البناية
شرح الهداية فصل في العوارض ويكره للمصلي أن يعبث بثوبه
أو بجسده؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إن الله تعالى كره لكم ثلاثا» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في العوارض التي تكره في الصلاة]
م: (فصل في العوارض) ش: بالسكون؛ لأن الإعراب لا يكون إلا بعد العقد
والتركيب، وفيه بيان العوارض التي تكره في الصلاة، وفيها مثله بيان العوارض
التي تفسدها فلقوتها قدمها.
م: (ويكره للمصلي أن يعبث بثوبه أو بجسده) ش: الواو فيه واو الاستفتاح لا
للعطف ولا لغيره لعدم ما تقتضيه هكذا سمعته عن بعض مشائخي الكبار.
وقال السغناقي: قدم هذه المسألة لما أن هذه كلية وغيرها نوعية؛ لأن تقليب
الحصى والقرقعة والتحصر من أنواع العبث، والكلي مقدم على النوعي.
وقال الأترازي أيضا: وإنما قدم هذه المسألة لكونها كالكلي لما بعده.
قلت: لا نسلم أنها كلية أو كالكلية؛ لأن الكلي له مفهوم مشترك بين أفراده،
والعبث بالثوب أو بالجسد لا يشتمل ما بعده من تقليب الحصى وغيره، والذي
يقال فيه أنه إنما قدم هذه المسألة؛ لكثرة وقوعها بالنسبة إلى غيرها، قوله
أن يعبث كلمة أن مصدرية، وتقديره: ويكره العبث في الصلاة، وفي البدرية:
العبث من الذي فيه غرض ولكنه ليس بشرعي، والسفه ما لا غرض فيه، وفي
الحميدي: والعبث كل عمل صحيح ليس فيه غرض صحيح.
فإن قلت: [ما] بين التعريفين منافاة.
قلت: هذا اصطلاح ولا نزاع فيه لبدر الدين الكردري اصطلح بذلك، وحميد الدين
بهذا، وقال تاج الشريعة: العبث الفعل فيه غرض غير صحيح.
م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إن الله كره لكم ثلاثا) ش: وتمامه «أن
الله كره لكم ثلاثا: العبث في الصلاة والرفث في الصيام والضحك في المقابر»
ولم أر أحدا من الشراح بين أصل هذا الحديث وحاله، وغير أن صاحب " الدراية "
قال: رواه أبو هريرة كذا في " المبسوط ".
وقال السروجي: ذكر هذا الحديث في كتب الفقه " كالمبسوط " وغيره.
وقلت: رواه القضاعي في " مسند الشهاب " من طريق ابن المبارك، عن إسماعيل بن
عياش عن عبد الله بن دينار عن يحيى بن أبي كثير مرسلا قال: قال رسول الله -
عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إن الله كره لكم.. إلخ.
وذكره الذهبي في كتابه " الميزان " وعده من منكرات إسماعيل بن عياش، وقال
ابن ظاهر في كلامه على أحاديث الشهاب: هذا حديث رواه إسماعيل بن عياش عن
عبد الله بن دينار وسعيد
(2/435)
وذكر منها العبث في الصلاة، ولأن العبث
خارج الصلاة حرام فما ظنك في الصلاة، ولا يقلب الحصى لأنه نوع عبث
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بن يوسف عن يحيى بن أبي كثير أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.. وهذا
مقطوع، وعبد الله بن دينار شامي من أهل حمص وليس بالمكي.
قلت: إسماعيل بن عياش عالم الشام، وأحد مشايخ الإسلام، روى عنه مثل سفيان
الثوري ومحمد بن إسحاق والليث بن سعد والأعمش وهم شيوخه، وقال يعقوب
الفسوي: تكلم قوم في إسماعيل بن عياش وهو ثقة عدل أعلم الناس بحديث الشام
أكثر ما تكلموا فيه قالوا: يروي عن ثقات الحجاز، وعن ابن معين: ثقة، وعبد
الله بن دينار النهراني، ويقال الأسدي الحمصي وعن ابن سيفان: ضعيف، وقال
أبو علي النيسابوري الحافظ: وهو عندي ثقة، ويحيى بن أبي كثير أبو نصر
اليماني أحد الأعلام روى عن جماعة من الصحابة مرسلا، وقد رأى أنسا - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - يصلي بمكة ولم يسمع منه، فإذا كان الأمر كذلك عد هذا
الحديث من مرسلات التابعين وهي حجة عندنا.
ثم المراد من العبث في الصلاة فعل ما ليس منها لعدم الخشوع، والرفث التصريح
بذكر الجماع، وقال الأزهري: الرفث كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من
المرأة.
وقال ابن عرفة: الرفث الجماع في قَوْله تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ
الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] [البقرة: الآية
187] ، وكراهة الضحك عند المقابر لكونها مواضع الاعتبار والاتعاظ وذكر
الآخرة واليقظة للموت.
[العبث في الصلاة]
م: (وذكر منها العبث) ش: أي ذكر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من الثلاث
التي كرهها الله العبث في الصلاة م: (ولأن العبث خارج الصلاة حرام فما ظنك
في الصلاة) ش: فيه نظر، فإن عبث في ثيابه أو بلحيته أو بذكره خارج الصلاة
يكون تاركا للأولى ولا يحرم ذلك عليه، ولهذا قال في الحديث الذي ذكره: كره
لكم ثلاثا وذكر منها العبث في الصلاة، فلم يبلغه درجة التحريم في الصلاة
فما ظنك بخارجها.
فإن قلت: فعلى ما ذكره ينبغي أن يكون العبث مفسدا للصلاة كالقهقهة.
قلت: بلى إذا كثر العبث تفسد لا لكونه عبثا مطلقا بل لكونه عملا كثيرا،
وأما القهقهة فليست بمفسدة للصلاة لا باعتبار أنها حرام بل باعتبار أنها
تنقض الطهارة وهي شرط الصلاة، ولهذا لا يفسد النظر إلى الأجنبية في الصلاة
وإن كان حراما.
م: (ولا يقلب الحصى لأنه نوع عبث) ش: وهو خلاف الخشوع وقد مدح الله
الخاشعين في الصلاة بقوله: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1]
{الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 2] [المؤمنون:
الآية 1 - 2] والحاصل في هذا الباب أن كل عمل يفيد مصلحة المصلي لا بأس أن
يفعله، وكل عمل ليس بمفيد
(2/436)
إلا أن لا يمكنه من السجود فيسويه مرة
لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مرة يا أبا ذر وإلا فذر» ،
ولأنه فيه إصلاح صلاته ولا يفرقع أصابعه لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -:
«لا تفرقع أصابعك وأنت تصلي» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فيكره أن يشتغل به م: (إلا أن لا يمكنه من السجود) ش: هذا استثناء من قوله:
ولا يقلب وهو من النفي إثبات، والضمير المرفوع في لا يمكنه يرجع إلى الحصى،
والمنصوب يرجع إلى المصلي م: (فيسويه مرة) ش: سويا بالنصب أي بأن يسويه
لأنه جواب النفي.
م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مرة يا أبا ذر وإلا فذر) ش: هذا الحديث
لم يرد بهذا اللفظ الذي ورد أخرجه أحمد في " مسنده " عنه قال: «سألت النبي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن كل شيء حتى سألته عن مسح الحصى
فقال: " واحدة أو دع» .
وأخرجه عبد الرزاق أيضا في " مصنفه " وابن أبي شيبة كذلك، وقال الدارقطني
في " علله ": ابن أبي نجيح رواه عن مجاهد عن أبي ذر مرسلا، وروى الأئمة
الستة في " كتبهم " عن معيقيب، أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «لا
تمسح الحصى وأنت تصلي، وإن كنت فلا بد فاعلا فواحدة» ، ولفظ المصنف منقول
عن المشايخ منهم شمس الأئمة الكردري أنه قال: «سأل أبو ذر خير البشر عن
تسوية الحجر، فقال خير البشر: يا أبا ذر مرة أو ذر» . قوله: ذر؛ أي: دع أي
اترك، وهو أمر من يذر، وقد أتت ماضية ولا يستعمل، وكذلك قالوا في ماضي دع
لكن ورد في القرآن {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} [الضحى: 3] [الضحى: الآية 3] ،
بالتخفيف وهي قراءة شاذة ومعيقيب بن أبي فاطمة الدوسي من مهاجرة الحبشة شهد
بدرا، وكان على خاتم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
واستعمله أبو بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من بيت المال، وتوفي في
خلافة عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
م: (ولأن فيه إصلاح صلاته) ش: أي ولأن في تقليب الحصاة عند عدم التمكن من
السجود إصلاح صلاته وهو تمكينه من السجدة على الأرض م: (ولا يفرقع أصابعه)
ش: أي لا يفرقع المصلي وهو مضارع من الفرقعة وهي نقض أصابعه [بأن لا يمدها
ويغمزها حتى تصوت، ويقال: فقع وفرقع إذا نقض أصابعه] لغمر مفاصلها، ذكره في
" الفائق ".
وقال تاج الشريعة: وإنما يكره لأنه عمل قوم لوط فيكره التشبيه بهم.
قلت: فعلى هذا يكره خارج الصلاة أيضا، وقال شيخ الإسلام: كره من الناس
الفرقعة خارج الصلاة فإنها تلقين الشيطان، ولا خلاف لأحد من الأئمة الأربعة
وغيرهم في كراهة فرقعة الأصابع وتشبيكها في الصلاة، وقال ابن حزم: إن تعمد
فرقعة الأصابع أو تشبيكها أو تختم في غير الخنصر فصلاته باطلة.
م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا تفرقع أصابعك وأنت تصلي» ش: الحديث
رواه ابن ماجه في " سننه " عن الحارث عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن
النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال له: «لا تفرقع أصابعك وأنت في
(2/437)
ولا يتخصر وهو وضع اليد على الخاصرة؛ لأنه
- عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى عن الاختصار في الصلاة، ولأن فيه ترك الوضع
المسنون، ولا يلتفت لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لو علم المصلي من
يناجي ما التفت»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الصلاة» . والحديث معلول بالحارث.
وروى أحمد في " مسنده " والدارقطني في " سننه " والطبراني في " معجمه " عن
ابن لهيعة عن زبان بن فائد عن سهل بن معاذ عن أبيه معاذ بن أنس عن النبي
قال: «الضاحك في الصلاة والملتفت والمفرقع أصابعه بمنزلة واحدة» وهو ضعيف
لأن الرواة كلهم ضعفاء.
[التخصر في الصلاة]
م: (ولا يتخصر) ش: من باب التفعل الذي يدل على التكلف والشدة، وقد فسر
التخصر بقوله م: (وهو وضع اليد على الخاصرة) ش: الخاصرة والخصر وسط
الإنسان، وقيل: التخصر هو التوكؤ على عصا مأخوذ من المخصرة وهو السوط
والعصا ونحوهما، وقيل: أن يختصر السورة فيقرأ آخرها، وقيل: هو أن لا يتم
صلاته في ركوعها وسجودها وحدودها وإنما ينهى عنه لأنه فعل المتكبرين، وقيل:
هو فعل اليهود، وقيل: فعل الشيطان، وقيل: إنه لما طرد من الجنة نزل إلى
الأرض وهو متخصر، وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها نهت أن يصلي
الرجل متخصرا وقالت: لا تشبهوا باليهود، وكراهته متفق عليه في حق الرجل
والمرأة.
م: (لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى عن الاختصار في الصلاة) ش: أخرج هذا
الحديث الجماعة إلا ابن ماجه عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - قال: «نهى رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن يصلي
الرجل متخصرا» وفي لفظ: نهى عن الاختصار في الصلاة. وزاد ابن أبي شيبة في "
مصنفه " قال ابن سيرين: وهو أن يضع الرجل يده على خاصرته وهو في الصلاة.
م: (ولأن فيه) ش: أي في الاختصار م: (ترك الوضع المسنون) ش: وهو وضع اليد
على اليد تحت السرة؛ لأنه علامة الخشوع والخضوع ووضعها على الخاصرة فعل
المصاب، وحالة الصلاة حالة مناجاة العبد ربه ولا حالة إظهار المصيبة.
م: (ولا يلتفت) ش: أي المصلي يمينا أو يسارا، وقال الشاعر فيه:
ولو علم المصلي من يناجي ... لما التفت اليمين ولا الشمال
والالتفات مكروه بالاتفاق بين أهل العلم م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
لو علم المصلي من يناجي لما التفت) ش: لم يرد حديث بهذا اللفظ الذي ورد
قريب، وما رواه الطبراني في " معجمه الأوسط " من حديث أبي هريرة عن النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إياكم والالتفاف في الصلاة، فإن
أحدكم يناجي ربه ما
(2/438)
ولو نظر بمؤخر عينيه يمنة ويسرة من غير أن
يلوي عنقه لا يكره؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يلاحظ أصحابه في
صلاته بمؤق عينيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
دام في الصلاة» «وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: " سألت رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الالتفات في الصلاة، فقال: هو
اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد» ، رواه البخاري وأبو داود والنسائي
وأحمد.
