البناية شرح الهداية

باب صدقة السوائم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب صدقة السوائم] [حكم صدقة السوائم]
م: (باب صدقة السوائم) ش: أي هذا باب في بيان حكم صدقة السوائم، وأراد بالصدقة الزكاة كما في قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] (التوبة: آية 60) ، والسوائم: جمع سائمة وهي المال الراعي، كذا قال صاحب " الديوان " - رَحِمَهُ اللَّهُ - من قولهم: سامت الماشية إذا رعت، وأسامها صاحبها إسامة، وعن الأصمعي: كل إبل ترعى ولا تعتلف في الأهل فهي سائمة كذا في " المغرب ".
وفي " التحفة ": السائمة: هي التي تسام في البراري لقصد الدر والنسل لا لقصد الحمل والركوب والبيع، وفي التي تسام لقصد البيع زكاة تجارة، ثم الشرط أن تسام في غالب السنة لا في جميع السنة، وإنما اعتبر السوم ليتحقق النماء، والنماء يحصل بالزيادة فيها سمنا أو بالتوالد، وإنما يعد زيادة إذا خفت المؤنة، فإذا تراكمت عليه المؤنة بالعلف لا يحصل معنى، وإذا اعتبر السوم اعتبر الأعم والأغلب؛ لأن الحكم للغالب.
فإن قلت: ما وجه البداءة بصدقة المواشي، ثم البداءة بذكر الإبل؟
قلت: لأن قاعدة هذا الأمر كانت في العرب وهم أرباب المواشي، والبداءة بذكر الإبل؛ لأن كتاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي كتبه لأبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وكتبه أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان هكذا.
وفي " المبسوط ": بدأ محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - كتاب الزكاة بذكر زكاة المواشي إقتداء بكتاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإنه بدأ فيها بزكاة المواشي، وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لأن زكاة الماشية السائمة مجمع عليها خصوصا في حق الإبل، فإن الأحاديث اتفقت إلى مائة وعشرين، وعليه اجتمعت الأمة إلا ما شذ عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإنه قال: في خمس وعشرين خمس شياه، وفي ست وعشرين بنت مخاض.
قال سفيان الثوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا غلط وقع من رجال علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأما علي فإنه أفقه من أن يقول هكذا؛ لأن هذا موالاة بين الواجبين لا وقص بينهما، وهو خلاف أصول الزكاة، فإن مبنى الزكوات على أن الوقصة يتلو الوجوب، وسيجيء مزيد الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

(3/315)


فصل في الإبل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في زكاة الإبل] [نصاب زكاة الإبل والقدر الواجب فيها]
م: (فصل في الإبل) ش: أي هذا فصل في بيان زكاة الإبل، وقد علم أن الكتاب يجمع الأبواب، والباب يجمع الفصول، والفصل منها وصل ينون ومنها قطع لا ينون؛ لأن الإعراب لا يكون في المفردات والإبل بكسر الهمزة والباء ويجوز تسكين الباء تخففا وهو فعل، ومثله في الصفات البلز: وهي المرأة القصيرة العظيمة الجثة.
وقال ابن الحاجب - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولا ثالث لهما، وذكر الميداني - رَحِمَهُ اللَّهُ - أربعة وزاد علها أطلا: وهو الحاضر، وأبدا للوحشية من الحيوان التي تلد كل عام، وقال الجوهري: الإبل على وزن الإبل المولود من أمه أو أتان. وقال ابن عصفور في المقنع فيما زعم سيبويه - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لم يأت فعل، والإبل الإبلز لا حجة فيه؛ لأن الأشهر فيه بلز بالتشديد، فيمكن أن يكون تخفيفا ولا حجة في أطل؛ لأنه لم يأت إلا في الشعر نحو قول امرئ القيس في - شعر-:
له أطل ظبي وساق نعامة
فيجوز أن يكون فيما التقت الطاء والهمزة للضرورة، وجاونة: لغة في الوتد، وجه للفلج عن الأسنان، وأبط، وحلج، وحلب. والإبل: جنس يقع على الذكور والإناث ولفظهما مؤنث تقول: إبل سائمة، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع ": الإبل الجمل والبعير والجزور أجناس، والناقة للأنثى، وفي " الصحاح ": الإبل اسم جمع لا واحد لها من لفظها ولكن مؤنثة، ولا تدخلها أنثاه إلا في التصغير، والجمل زوج الناقة والبعير بمنزلة الإنسان، ويقال للجمل: بعير وللناقة بعير، وشربت من لبن بعيري، ولا يقال له بعير إلا إذا أجزع، ولا جمل إلا إذا أربع، والجزور يقع على الذكر والأنثى وهي مؤنثة.
وقال النووي: يقول أهل اللغة: يقال لولد الناقة إذا وضعته ربع بضم الراء، وفتح الباء الموحدة، والأنثى ربعة ثم هيع وهيعة.
وفي " الصحاح ": الربع الفصيل ينتج في الربيع وهو أول النتاج، فإذا أنتج في آخره هيع وهيعة، وناقة مربع تنتج في الربيع فهي مرباع أيضا.
وفي " الذخيرة ": الهيع الذي يولد لغير حينه، فإذا فصل عن أمه فهو فصيل، وهو في جميع السنة حوار. وقيل: أول ما يخرج يسمى سليلا، ثم حوارا إلى أن يفصل، ثم فصيلا إلى تمام الحول، فإذا دخل في السنة الثانية فهو مخاض، والأنثى بنت مخاض مضافا إلى النكرة، وقد يضاف إلى المعرفة يسمى بذلك؛ لأن أمه حملت بعده وهي ماخض.

(3/316)


قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ليس في أقل من خمس ذود صدقة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يقال: مخضت الحامل مخاضا أي أخذها وجع الولادة، ومنه قَوْله تَعَالَى: {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ} [مريم: 23] (مريم: آية 23) ، أو لأنها ألحقت بالمخاض من النوق، والمخاض أيضا النوق الحامل، واحدتها خلفة، فإذا دخل في السنة الثالثة فهو ابن لبون والأنثى ابنة لبون.
سمي بذلك؛ لأن أمه وضعت غيره فصارت ذات لبن بالباء غالبا، وإذا دخل في الرابعة فهو حق، والأنثى حقة؛ لأنه استحق أن يحمل، ويركب، واستحقت ضراب الفحل، وتحمل منه إذا كانت أنثى، ولهذا جاء في الحديث طروقة الفحل وطروقة الحمل؛ يعني مطروقة كحلوبة، وركوبة ثم إذا طعن في الخامسة فهو جذع بفتح الذال المعجمة، والأنثى جذعة، وهي آخر الأسنان المنصوص عليها في كتاب الزكاة وما فوقها من الكرائم.
وإذا طعن في السادسة فهو ثني والأنثى ثنية، سمي بذلك لإلقائه ثنيتيه وهو أول الأسنان المجزئة في الأضحية من الإبل. وفي السابعة رباع ورباعية، قال المطرزي: بفتح الراء والباء.
وقال النووي: رباع بضم الراء ولا يزال رباعا أو رباعية حتى تدخل السنة الثامنة فهو سدس، فإذا دخل في التاسعة فهو بازل الذكر والأنثى؛ لأنه بذل نابه أي طلع، وفي العاشرة مخلف للذكر والأنثى، فإذا كبر فهو عود والأنثى عودة، ومنه وافق العود بالعود يهرم، فإذا هرم فهو قحم بفتح القاف وكسر الحاء المهملة، والاثنان ناب وشارف.
وقال الأزهري: الشارف: المسنة الهرم، والبكر: الصغير من ذكور الإبل، والمهاري الإبل منسوبة إلى مهرة بن حيدان قوم من أهل اليمن، والأرحبية من إبل اليمن، وكذا النجدية والفصلية بها صلابة الكرام بلغ الواحد منها مائة دينار والقونلية إبل الترك، والعرايج فحول سندية ترسل في الضراب فتنتج البخت، والواحد بختي، كروم ورومي وتركي، [....
... ] والفالج قيل: هو الجمل الضخم ذو سنامين.

م: (قال: ليس في أقل من خمس ذود من الإبل السائمة صدقة) ش: إضافة الخمس إلى الذود من قبيل إضافة العدد إلى تمييزه، كما في قَوْله تَعَالَى {تِسْعَةُ رَهْطٍ} [النمل: 48] والذود بفتح الذال المعجمة وسكون الواو من الإبل من الثالثة إلى العشرة، وقيل: من اثنين إلى تسعة وهي مؤنثة لا واحد لها من لفظها.
قوله: صدقة أي زكاة، كما في قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] (التوبة: آية 60) . وفي " المبسوط ": إنما وجبت الزكاة في الخمس من الإبل؛ لأنها مال كثير لا يمكن إخلاؤه من الواجب، ولا إيجاب واحد منها للإجحاف بالملاك ولا إيجاب جزئها؛ لأن الشركة في العين عيب، فكان إيجاب الشاة فيها كإيجاب الخمسة في المائتين؛ لأن الغالب أن بنت

(3/317)


فإذا بلغت خمسا سائمة، وحال عليها الحول ففيها شاة إلى تسع، فإذا كانت عشرا ففيها شاتان إلى أربع عشرة، فإذا كانت خمس عشرة ففيها ثلاث شياه إلى تسع عشرة. فإذا كانت عشرين ففيها أربع شياه إلى أربع وعشرين، فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها بنت مخاض وهي التي طعنت في الثانية إلى خمس وثلاثين، فإذا كانت ستا وثلاثين ففيها بنت لبون وهي التي طعنت في الثالثة إلى خمس وأربعين، فإذا كانت ستا وأربعين ففيها حقة، وهي التي طعنت في الرابعة إلى ستين، فإذا كانت إحدى وستين ففيها جذعة، وهي التي طعنت في الخامسة إلى خمس وسبعين، فإذا كانت ستا وسبعين ففيها بنتا لبون إلى تسعين، فإذا كانت إحدى وتسعين ففيها حقتان إلى مائة وعشرين، بهذا اشتهرت كتب الصدقات من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المخاض قيمتها أربعون درهما، والمأمور به ربع العشر؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هاتوا ربع عشر أموالكم» ، والشاة تقرب ربع عشر الإبل، فإن الشاة كانت تقوم بخمسة دراهم هناك.

م: (فإذا بلغت خمسا سائمة وحال عليها الحول ففيها شاة إلى تسع، فإذا كانت عشرا ففيها شاتان إلى أربع عشرة، فإذا كانت خمس عشرة ففيها ثلاث شياه إلى تسع عشرة، فإذا كانت عشرين ففيها أربع شياه إلى أربع وعشرين، فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها بنت مخاض) ش: على هذا اتفقت الآثار وأجمع العلماء، إلا ما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: في خمس وعشرين خمس شياه، وفي ست وعشرين بنت مخاض.
وروي ذلك عن الشعبي وشريك بن عبد الله، ذكره السغناقي في " شرح البخاري " عنه، وبه قال ابن أبي مطيع البلخي وقد مر الكلام في أوائل الباب م: (وهي التي طعنت في الثانية) ش: أي ابنة المخاض هي التي دخلت في السنة الثانية م: (إلى خمس وثلاثين، فإذا كانت ستا وثلاثين ففيها بنت لبون، وهي التي طعنت في الثالثة إلى خمس وأربعين، فإذا كانت ستا وأربعين ففيها حقة، وهي التي طعنت في الرابعة إلى ستين، فإذا كانت إحدى وستين ففيها جذعة، وهي التي طعنت في الخامسة إلى خمس وسبعين، فإذا كانت ستا وسبعين ففيها بنتا لبون إلى تسعين، فإذا كانت إحدى وتسعين ففيها حقتان إلى مائة وعشرين) .
ش: اعلم أن الشرع جعل الواجب في نصاب الإبل الإبلَ الصغار دون الكبار، بدليل أن الأضحية لا تجوز بها وإنما تجوز بالثني فصاعدا من السدس، والبازل، وإنما اختار ذلك تيسيرا لأرباب المواشي، وجعل الواجب أيضا من الإناث لا الذكور حتى لا يجوز الذكر إلا بالقيمة، ولهذا لم يجز الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أخذ ابن المخاض؛ لأنه لا يجوز دفع القيمة، بل قال: يؤخذ مكان بنت مخاض ابن لبون؛ لأن الأنوثة تعد فضلا في الإبل، وقد جاءت السنة بتعيين الوسط، فلم يعين الأنوثة في البقر والغنم؛ لأن الأنوثة فيهما لا تعد فضلا. م: (بهذا اشتهرت كتب الصدقات عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي بما ذكر القدوري من كيفية زكاة الإبل اشتهرت، أي

(3/318)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بلغت إلى الشهرة حتى عدت من الأخبار المشاهير التي هي قسم من المتواتر، فيها كتاب أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، رواه البخاري في "صحيحه "، وفرقه في ثلاثة أبواب متوالية، عن ثمامة أن أنسا حدثه أن أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كتب له هذا الكتاب لما أرسله إلى البحرين:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على المسلمين، والتي أمر الله تعالى بها رسوله، فمن سئلها من المسلمين فليعطها على وجهها، ومن سئل فوقه فلا يعطي: في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم في كل خمس شاة، فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى، فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى، فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين ففيها جذعة، فإذا بلغت هي ستا وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الفحل، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين ابنة لبون، وفي كل خمسين حقه، ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيه صدقة إلا أن يشاء بها، فإذا بلغت خمسا من الإبل ففيها شاة.
وجاءنا كتاب عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، واللفظ للترمذي، عن سفيان بن حصين، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب كتاب الصدقة فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض، فقرنه بسيفه، فلما قبض عمل به أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حتى قبض، وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حتى قبض.
وكتابه فيه: في خمس من الإبل شاة، وفي عشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي عشرين أربع شياه، وفي خمس وعشرين بنت مخاض إلى خمس وثلاثين، فإذا زادت ففيها بنت لبون إلى تسعين، فإذا زادت ففيها حقتان إلى عشرين ومائة، ففي كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون» . الحديث.
وهو مرسل، ورفعه سفيان بن حصين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقال المنذري: سفيان بن حصين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرج له مسلم في مقدمة كتابه، واستشهد به البخاري، إلا أن حديثه عن الزهري فيه مقال.
وقد تابع سفيان بن حصين على رفعة سليمان بن كثير - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو ممن اتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج بحديثه، وقال الترمذي في كتاب " العلل ": سألت محمد بن إسماعيل - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن هذا الحديث فقال: أرجو أن يكون محفوظا، وسفيان بن حصين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صدوق.

(3/319)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ورواه أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مسنده" والحاكم في "مستدركه "، وقال: سفيان بن حسين وثقة يحيى بن معين - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو أحد أئمة الحديث، إلا أن الشيخين لم يخرجا له، وله شاهد صحيح، وإن كان فيه إرسال.
وقال ابن عدي: وقد وافق سفيان بن حسين على رفعه: سليمان بن كثير، أخو محمد بن كثير: حدثناه ابن صاعد، عن يعقوب الدورقي، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سليمان بن كثير - رَحِمَهُ اللَّهُ - بذلك، وقد رواه جماعة عن الزهري عن سالم، عن أبيه فوقفوه، وسفيان بن حسين، وسليمان بن كثير -رحمهما الله- رفعاه.
ومنها كتاب عمرو بن حزم - رَحِمَهُ اللَّهُ - أخرجه النسائي في الديات، وأبو داود في " مراسيله " عن سليمان بن أرقم، عن الزهري، عن أبي بكر محمد بن الفضل، عن عمرو بن حزم، عن أبيه عن جده، «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب إلى أهل اليمن كتابا فيه الفرائض والسنن والديات، وبعث به مع عمرو بن حزم فقرئت على أهل اليمن وهذه نسختها:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ من محمد النبي إلى شرحبيل بن عبد كلال، [ونعيم بن عبد كلال، والحارث بن عبد كلال] » ، قيل: ذي رعين ومعافر وهمدان ... الحديث، وفيه طول ويناسب هذا مذهبنا، وقال النسائي: سليمان بن أرقم متروك.
قلت: رواه عبد الرزاق في "مصنفه ": أخبرنا معمر عن عبد الله بن أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وعن عبد الرزاق أخرجه الدارقطني في "سننه "، ورواه الدارقطني أيضا عن إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن سعيد، عن أبي بكر به، ورواه كذلك ابن حبان في "صحيحه "، والحاكم في "مستدركه " كلاهما عن سليمان بن داود، وحدثنا الزهري به قال الحاكم: إسناده صحيح، وهو من قواعد الإسلام.
وقال ابن الجوزي في " التحقيق ": قال أحمد بن حنبل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كتاب عمرو بن حزم في الصدقات صحيح. قال بعض الحفاظ من المتأخرين: نسخة كتاب عمرو بن حزم تلقاها الأئمة بالقبول وهي متواترة. وقال يعقوب بن سفيان الفسوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا أعلم في جميع الكتب المنقولة أصح منه، كان أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والتابعون يرجعون إليه ويدعون آراءهم.

