البناية شرح الهداية

فصل في قيام شهر رمضان ويستحب أن يجتمع الناس في شهر رمضان بعد العشاء، فيصلي بهم إمامهم خمس ترويحات
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في قيام شهر رمضان] [حكم صلاة التراويح وكيفيتها]
م: (فصل في قيام شهر رمضان) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام قيام الناس في ليالي شهر رمضان، وإنما اختار هذه اللفظة أعني قيام شهر رمضان اتباعا لحديث أبي هريرة الذي أخرجه الجماعة عنه أنه قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرغب الناس في قيام رمضان من غير أن يأمر فيه بعزيمة، فيقول: " من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» .
قوله إيمانا أي تصديقا بأنه حق. وقوله احتسابا أن يفعله لله تعالى لا رياء ولا سمعة.
ووجه ذكره في باب النوافل ظاهر، والمناسبة بينه وبين الفصل الذي قبله من حيث إن وجوب القراءة في جميع ركعات التراويح لأنها نوافل، وفي " المبسوط " أجمعت الأمة على مشروعيتها ولم ينكرها أحد من أهل القبلة إلا الرافضة.
م: (ويستحب أن يجتمع الناس في شهر رمضان بعد العشاء) ش: اختلف العلماء في كونها سنة أو تطوعا مبتدأ، فقال الإمام حميد الدين الضرير - رَحِمَهُ اللَّهُ - نفس التراويح سنة، أما أداؤها بالجماعة فمستحب. وروى الحسن عن أبي حنيفة " - رَحِمَهُ اللَّهُ - " أن التراويح سنة لا يجوز تركها، وقال الشهيد: هو الصحيح. وفي " جوامع الفقه " التراويح سنة مؤكدة، والجماعة فيها واجبة وكذا في المكتوباِت، قال وذكر في " الروضة " أن الجماعة فضيلة، وفي " الذخيرة ": عن أكثر المشايخ أن إقامتها بالجماعة سنة على الكفاية، ومن صلى في البيت فهو تارك فضيلة المسجد، وفي " المبسوط ": لو صلى إنسان في بيته لا يأثم، فعلها ابن عمر وسالم والقاسم وإبراهيم ونافع، فدل هذا على أن الجماعة في المسجد على الكفاية أي لا يظن بابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ومن معه ترك السنة وهذا هو الصواب، ونذكر عن قريب معنى قوله أن يجتمع الناس وقوله بعد العشاء.
م: (فيصلي بهم) ش: أي بالناس م: (إمامهم خمس ترويحات) ش: الترويحات جمع ترويحة وكذلك التراويح وهي في الأصل اسم للجلسة، وسميت بالتراويح لاستراحة الناس بعد أربع ركعات بالجلسة، ثم سميت كل أربع ركعات ترويحة مجازا لما في آخرها من الترويحة، ويقال الترويحة اسم لكل أربع ركعات فإنها في الأصل إيصال الراحة وهي الجلسة، ثم سميت الأربع ركعات التي في آخرها الترويحة كما أطلق اسم الركوع على الوظيفة التي تقرأ في القيام لأنه متصل بالركوع، وسئل العلامة عن الترويحة قبل الوتر بعد التراويح، قال ذلك بطريق المجاز إطلاقا لاسم الأغلب على الكل، وعن أبي سعيد سميت ترويحة لاستراحة القوم بعد كل

(2/550)