وعن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إياكم
والالتفات في الصلاة، فإن الالتفات في الصلاة هلكة، فإن كان لا بد ففي
التطوع لا في الفريضة» رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وعن أبي ذر -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- قال: «لا يزال الله مقبلا على عبده في الصلاة ما لم يلتفت، فإذا التفت
صرف عنه وجهه» رواه أبو داود والنسائي وأحمد.
[الالتفات في الصلاة]
م: (ولو نظر بمؤخر عينه يمنة ويسرة من غير أن يلوي عنقه لا يكره) ش: ومؤخر
العين بضم الميم وسكون الهمزة وكسر الخاء طرفها الذي يلي الصدغ والمقدم
بخلافه، وهذا إنما لا يكره إذا كان لحاجة، وفي " المبسوط " حد الالتفات
المكروه أن يلوي عنقه حتى يخرج من جهة القبلة والالتفات يمنة ويسرة انحراف
عن القبلة ببعض بدنه، فلو انحرف بجميع بدنه تفسد صلاته م: (لأنه - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - «كان يلاحظ أصحابه في الصلاة بمؤق عينيه» ش: [هذا الحديث لم
يرد بهذا اللفظ، وأخرج ابن ماجه في " سننه " من حديث] علي بن شيبان قال:
«خرجنا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فبايعناه
وصلينا خلفه، فلمح بمؤخر عينه رجلا لم يقم صلاته في الركوع والسجود، فقال:
إنه لا صلاة لمن لم يقم صلبه» . ورواه ابن حبان في " صحيحه " وأخرج الترمذي
والنسائي من حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «كان رسول
الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لا يلتفت في الصلاة يمينا وشمالا ولا يلوي
عنقه خلف ظهره» وقال الترمذي: حديث غريب، ورواه ابن حبان في " صحيحه "
مرفوعا، والحاكم في " مستدركه " وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم
يخرجاه.
وقال جمال الدين الزيلعي: ولو قال المصنف كان يلاحظ أصحابه بؤخر عينيه لكان
أقرب إلى الحديث وإلى مقصوده أيضا، إذ لا يمكن الملاحظة بمؤق العين إلا
ومعها شيء من الالتفات، والمؤق مهموز العين مقدم العين، وكذلك المآق. وفي "
الصحاح " في مآقي العين نعت [......] ويدل عليه ما روي أنه - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - «كان يكتحل من قبل مؤقه مرة وموقه أخرى» . وقال الجوهري أيضا
في مؤق العين: طرفها مما يلي الأنف، واللحاظ طرفها الذي يلي الأذن والجمع
(2/439)
ولا يقعي ولا يفترش ذراعيه لقول «أبي ذر -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نهاني خليلي عن ثلاث: أن أنقر نقر الديك، وأن أقعي
إقعاء الكلب، وأن أفترش افتراش الثعلب» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أماقي، مثل آبار وآثار وهو فعلي وليس بمفعل، لأن الميم من نفس الكلمة وإنما
زيد في آخره الياء للإلحاق، فلم يجدوا له نظيرا يلحقونه به؛ لأن فعلي بكسر
اللام نادر لا أخت لها، فألحق بمفعل، فلهذا جمعوه على مآق على التوهم. وقال
ابن السكيت: ليس في ذوات الأربعة يفعل بكسر العين إلا حرفان مآقي العين؛
ومآوي الإبل، وقال: سمعتها، وقال الأزهري: إجماع أهل اللغة أن الموق والمآق
بمعنى المؤخر والحديث المذكور غير معروف. قلت: ذكر هذا الحديث ابن الأثير
في " النهاية " ثم قال: موق العين مؤخرها ومآقيها مقدمها.
وقال الخطابي: من العرب من يقول: مآق وموق بضمها وبعضهم يقول: وموق بكسرها،
وبعضهم يقول: ماق بغير همز كقاض، والأفصح والأكثر مآقي بالهمزة والياء
والمؤق بالهمزة والضم، وجمع موق آماق وإماق، وجمع مؤق مآقي، وقال الصنعاني:
ماق العين وموقها ومآقيها، وموقها: طرفها ومحله يلي الأنف، ثم ذكر الحديث
المذكور وعلى ما قاله العمدة
إذا قالت حذام فصدقوها
[الإقعاء في الصلاة]
م: (ولا يقعي) ش: من الإقعاء والآن يأتي تفسير المصنف إياه، وقال ابن
تيمية: كراهة الإقعاء مذهب علي وأبي هريرة وابن عمر وقتادة ومالك والشافعي
وأحمد وأكثر العلماء، وكان عطاء وطاوس وابن أبي مليكة وسالم ونافع يقعون
على أعقابهم بين السجدتين، ونقل عن العبادلة بمثله.
م: (ولا يفترش ذراعيه) ش: من الافتراش، وافتراش الذراعين إلقاؤهما على
الأرض م: «لقول أبي ذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: نهاني خليلي عن ثلاث: أن
أنقر نقر الديك، وأن أقعي إقعاء الكلب، وأن أفترش افتراش الثعلب» ش: الحديث
ليس لأبي ذر، وإنما هو لغيره من جماعة من الصحابة بألفاظ مختلفة، فروى
الترمذي وابن ماجه من حديث الأعور عن علي عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نهى
أن يقعي الرجل في صلاته» ورواه الحاكم في " المستدرك " من حديث سمرة بن
جندب، وروى ابن السكن في " صحيحه " عن أبي هريرة: " أن النبي - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - «نهى عن السدل والإقعاء في الصلاة» وعن أنس بلفظ: «نهى عن
التورك والإقعاء في الصلاة،» وروى مسلم في " صحيحه " من حديث عائشة -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «وكان ينهى عن عقبة الشيطان» .
قال أبو عبيد: هو أن يضع إليتيه على عقبيه بين السجدتين، وهو الذي يجعله
بعض الناس الإقعاء. وقال النووي في " الخلاصة " ليس في النهي عن الإقعاء
حديث صحيح إلا حديث عائشة، وروى أحمد والبيهقي من حديث أبي هريرة: «نهاني
رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن نقرة كنقرة الديك، والتفات كالتفات
الثعلب، وإقعاء كإقعاء الكلب» وفي إسناده ابن أبي سليم.
(2/440)
والإقعاء أن يضع إليتيه على الأرض وينصب
ركبتيه نصبا، هو الصحيح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وروى ابن ماجه من حديث أنس بلفظ: «إذا رفعت رأسك من السجود فلا تقع كما
يقعي الكلب، ضع إليتيك بين قدميك وألزق ظاهر قدميك بالأرض» ، وفيه العلاء
بن زيد متروك، وكذبه ابن المديني. ونقر الديك: التقاطه الحب عن سرعة. وفي
[......] النقر في الصلاة تخفيف السجود كنقر الديك.
: (والإقعاء أن يضع إليتيه على الأرض وينصب ركبتيه نصبا) ش: الإقعاء في
اللغة انطباق الإليتين بالأرض ونصب الساقين ووضع اليدين على الأرض كما يفعل
الكلب، وعند الفقهاء مختلف فيه. وفي " التحفة " اختلفوا في تفسير الإقعاء،
فقيل: أن ينصب قدميه كما يفعل في السجود ويضع إليتيه على عقبيه. وقال
الكرخي: هو أن يقعد على عقبيه ناصبا رجليه.
وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الإقعاء أن يضع إليتيه على الأرض واضعا
يديه عليهما وينصب فخذيه ويجمع ركبتيه إلى صدره وهذا أشبه بإقعاء الكلب.
وفي " المبسوط " وهو مراد الفقهاء وهو الأصح لأن إقعاء الكلب يكون هكذا.
وفي " الكافي " إلا أن إقعاء الكلب في نصب اليدين وإقعاء الآدمي في نصب
الركبتين إلى الصدر. وقال النووي: الأصح في الإقعاء أنه الجلوس على الوركين
ونصب الفخذين والركبتين قال: وضم إلى ذلك أبو عبيدة وضع اليدين على الأرض
والقعود على أطراف الأصابع. [قال] والصواب هو الأول وأما الثاني فغلط، فقد
ثبت في " صحيح مسلم " أن الإقعاء سنة نبينا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.
وقال القاضي عياض في " مشارق الأنوار " الذي قاله أبو عبيدة أولى، والألية
بالفتح ألية الشاة. قال الجوهري: ولا تقل إلية ولا لية فإذا ثنيت، قلت:
إليتان فلا تلحقه التاء قال: ترتج إليتاه ارتجاج الوطب. قلت: جاء إليتاه
أيضا بإلحاق التاء كما في قوله: وأنف إليتيك ويستطار الوطب بفتح الواو
وسكون الطاء وفي آخره باء موحدة وهو شقا [......] خاصة وقوله: نصبا، منصوب
على المصدرية.
م: (هو الصحيح) ش: أي الذي ذكره في تفسير الإقعاء هو الصحيح، واحترز به عما
قيل الإقعاء أن ينصب قدميه كما يفعل بالسجود ويضع إليتيه على عقبيه لأن
الكلب لا يقعي كذلك، وإنما يقعي مثل ما ذكر في الكتاب إلا أنه ينصب يديه،
والآدمي ينصب ركبتيه في صلاته كما ذكره في " الكافي ". وقال النووي:
الإقعاء على نوعين أحدهما مستحب والآخر منهي عنه، والنهي أن يضع إليتيه
ويديه على الأرض وينصب ساقيه، والمستحب أن يضع إليتيه على عقبيه وركبتاه في
الأرض فهذا الذي رواه مسلم «عن طاوس قال: قلت لابن عباس في الإقعاء على
القدمين، فقال: هي السنة، فقلت له: أما تراه حقا يا رجل؟ فقال: بل هي سنة
نبيك - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وفعلته العبادلة» . نص الشافعي على استحبابه
بين السجدتين وقد غلط فيه جماعة لتوهمهم أن الإقعاء نوع واحد وأن
(2/441)
ولا يرد السلام بلسانه؛ لأنه كلام، ولا
بيده لأنه سلام معنى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأحاديث فيه متعارضة حتى ادعى بعضهم أن حديث ابن عباس منسوخ، وهذا غلط
فاحش فإنه لم يتعذر الجمع ولا تاريخ فكيف يصح النسخ.
[رد السلام للمصلي]
م: (ولا يرد السلام بلسانه لأنه كلام) ش: ولهذا لو حلف لا يكلم فلانا فسلم
يحنث ولو رده به بطلت صلاته، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وأبو ثور وإسحاق
وأكثر العلماء، وهو مروي عن أبي ذر وعطاء والنخعي والثوري، وكان سعيد بن
المسيب والحسن وقتادة لا يرون به بأسا، وكان أبو هريرة يرد السلام في
الصلاة ويسمعه، ثم هل يجب بعد الفراغ؟ ذكر الخطابي والطحاوي أنه - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - رد على ابن مسعود بعد فراغه من الصلاة كذا في " المجتبى "،
وفي " الغاية " للسروجي ويرده بعد السلام عند محمد وعطاء والنخعي والثوري
وهو قول أبي ذر، وعند أبي حنيفة لا يرده في نفسه، وعند أبي يوسف لا يرده في
الحال، ولا بعد الفراغ ويكره السلام على المصلي والقارئ والذاكر والجالس
للقضاء.
م: (ولا بيده لأنه سلام معنى) ش: أي من حيث المعنى، أراد أنه ينوب عن الرد
باللسان، وقال الشافعي: يستحب رده بالإشارة، وعن أحمد كراهية الرد بالإشارة
في الفرض دون النفل، ومالك مرة كرهه ومرة أجازه. وفي " جوامع الفقه " لو
أشار لرد السلام برأسه أو بيده أو بأصبعه لا تفسد صلاته. وفي " الذخيرة "
لا بأس للمصلي أن يجيبه برأسه، قيل للمصلي: تقدم فتقدم أو دخل وأخذ فرجة
الصف فتجانب المصلي توسعة له فسدت صلاته؛ لأنه امتثل أمر غير الله في
الصلاة، وينبغي للمصلي أن يمكث ساعة ثم يتقدم برأيه.
