البناية شرح الهداية

باب صدقة الفطر قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: صدقة الفطر واجبة على الحر المسلم إذا كان مالكا لمقدار النصاب فاضلا عن مسكنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب صدقة الفطر] [تعريف زكاة الفطر وحكمها وعلى من تجب]
م: (باب صدقة الفطر) ش: أي هذا باب في بيان أحكام صدقة الفطر، وجه مناسبتها إلى الزكاة ظاهر، لأن كلا منهما من الوظائف المالية، وأوردها في " المبسوط " بعد الصوم بالنظر إلى الترتيب الوجودي، وأوردها المصنف ها هنا رعاية لجانب الصدقة، وكان حق هذا الباب أن يقدم على العشر، لأن العشر مؤنة فيها يعني في العبادة.
وهذه عبادة فيها معنى المؤنة، لكن العشر ثبت بالكتاب، وهي تثبت بخبر الواحد. ووضع الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا الباب في "مختصره" قبل باب مصارف الصدقات، وهذا هو الأنسب، لأن وجود الصدقة مقدم على الصرف، وقال النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: صدقة الفطر لفظة مؤكدة لا عربية ولا معربة، بل هي اصطلاحية للفقهاء من الفطرة التي هي النفوس والخلقة، أي زكاة الخلقة.
قلت: ولو قال لفظة إسلامية لكان أولى، لأنها ما عرفت إلا في الإسلام، وقال أبو بكر بن العربي: وأتمها على لسان صاحب الشرع، وهذا يؤيد ما ذكرته، ويقال لها صدقة الفطر، وزكاة الفطر، وزكاة رمضان، وزكاة الصوم. ومعناها شرعا اسم لما يعطى من المال بطريق الصلة والعبادة ترحما مقدرا، بخلاف الهبة لأنها تعطى صلة تكرما لا ترحما، ذكره في " المحيط "، والصدقة هي العطية التي يراد بها التقرب عند الله تعالى، وسميت بها لأنها تظهر صدق الرجل.
م: (قال: صدقة الفطر واجبة على الحر المسلم) ش: وعند الشافعي ومالك وأحمد فرض، وروي عن إسماعيل بن علية وأبي بكر بن الأصم وابن اللبان من الشافعية، وحكى ابن عبد البر عن بعض المالكية المتأخرون والداودية، وذكر في " الذخيرة " عن مالك في رواية أنها سنة وليست بواجبة، واستدلوا بحديث أبي عمار عريب بن حميد، «عن وقيس بن سعد بن عبادة قال: أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة، فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا، ونحن نفعله» ورواه النسائي وابن ماجه والحاكم في "مستدركه "، والجواب أن نزول فرض لا يوجب سقوط فرض آخر، والجواب هنا على معناه الاصطلاحي وهو ما ثبت بدليل فيه شبهة.
م: (إذا كان مالكا لمقدار النصاب) ش: من أي مال كان حال كون النصاب م: (فاضلا عن مسكنه) ش: حتى لو كان له داران، دار يسكنها، والدار الأخرى لا يسكنها يؤاجرها أو لا يؤاجراها، تعتبر قيمتها حتى لو كانت قيمتها مائتي درهم تجب عليه صدقة الفطر، وكذلك لو

(3/481)


وثيابه وأثاثه وفرسه وسلاحه وعبيده. أما وجوبها فلقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في خطبته: «أدوا عن كل حر وعبد صغير أو كبير صاع من بر أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كانت له دار واحد يسكنها ويفضل عن سكناه شيء فتعتبر قيمة الفاضل م: (وثيابه وأثاثه وفرسه وسلاحه وعبيده) ش: كذلك في هذه الأشياء إن فضل عنه شيء تعتبر قيمة الفاضل.
وفي " شرح الطحاوي " - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن العيون إن أن له متاع بيت وهو عنه مستغن وقيمته مائتا درهم وجب عليه صدقة الفطر، ولم تحل له الصدقة ولو كانت له دور وحوانيت للغلة وهي لا تكفي عياله فهو من الفقراء عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وتحل له الصدقة، خلافا لأبي يوسف، وعلى هذا الكرم والأراضي إذا كانت غلتها لا تكفي، وإذا كانت له كتب العلم وقيمتها تساوي مائتي درهم وهو يحتاج إليها في الحفظ والدراسة والتصحيح.
ذكر في " خلاصة الفتاوى " أنه لا يكون نصابا وحل له أخذ الصدقة فقها كان أو حديثا أو أدبا كثياب المنة والبذلة والمصحف على هذا، وإن كان زائدا على قدر الحاجة لا يحل له أخذ الصدقة. وإن كانت له نسختان من كتاب النكاح أو الطلاق، فإن كان كلاهما من تصنيف مصنف واحد، فأحدهما يكون نصابا يعني نصاب حرمان الصدقة ووجوب الفطرة، وإن كان كل واحد من تصنيف مصنف الزكاة فيها، والمراد من العبيد عبيد الخدمة، لأن في عبيد التجارة لا تجب صدقة الفطر عندنا، بل تجب فيها الزكاة.
م: (أما وجوبها) ش: أي أما وجوب صدقة الفطر م: (فلقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي فلقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (في خطبته: «أدوا كل حر وعبد صغير أو كبير نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو صاع من شعير» ش: قوله: أدوا فعل أمر يدل على الوجوب، وعند الشافعي فريضة على أصله، أي لا فرق بين الواجب والفرض، لكن هذا نزاع لفظي، لأن الفريضة عنده نوعان: مقطوع حتى يكفر جاحده، وغير مقطوع حتى لا يكفر جاحده، ومن جحد صدقة الفطر لا يكفر بالإجماع، ولهذا لا يكفر من قال: إنها مستحبة، وقد ذكرناه عن قريب، وذكر في " المستصفى " للغزالي: هذا اصطلاح، ولا مشاحة في الاصطلاح، وفي " المجرد ": أنها سنة فمعناه ثبت وجوبها بالسنة.
قوله: صغير أو كبير، بدون الواو لكونها صفة للذي يجب لأجله، ويجوز أن يكون هما صفتين لعبد، وهذا واضح فلا يجوز أن يكونا راجعين إلى الحر والعبد، لأنه لا يجب عليه صدقة الفطر عن ولده الكبير، ويحتمل أن يرجع الصغير إلى الحر والكبير إلى العبد، ويجب الأداء عن العبد الصغير بدلالة النص.

(3/482)


رواه ثعلبة بن صعير العدوي وبمثله يثبت الوجوب لعدم القطع وشرط الحرية لتحقق التمليك والإسلام ليقع قربة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لأنه لما وجب عليه بسبب عبده الكبير فلأن يجب عليه بسبب عبده الصغير أولى. قوله: نصف صاع من بر، هذا مذهب أصحابنا، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - صاع من بر أيضا، وسيجيء الكلام فيه إن شاء الله تعالى.
م: (رواه ثعلبة بن صعير العدوي) ش: أي روى الحديث المذكور ثعلبة بالثاء المثلثة، ابن صعير بضم الصاد وفتح العين المهملتين وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره راء، والمذكور في " سنن" أبي داود ثعلبة بن أبي صعير بالكنية، وفي كتب الفقه ذكروه بلا كنية، وقال ابن معين: ثعلبة بن عبد الله بن أبي صعير، وفي " الكمال " ذكره في ترجمة ابنه عبد الله فقال: عبد الله بن ثعلبة بن صعير ويقال ابن أبي صعير بن عمرو بن زيد بن سنان بن المهتجن بن سلامان بن عدي بن صعير بن حراز بن كاهل بن عذرة الشاعر العذري حليف بني زهرة. وعذرة هو ابن سعد بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة، وقال المزني: عبد الله بن صعير مسح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجهه ورأسه زمن الفتح، ودعا له، وروى عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قيل: إنه ولد قبل الهجرة بأربع سنين، وقيل: ولد بعد الهجرة، وأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توفي، وهو ابن أربع سنين، وتوفي سنة سبع وثمانين وهو ابن ثلاث وتسعين، وقيل: توفي ابن ثلاثة وثمانين.
وقال الأترازي: قال حميد الدين الضرير: العذري أصح منسوب إلى بني عذرة اسم قبيلة، والعدوي منسوب إلى عدي وهو جده.
قلت: قال الرساطي: العدوي في قبائل ثم عدها، والعذري بضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة بالراء، والكلام في هذا الحديث كثير، روى من وجوه كثيرة.
فإن قلت: كيف استدل المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بهذا الحديث، وقد تكلموا فيه وأثبتوا فيه عللا، وادعى بعضهم إرساله؟
قلت: ما استدل به إلا على أصل وجوب صدقة الفطر لا على مقدار الواجب، واستدل على المقدار بحديث أبي سعيد، وسيأتي في فصل مقدار الواجب إن شاء الله تعالى، ولهذا قال: م: (وبمثله يثبت الوجوب لعدم القطع) ش: أي وبمثل هذا الحديث الذي هو خبر الواحد يثبت الوجوب لا الفرض لأنه ليس بدليل قطعي.
م: (وشرط الحرية لتحقق التمليك) ش: فاعل شرط الإمام القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - أي شرط الحرية في قوله صدقة الفطر واجبة على الحر المسلم ليتحقق التمليك، لأن العبد لا يملك المال فكيف يملك غيره؟ م: (والإسلام) ش: أي شرط الإسلام م: (ليقع قربة) ش: لأن الصدقة قربة،

