البناية شرح الهداية

فصل في القراءة والقراءة في الفرض واجبة في الركعتين. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الركعات كلها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في القراءة] [حكم القراءة في الفرض]
م: (فصل في القراءة)
ش: قد مر غير مرة أن قول المصنفين فصل لا ينون، لأن الإعراب إنما يكون بعد التركيب. ولما فرغ من بيان الصلوات فرضها وواجبها ونفلها، شرع في بيان القراءة، لأنها تختلف باختلاف الصلوات.
م: (القراءة في الفرض واجبة) ش: أي لازمة وفريضة، إذ الواجب نوعان قطعي وظني، فالقطعي هو الفرض وهذا [هو] الواجب قطعي في حق العمل من ذوات الأربع من الفرائض، ويقال المراد بقوله واجبة الفرض لكن لما لم يكفر جاحدها فيهما ولم يكن فرضا في حق العلم بل هي فرضا عملا وصفتها بالوجوب. ومذهب الأسود والنخعي والثوري كمذهبنا، وهو رواية عن أحمد وقال ابن المنذر: قد روينا عن علي أنه قال: اقرأ في الأوليين وسبح في الأخريين وكفى به قدوة م: (في الركعتين) ش: إنما أطلقهما ولم يقيدهما بالأوليين لأن في كونهما في الركعتين بأعينهما أولا كلام، قال الإمام الأسبيجابي في " شرح الطحاوي ": قال أصحابنا: القراءة فرض في الركعتين بغير أعيانهما إن شاء في الأوليين وإن شاء في الأخريين، وإن شاء في الأولى والرابعة، وإن شاء في الثانية والثالثة، وأفضلها في الأوليين، وكذا قال القدوري في " شرح مختصر الكرخي " حيث قال فالأفضل أن يقرأ في الأوليين، وإن قرأ في الأخريين أو في الثانية والثالثة جاز.
وقال في " خلاصة الفتاوى ": واجبات الصلاة عشرة وذكر منها تعيين القراءة في الأوليين، وفي " المحيط ": القراءة في الصلاة أنواع: فرض وواجب ومستحب ومكروه.
أما الفرض فالقراءة في الأوليين ومثله في " القنية " و " التحفة "، وقال هو صحيح من مذهب أصحابنا حتى لو تركها في الأوليين يقضيها في الأخريين وليست بشرط فيهما حتى لا تفسد الصلاة بترك القراءة فيهما. وأما واجب فقال في المحيط قراءة الفاتحة والسورة في الأوليين وفي " الينابيع " القراءة فرض في ركعتين غير عين وله أن يقرأ في أي الاثنين شاء وهي واجبة في الأخريين من ذوات الأربع والثلاث وفي " التحفة " الجمع بين الفاتحة والسورتين في الأوليين واجب وليس بفرض.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الركعات كلها) ش: أي القراءة فرض في جميع ركعات الصلاة وبه قال مالك وأحمد حتى قالوا بفرضية الفاتحة في الكل، لكن مالكا أقام الأكثر مقام الكل، وعن مالك في رواية شاذة أن الصلاة صحيحة بدون القراءة. وقال المازري عن ابن سلبون أن أم القرآن ليست فرضا فيها. وقال ابن الماجشون: من ترك القراءة في ركعة من الصبح أو أي

(2/523)


لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لا صلاة إلا بقراءة وكل ركعة صلاة»
وقال مالك: في ثلاث ركعات إقامة للأكثر مقام الكل تيسيرا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
صلاة كانت تجزئ سجدتا السهو وهو بعيد عن الفقه والنظر. قاله ابن بطال وقال الشافعي في القديم: إن تركها ناسيا صحت صلاته معتمدة أثر عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإنه روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه صلى المغرب فلم يقرأ فيها شيئا فقيل له: كيف الركوع والسجود؟ قالوا: حسنا قال: فلا بأس إذا قلت فعل الصحابة وقولهم ليس بحجة عنده مع أنه ضعيف فكيف يتمسك به.
م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لا صلاة إلا بقراءة وكل ركعة صلاة» ش: هذا الحديث رواه مسلم عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «لا صلاة إلا بقراءة وكل ركعة صلاة» ، فما أعلن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعلنا وما أخفاه أخفيناه لكم. لكن: وكل ركعة صلاة ليس من الحديث، واستدلال المصنف بهذا الحديث للشافعي على وجوب القراءة في كل ركعة ليس بقائم لأنه ليس بصريح فيه، ونحن أيضا نستدل به على وجوب القراءة في الصلاة ولو استدل له بحديث المسيء في صلاته الذي أخرجه البخاري ومسلم في " الصحيحين " لكان أقوم وأصرح وفيه أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال له: «إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن وفي آخره ثم افعل ذلك في صلاتك كلها» .

م: (وقال مالك: في ثلاث ركعات) ش: أي القراءة فرض في ثلاث ركعات م: (إقامة للأكثر مقام الكل) ش: إقامة نصب على التعليل، والمقام بضم الميم، ومالك أيضا يستدل بالحديث المذكور، ولكنه يقول الثلاث تقوم مقام الكل م: (تيسيرا) ش: أي لأجل التيسير على المصلين والشراح قالوا: إن مسألة القراءة في الفرائض الرباعية مخمسة فذكروا الخمسة، والمصنف ذكر منها الثلاثة: قلت: هي مسدسة.
الأول: مذهبنا أنها فرض في الركعتين.
والثاني: فرض عند الشافعي في الكل.
والثالث: فرض عند مالك في الأكثر.
والرابع: مذهب أبي بكر الأصم إمام بغداد وإسماعيل بن علية والحسن بن صالح بن حيي، وسفيان بن عيينة أن القراءة مستحبة، روي ذلك عن عمر وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.
والخامس: روى البيهقي عن زيد بن ثابت أنه قال القراءة سنة.
والسادس: قال الحسن البصري وزفر والمغيرة من المالكية: يجب في ركعة واحدة، ومن وجه المسألة متسعة.
السابع: رواية عن مالك أن الصلاة صحيحة من غير قراءة.

(2/524)


ولنا قَوْله تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20] (المزمل، الآية 20) ، والأمر بالفعل لا يقتضي التكرار وإنما أوجبنا في الثانية استدلالا بالأولى لأنهما يتشاكلان من كل وجه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الثامن: عن الشافعي أنه إذا تركها ناسيا صحت صلاته.
التاسع: [من قال] لا تجب القراءة في السرية كالظهر والعصر، حكي ذلك عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، لحديث عبد الله بن عبيد الله قال: «دخلت على ابن عباس فقلنا لشاب منا: سل ابن عباس أكان رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقرأ في الظهر والعصر؟ فقال: لا. لا. فقيل له: فلعله كان يقرأ في نفسه فقال: خمشا هذه شر من الأولى كان عبدا مأمورا بلغ ما أمر به وما اختصنا دون الناس بشيء إلا بثلاث خصال، أمرنا أن نسبغ الوضوء، وأن لا نأكل الصدقة وأن لا ننزي الحمار على الفرس» رواه أبو داود بإسناد صحيح. لكن عارضه حديث عكرمة عن ابن عباس أنه قال: «لا أدري أكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ في الظهر والعصر أم لا» رواه أبو داود بإسناد صحيح. وحديث أبي سعيد الخدري كان - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية، وفي الأخريين نصف ذلك، وفي العصر في الأوليين في كل ركعة قدر قراءة خمس عشرة، وفي الأخريين قدر نصف ذلك» رواه مسلم.

م: (ولنا قَوْله تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20] (المزمل، الآية 20) ، والأمر بالفعل لا يقتضي التكرار) ش: تقديره أن الله تعالى أمرنا بالقراءة مما تيسر من القرآن وذلك في الصلاة بالإجماع والأمر بالفعل يقتضي امتثاله، ولا يقتضي التكرار إعادة الشيء بعينه لا إعادة مثل الشيء فاقتضى ذلك أن تكون القراءة في ركعة واحدة كما ذهب إليه الحسن البصري.
م: (وإنما أوجبنا في الثانية) ش: أي إنما أوجبنا القراءة في الركعة الثانية، وهذا جواب عما يقال إنكم قلتم إن الأمر بالفعل لا يقتضي التكرار، وقد أوجبتم القراءة في الركعة الثانية وخالفتم ما قلتم. وتقرير الجواب أن [وجوب] القراءة في الثانية لا بعبارة النص حتى يلزم ما قلتم وإنما وجوبها في الثانية بدلالة النص وهو معنى قوله م: (استدلالا بالأولى) ش: يعني بالركعة الأولى وبين ذلك بقوله: م: (لأنهما يتشاكلان من كل وجه) ش: أي لأن الركعة الأولى والثانية تتشابهان من كل وجه، فلما كان كذلك وجبت في الثانية استدلالا بالأولى كالحكم في أحد النوعين ينسب في النوع الآخر، وأما تشاكل الثانية للأولى من كل وجه فمن حيث السقوط والوجوب والصفة والقدر فكل من وجبت عليه الأولى وجبت الثانية، وإذا سقطت سقطت. وأما المماثلة في الصفة ففي الجهر والأخير الإخفاء، وأما المماثلة في القدر ففي ضم السورة مع الفاتحة.
فإن قلت: كيف تكون المماثلة بينهما فالأولى تفارق الثانية في التكبيرة والثناء والتعوذ والبسملة فانتفت المشابهة من كل وجه؟

(2/525)


فأما الأخريان يفارقانهما في حق السقوط بالسفر، وصفة القراءة وقدرها فلا يلحقان بهما
والصلاة فيما روي مذكورة صريحا فتنصرف إلى الكاملة وهي الركعتان عرفا فمن حلف لا يصلي صلاة بخلاف ما إذا حلف لا يصلي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: المشابهة والمشاكلة في الكمية والكيفية، فما يرجع إلى نفس الصلاة وأركانها. أما تكبيرة الافتتاح فإنها شرط وليست بركن، وأما الثناء والتعوذ والبسملة فأمور زائدة وليست بفرض فلا يقدح ذلك في ثبوت المماثلة.
فإن قلت: قَوْله تَعَالَى: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] أمر ومع هذا يتكرر في كل ركعة.
قلت: ذلك لفعل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لأنه لم ينقل عنه الاكتفاء بركوع واحد ولا الاكتفاء بسجود.
م: (فأما الأخريان) ش: أي فأما الركعتان الأخيرتان، وفي بعض النسخ وأما الأخروان هو لحن، لأن الألف إذا كانت ثالثة ردت إلى أصلها في التشبه كما يقال عصوان ورحيان، وإذا كانت رابعة تقلب ياء لا غير م: (فيفارقانهما) ش: أي فيفارقان الركعتين الأوليين م: (في حق السقوط بالسفر) ش: لأن السقوط بالسفر يدل على المفارقة م: (وصفة القراءة) ش: في الجهر والإخفاء م: (وقدرها) ش: أي وقدر القراءة في ضم السورة مع الفاتحة كما بيناها آنفا م: (فلا يلحقان بهما) ش: هذا نتيجة المفارقة، أي فإذا كان الأمر كذلك فلا يلحق الأخريان بالأوليين.