فإن قلت: روى أبو داود والترمذي والنسائي «عن صهيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- قال: مررت برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يصلي
فسلمت عليه، فرد علي إشارة، قال: لا أعلم إلا أنه قال: " إشارة بأصبعه» ،
وصححه الترمذي. وأخرج أبو داود والترمذي «عن ابن عمر قال: قلت لبلال: كيف
كان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه في
الصلاة؟ قال: كان يشير بيده.» قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وأخرجه ابن
خزيمة وابن حبان في " صحيحهما " والدارقطني في " سننه " عن أنس «أن النبي -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يشير في الصلاة» . قلت: يحتمل أن النبي -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان في التشهد وهو يشير بأصبعه فظنه صهيبا ردا أو لم
يذكر أنه كان في حال القيام أو القعود أو غيرهما، وما حكي عن بلال وأنس
وغيرهما فلعله كان نهيا عن السلام فظنوه ردا.
(2/442)
حتى لو صافح بنية التسليم تفسد صلاته
ولا يتربع إلا من عذر لأن فيه ترك سنة القعود،
ولا يعقص شعره وهو أن يجمع شعره على هامته ويشده بخيط أو بصمغ ليتلبد،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ويؤيد ما ذكرنا ما رواه البخاري ومسلم من حديث جابر بن عبد الله - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كنا مع رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في حاجة
فرجعت وهو يصلي على راحلته ووجهه إلى غير القبلة فسلمت عليه فلم يرد علي،
فلما انصرف قال: أما إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كنت أصلي» . وقد
يجاب عن هذه الأحاديث بأنها كانت قبل نسخ الكلام في [الصحيح] الصلاة، يؤيده
«حديث ابن مسعود: " كنا نسلم على رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وهو في
الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا.»
م: (حتى لو صافح بنية التسليم تفسد صلاته) ش: كلمة حتى هاهنا غاية لما
قبلها في الزيادة من قبيل قولهم مات الناس حتى الأنبياء، وعلة الفساد هو
كون المصافحة بنية التسليم عملا كثيرا. وقال البقالي وحسام المردني: فعلى
هذا لو رد بالإشارة ينبغي أن يفسد لأنه كالتسليم باليد. وقال: عند أبي يوسف
لا تفسد.
[التربع للمصلي]
م: (ولا يتربع إلا من عذر) ش: به كالألم في رجله، أما التربع فلأنه نوع
تجبر وحال الصلاة حال خشوع وتضرع، وعلل المصنف بقوله م: (لأن فيه ترك سنة
القعود) ش: وهي افتراش رجله اليسرى والجلوس عليها ونصب اليمنى وتوجيه
أصابعه نحو القبلة، وأما في حالة العذر فلأنه ناسخ لترك الواجب فأولى أن
يسبح لترك المسنون، وكان ابن عمر يتربع في الصلاة فنهاه عمر - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - فقال: إني رأيتك تفعله، فقال: في رجلي عذر.
وقال شيخ الإسلام: التربع جلوس الجبابرة فلهذا كره في الصلاة. وقال السرخسي
في " مبسوطه ": هذا ليس بقوي فإنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يتربع في
جلوسه في بعض أحواله حتى إنه «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يأكل متربعا
فينزل عليه الوحي، كل كما يأكل العبيد واشرب كما يشرب العبيد، واجلس كما
يجلس العبيد» وهو - عَلَيْهِ السَّلَامُ -[......] عن أخلاق الجبابرة،
وكذلك كان جلوس عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في مجلس النبي - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - كان متربعا؛ لكن الجلوس على الركبتين أقرب إلى التواضع فهو
أولى في حالة الصلاة إلا من عذر.. وفي " الخلاصة " التربع خارج الصلاة
مكروه أيضا.
[لا يصلي وهو معقوص الشعر]
م: (ولا يعقص شعره) ش: أي لا يصلي وهو معقوص الشعر؛ لأنه لو عقصه وهو في
الصلاة فسدت صلاته لأنه عمل كثير م: (وهو) ش: أي عقص الشعر؛ لأن الفعل يدل
على مصدره كما في قَوْله تَعَالَى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}
[المائدة: 8] [المائدة: الآية 8] ، م: (أن يجمع شعره على هامته) ش: أي وسط
رأسه م: (ويشده بخيط أو بصمغ ليتلبد) ش: أي ليلتصق.
(2/443)
فقد روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى
أن يصلي الرجل وهو معقوص»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي " الصحاح " تلبد أي لصق، حاصله أن يجمع مشتدا، وفي " المحيط " العقص أن
يتضفر به حول رأسه كعقد النساء أو يجمع شعره [فيعقد في مؤخر رأسه. وفي "
المبسوط " عقصه [وهو] أن يجمع شعره على هامته] . وقيل: أن يشده كله على
القفا كيلا يصل الأرض إذا سجد. وفي الصحاح: عقص الشعر ضفره وليه على الرأس،
وللمرأة عقصته، وجمعه عقص، وفي المغرب: العقص جمع الشعر على الرأس، وقيل:
كيه وإدخال أطرافه في أصوله، والعقاص ستر يجمع به الشعر، ثم إن صلاته صحيحة
مع الكراهة، واحتج ابن جرير الطبري بصحتها بإجماع العلماء. وحكى ابن المنذر
الإعادة عليه عن الحسن البصري.
واتفق الجمهور من العلماء أن النهي لكل من صلى كذلك سواء تعمده للصلاة، أو
كان كذلك قبلها لمعنى آخر. قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: النهي لمن يفعل
ذلك [في] الصلاة، والصحيح الأول لإطلاق الحديث.
م: (فقد روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نهى أن يصلي الرجل وهو معقوص» ش:
هذا الحديث رواه عبد الرزاق في " مصنفه "؛ أخبرنا سفيان الثوري عن محمود بن
راشد عن رجل عن أبي رافع قال: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أن يصلي الرجل وهو معقوص» ، وأخرجه ابن ماجه في " سننه " عن
شعبة عن مخول بن راشد «سمعت أبا سعد يقول: رأيت أبا رافع مولى رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد رأى الحسن بن علي - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ -، وهو يصلي وقد عقص شعره فأطلقه وقال: " نهى رسول الله -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن يصلي الرجل وهو عاقص شعره» .
ورواه أبو داود عن عمران بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه أنه
رأى أبا رافع مولى النبي _ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مر بالحسن بن علي -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو يصلي قائما، وقد غرز ضفرة في قفاه، فحلها أبو
رافع، فالتفت إليه الحسن مغضبا، فقال له أبو رافع: أقبل على صلاتك ولا تغضب
فإني سمعت رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقول: «ذاك كفل الشيطان» ،
وروى الترمذي أيضا نحوه إلا أنه قال فيه عن أبي رافع، لم يقل إنه رأى أبا
رافع، وقال حديث حسن.
ورواه الطبراني في " معجمه " عن سفيان عن مخول بن راشد عن سعيد المقبري عن
أبي رافع عن أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن النبي - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - نهى أن يصلي الرجل ورأسه معقوص» ورواه إسحاق بن راهويه في "
سننه "، أخبرنا المؤمل بن إسماعيل ثنا سفيان به سندا ومتنا، وزاد:
(2/444)
ولا يكف ثوبه؛ لأنه نوع تجبر، ولا يسدل
ثوبه؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى عن السدل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال إسحاق.
قلت للمؤمل بن إسماعيل أفيه أم سلمة، فقال: بلا شك هكذا منه إملاء بمكة،
وهذا السند رواه الدارقطني في كتاب " العلل "، قال: ووهم المؤمل في ذكر أم
سلمة وغيره لا يذكرها. وفي " صحيح مسلم «عن ابن عباس أنه رأى عبد الله بن
الحارث وهو يصلي ورأسه معقوص من الخلف فقام وراءه فجعل يحله، فلما انصرف
أقبل على ابن عباس فقال: مالك ورأسي؟ فقال: سمعت رسول الله - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - يقول: إنما مثل هذا مثل الذي يصلي وهو مكتوف» قيل: الحكمة في
هذا المنهي عنه أن الشعر يسجد معه ولهذا مثله بالذي يصلي وهو مكتوف وقال
ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لرجل رآه يسجد وهو معقوص الشعر أرسله
ليسجد معك.
قوله: كفل الشيطان بكسر الكاف وسكون الفاء مقعده، وأصله كساء يدار حول سنام
البعير، وقيل يعقد طرفاه على حجز البعير ليركبه الرديف، ويجعله تحت كفله أي
عجزه.
[كف الثوب في الصلاة]
م: (ولا يكف ثوبه) ش: المراد من كف الثوب القبض والضم، وأن يرفعه من بين
يديه أو من خلفه إذا أراد السجود، وقيل لا بأس بكف الثوب صيانة عن التلوث.
وفي " مختصر الحسن " قال: كان تاج الدين الهندي [لعله أخو حسام الهندي
الشهيد] يرسل لحيته في الصلاة، ويقول في إمساكها كف الثوب وإنه مكروه، وكان
برهان الدين صاحب " المحيط " وقاضي خان وغيرهما يمسكونه قال: وهو الأحوط.
م: (لأنه) ش: أي لأن كف الثوب م: (نوع تجبر) ش: ولا يفعله إلا المتجبرون،
وروي في الصحيح عن طاوس عن ابن عباس عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال:
«أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ولا أكف ثوبا ولا شعرا» .
م: (ولا يسدل ثوبه لأنه _ «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - _ نهى عن السدل» ش: هذا
الحديث رواه أبو داود في " سننه " عن سليمان الأحول عن عطاء بن أبي رباح عن
أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أن «رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن السدل في الصلاة وأن يغطي الرجل فاه» ، ورواه
ابن حبان في " صحيحه " والحاكم في " مستدركه "، وقال: حديث صحيح على شرط
الشيخين ولم يخرجاه.
ورواه الترمذي عن عسل بن سفيان عن عطاء عن أبي هريرة مرفوعا، وقال: لا
نعرفه مرفوعا من حديث عطاء عن أبي هريرة إلا من حديث عسل بن سفيان وليس في
روايته: وأن يغطي الرجل فاه. وعسل بكسر العين وسكون السين والمهملتين ضعفه
البخاري والنسائي
(2/445)
وهو أن يجعل ثوبه على رأسه وكتفيه ثم يرسل
أطرافه من جوانبه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وغيرهما، وفي سند أبي داود الحسن بن ذكوان المعلم، ضعفه ابن معين وأبو
حاتم، وقال النسائي ليس بالقوي، لكن أخرج له البخاري في " صحيحه " وذكره
ابن حبان في " الثقات ".
م: (وهو) ش: أي السدل بسكون الدال، وفي " المغرب " بفتحها وهو من باب طلب
طلبا م: (أن يجعل ثوبه على رأسه وكتفيه، ثم يرسل أطرافه من جوانبه) ش:
اختلفوا في تفسير السدل، فقال في " شرح مختصر الكرخي " مثل ما قال المصنف،
إلا أنه قال: يجعل ثوبه على رأسه أو كتفيه بكلمة أو، وقال المعلى: السدل أن
تجمع طرفي إزارك من الجانبين جميعا فإن ضممتهما أمامك فليس بسدل. وقال
الحسن: السدل أن يضع وسط ثوبه على عاتقه ويرخي طرفيه. وروى المعلى عن أبي
يوسف عن أبي حنيفة كراهة السدل على القميص وعلى الإزار وبه قال أبو يوسف؛
للتشبيه بأهل الكتاب قال: وهم يسدلون مع القميص وغيره، وقيل: هو جر الثوب
على الأرض ذكره بعض المالكية، وفي " مختصر البحر المحيط ": [أن] السدل أن
يلبس [......] ولا يدخل يديه في كميه ومثله عن جار الله، وفي صلاة
(الجلاتي) إذا ضم طرفه أمامه فليس بسدل، واختلفوا في كراهة السدل خارج
الصلاة، والعامة على كراهته في الصلاة إلا مالكا فإنه لا يكرهه فيها.
1 -
فروع: ولو صلى وقد شمر كميه لعمل أو شبه ذلك يكره، وقيل لا بأس به، ويكره
تغطيه الفم بلا عذر والاعتجاز وهو أن يلف العمامة حول رأسه، وقيل أن يلف
بعضها على رأسه وبعضها على وجهه، وفي [" خبر مطلوب "] هو أن يشد عمامته على
رأسه ويبدي هامته.