في كل ترويحة بتسليمتين ويجلس بين كل ترويحتين مقدار ترويحة ثم يوتر بهم، وذكر لفظ الاستحباب والأصح أنها سنة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أربع ركعات، وفي المغرب روحت بالناس أي صليت بهم التراويح. وفي المجتبى سميت تراويح للترويح فيما بينهما، وقيل لإعقابه راحة الجنة.
م: (في كل ترويحة بتسليمتين) ش: فتصير الجملة عشرين ركعة وهو مذهبنا، وبه قال الشافعي وأحمد، نقله القاضي عن جمهور العلماء، وحكي أن الأسود بن يزيد كان يقوم بأربعين ركعة ويوتر بسبع، وعند مالك " - رَحِمَهُ اللَّهُ - " تسع ترويحات بستة وثلاثين ركعة غير الوتر، واحتج على ذلك بعمل أهل المدينة، واحتج الأصحاب والشافعية والحنابلة بمذهبهم بما رواه البيهقي بإسناد صحيح عن السائب بن يزيد الصحابي قال كانوا يقومون على عهد عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بعشرين ركعة، وعلى عهد عثمان وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مثل. وفي " المغني " عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أمر رجلا أن يصلي بهم في رمضان بعشرين ركعة قال وهذا كالإجماع. فإن قلت: قال في الموطأ عن يزيد بن رومان قال كان الناس في زمان عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقومون في رمضان بثلاث وعشرين ركعة.
قلت قال البيهقي والثلاث من الوتر ويزيد لم يدرك عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيكون منقطعا، والجواب عما قاله مالك أن أهل مكة كانوا يطوفون بين كل ترويحتين ويصلون ركعتي الطواف ولا يطوفون بعد الترويحة الخامسة، فأراد أهل المدينة مساواتهم فجعلوا مكان كل طواف أربع ركعات فزادوا ستة عشر ركعة وما كان عليه أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحق وأولى أن يتبع، قيل من أراد أن يعمل بقول مالك ينبغي له أن يفعل كما قال أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يصلي عشرين ركعة بجماعة كما هو السنة ويصلي الباقي فرادى كأنه ليس من التراويح بل هو نفل مبتدأ والجماعة فيه مكروهة.
م: (ويجلس بين كل ترويحتين مقدار ترويحة) ش: ثم هو مخير، إن شاء سبح، وإن شاء هلل، وإن شاء صلى، وإن شاء سكت، أي فعل ذلك فهو حسن، كذا قاله قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولو صلى أربع ركعات كما هو فعل أهل المدينة أو طاف أسبوعا بينهما كما فعل أهل مكة فأهل كل بلدة بالخيار، ولو استراح الإمام بعد خمس ترويحات قيل لا بأس به، قال السرخسي وليس بشيء لمخالفة أهل الحرمين، وكذا بين الخامسة والوتر، وفي جوامع الفقه يكره للقوم أن يصلوا بين كل ترويحة ركعتين لأنها بدعة مع مخالفة الإمام م: (ثم يوتر بهم) ش: أي ثم يصلي الإمام بالجماعة الوتر، وسيجيء حكم الوتر بالجماعة.
م: (وذكر لفظ الاستحباب) ش: أي ذكر القدوري لفظة الاستحباب حيث قال يستحب أن يجتمع الناس في شهر رمضان بعد العشاء م: (والأصح أنها سنة) ش: أي الأصح في المذهب أن

(2/551)


كذا روى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه واظب عليها الخلفاء الراشدون - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
التراويح سنة، وقد سقنا الكلام فيه عن قريب. قال الأكمل والأصح أنها سنة يعني في حق الرجال والنساء، وفيه نظر لأنه قال يستحب أن يجتمع الناس وهذا يدل على أن اجتماع الناس مستحب، وليس فيه دلالة على أن التراويح مستحبة وإلى هذا ذهب بعضهم، وقال التراويح سنة والاجتماع مستحب. قلت: القدوري لم يتعرض إلا إلى كون اجتماع الناس في شهر رمضان يستحب وسكت عن نفس كون التراويح مستحبة أو سنة، والمصنف لم يرد على القدوري فيما قال، وإنما قال والأصح أن التراويح في نفس الأمر سنة، ولا يلزم من كونها سنة كون الجماعة فيه سنة.

م: (كذا روى الحسن عن أبي حنيفة) ش: أي كما قلنا الأصح أن التراويح سنة روى الحسن عن أبي حنيفة كذا نصا وقد ذكرناه م: (لأنه) ش: أي لأن الشان م: (واظب عليها) ش: أي على التراويح م: (الخلفاء الراشدون - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: الخلفاء الراشدون الذين أطلق النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عليهم باسم الخلافة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، روي عن سفينة مولى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن رسول الله قال: «الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم يكون ملكا» ، وفي رواية: «ثم يؤتي الله ملكه من يشاء» . رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي.
ولا شك أن الذين ولوا الخلافة بعده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هؤلاء الأربعة ومدتهم ثلاثون سنة مثلها أخبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولي هاهنا بحث وهو أن المصنف قال: إنه واظب عليها الخلفاء الراشدون. وقال الأكمل إنما يدل على سنتها قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي» .
قلت: أخذ هذا عن السغناقي فإنه قال هكذا، وكذا قال صاحب " الدراية " ولم يتيقن أحد منهم كلامه فيه حيث لم ينبئوا كما ينبغي، وهذا الحديث أعني قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عليكم بسنتي» . إلخ لا يدل على مواظبة الخلفاء الراشدين على التراويح.
فإن قلت حديث السائب بن يزيد المذكور عن قريب يدل على ذلك قلت: لا نسلم فإنه لا يدل على أنهم كانوا يصلون عشرين ركعة في عهد الخلفاء الثلاثة أعني عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وما يدل على مواظبتهم عليها.
غاية ما في الباب يدل على العدد، ولو احتج المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - على سنية التراويح لما روي عن عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إن الله عز وجل فرض صيام رمضان وسننت قيامه فمن صامه وقامه احتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» ، رواه أحمد والنسائي وابن ماجه لكان أوجه وأقوى.