م: (والصلاة فيما روي) ش: أي فيما روى الشافعي، هذا جواب عما رواه الشافعي من الحديث وتقريره أن قوله لا صلاة م: (مذكورة صريحا فتنصرف إلى الكاملة وهي الركعتان عرفا) ش: أي من حيث العرف م: (فمن حلف لا يصلي صلاة) ش: فإنه لا يحنث إلا بركعتين، لأن الصلاة مذكورة فيه فينصرف إلى الكاملة وهي الركعتان م: (بخلاف ما إذا حلف لا يصلي) ش: فإنه يحنث بركعة.
فإن قلت: لا صلاة نكرة في سياق النفي فتعم كل فرض.
قلت: تريد بذلك لغة أو شرعا فإن أردت لغة فلا سبيل لذلك، لأن معناها الحقيقي الدعاء. وليست القراءة شرطا في فرد من أفراد الدعاء، وإن أردت شريعة فنسلم، ولكن الركعة الواحدة ليست من الأفراد شرعا لنهيه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن البتيراء، ولئن سلمنا أن لا صلاة إلا بقراءة، لكن الكلام في أن القراءة في الأوليين قراءة في الأخريين.
قلت: الملازمة ممنوعة ألا ترى أن القعدة في آخر الصلاة فرض عند الخصم أيضا ولم يكن فرضا في كل ركعة، وكذا الصلاة على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الأخيرة فرض عنده وليست بفرض

(2/526)


قال: وهو مخير في الأخريين معناه إن شاء سكت وإن شاء قرأ وإن شاء سبح كذا روي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وهو المأثور عن علي وابن مسعود وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في جميع الركعات.

م: (قال) ش: أي القدوري م: (وهو) ش: أي المصلي م: (مخير في الأخريين) ش: أي في الركعتين الأخريين وبين التخيير بقوله م: (إن شاء سكت وإن شاء قرأ، وإن شاء سبح) ش: لأن القراءة لما لم تجب في الأخريين جاز أحد الأمور الثلاثة م: (كذا روي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي كذا روي الخبر عن أبي حنيفة، أما السكوت فمقدار تسبيحة، وقل قدر ما يطلق عليه اسم القيام، ولو أطال السكوت فهو أفضل، ولم يذكر المصنف عددا في التسبيح.
وذكر المرغيناني والقدوري في شرحه وفي " التحفة " و " العتبية " و " الينابيع " [أنه لو سبح ثلاث تسبيحات أجزأه. وفي " المحيط " التخيير رواية عن أبي يوسف] وفيه لو سبح فيهما ولم يقرأ لا يكون مسيئا، وإن سكت فيهما يكون مسيئا ومثله في " المرغيناني "، وإن لم يكن مسيئا بترك القراءة إذا أتى بالتسبيح لأن القراءة فيهما شرعت على وجه الثناء والذكر، ولهذا تعينت الفاتحة لكونها ثناء.
والحاصل أن في كراهة السكوت روايتين، وفي " شرح مختصر الكرخي ": وروى الحسن عن أبي حنيفة أن قراءة الفاتحة أفضل من التسبيح، وإن لم يسبح ولم يقرأ كان مسيئا وعليه سجدتا السهو إن تركهما ساهيا إذ القيام في الأخريين مقصود فلا يخلى عن القراءة والذكر جميعا كالركوع والسجود. قلت: إخلاء الركوع والسجود عن الذكر لا يوجب سجود السهو، قال: والأول أصح، وعن أبي يوسف في رواية يسبح فيهما ولا يسكت إلا أنه قرأ الفاتحة فيهما فليقرأها على وجه الثناء دون القراءة، وبه أخذ بعض المتأخرين من الأصحاب.
م: (وهو المأثور عن علي وابن مسعود وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: الضمير أعني هو لا يصلح إن رجع إلى التخيير بين الأمور الثلاثة لأن الأثر المروي عن علي وابن مسعود في القراءة والتسبيح فقط. وقال صاحب " الدراية ": وهو أي التسبيح هو المأثور أي المروي. قلت لا يصلح هذا لأن المذكور في الأثر شيئان وإعادته إلى أحدهما بلا دليل تحكم، والظاهر أنه يرجع إلى المذكور في كلام القدوري الذي نقله المصنف، والمذكور فيه التخيير، ولكن الدليل الذي هو الأثر لا يطابق المدلول اللهم [إلا] إذا كان الثابت عند المصنف أن التخيير هو المنقول عن علي وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، ولكن ما أدركته ولكن المصنف خطواته واسعة، فلم يعجز عن الإدراك.
أما المأثور عن علي وابن مسعود فقد رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن شريك عن أبي إسحاق السبيعي عن علي وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، قالا: اقرأ في الأوليين وسبح في الأخريين، وعن منصور قلت لإبراهيم: ما يفعل في الأخريين من الصلاة؟ قال سبح واحمد

(2/527)


إلا أن الأفضل أن يقرأ؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - داوم على ذلك. ولهذا لا يجب السهو بتركها في ظاهر الرواية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأما عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فهو غريب لم يثبت، ولكن روي أن رجلا سأل عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عن قراءة الفاتحة في الأخريين. قالت اقرأها على جهة الثناء.

م: (إلا أن الأفضل أن يقرأ) ش: هذا استثناء من قوله يخير في الأخريين وفي " الدراية " كأنه أراد به نفي رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن القراءة تجب فيهما حتى لو لم يقرأ ولم يسبح كان مسيئا إن كان عمدا، وإن كان ساهيا فعليه القراءة والسهو قد ذكرنا الآن هذا عن " شرح مختصر الكرخي "، وقال الأترازي: إلا أن الأفضل عندنا أن يقرأ خلافا لما روي عن سفيان فإن عنده الأفضل أن يسبح م: (لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - داوم على ذلك) ش: يعني على القراءة في الأخريين، هذا التعليل لا يطابق قوله إلا أن الأفضل أن يقرأ لأن مداومة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على فعل شيء يدل على وجوبه، ولهذا روى الحسن عن أبي حنيفة أن قراءة الفاتحة واجبة في الأخريين ويجب سجود السهو بتركها ساهيا ذكره في " المبسوط " وغيره وقد ذكرناه، ويشهد لذلك حديث أبي قتادة رواه الجماعة إلا الترمذي «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يقرأ في الظهر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين وفي الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب ويطيل في الركعة الأولى ما لا يطيل في الثانية، وكذلك في العصر» . وذكر الولوالجي في تعليل أفضلية القراءة في الأخريين بقوله ليكون مؤديا للصلاة الجائزة بيقين.
وقال الأترازي: وإنما كانت القراءة أفضل، لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - داوم عليها في أغلب الأحوال. وقال الأكمل: لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - داوم على ذلك يعني ترك وإلا لكان واجبا. قلت: من أين أخذ الأترازي قوله في أغلب الأحوال والأكمل من أين أخذ قوله يعني ترك والأحاديث الصحيحة لا تدل على ذلك، ولئن سلمنا ذلك كان ينبغي أن تكون القراءة في الأخريين سنة. وفي " التحفة " و " شرح مختصر الكرخي " أن السنة في الأخريين الفاتحة لا غير، وروى المعلى عن أبي يوسف أنه يقرأ فيهما بالحمد وسورة معها.
م: (ولهذا) ش: أي ولكون قراءة الفاتحة على وجه الأفضلية م: (لا تجب سجدة السهو بتركها) ش: أي بترك القراءة يعني بترك قراءة الفاتحة. قلت هذا أيضا لا يطابق تعليله المذكور على ما لا يخفى م: (في ظاهر الرواية) ش: احترز به عما رواه الحسن عن أبي حنيفة أنه إن لم يقرأ ولم يسبح عمدا كان أو ناسيا، وإن كان ساهيا وجب عليه سجدة السهو كما ذكرناه. وقال الأكمل: وظاهر الرواية أصح لأن الأصل في القيام القراءة، فإذا سقطت [ففي القيام المطلق فكان كقيام المقتدي. قلت كل واحد من القيام والقراءة ركن مستقل بذاته، فمن قال إن القراءة سقطت]

(2/528)


والقراءة واجبة في جميع ركعات النفل، وفي جميع ركعات الوتر، أما النفل فلأن كل شفع منه صلاة على حدة، والقيام إلى الثالثة كتحريمة مبتدأة، ولهذا لا تجب بالتحريمة الأولى إلا ركعتان في المشهور عن أصحابنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - ولهذا قالوا: يستفتح في الثالثة أي يقول: سبحانك اللهم وبحمدك،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مطلقا، ولا نسلم أنه يكون كقيام المقتدي لأن المقتدي قارئا حكما، لأن قراءة الإمام تنوب عن قراءته.

[حكم القراءة في صلاة النفل]
م: (والقراءة واجبة في جميع ركعات النفل وفي جميع ركعات الوتر، أما النفل فلأن كل شفع منه صلاة على حدة) ش: لأن تحريمة النفل لا توجب أكثر من ركعتين على ما يجيء الآن م: (والقيام إلى الثالثة) ش: يعني القيام إلى الركعة الثالثة كالنفل بأربع ركعات م: (كتحريمة مبتدأة) ش: يعني كتحريمة ابتداء وبالتحريمة ابتداء لا تجب أكثر من ركعتين.
م: (ولهذا) ش: أي ولكون كل شفع من النفل صلاة على حدة م: (لا تجب بالتحريمة الأولى إلا ركعتان في المشهور عن أصحابنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) ش: هذا إذا نوى أربع ركعات حتى يحتاج إلى التقييد بالمشهور، فأما إذا شرع في التطوع بمطلق النية لا يلزمه أكثر من ركعتين بالاتفاق في جميع الروايات كذا في " المحيط " واحترز بالمشهور عن قول أبي يوسف أولا فإنه قال يلزمه جميع ما نواه اعتبارا للشروع بالنذر، وفي رواية عنه يلزمه أربع ركعات ولا يلزمه أكثر من ذلك اعتبارا للنفل بالفرض.
م: (ولهذا) ش: أي ولكون القيام إلى الثالثة بمنزلة تحريمة مبتدأة م: (قالوا) ش: أي قال علماؤنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (يستفتح في الثالثة) ش: أي يقرأ في رأس الركعة الثالثة م: (سبحانك اللهم وبحمدك) ش: كما في الابتداء.
فإن قلت: إذا كان كل شفع من النفل صلاة على حدة وترك القعدة الأولى من الشفع الأول كان ينبغي أن لا يجوز هذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف مع أنهما يجوزان ترك القعدة الأولى من الشفع الأول.
قلت: الفساد هو القياس كما ذهب إليه زفر، وروي عن محمد لأن كل شفع بمنزلة صلاة الفجر وصلاة الظهر للمسافر، ولو ترك القعدة فيهما فسدت الصلاة، وإن ضم إليهما شفعا آخر فكذا هذا، ولكن الاستحباب عدم الفساد ووجوب سجدة السهو عند السهو والتطوع كما شرع ركعتين شرع أربعا أيضا، فإذا ترك القعدة وقام إلى الشفع الثاني يمكن أن يجعل الكل صلاة واحدة، وفي الصلاة الواحدة من ذوات الأربع لا تفرض من القعدة إلا الأخيرة وهي قعدة الختم كما في الظهر بخلاف صلاة الفجر، لأن الفجر شرع ركعتين لا غير، وبضم الشفع الثاني لا يصير الكل صلاة واحدة.