(3/320)


ثم إذا زادت على مائة وعشرين تستأنف الفريضة فيكون في الخمس شاة مع الحقتين، وفي العشر شاتان وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي العشرين أربع شياه وفي خمس وعشرين بنت مخاض إلى مائة وخمسين فيكون فيها ثلاث حقاق، ثم تستأنف الفريضة فيكون في الخمس شاة وفي العشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي عشرين أربع شياه، وفي خمس وعشرين بنت مخاض، وفي ست وثلاثين بنت لبون، فإذا بلغت مائة وستا وتسعين ففيها أربع حقاق إلى مائتين، ثم تستأنف الفريضة أبدا كما تستأنف في الخمسين التي بعد المائة والخمسين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ثم إذا زادت على مائة وعشرين تستأنف الفريضة) ش: أي عند أصحابنا، وتفسير الاستئناف أن لا يجب على ما زاد على مائة وعشرين حتى تبلغ الزيادة خمسا فإذا بلغت خمسا م: (فيكون في الخمس شاة مع الحقتين، وفي العشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه) ش: أي مع الحقتين.
م: (وفي العشرين أربع شياه) ش: أي مع الحقتين م: (وفي خمس وعشرين بنت مخاض) ش: أي مع الحقتين (إلى مائة وخمسين فيكون فيها ثلاث حقاق ثم تستأنف الفريضة) ش: أي بعد المائة والخمسين م: (فيكون في الخمس شاة وفي العشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي العشرين أربع شياه وفي خمس وعشرين بنت مخاض) ش: أي مع ثلاث حقاق، م: (وفي ست وثلاثين بنت لبون) ش: أي مع ثلاث حقاق.
م: (فإذا بلغت مائة وستا وتسعين ففيها أربع حقاق إلى مائتين) ش: وفي " المبسوط "، و" قاضي خان ": ثم هو مخير إن شاء أدى فيها أربع حقاق من كل خمسين حقة، وإن شاء أدى بنات لبون من كل أربعين بنت لبون. فإن قلت: هذا الذي ذكرته إنما يصح إذا بلغ النصاب إلى مائتين أربع حقاق. قلت: إن لم يصح فيها قبل المائتين فيصح في المائتين. م: (فله الخيار) ش: في تأخير الزكاة إلى أن تبلغ الإبل مائتين فله الخيار في أربع حقاق أو خمس بنات لبون م: (ثم تستأنف الفريضة أبدا كما تستأنف في الخمسين التي بعد المائة والخمسين) ش: قيل بهذا الاحتراز عن الاستئناف الذي بعد المائة والعشرين فإن في ذلك الاستئناف ليس عليه إيجاب بنت لبون، ولا إيجاب أربع حقاق لانعدام وجوب نصابها؛ لأنه لما زاد خمس وعشرون على المائة والعشرين صار كل النصاب مائة وخمسة وأربعين فهو نصاب بنت المخاض مع الحقتين، فلما زاد عليها خمس صارت مائة وخمسين فوجب ثلاث حقاق؛ لأن في الاستئناف الأول تغير الواجب من الخمس إلى الخمس إلى أن بلغ النصاب إلى مائة وخمسين، ثم استؤنفت الفريضة وفي الاستئناف الثاني تغير الواجب من خمس وعشرين إلى ست وثلاثين، أي من مائة وخمس وسبعين إلى مائة وست وثمانين فيكون العفو في الاستئناف الأول خمسة، والثاني عشرة، ثم تغير الواجب في الاستئناف الثاني من ست وثلاثين إلى مائة وست وتسعين، وليس هو الاستئناف الأول.

(3/321)


وهذا عندنا، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا زادت على مائة وعشرين واحدة ففيها ثلاث بنات لبون، فإذا صارت مائة وثلاثين ففيها حقة وبنتا لبون، ثم يدار الحساب على الأربعينات والخمسينات، فتجب في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة؛ لما روي «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كتب: إذا زادت الإبل على مائة وعشرين ففي كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون من غير شرط عود ما دونها»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وهذا عندنا) ش: أي هذا المذكور في الصورة المذكورة هو مذهب أصحابنا وهو قول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أيضا، وحكي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أيضا، وبه قال إبراهيم النخعي، وسفيان الثوري، وأهل العراق - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذا زادت على مائة وعشرين واحدة ففيها ثلاث بنات لبون) ش: لأنها أربعينتان وخمسون، م: (فإذا صارت مائة وثلاثين ففيها حقة وبنتا لبون، ثم يدار الحساب على الأربعينات والخمسينات فيجب في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة) ش: فالشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يوافقنا إلى مائة وعشرين، فإذا بلغت مائة وإحدى وعشرين يدور الحكم عنده على الأربعينات والخمسينات، وبه قال الأوزاعي، وأبو ثور، وإسحاق، وأحمد في رواية.
وعن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية أخرى: لا يتغير الفرض بالزيادة على مائة وعشرين حتى يبلغ عشرا فتجب فيها حقة وبنتا لبون، وعنه في رواية ثالثة: لو زادت واحدة على المائة والعشرين يتغير الفرض ويتخير الساعي بين حقتين وثلاث بنات لبون، والأصح عن أحمد مثل مذهب الشافعي.
وقالت الظاهرية وأبو سعيد الإصطخري: إذا زادت على عشرين ومائة ربع بعير، أو ثمنه، أو عشره ففي كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون. وقال السروجي: هذا قول باطل بلا شبهة، إذ لم يرد الشرع بجعل السائمة نصابا بربع بعير، أو ثمنه، أو عشرة وتعلقوا بقوله: - فإن زادت- وقالوا: الزيادة تحصل بالثمن والربع.
م: (لما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كتب إذا زادت الإبل على مائة وعشرين، ففي كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون من غير شرط عود ما دونهما) ش: قال السغناقي: أي ما دون الأربعينات والخمسينات وما دون ذلك شاة، أو بنت مخاض، يعني أوجب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة من غير أن يوجب في الخمس شاة، ومن غير أن يوجب في خمس وعشرين بنت مخاض.
وقال تاج الشريعة: قوله - ما دونها- ذكره بتوحيد الضمير، ثم قال: أي ما دون بنت لبون فإنها هي المذكورة من قبل، وكذا قال الأترازي لكنه ثم قال: وأرد بما دونها الشاة وبنت المخاض.

(3/322)


ولنا «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كتب في آخر ذلك في كتاب عمرو بن حزم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فما كان أقل من ذلك ففي كل خمس ذود شاة» فنعمل بالزيادة، والبخت والعراب سواء في وجوب الزكاة؛ لأن مطلق الاسم يتناولهما، والله أعلم بالصواب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ثم الذي استدل به الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو في حديث أبي بكر المذكور، ونحن نعلم به أيضا، ألا ترى أن في تسعين ومائة تجب ثلاث حقاق وبنت لبون، لكن علل الغنم بحديث عمرو بن حزم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأشار إليه بقوله م: (ولنا أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كتب في آخر ذلك) ش: أشار به إلى آخر قوله في الحديث المذكور إذا زادت الإبل ... إلخ.
م: (في كتاب عمرو بن حزم) ش: بن زيد بن لوذان الخزرجي الأنصاري من بني مالك ابن النجار لم يشهد بدرا، وأول مشاهده الخندق، واستعمله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على نجران، وهم بنو الحارث بن كعب، وهو ابن سبع عشرة سنة؛ ليفقههم في الدين، ويعلمهم القرآن، ويأخذ صدقاتهم وذلك سنة عشر بعد أن بعث إليهم خالد بن الوليد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأسلموا، وكتب له كتابا، وهو الذي مضى في حديثه، مات بالمدينة سنة إحدى وخمسين، وقيل: سنة أربع وخمسين.
م: (فما كان أقل من ذلك) ش: أي من خمس وعشرين م: (ففي كل خمس ذود شاة فنعمل بالزيادة) ش: وهو ما كتب في آخر كتاب عمرو بن حزم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ما رواه الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نحن نعمل به وقائلون به؛ لأنا نوجب في الأربعين بنت لبون؛ لأن الواجب فيها ما هو الواجب في ستة وثلاثين، وفي الخمسين حقه، وهذا الحديث لا يتعرض لنفي الواجب عما دونه، وإنما هو عمل مفهوم بالنص، ونحن عملنا بالنص، وأعرضنا عن مفهومه؛ لما روينا وهو نقله في " الإيضاح ".
م: (والبخت) ش: بضم الباء الموحدة وسكون الخاء المعجمة جمع بختي، وهو الذي يولد من العربي والعجمي، وقد مر مرة م: (والعراب) ش: بكسر العين المهملة جمع عربي نسبة إلى العرب، وهم الذين استوطنوا المدن والقرى، والأعراب أهل البادية، واختلف في نسبهم، والأصح أنهم نسبوا إلى عربة بفتحتين وهي تهامة؛ لأن أباهم إسماعيل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يسمى بها، كذا في " المغرب ".
م: (سواء في وجوب الزكاة) ش: مرفوع على الخبرية وإنما كان سواء م: (لأن مطلق الاسم) ش: المذكور في الحديث م: (يتناولهما) ش: واختلافهما في النوع لا يخرجهما من الجنس.

(3/323)


فصل في زكاة البقر
وليس في أقل من ثلاثين من البقر السائمة صدقة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في زكاة البقر] [حكم زكاة البقر]
م: (فصل في زكاة البقر) ش: أي هذا فصل في بيان حكم زكاة البقر، قدم فصل البقر على فصل الغنم؛ لقربها من الإبل في الضخامة والقيمة. وذكر صاحب كتاب " الزينة " أن لفظ البقر من البقر، وهو الشق لأنه يبقر الأرض أي يشقها، والبقر جنس، وأنواعه الجاموس، والعراب، والدراسة، وهي التي يحمل عليها.
وفي " الصحاح ": البقرة للذكر والأنثى، والهاء للإفراد كالتمر والتمرة، والبيقور والبقر، والياء والواو زائدتان، وأهل اليمن يسمون البقرة الباقورة، والباقر: اسم جمع للبقر مع رعاته، كالجامل لجماعة الجمال، وفي " شرح النووي ": البقر جنس وأنواعه: بقرة وباقورة، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: البقرة للأنثى.

[نصاب زكاة البقر والقدر الواجب فيها]
م: (وليس في أقل من ثلاثين من البقر السائمة صدقة) ش: قال الأترازي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا خلاف بين الأمة في هذا.
قلت: فيه خلاف بين الأمة، فقالت الظاهرية: لا زكاة في أقل من خمسين من البقر، فإذا ملك خمسين بقرة عاما قمريا متصلا ففيها بقرة، وفي المائة بقرتان، ثم في كل خمسين بقرة بقرة، ولا شيء في الزيادة حتى تبلغ خمسين.
وقال آخرون: في خمس من البقر شاة، وفي العشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي عشرين أربع شياه، وفي خمس وعشرين بقرة إلى خمس وسبعين، فإذا زادت واحدة ففيها بقرتان إلى مائة وعشرين، فإذا زادت واحدة ففي كل أربعين بقرة مسنة.
قال ابن حزم، وابن المنذر - رحمهما الله-: هذا قول عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وحكمه، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وسعيد بن المسيب، وعمر بن عبد الرحمن بن خلدة، وقتادة، والزهري، وفقهاء المدينة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
وقال ابن حزم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فلزم مالكا اتباعهم على أصله، وما يروى فيه من الأمر موقوف ومنقطع، واعتبروه بالإبل كما في الأضحية، إذ كل منهما يجزئه عن سبعة، ويرد عليهم أن خمسا من الإبل بخمس وثلاثين من الغنم، ولا يجب فيها ما يجب في خمس من الإبل. وعن مصدق أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أخذ من كل عشر بقرات بقرة.
ومذهبنا قول علي بن أبي طالب، وأبي سعيد الخدري، والشعبي، وطاوس، وشهر بن حوشب، وعمر بن عبد العزيز، والحكم بن عيينة، وسليمان بن موسى الدمشقي، والحسن، ومالك، والشافعي،

(3/324)


فإذا كانت ثلاثين سائمة وحال عليها الحول، ففيها تبيع أو تبيعة، وهي التي طعنت في الثانية،
وفي أربعين مسن أو مسنة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وحكى ابن المنذر، عن أبي قلابة في خمس وعشرين خمس شياه، وفي ثلاثين تبيع.
م: (فإذا كانت) ش: أي البقر م: (ثلاثين سائمة، وحال عليها الحول ففيها تبيع أو تبيعة، وهي التي طعنت في الثانية) ش: لحديث معاذ: قال: «بعثني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى اليمن، فأمرني أن آخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعا أو تبيعة، وفي كل أربعين مسنة، ومن كل حالم دينارا أو عدل معافر» رواه الترمذي من حديث مسروق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقال: هذا حديث حسن، ورواه أيضا بقية الأربعة.
وروى عمرو بن حزم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب إلى أهل اليمن بكتاب» ... الحديث، وفيه: «في كل ثلاثين باقورة تبيع جذع أو جذعة، وكل أربعين باقورة بقرة» . واختلفوا في صحة هذا الحديث، فصححه ابن حبان والحاكم -رحمهما الله- واختلف النقل فيه عن أحمد.
وروى أبو داود من حديث الحارث الأعور عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «هاتوا ربع العشر» .... الحديث، وفيه «وفي البقر في كل ثلاثين تبيع» .

م: (وفي أربعين مسن أو مسنة) ش: وليس على العوامل شيء، وفي الباب عن أنس، وأبي ذر، وأبي هريرة، وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قوله: - معافر - وهي ثياب باليمن منسوبة إلى معافر قبيلة، واستدل به ابن العربي على أن البقر لا يؤخذ منها إلا مسنة أنثى، وإن كانت ذكورا كلها كلف رب المال أن يأتي بأنثى. وقال بعض الشافعية: يجزئه. وقال أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إن كانت كلها إناثا جاز فيها مسن ذكر.
وقال شيخنا زين الدين العراقي في هذا الحديث: لو أخرج عن الأربعين تبيعين لم يجزئه، وهو اختيار البغوي، كما لو أخرج عن ست وثلاثين بنتي مخاض لا يجوز، وقال: الذي اختاره البغوي حكاه الرافعي وجها، وقال أيضا: استدل بعموم ذكر البقر فيه على أن بقر الوحش إذا ملك تجب فيه الزكاة كغيرها. وعن أحمد روايتان: أحدهما الوجوب، والأخرى المنع، وهو قول مالك والجمهور.

(3/325)


وهي التي طعنت في الثالثة، بهذا أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معاذا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإذا زادت على أربعين وجب في الزيادة بقدر ذلك إلى ستين عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ففي الواحدة الزائدة ربع عشر مسنة، وفي الاثنتين نصف عشر مسنة، وفي الثلاثة ثلاثة أرباع عشر مسنة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وهي التي طعنت في الثالثة) ش: أي التبيعة هي التي دخلت في السنة الثالثة، سمي التبيع تبيعا؛ لأنه يتبع أمه. وقيل: لأن قرنه يتبعان أذنيه، وسمي المسن والمسنة بذلك لزيادة سنهما، وقال الخطابي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن العجل ما دام يتبع أمه فهو تبيع إلى تمام سنة، ثم هو جذع، ثم ثني، ثم رباع، ثم سديس، ثم ضالع وهو المسن، وفسرت الشافعية التبيع والمسنة مثل ما فسر أصحابها، وشذ الجرجاني حيث قال في " البحرين ": التبيع: ما له دون سنة، وقيل: ما له سنة، والمسنة: ما لها سنة، وقيل: سنتان، وكذا قول الفورابي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الإبانة ": التبيع ما استكمل سنة، وقيل: الذي يتبع أمه وإن كان له دون سنة.
وقال الرافعي: إن جماعة حكوا في التبيع ما له ستة أشهر، وفي المسنة: ما لها سنة، ولم ير الأصحاب هذا الخلاف معدودا من المذهب.
وقال ابن حزم - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن التبيع والتبيعة ما له سنتان، وأن المسنة ما لها أربع سنين وهو المشهور عند المالكية.
م: (بهذا أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معاذا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي بهذا الذي ذكرنا كيفية صدقة البقر أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حين وجهه إلى اليمن، وقد ذكرناه الآن.
م: فإذا زادت) ش: أي البقر م: (على أربعين وجب) ش: أي الأداء م: (في الزيادة بقدر ذلك إلى ستين عند أبي حنيفة) ش: وبه قال إبراهيم وحماد، ومكحول م: (ففي الواحدة الزائدة ربع عشر مسنة، وفي الاثنتين نصف عشر مسنة، وفي الثلاثة ثلاثة أرباع عشر مسنة) ش: الفاء تفسيرية تفسيرها حكم الزائد على الأربعين وهو ربع عشر مسنة:
وهو جزء من أربعين جزءا من مسن أو مسنة أو جزء من ثلاثين جزءا من تبيع أو تبيعة، وهو ثلث عشرها مع المسنة، وهو الثنتين الزائدتين على الأربعين جزآن من أربعين جزءا من مسن أو مسنة، وهما نصف عشرها، أو جزآن من ثلاثين جزءا من تبيع أو تبيعة، وهما ثلثا عشر تبيع أو تبيعة، وفي الثلاث الزوائد على الأربعين ثلاثة أجزاء من أربعين جزءا من مسن أو مسنة، وهي ثلاثة أرباع عشرها أو ثلاثة أجزاء من تبيع أو تبيعة، وهي عشر تبيع أو تبيعة.
وفي الأربعة الزائدة على الأربعين أربعة أجزاء من أربعين جزءا من مسن أو مسنة، وهي عشرها أو أربعة أجزاء من ثلاثين جزءا من تبيع أو ببيعة، وهي عشر تبيعة، وثلث عشرها، وفي الخمسة الزائدة على الأربعين خمسة أجزاء من أربعين جزءا من مسن أو مسنة أو خمسة أجزاء من ثلاثين جزءا من تبيع أو تبيعة، وهي سدس تبيع أو تبيعة، وهكذا زيد الواجب على حسب

(3/326)


وهذه رواية الأصل؛ لأن العفو ثبت نصا بخلاف القياس، ولا نص هنا، وروى الحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عنه أنه لا يجب في الزيادة شيء حتى تبلغ خمسين، ثم فيها مسنة وربع مسنة أو ثلث تبيع؛ لأن مبنى هذا النصاب على أن يكون بين كل عقدين وقص،
وفي كل عقد واجب. وقال أبو يوسف، ومحمد -رحمهما الله-: لا شيء في الزيادة حتى تبلغ ستين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الزيادة إلى الستين.
م: (وهذا رواية الأصل) ش: أي هذا المذكور هو رواية الأصل أي " المبسوط " رواها أبو يوسف عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - هكذا ذكره أبو بكر الجصاص الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو ظاهر الرواية. م: (لأن العفو) ش: أي عدم الوجوب م: (ثبت نصا) ش: أي من جهة النص م: (بخلاف القياس) ش: لما فيه من إخلاء المال عن الواجب مع قيام أهلية الوجوب وهو الغنى م: (ولا نص هنا) ش: في العفو، فلا يثبت نصب النصاب بالرأي لا يكون، وإما طريق معرفته النص، ولا نص فيما بين الأربعين إلى الستين، فإذا تعذر اعتبار النصاب فيه أوجبنا الزكاة في قليله وكثيره بحسب ما سبق.
م: (وروى الحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عنه) ش: أي وروى الحسن بن زياد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (أنه لا يجب في الزيادة شيء حتى تبلغ خمسين ثم فيها مسنة وربع مسنة أو ثلث تبيع) ش: لأن الزيادة على الأربعين عشرة وهي ثلاث وثلاثين، وربع أربعين، فيخير بين إعطاء ربع المسنة، وبين إعطاء ثلث التبيع إلى ستين، قال السروجي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن ابن شجاع: هي أصح الروايات.
م: (لأن مبنى هذا النصاب) ش: أشار به إلى نصاب البقر م: (على أن يكون بين كل عقدين وقص) ش: بفتح الواو وفتح القاف، وبالصاد المهملة ما بين الفريضتين في الماشية، وفتح القاف أشهر عند أهل اللغة، وصنف ابن بري جزءا في تخطئة الفقهاء ولحنهم في إسكان القاف، وليس كما قال. وجاء فيه الوقس بالسين المهملة، والنسق مثله بفتح النون، ويقال: الوقص في البقر خاصة، والنسق في الإبل خاصة، والعفو في الغنم، وقيل: الوقص يطلق على ما لا تجب فيه الزكاة، ويجمع على أوقاص كجمل وأجمال، وقيل: ولو كانت القاف ساكنة بجمع أفعل نحو فلس وأفلس، ولا يرد حول وأحوال وهول وأهوال؛ لأن معتل العين بالواو يجمع هكذا.

