البناية شرح الهداية

باب إدراك الفريضة ومن صلى ركعة من الظهر ثم أقيمت يصلي أخرى صيانة للمؤدى عن البطلان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب إدراك الفريضة] [حكم من أقيمت عليه الصلاة وهو في صلاة نفل]
م: (باب إدراك الفريضة) ش: أي هذا باب في بيان حكم إدراك الفريضة، وجه المناسبة بين البابين من حيث إن الباب الأول في النوافل التي هي إكمال الفرائض، وهذا الباب أيضا في إدراك الفرائض الذي هو الأداء الكامل، وهو الأداء بالجماعة، ومسائل هذا الباب من " الجامع الصغير " ,
م: (ومن صلى ركعة من الظهر) ش: أراد أنه شرع في صلاة الظهر ركعة منه م: (ثم أقيمت) ش: أي ثم أقيمت الصلاة، وأراد بالإقامة شروع الإمام فيهالا إقامة المؤذن، فإن لو أخذ المؤذن في الإقامة والرجل قيد الركعة الأولى بالسجدة فإنه يتم ركعتين بلا خلاف بين أصحابنا، كذا قاله الحلواني، وفي رواية تقام الصلاة مقام أقيمت ولهذا قال في رواية أقام المؤذن حتى لو صلى في البيت ركعة ثم أقيمت لا يقطع وإن كان فيه أجر وثواب الجماعة؛ لأنه لا يوجد مخالفة الجماعة عيانا فلا يقطع، ومذهب الشافعي فيما إذا صلى ركعة من الظهر ثم أقيمت ما ذكره في تتمتهم، قال الشافعي: أحب إلي أن يكمل ركعتين ويسلم ويكونان نافلتين.
وقال النووي: إذا دخل في فرض الوقت منفردا ثم أقيمت الجماعة استحب له أن يتمها ركعتين ويسلم ويكونان نافلة، ثم يدخل مع الجماعة فعنده في الفرض قولان أحدهما في الجديد هي الأولى، والثاني: الفرض أحدهما لا يعينه يحتسب الله تعالى بأيتهما شاء. وقال أبو إسحاق: وليس بشيء. لأنه لا أصل له في الشرح، وهو قوله القديم.
وقال النووي في أحد الوجهين كلاهما فرض ثم في النفل لا يقطعه لأن القطع فيه ليس للإكمال وبه قال مالك. وقال الشافعي: إن دخل الإمام قطعه، وقال إسماعيل المتكلم وسيف الدين البابلي: لو ظن أن في الوقت سعة فشرع في النفل. ثم علم أنه إن أتمه خرج وقت الفرض لا يقطعه كما لو شرع في النفل ثم خرج الخطيب للخطبة، وعن أحمد المنفرد إذا نوى اتباع الجماعة بعدما صلى ركعتين جاز في رواية عنه، فإذا صلى ركعتين سلم، والأولى أن يقطع ويدخل مع الإمام والذي صلى وحده نافلة.
م: (ويصلي ركعة أخرى صيانة للمؤدى عن البطلان) ش: أي لأجل الصيانة أي الحفظ للمؤدى بفتح الدال وهو الركعة التي صلاها، وذلك أن البتيراء منهي عنها.
فإن قلت: كيف يجوز إبطال صفة الفرضية لإقامة السنة.
قلت: ليس هذا النقض لإقامة السنة بل لإقامة الفرض على وجه أكمل، لأن النقض للإكمال وهذا كهدم المسجد، فإنه حرام، فإذا كان لإحكام بنائه أو للتوسعة فإنه يجوز،

(2/562)


ثم يدخل مع القوم إحرازا لفضيلة الجماعة، وإن لم يقيد الأولى بالسجدة يقطع ويشرع مع الإمام هو الصحيح، لأنه بمحل الرفض والقطع للإكمال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والحاصل أن نقض الصلاة بغير عذر حرام لأنه إبطال العمل لا سيما صلاة الفرض إلا أن النقض إذا كان للإكمال يجوز لأنه وإن كان نقضا صورة إكمال معنى فإن صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة بالحديث الصحيح.
فإن قلت: كيف يستقيم هذا على أصل محمد فإن عنده إذا بطلت صفة الفرضية بطل أصل الصلاة فلم يكون مؤدى مصونا عن البطلان عند الفرضية.
قلت: هذا ليس مذهبه في جميع المواضع إنما هو مذهبه فيما إذا لم يتمكن من إخراج نفسه عن العهدة بالمضي إليها كما إذا قيد الخامسة بالسجدة وهو لم يقعد في الرابعة وهاهنا يتمكن من ذلك بالمضي فيها، والفرق بينهما أن إبطال صفة الفرضية لإحراز فضل الجماعة بإطلاق من الشرع وإبطال صفة الفرضية هناك ليس بإطلاق من جهة فجاز أن يتنفل نفلا هاهنا وصار كالمكلف بالصوم إذا آيس في خلال الصوم.
م: (ثم يدخل مع القوم إحرازا لفضيلة الجماعة) ش: كما لو شرع في الظهر ثم أقيمت الجماعة ألا ترى أنه يجوز قطعها لحطام الدنيا، فإن المرأة إذا كانت يفور قدرها جاز لها القطع، وكذا المسافر إذا بدت دابته أو خاف فوت شيء من ماله يقطع لأجل الدرهم، فإذا جاز لحطام الدنيا فلأن يجوز لإحراز فضيلة الجماعة أولى.
م: (وإن لم يقيد الأولى) ش: أي الركعة الأولى من الظهر الذي شرع فيه وحده م: (بالسجدة يقطع صلاته) ش: وهي الركعة الأولى التي ما قيدت بسجدة م: (ويشرع مع الإمام) ش: يعني يدخل في صلاة الإمام، وهذا اختلفوا فيه هل يجوز القطع أم لا؟ فعند بعض المشايخ لا يقطع إذا كان قائما في الركعة الأولى، وإن لم يقيدها بالسجدة قال فخر الإسلام في " شرح الجامع الصغير ": كانت تختلف فتوى الشيخ الإمام محمد بن إبراهيم الميداني في هذا والأشبه أنه يقطع وإليه أشار المصنف بقوله: م: (هو الصحيح) ش: أي القطع والشروع مع الإمام هو الصحيح، واحترز به عن قول الميداني المذكور وإبراهيم بن المنذر وبعض المشايخ قالوا: يصلي ركعتين ثم يقطع وإليه مال شمس الأئمة لأنه يمكنه الجمع بين الفضيلتين.
وعلل المصنف ما ذهب إليه بقوله: م: (لأنه) ش: أي لأن ما دون الركعة م: (محل الفرض) ش: يعني له ولاية الرفض ما لم يقيده بالسجدة لأنه ليس له حكم فعل الصلاة، ولهذا لو حلف لا يصلي لا يحنث بهذا القدر م: (والقطع للإكمال) ش: والقطع لإكمال الفرض والقطع للإكمال، هذا جواب عما يقال: إنما نوى به قربة سلمت إلى مستحقها فلا يجوز إبطالها، ألا ترى أنه لو شرع في التطوع ثم أقيمت الظهر لم يقطع التطوع مع أن الفرض أولى، وتقرير

(2/563)


بخلاف ما إذا كان في النفل
لأنه ليس للإكمال، ولو كان في السنة قبل الظهر والجمعة فأقام أو خطب يقطع على رأس الركعتين، يروى ذلك عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقد قيل: يتمها وإن كان قد صلى ثلاثا من الظهر يتمها لأن للأكثر حكم الكل فلا يحتمل النقض بخلاف ما إذا كان في الثالثة بعد ولم يقيدها بالسجدة حيث يقطعها؛ لأنه بمحل الرفض ويتخير إن شاء عاد فقعد وسلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الجواب أن القطع المذكور لإكمال الفرض والقطع للإكمال يجوز كهدم المسجد للبناء على الوجه الأكمل، فإنه يجوز م: (بخلاف ما إذا كان في النفل) ش: أي لأن القطع في النفل ليس للإكمال فلا يقطع.