(2/529)


وأما الوتر فللاحتياط، قال: ومن شرع في النافلة ثم أفسدها قضاها، وقال الشافعي: لا قضاء عليه. لأنه متبرع فيه ولا لزوم على المتبرع، ولنا أن المؤدى وقع قربة فيلزم الإتمام ضرورة صيانة عن البطلان،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قلت: ينبغي على هذا أن يكون في حق القراءة كذلك حتى لا تجب القراءة في الأخريين كما في الفرض.
قلت: اعتبر في حق القراءة بمنزلة صلاتين لأن القراءة ركن مقصود في الصلاة شرعت لنفسها بخلاف القعدة، لأنها شرعت للفصل بين الشفعين، فلا يكون فرضا، وفي الفرض شرطت للتحليل فيكون فرضا.
فإن قلت: لو صار هذا القيام إلى الشفع الثاني بمنزلة صلاة واحدة كالظهر لما أمرنا بالعودة إلى القعدة عند القيام إلى الثالثة كما في الظهر بل يؤمر هاهنا. قلت: له شبهان شبه للظهر لسريان الفساد إلى الأول عنه بترك القعدة وشبه للفجر في وجوب القراءة في الشفع الثاني، والشبه بالفجر يعود إليها ما لم يقيد بالسجدة، وبشبه الظهر لا يؤمر بالعود إذا قيد الثالثة بالسجدة ولم تفسد توفيرا للشبهين.

م: (وأما الوتر فللاحتياط) ش: أي وأما وجوب القراءة في جميع ركعات الوتر فلأجل الاحتياط لأن الوتر سنة اعتقادا، كذا في " الجامع البرهاني " فتجب القراءة في الكل نظرا إليه، وبالنظر إلى مذهب أبي حنيفة لا تجب ولكن يجب للاحتياط وهو قول أبي بكر الصديق وابن عباس ومالك وآخرين.
م: (قال: ومن شرع في النافلة ثم أفسدها قضاها، وقال الشافعي لا قضاء عليه) ش: وبه قال أحمد، وكذا الخلاف في صوم التطوع والعلماء أوردوا هذه المسألة في كتاب الصوم، القراءة سقطت مطلقا، ولا نسلم أنه يكون كقيام المقتدي لأن المقتدي قارئ حكما، لأن قراءة الإمام تنوب عن قراءته.
لأن الأخبار التي يحتج بها من الجانبين إنما وردت في الصوم، لكن القدوري لما رأى أن حكم المسألة فيهما كان واحدا أوردها في كتاب الصلاة وتابعه المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأنه متبرع فيه) ش: أي في فعله هذا م: (ولا لزوم على المتبرع) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] (التوبة: الآية 91) ، فصار كالمظنون.
م: (ولنا أن المؤدى) ش: بفتح الدال م: (وقع قربة) ش: بدليل أنه لو مات بعد هذا القدر من المؤدى يصير مثابا م: (فيلزمه الإتمام ضرورة صيانة عن البطلان) ش: وإبطال العمل حرام بقوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] (محمد: الآية 33) ، والاحتراز عن إبطال العمل فيما

(2/530)


وإن صلى أربعا وقرأ في الأوليين وقعد ثم أفسد الأخريين قضى ركعتين؛ لأن الشفع الأول قد تم، والقيام إلى الثالثة بمنزلة تحريمة مبتدأة فيكون ملزما هذا إذا أفسد الأخريين بعد الشروع فيهما. ولو أفسد قبل الشروع في الشفع الثاني لا يقضي الأخريين. وعن أبي يوسف أنه يقضي اعتبارا للشروع بالنذر، ولهما أن الشروع يلزم ما شرع فيه، وما لا صحة له إلا به، وصحة الشفع الأول لا تتعلق بالثاني، بخلاف الركعة الثانية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لا يحتمل الوجه بالتجزي لا يكون إلا بإتمام، ومن الدليل على أن الشروع ما يلزم كالنذر المشروع في الحج فإنه يلزم بالاتفاق، وقياسه على المظنون فاسد لأنه شرع مقطعا لا ملتزما، وكلامنا فيما إذا شرع ملتزما.

م: (وإن صلى أربعا) ش: أي إن شرع في الصلاة فأدى أربع ركعات، وإنما قيدنا هكذا لأنها لو كانت على حقيقتها لا يتصور إفساد الأخريين بعد تمامه م: (وقرأ في الأوليين وقعد) ش: قيد بالقعود، لأنه لو لم يقعد وأفسد الأخريين يجب عليه قضاء الأربع بالإجماع م: (ثم أفسد الأخريين قضى ركعتين) ش: يعني الشفع الثاني م: (لأن الشفع الأول قد تم) ش: بالقعود م: (والقيام إلى الثالثة) ش: أي إلى الركعة الثالثة م: (بمنزلة تحريمة مبتدأة) ش: أي بمنزلة تحريمة ابتداء م: (فيكون ملزوما فيقضي ركعتين) ش: كما إذا شرع في الركعتين ابتداء فأفسدهما قضى ركعتين فكذا هذا.
م: (هذا) ش: أي هذا الذي ذكرنا من قضاء الركعتين م: (إذا أفسد الأخريين بعد الشروع فيهما) ش: بأن قام إلى الأخريين فأفسدهما م: (ولو أفسد) ش: أي الأخريين م: (قبل الشروع في الشفع الثاني لا يقضي الأخريين) ش: عند أبي حنيفة ومحمد.
م: (وعن أبي يوسف أنه يقضي) ش: الأخريين م: (اعتبارا للشروع بالنذر) ش: وذلك لأن نية الأربع قارنت سبب الوجوب وهو الشروع فيلزم القضاء، كما إذا نذر، فإن نية الأربع قارنت سبب الوجوب وهو النذر.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد م: (أن الشروع يلزم) ش: من الإلزام م: (ما شرع فيه) ش: جملة في محل نصب مفعول قوله يلزم م: (وما لا صحة له إلا به) ش: أي الشروع يلزم أيضا ما لا صحة له أي للشروع إلا به، كالركعة الثانية حيث لا صحة للأولى بدونها، لأن البتيراء منهي عنها م: (وصحة الشفع الأول لا يتعلق بالثاني) ش: أي الشفع الثاني لا يتعلق ولا يتوقف عليه فلا يلزم من لزوم الشفع الأول بسبب الشروع فيه لزوم الشفع الثاني، فإذا لم يلزم لا يكون واجبا، فإذا لم يكن واجبا لا يجب قضاؤه، فظهر من هذا أن النية لم تقارن سبب الوجوب وهو الشروع، لأن الفرض أنه لم يشرع م: (بخلاف الركعة الثانية) ش: بخلاف النذر فإن نية الأربع قارنت سبب الوجوب فيلزم القضاء بالإفساد.

(2/531)


وعلى هذا سنة الظهر، لأنها نافلة، وقيل: يقضي أربعا احتياطا، لأنها بمنزلة صلاة واحدة، وإن صلى أربعا ولم يقرأ فيهن شيئا أعاد ركعتين، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقضي أربعا وهذه المسألة على ثمانية أوجه. والأصل فيها أن عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ترك القراءة في الأوليين. أو في أحديهما يوجب بطلان التحريمة، لأنها تقعد للأفعال،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ومن الدليل على أن الشفع الثاني ينفك عن الشفع الأول في التطوع أن المرأة إذا دخلت على زوجها وهو في الشفع الأول فانتقل إلى الشفع الثاني ثم خرجت فطلقها يجب كمال المهر لصحة الخلوة، وتبطل الشفعة أيضا إذا أخبر في الشفع الأول فانتقل إلى الشفع الثاني. أما في الفريضة وسنة الظهر لا تصح الصلاة ولا تبطل الشفعة.

م: (وعلى هذا) ش: أي وعلى هذا الخلاف الذي في النفل المطلق م: (سنة الظهر) ش: يعني لو أفسد الأخريين من سنة الظهر فعند أبي يوسف يقضيهما سواء أفسدهما قبل الشروع فيهما أو بعد الشروع. وعندهما يقضي إذا أفسدهما بعد الشروع لا قبله، لكن يقضي ركعتين م: (لأنها نافلة) ش: أي لأن سنة الظهر نافلة في الأصل.
م: (وقيل يقضي أربعا احتياطا لأنها) ش: أي لأن سنة الظهر م: (بمنزلة صلاة واحدة) ش: بدليل أن الزوج إذا خير امرأته وهي في الشفع الأول من هذه الصلاة، أو خيرت بشفعة لها فأتمت أربعا لا تبطل خيارها، ولا شفعتها بخلاف سائر التطوعات.
م: (وإن صلى أربعا) ش: أي أربع ركعات تطوعا م: (ولم يقرأ فيهن شيئا) ش: أي والحال أنه لم يقرأ في هذه الأربع شيئا من القرآن م: (أعاد ركعتين) ش: لأنا ذكرنا أن بالشروع الأول لا يلزم الشفع الثاني، فإذا لم يلزم يعيد الركعتين هاهنا م: (وهذا) ش: أي الاقتصار على إعادة الركعتين فقط م: (عند أبي حنيفة ومحمد) ش: بناء على ما ذكرنا من أصلهما.
م: (وقال أبو يوسف: يقضي أربعا) ش: بناء على أصله المذكور م: (وهذه المسألة على ثمانية أوجه) ش: إنما انحصرت على الثمانية لأن القسمة العقلية، وهذه الأقسام في الحقيقة في أقسام ترك القراءة لا في القراءة؛ لأن الفساد إنما جاء من قبل الترك، ولهذا لم يأت فيما إذا قرأ في الكل مع أن القسمة العقلية تقتضيه، ثم يذكر الكل راعيا المتن في ذلك واتباعا له، لأن الشرح لا أعلمه إلا إذا ساق المتن وأتبعه بالشرح وإلا فالمتن في واد والشرح في واد، ولا ينتفع به الناظر إلا بعد مشقة كثيرة بعد استعداد كامل.
م: (والأصل فيها) ش: أي في هذه المسألة المثمنة م: (أن عند محمد ترك القراءة في الأوليين أو في أحديهما يوجب بطلان التحريمة) ش: أي في حق الشفع الثاني م: (لأنها) ش: أي لأن التحريمة م: (تقعد للأفعال) ش: يعني المقصود منها الأفعال، ولهذا لا تسقط الصلاة عن العاجز عن

(2/532)


وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ترك القراءة في الشفع الأول لا يوجب بطلان التحريمة، وإنما يوجب فساد الأداء، لأن القراءة ركن زائد، ألا ترى أن للصلاة وجودا بدونها غير أنه لا صحة للأداء إلا بها وفساد الأداء لا يزيد على تركه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
القراءة، وإن قدر على الأذكار والأفعال قد فسدت بترك القراءة بالإجماع ومع صفة الفساد للأفعال لا بقاء للتحريمة، وفي " مبسوط شيخ الإسلام " إذا أفسد الأداء بحيث لا يمكن إصلاحه تنقطع التحريمة كالبيع إذا هلك قبل القبض انفسخ العقد لأنه فات المعقود عليه بحيث لا يرجى وجوده، فكذلك هاهنا التحريمة شرعت للأداء، فإذا فسد فقد فات المعقود عليه بحيث لا يرجى وجوده، فتنقطع التحريمة، وفي " مبسوط شيخ الإسلام " لما فسدت الأفعال صارت بمنزلة أفعال ليست هي من الصلاة، ومن فعل في صلاته أفعالا ليست من الصلاة تبطل بها التحريمة كالتكلم والحديث العمد.
م: (وعند أبي يوسف ترك القراءة في الشفع الأول لا يوجب بطلان التحريمة) ش: لأنه يوجب فساد الأداء لا بطلانه [وفساد الأداء لا يزيد على تركه] وهو معنى قوله م: (وإنما يوجب فساد الأداء) ش: لا بطلانه، وفساد الأداء لا يزيد على ترك الأداء بعد التحريمة م: (لأن القراءة ركن زائد ألا ترى أن للصلاة وجودا بدونها) ش: أي بدون القراءة حقيقة كما في الأمي والمقتدين م: (غير أنه) ش: أي غير أن الشأن هو استثناء من قوله ركن زائد تقريره أن القراءة وإن كانت ركنا زائدا م: (ولكن لا صحة للأداء إلا بها) ش: أي بالقراءة لأنها تؤثر في إزالة صفة الصلاة وهي صحة الأداء، وإن كانت لا تؤثر في إزالة [صحة] أصل الصلاة حتى تصير باطلة.
م: (وفساد الأداء لا يزيد على تركه) ش: أي على ترك الأداء بمعنى أن الفساد ليس بأقوى حالا من الترك لما أن الفساد عبارة عن زوال الوصف دون الأصل، وزوال الأصل أقوى من زوال الوصف فترك الأداء إذا لم يوجب بطلان التحريمة ففساد الأداء أولى أن لا يوجب، وصورة ترك الأداء أن يحرم للصلاة، فقام طويلا ولم يأت بشيء من الأركان، ولو عدم الأداء أصلا بقيت التحريمة، وهذا لأن مبتدأ التحريمة صحيحة قبل مجيء أوان القراءة لأنها شرعت بتحريم أعمال الدنيا، ثم يؤدي الأفعال في تلك التحريمة.
فإن قلت: ما ذكرتم تأخير لا ترك فلا يكون مفيدا. قلت هذا ترك قبل اشتغاله بأداء، وإنما يعرف كونه تأخيرا إذا اشتغل بالأداء فقيل اشتغاله به يصح إطلاق اسم الترك عليه. قال السغناقي: كذا قاله العلامة شمس الدين الكردري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، قال الأكمل: وفيه نظر لأن للخصم حينئذ أن يقول لا نسلم أن الفساد لا يزيد على مثل هذا الترك. قلت لم تفرق بينه وبين إذا أسلم أن الترك لا يبطل التحريمة كيف يسلم زيادة الفساد على الترك.
فإن قلت: ما الفرق بينه وبين الكلام والحديث العمد فإنهما يبطلان التحريمة دون الترك.

(2/533)


فلا تبطل التحريمة، وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ترك القراءة في الأوليين يوجب بطلان التحريمة، وفي إحداهما لا يوجب، لأن كل شفع من التطوع صلاة على حدة، وفسادها بترك القراءة في ركعة واحدة مجتهد فيه فقضينا بالفساد في حق وجوب القضاء، وحكمنا ببقاء التحريمة في حق لزوم الشفع الثاني احتياطا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: هما من محظورات التحريمة، وارتكاب المحظور يقطع التحريمة، لأنه يمنع انعقادها في الابتداء فيجوز أن يقطعها بعد الصحة، والفقه فيه أن التحريمة شرط الأداء، وبفساد الأداء لا يفسد الشرط كالوصف لا يفسد بفساد الصلاة.

م: (فلا تبطل التحريمة) ش: نتيجة ما قيل، وقد قررنا عدم بطلانها الآن: م (وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ترك القراءة في الأوليين يوجب بطلان التحريمة وفي إحداهما لا يوجب) ش: أي ترك القراءة في إحدى الأوليين لا يوجب بطلان التحريمة وهاهنا أمران، أحدهما ترك القراءة في الأوليين، والآخر تركها في إحداهما، وعلل الأول بقوله م: (لأن كل شفع من التطوع صلاة على حدة) ش: فكان ترك القراءة فيه إخلاء للصلاة عن القراءة، فتكون فاسدة يجب قضاؤها وبطل تحريمها. وعلل الثاني بقوله م: (وفسادها) ش: أي فساد الصلاة م: (بترك القراءة في ركعة واحدة مجتهد فيه) ش: فإن عند الحسن البصري لا تجب القراءة إلا في الركعة الأولى كما ذكرناه م: (فقضينا بالفساد في حق وجوب القضاء) ش: أي قضاء الشفع الأول كما في الفجر، م: (وحكمنا ببقاء التحريمة في حق لزوم الشفع الثاني احتياطا) ش: في كل واحد من الحكمين.
فالحاصل أن الأداء يفسد بالنظر إلى دليلنا، ويصح بالنظر إلى ما تمسك به الحسن فيعمل بهما فقلنا ببقاء التحريمة حتى يصح شروعه في الشفع الثاني، وبفساد الشفع الأول حتى يجب القضاء ليكون العمل على الوثيقة في باب العبادة.
وفي " مبسوط " شيخ الإسلام ما قال أبو حنيفة هذا حيث أوجب الفساد بفساد الأداء ولم يرفع التحريمة لأنه لم يوجد ما يقطع فعليه قضاء الأخريين بالإجماع لبقاء التحريمة وصحة الشروع في الشفع الثاني، وهذا إذا قعد بينهما، فإن لم يقعد قضى أربعا، لأن عندهما لم يصح الشروع في الثاني والأخريان لا يكونان قضاء عن الأوليين لأنه بناهما على تلك التحريمة والتحريمة الواحدة لا يتسع فيها الأداء والقضاء.
فإن قلت: فساد الصلاة بترك القراءة في الركعتين أيضا مجتهد فيه، لأن أبا بكر الأصم وابن علية وابن عيينة لا يقولون بفسادها.
قلت: ذلك خلاف لا اختلاف، لكونه مخالفا للدليل القاطع وهو قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] (المزمل: الآية 20) .

(2/534)


إذا ثبت هذا نقول: إذا لم يقرأ في الكل قضى ركعتين عندهما، لأن التحريمة قد بطلت بترك القراءة في الشفع الأول عندهما فلم يصح الشروع في الشفع الثاني، وبقيت عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فصح الشروع في الشفع الثاني ثم إذا فسد الكل بترك القراءة فيه فعليه قضاء الأربع عنده، ولو قرأ في الأوليين لا غير فعليه قضاء الأخريين بالإجماع؛ لأن التحريمة لم تبطل فصح الشروع في الشفع الثاني، ثم فساده بترك القراءة لا يوجب فساد الشفع الأول، ولو قرأ في الأخريين لا غير فعليه قضاء الأوليين بالإجماع؛ لأن عندهما لم يصح الشروع في الشفع الثاني،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (إذا ثبت هذا) ش: يعني الأصل المذكور م: (فنقول إذا لم يقرأ في الكل) ش: شرع في بيان تلك المسائل الثمانية فلذلك قال فنقول بالبقاء الأولى إذا لم يقرأ في الأربع كلها م: (قضى ركعتين عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد م: (لأن التحريمة قد بطلت بترك القراءة في الشفع الأول عندهما، فلم يصح الشروع في الثاني) ش: أي في الشفع الثاني ولما لم يصح الشروع في الثاني لا يكون صلاة عندهما، وعند أبي يوسف يصح، لأن التحريمة باقية وهو معنى قوله م: (وبقيت) ش: أي التحريمة م: (عند أبي يوسف فصح الشروع في الشفع الثاني ثم إذا فسد الكل بترك القراءة فيه) ش: أي في الكل م: (فعليه قضاء الأربع عنده) ش: أي عند أبي يوسف، وثمرة الاختلاف تظهر في الاقتداء به في الشفع الثاني هل يصح أم لا، وفي القهقهة هل تكون ناقضة للوضوء أم لا، فعندهما لا يصح الاقتداء ولا تنتقض الطهارة خلافا لأبي يوسف. وفي " المحيط " قيل: هذا عند أبي يوسف فيما إذا أفسدها بترك القراءة، أما لو أفسدها بالكلام والحديث العمد لا يلزمه إلا ركعتان، قال: هذا مذكور في " المنتقى "، وفي " المبسوط ": في رواية ابن سماعة عن أبي يوسف يلزمه الأربع بالكلام أيضا.
م: (ولو قرأ في الأوليين لا غير) ش: هذه المسألة الثانية وهي أن يقرأ في الركعتين الأوليين من الأربع م: (فعليه قضاء الأخريين بالإجماع لأن التحريمة لم تبطل فصح الشروع في الشفع الثاني ثم فساده) ش: أي فساد الشفع الثاني م: (بترك القراءة لا يوجب فساد الشفع الأول) ش: لأن كل شفع صلاة على حدة، ثم لو اقتدى به إنسان في الشفع الثاني وصلاه معه قضى الأوليين ذكره في " المحيط " لأنه التزم ما التزم الإمام كاقتداء المتطوع بمصلي الظهر في آخرها.
م: (ولو قرأ في الأخريين) ش: هي المسألة الثالثة وهي أن يقرأ في الركعتين الأخريين م: (لا غير فعليه قضاء الأوليين بالإجماع) ش: هذا مما اتحد فيه الجواب، واختلف التخريج أشار إليه بقوله م: (لأن عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد م: (لم يصح الشروع في الشفع الثاني) ش: فلا تكون صلاة في قولهما حتى لو اقتدى به إنسان في الشفع الثاني لا يصح اقتداؤه، ولو قهقه لا تنقض طهارته كذا ذكره قاضي خان في " الجامع الصغير "، وذكر في " المبسوط " والأخريان لا يكونان قضاء عن الأوليين.

(2/535)


وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن صح فقد أداها،
ولو قرأ في الأوليين وإحدى الأخريين فعليه قضاء الأخريين بالإجماع، ولو قرأ في الأخريين وإحدى الأوليين فعليه قضاء الأوليين بالإجماع، ولو قرأ في إحدى الأوليين وإحدى الأخريين، وعلى قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - قضى الأربع، وكذا عند أبي حنيفة؛ لأن التحريمة باقية، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عليه قضاء الأوليين؛ لأن التحريمة قد ارتفعت عنده، وقد أنكر أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذه الرواية عنه، وقال رويت لك عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يلزمه قضاء ركعتين، ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يرجع عن روايته عنه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وعند أبي يوسف إن صح) ش: أي الشروع في الشفع الثاني م: (فقد أداها) ش: أي فقد أدى الأربع، وإن لم يصح فعليه قضاء الشفع الأول، وعلى كلا التقديرين لا خلاف في الجواب، وإنما الخلاف في التخريج.

