البناية شرح الهداية

باب صلاة العيدين قال: وتجب صلاة العيدين على كل من تجب عليه صلاة الجمعة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب صلاة العيدين] [حكم صلاة العيدين وعلى من تجب]
م: (باب صلاة العيدين) ش: أي هذا باب في بيان صلاة العيدين الفطر والأضحى، وفي بعض النسخ باب العيدين على حذف المضاف لعدم اللبس، ووجه المناسبة بين البابين من حيث إنهما يصليان بجمع عظيم يجهر فيهما بالقراءة، ويشترط لأحدهما ما يشترط للآخر سوى الخطبة فإنها شرط في الجمعة لا تجوز الصلاة بدونها مستحبة في العيد تجوز صلاة العيد بدونها، لكن تنسب إلى الإساءة بتركها السنة، وأيضا خطبة الجمعة تقدم على الصلاة وتؤخر خطبة العيد عنها، فلو قدمت جاز ولا تعاد بعد الصلاة، وأيضا ليس في العيدين أذان ولا إقامة، ويشتركان في حق التكليف، فإن صلاة العيد تجب على من تجب عليه صلاة الجمعة.
وأما وجه تقديم الجمعة على العيد فظاهر وهو قوله الجمعة في نفسها بالفريضة، وكثرة وقوعها، ثم أصل العيد عود، لأنه مشتق من عاد يعود عودا، وهو الرجوع. قلبت الواو ياء لسكونها، وانكسار ما قبلها كالميزان والميقات من الوزن والوقت، ويجمع على أعياد، وكان من حقه أن يجمع على أعواد؛ لأنه من العود كما ذكرنا، ولكن جمع بالياء للزومها في الواحد، أو جمع بالياء للفرق بينه وبين أعواد الخشبة، وسميا عيدين لكثرة عوائد الله فيهما، وقيل: لأنهم يعودون إليه مرة بعد أخرى، وهو من الأسماء الغالبة على يوم الفطر والأضحى.
والأصل فيه حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «قدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة ولأهل المدينة يومان يلعبون فيهما في الجاهلية، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قدمت عليكم ولكم يومان تلعبون فيهما في الجاهلية، وقد أبدلكم الله خيرا منهما يوم النحر ويوم الفطر» رواه أبو داود والنسائي والبيهقي، قال البغوي: حديث صحيح، وأول عيد صلاه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عيد الفطر في السنة الثانية من الهجرة، وفيها فرض زكاة الفطر، ونزلت فريضة رمضان في شعبان وحولت القبلة وبنى بعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - في شوال وتزوج علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بفاطمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -.
م: (وتجب صلاة العيدين على كل من تجب عليه صلاة الجمعة) ش: أشار بهذا إلى أن صلاة العيد واجبة، كما رواه الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكر هذه الرواية في " المبسوط " وذكر الكرخي أنها تجب على من تجب عليه الجمعة، وفي " العتبية " هي واجبة في أصح الروايات عن أصحابنا، قال قاضي خان: هو الصحيح، وفي " المحيط ": الأصح أنها واجبة، وفي المرغيناني كذلك، وفي " جوامع الفقه " و" منية المفتي " أنها واجبة، وفي " المفيد " هي واجبة. وفي " البدائع " هو الصحيح، وفي " مختصر أبي موسى الضرير " هي فرض كفاية، وفي " الغزنوي " قيل هي فرض

(3/95)


وفي " الجامع الصغير "
عيدان اجتمعا في يوم واحد، فالأول سنة والثاني فريضة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كفاية. وفي " العتبية " قيل هي فرض، وأطلق، وقال مالك والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - هي سنة مؤكدة، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا تجب صلاة العيد على كل من تجب عليه الجمعة، وهذا منه يقتضي أن تكون فرض عين، لأن الفرض والواجب عنده في غير الحج واحد، وهو خلاف الإجماع ولهذا تكلموا فيه، وقال ابن العربي في المعارضة: لا أعلم أحدا قال إنها فرض كفاية إلا الإصطخري من الشافعية.
قلت: ظاهر مذهب أحمد أنها فرض كفاية، ذكر عنه في " المغني "، وقال في " جوامع الفقه " هو قول ابن أبي ليلى، وقال إمام الحرمين قال به طائفة مع الإصطخري، قوله- على من تجب عليه الجمعة - مشير إلى أنها لا تجب على العبد والمسافر والمريض كالجمعة.
فإن قلت: ينبغي أن تجب عليه الجمعة مع إذن مولاه لقيام الظهر مقام الجمعة، وهاهنا ليس كذلك.
قلت: نعم، كذلك إلا أنها لا تجب عليه مع الإذن أيضا، لأن المنافع بالإذن لا تصير مملوكة للعبد، فبقي الحال في الإذن كهي قبله، كما في الحج، فإنه لا يقع من حجة الإسلام، وإن حج بإذن مولاه، وكذلك العبد إذا حنث في يمينه يكفر بالمال بإذن مولاه فإنه لا يجوز، لأنه لم يملكه بالإذن.
وقال الشافعي: لا يشترط لها ما يشترط للجمعة، حتى يجوز أن يصلي العبد العيد والمسافر والمرأة والمنفرد حيث شاء، وأهل القرى لأنها نافلة، فأشبهت صلاة الاستسقاء والخسوف، وقال في القديم وهو رواية عن أحمد كقولنا. وفي " الجامع الصغير " عيدان اجتمعا في يوم واحد فالأول سنة والثاني فريضة ولا يترك واحد منهما لما ذكر "المصنف" - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن صلاة العيدين واجبة أراد به بلفظ الجامع الصغير ليدل على أنها سنة عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
قال شمس الأئمة السرخسي: اشتبه المذهب فيها هل هي واجبة أم سنة، فالمذكور. م: (في الجامع الصغير) ش: أنها سنة لأنه قال.

م: (عيدان اجتمعا في يوم واحد فلأول سنة والثاني فريضة) ش: وهو تنصيص على السنة.
قال: والأظهر أنها سنة ولكنها من معالم الدين إقامتها هدى وتركها ضلالة، وقال شيخ الإسلام: والصحيح أنها سنة مؤكدة. وقال السغناقي: كل موضع فيه نوع مخالفة بين روايتي القدوري و" الجامع الصغير "، ويفيد لفظ " الجامع الصغير "، ومخالفته هنا ظاهرة وهي إطلاق الواجب على صلاة العيد في لفظ القدوري وإطلاق السنة في " الجامع الصغير "، وتبعه في هذا الكلام صاحب " الدراية " ثم الأكمل كذلك.

(3/96)


ولا يترك بواحد منهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: لم يتعرض القدوري في "مختصره" إلى الوجوب ولا إلى السنة، وإنما قال ويصلي الإمام بالناس ركعتين يكبر في الأولى تكبيرة الافتتاح وليس ذكر لفظ " الجامع الصغير " إلا لما ذكرنا، ثم المراد من اجتماع العيدين هاهنا اتفاق كون يوم الفطر أو يوم الأضحى في يوم الجمعة، وتغلب لفظ العيد على لفظ الجمعة، إما لعلة الحروف كما في العمرين، أو التغليب المذكور كما في القمرين، أو لأن يوم الجمعة عيد المؤمنين باعتبار ما لهم من وعد المغفرة والكفارة.
قوله: م: (ولا يترك بواحد منهما) ش: أي من العيد والجمعة، أما الجمعة فلأنها فريضة، وأما العيد فلأن تركها بدعة وضلال، وقال فخر الإسلام: ومن الناس من قال: بأنه إذا شهد الأولى منهما لم يلزمه شهود الأخرى؛ لما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال في يوم عيد وجمعة «إنكم يا أهل العوالي شهدتم معي العيد وإنما مجمعون فمن شاء فليرجع»
وفي " المحلى " و" الأشراف ": صلى عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - العيد ثم خطب فقال: إنه قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن أحب من أهل العالية أن ينتظر الجمعة فلينتظر، ومن أحب أن يرجع إلى أهله فليرجع فقد أذنت له.
قوله- وإنما مجمعون - دليل على أن تركها لا يجوز، وإنما أطلق لهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخيرهم عثمان، لأنهم كانوا أهل أبعد قرى المدينة، وإذا رجع أهل القرى قبل صلاة الجمعة لا بأس به.
فإن قلت: كيف قال محمد ولا يترك واحد منها، ومعلوم أن صلاة الجمعة فرض عين، وفرائض الأعيان لا تترك.
قلت: احترز به عن قول بعض العلماء فإنه روي عن عطاء أنه يجزئ لصلاة العيد عن الجمعة ومثله عن علي وابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وعنه يجزئ أحدهما عن الأخرى.
وقال ابن عبد البر: سقوط الجمعة والظهر بصلاة العيد متروك مهجور، ولا يقول عليه وتأويل ذلك في حق أهل البادية ومن لا يجب عليه الجمعة، ويستحب تأخير صلاة العيد في الفطر، وتعجيلها في النحر لتعجيل الأضاحي وخروج الوقت في أثنائها يفسدها كالجمعة.
وفي " قنية المنية " يقدم صلاة العيد على صلاة الجنازة وصلاة الجنازة على الخطبة، ولو أفسدها قضاها ركعتين عندهما، وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا قضاء عليه، وفي " منية المفتي ": لا قضاء عليه ولم يجد خلافا، وقال أبو حفص الكبير: يقضي ركعتين لا يكبر فيهما

(3/97)


قال: وهذا تنصيص على السنة، والأول على الوجوب وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجه الأول: مواظبة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليها من غير ترك. ووجه الثاني: «قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث الأعرابي عقيب سؤاله قال: هل علي غيرهن؟ فقال: لا إلا أن تطوع»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وإقامتها في الرساتيق يكره كراهة تحريم. قال شرف الأئمة والقاضي عبد الجبار، وقال الكرابيسي فسخ وكان يغضب لذلك غضبا شديدا.
م: (قال) ش: أي "المصنف". م: (وهذا) ش: أي قوله عند أبي حنيفة.. إلخ. م: (تنصيص على السنة) ش: لأنه صرح بها. م: (والأول على الوجوب) ش: أراد بالأول قوله- وتجب صلاة العيد - أي الأول تنصيص على وجوب صلاة العيد. م: (وهو رواية) ش: أي الوجوب رواية. م: (عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: رواه عنه الحسن كما ذكرناه.
م: (وجه الأول) ش: أي الوجوب. م: (مواظبة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليها) ش: أي على صلاة العيد. م: (من غير ترك) ش: ومواظبة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من غير ترك يدل على الوجوب، ولأنها صلاة تختص بجماعة وضع لها خطبة فكانت واجبة كالجمعة.
فإن قلت: يلزم عليه الأذان والإقامة والجماعة في سائر الصلوات فإنها من الشعائر وتقام على سبيل الإجهار مع أنها سنة.
قلت: صلاة العيد شعار شرعت مقصودة بنفسها، وهذه الأشياء شرعت تبعا لغيرها وهو الصلاة، فانحطت درجتها عن درجة صلاة العيد، كذا ذكر شيخ الإسلام.
واستدل شيخ الإسلام على وجوبها بقوله تعالى {لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [الحج: 37] [البقرة: 185] قيل المراد صلاة العيد والأمر للوجوب، وفي " الفوائد الظهيرية " الأمر باللام إنما يكون للغائب، وهذا مخاطب، لكن روي في قراءة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فبذلك فلتفرحوا"، بالخطاب فيحمل هذا على ذلك أو جعل الأخبار من الأمر مجازا، لأنه مستأنف، ومعنى الوجوب من الأخبار أيضا، وفيه تأمل، لأنه روي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن المراد تكبيرة ليلة الفطر بدليل عطفه على إكمال رمضان. وقيل: المراد بالآية التعليم، وقيل: المراد تكبيرات صلاة العيد، وقيل في قَوْله تَعَالَى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] [الكوثر، الآية: 2] المراد صلاة عيد النحر فيجب بالأمر.
م: (ووجه الثاني) ش: وهو كونه سنة. م: (قوله- عَلَيْهِ السَّلَامُ - في حديث الأعرابي عقيب سؤاله هل علي غيرهن، فقال: لا، إلا أن تطوع) ش: حديث الأعرابي أخرجه البخاري ومسلم في الإيمان عن طلحة بن عبيد الله قال: «جاء رجل إلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من أهل نجد ثائر الرأس يسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول حتى دنا من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: خمس صلوات في اليوم والليلة، فقال له: هل علي غيرهن؟ قال: لا، إلا أن تطوع

(3/98)


والأول أصح، وتسميته سنة لوجوبه بالسنة،
ويستحب في يوم الفطر أن يطعم الإنسان قبل الخروج إلى المصلى ويغتسل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وصيام شهر رمضان، قال: هل علي غيره؟ قال: لا إلا أن تطوع، وذكر له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزكاة، قال: هل علي غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع، قال: فأدبر الرجل وهو يقول والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أفلح إن صدق.»
قوله- عقيب سؤاله- أي عقيب سؤال الأعرابي. قوله- إلا أن تطوع - بتشديد الطاء والواو كلتيهما، لأن أصله تتطوع بتائين، فأدغمت أحد التائين في الطاء.
م: (والأول أصح) ش: أراد بالأول وجوب صلاة العيد، وأشار هذا إلى أنه أيضا ممن يقول بالوجوب. م: (وتسميته سنة لوجوبه بالسنة) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال إذا كانت صلاة العيد واجبة فكيف تقول إنها سنة، وتقرير الجواب أن تسمية محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - صلاة العيد سنة مع كونها واجبة لأجل أنها تثبت بالسنة وهي مواظبته- عَلَيْهِ السَّلَامُ - عليها من غير ترك، وفي " المحيط " عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنها سنة واجبة أي وجوبها طريقة مستقيمة.

