البناية شرح الهداية

باب زكاة المال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب حكم زكاة المال]
م: (باب حكم زكاة المال) ش: أي هذا باب في حكم زكاة المال، ولما فرغ من الكلام على زكاة الماشية، شرع في بيان زكاة المال وقدم الناطق لفضله على الصامت، وإنما قال: باب زكاة المال؛ لأنه نوع من أنواع كتاب "الزكاة" والكتاب يجمع الأبواب، وأراد بالمال مال التجارة، كالنقدين، وعروض التجارة، وعقار التجارة وغيرها من أموال التجارة، وإن كان اسم المال يشمل السوائم وغيرها، وقد روي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن المال كل ما يمتلكه الإنسان من دراهم أو دنانير أو ذهب أو فضة أو حنطة أو خبز أو حيوان أو ثياب أو سلاح أو غير ذلك.
وعن الثوري المال: النصاب، وعن الليث مال أهل البادية النعم كذا ذكره مطرزي.
والمال في اصطلاح أهل الجبر والمقابلة: ما يجتمع في ضرب عدد في مثله كالتسعة هي مضروبة الثلاثة في الثلاثة، وهم يسمون الثلاثة أشياء إذا كان مجهولا، وأصحاب المساحة يسمون الثلاثة ضلعا، والتسعة مربعا، وسائر الحساب يسمون الثلاثة جدارا والتسعة مجدورا، وفي " المغرب ": المال العين المضروب وغيره من الذهب والفضة، وسمي المموه والمصفر والبيضاء والصامت مثله، وذكره في الأجوف الواوي وقال: ماله يمول ويمال وتمول بمعنى إذا صار ذا مال، ويقال: تمول الشيء إذا اتخذه مالا لنفسه.
قلت: المال عبارة عما يتمول به، يطلق على القليل والكثير حتى لو أقر رجل وقال: لفلان علي مال يقبل قوله في القليل والكثير. وقال صاحب " الهداية ": لا يصدق في أقل من درهم؛ لأن ما دونه من المال من الكسور لا يطلق عليه اسم المال عادة ويجمع على أموال.

(3/366)


فصل في الفضة ليس فيما دون مائتي درهم صدقة لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ليس فيما دون خمس أواق صدقة» والأوقية: أربعون درهما،
فإذا كانت مائتي درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم؛ «لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب إلى معاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن خذ من كل مائتي درهم خمسة دراهم، ومن كل عشرين مثقالا من ذهب نصف مثقال»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في الفضة] [نصاب الزكاة في الفضة ومقدار الواجب]
م: (فصل في الفضة) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام الفضة في باب الزكاة وقدم فصلها؛ لأنها أكثر من الذهب وأروج وأكثر نفعا، ألا ترى أن المهر ونصاب السرقة والجزية التي يبتدئ الإمام وضعها منها دون الذهب، والفضة تتناول المضروب وغيره.
م: (ليس فيما دون مائتي درهم صدقة) ش: أي زكاة م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ليس فيما دون خمس أواق صدقة» ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، الحديث رواه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة، ولا فيما دون خمسة ذود صدقة، ولا فيما دون خمس أواق صدقة» ، والأواقي جمع أوقية.
م: (والأوقية أربعون درهما) ش: الأوقية بضم الهمزة وتشديد الياء، وجمعها أواقي بتشديد الياء وتخفيفها، وحكى اللحياني أنه يقال: وقية ويجمع على وقايا، كركيه وركايا، وأنكر غير واحد أن يقال: وقية بفتح الواو، ووزن الأوقية: أفعولة من الوقاية؛ لأنها تقي صاحبها من الضرر، وقيل: هي فعيلة من الأوق الفعل، ووزن الجمع بالتشديد أفاعل كالأضاحي والأضحية. وفي التخفيف أفاعل، وفي " الذخيرة " للمالكية: كانت الأوقية في زمنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعين درهما، والنواة خمسة دراهم، والقص نصف درهم بفتح الهاء وكسرها، والأول المشهور، ويقال: درهام، حكاهن أبو عمرو الزاهد في "شرحه "، وقال جمال الدين المخرج قوله في "الكتاب": والأوقية أربعون درهما، يحتمل أن يكون من تمام الحديث، ويحتمل أن يكون من كلام المصنف، فإن كان من تمام الحديث فشاهده ما أخرجه الدارقطني في "سننه " عن يزيد بن سنان عن زيد بن أبي أنيسة، عن أبي الزبير، عن جابر قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يقول «لا زكاة في شيء من الفضة حتى تبلغ خمس أوراق، والأوقية أربعون درهما» انتهى.
قلت: احتمال كونه من المرسل بعيد والحديث ضعيف، قال يحيى: يزيد بن سنان ليس بشيء.

م: (فإذا كانت) ش: أي الفضة ش: (مائتي درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم؛ لأنه «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كتب إلى معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن خذ من كل مائتي درهم خمسة دراهم، ومن كل عشرين مثقالا من ذهب نصف مثقال» ش: أي لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب إلى معاذ بن جبل -رضي

(3/367)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الله عنه- حين وجهه إلى اليمن أن يأخذ من كل أربعين دينارا ومن كل مائتي درهم خمسة دراهم» الحديث، وهو معلول بعبد الله بن شبيب في إسناده فإنه يقلب الأخبار ويسرقها، فلا يجوز الاحتجاج به، واكتفى السغناقي في الاستدلال بهذا الحديث.
وروى أبو داود من حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم» ، اعلم أن الدراهم كانت مختلفة في زمن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وكانت على ثلاثة أصناف على ما ذكر في " الفتاوى الصغرى "، صنف منها كل عشرة عشرة مثاقيل، كل درهم عشرون قيراطا، وصنف منها كل عشرة ستة مثاقيل، كل درهم اثنا عشرة قيراطا، وهو ثلاثة أخماس مثقال، وصنف منها كل عشرة خمسة مثاقيل كل درهم نصف مثقال، وهو عشرة قراريط، وكان المثقال نوعا واحدا وهو عشرون قيراطا، وكان عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يطالب الناس في استيفاء الخراج بأكبر الدراهم ويشق ذلك عليهم، فالتمسوا منه التخفيف، فشاور عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاجتمع رأيهم على أن يأخذ عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من كل نوع ثلاثة، فأخذ عمر، فصار الدرهم بوزن أربعة عشر قيراطا، فاستقر الأمر عليه في ديوان عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وتعلقت الأحكام به كالزكاة والخراج ونصاب السرقة وتقدير الديات ومهر النكاح.
وفي " المرغيناني ": كان الدرهم شبه النواة، فصار مدورا على عهد عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فكتبوا عليه وعلى الدينار لا إله إلا الله محمد رسول الله، وزاد ناصر الدولة ابن حمدان " - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " فكانت سنة لآله.
وفي " المجتبى " و" جمع النوازل " و" العيون " يعتبر دراهم كل بلدة ودنانيرها.
وفي " الخلاصة " عن العقيلي: أنه كان يوجب في كل مائتي بخارية، وهي الغطارفية خمسة منها وبه أخذ الإمام السرخسي؛ إذ المعتبر في كل زمان عادة أهله، ألا ترى أن في زمان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وزن خمسة، وفي زمان عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وزن ستة، وفي زماننا وزن سبعة.
وقال النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كان أهل المدينة يتعاملون عددا بالدراهم وقت قدوم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأرشدهم إلى الوزن، وجعل المعيار وزن أهل مكة. وذكر في " قنية المنية " و" جوامع الفقه ": أن المعتبر في الزكاة وزن أهل مكة، وفي الكيل كيل أهل المدينة، يدل عليه قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المكيال على مكيال أهل المدينة، والوزن على وزن أهل مكة» . رواه أبو داود والنسائي وهو على غير شرط البخاري ومسلم.

(3/368)


قال: ولا شيء في الزيادة حتى تبلغ أربعين درهما، فيكون فيها درهم، ثم في كل أربعين درهما درهم، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: ما زاد على المائتين فزكاته بحسابه وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الخطابي: قال بعضهم: لم تزل الدراهم على هذا المعيار في الجاهلية والإسلام، وإنما غيروا الشكل ونقشوها، وقام الإسلام والأوقية أربعون درهما.
وقال الماوردي في " الأحكام السلطانية ": استقر من الأحكام في الإسلام وزن الدرهم ستة، ووافق كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل.
وقال السروجي: الدرهم المصري أربعة وستون حبة وهي أكبر من درهم الزكاة، فإن سقطت الزائد كان النصاب من دراهم مصر مائة وثمانين درهما وحبتين فقط، ذكره الشيخ شهاب الدين في "ذخيرته ".
واعلم أن الدراهم لا تخلو عن قليل عشرة، وتخلو عن الكثير، وقد يكون العشر فيه خلقيا، كالرديء من الفضة وهذا ظاهر مكشوف، فإن من أخذ الفضة الخالصة الطلغم فضربها دراهم لم يضف إليها صفرا يغرم أجرة الضراب والنقاش إذا لم ينقص قط بالعيار، ولهذا جعل في كل مائة درهم سلطانية وزن درهمين من الصفر؛ ليقوم ذلك بأجرة الصياغ.

