البناية شرح الهداية

باب النوافل السنة ركعتان قبل الفجر،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب النوافل] [عدد ركعات التطوع المرتبطة بالصلوات وكيفيتها]
م: (باب النوافل)
ش: أي هذا باب في بيان أحكام النوافل. ولما فرغ من بيان الفرائض والواجبات شرع في بيان النوافل، وهي أعم من السنن، فلذلك عبر بالنوافل ثم قدم أحكام السنن؛ لأنها أقوى من النوافل؛ لأنها جمع نافلة وهي الزيادة، ونافلة الصلاة الزيادة على المفروضة، ونافلة الرجل ولد ولده؛ لأنه زيادة على أولاده، والتنفل التطوع، والتطوع في الأصل فعل الطاعة، وفي الشرع والعرف مخصوص بطاعة غير واجبة، ومن ذلك قيل هما مترادفان، والنفل بسكون الفاء زيادة عبادة شرعت لنا لا علينا، ووجود اشتقاقه يدل على الزيادة، وبفتح الفاء الغنيمة، وهو ما يجعله الإمام لبعض الجيش زيادة على ما يستحقه من ثباتها، ويجمع على أنفال، والنوفل: البحر والرجل الكثير العطاء، والواو زائدة للإلحاق ب [ ... ]
فإن قلت: ما وجه المناسبة بين هذا الباب والباب الذي قبله خاصة؟ قلت وجود معنى الزيادة في كل منهما، لأن الوتر زائد على الفرائض على ما صرح به في الحديث إن الله زادكم صلاة.
م: (السنة ركعتان قبل الفجر) ش: أي قبل صلاة الفجر بعد طلوعه، قدم ذكر السنة على النفل المطلق لقوتها، ثم بدأ بسنة الفجر لكونها أقوى من غيرها؛ لما روي عن عائشة في الصحيح.
قالت: «لم يكن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على شيء من النوافل أشد تعهدا منه على ركعتي الفجر» وفي " سنن أبي داود ": «لا تدعوهما ولو طردتكم الخيل» .
فإن قلت: هذا يدل على وجوبها لأجل مواظبته - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عليها، ولهذا ذكر المرغيناني عن أبي حنيفة أنها واجبة. وفي " جوامع المحبوبي " روى الحسن عن أبي حنيفة أنه قال: لو صلى سنة الفجر قاعدا بلا عذر لا يجوز.
قلت: إنما لم يقل بوجوبها؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ساقها مع سائر السنن في حديث المثابرة، وقالوا العالم إذا صار مرجعا للفتوى يجوز له ترك سائر السنن لحاجة الناس إلا سنة الفجر، وذكر التمرتاشي في " الأمالي " ترك الأربع قبل الظهر والتي بعدها وركعتي الفجر لا يلحقه الإساءة إلا أن يستخف به، ويقول هذا فعل النبي وأنا لا أفعل، فحينئذ يكفر، وفي النوازل وفوائد الرستغفني من ترك سنن الصلوات الخمس ولم يرها حقا كفر، ولو رآها حقا وترك قيل لا يأثم، والصحيح أنه يأثم؛ لأنه جاء الوعيد بالترك، وعن أبي سهل الرازي من أصحاب أبي حنيفة لو ترك الأربع قبل الظهر وواظب على الترك لا تقبل شهادته، وفي " المجتبى ": لا يختلف الرجل

(2/506)


وأربع قبل الظهر، وبعدها ركعتان، وأربع قبل العصر، وإن شاء ركعتين، وركعتان بعد المغرب، وأربع قبل العشاء، وأربع بعدها، وإن شاء ركعتين، والأصل فيه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والمرأة في الأربع قبل الظهر، وقيل إنها سنة لمن يصلي بالجماعة، الأربع قبل الجمعة كالأربع قبل الظهر.
ثم الترتيب بين السنن قال الحلواني أقواها ركعة الفجر، ثم سنة المغرب؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يدعهما في سفر ولا حضر، ثم التي بعد الظهر فإنهما سنة متفق عليهما، وفي التي قبلها اختلاف قيل هي الفصل بين الأذان والإقامة، ثم التي بعد العشاء، ثم التي قبل الظهر، [ثم التي بعد الظهر] ، ثم التي قبل العصر، ثم التي قبل العشاء. وقال الحسن اختلف في أقواها بعد ركعتي الفجر، قيل: التي قبل الظهر والتي بعدها والتي بعد المغرب سواء، وقيل: بل التي قبل الظهر وهو الأصح.
ثم السنة في اللغة الطريقة والعادة والسيرة، فإذا أطلقن في الشرع فإنما يراد بها ما أمر به النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ونهى عنه، وندب إليه، فإذا يراد بها سنة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قولا وفعلا مما لم ينطق به الكتاب العزيز، ولهذا يقال في أدلة الشرع الكتاب والسنة أي القرآن والحديث، وبه قال صاحب مطالع القرآن، السنة الطريقة التي سنها رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وشرع الاعتماد عليها، ومن سنته [ ... ] أي فعل فعلا وقال قولا يحتمل عليه وسلك فيه.
ويجمع على سنن بضم السين، وسنن بالفتح الطريقة، وفي الصحاح بفتح السين والنون وضمها وضم السين ثلاث لغات، ويقال السنة في اللغة على ثلاث معان: السيرة وصورة الوجه وتمر بالمدينة، ولها خمسة أوجه في الشرع. الأول: ما تلقي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من غير الكتاب، ومنه الكتاب والسنة قولا كان أو فعلا، والثاني: فعله دون قوله، وعلى فعله الذي هو الواجب كقيام الليل وصلاة [الليل] وصلاة الضحى والوتر على قول ونحو ذلك، والواجب علينا كصلاة العيدين وغيرها ما تأكد وعلى من المندوبات كركعتي الفجر والوتر والثالث [ ... ] والخامس ما واظب عليه وتركه أحيانا ولم يتأكد كالأربع قبل العصر أو الركعتين أو الأربع قبل العشاء والأربع أو الركعتين بعدها.

