البناية شرح الهداية

كتاب الزكاة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[كتاب الزكاة]
م: (كتاب الزكاة) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام الزكاة وقرنها بالصلاة تناسيا وإقتداء بما ذكر الله تعالى في آي من القرآن في قَوْله تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] (البقرة: الآية 43) . وكذلك في السنة: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة....» .
وأما تقدم الصلاة عليها فلأنها جنس لمعنى في نفسها بدون الواسطة، والزكاة ملحقة بها في أنها جنس لمعنى في نفسها لكن بالواسطة، فكانت هي أحط رتبة من الصلاة، ويقال: وجه مقارنتها بالصلاة: هو أن سبب وجوب العبادة نعم الله تعالى، والنعمة بدنية ومالية، والنعمة البدنية أعظهما وأتمها فكان صرف عناية المكلف إلى تعميمها أحق، والعبادة المالية بذريعة المال، ولهذا سمى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصلاة عماد الدين، والزكاة فطرة الإسلام، فاقتضت حكمة الله تعالى تقديم الصلاة على الزكاة، وجعلت الزكاة ثانية الصلاة للآية المذكورة.
ثم لفظ الزكاة اسم المصدر - أعني التزكية - يقال: زكى ماله تزكية إذا أدى عنه زكاته، وأصل مادته يأتي لمعان بمعنى الطهارة، قال الله تعالى: {وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً} [مريم: 13] (مريم: الآية 13) ، أي طهارة، وقال الله تعالى: {وَتُزَكِّيهِمْ} [التوبة: 103] (التوبة: الآية 103) أي تطهرهم، وبمعنى النماء يقال: زكى الزرع إذا نمى، وقال الجوهري: زكى الزرع يزكو زكاة ممدودة أي نما، وأزكاه الله تعالى.
وبمعني النعم، قال الأموي: زكى الرجل يزكو زكا زكوا إذا تنعم وكان في خصب. وبمعنى آخر يقال: هذا الأمر لا يزكو بفلان، أي لا يليق به، وبمعنى آخر يقال: تزكى الرجل أي تصدق، وبمعنى هذا المدح يقال: زكى نفسه، قال الله تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32] (النجم: 32) ، وبمعنى الثناء الجميل ومنه زكى الثناء فمخرج الزكاة يحصل للثناء الجميل، وزكاة الناقة بولدها إذا أدبرت به بين رجليها، وسميت صدقة؛ لدلالتها على صدق العبد في العبودية إذا أداها لأنها على النفس أشق.
وأما معناه الشرعي فقد قال الشيخ قوام الدين الكاكي: وشرعا عند المحققين من أصحابنا إيتاء جزء مقدر من النصاب الحولي إلى الفقير لله تعالى.
قلت: هذا يحتاج إلى قيد آخر وهو أن يقال: إلى الفقير غير الهاشمي، وقيل: الزكاة اسم للمال المؤدى؛ لأنه تعالى أمرنا بإيتاء الزكاة، والمراد بالإيتاء إخراجها من العدم إلى الوجود. وقال السغناقي: قال المحققون من أصحابنا: إن الزكاة في عرف الشرع اسم لفعل الأداء بدليل

(3/287)


الزكاة واجبة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قولنا: الزكاة واجبة، والوجوب من صفات الأفعال لا من صفات الأعيان. كذا في " المبسوط ". ثم قال: يجوز أن يقال: إن الزكاة في اصطلاح الشرع عبارة: عن إخراج الحر البالغ المسلم العاقل إذا ملك نصابا ملكا تاما طائفة من المال إلى المصرف؛ لرضا الله تعالى لإسقاط الفرض عن وجه ينقطع نفع المؤدى من المؤدي.
وقال تاج الشريعة: الزكاة في الشرع عبارة عن إيتاء جزء من النصاب الحولي إلى الفقير؛ لأنها توصف بالموجود الذي هو من صفات الفعل، ثم أطلقت على القدر المخرج إلى الفقير مجازا؛ إما لأنه يوصف بطهر المخرج من الذنوب، أو لأنه ينمي ماله ويبارك له ويقع مدفعا لتلف أصل المال المذكور في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما خالطت الصدقة مالا إلا أهلكته» .
والأحسن في هذا: ما قاله الشيخ حافظ الدين النسفي: الزكاة تمليك المال من فقير مسلم غير هاشمي ولا مولاه، بشرط قطع المنفعة عن المالك من كل وجه لله تعالى.
قلت: ولو قال: تمليك جزء من المال لكان حسنا. وبقي الكلام في صفتها وسبب وجوبها وشروطها وحكمها.
أما صفتها: فهي فريضة محكمة يجب تكفير جاحدها على ما يجيء بيانه عن قريب إن شاء الله تعالى، وفي السنة الثانية من الهجرة فرضت الزكاة.
وأما سبب وجوبها فالمال، ولهذا تضاف إلى المال، فيقال: زكاة المال والواجبات تضاف إلى أسبابها، ولكن المال سبب باعتبار غنى المالك، والغنى لا يحصل إلا بمال مقدر وهو النصاب، وأما شروطها فسبعة: أربعة في المالك: وهو أن يكون حرا بالغا عاقلا مسلما وليس عليه دين، وثلاثة في الملوك: وهو أن يكون النصاب كاملا، حوليا، ومساما أو منجزا تعلقه أو نفلا.
وأما حكمها فالخروج عن عهدة التكليف في الدنيا، والنجاة عن العقاب، ووصول الثواب في الآخرة، كذا في " المبسوط ".

[حكم الزكاة وشروط وجوبها]
م: (الزكاة واجبة) ش: قال الكاكي: أراد بالوجوب الفرض، وفي " الكافي " و" البدرية " وصفت بالوجوب مع أنها فريضة؛ لأنه أريد به الثبوت والإلزام، فيكون واجبا قطعا، أو لأن أصلها ثبت بالدليل القطعي، ولكن مقدارها ثبت بأخبار الآحاد، فإن قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] (البقرة: الآية 43) ، مجمل في حق المقدار، ولعل صاحب الكتاب نظر إلى هذا وعدل عن لفظ الفرض، والواجب والفرض يلتقيان في حق العمل، فيصح إطلاق أحدهما على الآخر مجازا.
وقال السغناقي: وفي عكسه والوتر فرض، وبدأ بذكره كما أن الأصح من مذهب أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن الوتر واجب، والأولى أن يقال فيه: أراد بالوجوب اللزوم

(3/288)


على الحر العاقل البالغ المسلم
إذا ملك نصابا كاملا ملكا تاما، وحال عليه الحول،
أما الوجوب فلقوله تعالى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] (البقرة: الآية 43) ؛ ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أدوا زكاة أموالكم» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والثبوت؛ لأنه ينبني عنه لغة. وقال السروجي: وفي " البدائع " و" التحفة " وغيرها: إنهما فريضة، ثم أراد بالوجوب التحقق والثبوت، وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "وجبت" أي ثبتت وتحققت، أو لأنه لو قال: فرضا لتبادر الذهن إلى الفرض الذي هو التقدير، وهو الغالب في باب الزكاة؛ لأنها جزء مقدر في جميع أصناف الأموال.
م: (على الحر العاقل البالغ المسلم) ش: الجار والمجرور يتعلقان بقوله: واجبة، ذكر أربعة أشياء. الأول: الحرية فلا تجب على العبد.
والثاني: العقل فلا تجب على المجنون.
والثالث: البلوغ، فلا تجب على الصبي.
والرابع: الإسلام فلا تجب على الكافر.
وسيجيء بيان كل واحد منها عن قريب؛ لأن هذا الكتاب شرح القدوري في نفس الأمر.

م: (إذا ملك نصابا كاملا ملكا تاما وحال عليه الحول) ش: الملك بالاختصاص المطلق الحاجز، وقيل: هو القدرة على التصرف على وجه لا يتعلق بذلك تبعة في الدنيا ولا غرامة في الآخرة. والنصاب الأصل، وهو كل مال لا تجب فيما دونه الزكاة، والملك التام الذي يكمل جميع آثار الملك، واحترز به عن مال المديون، والمكاتب، ومال الضمان، وبدل الخلع، والمهر قبل القبض.
وقال السغناقي: صاحب الدين يستحقه عليه ويأخذه من غير قضاء ولا رضا، وذلك لأنه عدم الملك كما في الوديعة والمغصوب، قال: ولا يلزم على هذا الواهب فيما وهب، حيث كان له الرجوع في هبته، وهو لم يمنع تمام الملك للموهوب له حتى تجب عليه الزكاة، لأنا نقول: إنه لا يتملكها عليه إلا بقضاء أو رضا.
وأما الصداق قبل القبض، فإن بالعقد يحصل أصل الملك، وتمام المقصود لا يحصل إلا بالقبض، وصيرورته نصابا للزكاة بناء على تمام المقصود، لا على حصول أصل الملك، حتى لا تجب الزكاة في مال الضمان، وإن وجد أصل الملك وكذا في " المبسوط ". وقيل: يحتمل أن يكون قوله: "ملكا تاما"، احترازا عن البيع قبل القبض حيث لا زكاة فيه؛ لأن ملكه لم يتم، ولهذا لا يجوز تصرفه فيه، والملك: عبارة عن مطلق التصرف فيكون الملك فيه ناقصا، فلا يلزم عليه مال ابن السبيل؛ لأن يده ثابتة.

م: (أما الوجوب فلقوله تعالى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] ، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أدوا زكاة أموالكم» ش: أي أما وجوب الزكاة فلقوله عز وجل: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] (البقرة: الآية 43) ، وقد أمر

(3/289)


وعليه إجماع الأمة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الله تعالى بإيتاء الزكاة، والأمر المطلق للوجوب على المختار عند الأصوليين والفقهاء. وقال المروزي وغيره من الشافعية: الآية مجملة. قال البندنيجي: هو المذهب وبينتها السنة لكن أصل الوجوب ثابت بها. وقال بعضهم: ليست مجملة بل كل ما يتناول اسم الزكاة. فالآية تقتضي وجوبه والزيادة عليه تعرف بالسنة، والأمر المطلق موقوف على البيان عند بعض الشافعية ذكره السرخسي.
قوله: "وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أدوا زكاة أموالكم» . أي ولقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.. إلخ، وهذا جزء من حديث أخرجه الترمذي في آخر أبواب الصلاة عن سليم بن عامر قال: سمعت أبا أمامة يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب في حجة الوداع فقال: «اتقوا الله ربكم وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وأدوا زكاة أموالكم وأطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنة ربكم» . وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ورواه ابن حبان في "صحيحه "، والحاكم في "مستدركه "، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم، ولا نعرف له علة ولم يخرجاه.
وقد احتج مسلم بأحاديث سليم بن عامر وسائر رواته متفق عليهم، وروي هذا أيضا عن أبي الدرداء رواه الطبراني في كتاب " مسند الشاميين " أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أخلصوا عبادة ربكم، وصلوا خمسكم، وأدوا زكاة أموالكم، وصوموا شهركم، وحجوا بيت ربكم، تدخلوا جنة ربكم» وفيه قصة.