[ما يسن للمصلي في يوم الفطر]
م: (ويستحب في يوم الفطر أن يطعم الإنسان قبل أن يخرج إلى المصلى) ش: وبه قال مالك والشافعي وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لما روى البخاري في -صحيحه- عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تغدوا يوم الفطر حتى تأكلوا تمرات» ، وقال أنس قيل «ما خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الفطر حتى يأكل تمرات ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أقل أو أكثر بعد أن يكون وترا» وهو قول فقهاء الأمصار، وكان ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يأكل يوم الفطر حتى يغدو.
وقال ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إن شاء أكل وإن شاء لم يأكل ومثله عن النخعي، وقال علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «من السنة أن يأكل يوم الفطر قبل أن يخرج إلى المصلى» وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يجب عليه. وعن سعيد بن المسيب: كان الناس يؤمرون بالأكل قبل الغدو في يوم الفطر.
م: (ويغتسل) ش: بنصب اللام، أي يستحب في يوم الفطر أن يغتسل، وبه قال عطاء وعلقمة وعروة والنخعي والشعبي وإبراهيم التيمي وقتادة، ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر، وعن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه سنة كالجمعة ذكره في " المهذب " و" نهاية المطلب "، وفي " المدونة " غسل العيدين مطلوب دون غسل الجمعة. وفي " الذخيرة " لما كان العيد منخفض عن الجمعة في الوجوب وهو في وقت البرودة وعدم انتشار روائح الأعراف انحط غسله عن غسلها، وفي " الجواهر " يغتسل بعد الفجر، فإن فعل قبله أجزأه.
فإن قلت: جعل المصنف الاغتسال هاهنا مستحبا، وفي الطهارة سنة.

(3/99)


ويستاك ويتطيب، لما روي «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يطعم في يوم الفطر قبل أن يخرج إلى المصلى» وكان يغتسل في العيدين ولأنه يوم اجتماع فيسن فيه الغسل والتطيب كما في الجمعة ويلبس أحسن ثيابه؛ «لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان له جبة فنك أو صوف يلبسها في الأعياد»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: اختلفت عبارات المشايخ، ففي بعضها جعله مستحبا، وفي بعضها سنة والصحيح أنه سنة، وسماه مستحبا لاشتمال السنة على المستحب.
م: (ويستاك) ش: بالنصب أيضا، لأن العلة التي لأجلها ندب الاغتسال والسواك والتطيب في الجمعة في صلاة العيد، وفي " السنن "عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الغسل يوم الجمعة على كل محتلم والسواك، ويمس من الطيب ما قدر له".» م: (ويتطيب) ش: بالنصب أيضا، أي يستحب في يوم الفطر أن يتطيب بطيب له رائحة ولا لون له كالبخور والمسك حلال للرجل، وقد غلط من قال بنجاسته.
م: (لما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كان يطعم في يوم الفطر قبل أن يخرج إلى المصلى» ش: هذا دليل لقوله ويستحب في الفطر أن يطعم قبل أن يخرج إلى المصلى، وقد رويناه عن البخاري من حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات» وقد ذكرناه عن قريب. م: «وكان يغتسل في العيدين» ش: هذا حديث آخر دليل لقوله ويغتسل، رواه ابن ماجه من حديث الفاكه بن سعد، وكانت له صحبة: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يغتسل يوم الفطر ويوم النحر» والفاكه بن سعد يأمر أهله بالغسل في هذه الأيام، ولا يعرف لفاكه بن سعد غير هذا الحديث، وروى ابن ماجه أيضا من حديث ابن عباس قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يغتسل يوم الفطر ويوم الأضحى» .
م: (ولأنه) ش: أي ولأن يوم العيد. م: (يوم اجتماع، فيسن فيه الغسل والتطيب كما في الجمعة) ش: أي كما سن في يوم الجمعة. م: (ويلبس) ش: بالنصب أيضا، أي: ويستحب له أن يلبس. م: (أحسن ثيابه) ش: جديدا كان أو غسيلا. م: (لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كانت له جبة فنك أو صوف يلبسها في الأعياد» ش: هذا الحديث غريب، لكن روى البيهقي من طريق الشافعي: أخبرنا إبراهيم بن محمد الأسلمي، أخبرني جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يلبس برد حبرة في كل عيد» . وروى البيهقي من حديث جابر بن عبد الله، قال: «كان للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - برد أحمر

(3/100)


ويؤدي صدقة الفطر إغناء للفقير ليتفرغ قلبه للصلاة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يلبسه في العيدين والجمعة» .
قوله - جبة فنك- بالإضافة، ويجوز أن يكون بالصفة، وكذا الكلام في برد حبرة، والفنك بفتح الفاء والنون: حيوان يتخذ من جلده الفراء السنجاب، والحبرة بكسر الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة برد يمان، والجمع حبر، ويقال برد حبر وحبرة بالإضافة، والصفة عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه خرج في يوم الفطر أو أضحى في ثوب قطن يمشي.

م: (ويؤدي صدقة الفطر) ش: بالنصب أيضا عطفا على قوله: أن يطعم. م: (إغناء للفقير) ش: أي لأجل إغنائه، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أغنوهم عن المسألة في هذا اليوم» ، ويروى عن الطلب، رواه الدارقطني والبيهقي من رواية أبي عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وفي رواية البيهقي: «أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم» .
وروى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي من «حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الفطر أن نؤديها قبل خروج الناس إلى الصلاة.» م: (ليتفرغ قلبه للصلاة) ش: أي لصلاة العيد، لأن الفقير يشتغل بالسؤال ويطوف ويشتغل قلبه بالتحصيل، فإذا أعطي شيئا من ذلك يفرغ قلبه لأجل الصلاة.
ثم إن "المصنف "- رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكر هاهنا استحباب ستة أشياء وهي قوله - في يوم الفطر - إلى قوله - ويتوجه إلى المصلى - وفي " قنية المنية " يستحب يوم الفطر للرجل اثني عشر شيئا: الغسل، والسواك، ولبس أحسن الثياب المباحة والتطيب والتختم والتبكير وهو سرعة الانتباه والابتكار وهو المسارعة إلى المصلى، والإفطار على حلو قبل الصلاة، وأداء صدقة الفطر قبلها، وصلاة الغداة في مسجد حيه، والخروج إلى المصلى ماشيا، والرجوع من طريق أخرى، والأضحى كالفطر غير أنه يترك الأكل حتى يصلي العيد، وهو سنة، قال: وكانت الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يمنعون صبيانهم من الأكل وأطفالهم من الرضاع إلى أن يصلوا.
وقال بعضهم: هذه سنة لمن أراد أن يضحي بعد الأضحى حتى يكون أول أكله من لحم الأضحية، فأما من لم يضح فقبل الصلاة وبعدها في حقه سواء، ثم الخروج للجبانة سنة، وهي المصلى في طرف البلد، وإن كان يسعهم المسجد الجامع، وعليه عامة المشايخ، وقيل: ليس بسنة، وإنما يفعل لضيق الجامع، والصحيح هو الأول، وقال ابن المنذر: قد ثبت أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخرج يوم الفطر ويوم الأضحى إلى المصلى، والسنة ذلك، فإن ضعف يوم عنه أمر الإمام من يصلي بهم في المسجد، وهو الأفضل، روي ذلك عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - واستحسنه

(3/101)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأوزاعي، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي ثور.
والمستحب أن يجيء ماشيا لما ذكرنا عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «من السنة أن يأتي العيد ماشيا» . رواه الترمذي وابن المنذر. وبه قال عمر بن عبد العزيز، وكره النخعي الركوب، واستحب المشي الثوري، والشافعي - رحمهما الله- وأحمد كقولنا، وهو أقرب إلى التواضع وموافقة السنة، والركوب مباح، وفي المرغيناني: لا بأس بالركوب في الجمعة والعيدين، والمشي أفضل، ومثله في " الذخيرة، «وكان - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقول عند خروجه: اللهم إني خرجت إليك مخرج العبد الذليل» .
فإن قلت: ما أصل اختلاف الطريق يوم العيد عند الخروج إلى المصلى.
قلت: روي عن عمر «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذ يوم العيد في طريق، ثم رجع في طريق آخر» رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم، وروى البخاري من حديث جابر أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كان يعدو يوم الفطر والأضحى في طريق ويرجع الأخرى.»
فإن قلت: ما الحكم فيه قلت ذكر فيه وجوه الأول أنه إنما فعل ذلك ليكون للطريق الآخر حظا من العبادة والثاني لأن الناس يسألون عن الشرائع وما كانوا يقدرون على الوقوف له في طريق واحد الثالث أن كل واحد الثالث أن كل واحد كان يتمنى النظر إلى وجهه ولا يتيسر له في طريق واحد. الرابع: ليبين أن ذلك كله حسن مختار. الخامس: أنه كان يفعله احتياطا وتحرزا عن كيد الكفار. السادس: أن ذلك لكثرة الزحمة، يروى عن ابن عمر السابع: لأجل الغبار. الثامن: للتسوية بين أهل الطريقين في التبرك به. التاسع: لتعم الصدقة مساكين الطريقين، العاشر: لإظهار كثرة أهل الإسلام وانتشارهم. وفي "التجنيس" الحكمة في ذلك أن مكان القربة يشهد لصاحبها، ففي اختلاف الطريقين كثرة الشهود.

(3/102)


ويتوجه إلى المصلى ولا يكبر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في طريق المصلى ويكبر عندهما اعتبارا بالأضحى، وله أن الأصل في الثناء الإخفاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ويتوجه إلى المصلى) ش: بالرفع لا بالنصب أي يتوجه من يريد صلاة العيد إلى مصلى العيد. م: (ولا يكبر) ش: يجوز أن تكون الواو للعطف، ويجوز أن تكون للحال، يعني ولا يكبر جهرا. م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في طريق المصلى) ش: إنما قيدنا بالجهر، لأن التكبير خير موضوع، لا خلاف في جوازه بصفة الإخفاء، وذكر الطحاوي أنه يغدو إلى الصلاة جاهرا بالتكبير في العيدين، ولم يذكر الخلاف.
وقال أبو بكر الرازي في شرح " مختصر الطحاوي " ويحكى عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يكبر في الأضحى دون الفطر وعليه مشايخنا بما وراء النهر، وفي عامة الكتب الخلاف في الجهرية في طريق المصلى لا في نفس التكبير، ومعنى قوله - ولا يكبر - أي جهرا به عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما ذكرنا، ويأتي به سرا كما في سائر الأيام، وهو رواية المعلى عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكره المرغيناني.
وقال الأسبيجابي مثلما قال الطحاوي ثم إنه يقطع التكبير إذا انتهى إلى المصلى، وفي رواية: لا يقطعها ما لم يفتتح الإمام صلاة العيد، ذكره في " المحيط ".
واختلف أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في انقطاع هذا التكبير، فقال المزني: يكبرون حتى يخرج الإمام، وقال البويطي: حتى يفتتح الصلاة، وعن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في القديم: حتى ينصرف من الصلاة، ومثله في الأضحى، ويجهر به في الطريق إجماعا. وكان ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يرفع صوته بالتكبير في العيدين، وروي ذلك عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأبي أمامة الباهلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
م: (ويكبر عندهما) ش: أي يكبر جهرا عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد في عيد الفطر. م: (اعتبارا بالأضحى) ش: أي قياسا على عيد الأضحى، فإنه يكبر فيه جهرا بلا خلاف، وبه قال النخعي؛ وسعيد بن جبير وابن أبي ليلى، وابن عبد العزيز وأبان بن عثمان، والحكم وحماد ومالك والشافعي ومحمد وإسحاق وأبو ثور - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - واحتجوا بقوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] [البقرة، الآية: 185] وقال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - هذا ورد في عيد الفطر بدليل عطفه على قوله: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ} [البقرة: 185] والمراد بإكمال العدة إكمال صوم رمضان.
م: (وله) ش: أي لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (أن الأصل في الثناء الإخفاء) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ} [الأعراف: 205] [الأعراف: 205] ، وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «خير الذكر الخفي» ، ولأنه أقرب من الأدب والتطوع، وأبعد من الرياء وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

(3/103)


والشرع ورد به في الأضحى لأنه يوم تكبير ولا كذلك يوم الفطر
ولا يتنفل في المصلى قبل صلاة العيد،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
«خير الذكر الخفي، إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا» ، وذكر ابن المنذر عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنه سمع الناس يكبرون، فقال: أيكبر الإمام؟ قيل: لا، قال: مجانين الناس، وفي " الحاوي ": سئل النخعي عن ذلك، قال: ذاك تكبير الحاكم.
قلت: هذا خلاف ما مر عنه آنفا أنه يكبر، وقال أبو جعفر: والذي عندنا أنه لا ينبغي أن يمنع العامة من ذلك لقلة رغبتهم في الخيرات، وقال: وبه نأخذ.
م: (والشرع ورد به) ش: أي بالجهر بالتكبير. م: (في الأضحى) ش: أي في عيد الأضحى. م: (لأنه) ش: أي لأن عيد الأضحى. م: (يوم تكبير) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] [البقرة: 203] جاء في التفسير: المراد به التكبير في هذه الأيام. م: (ولا كذلك يوم الفطر) ش: لأنه لم يرد به الشرع، وليس في معناه أيضا لأن عيد الأضحى اختص بركن من أركان الحج، والتكبير شرع علما على وقت أفعال الحج، وليس في شوال ذلك.
فإن قلت: لا نسلم أن الشرع لم يرد به، فإن الله تعالى قال: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ} [البقرة: 185] [البقرة: 185] وقد ذكرنا عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ما قاله فيه.
قلت: المراد بما في الآية التكبير في صلاة العيد، والمعنى صلوا صلاة العيد، وكبروا الله فيها.
فإن قلت: روى نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخرج يوم الفطر ويوم الأضحى رافعا صوته بالتكبير حتى يأتي المصلى» رواه الحاكم والبيهقي.
قلت: في إسناده الوليد بن محمد وهو متروك الحديث أيضا، وصحح البيهقي رفعه، ورواه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا موقوفا.
فروع: قال أبو بكر الرازي، قال مشايخنا: التكبير جهرا في غير هذه الأيام لا يسن إلا بإزاء العدو واللصوص معينا له، وقيل: وكذا في الحريق والمخاوف كلها، وفي جمع النوازل ويكبر كلما لقي جمعا أو هبط واديا كالتلبية.

