البناية
شرح الهداية باب زكاة الزروع والثمار قال أبو حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ -: في قليل ما أخرجته الأرض وكثيره العشر سواء سقي سيحا
أو سقته السماء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب زكاة الزروع والثمار]
[حكم زكاة الزروع والثمار]
[نصاب زكاة الزروع والثمار والمقدار الواجب
فيه]
م: (باب زكاة الزروع والثمار) ش: أي هذا باب في بيان أحكام الزروع والثمار
لما فرغ من بيان العبادات المالية المطلقة شرع في بيان العبادة المالية
المقيدة وهذا العشر عبادة فيها معنى المؤنة على ما عرف فيكون مقيدا، وإطلاق
اسم الزكاة عليه -أي العشر- يصرف مصارف الزكاة.
وقال الإمام بدر الدين الكردري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فتسمية الزكاة هاهنا
خرجت على قولهما لأنهما يشترطان النصاب والبقاء فكان هو فرع زكاة، ولم يقدم
صدقة الفطر على العشر لأن مناسبة العشر بالزكاة أقوى لكون كل واحد منهما
بناء على القدرة الميسرة ولاتحاد سببها وهو الملك، بخلاف صدقة الفطر، لأن
سببها الرأس والأصل في وجوب العشر قَوْله تَعَالَى: {أَنْفِقُوا مِنْ
طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ}
[البقرة: 267] (البقرة: الآية 267) .
قال المفسرون الإنفاق من المكسوب إخراج الزكاة والإنفاق من المخرج من الأرض
إخراج العشر، وقَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}
[الأنعام: 141] (الأنعام: الآية 141) وقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فيما رواه البخاري من حديث الزهري عن سالم عن ابن عمر - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر»
. وأخرج مسلم من حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فيما سقته السماء والأنهار والعيون
العشر وفيما سقي بالسانية نصف العشر» .
م: (قال أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: في قليل ما أخرجته الأرض
وكثيره العشر) ش: الأصل عشره أن كل ما تسبب في الحبان ويقصد به استيفاء
اشتغال الأرض ففيه العشر الحبوب والبقول والرطاب والرياحين والوسمة
والزعفران والورد والورس، وهو مذهب إبراهيم النخعي ومجاهد وحماد وزفر وبه
قال عمر بن عبد العزيز ذكره أبو عمر، ويروى عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا - وقال ابن المنذر: لا نعلم أحدا قاله غير النعمان، قال السروجي:
لقد كذب في ذلك فإنه لا يخفى عنه من قاله غيره، وإنما تعصبه حمله على أن
قال مثله.
م: (سواء سقي سيحا) ش: السيح الماء الجاري من ساح الماء سيحا إذا جرى على
وجه الأرض، وانتصابه على أنه مفعول ثان لسقي كما في قَوْله تَعَالَى
{وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا} [محمد: 15] (محمد: الآية 15) ، م: (أو سقته
السماء) ش: أي المطر قال الله تعالى: {وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ
مِدْرَارًا} [الأنعام: 6] فإن قلت: كان حقه أن يقول: العشر ونصف العشر لأن
الواجب أحد هذين على ما جاء في الحديث الذي مضى.
(3/417)
إلا القصب والحطب والحشيش، وقالا: لا يجب
العشر إلا فيما له ثمرة باقية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: هذا من تسمية الشيء بأغلب الاسمين، لأن وجوب العشر في بلاد المسلمين
أكثر، أو الأراضي التي تستقي من الأنهار أو من المطر أكثرهما يسقى بالدوالي
ونظيره العمران في أبي بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لأن خلافة
عمر كانت أمد من ولاية أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيكون عدل عمر
أكثر فكذا هذا.
م: (إلا القصب والحطب والحشيش) ش: وكذلك يستثنى التين والسعف، وذكر في "
المبسوط ": الطرفاء عوض الحطب، والسعف روق جريد النخل الذي يصنع منه
المراوح وغيرها والمراد بالقصب الفارسي وهو الذي يدخل في الأبنية ويتخذ منه
الأقلام، قيل هذا إذا كان القصب ينبت في الأرض والجبال، أما لو غرز الأرض
بقصبه فإنه يجب فيه العشر، ذكر الأسبيجابي والمرغيناني والوبري وتجب في قصب
السكر والذريرة، وروى أصحاب الإملاء عن أبي يوسف أنه لا شيء في قصب الذريرة
وهي رواية عن أبي حنيفة، وفي مضغه حراقه ومسحوقه عطر يضرب إلى البياض بصفرة
يجلب من الهند ويجعل في الأروية وسمي ذريرة لأنه يدق ذرة ذرة، وسيجيء
الكلام فيه في الكتاب.
م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله- م: (لا يجب العشر غلا فيما
له ثمرة باقية) ش: كالحنطة والشعير والذرة والجوز واللوز والفستق والبندق
والعدس والحمص والباقلاء والجلبان والماعن واللوبيا ونحوهما وهو قول
الشافعي وفي " المبسوط " وأوجبا في الجوز واللوز وفي الفستق على قول أبي
يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعلى قول محمد لا تجب، وفي " المرغيناني " عن
محمد أنه لا عشر في التين والفستق والجوز واللوز والنبق والتوت والموز
والخرنوب، وعنه يجب في التين والفستق.
قال الكرخي: وهو الصحيح عنه ولا في الأهليلجة وسائر الأدوية والسدر
والأشنان، ويجب فيما يجيء منه ما يبقى سنة مثل العنب والرطب وغيرهما، وعن
محمد إن كان العنب لا يجيء منه الزيت لرقته لا يجب فيه العشر ولا يجب في
الصفر والصنوبر والحلبة، وعن أبي يوسف أنه أوجب العشر في الحناء، قال محمد:
لا شيء فيه كالرياحين، وفي " المبسوط " عن محمد في التين والأجاص والعناب
روايتان وفي الثوم والبصل روايتان.
وذكر في " العيون " التين الذي ييبس يجب فيه العشر ولا عشر في التفاح
والخوخ الذي يسقى وييبس ولا شيء في بذر البطيخ والقثاء والخيار والرطب، وكل
يذر لا يصلح إلا للزراعة ذكره القدوري، ويجب في بذر العنب دون عيدانه، ويجب
في الكمون والكراوية والخردل لأن ذلك من جملة الحبوب.
ولا زكاة عند الشافعية في التين والسفرجل والرمان والخوخ والجوز واللوز
وسائر
(3/418)
إذا بلغ خمسة أوسق والوسق ستون صاعا بصاع
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وليس في الخضروات عندهما عشر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الثمار سوى الرطب والعنب ولا في الزيتون في الجديد وفي الورس في الجديد،
وأوجبها في القديم من غير شرط النصاب في قليله وكثيره ولا يجب في الترمس في
الجديد، وقول مالك مثل قول الشافعي وزاد عليه وجوب العشر في الترمس والسمسم
والزيتون، والوجوب في الزيتون قول الزهري والأوزاعي والثوري والليث ورواية
عن أحمد وهو مذهب ابن عباس وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
وقال أحمد: يجب فيما به البقاء واليبس والكيل من الحبوب والثمار سواء كان
قواما كالحنطة والشعير والسلق وهو نوع من الشعير، وفي " المغرب " نوع من
الشعير لا قشر له يكون بالغور والحجاز والعلس وهو نوع من الحنطة يزعم أهله
أنه إذا خرج من قشره لا يبقى بقاء غيره من الحنطة ويكون منه حبتان وثلاث في
كمام واحد وهو طعام اأهل صنعاء. وفي " المغرب " هو بفتحتين حبة سوداء إذا
أجدب الناس خلطوها وأكلوها.
م: (إذا بلغ خمسة أوسق) ش: ذكرت ثلاثة قيود في مذهب الصاحبين الأول: الثمرة
احترازا عن غير الثمرة، والثمرة اسم لشيء متفرع من أصل يصلح للآكل.
الثاني: البقاء وحده أن يبقى سنة في الغالب من غير معالجة كثيرة كالحنطة
والشعير وغيرهما، واحترز به من الورد والآس والوسمة.
الثالث: أن يبلغ خمسة أوسق، والوسق ستون صاعا بصاع النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
الوسق بقتح الواو، وروي بكسرها أيضا ذكره القاضي عياض وهو ستون صاعا، قال
الخليل: هو حمل البعير، والوقر حمل البغل والحمار، والوسق عند محمد -
رَحِمَهُ اللَّهُ - أربعمائة رطل وثمانون رطلا بالبغدادي وخمسة آلاف رطل
وأربعمائة رطل، وعند أبي يوسف ألف وستمائة رطل وبه قال الشافعي ومالك
وأحمد، والوسق ثلاثمائة رطل وعشرون رطلا بالبغدادي عندهم.
وقال السغناقي: م: (والوسق ستون صاعا بصاع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -) ش: فخمسة أوسق ألف ومائتا مَنٍّ، لأن كل صاع أربعة. وقال شمس
الأئمة: هذا قول أهل الكوفة، وقال أهل البصرة: الوسق ثلاثمائة مَنٍّ.
[الزكاة في الخضروات]
م: (وليس في الخضروات عندهما عشر) ش: والخضروات بفتح الخاء لا غير نحو
الفواكه كالتفاح والكمثرى وغيرهما، والبقول كالكراث والكرفس، واستشكل ابن
الأثير في " النهاية " جمع الخضراء على الخضروات.
قال: وقياس ما كان على هذا الوزن من الصفات لا يجمع على هذا الجمع إنما
يجمع به ما
(3/419)
فالخلاف في موضعين في اشتراط النصاب وفي
اشتراط البقاء لهما في الأول قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
«ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» ولأنه صدقة فيشترط النصاب فيه لتحقق الغنى،
ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «ما أخرجت الأرض ففيه العشر» من غير فصل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كان اسما لا صفة نحو صحراء وخنفساء قال وإنما جمع هذا الجمع لأنه قد صار
اسما لهذه البقول لا صفة م: (فالخلاف) ش: يعني بين أبي حنيفة وصاحبيه م:
(في موضعين) ش: أحدهما م: (في اشتراط النصاب) ش: والآخر قوله: م: (وفي
اشتراط البقاء) ش: فأبو حنيفة لم يشترطهما وهما شرطاهما.