م: (وفي كل عقد واجب) ش: غير عفو كما قبل الأربعين وبعد الستين م: (وقال أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله- لا شيء في الزيادة) ش: أي على الأربعين م: (حتى تبلغ ستين) ش: فإذا بلغت ستين ففيها تبيعان أو تبيعتان، وبه قال مالك والشافعي وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وفي " المحيط ": وهو أوفق الروايات عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي " جوامع الفقه " وهو المختار.

(3/327)


وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمعاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «لا تأخذ من أوقاص البقر شيئا» وفسروه بما بين أربعين إلى ستين، قلنا: قد قيل: إن المراد منها هاهنا الصغار،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وهو) ش: أي قولهما م: (رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وهو رواية أسد بن عمرو، فصار عن أبي حنيفة ثلاث روايات م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمعاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «لا تأخذ من أوقاص البقر شيئا» ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمعاذ حين وجهه إلى اليمن.
قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذكر الشيخ أبو يحيى القدوري في شرح " الكرخي " أن معاذا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سئل عما بين الأربعين والستين، فقال: تلك أوقاص لا شيء فيها، انتهى.
قلت: العجب منه مع دعواه كيف ذكر الموقوف من حديث معاذ، وترك المرفوع الذي دل عليه كلام المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقد روى الطبراني - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "معجمه " حديث عثمان بن عمر الضبي: حدثنا محمد بن كثير، حدثنا سفيان، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن رجل، عن معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ليس في الأوقاص شيء» .
ورواه ابن شيبة موقوفا حدثنا عبد الله بن إدريس عن ليث، عن طاوس، عن معاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «ليس في الأوقاص شيء» .
وروى أبو عبيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في " كتاب الأموال " من حديث سلمة بن أسامة أن معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «بعثني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصدق أهل اليمن» .... الحديث، وفيه أن الأوقاص لا فريضة فيها.
م: (وفسروه بما بين أربعين إلى ستين) ش: أي فسر أهل اللغة: الوقص بالذي يكون بين الأربعين من البقر إلى الستين، وقيل: فسره الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
م: (قلنا: قد قيل: إن المراد منها هاهنا الصغار) ش: أي المراد من الأوقاص الصغار من البقر، وهي العجاجيل، وبه نقول: إنه لا شيء فيها، أي والمراد بها إن أريد به العفو فله العدد في الابتداء، وأن الوقص في الحقيقة اسم لما لم يبلغ نصابا، وذلك في الابتداء كذا في " المبسوط ".

(3/328)


ثم في الستين تبيعان أو تبيعتان، وفي سبعين مسنة وتبيع، وفي ثمانين مسنتان، وفي تسعين ثلاثة أتبعة، وفي المائة تبيعان ومسنة، وعلى هذا يتغير الفرض في كل عشر من تبيع إلى مسنة ومن مسنة إلى تبيع؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «في كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين مسن أو مسنة»
والجواميس والبقر سواء؛ لأن اسم البقر يتناولهما إذ هو نوع منه، إلا أن أوهام الناس لا تسبق إليه في ديارنا لقلته، فلذلك لا يحنث به في يمينه لا يأكل لحم بقر، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ثم في الستين تبيعان أو تبيعتان) ش: أي ثم الواجب في ستين من البقر تبيعان أو تبيعتان م: (وفي سبعين مسنة وتبيع، وفي ثمانين مسنتان، وفي تسعين ثلاثة أتبعة) ش: الأتبعة جمع تبيع، وفي تسعين ثلاثة أتبعة في كل ثلاثين تبيع م: (وفي المائة تبيعان ومسنة) ش: أي الواجب في المائة من البقر تبيعان ومسنة، وفي الستين تبيعان، وفي الأربعين مسنة.
م: (وعلى هذا) ش: أي وعلى هذا الوجه المذكور م: (يتغير الفرض في كل عشر من تبيع إلى مسنة) ش: ففي مائة وعشرة تبيع ومسنتان، وفي المائة والعشرين إن شاء المالك دفع ثلاث مسنات، وإن شاء أربعة أتبعة، والخيار للمالك عندنا وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وعند مالك وبعض الشافعية الخيار للمصدق، وعلى هذا حكم ما زاد على ذلك.
م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «في كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين مسن أو مسنة» ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد مر هذا في حديث معاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه الطبراني، وفي حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

[الجواميس والبقر سواء في الزكاة]
م: (الجواميس والبقر سواء) ش: يعني في وجوب الزكاة، في كل واحد منهما، وفي ضم أحدهما إلى الآخر ليكمل النصاب، والجواميس جمع جاموس، وهو معرب: كوميس، وهو نوع من أنواع البقر، واسم البقر يطلق عليهما، إلا أن الجاموس أخص.
وفي " المحيط ": والجاموس كالبقر إلا أنه بقر حقيقة حتى لو حلف أنه لا يشتري بقرا يحنث بشراء الجاموس، وأنكروا على القدوري في قوله- والجواميس والبقر سواء- فجعلهما نوعين للبقر، فكيف يكون أحد نوعي البقر، ثم صوابه- والجواميس والعراب سواء.
م: (لأن اسم البقر يتناولهما إذ هو نوع منه) ش: أي الجاموس نوع لصحة إطلاق اسم البقر عليهما م: (إلا أن أوهام الناس لا تسبق إليه) ش: يعني إلى الجاموس في ذكر البقر م: (في ديارنا) ش: هي إقليم مرغينان من العجم م: (لقلته) ش: أي لقلة الجواميس م: (فلذلك لا يحنث به) ش: أي يأكل لحم الجاموس م: (في يمينه لا يأكل لحم بقر) ش: لعدم العرف؛ لأن مبنى اليمين على العرف حتى لو تكرر في موضع ينبغي أن يحنث كذا في " المبسوط ".
فإن قلت: اسم البقر يتناول الوحشي، ولا تجب فيها زكاة.

(3/329)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: الجاموس أهلي وذلك وحشي، والوحشيات من البقر والغنم وغيرهما لا يعتد به في النصاب، وكذا المتولد بين أهلي ووحشي، كذا قاله الكاكي، وفي " مغني الحنابلة ": تجب الزكاة في بقر الوحش ولم يقل به أحد، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تجب مطلقا، وبه قال داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندنا إن كانت الأم أهلية تجب، وإن كانت وحشية لا تجب، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

(3/330)


فصل في صدقة الغنم ليس في أقل من أربعين من الغنم السائمة صدقة، فإذا كانت أربعين سائمة وحال عليها الحول ففيها شاة إلى مائة وعشرين، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه، فإذا بلغت أربعمائة ففيها أربع شياه، ثم في كل مائة شاة شاة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في صدقة الغنم] [نصاب زكاة الغنم والقدر الواجب فيها]
م: (فصل في صدقة الغنم) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام صدقة الغنم، والغنم اسم جنس لا واحد له من لفظه، وهي مؤنثة ولهذا يقال في التصغير: غنيمة وكأنه مأخوذ من الغنيمة. وقال الجوهري: الغنم اسم مؤنث موضوع للجنس يقع على الذكور والإناث وعليهما جميعا، فإذا صغرتها لحقتها الهاء.
قلت: غنيمة لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كانت لغير الآدميين فالتأنيث لها لازم، فيقال: لها خمس من الغنم ذكور فيؤنث العدد، وإن عنيت الكباش إذا كان ثلاثة من الغنم؛ لأن العدد يجري في تذكيره وتأنيثه على اللفظ لا على المعنى.
م: (ليس في أقل من أربعين من الغنم السائمة صدقة) ش: أي زكاة، قد مر وجه هذا في أول الكتاب م: (فإذا كانت أربعين سائمة وحال عليها الحول ففيها شاة) ش: الشاة من الغنم تذكر وتؤنث، وفلان كثير الشاة والبقر، وهي في معنى الجمع؛ لأن الألف واللام للجنس، وأصل الشاة شاهه؛ لأن تصغيرها شويهة، والجمع: شياه بالهاء في العدد تقول: ثلاث شياه إلى العشر، فإذا جاوزت فبالتاء م: (إلى مائة وعشرين، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه، فإذا بلغت أربعمائة ففيها أربع شياه، ثم في كل مائة شاة شاة) ش: أي في كل مائة بعد أربعمائة شاة، وهذا قول جمهور أهل العلم منهم مالك والشافعي، وأحمد وإسحاق - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وهو قول الثوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا.
وقال النخعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - والحسن بن صالح - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن زادت الغنم على ثلاثمائة واحدة وجب فيها أربع شياه إلى أربعمائة، فإذا زادت واحدة تجب فيها خمس شياه، وهو رواية عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وروى الشعبي عن معاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن الغنم إذا بلغت مائتين لم يغيرها حتى تبلغ أربعين ومائتين، فيؤخذ منها ثلاث شياه، فإذا بلغت ثلاثمائة ولم يغيرها حتى تبلغ أربعين وثلاثمائة فيؤخذ منها أربع شياه.
وفي " المغنى " رواية عن أحمد: إذا زادت على ثلاثمائة واحدة ففيها أربع شياه، ثم لا يتغير الفرض حتى تبلغ خمسمائة فيكون في كل مائة شاة.

(3/331)


هكذا ورد البيان في كتاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي كتاب أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعليه انعقد الإجماع،
والضأن والمعز سواء؛ لأن لفظة الغنم شاملة للكل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي " شرح الهدية " لأبي الخطاب: في أربعمائة وواحدة خمس شياه، وفي خمس مائة وواحد ست شياه، وهكذا حتى تنتهي. وقال أبو بكر في " العارضة " هذا مصادمة للحديث لفظا ومجازفة بغير معنى فلا يعتبر به.
م: (هكذا ورد البيان في كتاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي كتاب أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي مثل المذكور في كيفية صدقة الغنم ورد البيان في كتابه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.
أما كتاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرواه الترمذي من حديث الزهري - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن سالم، عن أبيه «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب كتاب الصدقة إلى عماله، فلم يخرجه حتى قبض فقرنه بسيفه، فلما قبض عمل به أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حتى قبض، وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حتى قبض» وقد مر قريب ومر الكلام فيه.
وأما كتاب أبي بكر لأنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فرواه البخاري وقد مر أيضا.
واحتج شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " المبسوط " برواية أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن أبا بكر كتب له كتاب الصدقات.... الحديث، وكذلك احتج به المصنف.
وقال السروجي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أصحابنا لم يعلموا بجميع ما في كتاب أنس، والعمل ببعض ما فيه وترك باقيه ليس بصواب، وكان الاستدلال في هذا بكتاب عمرو بن حزم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو الأوجه.
م: (وعليه انعقد الإجماع) ش: أي وعلى وجوب صدقة الغنم على الوجه المذكور انعقد الإجماع.

[الضأن والمعز سواء في الزكاة]
م: (والضأن والمعز سواء) ش: الضأن مهموز، ويجوز تخفيفه بالإسكان كما في رأس وهو جمع ضأنة بهمزة قبل النون كراكب وركب، ويقال أيضا: ضأن بفتح الهمزة في الجمع، كحارس وحرس، ويجمع أيضا على ضؤون كعار وعري، وقيل: هذه كلها ليست بجمع على الأصح، بل هي كلها اسم جمع.
والمعز بفتح العين وإسكانها: اسم جنس، والضأن والمعز نوعان، ويضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب. وهذا لا خلاف فيه والواحد ماعز، ومعزة، والمعيز بفتح الميم، والأمعوز بضم الهمزة: بمعنى المعز قوله سواء أي في تكميل النصاب لا في أداء الواجب فإن ذكره يأتي بعده. م: (لأن لفظة الغنم شاملة للكل) ش: لأن لفظ الغنم جنس، والضأن والمعز نوعان، ويضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب وهذا لا خلاف فيه.

(3/332)


والنص ورد به، ويؤخذ الثني في زكاتها، ولا يؤخذ الجذع من الضأن إلا في رواية الحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -
والثني منها ما تمت له سنة والجذع ما أتى عليه أكثرها، وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قولهما: إنه يؤخذ الجذع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والنص ورد به) ش: أي بلفظ الغنم وهو ما كتب في كتاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قوله: «في أربعين من الغنم شاة» م: (ويؤخذ الثني في زكاتها) ش: أي في زكاة الغنم م: (ولا يؤخذ الجذع من الضأن إلا في رواية الحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: بفتحتين والذال المعجمة، قال الجوهري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أول ولد الغنم سخلة، قال ابن قدامة في " المغني ": بفتح السن وكسرها ذكرا كان أو أنثى من الضأن أو المعز، ثم بهيمة الذكر والأنثى، فإذا بلغ أربعة أشهر فصل عن أمه، فولد المعز جفرة وجمعها جفار بالكسر.
وإذا أرعى وقوي فهو عريض وعتود، وهو في ذلك كله جدي، والأنثى عناق وجمعها عنوق على غير قياس، وأعنق ما لم يأت الحول عليه، فإذا أتى الحول عليه فالذكر تيس، والأنثى عنز، وفي الثانية: الذكر جذع، والأنثى جذعة، وفي الثالثة: ثني والأنثى ثنية، وفي الرابعة: رباع، وفي الخامسة: سديس، وفي السادسة: ضالع ولا يوجد له بعد ذلك اسم.

م: (والثني منها ما تمت له سنة) ش: أي الثني من الغنم ما قد أتى عليه سنة م: (والجذع ما أتى عليه أكثرها) ش: أي أكثر السنة، وفي " المبسوط ": الجذعة التي تمت لها سنة وطعنت في الثانية، والثني الذي تمت له سنتان وطعن في الثالثة.
وذكر النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في الضأن والمعز، وكذا في الصحاح. وفي" مجمع الغرائب ": الجذع التي تمت له سنة ودخل في الثانية وهو الذي يجزئ في الأضحية.
قال الحربي: إنما يجزئ في الأضحية؛ لأن الجذع من الضأن ينزو فيلقح، والمعز لا يلقح حتى يصير ثنيا.
وفي " البدائع " و" الأسبيجابي " و" الوتري " و" جوامع الفقه "، وغيرها من كتب الفقه: الجذع ما أتى عليه ستة أشهر، وفي بعضها أكثر السنة مثل ما ذكر هاهنا، والثني ما تم له سنة ودخل في الثانية.
وفي " الذخيرة " للمالكية: الجذع ابن سنة. وقيل: ابن عشرة أشهر، وقيل: ابن نصف سنة، وجمع الثني: ثنايا وثنيان، وجمع الثنية ثنيات، وجمع الجذع جذعان وجذاع، وجمع الجذعة جذعات، ويقال لولد الشاة في السنة الثانية: جذع، ولولد البقرة في الحافر السنة الثالثة، وللإبل في السنة الخامسة.
م: (وعن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو قولهما أنه يؤخذ الجذع) ش: روى الحسن بن

(3/333)


لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنما حقنا الجذعة والثني» ولأنه يتأدى به الأضحية فكذا الزكاة، وجه الظاهر حديث علي - رَحِمَهُ اللَّهُ - موقوفا ومرفوعا لا يؤخذ في الزكاة إلا الثني فصاعدا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
زياد عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه يؤخذ الجذع من الضأن وهو قول أبي يوسف ومحمد والشافعي وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
وقال مالك: الجذع من الضأن والمعز ما تم له سنة يجوز لإطلاق النص. وقال الشافعي وأحمد -رحمهما الله-: الجذع من المعز لا يجوز.
م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنما حقنا الجذعة والثني» ش: لم يتعرض إليه أحد من الشراح وهو غريب لا يعرف من رواه ولا من أخرجه، وقال السروجي: هذا في حق الإبل بعيد؛ لأن الجذعة من الإبل لا يؤخذ في الزكاة إذ الذكر لا يجزئ فيها، والثني من الإبل لا يؤخذ؛ لأنه لا يجاوز الجذعة من الإبل.
وقال صاحب التخريج: وبمعناه أخرجه أبو داود وابن ماجه في الضحايا عن عاصم بن كليب عن أبيه قال: كنا مع رجل من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقال له: مجاشع من بني سليم فعزت الغنم فأمر مناديا ينادي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إن الجذع يوفى مما يوفى منه للثني» .
ورواه أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مسنده"، حدثنا محمد بن جعفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - حدثنا شعبة عن عاصم بن كليب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن أبيه، عن جده عن رجل من مزينة أو جهينة قال: كان أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا كان قبل الأضحى بيوم أو بيومين أعطوا جذعين وأخذوا ثنيا، فقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إن الجذعة تجزئ فيما يجزئ عنه الثنية» ، وعاصم بن كليب أخرج له مسلم.
م: (ولأنه يتأدى به الأضحية فكذا الزكاة) ش: وفي " الإيضاح ": باب الأضحية أضيق، ألا ترى أن التضحية بالتبيع والتبيعة لا يجوز، ويجوز أحدهما في الزكاة، فإذا كان للجذع مدخل في باب التضحية، ففي الزكاة أولى.
وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بعد أن قال: ذكره الشيخ أبو الحسين القدوري عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: لا يجزئ في الزكاة إلا الثني فصاعدا على ما يجيء الآن في كلام المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وتأويل الحديث، أي الحديث الذي ذكره المصنف الجذع من الإبل توفيقا بينه وبين ما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قلت: الحديثان المذكوران كلاهما لم يصح فلا يحتاج إلى التوفيق.
م: (وجه الظاهر حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - موقوفا ومرفوعا لا يؤخذ في الزكاة إلا الثني فصاعدا) ش: أي وجه ظاهر الرواية حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهذا الحديث لم يثبت لا

(3/334)


ولأن الواجب هو الوسط وهذا من الصغار ولهذا لا يجوز فيها الجذع من المعز، وجواز التضحية به عرف نصا، والمراد بما روي الجذعة من الإبل
ويؤخذ في زكاة الغنم الذكور والإناث؛ لأن اسم الشاة ينتظمهما، وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «في أربعين شاة شاة» والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مرفوعا على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا موقوفا على علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، والعجب من صاحب " التحفة " أنه قال: لم يرو عن غير علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خلافه، فكان كالإجماع. وروى إبراهيم الحربي في كتابه " غريب الحديث "، عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: لا يجزئ في الضحايا إلا الثني فصاعدا.
م: (ولأن الواجب هو الوسط وهذا من الصغار ولهذا لا يجوز فيها الجذع من المعز) ش: أي ولأن الواجب في الأخذ هو الوسط بالنص كما يجيء، قوله: وهذا أي الجذع من الضأن من الصغار ولهذا لا يجوز الصغار.
قوله: م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كونه من الصغار م: (لا يجوز فيها) ش: أي في الأخذ في الزكاة م: (الجذع من المعز) ش: بالاتفاق م: (وجواز التضحية به عرف نصا) ش: هذا جواب عن قوله: ولأنه تتأدى به الأضحية، فكذا الزكاة ففيه نظر، ولأن جواز التضحية بالجذع من الضأن نصا لا يمنع قياس جواز الزكاة عليه قوله: به أي بالجذع قوله: نصا، أي من جهة النص، وقال الكاكي: النص هو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «نعمت الأضحية الجذع من الضأن» .
قلت: أحسن الأوجه: أن يقال النص هو ما رواه مسلم، عن أبي الزبير، عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن» .
وأما الحديث الذي ذكره الكاكي: فرواه الترمذي عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقال: حديث غريب.
م: (والمراد بما روي الجذعة من الإبل) ش: هذا جواب عن قوله: «إنما حقنا الجذع والثني» وقد مر الكلام فيه عن قريب.

م: (ويؤخذ في زكاة الغنم الذكور والإناث لأن اسم الشاة ينتظمهما) ش: أي يتناولهما، وعند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا تجوز الزكاة، إلا إذا كانت كلها ذكورا، كذا ذكر في " شرح مختصر الكرخي "، وقال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يؤخذ الثني من الضأن، الذكر، والأنثى فيه سواء، وفي المعز يؤخذ الأنثى، وقال الشافعي وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تجوز الجذعة من الضأن والثنية من المعز، وعند مالك يجزئ الجذعة منهما.
م: (وقد قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «في كل أربعين شاة شاة» ش: ذكر هذا الحديث؛ لأن المذكور فيه الشاة

(3/335)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وهي تعم الذكور والإناث، وروى هذا الحديث أبو داود والترمذي من رواية سالم عن أبيه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ورواه الطبراني في " الأوسط " من حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب إلى عماله في سنة الصدقات: «في كل أربعين شاة شاة» .
ورواه كذلك أبو داود، عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. والشاة الأولى نصبت على التمييز، والثانية مرفوعة على أنه مبتدأ تقدم خبره.

(3/336)


فصل في صدقة الخيل إذا كانت الخيل سائمة ذكورا وإناثا فصاحبها بالخيار، إن شاء أعطى عن كل فرس دينارا، وإن شاء قومها وأعطى عن كل مائتين خمسة دراهم، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول زفر وقالا: لا زكاة في الخيل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في صدقة الخيل] [كيفية إخراج زكاة الخيل]
م: (فصل في صدقة الخيل) ش: أي هذا الفصل في بيان أحكام صدقة الخيل، وهو اسم جمع للعراب والبرازيين؛ ذكروها وإناثها، كالركب ولا واحد لها من لفظها، وواحدها فرس، وقال الجوهري: يذكر ويؤنث ويصغر بغير تاء، وهو شاذ والخيل الفرسان، قال الله تعلى: {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ} [الإسراء: 64] (الإسراء: آية 46) ، والخيل أيضا الخيول.
والثاني: جمع اسم الجمع كالقوم والأقوام، والخيالة: أصحاب الخيل، وقال ابن الأثير في " النهاية ": "يا خيل الله اركبي" أي يا فرسان خيل الله اركبي، بحذف المضاف. قيل: لا حاجة إلى حذف المضاف؛ لأن الخيل هي الفرسان كما قال الجوهري، ويدل عليه قوله: اركبي، وإنما ذكر فصل الخيل إلحاقا بفصل السوائم؛ إذ هي سائمة أيضا، وأخره عن الفصول الثلاثة؛ لأن الاحتياج إليها أكثر من فصل الخيل، وتقدم الخلاف فيها بخلاف فصل الخيل.
م: (إذا كانت الخيل سائمة ذكورها وإناثها فصاحبها بالخيار إن شاء أعطى عن كل فرس دينارا، إن شاء قومها وأعطى عن كل مائتي درهم خمسة دراهم) ش: إنما قال: صاحبها بالخيار احترازا عن قول الطحاوي فإنه جعل الخيار إلى العامل في كل ما يحتاج إلى حماية السلطان، ولم يذكر نصاب الخيل كم هو، ولا ذكره في أكثر كتب الأصحاب غير أن صاحب " تحفة الملوك " قال: إن نصاب الخيل قيل: اثنان، وقيل ثلاثة. وعن الطحاوي: خمسة، هذا على قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والأصح أن لا تقدير لعدم النقل به.
م: (وهذا) ش: أي هذا المذكور هو م: (عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) ش: وبه قال حماد بن أبي سليمان، واسمه سليم، وهو شيخ أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وبه قال النخعي: حكاه عنه في " الروضة " وهو قول زيد بن ثابت من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ذكره شمس الأئمة السرخسي كما ذكره في الكتاب م: (وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي قول زفر بن الهذيل هو قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (لا زكاة في الخيل) ش: وبه قال عطاء بن أبي رباح ومالك والشافعي وأحمد، ويروى ذلك عن عمر وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -

(3/337)


لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة» وله قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «في كل فرس سائمة دينارا أو عشرة دراهم»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
واختاره الطحاوي، وقال الخطابي: اختلف الناس في زكاة الخيل، وذكر عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: لا زكاة فيها، وقال ابن المنذر وابن قدامة من الحنابلة: الخلفاء الراشدون لم يكونوا يأخذون منها صدقة.
وقال السروجي: هذا باطل ذكر أبو عمر بن عبد البر بإسناده أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال ليعلى بن أمية: تأخذ من كل أربعين شاة شاة، ألا تأخذ من الخيل شيئا، خذ من كل فرس دينارا، فضرب على الخيل دينارا دينارا، فقرر علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الخيل دينار دينارا.
وقال أبو عمر: الخبر في صدقة الخيل عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صحيح من حديث الزهري عن السائب بن زيد أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أمر أن يؤخذ عن الفرس شاتان أو عشرون درهما، وقال ابن رشد المالكي في " القواعد ": قد صح عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يأخذ الصدقة عن الخيل.
م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وليس على المسلم في عبده، ولا في فرسه صدقة» ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهذا الذي أخرجه الأئمة الستة في كتبهم، عن عراك بن مالك، عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة» .
وأخرجه ابن حبان أيضا في "صحيحه " وزاد فيه: إلا صدقة الفطر، وهذه الزيادة عند مسلم أيضا، وقال ابن حبان: ففيه دليل على أن العبد لا يملك؛ إذ لو ملك لوجبت عليه صدقة الفطر، وعن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيه روايات ستأتي، وقال الأترازي: والمشهور عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه لا يجب فيها شيء.
وفي " فتاوى قاضي خان " و" الخلاصة " والفتوى على قولهما، ورجح في الأسرار قولهما فقال: لا يجب في عينهما شيء، ومبنى زكاة السائمة على أن الواجب جزء من العين وللإمام فيه حق الأخذ، ولا يأخذ الإمام صدقة الخيل بالإجماع.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: في كل فرس سائمة دينارا أو عشرة دراهم) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، هذا الحديث أخرجه الدارقطني ثم البيهقي في "سننهما" عن الليث بن حماد الإصطخري: حدثنا أبو يوسف عن غورك بن الحصرم أبي عبد الله، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الخيل السائمة: «في كل فرس دينار» ، وقال الدارقطني: تفرد به غورك وهو ضعيف جدا ومن دونه ضعفاء، وقال البيهقي: ولو كان هذا الحديث صحيحا عند أبي يوسف لم يخالف، وقال ابن

(3/338)


وتأويل ما رويناه فرس الغازي وهو المنقول عن زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
القطان في كتابه: وأبو يوسف هذا هو أبو يوسف يعقوب القاضي وهو مجهول عندهم.
قلت: غورك معروف؛ مولى جعفر بن محمد، يعرفه أهل المعرفة بالرجال، وقول ابن القطان لم يصدر عن عاقل، وهل يقال في مثل أبي يوسف مجهول؟ وهو أول من سمي بقاضي القضاة، وعلمه شاع في ربع الدنيا الذي هو محل الإسلام، وهو إمام ثقة حجة، ونحن نترك الاستدلال بالحديث المذكور عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ونستدل بما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكر الخيل فقال: «رجل ربطها تغنيا تعففا، ثم لم ينس حق الله في رقابها ولا في ظهورها، فهي لذلك ستر» .
فإن قلت: قالوا: حقها إعارتها، وحمل المنقطعين عليها إذا كان واجبا، ثم نسخ بدليل قوله: «قد عفوت لكم عن صدقة الخيل» ؛ إذ العفو لا يكون إلا عن شيء لازم.
قلت: ثبت أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ولم ينس حق الله في رقابها» ، وهي الزكاة؛ لأنهم اتفقوا على سقوط سائر الحقوق غير الزكاة، وأنه لا حق في المال غير الزكاة، وما ورد فيها من إطراق فحولها، وإعارة ذكورها وغيرهما، منسوخ بالزكاة عند الجمهور، وقد ذكرنا عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ما يساند قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
م: (وتأويل ما رويناه فرس الغازي وهو المنقول عن زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: هذا جواب من جهة أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن الحديث الذي رواه أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله- من قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديث المذكور ولا فرسه، وأن تأويله أن المراد منه فرس الغازي؛ لأن الخيل كانت عزيزة في ذلك الوقت لقلتها وما كانت إلا معدة للجهاد، ثم كثرت بعد ذلك، ولا سيما في غير بلاد العرب خصوصا في بلاد الدشت، فإن الخيل عند أهلها سائمة في البراري ترعى ولا يعرفون العلف، فمنهم من يملك منها ألف رأس وأقل وأكثر، فصارت كالإبل والبقر والغنم؛ لأن الرقيق إذا كان للتجارة تجب فيه الزكاة، فكذلك الخيل إذا كانت سائمة؛ لأن التجارة والإسامة يؤثران في معنى النماء، وسبب وجوب الزكاة هو المال النامي، وأيضا لما قرن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الفرس بالعبد كان ذلك قرينة على أن المراد عبد الخدمة وفرس الركوب، فإنهما إذا كانا للتجارة تجب فيهما الزكاة بالإجماع.
وفي " المبسوط ": نص على أنه لا يؤخذ من عينها؛ لأن مقصود الفقير لا يحصل بذلك لأن عينها غير مأكول اللحم عنده، ولم يثبت أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - للإمام ولاية الأخذ؛ لأن الخيل مطمع كل واحد من أهل الطمع فإنها سلاح، والظاهر أن الأئمة إذا علموا به لا يتركوه،

(3/339)


والتخيير بين الدينار والتقويم مأثور عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
وليس في ذكورها منفردة زكاة؛ لأنها لا تتناسل وكذا في الإناث المنفردات في رواية وعنه الوجوب فيها؛ لأنها تتناسل بالفحل المستعار، بخلاف الذكور
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لصاحبه.
قوله: هو المنقول عن زيد بن ثابت الصحابي وهذا غريب، وقد ذكره أبو زيد الدبوسي في كتاب " الأسرار " فقال: إن زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لما بلغه حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: صدق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما هذا فرس الغازي، ومثل هذا لا يعرف بالرأي، [بل] إنه مرفوع.
وروى أحمد بن زنجويه في كتاب " الأموال " حدثنا علي بن الحسن، حدثنا سفيان بن عيينة، عن ابن طاوس، عن أبيه، أنه قال: سألت ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَوَفِيهَا صدقة؟ فقال: ليس على فرس الغازي في سبيل الله صدقة.

م: (والتخيير بين الدينار والتقويم مأثور، عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: هذا الأثر غريب، وأخرجه الدارقطني في "سننه "، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، قال: جاء ناس من أهل الشام إلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقالوا: إنا أصبنا أموالا: خيلا ورقيقا، وإنا نحب أن نزكيها فقال: ما فعله صاحباي قبلي فأفعله أنا، ثم استشار أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالوا: حسن، وسكت علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فسأله فقال: هو حسن لو لم يكن جزية راتبة يؤخذ بها بعدك، فأخذ عن الفرس عشرة دراهم ثم أعاده قريبا منه بالسند المذكور والقصة، وقال فيه: يوضع على كل فرس دينار، وقيل: هذا في أفراس العرب؛ لتفاوت قيمتها، وأما في أفراسنا فالتقويم والأداء عن كل مائتي درهم خمسة دراهم.

م: (وليس في ذكورها منفردة) ش: أي وليس في ذكور الخيل حال كونها منفردة م: (زكاة لأنها لا تتناسل) ش: هذا على الرواية المشهورة وذلك لعدم النماء بالتناسل والتوالد.
وفي " المبسوط ": لا تجب في الذكور، إلا في رواية شاذة، وفي " المحيط ": المشهور عدم الوجوب.
م: (وكذا في الإناث المنفردات في رواية) ش: أي وكذا لا تجب الزكاة في الخيل الإناث المنفردات في رواية عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لعدم النماء بالتوالد.
م: (وعنه الوجوب فيها) ش: أي وعن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الوجوب للزكاة في الإناث المنفردات م: (لأنها تتناسل بالفحل المستعار) ش: أي لأنها يوجد فيها النماء بالفحل المستعار، فيكون النماء لصاحبها م: (بخلاف الذكور) ش: المنفردة، لعدم التناسل.

(3/340)


وعنه أنها تجب في الذكور المنفردة أيضا، ولا شيء في البغال والحمير لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم ينزل علي فيهما شيء والمقادير تثبت سماعا إلا أن تكون للتجارة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وعنه أنها) ش: أي عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن الزكاة م: (تجب في الذكور المنفردة أيضا) ش: لإطلاق الحديث، وفي " الإيضاح ": باعتبار أنها سائمة م: (ولا شيء في البغال والحمير لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لم ينزل علي فيهما شيء» ش: أي في البغال والحمير.
والحديث رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولكن ليس فيه ذكر البغال، ولفظ الحديث طويل فأوله: الخيل ثلاثة، وفي آخره فسئل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الحمر فقال: «ما أنزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ - وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7 - 8] » (الزلزلة: آية 7، 8) .
قوله: الفاذة بتشديد الذال المعجمة أي المنفردة في معناها، والفذ الواحد، وقد أفذ الرجل عن أصحابه إذا شذ عنهم وبقى منفردا. وقيل: معناه جامعة لاشتمال اسم الخير على أنواع الطاعات والشر على أنواع المعاصي، ودلالة الآية على الجواب من حيث إن سؤالهم كان الحمار له حكم الفرس أم لا؟
فأجاب: بأنه إن كان بخير فلا بد أن يرى خيره وإلا فبالعكس، والدليل الصريح في عدم وجوب الزكاة في الحمير ما رواه البيهقي من حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عفوت لكم عن صدقة الجبهة والكسعة والنخة» .
قال بقية أحد رواته: الجبهة الخيل، والكسعة البغال والحمير، والنخة المربيات في البيوت.
والحديث ضعيف؛ لأن فيه سليمان بن أرقم، هو متروك الحديث، لا يحتج به، قاله البيهقي، وقال في " ديوان الأدب ": الجبهة: الخيل، والكسعة: الحمير، والنخة: البقر العوامل.
قلت: الكسعة بضم الكاف، وسكون السين المهملة، وقال ابن الأثير: النخة بفتح النون وضمها هي الرقيق، وقيل: الحمير، وقيل: البقر العوامل، وقيل: هي كل دابة استعملت، وقيل: البقر العوامل بالضم وغيرها بالفتح، وقال الفراء: النخة أن يأخذ المصدق دينارا بعد فراغه من الصدقة.
م: (والمقادير تثبت سماعا) ش: كان ينبغي أن يقال والمقدرات تثبت من جهة السماع؛ لأن القياس لا دخل له في جهة المقدرات الشرعية م: (إلا أن تكون للتجارة) ش: استثناء من

(3/341)


لأن الزكاة حينئذ تتعلق بالمالية كسائر أموال التجارة، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قوله: ولا شيء في البغال والحمير، يعني إذا كانت للتجارة يجب فيها الزكاة.
م: (لأن الزكاة حينئذ) ش: أي حين كونها للتجارة م: (تتعلق بالمالية كسائر أموال التجارة) ش: لوجود النماء بالتجارة كما في عروض التجارة، وغير ذلك من الأحكام.