[التنفل في المصلى قبل صلاة العيد]
م: (ولا يتنفل في المصلى قبل صلاة العيد) ش: وفي بعض النسخ قبل العيد، أي قبل صلاة العيد، وفي " الذخيرة ": ليس قبل صلاة العيدين صلاة، كذا ذكر محمد في الأصل، وإن شاء

(3/104)


لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يفعل ذلك مع حرصه على الصلاة، ثم قيل: الكراهة في المصلى خاصة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تطوع بعد الفراغ من الخطبة. وقال أبو بكر الرازي: معناه ليس قبلها صلاة مسنونة لا أنها تكره، إلا أن الكرخي نص على الكراهة قبل العيد حيث قال: يكره لمن حضر المصلى التنفل قبل صلاة العيد.
وفي " التجريد": إن شاء تطوع بعد الفراغ، من الخطبة ولم يذكر أنه تطوع في الجبانة أو في بيته، فإنه قال: لأنه يشبه السنة، فلو أراد أن يفعل ذلك فليفعله في منزله، وكان محمد بن مقاتل الرازي يقول: لا بأس بصلاة الضحى قبل الخروج إلى المصلى، وإنما يكره في الجبانة. وعامة المشايخ على الكراهة مطلقا، وعن علي وابن مسعود وجابر وابن أبي أوفى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنهم كانوا لا يرونها قبلها ولا بعدها، وهو قول ابن عمر ومسروق والشعبي والضحاك والقاسم وسالم والزهري ومعمر وابن جريج ومالك وأحمد. وقال أنس والحسن وعروة والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يصلي قبلها وبعدها، وعن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في غير الإمام.
وقال أبو مسعود البزدوي: لا يصلي قبلها ويصلي بعدها، وبه قال علقمة، والأسود، ومجاهد، والثوري، والنخعي، والأوزاعي وابن أبي ليلى، وفي "الجواهر " للمالكية: لا يتنفل قبلها ولا بعدها في هذا اليوم، حكى ذلك عن ابن حبيب المالكي، وهو مردود بالإجماع، وعند أشهب لا يتنفل قبلها في المسجد ويتنفل بعدها، وفي " المغني ": قال أحمد: أهل الكوفة لا يتطوعون قبلها ولا بعدها.
م: (لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يفعل ذلك مع حرصه على الصلاة) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يصل قبل العيد مع حرصه على فعل الصلاة، وقد روى الأئمة الستة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج فصلى بهم العيد ولم يصل قبلها ولا بعدها.»
وروى ابن ماجه في "سننه " من حديث عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يصلي قبل العيد شيئا، فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين» .
م: (ثم قيل الكراهة في المصلى خاصة) ش: قائله محمد بن مقاتل الرازي، وأشار بقوله خاصة إلى أنه لا يكره في غير المصلى، وروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه رأى في المصلى أقواما يصلون قبل الإمام، فقال: ما هذه الصلاة؟ لم نكن نعرفها على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فقيل له: ألا تنهاهم؟ فقال: أكره أن أكون من الذي قال الله تعالى في حقهم: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى - عَبْدًا إِذَا صَلَّى} [العلق: 9 - 10] وقال واحد منهم: إني أعلم أن الله لا يعذب عبدا على الصلاة، قال علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنا أعلم أن الله لا يثيب على مخالفة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قوله "خاصة" منصوب على الحال من الكراهة، والعامل فيه "قيل"، وكذلك الكلام في عامة.

(3/105)


وقيل فيه وفي غيره عامة؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يفعله، وإذا حلت الصلاة بارتفاع الشمس دخل وقتها إلى الزوال،
فإذا زالت الشمس خرج وقتها؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي العيد والشمس على قيد رمح أو رمحين،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقيل فيه وفي غيره عامة) ش: أي قيل الكراهة في المصلى وغير المصلى، وهو قول عامة المشايخ، كما ذكر، ثم إذا أراد أن يصلي بعدها صلى أربعا، وفي "زاد الفقهاء ": إن أحب أن يصلي بعدها صلى أربعا، إلا أن مشايخنا قالوا: المستحب أن يصلي أربعا بعد الرجوع إلى منزله، كيلا يظن ظان أنه هو السنة المتوارثة، ولكن ذكر في " فتاوى" قاضي خان جواز التطوع في الجبانة بغير كراهة إذا كان بعد صلاة العيد من غير ذكر عدم الاستحباب، وكذلك أطلق الجواز في " التحفة "، فقال: أما لو فعل بعد الفراغ من الخطبة فلا بأس به.
م: (لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يفعله) ش: أي لم يفعل الصلاة، أي لم يصل في المصلى قبل صلاة العيد ولا بعدها، وعدم فعله دليل الكراهة، وفي فتاوى الكردي والولوالجي وعليه الفتوى وفي " الصحيحين " عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أنه خرج يوم الأضحى فصلى ركعتين ولم يصل قبلهما، ولا بعدهما، وقال أبو داود: ويوم الفطر» .
م: (وإذا حلت الصلاة) ش: قال السغناقي: من الحل لا من الحلول، لأن الصلاة قبل ارتفاع الشمس كانت حراما، كما جاء في الحديث: ثلاث أوقات نهانا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... الحديث، وقال تاج الشريعة: يحتمل أن يكون من الحلول يعنى الوجوب، ويحتمل أن يكون من الحل؛ لأن قبل ارتفاع الشمس لا تحل الصلاة.
قلت: الصواب ما قاله على ما لا يخفي. م: (بارتفاع الشمس) ش: ارتفاعها عند ابيضاضها، وذكر في " المحيط " أن أول وقتها حين تبيض الشمس، وآخر وقتها حين نزولها. وفي " الينابيع " فإذا صليت الصلاة بارتفاع الشمس يريد به إذا حل الوقت بالمباح للصلاة وذلك إذا ارتفعت الشمس وابيضت، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله- وأكثر أهل العلم.
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أول وقتها طلوع الشمس، ويستحب تأخيرها قدر رمح. م: (دخل وقتها إلى الزوال) ش: أي إلى زوال الشمس عن كبد السماء.

[وقت صلاة العيدين]
م: (وإذا زالت الشمس خرج وقتها؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كان يصلي العيد والشمس على قيد رمح أو رمحين» ش: قال الزيلعي: هذا حديث غريب، وقال السروجي: قال شمس الدين سبط بن الجوزي: متفق عليه.
وروى أبو داود، ثنا أحمد بن حنبل، ثنا أبو المغيرة، ثنا صفوان، ثنا يزيد بن خمير الرحبي، قال: «خرج عبد الله بن بسر صاحب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع الناس في يوم عيد فطر أو أضحى فأنكر إبطاء الإمام، وقال: إن كنا قد فرغنا ساعتنا هذه، وذلك حين التسبيح» أي وقت جواز التسبيح أي صلاة

(3/106)


ولما شهدوا بالهلال بعد الزوال أمر بالخروج إلى المصلى من الغد،
ويصلي الإمام بالناس ركعتين يكبر في الأولى للافتتاح وثلاثا بعدها، ثم يقرأ الفاتحة وسورة ويكبر تكبيرة يركع بها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الجمعة وهي صلاة الضحى، قوله: على قيد رمح بكسر القاف وسكون الياء يقال بينهما قيد رمح وقاد رمح، أي قدره.
م: (ولما شهدوا بالهلال بعد الزوال أمر بالخروج إلى المصلى من الغد) ش: هذا دليل خروج وقت صلاة العيد بزوال الشمس، بيانه أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أمر بالخروج إلى المصلى من الغد بعد شهادة الشهود، ولو جاز الأداء بعد الزوال لم يكن للتأخير معنى، إذ لا يجوز تأخيرها بدون العذر السماوي، ولا عذر هاهنا يجوز التأخير سوى أنه خرج الوقت، والضمير في - شهدوا - يرجع إلى الركب الذين جاءوا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وشهدوا برؤية الهلال في اليوم المكمل للثلاثين من رمضان بعد الزوال، فعند ذلك أمر - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بالخروج من الغد.. إلى آخر ما ذكرناه الآن.
وأصل الحديث ما رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه واللفظ لابن ماجه من حديث أبي بشر جعفر بن وحشية «عن أبي عمير بن أنس: حدثني عمومتي من الأنصار من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالوا: أغمي علينا هلال شوال، فأصبحنا صياما، فجاء ركب من آخر النهار فشهدوا عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يفطروا وأن يخرجوا إلى عيدهم من الغد» وبهذه اللفظة رواه الدارقطني في " سننه "، وقال: إسناده حسن، ولفظ أبي داود والنسائي «أن ركبا جاءوا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمرهم أن يفطروا وإذا أصبحوا يغدوا إلى مصلاهم»

[كيفية صلاة العيدين]
م: (ويصلي الإمام بالناس ركعتين) ش: أي يصلي الإمام صلاة العيد بالناس ركعتين. م: (يكبر في الأولى للافتتاح) ش: أي يكبر في الركعة الأولى لأجل الافتتاح، وهي تكبيرة الإحرام. م: (وثلاثا بعدها) ش: أي يكبر ثلاث تكبيرات بعد تكبيرة الافتتاح، ولكن بعد الثناء والتعوذ ويرفع يديه في كل تكبيرة.
م: (ثم يقرأ الفاتحة) ش: أي بعد الفراغ من التكبيرات الثلاث يقرأ فاتحة الكتاب. م: (وسورة معها) ش: أي ويقرأ سورة مع الفاتحة أو آية طويلة أو ثلاث آيات قصيرة. م: (ويكبر تكبيرة) ش: أي بعد الفراغ من القراءة يكبر تكبيرة واحدة لأجل الركوع وهو معنى قوله. م: (يركع بها) ش: أي بهذه التكبيرة وهذه الجملة في محل النصب، لأنها صفة لقوله - تكبيرة - فتكون التكبيرات الزوائد في هذه الركعة ثلاث تكبيرات قبل القراءة، ومع تكبيرات الافتتاح وتكبيرة الركوع

(3/107)


ثم يبتدئ في الركعة الثانية بالقراءة، ثم يكبر ثلاثا بعدها ويكبر رابعة يركع بها، وهذا قول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو مذهبنا. وقال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يكبر في الأولى للافتتاح وخمسا بعدها، وفي الثانية يكبر خمسا ثم يقرأ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
خمسة.
م: (ثم يبتدئ في الركعة الثانية بالقراءة) ش: كما في سائر الصلوات. م: (ثم يكبر ثلاثا بعدها) ش: أي ثم يكبر ثلاث تكبيرات بعد الصلاة. م: (ويكبر الرابعة) ش: أي يكبر تكبيرة رابعة بعد التكبيرات الثلاث لأجل الركوع، وهو معنى قوله. م: (يركع بها) ش: أي بهذه التكبيرة الرابعة في الركعة الثانية أيضا الزوائد ثلاث تكبيرات كما في الأولى، فالجملة ست تكبيرات زوائد ولا يرفع يديه في تكبير الركوع.
م: (وهذه قول عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي وهذا الذي ذكرنا بالكيفية المذكورة قول عبد الله بن مسعود، وبقوله قال أبو موسى الأشعري وحذيفة بن اليمان وعقبة بن عامر وابن الزبير وأبو مسعود البدري، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين والثوري وعلماء الكوفة، وهو رواية عن أحمد وهو رواية عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وهو قول ابن مسعود، هذا رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " ثنا هشيم ثنا مجالد عن الشعبي عن مسروق قال: كان عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يعلمنا التكبير في العيدين تسع تكبيرات خمس في الأولى وأربع في الآخرة ويوالي بين القراءتين في الأولى تكبيرة الافتتاح والتكبيرات الزوائد وتكبيرة الركوع والأربع في الركعة الأخيرة؛ التكبيرات الثلاث الزوائد وتكبيرة الركوع. وروى محمد بن الحسن في كتاب " الآثار " أنا أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان قاعدا في مسجد الكوفة ومعه حذيفة بن اليمان وأبو موسى الأشعري فخرج عليه الوليد بن عقبة بن أبي معيط وهو أمير الكوفة يومئذ، فقال: إن غدا عيدكم فكيف أصنع؟ فقال: أخبره يا أبا عبد الرحمن، فأمره عبد الله بن الزبير أن يصلي بغير أذان ولا إقامة وأن يكبر في الأولى خمسا وفي الثانية أربعا وأن يوالي بين القراءتين وأن يخطب بعد الصلاة على راحلته.
م: (وهو مذهبنا) ش: أي قول ابن مسعود مذهبنا، وهو مذهب جماعة من الصحابة والتابعين على ما ذكرناه آنفا.
م: (وقال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يكبر في الأولى للافتتاح) ش: أي يكبر في الركعة الأولى لأجل الافتتاح، وهي تكبيرة الإحرام (وخمسا بعدها) أي يكبر خمس تكبيرات أخرى بعد تكبيرة الافتتاح. م: (وفي الثانية يكبر خمسا) ش: أي يكبر في الركعة الثانية خمس تكبيرات. م: (ثم يقرأ) ش: أي بعد التكبيرات الخمس يشرع في قراءة القرآن.

(3/108)


وفي رواية يكبر أربعا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فتكون الجملة ثلاثة عشر تكبيرات، سبعة في الأولى الزوائد خمسة، والثنتان تكبيرة الافتتاح والركوع، وفي الركعة الثانية خمس تكبيرات زوائد، واحدة أصلية، فالجملة ثلاث عشرة، ثلاث أصليات وعشر زوائد، فالخلاف بين قول ابن مسعود، وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في موضعين: أحدهما: في عدد التكبيرات الزوائد، فعند ابن مسعود: ست، وعند ابن عباس: عشر، والآخر: أن التكبيرات الزوائد عند ابن مسعود بعد القراءة، وعند ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قبلها.
وهذه الرواية عن ابن عباس، رواها ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا يزيد بن هارون ثنا حميد عن عمار بن أبي عمار أن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة، سبعا في الأولى وخمسا في الثانية.
م: (وفي رواية يكبر أربعا) ش: أي في رواية أخرى عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه يكبر أربع تكبيرات في الركعة الثانية فتكون الجملة اثنتي عشرة تكبيرة، منها سبع في الأولى وهي تكبيرة الإحرام، وخمس بعدها الزوائد وتكبيرة الركوع وأربع في الركعة الأخرى زوائد وواحدة أصلية، فالجملة ثنتي عشرة.
وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في رواية أخرى يكبر في العيدين تسعا تسعا ويروى ذلك عن المغيرة وأنس وسعيد بن المسيب والنخعي، وعن ابن عباس أيضا أنه يكبر في عيد الفطر ثلاث عشرة تكبيرة، سبع في الأولى منهن تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع، وست في الثانية، منهن تكبيرة الركوع قبل القراءة وواحدة بعدها، وعن ابن عباس أيضا في رواية أخرى أنه تسع يوم الفطر ويوم الأضحى، وإحدى عشرة وثلاث عشرة.
وعنه أيضا كمذهبنا رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا هشيم أبو خالد الحداد عن عبد الله بن الحارث قال: صلى ابن عباس يوم عيد فكبر تسع تكبيرات، خمسا في الأولى وأربعا في الآخرة، ووالى بين القراءتين، ورواه عبد الرزاق أيضا في " مصنفه "، وزاد فيه: ونقل المغيرة بن شعبة مثل ذلك.
وهاهنا مسائل أخرى:
الأولى: يكبر في الأولى ستا وفي الثانية خمسا ويقرأ فيهما بعد التكبير، وهو مذهب الزهري والأوزاعي ومالك وأبي ثور وأحمد، في ظاهر قوله.
الثانية: يكبر في الأولى خمسا وفي الثانية ثلاثا سوى تكبيرتي الركوع، قاله الحسن البصري.