وقيل: يشد بعض عمامته على رأسه وبعضها على يديه. وعن محمد أنه يلف بعضها
على رأسه وطرفا منها يجعله كالمعجز للنساء. ويكره التسليم وتغطية الأنف
والفم. قال في " المحيط " لأنه يشبه فعل المجوسيين حال عبادة النيران. ولا
يمشط ولا يتثاءب فإن غلبه شيء من ذلك كظم نفسه ما استطاع، فإن غلبه وضع يده
أو كمه على فمه، وروى مسلم «إذا تثاءب أحدكم فليسمك بيده على فمه فإن
الشيطان يدخل [فيه] » . ويكره أن يروح على نفسه بمروحة أو بكمه، وحكاه ابن
المنذر عن عطاء ومسلم بن يسار والنخعي ومالك والشافعي، ورخص فيه ابن سيرين
ومجاهد والحسن، وكرهه أحمد وابن راهويه إلا أن يأتي غم شديد. وفي " المحيط
" ويكره أن يدخل في الصلاة وهو يدافع الأخبثين أو الريح فإن ثقله الاهتمام
بها قطعها، وإن مضى عليها أجزأه وقد أساء، وشدد أبو زيد المروزي والقاضي
حسين من الشافعية وقالا: إذا انتهى به مدافعة الأخبثين إلى ذهاب خشوعه لم
تصح صلاته، ومذهب الظاهرية بطلان الصلاة مع مدافعة الأخبثين، والصحيح عند
العلماء: صحة ذلك مع الكراهة.
(2/446)
ولا يأكل ولا يشرب؛ لأنه ليس من أعمال
الصلاة، فإن أكل أو شرب عامدا أو ناسيا فسدت صلاته؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قلت: روى مسلم من حديث عائشة عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا صلاة
بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان» .
قلت: هو محمول على الكراهة عند عامة العلماء. وفي " مختصر البحر المحيط "
إن اشتغل الحاقن بالوضوء يفوته الوقت يصلي؛ لأن الأداء مع الكراهة أولى من
القضاء، ويكره لبسة الصماء، وروى الحسن عن أبي حنيفة أنها كالاضطباع، وإنما
كرهها؛ لأنها من لبس أهل الأشر والبطر، وفي " البخاري «أنه - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - نهى عن لبسة الصماء فقال: إنما يكون الصماء إذا لم يكن عليك
إزار» . قيل: هي اشتمال اليهود. وقال الجوهري عن أبي عبيد: اشتمال الصماء
أن تخلل جسدك بثوبك نحو سلمة الأعراب بأكيستهم وهي أن يرد الكساء من قبل
يمينه على يده اليسرى وعاتقه الأيسر ثم يرده ثانية من خلفه على يده اليمنى
أو عاتقه الأيمن فيغطيها.
وقيل: أن يشتمل بثوبه فيخلل جسده كله ولا يرفع جانبا يخرج يده منه. وقيل:
أن يشتمل ثوب واحد ليس عليه إزار، وفي " مشارق الأنوار " هو الالتفاف في
ثوب واحد من رأسه إلى قدميه يخلل به جسده كله وهو التلفف، قال سميت بذلك
والله أعلم لاشتمالها على أعضائه حتى لا يجد مستقرا كالصخرة الصماء أو
يشدها وضمها جميع الجسد، ومنه صمام القارورة الذي تسد به فوها.
وتكره الصلاة حاسرا رأسه تذللا، وكذا في ثياب البذلة وفي ثوب فيه تصاوير.
ويستحب أن يصلي في ثلاثة أثواب إزار وقميص وعمامة، والمرأة في قميص وخمار
ومقنعة كذا في " المجتبى ".
وفي " فتاوى السغناقي " ويكره له شد وسطه لأنه صنيع أهل الكتاب. [وفي "
الخلاصة " أنه لا يكره، كذا في شرح " منية المصلي " و " البحر الرائق "
وكذا في " القنية "] .
[الأكل والشرب في الصلاة]
م: (ولا يأكل ولا يشرب) ش: بالإجماع م: (لأنه ليس من أعمال الصلاة) ش: أي
لأن كل واحد من الأكل والشرب ليس من أفعال الصلاة، وعن سعيد بن جبير أنه
شرب [الماء] في النافلة، وعن طاوس لا بأس بالشرب في النافلة وهو رواية عن
أحمد، وقال ابن المنذر: لا يجوز ذلك، ولعل من حكى ذلك عنه أنه كان فعله
ناسيا أو سهوا، وروي أيضا عن ابن الزبير: أنه شرب في التطوع، وقال إسحاق:
لا بأس به.
م: (فإن أكل أو شرب عامدا) ش: أي حال كونه عامدا م: (أو ناسيا فسدت صلاته)
ش: قل أكله أو كثر وهو قول الأوزاعي، وعند الشافعي: إن كان ناسيا للصلاة أو
جاهلا بتحريمه إن كان قليلا لم يبطلها، وإن كان كثيرا أبطلها في أصح
الوجهين، وتعرف القلة والكثرة بالعرف، ذكره
(2/447)
لأنه عمل كثير وحالة الصلاة مذكرة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
النووي.
وقال ابن القاسم: إن أكل أو شرب يتبدئ، قال: ولم أحفظه عن مالك، وقال ابن
حبيب: يبني [عليه] ما لم يبطل، وقال أحمد: لا تبطل بهما إذا كان ناسيا وفي
" الذخيرة " لو ابتلع شيئا بين أسنانه لا تفسد صلاته؛ لأنه تبع لريقه،
ولهذا لا يفسد به الصوم إذا كان قليلا كالحمصة، فإن كان أكثر من ذلك يفسد،
وقيل لا تفسد الصلاة بما دون ملء الفم، وفرق هذا القائل بين الصلاة والصوم،
وفي " أجناس الناطقي " إذا ابتلع المصلي ما بين أسنانه أو فضل طعام أكله أو
شراب شربه فصلاته تامة، وإن أخذ سمسمة فوضعها في فمه فابتلعها تفسد، وعند
أبي حنيفة وأبي يوسف لا تفسد، ذكره في " جوامع الفقه ".
وقال الشافعي: إن ابتلع شيئا من بين أسنانه أو نخامة من رأسه تفسد صلاته،
وفي " الذخيرة " لو قاء دون ملء الفم فعاد إلى جوفه لا تفسد، وإن أعاده وهو
يقدر على دفعه قال المرغيناني: يجب أن يكون على قياس الصوم، لا يفسد عند
أبي يوسف، وتفسد عند محمد، وإن تقيأ أقل من ملء الفم لا تفسد وهو المختار،
ولو كان في فمه سكرة فذابت ودخلت في حلقه فسدت وبه قال أحمد وهو الصحيح من
وجهي الشافعية، ولو بقيت حلاوة السكر ونحوه في فمه بعد الشروع ولا يدخل
حلقه مع ريقه لا تفسد، ولو كان في فمه هليلجة فلاكها فسدت صلاته وإن لم
يكلها لا تفسد إلا إذا كثر ذلك، وإن مضغ علكا تفسد إذا أكثر ولو وقع في فمه
بردة أو ثلج أو قطرة من مطر فابتلعه فسدت.
م: (لأنه) ش: أي لأن كل واحد من الأكل والشرب م: (عمل كثير) ش: لا محالة
فتفسد به م: (وحالة الصلاة مذكرة) ش: هذا جواب عما يقال: ينبغي أن يكون أكل
الناسي وشربه عفوا في الصلاة كما في الصيام، وتقرير الجواب أن يقال: لا
نسلم بصحة القياس لوجود الفارق، وهو أن حالة الصوم ليست بمذكرة فجعل
النسيان عذرا بخلاف حالة الصلاة فإنها مذكرة فلم يجعل عفوا، ثم اعلم أن
لأصحابنا خمسة أقوال في التفرقة بين العمل الكثير والقليل في الصلاة:
أحدها: أن ما يقام باليدين عادة كثير، وإن ما يقام بيد واحدة قليل ما لم
يتكرر.
1 -
وفي " الذخيرة ": لو فعل ما يقام باليدين بيد واحدة لا تفسد الصلاة، ولو
لبس قميصا أو شد سراويل تفسد، ولو نزع القميص أو حل السراويل لا تفسد، ولو
سرح لحيته أو لبس خفيه أو أسرج دابته أو نزعه أو ألجمها أو دهن رأسه بيده
بأن أخذ الدهن وصبه على يده ومسح به رأسه تفسد. وفي " الأجناس ": لو نزع
لجام دابته أو أمسكها أو خلع خفيه وهو واسع أو نعليه أو زرر قميصا أو قباء
أو لبس قلنسوة أو نزعها أو فتح بابا أو رده أو أغلق قفلا أو جعل فتيلة في
مسرجه لا تفسد لأنه عمل قليل.
(2/448)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي " جوامع الفقه ": سئل أبو بكر عمن شد إزاره بيديه، قال: لا عبرة لليدين
وإنما العبرة بكثرة العمل، وقيل: اعتبار اليدين، قول أبي يوسف - رَحِمَهُ
اللَّهُ - ولو أخذ قوسا فرمى به [تفسد صلاته. وقال المرغيناني: إن كان
القوس بيده والسهم في الوتر فرمى به] لا تفسد، وهو اختيار الشيخ أبي بكر
محمد بن الفضل.
الثاني: أن الثلاث كثير، واستدل على هذا بما روى محمد بن الحسن عن أبي
حنيفة أنه قال: إذا تروح مرتين لا تفسد، فإن زاد فسدت، وقليله لا يفسد،
وذكر الأستاذ حسام الدين الشهيد، إذا حك موضعا من جسده ثلاث مرات بدفعة
واحدة تفسد صلاته. وفي " الذخيرة ": لو عبث بلحيته أو حك بعض جسده لا تفسد،
قيل: هذا إذا فعله مرة أو مرتين، وكذا لو فعله إذا فصل بين كل مرتين، فإن
كان ذلك متواليا تفسد وعلى هذا قتل القملة، وعلى هذا رمي الحجار الثلاثة
على الولاء، ونتف ثلاث شعرات على الولاء تفسد ذكره في " جوامع الفقه ".
الثالث: أنه مفوض إلى رأي المصلي المبتلى به، فإن استكثره كان كثيرا وإن
استقله كان قليلا، قال الحلواني: هذا أقرب إلى قول أبي حنيفة لأنه مفوض في
مثل ذلك إلى رأي المبتلى به، ويخرج على هذا ما ذكره في " الذخيرة " أنه لو
تروح بكمه ثلاثا تفسد، ولو نتف من شعره ثلاث شعرات تفسد، ولو ضرب إنسانا
بيده أو بسوط تفسد، ولو رمى طيرا بحجر لا تفسد، ذكره في " المبسوط " فإن
ضرب دابة مرة أو مرتين لا تفسد، وثلاثا، ولو حرك رجلا واحدة لا على الدوام
لا تفسد ورجلين تفسد.
الرابع: أن الكثير ما يكون مقصودا لفاعل بأن يفرد له مجلسا، قال في "
الذخيرة " واستدل هذا القائل بامرأة لمسها زوجها بشهوة أو قبلها بشهوة فسدت
صلاتها، وكذا لو مس صبي ثديها فخرج منها اللبن تفسد، وذكر المعلى عن أبي
يوسف أن قليل المباشرة لا تفسد وكثيرها يفسد، وكذا القبلة والمباشرة عن
شهوة تفسد قليلها وكثيرها، وروى ابن سماعة عن أبي يوسف: أن القبلة تفسد
بشهوة كانت أو بغير شهوة، وعن أبي يوسف لو مسته امرأة بشهوة ولم تشتهه أو
قبلت فمه ولم يقبلها لا تفسد صلاته، وفي " المرغيناني " ولو قبل امرأة لم
يشتهها لا تفسد.
الخامس: أنه لو نظر إليه ناظران بعيدان إن كان لا يشك أنه في غير الصلاة
فهو كثير مفسد للصلاة، ولو شك لا يفسد، [قال المرغيناني: هو الأصح، ولو
حملت امرأة صبيها فأرضعته أو قطع ثوبا أو خاطه] قال المرغيناني: فهذا كله
عمل كثير على الأقوال كلها، ولو [خلع] عمامته فوضعها على الأرض أو على رأسه
أو كتب خطا [......] لا تفسد إلا أن يطول فيزيد على ثلاث كلمات، وفي
الملتقط فإن زاد على مرة أو هو على [
... ] لا تفسد، وإن كثر، وحركة الأصابع عمل قليل. وروى المعلى عن أبي يوسف:
إن كتب في شيء يقرأ تفسد وفي شيء لا يقرأ لا
(2/449)
ولا بأس بأن يكون مقام الإمام في المسجد
وسجوده في الطاق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تفسد. وذكر محمد بن الحسن في " السير الكبير " عن الأزرق بن قيس الأسلمي
أنه رأى أبا برزة يصلي آخذا بقياد فرسه، حتى صلى ركعتين فانسل قياده من
يده، فمضى الفرس نحو القبلة، فتبعه أبو برزة حتى أخذ بقياده ثم رجع ناكصا
عن عقبيه حتى صلى الباقيتين، ثم قال محمد: وبهذا نأخذ إذا لم يستدبر القبلة
بوجهه ولم يفصل بين القليل والكثير، فهذا يبين لنا أن المشي مستقبل القبلة
لا تفسد وإن كثر، ومن المشايخ من روى هذا الأثر، واختلفوا في تأويله. قيل:
معناه أنه لم يجاوز الصفوف أو موضع سجوده. وقال المرغيناني في " المختار "
أنه إذا كثر يفسد. وقيل: تأويله أنه إذا مشى خطوة أو خطوتين فوقف ثم مشى
مثل ذلك حتى أخذه وذلك قليل، أم إذا مشى متلاحقا يفسدها. وقيل: إذا كان
مقدار ما يكون بين الصفين لا تفسد كما لو رأى في الصف الأول فرجة وهو في
الثاني فمشى إليه فسدها لا يفسد ومن الثالث يفسد، وحكى القاضي ركن الإسلام
أبو الحسن علي المفدى عن أستاذه أنه إذا مشى مستقبل القبلة وهو غاز أو حاج
أو سفر طاعة وعبادة وإن كثر.
