البناية
شرح الهداية باب فيمن يمر على العاشر إذا مر على العاشر
بمال فقال: أصبته منذ أشهر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب فيمن يمر على العاشر]
[الخلاف بين المزكي والعاشر]
م: (باب فيمن يمر على العاشر) ش: أي: هذا باب في بيان حكم من يمر على
العاشر، وألحق هذا الباب بكتاب الزكاة اتباعا " للمبسوط "، و" شرح الجامع
الصغير ". ووجه المناسبة فيه ظاهرة، لأن العشر المأخوذ من المسلم المار على
العاشر هو الزكاة بعينها، إلا أن العاشر كما يأخذ من المسلم يأخذ من الذمي
والمستأمن، وليس المأخوذ منهما زكاة، فقدم الزكاة على هذا الباب على ما
بعده، لأن الزكاة إحدى أركان الدين، وأما تقديم الصلاة عليها فظاهر.
ولفظ العاشر اسم فاعل من عشرت القوم أَعشُرهم عُشرا بالضم إذا أخذت منهم
عُشر أموالهم، فعلى هذا فتسمية العاشر الذي يأخذ العشر إنما يستقيم على
أخذه من الحربي لا من المسلم والذمي، لأنه يأخذ من المسلم ربع العشر، وفي "
الصحاح ": عشرت القوم أعشُرهم، بضم الشين عُشرا بضم الشين عشر العين إذا
أخذت عُشر أموالهم، ومنهم العاشر، والعشّار بتشديد وعشِرت غيرهم بالكسر
عَشرا بالفتح إذا صرتَ عَاشِرَهم، وعَاشِر العشرة أحدهم، وعاشر التسعة
مُصيِّر التسعة عشرة بنفسه، والعاشر من نصبه الإمام لأخذ الصدقات من
التجارة من المال الذي تجب فيه الزكاة ويأمن التجارة ببقائه في المفاوز من
قطاع الطريق، واللصوص.
فإن قلت: روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه لعن
العاشرين وذمهم.
قلت: " هذا محمول على من يأخذ أموال الناس ظلما وهم القوم المكاسون الذين
يأخذون من التجار في مصر والشام وحلب، في أكثر من عشرة مواضع ظلما وعدوانا،
ويقولون: نأخذ الزكاة ويكفرون بسبب ذلك، وهم الذين لعنهم النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: «لا يدخل الجنة صاحب مكس» .
م: (إذا مر على العاشر بمال) ش: أي إذا مر شخص على العاشر بمال من الأموال
الباطنة، وإنما قلت كذا لأن في الأموال الظاهرة وهي السوائم لا يحتاج
العاشر إلى مرور صاحبها أي صاحب المال عليه في ثبوت ولاية الأخذ له، فإن له
أن يأخذ عشر الأموال الظاهرة منه، وإن لم يمر صاحب المال عليه، أما في
الأموال الباطلة الأداء لصاحب المال لكونه غير محتاج إلى الحماية، فإذا
أخرجها إلى المفاوز احتاج إليها فصارت كالسوائم م: (فقال: أصبته منذ أشهر)
ش: أي فقال صاحب المال: أصبت هذا المال يعني لم يحل عليه الحول فلا زكاة
عليه حتى يحول عليه الحول.
فإن قلت: قوله: منذ أشهر، كيف يراد به ما دون الحول.
(3/390)
أو علي دين وحلف صدق،
والعاشر من نصبه الإمام على الطريق ليأخذ الصدقات من التجار، فمن أنكر منهم
تمام الحول أو الفراغ من الدين كان منكرا للوجوب، والقول قول المنكر مع
اليمين، وكذا إذا قال أديتها إلى عاشر آخر ومراده إذا كان في تلك السنة
عاشر آخر، لأنه ادعى وضع الأمانة موضعها، بخلاف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: الأشهر جمع قلة يقع على العشرة فما دونها، فلا بد أن يراد بها ما دون
الستة. هذا الطريق، ورأيت بخط الأترازي منذ شهر بالإفراد، والظاهر أنه سهو
منه، لأن النسخ كلها بلفظ أشهر، وكذا الشراح مشوا عليه.
م: (أو علي دين) ش: أي أو قال: علي دين يرد به دينا محيطا بماله والمراد
بالدين دين العباد الذي عليه المطالبة من جهتهم والذي لا يطالب من جهتهم لا
يمنع الزكاة، وهذا أيضا إذا لم يكن في يده مال آخر من جنس النصاب فقد حال
عليه الحول، فإذا كان في يده شيء من ذلك لا يلتفت العاشر إلى قوله: ويأخذ
من المال الذي لم يحل عليه الحول، لأن المستفاد عندنا يضم إلى ما عنده من
النصاب، إلا أن يكون من إبل الزكاة فحينئذ لا يأخذ باعتبار نصاب آخر عنده
حال عليه الحول، وكذا لا يأخذ إذا كان المال للصبي أو المجنون.
م: (وحلف صدق) ش: لأن القول للمنكر مع يمينه، وكذا لا يأخذ إذا تصدق مع
يمينه إذا قال: المال لي وأنا أجير فيه، أو هو وديعة عندي أو بضاعة أو ليس
للتجارة، أو قال: أنا مضارب أو مكاتب أو عبد مأذون له، وفي " خزانة الأكمل
": إذا كان رب المال معه فإنه يعشره، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - "
لا يمين عليه في هذه الوجوه كلها لأنها عبادة ولا يمين في عبادات كالصوم
والصلاة والحج، ووجه ظاهر الرواية أنه لا مكذب له في العبادات وهنا يكذبه
العاشر، وبهذا يحصل الجواب عن سؤال السغناقي بقوله: الزكاة عبادة لله تعالى
كالصوم والصلاة فلا يشترط التحليف.