(3/109)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الثالثة: يكبر في الأولى أربعا غير تكبيرة الصلاة، وفي الثانية ثلاثا بعد القراءة، سوى تكبيرة الركوع، وهو مذهب جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
الرابعة: يكبر ثلاثا في الأولى سوى تكبيرة الافتتاح ثم يقرأ في الثانية بعد القراءة ثم يكبر في الركوع وهو رواية عن الحسن البصري.
الخامسة: التفرقة بين الفطر والأضحى، وهي أن يكبر في الفطر تكبيرة الافتتاح ثم يقرأ ثم يكبر خمسا يركع بآخرهن ثم يقوم فيقرأ ثم يكبر خمسا ثم يركع بآخرهن وتقدم القراءة على التكبيرات، وفي الأضحى يكبر خمسا غير تكبيرة الافتتاح، ثم يقرأ ثم يكبر ثنتين يركع بإحداهما ثم يقوم فيقرأ ثم يكبر ثنتين يركع بإحداهما، وهو مذهب علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وبه قال شريك بن عبد الله وابن جني.
السادسة: عن علي أيضا في رواية يكبر إحدى عشرة تكبيرة في الفطر والأضحى جمعا ثلاث أصليات وثمان زوائد ثلاث في الأولى واثنتان في الأخرى.
الثامنة: يكبر تكبيرتين ثم يقرأ، وكذا في الثانية وفي الفطر كقول أصحابنا، وهو مذهب يحيى بن أحمد.
التاسعة: ليس فيه شيء مؤقت، وهو مذهب حماد بن أبي سليمان، شيخ أبي حنيفة.
العاشرة: يأخذ بأي هذه التكبيرات شاء وهو مذهب ابن أبي ليلى، ورواية عن أبي يوسف.
الحادية عشرة: يكبر خمس عشرة تكبيرة، ثلاث أصليات واثنتا عشرة تكبيرة زائدة في ركعة، ست منها وهو مذهب أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
الثانية عشرة: عن أبي بكر أيضا يكبر ست عشرة تكبيرة، ثلاث أصليات، وثلاث عشرة زوائد، سبع في الأولى وست في الثانية.
وقد ذكرنا عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ست روايات فتصير الجملة ثمانية عشر قولا، ومع قول أصحابنا تسعة عشر قولا، ثم الاختلاف محمول على أن كل ذلك فعله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الأحوال المختلفة، لأن القياس لما لم يدل عليه حمل على أن كل واحد من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - روى قوله عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكل واحد من التابعين روى قوله عن صحابي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلا أن أصحابنا رجحوا قول ابن مسعود لوجوه: الأول: هو كون جماعة من الصحابة مع ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيما ذهب إليه على ما ذكرناه.
الثاني: لما روى أبو داود في " سننه " مسندا إلى مكحول، قال: أخبرني أبو عائشة جليس لأبي

(3/110)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
هريرة «أن سعيد بن العاص سأل أبو موسى الأشعري وحذيفة بن اليمان: كيف كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكبر في الأضحى والفطر؟ فقال أبو موسى: كان يكبر أربع تكبيرات على الجنائز، فقال حذيفة: صدق، فقال أبو موسى: كذلك كنت أكبر في البصرة حيث كنت عليهم، وقال أبو عائشة: وأنا حاضر سعيد بن العاص» . ورواه أحمد أيضا في " مسنده ". قوله: تكبيره على الجنائز، أي كتكبيره على الجنائز، واستدل به ابن الجوزي في " التحقيق " لأصحابنا ثم أعله بعبد الرحمن بن ثوبان الذي في سنده فقال: قال ابن معين: وهو ضعيف، وقال أحمد: لم يكن بالقوى، وأحاديثه مناكير. وفي " التنقيح ": عبد الرحمن بن ثوبان وثقه غير واحد. وقال ابن معين: ليس به بأس، ولكن أبو عائشة قال ابن حزم فيه: مجهول، وقال ابن القطان: لا نعرف حاله.
قلت: أبو داود أخرج له وسكت عنه، وأدنى المرتبة أن يكون حديثه حسنا.
فإن قلت: قال البيهقي: خولف، وإنه في موضعين رفعه، وفي جواب أبي موسى والمشهور أنهم أسندوه إلى ابن مسعود فأفتاهم بذلك، ولم يسنده إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قلت: سكوت أبي داود يدل على أنه مرفوع، لأن مذهب المحققين أن الحكم للرافع لأنه زاد، وأما جواب أبي موسى فيحتمل أنه قارب مع ابن مسعود فأسند الأمر إليه مرة، وكان عنده حديث فيه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكره مرة أخرى.
وقال أبو بكر الرازي: حديث الطحاوي مسند إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنه صلى يوم عيد وكبر أربعا، أقبل بوجهه حين انصرف، فقال: لا تشبهوا بتكبير الجنائز، وأشار بأصابعه، وقبض إبهامه» وفيه قبول وفعل وإشارة إلى أصل وتأكيد، والأخذ به أولى، وأراد بالأربع أربع تكبيرات متوالية.
فإن قلت: ما تقول فيما أخرجه الترمذي وابن ماجه عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده عمرو بن عوف المزني «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كبر في العيدين في الأولى سبعا قبل القراءة، وفي الآخرة خمسا قبل القراءة.» قال الترمذي: حديث حسن، وهو أحسن شيء روي في هذا الباب. وقال في " علله الكبرى ": سألت محمدا عن هذا الحديث، فقال: ليس في

(3/111)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
هذا الباب شيء أصح منه، وبه أقول.
قلت: قال ابن القطان في كتابه: هذا ليس بصريح في الصحيح، فقوله: ليس في هذا الباب شيء أصح منه، يعني أقل ضعفا، وقوله: وبه أقول، يحتمل أن يكون من كلام الترمذي، أي: أنا أقول، أنا محمد، الحديث أحسن ما في الباب، قال: ونحن وإن خرجنا عن ظاهر اللفظ، ولكن كثير بن عبد الله: متروك، قال أحمد: لا يساوي شيئا وضرب على حديثه في المسند ولم يحدث به، وقال ابن معين: ليس حديثه بشيء.
وقال أبو زرعة: واهي الحديث. وقال الشافعي: هو ركن من أركان الكذب.
وقال ابن حبان: يروي عن أبيه عن جده نسخة موضوعة لا يحل ذكرها في الكتب إلا على سبيل التعجب.
وقال ابن ماجه في كتابه " العلم المشهور ": وقد حسن الترمذي في كتابه من أحاديث موضوعة وأسانيد واهية منها هذا الحديث، فإن الحسن عندهم ما نزل عن درجة الصحيح ولم يرد عليه إلا من كلامه، فإنه قال في علله التي في كتابه " الجامع ": والحديث الحسن عندنا ما روي من غير وجه، ولم يكن شاذا ولا في إسناده من يتهم بالكذب.
الوجه الثالث: أن قول ابن مسعود لم يضطرب وقد ساعده جماعة من الصحابة الذين ذكرناهم، وفي قول غيره اضطراب، فصار الأخذ بقوله أولى، على أنه قد نقل عن أحمد أنه ليس يروى في التكبير في العيدين حديث صحيح، قال أبو بكر بن المولى: لم يثبت في التكبير شيء يصح.
فإن قلت: ذكر البيهقي في " سننه " أحاديث محتجا بها لمذهب إمامه وصحح بعضها، ولم يتعرض للتضعيف. منها: حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -.
قالت: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكبر في العيدين في الأولى بسبع تكبيرات، وفي الثانية بخمس قبل القراءة سوى تكبيرتي الركوع» رواه أبو داود وابن ماجه. ومنها: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «التكبير في الفطر سبع في الأولى وخمس في الثانية والقراءة بعد كلتيهما» رواه أبو داود وابن ماجه والدارقطني.

(3/112)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ومنها: حديث عمرو بن عوف المزني وقد ذكرناه الآن.
ومنها: حديث عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد مؤذن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: حدثني أبي عن أبيه عن جده أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كان يكبر في العيدين في الأولى سبعا قبل القراءة، وفي الثانية خمسا قبل القراءة» رواه ابن ماجه.
ومنها: حديث عبد الله بن محمد بن عمار عن أبيه عن جده، قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكبر في العيدين في الأولى سبع تكبيرات وفي الأخرى خمسا» رواه الدارقطني. ومنها: حديث عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «التكبير في العيدين في الأولى سبع تكبيرات وفي الأخرى خمس تكبيرات» ، رواه الدارقطني أيضا.
قلت: حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: في سنده عبد الله بن لهيعة وأمره ظاهر.
وقال الدارقطني في " علله ": فيه اضطراب، وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص ضعفه جماعة، منهم ابن معين.
فإن قلت: صححه البخاري والنووي.
قلت: فيه عبيد الله بن عبد الرحمن الطائفي، وقد ضعفه أحمد، وضعفه ابن الجوزي أيضا، وذكره في الضعفاء والمتروكين مع كونه موافقا لمذهبه، وحديث عمرو بن عوف ذكرنا حاله عن قريب. وحديث مؤذن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحديث عبد الله بن محمد بن عمار، ضعفه أحمد به، وقال ابن معين: ليس بشيء. وحديث عبد الله بن عمر فيه الفرج بن فضالة، قال البخاري: وهو ذاهب الحديث.
الوجه الرابع: في قول ابن مسعود، فرجح، لأنه أثبت ولا تردد فيه ولا اضطراب، ولأن قوله يُبقي الزيادة وأقوال غيره.
قلت: والنفي موافق القياس، إذ القياس على غيرها من الصلوات ينفي إدخال زيادة الأذكار فيها، والإثبات يخالفه، وإذا ترجح قوله في العدد ترجح في الموضع إذ الرواية واحدة.

(3/113)


وظهر عمل العامة اليوم بقول عبد الله بن عباس لأمر بينه الخلفاء، فأما المذهب فالقول الأول لأن التكبير ورفع الأيدي خلاف المعهود، فكان الأخذ بالأقل أولى، ثم التكبيرات من أعلام الدين حتى يجهر بها فكان الأصل فيه الجمع، وفي الركعة الأولى يجب إلحاقها بتكبيرة الافتتاح لقوتها من حيث الفرضية والسبق، وفي الثانية لم يوجد إلا تكبيرة الركوع فوجب الضم إليها، والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أخذ بقول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلا أنه حمل المروي كله على الزوائد فصارت التكبيرات عنده خمس عشرة أو ست عشرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وظهر عمل العامة اليوم بقول عبد الله بن عباس لأمر بينه الخلفاء) ش: أي ظهر عمل الناس كافة بقول ابن عباس لأجل أن بينه الخلفاء لما انتقلت إليهم الخلافة أمروا الناس بالعمل في التكبيرات بقول جدهم وليتولى مناشيرهم ذلك. وعن هذا صلى أبو يوسف بالناس حين قدم بغداد صلاة العيد وكبر تكبير ابن عباس، فإنه صلى خلفه هارون الرشيد وأمره بذلك، وكذلك روي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وذلك لأن المسألة مجتهد فيها وطاعة الإمام فيها ليس فيه معصية واجبة، وهذا ليس بمعصية، لأنه قول بعض الصحابة.
م: (فأما المذهب فالقول الأول) ش: أي فأما مذهب أصحابنا فالقول الأول، وهو قول عبد الله بن مسعود وهو مذهب جماعة من الصحابة والتابعين على ما ذكرنا. م: (لأن التكبير) ش: غير تكبير الافتتاح والتكبيرات التي يتخلل في الصلاة.
م: (ورفع الأيدي) ش: في الصلاة. م: (خلاف المعهود، فكان الأخذ بالأقل أولى) ش: أي بأقل التكبيرات وهي الست الزوائد أولى، لأن الأخبار تواترت فيه، فيكون ثبوته بيقين. م: (ثم التكبيرات من أعلام الدين حتى يجهر بها) ش: فكان كتكبيرة الافتتاح، وإنما أنث الضمير بتأويل التكبير. م: (فكان الأصل فيه الجمع) ش: أي فكان الأصل في التكبير الزوائد الجمع مع التكبير الأصلي لأن الجنسية علة الضم. م: (وفي الركعة الأولى يجب إلحاقها بتكبيرة الافتتاح لقوتها من حيث الفرضية والسبق) ش: تقريره أن تكبيرات العيد لم تؤخر في الركعة الأولى عن القراءة إلحاقا لها بتكبيرة الركوع، كما هو قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بل قدمت على القراءة إلحاقا لها بتكبيرة الافتتاح، لأن تكبيرة الافتتاح أقوى من حيث إنها فرض، ومن حيث إنها سابقة.
م: (وفي الثانية) ش: أي وفي الركعة الثانية. م: (لم يوجد إلا تكبيرة الركوع فوجب الضم إليها) ش: لوجود الجنسية. م: (والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أخذ بقول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: وهو الأكثر احتياطا. م: (إلا أنه حمل) ش: التكبير. م: (المروي كله على الزوائد) ش: إلا أن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - حمل التكبير المروي كله على التكبيرات الزوائد. م: (فصارت التكبيرات عنده خمس عشرة أو ست عشرة) .
ش: لأن الزوائد لما كانت عنده ثلاث عشرة أو ثنتي عشرة، وضمت إلى الأصليات وهي