م: (وأربع قبل الظهر) ش: أي أربع ركعات قبل صلاة الظهر بعد الزوال م: (وبعدها ركعتان) ش: أي بعد صلاة الظهر ركعتان في وقته م: (وأربع قبل العصر) ش: أي أربع قبل صلاة العصر م: (وإن شاء ركعتين) ش: أي وإن شاء يصلي ركعتين م: (وركعتان بعد المغرب) ش: أي بعد صلاة المغرب في وقته م: (وأربع قبل العشاء) ش: أي وأربع ركعات قبل صلاة العشاء م: (وأربع بعدها) ش: أي أربع ركعات بعد صلاة العشاء م: (وإن شاء ركعتين) ش: أي وإن شاء يصلي ركعتين.
م: (والأصل فيه) ش: أي العدد المذكور، وقال صاحب الدراية أي ما ذكر محمد، والذي

(2/507)


قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من ثابر على ثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة بنى الله له بيتا في الجنة» .
وفسر على نحو ما ذكر في الكتاب،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت أولى على ما لا يخفى م: (قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من ثابر على ثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة بنى الله له بيتا في الجنة» ش: هذا الحديث روي بوجوه كثيرة، وألفاظه مختلفة عن أم حبيبة وعائشة وأبي هريرة، فحديث أم حبيبة أخرجه الجماعة إلا البخاري عنها أنها سمعت رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقول: «ما من عبد مسلم يصلي لله في كل يوم اثنتي عشرة ركعة تطوعا من غير الفريضة إلا بنى الله له بيتا في الجنة ".
ولمسلم وأبي داود وابن ماجه: " أربعا قبل الظهر وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الغداة "، وللنسائي في رواية وركعتين قبل العصر بدل ركعتين بعد العشاء» وكذلك عند ابن ماجه في " صحيحه " وابن خزيمة في " مسنده " والحاكم في " مستدركه "، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وجمع الحاكم في لفظ بين الروايتين فقال: وفيه ركعتين قبل العصر وركعتين بعد العشاء، وكذلك عند الطبراني في " معجمه ".
وحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أخرجه الترمذي وابن ماجه عنها قالت: قال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من ثابر على ثنتي عشرة ركعة من السنة بنى الله له بيتا في الجنة: أربع ركعات قبل الظهر وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر» . قال الترمذي حديث حسن غريب.
وحديث أبي هريرة أخرجه ابن عدي في الكامل " عنه عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «من صلى في يوم وليلة اثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتا في الجنة ركعتين قبل الفجر، وأربعا قبل الظهر وركعتين بعد الظهر، وركعتين قبل العصر، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء» .
قوله: من ثابر يعني واظب بالثاء المثلثة أي دوام، والمثابرة المواظبة والمداومة. وقال ابن الأثير: المثابرة الحرص على الفعل والقول وملازمتها.

م: (وفسر على نحو ما ذكر في الكتاب) ش: أي فسر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عدد الركعات في قوله على ثنتي عشرة ركعة على نحو ما ذكره في الكتاب، أي المبسوط والقدوري، ويجوز أن يقرأ فسر على صيغة المجهول، فعلى هذا يكون المفسر غير النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كما فسرت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -.

(2/508)


غير أنه لم يذكر الأربع قبل العصر، فلهذا سماه في الأصل حسنا، وخير؛ لاختلاف الآثار
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (غير أنه) ش: أي غير النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - م: (لم يذكر الأربع قبل العصر) ش: في تفسير حديث المثابرة، أراد بها بيان المذكور فيه، فإن المذكور في الكتاب أكثر من ثنتي عشرة م: (فلهذا) ش: أي فلأجل أنه لم يذكر الأربع قبل العصر في تفسير حديث المثابرة م: (سماه) ش: أي سمى محمد م: (في الأصل) ش: أي في المبسوط، وإنما سماه أصلا؛ لأنه صنفه أولا ثم صنف كتاب " الجامع الصغير " ثم كتاب " الجامع الكبير " ثم كتاب الزيادات م: (حسنا) ش: قال أبو سليمان الجوزجاني في " المبسوط " قلت لمحمد: فهل قبل العصر تطوع؟ قال: إن فعلت فحسن، قلت: فكم التطوع قبلها؟ قال: أربع ركعات م: (وخير) ش: أي خير محمد المصلي بين الأربع والركعتين قبل صلاة العصر.
م: (لاختلاف الآثار) ش: وهو أن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا،» رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن غريب، وأن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي قبل العصر ركعتين» رواه أبو داود من حديث عاصم بن ضمرة عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وروى الترمذي عن عاصم بن ضمرة عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي قبل العصر أربع ركعات يفصل بينهن بالتسلم على الملائكة المقربين ومن معهم من المسلمين والمؤمنين» وقال: حديث علي حديث حسن.
فإن قلت: كيف؟ قال: لاختلاف الآثار، ولم يقل: لاختلاف الأخبار لأن الأثر مستعمل فيما يروى عن الصحابة والخبر ما يروى عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في اصطلاح المحدثين، والاختلاف هاهنا في الأخبار كما ذكرنا، فكان ينبغي أن يقول لاختلاف الأخبار.
قلت: قال السغناقي ناقلا عن " الإيضاح ": ولم يقل لاختلاف الأخبار؛ لأن اختلاف الرواية بين الأربع والركعتين إنما جاء من فعل الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لا من النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وعن النخعي كانوا يستحبون قبل العصر ركعتين، ولم يكونوا يعدونها من السنة، وهذا نقل من الصحابة. قلت: فيه نظر؛ لأن ما ذكرناه الآن من ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يرد ما نقله، ونقله عن النخعي هذا لا يمنع كونه مفعولا من النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فالمصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنما اعتمد في ذلك على ما نقل عن الصحابة، اختار لفظه الآثار، وأما من رأى أن الآثار والأخبار في الأصل يرجع إلى معنى واحد.