فإن قلت: يرد عليه حد القذف فإنه لا يستحلف فيه، مع أن فيه حق العبد.
قلت: شرعت اليمين للنكول، والقضاء بالنكول متعذر في الحدود.
م: (والعاشر من نصبه الإمام على الطريق) ش: أي الطريق الذي يمر عليه أصحاب
الأموال م: (ليأخذ الصدقات من التجار) ش: أي الزكاة.
م: (فمن أنكر منهم) ش: أي من التجار م: (تمام الحول) ش: أي قال: ما حال
الحول م: (أو الفراغ من الدين) ش: بأن قال: علي دين محيط بمالي م: (كان
منكرا للوجوب) ش: أي لوجوب الزكاة م: (والقول قول المنكر مع يمينه) ، وكذا
إذا قال: أديتها إلى عاشر آخر) ش: أي غير هذا العاشر م: (ومراده إذا كان في
تلك السنة عاشر آخر لأنه ادعى وضع الأمانة) ش: أي الزكاة م: (موضعها بخلاف
(3/391)
ما إذا لم يكن عاشر آخر في تلك السنة لأنه
ظهر كذبه بيقين، وكذا إذا قال: أديتها أنا يعني إلى الفقراء في المصر، لأن
الأداء كان مفوضا إليه فيه وولاية الأخذ بالمرور لدخوله تحت الحماية، وكذا
الجواب في صدقة السوائم في ثلاثة فصول، وفي الفصل الرابع وهو ما إذا قال:
أديت بنفسي إلى الفقراء في المصر لا يصدق وإن حلف. وقال الشافعي - رَحِمَهُ
اللَّهُ -: يصدق لأنه أوصل الحق إلى المستحق، ولنا أن حق الأخذ للسلطان،
فلا يملك إبطاله بخلاف الأموال الباطنة، ثم قيل الزكاة في الأول والثاني
سياسة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ما إذا لم يكن عاشر آخر) ش: أي غير هذا العاشر فإنه لا يصدق م: (لأنه ظهر
كذبه بيقين وكذلك) ش: وكذا إذا القول، قوله: فيصدق مع يمينه م: (إذا قال:
أديتها أنا يعني إلى الفقراء في المصر لأن الأداء كان مفوضا إليه) ش: أي
إلى المالك م: (وفيه) ش: أي في المصر م: (وولاية الأخذ) ش: للساعي إنما
تكون م: (بالمرور) ش: أي بمرور المالك على الساعي م: (لدخوله تحت الحماية)
ش: بالمرور عليه.
م: (وكذا الجواب في صدقة السوائم) ش: إذا قال العاشر في الإبل والبقر
والغنم م: (في ثلاثة فصول) ش: أولها: قوله أصبتها منذ أشهر، والثاني قوله:
أو علي دين، والثالث قوله: أديت إلى عاشر آخر، وفي تلك السنة عاشر آخر ففي
هذه الفصول الثلاثة إذا حلف صدق فيكون القول قوله.
م: (وفي الفصل الرابع وهو ما إذا قال: أديت بنفسي إلى الفقراء لا يصدق وإن
حلف، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يصدق) ش: فيكون القول قوله، وهذا
قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الجديد. وقال في القديم: لا يصدق وبه
قال مالك وأحمد، وقال النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح المهذب ": أما
الأموال الظاهرة على الزروع والثمار والمواشي والمعادن ففي أصح القولين وهو
الجديد جواز تفريقه بنفسه، وفي القديم منعه، فإن دفعها بنفسه فعليه دفع ثان
إلى الإمام أو نائبه، وسواء كان الإمام عادلا أو جائرا م: (لأنه أوصل الحق
إلى المستحق) ش: وهو الفقير، وأسقطوا المؤنة عن الساعي.
م: (ولنا أن حق الأخذ للسلطان فلا يملك المالك إبطاله) ش: أي إبطال حق
السلطان م: (بخلاف الأموال الباطنة) ش: لأنها مفوضة إليه.
م: (ثم قيل) ش: أشار به إلى أن في الفصل الرابع لما لم يصدق في قوله، وأخذ
منه الساعي ثانيا ماذا يكون حكمه وهو أن فيه الخلاف، فقال بعضه: م: (الزكاة
في الأول) ش: يعني تقع الزكاة في دفعه بنفسه، لأنه أوصل الحق إلى مستحقه م:
(والثاني) ش: وهو أخذ الساعي ثانيا يكون م: (سياسة) ش: زجرا له حتى لا يفعل
ذلك مرة أخرى، وزجرا لغيره عن الإقدام على ما ليس له، والسياسة القيام على
الشيء بما يصلحه وهو في الأجوف الواوي، وفي " المغرب ": يقال
(3/392)
وقيل: هي فيه الثاني والأول ينقلب نفلا وهو
الصحيح، ثم فيما يصدق في السوائم وأموال التجارة لم يشترط إخراج البراءة في
" الجامع الصغير " وشرطه في الأصل وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ
اللَّهُ - لأنه ادعى ولصدق دعواه علامة فيجب إبرازها، وجه الأول أن الخط
يشبه الخط فلا يعتبر علامة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
للرجل: يسوس الدواب إذا قام عليها وساسها، ومنه الوالي يسوس الرعية سياسة
أي يلي أمرهم.