(3/114)


قال: ويرفع يديه في تكبيرات العيدين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ثلاثة، تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع في الركعتين تصير الكل ست عشرة، والمراد بالمروي هو الذي روي عن ابن عباس؛ لأنه روي عنه سبع أو خمس فهي مع تكبيرة الافتتاح وتكبير في الركوع ست عشرة تكبيرة، واعترض على المصنف بأن المراد بالمروي إن كان ما ذكره فيما مضى من قوله.
وقال ابن عباس: يكبر في الأولى للافتتاح إلى آخره لا تجيء التكبيرات هذا المقدار، لأن الزوائد فيه عشرة أو تسعة، وبالأصليات يكون ثلاث عشرة أو ثنتي عشرة، وإن كان غير ما ذكره يكون في كلامه القياس، وتعقيد يعلو قدره عن ذلك.
وأجيب عنه: بأن ابن عباس روي عنه روايتان: أحدهما: أنه يكبر في العيدين ثلاث عشرة تكبيرة، والأخرى: أنه يكبر بثنتي عشرة تكبيرة، ففسر علماؤنا روايته بأن ذلك إنما هو بإضافة الأصليات لأنها ثلاثة، تكبيرة الافتتاح وتكبير في الركوع في الركعتين، فإذا أضيفت إلى خمسة وخمسة كانت ثلاثة عشرة، وإذا أضيفت إلى خمسة وأربعة كانت ثنتي عشرة.
قلت: ظهر من تفسير علمائنا روايتي ابن عباس أن عمل اليوم وقع عليه لا على تفسير الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فعلى هذا قول من قال: العمل اليوم في التكبيرات على مذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - غير مستقيم، ولهذا قال المصنف: وظهر عمل العامة اليوم بقول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وفي " المحيط ": ثم اعملوا برواية الزيادة في عيد الفطر، وبرواية النقصان في عيد الأضحى ليكون عملا بالروايتين، وإنما اختاروا النقصان في عيد الأضحى لاستعجال الناس بالقرابين فيه، وفي " المبسوط " عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه سكت بين كل تكبيرتين بقدر ثلاث تسبيحات، لأن صلاة العيد تقام بجمع عظيم، فهو والى بين التكبيرات يشبه على من كان ناويا عن الإمام، والاشتباه يزول بهذا القدر من الكسب، ثم قال: هذا القدر ليس بلازم، بل يختلف ذلك بكثرة الزحام وقلته.

[رفع اليدين في تكبيرات العيدين]
م: (قال: ويرفع يديه في تكبيرات العيدين) ش: وبه قال الشافعي وأحمد وهو مذهب عطاء والأوزاعي، وقال الثوري وابن أبي ليلى ومالك: لا يرفع، وهو مذهب الظاهرية أيضا.
وقال الإمام حميد الدين الضرير: روي عن أبي يوسف رواية شاذة أنه لا يرفع يديه في تكبيرات العيد.
قلت: هذه ليست برواية شاذة، فإن الكرخي قال في " مختصره ": قال أبو حنيفة ومحمد: يرفع يديه في التكبيرات الزوائد في العيدين، وقال ابن أبي ليلى: لا يرفع يديه، وهو قول أبي

(3/115)


يريد به ما سوى التكبير في الركوع لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن» وذكر من جملتها تكبيرات الأعياد، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يرفع، والحجة عليه ما رويناه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يوسف، وكذا ذكر القدوري في " شرح مختصر الكرخي " وأبو بكر الرازي وأبو نصر البغدادي وصاحب " التحفة " والحاكم الشهيد في " مختصر الكافي " عن أبي يوسف كذلك، ومع نقل هذه الأئمة الثقات عن أبي يوسف عدم رفع اليدين فيها كيف تكون شاذة.
م: (ويريد به ما سوى التكبير في الركوع) ش: أي يريد القدوري برفع اليدين فيما سوى تكبيرتي الركوع، لأن تكبير الركوع لا ترفع فيه الأيدي عندنا.
فإن قلت: قد قلتم إن تكبيرة الركوع في الركعة الثانية واجبة إلحاقا لها بأخواتها، فهلا قلتم ترفع اليد إلحاقا لها بتكبيرات العيدين.
قلت: القول بوجوب تكبيرة الركوع نوع احتياط، بخلاف القول بالرفع، فإنه عمل على خلاف القياس فلا يتحقق بها.
م: «لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن» ش: تقدم الكلام في هذا الحديث في باب صفة الصلاة مستوفى، وإنما قال في سبعة مواطن بتأويل البقاع. م: (وذكر من جملتها تكبيرات الأعياد) ش: أي ذكر في الحديث من جملة السبعة المواطن تكبيرات العيدين.
م: (وعن أبي يوسف أنه لا يرفع) ش: أي روي عن أبي يوسف أنه لا ترفع اليد في تكبيرات العيد، رواها عنه أبو عصمة.
م: (والحجة عليه ما رويناه) ش: أي الحجة على أبي يوسف ما رويناه، وهو الحديث المذكور.
فإن قلت: استدل أبو يوسف ومن ذهب إلى ما ذهب إليه بعموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قال: «أراكم رافعي أيديكم كأذناب خيل شمس، اسكنوا في الصلاة» وبحديث البراء «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رفع يديه عند الافتتاح ثم لا يرفع» ولأن السنة رفع يديه عند الافتتاح، وهذه التكبيرات ما لا يفتتح بها، ألا ترى أن تكبيرة الركوع فيها ولا رفع إليها وهي أصلية، ففي الزوائد أولى.
قلت: القياس متروك بالأثر، والحديث ليس على عمومه بالاتفاق، وحديث البراء يحتمل عدم الرفع في غير صلاة العيد، والحديث محكم، فكان أولى لا خلاف أنه يأتي بالثناء بعد الافتتاح قبل القراءة، فيقدم على الزوائد.
وقال محمد وأبو حنيفة - رحمهما الله- في رواية الشافعي وأحمد رحمهما الله: يأتي به بعد الزوائد عند افتتاح القراءة، وعند مالك لا يعود، ولا يرد في " المبسوط "، لا ذكر بين التكبيرات مسنون ولا مستحب؛ لأنه لم ينقل، وبه قال الكرخي التسبيح أولى، ذكره في " القنية ".

(3/116)


وقال: ويخطب بعد الصلاة خطبتين،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " يحمد ويهلل بين كل تكبيرتين مقدار آية لا طويلة ولا قصيرة، ولو قال الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا فحسن، وقد روي عن ابن مسعود نحوه: أدرك الإمام وقد كبر بعض التكبيرات يتابعه فيما أدرك ويقضي ما فاته في الحال ثم تابع إمامه، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في القديم ومالك وأحمد.
وقال في الجديد: لا يقضي ما فاته، ولو أدرك بعد الفراغ من التكبيرات لا يأتي في الجديد، وفي القديم يأتي بها ثم يفعل بالقراءة كذلك في تتمتهم، ولو أدركه في القراءة كبر على رأي نفسه، وكذا لو أدركه في الركوع ولم يخف فوته يأتي بها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد خلافا لأبي يوسف والشافعي - رحمهما الله- وأحمد.
ولو كبر بعد الفاتحة قبل السورة يعيد الفاتحة والمسبوق بركعة يكبر فيما مضى على رأي نفسه كالمنفرد واللاحق يتبع رأي الإمام فيها، ولو قرأ " {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] " والغاشية تبركا بقراءة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فحسن كذا في " المبسوط " وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يستحب أن يقرأ في زمان الأولى سورة " ن " وفي الثانية " {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} [القمر: 1] ".
وقال مالك وأحمد: يقرأ بسبح والغاشية، وتكبيرات العيد واجبة حتى يجب السهو بتركها، وعند الشافعي لا سهو عليه، يتابع الإمام في التكبير من الإمام، فإن كان يسمع من المنادي فلا ينبغي أن يدع شيئا وإن كثرت.

[الخطبة بعد الصلاة في العيدين]
م: (قال: ويخطب بعد الصلاة خطبتين) ش: كما في الجمعة، لكنها تخالف خطبة الجمعة من وجهين، أحدهما أن الجمعة لا تجوز بلا خطبة، بخلاف العيد، والثاني أنها في الجمعة متقدمة على الصلاة، بخلاف العيد، ولو قدمها في العيد أيضا جاز، ولا تعاد الخطبة بعد الصلاة.
وبتقديم الصلاة على الخطبة قال أبو بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي والمغيرة وابن عباس وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وهو قول الثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وأبي ثور وإسحاق وجمهور أهل العلم، وعن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه لما كثر الناس خطب قبل الصلاة، ومثله عن ابن الزبير ومروان بن الحكم، ذكر ذلك ابن المنذر في " الإشراق "، قال أبو بكر بن العربي: هذا غلط من عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وفي " المفيد " عن الزهري: أول من أحدث الخطبة قبل الصلاة معاوية.
وفي " المحيط ": والخطبة فيها سنة، وهي بعد الصلاة. وفي " الذخيرة ": يجوز تركها ويغيرها

(3/117)


فبذلك ورد النقل المستفيض،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عن محلها، ويجوز قاعدا كما فعله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ناقته العضباء والراكب قاعد، وذكر ركن الدين الصيادي أن الكلام لا يكره عند هذه الخطبة. وفي " السامع " فيشترط بصلاة العيد ما يشترط للجمعة الخطبة، فإنها سنة فيها.
وفي " الولوالجي ": شروط العيد مثل شروط الجمعة في المصر، والقوم والسلطان والوقت إلا الخطبة، وعن عطاء عن عبد الله بن السائب قال: «لما قضى رسول الله الصلاة، قال: إنا نخطب، فمن أحب أن يذهب فليذهب» رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه، وهذا دليل على أن الخطبة فيها سنة، ولو كانت واجبة لوجب الجلوس لها وإسماعها.
وفي " الذخيرة ": ولا يخرج المنبر يوم العيد، وذكر شيخ الإسلام في شرحه أن في زماننا لا بأس بإخراجه، قال: وكره بعضهم بناءه في الجبانة، وهذا إنكاره بقول يخطب الإمام قائما على الأرض أو على دابته، ولم يكرهه آخرون.
وفي " جمع النوازل " يبدأ بالتحميد في خطبة الجمعة والاستسقاء والنكاح، وبالتكبيرات في خطبة العيدين، ويستحب أن يفتتح الخطبة الأولى بتسع تكبيرات وفي الثانية سبع، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي " النتف ": التوارث في الخطبة افتتاحها بالتكبير ويكبر من حين أن ينزل من المنبر أربع عشرة، وإذا صعد المنبر لا يجلس عندنا، وعند بعض أصحاب الشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وفي رواية عن مالك: أن الجلوس لانتظار المؤذن أن يفرغ من الأذان، والأذان غير مشروع في العيد فلا حاجة إلى الجلوس، وقال بعض أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومالك في رواية يجلس كما في الجمعة.
م: (فبذلك ورد النقل المستفيض) ش: أي بخطبتين بعد الصلاة ورد النقل الشائع، فروى البخاري عن نافع عن ابن عمر قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم أبو بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يصلون العيد قبل الخطبة» وأخرج الطحاوي ومسلم أيضا عن عطاء هو ابن أبي رباح عن جابر بن عبد الله قال: «قام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الفطر فبدأ بالصلاة قبل الخطبة، ثم خطب....» الحديث. رواه البخاري ومسلم أيضا قال: «شهدت العيد مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر وعمر وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فإنهم كانوا يصلون العيد قبل الخطبة» .
وأخرج الجماعة إلا البخاري عن طارق بن شهاب عن أبي سعيد الخدري «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخرج يوم الأضحى ويوم الفطر فيبدأ بالصلاة ... الحديث» وأخرج ابن ماجه عن جابر

(3/118)


ويعلم الناس فيها صدقة الفطر وأحكامها، لأنها شرعت لأجله،
ومن فاتته صلاة العيد مع الإمام لم يقضها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال: «خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم فطر أو أضحى فخطب قائما ثم قعد قعدة ثم قام» .
وقال النووي في " الخلاصة ": وروي عن ابن مسعود أنه قال: «السنة أن يخطب في العيدين خطبتين يفصل بينهما بجلوس خفيف غير متصل» ولم يثبت في تكرير الخطبة شيء، ولكن المعتمد فيه القياس على الجمعة.
م: (ويعلم الناس فيها) ش: أي ويعلم الخطيب في خطبة عيد الفطر. م: (صدقة الفطر) ش: أنها واجبة. م: (وأحكامها) ش: أي ويعلم أيضا أحكام صدقة الفطر كيف يخرج، ومن أي شيء يخرج، وكم يخرج، وفي أي وقت يخرج، وغير ذلك مما يتعلق بها. م: (لأنها شرعت لأجله) ش: أي لأن خطبة صلاة عيد الفطر شرعت لأجل تعليم أحكام صدقة الفطر، والضمير في "لأجله" يرجع إلى التعليم الذي يدل عليه، قوله: يعلم الناس، كما في قَوْله تَعَالَى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] (المائدة: الآية 8) أي العدل.

[حكم من فاتته صلاة العيد مع الإمام]
م: (ومن فاتته صلاة العيد مع الإمام لم يقضها) ش: كلمة مع متعلقة بالصلاة لا بقوله فاتته، أي فاتت الصلاة عنه بالجماعة، وليس معناه فاتت الصلاة عنه وعن الإمام، حاصله أدى الإمام صلاة العيد ولم يؤدها هو، وأما إذا فاتت الإمام أيضا فائتة يصليها مع الجماعة في اليوم الثاني إذا كان الفوات بعذر.
وفي " جوامع الفقه " و " قاضي خان " إذا تركها بغير عذر لا يقضيها أصلا، وبعذر يقضيها في اليوم الثاني في وقتها، وبه قال الأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق، وقال ابن المنذر: وبه أقول، وفي " جوامع الفقه ": العذر مثل أن يظهر أنهم صلوها بعد الزوال في يوم غيم، وعلى قول ابن شجاع: لا يجوز في اليوم الثاني، وبه قال مالك، فإن تركها في اليوم الثاني بعذر أو بغير عذر لا يصليها.
وقال الشافعي: من فاتته صلاة العيد يصلي وحده كما يصلي مع الإمام، وهذا بناء على أن المنفرد هل يصلي صلاة العيد، عندنا لا يصلي، وعنده يصلي.
وقال السروجي: وللشافعي قولان الأصح قضاؤها، فإن أمكن جمعهم في يوم صلى بهم، وإلا صلاها من الغد، وهو فرض قضاء النوافل عنده، وعلى القول الآخر هي الجمعة يشترط الجماعة والأربعين ودار الإقامة، وفعله من الغد إن قلنا إذا لا يصليها في بقية اليوم، وإلا صلاها في نفسه وهو الصحيح عندهم.