م: (ولو قرأ في الأوليين) ش: هذه المسألة الرابعة وهي أن يقرأ في الركعتين الأوليين م: (وإحدى الأخريين) ش: أي وقرأ في إحدى الركعتين الأخريين م: (فعليه قضاء الأخريين بالإجماع) ش: يعني إذا قعد في الأوليين. م: (ولو قرأ في إحدى الأخريين) ش: هذه المسألة الخامسة وهي أن يقرأ في الركعتين الأخريين م: (وإحدى الأوليين) ش: أي قرأ في إحدى الركعتين الأوليين م: (فعليه قضاء الأوليين بالإجماع) ش: والأخريان صلاة عندهما خلافا لمحمد، ذكره في " المحيط ".
وفي " المبسوط " والتحريمة عندهما لم تحل فصار شارعا في الشفع الثاني وقد أتمه، وعليه قضاء ما أفسده وهو الشفع الأول. م: (ولو قرأ في إحدى الأوليين) ش: هذه المسألة السادسة، وهي أن يقرأ في إحدى الركعتين الأوليين، م: (وإحدى الأخريين) ش: أي وقرأ في إحدى الركعتين الأخريين م: (وعلى قول أبي يوسف قضى الأربع) ش: لبقاء التحريمة م: (وكذا عند أبي حنيفة) ش: أي كذا عنده يقضي الأربع، وإنما قال وكذا عند أبي حنيفة، ولم يقل على قول أبي يوسف وأبي حنيفة، لأنه أشار بذلك إلى أنه ليس قول أبي حنيفة باتفاق بينه وبين أبي يوسف، بل إنما قوله بناء على رواية محمد لأن عنده يقضي الركعتين على ما يجيء الآن، وإنما يقضي الأربع عند أبي حنيفة أيضا.
م: (لأن التحريمة باقية، وعند محمد عليه قضاء الأوليين، لأن التحريمة قد ارتفعت عنده) ش: وبه قال زفر لعدم صحة الشروع عندهما م: (وقد أنكر أبو يوسف عليه) ش: أي على محمد م: (هذه الرواية عنه) ش: أي عن أبي يوسف م: (وقال) ش: أي أبو يوسف م: (رويت لك عن أبي حنيفة أنه يلزمه قضاء ركعتين، ومحمد لم يرجع عن روايته عنه) ش: بأن قال لأبي يوسف بل رويت لي ما أقول وقلت أنت، وأصل هذه القضية ما ذكره فخر الإسلام البزدوي في أول شرح " الجامع الصغير " كان أبو يوسف يتوقع عن محمد أن يروي كتابا عنه فصنف محمد هذا الكتاب أي كتاب

(2/536)


ولو قرأ في إحدى الأوليين لا غير قضى أربعا عندهما،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
" الجامع الصغير " وأسنده عن أبي يوسف إلى أبي حنيفة، فلما عرض على أبي يوسف استحسنه وقال حفظ أبو عبد الله مسائل خطأه في روايتها عنه، فلما بلغ ذلك محمدا قال: بل حفظها ونسي وهي ست مسائل:
إحداها: هذه المسألة وهي رجل صلى التطوع أربعا وقرأ في إحدى الأوليين وإحدى الأخريين لا غير، روى محمد أنه يقضي أربعا، وقال أبو يوسف إنما رويت له ركعتين. وقال فخر الإسلام واعتمد مشايخنا رواية محمد، وقال أيضا يحتمل أن يكون ما حكى أبو يوسف من قول أبي حنيفة، قياسا، وما ذكر محمد استحسانا ذكر القياس والاستحسان في الأصل ولم يذكر في " الجامع الصغير ".
والمسألة الثانية: مستحاضة توضأت بعد طلوع الشمس تصلي حين يخرج وقت الظهر، وقال أبو يوسف إنما رويت لك حتى يدخل وقت الظهر.
والثالثة: المشتري من الغاصب إذا أعتق ثم أجاز المالك البيع بعد العتق، وقال أبو يوسف إنما رويت لك لأنه لا ينفذ.
والرابعة: المهاجرة لا عدة عليها وتنكح، إلا أن تكون حبلى فلا يجوز نكاحها وقال أبو يوسف إنما رويته أنها تنكح ولكن لا يقربها زوجها حتى يضع حملها.
والخامسة: عبد بين اثنين قتل مولاهما عمدا فعفى أحدهما بطل الدم كله، قال أبو يوسف ومحمد يدفع ربعه إلى شريكه أو يفديه بربع الدية، وقال أبو يوسف إنما حكيت له عن أبي حنيفة كما حكى عنهما، وإنما الاختلاف الذي رويته في عبد قتل مولاه عمدا وله اثنان فعفى أحدهما، إلا أن محمدا ذكر الاختلاف فيهما، وذكر قوله تفسد مع أبي يوسف في المسألة الأولى، ومع أبي حنيفة في المسألة الثانية.
والسادسة: رجل مات وترك ابنا وعبدا له لا غير، فادعى العبد أن الميت كان أعتقه في صحته، وادعى رجل على الميت بألف درهم وقيمة العبد ألف، فقال الابن صدقتهما يسعى العبد في قيمته وهو حر ويأخذه الغريم بدينه. وقال أبو يوسف إنما رويت له أنه عبد ما دام يسعى في قيمته.
قال في " المبسوط " وغيره: اعتماد المشايخ على رواية محمد، والمذهب أن الراوي إذا أنكر روايته لا يبقى حجة خلافا لمحمد والشافعي ذكره السرخسي والبزدوي في أصول الفقه.

م: (ولو قرأ في إحدى الأوليين لا غير قضى أربعا عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف هذه المسألة السابعة وهي أن يقرأ في أحد الركعتين الأوليين ولم يقرأ في الركعتين

(2/537)


وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قضاء ركعتين،
ولو قرأ في إحدى الأخريين لا غير قضى أربعا عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما ركعتين. قال: وتفسير قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يصلي بعد صلاة مثلها» يعني ركعتين بقراءة وركعتين بغير قراءة فيكون بيان فريضة القراءة في ركعات النفل كلها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأخريين يقضي عند أبي حنيفة وأبي يوسف أربع ركعات م: (وعند محمد قضاء ركعتين) ش: أي يقضي ركعتين.

م: (ولو قرأ في إحدى الأخريين لا غير) ش: هي المسألة الثامنة، وهي أن يقرأ في إحدى الركعتين الأخريين ولم يقرأ في غير ذلك شيئا م: (قضى أربعا عند أبي يوسف) ش: يعني عند أبي يوسف يقضي أربع ركعات لعدم بطلان التحريمة وصحة الشروع م: (وعندهما ركعتين) ش: أي يقضي عند أبي حنيفة ومحمد ركعتين لبطلان التحريمة وعدم صحة الشروع، وفي هذا الباب ستة عشر وجها، وهي قرأ في الأولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة أو في الأوليين أو فيهما والثالثة أو فيهما والرابعة أو في الكل أو في الأخريين أو فيهما والأولى أو فيهما والثانية أو لم يقرأ فيهن شيئا أو قرأ في الأوليين ولم يتشهد أو تشهد ولم يقم إلى الثالثة أو قام إليها ولم يقيدها بالسجدة أو قيدها بالسجدة، فروع: لو دخل مع الإمام في الأوليين وتكلم قبل أن يدخل الإمام في الركعتين الأخريين يلزمه ركعتان عند أبي حنيفة ومحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأنه صار مقتديا به في الركعتين لا غير. ولو تكلم بعدما قام إمامه إلى الثالثة وقرأ في الأربع يقضي أربعا لأنه صار شارعا في الشفع الثاني مع الإمام، ولو اقتدى به في الشفع فرعف فذهب ليتوضأ فتكلم فصلى إمامه ستا يصلي هو أربعا لأنه لم يشرع معه في الشفع.
والثالث ذكره في " المحيط " ولا يجب بالتحريمة الأولى في النفل إلا ركعتان في ظاهر الرواية، وعن أبي يوسف يلزمه جميع ما نوى، ولو نوى بأنه ركعة وهو رواية بشر بن أبي الأزهر النيسابوري اعتبارا بالنذر، وعنه أنه يلزمه أربع ركعات دون ما زاد عليها، رواه محمد ابن سماعة عنه وبشر بن الوليد، وفي رواية عنه يلزمه ثمان ركعات ذكره في الينابيع، وفي " مختصر البحر " لو ترك القراءة في إحدى ركعتي الفجر أو صلاة السفر فسدت ولا يمكنه إصلاحها، بخلاف ما لو سجد على النجاسة فأعادها على موضع طاهر حيث يصح.
م: (قال) ش: أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (وتفسير قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لا يصلي بعد صلاة مثلها» يعني ركعتين بقراءة وركعتين بغير قراءة فيكون بيان فرضية القراءة في ركعات النفل كلها) ش: الكلام هاهنا في مواضع:
الأول: في حل التركيب فنقول قوله قال يقضي المقول وأن يكون المقول جملة إلا إذا كان القول بمعنى الحكاية، وهاهنا القول محذوف تقديره قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير "

(2/538)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تفسير قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لا يصلي بعد صلاة مثلها» كذا ولا يجوز أن يكون قوله وتفسيره قوله.. الخ مقول القول لوجود حرف العطف. قوله وتفسير قوله كلام إضافي مرفوع بالابتداء وخبره محذوف كما ذكرناه، وقوله يعني ركعتين.. إلخ بيان لما فسره محمد في " الجامع الصغير ".
الثاني: رفع هذا الخبر إلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يثبت، وإنما هو موقوف على عمر وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " ثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم، قال: قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يصلي بعد صلاة مثلها، وحديث عبد الله بن إدريس عن حصين عن إبراهيم والشعبي قالا: قال عبد الله: لا يصلي على إثر صلاة مثلها. وفي " جامع الأسبيجابي " هذا التفسير يروى عن عمر وابن مسعود وزيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وفي " البزازية " عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مكان زيد، وفي " شرح الجامع الصغير ": قال الفقيه أبو الليث: هذا الخبر يروى عن عبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وغيرهم من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنهم قالوا: لا يصلي بعد صلاة مثلها. وروى الطحاوي بإسناده في شرح الآثار عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يصلي بعد صلاة مثلها.
الثالث: أن المصنف أورد هذا بعد أن ذكر أن القراءة واجبة في جميع ركعات النفل وما ترتب على ذلك من المسائل الثمانية لبيان فرضية القراءة في جميع ركعات النفل يوضح ذلك أنه لما ورد هذا الخبر عاما وقد خص منه البعض لأنه يصلي سنة الفجر، ثم فرض الفجر وهما مثلان وكذا يصلي سنة الظهر أربعا ثم يصلي الظهر أربعا وهما مثلان، وكذا يصلي فرض الظهر ركعتين في السفر ثم يصلي السنة ركعتين، ولما لم يكن العمل بعمومه قال محمد المراد منه أن لا يصلي بعد أداء الظهر نافلة ركعتان بقراءة، وركعتان بغير قراءة يصلي، يعني لا يصلي النافلة كذلك حتى لا يكون مثلا للفرض، مثل يقرأ في جميع ركعات النفل فيكون الحديث بيانا بفرضية القراءة في جميع ركعات النفل.
فإن قلت: كيف بيان فرضية القراءة في جميع ركعات النفل والحال أنه غير مرفوع إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولئن سلمنا رفعه وهو خبر الواحد فكيف يفسد الفرضية. قلت: أجاب الأترازي بقوله ما ثبت به الإتيان أن الأربع من النفل مجمل القراءة، وخبر الواحد يصلح أن يكون ثبتا لمجمل الكتاب، ثم الفرضية ثبتت بقوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] (المزمل: الآية 20) .
قلت: هو قال قبل هذا الكلام وعندي أنه ليس بثابت عن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، بل هو كلام عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فالذي لم يثبت عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كيف يكون مبنيا بمجمل الكتاب، وقال الأكمل في الجواب: أجيب بأنه قال بيان الفرضية، ويجوز أن تكون الفرضية ثابتة