(3/342)


فصل وليس في الفصلان والحملان، والعجاجيل صدقة عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلا أن يكون معها كبار، وهذا آخر أقواله، وهو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وكان يقول: أو لا يجب فيها ما يجب في المسان، وهو قول زفر ومالك - رحمهما الله - ثم رجع وقال: فيها واحدة منها، وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل وليس في الفصلان والحملان والعجاجيل صدقة]
م: (فصل) ش: هاهنا فصل ينون وإذا وصل لا ينون.
م: (وليس في الفصلان والحملان والعجاجيل صدقة عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: لما فرغ من بيان أحكام الكبار، شرع في بيان أحكام صغار الفصلان، بضم الفاء جمع فصل، وكذا الناقة: من فصل الرضيع عن أمه والحملان بضم الحاء وفي " مهذب الديوان ": بكسرها جمع الحمل بفتحتين. قال الجوهري في باب اللام: الحمل البرق، وقال في باب القاف: البرق الحمل فارسي معرب، وفي " المغرب " الحمل بفتحتين ولد الضأنة في السنة الأولى والجمع الحملان، والعجاجيل: جمع عجول بمعنى عجل، كأبابيل: جمع أبول، كذا حكي عن الكسائي، وفي " المغرب ": العجل من أولاد البقر حين تضعه أمه إلى شهر والجمع العجلة، وأما العجال في جمعه فلم أسمعه، والعجول مثله والعجاجيل الجمع، قوله: صدقة أي زكاة عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
م: (وهذا آخر أقواله) ش: أي آخر أقوال أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (وهو قول محمد) ش: وبه قال الثوري والشعبي، وأبو سليمان، وداود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - م: (وكان يقول أولا: يجب فيها ما يجب في المسان) ش: أي كان أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول في أول الأمر: يجب في الفصلان، والحملان، والعجاجيل ما يجب في المسان، وهو جمع مسنة وهي ذات السن من الجذع، والثنية م: (وهو قول زفر ومالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ش: وبه قال داود وأبو بكر من الحنابلة م: (ثم رجع، وقال: فيها واحدة منها) ش: أي، ثم رجع أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن هذا القول وقال: تجب فيها واحدة منها وهذا قوله الثالث.
م: (وهو قول أبي يوسف والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -) ش: في الجديد وبه قال الأوزاعي وإسحاق وذكر الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في اختلاف العلماء عن أبي يوسف، قال دخلت على أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
فقلت: ما تقول فيمن ملك أربعين حملا؟ فقال: فيها شاة مسنة، فقلت: ربما تأتي قيمة الشاة على أكثرها أو جميعها؟ فتأمل ساعة ثم قال: لا ولكن تؤخذ واحدة منها.

(3/343)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فقلت: أَوَيُؤْخَذ الحمل في الزكاة؟ فتأمل ساعة، ثم قال: لا، إذا لا يجب فيها شيء وأخذ بقوله الأول زفر، وبقوله الثاني أبو يوسف، وبقوله الثالث محمد، وعد هذا من مناقبه حيث تكلم في مسألة في مجلس ثلاثة أقاويل فلم يضع شيئا من أقاويله كذا في " المبسوط "، وقال محمد بن شجاع: لو قال قولا رابعا لأخذت به، انتهى.
قلت: وجاء فيه قول رابع: وهو أن يأخذ المصدق مسنة ويرد على صاحب المال فضل ما بين المسنة والصغيرة التي هي في ماشيته وهو رواية عن الثوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - ووجه للحنابلة وجاء فيه قول خامس، وهو ضعيف جدا لم ينقل عن غير الحنابلة أنه يجب في خمس وعشرين من الفصلان واحدة منها، وفي ست وثلاثين واحدة منها سنها كسن واحدة منها مرتين، وفي ست وأربعين منها واحدة مثل سن واحدة منها ثلاث مرات، وفي إحدى وستين واحدة مثل سنها أربع مرات.
والحاصل عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هنا ثلاث روايات كما ظهر من كلام الطحاوي، ومن المشايخ من رد هذا وقال: إن مثل هذا من الصبيان محال فما ظنك بأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؟ وقال بعضهم: لا معنى لرده فإنه مشهور مستفيض، لكن يجب أن يوجه على ما يليق بحال أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وقيل: إنه استجس أبا يوسف هل يهتدي إلى طريق المناظرة، فلما عرف أنه يهتدي إليه قال قولا يعول عليه، كذا في " الفوائد الظهيرية ".
وقال صاحب " التحفة ": تكلم الفقهاء في صورة المسألة فإنها مشكلة؛ لأن الزكاة لا تجب بدون مضي الحول، وبعد الحول لم يبق اسم الحملان والفصلان والعجاجيل.
وقال بعضهم: الخلاف في هذا؛ لأن الحول هل ينعقد على هذه أم لا؟ ويعتبر انعقاد الحول من حين الكبر.
وقال بعضهم: الخلاف فيمن كانت له أمهات فمضت ستة أشهر فولدت أولادا، ثم ماتت الأمهات وبقيت الأولاد، ثم تم الحول وهي صغار وعلى هذا إذا استفاد صغارا في وسط الحول، ثم هلكت المسنات، وفي " الجامع الصغير ": هلكت الأمهات بعد عشرة أشهر وبقيت الأولاد.
وقيل: كان له نصاب هو مسنات فاستفاد قبل حوله صغارا بشراء أو هبة أو نحوهما ثم هلك المسان وبقي المستفاد.

(3/344)


وجه قوله الأول أن الاسم المذكور في الخطاب ينتظم الصغار والكبار. ووجه الثاني: تحقيق النظر من الجانبين
كما يجب في المهازيل واحد منها، ووجه الأخير أن المقادير لا يدخلها القياس فإذا امتنع إيجاب ما ورد به الشرع امتنع أصلا،
وإذا كان فيها واحدة من المسان جعل الكل تبعا له في انعقادها نصابا دون تأدية الزكاة منها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وجه قوله الأول: إن الاسم المذكور) ش: من اسم الشاة والإبل والبقر م: (في الخطاب) ش: يعني في النص في قوله: خذ من الإبل م: (ينتظم الصغار والكبار) ش: ولهذا لو حلف لا يأكل لحم الإبل فأكل فصيلا يحنث.
م: (ووجه الثاني) ش: أي في القول الثاني وهو قوله: فيها واحدة منها م: (تحقيق النظر من الجانبين) ش: أي من جانب الفقير والغني، وهذا لأن في إيجاب الكبير إضرارا بالغني، وفي عدم إيجاب شيء إضرار بالفقير فوجب واحدة من الصغار.

م: (كما يجب في المهازيل واحد منها) ش: المهازيل جمع: مهزول من الهزال وهو خلاف السمن، وجه التشبيه هو وجوب الواحد من نصاب الإبل أو البقر أو الغنم المهزولة تحقيقا للنظر من الجانبين، وفي " الأسرار " اختار قول أبي يوسف؛ لأنه أعدل فإنا رأينا النقصان بالهزال رد الوجوب الأصلي إلى واحد منها، ولم يبطل أصلا فكذلك النقصان بالسمن مع قيام الإسامة واسم الإبل، وفي " النهاية ": ونقصان الوصف لا يسقط الزكاة أصلا حتى إن في العجاف والمهازيل تجب الزكاة بحبسها فكذلك نقصان السن.
م: (ووجه الأخير) ش: أي القول الأخير، وفي بعض النسخ الآخر وهو قوله: ليس في الحملان والفصلان والعجاجيل دقة وقوله -ووجه الأخير- مبتدأ وقوله م: (أن المقادير لا يدخلها القياس) ش: خبره م: (فإذا امتنع إيجاب ما ورد به الشرع) ش: وهو بنت مخاض في خمس وعشرين من الإبل والثني من الغنم م: (امتنع أصلا) ش: أي امتنع الوجوب بالكلية؛ لأن أخذه من الصغار أخذ خيار المال وذلك لا يجوز.

م: (وإذا كان فيها) ش: أي في الصغار م: (واحدة من المسان جعل الكل تبعا له) ش: أي الكل من الصغار تبعا للواحد من المسان م: (في انعقادها نصابا) ش: أي في انعقاد الصغار يعني ينعقد النصاب بالصغار م: (دون تأدية الزكاة منها) ش: أي من الصغار، حتى إذا دفع واحدا منها لا يجوز بل يجب ما ورد به الشرع حتى لو هلك المسان بعد حولان الحول سقطت الزكاة عن الكل عند أبي حنيفة ومحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - هذا نتيجة كون الصغار تبعا لواحد من المسان.
صورته: رجل له تسعة وثلاثون حملا ومسنة واحدة، فإذا كانت المسنة وسطا أخذت، وإن كانت جيدة لم تؤخذ ويؤدي صاحب المال شاة وسطا، وإن كان دون الوسط لم تجب إلا هذه؛

(3/345)


لأن الواجب يتعلق بالمال وقد فات وعند أبي يوسف لا يجب في الباقي، ثم عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجب فيما دون الأربعين من الحملان وفيما دون الثلاثين من العجاجيل شيء، ويجب في خمس وعشرين من الفصلان واحد، ثم لا يجب شيء حتى تبلغ مبلغا لو كانت مسان يثنى الواجب، ثم لا يجب فيها شيء حتى تبلغ مبلغا لو كانت مسان، يثلث الواجب
ولا يجب فيما دون خمس وعشرين في رواية وعنه أنه يجب في الخمس
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وإن هلكت الكبيرة بعد الحول بطل الواجب كله عند أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله-. م: (لأن الواجب) ش: أي وجوب الزكاة م: (يتعلق بالمال وقد فات) ش: بالهلاك.
م: (وعند أبي يوسف لا يجب في الباقي) ش: في تسعة وثلاثين جزءا من أربعين جزءا من حمل؛ لأن الفصيل على الحمل إنما وجب باعتبار الكبيرة فبطل بهلاكها، وإذا هلكت الكل إلا الكبيرة فإن فيها جزءا من أربعين جزءا من شاة مسنة، لأن كل الواجب لم يكن فيها بل كان فيها وفي الصغار تبعا، فكانت الصغار كأنها كبار، فإذا هلكت الصغار بقيت الكبيرة بقسطها.
م: (ثم عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجب فيما دون الأربعين من الحملان وفيما دون الثلاثين من العجاجيل، ويجب في خمس وعشرين من الفصلان واحد) ش: اختلفت الرواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كيفية أداء الزكاة عن الفصلان، ففي رواية بشر بن إسماعيل، قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا بلغ الفصلان عددا وهو خمس وعشرون يجب فيها فصيل واحد منها م: (ثم لا يجب فيها شيء حتى تبلغ مبلغا لو كانت مسان يثنى الواجب) ش: يعني لا يجب شيء حتى تبلغ مبلغا لو كانت كبارا يثنى الواجب فيه وهو ستة وسبعون إذ فيها يجب بنتا لبون. م: (ثم لا يجب فيها شيء حتى تبلغ مبلغا لو كانت مسان يثلث الواجب) ش: أي ثم لا يجب شيء آخر حتى تبلغ مبلغا أي عددا وهو مائة وخمسة وأربعون لو كانت كبارا يثلث الواجب ويثلث على صيغة المجهول من التثليث.
ومعنى يثلث الواجب هو أن يجب فيها ثلاثة من الفصلان؛ لأنه مبلغ يثلث به الواجب من الكبار حيث تجب حقتان وبنت مخاض. وقد اعترض محمد على أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فقال: إنما أوجب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في جنس الإبل بصفة مخصوصة، وهي وجوب الزكاة من خمسة إلى خمسة وعشرين، ومن خمسة وعشرين إلى ستة وسبعين وما لا يجب في هذين الموضعين كذلك في غيره وجب من جهة أو الفرض يتغير بالسن والعدد في الإبل ولا سن في الفصلان فوجب اعتبار التغيير بالعدد.

م: (ولا يجب فيما دون خمسة وعشرين في رواية) ش: أي في رواية عن أبي يوسف رواها عنه الحسن بن مالك م: (وعنه) ش: أي وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية رواها ابن شجاع عنه م: (أنه) ش: أي أن الشأن م: (يجب في الخمس) ش: بفتح الخاء يعني في خمس

(3/346)


خمس فصيل، وفي العشر خمسا فصيل على هذا الاعتبار، وعنه أنه ينظر إلى قيمة خمس فصيل وفي الخمس، وإلى قيمة شاة وسط فيجب أقلهما، وفي العشر إلى قيمة شاتين وإلى قيمة خمسي فصيل على هذا الاعتبار. قال: ومن وجب عليه مسن فلم توجد أخذ المصدق أعلى منها،
ورد الفضل أو أخذ دونها أو أخذ الفضل، وهذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فصلان م: (خمس فصيل) ش: بضم الخاء م: (وفي العشر خمسا فصيل) ش: أي ويجب في العشرة من الفصلان خمسان من فصيل م: (على هذا الاعتبار) ش: يعني يجري على هذا القياس إلى خمس وعشرين فيجب فيها واحدة منها فكأنه اعتبر البعض بالكل.
م: (وعنه) ش: أي وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه ينظر إلى قيمة خمس فصيل) ش: بضم الخاء م: (وفي الخمس) ش: بفتح الخاء أي في الخمسة من الفصلان ش: (وإلى قيمة شاة وسط فيجب أقلهما) ش: أي أقل القيمتين: قيمة خمس الفصيل، وقيمة الشاة، وذلك لأن الأقل متيقن.
م: (وفي العشر إلى قيمة شاتين وإلى قيمة خمسي فصيل) ش: أي ينظر في العشرة من الفصلان إلى القيمتين من قيمة شاتين وقيمة خمسين من الفصيل م: (على هذا الاعتبار) ش: أي يجري على هذا القياس فينظر، وفي خمسة عشرة إلى قيمة ثلاث شياه وقيمة ثلاث أخماس فصيل، وفي العشرين إلى قيمة أربع شياه وأربعة أخماس فصيل، وفي الخمس والعشرين تجب واحدة منها، ثم لا شيء حتى تبلغ عددا يثلث الواجب فيه في الكبار فيجب ثلاثة فصلان وقد مر بيان ذلك.
م: (قال: ومن وجب عليه مسن) ش: أي ذات سن على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، أو سمي بها كما سمي المسنة من النوق بالتاء؛ لأن المسن مما استدل به على المسن من الدواب م: (فلم توجد أخذ المصدق) ش: بكسر الدال المشددة، وهو عامل الزكاة التي يستوفيها من أربابها، يقال: صدقهم يصدقهم فهو متصدق م: (أعلى منها) ش: أي أعلى من المسن.

م: (ورد الفضل) ش: أي فضل القيمة مثلا، إذا كانت قيمة المسن المتعينة للوجوب ثلاثين درهما، وقيمة الأعلى منها أربعون درهما، أخذ المصدق الأعلى، ويرد عشرة دراهم لصاحب المال م: (أو أخذ دونها) ش: أي دون المسن م: (أو أخذ الفضل) ش: مثلا، إذا كانت قيمة المسن ثلاثين، وقيمة الذي أخذه عشرون يأخذ من رب المال عشرة دراهم.
وقال أبو يوسف: إذا وجبت بنت مخاض، ولم توجد أخذ ابن لبون، وبه قال مالك، والشافعي، وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وعندهما لا يجوز ذلك إلا بطريق القيمة.
م: (وهذا) ش: أي وهذا المذكور من أخذ الأعلى ورد الفضل أو أخذ الأدنى واسترداد

(3/347)


مبني على أن أخذ القيمة في باب الزكاة جائز عندنا، على ما نذكره إن شاء الله تعالى، إلا أن في الوجه الأول له أن لا يأخذ ويطالب بعين الواجب أو بقيمته؛ لأنه شراء، وفي الوجه الثاني يجبر؛ لأنه لا بيع فيه بل هو إعطاء بالقيمة،
ويجوز دفع القيمة في الزكاة عندنا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الفضل م: (مبني على أن أخذ القيمة في باب الزكاة جائز عندنا على ما نذكره إن شاء الله تعالى) ش: وأصل ذلك ما رواه البخاري: حدثنا محمد بن عبد الله أَنَا أبي، حدثنا ثمامة أن أنسا، حدثه أن أبا بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كتب له فريضة الصدقة التي أمر الله رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة، وليست عنده جذعة، وعنده حقه فإنها تقبل منه الحقة، ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده الحقة وعنده الجذعة فإنها تقبل منه الجذعة، ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين....» الحديث، ثم المعتبر ما بين القيمتين في الرد والاسترداد أي شيء كان؛ لأن القيمة تتفاوت باختلاف الرخص من الغلاء، وتقدير العشرين في الحديث ليس بلازم؛ لأنه كان بحسب الغالب في ذلك الزمان.
م: (إلا أن في الوجه الأول) ش: وهو قوله: أخذ المصدق أعلاها ورد الفضل م: (له) ش: أي للمصدق م: (أن لا يأخذ) ش: أي الأعلى م: (ويطالب صاحب المال بعين الواجب أو بقيمته؛ لأنه شراء) ش: ولا شراء في الشراء.
قال الأترازي: وفيه نظر عندي؛ لأنهم قالوا: الخيار لصاحب المال حتى يكون رفقا به؛ لأن الزكاة وجبت بطريق اليسر، فإذا كان للمصدق ولاية الامتناع من قبول الأعلى لزم العشر وفيه عود على الموضوع بالنقص فلا يجوز.
قلت: قيل: إن الخيار للمصدق ذكره صاحب " التجريد ".
م: (وفي الوجه الثاني) ش: هو قوله أو أخذ دونها م: (يجبر) ش: أي المصدق م: (لأنه لا بيع فيه بل هو إعطاء بالقيمة) ش: فإذا امتنع يجبر؛ لأن دفع القيمة جائز.