(3/119)


لأن الصلاة بهذه الصفة لم تعرف قربة إلا بشرائط لا تتم بالمنفرد،
فإن غم الهلال وشهدوا عند الإمام برؤية الهلال بعد الزوال صلى العيد من الغد،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وتأخيرها عنه قيل لا يسقط أنه لو قيل إلى آخر الشهر، وقال السروجي في الذي تفوته صلاة العيد مع الإمام: لكنه إن أحب أن يصلي إن شاء صلى ركعتين وإن شاء أربعا كصلاة الضحى كسائر الأيام، ومثله في البدائع، وعن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يصلي أربعا، وبه قال أحمد، لكن إن شاء بتسليمة واحدة، وإن شاء بتسليمتين، واستحبه الثوري، وعند الأوزاعي يصلي ركعتين ولا يجهر فيهما بالقراءة ولا يكبر تكبير الإمام.
وقال إسحاق: إن يصلي في الجبانة صلاها ركعتين وإلا صلاها أربعا.
وقال السغناقي: فإن أحب أن يصلي فالأفضل أن يصلي أربع ركعات لما روي عن ابن مسعود أنه قال: من فاتته صلاة العيد صلى أربع ركعات يقرأ في الركعة الأولى {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] (الأعلى: الآية 1) وفي الثانية {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: 1] (الشمس: الآية 1) وفي الثالثة {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1] (الليل: الآية 1) وفي الرابعة {وَالضُّحَى} [الضحى: 1] (الضحى: الآية 1) وروي في ذلك عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعدا جميلا وثوابا جزيلا، كذا في " المحيط ".
قلت: قال ابن المنذر: لا يصح فيه حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
م: (لأن الصلاة بهذه الصفة) ش: أراد بها التكبيرات المخصوصة بها. م: (لم تعرف قربة إلا بشرائط لا تتم بالمنفرد) ش: أراد بالشرائط هي الشرائط المخصوصة بها، نحو الجماعة والسلطان والمصر والمنفرد عاجز عن ذلك، فلا يجب عليه صلاتها.
وفي " نهاية المطلب " تصح صلاة العيد من المنفرد والمسافر والنساء في الدور وراء الخدور كالنوافل، غير أن الجماعة فيها مستحبة، وقال ابن المنذر: يصليها المسافر ومن لا تجب عليه الجمعة والمرأة في بيتها والعبد، وهو قول الحسن البصري.
وقال الأوزاعي: ليس على المسافر صلاة الأضحى ولا الفطر، وبه قال مالك وإسحاق، وهو قول على بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

[الحكم لو غم هلال شوال وشهدوا برؤيته عند الإمام بعد الزوال]
م: (فإن غم الهلال) ش: بضم الغين المعجمة على ما لم يسم فاعله، معناه إذا ستره عنهم غيم أو غيره فلم ير. م: (وشهدوا عند الإمام برؤية الهلال) ش: من الأمس. م: (بعد الزوال صلى العيد من الغد) ش: أي صلى الإمام العيد من الغد، ذكر الطحاوي في شرح " الآثار " أن هذا قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو أصح قولي الشافعي وأحمد رحمهما الله.
وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا فات في اليوم الأول لم يقض، وهو أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

(3/120)


لأن هذا تأخير بعذر وقد ورد فيه الحديث،
فإن حدث عذر يمنع من الصلاة في اليوم الثاني لم يصلها بعده، لأن الأصل فيها أن لا تقضى كالجمعة إلا أنا تركناه بالحديث وقد ورد بالتأخير إلى اليوم الثاني عند العذر،
ويستحب في يوم الأضحى أن يغتسل ويستاك ويتطيب لما ذكرناه، ويؤخر الأكل حتى يفرغ من الصلاة لما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان لا يطعم في يوم النحر حتى يرجع فيأكل من أضحيته» ويتوجه إلى المصلى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لأن هذا تأخير بعذر) ش: لأن تركهم الصلاة كان لعدم رؤية الهلال وهو عذر. م: (وقد ورد فيه الحديث) ش: أي والحال أنه قد ورد في الصلاة من الغد، الحديث المذكور عند قوله ولما شهدوا بالهلال..... إلخ، والقياس في صلاة العيد أن لا يقضي، لأنها صلاة تختص بجماعة كالجمعة إلا أن القياس ترك فيما إذا تركت بعذر للحديث المذكور، بخلاف القياس فبقي ما ترك بلا عذر على أهل القياس فلم يجز قضاؤها في اليوم الثاني إذا تركت.

م: (فإن حدث عذر يمنع من الصلاة في اليوم الثاني) ش: الذي هو وقتها عند العذر. م: (لم يصلها بعده، لأن الأصل فيها) ش: أي في صلاة العيد. م: (أن لا تُقضى كالجمعة) ش: فإنه إذا فات وقتها لا يَقضي وينقلب إلى الظهر. م: (إلا أنا تركناه) ش: أي إلا أنا تركنا الأصل الذي هو القياس. م: (بالحديث) ش: وهو الحديث المذكور. م: (وقد ورد) ش: أي الحديث المذكور. م: (بالتأخير) ش: أي بتأخير صلاة العيد. م: (إلى اليوم الثاني عند العذر) ش: وعند عدم العذر يقتصر على القياس.

[ما يسن للمصلي يوم الأضحى]
م: (ويستحب في يوم الأضحى أن يغتسل ويستاك ويتطيب لما ذكرناه) ش: أراد به عند قوله: وكان يغتسل في العيدين، أي كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (ويؤخر الأكل) ش: بالنصب عطف على ما قبله، أي يستحب أيضا أن يؤخر أكله. م: (حتى يفرغ من الصلاة) ش: أي من صلاة العيد. م: (لما روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان لا يطعم في يوم النحر حتى يرجع فيأكل من أضحيته» .
ش: هذا الحديث رواه عبد الله بن بريدة عن يزيد، قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يرجع» رواه ابن ماجه والترمذي وابن حبان في "صحيحه" والحاكم في " مستدركه " وزاد الدارقطني وأحمد في " مسنده " «فيأكل من أضحيته» وصحح هذه الرواية ابن القطان في كتابه.
والناس في هذا اليوم أضياف الله يستحب أن يكون أول تناولهم من لحوم الأضاحي التي هي ضيافة الله، فاستحب تأخير الأكل إلى ما بعد الصلاة، وهذا في حق المصري، أما القروي فإنه يذوق من حين أصبح ولا يمسك كما في عيد الفطر، لأن الأضاحي تذبح في القرى من الإصباح، بخلاف المصر، حيث لا يذبح فيه إلا بعد الفراغ من الصلاة. م: (ويتوجه إلى المصلى

(3/121)


وهو يكبر، لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يكبر في الطريق، ويصلي ركعتين كالفطر، كذلك نقل،
ويخطب بعدها خطبتين، لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كذلك فعل، ويعلم الناس فيها الأضحية وتكبير التشريق؛ لأنه مشروع الوقت والخطبة ما شرعت إلا لتعليمه، فإن كان عذر يمنع من الصلاة في يوم الأضحى صلاها من الغد وبعد الغد، ولا يصليها بعد ذلك؛ لأن الصلاة مؤقتة بوقت الأضحية فيتقيد بأيامها لكنه مسيء في التأخير من غير عذر لمخالفة المنقول.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وهو يكبر) ش: أي والحال أنه يكبر طول الطريق بلا توقف، فإذا انتهى إليه يترك كذا في " التحفة " وفي " الكافي " لا يقطعه حتى يشرع الإمام في الصلاة.
فرع: ولو قال يوم العيد تقبل الله منا ومنك، في " القنية " اختلف الناس فيه ولم يذكروا الكراهة عن أصحابنا، قال مالك: يكره لأنه من فعل الأعاجم.
وقال أحمد: لا بأس به، لأن أبا أمامة الباهلي وواثلة بن الأسقع كانا يقولان ذلك. وقال الأوزاعي: بدعة، وقال الحسن: حديث، وقال أحمد: حديث أبي أمامة جيد، وروي مثله عن ليث بن سعد.
م: (لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يكبر في الطريق) ش: هذا غريب، ولم يتعرض إليه أحد من الشراح ولكن روى البخاري في " الصحيح " وقال: كان ابن عمر وأبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يخرجان إلى السوق أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما. م: (ويصلي ركعتين كالفطر كذلك نقل) ش: أي جماعة من الصحابة، وهم عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وأبو موسى الأشعري وحذيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وآخرون، وقد ذكرنا فيما مضى أحاديث في ذلك عن ابن عمر وجابر وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.

م: (ويخطب بعدها خطبتين، لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كذلك فعل ويعلم الناس فيها الأضحية) ش: من كونها واجبة أو سنة وما يتعلق بها من أحكامها. م: (وتكبير التشريق) ش: أي ويعلم أيضا كيف يكبر التشريق. م: (لأنه) ش: أي لأن كل واحد من الأضحية وتكبير التشريق أيام الأضحية. م: (مشروع الوقت والخطبة ما شرعت إلا لتعليمه) ش: أي ليعلم مشروع الوقت، ومعنى مشروع الوقت أن كلا من الأضحية وتكبير التشريق ما يشرع إلا في أيام الأضحى.
م: (فإن كان عذر يمنع من الصلاة في يوم الأضحى صلاها من الغد وبعد الغد) ش: يعني ثلاثة أيام. م: (ولا يصليها بعد ذلك) ش: يعني في اليوم الرابع وما بعده. م: (لأن الصلاة مؤقتة بوقت الأضحية) ش: ووقت الأضحية هو ثلاثة أيام. م: (فيتقيد بأيامها لكنه مسيء في التأخير من غير عذر لمخالفة المنقول) ش: أراد بالمنقول أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى عيد الأضحى في اليوم العاشر من ذي الحجة، ولم يرد غير ذلك، وقوله لمخالفة المنقول يصح أن يكون جوابا عن سؤال مقدر، وهو أن يقول: لما كانت الصلاة مؤقتة بوقت، فلو أخرها بغير عذر فكيف يكون مسيئا، فأجاب بقوله: لكنه مسيء

(3/122)


والتعريف الذي يصنعه الناس ليس بشيء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لمخالفة ما نقل عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

م: (والتعريف الذي يصنعه الناس ليس بشيء) ش: التعريف مصدر مبتدأ، وخبره قوله: " ليس بشيء "، وإنما قيد بقوله: " الذي يصنعه الناس " لأن التعريف يجيء لمعان: للإعلام وللتطيب من العرف وهو الريح، وإنشاد الضالة والوقوف بعرفات والوقوف بغيرها شبها بأهلها، وهذا المعنى هو المراد هاهنا على ما يجيء الآن، وفي " المغرب " التعريف المحدث هو التشبه بأهل عرفة في غير عرفة، وهو أن يخرجوا إلى الصحراء فيدعوا ويتضرعوا، وقال الأترازي: التعريف في اللغة الوقوف بعرفات.
قال الفرزدق:
إذا ما التقينا بالمحصب من منى ... صبيحة يوم النحر من حيث عرفوا
قلت: ليس معنى هذا اللفظ الوقوف بعرفات فقط، وإنما هو مستعمل في اللغة لمعان كثيرة كما ذكرنا الآن.
قوله: م: (ليس بشيء) ش: أي ليس بشيء في حكم الوقوف كقول محمد في الأصل: دم السمك ليس بشيء، أي ليس بشيء في حكم الدماء، وهذا لأنه شيء حقيقة لكونه موجودا، إلا أنه لما لم يكن معتبرا نفى عنه اسم الشيء، ويقال: ليس بشيء معتبر، يعني غير مسنون ولا مستحب يتعلق به الثواب، وسئل مالك عن ذلك، قال: وإنما مفاتيح هذه الأشياء البدع.
وفي " المحيط ": ولم يرد به محمد نفي مشروعيته أصلا، لأنه دعاء وتسبيح، بل أراد نفي وجوبه كما قيل في سجدة الشكر عند أبي حنيفة. وعن أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله- في غير رواية الأصول: لا يكره، وبه قال أحمد؛ لما روي أن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه فعل ذلك بالبصرة.
قلنا: ذلك محمول على أنه ما كان للتشبيه بل كان للدعاء والتضرع، وهذا لو طاف حول مسجد سوى الكعبة يخشى عليه الكفر، حتى لو اجتمعوا لشرف ذلك اليوم لا للتشبيه جاز، كذا في " جامع قاضي خان " والتمرتاشي وفي " جمع التفاريق " عن أبي يوسف: يكره أن يجتمع قوم فيعتزلون في موضع يعبدون الله - عز وجل - ويفرغون أنفسهم لذلك، وأهل كان معهم أهلوهم.
وفي " الكافي ": قيل: يستحب ذلك؛ لأنه سبب لأهل الطاعة، فيكون لهم ثوابهم، ولهذا فعله ابن عباس، وخروجهم إلى الجبانة سنة وإن وسعهم الجامع.
وقال السروجي: روي عن عمرو بن حريث وثابت ومحمد بن واسع ويحيى بن معين مثل

(3/123)


وهو أن يجتمع الناس يوم عرفة في بعض المواضع تشبها بالواقفين بعرفة؛ لأن الوقوف عرف عبادة مختصة بمكان مخصوص، فلا يكون عبادة دونه كسائر المناسك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ما روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في غير رواية الأصول أنه لا يكره، وعن أحمد لا بأس به، وقيل له: أنت تفعل ذلك؟ قال: أما أنا فلا، وقال عطاء الخراساني: إن استطعت أن تخلو بنفسك عشية عرفة فافعل.
وقال شمس الأئمة السرخسي: ولو فعلوا ذلك، أي التعريف تشبها بالواقفين لزمهم أن يكشفوا رءوسهم أيضا، تشبها بالمحرمين، وهذا لا يقول به أحد، لأنه تشبه بالنصارى في كنائسهم ومتعبداتهم.
قال: ولو فعلوا ذلك لطافوا أيضا حول مساجدهم أو بنوا بيتا آخر يطوفون حوله تشبها بالطائفين حول البيت ويسعون في أسواقهم تشبها بالساعين بين الصفا والمروة.
قلت: والملازمة في الوجهين ممنوعة، لأن التشبه لا يستدعي العموم.
م: (وهو) ش: أي التعريف المذكور. م: (أن يجتمع الناس يوم عرفة في بعض المواضع تشبها بالواقفين بعرفة) ش: وهذا تعريف التعريف الذي يصنعه الناس، وهو الذي عليه أنه ليس بشيء، وقال الأترازي: وحقه أن يقال بعرفات، لأن عرفة اسم اليوم، وعرفات اسم المكان.
قلت: معناه بالواقفين يوم عرفة والواقفين بعرفات، وأدى بحقه على أنه يقال جبل عرفة، كما يقال جبل عرفات، وذلك شائع في ألسنة الناس.
م: (لأن الوقوف) ش: هذا تعليل لقوله: ليس بشيء؛ أي لأن الوقوف بعرفات. م: (عرف عبادة مختصة بمكان مخصوص) ش: أي بعرفات. م: (فلا يكون عبادة دونه) ش: أي لا يكون الوقوف عبادة دون الوقوف، وفي بعض النسخ دونها، أي دون عرفات. م: (كسائر المناسك) ش: أي كيفية مناسك الحج مثل الطواف والسعي بين الصفا والمروة، فإن الناس لا يسعون في الأسواق مكشوفي الرأس تشبها بالساعين في هذه الأيام بين الصفا والمروة.