م: (وقيل: هي) ش: أي الزكاة م: (وفي الثاني) ش: يعني في أخذ الساعي لأن
الزكاة حق الله تعالى، وإنما يستوفيه من انتصب ثانيا في استيفاء حقوقه، فلا
تبرأ ذمته إلا بالصرف إليه م: (والأول ينقلب نفلا) ش: هذا كأنه جواب عن
سؤال مقدر، تقديره أن يقال: الزكاة إذا كانت في أخذ العاشر، فماذا يكون حكم
الذي دفعه المالك إلى الفقير، فأجاب عنه بأن الأول وهو دفع المالك الزكاة
إلى الفقير يقع نفلا، كمن صلى في منزله الظهر ثم سعى إلى الجمعة ينقلب ظهره
نفلا م: (وهو الصحيح) ش: أي القول الثاني هو الصحيح، واحترز به عن القول
الأول، وجه الصحة أنه لما ثبت ولاية الأخذ للسلطان شرعا في الأموال الظاهرة
كان أداء رب المال فرضا لغوا كما لو أدى الجزية إلى المقاتلة بنفسه.
م: (ثم فيما يصدق) ش: أي ثم في الذي يصدق رب المال م: (في السوائم وأموال
التجارة لم يشترط) ش: محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (إخراج البراءة) ش: أي
خط البراءة أراد به العلامة، وفي " المغرب " البراءة اسم لخط الإبراء من
برئ من الدين والعيب براءة والجمع براءات، والبراءات لغة العامة م: (في
الجامع الصغير) ش: وهو الذي صنفه الإمام محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م:
(وشرطه) ش: أي شرط محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إخراج البراءة م: (في الأصل)
ش: أي " المبسوط ". م: (وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ
-) ش: أي شرط محمد إخراج البراءة وهو رواية الحسن بن زياد عن أبي حنيفة م:
(لأنه ادعى) ش: أي لأن رب المال ادعى الدفع.
م: (ولصدق دعواه علامة فيجب إبرازها) ش: أي إظهارها، لأن العادة أن العاشر
إذا أخذ كتب بذلك براءة، فإذا لم يكن معه براءة فالظاهر يكذبه فلم يقبل
قوله من غير براءة، كالمرأة إذا أخبرت بالولادة، فإن شهدت القابلة قبلت
وإلا فلا، ثم على قول من يشترط إخراج البراءة هل يشترط اليمين معها؟ فقد
اختلف فيه، وفي " المحيط " و" جامع التمرتاشي ": إذا لم يحلف لم يصدق عند
أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: يصدق لشهادة الظاهر له.
م: (وجه الأول) ش: أي وجه القول الأول وهو عدم اشتراط إخراج البراءة م (أن
الخط يشبه الخط) ش: لأن التزوير يدخله فلا يمكن جعله حكما م: (فلا يعتبر
علامة) ش: وقال الأترازي فيها: وقال صاحب الهداية في قوله: فيما يصدق في
السوائم وأموال التجارة نظر، لأن ما يصدق في السوائم الفصول الثلاثة
المذكورة، لأنه إذا قال: علي دين أو غوصبت منذ أشهر أو
(3/393)
قال: وما صدق فيه المسلم صدق فيه الذمي،
لأن ما يؤخذ منه ضعف ما يؤخذ من المسلم، فتراعى تلك الشرائط تحقيقا
للتضعيف، ولا يصدق الحربي إلا في الجواري يقول: هن أمهات أولادي أو غلمان
معه يقول: هم أولادي لأن الأخذ منه بطريق الحماية وما في يده من المال
يحتاج إليها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أديتها إلى الفقير في المصر فمن يأتي بخطوط براءة العاشر ولا يصدق ذلك إلا
في صورة واحدة، وهو أن يقول: أديته إلى عاشر آخر وفي تلك السنة عاشر آخر،
فأجاب الأكمل عن ذلك بأنه ذكر العام وأراد به الخاص أي الصورة المذكورة
مجازا، انتهى.
قلت: كأنه أخذ الجواب من كلام الأترازي لأنه لما اعترض بالمذكور أجاب هكذا
ولا يخلو عن تأمل فافهم.
م: (قال) ش: أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وما صدق فيه المسلم) ش:
أي كل ما صدق فيه المسلم من قوله: علي دين، أو لم يحل عليه الحول، أو أديته
إلى عاشر آخر، أو هو ليس للتجارة أو هو بضاعة عندي م: (صدق فيه الذمي) ش:
إذا حلف م: (لأن ما يؤخذ منه) ش: أي من الذمي م: (ضعف ما يؤخذ من المسلم)
ش: لأنه يؤخذ منه نصف العشر م (فتراعى تلك الشرائط) ش: وهي النصاب وحولان
الحول والفراغ من الدين م: (تحقيقا للتضعيف) ش: أي لأجل تحقيق التضعيف، وهو
أخذ نصف العشر ضعف ما يؤخذ من المسلم وهو ربع العشر، لأن تضعيف الشيء إنما
يكون إن كان للضعف على أوصاف المضعف عليه، وإلا يلزم أن يكون تبديلا فيراعى
فيه الشروط المذكورة.
م: (ولا يصدق الحربي إلا في الجواري، يقول: هن أمهات أولادي) ش: أي لا يصدق
الحربي الذي دخل دارنا بأمان ومر على العاشر في الفصول المذكورة كلها إلا
في الجواري إذا قال: هن أمهات أولادي م: (أو غلمان معه يقول: هم أولادي لأن
الأخذ منه بطريق الحماية وما في يده من المال يحتاج إليها) ش: أي إلى
الحماية، إذ لو لم تكن لحماية الأمان لكان سببا مع أمواله، وإنما لم يصدق
في شيء من الفصول لعدم الفائدة في تصديقه لأنه لو قال: لم يتم الحول فلا
اعتبار إليه لأن اعتباره لتحصيل النماء والحماية له تمت بنفس الأمان، وكذا
لو قال: علي دين، لأن الدين الذي وجب عليه في دار الحرب لا يطالب به في
دارنا، وفيه نظر، لأنه يجوز أن يكون الدين المدعى وجب في دار الإسلام قبل
مروره على العاشر، وفي "الولوالجي": لأنهم لا يصدقون تجارنا في دعوى ذلك،
فنحن لا نصدقهم أيضا، حتى لو علم أنهم يصدقونهم نصدقهم نحن أيضا.