قلت: الأثر المذكور رواه البخاري في باب إذا انفلتت الدابة في الصلاة،
حدثنا آدم قال: حدثنا شعبة قال: حدثنا الأزرق بن قيس قال: كنا بالأهواز
نقاتل الحرورية، فبينما كنا على حرف نهر إذا رجل يصلي وإذا لجام دابته
بيده، فجعلت الدابة تنازعه وجعل يتبعها، (قال شعبة: هو أبو برزة الأسلمي)
الحديث. وذكر المرغيناني هذا، وقال: الذي رووه لا يصح، والصحيح أبو بردة،
واسم أبي برزة نضلة بن عبيد وقيل نضلة بن عابد وقيل: ابن عبد الله والأول
هو الصحيح، وأبو بردة اسمه هانئ بن دينار، ويقال: اسمه الحارث من شهداء
بدر، وفي التابعين أبو بردة بن أبي موسى الأشعري قاضي الكوفة، اسمه عامر،
وقيل الحارث، وذكرت الشافعية في الفصل بين القليل والكثير أربعة أقوال:
الأول: الكثير ما يسع زمانه فعل ركعة حكاه الرافعي. قال النووي: وهو ضعيف
أو غلط.
الثاني: ما يحتاج في عمله إلى بدنه كتكوير عمامته وعقد إزاره وسراويله،
حكاه الرافعي.
الثالث: ما يظن للثاني نظر إليه أنه كثير في الصلاة وضعفوه كقتل الحية وحمل
الصبي.
الرابع: وهو المشهور أن الرجوع إلى العرف في القلة والكثرة، ذكر هذا
الأقوال النووي في " شرح المهذب ".
م: (ولا بأس بأن يكون مقام الإمام في المسجد وسجوده في الطاق) ش: شرع من
هاهنا في مسائل " الجامع الصغير "، والمراد بمقام الإمام موضع القدم
وبالطاق المحراب، وقوله وسجوده في الطاق أي ورأسه في الطاق عند السجود وهذه
صورتان الأولى هذه وهي أن يقوم الإمام في المسجد بقدميه ولكن عند سجوده
يكون رأسه في المحراب، فهذه لا تكره؛ لأن الاعتبار بموضع القيام
(2/450)
ويكره أن يقوم في الطاق؛ لأنه يشبه صنيع
أهل الكتاب من حيث تخصيص الإمام بالمكان، بخلاف ما إذا كان سجوده في الطاق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لا بموضع السجود، ألا ترى إن قدم المقتدي إذا كانت مؤخرة عن قدم الإمام
ورأسه مقدما على رأس الإمام بسبب طول المقتدي تجوز صلاته، وإذا كانت قدم
المقتدي مقدمة عن قدم الإمام فلا تجوز صلاته، ألا ترى أن الطير إذا كان
رجله في الحرم ورأسه خارج الحرم يكون من صيد الحرم حتى يجب الجزاء بقتله،
ألا ترى أن من حلف لا يدخل دار فلان فأدخل جميع أعضائه فيها دون القدمين لا
يحنث، فعلم أن الاعتبار بموضع القدم.
وفي " الجنازية ": طعن بعض من خالف أبا حنيفة في قوله لا بأس بأن يكون مقام
الإمام في المسجد وسجوده في الطاق يعني لم يجعل الطاق من المسجد وليس كذلك،
فإن المراد من المسجد هاهنا مصلى الناس وموضع سجودهم، والطاق ليس بمسجد
بهذا الاعتبار، وبه تندفع شبهة الصورة الثانية.
هي قوله: م: (ويكره أن يقوم في الطاق) ش: أي ويكره أن يقوم الإمام وحده في
المحراب وتعليل هذه الصورة بشيئين: أحدهما: ما ذكره المصنف بقوله م: (لأنه
يشبه صنيع أهل الكتاب) ش: أي لأن قيام الإمام في الطاق يشبه صنيع أهل
الكتاب، وأشار إلى وجه التشبيه بصنيعهم بقوله م: (من حيث تخصيص الإمام
بالمكان) ش: لأنهم يتخذون لإمامهم مكانا والتشبه بهم مكروه، وقال -
عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من تشبه بقوم فهو منهم» ، ولهذا يكره الاعتجاز
وتغطيه الفم؛ لأنه تشبيه بهم، وكذا يكره التمايل عن اليمين واليسار، وقد صح
عن أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: «إذا صلى أحدكم فليسكن أطرافه فلا يتمايل تمايل اليهود» .
والتعليل الثاني: ما حكي عن أبي جعفر أنه قال: إن حاله تشتبه على من عن
يمينه وعن يساره [حتى إذا كان بجنبي الطاق عمودان، ووراء ذلك فرجة يطلع
فيهما من عن يمينه أو عن يساره] على حال فلا بأس به؛ لأن الإمام إذا كان
إماما ليعلم بحاله فيتحقق الائتمام به، وهذا بالعراق؛ لأن محاريبهم مجوفة
مطوقة بنيت باللبن والآجر.
فإن قلت: لم اختار المصنف الوجه الأول.
قلت: لأنه مطرد بخلاف الثاني؛ لأنه إذا أمكن الإطلاع على حاله بالفرجة لم
يطرد فيه.
وقال شمس الأئمة السرخسي: من اختار الطريقة الثانية لم يكره عند عدم
الاشتباه وإن كان مقام الأول في الطاق، ومن اختار الطريقة الأولى يكره في
الوجهين جميعا [في الثانية] قال: هذا هو الأصح.
م: (بخلاف ما إذا كان سجوده في الطاق) ش: أي لا يكره في هذه الصورة وهي
الصورة الأولى لما قلنا إن العبرة للقدمين. وفي " فتاوى الولوالجي " إذا
ضاق المسجد بمن خلف الإمام
(2/451)
ويكره أن يكون الإمام وحده على الدكان لما
قلنا، وكذا على القلب في ظاهر الرواية؛ لأنه ازدراء بالإمام.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على القوم لا بأس بأن يقوم الإمام في الطاق؛ لأنه يشتبه بقدر الأمرين، وإن
لم يضق المسجد بمن خلف الإمام لا ينبغي للإمام أن يقوم في الطاق؛ لأنه
يشتبه بين المكانين. انتهى.
وبالكراهة ففي هذه الصورة وهي ما إذا أقام في الطاق وحده، قال علي وابن
مسعود وكعب وعلقمة والحسن البصري وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري وسليمان
التيمي وليث بن أبي سليم ومحمد بن جرير الطبري وابن حزم، وقال الطحاوي: هذا
في محاريب الكوفة فإنها كانت خارجة عن حد المسجد؛ لأنه يشبه اختلاف
المكانين، ولأنه يشتبه على من كان في جانبي الإمام، فإن كان مكشوفا لا
يشتبه حاله فلا يكره، وعلى الأول يكره، وقال السرخسي: الكراهة في الوجهين؛
لأنه تشبه بأهل الكتاب، والتشبه بهم مكروه خارج الصلاة فكذا في الصلاة بل
أولي.
م: (ويكره أن يكون الإمام وحده على الدكان) ش: وقد ذكرنا أن المراد من
الدكان الموضع، والموضع مبتنى يجلس عليه مثل الدكة، واختلفوا في نونه هل
أصلية أم زائدة، وقيل: بقوله وحده؛ لأنه لو كان معه بعض القوم لا يكره، وبه
قال مالك وأحمد والأوزاعي، فإن فعل بطل صلاته عند الأوزاعي وهو قول أبي
حامد من الحنابلة.
وقال الشافعي: يكره أن يكون موضع الإمام والمأموم أعلى من موضع الآخر، إلا
إذا أراد تعليم أفعال الصلاة وأراد المأموم تبليغ القوم، فقال في " المهذب
": إذا كره أن يعلو الإمام فالمأموم أولى، ولم يذكر المصنف مقدار ارتفاع
الدكان الذي يكره عليه، فقيل: قدر ارتفاع قامة الرجل الذي هو متوسط القامة
فلا بأس بما دونها، ذكره في " المحيط " وكذا ذكره الطحاوي، وهكذا روي عن
أبي يوسف، وقيل: إنه مقدر بقدر ما يقع الامتياز، وقيل: مقدر بقدر ذراع
اعتبارا بالسترة. قال قاضي خان: وعليه الاعتماد.
م: (لما ذكرنا) ش: وهو قوله: لأنه يشبه صنيع أهل الكتاب من حيث تخصيص
الإمام بالمكان، وفي بعض النسخ لما قلنا. م: (وكذا على القلب) ش: وكذا يكره
على قلب الحكم المذكور، أي عكسه وهو أن يكون الإمام أسفل الدكان والقوم
عليه م: (في ظاهر الرواية) ش: احترز به عما روي عن الطحاوي أنه لا يكره
لعدم التشبيه بصنع أهل الكتاب، فإنهم لا يفعلون هكذا، وعليه عامة المشايخ
م: (لأنه) ش: أي لأن كون الإمام أسفل الدكان والقوم عليه م: (ازدراء
بالإمام) ش: أي استخفافا به، يقال: ازدراه أي استخف به واحتقره.
وذكر شيخ الإسلام إنما يكره هذا إذا لم يكن من عذر فلا يكره، كما في الجمعة
إذا كان القوم على الرف، وبعضهم على الأرض لضيق مكان الرف بفتح الراء
المهملة وتشديد الفاء. قال الجوهري: الرف شبه الطاق والجمع الرفوف.
(2/452)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قلت: روى البخاري ومسلم من حديث أبي حازم بن دينار «أن رجالا أتوا سهل
بن سعد الساعدي وقد امتروا في المنبر مم عوده، فسألوه عن ذاك، فقال: "
والله إني لأعرف مما هو، ولقد رأيته أول يوم وضع وأول يوم جلس عليه رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.. الحديث، وفي آخره: ثم رأيت
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى عليها وكبر وهو
عليها، ثم ركع وهو عليها، ثم نزل القهقرى فسجد في أصل المنبر، ثم عاد فلما
فرغ أقبل على الناس، فقال: " أيها الناس إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا
صلاتي» ، فهذا يدل على ما ذكره الطحاوي، وهو مذهب ابن حزم الظاهري، وحكاه
في " المحلى " عن الشافعي وأحمد قال: وقال أبو حنيفة ومالك رحمهما الله: لا
يجوز، ويجوز الاقتداء من سطح المسجد ورفه، وبه قال الشافعي وأحمد وفي "
المغني " صلى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على سطح المسجد بصلاة
القوم، وفعله سالم.
قلت: روى أبو داود في " سننه " من حديث همام أن حذيفة أم الناس بالمدائن
على دكان، فأخذ أبو مسعود بقميصه فجبذه، فلما فرغ من صلاته قال: ألم تعلم
أنهم كانوا ينهون عن ذلك، قال بلى قد ذكرت حين مددتني، وروى أيضا من «حديث
عدي بن ثابت الأنصاري حدثني رجل أنه كان مع عمار بن ياسر - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا - بالمدائن فأقيمت الصلاة فتقدم عمار بن ياسر، وقام على دكان
يصلي والناس أسفل منه، فتقدم حذيفة فأخذ على يديه، فاتبعه عمار حتى أنزله
حذيفة، فلما فرغ عمار من صلاته، قال له حذيفة: ألم تسمع رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: " إذا أم الرجل القوم فلا يقم في مكان
أرفع من مقامهم " أو نحو ذلك، قال عمار - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لذلك
اتبعتك حين أخذت على يدي. وعن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: نهى
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يقوم الإمام فوق شيء،
والناس خلفه يعني أسفل منه» رواه الدارقطني.