م: (وعليه إجماع الأمة) ش: أي على وجوب الزكاة إجماع أمة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الصدر الأول إلى زماننا حتى كفروا جاحدها، وفسقوا تاركها، وكذا في " شرح المبسوط ". وقال الكاساني في " البدائع ": الدليل على فرضية الزكاة الكتاب والسنة والإجماع والمعقول.
واعترض عليه بأن السنة لا يثبت بها الفرض، إلا أن تكون متواترة أو مشهورة لا سيما فرضا يكفر جاحده، والزكاة جاحدها يكفر، والسنة الواردة فيها أخبار آحاد صحاح وبها يثبت الوجوب دون الفرض، والعقل لا يثبت به وجوب الزكاة والصلاة وغيرها من الأحكام الشرعية، وإن أراد بالمعقول المقاييس المستنبطة لا يثبت بها الفرضية.
وقال الكاساني: أما المعقول فمن وجوه ثلاثة: الأول أنه من باب إعانة الضعيف وتقويته على أداء ما فرض الله تعالى عليه من التوحيد والعبادة، والوسيلة إلى أداء المفروض مفروض. ورد بأنه يمكن حصول التوحيد وغيره بغير هذه الوسيلة فلا يكون فرضا.

(3/290)


والمراد بالواجب الفرض لأنه لا شبهة فيه، واشتراط الحرية؛ لأن كمال الملك بها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال: الثاني: إنها تطهير نفس المؤدي وتزكية أخلاقه، والتخلق بالجود والكرم، ورد بأنه أبعد.
قال: والثالث: فيه شكر نعمة المال، وشكر المنعم فرضٌ عقلا، ورد بأنه لا يخفى.

[حكم مانع الزكاة] 1
فروع: إذا امتنع من أداء الزكاة ولم يجحد وجوبها أخذت وعزر ولا يأخذ زيادة على الواجب، وهذا قول أكثر أهل العلم مثل مالك والشافعي - رحمهما الله - وأظهر قولي أحمد بن حنبل وأصحابه.
وقال إسحاق وعبد العزيز وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في رواية، والشافعي في قوله "القديم": يأخذها الإمام وينظر ما له، وهي رواية عن إسحاق - رَحِمَهُ اللَّهُ - يؤخذ معها مثلها.
فإن قلت: روى أبو داود والنسائي - رحمهما الله - من حديث بهز بن حكيم بن معاوية عن أبيه عن جده أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول: «في كل سائمة إبل في كل أربعين بنت لبون، من أعطاها مؤتجرا فله أجرها ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا، لا يحل لآل محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منها شيء» .
قلت: كان ذلك في ابتداء الإسلام حيث كانت العقوبات بالمال ثم نسخ.

م: (والمراد بالواجب الفرض؛ لأنه لا شبهة فيه) ش: أي المراد من قولنا في أول الكتاب: الزكاة واجبة، الفرض؛ لأنه ثبت بدليل لا شبهة فيه وهو الكتاب والسنة المتواترة، وإجماع الأمة، وقد مضى الكلام فيه هناك.
م: (واشتراط الحرية) ش: مرفوع بالابتداء وخبره محذوف أي اشتراط الحرية في وجوب الزكاة م: (لأن كمال الملك بها) ش: أي بالحرية إذ العبد قد يملك البيع والتصرف بالكتابة والإذن، وقد قال الكاكي: قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس في مال المكاتب زكاة حتى يعتق» ، فلما لم تجب في مال المكاتب مع أنه حر من وجه، وقن من وجه، ففي غير المكاتب أولى؛ لأنه قن من كل وجه، والزكاة وظيفة مالية ولا مال للعبد، فشرطت الحرية بالإجماع.
وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنما شرطت الحرية لما ذكر الشيخ أبو بكر الجصاص الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الطحاوي " بإسناده إلى جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ليس في مال المكاتب زكاة حتى يعتق» .
وقال السروجي: العبد المأذون له إن كان عليه دين يحيط كسبه فلا ملك لسيده عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعندهما يستحق الصرف إلى غير ماله، وإن لم يكن عليه دين تجب الزكاة فيه على مولاة، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا تجب الزكاة في مال العبد لا عليه ولا على سيده. قال ابن المنذر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول ابن عمر، وجابر، والزهري، وقتادة، وأبي عبيدة، وأحمد - رضي الله

(3/291)


والعقل والبلوغ لما نذكره والإسلام؛ لأن الزكاة عبادة فلا تتحقق من الكافر،
ولا بد من ملك مقدار النصاب؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قدر السبب به،
ولا بد من الحول؛ لأنه لا بد من مدة يتحقق فيها النماء وقدرها الشارع بالحول.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عنهم -، وقال ابن المنذر - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا: وأوجبها طائفة على العبد وجوزوا له أخذ الصدقة مع حرمتها على الغني وهو قول عطاء وأبي ثور وداود - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
م: (والبلوغ والعقل لما نذكره) ش: أي واشتراط البلوغ والعقل لما نذكره عن قريب وهو قوله: وليس على الصبي والمجنون زكاة م: (والإسلام) ش: أي واشتراط الإسلام في وجوب الزكاة م: (لأن الزكاة عبادة فلا تتحقق من الكافر) ش: لأن الأمر بأداء العبادات لينال به المؤدي الثواب في الآخرة، والكافر ليس بأهل الثواب للعبادة عقوبة له على كفره حكما من الله تعالى.
وبدون الأهلية لا يثبت وجوب الأداء ووجوب العقوبات عليهم للزجر، وهو أليق بهم بخلاف الجنب والمحدث؛ لأن أهليتهما غير معدومة بسبب الجنابة والحدث؛ لأنهما مباحان، لكن الطهارة منهما شرط صحة الأداء وبعدم الشرط لا تعدم الأهلية.

م: (ولا بد من ملك مقدار النصاب؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قدر السبب به) ش: أي لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قدر سبب وجوب الزكاة بالنصاب، وهو ما ذكر في " صحيح" البخاري عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة، وليس فيما دون خمسة أواق من الورق صدقة، وليس فيما دون خمسة ذود من الإبل صدقة» .

م: (ولا بد من الحول) ش: أي ولا بد في وجوب الزكاة من حولان الحول. وقال الجوهري: وقولهم: لا بد من كذا كأنه قال: لا فرار منه.
قلت: هذا من الأسماء المبنية على الفتح، وأصله من البدو وهو للتفريق، ومعناه لا مفارقة من هذا، ونحوه لا محالة.
م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (لا بد من مدة يتحقق فيها النماء) ش: أي نماء المال من نمى المال وغيره نماء، وربما قالوا: ينمو نموا وأنماه الله إنماء، وحكى أبو عبيدة نما ينمو وينمي.
م: (وقدرها الشارع بالحول) ش: أي قدر المدة المذكورة الشارع بحولان الحول، قال شهاب الدين القرافي: سمي الحول حولا؛ لأن الأحوال تحول فيه، كما تسمى سنة لتسنية الأشياء فيها، والتسنية: التغير، وتسمى عاما؛ لأن الشمس عامت حتى قطعت جملة الفلك؛ لأنها تقطع الفلك كله في السنة مرة، وتقطع من كل شهر برجا من البروج الاثني عشر، فلذلك قال الله تعالى: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40] (يس: الآية 40) ، وفي " المغرب ": حال الحول دار ومضى، وحالت النخلة حملت عاما وعاما لا، وأحالت لغة، وحال الشيء تغير عن حاله، ومنه قال أستاذنا: وقد جعل حول الزكاة من الدوران والمضي، لا من التغير، فالأول مردود، وفي " الصحاح ": الحول

(3/292)


لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
السنة، والحيلة القوة.
م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول» ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولا يقال إنه إضمار قبل الذكر؛ لأن القرائن تدل عليه، والحديث رواه علي وابن عمر وأنس وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
أما حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فرواه أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "سننه " من رواية الحارث الأعور - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفيه عاصم بن ضمرة والحارث الأعور وعاصم، وثقه ابن معين وابن المديني والنسائي، وتكلم فيه ابن حبان وابن عدي، فالحديث حسن قال النووي في " الخلاصة ": حديث صحيح أو حسن لا يقدح فيه، ضعف الحارث لمتابعة عاصم له.
وأما حديث عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فرواه الدارقطني عن إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مرفوعا: «ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول» ، وإسماعيل بن عياش - رَحِمَهُ اللَّهُ - ضعيف.
وفي رواية عن نمير بن معين قال الدارقطني: ورواه معمر وغيره عن عبيد الله موقوفا، قال: والصواب أنه موقوف وله طرق أخرى.
وأما حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأخرجه الدارقطني - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا في "سننه" عن حسان بن سياه عن ثابت عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعا، ورواه ابن عدي في " الكامل " وأعله بحسان بن سياه، وقال: لا أعلم أنه يرويه عن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - غيره. وقال ابن حبان: حسان بن سياه منكر الحديث جدا، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد.
وأما حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فرواه ابن ماجه في "سننه " عن حارثة بن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قالت: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول» ، وحارثة هذا ضعيف، وقال ابن حبان: تركه أحمد ويحيى -

(3/293)


ولأنه المتمكن به من الاستنماء؛ لاشتماله على الفصول المختلفة، والغالب تفاوت الأسعار فيها فأدير الحكم عليه،
ثم قيل: هي واجبة على الفور،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
رحمهما الله - م: (ولأنه المتمكن به من الاستنماء) ش: أي ولأن الحول هو الممكن على وزن اسم الفاعل من التمكين، والاستنماء طلب النماء.
م: (لاشتماله على الفصول المختلفة) ش: أي لاشتمال الحول على الفصول المختلفة، وهي: الربيع، والصيف، والخريف، والشتاء، فإن التجارات ما يتهيأ الاسترباح فيها في الصيف دون الشتاء، وقد يكون على العكس وكذلك في الربيع والخريف؛ فلذلك علق الاستنماء بحولان الحول، ثم لما أقيم حولان الحول مقام الاستنماء فبعد ذلك لم يعتبر حقيقة الاستنماء حتى إذا ظهر النماء أو لم يظهر يجب الزكاة كالسفر لما أقيم مقام المشقة لم يعتبر حينئذ وجود المشقة فكذلك هاهنا. م: (والغالب تفاوت الأسعار فيها فأدير الحكم عليه) ش: هذا كله جواب عن سؤال مقدر، وهو أن يقال: لم اعتبر اشتمال الحول على الفصول المختلفة؟ فأجاب بقوله: إن الغالب تفاوت الأسعار أي أسعار الأشياء فيها، أي في الفصول، فأدير الحكم عليه أي على الغالب، وشرط حولان الحول شرط الوجوب في الحجرين، وأموال التجارة والسوائم بخلاف زكاة الزرع.
والسرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - جعل الحول وصفا للسبب ولم يجعله شرطا، وقال: وكلمة حتى في قوله: حتى يحول عليه الحول ليست للشرط. وقال مالك والشافعي - رحمهما الله - إذا تم النصاب بالربح عند آخر الحول تجب الزكاة، وإن لم يكن نصابا في أوله، فسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