(3/483)


واليسار لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا صدقة إلا عن ظهر غنى» وهو حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله يجب على من يملك زيادة على قوت يومه لنفسه وعياله، وقدر اليسار بالنصاب لتقدر الغناء في الشرع به فاضلا عما ذكر من الأشياء، لأنها مستحقة بالحاجة الأصلية والمستحق بالحاجة الأصلية كالمعدوم ولا يشترط فيه النمو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي فعل الكافر لا يقع قربة م: (واليسار) ش: أي وشرط اليسار بقوله: إذا كان مالكا لهذا النصاب.
م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «لا صدقة إلا عن ظهر غنى» ش: هذا الحديث رواه أحمد في "مسنده " حدثنا يعلى بن عبيد أخبرنا عبد الملك عن عطاء عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا صدقة إلا عن ظهر غنى» ، وذكر الأترازي عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الذي أخرجه البخاري بإسناده عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى» ، هذا الحديث رواه أحمد في "مسنده " وفيه «وابدأ بمن تعول» ، وهذا غير مناسب لا لفظا ولا معنى، وهو غير ظاهر، قوله: عن ظهر غنى، أي صادرة عن غنى ولفظ الظهر معجم م: (وهو حجة على الشافعي) ش: أي هذا الحديث حجة على الشافعي م: (في قوله تجب على من يملك زيادة على قوت يومه لنفسه وعياله) ش: لأنه ذكر في آخر حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - غني أو فقير.
ولأنه وجب طهرة للصائم لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فيستوي فيه الفقير والغني.. إلخ، قلنا: حديث ابن عمر محمول إما على ما كان في الابتداء ثم انتسخ لقوله: «لا صدقة إلا عن ظهر غنى» ، وإما على الندب فإنه قال في آخره: أما غنيكم فيزكيه الله، وأما فقيركم فيعطيه الله أفضل مما أعطى.
م: (وقدر اليسار بالنصاب) ش: قدر على صيغة المجهول، واليسار مفعول به م: (لتقدر الغناء في الشرع به) ش: أي بالنصاب حال كونه م: (فاضلا عما ذكر من الأشياء) ش: التي هي مسكنه وثيابه وأثاثه وفرسه وسلاحه وعبد الخدمة م: (لأنها) ش: أي لأن هذه الأشياء م: (مستحقة بالحاجة الأصلية) ش: وهي يكون قيامه بها م: (والمستحق بالحاجة الأصلية) ش: كالماء الذي يحتاج إليه في الشرب حيث جعل م: (كالمعدوم) .
ش: في حق جواز التيمم م: (ولا يشترط فيه النمو) ش: أي لا يشترط في هذا النصاب أن يكون ناميا لوجوب صدقة الفطر لأنها تجب بالقدرة الممكنة لا الميسرة، ألا ترى أنها تجب على من ملك نصابا من ثياب البذلة ما يساوي مائتي درهم فاضلا عن حاجته الأصلية، فلا يتحقق النماء بثياب البذلة، ولهذا لا تسقط عنه الفطرة إذ المال بعد الوجوب، بخلاف الفطرة، فإن وجوبها

(3/484)


ويتعلق بها النصاب حرمان الصدقة ووجوب الأضحية والفطرة.
قال: يخرج ذلك عن نفسه لحديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «فرض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زكاة الفطر على الذكر والأنثى» .... الحديث ويخرج عن أولاده الصغار، لأن السبب رأس يمونه ويلي عليه، لأنها تضاف إليه، يقال: زكاة الرأس وهي أمارة السببية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالقدرة والميسرة فيشترط في النصاب النماء لتحقق اليسر، ولهذا إذا ملك المال بعد الوجوب سقط عنه الزكاة.
م: (ويتعلق بهذا النصاب) ش: أي الفاضل عن الحاجة الأصلية بدون شرط النماء فيه م: (حرمان الصدقة) ش: يعني لوجود هذا النصاب يحرم عليه أخذ الصدقة م: (ووجوب الأضحية) ش: يعني يتعلق بهذا النصاب وجوب الأضحية م: (والفطر) ش: أي يتعلق به أيضا وجوب صدقة الفطر، ويتعلق به أيضا وجوب نفقة المحارم عليه.

[يخرج زكاة الفطر عن نفسه وعمن تلزمه نفقته]
م: (قال: يخرج ذلك عن نفسه) ش: أي يخرج المقدار المشار إليه المذكور عن نفسه، أي لأجل نفسه، ويخرج من الإخراج، وفاعله مضمر فيه، يعود إلى الذي وجب عليه صدقة الفطر م: (لحديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: وهو ما رواه الأئمة الستة في "كتبهم" من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «فرض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صدقة الفطر صاعا من شعير أو صاعا من تمر على كل حر أو عبد، ذكر أو أنثى من المسلمين» م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: «فرض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زكاة الفطر على الذكر والأنثى ... الحديث» ش: يجوز في لفظ الحديث الرفع على تقدير الحديث بتمامه، ويجوز النصب على تقدير اقرأ الحديث أو أتمه، وتمامه والحر والمملوك صاعا من تمر أو صاعا من شعير، فعدل الناس نصف صاع من بر.
م: (ويخرج عن أولاده الصغار لأن السبب) ش: أي سبب وجوب صدقة الفطر م: (رأس يمونه) ش: أي يقوته من مانه إذا قاته، وعن أبي عبيد.
قلت: الرجل أمونه أي قمت بكفايته واحتملت مؤنته أي ثقله م: (ويلي عيله) ش: أن مستحق الولاية عليه بنفسه كالولد الصغير والعبد، ولهذا لا يلزم على الجد عن أن يؤدي عن ابن ابنه، لأنه لا يستحق الولاية عليه بنفسه، بل من جهة الابن فصار كالوصي، وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن عليه أن يؤدي عن ابن ابنه إذا لم يكن لابنه مال، قال: لأنه كالميت م: (لأنها) ش: أي لأن صدقة الفطر م: (تضاف إليه) ش: أي إلى الرأس م: (ويقال: زكاة الرأس وهي أمارة السببية) ش: أي لأن علامة كون الرأس سببا، والأمارة بفتح الهمزة، وهذا لأن الإضافة إلى الاختصاص، وأقوى وجوه الاختصاص إضافة السبب إلى مسببه، كقولك: كسب فلان وعمل فلان وقال فلان إلى غير ذلك. وفي " الجوهرة ": كل من وجبت نفقته بملك أو قرابة أو نكاح تجب صدقة الفطر.

(3/485)


والإضافة إلى الفطر باعتبار أنه وقته، ولهذا تتعدد بتعدد الرأس مع اتحاد اليوم والأصل في الوجوب رأسه وهو يمونه ويلي عليه فيلحق به ما هو في معناه كأولاده الصغار، لأنه يمونهم ويلي عليهم، وممالكه لقيام المؤنة والولاية،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال القرافي في " الذخيرة ": وأبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبر الولاية التامة، قال: ووصف الولاية طردا وعكسا، لأن المجنون والفاسق لا ولاية لهما مع وجوبها في مالها، والحاكم له ولاية ولا وجوب عليه، انتهى.
قال السروجي: نقله خطأ وغلط، بل السبب عندنا الولاية التامة والمؤنة التامة، فالحاكم لا مؤنة عليه فلم يوجد المجموع في حقه ولا في حق المجنون المؤنة، وكذا ولاية الأب ولايته للعجز عن النظر لنفسه ومذهبه فاسد، واعتبار النفقة وحدها باطل طردا وعكسا، إلا أن العبد الموصى به لإنسان وخدمته لآخر يجب صدقة فطره على صاحب الرقبة على المذهب عندنا، ونفقته على صاحب الخدمة، وعبده الكافر وزوجته النصرانية واليهودية نفقتهم عليه، ولا تجب عليه صدقة الفطر عنهم، وكذا الأجير بنفقته تجب عليه نفقته ولا تجب صدقته عليه، وتجب صدقة عبده الهارب ومكاتبه عليه عنده ولا تجب نفقته عليه فبطل قوله.
م: (والإضافة إلى الفطر باعتبار أنه وقته) ش: هذا الجواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: لو كانت الأمارة أمارة السببية لكان الفطر سببا لإضافتها إليه، فقال: صدقة الفطر وليس كذلك عندكم.
فأجاب بقوله: والإضافة، أي إضافة الصدقة إلى الفطر باعتبار أنه وقته أي وقت الوجوب فكانت إضافة مجازية م: (وهذا يتعدد بتعدد الرأس مع اتحاد اليوم) ش: أي لأجل تعدد الصدقة بتعدد الرأس إن لم يتعدد الفطر، فعلم أن الرأس هو السبب في اليوم.
فإن قيل: يتكرر بتكرر الوقت في السنة الثانية والثالثة وهلم جرا مع اتحاد الرأس، ولو كان الرأس سببا لكان الوجوب متكررا مع اتحاده.
أجيب: بأن الرأس إنما جعل سببا بوصف المؤنة، وهي تتكرر بمضي الزمان، فصار الرأس باعتبار تكرر وصفه، كالتكرر بنفسه حكما، فكان السبب وهو التكرر حكما.
م: (والأصل في الوجوب) ش: أي في وجوب صدق الفطر م: (رأسه) ش: أي رأس الذي وجب عليه م: (وهو يمونه، ويلي عليه، فيلحق به ما هو في معناه) ش: أي في المؤنة، والولاية م: (كأولاده الصغار، لأنه يمونهم، ويلي عليهم) ش: أي يتولى أمورهم م: (ومماليكه) ش: بالجر عطفا على قوله: من أولاده الصغار م: (لقيام المؤنة، والولاية) ش: أي في المماليك.