(2/539)


ويصلي النافلة قاعدا مع القدرة على القيام، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم» ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بقوله تعالى {فَاقْرَءُوا} [المزمل: 20] ، والحديث بيان أنها فرض في التطوع ركعة فركعة. قلت هذا مثله وليس بشيء، لأن نص القرآن ظاهر مستغن عنه من البيان، وليس بمجمل إذ لو كان مجملا لقيل بفرضية الفاتحة وضم السورة، على أن يكون هذا حديثا لم يثبت كما ذكرنا. وفي " الجنازية ": تفسير الحديث على الوجه المنقول بأن كل شفع من النوافل محل فرض من القراءة باعتبار أنه صلاة على حدة فرضت فيه القراءة بقوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ} [المزمل: 20] وهذا كما يقال: باعتبار المسح بالربع، ثبت بخبر المغيرة بن شعبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وفرضيته ثبتت بقوله تعالى: {فَامْسَحُوا} [المائدة: 6] .
قلت: هذا أيضا من المشرب المذكور في كونه اعتمد على كون الحديث مرفوعا، وأيضا فإن قوله بيان أن كل القيام.. إلخ لا يحتاج إلى هذه المقالة، لأنه لما ثبت أن كل شفع من النوافل صلاة على حدة فبرهنت فيه القراءة بقوله تعالى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] (المزمل: الآية 20) لأن الأمر بالقراءة في مطلق الصلاة، فكانت في الركعة الأولى من الفرض بالأمور، وفي الثانية بدلالة النص، فكذلك في الشفع من النفل، لأنه صلاة والقراءة فرض في الصلاة، ولأجل ما ذكرنا من الأمور حمل بعضهم هذا الخبر على النهي عن إعادة الصلاة بسبب الوسوسة، ذكره في " الذخيرة "، وقيل كانوا يصلون الفريضة بعدها أخرى يطلبون بذلك زيادة الأجر، فنهي عن ذلك، وقال «لا يصلي بعد صلاة مثلها» وحمله الشافعي على المماثلة في العدد وليس بشيء، فإنه شرع بالإجماع في ركعتي الفجر مع الفجر ونحوه كذا ذكرنا.
وفي " جامع فخر الإسلام ": ولو حمل على تكرار الجماعة في مسجد له أهل أو على قضاء صلاة عند توهم الفساد يكون صحيحا. وفي الجنازية فإن ذلك مكروه لما فيه من تسليط الوسوسة على القلب، وقال بعضهم: هذا حكم ظهر بعد سبب وهو ما روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ليلة التعريس دعا بماء فأوتر ثم صلى الفجر بجماعة فقال له أصحابه أونقضي بها بين الركعتين في وقت الصلاة من اليوم الثاني؟ فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إن الله تعالى نهاكم عن الرياء فلا يأمركم به، لا يصلي بعد صلاة مثلها» معناه أن الفائنة إذا قضيت لا تقضى في اليوم الثاني في وقت تلك الصلاة من غير دليل، قلت فيه نظر لا يخفى.

[صلاة النافلة على الدابة وفي حال القعود]
م: (ويصلي النافلة قاعدا مع القدرة على القيام) ش: معناه يجوز له أن يصلي النافلة حال كونه قاعدا مع القدرة على الصلاة قائما م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم» ش: هذا الحديث أخرجه البخاري والأربعة عن عمران بن حصين قال: «سألت النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن صلاة الرجل قاعدا، فقال: من صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد» وفي رواية مسلم: قال عليه

(2/540)


ولأن الصلاة خير موضوع وربما يشق عليه القيام فيجوز له تركه كيلا ينقطع عنه،
واختلفوا في كيفية القعود، والمختار أن يقعد في حالة التشهد؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
السلام: «صلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة» أي في حق الأجر. فإن قلت: هذا الحديث لم يتعرض للنفل ولا للفرض ولا لحالة العذر وغيرها فكيف وجه التمسك به قلت قال الشراح هنا ما حاصله إن الإجماع منعقد على أن صلاة القاعد بعذر مساوية لصلاة القائم في حق الأجر فلم يبق حينئذ إلا صلاة النفل قاعدا بدون العذر، لأن الفرض لم يجز قاعدا بلا عذر.
قلت: هذا غير مخلص على ما لا يخفى، لأنهم ما ذكروا شيئا يدل على ما قالوا، فأقول وبالله التوفيق: إن أبا بكر بن أبي شيبة روى في " سننه " عن المسيب بن رافع الكاهلي قال: صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم إلا من عذر، وروى أيضا عن «عبد الله بن شقيق قال سألت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لكان رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي قاعدا قالت بعدما حطته السن» هذا دليل على أن المراد من قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم» غير حال العذر. وقال الترمذي وقال سفيان الثوري هذا الحديث «من صلى جالسا فله نصف أجر القائم» قال: هذا للصحيح ومن ليس له عذر، وأما من كان له عذر من مرض أو غيره فصلى جالسا فله مثل أجر القائم، وقد روي في بعض الحديث مثل قول سفيان الثوري. فإن قلت: هذا الذي ذكرته [منها] لا يدل على المدعى.
قلت: روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كان يصلي بعد الوتر قاعدا» . وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كان يصلي ليلا طويلا قائما، وليلا طويلا قاعدا» ، الحديث رواه الجماعة إلا البخاري، فهذا يدل على أن النفل قاعدا من غير عذر يجوز، وأما الأحاديث المذكورة فتدل على أن الصلاة قاعدا في الفرض لا تجوز إلا عن عذر.
م: (ولأن الصلاة خير موضوع) ش: أي مشروع لك مرفوع عنك لكونها غير واجبة، وروى أحمد في " مسنده " والبزار في " سننه " من حديث عبيد بن الخشخاش عن أبي ذر عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الصلاة خير موضوع، فمن شاء أكثر، ومن شاء أقل» . ورواه ابن حبان في " صحيحه " والطبراني في " الأوسط " م: (وربما يشق عليه) ش: أي على المصلي م: (القيام فيجوز له تركه) ش: أي ترك القيام م: (كيلا ينقطع عنه) ش: أي عن فعل النافلة، وفي بعض النسخ كيلا ينقطع به أي بسبب القيام عن الخبر، لأن القيام ربما يفضي إلى ذلك.

م: (واختلفوا في كيفية القعود) ش: أي اختلف العلماء في كيفية القعود وحالة القراءة، قال المصنف م: (والمختار أن يقعد كما يقعد في حالة التشهد) ش: وهو الذي اختاره الفقيه أبو الليث السمرقندي وشمس الأئمة السرخسي وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي " الخلاصة ": عن أبي حنيفة ثلاث روايات: في رواية يجلس كما يجلس في التشهد، وفي رواية: يتربع، وفي رواية:

(2/541)


لأنه عهد مشروعا في الصلاة وإن افتتحها قائما ثم قعد من غير عذر جاز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهذا استحسان، وعندهما لا يجوز به وهو قياس، لأن الشروع معتبر بالنذر له أنه لم يباشر القيام فيما بقي، ولما باشر صحت بدونه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يحتبي، وفي " شرح الطحاوي ": وفي قول زفر يجلس كما يجلس في التشهد وفي حال التشهد يجلس كما يجلس في التشهد بالإجماع. وفي " الذخيرة ": يقعد في التشهد كما يقعد في سائر الصلاة إجماعا، وعن أبي حنيفة في حالة القراءة روايتان إن شاء قعد كذلك، وإن شاء تربع وإن شاء احتبى وعن أبي يوسف أنه يحتبي، وعنه أنه يتربع إن شاء، وعن محمد أنه يتربع، وذكر خواهر زادة في باب الحدث أنه يخير بين التربع والاحتباء، وروي عن أبي حنيفة أنه يتربع في صلاة الليل من أول الصلاة إلى آخرها. وقال أبو يوسف إذا جاء وقت الركوع والسجود يقعد كما يقعد في تشهد المكتوبة.
وفي " مختصر الكرخي " عن أبي حنيفة يقعد كيف شاء وبه قال محمد وغيرهما من السلف. وروى الحسن أنه يتربع وإذا أراد الركوع يثني رجله اليسرى وافتراشها، وهو رواية عن أبي يوسف وعنه أنه يركع متربعا، وذكر شيخ الإسلام الأفضل له أن يقعد في موضع القيام محتبيا، لأن عامة صلاة رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في آخر عمره كان محتبيا، وفي " شرح الوجيز " الافتراش أفضل في قول، والتربع أفضل في قول، وقيل ينصب ركبته اليمنى ويفترش رجله اليسرى، وقيل: ينصب رجله اليمنى كالقارئ يجلس بين يدي المقرئ. وعند مالك يتربع، وعند أحمد يتربع في حال القيام ويثني رجليه في الركوع والسجود، وتفسير الاحتباء أن ينصب ركبتيه ويجمع يديه عند ساقيه وفي الصحاح: احتبى الرجل إذا جمع ظهره وساقيه بعمامته أو بيديه والمراد هاهنا جمعها بيديه.
م: (لأنه) ش: أي لأن قعود التشهد م: (عهد مشروعا في الصلاة) ش: فكان أولى من غيره م: (وإن افتتحها) ش: أي وإن افتتح النافلة حال كونه م: (قائما ثم قعد من غير عذر) ش: قيد به، لأنه إذا قعد بعذر جاز بالاتفاق وبغير عذر م: (جاز عند أبي حنيفة) ش: وبه قال مالك والشافعي م: (وهذا استحسان) ش: أي قول أبي حنيفة هو استحسان.
م: (وعندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد م: (لا يجوز به) ش: وبه قال بعض أصحاب الشافعي م: (وهو قياس) ش: أي قولهما هو القياس م: (لأن الشروع معتبر بالنذر) ش: هذا وجه القياس، لأن المشروع ملزم كالنذر، فإذا نذر أن يصلي قائما لا يجوز له أن يصلي قاعدا، فكذا إذا شرع قائما لا يجوز له أن يتم قاعدا.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة وهو وجه الاستحسان م: (أنه) ش: أي أن المفتتح قائما م: (لم يباشر القيام فيما بقي) ش: من الصلاة م: (ولما باشر صحت بدونه) ش: أي لما باشر من القيام في

(2/542)