[وجوب الزكاة على الفور أم التراخي]
م: (ثم قيل هي واجبة على الفور) ش: قائله هو الكرخي، فإنه قال: هو واجب أي أداء الزكاة واجب على الفور، والمراد به أن يجب الفعل في أول أوقات الإمكان أي على الحال، كذا قال في ": المغرب " وهو في الأصل مصدر: فارت القدر إذا غلت، فاستعير للسرعة، ثم سميت به الحالة التي لا ريب فيها ولا لبث، فقيل: جاء فلان وخرج من فوره أي من ساعته، قال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - المراد به أن يجب الفعل في أول أوقات الإمكان وهو أيضا قول عامة أهل الحديث.
وكذا روي عن محمد، ففي " المنتقى " عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا كان له مائتا درهم فحال عليها حولان ولم يزك فقد أساء، لا يحل له ما صنع، وعليه زكاة حول واحد، وعنه إن لم يؤد زكاته لا تقبل شهادته، وأن التأخير لا يجوز ذكره في المحيط، ومن اختار من أصحابنا أن مطلق

(3/294)


لأنه مقتضى مطلق الأمر، وقيل: على التراخي؛ لأن جميع العمر وقت الأداء، ولهذا لا تضمن بهلاك النصاب بعد التفريط، وليس على الصبي والمجنون زكاة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأمر على الفور، الإمام أبو منصور الماتريدي، وفي" الميزان " عنه لا يعتقد فيه الفور ولا التراخي إلا بدليل زائد وراء الأمر، وفي " الوتري " لم يذكر في ظاهر الرواية هل يجب وجوبا موسعا أو مضيقا؟
م: (لأنه مقتضى مطلق الأمر) ش: أي لأن الفور مقتضى مطلق الأمر؛ لأن الأمر لحاجة تأخيره وهو دفع حاجة الفقير، والدليل عليه أنه إذا أدي في أول أوقات الإمكان يخرج من العهدة.
م: (وقيل على التراخي) ش: القائل هو محمد بن شجاع البلخي، وكذا روي أيضا عن أبي بكر الجصاص الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وروى هشام عن أبي يوسف أنه يسعه التأخير وفرق بينها وبين الحج أن الحج يختص بوقت يأتي في السنة مرة.
وفي التأخير تفويت وليس ذلك في الزكاة، وفي " الوتري ": لو منع السائمة عن المصدق قيل: يضمن بالهلاك كبيع الوديعة والعارية، وقيل: لا يضمن وهو الصحيح. ويمنع الزكاة على الفقير لا يضمن؛ لعدم تعينه فإن له أن يدفعها إلى غيره، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - على الفور ويضمن بالتأخير بعد التمكن وبإتلافه قبل التمكن وفي إتلاف الأجنبي قولان.
م: (لأن جميع العمر وقت الأداء) ش: أي وقت أداء الزكاة فلا يجوز تقييده بأول أوقات إمكان الأداء.
م: (ولهذا لا يضمن بهلاك النصاب بعد التفريط) ش: أي ولكون جميع العمر وقت الأداء لا يضمن المزكى بهلاك النصاب، أي نصاب كان بعد التفريط، أي التقصير بعدم الأداء في وقت التمكن.
وقال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يضمن كما في الاستهلاك؛ لأنه صار دينا في ذمته. قلنا: الواجب جزء من النصاب فلا يتصور بقاء الجزء بعد هلاك النصاب بخلاف ما إذا استهلكه؛ لأنه دخل في ضمانه فيبقى دينا في ذمته.
م: (وليس على الصبي والمجنون زكاة) ش: وبه قال أبو وائل، وسعيد بن جبير، والنخعي، والشعبي، والثوري، والحسن البصري - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وحكي عنه أنه إجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وقال سعيد بن المسيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا تجب الزكاة إلا على من وجبت عليه الصلاة والصيام.
وذكر حميد بن زنجويه النسائي أنه مذهب ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وفي " المبسوط ":

(3/295)


خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وهو قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أيضا، وعن جعفر بن محمد عن أبيه مثله، وبه قال ابن شريح - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكره النسائي، وقال سائر أهل العراق: لا يرون الزكاة على الصبي ولا على وصيه، وقالوا: لا تجب الزكاة إلا على من وجبت عليه الصلاة، وعن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: إذا بلغ إن شاء زكى وإن شاء ترك. وقال الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز: تجب الزكاة في ماله ولا يخرجها الوصي، ولكن يحصيها، فإذا بلغ أعلمه حتى يزكيه بنفسه، وقال ابن أبي ليلى: الزكاة في ماله، فإن أداها الوصي ضمن، وقال ابن شبرمة: لا أزكي الذهب والفضة، ولكن أزكي الإبل والبقر والغنم وما ظهر وما غاب لم أطلبه، ذكره ابن المنذر في " الأشراف ".
م: (خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: انتصاب خلافا على أنه مصدر فعل محذوف والتقدير: خالفنا خلافا كائنا للشافعي، وبقوله قال مالك وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فقالوا: تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون، ويطالب الوصي والولي بالأداء، ويأثم بالترك وإن لم يخرج الولي وجب عليهما بعد البلوغ والإقامة إخراجها لما مضى من السنين.
قال السروجي: وعبارة الشافعية: لا تجب الزكاة عليهما بل تجب في مالهما. وعند الحنابلة الوجوب عليهما، ذكره في" المغني " واحتجوا في ذلك بما رواه الترمذي عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطب الناس فقال: «من ولي يتيما له مال فليتجر فيه، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة» . قال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنما يروى هذا الحديث من هذا الوجه وفي إسناده مقال؛ لأن المثنى يضعف في الحديث.
وقال صاحب " التنقيح ": قال مهنى: سألت أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال: ليس بصحيح وله طريق آخر أخرجه الدارقطني في "سننه " عن عبيد الله بن إسحاق حدثنا مندل، عن أبي إسحاق الشيباني، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحوه.
قال الدارقطني: الصحيح أنه من كلام ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.
طريق آخر أخرجه الدارقطني عن محمد بن عبيد الله العرزمي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه

(3/296)


فإنه يقول: هي غرامة مالية فتعتبر بسائر المؤن، كنفقة الزوجات وصار كالعشر والخراج.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عن جده - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «في "مال اليتيم زكاة» .
قال الدارقطني: العرزمي ضعيف، وعبيد الله بن إسحاق أيضا ضعيف، وقال صاحب " التنقيح ": هذه الطرق الثلاثة ضعيفة، واحتجوا أيضا بحديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة» . أخرجه الطبراني في " الأوسط "، حدثنا علي بن سعيد الرازي، حدثنا الفرات بن محمد القيرواني، حدثنا شجرة بن عيسى المغافري، عن محمد بن عبد الملك بن أبي كريمة، عن عمارة بن غزية يحيى بن سعيد عن أنس، وقال الطبراني: لا يروى هذا الحديث عن أنس إلا بهذا الإسناد.
وقال السروجي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وأجاب شمس الأئمة وغيره من الأصحاب عن أحاديثهم مع أنها غير ثابتة أن المراد من الصدقة النفقة ويؤيده أنه أضاف الأكل إلى جميع المال والنفقة هي التي تأكل جميع المال.
وقال ركن الدين إمام زاده: معني فليترك ماله بالتمييز في التجارة؛ لأن الزكاة هي الزيادة وهي الثمرة، والصدقة هي النفقة؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نفقة المرء على عياله صدقة» . وكذلك المراد من الزكاة زكاة الفطر ثم هو منقوض بمال الجنين فإنه لا تجب الزكاة فيه على المذهب عندهم، ذكره النووي في " شرح المهذب " فصار كالحرية والعقل فإنه لا يجب على الصبي.
م: (فإنه يقول: هي غرامة فتعتبر بسائر المؤن) ش: أي فإن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: هي أي الزكاة، غرامة مالية، أي حق وجب بسبب المال، والصغر لا يمنع وجوبه فيعتبر بسائر المؤن. وقال السغناقي: غرامة مالية أي وجوب شيء مالي، استعار لفظ الغرامة إلى الوجوب لما أن حقيقة الغرامة هي أن يلتزم الإنسان ما ليس عليه.
م: (كنفقة الزوجات) ش: هذا من شأن المؤن، المعنى أن الزكاة لما كانت مؤنة مالية تجب عليهما كما تجب سائر المؤن، كنفقة الأبوين ونفقة الزوجات والغرامات المالية م: (وصار كالعشر والخراج) ش: أي وصار وجوب الزكاة عليهما كوجوب العشر والخراج فإنهما يؤخذان من مالهما.
فإن قلت: الزكاة واجبة فاستوى فيها الصغير والكبير كصدقة الفطر.
قلت: صدقة الفطر أجريت مجرى حقوق الآدميين، ولهذا تلزم الإنسان عن غيره وحقوق

(3/297)


ولنا أنها عبادة فلا تتأدى إلا بالاختيار تحقيقا لمعنى الابتلاء، ولا اختيار لهما لعدم العقل، بخلاف الخراج؛ لأنه مؤنة الأرض،
وكذلك الغالب في العشر معنى المؤنة، ومعنى العبادة تابع
ولو أفاق في بعض السنة، فهو بمنزلة إفاقته في بعض الشهر في الصوم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الآدميين يجوز أن تلزم الصبي، ولأن الفطرة تجب على رقبة الحر لا على طريق البدل فجاز اعتبارها في حق الصبي، والزكاة حق مالي لا يجب على رقبة الحر، فإن افتقر إلى النية فلا تجب على الصبي كالحج. م: (ولنا أنها عبادة مالية فلا تتأدى إلا بالاختيار تحقيقا لمعنى الابتلاء) ش: أي الحجة لنا أن الزكاة عبادة مالية؛ لأن الإسلام بني عليها، كما ورد في الحديث، قوله: فلا تتأدى، أي فلا تتحقق العبادة إلا باختيار صحيح أو باختيار ثابت يثبت ثباته عن اختيار صحيح؛ ليتحقق معنى الابتلاء، يعني أنا ابتلينا بالعقل ليظهر المطيع من العاصي، وذلك لا يكون إلا بفعل على سبيل الاختيار دون الجبر.
م: (ولا اختيار لهما لعدم العقل) ش: أي ولا اختيار للصبي والمجنون لعدم عقلهما، ولا صحة لاختيار الصبي العاقل فلا تجب عليهما الزكاة، ولهذا لو أدى الصبي العاقل بنفسه لا يصح عند الخصم، فعلم أن اختياره غير صحيح.
فإن قلت: الزكاة عبادة تجزئ فيها النيابة، فلم لا يجوز أداء الولي عنهما بسبيل النيابة؟ قلت: النيابة تثبت باختيار المنوب عنه، أو بإقامة الشرع النائب مقام المنوب عنه جبرا ولم يوجد.
أما صدقة الفطر فالقياس أن لا تجب وهو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي الاستحسان تجب وهو قولهما؛ لأنها مؤنة، ومعنى العبادة فيها وكذا العشر، والأمر في الخراج أظهر لأنه مؤنة فيها معنى العقوبة.
م: (بخلاف الخراج لأنه مؤنة الأرض) ش: هذا جواب عن قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وصار كالعشر والخراج، أراد أن القياس عليه لا يصح؛ لأن الخراج مؤنة الأرض، لأن سبب وجوبه الأرض النامية لا الخارج فباعتبار الأصل فهو الأرض النامية مؤنة.

