البناية شرح الهداية

كتاب الصوم قال - رَحِمَهُ اللَّهُ - الصوم ضربان واجب ونفل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[كتاب الصوم] [تعريف الصوم]
أي هذا كتاب في بيان أحكام الصوم، ذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الكبير " كتاب الصوم عقيب كتاب الصلاة، لكون كل منهما عبادة بدنية، ولكن الزكاة ذكرت مقرونة بالصلاة في الكتاب والسنة، فلذلك ذكرت عقيب الصلاة، وقدمت على الصوم وغيره.
والصوم في اللغة عبارة عن الإمساك أي إمساك كان، قال الله تعالى: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: 26] (مريم: الآية 26) ، أي صمتاً وسكوتاً، وكان مشروعاً عندهم. وقال النابغة:
خيل صيام وخيل غير صائمة ... تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما
أي قائمة على غير علف قاله الجوهري وقال ابن الفارس - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ممسكة عن السير [وصام النهار إذا قام غير قائم الظهيرة وقال أبو عبيد: كل ممسك عن طعام أو كلام] أو سير صائم، والصوم ركود الريح والصوم السعة، والصوم ذرق الحمام وسلخ النعامة، والصوم اسم شجر في لغة هذيل، والصيام مصدر كالصوم، وفي الشرع الصوم هو الإمساك عن المفطرات الثلاثة نهاراً مع النية.
اختلف أي صوم وجب في الإسلام أولاً، قيل صوم عاشوراء، وقيل ثلاثة أيام من كل شهر «لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما قدم المدينة جعل يصوم من كل شهر ثلاثة أيام» رواه البيهقي، ولما فرض رمضان خير بينه وبين الإطعام، وفرض صوم شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة قبل وقعة بدر، وقيل في شعبان منها فصام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تسع رمضانات، وفيها حولت القبلة وأمر بزكاة الفطر، وسببه شهود الشهر، لأن الصوم مضاف إليه، يقال صوم شهر رمضان وشرطه الوقت والنية والطهارة، [وركنه الكف عن المفطرات، وحكمه الثواب وسقوط الواجب عن الذمة] . م: (قال: الصوم ضربان) ش: أي نوعان، وفي البدرية جرت العادة بين أهل التحقيق الابتداء بالتحديد ليسهل أمر التقسيم، وقد بدأ بالتقسيم ليسهل أمر التحديد، وصاحب الكتاب بدأ بالتقسيم.
فإن قلت: الصوم واحد باعتبار القربة وقهر النفس، فكيف يتنوع.
قلت: تنوعه باعتبار أن هذا الصوم له أو عليه م: (واجب ونفل) ش: أي أحدهما واجب والآخر نفل واختار لفظ الواجب ليشمل الواجب بإيجاب الله تعالى أو الواجب بإيجاب العبد، كذا في المستصفى، وقيل أراد بالواجب الفرض، وقيل معناه الثابت علينا.
1 -

(4/3)


والواجب ضربان: منه ما يتعلق بزمان بعينه كصوم رمضان والنذر المعين فيجوز الصوم بنية من الليل، وإن لم ينو حتى أصبح أجزأته النية ما بينه وبين الزوال.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والواجب ضربان) ش: أي نوعان م: (منه) ش: أي من الواجب الذي هو ضربان م: (ما يتعلق بزمان بعينه) ش: أي الذي يتعلق بزمان معين م: (كصوم رمضان) ش: أي كصوم شهر رمضان وهو غير منصرف للعلمية ووجود الألف والنون المزيدتين المضارعتين، لألفي التأنيث، واشتقاقه من رمض الشيء بكسر الميم يرمض بفتحها إذا كثر حره، وقيل من الرمضاء وهي الحجارة الحارة لأنه قد يأتي في وقت الحر.
وقال الفراء: رمضان يجمع على رماضين كسلاطين وسراجين، وقال الجوهري - رَحِمَهُ اللَّهُ - على أرمضاء ورمضانات. وقال ابن الأنباري - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجمع على رماض م: (والنذر المعين) ش: أي وكان الصوم المنذور المعين بشهر أو بيوم م: (فيجوز) ش: أي فيجوز م: (الصوم) ش: في هذا النوع، وهو صوم رمضان وصوم النذر المعين م: (بنية من الليل) ش: أي من بعد غروب الشمس، وكلمة من لابتداء الغاية، وهو الأصل فيها غير أن باقية معناه لا تخلو عنها.
م: (وإن لم ينو حتى أصبح أجزأته النية ما بينه وبين الزوال) ش: يعني وإن لم ينو في هذين الصوم حتى أصبح أجزأته النية ما بين الصبح وبين الزوال، وعبارة حافظ الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ - أحسن من هذا، حيث قال وصح صوم رمضان والنذر المعين والنفل بنية من الليل إلى ما قبل نصف النهار، لأن النية إنما تصح إذا وقعت في الليل أو في أكثر النهار، لأن للأكثر حكم [الكل] .
لأن على قول المصنف الذي هو قول القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تقع النية في أكثر النهار، لأن للأكثر حكم الكل، لأن على قوله - لأن نصف اليوم من طلوع الفجر الصادق إلى الضحوة الكبرى - لا وقت الزوال وسيجيء كلام المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذا، وقولنا هو قول سعيد بن المسيب والأوزاعي وإسحاق وعبد الملك وابن العدل - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - من المالكية وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يصح صوم رمضان في حق المقيم الصحيح بغير نية، وهو مذهب عطاء ومجاهد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.
قال ابن جرير مع الظاهرية في المحلى: إن من نسي أن ينوي من الليل ففي أي وقت نواه من النهار التالي لتلك الليلة صح صومه، سواء أكل أو شرب أو وطئ أو جمع بين الثلاثة أو لم يفعل شيئا من ذلك ويجزئه صومه ذلك ولا قضاء عليه، ولو لم ينو من النهار إلا مقدار ما ينوي فيه الصوم وإن لم ينوه لا صوم له ولا قضاء عليه.
وكذا من جاءه خبر هلال رمضان بعدما أكل أو شرب أو جامع فنوى الصوم قبل الغروب يجزئه صومه، وإن لم ينوه فلا صوم له ولا قضاء عليه، وإن لم يذكر حتى غربت الشمس فلا

(4/4)


وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يجزيه.
اعلم أن صوم رمضان فريضة، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] (البقرة: الآية 183) وعلى فرضيته انعقد الإجماع، ولهذا يكفر جاحده. والمنذور واجب لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] (الحج: الآية 29) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قضاء عليه، وعند ابن شريح والطبري وابن زيد الرومي من الشافعية فصح النفل بعد هذه الأشياء المنافية للصوم وهو في غاية الضعف.
م: (وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يجزيه) ش: لأن به تعيين نية الرمضانية والتبييت لها من الليل شرط عنده، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال مالك وجابر وابن زيد والمزني وداود ويحيى البلخي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لا يجوز الفرض والنفل إلا بنية من الليل.

[صوم رمضان]
م: (اعلم أن صوم رمضان فريضة) ش: كان من حسن الترتيب أن يذكر هذا في أول الباب ثم يذكر تنوع الصوم مع الإشارة إلى الخلافيات م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] (البقرة: 183) ش: أي فرض عليكم [الصوم كما كتب على الذين من قبلكم، يعني على الأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - والأمم من لدن آدم - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلى عهدكم، قال علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أولهم آدم - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، والصوم عبادة قديمة [....
.] .
وقَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] (البقرة: الآية 183) يدل على فرضيته م: (وعلى فرضيته انعقد الإجماع، ولهذا يكفر جاحده) ش: أي منكره، قوله - يكفر - بضم الياء وفتح الفاء من غير تشديد، يعني من الإكفار لا من التفكير، معناه حكم يكفر جاحده، والأمة اجتمعت من لدن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى يومنا هذا من غير نكير أحد.
م: (والمنذور واجب لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] (الحج: الآية 29) ش: بناء على أن الأمر للوجوب.
فإن قلت: كان ينبغي أن يكون فرضاً لكونه ثابتاً بالكتاب، كصوم رمضان.
قلت: هذا عام خص منه النذر بالمعصية، والنذر بالطهارة، وعيادة المرضى، وصلاة الجنازة، فيثبت به واجب غير قطعي، كالواجب بخبر الواحد، بخلاف قوله {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] فإنه غير مخصوص، فثبت به واجب قطعي.
فإن قلت: قد خص منها أيضاً المجانين والصبيان وأصحاب الأعذار ومع هذا تثبت الفرضية.
قلت: هذا المخصص بالدليل العقلي، وهو لا يخرج النص عن القطعي لأن العقل دل على اعتبار [عدم] دخول هؤلاء فلا يكون تخصيصاً، وقد يقال إن الأمر لتفريغ الذمة عما وجب

(4/5)


وسبب الأول الشهر، ولهذا يضاف إليه ويتكرر بتكرره وكل يوم سبب وجود صومه، وسبب الثاني النذر والنية من شرطه، وسنبينه ونفسره إن شاء الله تعالى. وجه قوله: في الخلافية قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا صيام لمن لم ينو الصيام من الليل» ، ولأنه لما فسد الجزء الأول لفقد النية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عليه بالسبب، فإن كان من الشارع كشهود الشهر في رمضان يكون الثابت به فرضاً، وإن كان من العبد يكون واجباً كما في النذر فرقاً بين إيجاب الرب وإيجاب العبد.

[سبب فرضية شهر رمضان]
م: (وسبب الأول) ش: معنى فرض م: (الشهر) ش: يعني حضوره م: (ولهذا) ش: أي ولكون الشهر سبب فرض الشهر م: (يضاف إليه) ش: والإضافة دليل السبب ( [ويتكرر بتكرره،] وكل يوم سبب وجود صومه) ش: أي صوم ذلك اليوم، لأن صوم رمضان بمنزلة عبادات متفرقة لأنه يتخلل بين يومين زمان لا يصلح للصوم أداء ولا قضاء وهو الليالي، فصار كالصلاة، كذا اختاره صاحب الأسرار وفخر الإسلام. وقال شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الليالي كأول الأيام سبب في السببية.
م: (وسبب الثاني النذر) ش: أي سبب المنذور المعين النذر م: (والنية من شرطه) ش: أي من شرط الصوم، لأن الأعمال بالنيات م: (وسنبينه) ش: أي سنبين شرط الصوم، أراد به ما يذكره بعد هذا عند قوله - ولأنه صوم يوم فيتوقف الإمساك في أوله على النية المتأخرة المعتبرة وتفسيره إن شاء الله أراد به ما يذكره بقوله والنية - لتعينه لله تعالى، لأن النية عبارة عن تعين بعض المحتملات، فكان ما ذكره تفسير النية.
م: (وجه قوله في الخلافية) ش: أي وجه قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المسألة الخلافية وهو أن النية قبل الزوال يجزئه عندنا خلافاً له م: (قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا صيام لمن لم ينو الصيام من الليل» ش: هذا الحديث بهذا اللفظ وقع في رواية ابن أبي حاتم قال سألت أبي عن حديث رواه إسحاق بن حازم عن عبد الله بن أبي بكر عن سالم عن أبيه عن حفصة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مرفوعاً: «لا صيام لمن لم ينو من الليل» ورواه يحيى بن أيوب عن

(4/6)