م: (ولو كان) ش: أي المصلي م: (في السنة قبل الظهر) ش: أي ولو كان شرع في السنة التي قبل صلاة الظهر م: (أو الجمعة) ش: أي أو كان في السنة التي قبل صلاة الجمعة م: (فأقيم) ش: أي صلاة الفرض م: (أو خطب) ش: أي أو خطب الإمام للجمعة وهو لف ونشر مستقيم م: (يقطع) أي ما شرع فيه م: (على رأس الركعتين) ش: إحرازا لفضيلة الجمعة م: (يروى ذلك عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي القطع على رأس الركعتين، روي عن أبي يوسف " - رَحِمَهُ اللَّهُ - " فإذا قطع قضى ركعتين عند أبي حنيفة ومحمد وعلى قياس ما روي عن أبي يوسف أنه يقضي أربعا في كل تطوع فيقضي هاهنا أربعا م: (وقد قيل: يتمها) ش: أي سنة الظهر الذي كان شرع فيه، وقال فخر الإسلام: وكان الشيخ الإمام محمد بن الفضل البخاري يفتي بأنه يقضي أربعا لأنها بمنزلة صلاة واحدة واجبة.
م: (وإن كان قد صلى ثلاثا) ش: أي وإن كان المصلي قد صلى ثلاث ركعات م: (من الظهر يتمها) ش: أي الظهر م: (لأن للأكثر حكم الكل) ش: حيث يثبت به جهة الفراغ ولم يثبت حقيقته فلم يحتمل النقض، فكذا إذا ثبت شبهه م: (فلا يحتمل النقض) ش: نتيجة قوله لأن للأكثر حكم الكل م: (بخلاف ما إذا كان في الثالثة أبعد) ش: بخلاف ما إذا كان هذا المصلي في الركعة الثالثة بعد أن شرع فيه م: (ولم يقيدها بالسجدة) ش: أي والحال أنه لم يقيد الركعة الثالثة بالمسجد م: (حيث يقطعها لأنه محل الرفض) ش: وقد مر أن له ولاية الرفض ما لم يقيد بالسجدة. وفي " الفتاوى الكبرى " عن محمد أنه يأتي بالركعة الرابعة قاعدا لتقلب نفلا، لأن الفرض لا يتأدى قاعدا مع القدرة على القيام ثم يأتي بالجماعة ليجمع بين الثوابين ثواب النفل وثواب الجماعة.
م: (ويتخير) ش: يعني إذا أراد القطع فهو بالخيار م: (إن شاء عاد) ش: إلى التشهد م: (وقعد وسلم) ش: لأنه أراد الخروج من صلاته خروجا معتدا به والخروج عن هذا لم يشرع إلا بالقعدة فتكون صلاته على الوجه المشروع، ثم إذا عاد إلى القعدة قال يتشهد ويسلم. قال بعضهم:

(2/564)


وإن شاء كبر قائما ينوي الدخول في صلاة الإمام، وإذا أتمها يدخل مع القوم، والذي يصلي معهم نافلة؛ لأن الفرض لا يتكرر في وقت واحد،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يتشهد ويسلم ثانيا لأن القعدة الأولى لم تكن قعدة ختم، وقال بعضهم يكفيه ذلك التشهد لأن العود إلى القعدة ينقض القيام، وجعله كأن لم يكن أصلا فكانت هذه القعدة الأولى ثم يسلم تسليمتين عند البعض لأنه المعهود في التحلل، وعند البعض تسليمة واحدة، لأن التسليمة الثانية للتحلل وهذا قطع من وجه ولا يسلم قائما لأنه لم يشرع في القيام.

م: (وإن شاء كبر قائما ينوي الدخول في صلاة الإمام) ش: وفي المحيط يقطعها قائما بتسليمة واحدة وهو الأصح لأنه قطع وليس بتحلل، وإن شاء رفع وإن شاء لم يرفع كذا قاله الإمام حميد الدين الضرير في " شرحه ". وعن شمس الأئمة الحلواني أنه لو لم يعد إلى التشهد تفسد صلاته ونقله عن النوادر.
م: (وإذا أتمها) ش: عطف على قوله يتمها، أي وإذا أتم صلاة الظهر التي كان شرع فيها م: (يدخل مع القوم) ش: يعني لا ينقض صلاته، ولكن ليس بلازم لأن الذي يصلي معهم نافلة ولا إلزام فيها، ولكن الأفضل الدخول؛ لأنه في وقت مشروع ويندفع عنه تهمة بأنه ممن لا يرى الجماعة م: (والذي يصلي معهم نافلة) ش: أي والذي يشرع فيه ليصلي مع القوم نافلة لأنه لا إلزام فيها، قال الأترازي: إنما أنث الضمير بتأويل النفل. قلت: الخبر على حاله، وإنما ذكر المبتدأ لأن المعنى والصلاة التي يصليها مع القوم نافلة، وإنما ذكره باعتبار فعل الصلاة.
فإن قلت: يلزم أداء النفل بجماعة خارج رمضان وهو مكروه.
قلت: إنما تكون الكراهة إذا كان الإمام والقوم متنفلين، وأما إذا كان الإمام مفترضا فلا كراهة بما روي في حديث يزيد بن الأسود، وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للرجلين «إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكم نافلة» ، ورواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وفي حديث أبي ذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال في الأئمة الذين يؤخرون الصلاة: «صلوا الصلاة لوقتها واجعلوا صلاتكم معهم نافلة» رواه مسلم من طرق.
م: (لأن الفرض لا يتكرر في وقت واحد) ش: لأن الله تعالى لم يوجب على أحد ظهرين أو عصرين في يوم واحد. وقال النووي في أحد الوجهين كلاهما فرض، واعتبروها بصلاة الجنازة على مذهبهم إذا صلى عليها طائفة ثم صلت طائفة أخرى بعدهم وكانوا مقيمين بالفرض، وبه قال الشعبي والأوزاعي. قلنا: هذا تمجه العقول وهو مدفوع [....] وعلى هذا يلزم أن تفرض الصلاة كل يوم عشر مرات.

(2/565)


فإن صلى من الفجر ركعة ثم أقيمت يقطع ويدخل معهم؛ لأنه لو أضاف إليها أخرى تفوته الجماعة كذا إذا قام إلى الثانية قبل أن يقيدها بالسجدة وبعد الإتمام لا يشرع في صلاة الإمام؛ لكراهية التنفل بعد الفجر، وكذا العصر لما قلنا، وكذا بعد المغرب في ظاهر الرواية. لأن التنفل بالثلاث مكروه، وفي جعلها أربعا مخالفة لإمامه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فإن صلى من الفجر ركعة) ش: يعني فإن شرع في صلاة الفجر وحده ثم صلى منه ركعة م: (ثم أقيمت) ش: أي ثم أقيمت صلاة الفجر م: (يقطع) صلاة نفسه م: (أو يدخل معهم) ش: أي مع القوم م: (لأنه لو أضاف إليها) ش: أي إلى الركعة الأولى م: (ركعة أخرى تفوته الجماعة) ش: لإتيانه بالأكثر م: (وكذا إذا قام إلى الثانية) ش: أي وكذا تقطع صلاته إذا قام إلى الركعة الثانية من صلاة الفجر ولكن ذلك م: (قبل أن يقيدها) ش: أي قبل أن يقيد الركعة الثانية م: (بالسجدة) ش: لأنه ما لم يقيدها بالسجدة فهو محل الرفض، بخلاف ما إذا قيدها بها كما ذكرنا.
م: (وبعد الإتمام لا يشرع مع الإمام) ش: أي بعد إتمام صلاة الفجر التي شرع فيها وحده لا يشرع مع الإمام م: (لكراهة التنفل بعد الفجر) ش: أي بعد أداء صلاة الفجر م: (وكذا بعد العصر) ش: أي وكذا لا يشرع مع الإمام بعد أن صلى صلاة العصر وحده م: (لما قلنا) ش: من كراهة النفل بعد صلاة العصر، وعند الشافعي ومالك يعيدها لعدم الكراهة في النفل بعدها عندهما، وعند أحمد يعيدها مع إمام الحي م: (وكذا بعد المغرب) ش: أي وكذا لا يشرع مع الإمام إذا أتم صلاة المغرب وحده م: (في ظاهر الرواية) ش: وبه قال مالك وقيد به لأنه روي عن أبي يوسف الأحسن أن يدخل مع الإمام ويصلي أربع ركعات ثلاث مع الإمام وأتم الرابعة بعد فراغ الإمام، وبه قال الشافعي وأحمد، لأن بالقيام إلى الثالثة صار ملتزما للركعتين إذ الركعة الواحدة لا تكون صلاة للنهي عن المبتدأ، وعن أبي يوسف في رواية يدخل معه ويسلم على رأس الثالثة مع الإمام وبه قال السرخسي.
م: (لأن التنفل بالثلاث مكروه) ش: أي بثلاث ركعات لأن فيه مخالفة السنة لورود النهي عن البتيراء، وقال قاضي خان التنفل بالثلاث حرام. قلت الوتر ثلاث وهو نفل عندهما، وذلك مشروع فكيف يكون مثله حراما م: (وفي جعله أربعا مخالفة لإمامه) ش: أي وفي جعل المصلي أربع ركعات مخالفة إمامه لأنه يصلي ثلاثا، ومع هذا إذا شرع قال فخر الإسلام أتمها أربعا، لأن هذا الوجه أحوط لما فيه من زيادة الركعة، وفي الوتر لو سلم مع الإمام على الثلاث فسدت صلاته وعليه قضاء أربع ركعات لأنه التزم بالاقتداء ثلاث ركعات تطوعا فلزمه أربع كالنذر بها. وفي قاضي خان وقيل إنما يكره التنفل بعد المغرب بثلاث ركعات إذا كان عن اختيار، فأما عن اضطرار فلا.
فإن قلت: المخالفة للإمام إنما تكون قبل فراغه وهذه مخالفة بعد فراغه من صلاته، وهذا