م: (وكذلك الغالب في العشر معنى المؤنة ومعنى العبادة تابع) ش: هذا أيضا جواب عن قول الشافعي، وصار كالعشر - يعني القياس عليه غير صحيح-؛ لأن الغالب في العشر معنى المؤنة، ولهذا لا يشترط النصاب والحول ولا يسقط بالدين قوله: ومعنى العبادة تابع؛ لأن العشر يثبت إلى الأرض لأنها أصله، ومعنى العبادة باعتبار المصرف وكون الواجب جزءا من النماء.

م: (ولو أفاق في بعض السنة، فهو بمنزلة إفاقته في بعض الشهر في الصوم) ش: أي لو أفاق المجنون في بعض الشهر، معنى هذا إذا كان مفيقا في جزء من السنة بعد ملك النصاب في أولها أو في آخرها قل ذلك أو كثر تلزمه الزكاة، كما لو أفاق في جزء من شهر رمضان في يوم أو ليلة يلزمه صوم الشهر كله. ثم الجنون على نوعين: أصلي: وهو أن يدرك مجنونا، فحكمه حكم

(3/298)


وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يعتبر أكثر الحول، ولا فرق بين الأصلي والعارضي وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إذا بلغ مجنونا يعتبر الحول من وقت الإفاقة بمنزلة الصبي إذا بلغ.
وليس على المكاتب زكاة؛ لأنه ليس بمالك من كل وجه لوجود المنافي وهو الرق، ولهذا لم يكن من أهل أن يعتق عبده.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الصبي، ويعتبر ابتداء الحول من حين الإفاقة؛ لأن التكليف لم يسبق هذه الحالة، فصارت الإفاقة كالبلوغ، وعارض: وهو أن يدرك مفيقا ثم يجن فحكمه أنه إذا أفاق في شيء من السنة، وإن قلت: تجب الزكاة لتلك السنة، كذا ذكره محمد في نوادر الزكاة؛ لأن المعتبر أول الحول لكونه وقت الانعقاد وآخره؛ لأنه وقت الوجوب، فكان مكلفا فيهما ولا يضره زوال العقل فيما بين ذلك.
- م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يعتبر أكثر الحول ولا فرق بين الأصلي والعارضي) ش: هذا رواه هشام عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يعتبر الإفاقة في أكثر الحول، وإن كان مفيقا في أكثر الحول تجب وإلا فلا؛ لأن الأكثر يقوم مقام الجميع، فإن كان مفيقا في الأكثر فقد غلب الصحة الجنون، فصار كجنون ساعة، فوجبت الزكاة، فإذا كان مجنونا في الأكثر صار كأنه جن في جميع الحول. وقال الكرخي: والذي يجن ويفيق بمنزلة الصحيح؛ لأن هذا الجنون لا يستحق به الحجر فهو كالنوم.
وأما المغمى عليه فهو كالصحيح، وفي" الأسرار ": عند زفر والشافعي إذا جن وقت صلاة أو يوما في رمضان لا تلزمه صلاة ذلك الوقت ولا صوم ذلك اليوم. قوله- ولا فرق بين الأصلي- أي بين الجنون الأصلي والجنون العارضي، يعني في ظاهر الرواية، يعني تجب الزكاة إذا أفاق في بعض السنة، ولا يعتبر ابتداء أول الحول من حين الإفاقة؛ لأن الحول مدة العبادة فإذا أفاق في جزء منه تعلق به الوجوب كما في رمضان. وأما على غير ظاهر الرواية فبين الأصلي والعارضي فرق، وقد ذكرناه.
م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إذا بلغ مجنونا يعتبر الحول من حين الإفاقة بمنزلة الصبي إذا بلغ) ش: هذا يوهم أنه رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وليس كذلك، بل هو مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه قال: إذا بلغ الصبي مجنونا يعتبر الحول من حين إفاقته عن الجنون بمنزلة الصبي إذا بلغ حيث يعتبر التكليف عليه من حين البلوغ.

[زكاة مال المكاتب]
م: (وليس على المكاتب زكاة؛ لأنه ليس بمالك من كل وجه) ش: لأنه مالك يدا لا رقبة؛ لأن رقبة للمولى م: (لوجود المنافي وهو الرق) ش: المنافي هو كونه مالكا من كل وجه وهو الرق؛ لأنه عبد ما بقي عليه درهم بالحديث على ما يأتي في بابه.
م: (ولهذا) ش: أي ولكونه غير مالك من كل وجه م: (لم يكن من أهل أن يعتق عبده) ش: لأن ملكه ناقص وهو يمنع وجوب الزكاة. وقال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل

(3/299)


ومن كان عليه دين يحيط بماله فلا زكاة عليه، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تجب لتحقق السبب وهو ملك نصاب كامل تام، ولنا أنه مشغول بحاجته الأصلية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
العلم على أن الزكاة في مال المكاتب حتى يعتق وهو قول جابر بن عبد الله، وابن عمرو، وعطاء، ومسروق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، والثوري، ومالك، والشافعي، وابن حنبل - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وقال أبو ثور وأبو عبيد وابن حزم من الظاهرية: تجب الزكاة في مال المكاتب انتهى.
وأما العبد المأذون فإن كان عليه دين يحيط بكسبه فلا زكاة فيه على أحد عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن المولى يملك كسبه، وعندهما إن كان يملك فهو مشغول بالدين، والمال المشغول بالدين لا يكون نصابا بالزكاة، وإن لم يكن عليه دين فكسبه لمولاه، وعلى المولى فيه الزكاة إذا تم الحول كذا في " المبسوط ".

[زكاة المدين]
م: (ومن كان عليه دين يحيط بماله فلا زكاة عليه) ش: هو قول عثمان بن عفان، وابن عباس، وابن عمر، وطاوس، وعطاء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، والحسن، وإبراهيم، وسليمان ابن يسار، والزهري، وابن سيرين، والثوري، والليث بن سعد، وأحمد بن حنبل - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يمنع وجوب الزكاة في الذهب والفضة لا في الماشية. م: (وقال الشافعي: تجب) ش: أي الزكاة وللشافعية ثلاثة أقوال أصحها عنده: عدم المنع وهو نصه في معظم كتبه الجديدة قاله النووي في " شرح المهذب ".
والثاني: أنه يمنع وهو نصه في القديم وفي اختلاف العراقيين من كتبه الجديدة.
والثالث: يمنع في الأموال الباطنة كالذهب والفضة والعروض، ولا يمنعها في الأموال الظاهرة، وهي المواشي والزروع والثمار والمعادن، وسواء كان الدين حالا أو مؤجلا، ويستوي دين الآدميين ودين الله في ذلك.
م: (لتحقق السبب) ش: أي سبب وجوب الزكاة م: (وهو ملك نصاب كامل تام) ش: لأن المديون مالك لماله، فإن دين الحر الصحيح تجب في ذمته ولا تعلق له بمال، ولهذا يملك التصرف فيه كيف شاء، ثم الدين مع الزكاة حقان اختلفا محلا وسببا ومستحقا فوجوب أحدهما لا يمنع وجوب الآخر كالدين مع العشر.
م: (ولنا أنه) ش: أي أن المال م: (مشغول بحاجته الأصلية) ش: لأنه صاحبه يحتاج إليه لأجل قضاء الدين، وقضاؤه لا يكون إلا من المال العين والحاجة وإن كانت صفة محض غير أنها. تستدعي محتاجا إليه وهو المال، فاستقام وصف المال به، وفي " المنافع ": مال المديون مستحق لحاجته وهي دفع المطالبة والملازمة والحبس في الدنيا والعذاب في الآخرة، وقد تعين هذا المال لقضاء هذه الحاجة فأشبه ثياب البذلة والمهنة وعبيد الخدمة ودور السكنى

(3/300)


فاعتبر معدوما كالماء المستحق بالعطش وثياب البذلة والمهنة،
وإن كان ماله أكثر من دينه زكى الفاضل إذا بلغ نصابا؛ لفراغه عن الحاجة والمراد به دين له مطالب من جهة العباد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فاعتبر معدوما) ش: يعني إذا كان الأمر كذلك فاعتبر هذا المال في حكم العدم فلا تجب فيه الزكاة م: (كالماء المستحق بالعطش) ش: أي لأجل نفسه ولأجل دابته، فإنه يعد معدوما حتى يجوز التيمم مع وجوده م: (وثياب البذلة والمهنة) ش: أي وكثياب البذلة، بكسر الباء الموحدة. قال الجوهري: البذلة ما يمتهن من الثياب أي ما يستخدم، وابتذال الثوب امتهانه.
وقال ابن الأثير: التبذل ترك التزين على جهة التواضع، والمهنة بكسر الميم وفتحها الخدمة. وقال تاج الشريعة: وكأنهما أي البذلة والمهنة لفظان مترادفان، ورأيت في بعض الحواشي أن ثياب البذلة ما يلبس في أيام الجمع والأعياد، وثياب المهنة ما يلبسها في كل يوم ولم أعتمد عليه.