وكذا لو قال: المال بضاعة لأنه لا حرمة لصاحبها ولا أمان، وكذا لو قال: ليس
للتجارة، لأن الظاهر يكذبه، لأنه لا يتكلف إلى نقله إلى غير داره ما لم يكن
لها، وكذا لو قال: أديتها إلى
(3/394)
غير أن إقراره بنسب من في يده صحيح، فكذا
بأمومية الولد لأنها تبتنى عليه فانعدمت صفة المالية فيهن، فلا يؤخذ إلا من
المال.
قال: ويؤخذ من المسلم ربع العشر ومن الذمي نصف العشر ومن الحربي العشر،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عاشر آخر - لأن المأخوذ أجرة الحماية، وقد وجدت بنفس الأمان هكذا قالوا،
وفيه نظر، لأنه لا يتكرر الأخذ منه من غير تجدد الأمان، وهو غير مشروع،
وكذا لو قال أديتها أنا لا يصدق، لأن اعتقاده يكذبه.
م: (غير أن إقراره بنسب من في يده صحيح) ش: هذا بيان استثناء في قوله: إلا
في الجواري، لأن كونه حربيا لا ينافي الاستيلاد والنسب كما يثبت في دار
الإسلام يثبت في دار الحرب، وبه يخرج من أن يكون مالا، والأخذ لا يكون إلا
من المال الممرور به. م: (فكذا بأمومية الولد) ش: أي فكذا يصح إقراره بأن
هذه أم ولدي م: (لأنها) ش: أي لأن أمية الولد م: (تبتنى عليه) ش: أي على
النسب، وفي بعض النسخ لأنه ينبني عليه.
قال الأترازي: أي لأن الشأن يبني أمية الولد على النسب م: (فانعدمت صفة
المالية فيهن) ش: أي في أمهات الأولاد، لأنهن لم يبقين إلا بإقراره م: (فلا
يؤخذ إلا من المال) ش: وكذا لو قال: هم أولادي لهذا المعنى، وإن قال: هم
مدبرون لا يلتفت إليه، لأن التدبير منه لا يصح في دار الحرب، كذا في " جامع
المحبوبي "، وكذا لو قال: كنت أعتقتهم في دار الحرب لا يصدق، لأن عتقه فيها
لا يصح كتدبيره م: (والأخذ لا يجب إلا من المال) ش: أي أخذ العاشر لا يجب
إلا من المال الممرور به.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ويؤخذ من المسلم ربع العشر
ومن الذمي نصف العشر، ومن الحربي العشر) ش: أي الذي يؤخذ من المسلم الزكاة،
لأنه لما أخرج ماله إلى البراري احتاج إلى حماية الإمام، فثبت له ولاية أخذ
الزكاة منه كما في السوائم، والذمي أحوج إلى الحماية إذ أطماع اللصوص
والسراق إلى أموال أهل الذمة أشد وأكثر، فلذلك وجب الأخذ بضعف ما يؤخذ من
المسلم، ولتحقيق الذل بالكفر، وأما الحربي فإنه يؤخذ منه العشر، لأنه لما
ثبت الضعف في الذمي ثبت ضعف ذلك في الحربي تحقيقا لقصد الذل.
وما يؤخذ من المسلم زكاة توضع موضع الزكاة وتسقط عنه زكاة تلك السنة، وما
يؤخذ من الذمي ليس بزكاة لكن يؤخذ بشرائط الزكاة، وتصرف في مصرف الجزية
والخراج، لا تسقط عنهم جزية رءوسهم في تلك السنة، وكذا ما يؤخذ من الحربي
يصرف إلى مصارف الجزية، وكيفية الأخذ المذكور هي مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ
اللَّهُ - وأصحابه. وبه قال ابن أبي ليلى والشافعي والثوري وأبو عبيد.
وقال مالك: يؤخذ من تجار أهل الذمة العشر إذا اتجروا إلى غير بلادهم مما قل
أو كثر إذا
(3/395)
هكذا أمر عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
سعاته، وإن مر حربي على عاشر بخمسين درهما لم يؤخذ منه شيء إلا أن يكونوا
يأخذون منا من مثلها، لأن الأخذ منهم بطريق المجازاة بخلاف المسلم والذمي،
لأن المأخوذ زكاة أو ضعفها فلا بد من النصاب، وهذا في " الجامع الصغير "،
وفي كتاب الزكاة: لا نأخذ من القليل، وإن كانوا يأخذون منا منه، لأن القليل
لم يزل عفوا، ولأنه لا يحتاج إلى الحماية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
باعوا ويؤخذ منهم في سفره كذلك، ولو مرارا في السنة، وإن اتجروا في بلادهم
لا يؤخذ منهم شيء، ويؤخذ من الحربي كذلك إلا فيما حملوا إلى المدينة من
الحنطة والزيت خاصة، فإنه يؤخذ منهم نصف العشر فقط وهذا عجيب جدا.
م: (وهكذا أمر عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سعاته) ش: يعنى مثل المذكور
أمر عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سعاته بضم السين جمع ساع وهو
عامل الزكاة، رواه عبد الرزاق في "مصنفه " أخبرنا هشام بن حسان عن أنس وابن
سيرين قال: بعثني أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على الأيلة فأخرج
لي كتابا من عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يؤخذ من المسلمين من
كل أربعين درهما درهم، ومن أهل الذمة من كل عشرين درهما درهم، وممن لا ذمة
له من كل عشرة دراهم درهم. وروى الشيخ أبو الحسن القدوري في شرحه لمختصر "
الكرخي " أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نصب العشار، وقال
لهم: خذوا من المسلم ربع العشر، ومن الذمي نصف العشر، ومن الحربي العشر،
وكان هذا بمحضر الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من غير خلاف فكان
إجماعا.