م: (ولا شيء في الزيادة حتى تبلغ أربعين درهما فيكون فيها درهم) ش: أي ولا شيء بواجب في الزيادة على المائتين حتى تبلغ الزيادة أربعين درهما فيكون فيها درهم واحد.
م: (ثم في كل أربعين درهما درهم) ش: أي ثم يجب في كل أربعين درهما التي تزيد على المائتين درهما م: (وهذا) ش: أي هذا المذكور م: (عند أبي حنيفة) ش: وبه قال الحسن البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومكحول، وعطاء، وطاوس في رواية، وعمرو بن دينار، والزهري، والأوزاعي، والشعبي، وسعيد بن المسيب، وهو مذهب عمر بن الخطاب، وأبي موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - رواه عنهما الحسن البصري.
م: (وقال صاحباه) ش: أي صاحبا أبي حنيفة، وهما أبو يوسف، ومحمد -رحمهما الله- م: (ما زاد على المائتين فزكاته بحسابه) ش: أي بحساب ما زاد، وفي بعض النسخ: بحسابهما، وكتب بعضهم بحسبه، أي بحساب المائتين حتى إذا كانت الزيادة درهما تجب الزيادة بحسب جزء من أربعين جزءا من درهم، وبقولهما: قال مالك، والشافعي، وأحمد، والنخعي، وداود، وهو قول علي وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.
وقال طاوس: إذا زادت الدراهم على المائتين لا يجب شيء حتى تبلغ أربعمائة ففيها عشرة دراهم، وفي ستمائة خمسة عشر درهما م: (وهو قول الشافعي) ش: أي قول صاحبي أبي حنيفة

(3/369)


لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «وما زاد على المائتين فبحسابه» ولأن الزكاة وجبت شكرا لنعمة المال واشتراط النصاب في الابتداء لتحقق الغنى بعد النصاب في السوائم؛ تحرزا عن التشقيص، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث معاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا تأخذ من الكسور شيئا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قول الشافعي كما ذكرنا.
م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (في حديث علي: «وما زاد على المائتين فبحسابه» ش: وقال الأترازي: حديث علي فما زاد فعليه حساب ذلك، وتبعه الأكمل في هذا القدر.
قلت: هذا الحديث رواه أبو داود، عن ابن وهب أخبرني جرير بن حازم، وشخص آخر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة، والحارث عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن كانت لك مائتا درهم، وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم....» الحديث، وفي آخره: «فما زاد فبحساب ذلك» ، قال: ولا أدري أعلي يقول فبحساب ذلك أم رفعه إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال أبو داود: رواه شعبة، وسفيان، وغيرهما عن أبي إسحاق، عن عاصم، عن علي ولم يرفعوه.
م: (ولأن الزكاة وجبت شكرا لنعمة المال) ش: والكل نعمة فيجب فيه الزكاة م: (واشتراط النصاب في الابتداء لتحقق الغنى) ش: هذا جواب من قال: النصاب يشترط في الابتداء فكذا بعد النصاب الأول، فأجاب بقوله: فاشتراط النصاب في الابتداء لتحقق الغنى؛ ليصير المكلف به أهلا للإغناء م: (وبعد النصاب في السوائم تحرزا عن التشقيص) ش: هذا جواب من قال: لو كان اشتراطه كذلك لما شرطه في السوائم في الانتهاء، كما شرطه في الابتداء، فأجاب بقوله: "وبعد النصاب" أي واشتراط النصاب بعد النصاب الأول في السوائم لأجل التحرز عن التشقيص؛ لأن فيه ضرر الشركة على المالك.
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (في حديث معاذ: «لا تأخذ من الكسور شيئا» ش: قال الأترازي: رواه أبو بكر الرازي في شرحه " لمختصر الطحاوي " مسندا إلى معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمره حين وجهه إلى اليمن أن لا يأخذ من الكسور شيئا، وكذا قاله الأكمل في شرحه والكاكي كذلك.
قلت: هذا الحديث رواه الدارقطني في "سننه " من طريق ابن إسحاق، عن المنهال بن الجراح، عن حبيب بن أبي نجيح، عن عبادة بن قيس، عن معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمره حين وجهه إلى اليمن أن لا يأخذ من الكسور شيئا.....» الحديث، وهو ضعيف.

(3/370)


وقوله في حديث عمرو بن حزم: «وليس فيما دون الأربعين صدقة» ولأن الحرج مدفوع، وفي إيجاب الكسور ذلك لتعذر الوقوف، والمعتبر في الدراهم وزن سبعة مثاقيل، وهو أن تكون العشرة منها وزن سبعة مثاقيل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال الدارقطني: المنهال بن الجراح هو أبو العطوف متروك الحديث، وعبادة بن قيس لم يسمع من معاذ.
وقال ابن حبان: كان يكذب، وقال عبد الحق في "أحكامه ": كذاب.
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: متروك الحديث واهيه لا يكتب حديثه.
وقال أبو محمد الدارمي في "مسنده ": «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب مع عمرو بن حزم إلى شرحبيل بن عبد كلال، ونعيم بن عبد كلال أن في كل خمس أواق من الورق خمسة دراهم فما زاد ففي كل أربعين درهما درهم» .
وكلال بضم الكاف وتخفيف اللام.
وقال الأكمل: معنى الحديث: لا تأخذ من الشيء الذي يكون المأخوذ منه كسورا فسماه كسورا باعتبار ما يجب فيه، قلت: أخذه عن شيخه الكاكي، وقال الكاكي: وقيل: "من" فيه زائدة وفيه نوع تأمل.
م: (وقوله في حديث عمرو بن حزم: ليس فيما دون الأربعين صدقة) ش: أي وقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهذا الحديث قد مر في باب صدقة السوائم م: (ولأن الحرج مدفوع) ش: شرعا فلا يجب فيما زاد على المائتين شيء إلى الأربعين م: (وفي إيجاب الكسور ذلك) ش: أي الحرج م: (لتعذر الوقوف) ش: عليه، وفي بعض النسخ لفظ عليه موجود، أي على الكسور، ألا ترى أن من كان له مائتا درهم وسبعة دراهم يجب عليه في السنة الأولى خمسة دراهم وسبعة أجزاء من أربعين جزءا من درهم على قولهما وفي السنة الثانية تجب خمسة دراهم وجزء من واحد من أربعين جزءا من درهم صحيح، وجزء آخر من أربعين جزءا من ثلاثة وثلاثين جزءا من أربعين جزءا من درهم، وهذا لا يفهمه كثير من الفقهاء فكيف بالعامي الذي لا خبرة له أصلا، كذا ذكره الأترازي، وقد أخذه من " مبسوط أبي اليسر ". م: (والمعتبر في الدراهم) ش: التي تخرج في الزكاة م: (وزن سبعة مثاقيل) ش: وقد فسره بقوله: م: (وهو أن تكون العشرة منها) ش: أي من الدراهم م: (وزن سبعة مثاقيل) ش: والمثاقيل جمع مثقال، قال ابن الأثير: المثقال في الأصل مقدار في الوزن أي شيء كان من قليل أو كثير، والناس يطلقونه في العرف على الدينار خاصة وليس كذلك، وقال الجوهري: والمثقال واحد مثاقيل الذهب.
قلت: عشرون قيراطا من الذهب هو مثقال وهو الدينار الواحد، والدينار الواحد ستة دوانق، والدوانق: جمع دانق، والدانق: بكسر النون وفتحها وهو قيراطان، قاله في " المغرب " وفيه أيضا:

(3/371)