(2/509)


والأفضل هو الأربع، ولم يذكر الأربع قبل العشاء، ولهذا كان مستحبا لعدم المواظبة، وذكر فيه ركعتين بعد العشاء،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والأفضل هو الأربع) ش: أي الأفضل أربع ركعات قبل العصر. قال الأترازي: لأن أفضل الأعمال أكثرها، وقال الأكمل: لأنه الأكثر عملا أو أدوم عزيمة فكان أكثر ثوابا.
قلت: الأولى أن يقال اتباعا للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فإنه روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه «كان يصلي قبل العصر أربع ركعات» كما ذكرنا.
فإن قلت: في آخر حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يفصل بينهن بالتسليم.
قلت: اختار إسحاق بن إبراهيم أن لا يفصل بينهن قبل العصر، قال: ومعنى قوله: بالتسليم أي بالتشهد كمذهبنا؛ لأن التسليم موصوف فيه. قلت: أراد بالتسليم التسليم على الملائكة وهو التشهد؛ لأن التسليم فيه، ولهذا يرد على ابن حبان حيث قال: المراد بالفصل التسليم حقيقة، يعني يصلي بتسليمتين، والدليل على ذلك أيضا ما رواه أبو داود والترمذي عن ابن عمر عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال «رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا» وفي " المفيد ": السنة قبل العصر أربع، ويؤيد هذا حديث علي وابن عمر المذكوران، وأيضا مذهب الإمام الأربع؛ لأن الصلاة صلاة الليل والنهار الأربع عنده، قيل: فيه نظر؛ لأن هذه المسألة وهي كون الأربع أفضل في الليل والنهار عنده بناء على فرع المسألة الأخرى، وهو أن اختلافهم في التطوع الذي ليس من السنن.
م: (ولم يذكر الأربع قبل العشاء) ش: أي لم يذكر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أربع ركعات قبل صلاة العشاء عند ذكر تفسير حديث المثابرة، فإن تطوع بأربع فهو حسن؛ لأن العشاء كالظهر من أنه لا يكره التطوع قبله وبعده.. [وفي المبسوط ولم يذكر التطوع قبل العشاء وبعده] كالظهر، وفي الذخيرة والتطوع قبل العشاء بأربع حسن.
م: (ولهذا كان مستحبا) ش: أي ولأجل عدم ذكر الأربع قبل العشاء كان الأربع قبله مستحبا م: (ولعدم المواظبة) ش: على الأربع قبله؛ لأن السنة إنما تثبت بالمواظبة من النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وقد ذكر في المفيد والتحفة وشرح مختصر الكرخي وأربع قبل العشاء إن أحب م: (وذكر فيه) ش: أي ذكر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في حديث المثابرة وفي غيره ذكر الأربع، أي: وفي غير حديث المثابرة ذكر الأربع بعد العشاء. م: (ركعتين بعد العشاء) ش: وهو ما روي عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من صلى قبل الظهر أربعا كان كأنما تهجد من ليلته، ومن صلاهن بعد العشاء، كان كمثلهن من ليلة القدر» ، رواه سعيد بن منصور في " سننه "، ورواه البيهقي من قول عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «من صلى أربعا بعد العشاء كان كمثلهن من ليلة القدر» .

(2/510)


وفي غيره الأربع، فلهذا خير إلا أن الأربع أفضل خصوصا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما عرف من مذهبه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي " المبسوط ": لو صلى أربعا بعد العشاء فهو أفضل لحديث ابن عمر موقوفا ومرفوعا أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «من صلى بعد العشاء أربع ركعات كان كمثلهن من ليلة القدر» . وقال الأترازي عند قوله وفي غير ذكر الأربع: وهو ما ذكر في شرح الأقطع قد روي «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى العشاء ودخل في حجرته فصلى أربع ركعات» فلما اختلف الخبران خير المصلي إن شاء صلى أربعا، وإن شاء صلى ركعتين.
قلت: الذي يدعي أن له يدا في الحديث لم يذكره على هذا الوجه ولا سيما بالتقليد لمن لم يتبين حاله، والنفل عنه وبعد التسليم له، فلا يدل على ما ادعاه إلا بالاحتمال الظني.
وفي " فوائد الرستغفني " يقرأ في الأولى الفاتحة وآية الكرسي ثلاث مرات، وفي الثانية الفاتحة و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ، وفي الثالثة الفاتحة و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1] ثلاث مرات، وفي الرابعة الفاتحة و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1] ثلاث مرات، وفي " الملتقطات " في الثالثة والرابعة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] والمعوذتين مرة في كل ركعة. م " (ولهذا) ش: أي ولأجل ذكره - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ركعتين بعد العشاء في حديث المثابرة وذكره أربعا في غيره م: (خير) ش: أي خير محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - المصلي بين أن يصلي أربعا وبين أن يصلي ركعتين. وقال السغناقي: خير أي محمد وأبو الحسن القدوري بقوله وأربع بعدها وإن شاء ركعتين م (إلا أن الأربع أفضل) ش: لما ذكرنا آنفا من حديث البراء بن عازب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: (خصوصا على مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما عرف من مذهبه) ش: أي الأفضل عند أبي حنيفة في باب النوافل أن يصلي أربعا ليلا ونهارا، وعندهما الشفع أفضل بالليل على ما عرف في موضعه.
ومذهب الشافعي في هذا الباب أن السنن عند الصلوات الخمس: عشر ركعات، قبل الظهر ركعتان، وبه قال أحمد، ومن الشافعية من قال: أدنى الكمال ثمان، فأسقط سنة العشاء. وقال النووي نص عليه في البويطي، ومنهم من قال: ثنتي عشرة ركعة [......] فجعل قبل الظهر أربعا، والأكمل عند الشافعية ثماني عشرة زادوا وقبلها ركعتين وبعدها ركعتين وأربعا قبل العصر، واحتج الشافعي وأحمد فيما ذهبا إليه من أن السنن عشر ركعات، بما روى الترمذي عن عبد الله بن سفيان قال «سألت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عن صلاة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فقالت: كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وبعد المغرب ركعتين وبعد العشاء ركعتين وقبل الفجر ثنتين» وصححه الترمذي.
وأما حديث عن عبد الله بن سفيان قال: «سألت عائشة عن صلاة رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فقلت: كان يصلي قبل الظهر أربعا وبعدها ركعتين، وبعد المغرب ثنتين، وبعد العشاء ركعتين، وقبل

(2/511)