(3/486)


وهذا إذا كانوا للخدمة، ولا مال للصغار، فإن كان لهم مال تؤدى من مالهم عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الشرع أجراه مجرى المؤنة فأشبه النفقة،
ولا يؤدي عن زوجته
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وهذا) ش: أي الذي ذكرناه من الوجوب م: (إذا كانوا) ش: أي الماليك م: (للخدمة) ش: لأنهم إذا كانوا للتجارة تجب عليه الزكاة م: (ولا مال للصغار) ش: أي هذا الذي ذكرنا من وجوب صدقة الفطر عن أولاده الصغار حال كونهم لا مال لهم.
م: (فإن كان لهم مال تؤدى من مالهم عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله-) ش: يخرجها عنهم أبوهم أو وصى أبيهم أو وصى أو جدهم أو وصى وصية أو وصى نصبه القاضي، ومثله في الأضحية ذكره الأسبيجابي، ولا تجب على الوصي باتفاق الروايات، والمجنون على هذا الخلاف م: (خلافا لمحمد) ش: فعنده لا يجب عليه شيء وبه قال زفر والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه وابن المنذر، والظاهرية، لأن الصدقة عبادة فلا تجب على الصغير.
ولو أدى من مال الصغير ضمن، لأنها زكاة في الشريعة كزكاة المال، فلا تجب على الصغير م: (لأن الشرع أجراه) ش: أي أجرى وجوب صدقة الفطر م: (مجرى المؤنة) ش: لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أدوا عمن تمونون» م: (فأشبه النفقة) ش: حيث تلزم الأب إذا كان الصغير لا مال له، فإذا كان له مال يلزمه في ماله.

م: (ولا يؤدي) ش: أي صدقة الفطر م: (عن زوجته) ش: وبه قال الثوري، والظاهرية، وابن المنذر، وابن سيرين - رَحِمَهُ اللَّهُ - من المالكية، وخالفا مالكا فيه. وقال مالك، وأحمد، والشافعي، والليث، وإسحاق - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: تجب على الزوج، وكذا عن خادمها.
وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم قاطبة على أن المرأة تجب فطرتها على نفسها قبل أن تنكح، وثبت أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قال: «صدقة الفطر على كل ذكر وأنثى» ، ولم يصح عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما يخالف هذا الخبر، وليس فيه إجماع يتبع، فلا يجوز إسقاطها عنها، وأصحابنا على غيرها بغير دليل.
وقال ابن حزم: في هذا عجب عجيب وهو أو الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يقول بالمرسل، ثم أخذ هنا بأمر مرسل في العلم، وهو رواية إبراهيم بن يحيى الكذاب عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «صدقة الفطر على كل حر وعبد ذكر وأنثى ممن تمونون» .
وأجاب الأترازي عن هذا بقوله: معنى الخبر -إن صح- يمونون الولاية، بدليل أن الفطرة

(3/487)


لقصور الولاية والمؤنة فإنه لا يليها في غير حقوق النكاح، ولا يمونها في غير الرواتب كالمداواة ولا عن أولاده الكبار وإن كانوا في عياله لانعدام الولاية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لا تلزمه عن أخيه، وذوي قرابته، والأجانب إذا أسابهم م: (لقصور الولاية والمؤنة فإنه) ش: أي فإن الزوج م: (لا يليها) ش: أي لا يلي زوجته م: (في غير حقوق النكاح) ش: يعني ولايته عليها مقصودة غير شاملة مقيدة بالنكاح.
م: (ولا يمونها) ش: أي ولا تلزمه مؤنتها م: (في غير الرواتب) ش: من النفقة والكسوة والسكنى، والرواتب جمع راتبة أي ثابتة أي من رتب إذا ثبت م: (كالمداواة) ش: إذا مرضت فإنها لا تلزمه كغير الرواتب م: (ولا عن أولاده الكبار) ش: أي لا تجب عليه عن أولاده الكبار، لأنه لا يستحق عليهم ولايته فصار كالأجانب م: (وإن كانوا في عياله لانعدام الولاية) ش: واصل بما قبله بأن كانوا فقراء زمنا، والعيال جمع عيل كجياد جمع جيد، وفي " المجمل " عال الرجل عياله، إذا مانهم، وفي " الفائق ": هو من عال يعول، إذا احتاج، وفي " المحيط ": إذا كان الأب فقيرا مجنونا تجب على الابن الولاية والمؤنة، ولا تجب على حفدته الصغار إن كانوا في عياله، ذكره في " التحفة ".
وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنها تجب عليه، وهو قول الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وفي " الينابيع ": على الأب إذا كانوا فقراء. وفي " الحلية " روايتان عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في رواية الحسن تجب، وفي ظاهر الرواية لا تجب، وأجمعوا على أنه لا تجب على الأب فطرة عبيدهم.
وفي " المجرد " عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تجب على الأب صدقة فطر ولده الكبير الذي أدرك، معناها، وإن كان عاقلا ثم جن لا يجب. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لو جن في صغره فلم يزل مجنونا حتى ولد له لم تجب عليه صدقة الفطر عن ولده، وعن جن جنونا مطبقا في حال صغره فهو بمنزلة الصبي تجب على أبيه، ولو كان له أبوان تجب على كل واحد منهما صدقة كاملة عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وحكى الزعفراني في قوله: في " الأسبيجابي " قول أبي حنيفة مع أبي يوسف، وعند محمد عليهما صدقة واحدة، وإن مات أحدهما فهو ابن الثاني منهما في ميراثه وصدقته لزوال المزاحمة.
وفي " التحفة ": لا تجب على الغني صدقة إخوته الصغار الفقراء. وفي رواية الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - تجب على الحمل عند عدم الأب، وإن كان الأب فقيرا لا تجب عليه باتفاق الروايات، وتجب عليه نفقته ولا تجب على الجنين عند الجمهور، واستحبه أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولم يوجبه.
وفي رواية أوجبه، وهو مذهب داود، وأصحابه، وروي عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه

(3/488)


ولو أدى عنهم أو عن زوجته بغير أمرهم أجزأهم استحسانا لثبوت الإذن عادة ولا يخرج عن مكاتبه لعدم الولاية ولا المكاتب عن نفسه لفقره،
وفي المدبر وأم الولد ولاية المولى ثابتة فيخرج عنهما ولا يخرج عن مماليكه للتجارة خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن عنده وجوبها على العبد، ووجوب الزكاة على المولى فلا تنافي، وعندنا وجوبها على المولى بسببه كالزكاة فيؤدي إلى الثنى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كان يعطي صدقة رمضان عن الخيل، وقال أبو قلابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كانوا يعطون حتى عن الخيل، وفي " الوتري ": لا تجب عن فرسه، ولا عن غيره من سائر الحيوانات، [ولا] عن الرقيق، وما روي عن عثمان وغيره، محمول على التطوع.
م: (ولو أدى عنهم) ش: أي عن أولاده الكبار م: (أو عن زوجته) ش: أي أو أدى عن زوجته م: (بغير أمرهم أجزأ استحسان لثبوت الإذن عادة) ش: والقياس أن لا يصح كما إذا أدى الزكاة بغير إذنها، وفي العادة أن الزوج هو الذي يؤدي عنها، وكان الإذن ثابتا عادة، بخلاف الزكاة، لأنها عبادة محضة لا تصح بدون الإذن صريحا، والاستحسان أربعة أنواع، ما ثبت بالأمر كالسلم، وبالإجماع [.....] وبالضروة كتطهير الحياض والآبار والأواني، وبالقياس الخفي وهو كثير النظر في الفقه، كما إذا اختلفا في الثمن قبل قبض المبيع لا يجب والثمن على البائع لأنه المدعي لا المنكر، ويجب استحسانا لأنه ينكر وجوب التسليم بما ادعاه المشتري من الثمن وهنا المراد النوع الثاني لا يجوز عندنا وعند الشافعي.
م: (ولا يخرج عن مكاتبة لعدم الولاية) ش: وفي " التحفة ": المكاتب والمدبر والمستثنى لا تجب عليه صدقة فطرهم لأنه لا تجب في نفقتهم ولا يجب عليهم أيضا لأنهم لا ملك لهم م: (ولا المكاتب عن نفسه لفقره) ش: أي ولا يخرج المكاتب صدقة الفطر عن نفسه لأنه فقير، وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الجديد وأحمد. ويقال في القديم: ثم يؤدي المولى عنه وهو قول عطاء.
م: (وفي المدبر وأم الولد ولاية المولى ثابتة) ش: لأنها لا تنعدم بالتدبير والاسيتلاد، وإنما يختل بالمالية ولا عبرة به ها هنا، فإن كان كذلك م: (فيخرج عنهما) ش: بضم الياء من الإخراج.
م: (ولا يخرج عن ممالكه للتجارة خلافا للشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: وبقوله، قال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (فإن عنده وجوبها) ش: أي وجوب الفطرة م: (على العبد ووجوب الزكاة على المولى) ش: لا منافي بين الوجوبين لأنهما حقان مختلفان م: (فلا يتدخلان) ش: فتجب الفطرة في وقتها، وزكاة التجارة بعد تمام الحول م: (وعندنا وجوبها على المولى بسببه) ش: أي بسبب العبد، يعني كان أولا على المولى وجوب صدقة الفطر م: (كالزكاة) ش: يعني كوجوب الزكاة عليه بسبب أيضا لأجل التجارة م: (فيؤدي إلى الثنى) ش: بكسر الثاء المثلثة وبقصر النون يعني يؤدي إلى التثنية