[إخراج القيمة في الزكاة والكفارات ونحوها]
م: (ويجوز دفع القيمة في الزكاة عندنا) ش: وهو قول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وابنه، وابن مسعود، وابن عباس، ومعاذ، وطاوس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
وقال الثوري: يجوز إخراج العروض في الزكاة إذا كانت بقيمتها وهو مذهب البخاري، وإحدى الروايتين عند أحمد، ولو أعطى عرضا عن ذهب وفضة، وقال أشهب: يجزئه، وقال الطرطوسي: هذا قول بين في جواز إخراج القيم في الزكاة.
قال: وأجمع أصحابنا على أنه لو أعطى فضة عن ذهب أجزأه، وكذلك إذا أعطى ذهبا عن فضة عند مالك، وقال سحنون: لا يجزئه، وهو وجه للشافعية، واختار ابن حبيب دفع القيمة إذا رآه أحسن للمساكين.

(3/348)


وكذا في الكفارات، وصدقة الفطر، والعشر، والنذر، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز اتباعا للمنصوص كما في الهدايا والضحايا، ولنا أن الأمر بالأداء إلى الفقير إيصال للرزق الموعود إليه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وكذا في الكفارة وصدقة الفطر والعشر والنذر) ش: أي وكذا يجوز دفع القيمة في الكفارة، وأراد بالكفارة المالية وإذا أدى نصف قفيز تمر جيد عن قفيز تمر رديء، وقل في النذر فإنه يجوز عند محمد وزفر، ولا يجوز عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله-.
وفي صدقة الفطر لو أدى نصف صاع من تمر عن صاع من شعير بطريق القيمة لا يجوز، وإذا غير المنصوص عن المنصوص يجوز في غير الربويات ذكره في " الجامع "، وكذا يجوز الاستبدال بالثمن والمنذور ولو عينه.
م (وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يجوز) ش: وبه قال داود، وأحمد، وبه قال مالك، إلا أنه قال: يجوز إخراج الذهب عن الفضة، والفضة عن الذهب.
م: (اتباعا للمنصوص) ش: يعني اتبع الشافعي اتباعا لعين النصوص وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «في خمس من الإبل شاة» ، في أربعين شاة شاة، وهذا بيان لما هو مجمل في الكتاب، فإن الإيتاء منصوص عليه والمأتي غير مذكور فيه، فالتحق الحديث بيانا لمجمل الكتاب، وكأنه قال: وآتوا الزكاة في أربعين شاة شاة، ولا يجوز التعليل لإبطال حق الفقير في العين؛ لأن الحق المستحق مراعى بصورته ومعناه، كما في حقوق العباد م: (كما في الهدايا والضحايا) ش: أي كما يتبع المنصوص في الهدايا والضحايا؛ لأنها مقدرة بأعيان معلومة شرعا فلا تتأدى بالقيمة.
م: (ولنا أن الأمر بالأداء إلى الفقير) ش: أي الأمر بأداء الزكاة إلى الفقير م: (إيصال) ش: أي لأجل الإيصال م: (للرزق الموعود إليه) ش: أي إلى الفقير؛ لقوله عز وجل: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] (سورة هود: الآية: 6) .
ولما أمر الغني بأدائها وهو حق الله إلى الفقير الذي هي حقه بحكم الوعد علم أن المقصود من الأمر بأدائها إيصال لذلك الرزق الموعود وكفاءته للفقير، فكما يحصل رزق الفقير وكفاءته بعين الشاة، يحصل بقيمتها بل هي أولى؛ لأنه يتوصل بعين الشاة إلى نوع من الكفاية وهو الأكل، وبقيمتها يتوصل إلى أنواع من الكفاية.
قلت: هكذا ذكر الشراح خصوصا الأترازي، فإنه أطنب في هذا الموضع، فللخصم أن يقول: في أخذ عين الشاة تحصل كفاية الأكل، وبيعها بعد الأخذ يحصل كل الأنواع بالكفاية، والأحسن أن يقول: إن التقييد على الكتاب بخبر الواحد لا يجوز بالاتفاق، ألا ترى أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «في خمس من الإبل شاة» وكلمة في حقيقة الظرف وعين الشاة لا توجد في الإبل فعرف أن المراد قدره من المال.

(3/349)


فيكون إبطالا لقيد الشاة فصار كالجزية، بخلاف الهدايا؛ لأن القربة فيها إراقة الدم وهو لا يعقل، ووجه القربة في المتنازع فيه سد خلة المحتاج وهو معقول،
وليس في العوامل، والحوامل والعلوفة صدقة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فيكون إبطالا لقيد الشاة) ش: أي فيكون الأمر بإيصال الرزق إبطالا لقيد الشاة المنصوص عليه، لا يقال ما قلتم فيه تقييد الشاة المنصوص عليها بالتعليل؛ لأنا نقول: لا نسلم ذلك، وإنما أراد بالنص القطعي الذي يوجبه أداء الرزق الموعود له بالآية المذكورة. م: (وصار كالجزية) ش: أي وصار الحكم كما ذكرنا كأداء القيمة في الجزية، فإنه يجوز بالاتفاق؛ لأنه أدى مالا متقوما عن الواجب فكذا تجوز القيمة في الزكاة لهذا المعنى.
م: (بخلاف الهدايا؛ لأن القربة فيها إراقة الدم) ش: هذا جواب عن قياس الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عدم جواز أخذ القيمة في الزكاة عنده على عدم جواز أخذ القيمة في الهدايا والضحايا فإنه متفق عليه. والجواب أن معنى القربة في الهدايا والضحايا فإنه إراقة الدم وهي لا تتقوم، فلا يقم شيء آخر مقام ذلك م: (وهو لا يعقل) ش: أي إراقة الدم غير معقولة ولا متقومة، فالمستحق إراقة الدم حتى لو هلك بعد الذبح قبل التصدق به لا يلزمه شيء. م: (ووجه القربة في المتنازع فيه) ش: وهو حكم أخذ القيمة في الزكاة م: (سد خلة المحتاج) ش: يعني سد احتياج الفقير م: (وهو معقول) ش: أي يدرك بالعقل فيتأتى فيه الضرر بالقيمة؛ لأن المقصود كفاءة الفقير. فإن قلت: لا نسلم ذلك، ولهذا لا يجوز أداؤها إلى الفقير الكافر وإلى الوالدين والولد، وإن كانوا فقراء. قلت: الشرع لم يأمر بالأداء إليهم.
فإن قلت: المراد بكفاية الفقير كفاية العمر أو كفاية الحال وكل منهما ممنوع أما الأول فظاهر، وأما الثاني فأداؤها يجوز إلى من له كفاية الحال، كمن له خادم ودار ومائتا درهم إلا درهم.
قلت: المقصود الكفاية الحاصلة بقدر الزكاة لا ذاك ولا ذاك فافهم.

م: (وليس في العوامل والحوامل والعلوفة صدقة) ش: أي زكاة الحوامل جمع حامل: وهي التي أعدت لحمل الأثقال كذا قاله الكاكي، وقال تاج الشريعة: جمع عاملة قال في " الطلبة ": العوامل المعدة للأعمال، والمعلوفة: بفتح العين ما يعلف من الغنم وغيرها، فالواحد والجمع سواء، والمعلوفة بالضم: جمع علف كذا قاله المطرزي يقال: علفت الدابة ولا يقال علفتها، والدابة معلوفة وعليف، كذا في " الجمهرة "، وعدم الزكاة في هذه المذكورات في مذهبنا، وهو قول عطاء، والحسن، وإبراهيم النخعي، وسفيان الثوري، وسعيد بن جبير، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد، وأبي ثور، وأبي عبيد، وابن المنذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ويروى ذلك عن عمر بن عبد العزيز - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكره في " الإمام "، وقال قتادة ومكحول ومالك - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: تجب الزكاة في المعلوفة والنواضح، واحتج بالعمومات وهي مذهب معاذ وجابر بن عبد الله وسعيد بن عبد

(3/350)


خلافا لمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - له ظواهر النصوص، ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس في الحوامل والعوامل ولا في البقرة المثيرة صدقة» ولأن السبب هو المال النامي، ودليله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
العزيز، والحسن بن صالح - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (خلافا لمالك) ش: فإنه أوجب الزكاة فيها لما ذكرنا م: (له) ش: أي لمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ظواهر النصوص) ش: لأن ظاهر قَوْله تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] (التوبة: الآية 103) ، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «في كل خمس ذود شاة» يقتضي وجوب الزكاة.
م: (ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس في الحوامل والعوامل ولا في البقرة المثيرة صدقة» ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهذا الحديث بهذا اللفظ غريب، وفي العوامل أحاديث منها ما رواه أبو داود من حديث زهير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حدثنا أبو إسحاق عن عاصم بن ضمرة، والحارث عن علي قال زهير: وأحسبه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «هاتوا زكاة ربع العشر» الحديث، وقال فيه «وليس على العوامل شيء» ورواه الدارقطني مجزوما، قال: ليس فيه: قال زهير: وأحسبه. وقال ابن القطان: هذا سند صحيح وكل من فيه ثقة معروف.
ورواه عبد الرزاق في "مصنفه " موقوفا فقال: قال أخبرنا الثوري، ومعمر، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «ليس في العوامل البقر صدقة» .
ومنها ما رواه الدارقطني من حديث طاوس عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعا: «ليس في البقر العوامل صدقة» وفي إسناده سوار بن مصعب نقل ابن عدي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تضعيفه عن البخاري والنسائي وابن معين ووافقهم، وقال: عامة ما يرويه غير محفوظ.
ومنها رواه الدارقطني أيضا، عن غالب بن عبيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرفوعا نحوه، وغالب لا يعتمد عليه. قال يحيى: ليس بثقة، وقال الرارزي: متروك.
وأما حديث المغيرة فرواه الدارقطني من حديث أبي الزبير أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ليس في المثيرة صدقة» قال البيهقي: إسناده ضعيف والصحيح أنه موقوف، ورواه عبد الرزاق في "مصنفه " عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر موقوفا، وقد مضى تفسير الحوامل والعوامل. وأما البقرة المثيرة فهي التي تثار بها الأرض أي تحرث، من الإثارة وهي التحريك والرفع.
م: (ولأن السبب) ش: أي سبب وجوب الزكاة م: (هو المال النامي ودليله) ش: أي دليل

(3/351)


الإسامة أو الإعداد للتجارة، ولم يوجد ولأن في العلوفة تتراكم المؤنة فينعدم النماء، معنى
ثم السائمة: هي التي تكتفي بالرعي في أكثر الحول حتى لو علفها نصف الحول أو أكثر كانت علوفة؛ لأن القليل تابع للأكثر ولا يأخذ المصدق خيار المال ولا رذالته، ويأخذ الوسط.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المال النامي م: (الإسامة) ش: بكسر الهمزة يقال: أسمت الماشية فسامت أي رعيتها فرعت، وبالإسامة تزداد الماشية سمنا، ولهذا أجل السوم بالحول؛ لأن النمو إنما يتحقق ذكرا ونسلا بالحول م: (أو الإعداد للتجارة) ش: بكسر الهمزة من أعددت الشيء، إذا هيأته، والمعنى أو دليله يهيأ المال للتجارة للأرباح م: (ولم يوجد) ش: أي واحد من الإسامة والإعداد للتجارة، فلم تجب الزكاة؛ لأن الحكم يدار على الدليل وهو معدوم.
م: (ولأن في العلوفة) ش: بفتح العين كما ذكرنا عن قريب م: (تتراكم المؤنة) ش: أي تتكاثر م: (فينعدم النماء معنى) ش: فلا تجب الزكاة، وفي " البدائع ": إن أسيمت للحمل أو للركوب أو اللحم فلا زكاة فيها، وإن أسيمت للتجارة ففيها زكاة التجارة، حتى لو كانت أربعا من الإبل أو أقل تساوي مائتي درهم تجب فيها خمسة، وإن كانت خمسة لا تساوي مائتي درهم لا تجب فيها الزكاة.
وإن أسيمت للدر والنسل ففيها زكاة السائمة. وفي " الذخيرة ": اشترى إبلا سائمة بنية التجارة وحال عليها الحول، تجب فيها زكاة التجارة دون زكاة السائمة، وأجمعوا على أنه لا يجمع بين زكاة السائمة وزكاة التجارة وهو قول الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.

م: (ثم السائمة هي التي تكتفي بالرعي في أكثر الحول حتى لو علفها نصف الحول أو أكثر كانت علوفة؛ لأن القليل تابع للأكثر) ش: لأن أصحاب السوائم لا يجدون بدا من أن يعلفوا سوائمهم في البرد والثلج، فجعل الأقل تابعا للأكثر، ولا خلاف أن السائمة في جميع الحول تجب فيها الزكاة، والعلوفة في جميع السنة لا تجب فيها الزكاة، وإنما الخلاف في الإسامة في أكثر الحول، فعندنا وأحمد وبعض أصحاب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -: لو علفت في نصف السنة أو أكثر كانت علوفة.
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصح: إن السوم شرط في جميع السنة، حتى لو ترك الإسامة في زمان لو لم يعلف فيه الحيوان يموت ينقطع السوم، وإذا ترك العلف في يوم أو يومين هل ينقطع أم لا؟ اختلف أصحابه فيه، فمنهم من قال: لا ينقطع لقلة المدة، ومنهم من قال: ينقطع كيفما يوجد العلف، ومنهم من قال: لو قصد العلف وقطع الإسامة ينقطع الحول، ولو كان العلف ساعة واحدة.
م: (ولا يأخذ المصدق) ش: وهو آخذ الزكاة م: (خيار المال ولا رذالته) ش: الرذالة: بضم الراء وتخفيف الذال المعجمة اسم جمع لرذل، وهو الدون من كل شيء م: (ويأخذ الوسط) ش: هذا

(3/352)


لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تأخذوا من حرزات أموال الناس، أي كرائمها، وخذوا من حواشي أموالهم» أي أوساطها ولأن فيه نظرا من الجانبين.
قال: ومن كان له نصاب فاستفاد في أثناء الحول من جنسه ضمه إليه وزكاه به.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مجمع عليه من أهل العلم، فقال الزهري - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا جاء المصدق قسم المال أثلاثا: ثلث خيار، وثلث أوساط، وثلث شرار، ويأخذ المصدق من الوسط رواه أبو داود، قوله -الشاة- جمع شياه، والمراد من الشرار المهازيل المغيرة، ومن الخيار السمان الجياد.
م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا تأخذوا من حرزات أموال الناس أي كرائمها، وخذوا من حواشي أموالهم، أي أوساطها) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، هذا الحديث بهذا اللفظ غريب، وروى البيهقي بعضه مرسلا عن هشام بن عروة، عن أبيه عروة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لمصدقه: "لا «تأخذ من حرزات أموال الناس شيئا، خذ الشارف والبكر وذوات العيب» ، ورواه ابن أبي شيبة عن حفص عن هشام به.
ورواه أبو داود في " المراسيل ": حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد عن هشام به.
قوله: من حرزات أموال الناس جمع حرزة بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي وبالراء، وهي خيار مال الرجل سميت حرزة؛ لأن صاحب المال يحرزها في نفسه، سميت به المرأة الواحدة من الحرز ولهذا أضيفت إلى النفس في حديث البيهقي.
قوله: الشارف، هي الهرمة، والبكر: بالفتح هو الصغير من الإبل بمنزلة الغلام من الناس. قوله: أوساطها، جمع وسط، وفي " المنتقى ": الأوساط على الأدون، وأدون الأعلى، وقيل: إذا كان عشرون من الضأن وعشرون من المعز أخذ الوسط، ومعرفته أن يقوم الوسط من المعز والضأن فتؤخذ شاة تساوي قيمة نصف كل واحد منهما، مثلا الوسط من المعز يساوي عشرة دراهم، والوسط من الضأن يساوي عشرين فتؤخذ شاة قيمتها خمسة عشر، ولو لم يكن فيها إلا واحدة وسط يجب فيها ما يجب في الأوساط، وإن لم يكن فيها وسط يعتبر أفضلها فيكون الواجب بقدره، وفي " الجامع الكبير ": ولو أخذ شاة سمينة تبلغ قيمتها شاتين وسطين يجوز؛ لأن الجودة في الحيوان مسقوطة، المنصوص عليه هو الوسط.
وفي " المجتبى ": لو كان في السوائم العمياء والعرجاء والعجاف تعد من النصاب لإطلاق الاسم، ولكن لا تؤخذ في الصدقة إلا أن تكون قيمة المعيب مثل قيمة الصحيح. م: (ولأن فيه نظرا من الجانبين) ش: أي ولأن في أخذ الوسط نظرا لجانبي الفقير وصاحب المال.

[كيفية زكاة المال المستفاد أثناء الحول]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن كان له نصاب فاستفاد في أثناء الحول من جنسه ضمه إليه) ش: أي ضم الذي استفاده إلى النصاب الذي معه م: (وزكاه به) ش: أي زكى الذي استفاده بالنصاب الذي معه والمستفاد على نوعين؛ الأول: أن يكون من جنسه كما إذا كانت له إبل فاستفاد إبلا في أثناء الحول يضم المستفاد إلى الذي عنده فيزكي عن الجميع.