(2/552)


والنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بين العذر في تركه المواظبة، كان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أقامها في بعض
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بين العذر في تركه المواظبة كان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أقامها في بعض الليالي ثم تركها، وبين العذر في تركه المواظبة وهو خشية أن تكتب علينا) ش: أي ترك المواظبة خشية أن يكون فرضا علينا، وقوله وهو مبتدأ وخشية مرفوع على الخبرية مضاف إلى قوله أن تكتب وأن مصدرية، وقال الأكمل: هذا الكلام على طريقة السؤال والجواب، فقال فإن قيل لو كانت سنة لمواظبة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ولم يواظب، أجاب بأنه بين العذر في ترك المواظبة. قلت هذا الكلام غير سديد لأن كون الشيء سنة لا يستلزم مواظبة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذ لو واظب عليه لكان واجبا، وأما بيان عذره في ترك المواظبة فما رواه البخاري ومسلم عن عروة بن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى في المسجد فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة فلم يخرج إليهم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فلما أصبح قال: " قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني أخشى أن تفرض عليكم " وذلك في رمضان» وفي لفظ لهما «ولكن خشية أن يفرض عليكم صلاة الليل " وذلك في رمضان» وزاد البخاري في كتاب الصوم «فتوفي رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - والأمر على ذلك» والعجب من الأترازي ذكر هذا الحديث وقال وهو ما روى صاحب السنن، والحال أنه ما رواه إلا البخاري ومسلم كما ذكرنا وهما صاحبا الصحاح.
وعن عبد الرحمن بن عبد القاري قال: خرجت مع عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع يتفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل بصلاته الرهط، فقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هذه والتي تنامون عنها لأفضل من التي تقومون يعني آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله، رواه البخاري والقاري بتشديد الياء منسوب إلى القارة بن الديس اسم قبيلة.
م: (والسنة فيها) ش: أي في التراويح م: (الجماعة) ش: أي أن تصلى بالجماعة، قال أبو بكر الرازي: المشهور عن أصحابنا أن إقامتها في المساجد أفضل منها في البيت وعليه الاعتماد لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جمع الناس على إقامتها في جماعة، وذكر الطحاوي في اختلاف العلماء عن العلاء عن أبي يوسف إن أمكنه أداؤها في بيته مع مراعاته سنة القراءة وأشباهها فليصلها في بيته، وهكذا حكاه في " المبسوط " وقال وهو قول مالك والشافعي في القديم وربيعة ومثله في " جوامع الفقه " عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلا أن يكون فقيها عظيما يقتدى به فيكون في حضوره المسجد ترغيب الناس فلا يصلي في بيته، وقال عيسى بن أبان والقاضي بكار بن قتيبة البكراوي قاضي مصر والمزني وابن عبد الحكم وأحمد بن حنبل وأحمد بن أبي عمران شيخ الطحاوي قال الجماعة أحب وأفضل وهو المشهور عند عامة العلماء، وقال صاحب " المبسوط " وهو الأصح والأوفق، وادعى علي بن موسى القمي فيه الإجماع وله كتب يروي فيها عن أصحاب الشافعي

(2/553)


لكن على وجه الكفاية، حتى لو امتنع أهل المسجد عن إقامتها كانوا مسيئين، ولو أقامها البعض فالمتخلف عن الجماعة تارك للفضيلة؛ لأن أفراد الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يروى عنهم التخلف. والمستحب في الجلوس بين الترويحتين مقدار الترويحة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
- رَحِمَهُ اللَّهُ -.