(3/489)


والعبد بين الشريكين لا فطرة على واحد منهما لقصور الولاية والمؤنة في كل واحد منهما، وكذا العبيد بين اثنين عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا على كل منهما ما يخصه من الرءوس دون الأشقاص بناء على أنه لا يرى قسمة الرقيق وهما يريانها، وقيل هو بالإجماع لأنه لا يجتمع النصيب قبل القسمة فلم تتم الرقبة لكل واحد منهما،
ويؤدي المسلم الفطرة عن عبده الكافر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وهو لا يجوز لإطلاق قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يثني في الصدقة» أي لا يؤخذ في السنة مرتين.
فإن قلت: سبب الزكاة فيهم المالية، وسبب الصدقة مؤنة رءوسهم، ومحل الزكاة بعض النصاب، ومحل الصدقة الذمة، فأداءهما حقان مختلفان سببا ومحلا، فلا شيء فيه.
قلت: مبني الصدقة على المؤنة، والعبد هنا معد للتجارة لا للمؤنة والنفقة لطلب الزيادة فيسقط اعتبارها بحكم القصد، فإنه السقوط حقيقة كما في الإباق، والعصب، فحينئذ لا تجب الصدقة لزوال سبب الوجوب، وهو المؤنة لا المنافي بين الواجبين فافهم.
م: (والعبد بين الشريكين) ش: أي العبد الكائن بين الشريكين للخدمة لا للتجارة، وبه صرح في " المبسوط " م: (لا فطرة على واحد منهما لقصور الولاية، والمؤنة في حق كل واحد منهما) ش: لأن الولاية والمؤنة الكاملين سبب ولم يوجد، قال الشافعي، ومالك، وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: على كل واحد منهما بقدر نصيبه م: (وكذا العبيد بين اثنين) ش: أي وكذلك العبيد إن كانوا بين اثنين لا فطرة فيهم أصلا م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: كما لا فطرة في العبد الواحد بينهما بالاتفاق.
م: (وقالا: على كل واحد منهما ما يخصه من الرءوس دون الأشقاص) ش: أي دون الأيصاء وهو جمع شقص وهو النصيب، يعنى لو كان بينهما خمسة أعبد مثلا يجب على كل واحد منهما في الثاني لقصور الولاية، والحاصل أنه يجب في الزوج دون الفرد كالثلاثة والخمسة والسبعة فلا يجب في الثالث والخامس والسابع اتفاقا، ويجب في اثنين وأربعة وستة عندهما م: (بناء على أنه لا يرى قسمة الرقيق) ش: أي قال أبو حنيفة: هذه المسألة بناء على أنه لا يرى قسمة الرقيق للتفاوت الفحش، فلا يحصل لكل واحد من الشريكين ولاية كاملة في كل عبد م: (وهما يريانها) ش: أي أبو يوسف ومحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يريان القسمة قياسا على البقر والغنم والإبل، ثم قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثل قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي بعض كتب أصحابنا وفي بعضها مثل قول أبي حنيفة وهو الأصح.
م: (وقيل: هو بالإجماع) ش: أي عدم وجوب الفطرة في العبيد بين اثنين بإجماع بين علمائنا الثلاثة، وهو قول الحسن البصري والثوري وعكرمة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (لأنه لا يجتمع النصيب بعد القسمة فلا تتم الرقبة لكل واحد منهما) ش: لأن اجتماع النصيب بالقسمة ولم يوجد فلم يتم ملك الرقبة الكاملة لكل واحد من الشريكين.
م: (ويؤدي المسلم الفطرة عن عبده الكافر) ش: أي

(3/490)


لإطلاق ما روينا، ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أدوا عن كل حر وعبد يهودي أو نصراني أو مجوسي» ... " الحديث، ولأن السبب قد تحقق والمولى من أهله وفيه خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الوجوب عنده على العبد وهو ليس من أهله، ولو كان على العكس فلا وجوب بالاتفاق،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
صدقة الفطر وهو قول أبي هريرة وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز والنخعي والثوري وإسحاق وداود - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
م: (لإطلاق ما روينا) ش: أراد ما تقدم من حديث ثعلبة في أول الباب وهو قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أدوا عن كل حر وعبد» م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: (في حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أدوا عن كل حر وعبد يهودي أو نصراني أو مجوسي.... الحديث» ش: هذا اللفظ أخرجه الدارقطني في "سننه " وليس فيه ذكر المجوسي، عن سلام الطويل عن زيد العمي عن عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أدوا صدقة الفطر عن كل صغير أو كبير ذكر أو أنثى يهودي أو نصراني حر أو مملوك نصف صاع من بر أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو من شعير» وقال: لم يسنده عنه غير سلام الطويل وهو متروك، ومن طريق الدارقطني رواه ابن الجوزي في " الموضوعات "، وغلظ القول في سلام عن النسائي وابن معين وابن حبان، وقال: يروي عن الثقات الموضوعات كأنه كان كالمتعمد لها ولم يذكر أكثر الشراح هذا الحديث.
م: (ولأن السبب قد تحقق) ش: وهو رأس يمونه بولائه عليه م: (والمولى من أهله) ش: أي من أهل الوجوب وليس هو بإضمار قبل الذكر لأن الشهرة قائمة مقام الذكر م: (وفيه خلاف الشافعي) ش: أي في الحكم المذكور خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وبقوله قال مالك وأحمد وعن بعض أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثل قولنا، للاختلاف بينهم أن الوجوب على العبد ويحمل عنه المولى، أو على المولى ابتداء بلا محل فيه قولان م: (لأن الوجوب عنده) ش: أي عند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (على العبد وهو) ش: أي العبد م: (ليس من أهله) ش: أي من أهل الوجوب هو مستدل لإثبات هذا الأصل بحديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرض صدقة الفطر على كل حر وعبد» فإن كلمة على للإيجاب، ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أدوا عمن تمونون» والوجوب لمن خوطب بالأداء وهو المولى، كلمة -على- في حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بمعنى عن كما في قَوْله تَعَالَى: {إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} [المطففين: 2] م: (المطففين: الآية2) ، أي عن الناس م: (ولو كان على العكس) ش: أي لو كان الأمر على عكس المذكور بأن كان المولى كافرا والعبد مسلما م: (فلا وجوب بالاتفاق) ش: أي بيننا وبين الشافعي -رضي الله

(3/491)


قال: ومن باع عبدا وأحدهما بالخيار ففطرته على من يصير له معناه إذا مر يوم الفطر والخيار باق. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: على من له الخيار، لأن الولاية له. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: على من له الملك لأنه من وظائفه كالنفقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عنه -أما عندنا فلأن الصدقة عبادة والكافر ليس من أهلها فلا تجب عليه، وأما عنده فلأن المخاطب وهو المولى وإن كان الوجوب على العبد عنده والكافر ليس مخاطبا بأداء العبادة.

م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن باع عبدا وأحدهما بالخيار) ش: والحال أن أحد المتعاقدين بالخيار م: (ففطرته) ش: أي فطرة العبد م: (على من يصير له العبد) ش: أعنى هذا تفسير فخر الإسلام، وفي شرح " الجامع الصغير " فسر قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فطرته على من له الخيار بمعنى إذا تم البيع فعلى المشتري، وإن انتقض فعلى البائع م: (معناه) ش: أي معنى قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا الكلام من المصنف يفسر كلام محمد الذي قاله في " الجامع الصغير " يعني معناه م: (إذا مر يوم الفطر) ش: يعني في مدة الخيار م: (والخيار باق) ش: قال الإمام حميد الدين الضرير في "شرحه ": هذا من قبيل إطلاق اسم الكل وإرادة البعض، لأن مضي كل يوم فطر ليس بشرط.
م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: على من له الخيار) ش: أي صدقة الفطر على من له الخيار إن كان للبائع فعلى البائع، وإن كان للمشتري فعلى المشتري، وإن كان الخيار لهما جميعا أو شرط البائع فعلى البائع أيضا، سواء تم البيع أو انفسخ م: (لأن الولاية له) ش: أي لمن له الخيار، ولهذا إذا جاز البيع تم، فإن فسخ انفسخ والفطرة تجب بالولاية والمؤنة فوجبت الفطرة على من له الخيار.
م: (وقال الشافعي: على من له الملك) ش: أي الفطرة على من له الملك يومئذ م: (لأنه) ش: أي لأن صدقة الفطر، وذكر الضمير باعتبار التصدق م: (من وظائفه) ش: أي من وظائف الملك م: (كالنفقة) ش: وهي مدة الخيار على من له الملك يومئذ، فكذا الفطرة، وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وذكروا في شرح " الجامع الصغير " قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما ذكر صاحب " الهداية " قول الشافعي، قالوا: والقياس أن تكون الفطرة على من يكون له الملك يومئذ ثم قالوا وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقال الكاكي: الخلاف المذكور بين الشافعي وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - موافق لما في " المبسوط " و" شرح الطحاوي " - رَحِمَهُ اللَّهُ - مخالف لما في " الأسرار " و" فتاوى قاضي خان "، فإن المذكور فيهما عكس ما ذكر في الكتاب من الخلاف حيث ذكر فيهما: اعتبر زفر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الملك، والشافعي الخيار، وفي " المحيط " قال زفر والحسن والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فطرته على من له الملك أن الخيار للبائع فعليه وإن كان للمشتري فعليه، وعند