بذلك جرى التقدير في ديوان عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، واستقر الأمر عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أن أول من أحدث الدانق الحجاج.
وقال أبو عبيد: الدانق سدس درهم، فعلت ذلك بنو أمية فاجتمعت الأمة عليه، والقيراط: نصف دانق قاله الجوهري. وقال سراج الدين أبو طاهر محمد بن عبد الرشيد السجاوندي في تصنيف له في قسمة التركات، فقال: اعلم أن الدينار ستة دوانق، والدانق أربع طسوجات، والطسوج حبتان، والحبة شعيرتان، والشعيرة ستة خرادل، والخردل اثني عشر فلسا، والفلس ست فتيلات، والفتيلة ست نقيرات، والنقيرة ثماني قطميرات، والقطميرة اثنا عشر ذرة، وذكر فيها الدينار بحساب أهل الحجاز عشرون قيراطا، والقيراط خمس شعيرات والدينار عندهم طسوجا وخمسة.
وفي " المنافع ": الدينار مائة شعيرة عند أهل الحجاز وعند أهل سمرقند ستة وتسعون شعيرة، والقيراط خمس شعيرات وهو طسوجتان، والطسوج حبتان، والحبة سدس ثمن درهم وهو جزء من ثمانية وأربعين جزءا من درهم، والدرهم سبعة أعشار المثقال، فوزن الدرهم المكي سبع وخمسون حبة، وهو ستة أعشار حبة، وعشر عشر حبة وهو درهم الزكاة.
قال القاضي عياض: وزعم بعضهم أن الدراهم لم تكن معلومة إلى زمن عبد الملك بن مروان وأنه جمعها برأي العلماء وجعل كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل، ووزن الدرهم ستة دوانق، وهذا لا يصح ولا يجوز أن تكون الدراهم مجهولة، والأوقية مجهولة، وهو تجب الزكاة في أعداد منها وتقع بها البياعات والأنكحة كما ثبت في الأحاديث الصحيحة.
قال النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا هو الصواب الذي يجب اعتقاده وإنما كانت مجموعات من ضرب فارس والروم، وصغارا وكبارا، وقطع فضة غير مضروبة ولا منقوشة ويمنية ومغربية، فجمعوا أصغرها وأكبرها فضربوها على وزنهم، ولم يتغير المثقال في الجاهلية ولا في الإسلام، وأجمع أهل العصر الأول فمن بعدهم إلى يومنا هذا عليه، وقيل: إن أول من ضربها عبد الملك بن مروان بالعراق في سنة أربع وسبعين، حكاه سعيد بن المسيب ثم أمر بضربها في النواحي سنة ست وسبعين.
وقيل: أول من ضربها مصعب بن الزبير بأمر أخيه عبد الله بن الزبير سنة سبعين على ضرب الأكاسرة، ثم غيرها الحجاج، وقيل: أول من ضرب الدراهم والدنانير آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وقال: أولادي لا تندفع حوائجهم إلا بها وقد مر الكلام فيه أيضا في هذا الفصل.
م: (بذلك جرى التقدير) ش: أي بالمذكور وهو قوله والمعتبر.. إلى آخره م: (في ديوان عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: الديوان هي الجريدة التي يكتب فيها ما يتعلق بأمور المسلمين، وهي قطع من القراطيس مجموعة من دون الكتب إذا جمعها، ويروى أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أول من دون الدواوين، أي رتب الجرائد للولاة والقضاة م: (واستقر الأمر عليه) ش: أي على الذي قدره عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

(3/372)


وإذا كان الغالب على الورق الفضة فهو في حكم الفضة،
وإذا كان الغالب عليها الغش فهو في حكم العروض يعتبر أن تبلغ قيمته نصابا؛ لأن الدراهم لا تخلو عن قليل غش لأنها لا تنطبع إلا به، وتخلو عن الكثير فجعلنا الغلبة فاصلة، وهو أن يزيد على النصف اعتبارا للحقيقة، وسنذكره في الصرف إن شاء الله تعالى، إلا أن في غالب الغش لا بد من نية التجارة كما في سائر العروض،
إلا إذا كان تخلص منها فضة تبلغ نصابا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (إذا كان الغالب على الورق الفضة) ش: الورق بفتح الواو وكسر الراء، وهو المضروب من الفضة، وقد تسكن الراء، وكذا الورقة بكسر الراء وفتح القاف المخففة، وقيل: الورق الدراهم خاصة، ونقل صاحب " البيان " من الشافعية أن الرقة هي الذهب والفضة، قال النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهو غلط فاحش.
وفي " الذخيرة " للقرافي: الرقة الدراهم المصكوكة، ولا يقال لغيرها، والورق المصكوك وغيره، وقيل هما المصكوك، وفي " المنافع ": الفضة تتناول المضروب وغيره، والرقة تختص بالمضروب م: (فهو في حكم الفضة) ش: لأن الغش إذا كان قليلا لا يعتبر به؛ لأن الفضة لا تنطبع إلا بقليل الغش، فجعل القليل عفوا دون الكثير، فالفاصل بينهما بالغلبة فأيهما كان أغلب يعتبر به.

م: (وإذا كان الغالب عليها الغش فهو في حكم العروض) ش: جمع عرض بفتح العين وسكون الراء وهو ما ليس بنقد، وقيل: هو المتاع م: (يعتبر أن تبلغ قيمته نصابا) ش: يعني تجب فيها الزكاة م: (لأن الدراهم لا تخلو عن قليل غش لأنها) ش: أي لأن الفضة م: (لا تنطبع) ش: أي لا تطاوع الضرب ولا تلين لأجل تفاسها في العمل والصياغة م: (إلا به) ش: أي بالغش اليسير م: (وتخلو عن الكثير، فجعلنا الغلبة فاصلة) ش: بين القليل والكثير م: (وهو) ش: أي الكثير م: (أن يزيد على النصف اعتبارا للحقيقة) ش: أي لحقيقة الأمر بين القليل والكثير لأنهما لا يتحققان إلا بالزيادة على النصف؛ لأن الكثير ما يقابله قليل، والقليل ما يقابله كثير م: (وسنذكره) ش: أي وسنذكر هذا البحث أو هذا المذكور م: (في الصرف إن شاء الله تعالى إلا أن في غالب الغش لا بد من نية التجارة كما في سائر العروض) ش: لوجوب الزكاة.

م: (إلا إذا كان يخلص منهما فضة تبلغ نصابا) ش: الاستثناء من قوله -لا بد من نية التجارة-؛ لأن الفضة لا يشترط فيها نية التجارة،، قال الأترازي: والظاهر أن خلوص الفضة من الدراهم ليس بشرط بل المعتبر أن تكون في الدراهم فضة بقدر النصاب، انتهى.
قلت: لا سبيل إلى معرفة كون الفضة فيها قدر النصاب إلا بالخلوص ولا خلوص إلا بالنار. وقال صاحب " الينابيع ": قوله -وإذا كان الغالب عليها الغش فهي في حكم العروض-، يريد به إذا كانت الفضة لا تخلص بالنار، وإن كان شيء يخلص منها لا يكون حكمها حكم

(3/373)


لأنه لا يعتبر في عين الفضة القيمة ولا نية التجارة، والله أعلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
العروض، بل يجمع ما فيها من الفضة ويضمه إلى ما عنده من ذهب أو فضة أو مال تجارة ويزكي الكل، وإن كانت الفضة والغش سواء تجب فيها احتياطا ذكره أبو نصر في " شرح القدوري ".
وقيل: لا تجب، وقيل: تجب فيها درهمان ونصف، وفي " المحيط " و" البدائع " و" التحفة ": والغش: لا يعتبر في الذهب والفضة صفة زائدة على كونهما فضة أو ذهبا فتجب في المضروبة والنقرة والحلي والتبر والمصوغ وحلية السيف والسكين والمنطقة واللجام والسرج والأواني والمسامير المركبة في المصحف والكواكب فيها إذا خلصت بالإذابة والخواتيم والأسورة وغيرها ويجمع بين ذلك، فإذا بلغت نصابا تجب فيها الزكاة، ولو كان وزنها دون المائتين ونصفها وبغشها تساوي المائتين لا تجب، وفي " الينابيع ": إذا كانت المائتان في العدد ونقصت في الوزن لا تجب وإن قل النقص.
وفي " البدائع ": لو نقصت المائتان حبة في ميزان وكانت تامة لا تجب الزكاة للشك، وللشافعية وجهان أصحهما وبه قطع المحاملي والبندنيجي والماوردي وآخرون لا تجب، قال الصيدلاني: وسفع إمام الحرمين، وبالغ وعند مالك لو نقصت المائتان ثلاثة دراهم تجب، وعنه لا تمنع الحبة الحبتان، وعنه لو نقصت دانقا أو دانقين تجب الزكاة وبه قال أحمد.
م: (لأنه لا يعتبر في عين الفضة القيمة ولا نية التجارة) ش: أي ولا تعتبر أيضا نية التجارة بخلاف العروض، وقال الأترازي: فيه نظر؛ لأنه لا حاجة إلى ذكر القيمة، وكان ينبغي أن يقول: لا يعتبر في عين الفضة نية التجارة، انتهى.
قلت: في نظره نظر؛ لأنه لا مانع من ذكر القيمة وهذا من صفتها الكاشفة فلا يجوز، فلا محظور في ذكرها فلا مجال للنظر فيه فافهم.