والجواب عن حديث سهل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان فعله - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - للحاجة إلى تعليم القوم وقد قلنا: إنه لا يكره
للضرورة، وأيضا قد يحتمل أنه كان في الدرجة السفلى؛ لأنه لا يحتاج إلى عمل
كثير في النزول والصعود، والعمل الكثير مفسد للصلاة بلا خلاف، وأيضا هو
فعل، والذي قاله الأكثرون قول، والقول مقدم على الفعل، وقال ابن قدامة
لاحتمال اختصاصه بفعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.
قلت: هذا لا يمكن مع قوله: إنما فعلت هذا لتقتدوا بي ولتعلموا صلاتي فقد نص
- عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه غير مختص به، بل فعله كذلك لتقتدوا به فيما
فعله، والذي نقله ابن حزم عن الشافعي وأحمد وعطاء وعن أبي حنيفة غلط.
(2/453)
ولا بأس أن يصلي إلى ظهر رجل قاعد يتحدث؛
لأن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ربما كان يستتر بنافع في بعض
أسفاره.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولا بأس أن يصلي إلى ظهر رجل قاعد يتحدث) ش: قاعد بالجر صفة رجل وقوله
يتحدث جملة في محل النصب على الحال، ولا يقال: إن هذا الحال نكرة فكيف يجوز
الحال عنه؟ لأنا نقول إنه قد اتصف بالصفة، ويجوز أن يكون في محل الجر على
أنها صفة أخرى، وقيد بقوله إلى ظهر رجل لأنه لو صلى إلى وجه رجل يكره، وفيه
إشارة أيضا إلى أنه لا بأس بأن يصلي وبقربه قوم يتحدثون، وبه قالت الأئمة
الأربعة إلا ما روي عن مالك [فإنه يقول] في رواية: إن كان أمامه مجنونا أو
صبيا أو كافرا أو امرأة غير محرمة يكره، ومن الناس من كره ذلك؛ لأنه «-
عَلَيْهِ السَّلَامُ - نهى أن يصلي الرجل وعنده قوم يتحدثون أو نائمون»
ورواه ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وتأويل ذلك أنهم إذا رفعوا
أصواتهم على وجه يخاف وقوع الغلط، ولهذا قال في " الجامع البرهاني ": قال:
هذا إذا لم يشوشه حديثهم فإن كان يشوشه فيكره، [و] في النائمين إذا كان
يخاف أن يظهر صوت من النائم فيضحك في صلاته ويخجل النائم إذا انتبه، فإن لم
يكن كذلك فلا بأس به.
فإن قلت: روى سعيد بن منصور في " سننه " أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نهى
عن أن يصلوا إلى قوم يتحدثون أو نائمون» .
قلت: هذا محمول على ما إذا رفعوا أصواتهم بالحديث كما ذكرنا، وفي النائم
لأجل ما ذكرنا.
فإن قلت: هذا في النافلة أو مطلقا.
قلت: قال ابن قدامة: والأشبه أنه لا فرق بين الفريضة والنافلة في ذلك، يعني
في عدم الكراهة. قلت: قد صح عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - في الصلاة
إلى النائم من غير كراهة في النافلة.
م: (لأن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ربما كان يستتر بنافع في بعض
أسفاره) ش: هذا الأثر رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن نافع ولفظه: كان
ابن عمر إذا لم يجد سبيلا إلى سارية من سواري المسجد، قال لي: ولني ظهرك.
وروى أيضا عنه أن ابن عمر كان يقعد رجلا ويصلي خلفه والناس يمرون بين يدي
ذلك الرجل. وفي " الجامع الصغير " لقاضي خان: «كان - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
إذا أراد أن يصلي في الصحراء أمر عكرمة أن يجلس بين يديه ويصلي» . قلت: إن
كان مراده عكرمة _ وهو ابن أبي جهل _ الصحابي فليس له حديث في ذلك، وإن كان
مراده من عكرمة هو مولى ابن عباس فهو تابعي ليس له صحبة.
(2/454)
ولا بأس أن يصلي وبين يديه مصحف معلق أو
سيف معلق لأنهما لا يعبدان، وباعتباره تثبت الكراهة، ولا بأس بأن يصلي على
بساط فيه تصاوير،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قلت: روى أبو داود وابن ماجه عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدث»
. قلت: في سند أبي داود رجل مجهول، وفي سند ابن ماجه أبو المقدام هشام بن
زياد البصري لا يحتج بحديثه، وقال الخطابي: هذا الحديث لا يصح عن النبي -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - وقد صح «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى وعائشة
نائمة معترضة بينه وبين القبلة» .
فإن قلت: روى البزار في " مسنده " من حديث محمد بن الحنفية عن علي - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى
رجلا يصلي إلى رجل فأمره أن يعيد الصلاة، قال: يا رسول الله إني صليت وأنت
تنظر إلي» .
قلت: قال البزار: هذا حديث لا نحفظه إلا بهذا الإسناد، وكأن هذا المصلي كان
مستقبل الرجل في وجهه فلم يتنح عن حياله.
م: (ولا بأس بأن يصلي وبين يديه مصحف معلق أو سيف معلق) ش: وهو قول
الجمهور، وقال أحمد: يكره ذلك إلا أن يكون موضوعا بالأرض، وقيل: هو قول
إبراهيم النخعي، وقال بعضهم يكره ذلك لأن [......] آلة الحرب والحديد فيه
بأس شديد، فلا يليق تقديمه في مقام الامتهان، وقيل هو قول ابن عمر - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا - وفي استقبال المصحف تشبه بأهل الكتاب فإنهم يفعلون ذلك
بكتبهم م: (لأنهما لا يعبدان) ش: أي لأن المصحف والسيف لا يعبدان م:
(وباعتباره) ش: أي وباعتبار معنى الكراهة في الأشياء التي تعبد م: (تثبت
الكراهة) ش: فالسيف لا يعبد لأنه سلاح، فلا يكره التوجه إليه، ألا ترى أن
«النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى إلى عنزة» وهي سلاح،
والموضع موضع الحرب أيضا، وكذلك سمي المحراب محرابا فبان تقديم آلة الحرب،
وكيف يقال بالكراهة وقد «صلى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى
عنزة؟» على أنا نقول قد ورد أخذ الأسلحة في صلاة الخوف، وقال تعالى:
{وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: 102] (النساء: الآية 102) ، وأما
المصحف فلأن في تقديمه تعظيمه وتعظيمه عبادة، فانضمت عبادة إلى عبادة فلا
تكره.
م: (ولا بأس بأن يصلي على بساط فيه تصاوير) ش: قال الجوهري: التصاوير:
التماثيل، وقال غيره: التمثال ما يصور على الجدار، والصورة ما على الثوب.
وفي " المغرب ": التمثال ما يصور تشبيها بخلق الله تعالى من ذوات الروح
والصورة عام، وروي عن ابن عباس ما يدل على أن التمثال والصورة واحد، وهو
أنه نهى مصورا عن التصوير، فقال كيف أصنع وهو كسبي؟ قال: إن لم يكن لك بد
فعليك بتمثال الأشجار، والتمثال بكسر التاء في أوله وقد جاء على هذا
(2/455)
لأن فيه استهانة بالصلاة، ولا يسجد على
التصاوير؛ لأنه يشبه عبادة الصورة، وأطلق الكراهة في الأصل؛ لأن المصلى
معظم، ويكره أن يكون فوق رأسه في السقف أو بين يديه أو بحذائه تصاوير أو
صورة معلقة «لحديث جبريل " إنا لا ندخل بيتا فيه كلب أو صورة» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الوزن نحو عشرين كلمة وهي: التحفاف وهو [......] ، والتبيان مصدر، والتلقاء
مصدر مثل اللقاء، والتمساح اسم لحيوان مشهور في نيل مصر، والتمطار اسم لماء
المطر، وتنفاق للهلال، تنبال اسم يقال للقصر.
م: (لأن فيه) ش: أي لأن في فعل الصلاة على البساط الذي فيه تصاوير م:
(استهانة بالصلاة) ش: أي تحقيرا لها م: (ولا يسجد على التصاوير لأنه) ش: أي
لأن السجود على الصورة م: (يشبه عبادة الصورة) ش: لأنه حينئذ يشبه فعل
الكفار عبدة الأصنام م: (وأطلق الكراهة في الأصل) ش: أي أطلق محمد الكراهة
في " المبسوط " يعني لم يفصل بين أن يكون الصورة في موضع السجود أو في
غيره، فإنه قال: فإن صلى على بساط فيه تماثيل يكره، وفصل في " الجامع
الصغير " حيث قال: إن كان في موضع سجوده يكره، وإن كان في موضع جلوسه أو
قيامه لا يكره. قال تاج الشريعة: والأصح ما ذكره هاهنا يعني التفصيل.
م: (لأنه المصلى معظم) ش: [هذا تعليل الإطلاق، والمصلى بفتح اللام وأراد به
المسجد الذي يصلى فيه، قوله معظم] بفتح الظاء أي مستحق للتعظيم؛ لأنه أعد
للصلاة فاستحق التعظيم من سائر البسط، فلو كان فيه صورة كان بنوع تعظيم لها
ونحن أمرنا بإهانتها، فلا ينبغي أن تكون في المصلى مطلقا يسجد عليها أو لم
يسجد.
[الحكم لو صلى وفوقه أو بين يديه أو بحذائه
تصاوير]
م: (ويكره أن يكون فوق رأسه في السقف أو بين يديه أو بحذائه تصاوير) ش:
تصاوير مرفوع لأنه خبر يكون م (أو صورة معلقة) ش: أي أو يكون صورة معلقة في
السقف ونحوه، أو كان في ستارة معلقة ونحوها م: «لحديث جبريل - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - إنا لا ندخل بيتا فيه كلب أو صورة» ش: هذا الحديث روي عن ابن
عمر وميمونة وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فحديث ابن عمر أخرجه
البخاري من حديث عبد الله بن عمر قال: «واعد النبي جبريل - عَلَيْهِمَا
السَّلَامُ - فراث عليه أي أبطأ حتى شق ذلك على النبي - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - وخرج النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فلقيه، فقال: إنا لا ندخل
بيتا فيه كلب أو صورة» . وحديث ميمونة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أخرجه
مسلم عن ابن عباس قال: أخبرتني ميمونة «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصبح يوما واجما فقالت له ميمونة: قد استنكرت هيئتك
منذ اليوم قال: " إن جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان وعدني أن يلقاني
الليلة فلم يلقني، ثم وقع في نفسه جرو كلب تحت فسطاط لنا " فأمر به فأخرج
ثم أخذه بيده فنضح مكانه، فلما لقيه جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال:
إنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة، فأصبح النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
فأمر بقتل الكلاب» . الحديث.
(2/456)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أخرجه مسلم أيضا عن أبي سلمة بن
عبد الرحمن عنها قالت: «وعد رسول الله جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في
ساعة يأتيه فيها فجاءت تلك الساعة ولم يأته وفي يده عصاه فألقاها من يده،
وقال: ما يخلف الله وعده ولا رسله ثم التفت فإذا كلب تحت سريره فقال: " ما
هذا يا عائشة؟ متى دخل هذا الكلب هاهنا "؟ فقالت: والله ما دريت، فأمر به
فأخرج، فجاءه جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فقال رسول الله - عَلَيْهِ
السَّلَامُ -: " واعدتني فجلست لك فلم تأت "! فقال: منعني الكلب الذي كان
في بيتك، إنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة» وأخرج الأئمة الستة عن أبي
طلحة الأنصاري واسمه زيد بن سهل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة» .
زاد البخاري يريد صورة التماثيل التي فيها الأرواح. وأخرج أبو داود
والنسائي وابن ماجه وأحمد في " مسنده " وابن حبان في " صحيحه " عن علي -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «لا تدخل
الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة ولا جنب.. لم يرو ابن ماجه فيه الجنب، وزاد
أحمد ولا صورة ذي روح» وفي " سنده " عن عبد الله بن يحيى وفيه مقال.
وعن السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حديث جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
الذي ذكره المصنف بقوله: لما روى مجاهد عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - «أن جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - استأذن على رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال له: " ادخل " فقال: كيف أدخل بيتا وفيه
ستر عليه تماثيل حيوان أو رجال؛ إما أن يقطع رؤوسها أو أن تجعل بساطا يوطأ،
وإنا معشر الملائكة لا ندخل بيتا فيه كلب أو صورة» وذكره الأكمل في " شرحه
" ناقلا عنه وذكر صاحب " الدراية " نحوه، إلا أن في موضع ستر قرام فيه
تماثيل. قلت: هذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي عن مجاهد عن أبي هريرة
قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أتاني جبريل -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - فقال لي: أتيتك البارحة، فلم يمنعني أن أدخل إلا أنه
كان في البيت تمثال الرجال وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل وكان في
البيت كلب، فمر برأس التمثال فليقطع فيصير كهيئة الشجرة، ومر بالستر فليقطع
فليجعل منه وسادتان منبوذتان توطآن، ومر بالكلب فليخرج " ففعل رسول الله -
عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وإذا الكلب للحسن أو للحسين - عَلَيْهِمَا
السَّلَامُ - كان تحت نضد لهم فأمر به فأخرج ". وفي لفظ الترمذي: ويجعل منه
وسادتان منتبذتين توطآن» فانظر إلى هؤلاء الشراح كيف يذكرون الحديث على غير
أصله، ولا بيان من أخرجه من أرباب فن الحديث، ولا التعرض إلى حاله، على أن
هذا الحديث غير مطابق بمقصود المصنف؛ لأنه عام بالنسبة إلى كل صورة، وكلام
المصنف خاص بالصورة المعلقة.