والأربع قبل الظهر بتسليمة واحدة عندنا، كذا قاله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الفجر ركعتين» رواه مسلم وأبو داود، وهو أصح من حديث الترمذي، وفيه زيادة فكان أولى بالقبول.
ولنا حديث المثابرة أيضا وقد ذكرناه، ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يؤت سنة قبل المكتوبة ولا بعدها، وخالف الأحاديث الصحاح الثابتة في توقيت السنن، وزعم أنه عمل أهل المدينة، وفي " شرح الوجيز ": اختلف الأصحاب في عدد الركعات، قال الأكثرون: عشر ركعات كما ذكرنا، ومنهم من زاد على العشر ركعتين قبل الظهر، مضمومتين إلى الركعتين لحديث المثابرة، ومنهم من زاد على هذا العدد ركعتين بعد الظهر.
وقال صاحب " المهذب "، وجماعة: أدنى الكمال عشر ركعات، وأتم الكمال ثمانية عشرة ركعة، وفي استحباب الركعتين قبل المغرب وجهان قيل باستحبابها، وإن لم يكن في الروايات لما روي «عن أنس أنه قال صليت ركعتين قبل المغرب ورآني رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وعلم فلم يأمرني ولم ينهني» وروي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «صلوا قبل المغرب ركعتين "، وقال في الثالثة: " لمن شاء» .
وقيل: الاستحباب لما روي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه سئل عنهما، فقال: ما رأيت أحدا على عهد رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلاهما، وعن أبيه عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يضرب عليهما "، وبه قال أبو حنيفة؛ لأن تعجيل المغرب مستحب.
قلت: حديث أنس رواه مسلم، والحديث الثاني رواه البخاري، والحديث الثالث رواه أبو داود وسكت عنه. وقال النووي: إسناده حسن، وأثر عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه الطحاوي في " معاني الآثار " من عشر طرق صحاح بألفاظ مختلفة. وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، وأخرج الطحاوي أيضا عن خالد بن الوليد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يضرب الناس على الصلاة بعد العصر. وأخرجه ابن أبي شيبة أيضا في مصنفه. وأخرج الطحاوي أيضا عن خالد ابن الوليد وأخرج أيضا عن ابن عباس أن طاوسا سأله عن الركعتين بعد العصر فنهاه عنهما وقال {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] (الآية 136 الأحزاب) .

م: (والأربع قبل الظهر بتسليمة واحدة عندنا، كذا قاله رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: هذا الذي قاله رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رواه أبو داود في " سننه "، والترمذي في " الشمائل " عن أبي أيوب الأنصاري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليمة

(2/512)


وفيه خلاف للشافعي
- رَحِمَهُ اللَّهُ -، قال: ونوافل النهار إن شاء صلى بتسليمة ركعتين، وإن شاء أربعا وتكره الزيادة على ذلك.
وأما نافلة الليل، قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن صلى ثمان ركعات بتسليمة جاز وتكره الزيادة على ذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يفتح لهن أبواب السماء» . ورواه ابن ماجه في " سننه " بلفظ: «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يصلي قبل الظهر أربعا إذا زالت الشمس لا يفصل بينهن بتسليم، قال: أبواب السماء تفتح إذا زالت الشمس» وضعفه أبو داود، وأطلق المنذري عزوه إلى الترمذي في مختصره، وكان - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أن يعيده بالشمائل كما ذكرنا.
م: (وفيه خلاف للشافعي) ش: أي في الأربع قبل الظهر خلاف الشافعي، فعنده يصليها بتسليمتين وهو أفضل، وبه قال مالك وأحمد، واحتجوا بحديث أبي هريرة أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يصليهن بتسليمتين، ولأن فيه زيادة تحريمة وتسليم لكان أفضل، ولنا حديث أبي أيوب الأنصاري المذكور آنفا.
الجواب عن حديث أبي هريرة أن معنى قوله بتسليمتين يعني بتشهدين، يسمى التشهد تسليما لما فيه من السلام كما سمي التشهد لما فيه من الشهادة، وقد روي هذا التأويل عن ابن مسعود.
فإن قلت: احتج هؤلاء أيضا بما روي عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» قلت: عن قريب يأتي هذا الحديث وبيان حاله والجواب عنه.

م: (قال) ش: أي القدوري م: (ونوافل النهار) ش: إن شاء صلى بتسليمة ركعتين لم أر أحدا من الشراح حل هذا التركيب من حيث العربية فنقول قوله نوافل النهار كلام إضافي مبتدأ وخبره محذوف تقديره نوافل النهار يقال فيها م: (إن شاء) ش: المصلي م: (يصلي بتسليمة ركعتين وإن شاء أربعا) ش: أي وإن شاء صلى أربع ركعات بتسليمة واحدة بحديث أبي أيوب الأنصاري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - المذكور آنفا م: (وتكره الزيادة على ذلك) ش: أي على أربع ركعات بتسليمة في نافلة النهار لعدم ورود نص عليه.

م: (وأما نافلة الليل قال أبو حنيفة إن صلى ثمان ركعات بتسليمة جاز) ش: نافلة الليل أربع أربع بتسليمة واحدة أفضل عند أبي حنيفة لزيادة سعة، ويجوز الزيادة عليها إلى ست بتسليمة واحدة عنده من غير كراهة في رواية " الجامع الصغير "، وإلى ثمان في رواية لورود الخبر بكل واحد من العددين، ولكن الأربع أفضل عنده م: (وتكره الزيادة) ش: أي على ثمان ركعات

(2/513)