(3/353)


وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يضم؛ لأنه أصل في حق الملك فكذا في وظيفته، بخلاف الأولاد والأرباح، لأنها تابعة في الملك حتى ملكت بملك الأصل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والثاني: أن يكون من غير جنسه كما إذا كان له إبل واستفاد بقرا أو غنما في أثناء الحول لا يضم إلى الذي عنده بالاتفاق بل يستأنف له نوع آخر. والنوع الأول على نوعين أيضا، أحدهما: أن يكون المستفاد من الأصل كالأولاد والأرباح فإنه يضم بالإجماع. والثاني: أن يكون مستفادا بسبب مقصود كالموروث والمشترى والموهوب ونحوها فإنه يضم عندنا.
م: (وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يضم) ش: وبه قال أحمد، وقال النووي في " شرح المهذب ": إن المستفاد في أثناء الحول بشراء أو هبة أو إرث أو نحوها مما يستفاد لا يضم إلى ما عنده في الحول بلا خلاف، ويضم إليه في النصاب على المذهب. وفيه وجه أنه لا يضم كالحول، وإذا كان المستفاد دون النصاب ولا يبلغ النصاب الثاني ما تعلق به الزكاة وإن كان دون نصاب وبلغ النصاب الثاني، بأن ملكت ثلاثين بقرة ستة أشهر ثم اشترى عشرا فعليه بعد تمام الحول في الثلاثين تبيع، وعند تمام حول العشرة ربع مسنة.
وعند ابن شريح: لا ينعقد حول العشرة حتى يتم حول الثلاثين ثم يستأنف حول الجميع انتهى.
وقال مالك: إذا كمل النصاب بالأولاد قبل مجيء الساعي زكى، والوجوب عنده بمجيء الساعي لا بحولان الحول، وخالفه الأئمة، وإن استفاد من غير الأمهات لا يضم، وقال ابن حزم: لا حكم للشافعي في الوجوب ردا على مالك وأبي ثور.
ونص الشافعي في " الأم " والقديم، قال: ثم تناقضوا قالوا: إن أبطأ عاما أو عامين لم يسقط الفرض ووجب أخذها لكل عام، وحكى العبدري عن الحسن البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ - والنخعي أن السخال لا تضم إلى الأمهات، بل حولها من وقتها لولادتها، وقال الشعبي وداود: لا زكاة في السخال، ولا ينعقد عليها الحول.
م: (لأنه أصل في حق الملك) ش: أي ولأن المستفاد أصل لأنه ملك بغير السبب الذي ملك النصاب الآتي م: (فكذا وظيفته) ش: وهي وجوب الزكاة م: (بخلاف الأولاد والأرباح) ش: يعني تضم الأولاد والأرباح؛ (لأنها تابعة في الملك حتى ملكت بملك الأصل) ، وملكت على صيغة المجهول، والأصل هو الأمهات والمال الذي حصل منه الربح.
فإن قلت: ما تقول في الحديث الذي استدل به الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواه الترمذي وقال: حدثنا يحيى بن موسى، حدثنا هارون بن صالح الطلحي المديني، حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من استفاد مالا فلا

(3/354)


ولنا أن المجانسة هي العلة في الأولاد والأرباح؛ لأن عندها يتعسر التمييز فيتعسر اعتبار الحول لكل مستفاد وما شرط الحول إلا للتيسير
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
زكاة عليه حتى يحول عليه الحول» . وفي الحديث الذي رواه ابن ماجه من حديث عمرة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول» .
قلت: أما حديث ابن عمر فإنه ضعيف؛ لأن فيه عبد الرحمن بن زيد، قال الترمذي: وهو ضعيف في الحديث ضعفه أحمد بن حنبل - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعلي بن المديني وغيرهما من أهل الحديث وهو كثير الغلط. وقال الترمذي أيضا: وروى أيوب وعبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وغير واحد عن نافع عن ابن عمر موقوفا.
قلت: انفرد الترمذي بإخراج هذا الحديث، وانفرد أيضا بالموقوف.
وأما حديث ابن ماجه ففيه حارثة بن محمد، وقال أحمد: ليس بشيء، وقال يحيى: ثقة ولو ثبت لما كان مخالفا لمذهبنا؛ لأن حول الأصل حول الزيادة حكما. قالوا: في الأولاد والأرباح والزيادة في البدن بالسمن.
م: (ولنا أن المجانسة هي العلة في الأولاد والأرباح) ش: يعني في الضم وهو موضع الإجماع
م: (ولأن عندها) ش: أي عند المجانسة م: (يتعسر التمييز فيتعسر اعتبار الحول لكل مستفاد، وما شرط الحول إلا للتيسير) ش: لأن المستفاد مما يكثر وجوده ولا يمكن مراعاة الحول عند كل مستفاد إلا بعد ضبط أحوال ذلك في الكمية والكيفية والزمان، وفي ضبط هذه الجملة عند الكثرة حرج؛ خصوصا إذا كان النصاب دراهم وهو صاحب غلة يستفيد كل يوم درهما أو درهمين أو غير ذلك، كذا في " مبسوط شيخ الإسلام ".
وفي " المستصفى ": اعتبار الحول في المستفاد يؤدي إلى العسر فيعود على موضوعه بالنقص واستدل الأترازي لأصحابنا بقوله: قلنا إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أوجب في خمس وعشرين من الإبل بنت مخاض إلى خمس وثلاثين، فإذا زادت واحدة ففيها بنت لبون ولم يفصل بين الزيادة في أول الحول أو في أثنائه وأطال الكلام فيه.
قلت: الذي يتصدى لشرح كتاب ينبغي أن يتتبع متن هذا الكتاب كله كلمة كلمة حتى يستفيد الناظر في هذا الشرح، وإلا لا يستفيد شيئا أصلا، ويحير؛ لأن المتن في ناحية والشرح في

(3/355)


قال: والزكاة عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- في النصاب دون العفو، وقال محمد وزفر -رحمهما الله- فيهما حتى لو هلك العفو، وبقي النصاب بقي كل الواجب عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله-، وعند محمد وزفر -رحمهما الله- يسقط بقدره.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ناحية.
ثم قال الأترازي:
فإن قلت: قد صح في الحديث وقد ذكر الحديث الذي ذكرناه عن ابن عمر وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ثم طوى الكلام من تعرض لمتن الكتاب فسبحان الله كيف قال: قد صح، والحال أنه لم يصح كما ذكرناه. واحتج السروجي بقوله: ولنا ما رواه الترمذي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن من السنة شهرا تؤدون فيه زكاة أموالكم، فما حدث بعد ذلك فلا زكاة فيه حتى يجيء رأس الشهر» ، ثم قال: وقال سبط ابن الجوزي: رواه الترمذي بمعناه، وقيل: إنه موقوف على عثمان.
وقال الكاكي: أيضا ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اعلموا أن من السنة شهرا تؤدون فيه زكاة أموالكم» الحديث، ثم قال: رواه الترمذي، وجزم بذلك ولم أره في الترمذي، والعجب من هؤلاء يستدلون بحديث فيما يتعلق بالمذهب، ولا يذكرون غالبا من رواه من الصحابة ولا يكشفون حاله، ولا من أخرجه مع دعاوي بعضهم علم الحديث.
ثم اعلم أن مذهبنا في هذا الباب هو قول عثمان وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، والحسن البصري، والثوري، والحسن بن صالح، قال في " المغني ": وهو قول مالك في السائمة.

م: (قال) ش: أي القدوري م: (والزكاة عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- في النصاب دون العفو) ش: يعني إذا اجتمع في المال نصاب وعفو يتعلق الوجوب بالنصاب دون العفو عندهما، وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الجديد ومالك وأحمد، واختاره المزني.
م: (وقال محمد وزفر فيها) ش: أي الزكاة في النصاب والعفو جميعا، وبه قال الشافعي في القديم م: (حتى لو هلك العفو وبقي النصاب بقي كل الواجب عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: هذا نتيجة قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وكان ينبغي أن يذكر هذا قبل قوله - وقال محمد وزفر فيهما-: والعفو هو الذي يزيد بين نصاب ونصاب؛ لأنه لا يخلو عن الوجوب.
م: (وعند محمد وزفر يسقط بقدره) ش: أي بقدر العفو، صورته: رجل له ثمانون شاة، فحال الحول عليها، فهلك أربعون بقيت الشاة الواجبة عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- صرفا للهلاك إلى العفو، وعند محمد وزفر -رحمهما الله- يبقى نصف الواجب صرفا للهلاك إلى الكل شائعا.

(3/356)


لمحمد وزفر -رحمهما الله- أن الزكاة وجبت شكرا لنعمة المال والكل نعمة، ولهما قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «في خمس من الإبل السائمة شاة وليس في الزيادة شيء حتى تبلغ عشرا» وهكذا قال في كل نصاب، ونفي الوجوب عن العفو، ولأن العفو تبع للنصاب فيصرف الهلاك أولا إلى التبع، كالربح في مال المضاربة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لمحمد وزفر أن الزكاة وجبت شكرا لنعمة المال والكل نعمة) ش: فيتعلق الوجوب بالكل؛ لأن الشارع أخبر في قوله: في خمس من الإبل شاة إلى تسع أن الواجب في الكل؛ لأنه حد الوجوب إلى التسع.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- م: (قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «في خمس من الإبل السائمة شاة وليس في الزيادة شيء حتى تبلغ عشرا» ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد تقدم في كتاب عمر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب كتاب الصدقة، وكان فيه: «في خمس من الإبل شاة» ، أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وتقدم في كتاب أنس عند البخاري: «في خمس ذود شاة» .
قوله- وليس في الزيادة شيء حتى تبلع عشرا- ليس من الحديث المذكور، وإنما روى معناه أبو عبيد القاسم بن سلام، حدثنا يزيد بن هارون، عن حبيب، عن عمرو بن حزم، عن محمد بن عبد الرحمن الأنصاري أن في كتاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكتاب عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الصدقات أن الإبل إذا زادت على عشرين ومائة فليس فيما دون العشرين شيء، يعني حتى تبلغ ثلاثين ومائة.
م: (وهكذا قال في كل نصاب) ش: لم يثبت هذا من الحديث المذكور، ولا من غيره، وهذا إنما ذكره جمال الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ - في تخريجه ببعض موضعه م: (ونفي الوجوب عن العفو) ش: أي نفى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجوب الزكاة عن العفو وهو الوقص. وفي " الذخيرة ": الوقص لا شيء فيه، وذكر سنده في الطبراني لمالك والشافعي في تعلق الزكاة بالوقص قولان، والأصح عند الشافعية والمالكية تعلقها بالنصاب دون الوقص، وهذا نصه في القديم وأكثر كتبه الجديدة.
وقال البويطي من كتبه الجديدة: يتعلق بالجميع، وقال في " مغني الحنابلة ": يتعلق بالنصاب دون الوقص عند أصحابنا م: (ولأن العفو تبع للنصاب فيصرف الهلاك أولا إلى التبع) .
ش: ولأن العفو زائد على النصاب وتبع له، والأصل هو النصاب فيصرف الهالك فيه إلى التبع الزائد م: (كالربح في مال المضاربة) ش: فإن الهالك منه أولا يصرف إلى الربح، ثم إلى رأس المال، ووجه الشبه كون النصاب ومال المضاربة أصلين وإلا العفو والربح تبعان، فصرف الهالك إلى التابع أولى.

(3/357)


ولهذا قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يصرف الهلاك بعد العفو إلى النصاب الأخير، ثم إلى الذي يليه إلى أن ينتهي؛ لأن الأصل هو النصاب الأول، وما زاد عليه تابع. وعند أبي يوسف يصرف إلى العفو أولا، ثم إلى النصاب شائعا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولهذا قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي ولكون النصاب أصلا والعفو الذي هو الوقص تبعا م: (يصرف الهلاك بعد العفو إلى النصاب الأخير، ثم إلى الذي يليه إلى أن ينتهي) ش: أي النصاب الأول، وثمرة الخلاف تظهر فيمن ملك تسعا من الإبل فحال عليها الحول، فهلك منها أربع تجب شاة عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- ويصرف الهلاك إلى الأربع والوقص.
وعند محمد وزفر -رحمهما الله-: تجب خمسة أتساع الشاة الواجبة، ويسقط أربعة أتساعها، وهكذا فرضت الشافعية والمالكية والحنابلة في كتبهم، وفيه تفصيل عندهم فإن هلكت خمس فعندهما سقط خمس شياه، وعند محمد وزفر تسقط خمسة أتساع شاة، ولو حال على ثمانين شاة فهلك منها أربعون تجب شاة عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمد وزفر تجب نصف شاة.
ولو كانت مائة وعشرين فهلك منها ثمانون تجب شاة عند أبي حنيفة، وأبي يوسف، كأن الحول حال على ما بقي، وعند محمد، وزفر تجب ثلث شاة، ويسقط ثلثاها بهلاك الثمانين، ولو كانت مائة وإحدى وعشرين شاة فهلكت الأربعين تجب شاة عند أبي حنيفة، وأبي يوسف، ويصرف الهلاك إلى النصاب الأخير، ثم وثمَّ حتى ينتهي إلى النصاب الأول، كذا ذكره محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولم يذكر قول نفسه ولا قول زفر، وقياس قولهما أن يجب أربعون جزءا من مائة وإحدى وعشرين جزءا من شاتين.
وذكر أبو يوسف قول نفسه في الأمالي مثل قول محمد وزفر، ومن مشايخنا من ذكر قول أبي يوسف مع قول أبي حنيفة في هذه المسألة كما ذكره في الجامع، والأول أصح، وإليه مال الكرخي، والقاضي، وأبو حازم.
م: (لأن الأصل هو النصاب الأول وما زاد عليه تابع) ش: أي لأن الأصل في وجوب الزكاة هو النصاب الأول، ولهذا لو عجل الزكاة عن نصب كثيرة، وفي ملكه نصاب واحد جاز، فثبت أن النصاب الأول هو الأصل فيصرف الهالك إلى التابع.
م: (وعند أبي يوسف يصرف إلى العفو أولا، ثم إلى النصاب شائعا) ش: أي ثم يصرف إلى النصب من حيث الشيوع، أما الصرف إلى العفو أولا فلصيانة الواجب عن السقوط. وأما الصرف إلى النصب شائعا؛ لأن الملك سبب، وليس في صرف الهلاك إلى البعض صيانة الواجب بيانه: أن من له خمسة وثلاثين من الإبل حال عليها الحول فهلك منها خمسة فعند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الباقي أربع شياه، وما هلك صار كأن لم يكن، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في

(3/358)


وإذا أخذ الخوارج الخراج وصدقة السوائم لا يثني عليهم؛ لأن الإمام لم يحمهم والجناية بالحماية، وأفتوا بأن يعيدوها دون الخراج فيما بينهم وبين الله عز وجل؛ لأنهم مصارف الخراج لكونهم مقاتلة.
والزكاة مصرفها الفقراء فلا يصرفونها إليهم، وقيل: إذا نوى بالدفع التصدق عليهم سقطت عنه، وكذا ما دفع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الباقي أربعة أخماس ابنة مخاض، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الباقي أربعة أسباع ابنة مخاض؛ لشيوع الواجب في الكل.

[الحكم لو أخذ الخوارج الخراج وصدقة السوائم]
م: (وإذا أخذ الخوارج الخراج) ش: هم قوم مسلمون خرجوا عن طاعة الإمام العدل، بحيث يستحلون قتل غير العادل وماله بتأويل القرآن ودانوا ذلك، وقالوا: من أذنب صغيرة أو كبيرة فقد كفر بالله عز وجل وحل قتله إلا أن يتوب، وتمسكوا بظاهر قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} [الجن: 23] الآية (سورة الجن الآية: 23) ، كذا في " الفوائد الظهيرية ".
م: (وصدقة السوائم) ش: أي وأخذوا زكاة السوائم من الإبل والبقر والغنم م: (لا يثني عليهم) ش: أي لا يؤخذ منهم ثانيا م: (لأن الإمام لم يحمهم) ش: لأنها يؤخذ، باعتبار الحمأة.
ولهذا قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - للساعي: إن كنت لم تحمهم فلا تجبهم، وقد ضيعهم الإمام حيث لم يحمهم عن أهل البغي فلا تؤخذ منهم ثانيا م: (والجباية بالحماية) ش: أي جباية السعاة بسبب حمايتهم أي حفظهم، والجباية من جبي المال أي جمعه ومنه سمي جباية الأوقاف، وهذا الذي ذكره في حق أصحاب السوائم، وأما التاجر إذا مر على عاشر من أهل البغي فعشره، ثم مر على عاشر أهل العدل فعشره ثانيا؛ لأن صاحب المال هو الذي عرض ماله عليه فلم يعذر.
م: (وأفتوا) ش: على صيغة المجهول، وأصله أفتيوا من الإفتاء استثقلت الضمة على الياء، فنقلت إلى ما قبلها بعد سلب حركة ما قبلها، فالتقى ساكنان: الياء والواو فحذفت الياء لدلالة الواو على الجمع والمعنى المفتي، يقول لهم م: (بأن يعيدوها) كلمة أن مصدرية أي بإعادتها م: (فيما بينهم وبين الله عز وجل) ش: لأنهم لا يصرفونها مصارف الصدقات م: (دون الخراج) ش: يعني لا يفتون بإعادة الخراج م: (لأنهم) ش: أي لأن الخوارج م: (مصارف الخراج لكونهم مقاتلة) ش: لأنهم يقاتلون أهل الحرب.