(2/566)


الليالي ثم تركها، وبين العذر في تركه المواظبة وهو خشية أن تكتب علينا والسنة فيها الجماعة ومن دخل مسجدا قد أذن فيه يكره له أن يخرج حتى يصلي؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يخرج من المسجد بعد النداء إلا منافق أو رجل يخرج لحاجة يريد الرجوع» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ليس به بأس كالمقيم إذا اقتدى بالمسافر وكان مسبوقا فإنهما يقومان بعد فراغ الإمام.
قلت: الفرق ظاهر، أما صلاة المسافر فعلى فرضية أن يصلي أربعا وكذلك صلاة المغرب. وأما المسبوق فقد عرف قضاؤه بالسنة في قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ما فاتكم فاقضوا» م: (ومن دخل مسجدا قد أذن فيه) ش: أي قد أدني فيه على صيغة المجهول جملة في محل النصب، لأنها صفة لقوله مسجدا، وأما نصب مسجد فعلى التوسع وإسقاط الخافض لا على الظرفية، والتقدير ومن دخل في مسجد ونظيره دخلت الدار، فإن تعدي الفعل في نحو الدار والمسجد لا يطرد ويجوز أن يكون مسجدا منصوبا على أنه مفعول به على رأي الأخفش لأنه دخل عنده تارة يتعدى بنفسه وتارة بحرف الجر م: (يكره له أن يخرج) ش: أي يكره لهذا الداخل خروجه من المسجد م: (حتى يصلي) ش: يعني إن لم يكن قد صلى، لأن المؤذن قد دعاه ولورود الوعيد فيه م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لا يخرج من المسجد بعد النداء إلا منافق أو رجل يخرج لحاجة يريد الرجوع» ش: لم يذكر أحد من الشراح هذا الحديث في كتابه ولا التفت إلى ما كان حاله هل هو يصلح للاحتجاج أم لا.
أما السغناقي فإنه لم يذكره أصلا. وأما الأكمل فإنه ذكر في المسألة تفصيلا ثم قال وهو واضح وما عرفنا من أين جاءه الوضوح، وأما صاحب الدراية فإنه اكتفى بالمنقولات في هذه المسألة. أما الأترازي فإنه استدل بما روي عن أبي هريرة أنه قال حين خرج رجل من المسجد بعدما أذن فيه أما هذا فقد عصى أبا القاسم، رواه مسلم والأربعة، وهذا موقوف وقال أبو عمر: إنه مسند ولذلك نظائره نحو حديث أبي هريرة «من لم يجب الدعوة فقد عصى أبا القاسم» وقال لا يختلفون في ذلك رواه إسحاق بن راهويه في مسنده، وزاد فيه «أمرنا رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذا أذن المؤذن فلا تخرجوا حتى تصلوا» .
وأما الذي ذكره المصنف فقد قال سبط بن الجوزي رواه النسائي. قلت: روى ابن ماجه في " سننه " بمعناه عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عنه قال: قال رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من أدرك الأذان في المسجد ثم خرج لم يخرج لحاجة وهو لا يريد الرجوع فهو منافق» .
وأخرج أبو داود في المراسيل عن سعيد بن المسيب أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «لا يخرج من المسجد أحد بعد النداء إلا منافق إلا أحدا أخرجته حاجته وهو يريد الرجوع» . ورواه أيضا عبد الرزاق في " مصنفه "، ورواه أحمد في " مسنده " عن أبي هريرة أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إذا كنتم في المسجد فنودي للصلاة فلا يخرج أحدكم حتى يصلي» .

(2/567)


قال: إلا إذا كان ممن ينتظم به أمر جماعة لأنه ترك صورة تكميل معنى وإن كان قد صلى وكانت الظهر أو العشاء فلا بأس بأن يخرج؛ لأنه أجاب داعي الله مرة إلا إذا أخذ المؤذن في الإقامة؛ لأنه يتهم بمخالفة الجماعة عيانا، وإن كانت العصر أو المغرب أو الفجر خرج، وإن أخذ المؤذن فيها؛ لكراهة التنفل بعدها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (إلا إذا كان ينتظم به أمر جماعة) ش: هذا استثناء من قوله يكره له أن يخرج، أراد أن يدخل في مسجد أذن فيه إذا كان ينتظم به أي يستقيم به أمر جماعته بأن كان مؤذنا أو إمام مسجد تتفرق جماعة بسبب غيبته فإنه يخرج ولا يدخل تحت الوعيد م: (لأنه) ش: أي لأن خروجه م: (ترك صورة) ش: أي ترك للجماعة من حيث الصورة م: (تكميل معنى) ش: أي تكميل للجماعة معنى، والاعتبار للمعنى، ولو دخل مسجدا لم يكن مسجد حيه فإن كانوا صلوا في مسجده فلا يخرج لأنه صار من أهل هذا المسجد، وإن لم يكن صلوا إن خرج ليصلي في مسجد حيه لا بأس به، لأن الواجب عليه أن يصلي في مسجد حيه، وإن صلى في هذا المسجد لا بأس به أيضا إلا أنه صار من أهل هذا المسجد، والأفضل أن لا يخرج لكيلا يتهم أنه ممن لا يرى الجماعةِ.
وفي [.....] فاتته الجماعة في مسجد حيه، فأتى مسجدا آخر يرجو فيه الجماعة فحسن، وإن صلى في مسجد حيه فحسن أيضا أي الحسن أفضل، فالشعبي اختار طلب الجماعة، والنخعي اختار مسجد حيه. وقال الحسن البصري: كان الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إذا دخلوا مسجد حيهم صلوا فرادى بغير أذان وإقامة ثم لمنفعة جماعة أستاذه لأجل درسه أو لسماع الأخبار ولسماع مجلس العامة أفضل بالاتفاق لتحصيل الثوابين ولو فاتته ركعة أو ركعتان فالأفضل أن يصلي في مسجد حيه.
م: (وإن كان قد صلى) ش: أي وإن كان الداخل مسجدا أذن فيه قد صلى فرضه م: (وكانت) ش: أي الصلاة التي صلاها م: (الظهر أو العشاء فلا بأس بأن يخرج لأنه أجاب داعي الله مرة) ش: وهو المؤذن م: (إلا إذا أخذ المؤذن في الإقامة) ش: هذا استثناء من قوله فلا بأس بأن يخرج أراد أن المؤذن إذا شرع في الإقامة فإنه لا يخرج حينئذ م: (لأنه يتهم بمخالفة الجماعة عيانا) ش: أي معاينة، وانتصابه على الحال من مخالفة.
م: (ولو كانت العصر) ش: أي ولو كانت الصلاة التي صلاها وحده صلاة العصر م (أو المغرب أو الفجر) ش: أي أو كانت المغرب أو كانت الفجر أي صلاة الفجر م: (خرج) ش: أي من المسجد م: (وإن أخذ فيها) ش: أي إن أخذ المؤذن أي شرع في واحدة من هذه الصلوات م: (لكراهة التنفل بعدها) ش: أي بعد العصر والمغرب والفجر، وعند الشافعي لا بأس بالشروع في هذه الصلوات لما روي عن زيد بن أبي الأسود قال «شهدت مع النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلاة الصبح في مسجد الخيف، فلما قضى صلاته إذا هو برجلين في آخر القوم لم يصلياها معه فقال: علي بهما