(3/492)


ولنا أن الملك موقوف، لأنه لو رده يعود إلى قديم ملك البائع، ولو أجيز يثبت الملك للمشتري من وقت العقد فيتوقف ما يبتنى عليه بخلاف النفقة، لأنها للحاجة الناجزة فلا تقبل التوقف، وزكاة التجارة على هذا الخلاف.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - على البائع بكل حال، ولكن ما ذكر في كتبهم من " التتمة " و" التعليق " موافق لما ذكر في الكتاب فقالوا في "تتمتهم": لو اشترى عبدا فاشترط الخيار، وفي " التعليق " أو باع بشرط الخيار فأهل الهلال زمان الخيار ففطرته على من له الملك، إن قلنا الملك للبائع فالفطرة عليه، وإن قلنا للمشتري فالفطرة عليه، وإن قلنا الملك موقوف فالفطرة كذلك فتصير على من له الملك.
م: (ولنا أن الملك موقوف) ش: أي على ما يبنى عليه، أي لأن كل ما كان موقوفا فالمبني عليه كذلك، لأن التردد في الأصل يستلزم التردد في الفرع م: (لأنه لو رده يعود إلى قديم ملك البائع، ولو أجيز يثبت الملك للمشتري من وقت العقد فيتوقف على ما يبتنى عليه، بخلاف النفقة) ش: هذا جواب عن قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - كالنفقة م: (لأنها للحاجة الناجزة) ش: أي الواقعة في الحال، من نجز الشيء بالكسر إذا تم بما يقضى م: (فلا تقبل التوقف) ش: على شيء فيبطل قياس ما يقبل التوقف على ما لا يقبل.
م: (وزكاة التجارة على هذا الخلاف) ش: صورته رجل له عبد للتجارة فباعه بعروض التجارة بشرط الخيار ثم تم الحول في مدة الخيار فزكاته على الخلاف المذكور على من يصير له الملك، أو على من له الخيار أو على من له الملك يومئذ.
وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لو باع عبدا للتجارة فحال الحول في مدة الخيار فالمشتري للتجارة بشرط الخيار من وقت البيع في حق من ثبت له الملك.
وقيل: صورته لأحدهما عشرون دينارا ولآخر عرض يساويه في القيمة، ومبدأ حولهما على السواء، ففي آخر الحول باع صاحب العروض من عرضه من الآخر بشرط الخيار له أو للمشتري فازدادت قيمة العروض في مدة الخيار قبل تمام الحول ثم تم الحول فإن تقرر الملك للبائع يجب عليه بحصة الزيادة شيء، وإن تقرر للمشتري يجب عليه ذلك أيضا عندنا.

(3/493)


فصل في مقدار الواجب ووقته الفطرة نصف صاع من بر أو دقيق أو سويق أو زبيب أو صاع من تمر شعير وقالا: الزبيب بمنزلة الشعير وهو رواية عن أبي حنيفة، والأول رواية " الجامع الصغير ".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في مقدار الواجب في زكاة الفطر]
م: (فصل في مقدار الواجب ووقته) ش: أي هذا فصل في بيان مقدار الواجب في صدقة الفطر وفي بيان وقته.
م: (الفطرة نصف صاع) ش: أي صدقة الفطر نصف صاع م: (من بر أو دقيق أو سويق) ش: السويق البر المقلي م: (أو زبيب أو صاع من تمر أو شعير) ش: وذكر هذا الأشياء إليه، وقد اختلف أهل العلم فيها اختلافا شديدا على ما نذكره، منها البر هو الحنطة فلم يخالف فيه إلا داود الظاهري، فإن عنده لا تجب إلا من التمر والشعير، ولا يجوز عنده قمح ولا دقيقه ولا دقيق شعير ولا سويق ولا خبز ولا زبيب ولا غير ذلك، فإنه ذكر في حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - التمر والشعير فلم يذكر غيره اتفاقا عليه.
ومنها الدقيق فقد ذكر في " الذخيرة القرافية ": منع مالك الدقيق. وفي " المدونة " لا يجزئ دقيق ولا سويق. وقال السروجي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجزئ من تسعة وهو القمح والشعير والسلت والذرة والدخن والأرز والتمر والزبيب والأقط، وزاد ابن حبيب العلس فصارت عشرة.
وقال ابن حزم في " المحلى ": العجب كل العجب ما أجازه مالك من إخراج الدقيق.
ومنها السويق نص بعض الحنابلة لم يجز السويق لفوات بعض المنافع، وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أيضا: لا يجوز الدقيق والسويق في الفطرة على ما يجيء بيانه إن شاء الله تعالى.
ومنها الزبيب وفيه خلاف الظاهرية كما ذكر، وكذلك خلافهم في غير التمر والشعير، وقال أبو بكر بن العربي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يخرج من عيش كل قوم من اللبن لبنا، ومن اللحم لحما، ويخرج اللوبيا وغير ذلك، وقال النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ويجزئ في المذهب الحمص والعدس لأنه قوت، وفي الجبن واللبن عندهم خلاف.
م: (وقال أبو يوسف -رحمهما الله-: الزبيب بمنزلة الشعير) ش: يعني لا يخرج منه إلا صاعا مثلما يخرج صاعا من الشعير م: (وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي قوليهما في الزبيب رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواها أسد بن عمرو والحسن بن زياد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (والأول رواية الجامع الصغير) ش: يعنى الزبيب مثل البر نصف صاع، كذا روي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ".

(3/494)


وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: من جميع ذلك صاع، لحديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كنا نخرج ذلك على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقال الشافعي عن جميع ذلك صاع) ش: أشار به إلى المذكور في قوله -من بر إلخ، يعنى لا يخرج من هذه الأشياء إلا صاع كامل م: (لحديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «قال كنا نخرج ذلك على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ش: حديث أبي سعيد هذا أخرجه الأئمة الستة عنه مختصرا ومطولا، قال: «كما نخرج إذا كان فينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زكاة الفطر عن كل صغير وكبير، حر أو مملوك صاعا من طعام أو صاعا من أقط أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من زبيب، فلم نزل نخرجه حتى قدم معاوية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حاجا أو معتمرا فكلم الناس على المنبر، فكان فيما كلم فيه الناس فقال: إني أرى أن مدين من تمر الشام تعدل صاعا من تمر، فأخذ الناس بذلك» .
قال أبو سعيد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أما أنا فإني لا أزال أخرجه أبدا ما عشت، وحجة الشافعي من هذا الحديث في قوله صاعا من طعام، قالوا: والطعام في العرف هو الحنطة، سيما وقد وقع في رواية للحاكم صاعا من حنطة، ومن الشافعية من جعل هذا الحديث حجة لنا من جهة أن معاوية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جعل نصف صاع من الحنطة بدل صاع من التمر والزبيب.
وقال النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا الحديث معتمد أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثم أجاب عنه بأنه فعل صحابي، وقد خالفه أبو سعيد وغيره من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ممن هو أطول صحبة منه.
قلنا: إن قولهم الطعام في العرف هو الحنطة ممنوع، بل الطعام يطلق على كل ما مأكول، وهنا أريد به أشياء ليست الحنطة بدليل ما ساقه عند البخاري عن أبي سعيد قال «كما نخرج في عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الفطر صاعا من الطعام» قال أبو سعيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر» .
وقول النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنه فعل صحابي، قلنا: قد وافقه غيره من الصحابة الجم الغفير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بدليل قوله في الحديث: فأخذ الناس بذلك، ولفظ الناس العموم فكان إجماعا، فكذلك ما أخرجه البخاري ومسلم عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «فرض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صدقة الفطر على الذكر والأنثى والحر والمملوك صاعا من تمر أو صاعا من شعير» فعدل الناس به مدين من حنطة، ولا تصير مخالفة أبي سعيد لذلك بقوله: أما أنا فلا أزال أخرجه، لأنه لا يقدح في الإجماع، سيما إذا كان فيه الخلفاء الأربعة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. أو نقول: أراد بالزيادة على قدر الواجب تطوعا.