م: (لهما في الأول) ش: أي لأبي يوسف ومحمد في الأول وهو اشتراط النصاب م:
(قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» ش: هذا
الحديث رواه البخاري ومسلم من حديث يحيى بن عمارة عن أبي سعيد الخدري -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «ليس فيما دون خمسة ذود صدقة، وليس فيما دون خمسة أواق صدقة»
.
و «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» . وفي لفظ لمسلم: «ليس في حب ولا عنب ولا
تمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق» ، وزاد أبو داود فيه: «والوسق ستون مختوما»
وزاد ابن ماجه «والوسق ستون صاعا» . والمراد من الصدقة العشر لأن زكاة
التجارة تجب فيما دون خمسة أوسق إذا بلغت قيمته مائتي درهم.
م: (ولأنه صدقة فيشترط النصاب فيه لتحقق الغنى) ش: هذا دليل عقلي أي ولأن
العشر صدقة كالزكاة يتعلق بها أداء المال أو بدليل على أنه لا يجب على
الكافر ابتداء ويصرف مصارف الصدقات وقيمة خمسة أوسق مائتا درهم فيشترط فيه
النصاب لأجل تحقق الغنى.
م: (ولأبي حنيفة قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي قول
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: (ما أخرجته الأرض ففيه
العشر، من غير فصل) ش: هذا الحديث غريب بهذا اللفظ، ومعناه ما أخرجه
البخاري عن الزهري عن سالم عن ابن عمر.. الحديث، وقد ذكرناه في أول الباب
وليس فيه إشارة إلى النصاب لأنه عام يتناول القليل والكثير فيدل على الوجوب
من غير قيد.
وإخراج لبعض الخارج عن الوجوب وإخلائه عن حقوق الفقراء، وقال أبو بكر بن
العربي في " عارضة الأحوذي " وأقوى المذاهب في المسألة مذهب أبي حنيفة
دليلا وأحوطها للمساكين وأولاها قياما شكرا للنعمة وعليه يدل عموم الآية
والحديث.
فإن قلت: العشر يشبه الزكاة من حيث أن يصرف إلى أهل السهمين المذكورين في
الآية فيجب أن يكون لماليته عفو ونصاب.
(3/420)
وتأويل ما روياه زكاة التجارة لأنهم كانوا
يتبايعون بالأوساق وقيمة الوسق أربعون درهما ولا معتبر بالمالك فيه فكيف
بصفته وهو الغنى، ولهذا لا يشترط الحول لأنه للاستنماء وهو كله نماء،
ولهما في الثاني قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ليس في
الخضروات صدقة»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: العشر كالخمس حتى إذا أخذ مرة لا يؤخذ ثانيا، وإن تكرر السنون فيبقى
الباقي لرب المال، والعشر يجب على الفقراء فيجب أن لا يتعلق بقدر معين لما
أنه يجب تحقق الأرض فيجب في القليل والكثير. قوله -من غير فصل- ليس من
الحديث، يعني من غير فرق بين القليل والكثير.
م: (وتأويل ما روياه زكاة التجارة) ش: هذا جواب عن حديثهما المذكور أي
بتأويل ما رواه أبو يوسف ومحمد أنه محمول على زكاة التجارة م: (لأنهم كانوا
يتبايعون بالأوساق، وقيمة الوسق أربعون درهما) ش: فيكون قيمة خمسة أوسق
مائتي درهم، وكان كذلك في ذلك الوقت غالبا فأدير الحكم على ذلك إذ الكيل
كان أيسر عليهم.
م: (ولا معتبر بالمالك فيه فكيف بصفته وهو الغنى) ش: هذا جواب عن قوله
لتحقق الغنى أي لا اعتبار بالمالك في العشر، ولهذا يجب العشر في الأرض
الموقوفة وأرض المكاتب، فإذا لم يعتبر المكاتب فكيف يعتبر بصفة وهو الغنى
الحاصل بالنصاب، وذكر في " المبسوط ": إن كانت الأرض لمكاتب أو لصبي أو
مجنون وجب العشر في الخارج منها عندنا.
وقال الشافعي: لا شيء في الخارج من أرض المكاتب والعشر عنده قياس الزكاة
فلا يجب إلا باعتبار المالك، أما عندنا فالعشر مؤنة الأرض النامية كالخراج،
فالمكاتب والحر فيه سواء، وكذلك الخارج من الأرض الموقوفة على الرباطات
والمساجد يجب فيه العشر عندنا وعند الشافعي لا تجب إلا في الموقوفة على
أقوام بأعيانهم فإنهم كالملاك.
م: (ولهذا لا يشترط الحول) ش: والأصل عدم اشتراط غنى المالك بالنصاب لا
يشترط الحول في العشر م: (لأنه) ش: أي لأن الحول يشترط م: (للاستنماء) ش:
أي لطالب النماء م: (وهو) ش: أي الذي يجب فيه العشر م: (كله نماء) ش: لأن
وجوبه يتعلق بالأرض النامية والخراج يجب في قليل الخارج فكذا العشر.
م: (ولهما في الثاني) ش: أي ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد في
اشتراط البقاء م: (قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي قول
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «ليس في الخضروات صدقة»
ش: هذا الحديث روي عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وهم
معاذ وطلحة وعلي ومحمد بن عبد الله بن جحش وأنس وعائشة وعبد الله بن عمر
وخالد بن عبد الله وأبو موسى الأشعري وعمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ -. أما حديث معاذ بن جبل فرواه الترمذي، حدثنا علي بن حزم أنا
عيسى بن يونس عن الحسن بن عمارة عن محمد بن عبد الرحمن بن عبيد عن عيسى بن
طلحة «عن معاذ أنه كتب
(3/421)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسأله عن الخضروات وهي
البقول فقال: "ليس فيها شيء» ، قال أبو عيسى: إسناد هذا الحديث ليس بصحيح
وليس يصح في هذا الباب شيء عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-.
وإنما يروى هذا عن موسى بن طلحة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - مرسلا، والحسن بن عمارة ضعفه شعبة وغيره وتركه عبد الله بن
المبارك. وقال شيخنا زين الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ - حديث معاذ تفرد
بإخراجه الترمذي.
وأما حديث طلحة بن عبيد الله فأخرجه الطبراني في "الأوسط " من حديث موسى بن
طلحة عن أبيه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
«ليس في الخضروات صدقة» ، وهو ضعيف، وأما حديث علي فأخرجه الدارقطني
والبيهقي من رواية الصعب بن حبيب قال: سمعت أبا رجاء العطاردي يحدث عن ابن
عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ليس في
الخضروات صدقة، ولا في العرايا صدقة» ، الحديث قال ابن حبان: الصعب بن حبيب
يأتي عن الثقات بالمقلوبات، وقال صاحب " الميزان ": ولا يكاد يعرف.
وأما حديث محمد بن عبد الله بن جحش فأخرجه الدارقطني بإسناده «عن رسول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه أمر معاذ بن جبل حين بعثه إلى
اليمن أن يأخذ من كل أربعين دينارا دينارا.» الحديث، وفي آخره: «وليس في
الخضروات صدقة» ، وفي إسناده عبد الله بن شبيب فإنه ضعيف، قال أبو أحمد
الحاكم: ذاهب الحديث.
وأما حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فأخرجه الدارقطني أيضا ومن
طريقه البيهقي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «جرت السنة من
لدن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليس فيما دون خمسة
أوسق زكاة» الحديث، وفي آخره: «وليس فيما أنبتت الأرض من الخضر زكاة» ، وفي
إسناده صالح بن موسى الطلحي وهو ضعيف. وقال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن
معين: ليس
(3/422)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بشيء، وقال النسائي: متروك.
وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه الدارقطني أيضا من رواية أشعث بن عطاف
ثنا العرزمي عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال: «سئل عبد الله بن عمرو عن الجوهر
والدر والفصوص» .. الحديث وفيه «وليس في البقول زكاة» وقال شيخنا زين
الدين: لم يتكلم الدارقطني في إسناده وهو ضعيف.
فإن العزرمي الذي لم يسم فيه هو محمد بن عبد الله العزرمي قال أحمد: ترك
الناس حديثه، وقال ابن معين: لا يكتب حديثه، وقال الفلاس: متروك وقال
النسائي: ليس بثقة، وقال صاحب " الميزان ": هو من شيوخ شعبة المجمع على
ضعفهم ولكن كان من عباد الله الصالحين.
وأما حديث جابر بن عبد الله فأخرجه الدارقطني من رواية عدي بن الفضل عن
أيوب عن عمرو بن دينار عن جابر قال: لم يكن المقاثي فيما جاء به معاذ إنما
أخذ الصدقة من البر والشعير والتمر والزبيب، وليس في المقاثي شيء، وقد كانت
تكون عندنا المقثاة تخرج عشرة آلاف فلا يكون فيها شيء، ولم يتكلم الدارقطني
في إسناده، وهو ضعيف، فإن عدي بن الفضل متروك الحديث قاله ابن معين وأبو
حاتم.