م: (وإن مر حربي على عاشر بخمسين درهما لم يؤخذ منه شيء إلا أن يكونوا
يأخذون منا من مثلها) ش: أي من مثل خمسين م: (لأن الأخذ منهم بطريق
المجازاة بخلاف المسلم والذمي لأن المأخوذ زكاة) ش: يعني من المسلم م: (أو
ضعفها) ش: أي والمأخوذ من الحربي ضعف الزكاة وهو نصف العشر، فإذا كان كذلك
م: (فلا بد من النصاب) ش: لأنه شرط في الأصل فكذا في المضاعف م: (وهذا في
الجامع الصغير) ش: أي الذي ذكرنا كذا ذكر في " الجامع الصغير " لمحمد -
رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (وفي كتاب الزكاة) ش: يعني المذكور في كتاب الزكاة المذكور في الأصل وهو
" المبسوط " لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا م: (ولا يؤخذ) ش: أي العشر م:
(من القليل وإن كانوا يأخذون منه) ش: أي من القليل م: (لأن القليل لم يزل
عفوا) ش: لنفقته عادة فأخذهم القليل ظلم، ولا متابعة في الظلم، ألا ترى
أنهم لو يأخذون جميع الأموال من التجار لا يؤخذ منهم الجميع لأنه غرر هكذا
في " المبسوط " وغيره.
وفي " المحيط ": إن أخذوا منا الجميع يؤخذ منهم الجميع إلا قدر ما يبلغهم
إلى مأمنهم م: (ولأنه) ش: أي ولأن القليل م: (لا يحتاج إلى الحماية) ش:
لأنه لا يلتفت إليه غالبا.
(3/396)
قال وإن مر حربي بمائتي درهم ولا يعلم كم
يأخذون منا نأخذ منه العشر لقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإن أعياكم
فالعشر، وإن علم أنهم يأخذون منا ربع عشر أو نصف عشر يأخذ بقدره، وإن كانوا
يأخذون الكل لا يأخذ الكل لأنه غدر، وإن كانوا لا يأخذون أصلا لا نأخذ
ليتركوا الأخذ من تجارنا، ولأنا أحق بمكارم الأخلاق. قال وإن مر الحربي على
عاشر فعشره، ثم مر مرة أخرى لم يعشره حتى يحول عليه الحول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن مر حربي بمائتي درهم
ولا يعلم كم يأخذون منا نأخذ منه العشر لقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
-: فإن أعياكم فالعشر) ش: قول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هذا غريب لم
يدر معناه، فإن عجزتم عن معرفة ما يأخذون منكم فيؤخذ العشر يقال: عييت بأمر
إذا لم يهتد لجهته وأعياني هو: عجزني، وقيل: هو مأخوذ من العي وهو الجهل،
فالمعنى فإن جهلكم يعنى إذا اشتبه الحال عليكم، لأن لم يعلم العاشر ما
يأخذونه من تجارنا يؤخذ منهم العشر.
م: (وإن علم أنهم يأخذون منا ربع عشر أو نصف عشر يأخذ بقدره، وإن كانوا
يأخذون الكل لا يأخذ الكل لأنه غرر) ش: لوقوعه بعد الحماية، والغرر حرام
ولأنه أمارة عدم الأمان، وفي " مبسوط" شيخ الإسلام: يؤخذ الكل، لأن ما يؤخذ
منهم بطريق المجازاة فيجازيهم بمثل صنعهم حتى ينزجروا م: (وإن كانوا لا
يأخذون أصلا) ش: أي وإن كان أهل الحرب لا يأخذون من تجارنا أصلا م: (لا
نأخذ) ش: منهم م: (ليتركوا الأخذ من تجارنا ولأنا أحق بمكارم الأخلاق) ش:
لأن عدم أخذهم من تجارنا يدل على الكرم منهم، ونحن أولى بذلك.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن مر الحربي على عاشر
فعشره) ش: أي فأخذ منه العشر م: (ثم مر مرة أخرى) ش: بعد دخوله دار الحرب
قبل حولان الحول م: (لم يعشره حتى يحول عليه الحول) ش: قيل: فيه تناقض،
لأنه قال: حتى يحول عليه الحول، ثم قال: لأنه لا يمكن من المقام إلا حولا،
وقال الأترازي: وقد تكلم بعضهم في تصحيح هذا اللفظ. وقال: المراد منه إلى
أن يحول عليه الحول، وهذا تكلف بعيد خارج عن العربية، فلعل السهو وقع من
الكاتب لأنه لا يجوز أن يكون كلام صاحب " الهداية " لأنه لا يمكن من المقام
حولا بدون حرف الاستثناء قبل قوله حولا، أو تجوز لأنه يمكن من المقام إلا
حولا بدون حرف النفي قبل قوله يمكن انتهى.
قلت: كأنه أراد بقوله -وقد تكلف بعضهم- بعض من كتب حاشية في هذا الموضع على
هذا الوجه.
وقال السغناقي في قوله: لا يمكن من المقام إلا حولا: أي إلا قريبا من
الحول، وكذا أوله الكاكي، ورأيت في بعض النسخ كلمة إلا مكشوطة فكأنهم
كشطوها حتى لا يرد على المصنف بشيء وليس هذا بصحيح، فإن الشراح كلهم ذكروا
كلمة إلا وأجاب كل واحد بجواب.