(3/495)


ولنا ما روينا وهو مذهب جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وفيهم الخلفاء الراشدون - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -، وما رواه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولنا ما روينا) ش: أراد به حديث ثعلبة الذي مضى في أول الباب، وفيه التصريح بأن الفطرة من البر نصف صاع م: (وهو مذهب جماعة) ش: أي نصف صاع من البر مذهب جماعة م: (من الصحابة وفيهم الخلفاء الراشدون - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: أما الجماعة من الصحابة فهم: عبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله وأبو هريرة وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عباس ومعاوية وأسماء بنت أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
فأما الخلفاء الراشدون فهم: أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، وهو مذهب جماعة من التابعين وغيرهم، وهم سعيد بن المسيب وعطاء ابن أبي رباح ومجاهد وسعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز وطاوس وإبراهيم النخعي وعامر الشعبي وعلقمة والأسود وعروة وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وأبو قلابة عبد الله وعبد الملك بن محمد وعبد الرحمن الأوزاعي، وسفيان الثوري وعبد الله بن شداد ومصعب بن سعد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهو قول القاسم وسالم وعبد الرحمن بن القاسم والحكم وحماد، وهو مروي عن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذكرها في " الذخيرة ".
أما حديث أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأخرجه البيهقي، ورواه عبد الرزاق في "مصنفه " أخبرنا معمر عن عاصم عن أبي قلابة عن أبي بكر أنه أخرج زكاة الفطر مدين من حنطة وإن رجلا أدى إليه صاعا بين اثنين، قال البيهقي: هذا منقطع.
وأما حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأخرجه أبو داود والنسائي عن عبد العزيز بن أبي زياد عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «كان الناس يخرجون صدقة الفطر على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صاعا من شعير أو تمر أو سلت أو زبيب، فقال عبد الله: فلما كان عمر كثرت الحنطة جعل البر نصف صاع من حنطة مكان صاع من تلك الأشياء» .
وأما حديث عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأخرجه الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنه أنه قال في خطبته: «أدوا زكاة الفطر مدين من حنطة» قال البيهقي: وهو موصول عنه.
وأما حديث علي فأخرجه عبد الرزاق عنه قال: «على من جرى عليه نفقتك نصف صاع من بر أو صاع من شعير أو تمر» .
م: (وما رواه) ش: أي وما رواه الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من حديث أبي سعيد -رضي

(3/496)


محمول على الزيادة تطوعا، ولهما في الزبيب أنه والتمر يتقاربان في المقصود، وله أنه والبر يتقاربان في المعنى لأنه يؤكل كل واحد منهما بجميع أجزائه، بخلاف الشعير والتمر لأن كل واحد منهما يؤكل ويلقى من التمر ومن الشعير النخالة، ولهذا ظهر التفاوت بين البر والتمر، ومراده من الدقيق والسويق ما يتخذ من البر. أما دقيق الشعير كالسعير والأولى أن يراعي فيهما القدر والقيمة احتياطا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الله عنه- م: (محمول على الزيادة تطوعا) ش: أي على الزيادة على قدر الواجب من حيث التطوع بدليل أنه قال: كنا أو كنت، ولم يقل أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكان الناس في ذلك الزمان حرصا على التطوعات، فكرهوا أداء الشقص وليس البر كالتمر والشعير، فإن التمر والشعير مشتمل بما ليس بمأكول، وهو النواة والنخالة، وعلى ما هو مأكول. وأما البر فلكله مأكول فإن الفقير يأكل دقيق الحنطة بنخالته بخلاف الشعير فلا يمكن قياس البر عليها.
م: (ولهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد -رحمهما الله- م: (في الزبيب أنه والتمر يتقاربان في المقصود) ش: وهو التفكه والاستحلاء، فالزبيب يشبه التمر من حيث أنه حلو مأكول وله عجم كما للتمر نواة.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (أنه) ش: أي الزبيب م: (والبر يتقاربان في المعنى) ش: هو الأكل م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (يؤكل كل واحد منهما بجميع أجزائه) ش: أما الزبيب فإنه لا يرمى منه شيء ولا يرمى نواه إلا من يتأنق في المأكول، وأما البر فإن الفقراء لا يرمون منه شيئا م: (ويلقى من التمر النواة ومن الشعير النخالة) ش: هذا جواب عن قولهما إن الزبيب بمنزلة الشعير، وأن الزبيب والتمر يتقاربان.
فأجاب: بأن الزبيب ليس بمتقارب من التمر يلقى منه النواة، ولا هو بمنزلة الشعير والشعير يلقى منه النخالة م: (ولهذا) ش: أي ولكون البر مأكول كله، ولكون التمر يلقى منه النواة م: (ظهر التفاوت بين التمر والبر) ش: فوجبت الفطرة من التمر صاعا ومن البر نصف صاع م: (ومراده) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقال الكاكي: والشيخ أبو الحسن القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (من الدقيق والسويق ما يتخذ من البر) ش: يعني دقيق الحنطة وسويقها.
م: (أما دقيق الشعير كالشعير) ش: يعني مثل عين الشعير، وذكر في " المبسوط ": دقيق الحنطة كالحنطة، ودقيق الشعير كعينه عندنا، وبه قال الأنماطي من أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقد مر عن الشافعي أنه لا يجوز الدقيق والسويق في الفطرة م: (والأولى أن يراعى فيهما) ش: أي في الدقيق والسويق م: (القدر والقيمة احتياطا) ش: حتى إذا كان منصوصا عليهما يتأدى باعتبار القدر. وإن لم يكونا باعتبار القيمة، وتفسيره أن يؤدي نصف صاع من دقيق البر،

(3/497)


وإن نص على الدقيق في بعض الأخبار ولم يبين ذلك في الكتاب اعتبارا للغالب، والخبز تعتبر فيه القيمة هو الصحيح، ثم يعتبر نصف صاع من بر وزنا فيما يروى عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يعتبر كيلا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تبلغ قيمته قيمة نصف صاع من بر أو أدى نصف صاع من دقيق البر ولكن لا تبلغ قيمته قيمة نصف صاع من بر لا يكون عاملا بالاحتياط، وفي " جامع البرهاني ": قال بعض مشايخنا: يجوز باعتبار العين لأنه منصوص عليه، وقال بعضهم: يجوز باعتبار القيمة لأن الدقيق يزيد على الحنطة غالبا حتى لو انتقض لا يجوز م: (وإن نص على الدقيق في بعض الأخبار) ش: هذا واصل بما قبله، وأراد ببعض الأخبار ما روي عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قال «أدوا قبل خروجكم زكاة فطركم، فإن على كل مسلم مدين من قمح ودقيقه» . قال في " النهاية ": كذا في " المبسوط " وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وذكر الشيخ أبو نصر حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فذكر هذا الحديث. وذكر الأكمل هكذا.
وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولنا ما روي عنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فذكره، ولم يبين واحد منهم من خرج هذا الحديث وما حاله، ولقد أمعنت النظر في كتب كثيرة من كتب الحديث فما وقفت عليه، غير أن النسائي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - روى عن أبي سعيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: «لم نخرج في عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من زبيب أو صاعا من دقيق.» والحديث. ولم يبين ذلك في الكتاب أي لم يبين محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذلك، أشار به إلى الرعاية بين القدر والقيمة، وأراد بالكتاب " الجامع الصغير " م: (اعتبارا للغالب) ش: فإن الغالب أن قيمة نصف الصاع من التمر يساوي نصف صاع من البر م: (والخبز) ش: مبتدأ وقوله م: (يعتبر فيه القيمة) ش: خبره، يعني إذا أدى منوين من خبز الحنطة باعتبار القيمة لا يجوز.
قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لأنه لم يرد الخبز في شيء من النصوص وكان بمنزلة الذرة، ولأن الخبز نظير الحنطة في معنى القوت، لكن ليس بمعناه في القدر، فإن الحنطة مكيلة والخبز موزون، فلا يجوز إلا باعتبار القيمة م: (وهو الصحيح) ش: يعني كونه باعتبار القيمة، واحترز به عن قول بعض المتأخرين حيث قالوا: يجوز بلا اعتبار القيمة، فإذا أدى منوين من خبز الحنطة يجوز، لأنه لا جاز من الدقيق والسويق باعتبار العين فمن الخبز يجوز، لأنه انفع للفقراء.
م: (ثم يعتبر نصف صاع من بر وزنا فيما يروى عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: رواه أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن العلماء - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لما اختلفوا في مقدار الصاع أنه ثمانية أرطال أو خمسة أرطال وثلث رطل فقد اتفقوا على التقدير بما يعدل بالوزن، وذلك دليل على اعتبار الوزن قيد م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يعتبر كيلا) ش: رواه

(3/498)


والدقيق أولى من البر، والدراهم أولى من الدقيق فيما روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو اختيار الفقيه أبي جعفر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأنه أدفع للحاجة وأعجل به، وعن أبي بكر الأعمش - رَحِمَهُ اللَّهُ - تفضيل الحنطة لأنه أبعد من الخلاف. إذ في الدقيق والقيمة خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -
قال: والصاع عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثمانية أرطال بالعراقي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ابن رستم - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنه يعتبر كيلا، حتى قال: قلت له: لو وزن الرجل منوين من الحنطة وأعطاهما لفقير هل يجوز عن صدقته؟، قال: لا فقد تكون الحنطة ثقيلة الوزن، وقد تكون خفيفة الوزن، فإنما يعتبر نصف الصاع كيلا.
م: (والدقيق أولى من البر والدراهم أولى من الدقيق فيما يروى عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أما أولوية الدقيق من البر، فلأنه أعجل بالنفقة، أما أولوية الدراهم من الدقيق فلأن الدراهم يقتضي بها أشياء كثيرة، وهذا ظاهر بين.
وفي " جامع" المحبوبي قال محمد بن سليمان - رَحِمَهُ اللَّهُ - كان في زمن الشدة، فالأداء من الحنطة أو دقيقه أفضل من الدراهم، وفي زمن السعة الدراهم أفضل م: (وهو اختيار الفقيه أبي جعفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي كون الدقيق أولى من البر، وكون الدراهم أولى من الدقيق، كما روي عن أبي يوسف، وهو اختيار الفقيه أبي جعفر.
وقال الأترازي: هذا الذي ذكره في " الهداية " خلاف ما ذكره الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "نوادره "، حيث قال: وكان الفقيه أبو جعفر يقول: دفع الحنطة أفضل في الأحوال كلها ولأن فيه موافقة السنة وإظهار الشريعة م: (لأنه أدفع للحاجة وأعجل به) ش: أي بدفع الحاجة.
م: (وعن أبي بكر الأعمش - رَحِمَهُ اللَّهُ - تفضيل الحنطة) ش: أي وعن أبي بكر الأعمش أن الحنطة أفضل م: (لأنه أبعد من الخلاف) ش: لأنه الحنطة تجوز بالاتفاق ولا يجوز الدقيق، والقيمة عند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو معنى قوله: م: (إذ في الدقيق والقيمة خلاف الشافعي) ش: كلمة إذ هنا للتعليل، أي لأجل خلاف الشافعي في جواز الدقيق في الفطرة وجواز القيمة.