(2/457)
ولو كانت الصورة صغيرة بحيث لا تبدو للناظر
لا تكره؛ لأن الصغار جدا لا تعبد، وإذا كان التمثال مقطوع الرأس أي ممحو
الرأس فليس بتمثال فلا يكره؛ لأنه لا يعبد بدون الرأس، وصار كما إذا صلى
إلى شمع أو سراج على ما قالوا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قوله: قرام بكسر القاف وهو الستر الرقيق، وقيل: الصفيق من صوف ذي ألوان
والإضافة في قوله ستر كقولك ثوب قميص، وقيل: القرام الستر الرقيق وراء
الستر الغليظ وكذلك أضاف. قوله منبوذتان قال الخطابي: أي وسادتان لطيفتان
وسميتا منبوذتين لخفتهما تنبذان أي تطرحان للقعود عليهما. قوله تحت نضد
بفتح النون والضاد المعجمة، وهو السرير الذي تنضد عليه الثياب أي يجعل
بعضها فوق بعض، وهو أيضا متاع البيت المنضود.
م: (ولو كانت الصورة صغيرة بحيث لا تبدو) ش: أي لا تظهر م: (للناظر لا
تكره؛ لأن الصغار جدا لا تعبد) ش: لأن الكراهة باعتبار شبه العبادة، فإذا
كانت لا تعبد لصغرها، وقد روي أن أبا هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان
اتخذ خاتما عليه ذبابتان، وكان على خاتم دانيال النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسد ولبؤة بينهما صبي يلحسانه، فلما نظر عمر له _ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اغرورقت عيناه، ودفعه إلى أبي موسى الأشعري -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وأصل ذلك أن ألقي في غيضة وهو رضيع فقيض الله له
أسدا ليحفظه ولبؤة لترضعه وهما يلحسانه، فأراد بهذا النقش أن [......] الله
تعالى.
م: (ولو كان التمثال مقطوع الرأس أي ممحو الرأس فليس بتمثال فلا يكره) ش:
قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وإنما فسره بممحو الرأس؛ لأنها إذا لم
تكن ممحوة الرأس بل لو قطع بخيط ما بين الرأس والجسد لا ترفع الكراهة؛
[لأنه] كالطوق له فيشبه حيوانا مطوقا.
قلت: هذا لا يدل على هذا، وكذا تفسير السغناقي بقوله: إنما فسر بها؛ لئلا
يتوهم أن لو قطع رأسه بخيط من الحلقوم ورأسه ظاهر، فإن الكراهة فيه باقية
أيضا، لأن من الطير ما هو مطوق، والأكمل نقله منه كذلك، والصواب ما قاله
قاضي خان: وقطع الرأس أن يمحو رأسه حتى لا يبقى له أثر. وقال في " المحيط
": وقطعه أن يمحوه بخيط يخيط عليه حتى لا يبقى للرأس أثر ويصلي [......] .
قلت: الذي دل عليه حديث أبي هريرة ما ذكره الشراح أن قطع الرأس بالكلية أو
يجعل بساطا.
م: (لأنه لا يعبد بدون الرأس) ش: أي لأن التمثال لا يعبد إذا كان بلا رأس؛
لأنه حينئذ يصير كغيره من الجمادات م: (وصار كما إذا صلى إلى شمع أو سراج)
ش: أي صار حكم التمثال الذي يمحى رأسه في الصلاة إليه كالصلاة إلى شمع أو
سراج أمامه؛ لأنهما لا يعبدان م: (على ما قالوا) ش: أشار به إلى أن فيه
اختلاف المشايخ، حيث قيل يكره التوجه إلى الشمس أو السراج أو [الشمع] ،
والمختار أنه لا يكره.
(2/458)
ولو كانت الصورة على وسادة ملقاة أو على
بساط مفروش لا يكره؛ لأنها تداس وتوطأ بخلاف ما إذا كانت الوسادة منصوبة،
أو كانت على الستر؛ لأنه تعظيم لها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي " المحيط ": إن توجه إلى سراج أو قنديل أو شمع لا يكره، وكذا ذكر في
قاضي خان من غير إشارة إلى خلاف ما إذا توجه إلى تنور أو كانون فيه نار
تتوقد فإنه يكره؛ لأنه يشبه العبادة؛ لأنه فعل المجوس فإنهم لا يعبدون إلا
نارا موقدة.
وفي " الذخيرة ": ثم من المشايخ من سوى بين أن يكون التنور مفتوح الرأس
مجمرا ومنهم من فرق، وفي " المغني ": لا يصلي إلى تنور وهو قول ابن سيرين
وكره السراج والقنديل في رواية هاهنا.
وقال ابن بطال في شرح حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - _ الذي
رواه البخاري عنه: «انكسفت الشمس فصلى نبي الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثم
قال: أريت النار فلم أر منظرا كاليوم أفظع قط» فلا يضره استقبال شيء من
المعبودات وغيرها كما لم يضر الرسول ما رآه في قبلته، واستدل البخاري بهذا
الحديث على أنه لا يكره استقبال النار؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لا
يصلي صلاة مكروهة.
قلت: احتجاجه بذلك على عدم الكراهة غير صحيح من وجوه:
الأول: أنه لا يلزم من قوله أريت النار أن يكون أمامه متوجها إليها، بل
يجوز أن يكون عن يمينه أو عن يساره أو وراءه.
الثاني: أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أريها في جهنم، وبينه وبينها ما لا
يحصى من بعد المسافة فلا يكره.
الثالث: أن المكروه التوجه إلى النار التي أعدت وليست نار الآخرة هنا.
الرابع: أن إراءتها كانت بعد الشروع في الصلاة فلم يكن مقصودا بالتوجه
إليها.
م: (ولو كانت الصورة على وسادة) ش: أي مخدة والجمع وسائد م: (ملقاة) ش: أي
مطروحة على الأرض م: (أو على بساط مفروش) ش: أي أو كانت الصورة على بساط
مفروش م: (لا يكره لأنها تداس وتوطأ) ش: أي لأن كل واحد من الوسادة والبساط
يداس بالرجل ويوطأ عليه فيحصل الامتهان م: (بخلاف ما إذا كانت الوسادة
منصوبة أو كانت) ش: أي الصورة م: (على الستر) ش: أي على الستارة م: (لأنه
تعظيم لها) ش: أي لأن الصلاة إليها تعظيم لها فتكره.
وقال السرخسي: ذكره بعض المتأخرين [......] على البساط الكبير من الوسائد
التي توضع في صدر المجلس فيجلس عليها؛ لأن ذلك في معنى الإزار فيكره الجلوس
عليها، ويحكى عن الحسن وعطاء أنهما دخلا بيتا فيه بساط عليه تصاوير، فوقف
عطاء وجلس الحسن وقال: تعظيم الصورة في ترك الجلوس عليها.
(2/459)
وأشدها كراهة أن تكون أمام المصلي ثم من
فوق رأسه ثم على يمينه ثم على شماله ثم خلفه، ولو لبس ثوبا فيه تصاوير
يكره؛ لأنه يشبه حامل الصنم. والصلاة جائزة في جميع ذلك؛ لاستجماع شرائطها،
وتعاد على وجه غير مكروه،
وهذا الحكم في كل صلاة أديت مع الكراهة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وأشدها كراهة) ش: أي أشد الصورة من حيث الكراهة م: (أن تكون أمام
المصلي) ش: أي قدامه م: (ثم من فوق رأسه) ش: أي ثم أن تكون من فوق رأسه م:
(ثم على يمينه) ش: أي ثم أن تكون على يمينه م: (ثم على شماله) ش: أي ثم
تكون على شماله م: (ثم من خلفه) ش: أي ثم أن تكون خلفه، وأشار بهذا إلى أن
الكراهة مقول بالتشكيك، يختلف أحدها بالشدة والضعف. والحاصل أن ذكره بكلمه
ثم مكرر إشارة إلى التنزيل لا إلى الترقي، حتى قيل إذا كانت الصورة خلف
المصلي لا تكره الصلاة، ولكنه يكره كونها في البيت؛ لأن تنزيه مكان الصلاة
عما يمنع من دخول الملائكة مستحب. وكذا يكره اتخاذ الصورة على البساط، ولكن
الجلوس والنوم عليه لا بأس به؛ لأن فيه استهانة لها لا تعظيمها.
م: (ولو لبس ثوبا فيه تصاوير يكره؛ لأنه يشبه حامل الصنم) ش: والصنم ما
يعمل من خشب أو ذهب أو فضة صورة [على] إنسان، وإذا كان من حجارة فهو وثن.
وفي " الذخيرة ": وكره في الكتاب الصلاة بخاتم فيه تماثيل لأنه من ذوي
الأعاجم م: (والصلاة جائزة في جميع ذلك) ش: أي في جميع ما ذكرنا من صور
الكراهة م: (لاستجماع شرائطها) ش: أي شرائط الصلاة لأن الكراهة ليست بمعنى
يرجع إلى الصلاة م: (وتعاد على وجه غير مكروه) ش: أي تعاد الصلاة للاحتياط
على وجه ليس فيه كراهة، وفي " الكشف ": إعادة الطواف بالجناية واجبة كوجوب
إعادة الصلاة التي أديت مع الكراهة على وجه غير مكروه، وفي " جامع
التمرتاشي ": لو صلى في ثوب فيه صورة يكره وتجب الإعادة؛ [لأنه] بمنزلة من
يصلي وهو حامل الصنم. وفي " المبسوط ": ما يدل على الأولوية والاستحباب فإن
ذكر فيه [والقومة] غير ركن عندهما فتركها لا يفسد الصلاة، والأولى الإعادة،
وهذا في ترك الواجب فالأولى أن يكون في غيره كذلك. وقال شمس الأئمة السرخسي
ثم البخاري: قال أصحابنا: لو ترك الفاتحة يؤمر بالإعادة ولو ترك القراءة لا
يؤمر، فهذا يدل على وجوب الإعادة في ترك الواجب لا غير.
م: (وهذا الحكم في كل صلاة أديت مع الكراهة) ش: ليكون الأداء على وفق
الوجوب، فإن ترك واجبا من واجبات الصلاة يجب أن تعاد، وفي مختصر البحر عن
القاضي [المتكلم] لو صلى في الدار المغصوبة لا يجزئه، وبه قال أحمد إلا في
الجمعة، ولو صلى في عمامة مغصوبة أو في يده خاتم مغصوب صح، وعند بشر
المريسي: لا يصح ما في الأرض والثوب المغصوبين. وفي " شرح القاضي الصدر ":
ولو وجبت عليه في الأرض المغصوبة فأداها فيها لا يجزئه. وقال العتابي: يصح
في الأرض المغصوبة، وفي " شرح العمدة " للقاضي المتكلم: غصب ثوبا وكان
(2/460)
ولا يكره تمثال غير ذي الروح؛ لأنه لا
يعبد،
ولا بأس بقتل الحية والعقرب في الصلاة؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -:
«اقتلوا الأسودين ولو كنتم في الصلاة» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فرضه أداء الصلاة بغير سترة فستر به عورته وصلى والمطالبة قائمة، فسدت إن
كان الوقت متسعا وإلا لا تفسد. م: (ولا يكره تمثال غير ذي الروح؛ لأنه لا
يعبد) ش: وقد جاء في " صحيح مسلم " عن ابن عباس أنه قال: إن كنت لا بد
فاعلا فاصنع الشجر وما لا نفس له.
[اتخاذ الصور في البيوت وقتل الحيات في الصلاة]
فروع: يكره اتخاذ الصور في البيوت، ويكره الدخول في مثل هذه البيوت والجلوس
والزيارة، ولا يكره بيع الثوب الذي فيه تصاوير، وفي الأقضية لا تقبل شهادة
الذي يبيع الثياب المصورة أو ينسجها، وفي " فتاوى الفضلي " لا يكره إمامة
من في يده تصاوير؛ لأنها مستورة بالثياب لا تستبين فصارت كصورة نقش خاتم.