(3/397)
لأن الأخذ في كل مرة استئصال المال، وحق
الأخذ لحفظه ولأن حكم الأمان الأول باق وبعد الحول يتجدد الأمان، لأنه لا
يمكن من المقام إلا حولا، والأخذ بعده لا يستأصل المال، وإن عشره فرجع إلى
دار الحرب ثم خرج من يومه ذلك عشره أيضا، لأنه رجع بأمان جديد، وكذا الأخذ
بعده لا يفضي إلى الاستئصال.
وإن مر ذمي بخمر أو خنزير عشر الخمر دون الخنزير، وقوله عشر الخمر، أي من
قيمتها. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يعشرهما لأنه لا قيمة لهما.
وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعشرهما لاستوائهما في المالية عندهم وقال
أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يعشرهما إذا مر بهما جملة، كأنه جعل
الخنزير تبعا للخمر،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لأن الأخذ في كل مرة استئصال المال) ش: أي استهلاك للمال م: (وحق الأخذ
لحفظه) ش: أي لحفظ المال، أراد الأخذ من الحربي لحفظ ماله لا لاستئصاله م:
(ولأن حكم الأمان الأول باق) ش: ما لم يحل الحول أو لم يرجع إلى دار الحرب
م: (وبعد الحول يتجدد الأمان لأنه لا يمكن من المقام إلا حولا) ش: قد مر
الكلام فيه آنفا م: (والأخذ بعده) ش: أي بعد الحول م: (لا يستأصل المال) ش:
لإمكان حصول الربح.
م: (وإن عشره) ش: أي وإن أخذ العاشر عشر الحربي م: (فرجع إلى دار الحرب ثم
رجع من يومه ذلك عشره أيضا) ش: أي يأخذ عشره ثانيا وثالثا، ولو كان في يوم
واحد لتجدد الأمان، وبه قال إسحاق وأبو ثور وأبو عبيد، عن عمر بن الخطاب
وعمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لا يكرر في السنة، وقال
أبو عبيد: هذا إذا كان المال الذي مر به بعينه في المرة الأولى، وإن كان
غيره أخذ منه م: (لأنه رجع بأمان جديد) ش: إذ العصمة تنقطع بالرجوع إلى
دارهم، وبالعود إلينا تثبت عصمة جديدة، فصار كالمال المتجدد فيؤخذ منه
ثانية كذا في "الإيضاح".
م: (وكذا الأخذ بعده) ش: أي بعد الرجوع م: (لا يفضي إلى الاستئصال) ش:
لاحتمال حصول الربح في سفره فأقيم نفس السفر مقامه.
م: (فإن مر ذمي بخمر أو خنزير) ش: أي مر بهما بنية التجارة وهما يساويان
مائتي درهم م: (عشر الخمر دون الخنزير) ش: أي لا يعشر الخنزير م: (وقوله)
ش: أي وقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (عشر الخمر أي من قيمتها) ش: أي
من قيمة الخمر، إنما فسر بهذا احترازا عن قول مسروق، فإنه يقول: يأخذ من
عين الخمر.
م: (وقال الشافعي: لا يعشرهما، لأنه لا قيمة لهما) ش: أي للخمر والخنزير م:
(وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يعشرهما لاستوائهما في المالية عندهم) ش:
وكذا في التقويم في حق أهل الذمة، ولهذا يجب الضمان على متلف خنزير الذمي
كما يجب على متلف خمره فيعشرهما.
م: (وقال أبو يوسف: يعشرهما إذا مر بهما جملة كأنه) ش: أي كأن أبا يوسف م:
(جعل الخنزير تبعا للخمر) ش: لأن مالية الخمر أظهر، بدليل أن المسلم يرث
الخمر، ولو أخرجت من دار الحرب تدخل في الغنيمة ويملكها المسلم حتى لو
تخللت تصير ملكا له، والمكاتب لو عجز وله
(3/398)
فإن مر بكل واحد على الانفراد عشر الخمر
دون الخنزير. ووجه الفرق على الظاهر أن القيمة في ذوات القيم لها حكم العين
والخنزير منها، وذوات الأمثال ليس لها هذا الحكم والخمر منها، ولأن حق
الأخذ للحماية والمسلم يحمي خمر نفسه للتخليل، وكذا يحميها على غيره ولا
يحمي خنزير نفسه بل يجب تسييبه بالإسلام، فكذا لا يحميه على غيره،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
خمر يصير ملكا للمولى بخلاف الخنزير فجعله تبعا للخمر أولى.
م: (فإن مر بكل واحد على الانفراد عشر الخمر دون الخنزير) ش: لعدم التبعية،
كما أن أبا حنيفة لا يقسم العبيد، فإذا انضمت إلى سائر الأموال يقسمها تبعا
(ووجه الفرق على الظاهر) أي على ظاهر الرواية أن الخنزير لا يعشر عندهما
سواء مر بهما أو على الانفراد م: (أن القيمة في ذوات القيم) ش: احترز به عن
ذوات الأمثال م: (لها حكم العين والخنزير منها) ش: ولهذا لو تزوج ذمي ذمية
على خنزير فأتاها بالقيمة أجبرت على القبول كما لو أتاها بالعين.
م: (وفي ذوات الأمثال ليس لها هذا الحكم) ش: أي لا يكون في معنى المثلين
لأن ما يكون من ذوات الأمثال يجب أن يكون بدله مثلا له اعتبارا بما ضمنه
المغصوب، وإذا لم يكن مثلا لها لا يكون أخذها كأخذها ولا كذلك الخنزير،
لأنه من ذوات الأمثال وأخذ القيمة فيما لا يكون من ذوات الأمثال ينزل منزلة
أخذ العين، والدليل على ذلك أنه لو تزوجها على خمر فأتاها بالقيمة لم تجبر
على القبول.