م: (لكن على وجه الكفاية) ش: يعني إذا قام بها البعض بالجماعة سقطت عن الباقين حضور الجماعة، لأن الجماعة فيها سنة على الكفاية م: (حتى لو امتنع أهل المسجد عن إقامتها كانوا مسيئين) ش: هذه نتيجة كون الجماعة في التراويح سنة، على الكفاية م: (ولو أقامها البعض فالمتخلف عن الجماعة تارك للفضيلة) ش: يعني لو أقام بعض أهل المسجد التراويح فالذي يتخلف عنهم لا يكون مسيئا بل يكون تاركا للفضيلة، لأن سنتها بالجماعة على الكفاية والفرض على الكفاية إذا قام به بعض سقط عن الباقي، ففي السنة على الكفاية بالطريق الأولى.
وعلل المصنف ذلك بقوله م: (لأن أفراد الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يروى عنهم التخلف) ش: أي عن الجماعة في صلاة التراويح، منهم عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - رواه الطحاوي عن نافع عن ابن عمر أنه كان لا يصلي خلف الإمام في شهر رمضان، وروي أيضا عن مجاهد قال: قال رجل لابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أصلي خلف الإمام في رمضان؟ قال أتقرأ القرآن؟
قال: نعم قال: صل في بيتك.
وأخرج ابن أبي شيبة أيضا في " مصنفه " عن ابن عمر أنه كان لا يقوم مع الناس في شهر رمضان قال وكان القاسم وسالم لا يقومان مع الناس. وروى البيهقي في " سننه " عن ابن عمر أنه قال له رجل أصلي خلف الإمام في رمضان؟ قال ابن عمر أليس تقرأ القرآن؟ قال: نعم، قال انتصب كأنك حمار، صل في بيتك. وروى الطحاوي عن الأشعث بن سليم قال: أتيت مكة وذاك في رمضان في زمان ابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فكان الإمام يصلي بالناس في المسجد وقوم يصلون على حدة المسجد. وروي أيضا عن إبراهيم قال: لو لم يكن معي إلا سورة واحدة لكنت أرددها أحب إلي من أن أقوم خلف الإمام في رمضان، وروي أيضا عن عروة وسعيد بن جبير ونافع أنهم كانوا ينصرفون من العشاء في رمضان ولا يقومون مع الناس.
م: (والمستحب في الجلوس بين الترويحتين مقدار الترويحة) ش: إنما قال هذا مع قوله فيما مضى عن قريب، ويجلس بين كل ترويحتين مقدار ترويحة لبيان أن هذا الجلوس مستحب لأنه شرح كلام القدوري وقال الأكمل: كان من حقه أن يقول والمستحب في الانتظار بين الترويحتين؛ لأنه استدل بعادة أهل الحرمين على ذلك، وأهل الحرمين لا يلتزمون بذلك، فإن أهل مكة يطوفون بين كل ترويحتين أسبوعا وأهل المدينة يصلون بدل ذلك أربع ركعات. قلت: هذا بقية كلام السغناقي وليس مراد المصنف حقيقة الجلوس، وإنما المراد التخيير بين السكوت

(2/554)


وكذا بين الخامسة والوتر لعادة أهل الحرمين،
واستحب البعض الاستراحة على خمس تسليمات وليس بصحيح. وقوله: ثم يوتر بهم يشير إلى أن وقتها بعد العشاء قبل الوتر، وبه قال عامة المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، والأصح أن وقتها بعد العشاء إلى آخر الليل قبل الوتر وبعده، لأنها نوافل سنت بعد العشاء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والتهليل والتسبيح والصلاة نافلة كما ذكرناه عن قريب.
م: (وكذا بين الخامسة والوتر) ش: أي وكذا المستحب في الجلوس مقدار الترويحة بين الترويحة الخامسة وصلاة الوتر م: (لعادة أهل الحرمين) ش: أهل حرم مكة بالطواف، وأهل حرم المدينة بأربع ركعات تطوعا.

م: (واستحب البعض الاستراحة على خمس تسليمات) ش: وهو نصف التراويح، وقال السرخسي ولو استراح الإمام بعد خمس ترويحات قيل لا بأس به، قال وليس بشيء لمخالفة أهل الحرمين، وكذا بين الخامسة والوتر م: (وليس بصحيح) ش: أي الذي استحسنه البعض ليس بصحيح، وذكر في " فتاوى الأسبيجابي " الاستراحة على خمس ترويحات يكره.
م: (وقوله) ش: أي وقول القدوري م: (ثم يوتر بهم يشير إلى أن وقتها بعد العشاء قبل الوتر) ش: أي يشير إلى أن وقت التراويح بعد صلاة العشاء قبل صلاة الوتر م: (وبه) ش: أي ويكون وقتها بعد العشاء قبل الوتر م: (قال عامة المشايخ) ش: أراد بهم عامة مشايخ بخارى، وفي " الخلاصة " قال إسماعيل الزاهد وجماعة من أئمة بخارى: إن الليل كلها وقت قبل العشاء وبعدها، ثم قال: وقال عامة مشايخ بخارى: وقتها ما بين العشاء والوتر ثم قال وهو الصحيح م: (والأصح أن وقتها بعد العشاء إلى آخر الليل قبل الوتر وبعده لأنها نوافل سنت بعد العشاء) ش: أي لأن التراويح سنت بعد صلاة العشاء إلى آخر الليل، فأشبهت التطوع المسنون بعد العشاء في غير شهر رمضان. وقال الأترازي: والأصح عندي ما قاله عامة مشايخ بخارى، لأن الحديث ورد كذلك، وكان أبي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يصلي بهم التراويح كذلك.
قلت: استدل على ما اختاره يبين ولم يبين أحد منهما فقوله لأن الحديث ورد كذلك إن أراد به حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى في المسجد فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة فكثر الناس» - الحديث الذي ذكرناه عن قريب، وهو أيضا ذكره عند قول المصنف والنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بين العذر في ترك المواظبة فهو لا يدل على ما ادعاه من الصحة، وإن أراد به الحديث الذي فيه جمع عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الناس على أبي بن كعب.. إلخ، وقد ذكرناه، وهو أيضا قد ذكره فهو أيضا لا يدل على ما ذكره النخغي.
وقوله: وكان أبي يصلي بهم التراويح كذلك أي كما ذكره عامة مشايخ بخارى فهو أيضا لا يدل على ما ادعاه من الأصحية، بل الأصح ما قاله المصنف لأنه صلاة الليل، فيجوز إلى