وأما حديث أبي موسى الأشعري فأخرجه الطبراني والحاكم في "مستدركه " ومن
طريقهما البيهقي من رواية طلحة بن يحيى عن أبي هريرة «عن أبي موسى ومعاذ بن
جبل حين بعثهما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى اليمن
يعلمان الناس من أمر دينهم لا تأخذا الصدقة إلا من هذه الأربعة، الشعير
والحنطة والزبيب والتمر» قال الحاكم: إن إسناده صحيح أورده شاهد الحديث عن
موسى بن طلحة عن معاذ مرفوعا «فيما سقت السماء والبعل والسيل» وفي آخره:
فأما القثاء والبطيخ والرمان والقصب فقد عفا عنه رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وأما حديث عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأخرجه الدارقطني في
سننه من رواية عبد العزيز بن أبان عن محمد بن عبد الله عن الحكم عن موسى بن
طلحة عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «إنما سن رسول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزكاة في هذه الأربعة، الحنطة
والشعير والزبيب والتمر» وعبد العزيز بن أبان القرشي قاضي واسط ضعيف جدا
منسوب بوضع الحديث.
(3/423)
والزكاة غير منفية فتعين العشر.
وله ما روينا ومرويهما محمول على صدقة يأخذها العاشر وبه أخذ أبو حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه، ولأن الأرض قد تستنمى بما لا يبقى والسبب هي الأرض
النامية ولهذا يجب فيها الخراج، أما الحطب والقصب والحشيش لا تستنبت في
الجنان عادة بل تنقى عنها حتى لو اتخذها مقصبة أو مشجرة أو منبتا للحشيش
يجب فيها العشر،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والزكاة غير منفية فتعين العشر) ش: يعني في الحديث ليس فيه ما يدل على
نفي الزكاة فتعين نفي العشر. وقال تاج الشريعة: يعني لو كان نصابه في بعض
الحول رطبا لا ينقطع عنه حكم الحول بل تجب الزكاة عند الحول.
م: (وله ما روينا) ش: أي ولأبي حنيفة ما روينا وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما أخرجت الأرض ففيه العشر» م: (وما روياه محمول
على صدقة يأخذها العاشر) ش: أي ما رواه أبو يوسف ومحمد محمول على صدقة
يأخذها العاشر لأجل الفقراء عند إباء المالك عن دفع القيمة م: (وبه أخذ أبو
حنيفة) ش: أي وبهذا المحمل المذكور أخذ أبو حنيفة م: (فيه) ش: أي في الحديث
الذي روياه وهو قوله: «ليس في الخضروات صدقة» فيكون عاملا بالحديثين.
م: (ولأن الأرض قد تستنمى بما يبقى) ش: أي قد يطلب النماء من الأرض بما لا
يبقى كالخضروات، والاستنماء بها فوق الاستنماء بما يبقى كالحنطة والشعير
لأن نفع الخضروات أنفع، ألا ترى أن محمدا وضع الخراج على الكرم أكثر مما
وضع على الزرع لأن نفعه أبلغ م: (والسبب هي الأرض النامية) ش: الواو فيه
للحال والعامل فيها يستنمى أي والحال أن السبب هي الأرض النامية وهي
موجودة، فلم يجب العشر فيما لا يبقى يلزم إخلاء السبب عن الحكم في موضع
يحتاط في إثبات ذلك الحكم هو لا يجوز.
م: (ولهذا يجب فيها الخراج) ش: أي ولأجل كون السبب هو الأرض النامية يجب
فيها الخراج، وفي بعض النسخ يجب فيه الخراج على تأويل المكان.
م: (وأما الحطب والقصب والحشيش لا يستنبت في الجنان عادة) ش: لما ذكر هذه
الأشياء في أول الباب على وجه الاستثناء ولم يبين وجهه ذكر هنا تعليل عدم
الوجوب فيها بقوله -أما- التقصيلية قوله -لا يستنبت- أي لا يطلب إنباتها في
الجنان أي في البساتين عادة م: (بل ينقى عنها) ش: أي بل ينقى الجنان عن هذه
الأشياء، وينقى من التقنية م: (حتى لو اتخذها) ش: أي لو اتخذ الجنان م:
(مقصبة) ش: أي موضعا للقصب لأجل الاستغلال م: (أو مشجرة) ش: أي أو موضعا
للأشجار يغرسها لأجل الحطب م: (أو منبتا للحشيش) ش: أو اتخذها موضعا لنبات
الحشيش م: (يجب فيها العشر) ش: والمراد بالمذكور أي يجب في كل واحد من هذه
الأشياء العشر لأنها تصير غلة فيجب فيها العشر.
(3/424)
والمراد بالمذكور القصب الفارسي، أما قصب
السكر وقصب الزريرة ففيهما العشر لأنه يقصد بهما استغلال الأرض بخلاف السعف
والتبن لأن المقصود الحب والتمر دونهما. قال: وما سقي بغرب أو دالية أو
سانية ففيه نصف العشر على القولين.
وما سقي بغرب أو دالية أو سانية ففيه نصف العشر على القولين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والمراد بالمذكور ش: يعني في قوله -والقصب- في أول الباب م: (القصب
الفارسي) ش: وهو الذي يتخذ منه الأقلام ويدخل في الأبنية وقد مر بيانه م:
(أما قصب السكر وقصب الزريرة ففيهما العشر) ش: هذا رجوع إلى بيان ما قاله
في أول الباب -إلا الحطب والقصب- لأن هناك لم يبين التفصيل الذي فيه، لأنه
ذكر القصب مطلقا، وهنا بين أن المراد من القصب المذكور هناك هو القصب
الفارسي.
أما قصب السكر وقصب الزريرة فيجب فيهما العشر، وقال شيخ الإسلام في "مبسوطه
": وقصب السكر إن كان يخرج منه العسل يجب فيه العشر وإلا فلا، وقد مر
الكلام هناك مستوفى م: (لأنهما يقصد بهما استغلال الأرض) ش: أي لأن قصب
السكر وقصب الزريرة يقصد بهما الاستغلال فيجب فيهما العشر.
م: (بخلاف السعف والتبن، لأن المقصود الحب والتمر) ش: والسعف بفتح
المهملتين وبالفاء، وهو غصون النخل، ومنه قول بعضهم: لو أسف الغراب الذئب
في كل صيده ما صارت الغربان في سعف النخل.
أراد أن العشر لا يجب فيهما م: (لأن المقصود بالغرس والزراعة التمر والحب
دونهما) ش: أي دون السعف والتبن.
فإن قلت: ينبغي أن يجب العشر في التبن لأنه كان واجبا وقت كون الزرع فصيلا،
ثم التبن هو الفصيل ذاته إلا أنه زادت فيها اليبوسة وبها لا يتغير الواجب.
قلت: إنما لا يجب العشر في التبن لأن العشر كان واجبا قبل إدراك الزرع في
الساق حتى لو فصله يجب العشر في الفصيل، فإذا أدرك تحول العشر في الساق إلى
الحب.
م: (وما سقي بغرب) ش: بفتح الغين المعجمة وسكون الراء وبالباء الموحدة وهو
الدلو العظيم م: (أو دالية) ش: وهو المنجنون يديرها البقرة والناعورة لجذع
الماء من دلوت الدلو نزعتها كذا في " الصحاح "، وفي " المهذب ": الدالية
جذوع طويلة تركب مراكيب مدات الأرز في رأسه مفرقة كبيرة يسقى بها م: (أو
سانية) ش: وهي الساقية التي يسقى عليها والجمع السواقي م: (ففيه نصف العشر
على القولين) ش: أي على اعتبار القولين قول أبي حنيفة، وقول صاحبيه، لأن
عند أبي حنيفة يجب نصف العشر من غير شرط النصاب والبقاء على أصله وعندهما
كذلك، لكن بشرط النصاب والبقاء على أصلهما.
(3/425)
لأن المؤنة تكثر فيه وتقل فيما سقي بالسماء
أو سيحا، وإن سقي سيحا أو بدالية فالمعتبر أكثر السنة كما هو في السائمة.
وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما لا يوسق كالزعفران والقطن يجب فيه
العشر إذا بلغت قيمته خمسة أوسق من أدنى ما يوسق كالذرة في زماننا لأنه لا
يمكن التقدير الشرعي فيه، فاعتبرت قيمته كما في عروض التجارة، وقال محمد:
يجب العشر إذا بلغ الخارج خمسة أعداد من أعلى ما يقدر به نوعه فاعتبر في
القطن خمسة أحمال كل حمل ثلاثمائة من،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لأن المؤنة) ش: هي الكلفة م: (تكثر فيه) ش: أي في الذي يسقى بالغرب
والدالية والسانية م: (وتقل) ش: أي المؤنة م: (فيما يسقى بماء السماء) ش:
أي المطر م: (أو سيحا) ش: أو سقي سيحا وهو الماء الجاري، وانتصابه على أنه
مفعول ثان كما تقول: سقي ماء فيتعدى إلى مفعولين م: (وإن سقي سيحا أو
بدالية فالمعتبر أكثر السنة) .
ش: إنما ذكر المعطوف بالفاء دون المعطوف عليه، لما أن السيح اسم للماء دون
الدالية، فإن الدالية آلة الاستقاء فلا يصح أن يقال وإن سقي بدالية، لأن
الدالية غير منتفية بل هي آلة السقي، فلذلك ذكرها بالفاء م: (كما مر في
السائمة) ش: أي المعتبر في السائمة أكثر السنة في الرعي، وبه قال عطاء
والثوري ومالك وأحمد وهو أحد قولي الشافعي اعتبارا للغالب، وإن سقى نصفها
بكلفة ونصفها بغير كلفة فعند مالك والشافعي وأحمد يجب ثلاثة أرباع العشر،
فيؤخذ نصف كل واحد من الوظيفتين.
م: (وقال أبو يوسف فيما لا يوسق) ش: أي فيما لا يدخل تحت الوسق م:
(كالزعفران) ش: فإنه بالإمناء م: (والقطن) ش: فإنه بالأحمال م: (يجب فيها
العشر إذا بلغت قيمته خمسة أوسق من أدنى ما يوسق كالذرة) ش: بضم الذال
المعجمة وبفتح الراء، وفي الوبري: من أراد أن يعشرها لا يوسق كالدخن والذرة
م: (في زماننا) ش: وفي بعض النسخ في ديارنا.