وقالا: لا يزيد بالليل على ركعتين بتسليمة وفي " الجامع الصغير " لم يذكر الثماني في صلاة الليل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بتسليمة وهو اختيار القدوري وفخر الإسلام. وقال شمس الأئمة: لا يكره، وفي " النهاية ": والأصح أنه لا يكره، لأن فيه وصلا بالعبادة وذلك أفضل. وقال الأكمل ناقلا عن السغناقي: لا فائدة في تخصيص أبي حنيفة بهذا الحكم، لأن كلا الحكمين الجواز في نافلة الليل إلى الثمان بغير كراهة، والكراهة فيما وراءها اتفاقا في عامة روايات الكتب، ثم قال قلت: يجوز أن يكون ذكر أبي حنيفة للاحتراز عن قول الشافعي، فإنه يقول لا يزيد على أربع، ولو زاد كره ذلك، انتهى.
قلت: فيه نظر، لأن نصب الخلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه فيكون تخصيص أبي حنيفة بالذكر عن قول الشافعي، وفي مثل هذا الموضع لا يتأتى ما ذكره.
م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد م: (لا يزيد بالليل على ركعتين بتسليمة) ش: فحينئذ يكره الزيادة على الأربع، وهل يكره الأربع بتسليمة عندهما، ولفظ القدوري يوهم الكراهة حيث قال: وقالا لا يزيد بالليل على ركعتين، ومثل هذا الكلام في الرواية يوهم نفي الزيادة بحرمة أو كراهة، ولكن ذكر في " المبسوط " و " الجامع الصغير " وعامة الكتب أن الاختلاف في الأفضلية، فيدل على انتفاء الكراهة في الأربع بالاتفاق، وفي " قاضي خان ": ولو صلى التراويح ثمان ركعات بتسليمة واحدة وقعد في كل ركعتين ينوب عن أربع تسليمات عند أبي حنيفة في رواية لعدم الكراهة إلى الثمان، وعندهما ينوب عن تسليمتين لأن ما زاد على الأربع عندهما يكره فلا تنوب الزيادة عن التراويح، فهذا تصريح بانتفاء الكراهة عن الأربع إذ الأربع جازت عن التراويح، فعلى هذا بمعنى ما ذكر في القدوري وقال: لا يزيد بالليل.. إلخ لا يزيد كيلا يلزم ترك الأفضل في الأربع، والكراهة في الزيادة عليها. وقال المحبوبي: فرق محمد في الكتاب بين صلاة الليل وصلاة النهار في كراهة الزيادة على الأربع باعتبار أن الأثر جاء منه في صلاة الليل لا النهار، وعلينا الاتباع خصوصا في العبادات.
م: (وفي الجامع الصغير لم يذكر الثماني في صلاة الليل) ش: أي لم يذكر محمد ثمان ركعات في صلاة الليل، وإنما ذكر الستة، قوله الثماني الباقية للنسبة كاليماني على تعويض الألف عن إحدى يائي النسبة، ولهذا [لا يشدد] ، لا بمثل حتى ولا يجمع بين العوض والمعوض قال الأصمعي: لا يقال ثمان بالضمة على النون.
فإن قلت قال الشاعر:
لها ثنايا أربع حسان ... وأربع فيهن لها ثمان
قلت: أنكره الأصمعي وقال هو خطأ، وعلى هذا ما ذكر في " الجامع الصغير " في صلاة الليل:

(2/514)


ودليل الكراهة أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يزد على ذلك، ولولا الكراهة لذكر تعليما للجواز،
والأفضل في الليل عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله مثنى مثنى، وفي النهار أربع أربع. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيهما مثنى مثنى، وعند أبي حنيفة فيهما أربع أربع،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وإن شئت ثمان خطأ والستة من الضرورات [ ... ] .
وقال ابن الحاجب في ثماني عشرة فتح الياء وجاء إسكانها وشذ حذفها بفتح النون.
م: (ودليل الكراهة أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يزد على ذلك) ش: أي على الثماني م: (ولولا الكراهة) ش: لزاد أي على الثماني م: (للذكر تعليما) ش: أي لأجل التعليم م: (للجواز) ش: هذا اختيار القدوري وفخر الإسلام، وقال شمس الأئمة الأصح أنه لا يكره الزيادة على ثمان ركعات لأنه روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى ثلاث عشرة ركعة فتكون الثمانية صلاة الليل والثلاث الوتر والركعتان سنة الفجر، وكان يصلي هذا كله في الابتداء ثم فصل البعض على البعض هكذا ذكره حماد بن سلمة، ولم يذكر كراهة الزيادة على ثمان ركعات بتسليمة واحدة، ونقل الأكمل هذا عن السغناقي ثم قال وفيه نظر، لأن كلامنا فيما يكره بتسليمة واحدة، وليس فيما ذكر ما يدل على ذلك.
قلت: ورد في صحيح مسلم في حديث طويل «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يصلي تسع ركعات لا يجلس فيهن إلا في الثامنة فيذكر الله تعالى ويحمده ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله تعالى ويحمده ويدعوه ثم يسلم تسليما يسمعنا» .
وفي غير مسلم كان يوتر بتسع ركعات، ولو وقف الأكمل على هذا الحديث لما قال وفيه نظر مع أن هذا الحديث خلاف ما قاله المصنف من قوله لم يرد على ذلك وذكر هذا حديثا غريبا ليس له أصل فافهم.

م: (والأفضل في الليل عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله مثنى مثنى) ش: أي الأفضل في تطوع الليل عندهما مثنى أي اثنين، يعني ركعتين، ومثنى معدول عن اثنين اثنين وتكراره للتأكيد. وقال الزمخشري منع الصرف لما فيه من العدلين عدله عن صيغته الأصلية وعدله عن مكروه، ويقال شرط العدل أن يكون في اللفظ والمعنى، وقال ابن يعيش لا يكون العدل إلا في اللفظ وفي المعنى.
م: (وفي النهار أربع أربع) ش: أي الأفضل في تطوع النهار أربع ركعات، وأما صرف أربع لأنه وضع اسما في الأصل، فلم يلتفت إلى ما طرأ له من الوصفية وأيضا فإنه قابل للتاء.
م: (وعند الشافعي فيهما مثنى مثنى) ش: [أي في التطوع عنده في الليل والنهار مثنى مثنى] ، وبه قال مالك وأحمد م: (وعند أبي حنيفة فيهما أربع أربع) ش: أي الأفضل في التطوع عنده الليل

(2/515)