(2/555)


ولم يذكر قدر القراءة
فيها. وأكثر المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - على أن السنة فيها الختم مرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
طلوع الفجر سواء كانت قبل الوتر أو بعده، وفي " المبسوط " المستحب فعلها إلى نصف الليل أو ثلثه كما في العشاء. وفي المحيط لا يجوز قبل العشاء ويجوز بعد الوتر ولم يحك فيه خلافا.
م: (ولم يذكر قدر القراءة) ش: لم يذكر على صيغة المعلوم، أي لم يذكر محمد بن الحسن قدر القراءة في التراويح، ويجوز أن يقال ولم يذكر القدوري وهو الأقرب.. قال الأكمل: وقوله ولم يذكر قدر القراءة ظاهر. قلت الظهور من أين؟ فإذا احتمل أن يكون الفاعل في الفعل أحد النهي كيف يقال إنه ظاهر.

م: (وأكثر المشايخ على أن السنة فيها الختم مرة) ش: اختلف المشايخ في قدر القراءة في التراويح، فقيل يقرأ مقدار ما يقرأ في المغرب تخفيفا للتخفيف. قال شمس الأئمة هذا غير مستحسن، وقال الشهيد هذا غير سديد لما فيه من ترك الختم وهو سنة فيها. وقيل يقرأ من عشرين آية إلى ثلاثين على ما رواه البيهقي بإسناده عن أبي عثمان النهدي قال: وعن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثلاث من القراء استقرأهم فأمر أسرعهم قراءة أن يقرأ للناس بثلاثين آية في كل ركعة، وأوسطهم بخمس وعشرين آية، وأبطأهم بعشرين آية.
وعن عروة بن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جمع الناس على قيام شهر رمضان الرجال على أبي بن كعب والنساء على سليمان بن أبي حثمة، وفي " الذخيرة ": إذا ختم على العشرين مثلا فله أن يقرأ في بقية الشهر ما شاء الله. قال القاضي أبو علي النسفي: إذا ختم وصلى العشاء في بقية الشهر من غير تراويح جاز من غير كراهة، لأنها شرعت لأجل ختم القرآن مرة، وهذا إن من لم يكن قاربه من النساء يصلي ستا وثمانيا وعشرا، وفي " التجنيس " ثم بعضهم اعتادوا قراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] في كل ركعة، وبعضهم اختاروا قراءة سورة الفيل إلى آخر القرآن وهذا أحسن، لأنه لا يشتبه عليه عدد الركعات ولا يشغل قلبه بحفظها فيستفرغ للتدبر والتفكر.
وفي " المجتبى ": أما القراءة فقيل ثلاثين آية في كل ركعة وقيل عشرين وقيل عشر آيات للختم مرة وقيل كما في المغرب، وقيل ثلاث آيات قصار أو آية طويلة، أو آيتان متوسطتان وعن أبي ذر آيتان، وفي " الدراية ": والمتأخرون في زماننا يفتون بثلاث آيات قصار وآية طويلة حتى لا يمل القوم ولا يلزم تعطيلها وهذا أحسن، قال الحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إن قرأ في المكتوبة بعد الفاتحة ثلاث آيات فقد أحسن ولم يسئ هذا في المكتوبة فما ظنك في غيرها. وفي " المحيط ": الأفضل في زماننا أن يقرأ مقدار ما لا يؤدي إلى تنفير القوم لكسلهم.
قلت: المصنف قال بخلاف هذا على ما يجيء، وروى الحسن عن أبي حنيفة أن الإمام يقرأ في كل ركعة عشر آيات يحصل الختم فيها أو نحوها، لأن السنة في التراويح يختم مرة، وعدد

(2/556)