بخلاف النذر، لأنه التزمه نصا، حتى لو لم ينص على القيام لا يلزمه القيام عند بعض المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأولى صحة بدون القيام في الثانية بدليل حالة العذر فلا يكون الشروع في الأولى قائما موجبا للقيام في الثانية م: (بخلاف النذر لأنه التزمه نصا) ش: أراد أن القياس على النذر غير صحيح، لأنه التزم القيام من حيث إنه نص عليه بتسليمة فيلزمه م: (حتى لو لم ينص على القيام) ش: في نذره م: (لا يلزمه القيام عند بعض المشايخ) ش: أراد به فخر الإسلام ومن وافقه، قال فخر الإسلام البزدوي في " شرح الجامع الصغير " وإذا نذر أن يصلي مطلقا لم يلزمه القيام، ثم قال: هذا هو الصحيح من الجواب. وقال الفقيه أبو جعفر الهندواني: لا رواية فيما إذا نذر أن يصلي صلاة ولم يقل قائما أو قاعدا، أما إذا قاله يجب قائما أو قاعدا.
ثم اختلف المشايخ قال فخر الإسلام: لم يلزمه القيام لأنه في النفل وصف زائد فلا يلزم إلا بالشرط وقال بعضهم: يلزمه قائما؛ لأن إيجاب العبد معتبر بإيجاب الله تعالى، وأسماء أوجبها الله تعالى قائما، وقال الأكمل وفي قوله حتى لو لم ينص.. إلخ نظر لأنه لا يستقيم في الاستدلال على قول أبي حنيفة أخذ قوله بعض من تأخر عنه بأزمنة كثيرة. قلت: ليس الأمر كذلك لأن قوله حتى لو لم ينص إلخ عنه بأزمنة نتيجة قول أبي حنيفة الذي يفهم منه، وكيف لا يستقيم الاستدلال فيها بقول متأخر بقول متقدم، ومع هذا لا رواية عنه فيما إذا نذر صلاة مطلقا هل يصلي قائما أو قاعدا كما ذكرنا، وقال الأكمل أيضا واعلم أن الدليل المذكور في الكتاب يفيد أنه لو قعد في الركعة الأولى بعد افتتاحها لا يجوز، لأن الشروع يلزم ما باشره وما باشره إلا قائما. وذكر في " الفوائد الظهيرية " ما يدل على جوازه حيث قال المتطوع في الابتداء. كانت له الخيرة بين الافتتاح قائما وبين الافتتاح قاعدا فكذلك في الانتهاء بالطريق الأولى، لأن حكم الاستدامة أخف.
قلت: هذا الذي قاله من كلام السغناقي، ثم قال الأكمل وفيه نظر، لأن كون البقاء أسهل من الابتداء من المسلمات لا نزاع فيه، لكن عارضه أصل آخر وهو أن الشروع فيما باشره يلزمه.
قلت: المتطوع مخير بين القيام والقعود، ولأن القيام صفة زائدة، والصلاة تجوز بدونه صفة القيام، فبالنظر إلى هذا الشروع فيما باشره غير ملزم والاستحقاق هذا الجزء الذي شرع فيه اسمية الصلاة إنما يكون بانضمام أجزاء أخر.
فروع: لو توكأ على عصا أو حائط بغير عذر لا يكره عنده، وعندهما يكره. ولو نذر صلاة وهو راكب فقد ذكر الكرخي أنه يجوز أداؤها راكبا، وفي الأصل: لو نذر أن يصلي فصلى راكبا لم يجزئه، ولم يفصل بينهما إذا كان الناذر راكبا على الدابة أو الأرض، وذكر ابن أبي شيبة عن السلف منهم الحسن البصري أنه قال: لا بأس من أن يصلي الرجل ركعة قائما وركعة قاعدا،

(2/543)


ومن كان خارج المصر تنفل على دابته إلى أي جهة توجهت يومئ إيماء؛ لحديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «رأيت رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي على حمار وهو متوجه إلى خيبر يومئ إيماء»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وكذا روي عن شعبة عن الحكم وحماد، ولم يذكر عن غيرهم خلاف وذهب بعض الناس إلى أنه إذا افتتحها قاعدا لا يتمها قائما، والصحيح جواز ذلك. ومن العلماء من كره أن يصلي الإنسان النافلة قاعدا من غير عذر. وفي " مبسوط بكر ": أطلق النذر قيل يلزمه نصف القيام وقيل: لصفة القعود، وقيل: يتخير، وعلى الثلاثة لا يجوز. وعن الكرخي لو نذر راكبا يجزئه.
ولو نذر أن يصلي بغير وضوء أو بغير قراءة فعند أبي يوسف يلزمه ويلغو ذكر الوصف وعند زفر لا يلزمه، وعند محمد لو سمى ما لا يجوز أداء الصلاة إلا معه كالصلاة من غير طهارة لا يلزمه وإلا يلزمه كالصلاة من غير قراءة. ولو شرع في الأوقات المكروهة وقطعها لزمه القضاء، فإن قضاها فيها أو في مثلها سقط القضاء.

م: (ومن كان خارج المصر تنفل على دابته إلى أي جهة توجهت دابته يومئ إيماء) ش: جملة حالية، أي يتنفل حال كونه مومئا، وفي المحيط من الناس من يقول إنما يجوز التطوع على الدابة إذا توجهت إلى القبلة عند افتتاحها ثم يترك التوجه والتحرف عن القبلة. أما لو افتتح الصلاة إلى غير القبلة لا يجوز لأنه لا ضرورة في حال الابتداء، وإنما الضرورة في حالة البقاء، وعند العامة يجوز كيفما كان، وصرح في الإيضاح بأن القائل به الشافعي وقال ابن بطال استحب ابن حنبل وأبو ثور أن يفتتحها متوجها إلى القبلة ثم لا يبالي حيث توجهت. وقال الشافعية القعود في الركوب على الدابة إن كانت سهلة يلزمه أن يدير رأسها عند الإحرام إلى القبلة في أصح الوجهين، وهو رواية ابن المبارك ذكرها في " جوامع الفقه "، وفي الوجه الثاني لا يلزمه، وفي القطار والدابة الصعبة لا يلزمه، وفي " العمادية " و " المجمل الواسعي " يلزمه التوجه للقبلة. وقيل في الدابة يلزمه في السلام أيضا، والأصح أن الماضي يتم ركوعه وسجوده ويستقبل فيهما وفي إحرامه ولا يمشي إلا في قيامه، ومذهبنا هو قول الجمهور وهو قول علي وابن الزبير وأبي ذر وأنس وابن عمر، وبه قال طاوس وعطاء والأوزاعي والثوري ومالك والليث.
م: (لحديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «رأيت رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي على حمار وهو متوجه إلى خيبر يومئ إيماء» ش: الحديث في هذا الباب روي عن ابن عمر وجابر وأنس وعامر بن ربيعة وأبي سعيد ولم يرو بلفظ الكتاب إلا عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه الدارقطني في " غرائب مالك " عن مالك عن الزهري عن أنس، قال: «رأيت النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وهو متوجه إلى خيبر على حمار يصلي يومئ إيماء» وسكت عنه.
أما حديث ابن عمر فأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي عن عمرو بن يحيى المازني عن سعيد بن يسار عن عبد الله بن عمر قال «رأيت رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي على حمار وهو متوجه إلى

(2/544)


ولأن النوافل غير مختصة بوقت، فلو ألزمناه النزول والاستقبال تنقطع عنه النافلة أو ينقطع هو عن القافلة،
أما الفرائض فمختصة بوقت،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
خيبر» قال النسائي: عمر بن يحيى لا يتابع على قوله على حمار وإنما هو على راحلته، قيل وقد غلط الدارقطني وغيره عمرو بن يحيى في ذلك والمعروف على راحلته وعلى البعير، وقوله يومئ إيماء ليس في الحديث.
وأما حديث جابر فإن ابن حبان أخرجه في صحيحه عنه قال «رأيت النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي النوافل على راحلته في كل وجه يومئ إيماء، ولكنه يخفض السجدتين من الركعتين» وأخرجه أبو داود والترمذي ولفظه: «بعثني النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في حاجة فجئت وهو يصلي على راحلته نحو المشرق السجود أخفض من الركوع» وقال الترمذي: حسن صحيح وأخرجه البخاري عنه قال «كان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يصلي على راحلته حيث توجهت به، فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل القبلة» .
وأما حديث عامر بن ربيعة فإن البخاري ومسلما أخرجاه عنه، قال: «رأيت رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وهو على الراحلة يسبح يومئ برأسه، قبل أي وجه توجه ولم يكن يصنع ذلك في المكتوبة» . وأما حديث أبي سعيد فأخرجه.
م: (ولأن النوافل غير مختصة بوقت فلو ألزمناه النزول) ش: عن الدابة م: (والاستقبال) ش: إلى القبلة م: (تنقطع عنه النافلة) ش: بالنون لأنه إذا لزم النزول لا يقدر أن يتطوع راكبا، والنافلة خبر موضوع مشروع على حسب [......] ففي إلزام النزول بعذر ضرر م: (أو ينقطع هو) ش: أي المتطوع م: (عن القافلة) ش: بالقاف على تقدير النزول وفيه ضرر لا يخفى.

م: (أما الفرائض فمختصة بوقت) ش: فلم يجز أن يؤديها راكبا لعدم لزوم الحرج في النزول.
وفي " خلاصة الفتاوى ": أما صلاة الفرض على الدابة لعذر فجائزة، ومن الأعذار المطر عن محمد إذا كان الرجل في السفر فأمطرت السماء لم يجد مكانا ما يشاء ينزل للصلاة فإنه يقف على الدابة مستقبل القبلة ويصلي بالإيماء إذا أمكنه إيقاف الدابة، فإن لم يمكنه يصلي مستدبر القبلة، وهذا إذا كان الطين بحال يصيب وجهه، فإن لم تكن هذه المثابة لكن الأرض ندية صلى هنالك ثم قال وهذا إذا كانت الدابة تسير بنفسها، أما إذا سيرها صاحبها فلا يجوز التطوع ولا الفرض. ومن الأعذار اللص والمرض، وأما في البادية فتجوز ذلك كذا ذكر صاحب " الخلاصة "، ومن الأعذار أن تكون الدابة جموحا، ولو نزل لا يمكنه الركوب ومن الأعذار كون المسافر شيخا كبيرا لا يجد من يركبه إذا نزل، وفيها الخوف من السبع. وفي المحيط تجوز الصلاة على الدابة في هذه الأحوال ولا تلزمه الإعادة بعد زوال العذر.

