر الرجل ومنع بوجهه، وتردد في جنبه، ومنع بالمرأة واختلفوا في المحارم ولا يتستر بنائم ولا بمجنون [.....] ولا بكافر، انتهى كلامهم.
م: (لأن ما دونه) ش: أي ما دون غلظ الأصبع م: (لا يبدو للناظر من بعيد) ش: أي لا يظهر له لرقته م: (فلا يحصل المقصود) وهو الستر وعدم إيقاع المار في الإثم م: (ويقرب من السترة) ش: وهو الستر وعدم إيقاع المار في الإثم م: (ويقرب من السترة) ش: هذا هو السادس من المواضع العشرة م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من صلى إلى سترة فليدن منها» ش: روى هذا الحديث خمسة من الصحابة: سهل بن أبي حثمة وأبو سعيد الخدري وجبير بن مطعم وسهل بن سعد وبريدة.
فحديث سهل بن أبي حثمة أخرجه أبو داود والنسائي وعنه يبلغ به النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته» ورواه ابن حبان في صحيحه، قال أبو داود: واختلف في إسناده، ورواه الحاكم في مستدركه، وقال: على شرط البخاري ومسلم.
وحديث أبي سعيد أخرجه ابن حبان في صحيحه عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها فإن الشيطان يمر بينه وبينها ولا يدع أحدا يمر بين يديه» . وحديث جبير بن مطعم أخرجه الطبراني في معجمه عنه، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يمر الشيطان بينه وبينها» .
ورواه البزار أيضا في مسنده [وقال على شرط البخاري ومسلم] . وحديث سهل بن سعد أخرجه الطبراني أيضا في معجمه نحوه سواء.
وحديث بريدة أخرجه البزار في مسنده نحوه سواء.

م: (ويجعل السترة على حاجبه الأيمن أو على الأيسر) ش: هذا هو السابع من المواضع العشرة

(2/430)


وبه ورد الأثر،
ولا بأس بترك السترة إذا أمن المرور ولم يواجه الطريق وسترة الإمام سترة للقوم؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى ببطحاء مكة إلى عنزة، ولم يكن للقوم سترة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والأيمن أفضل م: (وبه ورد الأثر) ش: أي يجعل السترة على الحاجب الأيمن، أو [على] الأيسر، وهذا الحديث أخرجه أبو داود: ثنا محمود بن خالد الدمشقي، قال: ثنا علي بن عباش، ثنا أبو عبيدة الوليد بن كامل، عن المهلب بن حجر [البهراني] «عن ضباعة بنت المقداد بن الأسود، عن أبيها، قال: ما رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي إلى عود ولا عمود ولا شجرة إلا جعله على حاجبه الأيمن أو الأيسر ولا يصمد له صمدا» .
وأخرجه أحمد في " مسنده " والطبراني في " معجمه " وابن عدي في " كامله " وأعله بالوليد بن كامل، وقال ابن القطان: فيه علتان: علة في إسناده؛ لأن فيه ثلاثة مجاهيل: ضباعة مجهولة الحال ولا أعلم أحدا ذكرها، والمهلب بن حجر مجهول الحال. والوليد بن كامل من الشيوخ الذين لم تثبت عدالتهم.
وعلة في متنه، وهي أن أبا علي بن السكن رواه في سننه هكذا: حدثنا سعيد بن عبد العزيز الحلبي، ثنا أبو تقي هشام بن عبد الملك، ثنا بقية، عن الوليد بن كامل، حدثنا المهلب بن حجر البهراني، عن ضباعة بنت المقدام بن معد يكرب، عن أبيها، قال: قال رسول الله: «إذا صلى أحدكم إلى عمود أو سارية أو شيء فلا يجعله نصب عينيه وليجعله على حاجبه الأيسر» . قال ابن السكن: أخرج أبو داود هذا الحديث من رواية علي بن عباش، عن الوليد بن كامل؛ فغير إسناده ومتنه، فإنه عن ضباعة بنت المقدام بن معد يكرب عن أبيها، وذاك فعل، وهذا قول، وقوله: لا يصمد له صمدا؛ يعني لم يقصده قصدا بالمواجهة، والصمد القصد في اللغة.