فلا يترك لكسل القوم بخلاف ما بعد التشهد من الدعوات، حيث يتركها؛ لأنها ليست بسنة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ركعات التراويح في جميع الشهر ستمائة، وعدد آي القرآن ستة آلاف وشيء، فإذا قرأ في كل ركعة عشر آيات يحصل الختم فيها، وإليه أشار المصنف بقوله وأكثر المشايخ.. إلخ وقال السرخسي: هذا هو الأحسن.
فإن قلت: ما المراد في قول المصنف على أن السنة في الختم؟
قلت: قال في " الدراية ": أي سنة الخلفاء الراشدين. قلت: أثر عن الخلفاء الراشدين وأولهم أبو بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وكانت التراويح تركت في أيام أبي بكر وفي أيام عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، والدليل عليه ما ذكرناه من حديث عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب إلى آخره في رمضان.. الحديث، فهذا يدل على أنها تركت في رمضان بدليل أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جمع الناس على أبي بن كعب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فدل على أن المراد من قول المصنف أن السنة هي سنة عمر بن الخطاب ومن بعده من الخلفاء الراشدين وهذا ورد أيضا على من قال من أصحابنا أن التراويح سنة العمرين وأرادوا به أبا بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وليس كذلك.

م: (فلا يترك لكسل القوم) ش: أي لا يترك الختم مرة لأجل كسل القوم، وفي " النهاية " و " العصير " في الختم مرتين، وأهل الاجتهاد كانوا يختمون في كل عشر ليال، وعن أبي حسين أنه كان يختم في شهر رمضان إحدى وستين ثلاثين في الليالي وثلاثين في الأيام وواحدة في التراويح كذا في فتاوى قاضي خان.
م: (بخلاف ما بعد التشهد من الدعوات حيث يتركها لأنها ليست بسنة) ش: قال السغناقي: يعني إذا علم أن قراءة الدعوات تثقل على القوم، ولكن ينبغي أن يأتي بالصلاة، لأنها فرض عند الشافعي فيحتاط في الإتيان بها كذا في " الخلاصة ". قلت: فيما قاله المصنف نظر، لأنه يقول لا يترك الختم مرة لأجل كسل القوم، ثم يقول بخلاف الدعوات بعد التشهد يعني يترك لأجل كسل القوم فكيف لا يترك ما هو مستحب أو سنة صحابي لأجل الكسل ويترك ما هو سنة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فإنه روي الدعوات المأثورة عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بعد التشهد، وكيف يقول إنها ليست بسنة، وقد روى أحمد في " مسنده " من حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علمه التشهد، وفي آخره: وإن كان في آخرها أي في آخر صلاة دعا بعد تشهده بما شاء الله أن يدعو ثم يسلم» .
وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إذا فرغ أحدكم من

(2/557)


ولا يصلي الوتر بجماعة في غير شهر رمضان بإجماع المسلمين، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربع، من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال» ، انتهى فهذه السنة الثابتة عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذا تركت لأجل كسل القوم لا يترك ما هو غير سنة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.

[صلاة الوتر جماعة في غير رمضان]
م: (ولا يصلي الوتر بجماعة في غير شهر رمضان) ش: لأنه نفل من وجه وجبت القراءة في ركعاته كلها، وتؤدى بغير أذان وإقامة، وصلاة النفل بالجماعة مكروهة ما خلا قيام رمضان وصلاة الكسوف لأنه لم يفعلها الصحابة، ولو فعلوا لاشتهرت، كذا ذكره الولوالجي.
وفي " الخلاصة ": قال القدوري: إنه لا يكره، وقال النسفي: اختار علماؤنا الوتر في المنزل في رمضان، لأن الصحابة لم يجتمعوا على الوتر بجماعة في رمضان كما اجتمعوا في التراويح فيها، فعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يؤمهم في الوتر في رمضان، وأبي لا يؤمهم فيها في رمضان كذا في " المحيط " م: (بإجماع المسلمين) ش: أي على ترك الوتر بجماعة في غير رمضان بإجماع المسلمين قال تاج الشريعة لأن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لم يجتمعوا على الوتر بغير جماعة كما اجتمعوا على التراويح، وقال الأترازي: ولهذا لم يصل الوتر أحد بجماعة في سائر الأمصار من لدن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، قلت: ذكر في الحواشي أنه يجوز عند بعض المشايخ.
فروع: كيفية النية في التراويح، أن ينوي التراويح أو السنة أو سنة الوقت أو قيام الليل. وقال الشهيد: أو قيام الليل في الشهر، ويقال: أو ينوي قيام رمضان. وفي " المبسوط " نية مطلق الصلاة لا تجزئ عنها، وفي " فتاوى الشهيد " لو نوى صلاة مطلقة أو تطوعا فحسن، اختلف المشايخ فيه ذكر بعض المتقدمين أنه لا يجوز، وذكر أكثر المتأخرين أن التراويح وسائر السنن تتأدى بمطلق النية لأنها نافلة، ولكن الاحتياط أن ينوي التراويح أو سنة الوقت أو قيام الليل في شهر رمضان وفي سائر السنن ينوي السنة أو الصلاة متابعا لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ولو صلاها قاعدا من غير عذر قيل لا ينوب عن التراويح كركعتي الفجر، قال السرخسي وعليه الاعتماد، والصحيح الجواز، واتفقوا أنه لا يستحب لمخالفة السلف، وقال الحسام الشهيد: الكلام فيه في موضعين في الجواز والاستحباب منهم من قال يجوز عندهما ولا يجوز عند محمد اعتبارا بالفرض، وقيل يجوز عندهم جميعا وهذا هو الصحيح، وأما الكلام في الاستحباب فعندهما مستحب أن يقوم القوم إلا لعذر، إذ القيام أفضل. وعند محمد المستحب أن يقوموا أيضا، وذكر أبو سليمان عن محمد لو أن رجلا أم قوما جالسا في رمضان قال يقومون عند أبي حنيفة وأبي يوسف قيل: إنما خص قولهما لأنه لا يجوز عنده وقيل: إنما خص لأنه لا يستحب عنده وهو الصحيح.
وإن صلاها قاعدا بغير عذر فالكلام في موضعين أيضا للجواز والاستحباب. أما الجواز