فسد الثاني ضرورة أنه لا يتجزأ بخلاف النفل لأنه متجزئ عنده
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عبد الله بن أبي بكر عن الزهري عن سالم عن أبيه عن حفصة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مرفوعاً.
قلت: أيما أصح قال لا أدري، لأن عبد الله بن أبي بكر أدرك سالماً، وروى عنه فلا أدري أسمع هذا الحديث منه أو سمعه من الزهري عن سالم، وقد روي هذا عن الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن حفصة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قولها وهو عندي أشبه. ورواه أيضاً الأربعة من حديث عبد الله بن عمر عن أخته حفصة قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له» هذا لفظ أبي داود والترمذي ولفظ ابن ماجه «لا صيام لمن لم يفرضه من الليل» وجمع النسائي بين اللفظين، ورواه أبو داود مرفوعاً وموقوفاً.
ورواه الترمذي عن عيسى بن أيوب عن عبد الله بن أبي بكر قال: هذا حديث لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه، وقد روي عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قوله وهو أصح، ورواه النسائي من طريقين، قال الصواب عندي موقوف، ولم يصح رفعه، لأن يحيى بن أيوب ليس بذاك القوي، ثم أخرجه عن مالك عن الزهري عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وحفصة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - موقوفاً، ورواه مالك أيضاً عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، قوله وروى الدارقطني في سننه من حديث يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له» ، ثم قال ورجاله كلهم ثقات " وأقره البيهقي على ذلك في سننه وفي خلافياته.
قلت: في رجاله عبد الله بن عباد غير مشهور، وقال ابن حبان هو يقلب الأخبار، وفيهم يحيى بن أيوب - رَحِمَهُ اللَّهُ - ليس بالقوي كما مر.
فإن قلت: أخرج الدارقطني أيضاً عن الواقدي بإسناده إلى ميمونة بنت سعد تقول سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول «من أجمع الصوم من الليل فليصم، ومن أصبح ولم يجمعه فلا يصم» .
قلت: أعله ابن الجوزي في " التحقيق " والواقدي. قوله - ولم يجمع - قال ابن الأثير من الإجماع وهو إحكام النية والعزيمة، وقال غيره بالتشديد والتخفيف يعني من التجميع والإجماع، ومعنى قوله - لم يفرضه من الليل - أي لم يقطعه ولم يجزمه ويروى [.....] .
م: (ولأنه لما فسد الجزء الأول لفقد النية فسد الباقي ضرورة أنه لا يتجزأ) ش: أي لأن الشأن لما فسد الجزء الأول من اليوم لعدم النية فيه، فسد الباقي لأن الصوم مساو لجميع اليوم لأنه لا يتجزأ م: (بخلاف النفل لأنه متجزئ عنده) ش: أي لأن النفل يتجزأ عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

(4/7)


ولنا «قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعدما شهد الأعرابي برؤية الهلال: " ألا من أكل فلا يأكلن بقية يومه، ومن لم يأكل فيلصم» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي " الوجيز وشرحه " والتتمة يجوز النفل بنيته في النهار قبل الزوال، وفي النية بعد الزوال قولان، ثم إذا نوى قبل الزوال وبعده وما دناه فهو صائم من أول النهار في الأصح.
وقيل من وقت النية وهو اختيار القفال، ثم على القول الأصح شرط خلو أول اليوم عن الأكل والشرب والجماع، فيه وجهان، أحدهما لا يشترط وهو قول ابن شريح، لأن الصوم محسوب له من وقت النية، فكان ما مضى بمنزلة جزء من الليل، والأصح أنه يشترط وإلا بطل مقصود الصوم، وكذا اشتراط الخلو أول اليوم عن الكفر والجنون والحيض قولان، في قول لا يشترط لما ذكرنا، وفي قول يشترط وهو الأصح، انتهى.
قلت: قول المصنف لأنه متجزئ لا يصح إلا على قول ابن شريح، فافهم.
م: (ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (بعدما شهد الأعرابي برؤية الهلال: «ألا من أكل فلا يأكلن بقية يومه، ومن لم يأكل فليصم» ش: هذا حديث غريب، ذكره ابن الجوزي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " التحقيق ".
وقال إن هذا الحديث لا يعرف، وإنما المعروف إنه شهد عنده برؤية الهلال، فأمر أن ينادي بالناس أن يصوموا غداً، وقد رواه الدارقطني بلفظ صريح أن أعرابياً جاء ليلة شهر رمضان.. فذكر الحديث، واستدل أبو نصر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأصحابنا في " شرحه " للقدوري.
فقال: ولنا ما وري «أن الهلال غم على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما أصبحوا جاء أعرابي فشهد برؤية الهلال، فأمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منادياً فنادى ألا من أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يأكل فيصم» واستدل صاحب " النهاية " بقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] (البقرة: الآية 185) أي الشهر لتحصيل الإمساك لله تعالى فيه بالنسبة في أكثر النهار.
فصار لله تعالى كما في شهر رمضان، فلا تثبت الزيادة لأنه نسخ. وفي حديث مشهور

(4/8)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصبحوا يوم الشك مفطرين متلومين، أي غير عازمين للصوم ولا آكلين، فإنه بعد الأكل يتعين الفطر، فلا يبقى بعده متلوم وإفطار وإما تحقق التلوم مع الإمساك بلا نية، حتى إن تبين أنه في شعبان أكل، وإن تبين أنه في رمضان فلا حرج، ولو كان الصوم لا يصح بنيته في النهار في الفرض لم يكن للتلوم معنى.
وفي حديث مشهور «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال في يوم عاشوراء ألا من أكل فلا يأكلن بقية يومه، ومن لم يأكل فيلصم» . أمرهم بالصوم من النهار، فثبت أنه جائز، وتبعه الكاكي، فذكر جميع ما قاله.
وقال في الحديث الذي احتج به المصنف لا يعرف، وإن المروي «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بلالاً أن أذن في الناس [أن من أكل] فليصم بقية يومه فليصوموا» فقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
قلت: الحديث المشهور هو الذي رواه البخاري ومسلم عن سلمة بن الأكوع - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر رجلاً من أسلم أن أذن في الناس أن من أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يأكل فليصم، فإن اليوم يوم عاشوراء» وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه دليل على من أن تعين عليه صوم يوم ولم ينوه ليلاً أنه يجوز بها قبل الزوال.
فإن قلت: قال ابن الجوزي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في التحقيق لم يكن صوم يوم عاشوراء واجباً فله حكم النافلة يدل عليه ما أخرجاه في الصحيحين «عن معاوية سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول هذا يوم عاشوراء لم يفرض علينا صيامه فمن شاء منكم أن يصوم فليصم، فإني صائم، فصام الناس» . قال وفيه دليل أنه لم يأمر من أكل بالقضاء.
قلت: معنى حديث معاوية ليس مكتوباً عليكم الآن ولم يكتب عليكم بعد أن فرض رمضان، وهذا ظاهر، فإن معاوية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من مسلمة الفتح وهو إنما سمعه من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد ما أسلم في سنة تسع أو عشر بعد أن نسخ صوم عاشوراء برمضان، ورمضان فرض في السنة الثانية.
«وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان [يوم] عاشوراء يوماً تصومه قريش في الجاهلية، وكان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصومه، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، ولما فرض رمضان قال من شاء صامه، ومن شاء تركه» متفق عليه.
وعن عائشة وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وجابر بن سمرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أن صوم عاشوراء كان فرضاً قبل أن يفرض رمضان، فلما فرض رمضان فمن شاء صام، ومن شاء

(4/9)


وما رواه محمول على نفي الفضيلة والكمال، أو معناه لم ينو أنه صوم من الليل، ولأنه يوم صوم فيتوقف الإمساك في أوله على النية المتأخرة المقترنة بأكثره كالنفل، وهذا لأن الصوم ركن واحد ممتد والنية لتعيينه لله تعالى فتترجح بالكثرة جنبة الوجود.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ترك، ذكره ابن شداد في أحكامه، وما ترك الأمر بالقضاء، فإن من لم يدرك اليوم كاملاً لا يلزمه قضاؤه كما قيل فيمن بلغ أو أسلم في أثناء يوم من رمضان.
فإن قلت: أخرج أبو داود - رَحِمَهُ اللَّهُ - في سننه عن سعيد ابن أبي عروبة عن قتادة عن عبد الرحمن بن مسلمة «عن محمد بن أسلم أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال صمتم يومكم هذا، قالوا لا قال: فأتموا بقية يومكم فاقضوه» قال أبو داود يعني عاشوراء.
قلت: هذا حديث مختلف فيه، فقال البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عبد الرحمن هذا مجهول مختلف في اسم أبيه، فلا يدرى من محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال المنذري عبد الرحمن بن مسلم كما ذكره أبو داود، وقيل عبد الرحمن بن سلمة، وقيل ابن المنهال بن سلمة، والحديث رواه النسائي وليس في روايته فاقضوه، وقال عبد الحق - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأحكام الكبرى ولا يصح هذا الحديث في القضاء.
م: (وما رواه) ش: أي وما رواه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - من قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا صيام لمن لم ينو الصيام من الليل» وقد أجاب عنه بقوله - وما رواه - م: (محمول على نفي الفضيلة والكمال [أو معناه لم ينو أنه صوم من الليل] كما في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» . وقال تاج الشريعة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ولئن قال ما ذكرناه حقيقة قلنا نعم، ولكن فيه عمل بعموم النص، وفي معنى الجواز تركه.
لن صوم النفل يجوز قبل الزوال: ولأنه يوم صوم) ش: هذا دليل معقول، وهو أن يقال سلمنا ما رواه ليس بمحمول على شيء مما ذكرناه، فيكون معارضاً لما رويناه فيصار لما بعده من الحجة وهو القياس، وهو معنى - لأنه يوم صوم - لأن الصوم فيه فرض، وكل ما هو صوم يوم.
م: (فيتوقف الإمساك في أوله على النية المتأخرة المقترنة بأكثره كالنفل) ش: لأنه وقت واحد، فبالنية في أوله يترجح جهة الوجوب كما في النفل م: (وهذا) ش: أي توقف الإمساك على ما ذكرناه م: (لأن الصوم ركن واحد ممتد) ش: يحتمل العادة والعبادة وكلما [كان] كذلك يحتاج إلى ما يعينه للعبادة، فلا بد من ذلك وهو معنى قوله.
م: (والنية لتعيينه) ش: أي لتعيين الصوم م: (لله تعالى) ش: فنظر أن وجدت النية من أوله فلا كلام [له] وإلا م: (فتترجح بالكثرة (ش: أي بجودها في أكثر اليوم م: (جنبة الوجود) ش: أي جانب الوجود، لأن الأكثر يقوم مقام الكل في كثير من المواضع، وإذا كان كذلك لم يكن اقتران النية بالشروع شرطاً.

(4/10)


بخلاف الصلاة والحج، لأنهما أركان فيشترط قرانها بالعقد على أدائهما بخلاف القضاء، لأنه يتوقف على صوم ذلك اليوم وهو النفل، وبخلاف ما بعد الزوال، لأنه لم يوجد اقترانها بالأكثر، فترجحت جنبة الفوات. ثم قال في المختصر ما بينه وبين الزوال وفي " الجامع الصغير " قبل نصف النهار وهو الأصح، لأنه لا بد من وجود النية في أكثر النهار، ونصفه من وقت طلوع الفجر إلى وقت الضحوة الكبرى لا إلى وقت الزوال، فتشترط النية قبلها ليتحقق في الأكثر.
ولا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (بخلاف الصلاة والحج) ش: حيث يشترط اقتران النية بحال الشروع فيهما، ولا يجعل الأكثر كالكل م: (لأنهما أركان) ش: مختلفة كالركوع والسجود والوقوف والطواف م: (فيشترط قرانها) ش: أي قران النية م: (بالعقد) ش: أي بحال الشروع م: (على أدائهما) ش: لئلا تخلو بعض الأركان عن النية م: (بخلاف القضاء) ش: هذا جواب عما يقال، لو كان الصوم ركناً واحداً ممتداً والنية المتأخرة فيه جائزة كذلك، لم يكن في القضاء اشتراط النية من الليل، فأجاب عنه بقوله - بخلاف القضاء -.
م: (لأنه) ش: أي لأن الإمساك م: (يتوقف على صوم ذلك اليوم وهو النفل) ش: يعني يصوم ذلك اليوم ما تعلقت شرعيته بمجيء اليوم لا لسبب آخر من نحو القضاء والكفارة، فيكون الصوم قد وقع عنه فلا يمكن جعله من القضاء إلا قبل أن يقع كون الصوم منه، وذلك إنما يكون بنية من الليل.
م: (بخلاف ما بعد الزوال) ش: هذا جواب عما يقال إذا كان ركناً واحدا ًممتداً ينبغي أن يكون اقترانها بالقليل والكثير سواء، فأجاب عنه بقوله م: (لأنه لم يوجد اقترانها) ش: أي اقتران النية م: (بالأكثر) ش: أي بأكثر النهار م: (فترجحت جنبة الفوات) ش: لأنه لم يوجد الأكثر الذي يقوم مقام الكل بعد الزوال.
م: (ثم قال في المختصر) ش: أي ثم قال القدوري في " مختصره " المنسوب إليه م: (ما بينه وبين الزوال) ش: هو قوله فيه إذا لم ينو حتى أصبح أجزأته النية ما بينه وبين الزوال م: (وفي الجامع الصغير) ش: أي قال في " الجامع الصغير " أجزأته النية م: (قبل نصف النهار) ش: أي النهار الشرعي، وهو من طلوع الفجر إلى الغروب، ونصف النهار من ذلك وقت الضحوة الكبرى م: (وهو) ش: أي الذي ذكره في الجامع.
م: (الأصح لأنه لا بد من وجود النية في أكثر النهار، ونصفه من وقت طلوع الفجر إلى وقت الضحوة [الكبرى] ، فتشترط النية قبلها) ش: أي قبل الضحوة الكبرى م: (ليتحقق) ش: أي النية م: (في الأكثر) ش: أي في أكثر النهار، وقد مر الكلام فيه في أوائل الباب.