[وسترة الإمام سترة للقوم]
م: (وسترة الإمام سترة للقوم) ش: هذا هو الثامن من العشرة (لأنه «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى ببطحاء مكة إلى عنزة ولم يكن للقوم سترة» ش: الحديث أخرجه البخاري ومسلم «عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى بهم بالبطحاء وبين يديه عنزة والمرأة والحمار يمرون من ورائها، قوله: ولم يكن للقوم سترة» ليس من هذا الحديث ويحتمل أن يكون من المصنف وهو الأظهر، ولم يتعرض إلى هذا أحد من الشراح عند ذكر الحديث، وهذا قصور عظيم.
قوله: إلى عنزة بالتنوين لأنها اسم جنس نكرة وهي تشبه العكازة وهي عصا ذات زج، والزج الحديدة التي في أسفل الرمح.
وفي " الكافي " لو أريد عنزة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكون غير منصرف للتأنيث والعلمية فيجوز بالنصب والجر. وقال الأترازي: ولما قيل في بعض الشروح: إن كان المراد منها عنزة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكون غير

(2/431)


ويعتبر الغرز دون الإلقاء والخط؛ لأن المقصود لا يحصل بهما،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
منصوب فليس بشيء لأنها لما كانت باسم جنس تناولت عنزة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغيرها فلم يكن فيه العلمية قلت: يريد بها الخطأ على صاحب " الكافي ". والذي قاله ليس بشيء؛ لأن أهل السير لما ذكروا سلاح النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالوا: كانت له حربة دون الرمح يقال لها العنزة، فكأنها بالغلبة صارت علما لها، فكانت فيها العلمية والتأنيث فلا تنصرف.

م: (ويعتبر الغرز دون الإلقاء والخط) ش: هذا هو التاسع من العشرة، أراد إذا لم يكن الغرز لكون الأرض صلبة فلا يعتبر الإلقاء، وإذا لم يعتبر الإلقاء فأولى أن لا يعتبر الخط م: (لأن المقصود لا يحصل بهما) ش: المقصود وهو الدرء فلا يحصل بالإلقاء ولا بالخط، وفي " مبسوط شيخ الإسلام " إنما يعذر إذا كانت الأرض رخوة، فأما إذا كانت صلبة لا يمكنه فيضع وضعا؛ لأن الوضع قد روى الغرز، لكن يضع طولا لا عرضا ليكون على مثال الغرز والخط، روي عن أبي عصمة عن محمد إذا لم يجد سترة، قال: لا يخط بين يديه فإن الخط وتركه سواء؛ لأنه لا يبدو للناظر من بعيد.
وقال الشافعي بالعراق: إن لم يجد ما يغرز يخط خطا طويلا وبه أخذ بعض المتأخرين لحديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إذا صلى أحدكم في الصحراء فليتخذ بين يديه سترة، فإن لم يكن فليخط خطا آخر» وفي " جامع التمرتاشي " عن محمد يخط، وقيل في الخط: يخط طولا، وقيل: عرضا، وقيل: مدورا كالمحراب، وقال إمام الحرمين: استقرت الأئمة أن الخط يكفي. وقال السروجي: إذا لم يجد ما يغرزه أو يضعه هل يخط بين يديه خطا؟ فالمنع هو الظاهر وعليه الأكثرون من أصحابنا ومن غيرهم، وقال السرخسي: لا نأخذ بالخط. وقال المرغيناني: هو الصحيح، وفي " المحيط " الخط ليس بشيء، وفي " الواقعات " هو المختار، وكذا لا يعتبر الإلقاء وهو المختار، وفي " الذخيرة " للقرافي: الخط باطل وهو قول الجمهور، وجوزه أشهب [ ... ] وهو قول سعيد بن جبير والأوزاعي والشافعي بالعراق، ثم قال: يصير الحفظ [
... ] .
فإن قلت: روى أبو داود من حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا، فإن لم يجد فلينصب عصا، فإن لم يكن معه عصا فليخطط خطا، ثم لا يضر ما مر أمامه» ورواه ابن ماجه وابن أبي شيبة أيضا.
قلت: فإن عبد الحق ضعفه جماعة، ولا يكتب هذا الحديث. وقال ابن حزم في " المحلى ": لم يصح في الخط شيء ولا يجوز القول به. وفي " الذخيرة ": هو مطعون فيه، وقال سفيان: لم يجد شيئا يشد به هذا الحديث.

(2/432)