(3/374)


فصل في الذهب ليس فيما دون عشرين مثقالا من الذهب صدقة، فإذا كانت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال؛ لما روينا، والمثقال ما يكون كل سبعة منها وزن عشرة دراهم وهو المعروف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في الذهب] [نصاب الزكاة في الذهب ومقدار الواجب]
م: (فصل في الذهب) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام الذهب، ووجه تأخيره عن الفضة قد مر في أول فصل الفضة.
م: (ليس فيما دون عشرين مثقالا من الذهب صدقة) ش: وقال الحسن البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ليس في أقل من أربعين دينارا صدقة، وهو شاذ، وذهبت طائفة أن الذهب إذا بلغت قيمته مائتي درهم ففيه الزكاة، وإن لم تكن عشرين مثقالا، وهو قول عطاء وطاوس والزهري وأبو أيوب السختياني وسليمان بن حرب، وكذا لا زكاة في العشرين حتى تبلغ قيمتها مائتي درهم.
م: (فإذا كانت عشرين مثقالا) ش: وحال عليها الحول م: (ففيها نصف مثقال لما روينا) ش: نعني لما روينا في فصل الفضة وهو حديث معاذ م: (والمثقال ما يكون كل سبعة منها) ش: الضمير في قوله منها، راجع إلى قوله ما يكون أو المثقال على تأويل المثاقيل فإن سبعة مثاقيل اشترطت في التعريف فكان المثقال أو ما يكون في معنى سبعة مثاقيل، قال السغناقي: وأخذ منه الكاكي فقال هذا مختصرا م: (وزن عشرة دراهم) ش: ارتفاع وزن على الخبرية عن قوله -والمثقال وزن عشرة دراهم- وقال الشراح كلهم: إن هذا دور فإنه عرف في فصل الفضة، والمعتبر في الدراهم وزن سبعة، وهو أن تكون العشرة منها وزن سبعة مثاقيل والدور باطل، لتوقف كل منهما على الآخر.
وأجاب الأكمل: أنه ما عرف الدرهم بالمثقال في فصل الفضة وإنما قال: المعتبر من أصنافها ما يكون وزن سبعة مثاقيل فكان ذلك معروفا فيما بينهم، ثم قال هاهنا: والمثقال ما يكون كل سبعة منها وزن عشرة دراهم. ثم قال م: (وهو المعروف) ش: المراد بالمثقال هاهنا هو المعروف فيما بين الناس الذي عرف به وزن الدراهم، ولا دور في ذلك، انتهى كلامه. وقال الأترازي: وقوله -وهو المعروف- ليس بعذر عن التشنيع، فلو قال: والمثقال هو المعروف لكان هان الأمر هونا، ولكن البيان للدرهم والدينار، ثم قال: وذكر بعضهم في "شرحه" في هذا الموضع ما يكون عن التحقيق بعيدا ألف فرسخ، انتهى.
قلت: غرضه بهذا التشنيع على السغناقي، فإنه قال: نعم فيه دور إلا أنه دفع تلك الشبهة بقوله وهو المعروف: فإن الشيئين إذا كانا معروفين في أنفسهما، ولكن الجهالة إذا وقعت في نسبة كل منهما إلى الآخر يجوز أن يعرف نسبة ذلك بهذا أو نسبة هذا بذاك.

(3/375)


ثم في كل أربعة مثاقيل قيراطان؛ لأن الواجب ربع عشر وذلك فيما قلنا إذ كل مثقال عشرون قيراطا،
وليس فيما دون أربعة مثاقيل صدقة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما تجب بحساب ذلك وهي مسألة الكسور
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بيانه أنك إذا عرفت زيدا وعمرا بعينهما ولكنك لا تعرف نسبة كل منهما إلى الآخر بأي طريق فتقول: من زيد فيجيبك؟ المسئول عنه بأنه ابن عمرو، ثم مضى زمان، ثم غفلت عما عرفه فطريق الضمن فتسأله فتقول من عمرو؟ فيقول لك: أبو زيد فتحصل لك معرفة نسبة كل واحد منهما إلى الآخر بالتصريح، وإن وقع الاستغناء للمتيقظ بالتعريف الأول ولكن كان ذلك التعريف بطريقة الضم لا بالتصريح ولا يستبعده أحد.
وكذلك هاهنا ذكر تعريف المثقال، وإن كان وقع الاستغناء وقع بما ذكر هناك لكن لم يكن ذلك بطريق التصريح مع إظهار عذره بقوله -وهو المعروف-، انتهى، وكذلك الكاكي أجاب بهذا، وفيه كفاية يعرف بها البعد عن التحقيق بينه وبين ما قاله الأترازي أكثر من ألف فرسخ.
م: (ثم في كل أربعة مثاقيل قيراطان) ش: أي ثم الواجب بعد عشرين مثقالا في كل أربعة مثاقيل قيراطان؛ لأن الأربعة مثاقيل ثمانون قيراطا فكان القيراطان ربع عشرها وهو عشر مثقال؛ لأن المثقال كان زمانهم عشرة دراهم، وفي " الصحاح ": القيراط نصف دانق، وأصله قراط بتشديد الراء يدل عليه جمعه على قراريط بتضعيف الراء، فأبدلت من أحد حرفي التضعيف ياء، وكذلك دينار أصله دنار بتشديد النون.
وقول الجوهري: القيراط نصف دانق غير صحيح؛ لأن الدانق سدس الدرهم، والقيراط نصف سبع، وكل دانق قيراطان وثلث، وفي " المغرب ": الدانق قيراطان كما في " الصحاح "، إلا أن يدعي أن الدرهم كانت اثني عشر قيراطا، وقد كان من الدراهم ما هو كذلك على عهد عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أو عبد الملك، ثم صار الدرهم أربعة عشر قيراطا، وكان كذلك في أيام الجوهري والمطرزي، وفي " الحواشي ": القيراطان نصف دانق وشعيرة وثلاث أخماس شعيرة.
م: (لأن الواجب ربع العشر) ش: أي الواجب في الزكاة ربع العشر م: (وذلك فيما قلنا) ش: أي ربع العشر فيما قلنا وهو أن في كل أربعة مثاقيل قيراطين، والقيراطان من كل أربعة مثاقيل ربع العشر م: (إذ كل مثقال عشرون قيراطا) ش: فتكون أربعة مثاقيل ثمانين قيراطا، وعشر الثمانين ثمانية وربع الثمانية اثنان، فيكون القيراطان ربع عشر أربعة مثاقيل.

م: (وليس فيما دون أربعة مثاقيل صدقة عند أبي حنيفة وعندهما تجب بحساب ذلك) ش: أي عن أبي يوسف ومحمد -رحمهما الله- تجب فيما دون أربعة مثاقيل بحساب ما زاد. وقال في " الجامع " وهي رواية عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (وهي مسألة الكسور) ش: أي هذه المسألة وهي وجوب الزكاة فيما دون أربعة مثاقيل عندهما، وعدم وجوبها فيه عند أبي حنيفة

(3/376)


وكل دينار عشرة دراهم في الشرع، فيكون أربعة مثاقيل في هذا كأربعين درهما.
قال: وفي تبر الذهب والفضة وحليهما وأوانيهما الزكاة، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تجب الزكاة في حلي النساء وخاتم الفضة للرجال؛ لأنه مبتذل في مباح فشابه ثياب البذلة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
- رَحِمَهُ اللَّهُ - مسألة الكسر، يعني أن الكسور لا زكاة فيها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعندهما تجب بحساب ذلك، وقد مر الكلام في فصل الفضة من الجانبين، والخلاف في الموضعين واحد.

م: (وكل دينار عشرة دراهم في الشرع) ش: قال الأترازي: فيه نظر؛ لأنه أراد بهذا التقرير أن الدينار والمثقال سواء، وقد قرر قبل هذا أن عشرة دراهم وزن سبعة مثاقيل لا وزن دينار واحد، فيكون الدينار مثل عشرة دراهم، انتهى.
قلت: الذي قاله قبل هذا كان في ابتداء الأمر، وتقرر بعد ذلك كل دينار بعشرة دراهم، ألا ترى أن الدية قد قررت من الذهب بألف دينار، ومن الورق بعشرة آلاف درهم، وفي السرقة لا قطع في أقل من دينار أو عشرة دراهم م: (فيكون أربعة مثاقيل في هذا) ش: أي في الخلاف المذكور بين أبي حنيفة وبين صاحبيه -رحمهما الله- م: (كأربعين درهما) ش: في مسألة المائتين عند زيادة الأربعين درهما عليهما؛ لأن الزيادة في كل واحد منهما خمس النصاب.