فإن قيل: لا نسلم أن القيمة لها حكم العين في ذوات القيم، ألا ترى أن الذمي
إذا باع داره بخنزير وشفيعها مسلم يأخذها بقيمة الخنزير، فلو كان لها حكم
العين لما أخذ القيمة كما لا يأخذ عين الخنزير، وأجيب بأن القيمة إنما
أقيمت مقام العين حكما لا حقيقة فصار لها شبهة العين وهذه الشبهة لم تعتبر
في حق العباد لاحتياجهم بخلاف العشر وهو حق الله عز وجل، حيث اعتبرت بهذه
الشبهة لاستغنائه تعالى.
فإن قيل: ينتقض ما ذكرتم بذمي أخذ قيمة خنزير له استهلكه ذمي آخر وقضى بها
دينا عليه لمسلم فإنه جائز، ولو كان أخذ القيمة كأخذ العين لم جاز القضاء؟
وأجيب بأنه لما قضى بها دينا عليه وقعت المعاوضة بينه وبين صاحب الدين،
وعند ذلك يختلف السبب، واختلاف الأسباب ينزل منزلة اختلاف الأعيان.
م: (والخمر منها) ش: أي من ذوات الأمثال م: (ولأن حق الأخذ للحماية والمسلم
يحمي خمر نفسه للتخليل وكذا يحميها على غيره ولا يحمي خنزير نفسه بل يجب
تسييبه بالإسلام، فكذا لا يحميه على غيره) ش: هذا لأن الأصل في الولايات
ولاية المرء على نفسه ثم تعدى إلى غيره عند وجود سبب التعدي وللمسلم ولاية
خمور نفسه، حتى إن الذمي إذا أسلم وله خمور كان له أن يحفظها أو يحفظها
غيره لتخللها، أو تتخلل بنفسها، فيكون له ولاية حماية خمور غيره عند وجود
(3/399)
ولو مر صبي أو امرأة من بني تغلب بمال فليس
على الصبي شيء، وعلى المرأة ما على الرجل لما ذكرنا في السوائم ومن مر على
عاشر بمائة درهم وأخبره أن له في منزله مائة أخرى قد حال عليها الحول لم
يزك المائة التي مر بها لقلتها وما في بيته لم يدخل تحت حمايته، فلو مر
بمائتي درهم بضاعة لم يعشرها، لأنه غير مأذون بأداء زكاتها.
قال: وكذا المضاربة، يعني إذا مر المضارب به على العاشر، وكان أبو حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول أولا: يعشرها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
سبب التعدي وهو السلطنة، وليس للمسلم حماية خنزير نفسه حتى إن الذمي إذا
أسلم وجب عليه أن يسيبها ولا يحل له أن يحفظها، ولا يكون له ولاية حماية
خنزير غيره عند وجود سبب التعدي.
وقال الكاكي: قوله: ولا يحميه على غيره عند وجود سبب التعدي، فإن قيل:
المسلم أو الذمي إذا غصب خنزير ذمي وتحاكما إلى القاضي فالقاضي يأمره بالرد
والتسليم والأمر بها حماية، قلنا: إذا لم يكن له حماية خنزير نفسه لا يكون
له ولاية حماية خنزير غيره، وهاهنا لو حماه حماه لغرض يستوفيه ولا كذلك
القضاء فافترقا.
م: (ولو مر صبي أو امرأة من بني تغلب بمال) ش: إنما قيده ببني تغلب لأن
الصبي من أهل الحرب المار على العاشر يظن أنها مال التجارة يؤخذ منه العشر،
لأن المأخوذ من بني تغلب له حكم الزكاة، والمأخوذ من الحربي على وجه
المجازاة لأنه عوض الحماية، والظاهر أنهم يأخذون من صبياننا حتى لو علم
أنهم لا يأخذون من صبياننا لا نأخذ من صبيانهم أيضا م: (فليس على الصبي شيء
وعلى المرأة ما على الرجل لما ذكرنا في السوائم) ش: أي المأخوذ منهم في حكم
الزكاة فيؤخذ من النساء دون الصبيان، لما أن صاحب مال التجارة لما مر على
العاشر صار بمنزلة السوائم في الحاجة إلى الحماية.
م: (ومن مر على عاشر بمائة درهم) ش: سواء كان المار مسلما أو ذميا، م:
(وأخبره أن له في منزله مائة أخرى قد حال عليها الحول لم يزك المائة التي
مر بها، لقلتها) ش: لأن أدنى ما يستحق بحماية شيء هو النصاب م: (وما في
بيته لم يدخل تحت حمايته) ش: فلا يضم بما مر به إلى ما في بيته فلا يعشر.
م: (فلو مر بمائتي درهم بضاعة) ش: قال الأترازي: قوله: بضاعة، بالجر على
أنها صفة لما قبلها، وقيل: يحتمل أن تكون حالا، وفيه نظر، والبضاعة طائفة
من المال تدفع للرجل ليتجر فيه لنفسه م: (لم يعشرها لأنه غير مأذون له
بأداء زكاتها) ش: أي زكاة المائتين بضاعة، بل هو مأذون في التجارة، فلو أخذ
غير الزكاة وليس له أخذ شيء سوى الزكاة.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وكذا المضاربة يعني إذا مر
المضارب به على العاشر) ش: أي بمال المضاربة م: (وكان أبو حنيفة - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - يقول أولا: يعشرها) ش: أي المضارب
(3/400)
لقوة حق المضارب حتى لا يملك رب المال نهيه
عن التصرف فيه بعدما صار عروضا فنزل منزلة المالك ثم رجع إلى ما ذكره في
الكتاب وهو قولهما، لأنه ليس بمالك ولا نائب عنه في أداء الزكاة، إلا أن
يكون في المال ربح يبلغ نصيبه نصابا فيؤخذ منه لأنه مالك له، ولو مر عبد
مأذون له بمائتي درهم وليس عليه دين عشره. قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ
- لا أدري أن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - رجع عن هذا أم لا؟ وقياس قوله
الثاني في المضاربة وهو قولهما إنه لا يعشره، لأن الملك فيما في يده للمولى
وله التصرف، فصار كالمضارب، وقيل في الفرق بينهما أن العبد يتصرف لنفسه حتى
لا يرجع بالعهدة على المولى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أي مالها م: (لقوة حق المضارب) ش: لأنه صار بمنزلة المالك م (حتى لا يملك
رب المال نهيه) ش: أي نهي المضارب م: (عن التصرف فيه بعدما صار عروضا) ش:
أي بعدما صار مال المضاربة عروضا، أي له أمتعة بالبيع والشراء.