(2/558)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فقد قيل لا يجوز، وقيل يجوز وهو الصحيح. وأما الاستحباب فالصحيح أنه لا يستحب، وفي " جوامع الفقه " صلى الإمام قاعدا بغير عذر يستحب للقوم القيام عندهما والقعود عنده، وإن زاد على ركعتين بتسليمة واحدة إن قعد على رأس الركعتين الأصح الجواز عن التسليمتين، وفي " الذخيرة " وقال بعض المتقدمين لا يجزئه إلا عن تسليمة واحدة، وإن صلى ستا أو ثمانيا أو عشرا وقعد على كل شفع قال المتقدمون يقع على العدد المستحب وهو الأربع عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله وعلى قول أبي حنيفة يقع على العدد الجائز وهو ست وثمان على ما عرف عنده والعشر عن التسليمات الخمس في رواية شاذة عنه، وفي رواية الجامع أربع ركعات بتسليمة واحدة، وفي " الذخيرة " لا يجزئه إلا عن ركعتين في قول بعض المتقدمين. وقال بعضهم حتى صلى عددا بتسليمة واحدة وهو مستحب في صلاة الليل فكلا الركعتين يجزئ عن تسليمة، فإن كان بعضها غير مستحب إنما يجزئ عن المستحب، وما كان في استحبابه اختلاف فكان في هذا أيضا اختلاف.
ولو لم يقعد على رأس الشفع الأول القياس أنه لا يجوز وبه أخذ محمد وزفر ورواية عن أبي حنيفة، وفي " الاستحسان ": يجوز وهو ظاهر الرواية عن أبي حنيفة وهو قول أبي يوسف، وإذا جاز هل يجوز عن تسليمة واحدة أم تسليمتين الأصح جوازه عن تسليمة واحدة، وهو اختيار أبي بكر محمد بن الفضل والفقيه أبي جعفر وأبي علي النسفي والصدر الشهيد، وقيل: عند أبي حنيفة عن تسليمتين، وعند أبي يوسف عن تسليمة واحدة ذكره في " الذخيرة ". وقال النووي: لو صلى أربعا لم يصح، قال ذكره حسين في " فتاويه ".
ولو صلى ثلاثا بقعدة واحدة لم يجز عند محمد وزفر، واختلفوا على قولهما قيل لا يجزئه لأنه لا أصل لها في النوافل، وقيل يجزئه عن تسليمة واحدة كالمغرب، ثم على قول من يقول لا يجزئه عن تسليمة واحدة لا شك أنه يلزمه قضاء الشفع الأول، وهل يلزمه قضاء الشفع الثاني، عند أبي حنيفة لا يلزمه سواء شرع في الشفع الثاني عامدا أو ساهيا، وعند أبي يوسف ينظر إن شرع عامدا يجب، وإن شرع ساهيا لا يجب بالاتفاق بين أبي حنيفة وأبي يوسف لأن الشفع الأول لو صح شروعه في الشفع الثاني صح إكماله، حتى لو صلى التراويح عن تسليمات في كل تسليمة ثلاث ركعات بقعدة واحدة جاز وتسقط عنه التراويح، وعند محمد وزفر لا تسقط.
ولو صلى الكل بتسليمة واحدة وقعدة عند كل ركعتين الأصح أنه يجزئه عن الترويحات أجمع. قال السغناقي: وهو المختار، وإن لم يقعد اختلفت فيه الأقوال على قول أبي حنيفة وأبي يوسف والأصح أنه يجزئه عن تسليمة واحدة. وفي " الذخيرة " إذا صلاها ثلاثا ولم يقعد في الثانية فصلاته باطلة في القياس وهو قول محمد وزفر ورواية عن أبي حنيفة وأبي يوسف وعليه