م: (ولا فرق بين المسافر والمقيم) ش: يعني في جواز النية قبل نصف النهار م: (خلافاً لزفر -

(4/11)


فرق بين المسافر والمقيم، خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه لا تفصيل فيما ذكرنا من الدليل
وهذا الضرب من الصوم يتأدى بمطلق النية وبنية النفل وبنية واجب آخر. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في نية النفل عابث، وفي مطلقها له قولان، لأنه بنية النفل معرض عن الفرض.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
- رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإنه يقول إمساك المسافر في أول النهار لم يكن مستحقاً لصوم الفرض، فلا يتوقف على وجود النية، بخلاف إمساك المقيم.
وفي " المبسوط " ولو نوى المسافر وقد قدم مصراً ولم يكن أكل جاز صومه عن الفرض عندنا، خلافاً لزفر، فإن عنده لا يجوز للمسافر إلا بنية من الليل، لأن إمساك المسافر في أول النهار لم يمكن مستحقاً لصوم الفرض، فلا يتوقف على وجود النية، بخلاف إمساك المقيم.
وفي الصحيح المقيم لا تشترط النية عند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال مالك والليث وابن المبارك وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية تكفي نية واحدة في كل رمضان م: (لأنه لا تفصيل فيما ذكرنا من الدليل) ش: يعني المعنى الذي لأجله جوز في حق المقيم وهو إقامة النية في الأكثر معها كما [مقامها] في الجميع موجود في حق المسار أيضاً، لأن الوقت في حق المسافر والمقيم في هذا سواء، وإنما يفارق المقيم في حق الترخص بالفطر، ولم يرخص به، وفي الولوالجي صام المسافر تبيتاً قبل الزوال جاز، لأنه كالمقيم إذ الاختيار تعجيل الواجب.

م: (وهذا الضرب) ش: أي ما يتعلق بزمان معين م: (من الصوم يتأدى بمطلق النية) ش: بأن يقول نويت الصوم م: (وبنية النفل) ش: [أي ويصح نية النفل] بأن يقول نويت أن أصوم تطوعاً م: (وبنية واجب آخر) ش: بأن ينوي كفارة أو غيرها قبل.
وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله بنية واجب آخر مستقيم في صوم [شهر] رمضان، فأما في النذر المعين فلا، لأنه يقع عما نوى من الواجب إذا كانت النية من الليل، ذكره في أصول شمس الأئمة وغيره، فحينئذ قول المصنف، وهذا الضرب لا يبقى على الإطلاق، ثم قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قاله شيخي العلامة.
قلت: هو الشيخ عبد العزيز يمكن أن يقال موجب كلام المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن يتأدى المجموع بالمجموع والبعض بالبعض والبعض بالكل لأن كل فرض يتأدى بالمجموع فيظهر لكلامه وجه الصحة.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في نية النفل عابث) ش: من العبث أي لا يكون صائماً لا فرضاً ولا نفلا ً م: (وفي مطلقهما) ش: أي في مطلق النية م: (له) ش: أي للشافعي م: (قولان) ش: في قول يقع عن فرض الوقت، وفي قول لا يقع، والأصح أنه لا يجوز، وبه قال مالك وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأنه بنية النفل معرض عن الفرض) ش: لما بينهما من المغايرة م: (فلا

(4/12)


فلا يكون له الفرض. ولنا أن الفرض متعين فيه، فيصاب بأصل النية كالمتوحد في الدار يصاب باسم جنسه، وإذا نوى النفل أو واجبا آخر فقد نوي أصل الصوم وزيادة جهة وقد لغت الجهة فبقي الأصل، وهو كاف ولا فرق بين المسافر والمقيم، والصحيح والسقيم عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - لأن الرخصة كيلا تلزم المعذور مشقة، فإذا تحملها التحق بغير المعذور، وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا صام المريض أو المسافر بنية واجب آخر يقع عنه، لأنه شغل الوقت بالأهم لتحتمه في الحال وتخيره في صوم رمضان إلى إدراك العشرة، وعنه في نية التطوع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يكون له الفرض) ش: لإعراضه بترك النية، ومن هذا يظهر وجه قوله الآخر، لأنه لم يصر معرضاً فيه يجوز.
م: (ولنا أن الفرض متعين فيه) ش: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذا انسلخ شعبان فلا صوم إلا رمضان» م: (فيصام بأصل النية) ش: أي فيدرك بأصل النية، وفي " المغرب " الإصابة الإدراك م: (كالمتوحد [في الدار يصاب باسم جنسه) ش: بأن يقال ما حيوان كما يصاب باسم نوعه] بأن يقول عند عدم المزاحمة إذا كان موجوداً، أشار إليه أما إذا كان غائباً فلا، والصوم ها هنا ليس بموجود.
قلت: إنه موجود من حيث الشرعية، وهذا الموجود من حيث الشرعية واحد فيتناوله مطلق الاسم م: (وإذا نوى النفل أو واجباً آخر) ش: أي أو نوى [واجباً آخر] م: (أو نوى واجباً آخر فقد نوى أصل الصوم) ش: وهو جنس النية م: (وزيادة جهة) ش: أي مع زيادة جهة أو نية النفل مع نية واجب آخر.
م: (فقد لغت الجهة) ش: وهو كونه نفلاً أو واجباً آخر، لأن الوقت لا بعد هذه الجهة م: (فبقي الأصل) ش: إذ ليس من ضرورة بطلان الوصف بطلان الأصل.
م: (وهو كاف) ش: أي [ها] هنا الأصل كاف لما شرع فيه من أصل الصوم المستحق م: (ولا فرق) ش: أي في المسألة المذكورة م: (بين المسافر والمقيم والصحيح والسقيم عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأن الرخصة كيلا تلزم المعذور مشقة) ش: أي لأن الرخصة إنما شرعت كيلا يلحق المعذور مشقة م: (فإذا تحملها) ش: أي المشقة م: (التحق بغير المعذور) ش: فصار كالصحيح الذي لم يرخص له ذلك.
م: (وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا صام المريض أو المسافر بنية واجب آخر يقع عنه) ش: أي عن واجب آخر م: (لأنه شغل الوقت بالأهم) ش: وهو إسقاط الفرض عنه م: (لتحتمه في الحال) ش: لأن القضاء لازم في الحال فيؤخذ به م: (وتخيره في صوم رمضان إلى إدراك العشرة) ش: في أيام أخر حتى إذا مات قبل إدراك عدة من أيام أخر ليس عليه شيء.
م: (وعنه) ش: أي وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (في نية التطوع روايتان) ش: في رواية

(4/13)


روايتان. والفرق على أحدهما أنه ما صرف الوقت إلى الأهم
قال: والضرب الثاني ما ثبت في الذمة كقضاء شهر رمضان وصوم الكفارة، فلا يجوز إلا بنية من الليل، لأنه غير متعين، ولا بد من التعيين من الابتداء، والنفل كله يجوز بنية قبل الزوال، خلافا لمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه يتمسك بإطلاق ما روينا. ولنا «قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعدما كان يصبح غير صائم " إني إذا لصائم» ، ولأن المشروع خارج رمضان هو النفل فيتوقف الإمساك في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ابن سماعة يقع عن الفرض، وفي رواية الحسن يقع عما نوى من النفل، لأن رمضان في حقه كشعبان في حق المقيم ونيته في شعبان تقع عما نوى نفلاً كان أو واجباً، فكذا هذا.
م: (والفرق على أحدهما) ش: أي على إحدى الروايتين م: (أنه ما صرف الوقت إلى الأهم) ش: و [هو] إسقاط الفرض عن ذمته، فإنما قصد تحصيل الثواب والثواب في الفرض أكثر.

م: (قال: والضرب الثاني) ش: هو القسم الثاني من قوله في أول الباب الواجب ضربان، وقد مر الضرب الأول، وشرع هنا في بيان الضرب الثاني م: (وهو ما ثبت في الذمة) ش: المراد من الثبوت في الذمة كونه مستحقاً فيها من غير اتصال له بالوقت [على ما] قبل العزم على ضرب ما له إلى ما عليه.
م: (كقضاء شهر] رمضان وصوم الكفارة) ش: هو كفارة اليمين والظهار وكفارة قتل الصيد والحلف والمتعة وكفارة رمضان م: (فلا يجوز إلا بنية من الليل، لأنه غير متعين ولا بد من التعيين في الابتداء) ش: لأن صوم القضاء وجب في زمان يوصف تحريم الأكل [فلا يجوز] وإن لم ينو من الليل.
وعلى هذا النذر أيضاً النذر الذي ليس بمعين لا يجوز إلا بنية من الليل وصورته أن يقول لله علي صوم يوم أو صوم شهر م: (والنفل كله) ش: يعني سواء كان من الصحيح أو السقيم أو المقيم أو المسافر م: (يجوز بنية قبل الزوال خلافاً لمالك رحمه لله، فإنه يتمسك بإطلاق ما روينا) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا صيام لمن لم ينو الصيام من الليل» .
م: (ولنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (بعد ما كان يصبح غير صائم: إني إذا صائم) ش: قوله - إني إذا صائم - هو مقول القول والحديث رواه مسلم عن عائشة بنت طلحة «عن عائشة أم المؤمنين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: دخل علي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات يوم فقال: هل عندكم شيء؟ فقلت لا، فقال إني إذا صائم، ثم أتاني يوماً آخر فقلت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أهدي لنا حيس فقال: أدنيه فلقد أصبحت صائماً فأكل» .
م: (ولأن المشروع) ش: أي الصوم المشروع م: (خارج رمضان هو النفل فيتوقف الإمساك في

(4/14)