م: (لأنه لا يمكن التقدير الشرعي فيه فاعتبرت قيمته) ش: أي لا يمكن التقدير
الشرعي كالوسق. قوله -فيه- أي فيما لا يوسق فاعتبرت القيمة، فإذا بلغت قيمة
ما لا يوسق فيه أدنى شيء يدخل في الوسق كالذرة يجب فيه العشر وإلا فلا م:
(كما في عروض التجارة) ش: أي كما مر ذلك في نصاب الدراهم في العروض التي هي
للتجارة.
م: (وقال محمد: يجب فيه العشر) ش: أي يجب العشر فيما لا يوسق م: (إذا بلغ
الخارج خمسة أعداد من أعلى ما يقدر به نوعه، فاعتبر في القطن خمسة أحمال كل
حمل) ش: بكسر الحاء، كذا في " المغرب " م: (ثلاثمائة من) ش: بالعراقي كذا
قال أبو بكر الجصاص الرازي: وهي ستمائة رطل، والجملة ثلاثة آلاف رطل
بالبغدادي، لأنك تقول: عندي أوقية ورطل ومن وقنطار، وحمل من القطن فالحمل
أعلى مقاديره، قيل: كان ينبغي له أن يقدر بالقناطير.
لأن القنطار أعلى ما يتعلق به التحامل والأوقارير فيه، ولا اعتبار بالحمل
فيهما م:
(3/426)
وفي الزعفران خمسة أمناء لأن التقدير
بالوسق كان لاعتبار أنه أعلى ما يقدر به
وفي العسل العشر إذا أخذ من أرض العشر. وقال الشافعي لا يجب لأنه متولد من
الحيوان فأشبه الإبريسم، ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«في العسل العشر»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(وفي الزعفران) ش: أي اعتبر في الزعفران م: (خمسة أمناء) ش: إنما قال أمناء
لأن مفردها منى قال الجوهري: المنى مقصور الذي يوزن به، والتثنية منوان
والجمع أمناء وهو أفصح من المن، وتثنية المن منان والجمع أمنان.
م: (لأن التقدير بالوسق كان باعتبار أنه أعلى ما يقدر به) ش: أراد أن النبي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعتبر الوسق وهو في زمانه كان
باعتبار أنه أعلى ما يقدر به المكيلات فوجب على هذا أن يعتبر في كل نوع
أعلى ما يقدر به، ثم أقصى ما يقدر به القطن الحمل، فإنه يقدر أولا
بالأساتير ثم بالأمناء ثم بالحمل ثم ما بعده تضعيف الحمل، وأما الزعفران
فإنه يقدر أولا بالأوقية ثم بالرطل ثم بالمن ثم ما بعده تضعيف المن.
وعند مالك والشافعي وأحمد لا شيء في الزعفران والقطن، وإنما أخذ أبو يوسف
في التقدير بالأدنى، لأن الغالب عنده في العشر معنى العادة، واستدل عليه
بصرفه من مصارف الزكاة فكان الاحتياط في ذلك الأخذ بالأدنى، وإنما أخذ محمد
بالأعلى لأن الغالب فيه عنده معنى المؤنة، واستدل عليه بوجوبه في مال الصبي
والمجنون والمكاتب والمأذون المديون وأراضي الوقف فلا تبنى على الاحتياط
فلا يقدر بالأدنى بالشك، والأصل براءة الذمة.
[زكاة العسل]
م: (وفي العسل العشر إذا أخذ من أرض العشر) ش: أي يجب في العسل العشر، وهو
مروي عن عمر بن عبد العزيز والأوزاعي والزهري وربيعة ومكحول ويحيى بن سعيد
وابن وهب من المالكية وسليمان بن موسى الفقيه الأحدب الدمشقي وإسحاق وأبي
عبيد وأحمد وإنما قال: إذا أخذ من أرض العشر لأنه إذا كان في أرض الخراج
فلا شيء فيه، وأرض العرب كلها عشرية وهي من أول العدين والقادسية إلى آخر
حجر باليمن بمهرة طولا. ومن بيرين والدهناء ورمل عالج إلى مشارف الشام
عرضا. وأما أرض الخراج فسواد العراق كلها خراجية وهي ما بين العدين إلى
عقبة حلوان عرضا، ومن العلت إلى عبادان طولا، وكل أرض فتحت عنوة وقهرا أو
تركت على أيادي أهلها ومنَّ عليهم الإمام فإنه يضع الجزية على أعناقهم إذا
لم يسلموا، والخراج على أراضيهم أسلموا أو لم يسلموا.
م: (وقال الشافعي: لا يجب) ش: فيه العشر وهو قول ابن أبي ليلى والحسن بن
صالح ومالك م: (لأنه متولد) ش: أي لأن العسل متولد م: (من الحيوان فأشبه
الإبريسم) ش: أي الذي يكون في دود القز وهو بكسر الهمزة وكسر الراء وفتح
السين.
قال الجوهري: هو معرب م: (ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «في العسل
العشر»
(3/427)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: هذا الحديث بهذا اللفظ رواه العقيلي في كتاب " الضعفاء " من طريق عبد
الرزاق أخبرنا عبد الله بن محرر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «في العسل العشر» وليس
في " مصنف عبد الرزاق " بهذا اللفظ، وإنما لفظه «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب إلى أهل اليمن أن يؤخذ من أهل العسل العشر» .
وبهذا اللفظ رواه البيهقي من طريق عبد الرزاق، والحديث معلول بعبد الله بن
محرر قال ابن حبان في كتاب " الضعفاء ": وكان من خيار عباد الله تعالى إلا
أنه كان يكذب ولا يعلم ويقلب الأخبار ولا يفهم، وعبد الله بن محرر بتشديد
الراء المفتوحة وتكرارها. وقال الفلاس والنسائي: متروك، وقال ابن معين: ليس
بثقة.
وقال الأترازي في هذا الباب: ولنا ما روى الشيخ أبو الحسين القدوري والشيخ
أبو نصر البغدادي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «أن بني شبابة كانوا
يؤدون إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العشر من عسل النحل
كان نحلهم من كل عشر قرب قربة وكان يحمي واديين لهم» .
ولما كان زمان عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - استعمل على تلك
الناحية سفيان بن عبد الله الثقفي فأبوا أن يؤدوا إليه منها وقالوا: إنا
كنا نؤدي إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكتب سفيان
إلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فكتب إليه عمر - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - إنما النحل ذباب غيث يسوقه الله تعالى رزقا إلى من يشاء فإن أدوا
إليك ما كانوا يؤدونه إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فاحم لهم واديهم وإلا فخل بينهم وبين الناس. فأدوا إليه ذلك وحمى لهم
واديهم، ثم قال الأترازي: وذكر الحديث في السنن أيضا.
قلت: ليس الحديث في السنن هكذا، وإنما هذا الذي ذكره في " معجم الطبراني "
قال: حدثنا إسماعيل بن الحسن الخفاف المصري حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن
وهب أخبرني أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «أن بني شبابة بطن
من فهر كانوا يؤدون إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
عن نحل كان لهم العشر من كل عشر قرب قربة، وكان يحمي واديين لهم. فلما كان
عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - استعمل على ما هناك سفيان بن عبد
الله الثقفي فأبوا أن يؤدوا إليه شيئا وقالوا: إنما كنا نؤديه إلى رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكتب سفيان إلى عمر - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا - فكتب إليه عمر: إنما النحل ذباب غيث يسوقه الله عز وجل
رزقا إلى من يشاء، فإن أدوا إليك، ما كانوا يؤدونه إلى رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاحم لهم أوديتهم وإلا فخل بينهم وبين الناس،
فأدوا إليه ما كانوا يؤدونه إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فحمى لهم أوديتهم.»
(3/428)
ولأن النحل يتناول من الأنوار والثمار،
وفيهما العشر فكذا فيما يتولد منها بخلاف دود القز، لأنه يتناول الأوراق
ولا عشر فيها. ثم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجب فيه العشر قل أو
كثر لأنه لا يعتبر النصاب، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يعتبر
فيه قيمة خمسة أوسق كما هو أصله، وعنه أنه لا شيء فيه حتى يبلغ عشر قرب
لحديث بني شبابة أنهم كانوا يؤدون إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولأن النحل يتناول من الأنوار والثمار) ش: أي الأنوار جمع نور بفتح
النون وهو الزهر م: (وفيهما العشر) ش: أي في كل واحد من الثمار والأنوار
العشر م: (فكذا فيما يتولد منهما) ش: أي فكذا يجب فيما يتولد من الثمار
والأزهار م: (بخلاف دود القز) ش: أي الذي يتولد منه الإبريسم، وهذا جواب
عما قاله الشافعي فأشبه الإبريسم، وحاصله أن يقال: لا نسلم أن القياس صحيح
لأن النحل تأكل الثمر والزهر وفيهما العشر فكذا فيما يتولد منه بخلاف دود
القز م: (لأنه يتناول الأوراق) ش: أي أوراق شجر التوت م: (ولا عشر فيها) ش:
أي في الأوراق وكذا فيما يتولد منها وهو الإبريسم.
م: (ثم عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يجب فيه) ش: أي في العسل
م: (العشر قل أو كثر، لأنه لا يعتبر النصاب) ش: لإطلاق الحديث المذكور الذي
رواه أبو هريرة وهو حديث الكتاب.
م: (وعن أبي يوسف أنه يعتبر فيه قيمة خمسة أوسق) ش: يعني إذا بلغ العسل
قيمة خمسة أوسق ففيه العشر، وهذا ظاهر الرواية عنه، كذا قاله الإمام
الأسبيجابي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (كما هو أصله) ش: أي كما هو اعتبار
القيمة في أصله في قيمة خمسة أوسق من أدنى ما يوسق م: (وعنه) ش: أي وعن أبي
يوسف م: (أنه لا شيء فيه) ش: أي أن العسل لا شيء فيه، أي لا يجب فيه شيء م:
(حتى يبلغ عشر قرب) ش: بكسر القاف جمع قربة كل قربة خمسون منا كذا في " شرح
الطحاوي ".