(2/559)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قضاء ركعتين. وفي " الاستحسان ": هو قولهما اختلف المشايخ، فقد قيل: يجوز عن تسليمة وقيل: لا يجوز أصلا وكذا الخلاف في غير التراويح إذا انتفل بثلاث ولم يقعد في الثانية إذا شرع في شفع من التراويح ثم أفسده ثم قضاه فلا شيء عليه.
وإذا وقع الشك في أن الإمام هل صلى عشرا أو صلى تسعا فالصحيح من المذهب أن يصلوا ركعتين فرادى فرادى فتصير عشرا بيقين ولا يؤديها جماعة بفصل بعض التسليمتين عن البعض جاز من غير كراهة والأفضل التسوية.
وأما تطويل الثانية على الأولى في الركعتين إن كان بآية طويلة أو آيتين لا يكره، وإذا زاد كره، ولو قرأ في الثانية سورة آياتها أكثر مما قرأ في الأولى ويزيد على ثلاث آيات إن كان آياتها قصارا وآيات مما قرأ في الأولى طوالا ويحصل القرب بينهما في الكلمات والحروف فلا بأس به.
ولو اقتدى بمن يصلي مكتوبة أو وترا أو نافلة غير التراويح قال في " المحيط " قيل يجوز والأصح أنه لا يجوز، كذا في " الذخيرة "، وعلى هذا إذا بناها على السنة بعد العشاء فالصحيح أنها لا تصح إذا فاتته ترويحة أو ترويحتان، وقام الإمام إلى الوتر هل يأتي بالترويحات الفائتة أو يتابع إمامه في الوتر، ذكر في " الواقعات " الناطفي عن أبي عبد الله الزعفراني أنه يوتر معه ثم يقضي ما فاته من الترويحات، وذكر في " مختصر البحر " عن الكرابيسي إذا لم يصل الفرض معه لا يتبعه في التراويح ولا في الوتر، وكذا إذا لم يتبعه في التراويح لا يتبعه في الوتر مع الإمام، ولو ترك الجماعة في الفرض؛ فليس له أن يصلي التراويح في جماعة لأنها تبع للجماعة، ولو لم يصل التراويح مع الجماعة فله أن يصلي الوتر معه إذا صلى الترويحة الواحدة إمامان كل واحد بتسليمة قيل لا بأس به، والصحيح أنه لا يستحب ذلك، ولكن كل ترويحة يؤديها إمام واحد ولا بأس بالتراويح في مسجدين لكن يوتر في الثاني، واختلفوا في الإمام والصحيح أنه لا يكره.
وفي " المحيط " و " الواقعات ": إذا صلى الإمام في مسجدين في كل واحد منهما على الكمال لا يجوز لأن السنن لا تتكرر في وقت واحد، فإن صلوها مرة ثانية يصلونها فرادى. وفي " الفتاوى ": إذا لم يختم إمام مسجده هل يذهب إلى مسجد آخر يختم فيه قيل لا، والصلاة في مسجد نفسه أولى، ولو قال الإمام بعد السلام صليت ركعتين، وقال القوم ثلاثا، قال أبو يوسف: يعمل بقوله، وقال محمد: يعمل بقولهم، ولو شك وأخبره عدلان يأخذ بقولهما، ولو شكوا أنه صلى عشر تسليمات أو تسعا قيل: يوترون وقيل: يصلون بجماعة تسليمة، والأصح أداؤها فرادى، ولو افتتحها أو الوتر فتابعه ثم ظهر أنه صلى التراويح قال النسفي: إنه أجزأه.

(2/560)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ويجوز اقتداء من يصلي التسليمة الأولى بغيرها. وقال النسفي: أيضا إذا كان إمامه لحانا أو غيره أحق قراءة وأحسن صوتا فلا بأس أن يترك مسجده، إمام صلى العشاء بغير وضوء ولم يعلم ثم صلى بهم إمام آخر التراويح ثم علموا فعليهم إعادة العشاء والتراويح؛ لأن وقتها بعد العشاء وهو المختار.

(2/561)