(2/545)


والسنن الرواتب نوافل، وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه ينزل لسنة الفجر، لأنها آكد من سائرها، والتقييد بخارج المصر ينفي اشتراط السفر، والجواز في المصر. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجوز في المصر أيضا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[حكم السنن الرواتب]
م: (والسنن الرواتب نوافل) ش: يعني حكم السنن الرواتب حكم النوافل في جواز الأداء على الدابة في أي جهة توجهت، من الدليل على كون السنن الرواتب نوافل أنها تؤدى بمطلق النية.
م: (وعن أبي حنيفة ينزل لسنة الفجر) ش: ولهذا لا يجوز فعلها قاعدا عند أبي حنيفة، وقد مر أنها واجبة عنده في رواية، وعن محمد بن شجاع يجوز أن يكون هذا لبيان الأولى يعني أن الأولى أن ينزل لركعتي الفجر، وعلل ذلك بقوله م: (لأنها) ش: أي لأن سنة الفجر م: (آكد من غيرها) ش: أي أقواها حتى يجوز للعالم أن يترك سائر السنن لتحصيل العلم دون سنة الفجر، وفي قول للشافعي وأحمد أنها آكد من الوتر م: (والتقييد بخارج المصر) ش: ينتفل على دابته م: (ينفي اشتراط السفر) ش: لأنه أعم من أن يكون سفرا وغير سفر، وفيه إشارة إلى ما روي عن أبي حنيفة وأبي يوسف أن جواز التطوع على الدابة للمسافر خاصة لأن الجواز بالإيماء للضرورة ولا ضرورة في الحضر، والصحيح أن المسافر وغيره سواء بعد أن يكون خارج المصر.
واختلفوا في مقدار البعد عن المصرِ، والمذكور في الأصل مقدار فرسخين أو ثلاثة، وقدر بعضهم بالميل، ومنع الجواز في أقل منه، وفي " فتاوى المرغيناني " والأصح أن في كل موضع يجوز للمسافر قصر صلاته فيه يجوز التطوع فيه على الدابة. وقيل: إن كان بينهما قدر ما يكون بين المصر ومصلى العبد يجوز، وأقل من ذلك لا يجوز، وعند الشافعي يجوز في طويل السفر وقصيره، وقال مالك: لا يصلي أحد على دابته في السفر ولا يقصر فيه الصلاة، ويرد عليه الآثار الواردة فيها من غير تحديد سفر ولا تخصيص مسافر، فصار كالمتيمم، وقال الطبري: لا أعلم من خالف ذلك إلا مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (والجواز في المصر) ش: بالنصب عطفا على قوله اشتراط التقييد أيضا بخارج المصر ينفي جواز التطوع على الدابة في المصر.
فإن قلت: التخصيص بالذكر لا يدل على النفي.
قلت: ذلك في النصوص دون الروايات، وذكر في المرويات عن أبي حنيفة لا يجوز التطوع على الدابة في المصر، وعند محمد: يجوز ويكره.
م: (وعن أبي يوسف أنه يجوز في المصر أيضا) ش: حكي أن أبا يوسف لما سمع هذا الجواب عن أبي حنيفة قال حدثني فلان ورفع الإسناد إلى «رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ركب الحمار في المدينة يعود سعد بن عبادة وكان يصلي» فلم يرفع أبو حنيفة رأسه قيل إنما لم يرفع رأسه إظهارا للرجوع

(2/546)


ووجه الظاهر أن النص ورد خارج المصر والحاجة إلى الركوب فيه أغلب،
فإن افتتح التطوع راكبا ثم نزل يبني، وإن صلى ركعة نازلا ثم ركب استقبل؛ لأن إحرام الراكب انعقد مجوزا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عن قوله إلى الحديث وإلا معنا أدلة، وقيل: هذا حديث شاذ. والشاذ فيما عم به البلوى لا يكون حجة وإنما لم يرفع أبو حنيفة رأسه لعدم مبالاته به وهو الأصح، لأن رفع الرأس عبارة عن المبالاة بالشيء يقال لم يرفع لحديثي رأسه، أي لم يصغ له ولم يتأمله ولم يقع موقع القبول عنده، فأبو يوسف أخذ بالحديث ومحمد " - رَحِمَهُ اللَّهُ - " كذلك إلا أنه كره في الحضر، لأن اللفظ والأصوات تكثر فيه فيكثر الخطأ والغلط في القراءة وترتيب أفعال الصلاة فيؤدي ذلك إلى إبطال العمل وفساد العبارة ظاهر. قلت: ولأبي يوسف أن يحتج بما رواه أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى على حمار في أزقة المدينة يومئ إيماء» ذكره ابن بطال في شرح البخاري.
م: (ووجه ظاهر الرواية أن النص ورد خارج المصرِ، والحاجة إلى الركوب فيه) ش: أي في خارج المصر م: (أغلب) ش: حاصله أن الصلاة على الدابة بالإيماء مع القدرة على الركوع والسجود خلاف القياس فاقتصر جوازها على مورد النص وهو خارج المصر فبقي الحكم في المصر على أصل القياس.

م: (فإن افتتح التطوع راكبا ثم نزل يبني) ش: على افتتاحه ويكمل فإن قلت هذا بناء القوي على الضعيف فلا يجوز كالمريض يصلي بالإيماء ثم قدر على الأركان لا يجوز له البناء.
قلت: بينهما فرق، لأن الإيماء من المريض بدل من الأركان ومن الراكب لا لأن البدل في العادات ما يصار إليه عند العجز، والراكب لا يعجز عن الأركان بأن ينتصب على الركابين فيكون ذلك قياما منه، وإن كان يمكنه أن يخر راكعا وساجدا ومع هذا أطلقه الشارع في الإيماء فكان قويا في نفسه فلا يؤدي إلى بناء القوي على الضعيف كما في الضعيف.
فإن قلت: إذا كان الإيماء قويا لماذا يجوز البناء إذا تحرم بالإيماء ثم ركب.
قلت: أما إذا راكب فلأن الركوب عمل كثير وأنه قاطع للتحريمة، وأما إذا أركب فلأن الدليل يأبى جواز الصلاة راكبا، لأن سير الدابة يضاف إلى راكبها فيتحقق الأداء في أماكن مختلفة فحينئذ يتحقق الأداء في حالة المشي وذا لا يجوز، إلا أن الشرع جعل الأماكن المختلفة كمكان واحد للحاجة إلى قطع المسافة وصيانة نفسه وماله عن [....] التلف، فكان ابتداء التحريم نازلا دليل استغنائه عما ذكرنا فلا يجوز له البناء بعد ذلك.
م: (وإن صلى ركعة نازلا) ش: قول الركعة وقع اتفاقا، لأنه لو لم يصل ركعة فالحكم كذلك. وقوله نازلا حال ومعناه صلى ركعة وهو على الأرض م: (ركب استقبل) ش: صلاته م: (لأن إحرام الراكب انعقد مجوزا) ش: بكسر الواو ونصبا على الحال وهذا تعليل المسألة الأولى

(2/547)


للركوع والسجود قدرته على النزول، فإذا أتى بهما صح، وإحرام النازل انعقد لوجوب الركوع والسجود فلا يقدر على ترك ما لزمه من غير عذر. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يستقبل إذا نزل أيضا، وكذلك عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا نزل بعدما صلى ركعة، والأصح هو الأول وهو الظاهر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (للركوع والسجود لقدرته على النزول فإذا أتى بهما) ش: أي بالركوع والسجود م: (صح) ش: لأن الراكب بالخيار إن شاء ترك وأتمها بالركوع والسجود وهذا تعليل المسألة الثانية م: (وإحرام النازل انعقد لوجوب الركوع والسجود، ولا يقدر على ترك ما لزمه) ش: بطريق الوجوب م: (من غير عذر) ش: وهذا الفرق الذي ذكره المصنف هو الصحيح.
وقيل في الفرق بأن النزول عمل قليل والركوب عمل كثير، ورد بأنه لو رفع ووضع على السرج لا يبني مع أن العمل لم يوجد فصلا عن العمل الكثير.
م: (وعن أبي يوسف أنه مستقبل إذا نزل أيضا) ش: لأن بناء القوي على الضعيف فصار كالمريض إذا قدر على الركوع والسجود في أثناء الصلاة م: (وكذا عند محمد " - رَحِمَهُ اللَّهُ - ") ش: أي كذا روي عن محمد " - رَحِمَهُ اللَّهُ - " أنه يستقبل م: (إذا نزل بعدما صلى ركعة) ش: قيل لهذا لأنه لو لم يصل ركعة قائما ثم نزل أتمها نازلا، لكن هذا على أصل محمد غير مستقيم، لأن تحريمة الصلاة انعقدت للإيماء فلا يصح إتمامها بركوع وسجود لأنه يكون بناء القوي على الضعيف كذا نقل عن أبي بشر م: (والأول أصح وهو الظاهر) ش: أي ظاهر الرواية وهو أن الراكب المتطوع إذا نزل يبني والراكب إذا ركب يستقبل.
فروع: لو افتتح التطوع على الدابة خارج المصر ثم دخل مصرا قبل أن يفرغ منها ذكر في غير رواية الأصول أنه يتمها، واختلفوا في معناه، فقيل يتمها قاعدا على الدابة ما لم يبلغ منزله. وقيل يتمها بالنزول على الأرض ذكره المرغيناني، وفي " المبسوط " يصلي على الدابة، وإن كان سرجه قذرا. وكان محمد بن مقاتل الرازي وأبو جعفر [.....] يقولان لا يصح إذا كانت النجاسة في موضع جلوسه أو في موضع ركابته أكثر من قدر الدرهم كالأرض، وأكثر المشايخ على الجواز. وقالوا: الدابة أشد من ذلك يعني أن باطنها لا يخلو عن النجاسة ويقال لا اعتبار لنجاسته بدليل أن من حمل حيوانا طاهرا يصلي به يجوز مع نجاسة باطنه.
والجواب الصحيح: أن فيها ضرورة، وقد ترك الركوع والسجود مع إمكان النزول والأداء على الأرض للضرورة، والأركان أقوى من الشرائط، فإذ سقطت فشرط طهارة المكان أولى، وقيل: إن كانت النجاسة على الركابين فلا بأس بها، وإن كانت في موضع جلوسه منع الجواز.
حمل امرأة من القرية إلى المصر لها أن تصلي على الدابة في الطريق، وأما الصلاة على العجلة إن كان طرفها على الدابة وهي تسير أو لا تسير فهي صلاة على الدابة تجوز في حالة العذر

(2/548)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في الفرض، وإن لم يكن يجوز بمنزلة السرير. رجلان في محل واحد فاقتدى أحدهما بالآخر في التطوع أجزأهما، وإن كان في شقين وأحدهما مربوط بالآخر فكذلك وإلا لا يجوز، وقيل يجوز كيفما كان إذا كانا على دابة واحدة. وفي المحيط لو صلى في شق محمل لا يجوز إلا أن يركن تحت محمله خشبة لأنه يكون قرار المحمل على الأرض لا على الدابة فيكون سجوده في المحمل كالسجود على الأرض والسرير، وحكي أن أبا يوسف أمر هارون الرشيد أن يفعل ذلك، ومثلها صلاة الجنازة والنقل الذي أفسده والمنذور والوتر عنده والسجدة التي تليت على الأرض.
وفي " جوامع الفقه ": لو حرك رجليه أو أحديهما متداركا أو ضربها بخشبة فسدت صلاته، بخلاف النجس إذا لم تسر، وفي الذخيرة إن كانت تساق بنفسها فليس له ذلك، وإن كانت لا تساق فرفع سوطه فضربها به ونجسها لا تفسد صلاته.

(2/549)