م: (لحديث بني شبابة أنهم كانوا يؤدون إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كذلك) ش: أي عشر قرب، ثم إنه وقع في بعض النسخ هكذا
الحديث بني سيارة بفتح السين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وبعد الألف
راء، وهذا تصحيف، وكذا وقع سبابة بالسين المهملة والباء الموحدة بعد الألف
وهو أيضا تصحيف والصحيح بني شبابة بفتح الشين المعجمة وتخفيف الباء الموحدة
وبعد الألف تاء أخرى، وفي " المغرب " ذكره في باب الشين المعجمة مع الباء
الموحدة فقال: بنو شبابة قوم بالطائف من خثعم كانوا يتخذون النحل حتى نسب
إليهم العسل فقيل: عسل شبابي وسبابة تصحيف يعني بالمهملة، وقال ابن ماكولا:
شبابة بفتح الشين المعجمة وباء موحدة مكررة بطن من فهر، سيابة بسين مهملة
بعدها ياء معجمة باثنين من تحتها وبعد الألف باء معجمة بواحدة فهو شبابة بن
عاصم سمع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول «أنا ابن
العواتك من سليم.» فقال الجوهري في فصل السين: بنو سبابة
(3/429)
وعنه خمسة أمناء، وعن محمد - رَحِمَهُ
اللَّهُ - خمسة أفراق كل فرق ستة وثلاثون رطلا لأنه أقصى ما يقدر به، وكذا
في قصب السكر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قوم بالطائف وذكر في فصل السين المهملة والسبابة السائمة الثلخة وبه سمي
الرجل، وذكر في باب الراء في فصل السين المهملة الساير القافل وقولهم أصح
من عير أبي سيارة وهو أبو سيارة العدواني كان يدفع بالناس من جمع أربعين
سنة على حماره.
م: (وعنه خمسة أمناء) ش: أي وعن أبي يوسف في رواية أخرى يجب إذا بلغ خمسة
أمناء وهي رواية الأمالي.
م: (وعن محمد خمسة أفراق كل فرق ستة وثلاثون رطلا) ش: قال الأترازي: فيه
نظر لأنه لم يذكر سائر أقوال محمد قبل هذا في المتن حتى يقول عن محمد وكان
من حق الكلام أن يقول:
وقال محمد: انتهى.
قلت: في هذا النظر نظر، لأنه إنما قال: وعن محمد ليشير به إلى أن لمحمد
أيضا أقوالا، فذكر عنه قولا واحدا ولم يلتزم أن يذكر الجميع، وفي " السروجي
": وعن محمد أيضا ثلاث روايات أحدها خمس قرب والقربة خمسون منا، ذكره في "
الينابيع "، وفي " المغني ": القربة مائة رطل والثانية خمسة أمناء والثالثة
خمسة أفراق، قال السروجي وهي أربعون منا، والفرق ستة وثلاثون رطلا والفرق
بفتحتين، قال الأزهري: النحويون على السكون وكلام العرب على التحريك.
وفي " التكملة ": وفرق بينهما في " المغني " فقال: الفرق بسكون الراء من
الأواني والمقادير ستة عشر رطلا وبالفتح مكيال يأخذ ثلاثين رطلا وقيل
بالسكون مائة وعشرون رطلا، وقيل بالسكون أربعة أرطال، وذكر النسفي أنه ستة
وثلاثون رطلا، ومثله عن القاضي من الحنابلة.
وفي " الصحاح ": الفرق بالسكون وقد يحرك والأفراق هو الذي يجمع فرق يدل على
تحريك الراء في المفرد، لأن الفرق بالسكون يجمع على أفرق وفروق م: (لأنه
أقصى ما يقدر به) ش: أي لأن الفرق أعلى ما يقدر به في هذا الموضع وعند أحمد
نصاب العسل عشر أواق وهو قول الزهري ويروى عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- م: (لأنه أقصى ما يقدر به) ش: أي لأن الفرق أعلى ما يقدر به في هذا
الموضع.
م: (وكذا في قصب السكر) ش: قال الأترازي: يعني أن في السكر يعتبر خمسة
أمناء عند محمد، وعند أبي يوسف خمسة أوسق كما في الزعفران كذا ذكره الحاكم
الشهيد والجصاص والإمام والأسبيجابي وغيرهم مذهب أبي يوسف ومحمد في السكر
قال: وهو على هذا البيان عطف على قوله - كالزعفران والقطن- أي حكم بين أبي
يوسف ومحمد في قصب السكر كما في الزعفران والقطن انتهى.
(3/430)
وما يوجد في الجبال من العسل والثمار ففيه
العشر. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يجب لانعدام السبب وهي
الأرض النامية، وجه الظاهر أن المقصود حاصل وهو الخارج،
قال: وكل شيء أخرجته الأرض مما فيه العشر لا يحتسب فيه أجر العمال ونفقة
البقر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: عطفه على الأقرب هو الأصل، والمعنى: وكذا أقصى ما يقدر به في السكر
الذي هو ستة وثلاثون رطلا.
م: (وما يوجد في الجبال من العسل والثمار ففيه العشر) ش: ذكره محمد في كتاب
الزكاة وهي رواية أسد بن عمرو م: (وعن أبي يوسف أنه لا يجب) ش: كذا ذكره في
الإملاء وبه قال الحسن بن زياد م: (لانعدام السبب) ش: أي سبب الوجوب م:
(وهي الأرض النامية) ش: الأولى أن يقال السبب ملك الأرض ولم يوجد.
م: (وجه الظاهر) ش: أي ظاهر الرواية وهو الوجوب م: (أن المقصود حاصل وهو
الخارج) ش: مجرد الخارج لا يكفي للوجوب لأنه مباح كالصيد والحشيش.
[احتساب أجرة العمال في زكاة ما تخرجه الأرض]
م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير ": م: (وكل شيء أخرجته الأرض
مما فيه العشر لا يحتسب فيه أجر العمال) ش: بضم العين وتشديد الميم جمع
عامل م: (ونفقة البقر) ش: وغيرها مثل كري الأنهار وإصلاح الأرض، وبه قال
الشافعي.
قال في الوبري وغيره لا يعتد بصاحب الأرض لما أنفق على الغلة من سقي ولا
عمارة ولا أجرة حافظ ولا أجرة عامل ولا نفقة البقر، ويجب العشر أو نصفه في
جميع الخارج، وأجمعوا على أن ما تلف أو سرق أو ذهب بغير صنعة لا غرم عليه
في ذلك، وقال مالك: لو أتلفت الجائحة جميع الخارج فلا ضمان عليه، وفي "
المحيط " و" جوامع الفقه " والمرغيناني لا يأكل شيئا من طعام العشر حتى
يؤدي عشره، ولو أكل ضمن عشره، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يضمن
لكن يكيل به النصاب، وعنه يترك له ما يكفيه وعياله.
وفي " خزانة الأكمل ": لا يجب على صاحب الأرض ما أطعم عياله، وجيرانه
وهداياه، وما بقي ففيه العشر إن بلغ خمسة أوسق وفي " شرح مختصر الكرخي "،
وروى الفضل بن غانم عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن ما أكل وأطعم
بالمعروف اعتد به في تكميل الأوسق لم يلزمه عشره، وعن محمد يعتبر ذلك من
تسعة أعشاره.
قال الشافعي: لا يجوز للمالك أن يتصرف في الثمار قبل الخرص بأكل ولا بيع،
فإن أكل غرم وعزر مع العلم وإلا غرم. وقال أحمد: يجوز له الأكل بقدر الثلث
أو الربع، ولو خرصه الخارص ترك ذلك، وفي " ذخيرة المالكية ": ولا يجب
المأكول من الثمرة في الخرص.
وفي " شرح الموطأ " للقرطبي: أنه مذهب مالك وزفر كمذهب أبي حنيفة أن ما
يأكله من
(3/431)
لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - حكم بتفاوت الواجب بتفاوت المؤنة فلا معنى لرفعها.
قال: تغلبي له أرض عشر فعليه العشر مضاعفا، عرف ذلك بإجماع الصحابة -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الثمرة والزرع محسوب عليه، وأن مذهب الشافعي كذلك كمذهب أحمد وهو قول
الليث.
وفي المرغيناني و" جوامع الفقه ": أن مؤنة حمل العشر على السلطان دون رب
الأرض ولا يخرص الرطب والعنب وغيرهما من الثمار والزروع عندنا. وقال الشعبي
والثوري: الخرص بدعة.
وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هو سنة في الرطب والعنب ولا خرص
في الزرع وهو قول مالك وأحمد، وقال أبو عمر بن عبد البر: ذكر أصحاب الإملاء
عن محمد بن الحسن أنه يخرص الرطب تمرا والعنب زبيبا، وقال السروجي: لم يذكر
أصحابنا هذا القول عن محمد فيما علمته.
قلت: يمكن أن يكونوا ذكروه فيما علم غيره، والخروص عند بدء صلاح الثمار
يقول الخارص: خرصها كذا وكذا رطبا أي حزرها، ويجيء منه كذا وكذا ثم ذكره
النووي، ويكتفى بخارص واحد عندهم بمنزلة الحاكم. وفي قول الشافعي لا بد من
عدلين كالحكمين المقومين في المتلفات.