وفي " نوادر هشام " عن محمد، الأجير لتصوير تماثيل الرجال أو ليزخرفها
والأصباغ من المستأجر، قال: لا أجر له؛ لأن عمله معصية، وفي التفاريق هدم
بيت مصور الأصباغ ضمن قيمة البيت والأصباغ غير مصورة.
م: (ولا بأس بقتل الحية والعقرب في الصلاة) ش: وبه قال الحسن والشافعي
وأحمد، وقال إسحاق: وإنما تقتل الحية إذا تمكن من قتلها بضربة واحدة
كالعقرب. وفي " المبسوط ": والأظهر أنه لا تفضيل فيه؛ لأنه رخصة [......]
عن الحديث والاستسقاء من البئر والتوضؤ، وروى الحسن عن أبي حنيفة: أنه لو
لم يخف أذاهما لا يقتلهما، وهو قول النخعي ومالك؛ لقوله - عَلَيْهِ
السَّلَامُ -: «إن في الصلاة لشغلا» .
وفي " قاضي خان " قال: وذكر في كتاب الصلاة أن قتلهما لا يفسد الصلاة ولم
يذكر الإباحة، قال: وذكر هاهنا إباحة قتل العقرب ولم يذكر الحية، ومن
المشايخ من سوى بينهما م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «اقتلوا الأسودين
ولو كنتم في الصلاة» ش: هذا الحديث أخرجه الأربعة في " سننهم " عن ضمضم بن
جوس عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وليس في روايتهم ولو كنتم وهذا
زيادة، ولفظهم عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله
- عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «اقتلوا الأسودين في الصلاة الحية والعقرب» .
قال الترمذي: حديث حسن صحيح، ورواه ابن حبان في " صحيحه "، والحاكم في "
مستدركه "، وقال: حديث صحيح ولم يخرجاه. وضمضم بن جوس من ثقات أهل اليمن
أنه سمع جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وقد وثقه أحمد -
رَحِمَهُ اللَّهُ -، وضمضم بضادين معجمتين، وجوس بفتح الجيم وسكون الواو في
آخره سين مهملة.
قلت: روى الحاكم عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، عن رسول الله -
عَلَيْهِ السَّلَامُ -
(2/461)
ولأن فيه إزالة الشغل فأشبه درء المار،
ويستوي جميع أنواع الحيات هو الصحيح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال: «إن لكل شيء شرفا، وإن شرف المجالس ما استقبل به القبلة، واقتلوا
الحية والعقرب وإن كنتم في صلاتكم» ، وسكت عنه، وقد علمت عنه أن زيادة لفظة
ولو كنتم في الذي ذكره المصنف موجودة في الحديث غير أنها في رواية ابن عباس
لا في رواية أبي هريرة فافهم، فاندفع بهذا [ما] قاله السروجي - رَحِمَهُ
اللَّهُ -، وأصحابنا زادوا فيه ولو كنتم وقوله الأسودين من باب العمرين
والقمرين من باب التغليب؛ لأن الأسود هو العظيم من الحيات وفيه سواد، وانضم
إليه العقرب لمجانسة بينهما في الأذى، وفي حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا - «رأيتنا وما لنا طعام إلا الأسودين، المراد منهما التمر والماء»
.
م: (ولأن فيه) ش: أي في قتل الحية والعقرب م: (إزالة الشغل) ش: بفتح الشين
المعجمة أي شغل القلب م: (فأشبه درء المار) ش: أي أشبه قتل الحية والعقرب
دفع المار من بين يديه في الصلاة، وفيه إشارة إلى الجواب عما قاله بعض
المشايخ أن قتلهما إن أمكنه بضربة أو وطأة أو مقطة فعل؛ لأنه عمل يسير، وإن
احتاج إلى المشي أو للضرب يفسد الصلاة لأنه عمل كثير، وتقدير الجواب: أنه
عمل رخص فيه للمصلي لإزالة شغل قلبه، وفيه إصلاح صلاته فلا حاجة إلى
التفصيل.
م: (ويستوي جميع أنواع الحيات) ش: يعني الحية التي تسمى جنية وغيرها م: (هو
الصحيح) ش: يعني [أن [إباحة قتل جميع أنواع الحيات هو الصحيح، واحترز به عن
قول الفقيه أبي جعفر، فإنه يقول: الحيات على نوعين منهما: ما يكون من سواكن
البيوت [لها ضفيرتان] وهي جنية، ومنها ما لا يكون منها، والجنية صورتها
بيضاء لها صفيرتان تمشي مستوية فلا يباح قتلها، [أو غير جنية وهي السوداء
تمشي ملتوية فله قتلها] ، ولم يذكر في " الجامع الصغير " قتل الحية، وإنما
ذكرها في كتاب الصلاة، وفي قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«اقتلوا الأسودين» إشارة إلى هذا، وأيده بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -:
«إياكم والحية البيضاء فإنها من الجن» ، وفي غير الصلاة على قوله لا يحل
قتلها إلا بعد الإعذار والإنذر بأن يقول له خلي طريق المسلمين فإن أبى
فحينئذ يقتله.
وغير الجن مما لو كان يضرب لونه إلى الاسوداد في سنه التواء، والإمام أبو
جعفر الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: إنه فاسد من قبل أن النبي -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - أخذ على الجن العهود والمواثيق بأن لا يظهروا لأمته
في صورة الحية ولا يدخلوا بيوتهم، فإذا نقضوا العهد يباح قتلها. وقال
الإمام قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والأولى هو الإعذار رجاء العمل
بالعهد.
فإن قلت: روي عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «اقتلوا الحيات ذا الطفيتين
والأبتر» فدل على الخصوص.
(2/462)
لإطلاق ما رويناه، ويكره عد الآي،
والتسبيحات باليد في الصلاة، وكذلك عد السور؛ لأن ذلك ليس من أعمال الصلاة،
وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا بأس
بذلك في الفرائض والنوافل جميعا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: لا نسلم أن تخصيص الشيء بالذكر يدل على نفي ما عداه، وقد صح عن ابن
عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - عَلَيْهِ
السَّلَامُ -: «من ترك الحيات مخافة طلبهن فليس منا ما سالمناهن منذ
حاربناهن» يريد به قصة آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حين أعانت الحية إبليس
على آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وقال أبو عبيد: الطفية خوصة المقل، وشبه
الخطين على ظهره بخوصتين من خوص المقل، والأبتر: القصير الذنب في الأصل
وفسر هاهنا بأنه الأفعى، وقال النضر: هو صنف من الحيات أزرق مقطوع الذنب لا
تنظر إليه حامل إلا سقطت.
م: (لإطلاق ما رويناه) ش: أشار به إلى قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -:
«اقتلوا الأسودين ولو كنتم في الصلاة» ، والحديث مطلق فلا يجوز تخصيصه بنوع
من الحيات. م: (ويكره عد الآي والتسبيح في الصلاة باليد) ش: قيد بقوله في
الصلاة لعدم الكراهة خارج الصلاة في الصحيح خلافا لفخر الإسلام، حيث قال:
إن عد التسبيح في غير الصلاة بدعة، وكان السلف يقولون: تذنب ولا تحصي وتسبح
وتحصي، وقيد باليد لأن المكروه العد بالأصابع أو بخيط يمسكه، أما العد
برؤوس الأصابع والحفظ بالقلب لا يكره كذا في " المحيط " و " الخلاصة ".
وفي " الإيضاح " أشار إلى أنه [لا] يكره العد بالقلب أيضا؛ لأن فيه شغل
البال، وخص الآي والتسبيح بالذكر؛ لأن عد غيرهما مكروه بالاتفاق، وإطلاق
الصلاة يدل على أن الخلاف في الفرائض والنوافل، واختلف المشايخ في محل
الخلاف، فقيل: لا خلاف في النوافل، وإنما الخلاف في المكتوبة أنه يكره، كذا
ذكره المرغيناني والمحبوبي في " المحيط " والعد باللسان مفسد، وفي ملتقى
البخاري: ولو حرك أصابعه بالعد تحريكا بليغا بحيث لو نظر إليه ناظر من بعد
ظن أنه في غير الصلاة تفسد صلاته، فإذا لم يكن بليغا يكره، ويكره تحريك
الخاتم في الأصابع في الصلاة عندنا، وبه قال ولم يكره مالك.
م: (وكذلك عد السور) ش: أي وكذا يكره عد السور من] القرآن م: (لأن ذلك) ش:
أي عد الآي والتسبيح والسور م: (ليس من أعمال الصلاة) ش: فيكره، وإن استكثر
تفسد.
م: (وعن أبي يوسف ومحمد أنه لا بأس بذلك) ش: أي بالعد م: (في الفرائض
والنوافل جميعا) ش: ذكره بكلمة عن إشارة إلى أن خلافهما ليس من ظاهر
الرواية، ولهذا لم يذكر أبو اليسر خلافهما أصلا، بل قال بعضهم قالوا، وكذا
في " شرح الجامع الصغير " بكلمة عن، وعن أبي يوسف لا بأس به في النفل،
ومثله عن أبي حنيفة ذكره في " التحفة "، وفي " التجريد " ذكر قول محمد مع
أبي حنيفة، وكذا ذكر في " الجامع الصغير "، ويروى عن بعض أصحابنا جواز عد
(2/463)
مراعاة لسنة القراءة والعمل بما جاءت به
السنة،
قلنا: يمكنه أن يعد ذلك قبل الشروع فيستغني عن العد بعده، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
التسبيح بالنوى في الصلاة م: (مراعاة لسنة القراءة) ش: أي لأجل المراعاة
لسنة القراءة في الصلاة، وهي أربعون آية أو ستون آية م: (والعمل) ش: عطفا
على سنة القراءة، أي ومراعاة العمل م: (بما جاءت به السنة) ش: الشراح كلهم
ذكروا أن المراد من السنة ما جاء في صلاة التسبيح في تسبيحاتها عشرا عشرا
في الأركان على ما هو المعروف.
قلت: لو فسروا قوله بما جاءت به السنة «بحديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا - قال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يعد الآي في الصلاة» أخرجه الإمام عن عطاء بن السائب عن أبيه عن ابن عمر به
لكان أنسب وأوجه، وأجاب عنه من جهة أبي حنيفة بعضهم أنه لعله كان ذلك منه
في أول الأمر حين كان العمل مباحا في الصلاة، على أن عطاء بن السائب قد
اختلط في آخر عمره، فلا يحتج بحديثه إلا إذا علم أنه أخبر به قبل الاختلاط،
قال أحمد: [مع] أن أبا موسى الأصبهاني قال: هذا حديث غريب.
م: (قلنا: يمكنه أن يعد ذلك قبل الشروع فيستغني عن العد بعده) ش: هذا جواب
عما روي عن أبي يوسف ومحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وتقريره أن يقال: يمكن
للمصلي أن يعد ما يريد عده من الآي التي يريد قراءتها في الصلاة، فيستغني
بذلك عن العد إذا دخل في الصلاة.
فإن قلت: هذا يمكن في عد الآي دون التسبيح.
قلت: يمكن ذلك في التسبيح أيضا بأن يحفظه بقلبه وبضم الأنامل في موضعها، أو
يسبح حتى يتيقن أنه أتى بذلك، والمكروه أن يعده بالأصابع هكذا ذكره في "
قاضي خان "، واستدل بعضهم لأبي حنيفة ومن معه بما رواه مكحول عن أبي أمامة
وواثلة بن الأسقع - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قالا: «نهى رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن عد الآي في المكتوبة، ورخص في
السبحة» ، قال في " الإمام ": أخرجه أبو موسى الأصبهاني بإسناده، وعن عطاء
بن أبي رباح قال: أكرهه في الفريضة، ولا أرى به بأسا في النافلة.
فإن قلت: روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: أعد
بالأنامل، فإنهن مسؤولات مستنطقات.
قلت: بعد التسليم [......] فهو محمول على أنه خارج الصلاة، ولا بأس به
خارجها بالاتفاق.
فإن قلت: صرح في صلاة التسبيح بالعد حيث «قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - " للعباس بن عبد المطلب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أن تصلي
أربع ركعات فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة وأنت قائم قلت: سبحان الله
والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمس عشرة مرة، ثم تركع فتقرأها
وأنت راكع عشرا ... » الحديث.
(2/464)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: قالوا: يعد عددها بأكثر الرأي لا بالأصابع، وفيه نظر لعدم تمكنه من
ذلك على الحقيقة، ولهذا قال في " الكافي ": إنما يتأتى هذا أي العد بأكثر
الرأي أو بالضبط قبل الشروع في الصلاة بالحفظ في قلبه في الآي دون
التسبيحات.
(2/465)
|