م: (والصاع عند أبي حنيفة ومحمد ثمانية أرطال بالعراقي) ش: أي بالرطل العراقي وهو عشرون أستارا والأستار ستة دراهم ودانقان وأربعة مثاقيل، والصاع العراقي أربعة أمداد كذا ذكر فخر الإسلام، وقيل: ثمانية أرطال بالبغدادي، والرطل البغدادي مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم، وقيل: مائة وثمانية وعشرون درهما.
وقيل: مائة وثلاثون درهما.

(3/499)


وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - خمسة أرطال وثلث رطل، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صاعنا أصغر الصيعان»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والأول أصح. وقول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هو قول جماع من أهل العراق وقول إبراهيم النخعي، وهو قول زفر أيضا فيما قاله أبو بكر الخصاف م: (وقال أبو يوسف: خمسة أرطال وثلث رطل) ش: أي الصاع خمسة أرطال وثلث رطل م: (وهو قول الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش:.
وقول مالك وأحمد أيضا م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صاعنا أصغر الصيعان» ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صاعنا أصغر الصيعان» وهذا غريب.
وروى ابن حبان في "صحيحه " عن ابن خزيمة عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قيل له: يا رسول الله صاعنا أصغر الصيعان ومدنا أكثر الأمداد، فقال: "اللهم بارك لنا في صاعنا وبارك لنا في قليلنا وكثيرنا واجعل لنا مع البركة بركتين» ، انتهى.
قال ابن حبان: وفي ترك المصطفى الإنكار عليهم، حيث قالوا: صاعنا أصغر الصيعان، بيان واضح أن صاع المدينة أصغر الصيعان، ولم يجر بين أهل العلم إلى يومنا هذا خلاف في هذا الصاع، إلا ما قاله الحجازيون والعراقيون، فزعم الحجازيون أن الصاع خمسة أرطال وثلث، وزعم العراقيون أنه ثمانية أرطال من غير دليل ثبت على صحته.
فإن قلت: روى الدارقطني - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "سننه" عن عمران بن موسى الطائي حدثنا إسماعيل بن سعد الخراساني حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي قال: قلت لمالك بن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يا أبا عبد الله كم وزن صاع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال خمسة أرطال وثلث بالعراقي أنا حزرته.
قلت: يا أبا عبد الله خالف شيخ القوم، فقال: من هو؟ قلت: أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول ثمانية أرطال، قال: فغضب غضبا شديدا، وقال: قاتله الله ما أجرأه على الله، ثم قال لبعض جلسائه: يا فلان هات صاع جدك، يا فلان هات صاع عمك، يا فلان هات صاع جدتك، فاجتمعت أصوع، فقال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ما تحفظون في هذا؟ فقال بعضهم: حدثني أبي عن أبيه أنه كان يؤدي هذا الصاع إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقال الآخر: حدثني أبي عن أخيه أنه كان يؤدي بهذا الصاع إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنا حزرت هذه فوجدتها خمسة أرطال وثلث.
قلت: يا أبا عبد الله أحدثك بأعجب من هذا أنه يزعم أن صدقة الفطر نصف صاع والصاع ثمانية أرطال، فقال: هذا أعجب من الأول، بل صاع تمام عن كل إنسان، هكذا أدركنا علماءنا

(3/500)


ولنا ما روي «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يتوضأ بالمد رطلين يغتسل بالصاع ثمانية أرطال»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ببلدنا هذا.
قلت: هذا صاحب " التنقيح ": إسناده مظلم، وبعض رجاله غير مشهورين، المشهور ما أخرجه البيهقي عن الحسين بن الوليد القرشي وهو ثقة قال: قدم علينا أبو يوسف من الحج، فقال: إني أريد أن أفتح عليكم بابا من العلم بشيء تفحصت عنه، فقدمت المدينة فسألت عن الصاع، فقالوا: صاعنا هذا صاع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنظرت فإذا هي سواء، فقال فعيرته فإذا هو خمسة أرطال وثلث ينقصان يسير، فرأيت أمرا قويا فتركت قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الصاع وأخذت بقول أهل المدينة، هذا هو المشهور من قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال الاترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وجه قول أبي يوسف قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صاعنا أصغر الصيعان» .
قلت: قد علمت بما ذكرناه الآن أن هذا ليس لفظ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكيف ينسبه الأترازي إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع دعواه أن له يدا في الحديث، وكذلك الكاكي والأكمل وآخرون على هذا المنوال.
م: (ولنا ما روي «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يتوضأ بالمد رطلين ويغتسل بالصاع ثمانية أرطال» ش: هذا إنما قال: ولنا، ولم يقل: ولهما، لأنه صرح بذكر الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هنا أنه مع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلذلك قال: ولنا، وهذا الحديث أخرجه الدارقطني - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "سننه" عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في ثلاث طرق منها «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يتوضأ بمد رطلين ويغتسل بصاع ثمانية أرطال» . وضعف البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذه الطرق كلها، والذي صح وثبت عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ليس فيه الوزن، وما روي في " الصحيحين " فيه قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع» واستدل الطحاوي لأبي حنيفة ومحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - بما رواه عن ابن عمران بإسناده إلى مجاهد، قال: «دخلنا على عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فاستسقى بعضنا بعضا فقالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يغتسل بمثل هذا، فقال مجاهد: فحزرته ثمانية أرطال، تسعة أرطال عشرة أرطال» فلم يشك مجاهد في الثمانية وإنما شك فيما فوقها، وذكر الطحاوي أيضا بإسناده إلى إبراهيم عن علقمة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يغتسل بالصاع» . وروى أيضا عن ربيع المؤذن بإسناده إلى جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتوضأ بما يسع رطلين، ويغتسل بالصاع» ثم قال: وجه الاستدلال بهذا حديث الآثار على أن الصاع ثمانية أرطال، أن نقول: قد ثبت أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يغتسل بالصاع لكن كان مقداره غير معلوم، فعلم ذلك من حديث مجاهد عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حيث قدره بثمانية أرطال، ولأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يتوضأ بالمد فعلم

(3/501)


وهكذا كان صاع عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو أصغر من الهاشمي وكانوا يستعملون الهاشمي.
قال: ووجوب الفطرة يتعلق بطلوع الفجر من يوم الفطر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
من حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن مقدار المد رطلان، فإن ثبت أن المد رطلان يلزم أن يكون صاع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعة أمداد، وهي ثمانية أرطال، لأن المد ربع صاع باتفاق.
م: (وهكذا كان صاع عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: يعني ثمانية أرطال م: (وهو أصغر من الهاشمي) ش: أي صاع عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أصغر من الصاع الهاشمي، لأن الصاع الهاشمي اثنان وثلاثون رطلا م: (وكانوا يستعملون الهاشمي) ش: وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استعمل العراقي وهو أصغر بالنسبة إلى الهاشمي وهو صاع عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وقال فخر الإسلام: صاع العراق صاع عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وذكر الطحاوي بإسناده إلى موسى بن طلحة وإبراهيم قالا: عايرنا الصاع فوجدناه حجاجيا، والحجاجي ثمانية أرطال بالبغدادي.
وقال فخر الإسلامي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: صاع عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -[.....] فأخرجه الحجاج، وكان يمن على أهل العراق، ويقول في خطبته: يا أهل العراق يا أهل الشقاق والنفاق ومساوئ الأخلاق ألم أخرج لكم صاع عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فلذلك سمي صاعا حجاجيا.
وقيل: لا خلاف لأن الرطل كان في زمن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عشرين أستارا والأستار ستة دراهم ونصفا، فإذا ما كايلت ثمانية أرطال على هذا الحساب خمسة أرطال وثلث تجد طل واحد منهما ألفا وأربعين درهما، نبه على ذلك كله صاحب " الينابيع "، وقوله فيه غير سديد، والصحيح أن اختلافا بينهم في الحقيقة، لأن الكل اعتبر الرطل العراقي فإنه ذكر في " المبسوط " عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب العشر والخراج خمسة أرطال كل رطل ثلاثون أستارا وثلث رطل بالعراقي.
وفي " الأسرار ": خمسة أرطال كل رطل ثلاثون أستارا أو ثمانية أرطال وكل رطل عشرون أستارا سواء، وفي " المستصفى " وقيل: الاختلاف بينهم في الرطل لا في الصاع. وفي " شرح الإرشاد " الاختلاف بينهم في المد، فإن المد عندنا رطلان، وعندهم رطل وثلث، ولا خلاف أن الصاع أربعة أمداد، ثم التقدير بالأرطال دون الأمناء لعبرة الطعام عندهم.