أول اليوم على صيرورته صوما بالنية على ما ذكرنا، ولو نوى بعد الزوال لا يجوز. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز ويصير صائما من حين نوى، إذ هو متجزئ عنده لكونه مبنيا على النشاط ولعله ينشط بعد الزوال إلا أن من شرطه الإمساك في أول النهار. وعندنا يصير صائما من أول النهار، لأنه عبادة قهر النفس، وهي إنما تتحقق بإمساك مقدر فيعتبر قران النية بأكثره.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أول اليوم على صيرورته صوماً بالنية على ما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله ولأنه صوم يوم فيتوقف الإمساك في أوله على النية المتأخرة المقترنة بالكثرة كالنفل م: (ولو نوى بعد الزوال لا يجوز) ش: أي ولو نوى الصوم تطوعاً بعد زوال الشمس عن كبد السماء لا يجوز، لأن ما لا يكون محلا لنية صوم الفرض لا يكون محلا لنية صوم النفل.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: جاز ويصير صائماً من حين نوى إذ هو متجزئ عنده لكونه مبنياً على النشاط، ولعله ينشط بعد الزوال إلا أن من شرطه الإمساك في أول النهار) ش: وهذا على الأصح من مذهبه، وفي تتمتهم إذا جوزناه بعد الزوال فهو صائم في أول النهار في الأصح، وقيل: من وقت النية، وهو اختيار القفال، وقد ذكرناه.
م: (وعندنا يصير صائماً من أول النهار لأنه عبادة قهر النفس وهي إنما تتحقق بإمساك مقدر فيعتبر قران النية بأكثره) ش: أي بأكثر النهار، وقد مر أن الأكثر يقوم مقام الكل في مواضع كثيرة. وفي المرغيناني لو نوى الإفطار بعد شروعه في الصوم لم يفطر حتى يأكل، وكذا لو نوى الرجوع عنه لا يكون رجوعاً، وكذا لو نوى الكلام في الصلاة لا تفسد حتى يتكلم.
وقال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لو نوى الإفطار فقد أفطر، وفي الليل لو نوى الإفطار من الغد بعد نيته يكون رجوعاً ولو أكل أو شرب أو جامع أو نام لا يكون رجوعاً إلا عند المروزي من الشافعية.
وقال الإصطخري - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا خرق للإجماع، وإن نوى أن يصوم غداً، إن شاء الله تعالى صحت نيته، لأن النية عمل القلب دون اللسان، فلا يعمل فيه الاستثناء.
وقال الحلواني: لا رواية لهذه المسألة، وفي القياس لا يصير صائماً كالطلاق والعتاق والبيع، وفي الاستحسان يصير صائماً لأنه لا يراد به الإبطال، بل هو استعانة وطلب التوفيق من الله تعالى: قال المرغيناني - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو الصحيح وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية.

(4/15)


فصل
في رؤية الهلال قال: وينبغي للناس أن يلتمسوا الهلال في اليوم التاسع والعشرين من شعبان، فإن رأوه صاموا، وإن غم عليهم أكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما، ثم صاموا لقوله: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم الهلال فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما» ولأن الأصل بقاء الشهر فلا ينقل عنه إلا بدليل ولم يوجد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في رؤية الهلال]
(فصل في رؤية الهلال) م: (وينبغي للناس أن يلتمسوا الهلال) ش: أي هلال رمضان م: (في اليوم التاسع والعشرين من شعبان) ش: لأن الشهر قد يكون تسعة وعشرين يوماً، والالتماس يكون عشية اليوم التاسع والعشرين، لأن اليوم التاسع من طلوع الفجر، والتماسه يكون عند الغروب م: (فإن رأوه صاموا لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «صوموا لرؤيته» ..، وإن غم بضم الغين المعجمة وتشديد الميم أي وإن [ستر] وغطي عليهم أكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً، ثم صاموا) ش: وصوم يوم تمام الثلاثين من شعبان إذا لم ير الهلال مع الصحو إجماعاً من الأئمة أنه لا يجب بل هو منهي عنه.
م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم» ش: عليكم الهلال م: (فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً) ش: هذا الحديث أخرجه البخاري و [مسلم] عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - واللفظ للبخاري، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا رأيتم الهلال فصوموا. وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين، وفي لفظ لهما فعدوا ثلاثين، وفي لفظ فأكملوا العدة، وفي لفظ فصوموا ثلاثين يوماً» والمصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - احتج بهذا الحديث على أن اليوم الثلاثين من شعبان يوم شك إذا غم هلال رمضان، فإنه لا يجوز صومه إلا تطوعاً.
م: (ولأن الأصل بقاء الشهر فلا ينقل عنه إلا بدليل، ولم يوجد) ش: قال الكاكي: قوله - فإن غم عليكم الهلال - من تتمة الحديث، وروي أنه قال «فإن] حال بينكم وبين منظره سحاب أو قترة فعدوا ثلاثين [يوماً» .
قلت: هذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مرفوعاً «لا تصوموا قبل رمضان صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن حال بينكم وبينه سحاب فكملوا العدة ثلاثين ولا تستقبلوا الشهر استقبالاً» وقال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ - حديث حسن صحيح ورواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، ورواه أبو داود الطيالسي حدثنا أبو

(4/16)


ولا يصومون يوم الشك إلا تطوعا. لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يصام اليوم الذي يشك فيه أنه من رمضان إلا تطوعا» ، وهذه المسألة على وجوه: أحدها: أن ينوي صوم رمضان، وهو مكروه لما روينا، ولأنه تشبه بأهل الكتاب، لأنهم زادوا في مدة صومهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عوانة. عن سماك عن عكرمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن حال بينكم وبينه غمامة أو ضبابة فكملوا شهر شعبان ثلاثين ولا تستقبلوا رمضان بصوم يوم من شعبان» ولا يعتبر قول المنجمين بالإجماع، ومن رجع إلى قولهم فقد خالف الشرع، وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من أتى كاهناً أو منجماً وصدقه فيما قال فقد كفر بما أنزل على محمد» .

[صوم يوم الشك وحكم من رأى هلال رمضان وحده]
م: (ولا يصومون يوم الشك إلا تطوعاً) ش: قال السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يوم الشك هو الأخير من شعبان الذي يحتمل أنه من أول رمضان أو آخر شعبان. وفي " المبسوط " الشك إنما يقع من جهتين إما بأن غم هلال شعبان فوقع الشك أنه اليوم الثلاثون منه أو الحادي والثلاثون أو غم هلال رمضان فوقع الشك في يوم الثلاثين من شعبان أم من رمضان.
وفي الفوائد الظهيرية يوم الشك هو اليوم الذي يتم به الثلاثون في المستهل، ولم يهل الهلال ليلاً لاستتار السماء بالغمام. وفي المجتبى إذا لم ير علامة ليلة الثلاثين والسماء متغيثة يقع الشك، أما لو كانت السماء مضحية فلم ير الهلال فليس يوم الشك، ولا يجوز الصوم ابتداء لا فرضاً ولا نفلاً.
وقال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يوم الشك بأن تباعد الناس في طلب الهلال أو شهد برؤيته من يرد الحاكم شهادته، ونقل هذا القول عن جماعة من الصحابة والتابعين. وفي تتمة الشافعية صورة الشك أن يشهد برؤية الهلال من لا تقبل شهادته كالعبد والمرأة والصبي وأهل الذمة أو يقع في لسان القوم أن الهلال قد رؤي.
م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا يصام اليوم الذي يشك فيه أنه من رمضان إلا تطوعاً» ش: هذا غريب جداً، والشراح كلهم نقوله على أنه حديث ولم يبين أحد منهم ما حاله م: (وهذه المسألة على وجوه) ش: أي مسألة صوم يوم الشك على وجوه وهي خمسة على ما نذكره م: (أحدها) ش: أي أحد الوجوه الخمسة م: (أن ينوي صوم رمضان وهو مكروه لما روينا) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو «لا يصام اليوم الذي يشك فيه أنه من رمضان إلا تطوعاً» .
م: (ولأنه تشبه بأهل الكتاب لأنهم زادوا في مدة صومهم) ش: وذلك لأجل مجيء صومهم في أيام الحر أخروه، وزادوا فيه، فإذا نوى في صومه يوم الشك إنه من رمضان يكره، وفيه خلاف أبي هريرة وعمر ومعاوية وعائشة وأسماء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فإن عندهم يجب صوم هذا اليوم مطلقاً ذكره ابن المنذر في الأشراف.

(4/17)


ثم إن ظهر أن اليوم من رمضان يجزئه لأنه شهد الشهر وصامه، وإن ظهر أنه من شعبان كان تطوعا، وإن أفطر لم يقضه لأنه في معنى المظنون. والثاني: أن ينوي عن واجب آخر وهو مكروه أيضا لما روينا، إلا أن هذا دون الأول في الكراهة. ثم إن ظهر أنه من رمضان يجزئه لوجود أصل النية، وإن ظهر أنه من شعبان فقد قيل يكون تطوعا لأنه منهي عنه فلا يتأدى به الواجب وقيل يجزئه عن الذي نواه وهو الأصح، لأن المنهي عنه وهو التقدم على رمضان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال أحمد وطائفة قليلة يجب صومه في الغيم يوم الصحو، وقال قوم إن الناس تبع للإمام إن صام صاموا وإن أفطر أفطروا وهو قول الحسن وابن سيرين وسوار العنبري والشعبي في رواية أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية.
وذكر الطحاوي ينبغي أن يصبح يوم الشك مفطراً متلوماً غير آكل ولا عازم على الصوم حتى إذا تبين أنه من رمضان قبل الزوال نوى، وإلا أفطر، وكذلك ذكره النووي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي " خزانة الأكمل " وعليه الفتوى.

م: (ثم إن ظهر أن اليوم من رمضان يجزئه) ش: أي إن ظهر يوم الشك الذي صام فيه إنه من رمضان يجزئه عن رمضان، وبه قال الثوري، والأوزاعي م: (لأنه شهد الشهر) ش: أي شهر رمضان م: (وصامه، وإن ظهر أنه من شعبان كان) ش: أي صومه م: (تطوعاً وإن أفطر) ش: أي في ذلك اليوم.
م: (لم يقضه؛ لأنه في معنى المظنون) ش: ولم يقل؛ لأنه مظنون، لأن حقيقة الظنون أن يثبت به الظن بعد رجوعه بيقين، والحال أنه [قد] أداه فشرع فيه على ظن، أنه لم يؤده، ثم علم أنه أداه، وأما ها هنا فلم يثبت، وجوبه بيقين، فلم يكن مظنوناً حقيقة.
م: (والثاني) ش: أي من الوجوه الخمسة م: (أن ينوي) ش: يعني في يوم الشك م: (عن واجب آخر وهو مكروه أيضاً لما روينا) ش: يعني من قوله لا يصام اليوم الذي شك فيه إنه من رمضان إلا تطوعاً م: (إلا أن هذا دون الأول في الكراهة) ش: أي إلا أن هذا الوجه دون الأول في الكراهة لأن الأول يستلزم التشبه بأهل الكتاب دون هذا.
م: (ثم إن ظهر أنه) ش: أي أن هذا اليوم م: (من رمضان يجزئه لوجود أصل النية، وإن ظهر أنه من شعبان، فقد قيل يكون [تطوعاً] ) ش: يعني صوم هذا اليوم تطوعاً م: (لأنه منهي عنه فلا يتأدى به الواجب) ش: أي الواجب الكامل فلا يتأدى بالناقص فيقع تطوعاً م: (وقيل يجزئه عن الذي نواه) ش: من الواجب م: (وهو الأصح) ش: أي هذا القول هو الأصح، وكان المقتضى أن يقول وهو الصحيح كما قال في " المحيط " وهو الصحيح.
م: (لأن المنهي عنه وهو التقدم على رمضان) ش: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تتقدموا على رمضان بصوم

(4/18)


بصوم رمضان لا يقوم بكل صوم،
بخلاف يوم العيد لأن المنهي عنه وهو ترك الإجابة يلازم كل صوم، والكراهة هنا لصورة النهي. والثالث: أن ينوي التطوع وهو غير مكروه لما روينا، وهو حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله: يكره على سبيل الابتداء، والمراد بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يوم ولا بصوم يومين» ، رواه الأئمة الستة عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
م: (بصوم رمضان لا يقوم بكل صوم) ش: [قوله - لا يقوم بكل صوم -] خبر لقوله لأن المنهي عنه، وقوله - وهو التقدم على رمضان بصوم رمضان - عليه معترضة، وقوله - لا يقوم بكل صوم - لا يوجد بكل صوم بل يوجد بصوم رمضان، هذا والمراد من القيام الوجود تقديره ما ذكرناه في " الجامع البرهاني " غير الصوم ليس بمنهي عنه، لأن الوقت وقت الصوم والإنسان لا ينهى عن الصوم في وقته، فالنهي أحد الشيئين، أما أداء صوم رمضان أو الزيادة على ما شرع، وهذا لا يوجد بكل صوم، وإنما يوجد بصوم رمضان.
وكان ينبغي أن لا يكره واجب آخر، لأنا أثبتنا نوع الكراهة لأنه مثل رمضان في الفرضية، أو لعموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يصام اليوم.. الحديث. فلا يؤثر في نفس الصوم بالنقصان، فيصلح لإسقاط [ما وجب عليه كالصلاة في الأرض المغصوبة، فإنه لا يؤثر كراهيتها في إسقاط القضاء] .