م: (والزكاة مصرفها الفقراء) ش: هذا كأنه جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: ما معنى تعين لهم بإعادة الزكاة دون الخراج؟ فأجاب بقوله: والزكاة مصرفها الفقراء م: (فلا يصرفونها إليهم) أي إلى الفقراء.
م: (وقيل) ش: قائله الفقيه أبو جعفر فإنه قال م: (إذا نوى بالدفع التصدق عليهم سقطت عنه) ش: أي سقطت الزكاة عن الدافع م: (وكذا ما دفع) ش: وكذا الحكم في دفع الزكاة بالسقوط

(3/359)


إلى كل جائر لأنهم بما عليهم من التبعات فقراء والأول أحوط،
وليس على الصبي من بني تغلب في سائم شيء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (إلى كل جائر) ش: أي ظالم من الملوك وأصحاب الشوكة م: (لأنهم بما عليهم من التبعات) ش: أي المظالم والحقوق التي عليهم كالديون والغصب ونحوها، جمع تبعة بفتح التاء وكسر الباء.
م: (فقراء) ش: لأن ما في أيديهم أموال الناس، ولو ردوا ما عليهم إلى أربابها لم يبق في أيديهم شيء فهم بمنزلة الفقراء حتى قال محمد بن سلمة: يجوز أخذ الصدقة لعلي بن عيسى بن يوسف بن هامان والي خراسان، وكان أمير بلخ وجبت عليه كفارة يمين، فسأل الفقهاء عما يكفر به، فأفتوا له بالصيام ثلاثة أيام.
م: (والأول أحوط) ش: أي القول الأول وهو إعادة الصدقة دون الخراج هو الأحوط؛ لما أن فيه الخروج عن العهدة بيقين، وكذلك كلما يؤخذ من الجبايات إذا نوى عند الدفع من عشره وزكاته جاز.
وفي " الجامع الصغير " لقاضي خان: وكذا السلطان إذا صادر رجلا وأخذ منه أموالا فنوى صاحب المال الزكاة عند الدفع سقطت عنه الزكاة، وكذلك إذا أوصى بثلث ماله للفقراء فدفع للسلطان الظالم جاز.
وقال الشهيد: هذا في صدقات الأموال الظاهرة.
وأما إذا صادره السلطان ونوى مراد الزكاة إليه فعلى قول طائفة يجوز، والصحيح أنه لا يجوز؛ لأنه ليس للظالم ولاية أخذ زكاة الأموال الباطنة.

[بني تغلب هل تلزمهم الزكاة]
م: (وليس على الصبي من بني تغلب في سائم شيء) ش: قيد بقوله في سائمة؛ لأن العشر يؤخذ منهم مضاعفا. وتغلب بفتح التاء المثناة من فوق، وسكون الغين المعجمة، وكسر اللام، وبني تغلب من نصارى العرب بقرب الروم فلما أراد عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن يوظف عليهم الجزية، قالوا: نحن من العرب نأنف أداء الجزية، فإن وظفت علينا الجزية لحقنا بأعدائك من الروم، وإن رأيت أن تأخذ شيئا مما يأخذ بعضكم من بعض فضعفه علينا. فشاور عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الصحابة، وكان الذي بينه وبينهم كردوس التغلبي، فقال: يا أمير المؤمنين صالحهم، فصالحهم عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على ذلك وقال: هذه جزية فسموها ما شئتم فوقع الصلح على ضعف ما يؤخذ من المسلمين، ولم يتعرض لهذا الصلح بعده عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فلزم أول الأمة وآخرها.
وقال محمد في " النوادر ": وكان صلحه ضعيفا ولكن بابه كالإجماع، وبقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ألا إن ملكا ينطق على لسان عمر» - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أينما دار عمر الحق

(3/360)


وعلى المرأة منهم ما على الرجل؛ لأن الصلح قد جرى على ضعف ما يؤخذ من المسلمين، ويؤخذ من نساء المسلمين دون صبيانهم، وإن هلك المال بعد وجوب الزكاة سقطت الزكاة، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضمن إذا هلك بعد التمكن من الأداء؛ لأنه الواجب في الذمة فصار كصدقة الفطر، ولأنه منعه بعد الطلب فصار كالاستهلاك، ولنا أن الواجب جزء من النصاب؛ تحقيقا للتيسير
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
معه يدور» ثم إن الصبي التغلبي إذا كانت له سائمة من الإبل والبقر والغنم لا يجب عليه فيها شيء؛ لأنها من جملة العهد، على أن يضعف عليهم ما يؤخذ من المسلمين، فالصبيان من المسلمين لا تؤخذ منهم زكاة، فكذلك لا تؤخذ من صبيانهم.

م: (وعلى المرأة منهم ما على الرجل) ش: أي يجب على المرأة من الزكاة بالضعف مما على الرجل منهم م: (لأن الصلح قد جرى على ضعف ما يؤخذ من المسلمين ويؤخذ من نساء المسلمين دون صبيانهم) ش: وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه لا يؤخذ من نسائهم، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وزفر وهو قول الثوري أيضا.
وقال الكرخي: وهو الأقيس؛ لأنها بدل الجزية ولا جزية على النساء.
وقال أبو بكر الرازي: لا يحفظ عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيهم شيء، ويجب العشر مضاعفا على صبيانهم؛ لأنه مؤنة. م: (وإن هلك المال بعد وجوب الزكاة سقطت الزكاة) ش: وبه قال الثوري، وأبو ثور، وداود، وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في رواية إذا لم يمنعها.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يضمن إذا هلك بعد التمكن من الأداء؛ لأنه الواجب في الذمة فصار كصدقة الفطر) ش: لأنه إذا تمكن يتقرر الوجوب عليه، فإذا تلف فقد عجز عن الأداء، فبقي عليه كما في ديون العباد وصدقة الفطر م: (لأنه منعه بعد الطلب) ش: لأنه مطالب شرعا. م: (فصار كالاستهلاك) ش: لأنه لما كان مطلوبا ومنعه فصار كأنه استهلكه.
م: (ولنا أن الواجب) ش: أي الواجب عليه في الزكاة م: (جزء من النصاب) ش: أي يتعلق الوجوب بعين النصاب لا بالذمة، وهذا بناء على أن الزكاة تجب في العين أو في الذمة، فعندنا تجب في العين وهو المشهور من مذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي قوله الآخر: تجب في الذمة والعين مرتهنة بها.
م: (تحقيقا للتيسير) ش: أي لأجل تحقيق التيسير بأن يكون الواجب من غير النصاب؛ إذ الإنسان إنما يخاطب بما يقدر عليه وهو قادر على أداء الزكاة عن النصاب لا عن مال مطلق؛ لجواز أن لا يكون له غير ذلك لا سيما أرباب المواشي، فإنهم يسكنون في المفاوز ولا يقدرون على تحصيل الذهب والفضة؛ لبعدهم عن البلاد ونزوحهم عن الأسواق، وإذا كان الواجب جزءا من

(3/361)


فيسقط بهلاك محله كدفع العبد الجاني بالجناية يسقط بهلاكه، والمستحق فقير يعينه المالك ولم يتحقق منه الطلب، وبعد طلب الساعي قيل: يضمن وقيل: لا يضمن لانعدام التفويت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
النصاب فيسقط بهلاك النصاب؛ لفوات الجزاء بفوات العمل.
م: (فيسقط بهلاك محله) ش: لأن المأمور به إخراج الجزء فلا يتصور بدون محله وهو النصاب م: (كدفع العبد الجاني بجنايته يسقط بهلاكه) ش: هذا تمثيل لسقوط الحق بفوات محله، كما إذا جنى عبد جناية فقبل دفع مولاه إياه فمات العبد يسقط حق ولي الجناية لموت العبد لفوات محله.
وكذلك العبد المديون إذا جنى، والشقص الذي فيه الشفعة، ولو صار بحرا بطل حق الشفيع وتثبت البراءة عندنا، لا لعجز المأمور به عن الأداء ولكن لفوات المحل الذي أضيف إليه فلا يبقى بدونه فلا يضمن.
م: (والمستحق فقير) ش: هذا جواب عن قول الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ولأنه منعه بعد الطلب يعني المستحق للزكاة فقير؛ لأنه من المصارف لكنه هو الفقير الذي يعينه المالك م: (للدفع) ش: يعني ليس المستحق كل فقير، وإنما يتعين بتعيين المالك م: (ولم يتحقق منه الطلب) ش: أي من الفقير الذي يعينه ولم يكن الهلاك بعد طلب المستحق فلا يكون تعديا، فلا يضمن بخلاف ما إذا استهلكه؛ لأنه دخل في ضمانه فصار دينا في ذمته فلا يسقط.
م: (وبعد طلب الساعي قيل يضمن) ش: يعني إذا هلك النصاب بعد طلب الساعي قيل: يضمن الزكاة، والقائل به هو الشيخ أبو الحسن الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه أمانة عنده وقد هلكت بعد طلب من يملكه المطالبة فيضمن، كما إذا طلب صاحب الوديعة فمنعها المودع مع إمكان الأداء.
م: (وقيل لا يضمن) ش: القائل بعدم الضمان أبو طاهر الدباس وأبو سهل الزجاجي، وفي " المبسوط " مشايخنا يقولون: لا يضمن وهو الأصح.
وفي " المفيد والمزيد ": هو الصحيح، وفي " البدائع " ومشايخ ما وراء النهر قالوا: لا يضمن وهو الأصح. وجه عدم الضمان هو قوله م: (لانعدام التفويت) ش: لأن المالك كان مخيرا في إعطاء العين أو قيمتها فله أن يؤخر الدفع لتحصيل الفرض.
وفي " المبسوط " إذا حبس سائمة بعدما وجبت الزكاة حتى ماتت لم يضمنها، وليس مراده بهذا الحبس أن يمنعها العلف والماء فإن ذلك استهلاك وبه يصير ضامنا، إنما مراده أنه حبسها ليؤدي من محل آخر؛ لأنه مخير بين الأداء من السائمة أو من غيرها فلا يصير ضامنا.

(3/362)


وفي الاستهلاك وجه التعدي، وفي هلاك البعض يسقط بقدره اعتبارا له بالكل،
وإن قدم الزكاة على الحول وهو مالك للنصاب جاز؛ لأنه أدى بعد سبب الوجوب فيجوز كما إذا كفر بعد الجرح، وفيه خلاف مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وفي الاستهلاك وجه التعدي) ش: هذا جواب عن قول الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فصار كالاستهلاك أراد أن قياسه الهلاك على الاستهلاك غير صحيح؛ لأنه في الاستهلاك متعد بخلاف الهلاك م: (وفي هلاك) ش: أي وفي هلاك القدر م: (البعض يسقط بقدر) ش:.
أي وفي هلاك بعض النصاب يسقط من الزكاة بقدر الهالك م: (اعتبارا له بالكل) ش: يعني اعتبار الهالك الجزء بهلاك الكل، أراد أنه إذا هلك كل النصاب كأن يسقط كل الواجب فكذلك إذا هلك بعض النصاب يسقط بعض الواجب اعتبارا للبعض بالكل. ولو أزال النصاب بغير عوض كالهبة أو بعوض ليس بمال كالأمهار، وبدل الصلح عن دم العمد، والخلع، ونحوها صار مستهلكا ضامنا. بقي العوض في يده أولا، ولو رجع في الهبة بقضاء زال الضمان وكذا بغير قضاء على الأصح، ولو اشترى بالمال الحولي عبدا للخدمة، ثم رده بالعيب بقضاء أو بغير قضاء، واسترده لا يزول الضمان.

[حكم تقديم الزكاة على الحول]
م: (وإن قدم الزكاة على الحول وهو مالك للنصاب جاز) ش: بأن قدم المالك الزكاة قبل حولان الحول والحال أنه مالك لقدر النصاب جاز تقديمه م: (لأنه أدى بعد سبب الوجوب فيجوز) ش: سبب الوجوب هو النصاب ولأنه حق يؤجل كالدين المؤجل، وبقولنا: قال الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وهو قول الحسن البصري، والنخعي، والزهري، والثوري، والشعبي، ومجاهد، والحاكم، وابن أبي ليلى، وسعيد بن جبير، والحسن بن حي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (كما إذا كفر بعد الجرح) ش: قيد الموت لوجود السبب وهو الجرح.
م: (وفيه خلاف مالك) ش: أي وفي تقديم الزكاة قبل حولان الحول خلاف لمالك، فإن عنده لا يجوز، وبه قال ربيعة وداود وابن المنذر والليث بن سعد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وحكي عن محمد بن سيرين، والحسن البصري، وعند المالكية قول آخر، وهو التعجيل به على السنة فعن بعضهم يجوز التعجيل بيومين، وعن ابن حبيب بعشرة أيام.
وعن ابن القاسم - رَحِمَهُ اللَّهُ - بشهر، وقيل: بخمسة عشر يوما؛ لأن الأداء إسقاط الواجب ولا يتصور الإسقاط قبل الوجود، كأداء الظهر قبل وقته، وبهذا استدل الشراح لأصحابنا، فقال الأترازي: لنا ما روى الشيخ أبو الحسين القدوري أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: استسلف من العامل زكاة عامين.
وقال الكاكي: ولنا ما روي أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - استسلف من العباس زكاة سنتين، وهو ما روى الترمذي، وأبو داود، عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن العباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سأل

(3/363)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن تعجيل زكاته قبل أن يحول الحول مسارعة إلى الخير، فأذن له في ذلك» وقال السغناقي: ولنا ما روي عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه استسلف من العباس صدقة العامين.
قلت: أما الأترازي فإنه أحال الأحاديث على القدوري، ولم يذكر شيئا غير ذلك. وأما الكاكي فإنه ذكر الحديث ونسبه إلى الترمذي وأبي داود ولفظهما ليس كذلك.
أما لفظ الترمذي فإنه قال: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن قال: أنا سعيد بن منصور قال: حدثنا إسماعيل بن زكريا عن الحجاج بن دينار، عن الحكم بن عيينة، عن عبيد بن عدي، عن علي «أن العباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - سأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن تعجيل صدقته قبل أن تحل فرخص له في ذلك.»
وروي أيضا بإسناد آخر عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «إنا قد أخذنا زكاة العباس عام الأول للعام» .
وأما لفظ أبي داود فكلفظ الترمذي.
وأما الذي ذكره السغناقي فأخرجه البزار والطبراني في " الكبير والأوسط " بإسناده عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تعجل من العباس صدقة سنتين» وفي إسناده محمد بن ذكوان ضعفه البخاري والنسائي والدارقطني، وقواه ابن حبان، وقال السغناقي: عندنا يجوز التعجيل ولكن بين الأداء معجلا وبين الأداء في آخر الحول فرق، وهو أن في المعجل يشترط أن لا ينقص النصاب في آخر الحول وفي الأداء، في آخر الحول لا يشترط بيانه أنه إذا عجل شاة من أربعين فحال عليها الحول وعنده تسعة وثلاثون فلا زكاة عليه حتى إنه إذا كان صرف للفقراء وقعت نفلا.
وإن كانت قائمة في يد الإمام أو الساعي أخذها، وإن باعها الإمام ضمنها، وأما إذا كان أدركه في آخر الحول فتقع عن الزكاة وإن انتقص النصاب بأدائه، وفي " الإيضاح ": لو انتقص النصاب في آخر الحول فلصاحب المال أن يأخذها من الساعي إن كان قائما، وكذا إن باعه الساعي إن كان قائما وإن أداه إلى الفقير يقع نفلا، وكذا في " الزيادات " وفيه لو باعه للفقراء ثم لم يتصدق بثمنه ورد عليه الثمن، ولو دفعه الإمام إلى فقير فأيسر قبل الحول أو مات أو ارتد جاز عن الزكاة.
وقال الشافعي وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: يسترجع ما أدى من الساعي إن كان باقيا وإن كان هالكا لطالبه بقيمته ولو دفعه الساعي إلى الفقير استرجع من الفقير إن كان باقيا وإن كان هالكا لزم الساعي قيمته يوم الدفع في أظهر الوجهين وهو قول أحمد، وفي وجه لزمته قيمته يوم التلف، ولو عجل الزكاة بنفسه إلى فقير فمات الفقير أو ارتد قبل تمام الحول لم يجز عن الزكاة

(3/364)


ويجوز التعجيل لأكثر من سنة لوجود السبب، ويجوز لنصب إذا كان في ملكه نصاب واحد، خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن النصاب الأول هو الأصل في السببية، والزائد عليه تابع له والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ويسترجع ما دفع إليه ولو استغنى الفقير من جهة الزكاة قبل الحول يسترجع.
وإن استغنى من جهة الزكاة لا يسترجع كذا في " الحلية "، وفي " الزيادات ": لو كان عنده دراهم ودنانير وعروض فجعل زكاة جنس منها سنين فهلك جاز التعجيل عن الباقين؛ لأن الجميع جنس واحد، ولهذا يكمل نصاب أحدهما بالآخر، وأما في السوائم المختلفة لا يقع عن الآخر، وعن أبي يوسف جاز تعجيل العشر بعد الزراعة، وهو قول علي بن أبي هريرة من أصحاب الشافعي، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز حتى ينبت.
م: (ويجوز التعجيل لأكثر من سنة) ش: وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في وجه، وفي وجه لا يجوز. وقال صاحب الوجيز: والوجه الأول أصح م: (لوجود السبب) ش: وهو النصاب وقال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز أكثر من سنتين وفي السنتين عنه روايتان. م: (ويجوز) ش: أي التعجيل م: (لنصب) ش: بضمتين وهو جمع نصاب يعني إذا عجل عن نصب كثيرة يجوز عندنا م: (إذا كان في ملكه نصاب واحد خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبقوله قال الشافعي وأحمد -رحمهما الله.
وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز التعجيل إلا عن النصاب الموجود في ملكه حتى إذا كان له خمس من الإبل فعجل أربع شياه ثم تم الحول وفي ملكه عشرون من الإبل عندنا يجوز التعجيل عن الكل، وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز إلا عن زكاة الخمس؛ لأنه عجل زكاة ما ليس في ملكه فلا يجوز.
م: (لأن النصاب الأول هو الأصل في السببية والزائد عليه تابع له) ش: أي النصاب الأول فيكون حكم التابع كحكم المتبوع؛ لأن الأداء بعد تقرر الوجوب جائز كالمسافر إذا صام رمضان والرجل إذا صلى في أول الوقت جائز لوجود سبب الوجوب.

(3/365)