(2/568)


ومن انتهى إلى الإمام في صلاة الفجر؛ وهو لم يصل ركعتي الفجر إن خشي أن تفوته ركعة ويدرك الأخرى يصلي ركعتي الفجر عند باب المسجد ثم يدخل لأنه أمكنه الجمع بين الفضيلتين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فأتي بهما ترعد فرائصهما قال ما منعكما أن تصليا معنا، قال: يا رسول الله إنا كنا صلينا في رحالنا قال فلا تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة» رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح واستدل الأترازي للشافعي بحديث السبحة وهو ما روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الإمام ولم يصل فليصل معه فإنها له نافلة» ثم يجاب عنه بقوله، ونحن نحمله على غير هذه الصلوات كيلا يلزم التعارض بينه وبين حديث النهي عن الصلوات بعد الفجر والعصر وحديث التيسير.
قلت: كيف نحمله على غير هذه الصلوات، وقد صرح في حديث يزيد بن الأسود المذكور آنفا بصلاة الصبح، والجواب عنه أنه قد روي هذا في صلاة الظهر فتعارضت روايتا فعله فأخذنا بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس» ثم إذا صلى العصر أو الفجر فعندنا فرضه الأول، وبه قال الشافعي في الجديد وأحمد، لأن الخطاب سقط عنه بالأولى، وقال في القديم فالفرض أكملها وقال بعض أصحابه والشعبي والأوزاعي فالفرض كلاهما وقد مر الكلام فيهما مرة.

[حكم من انتهى إلى الإمام في صلاة الفجر وهو لم يصل ركعتي الفجر]
م: (ومن انتهى إلى الإمام في صلاة الفجر وهو لم يصل ركعتي الفجر) ش: أي والحال أن هذا المنتهي لم يكن صلى سنة الفجر فلا يخلو حاله عن أمرين الأول: م: (إن خشي أن تفوته ركعة) ش: من صلاة الفجر لاشتغاله بالسنة م: (ويدرك الأخرى) أي الركعة الأخرى وهي الثانية، وتخصيص الركعة لما أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جعل أداء الركعة مع الإمام عند العذر بمنزلة أداء الكل في إدراك ثواب الجمعة حتى تتم صلاة الخوف ركعة ركعة م: (يصلي ركعتي الفجر عند باب المسجد ثم يدخل) ش: أي يدخل المسجد م: (لأنه أمكنه الجمع بين الفضيلتين) ش: فضيلة السنة وفضيلة الجماعة، وإنما قيد عند باب المسجد لأنه لو صلاهما في المسجد كان مشتغلا فيه مع اشتغال الإمام بالفرض وأنه مكروه لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة» وخصت سنة الفجر بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لا تدعوهما وإن طردتكم الخيل» رواه أبو داود وعن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقد مر فيما مضى هذا إذا كان عند باب المسجد موضع لذلك، فإن لم يكن يصليهما في المسجد خلف سارية من سواريه خلف الصفوف. وذكر فخر الإسلام وأشدها كراهة أن يصلي مخالطا للصف مخالفا للجماعة والذي يصلي خلف الصف من غير حائل بينه وبين الصف. وفي " الذخيرة " السنة في ركعتي الفجر أن يأتي بهما في بيته، فإذا لم يفعل فعند باب المسجد إذا كان الإمام يصلي فيه، فإن لم يمكنه ففي المسجد الخارج إذا كان الإمام في المسجد الداخل، وفي الداخل إذا كان الإمام في الخارج. وفي " المحيط ": وقيل: يكره ذلك كله، لأن ذلك بمنزلة

(2/569)


وإن خشي فوتها دخل مع الإمام ولم يصل؛ لأن ثواب الجماعة أعظم والوعيد بالترك ألزم بخلاف سنة الظهر حيث يتركها في الحالين لأنه يمكنه أداؤها في الوقت بعد الفرض هو الصحيح.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مسجد واحد. وفي قاضي خان إن كان الإمام في الصيفي يصليهما في الشتوي وإن كان في الشتوي يصليهما في الصيفي، وإن كان الصيفي والشتوي واحدا يقوم خلف الصف وعند سارية أو خلف أسطوانة أو نحوهما. وقال الثوري: إن خشي فوت ركعة دخل مع الإمام ولم يصليهما وإلا صلاهما في المسجد، وقول مالك مثله إلا أنه قال يصليهما خارج المسجد في غير الأفنية اللاصفة به. وعن شمس الأئمة يحكي عن الفقيه إسماعيل الزاهد أنه كان يقول ينبغي أن يفتح ركعتي الفجر ثم يقطعهما ويدخل مع الإمام حتى يلزمه بالشروع فيتمكن من القضاء بعد الفجر ولكن هذا ليس بقوي، فإن ما وجب بالشروع لا يكون أقوى مما يجب بالنذر، وقد نص في الزيادات الزيادة أن المنذورة لا تؤدى بعد الفجر قبل طلوع الشمس.
الحال الثاني: أن يخاف فوت الفرض كله وأشار إليه بقوله م: (وإن خشي فوتهما) أي فوت ركعتي الفجر م: (دخل مع الإمام ولم يصل) أي لم يصل السنة يعني بتركها لأن ثواب الجماعة أعظم من ثواب السنة لما روى مسلم في " صحيحه " عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة» م: (والوعيد بالترك ألزم) الوعيد منصوب لأنه عطف على اسم إن، وألزم مرفوع على الخبرية، والوعيد هو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لقد هممت أن آمر رجلا [يصلي بالناس، ثم آمر فتية] أن يجمعوا حزما من حطب، ثم آتي قوما يصلون في بيوتهم ليست بهم علة فأحرقها عليهم» رواه مسلم وأبو داود عن أبي هريرة، قوله: هممت أي قصدت، والفتية جمع فتى، قوله أن يجمعوا وفي رواية: تجمعوا قوله ثم آتي بالنصف عطف على قوله أن آمر، واستدل بهذا الحديث من قال: إن الجماعة فرض عين، وقد مر الكلام فيه في باب الإمامة.
فإن قلت: إذا أدرك الإمام في التشهد ماذا يفعل؟
قلت: ظاهر كلام المصنف ترك على أنه يدخل مع الإمام لأنه قال: إن خاف أن تفوته الركعتان دخل مع الإمام، كذا قال شمس الأئمة السرخسي في " شرح الجامع الصغير " ثم قال: وكان الفقيه أبو جعفر يقول: يصلي سنة الفجر ثم يشرع مع الإمام عندهما وعند محمد يترك السنة، وهذا فرع اختلافهم في المدرك في التشهد في صلاة الجمعة م: (بخلاف سنة الظهر حيث يتركها في الحالتين) أي في حال خشية الفوات، وحال عدمها م: (لأنه يمكنه أداؤها في الوقت) أي لأن الشأن يمكنه أداء سنة الظهر في وقت الظهر م: (بعد الفرض) أي بعد أداء فرض الظهر م: (هو الصحيح) أي أداء بعض الظهر بعد الفرض في الوقت هو الصحيح واحترز به عن قول بعض

(2/570)