م: (لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حكم بتفاوت الواجب
بتفاوت المؤنة) ش: يعني أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
حين يتفاوت الواجب وهو العشر تتفاوت المؤنة وهو العشر في قوله ما سقته
السماء ... الحديث، ولو أحسبه الأجرة والنفقة لدخل التفاوت في خبر
الارتفاع، وكان في ذلك تجويزا لنفي ما أثبت الشرع وأنه ممتنع م: (فلا معنى
لرفعها) ش: أي لرفع المؤنة لأنها إذا رفعت يبقى الواجب متفقا لا متفاوتا
وهو خلاف الخبر.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - م: (تغلبي) ش: أي شخص
تغلبي بكسر اللام منسوب إلى بني تغلب قال الأترازي: أما في حال النسبة يجوز
فتح لامها وكسرها، والأفصح الكسر، وقد عرف في علم التصريف، انتهى.
قلت: إذا كان الحرف الثاني من الاسم الذي ينسب إليه ساكنا الأفصح هنا
الكسرة كما في تغلب، فإنه يجوز فيه الفتح، لأن الساكن فيه كالمعدوم فصار
كتمر يقال فيه: تمري بالفتح، وقد ذكرنا أن بني تغلب قوم من النصارى بقرب
الروم م: (له أرض عشر فعليه العشر مضاعفا) ش: أي حال كونه مضاعفا.
م: (عرف ذلك بإجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: وهو إجماع
سكوتي وذلك أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أقرهم على التضعيف حيث قالوا:
يلحقنا العار بأداء الجزية، وكان ذلك بمحضر من الصحابة فاستقر الأمر عليه.
(3/432)
وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن فيما
اشتراه التغلبي من المسلم عشرا واحدا لأن الوظيفة عنده لا تتغير بتغير
المالك، فإن اشتراها منه ذمي فهي على حالها عندهم لجواز التضعيف عليه في
الجملة كما إذا مر على العاشر وكذا إذا اشتراها منه مسلم أو أسلم التغلبي
عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - سواء كان التضعيف أصليا أو حادثا لأن
التضعيف صار وظيفة لها فتنتقل إلى المسلم بما فيها كالخراج. وقال أبو يوسف
- رَحِمَهُ اللَّهُ -: يعود إلى عشر واحد لزوال الداعي إلى التضعيف. قال في
الكتاب: وهو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما صح عنه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن فيما اشتراه التغلبي من المسلم عشرا
واحدا) ش: انتصاب عشرا على أنه اسم أن وخبره مقدما وهو قوله -فيما اشتراه-
م: (لأن الوظيفة عنده) ش: أي لأن وظيفة الأرض عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ
- م: (لا تتغير بتغير المالك) ش: كالخراج في الأرض الخراجية إذا اشتراها
مسلم، وهذه رواية عنه. وفي بعض الكتب أنه يضاعف عليه العشر كما هو مذهبهما.
م: (فإن اشتراها منه) ش: أي من التغلبي م: (ذمي فهي على حالها) ش: أي الأرض
على حالها من التضعيف م: (عندهم) ش: أي عند أصحابنا الثلاثة م: (لجواز
التضعيف عليه، في الجملة) ش: أي على الذمي أي يجوز التضعيف على ذمي غير
تغلبي في الجملة م: (كما إذا مر على العاشر) ش: فإنه يؤخذ منه نصف العشر،
ومن المسلم ربع العشر، والنصف ضعف الربع.
م: (وكذا إن اشتراها منه) ش: أي من التغلبي م: (مسلم) ش: فالأرض العشرية
على حالها من التضعيف م: (أو أسلم التغلبي) ش: يعني الأرض على حالها من
التضعيف م: (عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سواء كان التضعيف
أصليا) ش: بأن ورثها التغلبي عن آبائه كذا أو تداولته الأيدي من الشراء
كذلك.
م: (أو حادثا) ش: يعني عارضا، بأن اشتراها من المسلم م: (لأن التضعيف صار
وظيفة لها) ش: أي للأرض م: (فتنتقل إلى المسلم بما فيها كالخراج) ش: وإن
كان فيه معنى العقوبة، لأن الإسلام لا ينافي العقوبة كالحدود، وذكر أبو بكر
الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " أحكام القرآن " عن عمر وعن علي - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا - أخذ الخراج ممن أسلم وقام على أرضه.
م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يعود إلى عشر واحد لزوال الداعي
إلى التضعيف) ش: وهو الكفر أي لأن التضعيف كان بسبب الكفر وقد زال.
م: (قال في الكتاب) ش: أي قال شمس الأئمة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب
الزكاة في " المبسوط " م: (وهو) ش: أي العشر الواحد م: (قول محمد -
رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما صح عنه) ش: أي في القول الصحيح عنه، أي عن محمد -
رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأن التضعيف الحادث لا يتصور عنده، فإن التغلبي إذا
اشترى من مسلم يجب عشرا واحدا.
(3/433)
قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اختلفت
النسخ في بيان قوله. والأصح أنه مع أبي حنيفة في بقاء التضعيف إلا أن قوله
لا يتأتى إلا في الأصلي، لأن التضعيف الحادث لا يتحقق عنده لعدم تغير
الوظيفة، ولو كانت الأرض لمسلم باعها من نصراني يريد به ذميا غير تغلبي
وقبضها فعليه الخراج عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأنه أليق بحال
الكافر وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عليه العشر مضاعفا ويصرف مصارف
الخراج اعتبارا بالتغلبي وهذا أهون من التبديل. وعند محمد - رَحِمَهُ
اللَّهُ - هي عشرية على حالها، لأنه صار مؤنة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م:
(اختلفت النسخ) ش: أي نسخ " المبسوط " أو " الجامع " م: (في بيان قوله) ش:
أي قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ففي " مبسوط شمس الأئمة " ذكر قول محمد
- رَحِمَهُ اللَّهُ - مع أبي حنيفة، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثم قال:
وذكر في رواية أبي سليمان المسألة بعد هذا وذكر قول محمد مع أبي يوسف.
م: (والأصح أنه مع أبي حنيفة في بقاء التضعيف) ش: أي تضعيف العشر م: (إلا
أن قوله) ش: أي قول محمد م: (لا يتأتى إلا في الأصلي) ش: أي في التضعيف
الأصلي م: (لأن التضعيف الحادث لا يتحقق عنده) ش: أي عند محمد - رَحِمَهُ
اللَّهُ - م: (لعدم تغير الوظيفة) ش: أي لأن الوظيفة إذا استقرت في شيء لا
تتغير من وصف إلى وصف وهو اختيار الكرخي وهو الأصح.
م: (ولو كانت الأرض) ش: أي الأرض العشرية م: لمسلم باعها من نصراني يريد به
ذميا غير تغلبي وقبضها) ش: أي قبض النصراني الأرض يبطل العشر، فإذا بطل م:
(فعليه الخراج عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه) ش: أي لأن الخراج
م: (أليق بحال الكافر) ش: لأن الكفر ينافي أداء العبادة بخلاف الخراج، لأن
الإسلام لا ينافي العقوبة.
م: (وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عليه العشر) ش: حال كونه م:
(مضاعفا) ش: لأنه أهل للتضعيف م: (ويصرف) ش: أي العشر المضاعف م: (مصارف
الخراج) ش: أي إلى أرزاق المقاتلة ورصد الطريق ونحو ذلك على ما يجيء في باب
العشر والخراج إن شاء الله تعالى، وذلك لأنه إنما يصرف ما كان لله تعالى
بطريق العبادة ومال الكافر لا يصح لذلك فيوضع موضع الخراج.
م: (اعتبارا بالتغلبي) ش: لأن التضعيف وظيفة فلا يتغير م: (وهذا) ش: أي
التضعيف م: (أهون من التبديل) ش: لأنه في الوصف والخراج واجب آخر عند
الشافعي بالإخراج عليه، لأنه لم يكن من الأرض ولا عشر أيضا لعدم أهليته،
وعند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يصح البيع.
وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - هي عشرية على حالها م: (لأنه صار مؤنة لها)
ش: أي لأن العشر صار مؤنة للأرض، لأن العشر مؤنة فيها شبه العبادة فلا تجب
على الكافر ابتداء ولا تبطل عند
(3/434)
لها فلا تتبدل كالخراج ثم في رواية يصرف
مصارف الصدقات، وفي رواية مصارف الخراج، فإن أخذها منه مسلم بالشفعة أو ردت
على البائع لفساد البيع فهي عشرية كما كانت، أما الأول فلتحول الصفقة إلى
الشفيع كأنه اشتراها من المسلم، وأما الثاني فلأنه بالرد والفسخ بحكم
الفساد جعل البيع كأن لم يكن، ولأن حق المسلم لم ينقطع بهذا الشراء لكونه
مستحق الرد.
قال: وإذا كانت لمسلم دار خطة فجعلها بستانا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بقاء وهو معنى قوله م: (فلا تتبدل كالخراج) ش: على المسلم م: (ثم في رواية)
ش: على قول محمد وهي رواية السير الكبير م: (يصرف) ش: أي هذا العشر م:
(مصارف الصدقات) ش: لتعلق حق الفقراء به كتعلق حق المقاتلة بالأراضي
الخراجية.
م: (وفي رواية) ش: عن محمد هي رواية ابن سماعة عنه م: (يصرف مصارف الخراج)
ش: لأنه إنما يصرف إلى الفقراء ما كان لله تعالى بطريق العبادة، ومال
الكافر لا يصلح لذلك فيوضع موضع الخراج كمال أخذه العاشر من أهل الذمة كذا
في " الإيضاح ".
م: (فإن أخذها منه مسلم) ش: أي وإن أخذ الأرض العشرية مسلم من النصراني
الذي اشتراها من مسلم م: (بالشفعة) ش: أي بسبب الشفعة بأن باع هذا النصراني
هذه الأرض العشرية وأخذها مسلم منه بحق الشفعة م: (أو ردت) ش: تلك الأرض م:
(على البائع) ش: وهو مسلم م: (لفساد البيع) ش: فهي عشرية كما كانت أولا
وبطل الخراج أو التضعيف.