للشافعي قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» ، ولهما الاعتبار بالتراويح.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والنهار أربع ركعات م: (للشافعي قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) ش: هذا الحديث رواه ابن عمر وأبو هريرة وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فحديث ابن عمر أخرجه الأربعة عنه أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» .
وحديث أبي هريرة أخرجه إبراهيم الحربي في غريب الحافظ أبي نعيم في تاريخ أصبهان عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» .
والجواب عنها أن حديث ابن عمر لما رواه الترمذي سكت عنه، إلا أنه قال اختلف أصحاب شعبة فيه فرفعه بعضهم ووقفه بعضهم، ورواه الثقات عن عبد الله بن عمر عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ولم يذكر فيه صلاة النهار، وقال النسائي هذا الحديث عندي خطأ، وقال في " سننه الكبرى ": إسناده جيد، إلا أن جماعة من أصحاب ابن عمر خالفوا الأزدي فيه فلم يذكروا فيه النهار، منهم سالم، ونافع وطاوس.
والحديث في الصحيحين من حديث جماعة عن ابن عمر وليس فيه ذكر النهار وروى الطحاوي أيضا في معاني الآثار عن ابن عمر أنه كان يصلي بالليل ركعتين وبالنهار أربعا، فمحال أن يروي ابن عمر عن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ضعيفا أو كان موقوفا غير مرفوع.
وأما حديث أبي هريرة وعائشة فإن الذي رواه البخاري ومسلم أصح منهما وأقوى وأثبت، وعلى طريق التسليم يقول معناه شفعا لا وترا بسبيل إطلاق اسم الملزوم على اللازم مجازا جمعا بين الدليلين على ما يجيء.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي يوسف ومحمد م: (الاعتبار بالتراويح) ش: يعني قياسا على التراويح، فإن الأفضل فيهما مثنى مثنى بالإجماع، وهذا نفل الليل فينبغي أن يكون سائر نوافل الليل كذلك بخلاف نفل النهار، لحديث أبي أيوب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الذي تقدم ذكره، وكان ينبغي أن يستدل لهما بحديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الذي رواه البخاري ومسلم وفيه ذكر الليل فقط وإثبات الفضائل في العبادات لا نعلم إلا من فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو قوله وهو في نفس الأمر توقيفي.

(2/516)


ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يصلي بعد العشاء أربعا» روته عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولأبي حنيفة أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يصلي بعد العشاء أربعا، روته عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -) ش: لم أر أحدا من الشراح ولا من غيرهم من المتأخرين حققوا هذا الموضع ولا تعرضوا لحال هذا الحديث، وأعجب من الكل أن علاء الدين التركماني قال مقلدا لغيره: وهذا الحديث لم نجده، فنقول وبالله التوفيق:
أما الأترازي فإنه لم يترك هذا الحديث بالكلية، وإنما استدل لأبي حنيفة بالقياس حيث قال ولأبي حنيفة وجهان، أحدهما الاعتبار بالفرض وهو العشاء، فلو كان الأربع بتسليم فاصل أفضل من الأربع بلا تسليم فاصل لكن الفرض كذلك، لأن حال الفرض أقوى وهو بالفضيلة أولى، والثاني أن في الأربع بتسليمة واحدة مداومة على الطاعة، وفيها مشقة على النفس وفيما قالوا استراحة للنفس يكون ما صلاه أولى.
قلت: هذا ليس من دأب المصنفين ولا سيما المتقدمين بشرح الكتاب، فالمصنف يستدل بحديث ويأتي الشارح ويستدل بالقياس ولا يلتفت إلى الحديث وإلى حاله، ومع هذا الوجهان اللذان ذكرهما مدخول فيهما ولا يخفى على المتأمل.
وأما الأكمل فإنه لم يذكر شيئا أصلا، لا الحديث ولا غيره من وجوه الاستدلال لأبي حنيفة وقنع بقوله وكلامه ظاهر.
وأما صاحب " الدراية " فإنه قال ولأبي حنيفة ما روي «عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه بات عند خالته ميمونة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - يرقب صلاة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أرسله أبوه لذلك، فلما صلى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - العشاء رقد مرقده ثم قام ونظر إلى السماء فقرأ خاتمة سورة آل عمران وتوضأ وصلى أربع ركعات بتسليمة واحدة» .
وحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حين سئلت عن صلاة رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فقالت: «ما كان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعا لا تسأل عن حسنهن ولا عن طولهن، ثم يصلي أربعا لذلك، ثم يصلي الوتر» .
وأما السغناقي فإنه أيضا لم يذكر حديث عائشة المذكور أصلا، وإنما استدل لأبي حنيفة بحديث ابن عباس المذكور، وأما قول علاء الدين هذا الحديث لم نجده فإنه كيف يقول ذلك وقد رواه أبو داود في سننه من حديث زرارة بن أوفى عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها سألت عن صلاة رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في جوف الليل، فقالت «كان يصلي صلاة العشاء في جماعة ثم يرجع إلى أهله فيركع أربع ركعات ثم يأوي إلى فراشه» . الحديث بطوله، وفي آخره «حتى قبض

(2/517)


«وكان - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يواظب على الأربع في الضحى»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على ذلك» . وقال أبو داود في سماع زرارة عن عائشة نظر، ثم أخرجه عن زرارة عن سعيد بن هشام عن عائشة وهذه الرواية هي المحفوظة عندي، فإن أبا حاتم الرازي قال: سمع زرارة من أبي هريرة وابن عباس وعمران بن حصين، وهذا م أصح له فظاهر هذا لأن زرارة لم يسمع من عائشة وأخرج أبو داود أيضا والنسائي في " سننه الكبرى " عن شريح بن هانئ عن عائشة قالت: سألتها عن صلاة رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فقالت: «ما صلى رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - العشاء قط فدخل علي إلا صلى بعدها أربع ركعات أو ستا وسكت عنه» وروى أحمد في " مسنده " عن عبد الله بن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذا صلى العشاء ركع أربع ركعات وأوتر بسجدة ثم قام حتى يصلي بعدها صلاته من الليل» وأخرجه البزار أيضا في " مسنده " والطبراني في " معجمه ". وأخرج البخاري عن ابن عباس قال: «بت في بيت خالتي ميمونة بنت الحارث زوج النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وكان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عندها في ليلتها فصلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - العشاء ثم جاء إلى منزله فصلى أربع ركعات ثم نام ثم قام وصلى خمس ركعات ثم صلى ركعتين ثم خرج إلى الصلاة» .
فإن قلت أخرج مسلم عن عبد الله بن شقيق عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت «كان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي في بيتي، [صلى] قبل الظهر أربعا ثم يخرج فيصلي بالناس ثم يدخل فيصلي ركعتين، يصلي بالناس المغرب ثم يدخل فيصلي ركعتين وكان يصلي بالناس العشاء ويدخل في بيتي فيصلي ركعتين» انتهى. فهذا مخالف لحديثها المتقدم.
قلت قد وقع اختلاف كثير عن عائشة في أعداد الركعات في صلاته - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الليل، فهذا إما من الرواة وإما باعتبار أنها أخبرت عن حالات منها ما هو الأغلب عن فعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ومنها ما هو نادر، ومنها ما هو بحيث اتساع الوقت وضيقه.