(3/124)


فصل في تكبيرات التشريق ويبدأ بتكبير التشريق بعد صلاة الفجر من يوم عرفة ويختم عقيب العصر من يوم النحر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: يختم عقيب صلاة العصر من آخر أيام التشريق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في تكبيرات التشريق]
م: (فصل في تكبيرات التشريق) ش: أي هذا فصل في بيان تكبيرات التشريق، ولما فرغ من بيان صلاتي العيد وإحداهما صلاة الأضحى شرع في بيان التكبيرات التي هي مختصة بأيامها، فلذلك أفردها بالفصل، والتشريق مصدر من شرق اللحم إذا بسطه في الشمس ليجف، وسميت بذلك أيام التشريق، لأن لحم الأضاحي كانت تشرق فيها بمنى، وقيل: سميت به، لأن الهدي والضحايا لا تنحر حتى تشرق الشمس، أي تطلع، وكان المشركون يقولون أشرق ثبير كيما نغير، ثبير بفتح الثاء المثلثة وكسر الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف، وفي آخره راء، جبل بمنى، أي ادخل أيها الجبل في الشروق، وهو ضوء الشمس، كيما نغير أي ندفع للنحر.
وذكر بعضهم أن أيام التشريق سميت بذلك، وقيل: التشريق صلاة العيد، لأنها تؤدى عند إشراق الشمس وارتفاعها، كما جاء في الحديث «لا جمعة ولا تشريق» ، وفي حديث آخر «لا ذبح إلا بعد التشريق» ، والمراد بالتشريق فيهما صلاة العيد، كذا في " المبسوط ".
وفي " الخلاصة ": أيام النحر ثلاثة وأيام التشريق ثلاثة، ويمضي ذلك في أربعة أيام، فإن العاشر من ذي الحجة نحر خاص، والثالث عشر تشريق خاص، واليومان فيما بينهما للنحر والتشريق، وقال العلامة شمس الأئمة الكردري: هذه الإضافة -يعني إضافة التكبير إلى التشريق- مستقيم على قولهما، لأن بعض التكبيرات يقع في أيام التشريق عندهما، وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يقع شيء منهما في أيام التشريق، ولكن أدنى الملابسة كاف للإضافة.
م: (ويبدأ) ش: أي المصلي. م: (بتكبير التشريق بعد صلاة الفجر من يوم عرفة ويختم) ش: التكبير. م: (عقيب العصر) ش: أي صلاة العصر. م: (من يوم النحر عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وهو قول عبد الله بن مسعود وعلقمة والأسود والنخعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد رحمهما الله. م: (يختم عقيب صلاة العصر من آخر أيام التشريق) ش: وهو قول عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وبه قال سفيان الثوري وسفيان بن عيينة وأبو ثور وأحمد والشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في قول. وفي " التحرير " ذكر عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - معهم. وفي " المفيد " وأبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعليه الفتوى، ذكره في " الكامل " و " التحرير " وهاهنا تسعة أقوال، وقد ذكرنا القولين.

(3/125)


والمسألة مختلفة بين الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فأخذا بقول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخذا بالأكثر؛ إذ هو الاحتياط في العبادات،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الثالث: يختم بعد ظهر يوم النحر، وروي ذلك عن ابن مسعود فعلى هذا يكبر في سبع صلوات، وعلى قولهما في ثلاث وعشرين صلاة.
الرابع: يكبر في ظهر يوم النحر ويختم في صبح آخر أيام التشريق وهو قول مالك والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المشهور ويحيى الأنصاري، وروي ذلك عن ابن عمر وعمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وهو رواية عن أبي يوسف رجع إليه، حكاه في " المبسوط " و " شرح الأقطع ".
الخامس: من ظهر عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق، حكي ذلك عن ابن عباس وسعيد بن جبير.
السادس: يبدأ من ظهر يوم النحر إلى ظهر يوم النحر الأول، وهو قول بعض أهل العلم.
والسابع: حكاه ابن المنذر عن ابن عيينة، واستحسنه أحمد أن أهل منى يبتدئون من ظهر يوم النحر، وأهل الأمصار من صبح يوم عرفة، وإليه مال أبو ثور.
والثامن: من ظهر عرفة إلى ظهر يوم النحر، حكاه ابن المنذر.
والتاسع: من مغرب ليلة النحر عند بعضهم، قاله قاضي خان وغيره.
م: (والمسألة) ش: أي مسألة تكبيرات التشريق. م: (مختلفة بين الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: وهم الشيوخ منهم والصبيان، فالشيوخ عمر وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - والشباب عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وعائشة أم المؤمنين. م: (فأخذا) ش: أي أبو يوسف ومحمد رحمهما الله. م: (بقول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخذا بالأكثر، إذ هو الاحتياط) ش: أي الأخذ بالأكثر هو الاحتياط. م: (في العبادات) ش: والأكثر هو تكبيرات علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو أكثر من تكبيرات ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والعبادات يحتاط فيها بالأكثر، واحتجا أيضا بقوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] (البقرة: الآية 203) ، والمراد منها أيام التشريق بالنقل عن أئمة التفسير.
فإن قلت: فعلى هذا يلزمهما تكبيرات العيد؟
قلت: لا نسلم، لأنه ثمة دلت شواهد الأصول على ترجيح قول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بخلاف تكبيرات التشريق، فإن الترجيح لما لم يكن لاتفاق مذهب الصحابة في الثبوت والرواية عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذ بالأكثر احتياطًا.

(3/126)


وأخذ بقول ابن مسعود أخذا بالأقل؛ لأن الجهر بالتكبير بدعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وأخذ بقول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي أخذ أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقول عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (أخذا بالأقل) ش: أخذا على أنه مفعول مطلق لقوله أخذ. م: (لأن الجهر بالتكبير بدعة) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] (الأعراف: الآية 55) .
واحتج أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا بقوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] (البقرة: الآية 203) ، والمراد منه أيام التشريق بالنقل عن أهل التفسير، فكان ينبغي أن يكون التكبير واجبا في جميع أيام العشر إلا أن ما قبل يوم عرفة خص بالإجماع من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وفيما بعد يوم الأضحى لا نص ولا إجماع فكان الاقتصار على تكبير ابن مسعود أولى.
فإن قلت: لا نسلم عدم النص في أيام التشريق، ألا ترى إلى قَوْله تَعَالَى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] ؟
قلت: لا نسلم أن المراد منه الذكر المفعول عقيب الصلوات، بل المراد منه الذكر عند رمي الجمار بدليل سياق الآية {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203] لأن ذلك الحكم يختص برمي الجمار. وقالت الشافعية: الأخذ بالأكثر أولى احتياطا، لأن هذا باب لا يعرف بالرأي والزيادة في الأخبار عن الثقات مقبولة، ولأن هذه التكبيرات منسوبة إلى أيام التشريق واتفقنا أنه يكبر في غير أيام التشريق، وهو يوم عرفة والنحر، فلأن يكبر في أيام التشريق أولى.
وفي " شرح الوجيز ": أما تكبير الأضحى فالناس فيه قسمان حاج وغيرهم، فالحاج يبدءون به عقيب ظهر يوم النحر، ويختمون عقيب الصبح آخر أيام التشريق، وأما غيرهم ففيه طريقان أصحهما على ثلاثة أقوال أظهرها أنهم كالحاج، والثاني أنهم يبدءون عقيب عرفة من الصبح ويختمون عقيب العصر من آخر أيام التشريق، وقال الصيدلاني وغيره: وعليه العمل في الأمصار والطريق الثاني القطع بالقول الأول، إذ هو الاحتياط.
وفي " شرح المهذب " للنووي: الحاج يبدأ به من ظهر يوم النحر ويختم في صبح آخر أيام التشريق بلا خلاف، وأما غير الحاج فللشافعي فيه نصوص ثلاثة، أحدها: كالحاج وهو المشهور، ونصه في " مختصر المزني والبويطي والإمام والقديم "، قال الحاوي: نصه في " القديم " و " الجديد ". وقال صاحب " الشامل ": هو نصه في أكثر كتبه.
الثاني: يبدأ به خلف المغرب ليلة النحر كليلة الفطر على أصله.
الثالث: من صبح يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق، كقولهما فالقول الأول خمس

(3/127)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عشرة صلاة، والقول الثاني ثماني عشرة صلاة.
وقال أبو إسحاق المروزي: لا خلاف في المذهب أنه يكبر من صبح يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق، وإنما ذكره ليلة النحر للقياس على ليلة الفطر وظهر يوم النحر على قياس الحجيج، واختارته طائفة منهم كابن شريح والمزني والروياني والبيهقي.
قال النووي: هو الذي اختاره وقرره بما روي عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكبر من يوم عرفة من صلاة الغداة إلى صلاة العصر آخر أيام التشريق» .
قال البيهقي: يرويه عمرو بن شمر عن جابر الجعفي، ولا يحتج بهما، وروى الحاكم في " المستدرك «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يجهر ب " {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] " ويقنت في صلاة الفجر ويكبر يوم عرفة من صلاة الصبح، ويقطعها صلاة العصر آخر أيام التشريق» قال: هذا حديث صحيح لا أعلم في رواته منسوبا إلى الجرح.
قلت: روى البيهقي هذا الحديث بإسناد الحاكم، ثم قال: هذا الحديث مشهور بعمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن أبي الطفيل، وكلا الإسنادين ضعيف، وقال النووي: والبيهقي أشد تحريا من نسخة الحاكم وأتقن.
قلت: هذا الذي هو أشد تحريا يروي عن الضعفاء، وتكلف في التصحيح إذا وافق مذهبه، وإذا كان حديثهم عليه ضعفه، وذكر من تكلم فيهم، فإذا كان دأب التحري فما ترى ظنك بغيره كالحاكم وأمثاله من المتحرين الشافعية.
وفي " جامع الأسبيجابي " و " المجتبى " و " فتاوى العتابي " و " التحرير " و " الخلاصة " الفتوى على قولهما، أي على قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله- وعليه عمل الأمصار في أغلب الأعصار. وعن الفقيه أبي جعفر أن مشايخنا يرون التكبير في الأسواق في الأيام العشر، كذا في " الفتاوى الظهيرية ".
وفي " جامع التفاريق " قيل لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ينبغي لأهل الكوفة وغيرها أن

(3/128)


والتكبير أن يقول مرة واحدة: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يكبروا أيام التشريق في الأسواق والمساجد؟ قال: نعم، قال أبو الليث: وكان إبراهيم بن يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يغني بالتكبير في الأسواق في الأيام العشر. وقال الهندواني: وعندي أنه لا ينبغي أن يمنع العامة من ذلك لقلة رغبتهم في الخير، وبه نأخذ؛ كذا في " المجتبى ".

[صيغة التكبير]
م: (والتكبير أن يقول مرة واحدة: " الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد ") ش: وهو قول عمر بن الخطاب وابن مسعود، وبه قال الثوري وأحمد وإسحاق، وفيه أقوال أخر، الأول قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يكبر ثلاثا معا، وهو قول ابن جبير والحسن.
وفي " المحيط " قال الشافعي: التكبير أن يقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر ثلاث مرات أو خمسا أو سبعا أو تسعا، لأن التنصيص عليه في القرآن التكبير، قال الله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] (الحج: الآية 37) ، والتكبير قوله: " الله أكبر "، وأما قوله: " لا إله إلا الله " فتهليل، وقوله: " الحمد لله " تحميد فمن شرط هذا فقد زاد على الكتاب. قال صاحب " الدراية ": فعلم أن قول المصنف والتكبير....إلخ احترازا عن قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في موضعين وفي المدة وتعيين الكلام.
الثاني: قول لمالك أنه يقف على الثانية ثم يقطع فيقول الله أكبر لا إله إلا الله، حكاه الثعلبي عنه.
الثالث: عن ابن عباس: الله أكبر الله أكبر أجل الله أكبر ولله الحمد.
الرابع: هو: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير، روي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
الخامس: عن ابن عباس: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الحي القيوم يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير.
السادس: عن ابن عباس عن عبد الرحمن: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر الحمد لله، ذكره في " المحلى ".
السابع: أنه ليس فيه شيء موقت، قاله الحاكم وحماد.
وقول أصحابنا أولى، لأن عليه جماعة من الصحابة والتابعين. قوله: م: (مرة واحدة) ش: وعن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول ثلاثا معا، وهو قوله في " الجديد "، وفي " القديم " يكبر مرتين، وقال مالك: إن شاء يكبر ثلاثا، وإن شاء مرتين، وقولنا هو مذهب عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وهو قول الثوري وإسحاق وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.