م: (بخلاف يوم العيد) ش: أي بخلاف صوم يوم العيد، فإن الصوم فيه مكروه بأي صوم كان، وهو معنى قوله م: (لأن المنهي عنه وهو ترك الإجابة) ش: إلى دعوة الله تعالى م: (يلازم كل صوم) ش: أي يحصل بكل صوم من صوم التطوع أو القضاء أو الكفارة م: (والكراهة هنا لصورة النهي) ش: هذا جواب عما يقال، فعلى هذا كان الواجب أن يكون صوم واجب آخر مكروهاً فأجاب بقوله والكراهة هنا صورة النهي، وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا يصام اليوم الذي يشك فيه» .. الحديث م: (والثالث) ش: أي الوجه الثالث من الوجوه الخمسة م: (أن ينوي التطوع) ش: أي يصوم في يوم الشك م: (وهو غير مكروه لما روينا) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا تطوعاً، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وهو حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله: يكره على سبيل الابتداء) ش: يعني بأن لا يكون له عادة صوم يوم الخميس مثلاً، ما [إذا] اتفق يوم الخميس كونه يوم الشك، فيكره صومه حينئذ، وأما إذا وافق عادة له فلا يكره. واستدل على ذلك بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا بصوم يومين إلا أن يكون صوم يصومه رجل فليصم ذلك اليوم» . وهذا نص على الجواز، وأجاب المصنف عن هذا بقوله م: (والمراد بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا بصوم يومين» الحديث) ش: يعني أتم الحديث وتمامه ما ذكرناه الآن.

(4/19)


تتقدموا رمضان بصوم يوم ولا بصوم يومين» ، الحديث التقدم بصوم رمضان لأنه يؤديه قبل أوانه،
ثم إن وافق صوما كان يصومه فالصوم أفضل بالإجماع، وكذا إذا صام ثلاثة أيام من آخر الشهر فصاعدا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقوله - والمراد - مبتدأ، وقوله المقدم بصوم رمضان - خبره م: ( [التقدم بصوم رمضان] لأنه يؤديه قبل أوانه) ش: أي قبل وقته، لأن فيه تقديم الحكم على السبب وهو باطل، والدليل على ذلك، أن ما قبل الشهر وقت التطوع لا لصوم الشهر فلا يتصور التقدم بالتطوع.
فإن قلت: صوم رمضان هو ما يقع فيه فكيف يتصور التقدم فيه أجيب بأن معناه أن ينوي الفرض قبل الشهر، وهذا كما يقال مثلاً قدم صلاة الظهر على وقته، فإن معناها نواها قبل دخول وقتها.
وقال مخرج أحاديث الهداية بعد ذكر الحديث المذكور وآخر الحديث به تأويل صاحب الكتاب يعني الهداية، فإنه أسند للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

م: (ثم إن وافق صوماً كان يصومه) ش: على سبيل العادة، بأن كان اعتاد يوم الخميس مثلاً فوافق يوم الشك يوم الخميس م: (فالصوم أفضل بالإجماع، وكذا إذا صام ثلاثة أيام من آخر الشهر) ش: أي شهر شعبان م: (فصاعداً) ش: أي أكثر من ثلاثة أيام، وانتصابه على الحال.
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يكره التطوع إذا انتصف شعبان، لحديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا» رواه أبو داود والترمذي والنسائي. قلت: يعارضه حديث عمران بن حصين «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لرجل هل صمت من شهر شعبان شيئاً؟ قال لا، قال فإذا أفطرت فصم» ، رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، قال المنذري الصحيح أن سرار الشهر آخره، سمي بذلك لاستتار القمر فيه، وقال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - حديث أبي هريرة الذي ذكره الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ليس بمحفوظ.
قال: وسألنا عبد الرحمن بن مهدي فلم يحدثني به قال وكان يتوفاه فأنكره من حديث العلاء، وفي رواية حرب عن أحمد هذا حديث منكر، وقال الحافظ أبو جعفر هذا على وجه الإشفاق على صوم رمضان لا لكراهته في صومه حتى لو علمنا أنه يحصل له ضعف في صومه منعناه.
قلت: وكيف وقد عارضه أحاديث عديدة صحاح، منها ما رواه البخاري عن أبي هريرة «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصوم شعبان كله وعنه كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصومه إلا قليلاً» رواه مسلم.
ومنها ما رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أم سلمة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لم

(4/20)


وإن أفرده فقد قيل الفطر أفضل احترازا عن ظاهر النهي، وقد قيل الصوم أفضل اقتداء بعلي وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فإنهما كانا يصومانه.
والمختار أن يصوم المفتي بنفسه احتياطا، ويفتي العامة بالتلوم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يكن يصوم من السنة شهراً كاملاً إلا شعبان ورمضان» .
ومنها ما رواه الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أسامة قال: «قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هو شهر يغفل الناس عن صيامه، فدل على أن الصوم فيه أفضل من الصوم في غيره» .

م: (وإن أفرده) ش: يعني لم يوافق صوماً صومه م: (فقد قيل الفطر أفضل) ش: وهو قول محمد بن سلمة م: (احترازاً عن ظاهر النهي) ش: وهو قوله لا يصام اليوم الذي شك فيه الحديث.
م: (وقيل: الصوم أفضل) ش: وهو قول نصير بن يحيى م: (اقتداء بعائشة وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فإنهما كانا يصومانه) ش: قال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أي يصومان يوم الشك من شعبان، وكانا يقولان لأن الصوم يوماً من شعبان أحب إلينا من أن نفطر يوماً من رمضان، وكذا ذكره الأكمل، وغيره. وقال مخرج الأحاديث هذا غريب، يعني لم يثبت على هذا الوجه، وفي التحقيق لابن الجوزي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مذهب علي وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه يجب صوم يوم الثلاثين من شعبان إذا حال دونه غيم ونحوه، قال: وهو أصح الروايتين عن أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال وعلى هذه الرواية لا يسمى يوم الشك بل هو من رمضان حكماً. وقال السروجي: وقد صح عن أكثر الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وأكثر التابعين ومن بعدهم كراهة صوم يوم الشك أنه من رمضان، منهم عمر، وعلي، وابن مسعود، وحذيفة، وابن عباس، وأبو هريرة، وأنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وأبو وائل وابن المسيب وعكرمة، [والنخعي والأوزاعي والثوري والأئمة الأربعة وأبو عبيد] وأبو ثور وأبو إسحاق وجاء ما يدل على الجواز عن جماعة من الصحابة، وعن أبي مريم يقول: سمعت أبا هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: لأن أعجل في صوم رمضان يوما أحب إلي أن أتأخر لأني إذا تعجلت لم يفتني، وإذا تأخرت فاتني، ومثله عن عمرو بن العاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعن معاوية، لأن أصوم يوماً من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوماً من رمضان ويروى مثله عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وأسماء بنت أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.

م: (والمختار أن يصوم المفتي بنفسه) ش: يعني خاصة دون أن يأمر غيره بالصوم وفي " جامع الكردري " والمختار أن يفتي الخواص بالصوم والعوام بالتلوم، والفرق بين الخاصة والعامة وهو كل من يعلم نية يوم الشك هو من الخواص وإلا فهو من العوام م: (احتياطاً) ش: أي لأجل الاحتياط عن وقوع الفطر في رمضان م: (ويفتي العامة بالتلوم) ش: أي بالانتظار.

(4/21)


إلى وقت الزوال ثم بالإفطار نفيا للتهمة.
والرابع: أن يضجع في أصل النية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (إلى وقت الزوال) ش: أي إلى وقت زوال الشمس من كبد السماء، أي لم يفت بالإفطار م: (ثم بالإفطار نفياً للتهمة) ش: قال السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثم [الكاكي] أي تهمة الروافض، وفي الفوائد الظهيرية لا خلاف بين أهل السنة أنه لا يصام يوم الشك بنية رمضان.
وقال الروافض: يجب صومه. وقال الكاكي: أو [نفياً] لتهم الزيادة في رمضان، لأنه لو أفتى للعوام ربما يقع في صلاتهم توهم جواز الزيادة على رمضان؛ لأنهم لا يميزون بين رمضان وغيره، وذكر الإمام الكاشاني: أنه لو أفتى العوام بأداء النفل فيه عسى أن يقع عندهم أنه خالف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: حيث نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صوم يوم الشك، أو يقع عندهم لما جاز النفل يجوز الفرض أولى، لأنه أهم، ولا ينبغي لهم أن يصوموا لذلك نفياً للاتهام.
وذكر فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في هذا حكاية أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو ما روى أسد بن عمرو أنه قال: أتيت باب الرشيد، فأقبل أبو يوسف القاضي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعليه عمامة سوداء وخف أسود وهو راكب فرس أسود عليها سرج أسود ولبد أسود، وما عليه شيء من البياض إلا لحيته البيضاء وهو يوم الشك، فأفتى الناس بالفطر، فقلت له أو مفطر أنت؟ فقال: ادن إلي قال لي: إني إذن صائم، وإنما يفتى بالفطر بعد التلوم، زماناً لما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «أصبحوا يوم الشك مفطرين متلومين» .. " انتهى.
وفي بعض نسخ " الهداية " نفيا للتهمة، يعني تهمة العصيان الذي دل عليه قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم» ، انتهى. ولا أدري هذا من المتن الذي ألفه المصنف أو كان حاشية فألحقها بعض النساخ بالمتن ولكن في [كلام مخرج الأحاديث ما يدل على أنه من المتن، حيث ذكر هذا الحديث] من جملة الأحاديث التي ذكرها في هذا الباب، ثم قال هذا غريب، والمعروف هذا من قول عمار بن ياسر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
أخرجه أصحاب السنن الأربعة في كتبهم عن أبي خالد الأصم عن عمرو بن عيسى الملائي، عن أبي إسحاق عن جبلة بن زفر قال كنا عند عمار في اليوم الذي شك فيه، فأتى بشاة صلية، فتنحى بعض القوم، فقال عمار - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من صام هذا اليوم فقد عصى أبا القاسم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

م: (والرابع) ش: أي الوجه الرابع م: (أن يضجع) ش: أي أن متردد من التضجيع بالضاد المعجمة والعين المهملة، يقال ضجع في الأمر [إذا] وهن وقصر، فأصله من الضجوع، وهو الضعف كذا ذكره المطرزي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وابن فارس، وفي المغرب [الضجع] في الأمر التردد فيه.
م: (في الأصل النية بأن ينوي أن يصوم غداً إن كان من رمضان، ولا يصومه إن كان من شعبان،

(4/22)