[وقت وجوب زكاة الفطر]
م: (قال: ووجوب الفطرة يتعلق بطلوع الفجر من يوم الفطر) ش: وفي أكثر النسخ قال: وجوب الفطرة أي قال القدوري: يعني وقت وجوب صدقة الفطر تثبت بطلوع الفجر الثاني من يوم الفطر، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في القديم يعني في القديم، وأحمد في رواية، ومالك في رواية، وهو المشهور عند المالكية، وهو قول ابن القاسم وابن مطرف وابن الماجشون وابن وهب، وبه قال الليث، وأبو ثور، وآخرون.

(3/502)


وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بغروب الشمس في اليوم الأخير من رمضان، حتى إن من أسلم أو ولد ليلة الفطر تجب فطرته عندنا وعنده لا تجب، وعلى عكسه من مات فيها من مماليكه أو ولده، له أن يختص بالفطر وهذا وقته، ولنا أن الإضافة للاختصاص، واختصاص الفطر باليوم دون الليل،
والمستحب أن يخرج الناس الفطرة يوم الفطر قبل الخروج إلى المصلى، لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخرج
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بغروب الشمس في اليوم الأخير من رمضان) ش: وبه قال إسحاق وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وهو قول الثوري أيضا، ومنهم من قال: تجب بطلوع الشمس كصلاة العيد. وقال ابن العربي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا وجه له م: (حتى إن من أسلم أو ولد ليلة الفطر تجب فطرته عندنا) ش: هذا بيان ثمرة الخلاف في المسألة المذكورة فتجب الفطرة عندنا في هذه الصورة م: (وعنده لا تجب) ش: أي وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تجب. الأصل في هذا أن وجوب الفطرة متعلق بطلوع الفجر من يوم الفطر، تعلق وجوب الأداء بالشرط لا تعلق وجوب الأداء بالسبب، إذ الفطرة شرط وجوب الأداء لا سببه، وتظهر ثمرة ذلك في مسألتين:
أحدهما: أن الرجل إ ذا قال لعبده: إذا جاء يوم الفطر فأنت حر، فجاء يوم الفطر عتق العبد، ويجب على العبد صدقة الفطر قبل العتق لا بعد.
والثانية: أن العبد إذا كان للتجارة تجب على المولى زكاة التجارة إذا تم الحول بانفجار الفجر من يوم الفطر. وقال السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هاتان المسألتان شاهدتان على الأصل المعهود وهو أن المعلول يقارن العلة في الوجود، والمشروط يتعقب عن المشروط، والمشروط يتعقب عن الشرط في الوجود.
م: (وعلى عكسه من مات فيها من مماليكه أو ولده) ش: أي على عكس الحكم المذكور، يعنى لا تجب عندنا لعدم تحقق شرط وجوب الأداء وهو طلوع الفجر من يوم الفطر، ويجب عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لتحقق شرط وجوب الأداء وهو غروب الشمس في اليوم الأخير من رمضان وهو حي، ومن مات بعد طلوع الفجر يجب الفطرة عنه بالاتفاق م: (له) ش: أي للشافعي م: (أنه) ش: أي أن وجوب الفطرة م: (يختص بالفطر، وهذا وقته) ش: أي غروب الشمس في اليوم الأخير من رمضان.
م: (ولنا أن الإضافة) ش: أي إضافة الصدقة إلى الفطر م: (للاختصاص، واختصاص الفطر باليوم دون الليل) ش: إذ المراد فطر يضاد الصوم، وهو في اليوم لأن الصوم فيه حرام، ألا ترى أن الفطر كان يوجد في كل ليلة من رمضان، ولا يتعلق الوجوب به، فدل على أن المراد به ما يضاد الصوم.

م: (والمستحب أن يخرج الناس الفطرة يوم الفطر قبل الخروج إلى المصلى، لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخرج)

(3/503)


قبل أن يخرج، ولأن الأمر بالإغناء كيلا يتشاغل الفقير بالمسألة عن الصلاة، وذلك بالتقديم، فإن قدموها على يوم الفطر جاز،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: بضم الياء من الإخراج، أي كان يخرج صدقة الفطر م: (قبل أن يخرج) ش: بفتح الياء، أي قبل أن يخرج إلى المصلى.
قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله: المستحب أن يخرج الناس الفطرة قبل الخروج إلى المصلى، وهذا المروي في " السنن " عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بزكاة الفطر أن تؤدي قبل خروج الناس إلى الصلاة وقد روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخرج الفطرة قبل الخروج إلى المصلى» انتهى.
قلت: هذا الذي صنفه غير مرتب، لأن صاحب الكتاب لما ذكر قوله: -والمستحب- إلى أخره استدل عليه بقوله - لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخرج- فلا شك أن الدليل والمدلول في حكم شيء واحد، فجاء الأترازي فكر بينهما، وذكر حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - دليلا لمدلول المصنف.
وسبب قوله - لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخرج- ثم ذكر قوله وري بصيغة التمريض من غير تعرض لبيان من أخرجه، وما حاله وهذا ليس بصنع من يدعي أن له يدا في الحديث، وها هنا الذي ذكره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مذكور في حديث رواه الحاكم أبو عبد الله النيسابوري في كتابه " علوم الحديث "، وهو مجلد كامل في باب الأحاديث التي انفرد بزيادة فيها راو واحد حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن الجهم السمري قال: حدثنا أبو معشر عن نافع عن ابن عمر قال: «أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نخرج صدقة الفطر عن كل صغير وكبير حر أو عبد صاعا من تمر أو صاعا من زبيب أو صاعا من شعير أو صاعا من قمح، وكان يأمرنا أن نخرجها قبل الصلاة، وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقسمها قبل أن ينصرف إلى المصلى، ويقول: "أغنوهم من الطواف في هذا اليوم» .
م: (ولأن الأمر بالإغناء) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أغنوهم عن المسألة في هذا اليوم» م: (كيلا يتشاغل الفقير بالمسألة عن الصلاة) ش: أي عن صلاة العيد م: (وذلك) ش: أي الإغناء م: (بالتقديم) ش: أي بتقديم صدقة الفطر م: (فإن قدموها على يوم الفطر جاز) ش: وللشافعة ثلاثة أوجه. أولها: يجوز تعجيلها في رمضان ولا يجوز قبله. ثانيها: يجوز قبل طلوع الفجر الثاني من اليوم الأول من رمضان ولا يجوز قبله.
إنما يجوز في جميع السنة، وعند الحنابلة يجوز يوم أو يومين، وقيل بنصف الشهر. وقال

(3/504)


لأنه أدى بعد تقرر السبب، فأشبه التعجيل في الزكاة، ولا تفصيل بين مدة ومدة هو الصحيح،
وإن أخروها عن يوم الفطر لم تسقط، وكان عليهم إخراجها، لأن وجه القربة فيها معقول، فلا يتقدر وقت الأداء فيها، بخلاف الأضحية. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الحسن بن زياد ومالك -رحمهما الله-: لا يجوز تعجيلها قبل وقت وجوبها م: (لأنه أدى بعد تقرر السبب) ش: وهو رأس يمونه ويلي غلته م: (فأشبه التعجيل في الزكاة) ش: بعد تقرر سببها وهو ملك المال، وقيل: وقت الوجوب وهو حولان الحول.
م: (ولا تفصيل بين مدة مدة) ش: أي لا تفصيل في جواز تقديم صدقة الفطرة بين مدة ومدة، بل يجوز التقديم مطلقا م: (هو الصحيح) ش: احترز به عن قول خلف بن أيوب ونوح بن أبي مريم - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - حيث قال خلف: يجوز تقديمها بعد دخول شهر رمضان لا قبله، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقال نوح بن أبي مريم - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز تعجيلها في العشر الأخير. وعن الكرخي بيوم وبيومين، وبه قال أحمد، وروى إبراهيم بن رستم في " النوادر " عن محمد قال: لو أعطى صدقة الفطر قبل الوقت بسنتين جاز، وهو راوية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال في " الخلاصة ": وذكر السنة والسنتين وقع اتفاقان بل يجوز مطلقا لو أدى عشر سنين أو أكثر.

م: (وإن أخروها عن يوم الفطر لا تسقط) ش: وبه قال الحسن البصري والحسن بن زياد ومالك - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وتسقط بتأخيرها عن يوم الفطر كالأضحية، فإنها تسقط بمضي أيام النحر م: (وكان عليهم إخراجها، لأن وجه القربة فيها معقول) ش: وجه القربة كونها صدقة مالية، والإغناء عن المسألة م: (فلا يتقدر وقت الأداء) ش: أي لا يتقدر وقت الأداء م: (فيها) ش: بل وجوز أن يتعدى إلى غيره، فلا تسقط بعد الوجوب إلا بالأداء كالزكاة م: (بخلاف الأضحية) ش: فإنها تسقط بمضي أيام النحر، لأن القربة فيها إراقة الدم وهي لم تعقل قربة، ولهذا لم تكن قربة في غير هذه الأيام فيقتصر على مورد النص، ولا تسقط بتأخير الأداء وإن افتقر، لأنها متعلقة بالذمة دون المال، كذا في " فتاوى الولوالجي " و" القاضي خان ".
انتهى المجلد الثالث يليه المجلد الرابع أوله: "كتاب الصوم"

(3/505)