م: (وإن كان ماله أكثر من دينه زكى الفاضل) ش: أي عن الدين م: (إذا بلغ نصابا لفراغه عن الحاجة) ش: أي عن الحاجة المذكورة؛ لأن ملكه فيه قام ويتحقق فيه معنى الغنى، والزكاة إنما تجب على الغني.
م: (والمراد به) ش: أي المراد من قولنا ومن كان عليه دين يحيط بماله فلا زكاة عليه م: (دين له مطالب) ش: ارتفع دين على أنه خبر المبتدأ وهو قوله: والمراد، وقوله: -له مطالب- جملة من المبتدأ والخبر وقعت صفة لقوله دين، والمطالب بكسر اللام م: (من جهة العباد) ش: حال من المطالب مثل ثمن البيع والأجرة والقروض وضمان الاستهلاك ونفقة الزوجة بعد القضاء ونفقة المحارم بعد القضاء؛ إذ نفقة المحارم تصير دينا بالقضاء.
وذكر في كتاب النكاح أن نفقتهم لا تصير دينا بالقضاء حتى تسقط بمضي المدة للاستغناء عنها وقدروها بالشهر، وفي " جوامع الفقه ": الشهر طويل. وفي " الحاوي ": نفقة الصغير لا تسقط بالتأخير بعد القضاء بخلاف الكبير. وفي" المحيط " مهر المرأة يمنع مؤجلا كان أو معجلا، وقيل: المؤجل لا يمنع، وقيل: إن كان الزوج على عدم قضائه يمنع وإلا فلا؛ إذ لا يعد دينا في زعمه.
ودين العشر والخراج يمنع وغير العشر لا يمنع، ودين الزكاة مانع حال قيام النصاب وكذا بعد الاستهلاك خلافا لزفر فيهما، ولأبي يوسف في الاستهلاك، قال المرغيناني: هذا الخلاف في الأموال الباطنة، وأما الأموال الظاهرة فعينها ودينها مانعان.
وفي " التجريد ": دين الزكاة وعينها سواء في الأموال الباطنة لا يمنع وجوب الزكاة، بخلاف زكاة الأموال الظاهرة حكاه عن زفر ويمنع العشر أيضا في رواية عبد الله بن المبارك، عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي ظاهر الرواية لا يمنعه وضمان الدرك قبل الاستحقاق، وضمان الغصب الأول لرجوعه على الثاني.

(3/301)


حتى لا يمنع دين النذر والكفارة
ودين الزكاة مانع حال بقاء النصاب؛ لأنه ينتقص به النصاب، وكذا بعد الاستهلاك خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيهما. ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الثاني على ما روي عنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (حتى لا يمنع دين النذر والكفارة) ش: لأنه لا مطالب له من جهة العباد، وكذا صدقة الفطر ووجوب الحج، وهدي المتعة والأضحية. وفي " الجامع ": دين النذر لا يمنع، ومتى استحق من جهة الزكاة بطل النذر فيه، بيانه: له مائتا درهم نذر أن يتصدق بمائة منها وحال الحول سقط النذر بقدر درهمين ونصف؛ لأن في كل مائة استحق لجهة الزكاة درهمان ونصف، ويتصدق للنذر بسبعة وتسعين ونصف، ولو تصدق بمائة منها للنذر يقع درهمان ونصف عن الزكاة؛ لأنه متعين بتعيين الله، فلا تبطل بتعيينه ولو نذر بمائة مطلقة لزمته؛ لأن محل المنذور به الذمة، فلو تصدق بمائة منها للنذر يقع درهمان ونصف للزكاة، ويتصدق بمثلها عن النذر لأنه ينقص به النصاب.

م: (ودين الزكاة مانع حال بقاء النصاب) ش: قال تاج الشريعة: لكن الزكاة تمنع الوجوب عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد في الأموال الظاهرة والباطنة سواء كان في العين أو في الذمة باستهلاك النصاب. وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تمنع. وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن كان في العين يمنع وإن كان في الذمة لا يمنع، وصورته: رجل له ألف دينار أبقاه بعد حولان الحول حتى وجبت عليه خمسة وعشرون دينارا زكاة، ثم حصل له أربعون دينارا وحال عليه الحول فعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - زكاة الألف المستهلك لا تمنع الوجوب في بقية الأربعين. وعندهما [ ... ] زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: إن هذه عبادة محضة فظهر أثر الوجوب في أحكام الآخرة فصار كالنذور والكفارات، وأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: دين زكاة النصاب المستهلك لا يطالب هو به فلا يمنع بخلاف دين النصاب القائم لجواز أن يمر على العاشر فيطالبه بحق.
م: (وكذا بعد الاستهلاك) ش: أي وكذا مانع بعد استهلاك النصاب، وذلك مثل أن تجب عليه الزكاة في النصاب ثم استهلكه ثم ملك نصابا آخرا لا تجب الزكاة في ذلك النصاب م: (خلافا لزفر فيهما) ش: أي في دين الزكاة والاستهلاك أراد أن دين الزكاة ودين الاستهلاك لا يمنع وجوب الزكاة عند زفر.
م: (ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الثاني) ش: أي في المال والذي وجب فيه دين الاستهلاك أراد أن أبا يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخالفنا في دين الاستهلاك دون دين الزكاة، حيث يقول: إن دين الزكاة يمنع الزكاة، ودين الاستهلاك لا يمنع، وقد مر عن قريب.
م: (على ما روي عنه) ش: أي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولما لم يكن هذا جواب ظاهر الرواية لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: على ما روي عنه، وكلمة على هاهنا تصلح أن تكون

(3/302)


لأن له مطالبا وهو الإمام في السوائم ونائبه في أموال التجارة، فإن الملاك نوابه،
وليس في دور السكنى، وثياب البدن، وأثاث المنازل، ودواب الركوب، وعبيد الخدمة، وسلاح الاستعمال زكاة؛ لأنها مشغولة بالحاجة الأصلية، وليست بنامية أيضا،
وعلى هذا كتب العلم لأهلها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
للتعليل نحو {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] (البقرة: الآية 185) ، أي لهدايته إياكم، والمعنى هاهنا لما روي عنه.
م: (لأن له) ش: أي للنصاب القائم م: (مطالبا) ش: من جهة العباد م: (وهو الإمام) ش: أي الذي له أخذ الزكاة م: (في السوائم) ش: لأنه يجوز أن يمر به فيطالبه حينئذ؛ لأن له ولاية المطالبة م: (ونائبه) ش: أي ونائب الإمام له المطالبة م: (في أموال التجارة) ش: ولكن لما أقيمت الملاك مقام النواب عن الإمام في مطالبة الزكاة عمن وجبت عليه قاموا مقام الإمام أشار إليه بقوله م: (فإن الملاك نوابه) ش: أي نواب الإمام.
وأصل هذا أن ظاهر قَوْله تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] (التوبة: الآية 103) ، يثبت للإمام حق الأخذ من كل مال، ولم يفرق في الحكم بين الدينين، فلذلك كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والخليفتان من بعده كانوا يأخذون إلى أن فرض عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في خلافته أداء الزكاة عن الأموال الباطنة إلى أرباب الأموال لمصلحة، فرآها في ذلك وهي أن النقد مطمع كل طامع فكره تفتيش السعاة على التجار مستور أموالهم، ففرض الأداء إليهم.

[الزكاة دور السكنى والثياب وأثاث المنازل ونحوها]
م: (وليس في دور السكنى، وثياب البدن، وأثاث المنازل، ودواب الركوب، وعبيد الخدمة، وسلاح الاستعمال زكاة؛ لأنها مشغولة بالحاجة الأصلية) ش: الحاجة الأصلية ما يدفع الهلاك عن الإنسان تحقيقا أو تقديرا كالنفقة والثياب التي يحتاج إليها لدفع الحر والبرد، وكذا إطعام أهله وما يتجمل به من الأواني إذا لم تكن من الذهب والفضة، وكذا الجواهر واللؤلؤ والياقوت والبلخش والزمرد ونحوها إذا لم تكن للتجارة، وكذا لو اشترى فلوسا للنفقة ذكره في " المبسوط ".
م: (وليست بنامية أيضا) ش أي وليست هذه الأشياء المذكورة بنامية أيضا، والنماء على نوعين: خلقي كالذهب والفضة، وفعلي: بإعداده للتجارة وكلاهما معدوم في الأشياء المذكورة. وبقولنا قال الشافعي وأحمد وأبو ثور - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.

[زكاة كتب العلم وآلات الحرفيين]
م: (وعلى هذا كتب العلم لأهلها) ش: أي وعلى ما ذكرنا من عدم وجوب الزكاة حكم كتب العلم لأهلها، قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنما قيد بقوله - لأهلها - لأنها إذا كانت للبيع تكون فيها الزكاة لوجود النماء بالتجارة. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله لأهلها قيد غير مفيد؛ لما أنه لو لم يكن من أهلها وليست هي للتجارة لا تجب فيها الزكاة أيضا وإن كثرت؛ لعدم النماء، وإنما يفيد ذكر الأهل في حق مصرف الزكاة؛ لأنه إذا كانت له كتب تبلغ النصاب وهو محتاج إليها للتدريس وغيره يجوز له أخذ الزكاة، أما إذا بلغت النصاب ولم يكن محتاجا إليها لا يجوز صرف

(3/303)


وآلات المحترفين لما قلنا،
ومن له على آخر دين فجحده سنين ثم قامت له بينة، لم يزكه لما مضى، معناه صارت له بينة بأن أقر عند الناس وهي مسألة مال الضمار
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الزكاة إليه كذا في " النهاية ".

م: (وآلات المحترفين لما قلنا) ش: إشارة إلى قوله: لأنها مشغولة بالحاجة الأصلية وليست بنامية، وآلات المحترفين مثل قدور الطباخين والصباغين وقوارير العطارين. وآلات النجارين، وظروف الأمتعة، وفي" الذخيرة " لو اشترى جوالق بعشرة آلاف درهم يؤجرها فلا زكاة فيها، ولو أن نحاسا اشترى دواب ليبيعها فاشترى جلالا ومقاور وبراقع ونحوها فلا زكاة فيها إلا أن تكون في نيته أن يبيعها معها.
وإن كان من نية أن يبيعها آخر فلا عبرة بهذه النية، والآخر إذا اشترى أعيانا لا يبقى لها أثر في المعمول كالصابون والقلى والأشنان والعفص لا تجب فيها الزكاة؛ لأن ما يأخذه الأجير هو بإزاء عمله لا بإزاء تلك الأعيان، وكذا الخباز إذا اشترى حطبا وملحا للخبز فلا زكاة فيها، ولا زكاة في الشحوم والأدهان التي يدبغ بها.
وفي " المحيط ": يدهن بها، وإن كان يبقى أثرها في المعمول كالعصفر والزعفران والصبغ ففيه الزكاة، وكذا لو اشترى الخباز سمسما يجعله على وجه الخبز ففيه الزكاة، قال أبو نصر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الأصل في هذا أن ما سوى الأثمان من الأموال لا تجب فيه الزكاة حتى ينضم إلى الملك طلب النماء بالتجارة أو بالسوم.