بأن ينوي أن يصوم غداً إن كان رمضان، ولا يصومه إن كان شعبان، وفي هذا الوجه لا يصير صائماً لأنه لم يقطع عزيمته، فصار كما إذا نوى أنه إن وجد غداً غذاء يفطر وإن لم يجد يصوم. والخامس: أن يضجع في وصف النية بأن ينوي إن كان غداً من رمضان يصوم عنه، وإن كان من شعبان فعن واجب آخر، وهذا مكروه، لتردده بين أمرين مكروهين، ثم إن ظهر أنه من رمضان أجزأه لعدم التردد في أصل النية، وإن ظهر أنه من شعبان لا يجزئه عن واجب آخر لأن الجهة لم تثبت للتردد فيها، وأصل النية لا يكفيه، لكنه يكون تطوعاً غير مضمون بالقضاء لشروعه فيه مسقطاً لا ملزماً. والسادس: وإن نوى عن رمضان إن كان غداً منه وعن التطوع إن كان غداً من شعبان يكره، لأنه ناو للفرض من وجه، ثم إن ظهر أنه من رمضان أجزأه عنه لما مر، وإن ظهر أنه من شعبان جاز عن نفله.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي هذا الوجه يصير صائماً؛ لأنه لم يقطع عزيمته) ش: أي لم يجزم بنيته م: (فصار) ش: أي صار حكم هذا م: (كما إذا نوى، أنه إن وجد غداً) ش: يعني في غد م: (غذاء يفطر، وإن لم يجد يصوم) ش: وكذا إن قال: إن وجدت سحوراً صمت، وإلا لا أصوم، فإنه لا يكون ناوياً.
م: (والخامس) ش: أي الوجه الخامس م: (أن يضجع في نصف النية بأن ينوي إن كان غداً من رمضان يوم عنه، وإن كان من شعبان فعن واجب آخر، وهذا مكروه، لتردده بين أمرين مكروهين) ش: وهما صوم رمضان وصوم واجب آخر م: (ثم إن ظهر أنه من رمضان أجزأه) ش: أي عن رمضان.
م: (لعدم التردد في أصل النية) ش: لأن التردد كان في وصفها، ومن المشايخ من قال إذا ظهر أنه من رمضان لا يكون صائماً عن رمضان، روي ذلك عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإن ظهر [أنه] من شعبان لا يجزئه عن واجب آخر، لأن الجهة لم تثبت) ش: أي جهة واجب آخر لم تثبت م: (للتردد فيها، وأصل النية لا يكفيه) ش: لعدم التعيين [دونه] ، ولا بد منه م: (لكنه) ش: أي لكون صومه م: (يكون تطوعا) ش: موصوفاً بكونه م: (غير مضمون بالقضاء) ش: يعني إذا أفسده لم يلزمه القضاء م: (لشروعه فيه) ش: أي في هذا الصوم حال كونه م: (مسقطاً) ش: أحد الوجهين م: (لا ملزماً) ش: أي لا لشروعه حال كونه ملزماً، لأنه نوى عن رمضان أو عن واجب آخر على ظن أنه يسقط عن ذمته.
م: (والسادس) ش: أي الوجه السادس م: (إن نوى عن رمضان إن كان غداً منه وعن التطوع) ش: أي ونوى عن التطوع م: (إن كان غداً من شعبان يكره، لأنه ناو للفرض من وجه، ثم إن ظهر أنه من رمضان أجزأه عنه) ش: أي عن رمضان م: (لما مر) ش: أي من قوله لعدم التردد في أصل النية م: (وإن ظهر أنه من شعبان جاز عن نفله لأنه) ش: أي لأن النفل.

(4/23)


لأنه يتأدى بأصل النية، ولو أفسده يجب أن لا يقضيه لدخول الإسقاط في عزيمته من وجه. ومن رأى هلال رمضان وحده صام وإن لم يقبل الإمام شهادته لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» وقد رأى ظاهرا. وإن أفطر فعليه القضاء دون الكفارة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عليه الكفارة إن أفطر بالوقاع لأنه أفطر في رمضان حقيقة تيقنه به
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (يتأدى بأصل النية) ش: لأن أصل النية كاف للجواز م: (ولو أفسده يجب أن لا يقضيه لدخول الإسقاط في عزيمته من وجه) ش: لأن القضاء إنما يجب إذا جزم نفسه وهنا لم يجزم به وذكر المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هنا ستة وجوه وبقي وجه آخر وهو أن ينوي الفطر فيه ثم تبين قبل الزوال أنه من رمضان، فنوى الصوم فإنه يجزئه.
وفي شرح " المهذب للنووي " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا قال: أصوم غداً من رمضان إن كان منه، وإلا فأنا مفطر أو متطوع لم يجزئه عن رمضان إذا بان أنه منه. وقال المزني: يجزئه عن رمضان.
م: (ومن رأى هلال رمضان وحده) ش: أي حال كونه وحده م: (صام وإن لم يقبل الإمام شهادته لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «صوموا لرؤيته» ش: [و] هذا قطعة من حديث أخرجه البخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومسلم عن أبي هريرة وقد مر م: (وقد رأى ظاهراً) ش: لأنه يفيد العلم في حقه، وقال الحسن البصري وابن سيرين وعطاء وعثمان البتي وإسحاق بن راهويه وأبو ثور لا يصوم إلا مع الإمام، ولم يذكر هل الإمام تقبل شهادته أم لا؟
قال في " التحفة ": يجب على الإمام رد شهادته لتهمة الفسق إن كان بالسماء علة، والتفرد إن لم يكن بها علة، وإن كان عدلاً. وفي " البدائع " إذا رأى الهلال وحده ورد الإمام شهادته. قال المحققون من مشايخنا لا رواية في وجوب الصوم عليه، وإنما الرواية أنه يصوم، وهو محمول على الندب احتياطاً، وفي " التحفة ": يجب عليه.
وفي " المبسوط ": عليه صومه وعن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقبل الإمام شهادته لأنه اجتمع في شهادته ما يوجب القبول وهو العدالة والإسلام وما يوجب الرد وهو مخالفة الظاهر فيترجح ما يوجب القبول احتياطاً لأنه إذا صام يوماً من شعبان كان خيراً من أن يفطر من رمضان
وفي " المبسوط ": إنما يرد الإمام شهادته إذا كانت السماء مصحية وهو من أهل المصر، وأما إذا كانت مغيمة أو جاء من خارج المصر من مكان مرتفع تقبل شهادته م: (فإن أفطر فعليه القضاء دون الكفارة) ش: [سواء كان إفطاره بالأكل والشرب والجماع.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عليه الكفارة) إن أفطر بالوقاع) ش: أي الجماع، وبه قال مالك وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - م: (لأنه أفطر في رمضان حقيقة لتيقنه [به] ) ش: أي برمضان إذ لا طريق لليقين أقوى من الرؤية وشك غيره لا يعتبر.

(4/24)


وحكما لوجوب الصوم عليه. ولنا أن القاضي رد شهادته بدليل شرعي وهو تهمة الغلط فأورث شبهة، وهذه الكفارة تندرئ بالشبهات، ولو أدى قبل أن يرد الإمام شهادته اختلف المشايخ فيه ولو أكمل من الرجل ثلاثين يوما لم يفطر إلا مع الإمام، لأن الوجوب عليه للاحتياط، والاحتياط بعد ذلك تأخير الإفطار، ولو أفطر لا كفارة عليه اعتبارا للحقيقة التي عنده.
قال: وإذا كان بالسماء علة قبل الإمام شهادة الواحد العدل في رؤية الهلال رجلا كان أو امرأة حرا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وحكماً) ش: أي وأفطر أيضاً من حيث الحكم وذلك م: (لوجوب الصوم عليه) ش: لأن وجوب الصوم عليه بينه وبين ربه فكذلك وجوب الكفارة لأنه عبادة.
م: (ولنا أن القاضي رد شهادته بدليل شرعي، وهو تهمة الغلط) ش: فإنها مطلق القضاء يردها شرعاً كما في شهادة الفاسق، وهي هاهنا ركنه لأنه [لما] ينادي غيره في النظر ظاهراً والنظر وحدة البصر ودقة المرقي وبعد المسافة، فالظاهر عدم اختصاصه للرؤية من بين سائر الناس فيكون غالطاً م: (فأورث شبهة وهذه الكفارة تندرئ بالشبهات) ش: واحترز بقوله وهذه الكفارة يعني كفارة الفطر عن كفارة اليمين و [كفارة] الظهار، وإنما يندرئ بالشبهات بدليل عدم وجوبها على المعذور والمخطئ، كذا في " المبسوط ".
م: (ولو أدى قبل أن يرد الإمام شهادته اختلف المشايخ فيه) ش: أي في وجوب الكفارة، والصحيح أنه لا تجب الكفارة كذا في " فتاوى قاضي خان " - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولو أكمل من الرجل) ش: وهو الذي رد الإمام شهادته م: (ثلاثين يوماً لم يفطر إلا مع الإمام، لأن الوجوب عليه للاحتياط) ش: أي لأن وجوب الصوم عليه بعد رد الإمام شهادته كان لأجل الاحتياط لكونه قد رأى. م: (والاحتياط بعد ذلك) ش: أي بعد وجوب الصوم عليه م: (تأخير الإفطار) ش: إذ أصل الغلط وقع له، كما روي في حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أمر الذي قال رأيت الهلال أن يمسح حاجبه بالماء، ثم قال أين الهلال؟ فقال فقدته، فقال شعرة قامت من حاجبك فحسبتها هلالاً.
م: (ولو أفطر لا كفارة عليه اعتباراً للحقيقة التي عنده) ش: وهي صوم ثلاثين يوماً بالرواية، وبقوله قال الليث، ومالك، وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يفطر سراً، وكذا روي عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

[الحكم لو كان بالسماء علة وشهد برؤية الهلال واحد]
م: (قال: وإذا كان بالسماء علة قبل الإمام شهادة الواحد العدل في رؤية الهلال رجلاً كان أو امرأة، حراً كان أو عبداً لأنه أمر ديني) ش: يعني إذا أخبر عن أمر ديني وهو وجوب أداء الصوم على الناس، فيقبل خبره إذا لم يكذبه، لأنه إنما شق الغيم من موضع القمر فاتفقت رؤيته له دون غيره بخلاف ما إذا كانت السماء مصحية، لأن الظاهر يكذبه م: (فأشبه رواية الأخبار) ش: أي رواية الأحاديث وقول الواحد العدل في الديانات.

(4/25)


كان أو عبدا، لأنه أمر ديني فأشبه رواية الأخبار ولهذا لا يختص لفظ الشهادة، وتشترط العدالة لأن قول الفاسق في الديانات غير مقبول، وتأويل قول الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عدلا كان أو غير عدل أن يكون مستورا، والعلة غيم أو غبار.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولهذا) ش: أي ولكونه خبراً عن أمر ديني م: (لا يختص بلفظ الشهادة) ش: لأنها ملزمة لغيره بخلاف الأخبار لإلزامه بها نفسه، م: (وتشترط العدالة، لأن قول الفاسق في الديانات غير مقبول) ش: إذا لم يقبل مردود، لأن حكمه التوقف، قال الله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] (الحجرات: الآية 6) ، ولم يلزم منه الرد.
م: (وتأويل قول الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عدلاً أو غير عدل) ش: هذا كأنه جواب عن إيراد على قوله قبل الإمام شهادة الواحد العدل، فأجاب بقوله وقول الطحاوي عدلاً أو غير عدل م: (أن يكون مستوراً) ش: يعني غير معروف العدالة في الباطن.
وفي " المجتبى ": قال بعض المشايخ: قول الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عدلاً أو غير عدل لا يصح.
وفي " المحيط " و " الذخيرة ": هو غير ظاهر الرواية والمستور لا يقبل في ظاهر الرواية. وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه لا يقبل وهو الصحيح. وفي التحفة تكفي العدالة الظاهرة.
وفي " الذخيرة ": وإن كان فاسقاً قبل، هذا أبعد لأن الصوم من باب الديانات لا من باب المعاملات. وفي " جوامع الفقه " قال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: معناه العدل بحكم الإسلام، وقيل لو كان معناه ذلك لم يحتج إلى اشتراطها م: (والعلة غيم أو غبار) ش: كما شرط في قبول خبر الواحد العدل أن يكون في السماء علة فسرها بقوله والعلة غيم أو غبار في المطلع م: (أو نحوه) ش: نحو الدخان والضباب.
وفي " الذخيرة ": عن أبي جعفر الفقيه قبول خبر الواحد في رمضان سواء كان بالسماء علة أو لا.
وعن الحسن أنه قال يحتاج إلى شهادة رجلين أو رجل وامرأتين سواء كان في السماء علة أو لاً، وذكر القدوري أنه تقبل شهادة الواحد للصوم والسماء مصحية عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خلافاً لهما.
وفي " الذخيرة ": بين كيفية التفسير عن أبي بكر محمد بن الفضل، قال إذا كانت السماء مصحية إنما تقبل شهادة الواحد إذا فسر وقال رأيت الهلال خارج البلدة في الصحراء أو يقول رأيته في البلدة بين خلل السحاب في وقت يدخل في السحاب ثم يتخلل، أما بدون التفسير فلا يقبل

(4/26)


أو نحوه،
وفي إطلاق جواب الكتاب يدخل المحدود في القذف بعد ما تاب، وهو ظاهر الرواية لأنه خبر ديني. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنها لا تقبل لأنها شهادة من وجه، وكان الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أحد قوليه يشترط المثنى والحجة عليه ما ذكرنا، وقد صح أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل شهادة الواحد في رؤية هلال رمضان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لمكان التهمة.
وفي " المحيط ": ويكتفي أن يفسر جهة الرؤية، فإن احتمل رؤيته يقبل وإلا فلا.