م: (أما الأول) ش: وهو صورة الأخذ بالشفعة م: (فلتحول الصفقة) ش: أي العقد
م: (من المشتري النصراني) ش: إلى الشفيع م: (وهو المسلم كأنه اشتراها من
المسلم) ش: أي المسلم اشتراها ابتداء.
م: (وأما الثاني) ش: وهو صورة الرد بالفساد (فلأنه بالرد) ش: أي برد البيع
م: (والفسخ) ش: أي وفسخه م: (بحكم الفساد جعل البيع كأن لم يكن) ش: في
الأولى م: (ولأن حق المسلم) ش: وهو البائع م: (لم ينقطع بهذا الشراء لكونه
مستحق الرد) ش: لوقوعه فاسدا فلا خراج ولا تضعيف إذن. وذكر التمرتاشي كذا
لو رد على البائع بخيار، وكذا إذا كان الرد بالعيب بقضاء فإنها تعود كما
كانت لزوال المانع قبل تقرره، ولو كان الرد بلا قضاء أو باعها من مسلم أو
أسلم بقيت خراجية لأن الإسلام لا يدفع الخراج.
م: (قال) ش: أي قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإذا كان لمسلم دار خطة)
ش: فإضافة الدار إلى الخطة للبيان، كما في قولك خاتم فضة. قال السغناقي:
كذا كان مقيدا بخط شيخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ويجوز نصب خطة بالتمييز عن
اسم تام بالتنوين كما في عندي راقود خلا، انتهى كلامه.
والخطة بالكسر هو المكان الذي اختط البناء دارا وغير ذلك من العمائر م:
(فجعلها بستانا)
(3/435)
فعليه العشر، معناه إذا سقاه بماء العشر،
أما إذا كانت تسقى بماء الخراج ففيها الخراج، لأن المؤنة في هذا تدور مع
الماء وليس على المجوسي في داره شيء، لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
جعل المساكن عفوا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: البستان كل أرض يحوطها حائط، وفيها نخيل متفرقة وأشجار م: (فعليه العشر
معناه إذا سقاه بماء العشر، وأما إذا كانت تسقى بماء الخراج) ش: كأنهار
الأعاجم م: (ففيها الخراج لأن المؤنة) ش: أي الكلفة م: (في مثل هذا تدور مع
الماء) .
ش: لأن النماء يحصل به. قال الإمام الزاهد العتابي: هذا مشكل لأن هذا إيجاب
الخراج على المسلم ابتداء، وذكر الشيخ الإمام شمس الأئمة السرخسي في "
الجامع الصغير ": أن عليه العشر بكل حال وهو الأظهر، فإن سقاه مرة من ماء
العشر ومرة من ماء الخراج ففيه العشر، لأنه أحق بالعشر من الخراج وإن سقى
بسيحون أو جيحون أو دجلة أو الفرات فعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -
خراجي، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عشري.
وقال الأترازي: الجواب عن الإشكال المذكور أن وضع الخراج على المسلم ابتداء
بطريق الجبر لا يجوز، أما إذا كان اختاره المسلم فيجوز ذلك، وقد اختاره حيث
سقاه بماء الخراج، ألا ترى أن المسلم إذا أحيا أرضا ميتة بإذن الإمام
وسقاها بماء الخراج يجب عليه الخراج، كذا هذا.
قلت: هذا الجواب ليس لشمس الأئمة.
م: (وليس على المجوسي في داره شيء) ش: إنما خص المجوسي بالذكر، وإن كان
الحكم في اليهودي، والنصراني كذلك، لأن المجوسي أبعد عن الإسلام بسبب حرمة
نكاح نسائهم وذبائحهم، فإذا لم يجب في دار المجوسي والحالة هذه فأولى أن لا
يجب في دارهما كذا في " الفوائد الظهيرية " م: (لأن عمر بن الخطاب - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - جعل المساكن عفوا) ش: هذا غريب، لكن ذكر أبو عبيد في "
كتاب الأموال " أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جعل الخراج على
الأرضين التي تعمل من ذوات الحب الثمار التي تصلح للغلة وعطل من ذلك
المساكن والدور التي هي منازلهم، ولم يجعل فيها شيئا ذكره بغير سند.
وقال شيخ الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنما خص المجوسي بالذكر، لأنه قيل
لعمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إن المجوسي كثير بالسواء، فقال:
أعياني أمراء المجوس وفي القوم عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- فقال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «سنوا
بالمجوس سنة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم» فلما سمع عمر -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بذلك أمر عماله، أن تمسح أراضيهم ويوظفوا عليها
الخراج بقدر الطاقة، وعفا عن رقاب دورهم وعن رقاب الأشجار فيها فلما ثبت
العفو في حقهم مع كونهم أبعد عن الإسلام ثبت في حقهما بالطريق الأولى.
(3/436)
وإن جعلها بستانا فعليه الخراج. وإن سقاها
بماء العشر لتعذر إيجاب العشر إذ فيه معنى القربة فتعين الخراج وهو عقوبة
تليق بحاله وعلى قياس قولهما يجب العشر في الماء العشري إلا أن عند محمد -
رَحِمَهُ اللَّهُ -: عشر واحد، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عشران
وقد مر الوجه فيه، ثم الماء العشري ماء السماء والآبار والعيون والبحار
التي لا تدخل تحت ولاية أحد،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإن جعلها بستانا) ش: أي وإن جعل المجوسي دار خطة بستانا م: (فعليه
الخراج) ش: لأنها صارت نامية كما لو جعل العلوفة سائمة، ثم عليه الخراج
سواء سقاها بماء الخراج أو بماء العشر، لأن الكفر منافي العبادة بخلاف
المسلم إذا جعل داره بستانا يعتبر الماء، لأن الإسلام لا ينافي العقوبة
فاستقام توظيف الخراج عليه م: (وإن سقاها بماء العشر) ش: واصل بما قبله،
وقد ذكرنا الآن سواء سقاها بماء العشر أو بماء الخراج م: (لتعذر إيجاب
العشر إذ فيه معنى القربة) ش: أي لأن في العشر معنى القربة وإذا كان كذلك.
م: (فتعين الخراج وهو عقوبة تليق بحاله) ش: أي بحال المجوسي وقيد بقوله جعل
داره بستانا، فإنه إذا لم يجعلها بستانا ولكن فيها أشجارا تخرج أكرارا من
التمر فهي في حكم الدار، وليس فيها شيء كذلك في " المبسوط "، وفي " فتاوى
قاضي خان " وعليه إجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
م: (وعلى قياس قولهما) ش: أي قول أبي يوسف ومحمد وهو جواز إيجاب العشر على
الكافر في الأرض العشرية م: (يجب العشر في الماء العشري) ش: يعني الماء
الذي يسقى به الأرض العشرية م: (إلا أن عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عشر
واحد) ش: أي يجب عشر واحد.
م: (وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عشران) ش: أي يجب عشران م: (وقد مر
الوجه فيه) ش: أي وجه هذا من الجانبين قد مر وهو الذمي إذا اشترى من مسلم
أرضا عشرية وجب عند أبي يوسف عشران وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عشر
واحد، وقد مرت روايتان أيضا في المصرف في رواية يصرف إلى مصارف الخراج، وفي
رواية يصرف في مصارف العشر.
م: (ثم الماء العشري ماء السماء، والآبار، والأنهار، والعيون، والبحار التي
لا تدخل تحت ولاية أحد) ش: هذا بيان للمياه أنها على نوعين، مياه عشرية،
ومياه خراجية، فقوله: -ثم الماء العشري- إلى قوله: -ولاية أحد- بيان للمياه
العشرية، فالماء تابع للأرض، فإن كانت الأرض عشرية فالماء الخارج منها عشري
وإن كان خراجية فالماء الخارج منها خراجي بقوله -ماء السماء- وهو المطر،
فإن كل ماء ينزل على الأرض العشرية يعد من المياه العشرية، وإن كان ينزل
على الأرض الخراجية يعد من المياه الخراجية.
قوله -والآبار- أي الآبار التي حفرت في الأراضي العشرية، والعيون التي ظهرت
في الأراضي العشرية، وفي " المحيط ": بئر حفرت في الأرض العشري وعين ظهرت
في أرض
(3/437)
والماء الخراجي ماء الأنهار التي شقها
الأعاجم وماء جيحون
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
العشر كان الماء فيها عشريا تابعا للأرض، وفي الأرض الخراجية كذلك يتبع
الأراضي.
م: (والماء الخراجي ماء الأنهار التي شقها الأعاجم) ش: هي الأنهار الصغار
التي في بلاد العجم مثل نهر المالك ونهر يزدجرد ونهر مرو لأن مثل هذه
الأنهار ماء الخراجي فصار ماؤها خراجيا وصارت الأرض خراجية تبعا للماء كذا
في " مبسوط فخر الإسلام ".
ثم اعلم أن الأراضي العشرية ستة:
الأولى: أرض العرب كالحجاز واليمن ونحوهما.
الثانية: أرض أسلم أهلها على ذلك طوعا.
الثالثة: أرض فتحت عنوة وقسمت بين الغانمين.
الرابعة: أرض أحييت وسقيت بماء العشر.
الخامسة: الأرض الخراجية انقطع عنها ماء الخراج فسقيت بماء عشري.
السادسة: جعل داره بستانا وسقاها بماء العشر.
والأرض الخراجية ثمان.
الأولى: الأرض التي فتحت عنوة وتركت في أيديهم بالخراج المصروف عليها كما
فعل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في أرض سواد العراق ومصر.
والثانية: أرض أحياها كافر ذمي بإذن الإمام، أو قاتل فرضخ له الإمام ذكره
وفي " التحفة ".
والثالثة: جعل داره بستانا وقد سقاها بماء العشر.
والرابعة: طلب بعض الكفار من الإمام أن يضرب على أراضيهم خراجا من غير قهر.
والخامسة: أرض أحييت بماء الخراج.