[زكاة المال المضمار والمفقود والمغصوب]
م: (ومن له على آخر دين فجحده سنين ثم قامت له بينة لم يزكه لما مضى) ش: أي لما مضى له السنين ومعنى قوله: -ثم قامت به بينة- أي بالدين بينة ما كانت له بينة أولا، ثم صارت م: (بأن أقر) ش: المديون م: (عند الناس) ش: أو كان شهوده غائبين فحضروا بعد سنين، أو تذكروا بعد ما نسوا وإنما قيد بقوله: -ثم قامت به بينة- لأنه إذا كانت له بينة تجب عليه الزكاة.
وفي مبسوط شيخ الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولو كانت له بينة عادلة تجب الزكاة فيما مضى؛ لأنه لا يعد ناويا لما أن حجة البينة فوق حجة الإقرار، وهذه رواية هشام عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي رواية أخرى عنه قال: لا يلزمه الزكاة لما مضى وإن كان يعلم أن له بينة؛ إذ ليس كل شاهد يعدل ولا كل قاض يعدل.
م: (وهي) ش: أي هذه المسألة م: (مسألة مال الضمار) ش: المال الضمار المال الغائب الذي لا يرجى، فإذا رجي فليس بضمار عند أبي عبيد، وأصله من الضمار وهو التغييب والإخفاء، ومنه أضمر في قلبه شيئا، واشتقاقه من الضمير الضمائر. وقال ابن الأثير: الضمار: على وزن الفعال بمعنى فاعل أو مفعل، وفي " الفوائد الظهيرية ": وقيل الضمار: ما يكون الأسير عينه قائما ولكن لا يكون منتفعا به، مشتق من قولهم: بغيره ضامر وهو الذي يكون فيه أصل الحياة ولكن لا ينتفع به

(3/304)


وفيه خلاف زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومن جملته المال المفقود، والآبق،
، والضال والمغصوب إذا لم يكن عليه بينة،
والمال الساقط في البحر، والمدفون في المفازة إذا نسي مكانه،
والذي أخذه السلطان مصادرة ووجوب صدقة الفطر بسبب الآبق والضال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لشدة هزله.
م: (وفيه) ش: أي وفي الضمار م: (خلاف زفر والشافعي -رحمهما الله-) ش: فعند زفر والشافعي -رحمهما الله- في الجديد وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية يجب عليه إخراج ما مضى من السنين. وقال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تجب عليه زكاة حول واحد؛ لأن في الزيادة ضررا عليه.
م: (ومن جملته) ش: أي ومن جملة الضمار م: (المال المفقود) ش: لأنه كالهالك لعدم قدرته عليه م: (والآبق) ش: أي والعبد الآبق أي الهارب؛ لأنه صار كالناوي لهذا لا تجب صدقة الفطر عنه.
فإن قلت: لو أعتق الآبق عن كفارة يجوز، ولو كان كالناوي لما جاز كالأعمى والزمن.
قلت: يجوز إعتاق المكاتب مع نية الملك يدا لما أن التحرير محل الرق دون اليد، والرق لا ينتقض بالإباق ولا بالكتابة.

م: (والمغصوب إذا لم يكن عليه بينة) ش: فإن كانت عليه بينة تجب، وفي" المحيط ": عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا زكاة في المغضوب والمجحود وإن كانت له بينة، إذ ليس كل شاهد يعدل وقد يفسق العدل، وفي " عدة المغني ": وإن أقر به الغاصب، وفي المرغيناني، إلا في السائمة واستبعد الرافعي وجوب الزكاة على الغاصب لعدم ملكه. قال: والجاري على القياس أن تجب على المالك ثم يغرم له الغاصب.

م: (والمال الساقط في البحر) ش: لأنه في حكم العدم م: (والمدفون في المفازة إذا نسي مكانه) ش: قيد بالمفازة احترازا عن المدفون في أرض له أو كرم أو غيط أو بيت. وقال السروجي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والمدفون في البيت نصاب عند الكل، وإن كان في أرض أو كرم اختلف المشايخ فيه وكذا في الدار الكبيرة ذكره في " البدائع ". وفي" خزانة الأكمل ": ما دفنه في غير حرزه فهو ضمار بخلاف المدفون في الحرز. وقال السروجي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهذا ينتقص بالدار الكبيرة لإمكان الوصول إليه.

[زكاة المال الذي صادره السلطان]
م: (والذي أخذه السلطان مصادرة) ش: هذا عطف على قوله المال المفقود، قال في " ديوان الأدب ": صادره على ماله أي فارقه، وانتصاب مصادرة على التمييز أي من حيث المصادرة. م: (ووجوب صدقة الفطر) ش: هذا مبتدأ م: (بسبب الآبق) ش: أي بسبب العبد الآبق م: (والضال)

(3/305)


والمغصوب على هذا الخلاف، لهما أن السبب قد تحقق وفوات اليد غير مخل بالوجوب كمال ابن السبيل. ولنا قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا زكاة في المال الضمار ولأن السبب هو المال النامي ولا نماء إلا بالقدرة على التصرف، ولا قدرة عليه،
وابن السبيل بقدر بنائبه، والمدفون في البيت نصاب لتيسير الوصول إليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أي وسبب الضال، أي التائه وهو يشمل الضال من العبيد ومن الحيوان الذي تجب فيه الزكاة م (المغصوب) ش: أي وسبب المغصوب م: (على هذا الخلاف) ش: خبر المبتدأ أي على هذا الخلاف المذكور، يعني لا تجب عندنا خلافا لزفر والشافعي -رحمهما الله- م: (لهما) ش: أي لزفر والشافعي -رحمهما الله- م: (أن السبب قد تحقق) ش: أي سبب الوجوب وهو ملك النصاب النامي، وقد تحقق م: (وفوات اليد) ش: أي فوات يد المالك م: (غير مخل بالوجوب) ش: أي بوجوب الزكاة (كمال ابن السبيل) ش: لقيام ملكه وفوات يده لا يخرجه عن ملكه.
م: (ولنا قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا زكاة في المال الضمار) ش: قال السروجي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: روي هذا موقوفا ومرفوعا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنقل الأصحاب، كصاحب " المبسوط " و" المحيط " و" البدائع " وغيرهم - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وقال الزيلعي: هذا غريب.
قلت: أراد أنه لم يثبت مطلقا، ثم قال: وروى أبو عبيد في كتاب " الأموال " في باب الصدقة، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا هشام بن حسان، عن الحسن البصري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: إذا حضر الوقت الذي يؤدي الرجل فيه زكاته أدى عن كل مال وعن كل دين إلا ما كان منه ضمارا لا يرجوه.
م: (ولأن السبب هو المال النامي) ش: أي سبب وجوب الزكاة هو المال النامي، أي ملك النصاب النامي م: (ولا نماء إلا بالقدرة على التصرف ولا قدرة عليه) ش: أي على التصرف فلا زكاة، وذلك لأن النماء شرط لوجوب الزكاة، وقد يكون النماء تحقيقا، كما في عروض التجارة، أو تقديرا كما في التقدير والمال الذي لا يرجى عوده لا يتصور تحقق الاستنماء فيه، فلا يقدر الاستنماء أيضا كذلك.

م: (وابن السبيل يقدر بنائبه) ش: هذا جواب عن قول زفر والشافعي، حيث قاسا المال الضمار على ابن السبيل، وتوجيه السؤال أن ابن السبيل يقدر على الانتفاع به بنائبه بدليل تمكنه من بيعه وجواز بيعه دليل القدرة على التسليم. م: (والمدفون في البيت نصاب) ش: يعني ينعقد نصابا وقيد البيت اتفاقي؛ لأن المدفون في الحرز إذا نسي مكانه، ثم علم بعد الحول تجب فيه الزكاة سواء كان مدفونا في البيت أو في الدار هو ونحوها م: (لتيسير الوصول إليه) ش: لثبوت القدرة

(3/306)


وفي المدفون في أرض أو كرم اختلاف المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -
ولو كان الدين على مقر مليء أو معسر تجب الزكاة؛ لإمكان الوصول إليه ابتداء أو بواسطة التحصيل، وكذا لو كان على جاحد وعليه بينة أو علم به القاضي لما قلنا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عليه بواسطة حفر جميع البيت م: (وفي المدفون في أرض أو كرم اختلاف المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) ش: أي مشايخ بخارى - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وأراد بالأرض المملوكة؛ لأن حكم المدفون في المغارة قد علم قبل هذا. وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وجه من قال بالوجوب أن حفر جميع الأرض ممكن فلا يتعذر الوصول إليه فيصير بمنزلة البيت والدار. ووجه من قال بعدم الوجوب أن حفر جميعها إن لم يتعذر يتعسر ويخرج، والحرج منفي حتى لو كانت دارا عظيمة والمدفون فيها ضمار فلا ينعقد نصابا.

م: (ولو كان الدين على مقر مليء) ش: أي غني مقتدر، كذا في " المغرب " وقال ابن الأثير: المليء بالهمزة: الثقة الغني، وقد ملي فهو مليء بين الملا والملأ بالمد، وقد أوقع الناس فيه بترك الهمزة وتشديد الياء.
قلت: هو من باب فعل يفعل بالضم فيهما. م: (أو معسر) ش: أي أو كان على معسر من أعسر إذا افتقر م: (تجب الزكاة لإمكان الوصول ابتداء) ش: أي لإمكان الوصول إلى الدين ابتداء بلا واسطة؛ لوجود الغنى م: (أو بواسطة التحصيل) ش: يعني في المعسر الكسب، ولأنه يمكن أن يرث مالا في الحال أو يهبه آخر.
وقال الحسن بن زياد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وإن كان الدين على معسر مقر به، فمضى عليه حول، ثم قبضه فلا زكاة فيه؛ لأنه لا يمكن الانتفاع به فهو كالناوي.
م: (وكذا لو كان على حاجد وعليه بينة) ش: أي وكذا تجب الزكاة لو كان الدين على جاحد، أي منكر، والحال أن عليه بينة لإمكان الوصول. وروى هشام عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الدين المجحود إذا كان لصاحبه بينة فلم يقمها حتى مضى الحول فلا زكاة فيه. وقال في " تحفة الملوك ": والصحيح رواية هشام - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن البينة قد تقبل وقد لا تقبل، فلم يمتنع ذلك من نوى المال.
م: (أو علم به القاضي) ش: أي أو علم بالدين القاضي فإنه تجب الزكاة؛ لأن القاضي يقضي بعلمه في الأموال فصاحبه قصر في الاسترداد فلا يعذر م: (لما قلنا) ش: وهو إمكان الوصول.
وروى المعلى عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الغريم إذا كان يقر في السر ويجحد في العلانية فلا زكاة في الدين؛ لعدم الانتفاع به. وروى ابن رستم عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيمن أودع رجلا لا يعرفه مالا فنسيه سنتين، ثم تذكره ففيه الزكاة قال القدوري: هذا صحيح.