وإنما الاختلاف بين أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في تقديمها على الركعتين وتأخيرها عنهما،
ولا كذلك سنة الفجر على ما نبين إن شاء الله تعالى، والتقييد بالأداء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المشايخ أن سنة الظهر لا تقضى إذا فاتت لأن في سنة الفجر ورد الشرع بالقضاء غداة ليلة التعريس، ولم يرد مثل ذلك في سنة الظهر، وهذا القول غير صحيح، لأن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - روت «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فاتته الأربع قبل الظهر فقضاها بعده» . وقال الأترازي: وهذا القول غير صحيح، يعني قول بعض المشايخ أن سنة الظهر لا تقضى، وورد الاختلاف بين أبي يوسف ومحمد في أنه هل يقدم الأربع أو الركعتين، قال أبو يوسف: يقدم الركعتين ثم يقضي الأربع، وقال محمد: يقدم الأربع، ثم يقضي الركعتين، كذا ذكر اختلافها في " الجامع الصغير " الحسامي، وفي " الجامع الصغير " العتابي، و " المنظومة "، و " شروحها " ذكر الاختلاف على العكس، ويحتمل أن يكون عن كل واحد من الاثنين روايتان. انتهى.
قلت: اختلافهما في التقديم والتأخير في القضاء لا يدل على أن سنة الظهر تقضى في الفرض بعد ولا يدل على ذلك إلا الحديث الذي ذكرناه، والعجب من الأترازي أنه يستدل باختلاف الإمامين في التقديم والتأخير على قضاء سنة الظهر في الوقت، ثم اختلفوا هل تكون الأربع التي يقضيها بعد الظهر في الوقت سنة أو نفلا. قلت: قال في " الذخيرة ": وعن أبي حنيفة أن يكون نفلا، وهو قول بعضهم، وقيل يكون سنة، وهو قول صاحبيه، وهو الأظهر، وهل ينوي القضاء؟، فعندهما ينوي القضاء لحديث عائشة المذكور آنفا، وعند أبي حنيفة لا ينوي القضاء لأن ذلك عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يكون قضاء لأنه إذا وجب على الشيء كتب عليه، وفعل غيره يكون تطوعا مبتدأ، فلا حاجة إلى نية القضاء م: (وإنما الاختلاف بين أبي يوسف ومحمد رحمهما الله في تقديمها) أي في تقديم الأربع م: (وتأخيرها عنهما) أي عن الركعتين فالتقديم عند أبي يوسف ومحمد والتأخير عند محمد، وفي " المحيط " ذكر أبو حنيفة مع أبي يوسف، في " فتاوى السغناقي " قول أبي يوسف هو المختار، وفي " مبسوط شيخ الإسلام " هو الأصح لحديث عائشة المذكور فإن أبا يوسف يعتبر المحل، ومحمد يعتبر ما يقع فيه فالركعتان في محلهما فيقدمان، ولمحمد أن الأربع قبل الركعتين لتقدمها على الأربع الفرض المتقدم عليهما، وقد تعذر التقديم على الظهر ولم يتعذر على السنة، وفي " الخلاصة " ولو صلى سنة الفجر أو الأربع قبل الظهر ثم اشتغل بالبيع والشراء والأكل، فإنه يعيد السنة أما بأكل لقمة أو شربة لا تبطل السنة، وذكر في " جامع التمرتاشي " قيل لا يعيد ولكن ثوابه أنقص من ثوابه قبل التكلم، قال الجلالي: الظاهر أنه لا يعيد.

م: (ولا كذلك سنة الفجر على ما نبين إن شاء الله تعالى) ش: يعني ليس سنة الفجر مثل سنة الظهر، لأن سنة الفجر لا يمكن أداؤها بعد الفرض فحصل الفرق بين السنتين م: (والتقييد بالأداء)

(2/571)


عند باب المسجد يدل على الكراهة في المسجد إذا كان الإمام في الصلاة، والأفضل في عامة السنن والنوافل المنزل هو المروي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: وإذا فاتته ركعتا الفجر لا يقضيهما قبل طلوع الشمس، لأنه يبقى نفلا مطلقا وهو مكروه بعد الصبح،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أي تقييد محمد بن الحسن بأداء ركعتي الفجر م: (عند باب المسجد يدل على الكراهة في المسجد) ش: أي على كراهة أدائه إياهما م: (في المسجد إذا كان الإمام في الصلاة) ش: لمخالفة الإمام عيانا.
م: (والأفضل في عامة السنن والنوافل المنزل) ش: أي الأفضل في أكثر السنن والنوافل إقامتها في المنزل، وإنما قدرنا هكذا لأن لفظ المنزل لا يصح أن يقع خبرا لقوله الأفضل، وإنما قال في عامة السنن تنبيها على أن بعض المشايخ قالوا يصلي الركعتين بعد الظهر والركعتين بعد المغرب في المسجد وما سواهما في البيت. قال في " المحيط " م: (والمروي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي روى البخاري ومسلم عن زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «احتجز رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حجرة.. الحديث، وفي آخره فعليكم بالصلاة في بيوتكم إلا المكتوبة فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي مختصرا ولفظ أبي داود: «صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة» به قال.
فإن قلت: يعارض هذا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام» . قلت: يحتمل هذا على الفرض أي صلاة مفروضة في مسجدي هذا يدل على لفظ أبي داود «صلاة المرء» .. الحديث، وفي " الذخيرة " والسنن بعد الفرائض لا بأس بإتيانها في المسجد في مكان الصلاة، والأولى أن يتنحى عنه خطوة أو خطوتين والإمام يتنحى عن المكان الذي يصلي فيه الفريضة لا محالة، وفي " الجامع الصغير ": إذا صلى الرجل المغرب في المسجد وخاف أن يرجع إلى بيته أن يشتغل عن السنة صلاها في المسجد، والأخير صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة، وفي " شرح الآثار للطحاوي " يأتي بالركعتين بعد الظهر وركعتين عند المغرب في المسجد وما سواهما لا ينبغي أن يصلي في المسجد وهو قول البعض، والبعض يقول التطوع في المسجد حسن وفي البيت أحسن، وذكر الحلواني: أن من فرغ من الظهر والمغرب والعشاء وإن شاء صلى السنة في المسجد وإن شاء في بيته.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (وإذا فاتته ركعتا الفجر لا يقضيهما قبل طلوع الشمس؛ لأنه يبقى نفلا مطلقا وهو مكروه وبعد صلاة الفجر) ش: أي التنفل مكروه بعد أن يصلي فرض الفجر لما مر بيانه. وقال النووي في " شرح المهذب " في قضاء السنة الراتبة قولان أحدهما وهو القديم لا يقضي كالكسوف والاستسقاء وتحية المسجد، والثاني وهو الجديد يقضي أبدا، وفي قول حكاه الخراسانيون إن فاتت في النهار يقضي ما لم تغرب الشمس، وإن فاتت في الليل

(2/572)


قال: ولا بعد ارتفاعها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أحب إلي أن يقضيهما إلى وقت الزوال؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قضاهما بعد ارتفاع الشمس غداة ليلة التعريس،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يقضي ما لم يطلع الفجر. قال: والصحيح استحسان قضاء الجميع أبدا. وفي " المغني " قال ابن حامد يقضي ركعتا الفجر وغيرهما من السنن في الأوقات كلها ما خلا أوقات النهي وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وعنه أنه قال ركعتا الفجر تقضى إلى وقت الضحى. قال ابن قدامة: والأول أصح.

م: (قال) ش: أي المصنف م: (ولا بعد ارتفاعها) ش: أي ولا يقضي أيضا بعد ارتفاع الشمس م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد أحب إلي أن يقضيهما إلى وقت الزوال) ش: قال الحلواني والفضلي ومن تابعهما لا خلاف بينهم، فإن محمدا يقول: أحب إلي أن يقضي وإن لم يفعل فلا شيء عليه، وهما يقولان ليس عليه أن يقضي، وإن فعل فلا بأس به. ومن المشايخ من حقق الخلاف، وقال الخلاف في أنه لو قضى يكون نفلا مبتدأ أو سنة كذا في " المحيط " م: (لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قضاهما بعد ارتفاع الشمس غداة ليلة التعريس) ش: هذا الحديث روي عن جماعة من الصحابة أبو قتادة وذو مخمر وعمران بن حصين وجبير بن مطعم وبلال وأنس وابن مسعود وعمرو بن أمية الضمري وابن عباس ومالك بن ربيعة السلولي وأبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
فحديث أبي قتادة عند مسلم، وحديث ذي مخمر الحبشي عند أبي داود في " سننه "، وحديث عمران بن حصين عند أبي داود أيضا والحاكم وابن خزيمة، وحديث جبير بن مطعم عند النسائي، وحديث بلال عند الطبراني في " معجمه " والبزار في " مسنده "، وحديث أنس عند البزار أيضا وحديث ابن مسعود عند البيهقي في كتاب " الأسماء والصفات " وحديث عمرو بن أمية وحديث ابن عباس عند البزار، وحديث مالك بن ربيعة عند النسائي، وحديث أبي هريرة عند مسلم عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: «عرسنا مع النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس فقال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " ليأخذ كل إنسان برأس راحلته، فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان "، قال: ففعلنا، ثم دعا بالماء فتوضأ ثم صلى سجدتين ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة

(2/573)