(3/129)


وهذا هو المأثور عن إبراهيم الخليل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وهو عقيب الصلوات المفروضات على المقيمين في الأمصار في الجماعات المستحبة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وهذا هو المأثور عن إبراهيم الخليل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي هذا الذي ذكرناه من كيفية التكبير هو المأثور عن إبراهيم الخليل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال الزيلعي: لم أجده مأثورا عن الخليل، ولكنه مأثور عن ابن مسعود، رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " بسند جيد، حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن الأسود قال: كان عبد الله يكبر في صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم النحر يقول: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
وقال أيضا: حدثنا يزيد بن هارون ثنا شريك قال: قلت لأبي إسحاق: كيف كان يكبر علي وعبد الله؟ قال: كانا يقولان الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد.
وذكر في " المفيد " هو المأثور عن الخليل وإسماعيل وجبريل - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - فإنه لما تله للجبين وتناول المدية باليمين، وجاء جبريل بالفداء، ونادى في الهواء الله أكبر الله أكبر فسمعه الخليل فقال: لا إله إلا الله والله أكبر فسمعه إسماعيل أو إسحاق حسبما اختلفوا في الذبيح، فقال: الله أكبر ولله الحمد.
وفي " المبسوط " و " قاضي خان " أصله أن إبراهيم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لما اشتغل بمقدمات ذبح ولده وجاء جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بالفداء من السماء خاف العجلة فنادى الله أكبر الله أكبر، فلما سمع إبراهيم ذلك رفع رأسه إلى السماء فعلم أنه جاء بالفداء فقال: لا إله إلا الله والله أكبر فسمعه الذبيح، فقال الله أكبر ولله الحمد، فصار ذلك سنة إلى يوم القيامة.
م: (وهو) ش: أي التكبير م: (عقيب الصلوات المفروضات على المقيمين في الأمصار في الجماعات المستحبة عند أبي حنيفة) ش: وهو مذهب ابن مسعود، وكان ابن عمر إذا صلى وحده لا يكبر، وبه قال الثوري، وهو المشهور عن أحمد.
وقوله: م: (عقيب الصلوات) ش: إشارة إلى أنه لا يجوز أن يخلل ما يقطع به حرمة الصلاة حتى لو قام وخرج من المسجد أو تكلم لم يكبر، وإنما قيد بالمفروضات ليخرج الوتر وصلاة العيدين والسنن والنوافل، وقيد بالمقيمين ليخرج المسافرين، وقيد في الأمصار ليخرج المقيمين بالقرى، وقيد بالجماعة ليخرج المنفرد، وقيد بالمستحب ليخرج جماعة النساء وحدهن.
وفي " المبسوط " و " جوامع الفقه " و " العدنوي " و " شرح أبي نصر " لا يكبر بعد الوتر وصلاة العيدين والجنائز والسنن والنوافل ويكبر بعد الجمعة، لأنها مكتوبة، وقال مالك وأحمد وسائر الفقهاء لا يكبر عقيب النوافل خلافا للشافعي فإنه عنده يكبر في النوافل والجنائز على الأصح.

(3/130)


وليس على جماعة النساء إذا لم يكن معهن رجل ولا على جماعة المسافرين إذا لم يكن معهم مقيم، وقالا: هو على كل من صلى المكتوبة، لأنه تبع للمكتوبة. وله ما روينا من قبل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي " الدراية " وللشافعي خلف النوافل طريقان أحدهما أنه يكره قولا واحدا، والثاني فيه قولان. وفي " الحاوي " طريقة ثالثة أنه لا يكبر خلفها قولا واحدا. وقيل: ما سن له الجماعة من النوافل يكبر له وما لا فلا يكبر خلفه.
واختلف المشايخ على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه هل يشترط للإقامة الحرية أم لا؟
والأصح أنها ليست بشرط عنده، والسلطان ليس بشرط عنده، وقول المصنف على المقيمين يدل على وجوب هذه التكبيرات، وكذا قولهما على كل من صلى المكتوبة.
ونص في " المفيد " و " المزيد " و " قاضي خان " و " جوامع الفقه " على وجوبها، وذكر في " فتاوى المرغيناني " في [....
..] أنها سنة، وبه قال مالك والشافعي رحمهما الله - وأحمد، والصحيح الوجوب، لأنها من الشعائر كتكبيرات العيدين.

[التكبير للنساء والمسافرين]
م: (وليس على جماعة النساء إذا لم يكن معهن رجل) ش: يعني إذا لم يكن إمامهن رجلا، فإذا كان يجب عليهن بطريق التبعية م: (ولا على جماعة المسافرين إذا لم يكن معهم مقيم) ش: أي وليس التكبير على جماعة المسافرين إذا لم يكن إمامهم مقيما، وإذا صلى المسافرون جماعة في مصر فيه روايتان، الأصح أنه لا يجب عليهم.
م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد م: (هو) ش: أي التكبير م: (على كل من صلى المكتوبة) ش: وبه قال مالك والشافعي - رحمهما الله - والأوزاعي، والمشهور عن أحمد أن المنفرد لا يكبر كقول أبي حنيفة، وقوله: م: (كل من صلى المكتوبة) ش: أي الفرض سواء كان مصريا أو مقيما أو مسافرا جماعة أو منفردا. م: (لأنه تبع للمكتوبة) . ش: أي لأن التكبير تبع للمفروضة يكبر كل من صلاها.
قلنا: التبعية عرفت شرعا بخلاف القياس، لأنه لم يشرع في غير هذه الأيام فتراعى لهذه التبعية جميع ما ورد به النص، والنص جعل من إحدى شرائطه المصر فوجب أن يشترط القوم الخاص والجماعة، كما في الجمعة والعيد والمسلمون يكبرون عقيب صلاة العيد، لأنها تؤدى بالجماعة فأشبهت الجمعة، وعند غيرهم لا يكبرون، لأن صلاة العيد في الأصل غير مكتوبة.
م: (وله) ، ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ما روينا من قبل) ش: وهو الذي ذكره في أول باب صلاة الجمعة ولا تشريق ولا فطر إلا في مصر جامع.
فإن قلت: هذه التكبيرات شرعت تبعا للمكتوبات، فكيف يشترط لها ما لم يشترط للمتبوع؟

(3/131)


والتشريق هو التكبير، كذا نقل عن الخليل بن أحمد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: النص على خلاف القياس.
واختلف المشايخ في اشتراط الحرية على قوله فمنهم من شرطها قياسا على الجمعة والعيد ومنهم من لم يشترطها قياسا على سائر الصلاة، وفائدته تظهر فيما إذا أم العبد صلاة المكتوبة في هذه الأيام، فمن شرطها لم يوجب التكبير، ومن لم يشترط أوجبه.

م: (والتشريق هو التكبير) . ش: أشار بهذا إلى أن المراد من قوله في الحديث المذكور آنفا لا جمعة ولا تشريق، أي ولا يكبر، وإن كان متعددا كما ذكرناه في أول الفصل، وأشار إلى صحة مجيء التشريق بمعنى التكبير بقوله، م: (كذا نقل عن الخليل بن أحمد) ، ش: وهو من أئمة اللغة، وكذا نقل عن النصر بن سهيل.
وقال تاج الشريعة: فإن صح النقل عنهما فظاهر وإلا فلا بد من التحمل لقول الفقهاء، فيقول: إن التشريق في اللغة تقديد اللحم في الشمس، والمطلق من الشرع لصلاة العيد مأخوذ من شروق الشمس، أي طلوعها أو إشراقها أي إضاءتها، لأن ذلك وقتها، وتسمية أيام التشريق، إما أنها توابع ليوم النحر، أو لأن لحوم الأضاحي تشرق فيها.
إذا عرفت ذلك نقول التكبير يصح مرادا بالتشريق مجازا فيحمل النص عليه، وإنما قلنا إنه يصح مرادا، لأنه وصلاة العيد مشتركان في الوقت، ويكون كل واحد منهما شعارا يجهر به من شعائر الإسلام وملازمته بينهما من حيث إنهم يجهرون بالتكبير في الخروج إلى المصلى وهو مسنون في عيد الأضحى بلا خلاف، وفي عيد الفطر في رواية، وإطلاق اسم أحد الملزمين أو المتلازمين على الآخر مجازا شقص صحيح كإطلاق الأسد على الجريء والصلاة غير معينة به في الحديث، لأن حكمها قد أفيد بقوله: " لا فطر ولا أضحى "، فإن المراد بها صلاة العيدين وهو ظاهر، أو بقول التشريق، وإن كان على حقيقته فإنه أراد بقوله: " ولا تشريق " ولا تكبير تشريق فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. انتهى.
قلت: ولهذا يجاب لمن قال: إذا كان التشريق هو التكبير بقوله: كأنه قال: تكبير التكبير، وهذا ممتنع، لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه فافهم.
واعلم أن الخليل بن أحمد بن عمرو بن حتم الفراهيدي، ويقال الفرهودي الأزدي التحمدي كان إماما في علم النحو واللغة، وله تصانيف فيهما، وسيبويه أخذ عنه علوم الأدب، مات في سنة خمس وسبعين ومائة، وقيل: عاش أربعا وسبعين سنة، ومن تلامذته النضر بن شميل بن خرشة التميمي المازني النحوي البصري وله تصانيف، مات في سلخ ذي الحجة سنة أربع ومائتين بمدنية مرو من بلاد خراسان وبها ولد، ونشأ في البصرة فكذلك نسب إليها.

(3/132)


ولأن الجهر بالتكبير خلاف السنة، والشرع ورد به عند استجماع هذه الشرائط إلا أنه يجب على النساء إذا اقتدين بالرجال، وعلى المسافرين عند اقتدائهم بالمقيم بطريق التبعية، قال يعقوب - رَحِمَهُ اللَّهُ -: صليت بهم المغرب يوم عرفة فسهوت أن أكبر فكبر أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، دل أن الإمام وإن ترك التكبير لا يتركه المقتدي وهذا لأنه لا يؤدى في حرمة الصلاة، فلم يكن الإمام فيه حتما وإنما هو مستحب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولأن الجهر بالتكبير خلاف السنة) ، ش: لأن الأصل في الدعاء الإخفاء، فلا تكون سنة إلا في موضع النص أو الإجماع ولم يوجدا فيما ذكرناه. م: (والشرع ورد به) ، ش: أي بالجهر. م: (عند استجماع هذه الشرائط) ، ش: أشار به إلى الفرض والإقامة والمصر والجماعة والذكورية. م: (إلا أنه) ، ش: أي إلا أن التكبير. م: (يجب على النساء إذا اقتدين بالرجال وعلى المسافرين) ، ش: أي ويجب أيضا على المسافرين. م: (عند اقتدائهم بالمقيم بطريق التبعية) ، ش: أي الإمام، وفي النحر غير أن المسافر يكبر جهرا والمرأة لا تكبر جهرا.
م: (قال يعقوب) ، ش: أي أبو يوسف، م: (صليت بهم المغرب) ، ش: أي بالمسافرين، م: (يوم عرفة) ، ش: هذا مجاز لقرب المغرب من النهار، أو لأن ليلة النحر ملحقة باليوم الذي قبلها في حكم الوقت، لأن مدركها مدرك الحج، م: (فسهوت أن أكبر) ، ش: أي عن التكبير فكلمة أن مصدرية، م: (فكبر أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - دل) ، ش: أي تكبير أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، م: (أن الإمام وإن ترك التكبير لا يتركه المقتدي) ، ش: كالذي يتلو آية السجدة إذا تركها وهو إمام السامعين لا يترك السامعون.
م: (وهذا) ، ش: توضيح لما قبله، م: (لأنه) ، ش: أي لأن التكبير، م: (لا يؤدى في حرمة الصلاة) ، ش: بل يؤدى في أثرها، م: (فلم يكن الإمام فيه حتما) ، ش: أي واجبا، بخلاف سجود السهو إذا تركها الإمام يتركه المقتدي أيضا، م: (وإنما هو) ، ش: أي الإمام، م: (مستحب) ، ش: أي وجوده في التكبير فيكبر إذا تركه إمامه، ولكن إنما يكبر قبله إذا وقع إلباس عن تكبير إمامه بأن قام، وفي ذكر هذه المسألة فوائد.
منها: بيان منزلة أبي يوسف عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - حيث قدمه واقتدى به، ومنها بيان حشمة أستاذه حيث ذكره بسهوه فكبر ليتذكر هو ويكبر.
ومنها: أن الأستاذ إذا تفرس في بعض أصحابه الخير يقدمه ويعظمه عند الناس حتى يعظموه كما فعل أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
ومنها: أن التلميذ لا ينبغي أن ينسى حرمة أستاذه وإن قدمه أستاذه وعلمه، ألا ترى أن أبا يوسف شغله ذلك حتى سها.

(3/133)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فروع: فاتته صلاة في غير أيام التشريق فقضاها في أيام التشريق أو على العكس أو قضاها في أيام التشريق من العام القابل لا يكبر، ولو قضاها في أيام التشريق من العام من هذه السنة يكبر.
اختلفوا في المسبوق متى يكبر، قال الجمهور: يقضي ما فاته ثم يكبر عقيب سلامة برأيه.
وقال الحسن البصري: يكبر ثم يقضي. وعن مكحول ومجاهد: يكبر ثم يقضي [....
..] ، قال ابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ - محل هذا التكبير دبر كل صلاة ما لم يتخلل قاطع من حديث عمل أو قهقهة أو كلام أو خروج من المسجد، فمن نسيه فتذكر قبل وجود القاطع كبر وبعده لا يكبر.
وقال الشافعي: لا يكبر ليلة عيد الفطر عند الجمهور، وإنما يكبر عند الغدو إلى صلاة العيد، وعن سعيد بن المسيب وعروة وداود: وجوب التكبير في عيد الفطر، ووقته غروب الشمس ليلة العيد عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومذهب الجمهور قول علي وابن عمر وأبي أمامة وآخرين من الصحابة. وبه قال عبد الرحمن بن أبي ليلى وسعيد بن جبير والنخعي وأبو الزناد وعمر بن عبد العزيز وأبو بكر بن محمد وحماد والحكم ومالك وإسحاق وأبو ثور.

(3/134)