(3/307)


ولو كان على مقر مفلس فهو نصاب عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن تفليس القاضي لا يصح عنده وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تجب لتحقق الإفلاس عنده بالتفليس وأبو يوسف مع محمد -رحمهما الله- في تحقق الإفلاس ومع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في حكم الزكاة رعاية لجانب الفقراء،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولو كان على مقر مفلس) ش: أي ولو كان الدين على رجل معترف بالدين مفلس بضم الميم وفتح الفاء وفتح اللام المشددة، قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هكذا الرواية وهو الذي فلسه الحاكم، أي ناداه بإفلاسه. قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في بعض النسخ: مفلس من الإفلاس، يعني بسكون الفاء وكسر اللام الخفيفة، قال: والمعنى والحكم مختلفان باختلاف اللفظ، أما المعنى فيقال: أفلس الرجل صار مفلسا أي صارت دراهمه فلوسا كما يقال: أخبث الرجل إذا صار أصحابه خبثا، وأما أفلسه القاضي، أي نادى عليه أنه أفلس، وأما الحكم فقال بعض المشايخ -رحمة الله عليهم-: الخلاف في التفليس لا في الإفلاس؛ فإن في الإفلاس الدين عليه نصاب بالاتفاق فيزكيها إذا قبض، وأما بعد التفليس فنصاب عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما هو أصله. وتعليل الكتاب بقوله: لأن تفليس القاضي يدل على أن اللفظ بالتشديد.
م: (فهو نصاب عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: يعني تجب الزكاة فيه قبل القبض م: (لأن تفليس القاضي لا يصح عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأن المال غاد ورائح، فذمته بعد التفليس صحيحة كما هي قبله.
م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تجب) ش: أي الزكاة م: (لتحقق الإفلاس عنده بالتفليس) ش: أي عند تفليس القاضي؛ لأنه يصير بمنزلة المال الناوي، والمحجود بمنزلة ما ضاع من ماله بحيث لا يقدر عليه، كذا ذكره الجصاص - رَحِمَهُ اللَّهُ - وغيره م: (وأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع محمد في تحقق الإفلاس) ش: حتى تسقط المطالبة إلى وقت اليسار م: (ومع أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في حكم الزكاة) ش: يعني تجب الزكاة لما مضى عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- م: (رعاية لجانب الفقراء) ش: أي لأجل رعاية جانبهم.
وذكر أبو اليسر - رَحِمَهُ اللَّهُ - قول أبي يوسف، مع قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في عدم الوجوب مطلقا من غير اختلاف الرواية بناء على اختلافهم في تحقق الإفلاس.
وفي " جامع الكردري ": وهذا في المفلس الذي فلسه القاضي؛ لأن عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يتحقق الإفلاس خلافا لهما، وأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ترك أصله احتياطا لأمر الزكاة ورعاية لجانب الفقراء.
وقال الكاكي: وعلى هذا الخلاف وجوب صدقة الفطر بسبب العبد الآبق والضال والمفقود والمغصوب إذا لم يكن للمالك بذلك بينة وحلف. وذكر التمرتاشي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولم

(3/308)


ومن اشترى جارية للتجارة ونواها للخدمة بطلت عنها الزكاة؛ لاتصال النية بالعمل وهو ترك التجارة، وإن نواها للتجارة بعد ذلك لم تكن للتجارة حتى يبيعها؛ فيكون في ثمنها زكاة؛ لأن النية لم تتصل بالعمل إذ هو لم يتجر فلم تعتبر، ولهذا يصير المسافر مقيما بمجرد النية ولا يصير المقيم مسافرا إلا بالسفر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يذكر وجوب الأضحية على قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وينبغي أن لا يجب؛ لأن نفس الملك لا يدفع إمكان الوصول، لا يكفي لوجوب الأضحية كما في ابن السبيل بخلاف الزكاة، فإن الملك مع إمكان الوصول يكفي لوجوبها.

[حكم من اشترى جارية أو شيئا للتجارة ثم نواه للخدمة أو القنية]
م: (ومن اشترى جارية للتجارة ونواها للخدمة بطلت عنها الزكاة لاتصال النية بالعمل وهو ترك التجارة) ش: لأن النية إذا كانت مقرونة بالعمل كانت واجبة الاعتبار؛ لأن النية لتمييز ما اختلف من أنواع الفعل فلا تتصور مع عدم الفعل، والتجارة عمل مخصوص، والاستخدام ترك ذلك العمل، ولما نواها للخدمة وترك التجارة فيها اتصل المنوي بالعمل الذي هو إمساك الاستخدام فيعتبر فتبطل الزكاة. وعن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تصير للخدمة بمجرد النية [وقال السغناقي بعد قوله: وإن اشترى جارية إلى آخره: ولو ورث مالا فنوى به التجارة لا يكون للتجارة بالإجماع على ما يأتي.
وفي " شرح المهذب " للنووي: وإن ملكه بعقد فيه عوض كالبيع والإجارة والخلع، ولم ينو عند العقد أن يكون للتجارة لم يكن للتجارة، وإن نوى التجارة عنده صار للتجارة، وإن زوج أمته به أو ملكته الحرة بالنكاح ففي أصح الوجهين يكون للتجارة بالنية، وإن ملكه بإرث أو وصية بغير عوض لا يصير للتجارة بالنية كذا في الاحتطاب والاحتشاش والاصطياد والرد بالعيب] .
م: (وإن نواها للتجارة بعد ذلك) ش: أي بعد أن نواها للخدمة، م: (لم تكن للتجارة حتى يبيعها فيكون في ثمنها زكاة؛ لأن النية) ش: أي لأن النية للتجارة م: (لم تتصل بالعمل إذ هو لم يتجر فلم تعتبر) ش: أي لأن نيته التجارة؛ لأن التجارة تصرف فلا يحصل إلا بالفعل، بخلاف الخدمة فإنها ترك التصرف فيحصل بمجرد النية.
م: (ولهذا) ش: أي ولأجل اعتبار النية عند اتصالها بالعمل وعدم انفصالها عن العمل م: (يصير المسافر مقيما بمجرد النية ولا يصير المقيم مسافرا إلا بالسفر) ش: لأن الإقامة ترك السفر فيوجد ذلك بمجرد النية، والصائم لا يكون مفطرا بمجرد النية للإفطار، ويصير صائما بمجرد النية في وقته، والمسلم يصير كافرا بنية الكفر إذا اعتقده، والكافر لا يصير مسلما بمجرد النية ما لم يسلم بلسانه، والعلوفة لا تصير سائمة بمجرد نية الإسامة، بخلاف ما لو كانت سائمة فنوى أن تكون علوفة.
وفي " المبسوط ": لو نوى أن تكون سائمة علوفة أو عوامل فمضى عليها الحول تجب فيها

(3/309)


وإن اشترى شيئا ونواه للتجارة كان للتجارة؛ لاتصال النية بالعمل، بخلاف ما إذا ورث ونوى التجارة لأنه لا عمل منه،
ولو ملكه بالهبة أو بالوصية أو النكاح أو الخلع أو الصلح عن القود ونواه للتجارة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الزكاة؛ لأن نيته لم تتصل بالعمل كنية التجارة والسفر وهي نية بالسفر ولا كذلك نية الخدمة.

م: (وإن اشترى شيئا ونواه للتجارة كان للتجارة لاتصال النية بالعمل) ش: وهو الشراء بنية التجارة قال السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذكره مطلقا ولم يقيده بشيء، وهو ليس بمجرد على إطلاقه بل هو في الشيء الذي تصح فيه التجارة، وأما إذا اشترى شيئا لم تصح فيه نية التجارة لا يصير للتجارة، بأن اشترى أرضا عشرية أو خراجية بنية التجارة فإنه لا يجب فيها زكاة التجارة؛ لأن نية التجارة لا تصح فيها، لأنها لو صحت يلزم فيها اجتماع الحقين بسبب واحد وهو الأرض، وهذا لا يجوز، فإذا لم يصح بقيت الأرض على ما كانت، وكذا لو اشترى بذورا للتجارة وزرعه في أرض عشرية استأجرها كان فيه العشر لا غير، كذا في " مبسوط شيخ الإسلام " " وفتاوى قاضي خان " - رحمهما الله - انتهى.
وقال النووي: لو نوى التجارة بعد العقد لم يصيره للتجارة، وقال الكاربيسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - من الشافعية تصير للتجارة، وهو مذهب أحمد وإسحاق وابن راهويه - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
وفي " الذخيرة ": للمالكية لو اشترى عرضا فنوى به القنية سقطت الزكاة عنه. وقال أشهب: لا تبطل التجارة بنية القنية إذا اشترى للتجارة أقوى من القنية.
وفي " الجلابي ": لو اشترى عرضا للقنية ثم نوى به التجارة لا يصير للتجارة بل يستقبل حولا بعد البيع، كقول أبي حنيفة والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.
م: (بخلاف ما إذا ورث ونوى التجارة؛ لأنه لا عمل منه) ش: يعني لا يكون للتجارة بالإجماع؛ لأن النية تجردت عن العمل، وهو معنى قوله -لا عمل- لأن الميراث يدخل في ملكه بغير عمله وصنعه، حتى إن الجنين يرث وإن لم يكن له فعل، وكذا إذا ورث الرجل قريبه ونوى به عن كفارة يمينه لا تجوز إجماعا.

م: (ولو ملكه) ش: أي ولو ملك الشيء م: (بالهبة) ش: بأن وهبه له شخص م: (أو بالوصية) ش: أي أو ملكه بالوصية بأن أوصى شخص له به م: (أو بالنكاح) ش: أو ملكه بالنكاح، والمراد به المهر الذي كان دينا.
فإذا كانت المرأة تملك منه ما فرض الله له م: (أو بالخلع) ش: أي أو ملكه بالخلع بأن خالع امرأة على شيء م: (أو بالصلح عن القود) ش: أي أو ملكه بالصلح عن القصاص. م: (ونواه للتجارة) ش: أي ونوى ذلك الشيء الذي ملكه في الصور المذكورة للتجارة.