ولهما أن الأصل في السنة أن لا تقضى لاختصاص القضاء بالواجب، والحديث ورد في قضائهما تبعا للفرض فبقي ما رواه على الأصل، وإنما تقضى تبعا له، وهو يصلي بالجماعة أو وحده إلى وقت الزوال، وفيما بعده اختلاف المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وأما سائر السنن سواها فلا تقضى بعد الوقت وحدها، واختلف المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في قضائها تبعا للفرض،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والتعريس في آخر الليل» ، وليلة التعريس كانت حين قفل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من غزوة خيبر. قوله ثم صلى سجدتين أي ركعتي الفجر.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد م: (أن الأصل في السنة أن لا تقضى لاختصاص القضاء بالواجب) ش: لأن القضاء تسليم مثل الواجب بالأمر م: (والحديث ورد في قضائهما تبعا للفرض) ش: ش: هذا جواب عن حديث ليلة التعريس تقديره أنه لما ورد بقضائها تبعا قلنا بقضائها م: (فبقي ما رواه على الأصل) ش: وهو عدم وجوب الزوال بالاتفاق م: (وإنما تقضى) ش: أي السنة م: (تبعا له) ش: أي للفرض م: (وهو يصلي بالجماعة) ش: أي والحال أنه يصلي بالجماعة م: (أو وحده) ش: أي أو يصلي وحده م: (إلى وقت الزوال) ش: أراد انتهاء وقت القضاء مع الجماعة أو كان منفردا إلى وقت زوال الشمس، توضيحه أن سنة الفجر تقضى تبعا للفرض سواء كان قضى الفرض بالجماعة أو قضاه وحده. وقال الأكمل هاهنا وكلامه واضح، قلت من أين يجيء الوضوح إن لم يشرح كلام المصنف كما هو المقصود؟
م: (وفيما بعده) ش: أي وفيما بعد الزوال م: (اختلاف المشايخ) ش: أي مشايخ ما وراء النهر، فاختلفوا في أنه هل تقضى سنة الفجر تبعا للفرض، فقال بعضهم تقضى تبعا وبه قال الشافعي في قول، وقال بعضهم لا تقضى إلا تبعا ولا مقصودة. وفي " المحيط " لا تقضى السنة بعد الزوال وإن تذكر مع الفرض من غير ذكر خلاف، وفي " جامع بدر الدين الورسكي " لا يقضى بعد الزوال، لأن السنة جاءت بالقضاء في وقت مجمل فلا يقاس عليه آخر.
م: (وأما سائر السنن سواها) ش: أي سوى سنة الفجر، وفي بعض النسخ سواهما بضمير التثنية أي سوى ركعتي الفجر م: (فلا تقضى بعد الوقت وحدها) ش: أي إذا كانت بدون الفرضية.
م: (واختلف المشايخ في قضائها) ش: أي في قضاء السنن م: (تبعا للفرض) ش: فقال بعضهم يقضيها تبعا لأنه كم من شيء يثبت ضمنا ولا يثبت قصدا. وقال بعضهم لا يقضيها تبعا كما لا يقضيها مقصودة وهو الأصح، لاختصاص القضاء بالواجب. وفي " مختصر البحر " ما سوى ركعتي الفجر من السنن إذا فاتت وحدها لا يقضى عندنا وإذا فاتت مع الفرض يقضي عند العراقيين كالأذان والإقامة، وعند الخراسانيين لا يقضي، ثم قيل لا بأس بترك سنة الفجر والظهر إذا صلى وحده لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يأت بها إلا إذا صلى بالجماعة وبدونها لا يكون سنة، وقيل لا يجوز تركها بكل حال، لأن السنة المذكورة كالواجبة، وللشافعي قولان في قول لا

(2/574)


ومن أدرك من الظهر ركعة ولم يدرك الثلاث فإنه لم يصل الظهر بجماعة، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قد أدرك فضل الجماعة؛ لأن من أدرك آخر الشيء فقد أدركه فصار محرزا ثواب الجماعة لكنه لم يصلها بالجماعة حقيقة، ولهذا يحنث به في يمينه لا يدرك الجماعة ولا يحنث في يمينه لا يصلي الظهر بالجماعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يقضي وبه قال مالك وأحمد في رواية، وفي قول يقضي كالفرائض هو اختيار المزني ورواية عن أحمد.

م: (ومن أدرك من الظهر ركعة) ش: أي من أدرك من صلاة الظهر التي يصليها الإمام ركعة واحدة م: (ولم يدرك الثلاث) ش: أي ثلاث ركعات م: (فإنه) ش: أي فإن هذا المدرك م: (لم يصل الظهر في جماعة) ش: ذكر هذه المسألة لبيان الحكم في مسألة أخرى ذكرها في " الجامع الكبير " رجل قال: إن صليت الظهر مع الإمام فعبدي حر، فأدرك ركعة مع الإمام فقط لا يحنث، لأن شرط حنثه أن يكون صلى الظهر مع الإمام وقد صلى ثلاثا من الظهر منفردا، لأن المسبوق فيما يقضي منفرد فلم يوجد شرط الحنث وهذا لأن المسمى يعتبر معدوما بفوات الحر وفي مقام الإثبات، وعلى هذا لو أدرك ثلاثا مع الإمام وفاتته الواحدة لم يحنث أيضا لفوات بعض المسمى وهو الصحيح، ولو قال عبده حر إن أدرك الظهر مع الإمام يحنث بإدراك الواحدة معه وبإدراك القعدة أيضا، لأن إدراك الشيء هو الوصول إلى آخر جزء منه يتحقق بإدراك القعدة فضلا عن الركعة إدراك الظهر بالجماعة يؤيده قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من أدرك ركعة من الفجر فقد أدرك الفجر» .
م: (وقال محمد: ومن أدرك فضل الجماعة) ش: إنما خص قول محمد بإدراك فضل الجماعة وإن كان يدرك ثواب الجماعة، عند صاحبيه أيضا لأن الشبهة وردت على قول أن مدرك الإمام في التشهد في صلاة الجمعة لا يكون مدركا للجماعة فيتمها أربعا فكان مقتضى قوله أن لا يدرك فضيلة الجماعة في هذه المسألة لأنه مدرك للأقل كما في الجمعة فأزال ذلك الوهم بقوله قال محمد قد أدرك فضل الجماعة، وأصل هذه المسألة مسألة " الجامع الكبير " وقد ذكرناها آنفا. وقال السغناقي: فإن قلت: الاختلاف إنما يكون عند اتحاد الموضوع ثم ذكر هنا قولهما في صلاة الظهر أي في جماعة، وقول محمد في إدراك فضل الجماعة وهما متغايران في الوضع فلا يتحقق الاختلاف بذلك، وحاصل الجواب أن تخصيص ذكر محمد لا لبيان الاختلاف فيما بينهم فإنهم اتفقوا في الموضعين وهو أنه لم يصل الظهر في جماعة وأنه أدرك فضل الجماعة، وإنما خص قول محمد بشبهة ترد على قوله وقد ذكرناه تحرزا. م (لأن من أدرك آخر الشيء فقد أدركه فصار محرزا ثواب الجماعةِ، لكنه لم يصلها بالجماعة حقيقة) ش: عدم صلاته بالجماعة ظاهر لكنه يحصل له ثواب الجماعة م: (ولهذا) ش: يعد مع على ذلك بالاتفاق م: (يحنث به في يمينه لا يدرك الجماعة ولا يحنث في يمينه لا يدرك الظهر بالجماعة) ش: الضمير في به يرجع إلى إدراك الذي يدل عليه قوله

(2/575)


ومن أتى مسجدا قد صلى فيه فلا بأس بأن يتطوع قبل المكتوبة ما بدا له ما دام في الوقت، ومراده إذا كان في الوقت سعة، وإن كان فيه ضيق تركه، وقيل: هذا في غير سنة الظهر والفجر؛ لأن لهما زيادة مزية، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: في سنة الفجر «صلوهما ولو طردتكم الخيل» ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أدرك، وهما صورتان قد بيناهما عن قريب، ومذهب الشافعي في الظاهر كمذهبنا أنه إذا أدرك الإمام في التشهد ينال فضل الجماعة، وعند بعض أصحابه لا ينال إذا أدركه فيما دون الركعة.