[الزكاة في تبر الذهب والفضة]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (في تبر الذهب والفضة) ش: التبر بكسر التاء المثناة من فوق وسكون الباء الموحدة، لما كان غير مضروب من الذهب والفضة م: (وحليهما) ش: بضم الحاء وكسر اللام، أي جمع حلي بفتح الحاء وسكون اللام وهو ما تحلى به المرأة من ذهب أو فضة، وقيل: أو جوهر، والحلية: الزينة من الذهب والفضة م: (وأوانيهما) ش: أي الأواني المعمولة من الذهب والفضة م: (الزكاة) ش: مرفوع بالابتداء وخبره هو قوله مقدما - وفي تبر الذهب والفضة.
م: (وقال الشافعي: لا تجب الزكاة في حلي النساء وخاتم الفضة للرجال) ش: وبه قال مالك وأحمد وفي رواية إسحاق، وقد كان الشافعي يقول هذا في العراق وتوقف بمصر، وقال: هذا مما أستخير الله فيه، وقال الليث: ما كان من حلي يلبس ويعار فلا زكاة فيه، وإن اتخذ للتحرز عن الزكاة ففيه الزكاة.
وقال أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يزكي عاما واحدا لا غير. وقال الحسن البصري، وعبد الله بن عتبة، وقتادة، وأحمد مرة: زكاته عاريته، ويروى ذلك عن ابن عمر وجابر إذا زكاه مرة ذكره النسائي م: (لأنه) ش: أي لأن الحلي م: (مبتذل في مباح) ش: وهو الحلي الذي يباح استعماله، وكل ما كان كذلك فلا زكاة فيه م: (فشابه) ش: أي الحلي يباح استعماله ثيابه م: (ثياب البذلة) ش: وهي ثياب المهنة.

(3/377)


ولنا أن السبب مال نام، ودليل النماء موجود وهو الإعداد للتجارة خلقة، والدليل هو المعتبر بخلاف الثياب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولنا أن السبب) ش: أي سبب وجوب الزكاة م: (مال نام) ش: أي أصله نامي كقاض، وأصله قاضي: فاعل إعلاله م: (ودليل النماء موجود) ش: كأنه جواب عن سؤال مقدر وهو أن يقال: فمن أين النماء فيه؟ فأجاب بقوله: -ودليل النماء موجود- م: (وهو الإعداد للتجارة خلقة) ش: أي من حيث الخلقة فلا تبطل بهذا الوصف بإعداده للاستعمال م: (والدليل هو المعتبر) ش: أي الدليل الذي يدل على أنه معد للتجارة من حيث الخلقة هو المعتبر لا نفس النماء م: (بخلاف الثياب) ش: هذا جواب عن قوله - فشابه ثياب البذلة- لأنه لا إعداد فيها لا من العرف ولا من الشرع، وقولنا مذهب عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن العباس، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبي موسى الأشعري، وابن حبيب، وابن جبير، وعبد الله بن شداد، وعطاء، وطاوس، وميمون بن مهران، وأيوب، وابن سيرين، ومجاهد، والضحاك، وجابر بن زيد، وعلقمة، والأسود، وعمر بن عبد العزيز، والثوري، والزهري، وذر الهمداني، والأوزاعي، وابن شبرمة، والحسن بن حي، والحسن بن جني واستحبه الحسن، قال الزهري: نصت السنة أن في الحلي الزكاة، وهو قول عائشة، وأم سلمة وفاطمة بنت قيس، ذكره عبد الحق في " الأحكام الصغرى ".
فإن قلت: ما سند أصحابنا في الأحاديث؟
قلت: روى أبو داود والنسائي عن خالد بن الحارث عن حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «أن امرأة أتت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب، فقال لها: "أتعطين زكاة هذا؟ قالت: لا، قال: "أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من النار" فخلعتهما، وألقتهما إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقالت: هما لله ولرسوله» والمسكتان: تثنية مسكة بالفتحات؛ السوار.
وروى أبو داود أيضا في "سننه ": حدثنا محمد بن إدريس الرازي، حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق، حدثنا يحيى بن أيوب عن عبد الله بن أبي جعفر أن محمد بن عمر بن عطاء أخبره عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال: دخلنا على «عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: دخل علي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرأى في يدي فتخات من ورق فقال: "ما هذا يا عائشة؟ "، فقلت صنعتهن أتزين لك بهن يا رسول الله، قال: "أتؤدين زكاتهن؟ ".
قلت: لا، قال: " هن حسبك من النار» انتهى.
والفتخات: جمع فتخة بالفاء وسكون التاء المثناة من فوق وبالخاء المعجمة وهي الخاتم الذي

(3/378)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لا فص لها.
وروى أحمد في "مسنده ": حدثنا علي بن عاصم عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن شهر بن حوشب، «عن أسماء بنت يزيد قالت: دخلت أنا وخالتي على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعلينا أسورة من الذهب فقال لنا: "أتعطيان زكاتها؟ " فقلنا: لا، فقال: "أما تخافان أن يسوركما الله أسورة من نار أديا زكاته» .
وروى الدارقطني في سننه عن نصر بن مزاحم عن أبي بكر الهذلي حدثنا شعيب بن الحبحاب عن الشعبي قال: سمعت فاطمة بنت قيس تقول: «أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بطوق فيه سبعون مثقالا من ذهب فقلت: يا رسول الله خذ منه الفريضة فأخذ منه مثقالا وثلاثة أرباع مثقال» .
وروى الدارقطني أيضا عن يحيى بن أبي الليث عن حماد بن إبراهيم عن علقمة «عن عبد الله بن مسعود قال: قلت للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن لامرأتي حليا من ذهب عشرون مثقالا، قال: "فأد زكاته نصف مثقال» .
وروى أيضا عن قبيصة عن علقمة عن عبد الله «أن امرأة أتت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: إن لي حليا وإن لي بني أخ وإن زوجي خفيف اليد فتجزئ عني أن أجعل زكاة الحلي فيهم؟، قال: "نعم» .
وروى الدارقطني أيضا عن أبي حمزة عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: إن للحلي زكاة.
وروى أبو داود من حديث أم سلمة قالت: «كنت ألبس أوضاحا من ذهب، فقلت يا رسول الله: أكنز هو؟ فقال: ما بلغ أن تؤدي زكاته فزكي فليس بكنز» انتهى، والأوضاح: جمع وضح وهو الحلي.
فإن قلت: روى الترمذي حديث عمرو بن شعيب المذكور عن قتيبة عن ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب.. الحديث، ثم قال: ابن لهيعة ضعيف، ولا يصح في هذا الباب شيء، انتهى.
قلت: ما علينا من هذا الباب والطريق الذي رواه أبو داود صحيح، وقال ابن القطان في

(3/379)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كتابه: إسناده صحيح، قال المنذري: إسناده لا مقال فيه، وخالد بن الحارث إمام فقيه احتج به البخاري ومسلم، وكذلك احتجا بحسين المعلم، وقول الترمذي: ولا يصح في هذا الباب شيء، قال فيه المنذري: لعله قصد الطريقين اللذين ذكرهما هو، فإن حديث أبي داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا مقال فيه، وعمرو بن شعيب وإن كان تكلم فيه بعضهم فقد قال شيخنا زين الدين وحكى البخاري توقفه فيما حكاه الترمذي عنه قال: رأيت أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وعلي بن المديني وأبا عبيد وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ما تركه أحد من المسلمين فمن الناس بعدهم؟
فإن قلت: في حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - محمد بن عمر، قال الدارقطني هو مجهول.
قلت: قال البيهقي في " المعرفة ": هو محمد بن عمر بن عطاء لكنه نسبه إلى جده فظن أنه مجهول، وليس كذلك وتبع الدارقطني في تجهيله عبد الحق، وقال ابن القطان: خفي عليه كما خفي على الدارقطني وهو من الثقات، ويحيى بن أيوب أخرجه له مسلم، وعبيد الله بن أبي جعفر من رجال الصحيحين، وكذلك عبد الله بن شداد، والحديث على شرط مسلم وأخرجه الحاكم في مستدركه عن محمد بن عمر بن عطاء، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
فإن قلت: في حديث إسماعيل بن عاصم رواه يزيد بن هارون بالكذب وعبد الله بن خيثم، قال ابن معين: أحاديثه ليست بالقوية، وشهر بن حوشب قال ابن عدي: لا يحتج بحديثه.
قلت: علي بن عاصم بن صهيب بن سنان الواسطي وثقه أحمد، وروى عنه وقال يحيى بن زكريا صدوق، وروى له أبو داود والترمذي وابن ماجه وعبد الله بن خيثم، وهو عبد الله بن عثمان بن خيثم القارئ من القراء المكي، قال يحيى بن معين: هو ثقة حجة، ووثقه العجلي وأبو حاتم والنسائي، روى له مسلم والأربعة، وشهر بن حوشب الأشعري الشامي الحمصي، ويقال الدمشقي وثقه يحيى، وعنه ثبت، وعن أحمد: ما أحسن حديثه ووثقه، وروى له مسلم مقرونا بغيره وروى له الأربعة.
فإن قلت: في حديث فاطمة بنت قيس نصر بن مزاحم قال أبو خيثمة: كان كذابا، وقال ابن معين: حديثه ليس بشيء، وأبو بكر الهندواني قال الدارقطني: متروك، وقال ابن الجوزي قال غندر: هو كذاب، وقال ابن معين وابن المديني: ليس بشيء، قلت: أخرجه أبو نعيم الأصبهاني في " تاريخ أصبهان " في حرف الشين عن شيبان بن زكريا عن عباد بن كثير عن شعيب بن الحبحاب به سواء. فإن قلت: حديث عبد الله بن مسعود، قال الدارقطني: هو مرسل موقوف، قلت: فليكن يحسن فيعمل به، وحديثه الآخر عن قبيصة عن عقبة أحد مشايخ