ويدرأ المار إذا لم يكن بين يديه سترة أو مر بينه وبين السترة، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فادرءوا ما استطعتم» ، ويدرأ بالإشارة كما فعل رسول الله بولد أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[دفع المصلي المار بين يديه]
م: (ويدرأ المار) ش: أي يدفعه م: (إذا لم يكن بين يديه سترة أو مر بينه وبين السترة) ش: هذا هو العاشرة من المواضع العشرة.
وفي " المبسوط ": ينبغي أن يدفع المار عن نفسه لئلا يشغله إما بالرفع أو بأخذ طرف ثوبه على وجه ليس فيه شيء من العلاج، ومن الناس من قال: إن لم يقف بإشارته جاز دفعه بالقتال كأنهم أخذوه بعموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فادرءوا ما استطعتم فإنما هو شيطان» . وبما روى البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدا يمر بين يديه وليدرأه ما استطاع فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان» وأخرج مسلم نحوه عن ابن عمر مرفوعا، وقال الخطابي: معناه أن الشيطان هو الذي يحمله على ذلك، ومعنى المقاتلة الدفع العنيف، ويجوز أن يراد بالشيطان نفس المار؛ لأن الشيطان هو المار والخبيث من الجن والإنس، يقال: معناه معه شيطان يأمره بذلك، بدليل حديث ابن عمر فإن معه القرين، رواه مسلم وأحمد.
وقيل: فعله فعل الشيطان، ويقال: إنه كان في وقت كان العمل فيه مباحا في الصلاة، وقيل: معنى المقاتلة أن يغلظ عليه بعد فراغه، وقيل: يدعو عليه بقوله تعالى {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ} [التوبة: 30] [التوبة: الآية 30] .
م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فادرءوا ما استطعتم» ش: قد مر هذا عند ذكر قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يقطع الصلاة مرور شيء ويدفع بها» وقال إمام الحرمين: لا ينتهي دفع المار إلى منع حقيقي بل يومئ ويشير برفق في صدر من يمر به.
وفي " الكافي " للروياني يدفعه ويصر على ذلك، وإن أدى إلى قتله، وقيل: يدفعه دفعا شديدا أشد من الدرء ولا ينتهي إلى ما يفسد صلاته، وهذا هو المشهور عن مالك وأحمد، وقال: انتهيت [....] إن قرب منه درأه ولا ينازعه فإن مشى له ونازعه لم تبطل صلاته وإن يتجاوزه لا يرده لأنه [
.] وكذا رواه ابن القاسم من أصحاب مالك، وبه قال مالك والشافعي وأحمد. وقال ابن مسعود وسالم: يرده من حيث جاء وإن مر بين يديه ما لا يؤثر فيه الإشارة كالهر، قال المالكية: دفعه برجله أو ألصقه إلى السترة.
م: (كما فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بولد أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -) ش: هذا الحديث رواه ابن ماجه في " سننه " عن أم سلمة قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي في حجرة أم سلمة فمر بين يديه عبد الله أو عمر بن أبي سلمة، فقال بيده فرجع، فمرت زينب بنت أبي سلمة فقال بيده هكذا فمضت، فلما صلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: هذا أغلب» ، وذكر السراج هذا الحديث هكذا، «وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي في

(2/433)


أو يدفع بالتسبيح لما روينا من قبل، ويكره الجمع بينهما؛ لأن بأحدهما كفاية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بيت أم سلمة، فقام عمر بين يديه، فأشار إليه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن قف فوقف، ثم قامت زينب تمر فأشار إليها أن قفي فأبت ومرت فلما فرغ من صلاته، قال: هن أغلب، وقيل: إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ناقصات العقل ناقصات الدين صواحب يوسف، صواحب كرسف يغلبن الكرام ويغلبن القيام، وكرسف اسم عابد من بني إسرائيل فتنته النساء.
وفي كتاب " المعجم " لابن شاهين: قالوا: يا رسول الله: من كرسف؟ قال: رجل كان يعبد الله على ساحل البحر ثلاثين عاما، فكفر بالله العظيم بسبب امرأة عشقها، فتداركه الله تعالى بما سلف منه فتاب عليه» .
م: (أو يدفع بالتسبيح) ش: يعني مخير بين دفعه بالإشارة ودفعه بالتسبيح، ويمكن أن يقال: إن لم يدفع بالإشارة أو ما فهمه يدفعه بالتسبيح فيقول: سبحان الله؛ لما روينا من قبل، أراد به ما ذكره قبل هذا من قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا ناب أحدكم نائبة فليسبح، وهذا في حق الرجال، وأما النساء فإنهن يصفقن؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " فأما التصفيح للنساء.» والتصفيق والتصفيح بمعنى، ولأن في صوتهن فتنة فكره لهن التسبيح.
م: (ويكره الجمع بينهما) ش: أي بين الإشارة والتسبيح م: (لأن بأحدهما كفاية) ش: وفي " المبسوط " قال في الكتاب: واجب إلى أن لا يجمع بينهما، ومنهم من قال: والمستحب أن لا يفعل شيئا، وأما الاثنان الموعود بذكرهما؛ فأحدهما: ترك السترة، والأصل فيها أنه مستحب، وقال إبراهيم النخعي: كانوا يستحبون إذا صلوا في فضاء أن يكون بين أيديهم ما يسترهم، وقال عطاء: لا بأس بترك السترة، وصلى القاسم وسالم في الصحراء إلى غير سترة، ذكر هذا كله ابن أبي شيبة في " مصنفه "، والآخر إذا كانت السترة مغصوبة فهي معتبرة عندنا وتبطل صلاته في إحدى الروايتين [العوارض] عن أحمد ذكرهما في " المغني " ومثله الصلاة في الثوب المغصوب عنده.

(2/434)