م: (ومن أتى مسجدا قد صلي فيه) ش: أي صلى أهله فيه بالجماعة وكان الرجل فاتته الجماعة م: (فلا بأس بأن يتطوع قبل المكتوبة ما بدا له) ش: أي ما ظهر يعني ما أراد من التطوع م: (ما دام في الوقت) ش: أي في وقت هذه الصلاة م: (ومراده) ش: أي مراد محمد بن الحسن بقوله في " الجامع الصغير " لا بأس بأن يتطوع قبل المكتوبة م: (إذا كان في الوقت سعة) ش: بفتح السين والعين يعني اتساع م " (وإن كان فيه) ش: أي في الوقت م: (ضيق تركه) ش: أي ترك التطوع، وروي عن الثوري والحسن البصري أنه لا يتطوع قبل المكتوبة لما أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ما اشتغل به إذا صلى بالجماعة.
م: (قيل: هذا في غير سنة الظهر والفجر) ش: أشار بهذا إلى قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا بأس.
قال بعض المشايخ قول محمد لا بأس بأن يتطوع التطوع قبل العصر والعشاء دون التطوع قبل الفجر والظهر م: (لأن لهما) ش: أي لسنة الظهر ولسنة الفجر م: (زيادة مزية) أي زيادة خصوصية بالفضل، وزيادة الأجر وبين ذلك بقوله م: (قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في سنة الفجر «صلوهما وإن طردتكم الخيل» ش: أخرج هذا الحديث أبو داود في " سننه " عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: «لا تدعوهما وإن طردتكم الخيل» .
وأخرج مسلم عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «ما رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أشد معاهدة منه على الركعتين قبل الفجر» .
وأخرج الطبراني عنها: «لم أره ترك الركعتين قبل صلاة الفجر في سفر ولا حضر ولا صحة ولا سقم» . وأخرج أبو يعلى الموصلي في " مسنده " عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله يقول: «لا تتركوا ركعتي الفجر فإن فيهما الرغائب " والمراد من الخيل حبس العدو» .

(2/576)


وقال في الأخرى: «من ترك الأربع قبل الظهر لم تنله شفاعتي» . وقيل: هذا في الجميع؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - واظب عليها عند أداء المكتوبات بالجماعة، ولا سنة دون المواظبة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقال في الأخرى) ش: أي قال النبي في سنة الظهر م «من ترك الأربع قبل الظهر لم تنله شفاعتي» ش: هذا ليس له أصل، والعجب من الشراح ذكروا هذا ولم يتعرضوا إلى بيان حاله وسكتوا عنه. وقال الأكمل: وهذا وعيد عظيم، ودلالته على وكادة الأربع أقوى من الأول قلت: نعم يكون أقوى من الأول، إذا صح عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، والذي لم يثبت كيف يكون أقوى من الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما، وروى أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أم حبيبة زوجة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرم على النار» ، وروى أبو داود أيضا عن أبي أيوب عن النبي عيه السلام قالِ: «أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليم تفتح لهن أبواب السماء» .
م: (وقيل هذا) ش: أي قول محمد لا بأس بأن يتطوع وهذا القول اختيار أبي الليث في " جامعه " م: (في الجميع) ش: أي عام في جميع السنن، وللمصلي الخيار بين أن يتطوع وبين أن لا يتطوع لأن السنة لا تثبت إلا بمواظبة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على السنن قبل المكتوبة عند أداء المكتوبات بالجماعة، وأشار إلى هذا بقوله: م: (لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - واظب عليها) ش: أي على السنن م: (عند أداء المكتوبات بالجماعة) ش: وهاهنا في مسألتنا الجماعة متبقية لأن التقدير فيمن أتى مسجدا قد صلي فيه فلا يكون في حقه إتيان السنة سنة، فبقي نفلا مطلقا فيكون في خيرة من إتيانه وتركه، وأشار إلى هذا بقوله م: (لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - واظب عليها) ش: أي على السنن م: (لا سنة دون المواظبة) ش: هذا معروف من الأحاديث، ولم يرو أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ترك شيئا من الرواية المذكورة في النوافل إلا الركعتين بعد الظهر وقضاهما بعد العصر وركعتي الفجر وقضاهما مع الفرض بعد طلوع الشمس.
وقال قاضي خان: إن محمدا لم يذكر السنن في الكتاب، وإنما ذكر التطوع والإنسان إذا صلى وحده إن شاء أتى بالسنن وإن شاء تكرها، وهو قول أبي الحسن الكرخي، والأول أصح، والأخذ به أحوط فلا يتركها في الأحوال كلها إذ السنة بعد المكتوبة شرعت لجبر نقصان يمكن في الفرض وقبلها يقطع طمع الشيطان عن المصلي لأنه يقول: إذا لم يطعني في ترك ما لم يكتب عليه فكيف يطيعني في ترك ما كتب عليه والمنفرد إلى ذلك أحوج، إلا إذا خاف فوت الوقت، لأن أداء الفرض في وقته واجب. وفي " الحواشي " لو لم يرد جواز ترك الجميع لا يتبقى لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى فيه فائدة، لأن الاختيار بين الترك والإثبات كسنة العصر والعشاء ثابت سواء صلى

(2/577)


والأولى أن لا يتركها في الأحوال كلها أي لكونها مكملات للفرائض إلا إذا خاف فوت الوقت، ومن انتهى إلى الإمام في ركوعه فكبر ووقف حتى رفع الإمام رأسه لا يصير مدركا لتلك الركعة خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو يقول: أدرك الإمام فيما له حكم القيام، ولنا أن الشرط هو المشاركة في أفعال الصلاة ولم يوجد لا في القيام ولا في الركوع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالجماعة أو منفردا. وأما إذا أريد بهذا في الجميع جاز ترك سنة الفجر والظهر حالة الانفراد ولم يثبت اختيار الترك عند أدائها بالجماعة فحينئذ تظهر فائدة قوله قد صلى فيه.

م: (والأولى أن لا يتركها في الأحوال كلها) ش: هذا اختيار المصنف أي الأولى أن لا يترك السنن الرواتب كلها في جميع الأحوال كلها، سواء كان مؤديا بالجماعة أو منفردا أو مقيما أو مسافرا م: (أي لكونها مكملات للفرائض) ش: أي لكون السنن الراتبة مكملات لما نقص من الفرائض وجبر النقصان يقع فيها، خصوصا في حق المنفرد، لأنه أحوج إليها لافتقاره إلى تكميل الثواب م: (إلا) ش: استثناء من قوله والأولى يعني الأولى أن يتركها م " (إذا خاف فوت الوقت) ش: فإنه إذا اشتغل بالسنة يفوته الوقت لضيقه.
م: (ومن انتهى إلى الإمام في ركوعه) ش: أي وصل إليه حال كون الإمام راكعا م: (فكبر) ش: للافتتاح م: (ووقف) ش: ولم يركع سواء تمكن من الركوع أو لا م: (حتى رفع الإمام رأسه لا يصير مدركا لتلك الركعة) ش: قيد بالركوع لأنه إذا انتهى إليه وهو قائم يكبر ولم يركع معه حتى رفع الإمام رأسه من الركوع ثم ركع أنه يدرك الركعة بالإجماع. وإذا انتهى إلى القومة بعد الركوع لا يكون مدركا لتلك الركعة بالإجماع، وبما قلنا قال الشافعي.
م: (خلافا لزفر) ش: فإنه يقول يصير مدركا لتلك الركعة، وبه قال الثوري وابن أبي ليلي وعبد الله بن المبارك م: (وهو) ش: أي زفر م: (يقول أدرك الإمام فيما له حكم القيام) وهو الركوع، وهذا لأن الركوع يشبه القيام لوجود استواء النصف الأسفل الذي به يمتاز القائم من القاعد، لأن استواء النصف الأعلى موجود في القاعد أيضا، ولهذا لو شاركه في الركوع صار مدركا.
م: (ولنا أن الشرط هو المشاركة في أفعال الصلاة) ش: لأن الاقتداء شركة، ولا شركة في الإحرام، وإنما الشركة في الفعل م: (ولم يوجد لا في القيام) ش: لأنه ليس من جنس الركوع م: (ولا في الركوع) ش: لأنه ليس من جنس القيام فلا يصير مدركا لتلك الركعة. فإن قلت: جاء في الحديث «من أدرك الإمام في الركوع فقد أدركه» ولهذا يأتي بتكبيرات العيد في الركوع، مع أنه يؤتى بها في حقيقة القيام. قلت: روى أبو داود أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئا، ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة» . وظاهره أنه إذا أتى بالركوع وهذا لم يأت به. وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه قال: إذا أدركت الإمام راكعا فركعت قبل أن يرفع رأسه فقد أدركت الركعة، وإن رفع قبل أن تركع فقد فاتتك تلك الركعة.