م: (فنزل منزلة المالك) ش: بتصرفه المطلق م: (ثم رجع) ش: أي أبو حنيفة -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (إلى ما ذكر في الكتاب) ش: وهو " الجامع الصغير
" وهو أن المضارب إذا مر بمائتي درهم لم يعشرها م: (وهو قولهما) ش: أي الذي
رجع إليه هو قول أبي يوسف ومحمد م: (لأنه) ش: أي لأن المضارب م: (ليس
بمالك) ش: وهو ظاهر م: (ولا نائب عنه) ش: أي عن المالك م: (في أداء الزكاة)
ش: بل هو نائب في حق التجارة لا غير، والنائب يقتصر ولايته على ما فوض
إليه، فكان بمنزلة المستبضع.
م: (إلا أن يكون في المال ربح يبلغ نصيبه نصابا) ش: أي لأن المضارب بلغ
نصابا.
م: (فيؤخذ منه) ش: أي العشر من نصيبه م: (لأنه مالك له) ش: أي لأن المضارب
مالك للنصاب الذي هو حقه في الربح.
م: (ولو مر عبد مأذون له بمائتي درهم وليس عليه دين عشره) ش: أي عشر العاشر
العبد المأذون له في التجارة م: (وقال أبو يوسف: لا أدري أن أبا حنيفة رجع
عن هذا أم لا) ش: قال الكاكي: والصحيح أن رجوعه في المضارب رجوع في العبد
المأذون.
م: (قلت: وكذا ذكر في " المفيد " و" المريد " و" شرح مختصر الكرخي ".
وقياس قوله الثاني في المضاربة وهو قولهما أنه لا يعشره لأن الملك وما في
يده للمولى وله التصرف م: (لأن الإذن إطلاق وفك عن الحجر فصار كالمضارب) ش:
أي فصار العبد المأذون كالمضارب في أنه ليس بمالك ولا نائب عن مولاه.
م: (وقيل في الفرق بينهما) ش: أي بين العبد المأذون له والمضارب م: (أن
العبد يتصرف لنفسه حتى لا يرجع بالعهدة) ش: عند ظهور المستحق أي م: (على
المولى) ش: بل يباع فيها، وما زاد
(3/401)
فكان هو المحتاج إلى الحماية، والمضارب
يتصرف بحكم النيابة حتى يرجع بالعهدة على رب المال فكان رب المال هو
المحتاج إلى الحماية، فلا يكون الرجوع في المضارب رجوعا منه في العبد وإن
كان مولاه معه يؤخذ منه، لأن الملك له إلا إذا كان على العبد دين يحيط
بماله لانعدام الملك أو للشغل وقال: ومن مر على عاشر الخوارج في أرض قد
غلبوا عليها فعشره يثني عليه الصدقة، معناه إذا مر على عاشر أهل العدل لأن
التقصير جاء من قبله من حيث إنه مر عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فيطالب به بعد العتق م: (فكان هو المحتاج إلى الحماية، والمضارب يتصرف بحكم
النيابة حتى يرجع بالعهدة على رب المال، فكان رب المال هو المحتاج إلى
الحماية فلا يكون الرجوع في المضارب رجوعا منه في العبد، وإن كان مولاه
معه) ش: أي وإن كان مولى العبد المأذون معه م: (يؤخذ منه) ش: أي من المولى
م: (لأن الملك له) ش: أي للمولى م: (إلا إذا كان على العبد دين يحيط بماله)
ش: فحينئذ لا يؤخذ من المولى أيضا بالاتفاق م: (لانعدام الملك) ش: على أصل
أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لان المولى لا يملك ما في يده، ولهذا إذا
أعتق عبده المأذون لا يصح عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أو
للشغل) ش: بفتح الشين يعنى العبد مشغولا بالدين عندهما، والحاصل أن عندهما
أيضا لا يؤخذ وإن كان يملك المولى ما في يده على أصلهما، لكن كونه مشغولا
بالدين يمنع عن الأخذ.
فقوله: لانعدام الملك، يرجع إلى أبي حنيفة على أصله وقوله -أو للشغل- يرجع
إلى أبي يوسف ومحمد على أصلهما.
م: (قال) ش أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ومن مر على عاشر الخوارج في
الأرض قد غلبوا عليها فعشره) ش: أي فعشر عاشر الخوارج هذا المال عليه، أي
أخذ منه العشر م: (يثني عليه الصدقة) ش: أي تؤخذ منه ثانيا م: (معناه إذا
مر على عاشر أهل العدل، لأن التقصير جاء من قبله) ش: أي من قبل المار م:
(من حيث إنه مر عليه) ش: أي على عاشر الخوارج، وأما إذا غلب أهل البغي
فأخذوا العشر لا يؤخذ ثانيا، لأن التقصير ما جاء من قبله بل جاء من قبل
السلطان حيث ضيعهم فلم يحمهم والأخذ بالحماية.
(3/402)
|