م: (وكان - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مواظبا على الأربع في الضحي) ش: هذا الحديث رواه مسلم من حديث «معاذة أنها سألت عائشة كم كان رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي الضحى قالت أربع ركعات يزيد ما شاء» وفي رواية «ويزيد ما شاء» ورواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " من حديث عمرة عن عائشة قالت سمعت أم المؤمنين عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تقول «كان رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي

(2/518)


ولأنه أدوم تحريمة فيكون أكثر مشقة وأزيد فضيلة، ولهذا
لو نذر أن يصلي أربعا بتسليمة لا يخرج عنه بتسليمتين وعلى القلب يخرج
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الضحى أربع ركعات لا يفصل بينهن كلام» فالمصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكر لأبي حنيفة حديثين أحدهما في أفضلية الأربع بالليل والآخر في أفضليته بالنهار.
فإن قلت: روى البخاري عن عروة عن عائشة قالت: «كان رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به الناس ليفرض عليهم، وما سبح رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سبحة الضحى قط وإني لأسبحها» وروى مسلم «عن عبد الله بن شقيق قال سألت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - هل كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي الضحى، قالت لا إلا أن يجيء من مغيبه» . قلت يحتمل أنها أخبرت في الإنكار عن رؤيتها ومشاهدتها [....] أما في خبره - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أو خبر غيره عنه وقد يكون إنكارها مواظبته عليها وقد يكون الإنكار إنما هو لصلاة الضحى المعهودة عند الناس على الذي اختاره جماعة من السلف من الصلاة بثمان ركعات، وأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يصليها أربعا ويزيد ما شاء، فيصلي مرة أربعا ومرة ستا ومرة ثمانيا، وأقلها ركعتان، وقد رأى جماعة أن يصلي في وقت دون وقت يخالف بينهما وبين الفرائض.
ثم اعلم أن صلاة الضحى مستحبة، وقال النووي: وقيل سنة، وكان ابن عمر يراها بدعة، ومثله ابن مسعود، حكاهما النووي وأقلها ركعتان. وقال النووي أفضلها ثماني ركعات وقيل اثني عشر ركعة، وفيه حديث فيه ضعيف. ووقتها من ارتفاع الشمس إلى وقت الزوال وقال صاحب الحاوي ووقتها المختار إذا مضى ربع النهار لحديث زيد بن أرقم أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال «صلاة الأوابين حين ترمض الفصال» رواه مسلم. قوله ترمض بفتح التاء والميم أي حين يترك الفصال من شدة الحر في إخفافها، وفي حديث أم هانئ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلاها ثماني ركعات، متفق عليه، وعن أبي هريرة عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال «إن في الجنة بابا يقال له باب الضحى، فإذا كان يوم القيامة ينادي منادي أين الذين كانوا يديمون صلاة الضحى؟ هذا بابكم فادخلوه برحمة الله» .
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الأربع م: (أدوم تحريمة) ش: أي من حيث التحريم لأنها استمرت ولم يفصل بشيء م: (فيكون أكثر مشقة) ش: لأنه ليس فيه راحة للنفس بخلاف الركعتين م: (وأزيد فضيلة) ش: أي من حيث الفضيلة لأن زيادة الفضيلة في أكثر المشقة، وجاء أفضل الأعمال [....] أي أشقها م: (ولهذا) ش: أي ولأجل ما ذكرنا من تعليل ذكر في الزيادات.

م: (لو نذر أن يصلي أربعا بتسليمة لا يخرج عنه) ش: أي عن النذر م: (بتسليمتين) ش: يعني لو صلى الأربع بسلامين لِأنه لا يخرج عن العهدة بما هو مخفف م: (وعلى القلب يخرج) ش: أي ولو نذر على قلب المسألة المذكورة وهو أنه لو نذر أن يصلي أربعا بتسليمتين فصلى أربعا

(2/519)


والتراويح تؤدى بجماعة فيراعى فيها جهة التيسير، ومعنى ما رواه شفعا لا وترا، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بتسليمة يخرج لأنه شدد المخففة فيكون أشق، فكان أفضل، وكذا في انجلاب الثواب، وإنما قال وعلى القلب دون وعلى العكس لأن عكس المسألة المذكورة أن ينذر أن يصلي ركعتين فصلى أربعا.