(3/380)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
البخاري، وأكثر منه في الصحيح، ولا يلفت إلى ما قاله ابن القطان أنه يخطئ كثيرا.
فإن قلت: حديث أم سلمة فيه ثابت بن عجلان، قال البيهقي: تفرد به ثابت.
قلت: لا يضر، فإن البخاري أخرج له وأخرجه الحاكم في "مستدركه " عن محمد بن مهاجر عن ثابت به وقال: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، ومحمد بن مهاجر قال ابن حبان: يضع الحديث عن الثقات، وقال ابن الجوزي في " التحقيق ": وهذا وهم قبيح، فإن محمد بن مهاجر الكذاب ليس هذا، فإن الذي يروي عن ثابت بن عجلان ثقة شامي، وأخرج له مسلم في "صحيحه "، وأما محمد بن مهاجر الكذاب فإنه متأخر عنه.
وأما أحاديث الخصوم، فمنها ما رواه ابن الجوزي في " التحقيق " بسنده عن عافية بن أيوب عن الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ليس في الحلي زكاة» قال البيهقي: والذي يروى عن جابر، عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ليس في الحلي زكاة» لا أصل له، وفيه عافية بن أيوب مجهول، فمن احتج به مرفوعا، كان مقرا بذنبه داخلا فيما يعيب به، من يحتج بالكذابين. وقال السروجي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا غريب من البيهقي مع تعقبة الشافعي، وقال ابن الجوزي: هو ضعيف مع أنه موقوف على جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
ومنها ما رواه مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يحلي نساءه وجواريه الذهب ثم لا يخرج من حليهن الزكاة.
ومنها ما رواه الدارقطني عن شريك عن علي بن سليمان قال: سألت أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن الحلي قال: ليس فيه زكاة.

(3/381)


فصل في العروض الزكاة واجبة في عروض التجارة كائنة ما كانت إذا بلغت قيمتها نصابا من الورق أو الذهب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في العروض] [زكاة العروض حكمها وشروط وجوبها]
م: (فصل في العروض) ش: أي هذا فصل في بيان حكم الزكاة في العروض. العروض بضم العين جمع عرض وهو المتاع القيمي، وقيل: هو ما ليس بنقد، والعرض بفتحتين حطام الدنيا، كذا في " المغرب " و" الصحاح "، وفيه العرض بسكون الراء: المتاع وكل شيء فهو عرض سوى الدراهم والدنانير، قال أبو عبيد: الأمتعة التي لا يدخلها كيل ولا وزن، ولا يكون حيوانا، ولا عقارا، وقال السغناقي: فعلى هذا جعل العروض هاهنا جمع عرض بسكون الراء أولى، بل هو واجب؛ لأنه في بيان حكم الأموال التي هي غير الدراهم والدنانير والحيوانات والعرض بالضم الجانب، ومنه أوصى بعرض ماله، أي بجانب منه بلا تعيين، والعرض: بالكسر ما يحمد الرجل ويذم عند وجوده وعدمه، وإنما أخر هذا الفصل للاختلاف فيها، أو لأنها تقوم بالنقدين فيكون بناء عليهما.
م: (الزكاة واجبة في عروض التجارة) ش: قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على وجوب الزكاة في العروض، ورويناه عن ابن عمر، وابن عباس والفقهاء السبعة: ابن المسيب والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير وأبو بكر عبد الرحمن بن الحارث وخارجة بن زيد، وعبيد الله بن عبد الله بن عقبة وسليمان بن يسار وطاوس والحسن البصري وإبراهيم النخعي والأوزاعي والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وغيرهم.
وقال ربيعة ومالك: لا زكاة في عروض التجارة ما لم تنض وتصير دراهم أو دنانير فحينئذ تلزمه زكاة عام واحد، وقال في " المبسوط ": وإن مضى عليها أحوال، وقالت الظاهرية: لا زكاة في العروض للتجارة، وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كذلك.
م: (كائنة ما كانت) ش: كلمة - ما- مصدرية، وكانت تامة، وكائنة نصب على الحال، والتقدير: الزكاة واجبة حال كائن كونهما من أي شيء كان من جنس ما تجب فيه الزكاة، كالسوائم، أو من جنس ما لا تجب فيه الزكاة كالثياب والبغال والحمر، م: (إذا بلغت قيمتها) ش: أي قيمة العروض م: (نصابا) ش: لأن المعتبر فيها الغناء بقيمتها، وذلك موجود في جميع الأشياء م: (من الورق) ش: بكسر الراء أي الفضة المضروبة م: (أو الذهب) ش: المضروب.
وفي " الذخيرة " و" المرغيناني ": يعتبر في تقويم العروض بالتجارة بالدراهم المضروبة حتى إن من اشترى عبدا للتجارة بنقرة فضة وزنها مائتان، ولا تساوي مائتي درهم مضروبة لا تجب فيه الزكاة، وإن وجبت في رأس ماله؛ لأن عين الذهب والفضة لا يعتبر فيها الضرب ولا التقويم له إنما جعل نصابها أخذ قيمتها؛ لأنه لا نصاب لها في نفسها، والمقصود منها ليست أعيانها، وإنما المقصود هو التمول بمعانيها، فجعل نصابها من مقصودها وهي القيمة، ثم الزكاة

(3/382)


لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيها: «يقومها فيؤدي من كل مائتي درهم خمسة دراهم»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تجب في العروض في عينها حتى إذا هلكت بعد الحول سقطت الزكاة. وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: في قيمتها.
فإن قلت: كل مال اعتبر فيه النصاب تعلق الوجوب به، أصله الأعيان الماشية.
قلت نصابها عندنا من أعيانها، وإنما يعتبر التقويم ليعلم أن العين قد بلغت مقدارا معلوما كما يتعين الوزن والعدد ليبلغ وزنا معلوما وعددا معلوما.
م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيها: «يقومها فيؤدي من كل مائتي درهم خمسة دراهم» ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في عروض التجارة يقومها إلى آخره، وهذا حديث غريب لا يعرف من رواه من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ومن رواه منهم، وفي هذا الباب أحاديث مرفوعة وموقوفة، فمن المرفوعة: ما رواه أبو داود في "سننه "، حدثنا محمد بن داود بن سفيان، حدثني يحيى بن حسان، حدثنا سليمان بن موسى أبو داود، حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب، حدثني خبيب بن سليمان عن أبيه سليمان، عن سمرة بن جندب، قال: أما بعد فإن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعد للبيع وسكت عنه، فيدل على أنه صحيح عنده وكذلك المنذري بعده. وقال أبو عمر بن عبد البر: هذا الحديث رواه أبو داود وغيره بإسناد حسن.
ومنها ما رواه الحاكم في "مستدركه " بإسناده إلى أبي ذر قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «في الإبل صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي البر صدقته، ومن دفع دنانير أو دراهم، أو تبرا، أو فضة لا يعدها لغريم، ولا ينفقها في سبيل الله فهو كنز يكوى به يوم القيامة» ، وصححه الحاكم، وقال: على شرط الشيخين.
ومنها ما رواه الطبراني في "معجمه " بإسناده عن سمرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمرنا بالرقيق؛ الرجل أو المرأة الذين هم تلاد له، وهم عملة لا يريد بيعهم، فكان يأمرنا أن لا نخرج عنهم صدقة، وكان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي يعد للبيع» ورواه الدارقطني أيضا.
ومن الموقوفة: ما رواه أحمد في "مسنده " وعبد الرزاق في "مصنفه " والدارقطني في "سننه " حدثنا يحيى بن سعيد عن عبد الله بن أبي سلمة عن أبي عمرو بن حماس عن أبيه أنه

(3/383)