م: (وفي إطلاق جواب الكتاب) ش: أي القدوري وهو قوله قبل الإمام شهادة الواحد العدل م: (يدخل المحدود في القذف بعدما تاب) ش: لأن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قبلوا شهادة أبي بكرة في بعد ما حد في القذف كذا في " المبسوط " م: (وهو ظاهر الرواية لأنه خبر ديني) ش: أي عن أمر ديني وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنها لا تقبل لأنها شهادة من وجه من حيث إنه يجب العمل به بعد القضاء، ومن حيث إنه يخص مجلس القاضي أو من حيث إنه يسقط العدالة فلا يقبل قوله، وإن تاب كسائر الحقوق.
م: (وكان الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أحد قوليه يشترط المثنى) ش: أي شهادة الاثنين، وبه قال مالك، والأوزاعي، وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: في رواية وأصح قولي الشافعي وقول أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من قولنا.
وفي " السروجي " المذهب عند الشافعية ثبوته بعدل واحد، ولا فرق بين الغيم وعدمه عندهم لا يقبل قول العبد والمرأة في الأصح، ويقبل قول المستور في الأًصح، وشرط عطاء وعمر بن عبد العزيز المثنى م: (والحجة عليه) ش: أي على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ما ذكرناه) ش: وهو قوله لأنه أمر ديني.
م: (وقد صح أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل شهادة الواحد في رؤية هلال رمضان) ش: هذا الحديث أخرجه أصحاب السنن الأربعة، عن زائدة بن قدامة، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.
قال: «جاء أعرابي إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فقال: إني رأيت الهلال، قال: أتشهد أن لا إله إلا الله، قال: نعم، قال: أتشهد أن محمداً رسول الله، قال: نعم. قال يا بلال أذن في الناس فليصوموا» رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم في " المستدرك "، وقال على شرط

(4/27)


ثم إذا قبل الإمام شهادة الواحد وصاموا ثلاثين يوما لا يفطرون فيما روى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - للاحتياط، ولأن الفطر لا يثبت بشهادة الواحد. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنهم يفطرون
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مسلم أنه احتج بسماك، والبخاري احتج بعكرمة، ولفظ، ابن خزيمة وابن حبان وابن ماجه قال يا رسول الله إني رأيت الهلال الليلة وعند الدارقطني ليلة رمضان، وفي لفظ لأبي داود رأيت الهلال يعني هلال رمضان.
وقال الترمذي: حديث ابن عباس فيه اختلاف، روى سفيان الثوري وغيره، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، [عن] النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مرسلاً.
وقال شيخنا زين الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قول الترمذي إن سفيان وغيره رووه عن سماك، عن عكرمة مرسلاً فيه نظر من حيث إنه اختلف فيه على الثوري فرواه الفضل بن موسى الشيباني وأبو عاصم عن الثوري فذكر فيه ابن عباس وكذلك قوله وأكثر أصحاب مالك يروونه عن عكرمة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فيه نظر من حيث إنه رواه عن سماك موصولاً وزائدة والوليد بن أبي ثور وجابر بن إبراهيم الحلبي وحماد بن سلمة.
فحديث زائدة في " السنن الأربعة " و " صحيح ابن حبان " و " المستدرك "، وحديث الوليد عند أبي داود والترمذي [وحديث حازم عند أبي على الطوسي في الحكاية والدارقطني في سننه] وحديث حماد بن سلمة عند ابن عبد البر في " الاستذكار "، وفي هذا الباب حديث «عن ابن عمر أخرجه أبو داود، [و] قال يرى الناس الهلال فأخبرت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إني رأيته، فصام وأمر الناس بصيامه» .
فإن قلت: أخرج الدارقطني عن حفص بن عمرو الأيلي حدثنا مسعر بن كدام وأبو عوانة، عن عبد الملك بن ميسرة «عن طاووس قال شهدت المدينة وبها ابن عمر وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فجاء رجل واليها فشهد عنده برؤية هلال رمضان فسئل ابن عمر وابن عباس عن شهادته فأمره أن يجيزه، وقالا: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يجيز شهادة الإفطار إلا بشهادة رجلين» .
قلت: قال الدارقطني تفرد به حفص بن عمر الأيلي وهو ضعيف.

م: (ثم إذا قبل الإمام شهادة الواحد وصاموا ثلاثين يوماً لا يفطرون) ش: يعني إذا لم يروا الهلال، وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -[في] " الأم " م: (فيما روى الحسن عن أبي حنيفة للاحتياط) ش: لجواز أنه خيال لا هلال م: (ولأن الفطر لا يثبت بشهادة الواحد) ش: هذا ظاهر م: (وعن محمد) ش: فيما رواه ابن سماعة عنه م: (أنهم يفطرون) ش: وبه قال بعض أصحاب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

(4/28)


ويثبت الفطر بناء على ثبوت الرمضانية بشهادة الواحد، وإن كان لا يثبت بها ابتداء كاستحقاق الإرث بناء على النسب الثابت بشهادة القابلة
قال: وإذا لم تكن بالسماء علة لم تقبل الشهادة حتى يراه جمع كثير يقع العلم بخبرهم، لأن التفرد بالرؤية في مثل هذه الحالة يوهم الغلط فيجب التوقف حتى يكون جمعا كثيرا. بخلاف ما إذا كان بالسماء علة لأنه قد ينشق الغيم عن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي " السروجي ": وهو المذهب عند الشافعية، وقال الحلواني هذا إذا كانت السماء مصحية وإن كانت مغيمة يفطرون بلا خلاف، وبالاثنين يفطرون إذا كانت مغيمة بالاتفاق، وكذلك إذا كانت مصحية، وفي " الفوائد " ولد الإسلام [.....] لا يفطرون والأول أصح وفي " البدائع " بلا خلاف. (ويثبت الفطر بناء على ثبوت الرمضانية بشهادة الواحد، وإن كان لا يثبت بها ابتداء) ش: هذا جواب عن اعتراض ابن سماعة على محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - حيث قال له هذا فطر بقول الواحد وأنت لا ترى بذلك.
والجواب عنه بأن الفطر يثبت بناء على ثبوت الرمضانية، والحكم بشهادة الواحد تبعاً ومقتضى لا مقصود، وإن كان لا يثبت بها أي هذه الشهادة ابتداء في ابتداء الأمر لأنه يجوز أن يثبت الشيء في ضمن غيره، وإن كان لا يثبت أصلا بنفسه.
م: (كاستحقاق الإرث، بناء على النسب الثابت بشهادة القابلة) ش: فإن الإرث لا يثبت بشهادة القابلة ابتداء ويثبت النسب بشهادتها ثم يثبت النسب بناء عليه وكوقف المنقول لا يجوز في ضمن وقف العقار وإن كان لا يجوز ابتداء وكبيع الشرب والطريق فيصحان في ضمن بيع الأرض، وإن لم يصحا ابتداءً وقياسه على شهادة القابلة إنما تصح على قولهما دون قول أبي حنيفة، كذا ذكره في " الإيضاح ".

م: (قال: وإذا لم تكن بالسماء علة لم تقبل الشهادة حتى يراه جمع كثير يقع العلم بخبرهم) ش: يعني في هلال رمضان، فكذا في هلال الفطر عند العلة بالسماء، وأراد بالعلم الشرعي وهو غلبة الظن لا العلم القطعي، قيل هو نظير قوله في الزيادات إذا كان مع رفيقه ماء وهو في الصلاة وعلم أنه يعطيه أو غلب على ظنه وأراد بالعلم طمأنينة القلب أو حقيقة العلم لا تتصور فيه. م: (لأن التفرد بالرؤية في مثل هذه الحالة) ش: وهي حالة كون العلة بالسماء م: (يوهم الغلط فيجب التوقف فيه) ش: وفي " المحيط " إن تفرد الواحد والاثنين يورث الرؤية فيه الغلط والكذب والتخيل، والمطالع لا تختلف إلا بالمسافة البعيدة الفاحشة م: (حتى يكون جمعاً كثيراً) ش: وكان القياس أن يقال حتى يكون جمع كثير، ولقد رجعت إلى نسخ الكل، جمعاً كثيراً يحتاج إلى تقدير وهو أن يقال حتى يكون القوم من الرائين جمعاً كثيراً، ويقدر نحو ذلك.
م: (بخلاف ما إذا كان بالسماء علة لأنه قد ينشق الغيم عن موضع القمر فيتفق للبعض من الناس النظر) ش: وفي المنافع قصد به أي صاحب الهداية السجع باعتبار ما يؤول إليه وإلا لا يسمى قمراً

(4/29)


موضع القمر فيتفق للبعض من الناس النظر، ثم قيل في حد الكثير أهل المحلة. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - خمسون رجلا اعتبارا بالقسامة ولا فرق بين أهل المصر، ومن ورد من خارج المصر،
وذكر الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه تقبل شهادة الواحد إذا جاء من خارج المصر لقلة الموانع، وإليه الإشارة في كتاب الأسبيجابي، وكذا إذا كان على مكان مرتفع في المصر. قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إلا بعد ليلتين.
وفي " الصحاح " يسمى هلالاً إلى الثلاث م: (ثم قيل في حد الكثير أهل المحلة) ش: وأشار بهذا إلى بيان حد الكثير، الذي قاله حتى يراه جمع كثير، فقال حد الكثير أهل المحلة، ولا يكون أهل المحلة غالباً إلا جمع كثير.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - خمسون رجلاً) ش: أي حد الجمع الكثير خمسون رجلاً م: (اعتباراً بالقسامة) ش: أي هو اعتبار بالقسامة، ويروى اعتبار بالقسامة بالنصب وهو الظاهر، وقيل مائة ذكرها في " خزانة الأكمل "، وعن أبي حفص الكبير أنه يعتبر ألوفاً، وقيل أربعة آلاف ببخارى، قيل وقيل خمسمائة ببلخ، قيل روي ذلك عن خلف، وكذا في هلال شوال، وذي الحجة كرمضان ذكره في الخزانة، وقيل يفوض ذلك إلى رأي الإمام أو القاضي، فإن استقر ذلك في قلبه قبل، وإلا فلا، وقيل هذا قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قلت ما أشبه هذا بقول أبي حنيفة في تفويضه إلى رأي المسلمين به، وما أبعد قول من اشترط أربعة آلاف، أو ألوفاً من الصواب، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يتواتر الخبر من كل جانب يحصل العلم به، وهذا روي عن أبي يوسف وعن أبي يوسف جماعة لا يتصور اجتماعهم على الكذب.
وفي " الخلاصة " مقدار القلة والكثرة مفوض إلى رأي الإمام.
وفي " البدائع " قيل ينبغي أن يكون من كل مسجد واحد أو اثنان. وقيل من كل جماعة رجل أو رجلان م: (ولا فرق) ش: أي [في] عدم القول م: (بين أهل المصر، ومن ورد من خارج المصر) ش: إذا لم تكن بالسماء علة.