(3/310)


كان للتجارة عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لاقترانها بالعمل، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يصير للتجارة؛ لأنها لم تقارن عمل التجارة وقيل الاختلاف على عكسه،
ولا يجوز أداء الزكاة إلا بنية مقارنة للأداء أو مقارنة لعزل مقدار الواجب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (كان للتجارة عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لاقترانها بالعمل) ش: أي لاقتران النية بالعمل، لأن التجارة عقد اكتساب المال فيما لا يدخل في ملكه إلا بقوله فهو كسبه فصح اقتران النية به فكان للتجارة كالمشتراة.
م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يصير للتجارة لأنها) ش: أي لأن النية م: (لم تقارن عمل التجارة) ش: لأن هذه العقود ليست من عقود التجارة، ألا ترى أن الإذن في التجارة، لا يتضمن هذه العقود ولا يملكها المضارب ولا العبد المأذون وهما يملكان التصرف في عقود التجارات.
م: (وقيل: الاختلاف) ش: أي الاختلاف المذكور بين أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (على عكسه) ش: أي على عكس الاختلاف المذكور وهو ما نقله الأسبيجابي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الطحاوي " عن القاضي الشهيد أنه ذكر في المختلفة هذا الاختلاف على عكس هذا وهو أن عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمة الله عليهما- لا يكون للتجارة وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يكون للتجارة، والاختلاف المذكور أولا هو الذي ذكره الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - كان عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يكون للتجارة وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يكون كالموروثة.

[اشتراط النية في الزكاة]
م: (ولا يجوز أداء الزكاة إلا بنية مقارنة للأداء) ش: اشتراط النية بالإجماع إلا الأوزاعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: لا يفتقر إخراج الزكاة إلى النية، كالعتق والوقف والوصية للفقراء مع أنها عبادة وقلنا: إن الزكاة فرض مقصود لعينه فلا بد من النية كالصلاة والصوم، ثم إذا وجدت النية مقارنة للأداء فلا إشكال؛ لأنه هو الأصل لأن العبادة لا تمتاز بالنية المقارنة إلا أنه اكتفى بوجود النية عند العزل أشار إليه بقوله: م: (أو مقارنة لعزل مقدار الواجب) ش: لأن اشتراط النية مع تفريق الدفع في كل مرة فيه حرج وذلك مدفوع شرعا، واكتفى بالنية عند العزل.
فإن قلت: يرد على هذا ما ذكره الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن من امتنع عن أدائها فأخذها الإمام منه كرها، فوضعها في أهلها أجزأت عنه، وفي هذه الصورة لم توجد النية.
قلت: للإمام ولاية أخذ الصدقات فقام دفعه مقام دفع المالك كالأب يعطي صدقة الفطر جائز مع عدم نية الصغير لوجود نية من له ولاية الإعطاء.
وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله - مقارنة للأداء عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أو

(3/311)


لأن الزكاة عبادة، فكان من شرطها النية، والأصل فيها الاقتران إلا أن الدفع يتفرق فاكتفى بوجودها حالة العزل تيسيرا كتقديم النية في الصوم،
ومن تصدق بجميع ماله لا ينوي الزكاة سقط فرضها عنه استحسانا، لأن الواجب جزء منه فكان متعينا فيه فلا حاجة إلي التعيين، ولو أدى بعض النصاب سقط زكاة المؤدى عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مقارنة للعزل عن محمد - وللشافعي فيما إذا عزل مقدار الواجب بالنية ثم دفعه للفقير بلا نية وجهان أظهرهما أنه يجوز.
وفي " الإيضاح ": لو نوى أن يؤدي الزكاة فجعل يؤدي إلي آخر السنة ولا تحضره النية لا يجوز لأن النية لم تقترن بالعزل، وفي " المجرد " عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لو قال: تصدقت إلى آخر السنة فقد نويته من الزكاة، فجعل يتصدق بدون النية أرجو أن يجزئه. وفي " العيون ": وعنه خلاف هذا. وعند مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يشترط قران النية بالأداء وعند أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يستحب ويجوز التقديم بزمان يسير، وفي " منية المفني ": قال أبو جعفر الهندواني: لا تجوز الزكاة إلا بنية مخالطة لإخراجها، وعن محمد بن سلمة البلخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا تصدق ولم تحضره النية ينظر إن كان وقت التصدق بحال لو سئل عما يتصدق أمكنه الجواب من غير فكرة تجزيه ويكون ذلك نية منه.
م: (لأن الزكاة عبادة) ش: مستقلة بذاتها م: (فكان من شرطها النية) ش: لأن الأعمال بالنية م: (والأصل فيها) ش: أي في النية م: (الاقتران) ش: أي اقترانها بالأداء م: (إلا أن الدفع) ش: أي دفع الزكاة م: (يتفرق) ش: لأنه ربما لا يؤديها دفعة واحدة ويدفع شيئا بعد شيء م: (فاكتفى بوجودها) ش: أي بوجود النية م: (حالة العزل) ش: أي حال عزل المقدار الواجب م: (تيسيرا) ش: أي لأجل التيسير للمزكي لدفع الحرج م: (كتقديم النية في الصوم) ش: فإنه يجوز للفجر عن اقتران النية بأول الصبح.

[حكم من تصدق بمال لا ينوي به الزكاة]
م: (ومن تصدق بجميع ماله لا ينوي الزكاة) ش: أي حال كونه لم ينو الزكاة م: (سقط فرضها عنه) ش: أي سقط فرض الزكاة عنه يعني ليس عليه زكاة بعد ذلك م: (استحسانا) ش: لا قياسا لأن القياس عدم السقوط وهو قول زفر ومالك والشافعي وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - ورواية عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن النفل والفرض كلاهما مشروعان فلا بد من نية التعيين وجه الاستحسان وهو قوله. م: (لأن الواجب جزء منه) ش: أي من جميع المال م: (فكان) ش: أي الجزء منه م: (متعينا فيه فلا حاجة إلى التعيين) ش: لأن التعيين إنما شرط لمزاحمة سائر الأجزاء، فلما أدى الجميع على وجه القربة زالت المزاحمة فسقط الفرض لوجود أداء الجزاء الواجب ضرورة، وهذا كالصوم في رمضان لأنه نصاب بمطلق الاسم لتعيينه فلا يحتاج إلى التعيين. م: (ولو أدى بعض النصاب سقط زكاة المؤدى) ش: بفتح الدال م: (عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن

(3/312)


الواجب شائع في الكل، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تسقط لأن البعض غير متعين لكون الباقي محلا للواجب بخلاف الأول والله أعلم بالصواب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الواجب شائع في الكل) ش: فلو تصدق بالجميع أجزأه عن زكاته، وكذا إذا تصدق بالبعض أجزأه عن قدره وعن أبي حنيفة كقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يسقط لأن البعض غير متعين لكون الباقي محلا للواجب) ش: أي لواجب الزكاة لمزاحمة سائر الأجزاء م: (بخلاف الأول) ش: وهو التصدق بالجميع لعدم المزاحمة فيه.

[فروع في اشتراط النية في الزكاة] 1
فروع: في " الإيضاح "، تصدق بخمسة ونوى بها الزكاة بالتطوع يقع عن الزكاة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الفرض أقوى، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - كفت نيته وبه قال مالك والشافعي وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
وفي " الروضة ": دفع إلى فقير بلا نية ثم نواه عن الزكاة، إن كان قائما في يد الفقير أجزأه وإلا فلا، ولو أعطى رجلا مالا ليتصدق تطوعا فلم يتصدق المأمور حتى نوى الأمر عن الزكاة ولم يقل شيئا ثم تصدق به المأمور يقع عن الزكاة، وكذا لو قال له تصدق عن كفارة يمين ثم نواه عن الزكاة، ولو دفع زكاته إلى رجل ليدفعها إلى المصدق عن نصاب الشاة، ثم حول منه إلى الإبل فهو على الأول بخلاف أموال التجارة، فإنها عن الزكاة، ولو خلط الوكيل دراهم المزكي ثم تصدق بها عن زكاتهم فهو ضامن.
وفي " المحيط ": وهب دينه مائتي درهم ممن عليه بعد الحول والمديون غني لم تسقط الزكاة وضمنها.
وفي النوادر: لا يضمن ولو كان فقيرا ولم ينو الزكاة أجزأه عن زكاة هذا الدين استحسانا، ولو تصدق به أجزأه قياسا واستحسانا، وقيل: هما سواء.
وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضمن زكاته ولو وهب كل الدين ممن عليه الدين وهو فقير بنية الزكاة عين أو دين آخر على غيره لا يجزئه قياسا واستحسانا ونية زكاة هذا الدين يجزئه استحسانا لا قياسا.
وقال السروجي: أداء العين عن الدين يجوز لأن العين خير من الدين وأداء الدين عن العين لا يجوز وهو أن يكون له على رجل مائتا درهم وحال عليها الحول وله على آخر خمسة دراهم جعلها من المائتين لا يجوز.
وفي " المغني ": أداء الدين عن العين في الزكاة لا يجوز لأنه إسقاط والواجب فيها التمليك وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولو دفع دراهم إلى وكيله ليتصدق بها تطوعا ثم نوى عن

(3/313)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
زكاة ماله فتصدق بها المأمور جاز، ذكره في " منية المفتي " ومثله في " شرح المهذب "، ولو أدى الزكاة عن مال غيره فأجاز المالك وهو قائم في يد الفقير يجوز وإلا فلا.
ولو أدى زكاة غيره من مال نفسه بغير أمره فأجازه لا يجوز وبأمره يجوز. له مائة دين، ومائة عين تجب فيها الزكاة ذكر هذه المسائل في " منية المفتي "، وتعتبر نية الموكل في الزكاة دون الوكيل، ولو لم يعلم المسكين أنه زكاة يجزئه؛ لأن النية للمزكي قاله شيخ الإسلام، وفي جميع العلوم عن أصحابنا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أن من أعطى مالا بنية الصدقة والمتصدق عليه لا يعلم أنه يعطيه صدقة لم يكن صدقة، ولم يجزئه عن الزكاة.
نوى الزكاة بما يدفع لصبيان أقاربه في العيدين، أو لمن يأتي بالبشارة، أو لمن يأتي بالباكورة أجزأه عن الزكاة؛ لأن شيئا من ذلك ليس بواجب.
ولو نوى المعلم الزكاة بما يدفع إلى خليفته ولم يستأجره إن كان الخليفة بحال لو لم يدفعه يعلم الصبيان أجزأه وإلا فلا، وكذا ما يدفع إلى الخدم من الرجال والنساء الذين لم يستأجرهم في الأعياد وغيرها بنية الزكاة كذا في " المجتبى ".

(3/314)