والسادسة: أرض اشتراها مسلم من كافر.
والسابعة: الأرض العشر إذا انقطع عنها ماء العشر فسقيت بماء الخراج.
الثامنة: لمسلم دار فجعلها بستانا وسقاها بماء الخراج وقد تقدم ذكر ذلك كله
في " الولوالجي " وغيره.
م: (وماء جيحون) ش: قال الأترازي: ماء جيحون اسم لنهر بلخ.
(3/438)
وسيحون ودجلة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال السغناقي: نهر ترمذ بكسر التاء والذال المعجمة وتبعه الأكمل في ذلك.
قلت: قال صاحب " المرآة ": هو نهر بلخ ومنبعه من عيون من بلاد التبت، نهر
بلخ وترمذ وأسوان ويمضي حي يصب في بحر جرجان، ومقدار جريانه، على الأرض
ثلاثمائة فرسخ.
وقال الإصطخري في كتابه: إن نهر جيحون يخرج عن حدود بدخسان ثم ينضم إليه
أنهار كثيرة في حدود الجبل ووحش فيصير نهرا عظيما ثم يمر على بلاد كثيرة
حتى يصل إلى خوارزم ولا ينتفع به شيء من البلاد إلا خوارزم ثم يصب في بحيرة
خوارزم التي بينها وبين خوارزم ستة أيام، وتقويم البلد أن جيحون يقال: لها
جيهان، وتسمية العامة جاهان، فأصلها من بلاد الروم، ويسير في بلاد سيس من
الشمال إلى الجنوب، وهو مقارب الفرات في القدر ثم يجتمع هو وسيحون وعدادية
فيصبان في بحر الروم.
م: (وسيحون) ش: قال الأترازي: سيحون اسم نهر الترك، قال السغناقي: هو نهر
خجند. وقال الجوهري: ويقال له سيحان وسياحين فسيحون اسم لنهر بالهند،
وسيحان نهر بالشام وسياحين نهر بالبصرة، وقال غيره: يخرج سيحون من جبال
باسيدان وينتهي إلى بلاد الملتان ومسيره بروح الذهب ثم ينتهي إلى البصرة،
ثم يصب في البحر الشرقي، مقدار جريانه على وجه الأرض ستمائة فرسخ،
والتماسيح في خلجانه على ما ذكره الجاحظ، وفي تقديم البلدان أن سيحون أوله
من بلاد الروم يجري من الشمال والغرب إلى الجنوب والشرق، وهو غربي، ونهر
جيحون دونه في القدر وهو ببلاد الأرمن التي تعرف اليوم ببلاد سيس، ثم يجتمع
سيحون وجيحون عند أرمن فيصيران نهرا واحدا ثم يصبان في بحر الروم بين إياس
وطرسوس. وروينا حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سيحان وجيحان والنيل والفرات
كل من أنهار الجنة» . م: (ودجلة) ش: قال الأترازي: دجلة اسم لنهر بغداد،
وكذا قال غيره.
قلت: مخرجه من أصل جبل بقرب أمد عند حصن ذي القرنين، وكلما امتد يضم إليه
مياه جبال ديار بكر وأن يخاض فيه بالدواب ثم يمتد إلى فارقين ثم إلى حصن
كيفا ثم إلى جزيرة ابن عمر ثم إلى الموصل وينصب فيه الزابان، وهما نهران
يسمى كل منهما الزاب، ومنهما يعظم ثم إلى بغداد ثم إلى واسط ثم إلى البصرة
ثم ينصب في بحر فارس، ويحمل من دجلة عدة أنهار، منها القاطول ثم الدجيل
ونهر الدين ونهر سيرين ونهر الأيلة ونهر معقل.
(3/439)
والفرات عشري عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ
- لأنه لا يحميها أحد كالبحار وخراجي عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -
لأنها يتخذ عليها القناطر من السفن وهذا يدل عليها.
وفي أرض الصبي والمرأة التغلبيين ما في أرض الرجل التغلبي يعني العشر
المضاعف في العشرية والخراج الواحد في الخراجية، لأن الصلح قد جرى على
تضعيف الصدقة دون المؤنة المحضة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والفرات) ش: وهو نهر مشهور يخرج من جبل ببلاد الروم يقال له: أقروخس
بينه وبين باقلا مسيرة يوم وقيل: يخرج من أطراف أرمينة ثم يمر بأرض ملطية
على مسيرة ميلين منها ثم يمر على سمياط وقلعة الروم والبيرة وجزمنلج وقلعة
جعبر والرقبة والرجة وبحر مليسيا وبحامة والحديبية وبتيب والأنباط ثم يمر
بالطفوف ثم بحلب ثم بالكوفة وينتهي إلى البطائح وينصب إلى البحر الشرقي،
وقالوا: مقدار جريانه على وجه الأرض أربعمائة فرسخ، وهذه الأنهار لم تعمل
فيها الأيدي، وقيل: إن دانيال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حفر الفرات ودجلة.
م: (عشري) ش: مرفوع لأنه خبر المبتدأ وهو قوله - وماء جيحون - م: (عند محمد
- رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه لا يحميها أحد كالبحار) ش: ومياه العيون
والأمطار م: (وخراجي عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنها يتخذ عليها
القناطر من السفن وهذا يدل عليها) ش: أي إثبات يد عليها وولاية وخلافهما
مبني على أنه هل تقع عليها الأيدي؟ وهل تدخل تحت ولاية أحد؟ فعند أبي يوسف
نعم وعند محمد لا.
م: (وفي أرض الصبي والمرأة التغلبيين ما في أرض الرجل التغلبي) ش: يعني يجب
في أرض الصبي التغلبي والمرأة التغلبية ما يجب في أرض الرجل، ثم أوضح معنى
قوله -ما في أرض الرجل- بقوله م: (يعنى العشر المضاعف في العشرية) ش: يعني
في الأرض العشرية م: (والخراج) ش: بالنصب يعني الخراج الواجب م: (في
الخراجية) ش: يعني في الأرض الخراجية.
م: (لأن الصلح) ش: أي صلح عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على ما سئل م: (قد
جرى على تضعيف الصدقة) ش: أي على تضعيف ما يجب على المسلمين من العبادة أو
ما فيه معناها م: (دون المؤنة المحضة) ش: أي الخالية عن معنى العبادة وأراد
بها الخراج لأنها مؤنة ليس فيها معنى العبادة وذلك أن صلح عمر - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - وقع مع بني تغلب في تضعيف الصدقة دون الخراج، فلهذا يؤخذ
من صبيانهم ونسائهم صدقة مضاعفة وخراج واحد.
فإن قيل: الصبي التغلبي والمرأة التغلبية إذا مرا على العاشر يأخذ من
المرأة دون الصبي فكيف يؤخذ من الصبي التغلبي في أرضه صدقة مضاعفة؟
قيل له: لا تعتبر الأهلية للمالك في العشر والخراج حتى يجب في الأراضي
الموقوفة، وأراضي الصبيان والمجانين بخلاف الزكاة. حيث يعتبر فيها الأهلية
للمالك والعاشر يأخذ
(3/440)
ثم على الصبي والمرأة إذا كانا من المسلمين
العشر فيضعف ذلك إذا كانا منهم.
قال وليس في عين القير والنفط في أرض العشر شيء لأنه ليس من إنزال الأرض،
وإنما هو عين فوارة كعين الماء، وعليه في أرض الخراج خراج، وهذا إذا كان
حريمه صالحا للزراعة، لأن الخراج يتعلق بالتمكن من الزراعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الزكاة ولا زكاة على الصبي م: (ثم على الصبي والمرأة إذا كانا من المسلمين
العشر) ش: أي يجب العشر م: (فيضعف ذلك) ش: أي العشر م: (إذا كانا منهم) ش:
أي من بني تغلب.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وليس في عين القير) ش: بكسر
القاف وهو الزفت، ويقال له القار أيضا م: (والنفط) ش: بفتح النون وكسرها،
وهو الأصح وهو دهن يكون على وجه الماء في العين وفي " المبسوط ": لا شيء في
القير والنفط والملح لأنها فوارة كالماء.
م: (في أرض العشر شيء لأنه ليس من إنزال الأرض) ش: هو جمع نزل بضم النون
وسكون الراء، ونزل الأرض ريعها وهو ما يحصل منها وعين بها الأرزاق كالحنطة
ونحوها، والنفط عين تفور كعين الماء ولا عشر في الماء فكذا في القير والنفط
وهو معنى قوله م: (وإنما هو) ش: أي النفط م: (عين فوارة) ش: من فارت القدر
وهي صيغة مبالغة وشبه فورانها بفوران الماء الذي يخرج من العين وهو معنى
قوله م: (كعين الماء) ش: الذي يفور حتى يخرج منها م: (وعليه في أرض الخراج
خراج) ش: الضمير في عليه يحتمل مرجعه وجهين.
أحدهما: أن يرجع إلى النفط يعني عين النفط والقير بأن يمسح موضع القير
والنفط حريمة صالحة للزراعة لأن الخراج يتعلق بالتمكن من الزراعة فيكون
موضع النفط والقير تابعا للأرض، وهو اختيار بعض المشايخ.
والآخر: أن يرجع إلى الرجل الذي تدل عليه القرينة، أي وعلى الرجل في عين
النفط والقير في أرض الخراج خراج.
م: (وهذا الذي ذكرناه إذا كان حريمه) ش: أي حريمه عين النفط والقير م:
(صالحا للزراعة لأن الخراج يتعلق بالتمكن من الزراعة) ش: وروى ابن سماعة،
عن محمد لا يمسح موضع العين، لأنه لا يصلح للزراعة وهو مختار أبي بكر
الرازي، ومنهم من قال: لا خراج فيها وعلى ما حولها، لأنها كالأرض السبخة
فلا تصلح للزراعة فلا شيء فيه، والله أعلم.
(3/441)
|