(2/578)


ولو ركع المقتدي قبل إمامه فأدركه الإمام فيه جاز، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجزئه لأن ما أتى به قبل الإمام غير معتد به فكذا ما يبنيه عليه، ولنا أن الشرط هو المشاركة في جزء واحد كما في الطرف الأول. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والجواب عن الحديث على تقدير صحته أن معناه أنه أدرك في تلك الصلاة لا في تلك الركعة، وفي المتشهد به وحديث المشاركة في القيام فافترقا، وفي " الخلاصة " أدرك الإمام في الركوع فقال الله أكبر، إلا أن قوله الله أكبر كان في قيامه، وأكبر وقع في ركوعه لا يكون شارعا في الصلاة. وقال المحبوبي دخل المسجد والإمام راكع فقال بعض مشايخنا ومالك ينبغي أن يكبر ويركع ثم يمشي حتى يلتحق بالصف لئلا يفوته الركوع، كما فعله أبو بكرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «زادك الله حرصا ولا تعد» . وقال شمس الأئمة وأكثر مشايخنا على أنه لا يكبر لكيلا يكون محتاجا إلى المشي في الصلاة، وبه قال الشافعي. وقال أحمد: إن علم بالنهي ومشى بطلت صلاته، وعندنا لو مشى ثلاث خطوات متواليات تبطل، فمن اختار القول الأول قال: يعني قوله " لا تعد " لا تؤخر المجيء إلى هذه الحالة، ومن اختار القول الثاني، قال معناه لا تعد إلى مثل هذا الصنع، وهو التكبير قبل الاتصال بالصف والمشي في الركوع، وإنما لم يأمره بالإعادة لأن ذلك كان في وقت كان العمل في الصلاة مباحا.
وفي " جامع التمرتاشي " ذكر الخلابي في صلاته، أدرك الإمام في الركوع قائما ثم ركع، أو شرع في الانحطاط وشرع الإمام في الرفع اعتد بها، وقيل: لو شاركه في الرفع قيل إن كان ِإلى القيام أقرب لا يعتد، والأصح أنه يعتد إذا وجدت المشاركة قبل أن يستقيم قائما وإن قل. وعن أبي يوسف قام شرعا فلم يتم القيام حتى كبر لم يجزه، وفي " النوازل " إن كان إلى القيام أقرب جاز، وإن كان إلى الركوع أقرب لا يجوز [وإن] أدرك الإمام في الركوع وهو يعلم أنه لو اشتغل بالثناء لا يفوته الركوع يثني، وإن علم أنه يفوته قال بعضهم: يثني لأن الركوع يفوت إلى خلف وهو القضاء، وإن شاء يفوته أصلا. وقال بعضهم: لا يثني وإذا أدرك الإمام في غير الركوع يكبر للافتتاح ويثني ثم يتابع الإمام في أي حالة كان.

م: (ولو ركع المقتدي قبل الإمام فأدركه الإمام فيه أي في الركوع جاز) ش: وبه قال الثلاثة م: (وقال زفر: لا يجزئه) ش: أي الصلاة إن لم يعد للركوع م: (لأن ما أتى به قبل الإمام غير معتد به) ش: لكونه سريعا عنه، قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه» م: (فكذا ما يبنيه عليه) ش: لأن البناء على الفاسد فاسد.
م: (ولنا أن الشرط هو المشاركة في جزء واحد) ش: وقد وجد فجعل مبتدئا لا بانيا عليه م: (كما في الطرف الأول والله أعلم) ش: يعني صار كما في الطرف الأول، وهو أنه يركع معه ويرفع رأسه قبل الإمام، وهذا لأن الركوع طرفين والشركة في أحديهما كافية، بخلاف ما لو رفع رأسه من هذا الركوع قبل ركوع الإمام، لأنه لم يوجد للمشاركة في شيء من الطرفين.

(2/579)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فروع: لو أطال الإمام السجود فرفع المقتدي رأسه يظن أنه سجد ثانيا فسجد معه إن نوى الأول أو لم يكن له نية يكون عن الأول، وكذا إن نوى الثانية والمتابعة لرجحان المتابعة وتلغى نية الثانية للمخالفة وإن نوى الثانية لا غير كانت عن الثانية، فإن شاركه الإمام فيها جاز، وفيه خلاف زفر، وروي عن أبي حنيفة أنه لو سجد المقتدي قبل رفع الإمام رأسه من الركوع ثم أدرك الإمام فيها لا يجزئه، وعن أبي يوسف أنه يجزئه، وإن أطال المؤتم سجوده فسجد الإمام الثانية فرفع رأسه وظن أن الإمام في السجدة الأولى سجد ثانيا يكون عن الثانية، وإن نوى الأولى لا غير.
وفي " الذخيرة " للقرافي إن رفع المأموم، قبل أن يطمئن الإمام راكعا أو ساجدا فسدت صلاته، ويرجع ولا ينتظر رفع الإمام وعنه وعن أشهب لا يرجع؛ لأن الركوع أو السجود قد تم، فتكراره زيادة في الصلاة. وقال سحنون يرجع وبقي بعد الإمام بقدر ما يقوم الإمام، في " شرح المهذب " للنووي إن تقدم الإمام بركوع أو سجود، ولحقه الإمام قبل أن يرفع رأسه لا تبطل صلاته عمدا كان أو سهوا، وفي وجه شاذ ضعيف تبطل إن تعمده، وهل يعود فيه ثلاثة أوجه الصحيح استحباب عوده لقول أصحابنا، ثم يركع معه الثاني لزومه، للثالث حرمة العود، فإن تعمده بطلت صلاته وإن سبق بركعتين بطلت صلاته إن تعمد عالما بتحريمه، وإن كان جاهلا أو ساهيا لم تبطل، لكن لا يعتد بتلك الركعة فيأتي بها بعد سلام الإمام، وإن رفع والإمام بعد في القيام فتوقف حتى ركع الإمام ثم رفع من الركوع فاجتمعا في الاعتداد ففيه وجهان، أحدهما تبطل صلاته، والثاني أن التقدم بركن لا تبطل [....] ، وهو الصحيح المنصوص.
والحاصل أن المخلف بركن واحد لا تبطل على الصحيح، وفيه وجه للخراسانيين أنه تبطل، وإن تخلف بركنين بطلت، يكره عندنا تكرار الجماعة في مسجد واحد، كذا في " الذخيرة " و " الوبري " وغيرهما وبه قال مسلم وأبو قلابة وابن عوف وعثمان البتي والأوزاعي والثوري وأيوب والليث ومالك والشافعي. وقال النووي: إذا لم يكن إمام راتب للمسجد فلا كراهة للجماعة الثانية والثالثة بالإجماع، وأما إذا لم يكن راتب وليس المسجد مطروقا فمذهبنا كراهة الجماعة الثانية بغير إذنه ويصلون فيه أفرادا خلافا لأحمد وهو قول ابن مسعود وعطاء والحسن والنخعي والظاهرية، واختاره ابن المنذر.
وفي " المبسوط " وغيره جعل مذهب الشافعي مثل قول أحمد، وفي " الذخيرة " عن أبي يوسف أنه يكره ذلك إذا كان القوم كثيرا أما إذا صلى واحدا باثنين بعدما صلى فيه أهله فلا بأس به، وعن محمد أنه لم ير بأسا بالتكرار إذا صلوا في رواية في المسجد على سبيل الخفية لا التداعي والاجتماع، وقال القدوري في كتابه: إذا كان المسجد على قارعة الطريق يوم وليس له إمام معين فلا بأس بتكرار الجماعة فيه، ولو صلى فيه غير أهله جماعة فلأهله الإعادة إذا لم يؤدوا حقه،

(2/580)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن صلى فيه بعض أهله فليس لبقية أهله أو لغيرهم أن يصلوا جماعة، وفي " المبسوط " صلى فيه أهله أو أكثرهم، قال أبو يوسف: لا بأس بأن يصلوا جماعة في غير الموضع الذي صلى فيه الجماعة بغير أذان وإقامة، ذكره عن الوبري وغيره وإن فاتته الجماعة في مسجد، ويمكن أن يدركها في مسجد آخر إن شاء صلى في مسجده وحده، وإن شاء ذهب إلى غيره فصلى بجماعة فراعى حق المسجد وفضل الجماعة، وقيل: يذهب فيصلي بالجماعة لزيادة فضلها. وقال الحسن البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ - كان أصحابه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذا فاتتهم الصلاة بالجماعة صلوا فرادى في المسجد، وقال مالك لو صلى إمام المسجد وحده صلوا فرادى بعده، ولو غاب الإمام وصلوا بغيره إن كان بإذنه لا تعاد وإلا أعيدت.

(2/581)