م: (والتراويح تؤدى بجماعة) ش: هذا جواب عن استدلال الصاحبين بالتراويح تقديره أن يقال التراويح تؤدى بجماعة، واختيار الفريق فيه للتحقيق م: (فيراعى فيها جهة التيسير) ش: أي جهة التحقيق، وذلك رعاية لحق الجماعة.
م: (ومعنى ما رواه شفعا لا وترا) ش: هذا جواب عن الحديث الذي احتج به الشافعي وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» وتقديره أن قوله مثنى مثنى معناه شفعا شفعا لا وترا بطريق إطلاق اسم الملزوم على اللازم مجازا والداعي إلى هذا التأويل لئلا يصلي السنن أو الوتر في النفل [.....] ليس معناه أنه يسلم بين كل ركعتين، وقد أشبعنا الكلام في هذا الحديث عن قريب.
فروع: قراءة الأوراد بين الفرض والسنة لا بأس بها، قاله الحلواني ولو قام في مصلاه إن شاء قرأ جالسا وإن شاء قرأ قائما. وفي " شرح الشهيد " القيام إلى السنة متصلا بالفرض مسنون وفي الثاني كان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذا سلم يمكث قدر ما يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ولو تكلم بعد السنة قبل الفريضة هل تسقط السنة، قيل: تسقط، وقيل: لا [تسقط] ، ولكن ثوابه أفضل من ثوابه قبل التكلم. وفي " المبسوط ": ويكره الكلام بعد انشقاق الفجر إلى أن يصلي الفجر لأنها ساعة تشهدها الملائكة، جاء في تأويل قَوْله تَعَالَى {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] (الإسراء: الآية 78) ، تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار، فلا ينبغي بأن يشهدهم إلا على خير، طول القيام أفضل من كثرة الركوع والسجود. وقال أبو يوسف: إذا كان له ورد من الليل فالأفضل أن يكثر عدد الركعات وإلا فطول القيام أفضل، وقال محمد: كثرة الركوع والسجود أفضل، إخفاء التطوع أفضل من إبدائه. نافلة الليل أفضل من نافلة النهار لأنها أشق على الإنسان لما فيها من هجران النوم والراحة، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أفضل الصلاة بعد المفروضة صلاة الليل» ، رواه مسلم، وآخر الليل أفضل من أوله.
المسافر لا يترك السنة إلا بعذر قاله في منية المفتي الأفضل في السنن والنوافل الترك إلا التراويح. وقال الحسن اختلف في الآكد بعد ركعتي الفجر فقيل الأربع قبل الظهر والركعتان بعده والركعتان بعد المغرب كلها سواء، والأصح أن الأربع قبل الظهر آكد وفي " الحاوي ": عن أبي سهل موسى بن أبي نصر الرازي من أصحاب أبي حنيفة أنه قال: من واظب على ترك الأربع قبل الظهر لا أقبل شهادته. وفي " الأسبيجابي ": تارك الأربع قبل الظهر والركعتين بعدها

(2/520)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وركعتي الفجر تلحقه الإساءة لأنها تطوع، وفي " المحيط " و " الواقعات " الأصح أنه يأثم.
لكل من استيقظ من الليل أن يمسح [النوم] عن وجهه ويتسوك وينظر في السماء ويقرأ {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران: 190] الآيات التي في آخر آل عمران، والثابت ذلك في الصحيحين.
ويستحب إحياء ليلتي العيدين، ويستحب أيضا لمن أراد قيام الليل أن يعتاد ما يمكنه الدوام عليه مدة حياته، ويكره بعد ذلك تركه والتنقص منه من غير ضرورة ويستحب أيضا الإكثار من الدعاء في ساعات الليل وأكثرها النصف الأخير، وأفضله عند الأسحار.
ومن التطوعات ركعتا شكر الوضوء عن عقبة بن عامر الجهني - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قل: «ما من أحد يتوضأ ويحسن الوضوء فيصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة» ، رواه مسلم.
وركعتا السفر عن مطعم بن المقدام قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما خلق عن أهله أفضل من ركعتين يركعهما عندهم حتى يزيد سفرا» ، ذكر هذا ابن أبي شيبة في " سننه ". وركعتا القدوم من السفر عن كعب بن مالك «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يقدم من السفر إلا نهارا في الضحى، فإذا قدم بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ثم جلس فيه» رواه مسلم.
وركعتا تحية المسجد، ولا يختصان بليل ولا نهار لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين» متفق عليه، وهي سنة وبه قال أحمد، وقال المرغيناني واجبة عند الشافعي ونقله غلط. قال النووي في " شرح المهذب ": أجمع العلماء على استحباب تحية المسجد، وفي " الجلاب " للمالكية: ويستحب لمن أراد الجلوس في المسجد أو جلس ولم يصل أن يصلي ركعتين إلا أن يكون مختارا أو محدثا أو في وقت نهي أو تكرر دخوله بعد أن حياه. وفي " مختصر البحر ": ودخول المسجد بنية الفرض أو الاقتداء ينوب عن تحية المسجد، وإنما يؤمر بتحية المسجد إذا دخله بغير الصلاة، وكذا من دخل الحرم بإحرام الفرض يكفيه عما يجب من الإحرام لدخول مكة، ويكفيه لتحية المسجد في كل يوم ركعتان، وقال صاحب " التتمة " من الشافعية: يستحب لكل من دخله، وقال المحاملي في " اللباب ": أرجو أن يجزئه التحية، ثم قيل: يجلس ثم يقوم فيصلي، وعامة العلماء على أنه يصلي كلما دخل، وقالت الشافعية: لو جلس وطال الفصل فاتت ولا قضاء عليه، وكذا انتقض الجلوس عندهم. وقال النووي: لا تحصل بصلاة الجنازة وسجدة التلاوة والشكر والركعة الواحدة كقولنا، وعند الشافعية يكره جلوسه من غير تحية سواء دخل في وقت النهي عن الصلاة أو غيره، وإن صلى أكثر من ركعتين بتسليمة واحدة كانت كلها تحية.

(2/521)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
واتفقوا أن الإمام إذا كان في المكتوبة أو أخذ المؤذن في الإقامة يترك تحية المسجد، واتفقوا أنه يقدم الطواف على التحية بخلاف السلام على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حيث تقدم التحية عليه، لأن حق الله مقدم على حق الأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -.
وركعتا الاستخارة وصلاة التسبيح وصلاة الحاجة ركعتان، ورد فيه حديث فيه ضعف، وصلاة الرغائب في أول جمعة من رجب اثنتي عشرة ركعة، ويكون قد صام يوم الخميس وذلك بعد صلاة المغرب يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب و {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1] ثلاث مرات و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] اثنتي عشرة مرة، فإذا فرغ منها وهو جالس في التشهد بعد السلام يقول رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم، سبعين مرة، فإذا رفع رأسه يقول: اللهم صل على النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم سبعين مرة ثم يكبر ويسجد ويقول في سجوده سبوح قدوس [ربنا] ورب الملائكة والروح سبعين مرة، فإذا فرغ منه يسأل الله حاجته وهو ساجد.
وأما الصلاة في ليلة النصف من شعبان فقال أبو الخطاب مجد الدين دحية فليس فيها حديث يصح عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال في " العلم المشهور " حديث ليلة النصف من شعبان موضوع، وحديث أنس فيها موضوع لأن فيه إبراهيم بن إسحاق، قال أبو حاتم: كان يقلب الأخبار ويسرق الحديث.

(2/522)