ولأنها معدة للاستنماء بإعداد العبد فأشبه المعد بإعداد الشرع، وتشترط نية التجارة؛ ليثبت الإعداد، ثم قال: يقومها بما هو أنفع للمساكين؛ احتياطا لحق الفقراء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال: كنت أبيع الأدم والجعاب فمر بي عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال لي: أد صدقة مالك فقلت: يا أمير المؤمنين إنما هو الأدم والجعاب قال: قومها وأد زكاتها. ومنها ما رواه عبد الرزاق في "مصنفه " أخبرنا ابن جريج أخبرني موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه كان يقول: في كل مال يدار في عبيد أو تجارة أو دواب أو بز للتجارة تدار الزكاة فيه كل عام.
ومنها ما رواه البيهقي من طريق أحمد بن حنبل: ثنا حفص بن غياث، حدثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال: ليس في العروض زكاة إلا إذا كان للتجارة.
ومنها: ما رواه عبد الرزاق عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب والقاسم قالوا: في العروض تدار الزكاة كل عام لا تؤخذ منها الزكاة حتى لا يأتي ذلك الشهر من عام قابل.
م: (ولأنها) ش: أي ولأن العروض م: (معدة) ش: أي مهيأة م: (للاستنماء) ش: أي لطلب النماء م: (بإعداد العبد فأشبه المعد بإعداد الشرع) ش: المعد بضم الميم وفتح العين وتشديد الدال وهو الذهب والفضة م: (ويشترط فيه نية التجارة ليثبت الإعداد) ش: أي حالة الشراع، أما إذا كانت النية بعد الملك فلا بد من اقتران عمل التجارة بنيته؛ لأن مجرد النية لا يعمل فلا يصير حتى يبيعه بالإجماع إلا عند الكرابيسي من أصحاب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأحمد في رواية فإنه يصير للتجارة بمجرد النية في " جوامع الفقه " السالمة إذا نوى أنه إن وجد ربحا يبيعها لا يبطل السوم، ولو نوى أنه يجعلها علوفة أو يعمل عليها لا تبطل السوم ما لم يفعل، بخلاف عروض التجارة إذا نواها للقنية حيث تبطل التجارة، وكذا العبد إذا نواه للخدمة، وعن محمد إذا نوى أن يستخدمه فاستخدمه لا تبطل التجارة ما لم يجعله للخدمة، ولو اشترى الجلاب شياها، والقصاب اللحم فهي للتجارة، وإن رعاها في المفازة لم يبطل كونها للتجارة؛ لأن المرعى للتخفيف في المؤنة.
م: (ثم قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي القدوري أو محمد -رحمهما الله- م: (يقومها بما هو أنفع للمساكين احتياطا لحق الفقراء) ش: أي يقوم العروض التي للتجارة بالذي هو أنفع للفقراء، وهو أن يقومها بأنفع النقدين، وبه قال أحمد؛ لأن المال في يد المالك في زمان طويل وهو المنتفع فلا بد من اعتبار منفعة للفقراء عند التقويم، ولا بد أن يقوم بما يبلغه نصابا حتى إذا قومت بالدراهم تبلغ نصابا، وإذا قومت الذهب لا تبلغ نصابا تقوم بالدراهم وبالعكس كذلك.
فإن قلت: في خلافه نظر للمالك وحقه يعتبر، ألا ترى أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن أخذ كرائم الأموال في الزكاة واشترط الحول فيها.
قلت: المالك أسقط حقه بالاستنماء مدة الحول فيوفر حظ الفقراء بالتقويم بالأنفع مراعاة.

(3/384)


قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذا رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي الأصل خيره، لأن الثمنين في تقدير قيم الأشياء بهما سواء،
وتفسير الأنفع أن يقومها بما يبلغ نصابا. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقومها بما اشترى إن كان الثمن من النقود، لأنه أبلغ في معرفة المالية، وإن اشتراها بغير النقود بأن اشتراها بالعروض قومها بالنقد الغالب. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقومها بالنقد الغالب على كل حال كما في المغصوب والمستهلك،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
للحقين بقدر الإمكان.
م: (وهذا) ش: أي هذا الذي ذكرناه بالتقويم بما هو أنفع للمساكين م: (رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: في التقويم أربعة أقوال، أحدهما هذا المذكور عن أبي حنيفة وكذا ذكر في " الأمالي " يقومها بأنفع النقدين للفقراء، وفي " التحفة " و" القنية ": يقومها بأوفر القيمتين وأنظرهما وأكثرهما زكاة.
م: (وفي الأصل) ش: أي " المبسوط " م: (خيره) ش: أي خير أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - المالك في التقويم بما شاء من النقدين، وهذا هو القول الثاني م: (لأن الثمنين في تقدير قيم الأشياء بهما سواء) ش: لأن التقويم لمعرفة مقدار المالية والنقدان في ذلك سواء.

م: (وتفسير الأنفع أن يقومها بما يبلغ نصابا) ش: هذا كأنه جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: ما المراد من قوله في القول الأول - يقومها بما يبلغ نصابا الأنفع- فإن الأنفع الذي هو الأفضل يحتمل أن يكون من جهة إيصال النفع للفقراء مطلقا. فأجاب بقوله: وتفسير الأنفع يعني المراد بالأنفع من هذه الحيثية يعني كون التقويم بما يبلغ نصابا هو الأنفع لهم لا مطلق النفع.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقومها بما اشترى) ش: وبه قال الشافعي، وهذا هو القول الثالث، يعني يقوم العروض بالثمن الذي اشتراها م: (إن كان الثمن من النقود) ش: أي من الدراهم أو الدنانير م: (لأنه أبلغ في معرفة المالية) ش: لأنه ظهر قيمتها مرة بهذا النقد الذي وقع به الشراء والظاهر إن اشتراها بقيمتها فكان هذا النقد أكثر تعريفا لقيمتها من نقد آخر.
م: (وإن اشتراها بغير النقود بأن اشتراها بالعروض قومها بالنقد الغالب) ش: في نقود البلد فإنه لو اشتراها بعروض فإنه لا يصح تقويمها للأشياء، وكذا لو ورثه فوجب التقويم بغالب نقد البلد، وإن كان مسافرا يقومها في البلد الذي يصير إليه.
م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يقومها بالنقد الغالب على كل حال) ش: هذا هو القول الرابع، وبه قال الشافعي في وجه قوله -على كل حال- يعني سواء اشتراها بأحد النقدين أو بغيره لأن كل ما يحتاج فيه إلى التقويم يعتبر فيه النقد الغالب م: (كما في المغصوب والمستهلك) ش: أي كما يقوم بالنقد الغالب وقت الحاجة إلى تقويم المغصوب والذي استهلكه بغصب فلا يقوم إلا بالنقد الغالب وقت الحاجة في البلد.

(3/385)


وإذا كان النصاب كاملا في طرفي الحول فنقصانه فيما بين ذلك لا يسقط الزكاة لأنه يشق اعتبار الكمال في أثنائه أما لا بد منه في ابتدائه للانعقاد وتحقق الغنى بالنصاب وفي انتهائه للوجوب، ولا كذلك فيما بين ذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي " المجتبى ": الوجوب بالعروض عندنا باعتبار قيمتها حتى يخير بين أداء ربع عشر قيمتها أو ربع عشر عينها وهو أحد قولي الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: فيه ثلاثة أقوال: في قول: يخرج ربع عشر القيمة وهو نصه في " الأم " وعليه الفتوى، وفي قول ربع عشر العرض، وهو قول أبي يوسف ومحمد، وفي قول: يتخير بينهما وهو قول أبي حنيفة كذا في " الحلية ".

م: (وإذا كان النصاب كاملا في طرفي الحول فنقصانه فيما بين ذلك) ش: أي فيما بين طرفي الحول م: (لا يسقط الزكاة) ش: وإنما قيدنا بالنقصان احترازا عن هلاك كل النصاب، فإنه ينقطع الحول به بالاتفاق، وذكر النصاب مطلقا ليتناول كل مال تجب فيه الزكاة كالنقدين والسوائم، وقال زفر: يشترط كمال النصاب من أوله إلى آخره، والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه أربعة أقوال:
أحدهما: أنه لو تلف بعض النصاب أو أتلفه ينقطع الحول. وقال مالك وأحمد -رحمهما الله-: إن أتلفه لقصد الفرار عن الزكاة لا ينقطع الحول وإلا ينقطع.
والثاني: مثل مذهبنا. والثالث: يعتبر في آخر الحول.
والرابع: أنه يعتبر بعض التنقيص دون بعض الكساد، وفي السوائم والنقدين يشترط كمال النصاب في جميع الحول عنده وفي " المحيط ": اشترى عصيرا للتجارة ثم تخمر ثم تخلل فهو للتجارة، وكذا شاة التجارة إذا ماتت فدبغ جلدها فهو للتجارة وعبد التجارة إذا قتل خطأ فدفع بدله، والثاني للتجارة بخلاف العمد لو صالحه الولي على عبد أو غيره لم يكن للتجارة ويبطل بالكتابة، وإذا عجز لا يعود للتجارة، ولو باع مال التجارة في الحول بجنسها أو بغير جنسها لا ينقطع الحول، وفي " المجتبى ": الدين في خلال الحول لا يقطع حكم الحول وإن كان مستغرقا وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ينقطع.
م: (لأنه يشق اعتبار الكمال في أثنائه) ش: أي يشق اعتبار كمال النصب في أثناء الحول لأنه قد يزيد وقد ينقص، واعتبار الزيادة والنقصان في كل ساعة يفضي إلى الحرج وذلك مدفوع شرعا م: (أما لا بد منه) ش: أي من كمال النصاب م: (في ابتدائه) ش: أي في ابتداء الحول م: (للانعقاد) ش: أي لانعقاد السبب م: (وتحقق الغنى في انتهائه) ش: أي انتهاء الحول م: (للوجوب) ش: أي لوجوب الزكاة م: (ولا كذلك) ش: أي وليس الحكم كما ذكرنا م: (فيما بين ذلك) ش: أي فيما بين الابتداء والانتهاء.