م: (وذكر الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه تقبل شهادة الواحد إذا جاء من خارج المصر لقلة الموانع) ش: وهي الغبار والدخان ونحوهما، لأن المطالع تختلف فيه بصفاء الهواء خارج المصر، وكذا كونه في مكان مرتفع في المصر م: (وإليه الإشارة في كتاب الأسبيجابي) ش: أي إلى ما ذكره [الطحاوي، وإليه] الإشارة في كتاب الأسبيجابي ولفظه: فإذا كان الذي يشهد بذلك في المصر ولا علة في السماء لم تقبل شهادته. ووجه الإشارة اليقين في الرواية يدل على نفي ما عداه، فكان تخصيصه بالمصر ونفي العلة في عدم قبول الشهادة دليلاً على قبولها إذا كان شاهد خارج المصر، أو كان في السماء علة م: (وكذا) ش: أي وكذا تقبل م: (إذا كان على مكان مرتفع في المصر. قال) ش: لعدم الموانع.

(4/30)


ومن رأى هلال الفطر وحده لم يفطر احتياطا، وفي الصوم الاحتياط في الإيجاب. قال: وإذا كان بالسماء علة لم تقبل في هلال الفطر إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين لأنه تعلق به نفع العبد وهو الفطر فأشبه سائر حقوقه. والأضحى كالفطر في هذا في ظاهر الرواية وهو الأصح، خلافا لما روي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه كهلال رمضان لأنه تعلق به نفع العباد وهو التوسع بلحوم الأضاحي. وإن لم يكن بالسماء علة لم تقبل إلا شهادة جماعة يقع العلم بخبرهم كما ذكرنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ومن رأى هلال الفطر وحده لم يفطر احتياطاً) ش: لاحتمال كون ذلك اليوم من رمضان وتفرده بالنظر لا يخلو عن علة م: (وفي الصوم الاحتياط في الإيجاب) ش: أي الاحتياط في إيجاب الصوم عليه، وفي " خزانه الأكمل " وفي هلال شوال وحده لا يأكل ولا يروى أيضاً، وفي " المرغيناني " رأى هلال شوال وحده لا يفطر لمكان الاشتباه، وقيل الكل سواء كما قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولو أفطر لا خلاف أن لا كفارة عليه. وفي " المحيط " ذكر شمس الأئمة [السرخسي] من رأى هلال الفطر وحده ولم يقبل القاضي شهادته ماذا يفعل، قال محمد بن سلمة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يمسك يومه ولا ينوي صومه، وقال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يحل أكله وقيل إن [....] أفطر ويأكل سراً.
م: (وإذا كان بالسماء علة لم تقبل في هلال الفطر إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين لأنه تعلق به نفع العبد وهو الفطر، فأشبه سائر حقوقه) ش: ويشترط في الرجلين الحرية وينبغي أن يشترط لفظ العبادة لنفع العبد كسائر حقوقه، وأما الدعوى فينبغي أن لا يشترط كما في عتق الأمة وطلاق الحرة عند الكل وعتق العبد عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -.
وأما على قياس قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فينبغي أن تشترط الدعوى كما في عتق العبد عنده، ولا تقبل شهادة المحدود في القذف، وإن تاب وكذا العبد والأمة وهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في اعتبار لفظ الشهادة وجهان، وعند الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقبل قول الاثنين سواء كانت السماء مصحية أو مغيمة في الفطر لأنه حجة شرعية تثبت بها الحقوق.
م: (والأضحى كالفطر في هذا) ش: أي في أنه لا يقبل إلا شهادة رجلين، كما لا يقبل على هلال شوال م: (في ظاهر الرواية وهو الأصح) ش: أي ظاهر الرواية هو الأصح م: (خلافاً لما روي عن أبي حنيفة أنه كهلال رمضان) ش: أي في قبول شهادة الواحد العدل كما في هلال رمضان.
م: (لأنه تعلق به نفع العباد، وهو التوسع بلحوم الأضاحي) ش: هذا التعليل لظاهر الرواية الذي هو الأصح م: (وإن لم يكن بالسماء علة) ش: يعني في هلال الفطر م: (لم تقبل إلا شهادة جماعة يقع العلم بخبرهم كما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله لأن التفرد بالرؤية في مثل هذه الحالة إلى

(4/31)


قال: ووقت الصوم من حين طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: 187]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
آخره.

[تعريف الصوم ووقته]
م: (قال: ووقت الصوم من حين طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: 187] إلى أن قال: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] (البقرة: الآية 187) والخيطان بياض النهار وسواد الليل) ش: هذا قول فقهاء الأمصار وقد كان وقت الصوم في الابتداء من حين يصلي العشاء أو ينام، وهذا كان في شريعة من قبلنا، فخفف الله عن هذه الأمة وجعل أول وقته من حين طلوع الفجر بقوله تعالى {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} [البقرة: 187] (سورة البقرة: الآية 187) وكان الأعمش - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول أول وقت الصوم إذا طلعت الشمس ونسخ الأكل والشرب بعد طلوع الشمس.
وفي " الدراية " هذا غلط فاحش لا يعتد بخلافه، وذلك لأنه مخالف لنص القرآن، وقال ابن قدامة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يخرج أحد على قوله: وقال السروجي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قد نقل عن جماعة من السلف بموافقته، «وعن زر قلت لحذيفة أي ساعة تسحرت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قال هي النهار إلا أن الشمس لم تطلع» رواه النسائي، وعن حذيفة أنه لما طلع الفجر [تسحر، وعن ابن مسعود مثله، وقال مسروق لم يكونوا يعدون الفجر] فجركم، وإنما كانوا يعدون الفجر إلي يملاً البيوت والطريق قوله من حين طلوع الفجر، قال صاحب " المنافع "، حين بكسر النون لأنه معرب، وإضافته إلى الفرد لا يجوز بناؤه بخلاف قول النابغة الزبياني:
على حين عانيت السبب على الصبي
فإن المختار فيه بناؤه على الفتح لإضافته إلى الجملة، انتهى.
والظرف المضاف إلى الجملة يجوز بناؤه على الفتح والمضاف إلى الفعل المضارع لا يجوز بناؤه عند البصريين وإن كان جملة لأنه معرب بخلاف المضاف إلى الفعل الماضي، وإنما ذلك مذهب الكوفيين والفتحة في قَوْله تَعَالَى: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} [المائدة: 119] (سورة المائدة: الآية 119) ، فتحه إعراب عندهم وهو نصب على الظرفية ولا يجوز أن يكون مبنياً على الفتح ذكره الزمخشري في " الكشاف " بخلاف {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ} [الانفطار: 19] لإضافته إلى الحرف.
وقال ابن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه وجهان، فإن أضيف إلى الجملة الاسمية يعرب.
وقال ابن جني: يبنى قوله والخيطان تثنية خيط وهما بياض النهار وسواد الليل وقوله: {مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] هو الذي بين أنها بياض النهار وسواد الليل لأنه نزل بعد «قوله: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] (سورة البقرة الآية: 187) ، وهذا لما سمع عدي بن حاتم

(4/32)


إلى أن قال: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] (البقرة: الآية 187) ، والخيطان بياض النهار وسواد الليل والصوم هو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع نهارا مع النية، لأنه في حقيقة اللغة: هو الإمساك لورود الاستعمال فيه إلا أنه زيد عليه النية في الشرع لتتميز بها العبادة من العادة، واختص بالنهار لما تلونا، ولأنه لما تعذر الوصال كان تعيين النهار أولى ليكون على خلاف العادة، وعليه مبنى العبادة
والطهارة عن الحيض والنفاس شرط لتحقق الأداء في حق النساء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
هذه الآية علق خيطين أحدهما أبيض والآخر أسود، وكان يأكل حتى يتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود ففعل ذلك يوماً، فإذا الشمس طالعة فجاء إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبره بذلك فتبسم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وقال إنك لعريض القفا، وفي رواية إن وسادتك لعريضة أي منامك طويل، وقال إنما ذلك بياض النهار وسواد الليل» .
وفي " المجتبى " في مبسوط بكر اختلف المشايخ في أن العبرة لأول طلوع الفجر الثاني أم لاستطارته.
قال الحلواني: الأول أحوط والثاني أوسع، وفي " شرح الإرشاد " والباقي أصح والأول أحوط. م: (والصوم هو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع نهاراً مع النية) ش: قيل هذا منقوض طرداً وعكساً، أما عكساً فبأكل الناسي فإن صومه باق والإمساك فائت، وأما طرداً فمن أكل قبل طلوع الشمس بعد طلوع الفجر كما أن النهار [هو] اسم لزمان هو مع الشمس، وكذلك في الحائض النفساء فإن هذا المجموع موجود والصوم فائت، وأجيب عن الأول يمنع فوت الإمساك، لأن المراد بالإمساك الشرعي وهو موجود. وعن الثاني فإن المراد من النهار، النهار الشرعي وهو اليوم بالنص. وعن الثالث بأن بالحيض خرجت عن أهلية الأداء شرعاً، قلت هذا السؤال والجواب للشيخ الإمام العالم بدر الدين الكردري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأنه) ش: أي لأن الصوم م: (في حقيقة اللغة هو: الإمساك لورود الاستعمال) ش: في معنى الإمساك وقد مضى الكلام م: (فيه) ش: في أول الكتاب م: (إلا أنه) ش: أي إلا أن الإمساك م: (زيد عليه النية في [الشرع] لتتميز بها العبادة من العادة) ش: لأن النية هي الأصل في العبادة م: (واختص) ش: أي الصوم م: (بالنهار لما تلونا) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] (البقرة: الآية 187) .
م: (ولأنه) ش: دليل عقلي م: (لما تعذر الوصال) ش: وهو وصل النهار بالليل في الصوم م: (كان تعيين النهار أولى ليكون على خلاف العادة) ش: لأن العادة في النهار الأكل والشرب م: (وعليه) ش: أي على خلاف العادة م: (مبنى العبادة) ش: لأن العبادة في نفسها مسألة وإتعاب النفس ليحصل الأجر، فلو كانت على العادة ما كان لها من ذلك شيء.

[الطهارة عن الحيض والنفاس من شروط الصوم]
م: (والطهارة عن الحيض والنفاس شرط لتحقق الأداء في حق النساء) ش: أي لتحقق أداء

(4/33)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الصوم لأن الحيض والنفاس منافيان للصوم لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إحداكن تقعد شطر عمرها لا تصوم ولا تصلي» فلو كان الصوم مشروعاً معه لما قعدت بخلاف الجنابة حيث لا تمنع الصوم وهو قول عامة أهل العلم منهم علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وأبو الدرداء وأبو ذر وابن عمر وابن عباس وعامر وأم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
وبه قال أصحابنا والثوري وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أهل العراق والشافعي ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أهل الحجاز والأوزاعي في أهل الشام والليث بن سعد في أهل المصر وداود في اأهل الظاهر وإسحاق وأبو عبيد في أهل الحديث، وكان أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: لا صوم له ويروى عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «من أصبح جنباً فلا صوم له ثم رجع عنه» وقال سعيد بن المسيب: رجع أبو عبيدة عن فتواه بذلك، وحكي عن الحسن وسالم بن عبد الله أنه يتم صومه ويقضي. وعن النخعي: يقضي الفرض دون النفل. وعن عروة وطاووس: إن علم بجنابته في رمضان ولم يغتسل فهو مفطر وإن لم يعلم فهو صائم.
وقال الخطابي: حديث أبي هريرة منسوخ، والله أعلم، وبالله التوفيق.

(4/34)