(3/386)


لأنه حالة البقاء، بخلاف ما لو هلك الكل حيث يبطل حكم الحول، ولا تجب الزكاة لانعدام النصاب في الجملة ولا كذلك في المسألة الأولى، لأن بعض النصاب باق فيبقى الانعقاد. قال: وتضم قيمة العروض إلى الذهب والفضة حتى يتم النصاب، لأن الوجوب في الكل باعتبار التجارة وإن افترقت جهة الإعداد ويضم الذهب إلى الفضة للمجانسة من حيث الثمنية، ومن هذا الوجه صار سببا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لأنه حالة البقاء بخلاف ما لو هلك الكل حيث يبطل حكم الحول، ولا تجب الزكاة لانعدام النصاب في الجملة ولا كذلك في المسألة الأولى، لأن بعض النصاب باق فيبقى الانعقاد) ش: أي بقاء شيء من النصاب فيضم المستفاد إليه وهو خاتم فضة، وذلك لتمكن القول ببقاء الانعقاد حتى لو هلك جميع النصاب في أثناء الحول لعدم النصاب، والانعقاد جميعا لعدم المحل.
م: (قال: وتضم قيمة العروض إلى الذهب والفضة حتى يتم النصاب) ش: هذا بالإجماع م: (لأن الوجوب) ش: أي وجوب الزكاة م: (في الكل) ش: أي في قيمة العروض والذهب والفضة م: (باعتبار التجارة) ش: أي تجب باعتبار التجارة م: (وإن اختلفت جهة الإعداد) ش: أي التهيئة للتجارة، لأن الإعداد في العروض جهة العباد لا إعداد التجارة، وفي الذهب والفضة من الله -عز وجل- حيث خلقهما للتجارة.
م: (ويضم الذهب إلى الفضة) ش: عندنا خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لكن أصحابه الثلاثة اختلفوا في كيفية الضم على ما يجيء الآن، وقال الشافعي وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في رواية، وأبو ثور، وداود: لا تضم له م: (للمجانسة من حيث الثمنية) ش: أي علة الضم المجانسة بين الذهب والفضة، باعتبار الثمنية لأن كل واحد منهما ثمن فإذا كان ما هو يعد في المجانسة علة للضم، وهو العروض، فلأن يكون في الأقرب أولى م: (ومن هذا الوجه صار سببا) ش: أي من حيث الثمنية صار كل واحد من الذهب والفضة سببا لوجوب الزكاة، ودليل الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -أنهما جنسان مختلفان فلا يضم أحدهما إلى الآخر لتكميل النصاب بل يعتبر كمال النصاب من كل واحد منهما كالسوائم.
قلنا: هذا ينتقض بضم العروض إلى العروض، وفي الدراهم، ولا يرد السوائم لأن علة الضم هي المجانسة هي ظاهرة بين الذهب، والفضة، لأنهما يقوم بهما الأشياء، وكذا بين عروض التجارة والذهب والفضة، لأن الكل للتجارة بخلاف السوائم لأنه لا مجانسة بينها عند اختلاف الجنس فلا يضم بعضها إلى بعض، وكذا لا مجانسة بينها وبين الذهب والفضة، لأنها ليست للتجارة، ولنا أيضا ما روي عن بكير بن عبد الله الأشج أنه قال: من السنة أن يضم الذهب إلى الفضة لإيجاب الزكاة، والسنة إذا أطلقت يراد بها سنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ذكره صاحب " المبسوط "، و" البدائع " وغيرهما، وبكير بن عبد الله بن الأشح القرشي روى له

(3/387)


ثم تضم القيمة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما بالأجزاء وهو رواية عنه، حتى إن من كان له مائة درهم وخمسة مثاقيل ذهب، وتبلغ قيمتها مائة درهم فعليه الزكاة عنده خلافا لهما،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الجماعة.
م: (ثم تضم القيمة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: إن شاء قوم العروض، ويضمها على الدراهم والدنانير، وإن شاء قوم الدراهم والدنانير فيضم قيمتها إلى قيمة العروض، وبه قال الأوزاعي، والثوري، وأحمد في رواية م: (وعندهما بالأجزاء) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد: الضم بالأجزاء، وبه قال مالك، وأحمد في رواية، ولا يرى الشافعي الضم، وبه قال أحمد في رواية، وأبو ثور، وأبو داود، وذهب آخرون إلى أن الضم إنما يكون إذا كمل النصاب من أحدهما، بيان ذلك: إذا كان أحدهما ثلثا النصاب فلا بد أن يكون الآخر ثلثي النصاب وكذلك النصف وغيره، ولو كانت عشرة دنانير، ومائة درهم، وقيمة الدنانير ما يجب الضم بالاتفاق، على اختلاف التخريج عنده باعتبار القيمة وعندهما باعتبار الأجزاء، ولو كانت مائة درهم، وخمسة دنانير قيمتها خمسون لا يضم بالاتفاق كذا في " التحفة "، ولو كانت مائة وخمسين درهما، وخمسة دنانير وقيمة الدنانير لا تساوي خمسين درهما تجب الزكاة على قولهما.
واختلف المشايخ على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، قال بعضهم: لا تجب عنده لأن الضم عنده باعتبار القيمة وبضم الأقل إلى الأكثر، لأن الأقل تابع للأكثر فلا يكمل النصاب.
وقال الفقيه أبو جعفر: يجب على قوله، وهو الصحيح أن يضم الأكثر إلى الأقل كذا في " المختلفات ". وذكر البزدوي: تضم بالقيمة، وبالأجزاء عنده، وعندهما بالأجزاء فقط، وفي الأسبيجابي وغيره: معنى الضم بالأجزاء أن يكون من كل واحد منهما نصف نصاب من غير نظر إلى قيمتها أو من أحدهما نصف وربع، ومن الآخر ربع، أو من أحدهما نصف، وربع، وثمن، ومن الآخر ثمن.
وفي " المحيط ": لو زاد على النصابين أقل من أربعين درهما، أو أقل من أربعة مثاقيل من الذهب تضم إحدى الزيادتين إلى الأخرى ليتم النصاب أربعين درهما، أو أربعة مثاقيل عنده، وعندهما لا يضم، لأن الزكاة تجب في الكسور عندهما، والنصف ليس بشرط فيهما. م: (وهو رواية عنه) ش: أي الضم بالأجزاء إنما هو مذهب صاحبيه رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواها هشام عنه، وفي " المفيد ": رواها الحسن عنه.
م: (حتى إن من كان له مائة درهم وخمسة مثاقيل ذهب، وتبلغ قيمتها مائة درهم فعليه الزكاة عنده خلافا لهما) ش: هذا بيان نتيجة الخلاف بين أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وصاحبيه في كيفية ضم الذهب إلى غيره من الفضة وهو ظاهر.

(3/388)


هما يقولان المعتبر فيهما القدر دون القيمة حتى لا تجب الزكاة في مصوغ وزنه أقل من مائتين وقيمته فوقها، هو يقول: إن الضم للمجانسة وهو يتحقق باعتبار القيمة دون الصورة فيضم بها والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (هما يقولان) ش: أي أبو يوسف، ومحمد يقولان: م: (إن المعتبر فيهما القدر دون القيمة) ش أي الاعتبار في الذهب، والفضة القدر يعني عينهما لا قيمتهما م: (حتى لا تجب الزكاة في مصوغ وزنه أقل من مائتين وقيمته فوقها) ش: في مصوغ نحو إبريق، أو كأس، أو نحوهما إذا كان وزنه أقل من مائتي درهم قيمته مائتا درهم لا تجب الزكاة فيها بالاتفاق، لأن القيمة ساقطة الاعتبار فيهما كما في سائر حقوق العباد.
م: (هو يقول) ش: أي أبو حنيفة يقول: م: (إن الضم للمجانسة) ش: أي ضم الذهب إلى الفضة للمجانسة بينهما في الثمنية م: (وهو) ش: أي المجانسة م: (يتحقق باعتبار القيمة دون الصورة) ش: لأن في اعتبار الأجزاء اعتبار الصورة، ومسألة المصوغ ليست فيما نحن فيه، إذ ليس فيها ضم شيء إلى آخر حتى تعتبر القيمة، فإن القيمة في النقود إنما تظهر شرعا عند مقابلة أحدهما بالآخر وهاهنا ليس كذلك م: (فيضم بها) ش: أي فيضم الذهب إلى الفضة يعني باعتبارها.

(3/389)